المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكتاب الثاني: كتاب الصلاة أولًا: أبواب حكم ترك الصلاة ثانيًا: أبواب المواقيت. ثالثًا: - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار - ت حلاق - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

الكتاب الثاني: كتاب الصلاة

أولًا: أبواب حكم ترك الصلاة

ثانيًا: أبواب المواقيت.

ثالثًا: أبواب الأذان.

رابعًا: أبواب ستر العورة.

خامسًا: أبواب اللباس.

سادسًا: أبواب اجتناب النجاسات ومواضع الصلوات.

ص: 5

الكتاب الثاني: كتاب الصلاة

أولًا: أبواب حكم ترك الصلاة:

الباب الأول: باب افتراضها ومتى كان.

الباب الثاني: باب قتل تارك الصلاة.

الباب الثالث: باب حجة من كفّر تارك الصلاة.

الباب الرابع: باب حجة من لم يكفر تارك الصلاة، ولم يقطع عليه بخلود في النار ورجاله ما يرجى لأهل الكبائر.

الباب الخامس: باب أمر الصبي بالصلاة تمرينًا لا وجوبًا.

الباب السادس: باب أن الكافر إذا أسلم لم يقض الصلاة.

ثانيًا: أبواب المواقيت

الباب الأول: باب وقت الظهر.

الباب الثاني: باب تعجيلها وتأخيرها في شدة الحر.

الباب الثالث: باب أول وقت العصر وآخره في الاختيار والضرورة.

الباب الرابع: باب ما جاء في تعجيلها وتأيده مع الغيم.

الباب الخامس: باب بيان أنها الوسطى وما ورد في ذلك في غيرها.

الباب السادس: باب وقت صلاة المغرب.

الباب السابع: باب تقديم العَشاء إذا حضر على تعجيل صلاة المغرب.

الباب الثامن: باب جواز الركعتين قبل المغرب.

الباب التاسع: باب في أن تسميتها بالمغرب أولى من تسميتها بالعشاء.

الباب العاشر: باب وقت صلاة العشاء وفضل تأخيرها مع مراعاة حال الجماعة وبقاء وقتها المختار إلى نصف الليل.

ص: 7

الباب الحادي عشر: باب كراهية النوم قبلها والسمر بعدها إلّا في مصلحة.

الباب الثاني عشر: باب تسميتها بالعشاء والعتمة.

الباب الثالث عشر: باب وقت صلاة الفجر وما جاء في التغليس بها والإسفار.

الباب الرابع عشر: باب بيان أن من أدرك بعض الصلاة في الوقت فإنه يتمّها. ووجوب المحافظة على الوقت.

الباب الخامس عشر: باب قضاء الفوائت.

الباب السادس عشر: باب الترتيب في قضاء الفوائت.

ثالثًا: أبواب الأذان

الباب الأول: باب وجوبه وفضيلته.

الباب الثاني: باب صفة الأذان.

الباب الثالث: باب رفع الصوت بالأذان.

الباب الرابع: باب المؤذن يجعل أصبعيه في أذنيه ويلوي عنقه عند الحيعلة ولا يستدير.

الباب الخامس: باب الأذان في أول الوقت وتقديمه عليه في الفجر خاصة.

الباب السادس: باب ما يقول عند سماع الأذان والإقامة وبعد الأذان.

الباب السابع: باب من أذّن فهو يقيم.

الباب الثامن: باب الفصل بين النداءين بجلسة.

الباب التاسع: باب النهي عن أخذ الأجرة على الأذان.

الباب العاشر: باب فيمن عليه فوائت أنه يؤذن ويقيم للأولى، ويقيم لكل صلاة بعدها.

رابعًا: أبواب ستر العورة.

الباب الأول: باب وجوب سترها.

ص: 8

الباب الثاني: باب بيان العورة وحدها.

الباب الثالث؛ باب من لم ير الفخذ من العورة. وقال: هي السوأتان فقط.

- الباب الرابع: باب بيان أن السرّة والركبة ليستا من العورة.

الباب الخامس: باب أن المرأة الحرة كلها عورة إلّا وجهها وكفّيها.

الباب السادس: باب النهي عن تجريد المنكبين في الصلاة إلّا إذا وجد ما يستر العورة وحدها.

الباب السابع: باب من صلّى في قميصٍ غير مزرر تبدو منه عورته في الركوع أو غيره.

الباب الثامن: باب استحباب الصلاة في ثوبين وجوازها في الثوب الواحد.

الباب التاسع: باب كراهة اشتمال الصماء.

الباب العاشر: باب النهي عن السدل والتلثُّم في الصلاة.

الباب الحادي عشر: باب الصلاة في ثوب الحرير والغصب.

خامسًا: أبواب اللباس.

الباب الأول: باب تحريم لبس الحرير والذهب على الرجال دون النساء.

الباب الثاني: باب في أن افتراش الحرير كلبسه.

الباب الثالث: باب إباحة يسير ذلك كالعلَم والرقعة.

الباب الرابع: باب لبس الحرير للمريض.

الباب الخامس: باب ما جاء في لبس الخز وما نسج من حرير وغيره.

الباب السادس: باب نهي الرجال عن المعصفر وما جاء في الأحمر.

الباب السابع: باب ما جاء في لبس الأبيض والأسود والأخضر والمزعفر والملوّنات.

الباب الثامن: باب حكم ما فيه صورة من الثياب والبسط والستور والنهي عن التصوير.

الباب التاسع: باب ما جاء في لبس القميص والعِمامة والسراويل.

ص: 9

الباب العاشر: باب الرخصة في اللباس الجميل واستحباب التواضع فيه وكراهة الشهرة والإسبال.

الباب الحادي عشر: باب نهي المرأة أن تلبس ما يحكي بدنها أو تشبه بالرجال.

الباب الثاني عشر: باب التيامن في اللبس وما يقول من استجدّ ثوبًا.

سادسًا: أبواب اجتناب النجاسات ومواضع الصلوات.

الباب الأول: باب اجتناب النجاسة في الصلاة والعفو عمّا لا يعلم بها.

الباب الثاني: باب حمل المُحْدِث والمستجمر في الصلاة وثياب الصغار وما شك في نجاسته.

الباب الثالث: باب من صلّى على مركوب نجس أو قد أصابته نجاسة.

الباب الرابع: باب الصلاة على الفراء والبسط وغيرهما من المفارش.

الباب الخامس: باب الصلاة في النعلين والخفّين.

الباب السادس: باب المواضع المنهي عنها والمأذون فيها للصلاة.

الباب السابع: باب صلاة التطوّع في الكعبة.

الباب الثامن: باب الصلاة في السفينة.

الباب التاسع: باب صلاة الفرض على الراحلة لعذر.

الباب العاشر: باب اتخاذ متعبدات الكفار ومواضع القبور إذا نبشت مساجد.

الباب الحادي عشر: باب فضل من بنى مسجدًا.

الباب الثاني عشر: باب الاقتصاد في بناء المساجد.

الباب الثالث عشر: باب كنس المساجد وتطييبها وصيانتها من الروائح الكريهة.

الباب الرابع عشر: باب ما يقول إذا دخل المسجد وإذا خرج منه.

الباب الخامس عشر: باب جامع فيما تصان عنه المساجد وما أُبيح فيها.

الباب السادس عشر: باب تنزيه قبلة المسجد عما يلهي المصلي.

الباب السابع عشر: باب لا يخرج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي إلّا لعذر.

ص: 10

[الكتاب الثاني] كتاب الصلاة

قال النووي في شرح مسلم

(1)

: "اختلف العلماء في أصل الصلاة؛ فقيل: هي الدعاء لاشتمالها عليه، وهذا قول جماهير أهل العربية والفقهاء وغيرهم. وقيل: لأنها ثانية لشهادة التوحيد كالمصلي من السابق في خيل الحلبة، وقيل: هي من الصلوين وهما عرقان مع الردف، وقيل: هما عظمان، وقيل: هي من الرحمة، وقيل: أصلها الإقبال على الشيء، وقيل: غير ذلك"، انتهى.

(1)

(4/ 75).

ص: 11

[أولا: أبواب حكم ترك الصلاة]

[الباب الأول] باب افتراضها ومتى كان

1/ 392 - (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]

(1)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إله إلَّا الله وأن مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وحَجِّ البَيتِ، وصَوْمِ رَمَضَانَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْه)

(2)

[صحيح]

قوله: (على خمس) في بعض الروايات خمسة

(3)

بالهاء وكلاهما صحيح، فالمراد برواية الهاء خمسة أركان أو أشياء أو نحو ذلك، وبرواية حذف الهاء خمس خصالٍ أو دعائم أو قواعد أو نحو ذلك.

قوله: (شهادة) بالجر على البدل، ويجوز رفعه خبرًا لمبتدأ محذوف وتقديره أحدها أو منها.

قوله: (وإقام الصلاة)، أي المداومة عليها.

والحديث يدل على أن كمال الإسلام وتمامه بهذه الخمس، فهو كخباء أقيم على خمسة أعمدة، وقطبها الذي يدور عليه الأركان الشهادة وبقية شعب الإيمان كالأوتاد للخباء. فظهر من هذا التمثيل أن الإسلام غير الأركان كما أن البيت غير الأعمدة والأعمدة غيره، وهذا مستقيم على مذهب أهل السنّة؛ لأن الإسلام عندهم التصديق بالقول والعمل

(4)

.

والحديث أورده عبد الله بن عمر

(5)

في جواب من قال له: ألَا تَغْزُو؟

(1)

زيادة من (ج).

(2)

أحمد في "المسند"(2/ 26، 93)، والبخاري في "صحيحه" رقم (8)، ومسلم في "صحيحه" رقم (16).

(3)

كرواية مسلم رقم (19/ 16).

(4)

انظر: "معارج القبول" للحكمي (2/ 723 - 762) بتحقيقي.

(5)

أخرجه مسلم رقم (22/ 16).

ص: 13

فقالَ: إنّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "بُنِي الإسلام" الحديث، فاستدل به ابن عمر على عدم وجوب غير ما اشتمل، ومن جملة ذلك الغزو؛ لأن الإسلام بني على خمس ليس هو منها.

قال النووي في شرح مسلم

(1)

: أعلم أن هذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين، وعليه اعتماده، وقد جمع أركانه.

2/ 393 - (وَعَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قَالَ: "فُرِضَتْ عَلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّلواتُ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِهِ خَمْسِينَ، ثُمَّ نَقَصَتْ حتَّى جُعِلَتْ خَمْسًا، ثُمَّ نُودِيَ يَا مُحَمَّدُ إنَّهُ لا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَكَ بِهذِهِ الخَمْسِ خَمْسِينَ" رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

والنَّسَائِيُّ

(4)

والتِّرْمِذِيّ

(5)

وَصَحَّحَهُ) [صحيح]

الحديث في الصحيحين

(6)

بلفظ: "هي خمس وهي خمسون"، وبلفظ:"هنَّ خمس وهنّ خمسون"، والمراد أنها خمس في العدد خمسون في الأجر والاعتداد.

والحديث طرف من حديث الإسراء الطويل.

وقد استدلّ به على عدم فرضية ما زاد على الخمس الصلوات كالوتر، وعلى دخول النسخ في الإنشاءات، ولو كانت مؤكدة خلافًا لقوم فيما أكد. وعلى جواز النسخ قبل الفعل

(7)

، وإليه ذهبت الأشاعرة

(8)

.

(1)

(1/ 179).

(2)

زيادة من (ج).

(3)

في "المسند"(3/ 161).

(4)

في "سننه"(1/ 217).

(5)

في "سننه" رقم (213) وقال: حديث حسن صحيح غريب.

قلت: وأخرجه عبد بن حميد رقم (1158 - المنتخب)، وهو حديث صحيح.

(6)

البخاري رقم (349)، ومسلم رقم (263/ 163).

قلت: وأخرجه أبو عوانة (1/ 118 - 120 رقم 354)، وابن حبان رقم (7406)، وابن منده رقم (714)، والبغوي رقم (3754).

(7)

قال الشوكاني في "إرشاد الفحول (ص 615) بتحقيقي: "

وأما النسخُ قبل علم المكلّفِ بوجوب ذلك الفعل عليه كما إذا أمر الله تعالى جبريل عليه السلام أن يُعَلِّمَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بوجوب شيء على الأمة ثم ينسَخُه قبل أن يعلموا به، فحكى السمعانيُّ في ذلك الاتفاقَ على المنع" اهـ.

انظر: "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص 614 - 618)، و"البحر المحيط"(4/ 81)، و"الكوكب المنير"(3/ 532)، و"اللمع"(ص 31).

(8)

الأشاعرة: هم طائفة من أهل الكلام ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري، الإمام المتكلم المعروف. =

ص: 14

قال ابن بطال

(1)

وغيره في بيان وجه الدلالة: ألا ترى أنه عز وجل نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلَّى، ثم تفضل عليهم بأن أكمل لهم الثواب، وتعقّبه ابن المنيِّر

(2)

فقال: هذا ذكره طوائف من الأصوليين والشرّاح، وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالأشاعرة أو منعه كالمعتزلة، لكونهم اتفقوا جميعًا على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ، وحديث الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ فهو مشكل عليهم جميعًا، قال: وهذه نكتة مبتكرة.

قال الحافظ في الفتح: قلت: إن أراد قبل البلاغ لكل أحد فممنوع، وإن أراد قبل البلاغ إلى الأمة فمسلَّم، ولكن قد يقال: ليس هو بالنسبة إليهم نسخًا، لكن هو نسخ بالنسبة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنَّه كلف بذلك قطعًا ثم نسخ بعد أن بلَغه وقبل أن يفعل، فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلى الله عليه وسلم.

3/ 394 - (وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: "فُرِضَتِ الصَّلاةُ رَكْعَتَينِ ثُمَّ هاجَرَ فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، وتُرِكَتْ صَلاةُ السَّفَرِ على الأوَّلِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

والْبُخَارِيُّ)

(4)

[صحيح]

= وكانت له ثلاثة أطوار:

أوَّلها: انتماؤه إلى المعتزلة، يقول بقولهم، ويأخذ بأصولهم، حتى صار إمامًا لهم.

ثانيها: خروجه عليهم، ومعارضته لهم بأساليب متوسطة بين أساليبهم ومذهب السلف، وقد سلك في هذا الطور طريقة عبد الله بن سعيد بن كلّاب.

ثالثها: انتقاله إلى مذهب السلف وتأليفه في ذلك كتابه "الإبانة في أصول الديانة" وأمثاله، وقد أراد أن يلقى الله على ذلك.

وبناءً على هذا فإن اللقب (الأشاعرة) ينصرف عند الإطلاق إلى أولئك الذين اتّبعوه في الطور الثاني

انظر: "تعليق محب الدين الخطيب على المنتقى من "منهاج الاعتدال" للذهبي (ص 44) ط. الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية، الرياض 1409 هـ.

و"الإبانة في أصول الديانة"، تحقيق د. فوقية حسين محمود (ص 28 - 36).

(1)

في شرحه لصحيح البخاري (2/ 13)، وذكره الحافظ في "فتح الباري"(1/ 463).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 463).

(3)

في "المسند"(6/ 234).

(4)

في "صحيحه" رقم (3935) ورقم (350).

قلت: وأخرجه مسلم رقم (685)، وأبو داود رقم (1198)، والنسائي رقم (1/ 225، 226).

ص: 15

زاد أحمد

(1)

من طريق ابن كيسان: "إلا المَغْرِبَ فإنَّهَا كانَتْ ثَلَاثًا".

والحديث يدل على وجوب القصر، وأنَّه عزيمة لا رخصة، وقد أخذ بظاهره الحنفية

(2)

والهادوية

(3)

، واحتجّ مخالفوهم بقوله سبحانه:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}

(4)

، [ونفي]

(5)

الجناح لا يدلّ على العزيمة، والقصر إنما يكون من شيء أطول منه. قالوا: ويدلّ على أنه رخصة قوله صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَةٌ تصدَّقَ اللَّهُ بها عليكُمْ"

(6)

، وأجابوا عن حديث الباب بأنه من قول عائشة غير مرفوع، وبأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة، قاله الخطابي

(7)

وغيره.

قال الحافظ

(8)

: "وفي هذا الجواب نظر، أما أوّلًا فهو مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع، وأما ثانيًا فعلى تقدير تسليم أنها لم تدرك القصة يكون مرسل صحابي

(9)

وهو حجة لأنَّه يحتمل أن يكون أخذه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي آخر أدرك ذلك". وأمّا قول إمام الحرمين: لو كان ثابتًا لنقل متواترًا ففيه نظر؛ لأن التواتر في مثل هذا غير لازم.

وقالوا أيضًا: يعارض حديث عائشة هذا حديث ابن عباس: "فرضت الصلاة في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين"، أخرجه مسلم

(10)

.

(1)

في "المسند" رقم (5/ 92 رقم 1204 - الفتح الرباني).

(2)

انظر: "البناية في شرح الهداية للعيني (3/ 10 - 14).

(3)

انظر: "البحر الزخار"(2/ 41).

(4)

سورة النساء، الآية (101).

(5)

في (ج): (ومعنى) وهو خطأ.

(6)

وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد (1/ 25)، ومسلم رقم (686)، وأبو داود رقم (1199)، والترمذي رقم (3034)، وابن ماجه رقم (1065) من حديث يعلى بن أمية.

(7)

في "معالم السنن"(2/ 5) هامش السنن.

(8)

في "فتح الباري"(1/ 464).

(9)

قال الخطيب البغدادي في "الكفاية"(ص 385): "مراسيل الصحابة كلهم مقبولة لكون جميعهم عدولًا مرضيين، وأن الظاهر فيما أرسله الصحابي ولم يبين السماع فيه أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من صحابي سمعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأمّا من روى منهم عن غير الصحابة فقد بيَّن في روايته ممن سمعه وهو أيضا قليل نادر فلا اعتبار به، وهذا هو الأشبه بالصواب عندنا" اهـ.

وانظر: "التبصرة والتذكرة"(1/ 156)، و"فتح المغيث"(1/ 134).

(10)

في "صحيحه" رقم (687).

ص: 16

والجواب: أنه يمكن الجمع بين حديث عائشة وابن عباس فلا تعارض، وذلك بأن يقال إن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة إلا الصبح كما روى ابن خزيمة

(1)

وابن حبان

(2)

والبيهقي

(3)

عن عائشة، قالت:"فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن، زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة، وصلاة المغرب لأنها وتر النهار"، انتهى.

ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية السابقة.

ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في شرح المسند

(4)

: إن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة وهو مأخوذ مما ذكره غيره أن نزول آية الخوف كان فيها.

وقيل: كان قصر الصلاة في ربيع الآخر من السنة الثانية ذكره الدولابي، وأورده السهيلي بلفظ: بعد الهجرة بعام أو نحوه. وقيل: بعد الهجرة بأربعين يومًا، فعلى هذا المراد بقول عائشة:"فأقرت صلاة السفر"، أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف.

والمصنف ساق الحديث للاستدلال به على فرضية الصلاة لا أنها استمرّت

(1)

في "صحيحه" رقم (305)، وقال أبو بكر:"هذا حديث غريب لم يسنده أحد أعلمه غير محبوب بن الحسن. رواه أصحاب داود، فقالوا: عن الشعبي عن عائشة خلا محبوب بن الحسن" اهـ.

وأخرجه أحمد في "المسند"(6/ 241) و (6/ 265) من طريقين عن داود به، منقطعًا لأن الشعبي لم يسمع من عائشة كما قال الحاكم وغيره.

(2)

في "صحيحه" رقم (2738).

(3)

في "السنن الكبرى"(3/ 143).

وخلاصة القول أن الحديث صحيح لغيره.

(4)

هو شرح لـ"مسند الشافعي" ذكره له الذهبي في "السير"(21/ 490)، واسمه:"الشافي في شرح مسند الشافعي".

له نسخة خطية في دار الكتب المصرية، وعنها مصورة بمعهد المخطوطات العربية

وانظر: "كشف الظنون"(2/ 1683).

"معجم المصنفات الواردة في فتح الباري"(ص 248 - 249).

ص: 17

منذ فرضت فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة، ولعلّه يأتي تحقيق ما هو الحق في باب صلاة السفر

(1)

إن شاء الله تعالى.

4/ 395 - (وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله [رضي الله تعالى عنه]

(2)

: "أن أعْرَابِيًا جاءَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ثَائِرَ الرَّأسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أخبِرْنِي مَا فَرَضَ الله عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: "الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ إلا أَنْ تَطوَّعَ شَيئًا"، قالَ: أخْبِرْنِي مَا فَرَضَ الله عَلَى مِنَ الصِّيَامِ؟ قَالَ: "شَهْرُ رَمَضَانَ إلَّا أَنْ تَطوَّعَ شَيئًا"، قالَ: أخْبِرْنِي مَا فَرَضَ الله عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قالَ: فأخْبَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِشَرَائِعِ الإسْلَامِ كُلِّهَا، فَقَالَ: وَالَّذِي أكْرَمَكَ لا أطَّوَّعُ شَيْئًا وَلا أنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ الله عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أفْلَحَ إنْ صَدَقَ"، أوْ "دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(3)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا أبو داود

(4)

، والنسائي

(5)

، ومالك في الموطأ

(6)

، وغير هؤلاء

(7)

.

قوله: (أن أعرابيًا)[و](2) في رواية: جاء رجل "زاد أبو داود

(8)

: من أهل نجد"، وكذا في مسلم

(9)

والموطأ

(10)

.

قوله: (ثائر الرأس) هو مرفوع على الوصف على رواية "جاء رجل"، ويجوز نصبه على الحال، والمراد أن شعره متفرق من ترك الرفاهية، ففيه إشارة إلى قرب عهده بالوفادة، وأوقع اسم الرأس على الشعر إما مبالغة، أو لأن الشعر منه ينبت.

قوله: (إلا أن تطَّوّع) بتشديد الطاء والواو، وأصله تتطوّع بتاءين فأدغمت إحداهما، ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحداهما.

قوله: (والذي أكرمك)، وفي رواية إسماعيل بن جَعْفَر عند البخاري

(11)

: "والله".

(1)

عند الأحاديث رقم (1/ 1155) و (2/ 1156) من كتابنا هذا.

(2)

زيادة من (ج).

(3)

أحمد في "المسند (1/ 162)، والبخاري رقم (46)، ومسلم رقم (8/ 11).

(4)

في "سننه" رقم (391).

(5)

في "سننه" رقم (1/ 226 - 228).

(6)

(1/ 175 رقم 94).

(7)

كالبيهقي (2/ 466).

(8)

في "سننه" رقم (391).

(9)

في "صحيحه" رقم (8/ 11).

(10)

برقم (94).

(11)

في "صحيحه" برقم (2678).

ص: 18

قوله: (أفلح إن صدق) وقع عند مسلم

(1)

من رواية إسماعيل بن جعفر: "أفلحَ وأبيهِ إنْ صدقَ"، أو "دخلَ الجنَّةَ وأبيهِ إنْ صدقَ"، ولأبي داود

(2)

مثله.

فإن قيل: ما الجامع بين هذا وبين النهي عن الحلف بالآباء؟ أجيب عن ذلك بأنه كان قبل النهي، أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف، أو فيه إضمار اسم الرب كأنه قال: ورب أبيه، أو أنه خاص ويحتاج إلى دليل. وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنّه قال: هو تصحيف، وإنما كان والله فقصرت اللّامان، واستنكره القرطبي، وغفل القرافي فادّعى أن الرواية بلفظ "وأبيه" لم تصح

(3)

، وكأنه لم يرتض الجواب فعدل إلى ردّ الخبر وهو صحيح لا مرية فيه.

قال الحافظ

(4)

: وأقوى الأجوبة الأولان.

والحديث يدلّ على فرضية الصلاة وما ذكر معها على العباد.

قال المصنف

(5)

رحمه الله: وفيه مستدل لمن لم يوجب صلاة الوتر ولا صلاة العيد، انتهى.

وقد أوجب قوم الوتر، وآخرون ركعتي الفجر، وآخرون صلاة الضحى، وآخرون صلاة العيد، وآخرون ركعتي المغرب، وآخرون صلاة التحية، ومنهم من لم يوجب شيئًا من ذلك وجعل هذا الحديث صارفًا لما ورد بعده من الأدلة المشعرة بالوجوب.

وفي الحديث أيضًا دليل على عدم وجوب صوم عاشوراء وهو إجماع

(6)

.

(1)

في "صحيحه" برقم (9/ 11).

(2)

في "سننه" برقم (392).

(3)

وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(16/ 158): "وهذه لفظة - إن صحت - فهي منسوخة لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالآباء وبغير الله" اهـ.

(4)

في "فتح الباري"(1/ 108).

(5)

أي ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 187).

(6)

قال النووي في "المجموع"(6/ 249): "فرع": "لا يجب صوم غير رمضان بأصل الشرع بالإجماع، وقد يجب بنذر وكفارة وجزاء صيد ونحوه".

وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(22/ 148): "وأجمع العلماء على أن لا فرض في الصوم غير شهر رمضان

" اهـ. =

ص: 19

وأنَّه ليس في المال حقّ سوى الزكاة

(1)

، وفيه غير ذلك.

وفي جعل هذا الحديث دليلًا على عدم وجوب ما ذكر نظر عندي؛ لأن ما وقع في مبادي التعاليم لا يصح التعلّق به في صرف ما ورد بعده وإلا لزم قصر واجبات الشريعة بأسرها على الخمس المذكورة، وإنه خرق للإجماع وإبطال لجمهور الشريعة، فالحق أنه يؤخذ بالدليل المتأخّر إذا ورد موردًا صحيحًا ويعمل بما يقتضيه من وجوب أو ندب أو نحوهما، وفي المسألة خلاف، وهذا أرجح القولين. والبحث مما ينبغي لطالب الحقّ أن يمعن النظر فيه ويطيل التدبّر، فإن معرفة الحقّ فيه من أهم المطالب العلمية لما ينبني عليه من المسائل البالغة إلى حدّ يقصر عنه العد.

وقد أعان الله وله الحمد، على جمع رسالة في خصوص هذا المبحث، وقد أشرت إلى هذه القاعدة في عدة مباحث في غير هذا الباب، وهذا موضع عرض ذكرها فيه.

[الباب الثاني] باب قتل تارك الصلاة

5/ 396 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]

(2)

أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ التَاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لَا إله إلا الله وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقّ الإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله عز وجل"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

= وقال في "الاستذكار"(10/ 133): "قال أبو عمر: لا يختلف العلماء أن يوم عاشوراء ليس بفرض صيامُه" اهـ.

(1)

انظر ما كتبته عن هذه المسألة في تحقيقي لـ "إرشاد السائل إلى دلائل المسائل" للشوكلاني (ص 55 - 60).

(2)

زيادة من (ج).

(3)

البخاري رقم (25)، ومسلم رقم (22).

قلت: وابن منده في "الإيمان" رقم (25)، والبيهقي (3/ 367) و (8/ 177)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (33)، وابن حبان رقم (175).

وهو حديث صحيح.

ص: 20

وَلِأَحْمَدَ

(1)

مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ) [صحيح]

قوله: (أُمرت)، قال الخطابي

(2)

: معلوم أن المراد بقوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" أهل الأوثان دون أهل الكتاب - لأنهم يقولون: لا إله إلا الله - ويُقَاتَلُون، ولا يُرفع عنهم السيف، وهذا التخصيص بأهل الأوثان إنما يحتاج إليه في الحديث الذي اقتصر فيه على ذكر الشهادة، وجعلت لمجردها موجبة للعصمة.

وأمّا حديث الباب فلا يحتاج إلى ذلك لأن العصمة متوقفة على كمال تلك الأمور، ولا يمكن وجودها جميعًا من غير مسلم.

(1)

وهو حديث صحيح له طرق:

أ - سعيد بن المسيب، عنه:

أخرجه مسلم رقم (33/ 21)، والنسائي رقم (6/ 4 - 5، 6، 7)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 213)، وابن منده في "الإيمان" رقم (23) و (199) و (200).

قال ابن منده (1/ 163): "هذا حديث غريب من حديث الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، رواه جماعة عنه غير يونس، فيهم مقال.

2 -

عُبيدُ الله بن عبدِ الله بن عتبة، عنه:

أخرجه البخاري رقم (1399) و (6924) و (7284، 7285)، ومسلم رقم (32/ 20)، وأبو داود رقم (1556)، والنسائي رقم (5/ 14 - 15) و (6/ 5)، والترمذي رقم (2607) وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد (2/ 423، 528)، وابن منده في الإيمان رقم (24) و (215) و (216) من طريق الزهري، عنه.

قال ابن منده (1/ 165): "هذا إسناد مجمع على صحته من حديث الزهري، عنه مشهور".

3 -

أبو صالح، عنه:

أخرجه مسلم رقم (35/ 21)، وأبو داود رقم (2640)، والترمذي رقم (2606) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (3927)، وأحمد (2/ 377)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 213)، وابن منده في الإيمان رقم (26) و (28).

4 -

عبد الرحمن بن يعقوب، عنه:

أخرجه مسلم رقم (34/ 21)، والدارقطني (2/ 89 رقم 4)، وابن منده في الإيمان رقم (196، 197، 198).

وانظر بقية طرق هذا الحديث في تخريجي لرسالة الإمام الشوكاني "إرشاد السائل إلى دلائل المسائل"(ص 32 - 36).

(2)

في "معالم السنن"(2/ 206) - هامش السنن.

ص: 21

والحديث يدلّ على أن من أخلّ بواحدة منها فهو حلال الدم والمال إذا لم يتب، وسيأتي ذكر الخلاف وبيان ما هو الحق في الباب الذي بعد هذا

(1)

. وفي الاستتابة وصفتها ومدتها خلاف معروف في الفقه

(2)

.

قوله: (إلا بحق الإسلام)، المراد ما وجب به في شرائع الإسلام إراقة الدم كالقصاص وزنا المحصن ونحو ذلك، أو حل به أخذ جزء من المال كأروش الجنايات وقيم المتلفات وما وجب من النفقات وما أشبه ذلك.

قوله: (وحسابهم على الله)، المراد فيما يستسرّ به ويخفيه دون ما يعلنه ويبديه.

وفيه أن من أظهر الإسلام وأسرّ الكفر يقبل إسلامه في الظاهر، وهذا قول أكثر العلماء. وذهب مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل، ويحكى ذلك عن أحمد بن حنبل، قاله الخطابي

(3)

.

وذكر القاضي عياض معنى هذا، وزاد عليه وأوضحه.

قال النووي

(4)

: "وقد اختلف أصحابنا في قبول توبةِ الزنديق وهو الذي ينكر الشرع جملة، قال: فذكروا فيه خمسة أوجه لأصحابنا، والأصوب فيها قبولها مطلقًا للأحاديث الصحيحة المطلقة؛ والثاني: لا تقبل ويتحتم قتله، لكنه إن صدق في توبته نفعه ذلك في الدار الآخرة فكان من أهل الجنّة. والثالث: إن تاب مرة واحدة قبلت توبته، فإن تكرر ذلك منه لم تقبل. والرابع: إن أسلم ابتداء من غير طلب قبل منه، وإن كان تحت السيف فلا. والخامس: إن كان داعيًا إلى الضلال لم يقبل منه وإلا قبل".

قال النووي

(5)

أيضًا: ولا بدّ مع هذا: يعني القيام بالأمور المذكورة في الحديث من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الرواية

(1)

أي في الباب الثاني (باب قتل تارك الصلاة) عند الحديث رقم (5/ 396).

(2)

انظر: "المغني" لابن قدامة (12/ 264 - 306) كتاب المرتد.

(3)

في "معالم السنن"(2/ 207) - هامش السنن.

(4)

في "شرحه لصحيح مسلم"(1/ 207).

(5)

في "شرحه لصحيح مسلم"(1/ 207).

ص: 22

الأخرى التي أشار إليها المصنف [رحمه الله تعالى]

(1)

وهي من حديث أبي هريرة في صحيح مسلم

(2)

بلفظ: "حتَّى يَشْهَدُوا أن لا إله إلا الله، ويُؤمنوا بي وبما جئتُ به، فإذا فعَلُوا ذلك عَصَمُوا منِّي دماءَهم وأموالَهُمْ إلَّا بحقها".

6/ 397 - (وعَنْ أنَسِ بْنِ مالكٍ [رضي الله تعالى عنه] (1) قالَ: "لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ارْتَدَّتِ العَرَبُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا أبا بَكْرٍ كَيْفَ نُقَاتِلُ العَرَبَ؟ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّما قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتى يَشْهَدُوا أنْ لا إله إلَّا الله وأني رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، ويُؤْتُوا الزكاةَ"، رَوَاهُ النَّسائيّ)

(3)

. [صحيح لغيره].

الحديث أخرجه أيضًا البيهقي في السنن

(4)

[وإسناده في سنن النَّسَائِي هكذا: أخبرنا محمد بن بشَّار، حدَّثنا عمرو بنُ عاصم، حدَّثنا عِمْرانُ أبو العوَّامِ، حدَّثنا مَعْمَرٌ عن الزهريِّ عن أنس فذكره، وكلهم من رجال الصحيح إلا عِمْران أبو العوَّام فإنه صدوق يَهِم

(5)

.

ولكن قد ثبت]

(6)

معناه في الصحيحين

(7)

لكن بدون أنه قال ذلك أبو بكر في مراجعته لعمر، بل الذي فيهما أن عمر احتج على أبي بكر لما عزم على قتال أهل الردَّة بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أُمرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حتى يقولُوا لا إله إلَّا اللَّهُ،

(1)

زيادة من (ج).

(2)

برقم (34/ 21).

(3)

في "سننه"(6/ 6 - 7 رقم 3094).

(4)

في "السنن الكبرى"(2/ 3، 92).

(5)

عمران بن دَاوَر، أبو العَوَّام، القطّان البصري، صدوق يهم ورُمِيَ برأي الخوارج، من السابعة. انظر:"التقريب" رقم (5154).

وقال المحرران: (بل ضعيفٌ يعتبر به في المتابعات والشواهد. فقد ضعفه أبو داود، والنسائي، والعقيلي، وابن معين في رواية الدوري، وابن محرز. وقال في رواية عبد الله بن أحمد، عنه: صالح الحديث، وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث، وقال البخاري: صدوق يهم. وقال الدارقطني: كان كثير المخالفة والوهم. وقال ابن عدي: وهو ممن يكتب حديثه (يعني في المتابعات والشواهد) ووثّقه العجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات") اهـ.

انظر: "الضعفاء" للنسائي رقم (502)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (6/ 425)، و"الجرح والتعديل"(6/ 297)، و"الكاشف"(2/ 300)، و"المغني" رقم (2/ 478)، و "الميزان"(3/ 236)، و"لسان الميزان"(7/ 322)، و"خلاصة تهذيب الكمال"(ص 295).

(6)

زيادة من (أ) و (ب) و (ج) بدلًا عما بين الحاصرتين (و).

(7)

البخاري رقم (1399 و 1400)، ومسلم رقم (32/ 20).

ص: 23

فمَنْ قالَ لا إله إلا الله فقَدْ عَصَمَ نفسه وماله، فقال له أبو بكر: واللَّهِ لأقاتلنَّ من فرَّق بينَ الصلاةِ والزكاةِ، فإنَّ الزكاةَ حق المالِ، واللَّهِ لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه".

قال النووي

(1)

: "وفي استدلال أبي بكر واعتراض عمر رضي الله عنهما دليل على أنهما لم يحفظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن عمر

(2)

وأنس

(3)

وأبو هريرة

(4)

[رضي الله تعالى عنهم]

(5)

- يعني من الأحاديث التي فيها ذكر الصلاة والزكاة - فإن عمر لو سمع ذلك لما خالف ولما كان احتجّ بالحديث، فإنّه بهذه الزيادة حجّة عليه، ولو سمع أبو بكر هذه الزيادة لاحتجّ بها ولما احتجّ بالقياس والعموم"، انتهى. وإنما ذكرنا هذا الكلام للتعريف بأن المشهور عند أهل الصحيح والشارحين له خلاف ما ذكره النَّسَائِي في هذه الرواية.

وسيأتي الكلام على مراجعة أبي بكر وعمر مبسوطًا في كتاب الزكاة

(6)

.

والحديث يدلّ على ما دلّ عليه الذي قبله من أن المخل بواحدة من هذه الخصال حلال الدم ومباح المال.

7/ 398 - (وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ [رضي الله تعالى عنه] (5) قالَ: بَعَثَ عَلِيُّ [رضي الله تعالى عنه](5) وَهُوَ بِالْيَمَنِ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، اتَّقِ الله، فَقالَ:"وَيْلَكْ أوَ لَسْتُ أحَقَّ أهْلِ الأرْضِ أنْ يَتَّقِيَ الله"، ثُمَّ وَلَى الرَّجُلُ، فَقالَ خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: يا رَسُولَ الله ألا أضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فقالَ: "لا لَعَلَّهُ أنْ يَكُونَ يُصَلِّي"، فَقالَ خالِدٌ: وكَمْ مِنْ مُصَلّ يَقُولُ بِلِسانِهِ ما لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنّي لَمْ أُومَرْ أنْ أنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلا أشُقَّ بُطُونَهُمْ"، مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(7)

. [صحيح]

(1)

في "شرحه لصحيح مسلم"(1/ 206).

(2)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه برقم (5/ 396) من كتابنا هذا.

(3)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه برقم (6/ 397) من كتابنا هذا.

(4)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه عقب رقم الحديث (5/ 396) من كتابنا هذا.

(5)

زيادة من (ج).

(6)

الكتاب الرابع عند الحديث رقم (3/ 1532) من كتابنا هذا.

(7)

أحمد (3/ 4)، والبخاري رقم (3344)، ومسلم رقم (1064).

ص: 24

الحديث اختصره المصنف [رحمه الله تعالى]

(1)

وترك أطرافًا من أوائله، وتمامه: قال: "ثم نظر إليه وهو مقف فقال: إنه يخرج من ضِئْضِئي هذا قوم يتلون كتاب الله لينًا رطبًا لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود" انتهى.

قوله: (بذُهيبة) على التصغير، وفي رواية:"بذَهبة" بفتح الذّال.

قوله: (بين أربعة) هم عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل، كذا في صحيح مسلم

(2)

.

قال النووي

(3)

: "قال العلماء: ذكر عامر هنا غلط ظاهر لأنَّه توفي قبل هذا بسنين، والصواب الجزم بأنه علقمة بن علاثة كما هو مجزوم به، في باقي الروايات".

قوله: (فقال خالد بن الوليد)[و](1) في رواية عمر بن الخطاب وليس بينهما تعارض بل كل واحد منهما استأذن فيه.

قوله: (لعله أن يكون يصلي) فيه أن الصلاة موجبة لحقن الدم، ولكن مع بقية الأمور المذكورة في الأحاديث الآخرة.

قوله: (لم أومر أن أنقب الخ) معناه: إني أُمرت بالحكم بالظاهر والله متولّي السرائر كما قال صلى الله عليه وسلم: "فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"

(4)

.

والحديث استدلّ به على كفر الخوارج

(5)

لأنهم المرادون بقوله في آخره:

(1)

زيادة من (ج).

(2)

في "شرحه لصحيح مسلم"(7/ 162).

(3)

في "شرحه لصحيح مسلم"(7/ 162 - 163).

(4)

تقدم تخريجه برقم (5/ 396) من كتابنا هذا.

(5)

الخوارج في اللغة جمع خارج وخارجي اسم مشتق من الخروج، وقد أطلق علماء اللغة كلمة الخوارج في آخر تعريفاتهم اللغوية في مادة "خرج" على هذه الطائفة من الناس، معلّلين ذلك بخروجهم عن الدين أو على الإمام علي أو لخروجهم على الناس.

"تهذيب اللغة"(7/ 50)، وتاج العروس (2/ 30).

والخوارج لا يقلون عن عشرين فرقة منها: الأزارقة، والنجدات، والصُّفْرية، والحازمية، والشعبية، والمعلومية، والمجهولية، والحمزية، والشمراخية، والأبراهيمية، والواقفة، والإباضية. =

ص: 25

"قوم يتلون كتاب الله"، كما صرّح بذلك شراح الحديث وغيرهم.

وقد اختلف الناس في ذلك.

قال النووي

(1)

بعد أن صرّح هو والخطابي بأن الحديث وأمثاله يدل على كفر الخوارج، وقد كادت هذه المسألة تكون أشد إشكالًا من سائر المسائل، ولقد رأيت أبا المعالي

(2)

وقد رغب إليه الفقيه عبد الحق

(3)

في الكلام عليها، فاعتذر بأن الغلط فيها يصعب موقعه؛ لأن إدخال كافر في الملّة وإخراج مسلم منها عظيم في الدين.

وقد اضطرب فيها قول القاضي أبي بكر الباقلاني

(4)

، وناهيك به في علم

= ويقال لهم: الشراة، والحرورية، والنواصب المارقة.

وأوّل من خرج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب جماعة ممن كان معه في حرب صفّين، وأشدُّهم خروجًا عليه، ومروقًا من الدين: الأشعث بن قيس الكندي، ومسعر بن فدكي التميمي، وزيد بن حصين الطائي.

انظر: "الملل والنحل"(1/ 131 - 135).

(1)

في "شرحه لصحيح مسلم"(7/ 160).

(2)

هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين: أعلم المتأخّرين من أصحاب الشافعي.

ولد في جوين من نواحي نيسابور (419 هـ - 1028 م)، ورحل إلى بغداد فمكّة، حيث جاور أربع سنين. وذهب إلى المدينة فأفتى ودرّس، جامعًا طرق المذاهب ثم عاد إلى نيسابور.

له مصنّفات كثيرة: منها "العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية - ط"، و"البرهان - ط"، و"الإرشاد - ط"

وتوفي في نيسابور (478 هـ - 1085 م).

- "الإعلام"(4/ 160)، و"طبقات الشافعية"(5/ 165 - 222)، و"النجوم الزاهرة"(5/ 121).

(3)

عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين بن سعيد الأزدي أبو محمد الإشبيلي.

وصنّف الأحكام الصغرى والوسطى وغيرهما

انظر: "الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب"، لابن فرحون (2/ 59 - 61).

(4)

هو محمد بن الطيّب بن محمد بن جعفر، أبو بكر، قاض، من كبار علماء الكلام، انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة. ولد في البصرة سنة (338 هـ - 950 م). وسكن بغداد فتوفي فيها سنة (403 هـ - 1013 م).

كان جيّد الاستنباط، سريع الجواب، من كتبه:"إعجاز القرآن - ط"، و"كشف أسرار الباطنية"، و"التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والخوارج والمعتزلة - ط" وغيرها.

انظر: "الأعلام (6/ 176)، و"تاريخ بغداد" (5/ 379).

ص: 26

الأصول، وأشار ابن الباقلاني إلى أنها من المعوصات، لأن القوم لم يصرّحوا بالتكفير، وإنما قالوا أقوالًا تؤدي إلى ذلك

(1)

.

وأنا أكشف لك نكتة الخلاف وسبب الإشكال، وذلك أن المعتزلي مثلًا إذا قال إن الله تعالى عالم ولكن لا علم له، وحيّ ولا حياة له، وقع الاشتباه في تكفيره، لأنا علمنا من دين الأمة ضرورة أن من قال إن الله ليس بحي ولا عالم كان كافرًا، وقامت الحجة على استحالة كون العالم لا علم له، فهل يقول إن المعتزلي إذا نفى العلم نفى أن يكون الله عالمًا، أو يقول قد اعترف بأن الله تعالى عالم فلا يكون نفيه للعلم نفيًا للعالم هذا موضع الإشكال، قال: هذا كلام الماوردي ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه وجماهير العلماء أن الخوارج

(2)

لا يكفرون.

قال الشافعي

(3)

: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، وهم طائفة من الرافضة يشهدون لموافقيهم في المذهب بمجرد قولهم، فرد شهادتهم لهذا لا لبدعتهم.

(1)

انظر "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص 583 - 585) بتحقيقي.

(2)

والصحيح هو القول بعدم تكفيرهم لما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من إجماع الصحابة على عدم تكفيرهم، وأنه لم يكن في الصحابة من كفّرهم لا علي ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكم المسلمين الظالمين المعتدين.

انظر: "مجموع الفتاوى"(3/ 282) و (5/ 247) و (7/ 217)، و"منهاج السنة النبوية"(5/ 248 - 247).

(3)

أخرج البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 208 - 209) عن يونس بن عبد الأعلى قال: "سمعت الشافعي يقول: أجيز شهادة أهل الأهواء كلهم إلا الرافضة فإنه يشهد بعضهم لبعض".

وأخرج البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 208) عن الربيع قال: قال الشافعي في كتاب أدب القاضي: "إلّا أن يكون منهم من يعرف باستحلال شهادة الزور على الرجل، لأنه يراه حلال الدم، وحلال المال فترد شهادته بالزور، أو يكون منهم من يستحل أو يرى الشهادة للرجل إذا وثق به، فيحلف له على حقّه ويشهد له بالبتّ به ولم يحضره ويسمعه فترد شهادته من قبل استحلاله الشهادة بالزور".

وهذا القول يروى أيضًا عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، حكاه عنه الخطيب البغدادي في الكفاية (ص 125).

ص: 27

وسيأتي الكلام على الخوارج مبسوطًا في كتاب الحدود

(1)

.

وقد استدلّ المصنف [حمه الله تعالى]

(2)

(3)

بالحديث على قبول توبة الزنديق، فقال: وفيه مستدلّ لمن يقبل توبة الزنديق، انتهى.

وقد تقدم الكلام على ذلك، وما ذكره متوقف على أن مجرد قوله لرسول الله [صلى الله عليه وسلم]

(4)

: اتفق الله، زندقة، وهو خلاف ما عرف به العلماء الزنديق

(5)

.

وقد ثبت في رواية أخرى في الصحيح أنّه قال: والله إن هذه قسمة ما عدل فيها وما أُريد فيها وجه الله، والاستدلال بمثل هذا على ما زعمه المصنف [رحمه الله تعالى](2) أظهر.

قال القاضي عياض

(6)

: حكم الشرع أن من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم كفر وقتل، ولم يذكر في هذا الحديث أن هذا الرجل قتل.

قال المازري

(7)

: يحتمل أن يكون لم يفهم منه الطعن في النبوّة وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة، ويحتمل أن يكون استدلال المصنف ناظرًا إلى قوله في الحديث:"لعله يصلي"، وإلى قوله:"لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس"، فإن ذلك يدل على قبول ظاهر التوبة وعصمة من يصلي، فإذا كان الزنديق قد أظهر التوبة وفعل أفعال الإسلام كان معصوم الدم.

8/ 399 - (وَعَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَدِيّ بْنِ الخِيارِ [رضي الله تعالى عنه] (2) أن رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ حدَّثَهُ أنَّه أتى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ في مَجْلِسٍ يُسَارُّهُ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ - مِنَ المُنَافِقِينَ، فَجَهَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ:"ألَيسَ يَشْهَدُ أنْ لَا إله إلَّا الله"؟ قالَ الأنْصاريُّ: بَلَى يَا رَسُولَ الله ولا شَهَادَةَ لَهُ، قال:"أَلَيسَ يَشْهَدُ أن مُحَمَّدًا رَسُولُ الله"؟

(1)

الكتاب التاسع والثلاثون، الباب السادس: باب قتال الخوارج وأهل البغي، عند الأحاديث رقم (26/ 3186) و (27/ 3187) و (28/ 3188) و (29/ 3189) و (30/ 3190) و (31/ 3191) و (32/ 3192) من كتابنا هذا.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

ابن تيمية الجد في كتابه "المنتقى"(1/ 190).

(4)

زيادة من المخطوط (ب).

(5)

تقدم التعريف به.

(6)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" له (3/ 607). ولكن عبارته كالتالي: "من سبَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قتل، ولم يذكر في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقم من هذا القائل" اهـ.

(7)

في "المعلم بفوائد مسلم"(2/ 24 - 25).

ص: 28

قالَ: بَلَى وَلَا شَهَادَةَ لَهُ، قالَ:"أَلَيْسَ يُصَلِّي"؟ قالَ: بَلَى وَلَا صَلَاةَ لَهُ، قال:"أُولئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي الله عَنْ قَتْلِهِمْ"، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ

(1)

وأحْمَدُ

(2)

في مُسْنَدَيْهِمَا). [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا مالك في الموطأ

(3)

.

وفيه دلالة على أن الواجب المعاملة للناس بما يعرف من ظواهر أحوالهم من دون تفتيش وتنقيش، فإن ذلك مما لم يتعبدنا الله به، ولذلك قال:"إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس"

(4)

، وقال لأسامة لما قال له:"إنما قال ما قال يا رسول الله تقية، - يعني الشهادة -: هل شققت عن قلبه؟ "

(5)

.

واعتباره صلى الله عليه وسلم لظواهر الأحوال كان ديدنًا له وهجيرًا في جميع أموره، منها قوله صلى الله عليه وسلم لعمّه العباس لما اعتذر له يوم بدر بأنه مكره، فقال له:"كان ظاهرك علينا"

(6)

، وكذلك حديث:"إنما أقضي بما أسمع، فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذنه إنما أقطع له قطعة من نار"

(7)

، وكذلك حديث:

(1)

في "المسند" رقم (8).

(2)

في "المسند" رقم (5/ 432).

(3)

(1/ 171 رقم 84).

قلت: وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 24) وقال: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وأعاده - أي أحمد في "المسند" (5/ 433) - عن عُبيد الله بن عديّ بن الخِيَار، عن عبد الله بن عدي الأنصاري حدَّثهُ فذكر معناه".

قلت: وإسناده صحيح أيضًا. وعبيد الله بن عدي بن الخيار، يعدّ في الصحابة، ولكن لم يثبت له سماع. ولكن للحديث طريق موصولة كما تقدم.

والخلاصة: فهو حديث صحيح.

(4)

وهو حديث صحيح، تقدم برقم (7/ 398) من كتابنا هذا.

(5)

وهو حديث صحيح.

أخرجه البخاري رقم (4269)، ومسلم رقم (96)، وأبو داود رقم (2643).

(6)

لم أعثر عليه بهذا اللفظ.

بل أخرج الطبري في تفسيره (14/ 73 رقم 16321) عن ابن عباس قال: قال العباس: "فيَّ نزلت {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67]، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامي، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذ مني، فأبَى، فأبدلني الله بها عشرين عبدًا، كلّهم تاجر، مالي في يديه" بإسناد حسن.

(7)

وهو حديث صحيح.

أخرجه البخاري (12/ 339 رقم 6967)، ومسلم (3/ 1337 رقم 4/ 1713) من حديث أمّ سلمة.

ص: 29

"إنما نحكم بالظاهر"

(1)

، وهو وإن لم يثبت من وجه معتبر فله شواهد متفق على صحتها، ومن أعظم اعتبارات الظاهر ما كان منه صلى الله عليه وسلم مع المنافقين من التغاضي والمعاملة بما يقتضيه ظاهر الحال.

[الباب الثالث] باب حُجَّة من كفَّر تاركَ الصَّلاة

9/ 400 - (عَنْ جابِرٍ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَينَ الكُفرِ تَرْكُ الصَّلاةِ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلا البُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيَّ)

(3)

. [صحيح]

الحديث يدلّ على أن ترك الصلاة من موجبات الكفر، ولا خلاف بين المسلمين في كفر من ترك الصلاة منكرًا لوجوبها إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة.

(1)

لا أصل له. وسئل عنه المزي فأنكره، قاله العراقي في: تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في منهاج البيضاوي رقم (78).

وكذلك قال ابن كثير والسخاوي كما في "المقاصد الحسنة" رقم (178)، وأيضًا السيوطي كما في كشف الخفاء للعجلوني رقم (585).

وقال الحافظ ابن حجر في "موافقة الخُبر الخبر"(1/ 181): "هذا حديث اشتهر بين الأصوليين والفقهاء وتكملته: "والله يتولّى السرائِرَ"، ولا وجود له في كتب الحديث المشهورة ولا الأجزاء المنثورة. وقد سئل المزي عنه فلم يعرفه. والذهبي قال: لا أصل له.

قال ابن كثير: يؤخذ معناه من حديث أم سلمة في الصحيحين" اهـ.

قلت: وقد ورد في السنة ما يؤدّي معناه:

• أخرجه مسلم (2/ 1134 رقم 12/ 1497)، والبخاري رقم (5310).

من حديث ابن عباس في قصة الملاعنة: "لو كنت راجمًا أحدًا من غير بينة رجمتها".

• وأخرج البخاري رقم (2641): قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنَّ أناسًا كانوا يؤاخذونَ بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا أمِنَّاهُ وقربناهُ، وليس إلينا من سريرته شيء. الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءًا لم نأمنه ولم نصدقهُ، وإن قالَ: إنَّ سريرته حسنة".

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أحمد في "المسند"(3/ 370)، ومسلم رقم (82)، وأبو داود رقم (4678)، والترمذي رقم (2620)، وابن ماجه رقم (1078).

ص: 30

وإن كان تركه لها تكاسلًا مع اعتقاده لوجوبها كما هو حال كثير من الناس، فقد اختلف الناس في ذلك.

فذهبت العترة والجماهير من السلف والخلف، منهم مالك

(1)

والشافعي

(2)

إلى أنه لا يكفر بل يفسق، فإن تاب وإلا قتلناه حدًّا كالزاني المحصن، ولكنه يقتل بالسيف.

وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر، وهو مرويّ عن علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل، وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي

(3)

.

وذهب أبو حنيفة

(4)

وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزَّر ويحبس حتى يصلي.

احتجّ الأولون على عدم كُفْرِهِ بقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

(5)

، وبما سيأتي في الباب الذي بعد هذا

(6)

من الأدلة، واحتجوا على قتله بقوله تعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}

(7)

، وبقوله صلى الله عليه وسلم:"أُمرتُ أن أقاتلَ النَّاسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله، ويقيمُوا الصَّلاةَ، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءَهم وأموالَهم إلا بحقِّها"، الحديث متفق عليه

(8)

.

(1)

انظر: "الاستذكار"(5/ 345)، و"التمهيد"(4/ 227 - 228).

(2)

انظر: "المهذب"(1/ 182 - 183)، و"المجموع"(3/ 14 - 16).

(3)

انظر: "المجموع"(3/ 18 - 20).

(4)

انظر: "رد المحتار على الدُّرِّ المختار" المعروف بحاشية ابن عابدين (7/ 2).

(5)

سورة النساء، الآية (48).

(6)

الباب الرابع: باب حجة من لم يكفر تارك الصلاة ولم يقطع عليه بخلود في النار، ورجا له ما يرجى لأهل الكبائر، عند الحديث رقم (13/ 404 - 23/ 414) من كتابنا هذا.

(7)

سورة التوبة، الآية (5).

(8)

وهو حديث صحيح متواتر.

• أخرجه البخاري رقم (1399) و (6924) و (7284) و (7285)، ومسلم رقم (32/ 20)، وأبو داود رقم (1556)، والنسائي (5/ 14 - 15) و (6/ 5)، والترمذي رقم (2607) وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد (2/ 423، 528)، وابن منده في =

ص: 31

وتأوّلوا قوله صلى الله عليه وسلم: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة"

(1)

، وسائر أحاديث الباب على أنه مستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل، أو أنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر، أو على أن فعله فعل الكفار.

واحتجّ أهل القول الثاني بأحاديث الباب.

واحتجّ أهل القول الثالث على عدم الكفر بما احتجّ به أهل القول الأول، وعلى عدم القتل بحديث:"لا يحل دمُ امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث"

(2)

، وليس فيه الصلاة.

والحق أنه كافر يقتل، أما كفره فلأن الأحاديث قد صحَّت أن الشارع سمى تارك الصَّلاة بذلك الاسمِ وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة، فتركها مقتض لجواز الإطلاق، ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون لأنا نقول: لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة، ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرًا، فلا ملجئ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها. وأما أنه يقتل فلأن

= "الإيمان" رقم (24) و (215) و (216) من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة.

وقال ابن منده (1/ 165): "وهذا إسناد مجمع على صحته من حديث الزهري وعنه مشهور".

• وأخرجه مسلم رقم (33/ 21)، والنسائي (6/ 4 - 5، 6، 7)، وابن منده في "الإيمان" رقم (23) و (199) و (200) من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.

قال ابن منده (1/ 163): "هذا حديث غريب من حديث الزهري، عن سعيد عن أبي هريرة، رواه جماعة عنه غير يونس، فيهم مقال".

• وأخرجه مسلم رقم (35/ 21)، وأبو داود رقم (2640)، والترمذي رقم (2606) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (3927)، وأحمد (2/ 377)، وابن منده رقم (26) و (28) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة، وله طرق أخرى

(1)

وهو حديث صحيح.

تقدم تخريجه برقم (9/ 400) من كتابنا هذا.

(2)

وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد (1/ 465)، والنسائي (8/ 13)، وابن حبان رقم (5977) من حديث عبد الله بن مسعود.

ص: 32

حديث: "أمرت أن أقاتل الناس"

(1)

، يقضي بوجوب القتل لاستلزام المقاتلة له، وكذلك سائر الأدلة المذكورة في الباب الأول، ولا أوضح من دلالتها على المطلوب، وقد شرط الله في القرآن التخلية بالتوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فقال:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}

(2)

، فلا يُخلَّى من لم يقم الصلاة.

وفي صحيح مسلم

(3)

: "سيكون عليكم أمراء فتعرفون وتُنكرون، فمن أنكرَ فقد برئ عنقُه، ومَنْ كره فقد سَلِمَ، ولكن من رضي وتابعَ"، فقالوا: ألا نقاتلهم؟ قال: "لا ما صَلُّوا"، فجعلَ الصَّلاةَ هي المانعة من مقاتلة أمراءِ الجَوْر.

وكذلك قوله لخالد في الحديث السابق

(4)

: "لعلَّه يُصلِّي"، فجعل المانع من القتل نفس الصلاة، وحديث:"لا يحل دم امرئ مسلنم"(1)، لا يعارض مفهومه المنطوقات الصحيحة الصريحة.

والمراد بقوله في حديث الباب: "بينَ الرجل وبينَ الكفرِ تركُ الصَّلاة"، كما قال النووي

(5)

: إن الذي يمنع من كفره كونه لم يترك الصلاة، فإن تركَها لم يبق بينه وبين الكفر حائل. وفي لفظ لمسلم

(6)

: "بينَ الرجل وبين الشرك والكفرِ تركُ الصَّلاة".

ومن الأحاديث الدالّة على الكفر حديث الربيع بن أنس [عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم]

(7)

: "من ترك الصلاة متعمّدًا فقد كفر جهارًا"، ذكره الحافظ في التلخيص

(8)

. وقال: سئل الدارقطني عنه فقال: رواه أبو النضر عن أبي جعفر عن

(1)

وهو حديث صحيح متواتر، تقدم تخريجه خلال شرح الحديث رقم (9/ 400) من كتابنا هذا.

(2)

سورة التوبة، الآية (5).

(3)

رقم (1854).

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 295)، والترمذي رقم (2265)، وأبو داود رقم (4760) و (4761) من حديث أم سلمة، وهو حديث صحيح.

(4)

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه برقم (7/ 398) من كتابنا هذا.

(5)

في "شرحه لصحيح مسلم"(2/ 71).

(6)

في "صحيحه" رقم (82/ 134).

(7)

زيادة من "التلخيص"(2/ 148) ولا توجد في المخطوط (أ) و (ب) و (جـ).

(8)

(2/ 148). =

ص: 33

الربيع موصولًا وخالفه علي بن الجعد فرواه عن أبي جعفر عن الربيع مرسلًا وهو أشبه بالصواب.

وأخرجه البزار

(1)

من حديث أبي الدرداء بدون قوله: "جهارًا".

وأخرج ابن حبان في الضعفاء

(2)

من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "تارك الصلاة كافر" واستنكره.

ورواه أبو نعيم

(3)

من حديث أبي سعيد، وفيه عطية وإسماعيل بن يحيى وهما ضعيفان.

= قلت: أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (3348) وقال: "لم يروهِ عن أبي جعفر الرازي إلّا هاشم بن القاسم، تفرَّدَ به: محمد بن أبي داود".

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 295) وقال: "ورجاله موثقون إلّا محمد بن أبي داود، فإني لم أجد من ترجمه، وقد ذكر ابن حبان في الثقات محمد بن أبي داود البغدادي، فلا أدري هو هذا أم لا؟ ".

قلت: نسب في رواية الأوسط للطبراني: الأنباري. واسمه: محمد بن سليمان بن أبي داود، أبو هارون الأنباري، وهو ثقة من رجال التهذيب.

انظر "تهذيب الكمال"(25/ 314 - 315).

وخلاصة القول أن الحديث ضعيف، وقد ضعّفه الألباني رحمه الله في الضعيفة رقم (2508).

(1)

لم أعثر عليه في "كشف الأستار" ولا في "مختصر زوائد مسند البزار"، ولا في الأجزاء التسعة المطبوعة من "مسند البزار"، والله أعلم.

وقد عزاه إلى البزار ابن حجر في "التلخيص"(2/ 148).

قلت: أخرج حديث أبي الدرداء "محمد بن نصر المروزي" في "تعظيم قدر الصلاة"(2/ 884 - 885 رقم 911) بلفظ: "أوصاني خليلي أبو القاسم بسبع: لا تشرك بالله شيئًا وإن قظعت، أو حرّقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمّدًا، فمن تركها عمدًا، فقد برئت منه الذمّة، و

"، الحديث.

وأخرجه ابن ماجه رقم (4034)، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (3/ 250): "هذا إسناد حسن، شهر بن حوشب مختلف فيه

".

والخلاصة أن حديث أبي الدرداء حديث حسن لغيره، والله أعلم.

(2)

لم أجده في كتاب "المجروحين".

وقد عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 148) في ترجمة أحمد بن موسى عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه.

(3)

في "الحلية"(7/ 299 رقم 10590) من طريق إسماعيل بن يحيى، عن مسعر، عن عطية، =

ص: 34

قال العراقي: لم يصح من أحاديث الباب إلا حديث جابر المذكور

(1)

، وحديث بريدة الذي سيأتي

(2)

.

وأخرج ابن ماجة

(3)

من حديث أبي الدرداء قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن لا تُشْرِكَ بالله وإن قُطِّعْتَ وحُرِّقْتَ، وأن لا تتركَ صلاةً مكتوبةً متعمِّدًا، فمن تركَها متعمَّدًا فقد برئت منه الذمة، ولا تشربِ الخمرَ فإنها مفتاح كلِّ شرٍّ"، قال الحافظ

(4)

: وفي إسناده ضعف.

ورواه الحاكم في المستدرك

(5)

.

ورواه أحمد

(6)

والبيهقي

(7)

من طريق أخرى وفيه انقطاع.

= عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك صلاة متعمّدًا كتب اسمه على باب النار فيمن يدخلها".

وقال أبو نعيم: تفرّد به صالح، عن إسماعيل عنه.

وقال ابن حجر في "التلخيص"(2/ 148): "وعطية ضعيف، وإسماعيل أضعف منه".

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه رقم (9/ 400) من كتابنا هذا.

(2)

وهو حديث صحيح سيأتي تخريجه رقم (10/ 401) من كتابنا هذا.

(3)

في "سننه" رقم (4034) وهو حديث حسن لغيره تقدم آنفًا.

(4)

في "التلخيص"(2/ 148).

(5)

(4/ 41) من طريق جبير بن نفير، عن أميمة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كنت يومًا أفرغ على يديه وهو يتوضأ، إذ دخل عليه رجل فقال: يا رسول الله إني أريد الرجوع إلى أهلي فأوصني بوصية أحفظها، فقال: "لا تشركنَّ بالله شيئًا وإن قُطعتَ وحُرِّقت بالنار، ولا تعصينَ والدَيْكَ، وإن أمراكَ أن تخلّى من أهلِكَ ودنياكَ فتخلَّ، ولا تترك صلاة متعمّدًا فمن تركها متعمدًا برئت منه ذِمَّةُ الله عز وجل، وذمَّةُ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم، ولا

" الحديث. قال الذهبي: سنده واهٍ.

قلت: وأخرجه محمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(2/ 885 - 886 رقم 912)، والطبراني في "الكبير"(24/ 190 رقم 479)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (4/ 217) وقال:"وفيه يزيد بن سنان الرهاوي، وثّقه البخاري وغيره، والأكثر على تضعيفه، وبقية رجاله ثقات".

وحكم عليه المحدّث الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (9/ 571) بأنه حسن لغيره.

(6)

في "المسند"(6/ 421).

(7)

عزاه إليه المنذري في "الترغيب والترهيب"(8/ 438 - 439 رقم 813) وقال: "

=

ص: 35

ورواه الطبراني من حديث عبادة بن الصامت

(1)

، ومن حديث معاذ بن جبل

(2)

وإسنادهما ضعيفان.

وقال ابن الصلاح

(3)

والنووي

(4)

: إنه حديث منكر.

واختلف القائلون بوجوب قتل تارك الصلاة، فالجمهور أنه يضرب عنقه بالسيف.

وقيل: يضرب بالخشب حتى يموت.

= ورجال أحمد رجال الصحيح إلا أن مكحولًا لم يسمع من أمّ أيمن"، وكذلك قاله الهيثمي في "المجمع" (1/ 295).

وحكم عليه المحدّث الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (573/ 11) بأنه حديث صحيح لغيره.

(1)

أخرجه الطبراني كما في "مجمع الزوائد"(4/ 216) وقال الهيثمي: "وفيه سلمة بن شريح، قال الذهبي: لا يعرف، وبقية رجاله رجال الصحيح".

قلت: وأخرجه محمد بن نصر المروزي (2/ 889 رقم 920).

وقال المنذري في "الترغيب والترهيب"(1/ 432 - 433 رقم 797): "رواه الطبراني، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة بإسنادين لا بأس بهما". بل إنما إسناد واحد، وهو إسناد ضعيف فيه: سلمة بن شريح عن عبادة، قال الذهبي: لا يعرف. "الميزان"(2/ 190 رقم 3402)، وأقزه الحافظ ابن حجر في "اللسان"(3/ 69).

وخلاصة القول أن الحديث ضعيف، وقد ضعفه المحدث الألباني رحمه الله في "ضعيف الترغيب والترهيب" رقم (1/ 300).

(2)

أخرجه الطبراني في "الكبير"(20/ 117 رقم 233) و (234)، وأحمد (5/ 238)، ومحمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(2/ 890 رقم 921)، والطبراني في "الأوسط" رقم (7956)، وأبو نعيم في "الحلية"(318/ 9) رقم (14000) من طرق.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره.

انظر "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (7/ 569، 570/ 8).

(3)

في شرح مشكل الوسيط (2/ 5).

(4)

في "التنقيح في شرح الوسيط"(2/ 5).

وقال الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير"(1/ 173): "فائدة": "قال في الوسيط: قال صلى الله عليه وسلم: "الصلاة عماد الدين"، فقال النووي في التنقيح: هو منكر باطل".

قلت: وليس كذلك، بل رواه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة عن حبيب بن سليم، عن بلال بن يحيى، قال:"جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله؟ فقال: الصلاة عمود الدين"، وهو مرسل رجاله ثقات" اهـ.

ص: 36

واختلفوا أيضًا في وجوب الاستتابة، فالهادوية توجبها وغيرهم لا يوجبها لأنه يقتل حدًا، ولا تسقط التوبة الحدود كالزاني والسارق. وقيل: إنه يقتل لكفره، فقد حكى جماعة الإجماع على كفره كالمرتدّ وهو الظاهر، وقد أطال الكلام المحقّق ابن القيم في ذلك في كتابه في الصلاة

(1)

. والفرق بينه وبين الزاني واضح، فإن هذا يقتل لتركه الصلاة في الماضي وإصراره على تركها في المستقبل، والترك في الماضي يتدارك بقضاء ما تركه بخلاف الزاني فإنه يقتل بجناية تقدمت لا سبيل إلى تركها.

واختلفوا هل يجب القتل لترك صلاة واحدة أو أكثر، فالجمهور أنه يقتل لترك صلاة واحدة، والأحاديث قاضية بذلك، والتقييد بالزيادة على الواحدة لا دليل عليه.

قال أحمد بن حنبل

(2)

: إذا دعي إلى الصلاة فامتنع وقال: لا أصلي، حتى خرج وقتها وجب قتله، وهكذا حكم تارك ما يتوقف صحة الصلاة عليه من وضوء أو غسل أو استقبال القبلة أو ستر عورة، وكل ما كان ركنًا وشرطًا

(3)

.

10/ 401 - (وَعَنْ بُرَيْدَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(4)

قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "العَهْدُ الَّذِي بَينَنا وَبَينَكُمْ الصَّلاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ" رَوَاهُ الخَمْسَةُ)

(5)

. [صحيح]

(1)

(ص 50 - 67).

(2)

انظر: "الروض المربع شرح زاد المستقنع"(ص 61).

(3)

انظر: "الإفصاح عن معاني الصحاح في مذاهب الأئمة الأربعة" لابن هبيرة (1/ 201 - 207 مسألة 7 و 8).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

أحمد (5/ 346)، والترمذي رقم (2621)، والنسائي (1/ 231)، وابن ماجه رقم (1079)، والحاكم (1/ 6 - 7)، وابن حبان رقم (1454) من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بُريدة، عن أبيه.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد لا تعرف له علَّةٌ بوجهٍ من الوجوه، ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

وقال المحدّث الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 366) التعليقة رقم (2): "

ولم أجده عند أبي داود، وقد رواه ابن ماجه (1/ 333) ولم يعزه المِزِّي في "تحفة الأشراف"(1960) لأبي داود" اهـ.

وهو حديث صحيح.

ص: 37

الحديث صحّحه النسائي والعراقي ورواه ابن حبان

(1)

والحاكم

(2)

.

وهو يدلّ على أن تارك الصلاة يكفر، لأن الترك الذي جعل الكفر معلقًا به مطلق عن التقييد، وهو يصدق بمرة لوجود ماهية الترك في ضمنها، والخلاف في المسألة. والتصريح بما هو الحق فيها قد تقدم في الذي قبله.

11/ 402 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ شَقِيقٍ العُقَيْلِي [رضي الله تعالى عنهما]

(3)

قالَ: "كَانَ أصْحَابُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأعْمالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلاةِ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)

(4)

. [صحيح موقوف]

الحديث رواه الحاكم وصححه على شرطهما

(5)

، وذكره الحافظ في التلخيص

(6)

ولم يتكلم عليه والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة، لأن قوله:"كان أصحاب رسول الله" جمع مضاف، وهو من المُشعرات بذلك.

12/ 403 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ [رضي الله عنهم] (3) عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاةَ يَوْمًا فَقالَ: "مَنْ حافَظَ عَلَيهَا كانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجاةَ يَوْمَ القِيامَةِ، ومَنْ لَمْ يُحافِظْ عَلَيهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا ولَا بُرْهانًا وَلا نجاةً، وكانَ

(1)

في "صحيحه" رقم (1454) وقد تقدّم آنفًا.

(2)

في "المستدرك"(1/ 6 - 7) وقد تقدم آنفًا.

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في "السنن" رقم (2622).

(5)

في "المستدرك"(1/ 7) من حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة، وصححه على شرطهما. وقال الذهبي: وإسناده صالح.

وحكم المحدث الألباني رحمه الله عليه بأنه صحيح موقوف.

وقال المحدث الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 367 رقم 3/ 565) التعليقة رقم (1): "

فيه قيس بن أنيف، ولم أعرفه. وقد خالفه الترمذي فلم يذكر فيه أبا هريرة، وهو الصواب. لكني وجدت له شاهدًا عن جابر بن عبد الله بنحوه. أخرجه ابن نصر في "الصلاة"(1/ 238) بسند حسن. وهذا ونحوه محمول على المعاند المستكبر الممتنع من أدائها ولو أنذر بالقتل. كما قال ابن تيمية وابن القيم. انظر رسالتي "حكم تارك الصلاة"" اهـ.

وخلاصة القول: أنه صحيح موقوف، والله أعلم.

(6)

(2/ 148 - 149).

ص: 38

يَوْمَ القِيامَةِ مَعَ قارُونَ وَفِرْعَوْنَ وهامانَ وَأُبَيّ بْنِ خَلَفٍ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [ضعيف]

الحديث أخرجه أيضًا الطبراني في الكبير

(2)

والأوسط

(3)

. وقال في مجمع الزوائد

(4)

: رجال أحمد ثقات.

وفيه أنه لا انتفاع للمصلي بصلاته إلّا إذا كان محافظًا عليها، لأنه إذا انتفى كونها نورًا وبرهانًا ونجاة مع عدم المحافظة انتفى نفعها.

وقوله: (وكان يوم القيامة مع قارون) الخ، يدلّ على أن تركها كفر متبالغ، لأن هؤلاء المذكورين هم أشد أهل النار عذابًا، وعلى تخليد تاركها في النار كتخليد من جعل منهم في العذاب، فيكون هذا الحديث مع صلاحيته للاحتجاج مخصّصًا لأحاديث خروج الموحدين، وقد ورد من هذا الجنس شيء كثير في السنة، ويمكن أن يقال مجرد المعية والمصاحبة لا يدلّ على الاستمرار والتأبيد لصدق المعنى اللغوي بلبثه معهم مدة، لكن لا يخفى أن مقام المبالغة يأبى ذلك وسيأتي في الباب الثاني

(5)

ما يعارضه.

(1)

في "المسند"(2/ 169).

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 301)، والطبراني في الأوسط رقم (1767)، وفي الكبير - كما في "مجمع الزوائد"(1/ 292)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (1467).

والطحاوي في "مشكل الآثار"(4/ 229).

وقال الهيثمي في "المجمع"(1/ 292): "رواه أحمد، والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات".

وقال المنذري في "الترغيب والترهيب"(1/ 440 رقم 820): "رواه أحمد بإسناد جيد، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه"!.

وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب"(1/ 164 رقم 13/ 312): ضعيف.

(2)

كما في "المجمع"(1/ 292) وقد تقدم.

(3)

رقم (1767) وقد تقدم.

(4)

(1/ 292).

(5)

أي باب حجة من لم يكفر تارك الصلاة ولم يقطع عليه بخلوده في النار ورجاله ما يرجى لأهل الكبائر. عند الحديث رقم (13/ 404 - 23/ 414).

ص: 39

[الباب الرابع] باب حجة من لم يكفر تارك الصلاة ولم يقطع عليه بخلود في النار ورجا له ما يرجى لأهل الكبائر

13/ 404 - (عَنْ ابْنِ مُحَيْريز [رضي الله تعالى عنه]

(1)

"أن رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنانَةَ يُدْعَى المُخْدَجِيَّ سَمِعَ رَجُلًا بالشَّامِ يُدْعَى أبا مُحَمَّدٍ يَقُولُ: إنَّ الوِتْرَ واجِبٌ، قالَ المُخْدَجِيُّ: فَرحْتُ إلى عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فأخْبَرْتُهُ، فَقالَ عُبادَةُ: كَذَبَ أبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "خَمْسُ صَلَوَات كَتَبَهُنَّ الله على العِبادِ، مَنْ أتَى بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُن شَيئًا اسْتِخْفافًا بِحَقِّهِنَّ كانَ لَهُ عِنْدَ الله عَهْدٌ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، ومَنْ لَمْ يَأتِ بِهِنَّ فَلَيسَ لَهُ عِنْدَ الله عَهْدٌ، إنْ شاءَ عَذَّبَهُ، وإنْ شاءَ غَفَرَ لَهُ".

رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وأبُو داوُدَ

(3)

والنَّسَائِيُّ

(4)

وَابْنُ ماجَة

(5)

، وَقالَ فِيهِ:"ومَنْ جاءَ بِهِنَّ قَدْ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفافًا بِحَقِّهِنَّ"). [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا مالك في الموطأ

(6)

، وابن حبان

(7)

، وابن السكن

(8)

. قال ابن عبد البر

(9)

: هو صحيح ثابت لم يختلف عن مالك فيه، ثم قال: والمخدجي مجهول لا يعرف إلّا بهذا الحديث.

قال الشيخ تقي الدين القشيري

(10)

: انظر إلى تصحيحه لحديثه مع حكمه

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "المسند"(5/ 315).

(3)

في "السنن" رقم (1420).

(4)

في "السنن"(1/ 230).

(5)

في "السنن" رقم (1401).

(6)

(1/ 123 رقم 14).

(7)

في "صحيحه" رقم (1732، 2417).

(8)

كما في "التلخيص"(2/ 147).

(9)

في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد مرتبًا على الأبواب الفقهية للموطأ"(4/ 184 - 185).

ثم قال ابن عبد البرّ: "

وقال مالك: المخدجي لقب وليس بنسب في شيء من قبائل العرب، وقيل: إن المخدجي اسمه رفيع، ذكر ذلك عن يحيى بن معين".

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(10)

المشهور بابن دقيق العيد في "الإمام في معرفة أحاديث الأحكام"(3/ 565).

ص: 40

بأنه مجهول وقد ذكره ابن حبان في الثقات

(1)

.

ولحديثه شاهد من حديث أبي قتادة عند ابن ماجة

(2)

ومن حديث كعب بن عجرة عند أحمد

(3)

. ورواه أبو داود

(4)

أيضًا عن الصُّنَابُحي

(1)

(5/ 570) ومنهج ابن حبان معروف في توثيق من لا يعرف بجرح.

(2)

في "سننه" رقم (1403).

قال سعيد بن المسيب: إنّ أبا قتادةَ رِبعيِّ أخبرَهُ، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"قالَ الله تعالى: افترضتُ على أمتكَ خمسَ صلواتٍ، وعهدتُ عندي عهدًا أنَّهُ من حافظ عليهنّ لوقتهنَّ أدخلتُهُ الجنّةَ، ومن لم يحافِظ عليهنَّ، فلا عهد له عندي".

وأخرجه أبو داود رقم (430)، تحفة الأشراف رقم (12082). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 452):"هذا إسناد فيه نظر من أجل ضبارة، ودويد" اهـ.

قلت: ضبارة بن عبد الله بن مالك بن أبي السليك، ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 325)، وقال:"يعتبر حديثه من رواية الثقات عنه".

• ودويد بن نافع الأموي الدمشقي الجهني، قال أبو حاتم: شيخ، وقال ابن حبان: مستقيم الحديث، إذا كان دونه ثقة.

"الثقات"(6/ 292)، و"الجرح والتعديل"(3/ 438 رقم 1993)، وهو حديث حسن.

وقد حسَّنه الألباني في صحيح ابن ماجه.

(3)

في "المسند"(4/ 244) بسند ضعيف، لضعف عيسى بن المسيب البجلي.

قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير"(19/ 142 رقم 311)، و"الأوسط" رقم (4764)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (1/ 302) وقال: "رواه الطبراني في الأوسط والكبير، ورواه أحمد إلَّا أنّه قال: بينا أنا جالس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندي ظهورنا إلى قبلة مسجده إذ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال، فذكر نحوه.

وفيه عيسى بن المسيب البجلي وهو ضعيف" اهـ.

وعند الطبراني في "الكبير"(19/ 142 رقم 312) من طريق السري بن إسماعيل عن الشعبي عن كعب بن عجرة، به. وفيه السري بن إسماعيل وهو متروك. وكذلك عند الطبراني في "الكبير"(19/ 143 رقم 313) من طريق مسكين بن صالح عن الشعبي عن كعب بن عجرة، به.

وفيه مسكين بن صالح وهو مجهول.

وأخرجه الدارمي (1/ 278)، والبخاري في تاريخه (1/ 387) من طريق عبد الرحمن بن النعمان الأنصاري، حدّثني إسحاق بن كعب بن عجرة الأنصاري، عن أبيه، عن كعب مرفوعًا بنحوه.

(4)

في "سننه" رقم (425).

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 317) من طريق الصنابحي بسند صحيح.

وخلاصة القول أن الحديث صحيح، والله أعلم.

ص: 41

قال: "زعم أبو محمد أن الوتر واجب، فقال عبادة بن الصامت"، وساق الحديث.

والمُخْدَجي

(1)

المذكور في هذا الإسناد هو بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة ثم جيم بعدها ياء النسب، قيل: اسمه رُفيع.

وأبو محمد المذكور هو مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن عثمان بن مالك بن النجار. وقيل: مسعود بن زيد بن سبيع يعد في الشاميين، وقد عدّه الواقدي وطائفة من البدريين، ولم يذكره ابن إسحاق فيهم، وذكره جماعة في الصحابة.

وقول عبادة: "كذب أبو محمد"، أي أخطأ، ولا يجوز أن يراد به حقيقة الكذب لأنه في الفتوى، ولا يقال لمن أخطأ في فتواه كذب. وأيضًا قد ورد في الحديث ما يشهد لما قاله كحديث:"الوتر حقّ فمن لم يوتر فليس منّا"، عند أبي داود

(2)

من حديث بريدة وغيره من الأحاديث.

وسيأتي بسط الكلام على ذلك في باب إن الوتر سنة مؤكّدة

(3)

إن شاء الله تعالى. والحديث ساقه المصنف [رحمه الله تعالى]

(4)

للاستدلال به على عدم كفر من ترك الصلاة وعدم استحقاقه للخلود في النار لقوله: "إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له"، وقد عرفناك في الباب الأول أن الكفر أنواع: منها ما لا ينافي المغفرة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سمّاها الشارع كفرًا، وهو يدلّ على عدم استحقاق كل تارك للصلاة للتخليد في النار

(5)

.

(1)

ذكره ابن حبان في "الثقات"(5/ 570) ومنهجه معروف في توثيق من لا يعرف بجرح.

(2)

في "سننه"رقم (1419).

قال المنذري في "المختصر"(2/ 123): "فيه عبيد الله بن عبد الله العَتَكي أبو المنيب، وثّقه ابن معين، وقال أبو حاتم الرازي - في الجرح والتعديل (5/ 322): صالح الحديث، وتكلم فيه البخاري والنسائي وغيرهما" اهـ.

والخلاصة إن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

الباب السادس: باب أن الوتر سنّة مؤكدة وأنه جائز على الراحلة، عند الحديث رقم (22/ 913 - 25/ 916).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في الباب الثالث: باب حجّة من كفَّر تارك الصلاة عند الحديث رقم (9/ 400).

ص: 42

قوله: (استخفافًا بحقهن)، هو قيد للمنفي لا للنفي.

قوله: (كان له عند الله عهد أن يدخله الجنّة)، فيه متمسك للمرجئة

(1)

القائلين بأن الذنوب لا تضر من حافظ على الصلوات المكتوبة، وهو مقيد بعدم المانع كأحاديث من قال لا إله إلا الله ونحوها لورود النصوص الصريحة كتابًا وسنّة بذكر ذنوب موجبة للعذاب كدم المسلم وماله وعرضه وغيره، ذلك مما يكثر تعداده.

14/ 405 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّ أوَّلَ ما يحاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيامَةِ الصَّلاةُ المَكْتُوبَةُ، فإنْ أتمَّها وإلَّا قِيلَ: انْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعِ؟ فإنْ كانَ لَهُ تَطَوُّعِ أُكمِلَتِ الفَرِيضَةُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ يُفْعَلُ بِسائِرِ الأعْمالِ المَفْرُوضَةِ مِثْل ذلِكَ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ)

(3)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أبو داود من ثلاث طرق

(4)

: طريقتين متصلتين بأبي هريرة

(5)

والطريق الثالثة بتميم الداري

(6)

، وكلها لا مطعن فيها، ولم يتكلم عليه هو ولا المنذري بما يوجب ضعفه

(7)

. وأخرجه النسائي

(8)

من طريق إسنادها

(1)

قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(13/ 41 - ): "وأبو حنيفة وأصحابه لا يجوّزون الاستثناء في الإيمان بكون الأعمال منه، ويذمّون المرجئة، والمرجئة عندهم الذين لا يوجبون الفرائض، ولا اجتناب المحارم؛ بل يكتفون بالإيمان، وقد علّل تحريم الاستثناء فيه بأنه لا يصح تعليقه على الشرط؛ لأن المعلق على الشرط لا يوجد إلا عند وجوده" اهـ.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أخرجه أحمد (2/ 425)، وأبو داود رقم (864)، والترمذي رقم (413) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. والنسائي (1/ 233)، وابن ماجه رقم (1425)، وهو حديث صحيح.

(4)

رقم (864) وهو حديث صحيح.

ورقم (865) وهو حديث صحيح.

ورقم (866) وهو حديث صحيح.

(5)

رقم (864 ورقم 865).

(6)

رقم (866).

(7)

"المختصر" للحافظ المنذري (1/ 417).

(8)

في "سننه" رقم (465) وهو حديث صحيح.

ص: 43

جيد، ورجالها رجال الصحيح كما قال العراقي

(1)

وصححها ابن القطان.

وأخرج الحديث الحاكم في المستدرك

(2)

وقال: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وفي الباب عن تميم الداري عند أبي داود

(3)

وابن ماجه

(4)

بنحو حديث أبي هريرة، قال العراقي: وإسناده صحيح.

وأخرجه الحاكم في المستدرك

(5)

وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم.

وعن أنس عند الطبراني في الأوسط

(6)

.

وعن أبي سعيد قال العراقي: رويناه في الطيوريات في انتخاب السلفي منها، وفي إسناده حصين بن مخارق

(7)

، نسبه الدارقطني إلى الوضع.

(1)

في شرحه للترمذي. وهو الحافظ أبو الفضل العراقي عبد الرحيم بن حسين توفي (806 هـ) كمل به شرح ابن سيد الناس المتوفي (734 هـ) على الترمذي المسمّى بـ "النفح الشذي" وقد طبع منه مجلدان. ويبدأ شرح العراقي هذا من (باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام). انظر: "معجم المصنفات"(ص 233 - 234).

(2)

(1/ 263).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (413)، والنسائي (1/ 232)، وأحمد (5/ 72، 377).

وهو حديث صحيح لشواهده.

(3)

في "سننه" رقم (466).

(4)

في "سننه" رقم (1426).

وهو حديث صحيح.

(5)

(1/ 262 - 263).

قلت: وأخرجه أحمد (4/ 103)، وأبو داود رقم (866)، وابن ماجه رقم (1426)، والطبراني في الكبير (2/ 51 رقم 1255 و 1256).

وهو حديث صحيح.

(6)

رقم (3095) بسند ضعيف.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 302) وقال: "فيه عباد بن كثير، وقد أجمعوا على ضعفه".

قلت: عباد بن كثير الثقفي البصري: متروك، ضعفه غير واحد، وقال البخاري: تركوه، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أحمد: روى أحاديث كذب.

انظر: "الجرح والتعديل"(6/ 84)؛ والمجروحين (2/ 166)، والميزان (2/ 371).

(7)

قال عنه الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين" رقم (179): "متروك، ونقل الذهبي في =

ص: 44

وعن صحابي لم يسم عند أحمد في المسند

(1)

.

والحديث يدلّ على أن ما لحق الفرائض من النقص كمَّلته النوافل.

وأورده المصنف [رحمه الله تعالى]

(2)

في حجج من قال بعدم الكفر، لأن نمّصان الفرائض أعمّ من أن يكون نقصًا في الذات وهو ترك بعضها، أو في الصفة وهو عدم استيفاء أذكارها أو أركانها وجبرانها بالنوافل، مشعر بأنها مقبولة مثاب عليها والكفر ينافي ذلك، وقد عرفت الكلام على ذلك فيما سلف، ثم أورد من الأدلّة ما يعتضد به قول من لم يكفر تارك الصلاة، وعقبه بتأويل لفظ الكفر الواقع في الأحاديث، فقال

(3)

:

(ويعضِّد هذا المذهب عمومات).

15/ 406 - (مِنْهَا ما رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قالَ: قالَ رَسُولُ - الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَهِدَ أنْ لَا إلهَ إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وأن عِيسَى عَبْدُ الله وكَلِمَتُهُ ألْقاها إلَى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْهُ، والْجَنَّةَ والنَّارَ حَقٌّ، أدْخَلَهُ الله

= "الميزان"(1/ 544) عن الدارقطني قوله: "يضع الحديث". ونقل ابن الجوزي عن ابن حبان قوله: "لا يجوز الاحتجاج به"، وكذا الذهبي في المغني (1/ 178)، وابن حجر في اللسان (2/ 319).

(1)

في "المسند"(4/ 65) و (4/ 103) و (5/ 72) و (5/ 377).

(2)

زيادة من (جـ).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 291) وقال: "قلت: روى النسائي عن يحيى بن يعمر، عن أبي هريرة مثل هذا، فلا أدري أهو هذا أم لا؟ وقد ذكره الإمام أحمد في ترجمة رجل غير أبي هريرة ورجاله رجال الصحيح" اهـ.

• وأخرجه النسائي (1/ 233 - 234 رقم 467) عن يحيى بن يعمر عن أبي هريرة.

• وأخرجه ابن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(1/ 214 رقم 186)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(14/ 133 رقم 17857) عن يحيى بن يعمر عن رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم.

• وأخرجه أبو داود رقم (866)، وابن ماجه رقم (1426)، وابن نصر المروزي رقم (190)، والطبراني في "الكبير"(2/ 51 رقم 1255، 1256) من حديث زرارة بن أوفى عن تميم الداري رفعه.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(3)

أي ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 193).

ص: 45

الجَنَّةَ عَلى ما كانَ مِنَ العَمَلِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

16/ 407 - (وَعَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ ومُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ: "يَا مُعَاذُ"، قالَ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ الله وسَعْدَيْكَ ثَلاثًا، ثُمَّ قالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله وأن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، [إلَّا حَرَّمَهُ الله عَلى]

(2)

النَّارِ"، قالَ: يا رَسُولَ الله أفَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قالَ: "إذَنْ يَتَّكِلُوا"؛ فأخْبَرَ بِهَا مُعاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأثُّمًا: أيْ خَوْفًا مِنَ الإثْمِ بِتَرْكِ الخَبرِ بِهِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(3)

. [صحيح]

17/ 408 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(4)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لِكُل نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتعجَّلَ كُل نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وإني اخْتَبَأْتُ دَعْوَّتِي شَفاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَهِيَ نائِلَةٌ إنْ شاءَ الله مَنْ ماتَ مِنْ أُمَّتِي لا يُشْرِكُ بالله شَيئًا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

(5)

. [صحيح]

18/ 409 - (وَعَنْهُ

(6)

أيْضًا أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أسْعَدُ الناسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قالَ لا إلهَ إلَّا الله خالِصًا مِنْ قَلْبِهِ"، رَوَاهُ البُخَارِيُّ

(7)

. [صحيح].

وَقَدْ حَمَلُوا أحادِيثَ التَّكفِيرِ على كُفْرِ النِّعْمَةِ أوْ عَلَى مَعْنَى فقَدْ قارَبَ الكُفْرَ، وَقَدْ جاءَتْ أحاديثُ في غَيْرِ الصَّلاةِ أُرِيدَ بِها ذلكَ).

19/ 410 - (فَرَوى ابْنُ مَسْعُودٍ [رضي الله تعالى عنه] (4) قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "سِبابُ المُسْلِمِ فُسوقٌ، وَقِتالُهُ كُفْرٌ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(8)

. [صحيح]

(1)

أحمد (5/ 318)، والبخاري رقم (3435)، ومسلم رقم (28).

(2)

في المخطوط (ب)[حرم الله عليه].

(3)

البخاري رقم (128)، ومسلم رقم (32).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

أخرجه أحمد في "المسند"(2/ 275، 313، 381، 396)، والبخاري رقم (7474)، ومسلم رقم (198)، والدارمي (1/ 328)، وعبد الرزاق رقم (20864)، وابن خزيمة في التوحيد (ص 257، 258، 259)، والآجري في "الشريعة"(ص 341، 342)، وأبو عوانة (90/ 1)، وأبو منده في "الإيمان" رقم (892، 900، 907، 911)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1039، 1040، 1042، 1045) من طرق عن أبي هريرة.

(6)

أي عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

في "صحيحه" رقم (99).

(8)

أحمد (1/ 385)، والبخاري رقم (6044)، ومسلم رقم (64).

ص: 46

20/ 411 - (وَعَنْ أبِي ذَرٍّ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَيسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيرِ أبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إلَّا كَفَرَ، ومَنِ ادَّعَى ما لَيسَ لَهُ فَلَيسَ مِنَّا، وَلْيَتَبوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(2)

. [صحيح]

21/ 412 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه] (1) قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُما بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، والنِّياحَةُ عَلَى المَيِّتِ"، رَواهُ أحْمَدُ

(3)

ومُسْلِمٌ)

(4)

. [صحيح]

22/ 413 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما] (1) قالَ: كانَ عُمَرُ يَحْلفُ وأبي، فَنَهاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقالَ:"مَنْ حَلَفَ بِشَيءِ دُونَ الله فَقَدْ أشْرَكَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(5)

. [صحيح]

23/ 414 - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ [رضي الله تعالى عنهما] (1) قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: مُدْمِنُ الخَمْرِ إنْ مَاتَ لَقِيَ الله [تعالى](1) كَعَابِدِ وَثَنٍ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ)

(6)

.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أحمد (5/ 166)، والبخاري رقم (3508)، ومسلم رقم (61).

(3)

في "المسند"(2/ 377، 431، 441، 455، 496، 526).

(4)

في "صحيحه" رقم (67).

وهو حديث صحيح.

(5)

في "المسند"(2/ 67، 87، 125).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3251)، والترمذي رقم (1535)، والحاكم (1/ 18، 52) و (4/ 297)، قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجّا بمثل هذا الإسناد، وخرّجاه في الكتاب، وليس له علّة ولم يخرجاه".

وهو حديث صحيح.

(6)

في "المسند"(1/ 272).

قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير"(12/ 45 رقم 12428)، والبزار رقم (2934 - كشف).

وقال الهيثمي في "المجمع"(5/ 74): "رواه أحمد والبزار والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح إلا أن ابن المنكدر قال عن ابن عباس، وفي إسناد الطبراني يزيد بن أبي فاختة ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".

قلت: تصحف على الهيثمي رحمه الله من ثوير إلى يزيد، فلذا لم يعرفه. وقد جاء اسمه على الصواب عند الطبراني في الكبير. واسمه: ثوير بن سعيد بن علاقة، القرشي، أبو الجهم الكوفي، وهو من رجال تهذيب الكمال (4/ 429). =

ص: 47

انْتَهَى كَلامُ المُصَنِّفِ [رحمه الله تعالى]

(1)

(2)

. [حسن لغيره]

وأقول: قد أطبق أئمة المسلمين من السلف والخلف والأشعرية

(3)

والمعتزلة

(4)

وغيرهم أن الأحاديث الواردة بأن من قال: "لا إله إلا الله دخل

= قلت: وفي إسناد البزار حكيم بن جبير وهو ضعيف.

وقد أعلّه ابن أبي حاتم في "العلل"(2/ 37) بالانقطاع. وقد أورد المحدث الألباني رحمه الله الحديث وأورد له طرقًا في "الصحيحة" رقم (677)، وقال: فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح، والله أعلم.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

وهو ابن تيمية الجد في كتابه "المنتقى"(1/ 198).

(3)

هم طائفة من أهل الكلام ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري، الإمام المتكلم المعروف.

وكانت له ثلاثة أطوار:

(أولها): انتماؤه إلى المعتزلة، يقول بقولهم، ويأخذ بأصولهم، حتى صار إمامًا لهم ..

(ثانيها): خروجه عليهم، ومعارضتهم لهم بأساليب متوسّطة بين أساليبهم، ومذهب السلف، وقد سلك في هذا الطور طريقة عبد الله بن سعيد بن كلَّاب.

(ثالثها): انتقاله إلى مذهب السلف، وتأليفه في ذلك كتابه "الإبانة في أصول الديانة" وأمثاله، وقد أراد أن يلقى الله على ذلك.

وبناءً على هذا فإن اللقب (الأشاعرة) ينصرف عند الإطلاق إلى أولئك الذين اتّبعوه في الطور الثاني.

والأشاعرة: هم في الجملة لا يثبتون من صفات الباري عز وجل إلّا سبعًا؛ لأن العقل دلّ على إثباتها، ويؤوّلون بقية الصفات بتأويلات عقلية.

[انظر: تعليق محب الدين الخطيب على "المنتقى من منهاج الاعتدال" للذهبي (ص 44)، ط. الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية - الرياض 1409 هـ. و"الإبانة في أصول الديانة"، تحقيق د. فوقية حسين محمود (ص 28 - 36)، والبرهان للسكسكي (ص 37 - 38)].

(4)

المعتزلة: تنفي الصفات عن الله تعالن خوفًا من التشبيه كما يزعمون، ولذا تأوّلوا جميع الصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه، وأثبتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك صفة الكلام لله تعالى، فجعلوا القرآن الذي هو كلام الله متّصلًا بباب العدل الذي هو أحد أصول التوحيد الخمسة عندهم، ووجه اتّصاله أن القرآن فعل من أفعال الله، وباب العدل كلام في أفعاله وعلى هذا فهم يقولون: القرآن كلام الله ووحيه، وهو مخلوق محدث، ونعرف هذا بأحد طريقين:

أ - أن يكون واقعًا على وجه لا يصح وقوعه على ذلك الوجه من القادرين بالقدرة كان يوجد في حصاة أو شجرة أو حجر أو غير ذلك.

ب - أن يخبرنا نبيِّ صادق.

انظر: "شرح الأصول الخمسة" للقاضي عبد الجبار (ص 527 - 539)، وقد فصل =

ص: 48

الجنّة"

(1)

، مقيّدة بعدم الإخلال بما أوجب الله [تعالى]

(2)

من سائر

= الأشعري كلام المعتزلة في كتابه المقالات (1/ 267) ولا شكّ أن هذا مخالف لما عليه سلف الأمة الذين أثبتوا صفات الكمال لله سبحانه وتعالى حسب ما جاء في القرآن والسنّة.

ومن ذلك صفة الكلام، فالله يتكلم متى شاء وإذا شاء، وهي من صفات الأفعال. وقد كفَّر السلف من تأوّل تلك الصفة على نحو تأويل المعتزلة. وغيرهم وقد حكى بعض تلك الأقوال البخاري في كتابه داخلق أفعال العباد" (ص 29 - 46) تحقيق د. عبد الرحمن عميرة، والإمام أحمد في كتابه "الرد على الجهمية والزنادقة" (ص 130 - 134)، تحقيق د. عبد الرحمن عميرة.

(1)

أخرج الطبراني في الأوسط رقم (1235) والكبير رقم (5074) عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: لا إله إلا الله مخلصًا، دخل الجنّة"، قيل: وما إخلاصُهَا؟ قال: "أن تحجزَه عن محارم الله".

إلّا أنه قال في "الكبير": قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إخلاصُه أن تحجُزَه عما حرَّمَ الله عليه".

وإسناده ضعيف.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 18) وقال: "رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، وهو وضاع. قال ابن عدي: له عن ثقات الناس بواطيل" اهـ.

"ميزان الاعتدال"(3/ 625).

والخلاصة فإن الحديث ضعيف، والله أعلم.

• وأخرج مسلم في "صحيحه" رقم (47/ 29): من حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا بلفظ: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، حرّم الله عليه النار".

• وأخرج مسلم في "صحيحه" رقم (52/ 31) من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنّة".

• وانظر الحديث برقم (16/ 407) من كتابنا هذا.

• أما شروط لا إله إلا الله التي استنبطها العلماء من الأدلّة، فقد نظمها الشيخ حافظ الحكمي في الأبيات التالية:

1 -

وبشروط سبعةٍ قد قُيِّدتْ

وفي نصوصِ الوَحْي حقًّا وردت

2 -

فإنه لم ينتفع قائلُها

بالنُّطْقِ إلَّا حيث يستكملها

3 -

العلمُ واليقينُ والقبولُ

والانقيادُ فادرِ ما أقول

4 -

والصدقُ والإخلاصُ والمحبّة

وفعل اللهُ لما أحبَّهُ

ثم شرحها رحمه الله في "معارج القبول"(2/ 518 - 528) بتحقيقي شرحًا وافيًا وذكر الأدلّة الدالّة عليها، فلتراجع هناك.

(2)

زيادة من (جـ).

ص: 49

الفرائض وعدم فعل كبيرة من الكبائر التي لم يتب فاعلها عنها، وأن مجرد الشهادة لا يكون موجبًا لدخول الجنّة فلا يكونُ حجةً على المطلوب.

ولكنهم اختلفوا في خلود من أخلّ بشيء من الواجبات أو قارف شيئًا من المحرمات في النار مع تكلمه بكلمة الشهادة وعدم التوبة عن ذلك، فالمعتزلة جزموا بالخلود، والأشعرية قالوا: يعذب في النار ثم ينقل إلى الجنّة.

وكذلك اختلفوا في دخوله تحت المشيئة، فالأشعرية وغيرهم قالوا بدخوله تحتها، والمعتزلة منعت من ذلك وقالوا: لا يجوز على الله المغفرة لفاعل الكبيرة مع عدم التوبة عنها.

وهذه المسائل محلّها علم الكلام

(1)

، وإنما ذكرنا هذا للتعريف بإجماع

(1)

لقد كان المسلمون في عصر صدر الإسلام ينهلون من النبع الصافي (الكتاب والسنّة) لمعرفة أمور دينهم، وحاز الصحابة رضي الله عنهم قصب السبق في ذلك ثم التابعون من بعدهم.

واستمرّت هذه الأمّة على هذا النهج، والتزمت عقيدة ثابتة صافية، حتى طرأ عليها ما يسمى (علم الكلام) الذي يقصد به إثبات العقائد الدينية بالأدلّة العقلية والمقاييس المنطقية.

حدث هذا الأمر في القرن الثاني الهجري تقريبًا حينما تُرجمت كتب الفلسفة اليونانية إلى اللغة العربية في بلاد المسلمين، وشاعت في أيديهم، فدخل على المسلمين من هذا الباب شر عظيم وبلاء مبين، وانفتح باب الجدل في أمور العقيدة، وكثر الاختلاف بين المسلمين، وأخذ أصحاب الأهواء مخالفو أهل السنة مقدمات عقلية من الفلاسفة فأدخلوها في مباحثهم، وبنوا عليها قواعد بدعهم، فاتّسع الخرق على الراقع، واشتبه الحق بالباطل.

وعند ذلك هبّ أئمة أهل السنة وعلماؤها لإيضاح الحق ودفع الباطل، وأنكروا الكلام وذمّوه، ونهوا عن الخوض فيه، وحكموا بتجهيل أصحابه وتضليلهم، ودعوا الناس إلى الالتزام بالمنهج السلفي الأصيل، ونبذ ما عداه من المحدثات والبدع.

وعلى هذا النحو سار علماء أهل السنّة وأئمّة أهل الملّة إظهارًا للحق وأداء لواجب النصيحة.

وقد أفرد بعض علماء أهل السنّة مصنفات خاصة في هذا الموضوع.

ومن أبرز الكتب المصنّفة في ذلك وأجمعها "ذم الكلام وأهله" لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي المتوفى سنة (481 هـ).

وإذا تأملنا الأسباب التي دعت السلف الصالح رحمهم الله تعالى إلى ذمّ الكلام - من =

ص: 50

المسلمين على أن هذه الأحاديث مقيدة بعدم المانع، ولهذا أوّلها السلف؛ فحكي عن جماعة منهم ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي، ورفى بأن راوي بعض هذه الأحاديث أبو هريرة

(1)

وهو متأخّر الإسلام، أسلم عام خيبر سنة سبع بالاتفاق، وكانت إذ ذاك أحكام الشريعة مستقرة من الصلاة والزكاة والصيام والحجِّ وغيرها.

وحكى النووي

(2)

عن بعضهم أنّه قال: هي مجملة تحتاج إلى شرح، ومعناه: من قال الكلمة وأدّى حقها وفريضتها، قال: وهذا قول الحسن البصري. وقال البخاري

(3)

: إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة ومات على ذلك، ذكره في كتاب اللباس.

وذكر الشيخ أبو عمر [و]

(4)

بن الصلاح

(5)

أنه يجوز أن يكون ذلك: أعني

= خلال أقوالهم - نجد أنها تتمثّل فيما يأتي:

1 -

لم يرد الأمر لا في الكتاب ولا في السنّة.

2 -

عدم خوض السلف الصالح فيه.

3 -

ما يتضمنه من المبادئ الخاطئة والأمور الكاذبة.

4 -

الاشتغال بالكلام من أسباب الانحراف.

5 -

الاشتغال بالكلام ذريعة إلى الشك والحيرة والاضطراب.

6 -

الاشتغال بالكلام يؤدي إلى الإعراض عن الكتاب والسنة. والاستخفاف بهما والتهاون بالحديث، وعدم تعظيم الرب تبارك وتعالى، وإضاعة الوقت والجهد.

انظر: "أحاديث في ذم الكلام وأهله" انتخبها المقرئ قدم لها وحقّقها: د. ناصر بن عبد الرحمن بن محمد الجديع (ص 53 - 71) و (ص 75 - 104).

(1)

وهو حديث صحيح رقم (52/ 31) وقد تقدم آنفًا.

(2)

في "شرحه لصحيح مسلم"(1/ 219).

(3)

في كتاب "اللباس" بعد سياقه لحديث أبي ذر (10/ 283 رقم 5827) فقال: "أبو عبد الله: هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وقال: لا إله إلا الله غفر".

كما ترجم البخاري بمثل هذا لهذا الحديث في أول كتاب الجنائز (3/ 109) قال: "باب في الجنائز، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله، وقيل لوهب بن منبه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنّة؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك" اهـ.

(4)

زيادة من المخطوط (ب) وهو الصواب.

(5)

في "صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط"(ص 173).

ص: 51

الاختصار على كلمة الشهادة في سببية دخول الجنة اقتصار من بعض الرواة لا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل مجيئه تامًّا في رواية غيره، ويجوز أن يكون اختصارًا من الرسول صلى الله عليه وسلم فيما خاطب به الكفار عبدة الأوثان

(1)

الذين كان توحيدهم بالله تعالى مصحوبًا بسائر ما يتوقف عليه الإسلام ومستلزمًا له، والكافر إذا كان لا يقرّ بالوحدانية كالوثني والثنوي وقال: لا إله إلا الله وحاله الحال التي حكيناها حكم بإسلامه.

قال النووي

(2)

: ويمكن الجمعُ بين الأدلّة بأن يقال: المراد باستحقاقه الجنّة أنه لا بدّ من دخولها لكل موحد إما معجلًا معافىً، وإما مؤخرًا بعد عقابه، والمراد بتحريم النار تحريم الخلود.

وحكي ذلك عن القاضي عياض

(3)

وقال: إنه في نهاية الحُسْنِ ولا بدّ من المصير إلى التأويل

(4)

لما ورد في نصوص القرآن والسنّة بذكر كثير من الواجبات الشرعية، والتصريح بأن تركها موجب للنار. وكذلك ورود النصوص بذكر كثير من المحرمات وتوعد فاعلها بالنار.

وأمّا الأحاديث التي أوردها المصنف [رحمه الله تعالى]

(5)

في تأييد ما ذكره من التأويل فالنزاع [فيها]

(6)

كالنزاع في إطلاق الكفر على تارك الصلاة، وقد عرفناك أن سبب الوقوع في مضيق التأويل توهم الملازمة بين الكفر وعدم المغفرة، وليس بكلية كما عرفت، وانتفاء كليتها يريحك من تأويل ما ورد في كثير من الأحاديث.

منها ما ذكره المصنف [رحمه الله تعالى](5).

(1)

وهذا من باب القصر الإضافي: أي بالنسبة لطائفة معينة من الناس وهم أهل الأوثان، الذين لا تقبل توبتهم حتى يخلصوها لله تعالى.

(2)

في "شرحه لصحيح مسلم"(1/ 220).

(3)

كما في "شرح صحيح مسلم"(1/ 220).

(4)

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(6/ 475): "وإن المتعيّن على من يتكلم على الأحاديث أن يجمع طُرقها، ثم يجمع ألفاظ المتون إذا صحت الطُّرُق، ويشرحها على أنه حديث واحد، فإنّ الحديث أولى ما فسَّر بالحديث" اهـ.

(5)

زيادة من (جـ).

(6)

زيادة من المخطوط (أ).

ص: 52

ومنها ما ثبت في الصحيح

(1)

بلفظ: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض".

وحديث

(2)

: "أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم".

وحديث

(3)

: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأمّا من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب".

وحديث

(4)

: "من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها".

وكل هذه الأحاديث في الصحيح.

وقد ورد من هذا الجنس أشياء كثيرة، ونقول: من سمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم كافرًا سميناه كافرًا ولا نزيد على هذا المقدار، ولا نتأوّل شيء منها لعدم الملجئ إلى ذلك.

[الباب الخامس] باب أمر الصبي بالصلاة تمرينًا لا وجوبًا

24/ 415 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ [رضي الله تعالى عنه]

(5)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا صِبْيانَكُمْ بالصَّلاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَينَهُمْ فِي المَضاجِعِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

وأبُو داوُدَ)

(7)

. [صحيح]

الحديث أخرجه الحاكم

(8)

من حديثه أيضًا.

(1)

أخرجه أحمد (2/ 85)، والبخاري رقم (6166)، ومسلم رقم (66).

(2)

أخرجه مسلم رقم (68).

(3)

أخرجه أحمد (4/ 117)، والبخاري رقم (846)، ومسلم رقم (46).

(4)

أخرجه البخاري رقم (6103) و (6104).

(5)

زيادة من (جـ).

(6)

في "المسند"(2/ 187).

(7)

في "السنن" رقم (495).

(8)

في "المستدرك"(1/ 197).

قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 230 رقم 2 و 3)، والبيهقي (7/ 94)، وهو حديث صحيح.

ص: 53

والترمذي

(1)

والدارقطني

(2)

من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه عن جدّه بنحوه، ولم يذكر التفرقة.

وفي الباب عن أبي رافع عند البزار

(3)

بلفظ قال: "وجدنا في صحيفة في قراب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، وفرّقوا بين [مضاجع]

(4)

الغلمان والجواري والإخوة والأخوات لسبع سنين، واضربوا أبناءكم على الصلاة إذا بلغوا، أظنه تسع سنين".

وعن معاذ بن عبد الله بن خبيب الجُهني أنه قال لامرأته، وفي رواية لامرأة:"متى يصلي الصبي؟ فقالت: كان رجل منا يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة"، أخرجه أبو داود

(5)

.

قال ابن القطان

(6)

: لا تُعرف هذه المرأة ولا الرجل الذي رَوَت عنه.

(1)

في "السنن" رقم (407) وقال: حديث حسن صحيح.

(2)

في "سننه"(1/ 230 رقم 1).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (494)، والدارمي (1/ 333)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(3/ 231)، والحاكم (1/ 201)، والبيهقي (2/ 14) و (3/ 83 - 84)، وأحمد (3/ 201) من طرق.

عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها"، وإسناده حسن.

وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

قلت: وعبد الملك هذا إنما أخرج له مسلم في "صحيحه"(4/ 132 - 133 - الآفاق) حديثًا واحدًا في المتعة متابعة كما ذكر الحافظ وغيره.

وقال الذهبي في "الميزان"(2/ 654 رقم 5205): "صدوق إن شاء الله، ضعفه يحيى بن معين فقط"، فهو حسن الحديث إذا لم يخالف، ويرتقي حديثه إلى درجة الصحة بالحديث الذي قبله.

(3)

في مسنده رقم (342 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 294) وقال: "رواه البزار وفيه غسان بن عبيد الله، عن يوسف بن نافع ولم أجد من ذكرهما".

قلت: يوسف بن نافع ذكره في الجرح والتعديل (9/ 232) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في "الثقات"(9/ 281).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في "سننه" رقم (497).

(6)

في "بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام"(3/ 339 - 340 رقم 1084).

ص: 54

وقد رواه الطبراني

(1)

من هذا الوجه فقال: عن أبي معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه به قال ابن صاعد: إسناده حسن غريب.

وفي الباب عن أبي هريرة رواه العقيلي

(2)

، وأنس عند الطبراني

(3)

بلفظ:

(1)

في "الصغير"(1/ 99)، والأوسط رقم (3019).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 294) وقال: ورجاله ثقات.

وقال الطبراني في "الصغير": "لا يروى هذا الحديث عن عبد الله بن خبيب - وله صحبة - إلّا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الله بن نافع".

قلت: يعني تفرد بوصله له، وتعيين الصحابي.

وعبد الله هذا ضعيف إذا حدّث من حفظه، صحيح الكتاب، وهذا الحديث مما حدث به من حفظه فأخطأ فيه وخالف من هو أوثق وأضبط منه. وهو عبد الله بن وهب الذي رواه عن هشام بن سعد فلم يذكر الصحابي ولا عينه - مرويات عبد الله بن وهب المصري في "السنن" الأربع جمعًا ودراسة (1/ 303 رقم 120) - فتكون روايته هي المعروفة، ورواية عبد الله بن نافع منكرة.

قلت: وانظر ترجمة عبد الله بن نافع هذا في "الميزان"(2/ 513 - 514)، و"التقريب"(1/ 456)، و"لسان الميزان"(7/ 271)، و "المجروحين"(2/ 20)، و"الجرح والتعديل"(5/ 183)، و"التاريخ الكبير"(5/ 214).

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف والله أعلم.

(2)

في "الضعفاء"(4/ 49).

قلت: وأخرجه البزار في مسنده (341 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 294) وقال: رواه البزار وفيه محمد بن الحسن العوفي، قيل فيه:"ليِّن الحديث، ونحو ذلك، ولم أجد من وثّقه".

قلت: ورجح العقيلي الإرسال.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

في الأوسط رقم (4129) وقال: "لم يرو هذا الحديث عن ثمامة إلا المحبر بن قحذم، تفرَّدَ به: ابنه".

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 294) وقال: "وفيه داود بن المحبر ضعّفه أحمد، والبخاري وجماعة، ووثقه ابن معين".

قلت: داود بن المحبر بن قحذم الطائي البصري نزيل بغداد متروك، ضعفه غير واحد.

وقال أبو حاتم: ذاهب غير ثقة. وقال أحمد: شبه لا شيء.

انظر: "التاريخ الكبير"(3/ 244)، و"المجروحين"(1/ 291)، و"الجرح والتعديل"(3/ 424)، و"الميزان"(2/ 20)، و"التقريب"(1/ 234)، و"لسان الميزان"(7/ 213)، وأخرج الحديث الدارقطني في "سننه"(1/ 231 رقم 6) من طريق داود بن المحبر. =

ص: 55

"مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لثلاث عشرة"، وفي إسناده داود بن المحبر وهو متروك، وقد تفرّد به.

والحديث يدلّ على وجوب أمر الصبيان بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين وضربهم عليها إذا بلغوا عشرًا، والتفريق بينهم في المضاجع لعشر سنين إذا جعل التفريق معطوفًا على قوله: واضربوهم، أو لسبع سنين إذا جعل معطوفًا على قوله:"مروهم". ويؤيّد هذا الوجه حديث أبي رافع المذكور.

وقد ذهبت الهادوية

(1)

إلى وجوب إجبار ابن العشر على الولي وشرط الصلاة الذي لا تتمّ إلا به حكمه حكمها، ولا فرق بين الذكر والأنثى والزوجة وغيرها.

وقال في "الوافي"

(2)

والمؤيّد بالله في أحد قوليه: إن ذلك مستحب فقط، وحملوا الأمر على الندب، ولكنه إن صح ذلك في قوله: مروهم لم يصح في قوله: واضربوهم، لأن الضرب إيلام للغير. وهو لا يباح للأمر المندوب.

والاعتراض

(3)

بأن عدم تكليف الصبي يمنع من حمل الأمر على حقيقته، لأن الإجبار إنما يكون على فعل واجب أو ترك محرم، وليست الصلاة بواجبة على الصبي، ولا تركها بمحظور عليه، مدفوع بأن ذلك إنما يلزم لو اتّحد المحل وهو هنا مختلف، فإن محل الوجوب الولي ومحل عدمه ابن العشر، ولا يلزم من عدم الوجوب على الصغير عدمه على الولي.

25/ 416 - (وَعَنْ عَائِشةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثةٍ: عَنِ النَّائِم حَتى يَسْتَيقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتى يَعْقِلَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(4)

. [صحيح]

= وخلاصة القول أن سنده ضعيف جدًّا، وبعض متنه وهو قوله (لثلاث عشرة) منكر، والله أعلم.

(1)

انظر: "الاعتصام بحبل الله المتين"(1/ 341).

(2)

الوافي في الفروع لأبي البركات عبد الله بن أحمد النسفي وهو على الفقه الحنفي.

(3)

في حاشية المخطوط (أ): "المعترض الجلال في ضوء النهار".

(4)

في "المسند"(6/ 100 - 101).

ص: 56

(وَمِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ لَهُ، وَلِأَبِي دَاوُدَ

(1)

والتِّرْمِذِيِّ

(2)

وقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ). [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا النسائي

(3)

، وأبو داود

(4)

، وابن ماجه

(5)

، وابن حبان

(6)

، والحاكم

(7)

من حديث عائشة، قال يحيى بن معين: ليس يرويه إلا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان - يعني عن - إبراهيم عن الأسود عنها.

وأخرجه أيضًا النسائي

(8)

، والدارقطني

(9)

، والحاكم

(10)

، وابن حبان

(11)

وابن خزيمة

(12)

، من حديث عليّ. قال البيهقي: تفرّد برفعه جرير بن حازم، قال الدارقطني في العلل

(13)

: وتفرّد به عن جرير عبد الله بن وهب، وخالفه ابن فضيل ووكيع فروياه عن الأعمش موقوفًا، ورواه عطاء بن السائب عن أبي ظبيان عن عليّ وعمر مرفوعًا. قال الحافظ

(14)

: وقول ابن فضيل ووكيع أشبه بالصواب.

ورواه أبو داود

(15)

من حديث أبي الضحى عن عليّ، ولكن قال أبو زرعة: حديثه عن عليّ مرسل.

(1)

في "السنن" رقم (4403).

(2)

في "السنن" رقم (1423)، وقال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير وجه عن علي.

(3)

في "السنن"(6/ 156).

(4)

في "السنن" رقم (4398).

(5)

في "السنن" رقم (2541).

(6)

في "صحيحه" رقم (1496 - موارد).

(7)

في "المستدرك (2/ 59) وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 171)، وابن الجارود رقم (148).

وقال أحمد شاكر في تعليقه على الرسالة (ص 58): "حديث صحيح

".

وخلاصة القول أن حديث عائشة صحيح، والله أعلم.

(8)

في "السنن الكبرى"(4/ 323 رقم 7343).

(9)

في "السنن" رقم (3/ 139).

(10)

في "المستدرك"(1/ 258).

(11)

في "صحيحه" رقم (143).

(12)

في "صحيحه"(4/ 348 رقم 3048) من طرق.

(13)

(3/ 71 س 291).

(14)

في "التلخيص"(1/ 183 - 184).

(15)

في "السنن" رقم (4403)، وأبو الضحى لم يدرك علي بن أبي طالب فهو منقطع.

ص: 57

ورواه ابن ماجه

(1)

من حديث القاسم بن يزيد عن عليّ، وهو مرسل أيضًا كما قال أبو زرعة.

ورواه الترمذي

(2)

من حديث الحسن البصري عن عليّ، قال أبو زرعة: لم يسمع الحسن من عليّ شيئًا.

وروى الطبراني

(3)

من طريق برد بن سنان عن مكحول عن أبي إدريس الخولاني قال: أخبرني غير واحد من أصحاب النبيّ [صلى الله عليه وسلم] ثوبان ومالك بن شداد، وغيرهما فذكر نحوه.

قال الحافظ

(4)

: وفي إسناده مقال، وبُرد مختلف فيه.

وروي أيضًا

(5)

من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: وإسناده ضعيف.

والحديث يدلّ على عدم تكليف الصبي والمجنون والنائم ما داموا متّصفين بتلك الأوصاف.

قال ابن حجر في التلخيص

(6)

حاكيًا عن ابن حبان: إن الرفع مجاز عن عدم التكليف، لأنه يكتب له فعل الخير، انتهى. وهذا في الصبي ظاهر.

وأمّا في المجنون فلا تتصف أفعاله بخير ولا شرّ إذ لا قصد له

(7)

، والموجود منه من صور الأفعال لا حكم له شرعًا.

(1)

في "السنن" رقم (2042).

(2)

في "السنن" رقم (1423).

وخلاصة القول أن حديث علي بن أبي طالب حديث صحيح، والله أعلم.

(3)

في المعجم الكبير (7/ 287 رقم 7156) وفي مسند الشاميين رقم (386) و (3500)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 251) ورجاله ثقات.

قلت: ومكحول: مدلس، وقد عنعنه.

(4)

في "التلخيص"(1/ 184).

(5)

أي الطبراني في "المعجم الكبير"(11/ 89 رقم 11141) والأوسط رقم (3403)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (6/ 251) وقال: وفيه عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة، وهو ضعيف.

قلت: وهو حديث صحيح بشواهده المتقدمة.

(6)

(1/ 184).

(7)

قال النووي في "المجموع"(3/ 8): "فرع: قد ذكرنا أن الجنون والإغماء وما في معناهما =

ص: 58

وأمّا في النائم ففيه بُعد، لأن قصده منتفٍ أيضًا فلا حكم لما صدر منه من الأفعال حال نومه. وللناس كلام في تكليف الصبي بجميع الأحكام أو ببعضها ليس هذا محل بسطه، وكذلك النائم.

[الباب السادس] باب أن الكافر إذا أسلم لم يقض الصلاة

26/ 417 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الإسْلامُ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ"، رَواهُ أحْمَدُ)

(2)

. [حسن]

الحديث أخرجه أيضًا الطبراني

(3)

والبيهقي

(4)

من حديثه.

وابن سعد

(5)

من حديث جبير بن مطعم.

وأخرج مسلم في صحيحه

(6)

معناه من حديث عمر وأيضًا بلفظ: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله".

وفي صحيح مسلم

(7)

أيضًا من حديث عبد الله بن مسعود قال: قلنا:

= مما يزيل العقل بغير معصية يمنع وجوب الصلاة، ولا إعادة سواء كثر زمن الجنون والإغماء ونحوهما أم قلّ، حتى لو كان لحظة أسقط فرض الصلاة.

ويتصوّر إسقاط الفرض بجنون لحظة وإغماء لحظة فيما إذا بلغ مجنونًا وقد بقي من وفت الصلاة لحظة، ثم زال الجنون عقب خروج الوقت.

وحكى أصحابنا عن أبي حنيفة أنّه قال: يلزم المغمى عليه بعد الإقامة قضاء يوم وليلة، ولا يلزمه ما زاد. وقال أحمد: يلزمه الجميع وإن كثر.

وروي هذا عن طاوس وعطاء ومجاهد، وروي مثل مذهبنا عن مالك وأحمد، والله أعلم".

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "المسند"(4/ 199) و (4/ 205).

(3)

كما في "مجمع الزوائد"(9/ 350 - 351).

(4)

في "السنن الكبرى"(9/ 123).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(9/ 350 - 351) وقال: ورجالهما ثقات.

(5)

في "الطبقات الكبرى"(7/ 496 - 497).

(6)

رقم (192/ 121).

(7)

رقم (190/ 120).

ص: 59

يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أوخذ بالأول والآخر" فهذا مقيد، والحديث الأول مطلق، وحمل المطلق على المقيد واجب، فهدم الإسلام ما كان قبله مشروط بالإحسان.

قوله: (يجبّ ما قبله) أي يقطعه، والمراد أنه يذهب أثر المعاصي التي قارفها حال كفره، وأما الطاعات التي أسلفها قبل إسلامه فلا يجبّها لحديث حكيم بن حزام عند مسلم

(1)

وغيره

(2)

: "أنّه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت أمورًا كنت أتحنّث بها في الجاهلية، هل لي فيها من شيء؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسْلمْتَ على ما أسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ"، وقد قال المازري

(3)

: إنه لا يصح تقرّب الكافر فلا يثاب على العمل الصالح الصادر منه حال شركه، لأن من شرط المتقرّب أن يكون عارفًا بما تقرب إليه، والكافر ليس كذلك، وتابعه القاضي عياض

(4)

على تقرير هذا الإشكال.

قال في الفتح: واستضعف ذلك النووي

(5)

فقال: الصواب الذي عليه المحقّقون، بل [بعضهم نقل]

(6)

الإجماع فيه أن الكافر إذا فعل أفعالًا جميلة كالصدقة وصلة الرحم، ثم أسلم ومات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له.

(1)

رقم (194/ 123).

(2)

كالإمام البخاري في "صحيحه" رقم (1436).

(3)

في "المعلم بفوائد مسلم"(1/ 206 - 207).

(4)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (1/ 415 - 416).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (2/ 141).

(6)

في (أ) و (جـ): (نقل بعضهم).

ص: 60

[ثانيًا] أبواب المواقيت

المواقيت جمع ميقات وهو القدر المحدود للفعل من الزمان والمكان.

[الباب الأول] باب وقت الظهر

1/ 418 - (عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ الله [رضي الله تعالى عنه]

(1)

أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فقالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ جاءَهُ العَصْرَ فقالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى العَصْرَ حِينَ صارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ جاءَهُ المَغْرِبَ فقالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى المَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ جاءَهُ العِشاءَ فقالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى العِشاءَ حِينَ غابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ جاءهُ الفَجْرَ فقالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الفَجْرُ، أوْ قالَ: سَطَعَ الفَجْرُ، ثُمَّ جاءَهُ مِنَ الغَدِ لِلظُّهْرِ فقالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ صارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ جاءَهُ العَصْرَ فقالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى العَصْرَ حِينَ صارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ جاءَهُ المَغْرِبَ وَقْتًا وَاحِدًا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، ثُمَّ جاءَهُ العِشاءَ حِينَ ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ، أوْ قالَ: ثُلُثُ اللَّيْلِ فَصَلَّى العِشاءَ، ثُمَّ جاءَهُ حِينَ أسْفَرَ جِدًا، فقالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الفَجْرَ، ثُمَّ قالَ: ما بَيْنَ هذَيْنِ الوَقْتَيْنِ وَقْتٌ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

والنَّسَائِيُّ

(3)

والتِّرْمِذِيُّ

(4)

بِنَحْوِهِ. وقالَ

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "المسند"(3/ 330).

(3)

في "السنن"(1/ 255).

(4)

في "السنن" رقم (150).

قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 257 رقم 3)، والحا كم (1/ 195)، والبيهقي (1/ 368).

قال الترمذي: قال محمد - يعني البخاري - أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح مشهور. ووافقه الذهبي، ووافقهما المحدث الألباني رحمه الله في الإرواء (1/ 271).

قلت: وحديث إمامة جبريل رواه جماعة من الصحابة، منهم: ابن عباس، وأبو مسعود، =

ص: 61

البُخَارِيُّ

(1)

: هُوَ أصَحُّ شَيءٍ في المَوَاقِيتِ). [صحيح]

2/ 419 - (وَللْتِّرْمِذِيِّ

(2)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رضي الله تعالى عنهما]

(3)

أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أمَّنِي جِبْرِيلُ عليه السلام عِنْدَ البَيتِ مَرَّتَينِ"، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ جابِرٍ، إلَّا أَنَّهُ قالَ فِيه: وَصَلَّى المَرَّةَ الثَّانِيَةَ حِينَ صارَ ظِلُّ كُلِّ شَيءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ العَصْرِ بالأَمْسِ. وَقالَ فِيه: ثُمَّ صَلَّى العِشاءَ الآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلثُ اللَّيْلِ، وَفِيهِ: ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ هذا وَقْتُ الأنْبِياءِ مِنْ قَبْلِكَ، والْوَقْتُ فِيما بَيْنَ هذَيْنِ الوَقْتَيْنِ. قالَ التِّرْمِذِيُّ: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ). [صحيح لغيره]

أما حديث جابر فأخرجه أيضًا ابن حبان

(4)

، والحاكم

(5)

، وروى الترمذي (1) في سننه عن البخاري أنه أصحُّ شيء في الباب، كما قال المصنف رحمه الله [تعالى](3).

وأمّا حديث ابن عباس فأخرجه أيضًا أحمد

(6)

وأبو داود

(7)

وابن خزيمة

(8)

والدارقطني

(9)

والحاكم

(10)

، وفي إسناده ثلاثة مختلف فيهم.

(أولهم) عبد الرحمن بن أبي الزناد

(11)

، كان ابن مهدي لا يحدّث عنه.

= وأبو هريرة، وعمرو بن حزم، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وابن عمر.

انظر تخريجها في: "نصب الراية"(1/ 221 - 226)، و"إرواء الغليل"(1/ 268 - 270)، وكتابنا:"إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة"، جزء الصلاة.

(1)

نقله عنه الترمذي في "السنن"(1/ 282).

(2)

في "السنن" رقم (149) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه أحمد (1/ 333)، وأبو داود رقم (393)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 147)، والدارقطني (1/ 258 رقم 6)، والحاكم (1/ 193)، والبيهقي (1/ 364)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 168 رقم 325) وغيرهم.

والخلاصة أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في "صحيحه" رقم (1472).

(5)

في "المستدرك (1/ 195) وقد تقدم.

(6)

في "المسند"(1/ 333).

(7)

في "السنن" رقم (393).

(8)

في "صحيحه"(1/ 168 رقم 325).

(9)

في "سننه"(1/ 258 رقم 6).

(10)

في "المستدرك"(1/ 193).

(11)

عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان، ابن أبي الزناد، أحد العلماء الكبار.

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(5/ 315)، و"المجروحين"(2/ 56)، و"الجرح والتعديل"(2/ 252)، و"الميزان"(2/ 575)، و"التقريب"(1/ 479).

ص: 62

وقال أحمد: مضطرب الحديث، وقال النسائي: ضعيف وقال يحيى بن معين وأبو حاتم: لا يحتج به. وقال الشافعي: ضعيف، وما حدث بالمدينة أصح مما حدث ببغداد. وقال ابن عدي

(1)

: بعض ما يرويه لا يتابع عليه، وقد وثقه مالك، واستشهد البخاري بحديثه عن موسى بن عقبة في باب: التطوّع بعد المكتوبة

(2)

. وفي حديث "لا تَمَنَّوا لقاء العدو"

(3)

.

(والثاني) شيخه عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة

(4)

، قال أحمد: متروك الحديث، وقال ابن نمير: لا أقدم على ترك حديثه، وقال فيه ابن معين: صالح، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال ابن سعد: ثقة. وقال ابن حبان: كان من أهل العلم.

ولكنه قد توبع في هذا الحديث، فأخرجه عبد الرزاق

(5)

عن العمري عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس بنحوه. قال ابن دقيق العيد

(6)

: هي متابعة حسنة.

(والثالث): حَكِيم بن حَكِيم

(7)

وهو ابن عبَّاد بن حُنَيْف، قال ابن سعد

(8)

: كان قليل الحديث، ولا يحتجون بحديثه.

(1)

في "الكامل"(4/ 274 - 276).

(2)

رقم الباب (29) عقب الحديث رقم (1172)، (قال ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة عن نافع: بعد العشاء في أهله: تابعه كثير بن فرقد، وأيوب عن نافع).

(3)

أخرجه البخاري رقم (3026)، ومسلم رقم (1741)، وأحمد (2/ 400) من حديث أبي هريرة.

(4)

صدوق له أوهام، قاله الحافظ في "التقريب" رقم (3831)، وانظر:"الميزان"(2/ 554)، و"التاريخ الكبير"(3/ 1/ 271)، و"الجرح والتعديل"(2/ 2/ 224).

(5)

في "المصنف"(1/ 531 - 532 رقم 2029) بسند حسن.

والحديث صحيح - أي حديث ابن عباس - بهذه المتابعة، والله أعلم.

(6)

في "الإمام في معرفة أحاديث الأحكام"(4/ 34).

(7)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(3/ الترجمة 42)، و"الجرح والتعديل"(3/ الترجمة 787)، و"تهذيب الكمال"(7/ 193 رقم 1455/ 4).

(8)

في "الطبقات الكبرى" القسم المتمّم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم (ص 298 - 299) رقم (196 - 197).

ص: 63

وحديث ابن عباس هذا قد صححه ابن عبد البر

(1)

وأبو بكر بن العربي

(2)

، قال ابن عبد البر: إن الكلام في إسناده لا وجه له.

وأخرجه من طريق سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش، فسلمت طريقه من التضعيف بعبد الرحمن بن أبي الزناد.

وكذلك أخرجه من هذا الوجه أبو داود

(3)

وابن خزيمة

(4)

، قال أبو عمر: وذكره عبد الرزاق

(5)

عن عمر بن نافع وابن أبي سبرة عن عبد الرحمن بن الحارث بإسناده، وذكره

(6)

أيضًا عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس.

وفي الباب عن أبي هريرة عند الترمذي

(7)

والنسائي

(8)

بإسناد حسن، وصححه ابن السكن

(9)

والحاكم

(10)

، وحسّنه الترمذي، ولكن فيه أن للمغرب وقتين.

ونقل عن البخاري أنه خطأ

(11)

.

ورواه الحاكم

(12)

من طريق أخرى وقال: صحيح الإسناد.

(1)

في "التمهيد"(8/ 28).

(2)

في "عارضة الأحوذي"(1/ 250 - 251).

(3)

في "سننه" رقم (393).

(4)

في "صحيحه" رقم (325).

(5)

في "المصنف" رقم (2028 و 2029).

(6)

أي عبد الرزاق في "المصنف" رقم (2029).

(7)

في "السنن" رقم (151).

(8)

في "السنن"(1/ 249).

(9)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(1/ 173).

(10)

في "المستدرك"(1/ 194) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: إنما هو حسن وليس على شرط مسلم.

(11)

وتمام الكلام: "وأن محمد بن فضيل أخطأ فيه، حيث رواه عن الأعمش، عن أبي صالح، وإنما هو عن الأعمش، عن مجاهد، قال: كان يقال

فذكره" اهـ.

"التلخيص الحبير"(1/ 173 - 174).

• ومحمد بن فُضيل بن غزوانَ الضبي مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي: صدوق عارف رمي بالتشيّع، من التاسعة (295 هـ).

"التقريب" رقم (6227).

(12)

في "المستدرك"(1/ 194).

ص: 64

وعن بريدة عند الترمذي

(1)

أيضًا وصححه.

وعن أبي موسى عند مسلم

(2)

وأبي داود

(3)

والنسائي

(4)

وأبي عوانة

(5)

وأبي نعيم، قال الترمذي في كتاب العلل

(6)

: إنه حسنه البخاري.

وعن أبي مسعود عند مالك في الموطأ

(7)

، وإسحاق بن راهويه

(8)

، والبيهقي

(9)

في الدلائل، وأصله في الصحيحين

(10)

من غير تفصيل، وفصله أبو داود

(11)

.

وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد في مسنده

(12)

والطحاوي

(13)

.

وعن عمرو بن حزم رواه إسحاق بن راهويه

(14)

.

(1)

في "سننه" رقم (152) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

(2)

في "صحيحه" رقم (614).

(3)

في "سننه" رقم (395).

(4)

في "سننه"(1/ 260، 261).

(5)

في "المسند"(1/ 285 - 286 رقم 998) ورقم (1000).

(6)

(ص 63 رقم 85).

(7)

(1/ 3 - 4 رقم 1).

(8)

كما في "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة"(2/ 39 رقم 1131)، وفي "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية" رقم (252).

(9)

في "السنن الكبرى"(1/ 361 - 362). وقال عقبه: "أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لم يسمعه من أبي مسعود الأنصاري، وإنما هو بلاغ بلغه" اهـ.

(10)

البخاري في "صحيحه" رقم (521)، ومسلم رقم (610).

(11)

في "سننه" رقم (394).

قلت: وأخرجه النسائي (1/ 245 رقم 494)، وابن ماجه رقم (668)، وابن خزيمة (1/ 181 رقم 352)، والطبراني في "الكبير"(17/ 259 رقم 716)، وابن حبان (4/ 362 رقم 1494).

(12)

(3/ 30).

(13)

في "شرخ معاني الآثار"(1/ 147).

(14)

كما في "إتحاف الخيرة"(2/ 40 - 41 رقم 1133)، وقال البوصيري: إسناده حسن.

وفي "المطالب العالية" رقم (254)، وقال الحافظ:"هذا إسناد حسن، إلَّا أن محمد بن عمرو بن حزم لم يسمع من النبيّ صلى الله عليه وسلم لصغره، فإن كان الضمير في (جده) يعود على أبي بكر توقف على سماع أبي بكر بن عمرو".

قلت: الجد معين في هذا الإسناد وهو عمرو بن حزم فلا مجال للاحتمال. ويشهد لهذا الحديث حديث ابن عباس وأبي هريرة، فهو بهما صحيح.

ص: 65

وعن البراء ذكره ابن أبي خيثمة

(1)

.

وعن أنس عند الدارقطني

(2)

، وابن السكن في صحيحه

(3)

، والإسماعيلي في معجمه

(4)

، وأشار إليه الترمذي

(5)

، ورواه عنه النسائي

(6)

بنحوه، وأبو أحمد الحاكم في الكنى

(7)

.

وعن ابن عمر عند الدارقطني

(8)

قال الحافظ

(9)

: بإسناد حسن، لكن فيه عنعنة ابن إسحاق. ورواه ابن حبان في الضعفاء

(10)

من طريق أخرى، فيها محبوب بن الجهم، وهو ضعيف

(11)

.

وعن مجمع بن جارية عند الحاكم

(12)

.

(1)

في تاريخه كما في "التلخيص الحبير"(1/ 174) من حديث ابن عباس.

(2)

في "سننه"(1/ 260).

(3)

كما في "التلخيص"(1/ 174).

(4)

(1/ 353 - 354 رقم 32).

(5)

في "السنن"(1/ 281).

(6)

في "السنن"(2/ 11 رقم 642).

(7)

في كنية أبي طالب أحمد بن نصر. وقال: "أدركناه وهو حسن المعرفة بحديث أهل المدينة، وأبو حمزة ذكره فيها أيضًا وسكت. وقال ابن القطان: مجهول. وقال أيضًا ابن جِدار مجهول،

". كما في "التعليق المغني على الدارقطني (1/ 260) ".

• لم يطبع من كتاب الكنى لأبي أحمد إلا إلى آخر حرف (الخاء) لذا لم نجد ترجمة أبي طالب في المطبوع.

• أما أبو حمزة إدريس بن يونس بن يناق الفراء الحراني: سمع: أبا سعيد المؤمل بن الفضل الحراني، وأبا هوذة أحمد بن عبد الملك بن حصاف بن عبد الرحمن الجزري، كناه لنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد الفرائضي"، "الكنى" لأبي أحمد الحاكم (4/ 56 رقم 1711).

• قال ابن القطان في "الوهم والإيهام"(3/ 340 - 341 رقم 1085): "

ولم يبين - أي عبد الحق في الأحكام الوسطى - لحديث أنس علّة، وهو حديث يرويه محمد بن سعيد بن جدار، عن جرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس، ومحمد بن سعيد، هذا مجهول، ويرويه عنه أبو حمزة إدريس بن يونس بن يناق الفراء، ولا تعرت أيضًا حاله " اهـ.

(8)

في "سننه"(1/ 261 - 262 رقم 21) وفيه عنعنة ابن إسحاق.

(9)

في "التلخيص"(1/ 173).

(10)

(3/ 41 - 42).

(11)

قال ابن عدي في "الكامل"(6/ 443): "

كوفي، وقد حدّث عن عبيد الله بن نافع عن ابن عمر حديث المواقيت، ولم أر له كثير رواية، ومقدار ما يرويه غير محفوظ".

(12)

في المستدرك (1/ 193) وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين

". =

ص: 66

قوله - في الحديث -: (قم فصله) الهاء هاء السكت.

قوله: (حين وجبت الشمس) الوجوب: السقوط، والمراد سقوطها للغروب.

وقوله: (زالت الشمس)، أي مالت إلى جهة المغرب.

قوله: (حين صار ظل كل شيء مثله) الظل: الستر، ومنه قولهم: أنا في ظلك، وظل الليل سواده، لأنه يستر كل شيء، وظل الشمس ما ستر به الشخوص من مسقطها.

قال ابن عبد البر

(1)

: وكانت إمامة جبريل بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء، وأوّل صلاة أدّيت كذلك الظهر على المشهور.

وقيل: الصبح كما ثبت من حديث ابن عباس عند الدارقطني

(2)

. قال الحافظ

(3)

: والصحيح خلافه.

وذكر ابن أبي خيثمة عن الحسن أنه ذكر له أنه لما كان عند صلاة الظهر نودي: إن الصلاة جامعة، ففزع الناس فاجتمعوا إلى نبيهم [صلى الله تعالى عليه وسلم]

(4)

فصلّى بهم الظهر أربع ركعات، يؤمّ جبريل محمدًا، ويؤمّ محمد الناس لا يسمعهم فيهنّ قراءة.

وذكر عبد الرزاق

(5)

عن ابن جريج قال: قال نافع بن جبير وغيره: لما أصبح النبيّ صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أُسْرِيَ به فيها لم يَرُعْه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس ولذلك سُمِّيَتِ: الأُولى، فأمر، فصيح بأصحابه: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصلى جبريل بالنبيّ [صلى الله تعالى عليه وسلم](4)، وصلّى النبيّ بالناس، وطوّل الركعتين الأولتين، ثم قصّر الباقيتين.

= قلت: وأخرجه الدارقطني في "سننه"(1/ 260 - 261 رقم 16)، وفي سندهما الوليد بن مسلم: مدلس وقد عنعن، وشيخه عبد الرحمن بن نمر لا يروي عنه إلّا الوليد، وعبيد الله بن عبد الله مجهول وما روى عنه غير الزهري. فالسند ضعيف وليس كما قال الحاكم رحمه الله.

(1)

انظر "الاستذكار"(1/ 177 فقرة 36).

(2)

في "سننه"(1/ 258) وقد تقدم تخريج الحديث برقم (2/ 419) من كتابنا هذا.

(3)

في "التلخيص"(1/ 173).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في "المصنف"(1/ 532 رقم 2030).

ص: 67

وسيأتي للمصنف وغيره في شرح حديث أبي موسى أن صلاة جبريل كانت بمكة مقتصرين على ذلك.

قال الحربي: إن الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل الغروب، وصلاة قبل طلوع الشمس.

وقال أبو عمر

(1)

: قال جماعة من أهل العلم: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه صلاة مفروضة قبل الإسراء إلا ما كان أمر به من صلاة الليل على نحو قيام رمضان، من غير توقيت ولا تحديد ركعات معلومات، ولا لوقت محصور. وكان صلى الله عليه وسلم يقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه. وقامه معه المسلمون نحوًا من حول حتى شق عليهم ذلك، فأنزل الله [تعالى]

(2)

التوبة عنهم، والتخفيف في ذلك، ونسخه وحطّه فضلًا منه ورحمة، فلم يبق في الصلاة فريضة إلا الخمس.

والحديث يدلّ على أن للصلوات وقتين وقتين إلا المغرب، وسيأتي الكلام على ذلك. وعلى أن الصلاة لها أوقات مخصوصة لا تجزئ قبلها بالإجماع، وعلى أن ابتداء وقت الظهر الزوال، ولا خلاف في ذلك يعتدّ به، وآخره مصير ظل الشيء مثله.

واختلف العلماء هل يخرج وقت الظهر بمصير ظل الشيء مثله أم لا؟ فذهب الهادي

(3)

ومالك وطائفة من العلماء أنه يدخل وقت العصر، ولا يخرج وقت الظهر، وقالوا: يبقى بعد ذلك قدر أربع ركعات صالحًا للظهر والعصر أداء.

قال النووي في شرح مسلم

(4)

: واحتجّوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "فصلّى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله، وصلّى العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله" وظاهره اشتراكهما في قدر أربع ركعات.

(1)

في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، مرتبًا على الأبواب الفقهية للموطأ"(1/ 96).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

"البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار"(1/ 154).

(4)

(5/ 110).

ص: 68

قال

(1)

: وذهب الشافعي والأكثرون إلى أنه لا اشتراك بين وقت الظهر ووقت العصر، بل متى خرج وقت الظهر بمصير ظل الشيء مثله غير الظل الذي يكون عند الزوال، دخل وقت العصر، وإذا دخل وقت العصر لم يبق شيء من وقت الظهر.

واحتجّوا بحديث ابن عمرو بن العاص عند مسلم

(2)

مرفوعًا بلفظ: "وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر"، الحديث.

قال (1): وأجابوا عن حديث جبريل بأن معناه فرغ من الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، وشرع في العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله، فلا اشتراك بينهما.

قال (1): وهذا التأويل متعيّن للجمع بين الأحاديث، ولأنه إذا حمل على الاشتراك يكون آخر وقت الظهر مجهولًا لأنه إذا ابتدأ بها حين صار ظل كل شيء مثله لم يعلم متى فرغ منها، وحينئذ لا يحصل بيان حدود الأوقات، وإذا حمل على ذلك التأويل حصل معرفة آخر الوقت، فانتظمت الأحاديث على اتفاق. ويؤيّد هذا أن إثبات ما عدا الأوقات الخمسة دعوى مفتقرة إلى دليل خالص عن شوائب المعارضة، فالتوقف على المتيقن هو الواجب حتى يقوم ما يلجئ إلى المصير إلى الزيادة عليها.

وفي الحديث أيضًا ذكر بقية أوقات الصلوات، وسيعقد المصنف [رحمه الله تعالى]

(3)

لكل واحد منها بابًا، وسنتكلم على كل واحد منها في بابه إن شاء الله [تعالى](3).

(1)

أي النووي في "شرحه لصحيح مسلم"(5/ 110).

(2)

في "صحيحه"(1/ 4، 27 رقم 173/ 612).

قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(1/ 210)، والنسائي (1/ 260 رقم 522)، وأبو داود (1/ 280 رقم 396)، والطيالسي في "المسند"(2249)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 150)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 366)، وأبو عوانة في "المسند"(1/ 349 - 350).

(3)

زيادة من (جـ).

ص: 69

[الباب الثاني] باب تعجيلها وتأخيرها في شدة الحر

3/ 420 - (عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ [رضى الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ إذا دَحَضَتِ الشَّمْسُ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

ومُسْلِمٌ

(3)

وابْنُ ماجَهْ

(4)

وأبُو داوُدَ

(5)

. [صحيح]

وفي الباب أيضًا عن أنس عند البخاري

(6)

، ومسلم

(7)

، والنسائي

(8)

، والترمذي

(9)

وقال: صحيح.

وعن خباب عند الشيخين

(10)

.

وعن أبي برزة عندهما

(11)

أيضًا.

وعن ابن مسعود عند ابن ماجه

(12)

وفيه زيد بن جَبِيرَة

(13)

قال أبو حاتم: ضعيف، وقال البخاري: منكر الحديث.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "المسند"(5/ 106).

(3)

في "صحيحه" رقم (618).

(4)

في "السنن" رقم (674).

(5)

في "السنن" رقم (806)، وهو حديث صحيح.

(6)

في "صحيحه" رقم (551).

(7)

في "صحيحه" رقم (192/ 621).

(8)

في "السنن"(1/ 252 - 253).

(9)

في "السنن" رقم (156) وقال: هذا حديث صحيح، وهو أحسن حديث في هذا الباب.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (404)، وابن ماجه رقم (682)، وهو حديث صحيح.

(10)

أخرجه مسلم رقم (619)، ولم يخرجه البخاري.

قلت: وأخرجه النسائي (1/ 247).

(11)

البخاري رقم (771)، ومسلم رقم (235/ 647).

(12)

في "سننه" رقم (676)، وهو حديث صحيح بشواهده.

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 242): "هذا إسناد فيه مقال، رواه البزار في مسنده عن أبي كريب به فذكره بإسناده ومتنه" وقال: لا نعلمه، رواه بهذا الإسناد معاوية - بن هشام - عن سفيان" اهـ.

(13)

زيد بن جبيرة بن محمود بن أبي جبيرة بن الضحاك الأنصاري، أبو جبيرة المدني متروك.

"التقريب" رقم (2122)، وقال الدارقطني: ضعيف.

وانظر: "التاريخ الكبير"(2/ 1/ 390)، و"الجرح والتعديل"(1/ 2/ 559)، و"المجروحين"(1/ 309).

ص: 70

وعن زيد بن ثابت أشار إليه الترمذي

(1)

.

وعن أم سلمة عند الترمذي

(2)

أيضًا.

قوله: (دَحضت

(3)

الشمس) هو بفتح الدال والخاء المهملتين وبعدهما ضاد معجمة، أي: زالت.

والحديث يدلّ على استحباب تقديمها، وإليه ذهب الهادي والقاسم

(4)

والشافعي والجمهور

(5)

للأحاديث الواردة في أفضلية أول الوقت، وقد خصَّه الجمهور بما عدا أيام شدة الحر، وقالوا: يستحب الإبراد فيها إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج، وسيأتي تحقيق ذلك.

4/ 421 - (وَعَنْ أنَسٍ [رضي الله تعالى عنه]

(6)

قالَ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ في أيَّامِ الشِّتَاءِ، ومَا نَدْرِي أمَا ذَهَبَ مِنَ النَّهارِ أكْثَرُ أوْ ما بَقِيَ مِنْهُ. رَوَاهُ أحْمَدُ)

(7)

. [إسناده ضعيف]

(1)

في "السنن" رقم (1/ 292).

قلت: أخرجه أحمد في "المسند"(5/ 183، 206) عن زيد بن ثابت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلّى صلاةً أشدّ على أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم منها. قال: فنزلت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]، وقال: إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين.

وأخرجه أبو داود رقم (411)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 458)، والنسائي في "السنن الكبرى"(1/ 152 رقم 357).

والخلاصة: أن حديث زيد بن ثابت حديث صحيح، والله أعلم.

(2)

في "السنن" رقم (161 و 162 و 163).

قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(6/ 289، 310).

وهو حديث صحيح.

(3)

النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2/ 104).

(4)

"البحر الزخار"(1/ 161).

(5)

انظر: "بداية المجتهد"(1/ 233) بتحقيقي.

(6)

زيادة من (جـ).

(7)

في "المسند"(3/ 160) بسند ضعيف.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 307) وقال: "رواه أحمد من رواية موسى أبي العلاء ولم أجد من ترجمه" اهـ.

قلت: موسى أبو العلاء القَيْني: قال الحسيني: لا أعرفه، وذكره الحافظ في "تعجيل المنفعة"(ص 416)، وقال: حديثه في وقت صلاة الظهر في الشتاء، قال البخاري: حديثه في =

ص: 71

5/ 422 - (وَعَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ [رضي الله تعالى عنهما]

(1)

قالَ: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا كانَ الحَرُّ أبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذا كانَ البَرْدُ عَجَّلَ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ

(2)

، وَللْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ)

(3)

. [صحيح]

6/ 423 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه] (1) قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ، فإن شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ". رَوَاهُ الْجَماعَةُ)

(4)

. [صحيح]

[حديث أنس الأول أخرجه أيضًا عبد الرزاق

(5)

]

(6)

.

وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري

(7)

وابن ماجه

(8)

.

وعن أبي موسى عند النسائي

(9)

.

وعن عائشة عند ابن خزيمة

(10)

.

= البصريين. و"القُيَني" رأيته في نسخة معتمدة من الكنى لأبي أحمد، بضم القاف، وفتح المثناة من فوق، وبعدها موحدة. وفي غيره: بفتح القاف وسكون المثناة من تحت بعدها نون.

انظر "التاريخ الكبير"(7/ 298)، و"الجرح والتعديل"(8/ 169)، و"ذيل الكاشف"(ص 281).

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "السنن"(1/ 248) رقم (499).

(3)

في "صحيحه" رقم (906) بنحوه.

(4)

أخرجه البخاري رقم (533، 534) و (536)، ومسلم رقم (615)، وأبو داود رقم (402)، والترمذي رقم (157)، والنسائي (1/ 284 - 285)، وابن ما جه رقم (677)، وأحمد (2/ 238).

قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (156)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار" (1/ 186)، وابن خزيمة (1/ 170 رقم 329)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 274)، والبيهقي في (1/ 437)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(10/ 349)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 204 رقم 361)، والدارمي (1/ 274)، والطبراني في "الصغير"(1/ 236 رقم 384).

وفي الباب عن جماعة وقد عُدّ متواترًا.

انظر: "قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة" للسيوطي (ص 75 - 76) رقم (24)، و"نظم المتناثر من الحديث المتواتر" للكتاني (ص 56 رقم 62).

(5)

في "المصنف"(1/ 544 رقم 2057).

(6)

زيادة من (أ) و (ب).

(7)

في "صحيحه" رقم (534).

(8)

في "سننه" رقم (681)، وهو حديث صحيح.

(9)

من السنن الكبرى (1/ 465 رقم 4/ 1490).

(10)

في "صحيحه"(1/ 170 رقم 331).

ص: 72

وعن المغيرة عند أحمد

(1)

وابن ماجه

(2)

وابن حبان

(3)

.

وفي رواية للخلال

(4)

: "وكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإبراد".

وعن أبي سعيد عند البخاري

(5)

.

وعن عمرو بن عبسة عند الطبراني

(6)

.

وعن صفوان عند ابن أبي شيبة

(7)

والحاكم

(8)

والبغوي

(9)

.

وعن ابن عباس عند البزار

(10)

، وفيه [عمرو]

(11)

بن صهبان وهو ضعيف.

(1)

في "المسند"(4/ 250).

(2)

في "سننه" رقم (680).

(3)

في "صحيحه" رقم (1505).

قلت: وأخرجه البيهقي (1/ 439)، والطبراني في الكبير (ج 20/ رقم 949)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 187).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 243): "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رواه ابن حبان في "صحيحه" عن محمد بن عبد الرحمن الشامي، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا إسحاق بن يوسف فذكره بحروفه وبإسناده ومتنه. وأصله في الصحيحين والترمذي والنسائي وغيرهم من حديث أبي هريرة، وأبي ذر في البخاري من حديث أنس وأبي سعيد" اهـ.

(4)

كما في "التلخيص"(1/ 181).

(5)

في "صحيحه" رقم (538)، وطرفه رقم (3259).

(6)

في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد"(1/ 307) وقال: "وفيه سليمان بن سلمة الخبائزي، وهو مجمع على ضعفه" قال ابن أبي حاتم: متروك لا يشتغل به. وقال ابن الجنيد: كان يكذب ولا أحدّث عنه بعدَ هذا. انظر: "الميزان"(2/ 209 - 210).

وأخرجه تمام رقم (244 - الروض).

(7)

في "المصنف"(1/ 325).

(8)

في المستدرك (3/ 251).

(9)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(1/ 181).

قلت: وأخرجه أحمد (2/ 262) والطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد"(1/ 306) وقال: "والقاسم بن صفوان وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: القاسم بن صفوان لا يعرف إلا في هذا الحديث".

قلت: انظر: "تعجيل المنفعة" رقم (869)، والجرح والتعديل (7/ 111)، والثقات (5/ 304)، والتاريخ الكبير (7/ 161).

(10)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(1/ 181 - 182) وقال: "وفيه: عمر بن صهبان، وهو ضعيف".

(11)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب (عمر) كما في المصادر الآتية: المجروحين (2/ 81) والميزان (3/ 207) والجرح والتعديل (6/ 116).

ص: 73

وعن عبد الرحمن بن جارية عند الطبراني

(1)

.

وعن عبد الرحمن بن علقمة عند أبي نعيم

(2)

.

قوله: (فأبردوا بالصلاة)، أي أخّروها عن ذلك الوقت وادخلوا بها في وقت الإبراد، وهو الزمان الذي يتبيّن فيه انكسار شدّة الحر ويوجد فيه برودة.

يقال: أبرد الرجل: أي صار في برد النهار.

وفيح جهنم: شدّة حرها وشدّة غليانها.

قال القاضي عياض

(3)

: اختلف العلماء في معناه، فقال بعضهم: هو على ظاهره. وقيل: بل هو على وجه التشبيه والاستعارة، وتقديره إن شدّة الحر تشبه نار جهنم فاحذروه واجتنبوا ضرره، قال: والأول أظهر.

وقال النووي

(4)

: هو الصواب لأنه ظاهر الحديث، ولا مانع من حمله على حقيقته فوجب الحكم بأنه على ظاهره، انتهى.

ويدلّ عليه حديث: "إن النار اشتكت إلى ربّها فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف"، وهو في الصحيح

(5)

. وحديث: "إن لجهنم نفسين"، وهو كذلك.

والأحاديث تدلّ على مشروعية الإبراد، والأمر محمول على الاستحباب.

وقيل: على الوجوب، حكى ذلك القاضي عياض

(6)

، وهو المعنى الحقيقي له.

وذهب إلى الأول جماهير العلماء لكنهم خصّوا ذلك بأيام شدة الحر كما

(1)

أخرجه الطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد"(1/ 307) وقال الهيثمي:، رواه الطبراني في الكبير من رواية ابن سليط عنه، ولم أجد من ذكر ابن سليط ورجاله رجال الصحيح".

(2)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(1/ 182)، ولم أجده في الحلية، والله أعلم.

(3)

نقله النووي عنه في "شرح صحيح مسلم"(5/ 120).

(4)

في "شرحه لصحيح مسلم"(5/ 120).

(5)

أخرجه البخاري رقم (537)، ومسلم رقم (185/ 617) من حديث أبي هريرة.

(6)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(2/ 583).

ص: 74

يشعر بذلك التعليل بقوله: "فإن شدة الحر من فيح جهنم"

(1)

، ولحديث أنس

(2)

المذكور في الباب.

وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين الجماعة والمنفرد، وقال أكثر المالكية

(3)

: الأفضل للمنفرد التعجيل، والحق عدم الفرق لأن التأذّي بالحر الذي يتسبّب عنه ذهاب الخشوع يستوي فيه المنفرد وغيره. وخصّه الشافعي (3) بالبلد الحار، وقيد الجماعة بما إذا كانوا ينتابون المسجد من مكان بعيد لا إذا كانوا مجتمعين أو كانوا يمشون في ظل، فالأفضل التعجيل.

وظاهر الأحاديث عدم الفرق، وقد ذهب إلى الأخذ بهذا الظاهر أحمد

(4)

وإسحاق (4) والكوفيون وابن المنذر

(5)

، ولكن التعليل بقوله:"فإن شدة الحر"، يدلّ على ما ذكره من التقييد بالبلد الحار.

وذهب الهادي والقاسم

(6)

وغيرهما إلى أن تعجيل الظهر أفضل مطلقًا وتمسكوا بحديث جابر بن سمرة المذكور في أول الباب

(7)

، وبسائر الروايات المذكورة هنالك، وبأحاديث أفضلية أول الوقت على العموم كحديث أبي ذرّ عند البخاري

(8)

ومسلم

(9)

وغيرهما، قال:"سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم: أيّ العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاةُ على وقتها"، وبحديث خباب عند مسلم

(10)

قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّ الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا - أي لم يعذرنا - ولم يزل شكوانا"، وزاد ابن المنذر

(11)

والبيهقي

(12)

: "وقال: إذا زالت الشمس فصلّوا"، وتأوّلوا حديث الإبراد بأن معناه صلّوا أوّل الوقت أخذًا من برد النهار

(1)

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه برقم (6/ 423) من كتابنا هذا.

(2)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه برقم (5/ 422) من كتابنا هذا.

(3)

انظر: "بداية المجتهد"(1/ 233) بتحقيقي.

(4)

حكى عنه الكوسج في "مسائل أحمد وإسحاق"(1/ 32).

(5)

انظر: "الأوسط"(2/ 360 - 361).

(6)

انظر: "الاعتصام بحبل الله المتين"(1/ 332 - 333).

(7)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه برقم (3/ 420) من كتابنا هذا.

(8)

في "صحيحه" رقم (527).

(9)

في "صحيحه" رقم (139/ 85).

(10)

في "صحيحه" رقم (619) وقد تقدم.

(11)

في "الأوسط"(2/ 358 رقم 1005).

(12)

في "السنن الكبرى"(1/ 439).

ص: 75

وهو أوّله، وهو تعسّف يرده قوله [صلى الله عليه وسلم]

(1)

: "فإن شدّة الحر من فيح جهنم"، وقوله:"فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة".

ويجاب عن ذلك بأن الأحاديث الواردة بتعجيل الظهر وأفضلية أوّل الوقت عامة أو مطلقة، وحديث الإبراد خاص أو مقيد، ولا تعارض بين عام وخاص ولا بين مطلق ومقيد.

وأجيب عن حديث خباب

(2)

بأنه، كما قال الأثرم والطحاوي منسوخ، قال الطحاوي

(3)

: ويدلّ عليه حديث المغيرة

(4)

: "كنّا نصلي بالهاجرة فقال لنا: أبردوا"، فبيَّن أن الإبراد كان بعد التهجير.

وقال آخرون: إن حديث خباب محمول على أنهم طلبوا تأخيرًا زائدًا على قدر الإبراد؛ لأن الإبراد أن يؤخر بحيث يصير للحيطان فيء يمشون فيه ويتناقص الحرّ. وحمل بعضهم حديث الإبراد على ما إذا صار الظل فيئًا، وحديث خباب على ما إذا كان الحصى لم يبرد، لأنه لا يبرد حتى تصفرّ الشمس، فلذلك رخّص في الإبراد ولم يرخص في التأخير إلى خروج الوقت، وعلى فرض عدم إمكان الجمع فرواية الخلال السابقه

(5)

عن المغيرة بلفظ: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإبراد".

وقد صحح أبو حاتم وأحمد حديث المغيرة

(6)

، وعدّه البخاري محفوظًا من أعظم الأدلّة الدالّة على النسخ كما قاله من قدمنا، ولو سلم جهل التاريخ وعدم معرفة المتأخر لكانت أحاديث الإبراد أرجح لأنها في الصحيحين

(7)

، بل في جميع الأمهات بطرق متعدّدة.

وحديث خباب في مسلم

(8)

فقط، ولا شك أن المتفق عليه مقدم، وكذا ما جاء من طرق.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه خلال شرح الحديث رقم (6/ 423) من كتابنا هذا.

(3)

كما في "البناية شرح الهداية"(2/ 46).

(4)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه خلال شرح الحديث رقم (6/ 423) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم آنفًا.

(6)

ذكره العيني في "البناية شرح الهداية"(2/ 45).

(7)

كحديث أبي هريرة عند البخاري رقم (533، 534) و (536)، ومسلم رقم (615).

(8)

رقم (619).

ص: 76

7/ 424 - (وَعَنْ أبِي ذَرٍّ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فأرَادَ المُؤَذِّنُ أنْ يُؤَذِّنَ لِلْظُّهْرِ، فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أبْرِدْ"، ثُمَّ أرَادَ أنْ يُؤَذِّنَ، فقالَ لَهُ:"أبْرِدْ"، حتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، فقالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:"إنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأبْرِدُوا بالصَّلَاةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(2)

. [صحيح]

قوله: (فَيْء التُّلول) قال ابن سِيده: الفَيْء ما كان شمسًا فنسخه الظِّلُّ، والجمع أفياء وفيوء، وفاء الفيء فيئًا: تحوَّلَ، وتفيَّأ فيه: تظلَّلَ. قال ابن قُتيبة: يتوهَّم الناس أن الظِّلَّ والفيء بمعنى، وليس كذلك: بل الظِّل يكون غدوةً وعشيَّةً ومن أوّل النهار إلى آخره، وأمّا الفئ فلا يكون إلّا بعد الزوال، ولا يقال لما قبل الزوال، وإنما قيل لما بعد الزوال: فيء، لأنه ظِلٌّ فاءَ من جانب إلى جانب، أي رجع، والفيء: الرجوع

(3)

.

ونسبه النووي في شرح مسلم

(4)

إلى أحل اللغة. والتلول جمع تل: وهو الربوة من التراب المجتمع، والمراد أنه أخّر تأخيرًا كثيرًا حتى صار للتلول فيء وهي منبطحة لا يصيرُ لها فيء في العادة إلّا بغد زوال الشمس بكثير.

الحديث يدلُّ على مشروعية الإبراد، وقد تقدّم الكلام عليه مستوفى.

قال المصنف

(5)

رحمه الله: وفيه دليل على أن الإبراد أوْلَى وإن لم ينتابوا المسجد من بُعْدٍ، لأنه أمر به مع اجتماعهم معه، انتهى.

أشار رحمه الله [تعالى](1) بهذا إلى ردّ ما قاله الشافعي، وقد قدمنا حكاية ذلك عنه

(6)

.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أحمد في "المسند"(5/ 155، 162)، والبخاري رقم (535)، ومسلم رقم (616).

(3)

انظر: "النهاية"(3/ 482).

(4)

(5/ 119).

(5)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 204).

(6)

قال أبو بكر بن المنذر في "الأوسط"(2/ 360 - 361): "تعجيل الصلوات في أوائل أوقاتها أفضل إلا صلاة الظهر في شدة الحر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اشتدّ الحر فأبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنّم"، والقائل بهذا القول مستعمل للخبرين جميعًا، ولا =

ص: 77

[الباب الثالث] باب أول وقت العصر وآخره في الاختيار والضرورة

قد سبق في حديث ابن عباس

(1)

وجابر

(2)

في باب وقت الظهر.

8/ 425 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو [رضي الله تعالى عنهما]

(3)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَقْتُ صَلاةِ الظُّهْرِ ما لَمْ يَحْضُرِ العَصْرُ، وَوَقْتُ صَلاةِ العَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلاةِ المَغْرِبِ ما لَمْ يَسْقُطْ ثَوَرُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ صَلاةِ العِشَاءِ إلى نِصْفِ اللَّيلِ، وَوَقْتُ صَلاةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

ومُسْلِمٌ

(5)

والنَّسائِيُّ

(6)

وأبُو داوُدَ

(7)

، وفي روايةٍ لِمُسْلِمٍ

(8)

: "وَوَقْتُ الْفَجْرِ ما لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ الأوَّلِ - وَفِيهِ

(9)

- وَوَقْتُ صَلَاةِ العَصْرِ ما لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَيَسْقُطَ قَرْنُهَا الأوَّلُ").

قوله: (ثور الشفق) هو بالثاء المثلثة، أي ثورانه وانتشاره ومعظمه.

وفي القاموس

(10)

: أنه حمرة الشفق الثائرة فيه.

قوله: (قرن الشمس) هو ناحيتها، أو أعلاها، أو أوّل شعاعها، قاله في القاموس

(11)

.

وقوله: (ويسقط قرنها الأوّل) المراد به الناحية، كما قال النووي

(12)

.

= فرق بين المصلّي في بيته أو في جماعة بفناء بيته، أو في المساجد التي تنتاب من البُعد، وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم عمّ ولم يخص، ولو كان له مراد لبيَّن ذلك، وليس لأحد أن يستثني من الحديث إلّا بحديث مثله، وهذا يلزم القائلين بعموم الأخبار، فإن دفع بعض الناس قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:"إذا اشتدّ الحر فأبردوا بالصلاة" بخبر خباب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرمضاء فما أشكانا"، فقد يكون امتنع من ذلك في وقت ثم رخّص لهم بعد ذلك في تأخير الظهر وقد أمرهم به" اهـ.

(1)

برقم (2/ 419) من كتابنا هذا.

(2)

برقم (1/ 418) من كتابنا هذا.

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في "المسند"(1/ 210).

(5)

في "صحيحه" رقم (173/ 612).

(6)

في "سننه"(1/ 260).

(7)

في "سننه" رقم (396).

(8)

في "صحيحه" رقم (171/ 612).

(9)

في "صحيحه" رقم (172/ 612).

(10)

القاموس المحيط (ص 459).

(11)

القاموس المحيط (ص 1578).

(12)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 113).

ص: 78

والحديث فيه ذكر أوقات الصلوات الخمس، وقد تقدم الكلام في الظهر، وسيأتي الكلام على وقت المغرب والعشاء والفجر كل في بابه.

وأمّا وقت العصر فالحديث يدلّ على امتداد وقته إلى اصفرار الشمس، كما في الرواية الأولى من حديث الباب، وإلى سقوط قرنها أي غروبه، كما في الرواية الثانية منه.

وحديث: "من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر"

(1)

، يدلّ على أن إدراك بعضها في الوقت يجزئ، وإلى هذا ذهب الجمهور

(2)

، وقال أبو حنيفة

(3)

: آخره الاصفرار.

وقال الاصطخري: آخره المثلان، وبعدها قضاء. والأحاديث تردّ عليهم، ولكنه استدلّ الاصطخري بحديث جبريل السابق

(4)

، وفيه:"أنه صلّى العصر اليوم الأوّل عند مصير ظل الشيء مثله، واليوم الثاني عند مصير ظل الشيء مثليه"، وقال بعد ذلك:"الوقت ما بين هذين الوقتين"، وقد أجيب عن ذلك بحمل حديث جبريل على بيان وقت الاختيار، لا لاستيعاب وقت الاضطرار والجواز.

وهذا الحمل لا بدّ منه للجمع بين الأحاديث، وهو أولى من قول من قال: إن هذه الأحاديث ناسخة لحديث جبريل، لأن النسخ لا يصار إليه مع إمكان

(1)

أخرجه البخاري رقم (579)، ومسلم رقم (163/ 608)، وأبو داود رقم (412)، والترمذي رقم (186)، والنسائي (1/ 257)، وابن ماجه رقم (1122)، وأحمد رقم (2/ 254)، ومالك (1/ 10 رقم 15) من حديث أبي هريرة.

(2)

"الثوري وأحمد وأبو ثور وإسحاق وداود وابن المنذر وهو قول الشافعي في القديم، واختاره من سمّى إلى الحديث من أصحابه كابن خزيمة والخطابي والبيهقي والبغوي في التهذيب والغزالي في الأخبار وصححه العجلي وابن الصلاح. وقال النووي: هو الصحيح"، "البناية في شرح الهداية" للعيني (2/ 28).

(3)

"وهو قول أبي بكر الصديق وأنس ومعاذ بن جبل وعائشة رضي الله عنهم أجمعين ورواية ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما. وبه قال عمر بن عبد العزيز والأوزاعي وزفر والمزني وابن المنذر والخطابي واختاره المبرد وثعلب رضي الله عنهم" اهـ.

"البناية في شرح الهداية" للعيني (2/ 30).

(4)

تقدم تخريجه برقم (1/ 418) من كتابنا هذا.

ص: 79

الجمع، وكذلك لا يصار إلى [الترجيح]

(1)

. ويؤيّد هذا الجمع حديث: "تلك صلاة المنافق". وسيأتي

(2)

بعد هذا الحديث، فمن كان معذورًا كان الوقت في حقه ممتدًّا إلى الغروب، ومن كان غير معذور كان الوقت له إلى المثلين، وما دامت الشمس بيضاء نقية، فإن أخّرها إلى الاصفرار وما بعده كانت صلاته صلاة المنافق المذكورة في الحديث.

وأمّا أوّل وقت العصر، فمذهب العترة

(3)

والجمهور أنه مصير ظل الشيء مثله لما تقدم في حديث جبريل، وقال الشافعي: الزيادة على المثل. وقال أبو حنيفة: المثلان، وهو فاسد تردّه الأحاديث الصحيحة.

قال النووي في شرح مسلم

(4)

: قال أصحابنا: للعصر خمسة أوقات: وقت فضيلة، واختيار، وجواز بلا كراهة، وجواز مع كراهة، ووقت عذر.

فأمّا وقت الفضيلة فأوّل وقتها، ووقت الاختيار يمتد إلى أن يصير ظل الشيء مثليه، ووقت الجواز إلى الاصفرار، ووقت الجواز مع الكراهة حال الاصفرار إلى الغروب، ووقت العذر هو وقت الظهر في حق من يجمع بين [الظهر والعصر]

(5)

لسفر أو مطر، ويكون العصر في هذه الأوقات الخمسة أداء، فإذا فاتت كلها بغروب الشمس، صارت قضاء"، انتهى.

قال المصنف

(6)

رحمه الله [تعالى]

(7)

: وفيه دليل على أن للمغرب وقتين، وأن الشّفق: الحُمرة، وأن وقت الظهر [يعاقبه]

(8)

وقتُ العصر، وأن تأخير العشاء إلى نصف الليل جائز، انتهى.

قوله: وفيه دليل على أن للمغرب وقتين، استدلّ على ذلك بقوله في الحديث:"ووقت المغرب ما لم يسقط ثوَر الشفق"

(9)

.

(1)

في (أ): [ترجيح].

(2)

برقم (9/ 426) من كتابنا هذا.

(3)

البحر الزخار (1/ 154).

(4)

(5/ 110 - 111).

وقاله في "المجموع"(3/ 31 - 32).

(5)

في المخطوط (أ): [العصر والظهر].

(6)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 206).

(7)

زيادة من (جـ).

(8)

في (جـ): (يعاقب).

(9)

وهو جزء من حديث عبد الله بن عمرو المتقدم تخريجه برقم (8/ 425) من كتابنا هذا.

ص: 80

قال النووي في شرح مسلم

(1)

: وذهب المحقّقون من أصحابنا إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها ما لم يغب الشفق، وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك، ولا يأثم بتأخيرها عن أوّل الوقت، وهذا هو الصحيح أو الصواب الذي لا يجوز غيره. والجواب عن حديث جبريل حين صلّى المغرب في اليومين في وقت واحد من ثلاثة أوجه:

(أحدها): أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار، ولم يستوعب وقت الجواز، وهذا جار في كل الصلوات سوى الظهر.

(والثاني): أنه متقدم في أوّل الأمر بمكة، وهذه الأحاديث بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق، متأخرة في آخر الأمر بالمدينة، فوجب اعتمادها.

(والثالث): أن هذه الأحاديث أصح إسنادًا من حديث بيان جبريل، فوجب تقديمها"، انتهى.

وقوله: وإن الشفق: الحمرة. قد أخرج ابن عساكر في غرائب مالك

(2)

والدارقطني

(3)

والبيهقي

(4)

عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ: "الشفق: الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة".

ولكنه صحح البيهقي

(5)

وقفه، وقد ذكر نحوه الحاكم، وسيذكره المصنف [رحمه الله تعالى]

(6)

(7)

في باب: وقت صلاة العشاء.

(1)

(5/ 111).

(2)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(1/ 176).

(3)

في "السنن"(1/ 269 رقم 3، 4).

(4)

في "السنن الكبرى"(1/ 373) وقال: "روي هذا الحديث عن عليٍّ، وعمر، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، وشداد بن أوسٍ، وأبي هريرةَ، ولا يصحّ منها شيء". وانظر: "التلخيص الحبير"(1/ 176).

قلت: وأخرج حديث ابن عمر بن خزيمة في "صحيحه" مرفوعًا (1/ 182 - 183) رقم (354) وقال: "فلو صحت هذه اللفظة في هذا الخبر لكان في هذا الخبر بيان أن الشفق الحمرة، إلا أنَّ هذه اللفظة تفرّد بها "محمد بن يزيد" إن كانت حفظت عنه. وإنما قال أصحاب شعبة في هذا الخبر: ثور الشفق مكان ما قاله محمد بن بزيد: حمرة الشفق".

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

في "السنن الكبرى"(1/ 373).

(6)

زيادة من (جـ).

(7)

الباب العاشر رقم الحديث (35/ 452) من كتابنا هذا، وهو حديث ضعيف.

ص: 81

وقوله: وإن تأخير العشاء إلى [نصف]

(1)

الليل إلخ، سيأتي تحقيق ذلك في باب: وقت صلاة العشاء

(2)

.

9/ 426 - (وَعَنْ أنَسٍ [رضي الله عنه]

(3)

قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تِلْكَ صَلَاةُ المُنَافِقِ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَي الشَّيْطَانِ قامَ فَنَقَرَهَا أرْبَعًا لَا يَذْكُرُ الله إلا قَلِيلًا". رَوَاهُ الجَمَاعَةُ إلَّا البُخَارِيَّ وابْنَ مَاجَهْ)

(4)

. [صحيح]

الحديث رواه أبو داود

(5)

بتكرير قوله: "تلك صلاة المنافق".

قوله: (بين قرني [الشيطان])

(6)

، اختلفوا فيه.

فقيل: هو على حقيقته وظاهر لفظه، والمراد أنه يحاذيها بقرنيه عند غروبها، وكذلك عند طلوعها، لأن الكفار يسجدون لها حينئذ، فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له، [وتخيّل]

(7)

لنفسه ولأعوانه إنما يسجدون له.

وقيل: هو على المجاز، والمراد بقرنه وقرنيه: علوّه وارتفاعه وسلطانه وغلبة أعوانه، وسجود مطيعيه من الكفار للشمس، قاله النووي

(8)

.

وقال الخطابي

(9)

: هو تمثيل، ومعناه أن تأخيرها بتزيين الشيطان ومدافعته لهم عن تعجيلها، كمدافعة ذوات القرون لما تدفعه.

قوله: (فنقرها) المراد بالنقر سرعة الحركات كنقر الطائر، قال الشاعر:

لا أذوقُ النَّوْمَ إلا غِرَارًا

مِثْلَ حَسْوِ الطَّيْرِ ماءَ الثماد

وفي الحديث دليل على كراهة تأخير الصلاة إلى وقت الاصفرار، والتصريح بذمّ من أخّر صلاة العصر بلا عذر، والحكم على صلاته بأنها صلاة المنافق، ولا أردع لذوي الإيمان وأفزع لقلوب أهل العرفان من هذا.

(1)

في (جـ): (ثلث).

(2)

الباب العاشر الأحاديث رقم (35/ 452 - 43/ 460) من كتابنا هذا.

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 149)، ومسلم رقم (622)، وأبو داود رقم (413)، والترمذي رقم (165)، والنسائي (1/ 254).

(5)

في "السنن" رقم (413).

(6)

في (جـ): (شيطان).

(7)

في (جـ): (ويخيل).

(8)

في "شرحه لصحيح مسلم"(5/ 124).

(9)

في "معالم السنن"(1/ 289 - هامش السنن).

ص: 82

وقوله: (يجلس يرقب الشمس) فيه إشارة إلى أن الذم متوجه إلى من لا عذر له.

وقوله: (فنقرها أربعًا) فيه تصريح بذم من صلّى مسرعًا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار، وقد نقل بعضهم الاتفاق على عدم جواز التأخير إلى هذا الوقت لمن لا عذر له، وهذا من أوضح الأدلّة القاضية بصحة الجمع بين الأحاديث التي ذكرناها في الحديث الذي قبل هذا.

10/ 427 - (وَعَنْ أَبِي مُوسَى [رضي الله تعالى عنه]

(1)

عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: وَأَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَأَمَرَ بِلَالًا فأقَامَ الفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الفَجْرُ، والنَّاسُ لا يَكادُ يَعْرِفُ بَعْضهُمْ بَعْضًا، ثمَّ أمَرَهُ فأقامَ الظُّهْرَ حِينَ زالَتِ الشَّمْسُ، والقائِلُ يَقُولُ: انْتَصَفَ النَّهارُ أوْ لَمْ، وكانَ أعْلَمَ مِنْهُمْ، ثمَّ أمَرَهُ فأقامَ العَصْرَ والشَمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثمَّ أمَرَهُ فأقامَ المَغْرِبَ حِينَ وَقَبَتِ الشَّمْسُ، ثمَّ أمَرَهُ فأقامَ العِشاءَ حِينَ غابَ الشَّفَقُ، ثمَّ أخَّرَ الفَجْرَ مِنَ الغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا والقائِلُ يَقُولُ: طَلَعَتِ الشَّمْسُ أوْ كادَتْ، وأخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ العَصْرِ بالأَمْسِ، ثمَّ أخَّرَ العَصْرَ فانْصَرَفَ مِنْهَا، والقَائِلُ يَقُولُ: احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أخَّرَ المَغْرِبَ حَتَّى كانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشفَقِ، وفي لَفْظٍ: فَصَلَّى المَغْرِبَ قَبْلَ أنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وأخَّرَ العِشَاءَ حَتَّى كانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، ثمَّ أصْبَحَ فَدَعا السَّائِلَ فقالَ:"الْوَقْتُ فِيمَا بَينَ هذَيْنِ". رَواهُ أحْمَدُ

(2)

ومُسْلِمٌ

(3)

وأبُو داوُدَ

(4)

والنّسائي

(5)

. [صحيح]

ورَوَى الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيّ)

(6)

. [صحيح]

حديث بُريدة صحَّحه الترمذي

(7)

، ولفظه: "أن رجلًا سألَ رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "المسند"(4/ 416).

(3)

في "صحيحه" رقم (614).

(4)

في "سننه" رقم (395).

(5)

في "سننه" رقم (1/ 260 رقم 523)، وهو حديث صحيح.

(6)

أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (613)، والترمذي رقم (152)، والنسائي (1/ 258)، وأحمد (5/ 349)، وابن ماجه (167)، وابن الجارود رقم (151)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 148)، والدارقطني (1/ 262 رقم 25)، والبيهقي (1/ 371) وهو حديث صحيح.

(7)

في "السنن"(2/ 287) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

ص: 83

عن وقت الصلاة، فقال: صلِّ معنا هذين الوقتين، فلما زالت الشمس أمر بلالًا فأذَّن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمَره فأقام العصر، والشمس مرتفعة بيضاء نقيّة، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر؛ فلما أن كان اليوم الثاني أمره، فأبردَ بالظهر وأنعم أن يبردَ بها، وصلَّى العصر والشمس مرتفعة أخّرها فوقَ الذي كان، وصلَّى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلَّى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل، وصلَّى الفجر فأسفر بها، ثم قال:"أين السائل عن وقت الصلاة"؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال:"وقت صَلاتِكم بينَ ما رأيتم".

قوله: (وأتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يردّ عليه شيئًا)، أي: لم يرد جوابًا ببيان الأوقات باللفظ، بل قال له: صلِّ معنا لتعرفَ ذلك، ويحصل لك البيان بالفعل، كما وقع في حديث بُريدة أنه قال له:"صلِّ معنا هذين اليومين"، وليس المراد أنه لم يجب عليه بالقول ولا بالفعل، كما هو الظاهر من حديث أبي موسى؛ لأن المعلوم من أحواله أنه كان يُجيب من سأله عمّا يحتاج إليه، فلا بدّ من تأويل ما في حديث أبي موسى من قوله:"فلم يرد عليه شيئًا"، بما ذكرنا.

وقد ذكر معنى ذلك النووي

(1)

.

قوله: (انشقّ الفجر) أي طلع.

وقوله: (والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا)، بيان لذلك الوقت.

قوله: (وَقَبَتِ الشَّمس) هو بقاف فباء موحدة فتاء مثناة، يقال: وقبت الشمس وقبًا ووقوبًا: غربت، ذكر معناه في القاموس

(2)

.

وفي الحديث بيان مواقيت الصلاة، وفيه تأخير وقت الحصر إلى قريب احمرار الشمس، وفيه:"أنه أخّر العشاء حتى كان ثلث الليل"، وفي حديث عبد الله بن عمرو السابق

(3)

أنه أخّرها إلى نصف الليل، وهو بيان لآخر وقت الاختيار، وسيأتي تحقيق ذلك.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 115 - 116).

(2)

القاموس المحيط (ص 182).

(3)

تقدم تخريجه برقم (8/ 425) من كتابنا هذا.

ص: 84

قال المصنف

(1)

رحمه الله تعالى: وهذا الحديث يعني حديث الباب في إثبات الوقتين للمغرب، وجواز تأخير العصر ما لم تصفرّ الشمس، أولى من حديث جبريل عليه السلام، لأنه كان بمكّة في أوّل الأمر، وهذا متأخّر ومتضمّن زيادة فكان أولى، وفيه من العلم جواز تأخير البيان عن وقت السؤال، انتهى.

وهكذا صرّح البيهقي

(2)

والدارقطني

(3)

وغيرهما أن صلاة جبريل كانت بمكة، وقصة المسألة بالمدينة، وصرّحوا بأن الوقت الآخر لصلاة المغرب رخصة. وقد ذكرنا طرفًا من ذلك في شرح حديث جبريل

(4)

، وفيه زيادة أن ذلك في صبيحة ليلة الإسراء.

وقوله: (الوقت فيما بين هذين الوقتين) ينفي بمفهومه وَقْتِيَّةَ ما عداهُ.

ولكن حديث: "من أدرك من العصر ركعة قبل غروب الشمس، ومن الفجر ركعة قبل طلوع الشمس"

(5)

وغيره، منطوقات، وهي أرجح من المفهوم، ولا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع، وقد أمكن بما عرفت في شرح حديث عبد الله بن عمرو

(6)

، ولو صرت إلى الترجيح لكان حديث أنس

(7)

المذكور قبل هذا مانعًا من التمسّك بتلك المنطوقات، فالمصير إلى الجمع لا بدّ منه.

[الباب الرابع] باب ما جاء في تعجيلها وتأكيده مع الغيم

11/ 428 - (عَنْ أنَسٍ [رضي الله تعالى عنه]

(8)

قالَ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم

(1)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 209).

(2)

في كتاب المعرفة كما في "نصب الراية"(1/ 230). وانظر "التمهيد"(8/ 33).

(3)

لم أعثر عليه؟!

(4)

تقدم تخريجه برقم (1/ 418) من كتابنا هذا.

(5)

وهو حديث صحيح.

أخرجه مسلم رقم (163/ 608)، وقد تقدم تخريجه خلال تخريج الحديث (8/ 425) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم تخريجه رقم (8/ 425) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم تخريجه رقم (9/ 426) من كتابنا هذا.

(8)

زيادة من (جـ).

ص: 85

يُصَلِّي العَصْرَ والشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلى العَوَالِي فَيَأتِيهِمْ والشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. رَوَاهُ الجَمَاعَةُ إلا التّرْمِذِيَّ

(1)

.

وَللْبُخَارِيِّ

(2)

: وَبَعْضُ العَوَالِي مِنَ المَدِينَةِ على أَرْبَعَةِ أمْيالٍ أوْ نَحْوِهِ، وَكَذلِكَ لأحْمَدَ

(3)

وأبِي دَاوُدَ

(4)

مَعْنَى ذلِكَ). [صحيح].

قوله: (فيذهب) في رواية لمسلم

(5)

: "ثم يذهب الذاهب إلى قباء"، وفي رواية له

(6)

أيضًا: "ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون".

قوله: (والشمس مرتفعة حية).

قال الخطابي

(7)

: حياتها وجود حرها.

قال أبو داود في سننه

(8)

بإسناده إلى خيثمة أنه قال: حياتها أن تجد حرّها.

قوله: (إلى العوالي) هي القرى التي حول المدينة أبعدها على ثمانية أميال من المدينة، وأقربها ميلان وبعضها على ثلاثة أميال، وبه فسّرها مالك، كذا في شرح مسلم للنووي

(9)

.

والحديث يدلُّ على استحباب المبادرة بصلاة العصر أوّل وقتها؛ لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين وثلاثة والشمس لم تتغيّر بصفرَة ونحوها إلا إذا صلّى العصر حين صار ظل الشيء مثله.

قال النووي

(10)

: ولا يكاد يحصل هذا إلّا في الأيام الطويلة وهو

(1)

أخرجه أحمد (3/ 131)، والبخاري رقم (550)، ومسلم رقم (621)، وأبو داود رقم (404)، والنسائي (1/ 253)، وابن ماجه رقم (682).

وهو حديث صحيح.

(2)

في "صحيحه" رقم (551).

(3)

في "المسند"(3/ 169).

(4)

في "السنن" رقم (405).

(5)

رقم (193/ 621).

(6)

أي لمسلم (194/ 621).

(7)

ذكره النووي في شرحه لمسلم (5/ 122).

(8)

(1/ 286 رقم 406).

(9)

(5/ 122). والميل = 1848 مترًا. انظر كتابنا "الإيضاحات العصرية في المقاييس والمكاييل والأوزان الشرعية".

(10)

في "شرحه لصحيح مسلم"(5/ 122 - 123).

ص: 86

دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور من العترة وغيرهم القائلين: بأن أوّل وقت العصر إذا صار ظلّ كل شيء مثله، وفيه رد لمذهب أبي حنيفة فإنه قال: إن وقت العصر لا يدخل حتى يصير ظل الشيء مثليه وقد تقدم ذكر ذلك.

12/ 429 - (وَعَنْ أنَسٍ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: صَلَّى لنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم العَصْرَ، فأتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَني سَلَمَةَ، فقالَ: يا رَسُولَ الله إنَّا نُرِيدُ أنْ نَنْحَرَ جَزُورًا لَنا وإنَّا نُحِبُّ أنْ تَحْضُرَها، قالَ:"نَعَمْ"، فانْطلَقَ وانْطَلَقْنَا مَعَهُ، فَوَجَدْنَا الجَزُورَ لَمْ تُنْحَرْ، فَنُحِرَتْ ثُمَّ قُطِّعَتْ ثُمَّ طُبِخَ مِنْهَا ثُمَّ أكَلْنَا قَبْلَ أنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

(2)

. [صحيح]

13/ 430 - (وَعَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ [رضي الله تعالى عنه] (1) قالَ: كُنَّا نُصَلِّي العَصْرَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَنْحَرُ الجَزُورَ فَنَقْسِمَ عَشَرَ قِسَمٍ، ثُمَّ نَطْبُخُ فَنَأكُلُ لَحْمَهُ نَضِيجًا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (ننحر جزورًا لنا) في القاموس

(4)

: الجَزور: البعيرُ، أو خاصّ بالناقَةِ المجزورَةِ، الجمع جَزائِرُ وجُزُرٌ وجُزراتٌ.

والحديثان يدلّان على مشروعية المبادرة بصلاة العصر، فإن نحر الجزور ثم قسمته ثم طبخه ثم أكله نضيجًا ثم الفراغ من ذلك قبل غروب الشمس من أعظم المشعرات بالتبكير بصلاة العصر فهو من حجج الجمهور.

ومن ذلك حديث ابن عباس

(5)

وجابر

(6)

في صلاة جبريل وغير ذلك، وكلُّها ترد ما قاله أبو حنيفة، وقد خالفه الناس في ذلك، ومن جملة المخالفين له أصحابه وقد تقدم ذكر مذهبه.

14/ 431 - (وَعَنْ بُرَيْد الأَسْلَمِيِّ [رضي الله تعالى عنه] (1) قالَ: كُنَّا مَعَ

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "صحيحه" رقم (624).

(3)

أحمد (4/ 142، 143)، والبخاري رقم (2485)، ومسلم رقم (625).

(4)

(ص 465).

(5)

تقدم تخريجه رقم (2/ 419) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم تخريجه رقم (1/ 418) من كتابنا هذا.

ص: 87

رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةٍ، فقالَ:"بَكِّرُوا بالصَّلاةِ فِي اليَوْمِ الغَيمِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَاتَهُ صَلاةُ العَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

وابنُ مَاجَهْ)

(2)

[صحيح]

[الحديث في سنن ابن ماجه رجاله رجال الصحيح.

ولكنه وهم فيه الأوزاعي فجعل مكان أبي المليح أبا المهاجر

(3)

.

وقد]

(4)

أخرجه أيضًا البخاري

(5)

والنسائي

(6)

عن أبي المليح عن بريدة بنحوه والأمر بالتبكير تشهد له الأحاديث السابقة.

وأمّا كون فوت صلاة العصر سببًا لإحباط العمل فقد أخرج البخاري في صحيحه

(7)

: "من ترك صلاة العصر حبط عمله".

وأمّا تقييد التبكير بالغيم فلأنه مظنّة التباس الوقت، فإذا وقع التراخي فربما خرج الوقت أو اصفرّت الشمس قبل فعل الصلاة، ولهذه الزيادة ترجم المصنف [رحمه الله تعالى]

(8)

الباب بقوله: وتأكيده في الغيم.

والحديث من الأدلّة الدالّة على استحباب التبكير لكن مقيّدًا بذلك القيد، وعلى عظم ذنب من فاتته صلاة العصر، وسيأتي لذلك مزيد بيان.

[الباب الخامس] باب بيان أنها الوسطى وما ورد في ذلك في غيرها

15/ 432 - (عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ يَوْمَ الأَحْزَابِ: "مَلأَ الله قُبُورَهُمْ وَبُيُوتهُمْ نارًا كما شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(9)

. [صحيح]

(1)

في "المسند"(5/ 349، 357، 360، 361).

(2)

في "سننه" رقم (694).

(3)

انظر "إرواء الغليل"(1/ 276 - 277 رقم 255).

(4)

زيادة من (أ) و (ب).

(5)

في "صحيحه" رقم (553).

(6)

في "سننه"(1/ 236).

(7)

في "صحيحه" رقم (594).

(8)

زيادة من (جـ).

(9)

أحمد (1/ 79، 154)، والبخاري رقم (2931)، ومسلم رقم (202/ 627).

ص: 88

وَلمُسْلِمٍ

(1)

وأحْمَدَ

(2)

وأبِي داوُدَ

(3)

: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الوُسْطَى صَلاةِ العَصْرِ". [صحيح]

16/ 433 - (وَعَنْ عَلِيٍّ [رضي الله تعالى عنه]

(4)

قالَ: كُنَّا نَرَاهَا الفَجْرَ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"هِيَ صَلاةُ العَصْرِ"، يَعْنِي صَلَاةَ الوُسْطَى. رَوَاهُ عَبْدُ الله بْنُ أحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أبِيهِ)

(5)

. [صحيح]

هذه الرواية الأخيرة رواها ابن مهدي قال: حدثنا سفيان عن عاصم عن زر قال: "قلت لعبيدة: سل عليًا عن الصّلاة الوسطى، فسأله فقال: كنّا نراها الفجر حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر"

(6)

.

قال ابن سيّد الناس: وقد روي ذلك عنه من غير وجه.

والحديث يدلّ على أن صلاة الوسطى هي العصر

(7)

.

وقد اختلف الناس في ذلك على أقوال بعد اتفاقّهم على أنها آكد الصلوات.

(القولُ الأول): أنها العصر وإليه ذهب عليٌّ بن أبي طالب

(8)

، وأبو أيوب

(9)

، وابن عمر

(10)

، وابن عباس

(11)

،

(1)

في "صحيحه" رقم (205/ 627).

(2)

في "المسند"(1/ 113).

(3)

في "سننه" رقم (409).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

(1/ 122).

(6)

أخرجه أحمد (1/ 122)، والبخاري رقم (2931)، ومسلم رقم (627).

(7)

انظر: كتاب "اللفظ الموطّأ في بيان الصلاة الوسطى"، تأليف العلامة مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي.

"وكشف المغطّى في تبيين الصلاة الوسطى"، للحافظ عبد المؤمن بن خلف المعروف بالدمياطي.

(8)

حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 366)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 235)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 288)، وابن جزي في "القوانين الفقهية"(جـ 33)، وابن حزم في "المحلى"(4/ 259).

(9)

حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 366)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 236)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 288).

(10)

حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 366)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 576)، وابن حزم في "المحلى"(4/ 260)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 289)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461) وهي أصح الروايات عن ابن عمر.

(11)

حكاه عنه ابن المنذر في الأوسط (2/ 366)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 504)، =

ص: 89

وأبو سعيد الخدري

(1)

، وأبو هريرة

(2)

، وأبيّ بن كعب

(3)

، وسمرة بن جندب

(4)

، وعبد الله بن عمرو بن العاص

(5)

، وعائشة

(6)

، وحفصة

(7)

، وأم سلمة

(8)

، وعبيدة السلماني

(9)

، والحسن البصري

(10)

، وإبراهيم النخعي

(11)

، والكلبي

(12)

، وقتادة

(13)

، والضحاك

(14)

،

= والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 289) وهي إحدى الروايات عنه، وهي أصح ما روى عنه.

(1)

حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 366)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 288)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461)، وزين الدين أبو الفضل في "طرح التثريب"(2/ 173).

وهي إحدى الروايتين عنه.

(2)

حكاه عنه ابن المنذر في الأوسط (2/ 366)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461)،

وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 288)، وابن حجر في "فتح الباري"(8/ 196).

(3)

حكاه عنه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 506)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461)، وفي "طرح التثريب"(2/ 173)، وفي شرح معاني الآثار" (1/ 175).

(4)

حكاه عنه ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق"(1/ 664).

(5)

حكاه عنه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461)، وزين الدين أبو الفضل في "طرح المسريب"(2/ 173).

(6)

وهي أصح الروايات عنها.

انظر: "مصنف" ابن أبي شيبة (2/ 504)، و"السنن الكبرى"(1/ 461)، و"التمهيد" 4/ 289، و"المحلى"(4/ 260)، و"طرح التثريب"(2/ 173).

(7)

حكاه عنها ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 504)، وزين الدين أبو الفضل في "طرح التثريب"(2/ 173).

(8)

حكاه ابن عبد الهادي عنها في "تنقيح التحقيق"(1/ 664).

(9)

حكاه عنه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 577)، وابن حزم في "المحلى"(4/ 260)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 288)، وزين الدين أبو الفضل في "طرح التثريب"(2/ 173).

(10)

حكاه عنه ابن حزم في "المحلى"(9/ 254)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 288)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 237)، وزين الدين أبو الفضل في "طرح التثريب"(2/ 173).

(11)

حكاه عنه البغوي في "شرح السنة"(2/ 237)، وزين الدين أبو الفضل في "طرح التثريب"(2/ 173).

(12)

حكاه عنه زين الدين أبو الفضل في "طرح التثريب"(2/ 173).

(13)

حكاه عنه ابن حزم في "المحلى"(4/ 259)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 237)، وزين الدين أبو الفضل في "طرح التثريب"(2/ 173).

(14)

حكاه عنه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 505)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 289)، وزين الدين في "طرح التثريب"(2/ 173).

ص: 90

ومقاتل

(1)

، وأبو حنيفة

(2)

، وأحمد

(3)

، وداود

(4)

، وابن المنذر

(5)

، نقله عن هؤلاء النووي

(6)

، وابن سيد الناس في شرح الترمذي وغيرهما، ونقله الترمذي

(7)

عن أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم.

ورواه المهدي في البحر

(8)

عن عليّ والمؤيّد بالله وأبي ثور وأبي حنيفة.

(القول الثاني): أنها الظهر، نقله الواحدي عن زيد بن ثابت

(9)

، وأبي سعيد الخدري

(10)

، وأسامة بن زيد

(11)

، وعائشة

(12)

، ونقله ابن المنذر

(13)

عن عبد الله بن شداد

(14)

، ونقله المهدي في البحر

(15)

عن عليٌّ والهادي والقاسم

(1)

حكاه عنه زين الدين أبو الفضل في "طرح التثريب"(2/ 173).

(2)

انظر: "شرح معاني الآثار"(1/ 167)، و"اللباب في الجمع بين السنة والكتاب"(1/ 226)، وهذه أصح الروايتين عن أبي حنيفة.

(3)

انظر: "الإنصاف"(1/ 432)، و"شرح منتهى الإرادات"(1/ 134).

(4)

حكاه عنه ابن حزم في "المحلى"(4/ 260)، وزين الدين في "طرح التثريب"(2/ 173).

(5)

في "الأوسط"(2/ 366).

(6)

في شرح صحيح مسلم (5/ 128).

(7)

في سنن الترمذي (1/ 117).

(8)

(1/ 159).

قلت: وعزاه للجمهور أيضًا الماوردي في النكت والعيون (1/ 257)، والبغوي في "شرح

السنة" (2/ 236)، وابن عطية في المحرر الوجيز (2/ 235)، وبه قال أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، ومحمد بن الحسن الشيباني كما في "شرح معاني الآثار" (1/ 176).

وقال به من المالكية ابن حبيب كما في "التمهيد"(4/ 289)، وفتح الباري (8/ 196)، وابن العربي كما في "فتح الباري"(8/ 196).

وهذا القول هو الصحيح والراجح، والله أعلم.

(9)

انظر هذه الرواية عنه في "المحرر الوجيز"(2/ 233)، وشرح صحيح مسلم للنووي (5/ 128)، و"القوانين الفقهية" لابن جزي (ص 33)، و"طرح التثريب"(2/ 174).

(10)

انظر "التمهيد"(4/ 286)، والمحرر الوجيز (2/ 233).

(11)

انظر شرح صحيح مسلم للنووي (5/ 128)، والمصنف لابن أبي شيبة (2/ 504)، وشرح السنة للبغوي (2/ 236)، وطرح التثريب (2/ 174).

(12)

انظر مصنف عبد الرزاق (1/ 577)، وشرح مسلم للنووي (5/ 128)، وطرح التثريب (2/ 174).

(13)

في الأوسط (2/ 367).

(14)

انظر التمهيد (4/ 286)، وشرح مسلم للنووي (5/ 128)، وطرح التثريب (2/ 174).

(15)

(1/ 159).

ص: 91

وأبي العباس وأبي طالب، وهو أيضًا مرويّ عن أبي حنيفة.

(القول الثالث): أنها الصبح، وهو مذهب الشافعي صرّح به في كتبه

(1)

، ونقله النووي

(2)

، وابن سيد الناس عن عمر بن الخطاب

(3)

، ومعاذ بن جبل

(4)

، وابن عباس

(5)

، وابن عمر

(6)

، وجابر

(7)

، وعطاء

(8)

، وعكرمة

(9)

، ومجاهد

(10)

، والربيع بن أنس

(11)

، ومالك بن أنس

(12)

، وجمهور أصحاب الشافعي

(13)

، وقال الماوردي

(14)

من أصحاب الشافعي: إن مذهبه أنها العصر لصحة الأحاديث فيه

(1)

في "أحكام القرآن"(1/ 59)، والأم (1/ 94) ط. دار الفكر.

(2)

في شرح "صحيح مسلم"(1/ 128)، وفي "المجموع"(3/ 64).

(3)

هذه أصح الروايات عن عمر رضي الله عنه.

انظر "شرح السنة" للبغوي (2/ 235)، و"طرح التثريب"(2/ 173).

(4)

حكاه عنه البغوي في شرح السنة (2/ 235)، وطرح التثريب (2/ 173)، وزاد المسير (1/ 249)، وروح المعاني (2/ 156).

(5)

هذه أصح ما روي عنه رضي الله عنه.

انظر "التمهيد"(4/ 284)، ومصنف عبد الرزاق (1/ 579)، والمحرر الوجيز (2/ 233).

(6)

انظر: مصنف ابن أبي شيبة (2/ 505)، و "السنن الكبرى"(1/ 362)، و "التمهيد"(4/ 284)، و"المحلى"(4/ 250)، و "شرح السنة" للبغوي (2/ 235)، و"زاد المسير"(1/ 249)، و"شرح صحيح مسلم"(5/ 128)، و "فتح الباري"(8/ 196)، والرواية الأولى أنها العصر عن ابن عمر أصح كما تقدم.

(7)

انظر قول جابر في: "شرح السنة" للبغوي (2/ 235)، و"المحرر الوجيز"(2/ 233)، و"زاد المسير"(1/ 249)، و "شرح صحيح مسلم"(5/ 128)، و"فتح الباري"(8/ 196).

(8)

انظر قول عطاء في "المحلى"(4/ 250)، و"السنن الكبرى"(1/ 462)، و"شرح السنة" للبغوي (2/ 235)، و"زاد المسير"(1/ 249).

(9)

انظر قول عكرمة في: "شرح صحيح مسلم"(5/ 128)، و "طرح التثريب"(2/ 173)، و"فتح الباري"(8/ 196)، و"روح المعاني"(3/ 156).

(10)

انظر قول مجاهد في: "التمهيد"(4/ 284)، و"طرح التثريب"(2/ 173)، و"المحرر الوجيز"(2/ 233).

(11)

انظر قول الربيع بن أنس في: "المحرر الوجيز"(2/ 233)، و"طرح التثريب"(2/ 173).

(12)

انظر: "القوانين الفقهية" لابن جزي (ص 33)، و"المحرر الوجيز"(2/ 234)، و"التمهيد"(4/ 284).

(13)

انظر: "حلية العلماء"(2/ 25)، و"روضة الطالبين"(1/ 182)، و"المجموع"(3/ 63 - 64).

(14)

في كتابه "الحاوي الكبير"(2/ 10).

ص: 92

قال: وإنما نصّ على أنها الصبح لأنها لم تبلغه الأحاديث الصحيحة في العصر ومذهبه اتّباع الحديث، ورواه أيضًا في البحر

(1)

عن عليّ عليه السلام.

(القول الرابع): أنها المغرب وإليه ذهب قبيصة بن ذؤيب

(2)

.

(القول الخامس): أنها العشاء، نسبه ابن سيد الناس وغيره إلى البعض من العلماء

(3)

، وصرّح المهدي في البحر

(4)

بأنه مذهب الإمامية.

(القول السادس): أنها الجمعة في يوم الجمعة

(5)

وفي سائر الأيام الظهر، حكاه ابن مقسم في تفسيره، ونقله القاضي عياض عن البعض.

(القول السابع): أنها إحدى الخمس مبهمة، رواه ابن سيد الناس عن زيد بن ثابت والربيع بن [خيثم]

(6)

وسعيد بن المسيب

(7)

ونافع

(8)

وشريح

(9)

وبعض

(1)

(1/ 159).

(2)

قبيصة بن ذؤيب، أبو سعيد الخزاعي، الإمام، الفقيه، التابعي الجليل، ولد عام الفتح، وكان فقيهًا من أهل المدينة، ثقة، مأمونًا، كثير الحديث، مات بالشام سنة 86 هـ، وقيل غير ذلك.

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل"(7/ 125)، و"سير أعلام النبلاء"(4/ 282)، و"شذرات الذهب"(1/ 97)، و"التاريخ الكبير"(7/ 174).

• انظر قول قبيصة في: "التمهيد"(4/ 293)، و "المحرر الوجيز"(2/ 235)، و"شرح السنة" للبغوي (2/ 237)، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 129).

(3)

كالقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (3/ 210)، والقرافي في "الذخيرة"(1/ 417)، والعراقي في "طرح التثريب"(2/ 174)، وابن الجوزي في "زاد المسير"(1/ 249).

(4)

(1/ 160).

(5)

حكاه الماوردي، انظر:"طرح التثريب"(2/ 174) وغيره، انظر "شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 129)، و "الذخيرة"(1/ 417).

وذكره ابن حبيب من المالكية، انظر:"المحرر الوجيز"(2/ 236)، و"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 211).

والمازري في "المعلم بفوائد مسلم"(1/ 432) وضعفه.

(6)

في المخطوط (أ): [خثيم].

• انظر قوله في "المحرر الوجيز"(2/ 236)، وطرح:"التثريب"(2/ 174)، و"فتح الباري (8/ 197).

(7)

انظر قوله في: "طرح التثريب"(2/ 174)، و"النكت والعيون"(1/ 258) ط. الكويت.

(8)

انظر قوله في: "طرح التثريب"(2/ 174)، و "النكت والعيون"(1/ 258) ط. الكويت.

(9)

انظر قوله في: "مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 505)، و"طرح التثريب"(2/ 174)، و"فتح الباري"(8/ 197).

ص: 93

العلماء

(1)

.

(القول الثامن): أنها جميع الصلوات الخمس

(2)

حكاه القاضي والنووي، ورواه ابن سيد الناس عن البعض.

(القول التاسع): أنها صلاتان: العشاء والصبح، ذكره ابن مقسم في تفسيره

(3)

أيضًا ونسبه إلى أبي الدرداء

(4)

.

(القول العاشر): أنها الصبح والعصر ذهب إلى ذلك أبو بكر الأبهري

(5)

.

(القول الحادي عشر): أنها الجماعة حكي ذلك عن الإمام أبي الحسن الماوردي

(6)

.

(القول الثاني عشر): أنها صلاة الخوف ذكره الدمياطي

(7)

، وقال: حكاه لنا من يوثق به من أهل العلم.

(1)

مال إليه أبو الحسن بن المفضل المقدسي، وانظر:"طرح التثريب"(2/ 174)، و"كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى" للدمياطي (ص 136)، واختاره إمام الحرمين. انظر:"فتح الباري"(8/ 197)، و"عمدة القارئ"(18/ 124).

(2)

انظر "المحرر الوجيز"(2/ 236)، و"الذخيرة"(1/ 417)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 129).

واختاره ابن عبد البر في: "التمهيد"(4/ 294)، وضعفه القاضي عياض، وقال النووي في "شرح مسلم" (5/ 129):"هو ضعيف أو غلط، لأن العرب لا تذكر الشيء مفصلًا ثم تجمله، وإنما تذكره مجملًا ثم تفصله، أو تفصل بعضه تنبيهًا على فضيلته".

(3)

واسم تفسيره: "الأنوار في تفسير القرآن" انظر: "كشف الظنون"(1/ 196)، وقد نقل حكاية بن مقسم هذه: الحافظ العراقي في "طرح التثريب"(2/ 175).

(4)

انظر قول أبي الدرداء في "الجامع لأحكام القرآن"(3/ 212).

(5)

هو محمد بن عبد الله بن محمد، أبو بكر التميمي الأبهري، شيخ المالكية في العراق وإمامهم في وقته، كان ثقة أمينًا مشهورًا. انظر:"تاريخ بغداد"(5/ 462).

انظر قوله في: "فتح الباري"(8/ 197)، و"عمدة القارئ"(18/ 124).

(6)

في "النكت والعيون"(1/ 258) ط. الكويت.

وانظر: "طرح التثريب"(2/ 175)، و"فتح الباري"(8/ 197)، و"عمدة القارئ"(18/ 124)، و"روح المعاني"(2/ 156).

(7)

في: "كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى"(ص 144).

وانظر "فتح الباري"(8/ 197)، و"عمدة القارئ"(18/ 124)، و"طرح التثريب"(2/ 175)، و"روح المعاني"(2/ 156).

ص: 94

(القول الثالث عشر): أنها الوتر وإليه ذهب أبو الحسن علي بن محمد السخاوي المقري

(1)

.

(القول الرابع عشر): أنها صلاة عيد الأضحى، ذكره ابن سيد الناس في شرح الترمذي، والدمياطي

(2)

.

(القول الخامس عشر): أنها صلاة عيد الفطر، حكاه الدمياطي

(3)

.

(القول السادس عشر): أنها الجمعة فقط، ذكره النووي

(4)

.

(القول السابع عشر): أنها صلاة الضحى، رواه الدمياطي

(5)

عن بعض شيوخه ثم تردد في الرواية.

احتجّ أهل القول الأول بالأحاديث الصحيحة الصريحة المتفق عليها، ومنها حديث الباب

(6)

وما بعده من الأحاديث المذكورة الآتية، وهو المذهب الحق الذي يتعيّن المصير إليه، ولا يرتاب في صحته من أنصف من نفسه وأطرح التقليد والعصبية، وجرَّد النظر إلى الأدلة ولم يعتذر عن أدلّة هذا القول أهل الأقوال الآخرة بشيء يعتدّ به إلا حديث عائشة:"أنها أمرت أبا يونس يكتب لها مصحفًا" الحديث سيأتي

(7)

، ويأتي الجواب عن هذا الاعتذار.

وأمّا اعتذار من اعتذر عنه بأن الاعتبار بالوسطى من حيث العدد فهو عذر بارد ونصب لنظر فاسد في مقابلة النصوص؛ لأن الوسطى لا يتعيّن أن تكون من حيث العدد لجواز أن تكون من حيث الفضل، على أنه لو سلم أن المراد بها

(1)

في "كشف المغطى"(جـ 146).

وقاله ابن حجر في "فتح الباري"(2/ 197).

(2)

في "كشف المغطى"(ص 149).

(3)

في "كشف المغطى"(ص 150).

وانظر: "طرح التثريب"(2/ 175)، و"فتح الباري"(8/ 197)، و"روح المعاني"(2/ 156).

(4)

في "شرح صحيح مسلم"(5/ 129).

وحكاه عن علي بن أبي طالب ابن الجوزي في "زاد المسير"(1/ 249).

(5)

في "كشف المغطى"(ص 150).

(6)

رقم (15/ 432) ورقم (16/ 433) من كتابنا هذا.

(7)

رقم (21/ 438)، وهو حديث صحيح من كتابنا هذا.

ص: 95

الوسطى من حيث العدد لم يتعيّن بذلك غير العصر من سائر الصلوات؛ إذ لا بذ أن يتعين الابتداء ليعرف الوسط، ولا دليل على ذلك، ولو فرضنا وجود دليل يرشد إلى الابتداء لم ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة المتّفق عليها المتضمّنة لأخبار الصادق المصدوق أن الوسطى هي العصر، فكيف يليق بالمتديّن أن يعول على مسلك النظر المبني على شفا جرف هار ليتحصّل له به معرفة الصلاة الوسطى، وهذه أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم تنادي ببيان ذلك.

واحتجّ أهل القول الثاني بأن الظهر متوسطة بين نهاريتين وبأنها في وسط النهار، ونَصْبُ هذا الدليل في مقابلة الأحاديث الصحيحة من الغرائب التي لا تقع لمنصف ولا متيقّظ.

واحتجّوا أيضًا بقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}

(1)

، فلم يذكرها ثم أمر بها حيث قال:{لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}

(2)

، وأفردها في الأمر بالمحافظة عليها بقوله [تعالى]

(3)

: {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}

(4)

، وهذا الدليل أيضًا من السقوط بمحل لا يجهل، نعم، أحسن ما يحتج به لهم حديث زيد بن ثابت

(5)

وأسامة بن زيد

(6)

، وسيأتيان وسنذكر الجواب عليهما

(7)

.

واحتجّ أهل القول الثالث بأن الصبح تأتي في وقت مشقة بسبب برد الشتاء وطيب النوم في الصيف والنعاس وفتور الأعضاء وغفلة الناس

(8)

،

(1)

سورة هود، الآية (114).

(2)

سورة الإسراء، الآية (78).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

سورة البقرة، الآية (238).

(5)

سيأتي تخريجه برقم (22/ 439) من كتابنا هذا. وهو حديث صحيح.

(6)

سيأتي تخريجه برقم (23/ 440) من كتابنا هذا. وهو حديث حسن لغيره.

(7)

قال ابن رشد في مقدماته (1/ 99):

"وهو قول لا دليل لقائله، إذ لا يوجد في ذلك أثر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم يرجع إليه، وما قيل من أنها وسطى لأنها تصلّى في وسط النهار بعيد لأن لفظ وسطى إنما يحتمل أحد معنيين، إما متوسطة بين أخواتها من الصلوات، وإما فاضلة من قولهم فلان أوسط القوم يعني أفضلهم، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، أي خيارًا عدولًا" اهـ.

وانظر "المحرر الوجيز"(2/ 233)، والجامع لأحكام القرآن (3/ 209)، وشرح السنة (2/ 236)، وروح المعاني (2/ 156)، و"الذخيرة"(1/ 418).

(8)

انظر "الجامع لأحكام القرآن"(3/ 210)، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 129)، =

ص: 96

ولورود الأخبار الصحيحة في تأكيد أمرها فخصت بالمحافظة عليها لكونها معرّضة للضياع بخلاف غيرها، وهذه الحجة ليست بشيء. ولكن الأولى الاحتجاج لهم بما رواه النسائي

(1)

عن ابن عباس قال: "أدْلَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثم عَرَّسَ فلم يستيقظ حتى طلعتِ الشمسُ أو بعضُها فلم يصلِّ حتى ارتفعتِ الشمسُ فصلَّى وهي صلاةُ الوسطى، ويمكن الجواب عن ذلك من وجهين:

(الأول): أن ما روي من قوله في هذا الخبر: "وهي صلاة الوسطى"، يحتمل أن يكون من المدرج

(2)

، وليس من قول ابن عباس، ويحتمل أن يكون من قوله، وقد أخرج عنه أبو نعيم أنّه قال:"الصلاة الوسطى صلاة العصر"

(3)

، وهذا

= و"طرح التثريب"(2/ 175)، و"مقدمات ابن رشد"(1/ 99)، و"الذخيرة"(1/ 417).

(1)

في "سننه"(1/ 298 رقم 625) وهو حديث منكر بزيادة: "وهي صلاة الوسطى".

(2)

المدرج هو: أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي، فيحسبها من يسمعها منه مرفوعة في الحديث، فيرويها كذلك ..

انظر: "السعي الحثيث إلى شرح اختصار علوم الحديث"(ص 251 - 258).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (1/ 579)، وابن أبي شيبة (2/ 504)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 461)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 170) عن أبي رجاء العطاردي قال:"صلّيت مع ابن عباس صلاة الغداة في مسجد البصرة فقنت قبل الركوع، وقال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا الله فيها أن نقوم قانتين".

قلت: وأجاب عن هذا الاستدلال الطبري رحمه الله، في "جامع البيان" (2/ ج 2/ 565) فقال:"لا دليل في قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] على أنها الصبح، إذ القنوت الطاعة، فكل مصلِّ لله تعالى قانت سواء كان في الصبح أو بقية الصلوات".

انظر: الجوهر النقي (1/ 462).

ويؤيّد ما قاله الطبري من أن القنوت لا يختص بصلاة الصبح، ما أخرجاه في الصحيحين البخاري رقم (797) ومسلم رقم (676) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّه قال:"والله لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح ويدعو للمؤمنين ويلعن الكفار".

وانظر: "الجامع لأحكام القرآن"(3/ 211)، و"شرح السنة"(2/ 235).

قلت: ومن أدلّتهم على أنها الصبح:

ما أخرجه مسلم رقم (929)، ومالك في "الموطأ"(1/ 138 - 139)، وأبو داود رقم (410)، والترمذي رقم (2982)، والنسائي (1/ 236 رقم 472) عن أبي يونس مولى عائشة رضي الله عنهما قال: "أمرتني عائشة رضي الله عنها أن أكتُبَ لها مصحفًا، =

ص: 97

صريح لا يتطرّق إليه من الاحتمال ما يتطرّق إلى الأوّل فلا يعارضه.

(الوجه الثاني): ما تقرّر من القاعدة أن الاعتبار عند مخالفة الراوي روايته بما روى لا بما رأى، فقد روى عنه أحمد في مسنده

(1)

قال: "قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدوًّا فلم يفرغ منهم حتى أخّر العصر عن وقتها، فلما رأى ذلك قال: اللهمّ من حبسنا عن الصلاة الوسطى املأ بيوتهم نارًا أو قبورهم نارًا"، وذكر أبو

= وقالت: إذا بلغتَ هذه الآية فآذنّي {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238]، قال: فلما بلغتُها آذنتُها، فأملتْ عليَّ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وصلاة العصر وقوموا لله قانتين)، قالت عائشة: سمعتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

وجه الدلالة منه: أن قولها: (والعصر) عطف على (والصلاة الوسطى)، فدلّ هذا على أن الوسطى غير العصر؛ لأن العطف يقتضي المغايرة.

وأجيب عن هذا بما يلي:

1 -

قال النووي في "شرح صحيح مسلم"(5/ 130 - 131): "إنها قراءة شاذة، والقراءة الشاذة لا يحتجّ بها، ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ناقلها لم ينقلها إلّا على أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر بالإجماع، وإذا لم يثبت قرآنًا لا يثبت خبرًا، والمسألة مقرّرة في أصول الفقه" اهـ.

2 -

وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي"(1/ 463 - 464): "هذه قراءة شاذة، والشافعي ومالك لا يجعلان القراءة الشاذة قرآنًا ولا خبرًا، ويسقطان الاحتجاج بها، ولو سلمنا أنه يحتج بها، لا نسلم أن العطف هنا يقتضي المغايرة بل يحتمل أن يكون للعصر اسمان، أحدهما: الوسطى، والآخر: العصر".

3 -

وأخرج الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 172 - 173): "عن عمرو بن رافع، قال: كان مكتوبًا في مصحف حفصة بنت عمر رضي الله عنهما (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وهي صلاة العصر، وقوموا لله قانتين) ".

4 -

وقال الحافظ العلائي: "ما جاء عن عائشة وحفصة من قراءة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) فإن العطف يقتضي المغايرة، وهذا يرد عليه إثبات القرآن بخبر الآحاد وهو ممتنع، وكونه ينزل منزلة خبر الواحد مختلف فيه، وإن سلمنا لكن لا يصلح معارضًا للمنصوص صريحًا، وأيضًا فليس العطف صريحًا في اقتضاء المغايرة، لوروده في نسق الصفات؛ كقوله تعالى: {الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] ".

كما في "فتح الباري" لابن حجر (8/ 198).

(1)

(1/ 301) بسند صحيح.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 309) وقال: "رواه أحمد والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ورجاله موثقون".

ص: 98

محمد بن الفرس في كتابه في أحكام القرآن أن ابن عباس قرأ: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر} على البدل، على أن ابن عباس لم يرفع تلك المقالة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قالها من قبل نفسه، وقوله ليس بحجّة.

واحتجّ أهل القول الرابع بأن المغرب سبقت عليها الظهر والعصر وتأخّرت عنها العشاء والصبح

(1)

.

واحتجّ أهل القول الخامس [بأنها العشاء]

(2)

بمثل ما احتجّ به أهل القول الرابع

(3)

.

واحتجّ أهل القول السادس بأن الجمعة قد ورد الترغيب في المحافظة عليها.

قال النووي

(4)

: وهذا ضعيف لأن المفهوم من الإيصاء بالمحافظة عليها إنما كان لأنها معرّضة للضياع وهذا لا يليق بالجمعة، فإن الناس يحافظون عليها في العادة أكثر من غيرها لأنها تأتي في الأسبوع مرة بخلاف غيرها.

واحتجّ أهل القول السابع على أنها مبهمة بما روي أن رجلًا سأل زيد بن

(1)

قالوا: هي معتدلة في عدد الركعات من حيث العدد، فليست ثنائية كالصبح ولا رباعية كالبواقي، فليست بأقلّ الصلوات عددًا، ولا بأكثرها.

انظر: "المحرر الوجيز"(2/ 235)، و"شرح السنة"(2/ 237)، و"الذخيرة"(1/ 418).

وقالوا أيضًا: أنها لا تقصر في الأسفار، وأن عمل الناس مضى على المبادرة إليها والتعجيل بها في أوّل ما تغرب الشمس، ولأن قبلها صلاتا سر وبعدها صلاتا جهر.

انظر: "فتح الباري"(8/ 196)، و"الذخيرة"(1/ 418)، و"المحرر الوجيز"(2/ 235)، و"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 210).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

واحتجّوا بأنها بين صلاتين لا تقصران وهما المغرب والصبح، وأنها تقع عند النوم.

انظر: "شرح السنة"(2/ 237)، و"زاد المسير"(1/ 250)، و "الجامع لأحكام القرآن"(3/ 210)، و"المحرر الوجيز"(2/ 236).

(4)

في شرح صحيح مسلم (5/ 129).

ونقل هذا التضعيف الحافظ العرافي في "طرح التثريب"(2/ 175) ثم قال: "ويمكن أن يقال إن المفهوم من الإيصاء بالمحافظة عليها كونها أفضل من غيرها، وأشدّ تأكيدًا فيخشى من عاقبة إضاعتها، والتفريط فيها أكثر من غيرها، وهذا موجود في الجمعة، والله أعلم" اهـ.

ص: 99

ثابت

(1)

عن الصّلاة الوسطى فقال: حافظ على الصلوات تصبها فهي مخبوءة في جميع الصلوات خبء ساعة الإجابة في ساعات يوم الجمعة، وليلة القدر في ليالي شهر رمضان، والاسم الأعظم في جميع الأسماء، والكبائر في جملة الذنوب.

وهذا قول صحابي ليس بحجة، ولو فرض أن له حكم الرفع لم ينتهض لمعارضة ما في الصحيحين وغيرهما.

واحتجّ أهل القول الثامن بأن ذلك أبعث على المحافظة عليها أيضًا، قال النووى

(2)

: وهذا ضعيف أو غلط لأن العرب لا تذكر الشيء مفصّلًا ثم تجمله وإنما تذكره مجمّلًا ثم تفصله أو تفصل بعضه تنبيهًا على فضيلته.

واحتجّ أهل القول التاسع بقوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلمونَ ما في العشاء والصبح لأتوهما ولو حَبْوًا"

(3)

.

وقوله: "من صلَّى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صَلَّاها مع

(1)

ذكر العلامة مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي في كتابه "اللفظ الموطأ في بيان الصلاة الوسطى"(ص 53): إحدى الروايات عنه بأنها صلاة العصر وهي رواية مرجوحة عنه.

كما نسب إليه العراقي في طرح التثريب (2/ 173) أنها الظهر، وهي أثبت ما روي عنه، كما قاله ابن عبد البرّ وغيره عنه.

انظر: "الجامع لأحكام القرآن" لابن العربي (1/ 225)، و "الذخيرة"(1/ 417)، و "المحرر الوجيز"(2/ 233)، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 128)، و"زاد المسير"(1/ 249).

(2)

في "شرحه لصحيح مسلم"(5/ 129).

وقال أبو العباس القرطبي كما في "طرح التثريب"(2/ 174): "إنه أضعف هذه الأقوال، لأنه يؤدّي إلى خلاف عادة الفصاحة، لأن الفصحاء لا يطلقون لفظ الجمع ويعطفون عليه أحد مفرداته، ويريدون بذلك المفرد ذلك الجمع فإن ذلك في غاية العي والإلباس، ولأنه لو أراد بالصلاة الوسطى الصلوات لكان كأنه قال: حافظوا على الصلوات والصلوات، ويريد بالثاني الأول، ولو كان كذلك لما كان فصيحًا في لفظه ولا صحيحًا في معناه؛ إذ لا يحصل باللفظ الثاني تأكيد الأول لأنه معطوف عليه، ولا يفيد معنى آخر فيكون حشوًا".

(3)

أخرجه البخاري رقم (615)، ومسلم رقم (437) من حديث أبي هريرة.

ص: 100

الصبح في جماعة كان كقيام ليلة"

(1)

، وهذا الاستدلال مع كونه لا يثبت المطلوب معارض بما ورد في العصر وغيرها من الترغيب والترهيب.

واحتجّ أهل القول العاشر بمثل ما احتجّ به للتاسع، وردّ بمثل ما رد.

واحتجّ أهل القول الحادي عشر بما ورد من الترغيب في المحافظة على الجماعة، وردّ بأن ذلك لا يستلزم كونها الوسطى، وعورض بما ورد في سائر الصلوات من الفرائض وغيرها.

واحتجّ أهل القول الثاني عشر بقول الله تعالى عقب قوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ}

(2)

، {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}

(3)

، وذكروا وجوهًا للاستدلال كلها مردودة.

واحتجّ أهل القول الثالث عشر بأن المعطوف غير المعطوف عليه، فالصلاة الوسطى غير الصلوات الخمس، وقد وردت الأحاديث بفضل الوتر فتعيّنت، والنص الصريح الصحيح يردّه.

واحتجّ أهل القول الرابع عشر بمثل ما احتجّ به للذي قبله، ورد بمثل ما رد.

واحتجّ أهل القول الخامس عشر، والسادس عشر، والسابع عشر بمثل ذلك، ورد بالنص والمعارضة.

إذا تقرّر لك هذا فأعلم أنه ليس في شيء من حجج هذه الأقوال ما يعارض حجج القول الأول معارضة يعتدّ بها في الظاهر إلّا ما سيأتي في الكتاب من الاحتجاج لأهل القول الثاني، وستعرف عدم صلاحيته للتمسّك به.

17/ 434 - (وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ [رضي الله تعالى عنه]

(4)

قالَ: حَبَسَ المُشْرِكُونَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاةِ العَصْرِ حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ أوِ اصْفَرَّتْ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الوُسْطَى صَلاةِ العَصْرِ مَلأَ الله أجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا - أوْ - حَشَا الله أجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا". رَوَاهُ

(1)

أخرجه أحمد (1/ 58)، ومسلم رقم (656)، وأبو داود رقم (555) من حديث عثمان.

(2)

سورة البقرة، الآية (238).

(3)

سورة البقرة، الآية (239).

(4)

زيادة من (جـ).

ص: 101

أحْمَدُ

(1)

، ومُسْلِمٌ

(2)

، وابْنُ مَاجَهْ)

(3)

. [صحيح]

18/ 435 - (وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ [رضي الله تعالى عنه]

(4)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صَلاةُ الوُسْطَىَ صَلاةُ العَصْرِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)

(5)

. [صحيح]

19/ 436 - (وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ [رضي الله تعالى عنه] (4) عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: "الصَّلاةُ الوُسْطَى صَلاةُ العَصْرِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ

(6)

والتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ

(7)

.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ

(8)

أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى"، وَسَمَّاهَا لنَا أَنَّهَا صَلَاةُ العَصْرِ) [صحيح لغيره]

حديث ابن مسعود الثاني حديث صحيح أخرجه مسلم

(9)

وغيره.

وحديث سمرة حسّنه الترمذي في كتاب الصلاة من سننه

(10)

، وصححه في التفسير

(11)

، ولكنه من رواية الحسن عن سمرة.

وقد اختلف في صحة سماعه منه فقال شعبة: لم يسمع منه شيئًا. وقيل: سمع منه حديث العقيقة. وقال البخاري: قال علي بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح، ومن أثبت مقدّم على من نفى

(12)

. ورواية أحمد ذكرها الحافظ ابن سيد

(1)

في "المسند"(1/ 404).

(2)

في "صحيحه" رقم (628).

(3)

في "سننه" رقم (686)، وهو حديث صحيح.

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في "سننه"(1/ 339 - 340 رقم 181)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(6)

في "المسند"(5/ 7).

(7)

في "سننه": (1/ 340 رقم 182) وقال: حديث سمرة في الصلاة الوسطى حديث حسن.

(8)

في "المسند"(5/ 8).

(9)

في صحيحه رقم (628)، وأخرجه أحمد (1/ 392).

(10)

في "السنن"(1/ 342).

(11)

في "السنن"(5/ 217 رقم 2983) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(12)

في سماع الحسن من سمرة خلاف طويل قديم، وقد تقدم الكلام عليه والصحيح أنه سمع منه، كما رجحه ابن المديني والبخاري والترمذي والحاكم وغيرهم، وانظر الكلام على ذلك في ترجمة الحسن في:"تهذيب التهذيب"(2/ 331 - 336)، و"جامع التحصيل في أحكام المراسيل"(ص 194 - 199 رقم 135).

ص: 102

الناس في شرح الترمذي ولم يتكلّم عليها، وما في الصحيحين وغيرهما يشهد لها.

وفي الباب عن عمر عند النسائي

(1)

والترمذي

(2)

وقال: ليس بإسناده بأس.

وعن أبي هريرة عند الطحاوي

(3)

والدمياطي

(4)

، وأشار إليه الترمذي

(5)

.

وعن أبي هاشم بن عتبة عند الطحاوي

(6)

، وأشار إليه الترمذي

(7)

أيضًا.

وهذه الأحاديث مصرّحة بأن الصلاة الوسطى صلاة العصر، فهي من حجج أهل القول الأول الذي أسلفناه، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك.

قوله: (عن صلاة العصر) هكذا وقع في [صحيحي]

(8)

البخاري ومسلم، وظاهره أنه لم يفت غيرها

(9)

.

وفي الموطأ

(10)

: أنها الظهر والعصر.

وفي الترمذي

(11)

والنسائي

(12)

بإسناد لا بأس به من حديث عبد الله بن

(1)

في سننه (1/ 84 - 85 رقم 1366).

(2)

(1/ 338 - 339 رقم 180) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(3)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 174).

(4)

في "كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى"(ص 39) رقم (38) بسند ضعيف.

(5)

في "سننه"(1/ 341).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة (2/ 290 رقم 1338)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 460)، وأخرجه البيهقي أيضًا (1/ 461) موقوفًا من طريق آخر.

والخلاصة: أن الحديث صحيح لغيره.

(6)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 174).

(7)

في "سننه"(1/ 341).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 309) وقال: "رواه الطبراني في "الكبير" والبزار، وقال: لا نعلم روى أبو هاشم بن عتبة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلّا هذا الحديث وحديثًا آخر.

قلت: ورجاله موثقون" اهـ.

(8)

في (جـ): (صحيح).

(9)

كالحديث المتقدم تخريجه برقم (15/ 432) ورقم (17/ 434). من كتابنا هذا.

(10)

في "الموطأ"(1/ 139 رقم 27).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (411) من حديث زيد بن ثابت، وهو حديث صحيح.

(11)

في "سننه" رقم (179) وقال: حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، إلّا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله.

(12)

في "سننه"(2/ 17 - 18 رقم 662). =

ص: 103

مسعود أنّه قال: "شغل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صَلوات يوم الخندق حتى ذهبَ من الليل ما شاء الله، فأمر بلالًا فأذّن، ثم أقام فصلّى الظهر، ثم أقام فصلّى العصر، ثم أقام فصلّى المغرب، ثم أقام فصلّى العشاء".

ومثله أخرج أحمد

(1)

. والنسائي

(2)

، وأشار إليه الترمذي

(3)

من حديث أبي سعيد.

وقد اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من رجّح ما في الصحيحين كابن العربي، ومنهم من جمع بين الأحاديث في ذلك بأن الخندق كانت وقعته أيامًا، فكان ذلك كلّه في أوقات مختلفة في تلك الأيام، وهذا أَوْلى من الأول لأن حديث أبي سعيد رواه الطحاوي

(4)

عن المزني عن الشافعي عن ابن أبي فديك

(5)

، عن ابن أبي ذئب

(6)

، عن المقبري

(7)

، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد

(8)

الخدري عن أبيه، وهذا إسناد صحيح جليل.

= ولحديث عبد الله ما يقوّيه من حديث أبي سعيد، وحديث جابر.

• أمّا حديث أبي سعيد فقد أخرجه أحمد (3/ 25)، والنسائي (2/ 17)، والدارمي (1/ 358)، وأبو يعلى رقم (1296)، والبيهقي (1/ 402 - 403) من طرق، وهو حديث صحيح.

• وأما حديث جابر فقد أخرجه البخاري رقم (596)، ومسلم رقم (631)، والترمذي رقم (180) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وخلاصة القول: أن حديث عبد الله بن مسعود صحيح لغيره.

(1)

في "المسند"(3/ 25) وقد تقدم آنفًا.

(2)

في "سننه"(2/ 17) وقد تقدم آنفًا، وهو حديث صحيح.

(3)

في "سننه"(1/ 337).

(4)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ رقم 1127)، والنسائي (2/ 17 رقم 661)، وابن خزيمة (2/ 99 رقم 996)، وابن حبان (2890)، وهو حديث صحيح وقد تقدم.

(5)

ابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل المدني أبو إسماعيل قال عنه ابن حجر في "التقريب"(2/ 145): "صدوق".

(6)

ابن أبي ذئب، هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة القرشي العامري أبو الحارث قال عنه ابن حجر في "التقريب" (2/ 184):"ثقة فاضل".

(7)

المُقْبُري: هو كيسان بن سعيد المقبري المدني، قال عنه ابن حجر في "التقريب" (2/ 137):"ثقة ثبت".

(8)

عبد الرحمن بن أبي سعيد، سعد بن مالك الخدري الأنصاري الخزرجي، قال عنه ابن حجر في التقريب (1/ 481):"ثقة".

ص: 104

وأيضًا لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع، على أن الزيادة مقبولة بالإجماع إذا وقعت غير منافية للمزيد.

قوله: (حتى احمرّت الشمس أو اصفرّت)، وفي بعض روايات الصحيح:"حتى غابت".

قيل: إن ذلك كان قبل نزول صلاة الخوف، قال العلماء: يحتمل أنّه أخّرها نسيانًا لا عمدًا، وكان السبب في النسيان الاشتغال بالعدوّ، وكان هذا عذرًا قبل نزول صلاة الخوف على حسب الأحوال، وسيأتي البحث عن ذلك.

20/ 437 - (وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {حافظوا على الصلوات وصلاة العصر} ، فَقَرَأنَاهَا مَا شَاءَ الله، ثُمَّ نَسَخَهَا الله [تعالى] (1) فنَزَلَتْ:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}

(2)

، فقالَ رَجُلٌ: فَهِيَ إذًا صَلَاةُ العَصْرِ، فَقَالَ: قَدْ أخْبَرْتُكَ كَيْفَ نَزَلَتْ وَكَيْف نَسَخَهَا الله، والله أعْلَمُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(3)

ومُسْلِمٌ)

(4)

. [صحيح]

أخرجه مسلم (3) من طريق شقيق بن عُقبة عن البراء وليس في صحيحه عن شقيق غير هذا الحديث.

وفيه متمسك لمن قال: إن الصلاة الوسطى هي العصر بقرينة اللفظ المنسوخ وإن لم يكن صريحًا في المطلوب؛ لأنه لا يجب أن يكون معنى اللفظ الناسخ معنى اللفظ المنسوخ، وربما تمسّك به من يرى أنها غير العصر قائلًا: لو كان المراد باللفظ الناسخ معنى اللفظ المنسوخ لم يكن للنسخ فائدة؛ فالعدول إلى لفظ الوسطى ليس إلا لقصد الإبهام، ويجاب عنه بأنه أرشد إلى أن المراد بالناسخ المبهم نفس المنسوخ المعين ما في الباب من الأدلّة الصحيحة.

قال المصنف

(5)

رحمه الله [تعالى](1): وهو دليل على كونها العصر لأنه خصّها ونصّ عليها في الأمر بالمحافظة، ثم جاء الناسخ في التلاوة متيقّنًا وهو

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

سورة البقرة، الآية (238).

(3)

في "المسند"(4/ 301).

(4)

في صحيحه رقم (630)، وهو حديث صحيح.

(5)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 214).

ص: 105

في المعنى مشكوك فيه فيستصحب المتيقن السابق، وهكذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيم أمر فواتها تخصيصًا، فروى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله"، رواه الجماعة

(1)

، انتهى.

قوله: "أهله وماله" روي بنصب اللامين ورفعهما، والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور على أنه مفعول ثان، ومن رفع فعلى ما لم يسمّ فاعله، ومعناه: انتزع منه أهلَه ومالَهُ، وهذا تفسير مالك بن أنس. وأمّا على رواية النصب فقال الخطابي

(2)

وغيره: معناه نقص هو أهله وماله وسلبهم فبقي بلا أهل ولا مال، فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله.

وقال أبو عمر بن عبد البر

(3)

: معناه عند أهل اللغة والفقه أنه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترًا، والوتر: الجناية التي يطلب ثأرها فيجتمع عليه غمّ المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر.

21/ 438 - (وَعَنْ أبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ [رضي الله تعالى عنهما]

(4)

أنَّهُ قالَ: أمَرَتْنِي عائِشَةُ أنْ أكتُبَ لَهَا مُصْحَفًا، فقالَتْ: إذَا بَلَغْتَ هذِهِ الآيَةَ فَآذِنِّي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}

(5)

، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا، فأمْلَتْ عَلَيَّ:{حافِظُوا على الصَّلَوَاتِ والصَّلاةِ الوُسْطَى وصَلَاةِ العَصْرِ وَقُومُوا لله قَانِتِينَ} ، قالَتْ عائِشَةُ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الجماعَةُ إلَّا البُخَارِيَّ وابْنَ مَاجَهْ)

(6)

. [صحيح]

وفي الباب عن حفصة عند مالك في الموطأ

(7)

: "قال عمرو بن رافع: إنه

(1)

وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد في "المسند"(2/ 64)، والبخاري رقم (552)، ومسلم رقم (626)، وأبو داود رقم (414)، والترمذي رقم (175)، والنسائي (1/ 255)، وابن ماجه رقم (685).

(2)

في "معالم السنن"(1/ 290 - هامش السنن).

(3)

في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد مرتبًا على الأبواب الفقهية للموطأ"(1/ 205).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

سورة البقرة، الآية (238).

(6)

أخرجه أحمد (6/ 73). ومسلم رقم (629)، وأبو داود رقم (410)، والترمذي رقم (2982)، والنسائي (1/ 236).

وهو حديث صحيح.

(7)

(1/ 139). وأخرجه ابن حبان رقم (1722 - موارد) من طريق ابن إسحاق قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي ونافع أن عمرو بن رافع، به. =

ص: 106

كان يكتب لها مصحفًا فقالت له: إذا انتهيت إلى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}

(1)

، فآذنّي، فآذنتها فقالت: اكتب {والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين} ".

استدلّ بالحديث من قال: إن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، وهو راجع إلى الخلاف الثابت في الأصول في القراءة الشاذّة هل تنزل منزلة أخبار الآحاد، فتكون حجّة كما ذهبت إليه الحنفية وغيرهم؟ أم لا تكون حجة؟ لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر كما ذهبت إلى ذلك الشافعية، والراجح الأول.

وقد غلط من استدلّ من الشافعية بحديث عائشة وحفصة على أن الصلاة الوسطى ليست صلاة العصر، لما عرفت من أن مذهبهم في الأصول يأبى هذا الاستدلال، وأجيب عن الاستدلال بهذا الحديث من طرف القائلين بأنها العصر بوجهين:

(الأول): أن تكون الواو زائدة في ذلك على حدّ زيادتها في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}

(2)

.

وقوله: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ}

(3)

.

وقوله: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}

(4)

.

وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}

(5)

.

حكي عن الخليل

(6)

أنّه قال: يصدّون، والواو مقحمة زائدة.

= وعمرو بن رافع روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 176 و 178)، وأورده البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 330) في ترجمة عمرو بن رافع، فقال: قال بعضهم: عمر بن رافع ولا يصح، وقال بعضهم: عمرو بن نافع، وباقي رجاله ثقات، وابن إسحاق قد صرّح بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(1)

سورة البقرة، الآية (238).

(2)

سورة الأنعام، الآية 75.

(3)

سورة الأنعام، الآية 105.

(4)

سورة الأحزاب، الآية 40.

(5)

سورة الحج، الآية 25.

(6)

الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري، أبو عبد الرحمن. صاحب العربية والعروض، عمل =

ص: 107

ومثله في القرآن كثير

(1)

.

ومنه قول امرئ القيس:

فلمَّا أجَزْنَا ساحَةَ الحيِّ وانْتَحَى

بِنَا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ

وقول الآخر:

فإذَا [وذاكَ] يا كُبَيْشَةُ لم يكنْ

إلَّا كَلَفَةِ حالِمٍ بخيال

الثاني: أن لا تكون زائدة وتكون من باب عطف إحدى الصفتين على الأخرى، وهما لشيء واحد نحو قوله:

إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ

الهُمَامِ وَلَيْثِ الكتيبةِ في المزدحمْ

وقريب من قول الآخر

(2)

:

أكُرُّ عليهم دَعْلَجًا ولَبَانةً

إذَا ما اشْتَكَى وَقْعَ الرِّماحِ تَحَمْحَمَا

فعطف لبانة وهو صدره على دعلج وهو اسم فرسه، ومعلوم أن الفرس لا

= أول كتاب العين المعروف المشهور الذي يتهيّأ ضبط اللغة. وكان من الزهاد في الدنيا، والمنقطعين إلى العلم، ويروى عنه أنه قال: إن لم تكن هذه الطائفة أولياء فليس لله ولي.

وله تصانيف غير العين: كنعم، الجمل، العروض، الشواهد، النّقْط والشبهل، فائت العين، الإيقاع.

توفي الخليل سنة (175 هـ)، وقيل غير ذلك.

انظر: "بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة" للسيوطي (1/ 557 - 560 رقم 1172).

(1)

وهذه الواو لها تخريج آخر عند علماء اللغة، قال العكبري في كابه:"إملاء ما منَّ به الرحمن"(1/ 144).

في إعراب الآية الأولى: "أي: وليكون من الموقنين أريناه، وقيل: التقدير ليستدلّ وليكون".

وقال في إعراب الآية الثانية: أي وليقولوا درست حرّفنا. (1/ 149).

فأنت ترى أنه قدَّر فعلًا محذوفًا في كل من الآيتين لتكون الواو فيهما: للاستئناف.

وأما في الآية الثالثة والرابعة: فهو من باب عطف الصفات بعضها على بعض، فإنه ينزَّل تغاير الصفات بمنزل تغاير الذات فيعطف بعضها على بعض كما في قوله تعالى:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} [الأعلى] اهـ.

(2)

وهو عامر بن الطفيل، واسم فرسه: دعلج.

ص: 108

يكرّ إلّا ومعه صدره لما كان الصدر يلتقي به ويقع به المصادمة.

وقال مكي بن أبي طالب

(1)

في تفسيره

(2)

: وليست هذه الزيادة توجب أن تكون الوسطى غير العصر لأن سيبويه

(3)

حكى: مررت بأخيك وصاحبك، والصاحب هو الأخ، فكذلك الوسطى هي العصر، وإن عطفت بالواو، انتهى.

وتغاير اللفظ قائم مقام تغاير المعنى في جواز العطف. ومنه قول أبي داود الإيادي:

سُلِّطَ المَوْتُ والمَنُونُ عَلَيْهِمُ

فلهم في صَدَا المقابِرِ هَام

وقول عدي بن زيد العبادي:

وقدَّدتِ الأديمَ لراهِشَيْهِ

فألفَى قولَها كذبًا ومَيْنا

(1)

ولد مكي بن أبي طالب، أبو محمد - محمد حمّوش - بن محمد بن مختار القيسي - في شعبان سنة (355 هـ) بمدينة القيروان، واحدة من حواضر المغرب العربي والعالم الإسلامي آنذاك. وكانت من المدن التي تستهوي العلماء، وتستقطب الفقهاء والأدباء.

تلقى مكي علومه الأولية على شيوخ عصره، ثم ارتحل إلى مصر عام (368 هـ)، ومكث فيها ست سنوات رجع بعدها إلى بلده ثم عاود الرحلة إلى مصر مرتين، وحج وأقام بمكة أربع سنوات، وكان في رحلاته وتنقّلاته يلتقي بعلماء مصر والحجاز، يأخذ عنهم وينتفع بهم. وعاد مكي إلى القيروان سنة (392 هـ)، ثم انتقل إلى الأندلس سنة (393 هـ)، حيث أقام في قرطبة، وهناك تصدّر للتعليم والخطابة، وتتلمذ عليه خلق كثير وتوفي في محرم سنة (437 هـ).

انظر ترجمته في: "مقدمة تفسير المشكل في غريب القرآن" د. على حسين البواب (جـ 7 - 9)، و"بغية الملتمس" للضبي (ص 455)، و"سير أعلام النبلاء"(17/ 591)، و"غاية النهاية" لابن الجزري (2/ 359)، و"معجم الأدباء" لياقوت (19/ 167).

(2)

في كتابه الذي لا يزال مخطوطًا لم يطبع فيما أعلم - "الهداية إلى بلوغ النهاية" وهو تفسير للقرآن الكريم.

(3)

هو عمرو بن عثمان بن قَنْبر، إمام البصريين، سيبويه، أبو بشر، ويقال: أبو الحسن، مولى بني الحارث بن كعب، ثم مولى آل الربيع بن زياد الحارثي. كان أصلُه من البيضاء من أرض فارس، ونشأ بالبصرة، وأخذ عن الخليل، ويونس، وأبي الخطاب الأخفش، وعيسى بن عمر،

قال ابن الجوزي: مات بساوة سنة أربع وتسعين، أسندنا حديثه في "الطبقات الكبرى" وتكرّر في "جمع الجوامع".

انظر: "بغية الوعاة" للسيوطي (2/ 229 رقم 1863).

ص: 109

وقول عنترة:

حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عهدُه

أقوَى وأقفرَ بعدَ أُمِّ الهَيْثَمِ

وقول الآخر:

ألَا حَبَّذا هندٌ وأرضٌ بها هندُ

وهندٌ أتى مِنْ دُوبهَا النّأيُ والبعدُ

وهذا التأويل لا بدّ منه لوقوع هذه القراءة المحتملة في مقابلة تلك النصوص الصحيحة الصريحة.

وقد روي عن السائب بن يزيد أنه تلا هذه الآية: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر)، وهذا التأويل المذكور يجري في حديث عائشة

(1)

وحفصة

(2)

، ويختصّ حديث حفصة بما روى يزيد بن هرون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عمرو بن رافع قال: كان مكتوبًا في مصحف حفصة بنت عمر: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر)، ذكر هذه الرواية والرواية السابقة عن السائب ابن سيد الناس في شرح الترمذي.

قال المصنف

(3)

رحمه الله [تعالى]

(4)

بعد سياق حديث عائشة ما لفظه: وهذا يتوجه منه كون الوسطى العصر؛ لأن تسميتها في الحثّ على المحافظة دليل على تأكدها، وتكون الواو فيه زاندة كقوله:{آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً}

(5)

، أي ضياء، وقوله:{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ}

(6)

، أي ناديناه إلى نظائرها، انتهى.

22/ 439 - (وَعَنْ زيدِ بْنِ ثابِتٍ [رضي الله تعالى عنه] (4) قالَ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاة أشَدَّ عَلَى أصْحَابِهِ مِنْهَا فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}

(7)

، وَقالَ: "إنَّ قَبْلَهَا

(1)

تقدم تخريجه قريبًا.

(2)

تقدم تخريجه قريبًا.

(3)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 215).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

سورة الأنبياء، الآية (48).

(6)

سورة الصافات، الآيات (103 - 104).

(7)

سورة البقرة، الآية (238).

ص: 110

صَلَاتينِ وَبَعْدَهَا صَلَاتينِ". رَواهُ أحْمَدُ

(1)

، وأبُو داوُدَ)

(2)

. [صحيح]

23/ 440 - (وَعَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ [رضي الله تعالى عنهما] (3) فِي الصَّلَاةِ الوُسْطَى قالَ: هِيَ الظُّهْرُ، إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يُصَلِّي الظُهْرَ بِالهَجِيرِ وَلَا يَكُونُ وَرَاءَه إلَّا الصَّفُّ والصَّفَّانِ، والنَاسُ فِي قَائِلَتِهِمْ وَفِي تِجَارَيهِمْ، فأنْزَلَ الله [تعالى]

(3)

: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}

(4)

. رَوَاهُ أحْمَدُ)

(5)

. [حسن لغيره]

الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري، وأخرجه البخاري في التاريخ

(6)

[والنسائي

(7)

بإسناد رجاله ثقات]

(8)

. وأخرج نحو ذلك في الموطأ

(9)

، والترمذي عن زيد

(10)

أيضًا.

[والحديث الثاني أخرجه أيضًا النسائي

(11)

وابن منيع وابن جرير

(12)

والضياء في المختارة

(13)

، ورجال إسناده في سنن النسائي ثقات] (8).

قوله: (الهجير) قال في القاموس

(14)

: الهَجِيرَةُ والهَجِيرُ والهاجِرَةُ: نصفُ

(1)

في "المسند"(5/ 183).

(2)

في "السنن" رقم (411).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

سورة البقرة، الآية (238).

(5)

في "المسند"(5/ 206).

(6)

(2/ 434).

(7)

في "السنن الكبرى"(1/ 151 - 152 رقم 1/ 356).

(8)

زيادة من (أ) و (ب).

(9)

(1/ 139 رقم 27).

(10)

أشار إليه الترمذي في الباب (118) رقم الحديث (155) في قوله وفي الباب.

قلت: وأخرج حديث زيد بن ثابت البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 458)، والبغوي في شرح السنة (2/ 236 رقم 389)، وهو حديث صحيح.

(11)

في "السنن الكبرى"(1/ 152 رقم 2/ 357).

(12)

في "جامع البيان"(5/ 207 رقم 5460 - شاكر) بسند منقطع.

(13)

لم أجده في المطبوع منه.

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (795)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 458)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 308 - 309)، وقال:" - رواه النسائي، وقال الشيخ في "الأطراف": ليس في السماع ولم يذكره أبو القاسم - رواه أحمد ورجاله موثقون إلا أن الزبرقان لم يسمع من أسامة بن زيد، ولا من زيد بن ثابت والله أعلم" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.

(14)

"القاموس المحيط"، (ص 638).

ص: 111

النهارِ عندَ زوالِ الشمسِ مع الظهرِ، أو من عندِ زوالِهَا إلى العصرِ، لأن الناسَ يسكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجَرُوا لشدّة الحر.

والأثران استدلّ بهما من قال: إن الصلاة الوسطى هي الظهر، وأنت خبير بأن مجرد كون صلاة الظهر كانت شديدة على الصحابة لا يستلزم أن تكون الآية نازلة فيها، غاية ما في ذلك أن المناسب أن تكون الوسطى هي الظهر، ومثل هذا لا يعارض به تلك النصوص الصحيحة الصريحة الثابتة في الصحيحين

(1)

وغيرهما من طرق متعدّدة، قد قدمنا لك منها جملة نافعة.

وعلى فرض أن قول هذين الصحابيين تصريح ببيان سبب النزول لا إبداء

مناسبة، فلا يشكّ من له أدنى إلمام بعلوم الاستدلال أن ذلك لا ينتهض لمعارضة ما سلف على أنه يعارض المرويّ عن زيد بن ثابت، هنا ما قدمنا عنه في شرح حديث عليٌّ فراجعه

(2)

، ولعلّك إذا أمعنت النظر فيما حرّرناه في هذا الباب لا تشك بعده أن الوسطى هي العصر.

فكُنْ رَجُلًا رجلُهُ في الثرى

وهامةُ هِمَّتِهِ في الثُّرَيَّا

قال المصنف

(3)

رحمه الله [تعالى]

(4)

بعد أن ساق الأثرين ما لفظه: وقد احتجّ بهما من يرى تعجيل الظهر في شدّة الحرّ، انتهى.

[الباب السادس] باب وقت صلاة المغرب

24/ 441 - (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ [رضي الله تعالى عنه] (4) أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يُصَلِّي المَغْرِبَ إذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا النَّسَائِيَّ

(5)

. [صحيح]

(1)

رقم (15/ 432)، ورقم (17/ 434)، ورقم (18/ 435)، ورقم (19/ 436) من كتابنا هذا.

(2)

رقم (15/ 432).

(3)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 217).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

البخاري رقم (561)، ومسلم رقم (636)، وأحمد (4/ 51)، وأبو داود رقم (417)، والترمذي رقم (164)، وابن ماجه رقم (688).

قال الترمذي: حديث سلمة بن الأكوع حديث حسن صحيح.

ص: 112

وفي الباب عن جابر عند أحمد

(1)

.

وعن زيد بن خالد عند الطبراني

(2)

.

وعن أنس عند أحمد

(3)

وأبي داود

(4)

.

وعن رافع بن خديج عند البخاري

(5)

ومسلم

(6)

.

(1)

في "المسند"(3/ 303، 331، 382).

قلت: وأخرجه أبو يعلى في "المسند" رقم (339/ 2104)، والبزار رقم (374 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 310) وقال: "رواه أحمد، والبزار، وأبو يعلى، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به، وقد وثقه الترمذي، واحتجّ به أحمد وغيره" اهـ.

عن محمد بن عقيل قال: "سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنتُ أُصلِّي معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم المغرب ثم أرجِعُ إلى أهلي في بني سلمةَ، وهم على ميلٍ من المدينة - أو قال: من المسجد - وأنا أرى مواقِعَ النَّبْلِ. ثم قال: الظهرَ كاسمِها ظهرًا، والعصرَ والشمسُ بيضاء نقية، والمغرب كاسمِها، والعشاء كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يؤخّرها أحيانًا ويعخلُها أحيانًا"، وهو حديث صحيح.

وأخرجه الطيالسي (1/ 72 رقم 290)، والبيهقي (1/ 370)، وصححه ابن خزيمة رقم (337)، وابن أبي شيبة (1/ 320)، وعبد الرزاق (1/ 552 رقم 2091)، والشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 54 رقم 158). وانظر حديث جابر الآتي برقم (40/ 457) من كتابنا هذا.

(2)

في "الكبير" رقم (5259) بسند حسن.

عن زيد بن خالد الجهني قال: "كُنَّا نُصلِّي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم المغربَ وننصرفُ إلى السوق، ولو رمى أحدنا بنبلٍ لأبصرت مواقِعُ نبلِهِ".

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 310) وقال: "وفيه صالح مولى التوأمة، وقد اختلط في آخر عمره، قال ابن معين: سمع عنه ابن أبي ذئب قبل الاختلاط، وهذا من رواية ابن أبي ذئب عنه".

وأخرجه أحمد (4/ 114، 115، 117)، وابن أبي شيبة (1/ 328)، والبيهقي (1/ 370)، والبغوي في "شرح السنّة"(2/ 216 رقم 373).

(3)

في "المسند"(4/ 113، 189، 199، 205).

(4)

في "السنن" رقم (416).

عن أنس قال: كنّا نصلّي المغرب في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نأتي بني سلمة وأحدنا يرى موقع نبله، وهو حديث صحيح.

وأخرجه ابن خزيمة (1/ 174 رقم 338)، والبيهقي (1/ 447).

(5)

في "صحيحه" رقم (559).

(6)

في "صحيحه" رقم (637). =

ص: 113

وعن أبي أيوب عند أحمد

(1)

وأبي داود

(2)

والحاكم

(3)

.

وعن أُمّ حبيبة أشار إليه الترمذي

(4)

.

وعن العباس بن عبد المطلب عند ابن ماجه

(5)

، قال الترمذي

(6)

: وحديث العباس قد روي موقوفًا وهو أصح.

وعن أبيّ بن كعب ذكره ابن أبي حاتم في العلل

(7)

.

وعن السائب بن يزيد عند أحمد

(8)

.

وعن رجل من أسلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم عند النسائي

(9)

والبغوي في

= عن رافع بن خديج قال: كنّا نصلّي المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه لينظر إلى موقع نبله. وهو حديث صحيح.

وأخرجه أحمد (4/ 142)، والحاكم (1/ 192)، والبيهقي (1/ 370، 447).

(1)

في "المسند"(5/ 415، 421).

(2)

في "سننه" رقم (418).

(3)

في "المستدرك"(1/ 190)، وقال: هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

قلت: وأخرجه الطبراني رقم (4058)، وابن أبي شيبة (1/ 329)، والدارقطني في "السنن"(1/ 96).

وقال النووي: وهو حديث حسن كما في "المجموع"(3/ 35).

(4)

في "السنن" رقم (1/ 304).

(5)

في "سننه" رقم (689).

عن العباس بن عبد المطلب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال أمّتي على الفطرة ما لم يؤخّروا المغرب حتى تشتبك النجومُ"، وهو حديث صحيح.

قلت: وأخرجه ابن خزيمة (1/ 175 رقم 340)، والحاكم شاهدًا في (1/ 191)، والبيهقي (1/ 448).

وانظر: "الإرواء"(4/ 33).

(6)

في "سننه" رقم (1/ 305). والخلاصة أنه موقوف صحيح.

(7)

(1/ 92 - 93 رقم 249) عنه قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي المغرب ثم يرجع الناس إلى أهليهم وهم يبصرون مواقع النبل حين يرمي بها. قال أبي: هذا خطأ إنما يروى عن الزهري عن ابن كعب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، مرسل به.

(8)

في "المسند"(3/ 449) عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال أمّتي على الفطرة ما صلّوا المغرب قبل طلوع النجوم".

قلت: وأخرجه البيهقي (1/ 448)، والطبراني في "الكبير" رقم (6671).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 310) وقال: ورجاله موثقون.

(9)

في "سننه"(1/ 259) رقم (520) بسند صحيح.

ص: 114

معجمه

(1)

قوله صلى الله عليه وسلم: (وتوارت بالحجاب) وقع في صحيح البخاري

(2)

إذا توارت بالحجاب، ولم يجر للشمس ذكر إحالة على فهم السامع، وما يعطيه قوة الكلام، وهو تفسير للجملة الأولى أعني قوله:"إذا غربت الشمس".

والحديث يدلّ على أن وقت المغرب يدخل عند غروب الشمس، وهو مجمع عليه، وأن المسارعة بالصلاة في أوّل وقته مشروعة.

وقد اختلف السلف فيها هل هي ذات وقت أو وقتين؟ فقال الشافعي

(3)

: إنه ليس لها إلّا وقت واحد، وهو أول الوقت، هذا هو الذي نصّ عليه في كتبه القديمة والجديدة، ونقل عنه أبو ثور

(4)

أن لها وقتين، الثاني منهما ينتهي إلى مغيب الشفق، قال الزعفراني: وأنكر هذا القول جمهور الأصحاب، ثم اختلف أصحاب الشافعي في المسألة على طريقين.

أحدهما: القطع بأن لها وقتًا فقط. والثاني: على قولين، أحدهما هذا، والثاني يمتدّ إلى مغيب الشفق، وله أن يبدأ بالصلاة في كل وقت من هذا الزمان.

قال النووي

(5)

: وهو الصحيح، وقد نقل أبو عيسى الترمذي

(6)

عن العلماء كافّة من الصحابة فمن بعدهم كراهة تأخير المغرب، وتمسّك القائل

= "عن رجل من أسلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يصلّون مع النبيّ صلى الله عليه وسلم المغرب ثم يرجعون إلى أهليهم أقصى المدينة يرتمون يبصرون وقع سهامهم".

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 371).

(1)

"معجم الصحابة" للبغوي: أبو القاسم، عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، توفي سنة (317 هـ) منه قطعة في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة تحت رقم (791) مصوّرة عن المكتبة العامة بالرباط. "معجم المصنّفات"(ص 259 رقم 772) و (ص 395 رقم 1272).

(2)

رقم (561) من حديث سلمة بن الأكوع.

(3)

في "الأم"(2/ 29 رقم 1001).

(4)

ذكره النووي في "المجموع"(3/ 33).

(5)

في "المجموع شرح المهذب"(3/ 32 - 34).

(6)

في "سننه"(1/ 305).

ص: 115

بأن لها وقتًا واحدًا بحديث جبريل

(1)

السابق، وقد ذكرنا كيفية الجمع بينه وبين الأحاديث القاضية بأن للمغرب وقتين في باب أوّل وقت العصر.

وقد اختلف العلماء بعد اتّفاقهم على أن أول وقت المغرب غروب الشمس في العلامة التي يعرف بها الغروب، فقيل: بسقوط قرص الشمس بكماله، وهذا إنما يتمّ في الصحراء، وأمّا في العمران فلا. وقيل: برؤية الكوكب الليلي، وبه قالت القاسمية

(2)

، واحتجّوا بقوله:"حتى يطلع الشاهد"، والشاهد: النجم، أخرجه مسلم

(3)

والنسائي

(4)

من حديث أبي بصرة.

وقيل: بل بالإظلام، وإليه ذهب زيد بن عليّ وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى والإمام يحيى

(5)

لحديث: "إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، فقد أفطر الصائم"، متّفق عليه من حديث ابن عمر

(6)

وعبد الله بن أبي أوفى

(7)

. ولما في حديث جبريل

(8)

من رواية ابن عباس بلفظ: "فصلّى بي حين وجبت الشمس وأفطر الصائم" ولحديث الباب وغير ذلك.

وأجاب صاحب البحر

(9)

عن هذه الأدلّة بأنها مطلقة، وحديث:"حتى يطلع الشاهد"

(10)

مقيّد، وردّ بأنه ليس من المطلق والمقيد، وغايته أن يكون طلوع الشاهد أحد أمارات غروب الشمس، على أنه قد قيل: إن قوله: والشاهد النجم" مدرج، فإن صح ذلك لم يبعد أن يكون المراد بالشاهد ظلمة الليل، ويؤيّد ذلك:

(1)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه رقم (1/ 418) و (2/ 419) من كتابنا هذا.

(2)

في "البحر الزخار"(1/ 154 - 155).

(3)

في "صحيحه" رقم (830).

(4)

في "سننه"(1/ 259 - 260)، وهو حديث صحيح.

(5)

انظر: "الروض النضير" للسياغي (1/ 592 - 593)، والبحر الزخار (1/ 155).

(6)

أخرجه البخاري رقم (1954)، ومسلم رقم (1100) من حديث عمر بن الخطاب.

(7)

أخرجه البخاري رقم (1941)، ومسلم رقم (1101) من حديث عبد الله بن أبي أوفى.

(8)

تقدم تخريجه رقم (2/ 419) من كتابنا هذا.

(9)

(1/ 155).

(10)

وهو جزء من حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه رقم (292/ 830)، والنسائي (1/ 259 - 260) عن أبي بصرةَ الغِفَارِيّ قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصرَ بالمُخَمّصِ فقال: "إنّ هذه الصلاة عُرضت على من كان قبلكم فضيّعُوها، فمن حافظ عليها كان له أجرُه مرتين. ولا صلاة بعدَها حتى يطلُعَ الشاهِدُ". والشاهد: النجم.

ص: 116

حديث السائب بن يزيد عند أحمد

(1)

والطبراني

(2)

مرفوعًا بلفظ: "لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجم".

وحديث أبي أيوب

(3)

مرفوعًا: "بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجم".

وحديث أنس

(4)

ورافع بن خديج

(5)

قال: "كنّا نصلّي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم نرمي فيرى أحدنا موقع نبله".

وأمّا آخر وقت المغرب، فذهب الهادي والقاسم

(6)

وأحمد بن حنبل وإسحق وأبو ثور وداود إلى أن آخره ذهاب الشفق الأحمر، لحديث جبريل

(7)

، وحديث ابن عمرو بن العاص

(8)

، وقد مرّا.

وقال مالك وأبو حنيفة: إنه ممتدّ إلى الفجر، وهو أحد قولَيْ الناصر، وقد سبق ذكر ما ذهب إليه الشافعي.

25/ 442 - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ [رضي الله تعالى عنه]

(9)

أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ أوْ عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا المَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ

(10)

وَأَبُو دَاوُدَ)

(11)

. [حسن]

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم في المستدرك

(12)

، وفي إسناده محمد بن إسحق، ولكنه صرّح بالتحديث.

(1)

في "المسند"(3/ 449).

(2)

في "الكبير" رقم (6671)، وقد تقدم الكلام عليه أثناء شرح الحديث (24/ 441) من كتابنا هذا.

(3)

وهو حديث حسن، تقدم تخريجه أثناء شرح الحديث (24/ 441) من كتابنا هذا.

(4)

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه أثناء شرح الحديث (24/ 441) من كتابنا هذا.

(5)

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه أثناء شرح الحديث (24/ 441) من كتابنا هذا.

(6)

في "البحر الزخار"(1/ 154 - 155).

(7)

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه برقم (2/ 419) من كتابنا هذا.

(8)

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه أثناء شرح حديث (2/ 419) من كتابنا هذا.

(9)

زيادة من (جـ).

(10)

في "المسند"(5/ 415، 421).

(11)

في "سننه" رقم (418).

(12)

في "المستدرك"(1/ 190) وقال: هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وقد تقدم الكلام عليه أثناء تخريج الحديث (24/ 441) من كتابنا هذا.

ص: 117

وفي الباب عن العباس بن عبد المطلب عند ابن ماجه

(1)

، والحاكم

(2)

وابن خزيمة

(3)

في صحيحه بلفظ: "لا تزالُ أمّتي على الفِطرةِ ما لم يؤخِّروا المغربَ حتى تشتبِكَ النجومُ".

قال محمد بن يحيى

(4)

: "اضطَّربَ الناسُ في هذا الحديثِ ببغدادَ، فذهبتُ أنا وأبو بكر الأعْيَنُ

(5)

إلى العوَّامِ بن عبَّاد بن العوامِ

(6)

، فأخرجَ إلينا أصلَ أبيه، فإذا الحديثُ فيه".

وأخرجه أبو بكر البزار من حديث إبراهيم بن موسى عن عباد بن العوام بسنده، ثم قال: لا يعلمه يروى - يعني عن العباس - إلَّا من هذا الوجه، ورواه غير واحد عن عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن مرسلًا

(7)

.

قال الترمذي

(8)

: وحديث العباس قد روي عنه موقوفًا وهو أصح.

قال ابن سيد الناس: ومراد البزار بالمرسل هنا الموقوف؛ لأنه متّصل الإسناد إلى العباس، وذكر الخلال بعد إيراد هذا الحديث أنّه قال أبو عبد الله: هذا حديث منكر.

والحديث يدلّ على استحباب المبادرة بصلاة المغرب وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم.

(1)

في "سننه" رقم (689).

(2)

في "المستدرك"(1/ 191).

(3)

في "صحيحه"(1/ 175 رقم 340)، وقد تقدم الكلام عليه أثناء تخريج الحديث (24/ 441) من كتابنا هذا.

(4)

ذكره ابن ماجه في سننه عقب الحديث رقم (689).

• ومحمد بن يحيى هو: الذهلي النيسابوري، أبو عبد الله. قال ابن حجر عنه: ثقة حافظ جليل، (172 هـ - 258 هـ).

(5)

هو أبو بكر بن أبي عتاب الحسن بن طريف الأعين، بغدادي، توفي سنة (240 هـ).

"اللباب في تهذيب الأنساب" لابن الأثير الجزري (1/ 76).

(6)

قال عنه في "التقريب"(2/ 89): "مقبول".

(7)

قال المحدث الألباني في هامش صحيح ابن خزيمة (1/ 175): "إسناده ضعيف، عمر بن إبراهيم هو العبدي البصري وهو صدوق. في حديثه عن قتادة ضعف، لكن الحديث قويّ بما قبله"، يشير إلى حديث (25/ 442) من كتابنا هذا.

(8)

في "سننه"(1/ 305).

ص: 118

وقد عكست الروافض القضية فجعلت تأخير صلاة المغرب إلى اشتباك النجوم، مستحبًا والحديث يرده.

قال النووي في شرح مسلم

(1)

: إن تعجيل المغرب عقب غروب الشمس مجمع عليه، قال: وقد حكي عن الشيعة فيه شيء لا التفات إليه ولا أصل له.

وأمّا الأحاديث الواردة في تأخير المغرب إلى [قريب]

(2)

سقوط الشفق فكانت لبيان جواز التأخير، وقد سبق إيضاح ذلك لأنها كانت جوابًا للسائل عن الوقت، وأحاديث التعجيل المذكورة في هذا الباب وغيره إخبار عن عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتكرّرة التي واظب عليها إلّا لعذر فالاعتماد عليها.

26/ 443 - (وَعَنْ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ قالَ: قالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ: ما لَكَ تَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِقِصَارِ المُفَصَّلِ، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِيهَا بِطُوَلى الطُّولَيَيْنِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ

(3)

وأحْمَدُ

(4)

والنَّسَائِيُّ

(5)

، وزَادَ عَنْ عُرْوَةَ طُولَي الطُّولَيَيْنِ الأعْرَافِ، وَللْنَّسَائِيِّ

(6)

: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِيهَا بِطُوَلى الطُّولَيَيْنِ والمص). [صحيح]

قوله: (بقصار المفصّل) قال في الضياء: هو من سورة محمد إلى آخر القرآن، وذكر في القاموس

(7)

أقوالًا عشرة من (الحُجراتِ) إلى آخِرِهِ، قال في الأصحِّ

(8)

أو

(1)

(5/ 136).

(2)

في (أ): (قرب).

(3)

في "صحيحه" رقم (764).

(4)

في "المسند"(5/ 188).

(5)

في "سننه"(2/ 170 رقم 990).

(6)

في "سننه"(2/ 169 - 170 رقم 989)، وهو حديث صحيح.

(7)

في "القاموس المحيط"(ص 1347).

(8)

رجح الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(2/ 259) أن المفصل من ق إلى آخر القرآن، وهو الراجح عند ابن كثير، وقد استدلّ بالحديث المرويّ عند أحمد وأبي داود وابن ماجه، وفيه: قال أوس - هو أوس بن أبي أوس حذيفة الثقفي صحابي - سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزّبون القرآن؟ فقالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصّل وحده، وفي لفظ لأحمد (4/ 9، 343) من ق حتى يختم.

قال ابن كثير: إذا عُلم هذا فإذا عددت ثمانيًا وأربعين سورة، فالتي بعدُ هي سورة ق

=

ص: 119

من (الجاثية) أو (القتال) أو (قاف)

(1)

أو (الصافات) أو (الصف) أو (تبارك)

(2)

أو (إنا فتحنا لك)

(3)

أو (سبحِ اسمَ ربك)

(4)

أو (الضحى)

(5)

.

ونسب بعض هذه الأقوال إلى من قال بها.

قال: وسمّيَ مفصلًا لكثرة الفصول بين سورِهِ، أو لقلَّةِ المنسوخ.

قوله: (بطولى الطوليين) في الفتح

(6)

: الطوليين: الأعراف والأنعام في قول، وتسميتهما بالطوليين إنما هو لعرف فيهما، لا أنهما أطول من غيرهما، وفسّرهما ابن أبي مليكة بالأعراف والمائدة، والأعراف أطول من صاحبتها، قال الحافظ

(7)

: إنه حصل الاتفاق على تفسير الطولى بالأعراف.

والحديث يدلّ على استحباب التطويل في قراءة المغرب، وقد اختلفت حالات النبيّ صلى الله عليه وسلم فيها فثبت عند الشيخين

(8)

من حديث جبير بن مطعم أنّه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، وثبت أنه قرأ في المغرب بالصافّات، وأنه قرأ فيها بحم الدخان، وأنه قرأ بسبح اسم ربك الأعلى، وأنه قرأ بالتين والزيتون، وأنه قرأ بالمعوّذتين، وأنه قرأ بالمرسلات، وأنه قرأ بقصار المفصل".

= إلخ. ومراد ابن كثير بالثماني والأربعين ابتداء من سورة البقرة وانتهاء بسورة الحجرات، ثم قال: فتعين أنَّ أوّله سورة ق وهو الذي قلنا، ولله الحمد والمنة.

انظر: "تفسير ابن كثير" صدر تفسير سورة ق (7/ 392)، وانظر: الحديث في سنن أبي داود رقم (1393)، وفي سنن ابن ماجه رقم (1345).

(1)

عن الإمام محيي الدين النواوي.

(2)

عن محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف اليماني.

(3)

عن أحمد بن كشاشب الفقيه الشافعي الذماري.

(4)

عن الفِرْكاح فقيه الشام.

(5)

عن الخطابي.

(6)

(2/ 247): قال ابن حجر: "بطولى الطوليين: أي بأطول السورتين الطويلتين، وطولى تأنيث أطول، والطوليين بتحتانيتين تثنية طولى، وهذه رواية الأكثر

".

وقال ابن حجر: فحصل الاتفاق على تفسير الطولى بالأعراف، وفى تفسير الأخرى ثلاثة أقوال:

المحفوظ منها (الأنعام)، والقول الثاني والثالث:(المائدة) و (يونس).

(7)

في "فتح الباري"(2/ 247).

(8)

البخاري رقم (3050)، ومسلم رقم (463).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (811)، والنسائي (2/ 169).

ص: 120

وسيأتي تحقيق ذلك في باب جامع القراءة في الصلاة

(1)

إن شاء الله تعالى.

والمصنف

(2)

[رحمه الله تعالى]

(3)

ساق الحديث هنا للاستدلال به على امتداد وقت المغرب، ولهذا قال: وقد سبق بيان امتداد وقتها إلى غروب الشفق في عدّة أحاديث، انتهى.

وكذلك استدلّ الخطابي

(4)

وغيره بهذا الحديث على امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق.

قال الحافظ

(5)

: وفيه نظر؛ لأن من قال إن لها وقتًا واحدًا لم يحده بقراءة معينة، بل قالوا: لا يجوز تأخيرها عن أوّل غروب الشمس، وله أن يمدّ القراءة فيها، ولو غاب الشفق، ثم قال

(6)

: ولا يخفى ما فيه لأن تعمد إخراج بعض الصلاة عن الوقت ممنوع، ولو أجزأت، فلا يحمل ما ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك.

[الباب السابع] باب تقديم العَشاء إذا حضر على تعجيل صلاة المغرب

27/ 444 - (عَنْ أنَسٍ [رضي الله تعالى عنه] (3) أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا قُدِّمَ العَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ المَغْرِبِ، وَلَا تَعَجَّلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ")

(7)

. [صحيح]

28/ 445 - (وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَحَضَرَ العَشَاءَ فَأبْدَءُوا بِالْعَشَاءِ")

(8)

. [صحيح]

29/ 446 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما] (3) قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةِ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا تَعْجَلْ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْهُ"

(9)

[صحيح]

(1)

الباب السادس عشر: باب جامع القراءة في الصلوات عند الحديث رقم (53/ 714).

(2)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 218).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في "معالم السنن"(1/ 509 - هامش السنن).

(5)

في "فتح الباري"(2/ 249).

(6)

أي الحافظ في "الفتح"(2/ 249).

(7)

أحمد (3/ 100، 110)، والبخاري رقم (672)، ومسلم رقم (557).

(8)

أحمد في المسند (6/ 40)، والبخاري رقم (671)، ومسلم رقم (558).

(9)

أحمد (2/ 103)، والبخاري رقم (673)، ومسلم رقم (559).

ص: 121

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ.

وَللْبُخَارِيِّ

(1)

وأبِي دَاوُدَ

(2)

: وكانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وتُقامُ الصَّلَاةُ فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإمَامِ"). [صحيح]

قوله: (حضر العشاء)، قال في القاموس

(3)

: هو طعام العشي وهو ممدود كسماء.

قوله: (فابدءوا بالعشاء) أي بأكله.

الحديث الأول يدلّ على وجوب تقديم العَشاء على صلاة المغرب إن حضر.

والحديثان الآخران يدلّان على وجوب تقديم العَشاء إذا حضر على المغرب وغيرها، لما يشعر به تعريف الصلاة من العموم.

وقال ابن دقيق العيد

(4)

: الألف واللام في الصلاة لا ينبغي أن يحمل على الاستغراق ولا على تعريف الماهية، بل ينبغي أن يحمل على المغرب بما ورد في بعض الروايات:"إذا وضع العشاء وأحدكم صائم فابدءوا به قبل أن تصلّوا"، وهو صحيح

(5)

. وكذلك صح

(6)

أيضًا: "فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب"، انتهى.

وأنت خبير بأن التنصيص على المغرب لا يقتضي تخصيص عموم الصلاة لما تقرّر في الأصول من أن موافق العام لا يخصّص به، فلا يصلح جعله قرينة لحمل اللام على ما لا عموم فيه ولو سلم عدم العموم لم يسلم عدم الإطلاق، وقد تقرّر أيضًا في الأصول أن موافق المطلق لا يقتضي التقييد، ولو سلمنا ما ذكره باعتبار أحاديث الباب لتأييده بأن لفظ العشاء يخرج صلاة النهار، وذلك

(1)

في "صحيحه" رقم (673).

(2)

في "السنن" رقم (3757).

(3)

"القاموس المحيط"(ص 1691).

(4)

في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام"(1/ 147).

(5)

أخرجه ابن حبان في "صحيحه" رقم (2068)، والشافعي رقم (1/ 126 - بدائع المنن) من حديث أنس.

(6)

أخرجه البخاري رقم (672)، ومسلم رقم (557)، والنسائي (2/ 111)، والترمذي رقم (353) من حديث أنس.

ص: 122

مانع من حمل اللام على العموم لم يتم له باعتبار حديث: "لا صلاة بحضرة طعام"، عند مسلم

(1)

وغيره

(2)

.

ولفظ صلاة نكرة في سياق النفي، ولا شك أنها من صيغ العموم.

ولإطلاق الطعام وعدم تقييده بالعشاء فذكر المغرب من التنصيص على بعض أفراد العام، وليس بتخصيص على أن العلّة التي ذكرها شرّاح الحديث للأمر بتقديم العشاء كالنووي

(3)

وغيره مقتضية لعدم الاختصاص ببعض الصلوات، فإنهم قالوا: إنها اشتغال القلب بالطعام وذهاب كمال الخشوع في الصلاة عند حضوره، والصلوات متساوية الأقدام في هذا.

وظاهر الأحاديث أنه يقدم العَشاء مطلقًا سواء كان محتاجًا إليه أم لا، وسواء كان خفيفًا أم لا، وسواء خشي فساد الطعام أو لا، وخالف الغزالي

(4)

فزاد: قيد خشية فساد الطعام، والشافعية فزادوا قيد الاحتياج، ومالك فزاد قيد أن يكون الطعام خفيفًا. وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الأحاديث ابن حزم

(5)

والظاهرية، ورواه الترمذي

(6)

عن أبي بكر وعمر وابن عمر وأحمد وإسحق. ورواه العراقي عن الثوري فقال: يجب تقديم الطعام، وجزموا ببطلان الصلاة إذا قدمت.

وذهب الجمهور إلى الكراهة، وظاهر الأحاديث أيضًا أنه يقدم الطعام وإن خشي خروج الوقت وإليه ذهب ابن حزم (5)، وذكره أبو سعيد المتولي

(7)

وجهًا لبعض الشافعية

(8)

. وذهب الجمهور إلى أنه إذا ضاق الوقت صلّى على حاله

(1)

في "صحيحه" رقم (560).

(2)

كأبي داود في "سننه" رقم (89)، وهو حديث صحيح من حديث عائشة.

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 46).

(4)

انظر: "إحياء علوم الدين" له (1/ 157، 175).

(5)

انظر: "المحلى"(4/ 46 - 47 رقم المسألة 403).

(6)

في "سننه"(2/ 184 - 185).

(7)

أبو سعيد المتولي هو: عبد الرحمن بن مأمول النيسابوري، أبو سعيد المعروف بالمتولي، من فقهاء الشافعية، توفي ببغداد (426 - 478 هـ).

(8)

ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (1/ 46).

ص: 123

محافظة على الوقت ولا يجوز تأخيرها، قالوا: لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا تفوته لأجله، وظاهر قوله: "ولا تعجل حتى [تفرغ]

(1)

"أنه يستوفي حاجته من الطعام بكمالها، وهو يرد ما ذكره بعض الشافعية من أنه يقتصر على تناول لقمات يكسر بها سَورة الجوع.

قال النووي

(2)

: وهذا الحديث صريح في إبطاله. وقد استدلّ بالأحاديث المذكورة على أن الجماعة ليست بواجبة.

قال ابن دقيق العيد

(3)

: وهذا صحيح إن أريد به أن حضور الطعام مع التشوّف إليه عذر في ترك الجماعة، وإن أريد به الاستدلال على أنها ليست بفرض من غير عذر لم يصح ذلك، انتهى.

ويؤيّده أن ابن حبان وهو من القائلين بوجوب الجماعة جعل حضور الطعام عذرًا في تركها. وقد استدلّ أيضًا بهذه الأحاديث على التوسعة في وقت المغرب، وقد تقدم الكلام في ذلك، وقد ألحق بالطعام ما يحصل بتأخيره تشويش الخاطر بجامع ذهاب الخشوع الذي هو روح الصلاة.

وقوله: (إذا حضر العَشاء ووضع عَشاء أحدكم)، دليل على اعتبار الحضور الحقيقي. ومن نظر إلى المعنى من أهل القياس لا يقصر الحكم على الحضور بل يقول به عند وجود المعنى وهو التشوّف إلى الطعام، ولا شكّ أن حضور الطعام مؤثر لزيادة الاشتغال به، والتطلّع إليه، ويمكن أن يكون الشارع قد اعتبر هذه الزيادة في تقديم الطعام، وقد تقرّر في الأصول أن محل النص إذا اشتمل على وصف يمكن أن يكون معتبرًا لم يلغ. قال ابن دقيق العيد

(4)

: إنه لا يبعد إلحاق ما كان متيسّر الحضور عن قرب بالحاضر.

(1)

في (جـ): (يفرغ).

(2)

في شرح صحيح مسلم (1/ 46).

(3)

في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام"(1/ 147).

(4)

في "إحكام الأحكام"(1/ 148).

ص: 124

[الباب الثامن] باب جواز الركعتين قبل المغرب

30/ 447 - (عَنْ أنَسٍ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: كانَ المُؤَذِّنُ إذا أذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ كَذلِكَ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأذَانِ وَالإِقَامَةِ شَيْءٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: إلا قَلِيلٌ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَالْبُخَارِيُّ

(3)

. [صحيح]

وَفِي لَفْظٍ: كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ المَغْرِبِ، فَقِيلَ لَهُ: أكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهُمَا؟ قالَ: كانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا. رَوَاهُ مُسْلمٌ

(4)

وَأَبُو دَاوُدَ)

(5)

. [صحيح]

تقريره صلى الله عليه وسلم لمن رآه يصلّي في ذلك الوقت يدلّ على عدم كراهة الصلاة فيه، ولا سيما والفاعل لذلك عدد كثير من الصحابة.

وفي المسألة مذهبان للسلف استحبّهما جماعة من الصحابة والتابعين، ومن المتأخّرين أحمد

(6)

وإسحق، ولم يستحبهما الأربعة الخلفاء رضي الله عنهم، وآخرون من الصحابة ومالك

(7)

وأكثر الفقهاء. وقال النخعي

(8)

: هما بدعة.

احتجّ من قال بالاستحباب بما في هذا الباب من الأحاديث الصحيحة، وبما أخرجه ابن حبان

(9)

من حديث عبد الله بن مغفل: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "المسند"(3/ 280).

(3)

في "صحيحه" رقم (625).

(4)

في "صحيحه" رقم (836) ورقم (837).

(5)

في "سننه" رقم (1282)، وهو حديث صحيح.

(6)

انظر: "المغني"(2/ 546).

(7)

انظر: "الاستذكار"(1/ 201)، والتمهيد (8/ 84).

(8)

انظر: "موسوعة فقه إبراهيم النخعي"(2/ 615 - 616).

(9)

في صحيحه رقم (1588) بسند صحيح.

قلت: وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1289)، والبخاري رقم (1183) ورقم (7368)، وأبو داود رقم (1281)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 474)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (894) من طرق. =

ص: 125

صلّى قبل المغرب ركعتين"، فقد ثبتتا عنه صلى الله عليه وسلم قولًا - كما سيأتي - وفعلًا وتقريرًا.

واحتجّ من قال بالكراهة بحديث عقبة بن عامر

(1)

الذي قد مرّ ذكره في باب وقت صلاة المغرب، وهو يدلّ على شرعية تعجيلها، وفعلهما يؤدّي إلى تأخير المغرب.

والحقّ أن الأحاديث الواردة بشرعية الركعتين قبل المغرب مخصّصة لعموم أدلّة استحباب التعجيل.

قال النووي

(2)

: وأمّا قولهم يؤدّي إلى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنّة ولا يلتفت إليه، ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخّر به الصلاة عن أوّل وقتها. وأمّا من زعم النسخ فهو مجازف لأن النسخ لا يصار إليه إلّا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ، وليس هنا شيء من ذلك، انتهى.

وهذا الاستحباب ما لم تقم الصلاة كسائر النوافل؛ لحديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة"

(3)

.

واعلمْ أنَّ التعليل للكراهة بتأدية الركعتين إلى تأخير المغرب مشعر بأنه لا خلاف في أنه يستحب لمن كان في المسجد في ذلك الوقت منتظرًا لقيام الجماعة، وكان فعله للركعتين لا يؤثر في التأخير كما يقع من الانتظار بعد الأذان للمؤذن حتى ينزل من المنارة، ولا ريب أن ترك هذه السنة في ذلك الوقت الذي لا اشتغال فيه بصلاة المغرب ولا بشيء من شروطها مع عدم تأثير فعلها للتأخير من الاستحواذات الشيطانية التي لم يَنْجُ منها إلا القليل.

= قال ابن خزيمة في "صحيحه" بإثر الحديث: "هذا اللفظ من أمر المباح، إذ لو لم يكن من أمر المباح، لكان أقلّ الأمر أن يكون سنة إن لم يكن فرضًا، ولكنه أمر إباحة، وقد كنت أعلمت في غير موضع من كتبنا أن لأمر الإباحة علامة، متى زَجر عن فعل، ثم أمر بفعل ما قد زجر عنه، كان ذلك الأمر أمر إباحة، والنبيّ صلى الله عليه وسلم قد كان زاجرًا عن الصلاة بعد العصر حتى مغرب الشمس على المعنى الذي بيّنت، فلما أمر بالصلاة بعد غروب الشمس صلاة تطوّع، كان ذلك أمر إباحة

"، وهو حديث صحيح.

(1)

وهو حديث حسن تقدم تخريجه رقم (25/ 442) من كتابنا هذا.

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (6/ 124).

(3)

وهو حديث صحيح.

أخرجه مسلم رقم (710)، وأبو داود رقم (1266)، والترمذي رقم (421)، والنسائي (2/ 116) من حديث أبي هريرة.

ص: 126

قوله: (شيء)، التنوين فيه للتعظيم، أي لم يكن بينهما شيءٌ كثير، ونفي الكثير يقتضي إثبات القليل، وبهذا يجمع بين هذه الرواية ورواية قليل. وقال ابن المنيِّر

(1)

: يجمع بين الروايتين بحمل النفي المطلق على المبالغة مجازًا، والإثبات القليل على الحقيقة؛ وقد طوَّل الكلام في ذلك الحافظ في الفتح

(2)

، فليرجع إليه.

31/ 448 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ [رضي الله تعالى عنه]

(3)

أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ رَكعَتَينِ"، ثُمَّ قالَ:"صَلّوا قَبْلَ المَغْرِبِ رَكْعَتَينِ"، ثُمَّ قالَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ:"لِمَنْ شَاءَ"، كَرَاهِيَةَ أنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(4)

والبُخَارِيُّ

(5)

وأبُو داوُدَ

(6)

. [صحيح]

وفي رِوَايَةٍ: "بَينَ كُلِّ أذَانَينِ صَلاةٌ، بَينَ كُلِّ أذَانَينِ صَلاةٌ"، ثمَّ قالَ في الثَّالِثَةِ:"لِمَنْ شَاءَ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ

(7)

. [صحيح]

زاد الإسماعيلي في روايته عن القواريري

(8)

عن عبد الوارث

(9)

في الرواية الأولى ثلاث مرات، وهو موافق لما في رواية البخاري لأنها بلفظ قال في الثالثة، وفي رواية لأبي نعيم في المستخرج

(10)

: "قالها ثلاثًا ثم قال: لمن شاء".

قوله: (كراهية أن يتخذها الناس سنّة)، قال المحبّ الطبري: لم يرد نفي

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 108).

(2)

(2/ 108 - 109).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في "المسند"(5/ 55).

(5)

في "صحيحه" رقم (1183) ورقم (7368).

(6)

في "سننه" رقم (1281).

(7)

أحمد في "المسند"(4/ 86 و 5/ 54 و 5/ 55 - 56)، والبخاري رقم (624) و (627)، ومسلم رقم (838)، وأبو داود رقم (1283)، والنسائي رقم (2/ 28)، والترمذي رقم (185)، وابن ماجه رقم (1162).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 19)، وأبو عوانة (2/ 31)، والدارقطني (1/ 266).

(8)

القواريري هو عبيد الله بن عمر ميسرة القواريري أبو سعيد البصري ثقة ثبت. "التقريب"(1/ 537).

(9)

عبد الوارث هو ابن سعيد بن ذكوان العنبري أبو عبيدة، ثقة ثبت. "التقريب"(1/ 527).

(10)

"المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم"(9/ 422 رقم 1887 و 1888).

ص: 127

استحبابها لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أدلّ الأدلة على استحبابها. ومعنى قوله:"سنّة"، أي شريعة وطريقة لازمة، وكأن المراد انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض، ولهذا لم يعدها أكثر الشافعية في الرواتب، واستدركها بعضهم وتُعقب أنه لم يثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم واظب عليها.

قوله: (بين كل أذانين)، المراد بالأذانين الأذان والإقامة تغليبًا. والرواية الأولى من حديث الباب تدلّ على استحباب هاتين الركعتين بخصوصها، والرواية الأخرى بعمومها، وقد عرفت الخلاف في ذلك.

32/ 449 - (وَعَنْ أبِي الخَيْرِ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

(2)

قالَ: أَتَيْتُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: ألَا أُعَجِّبُكَ مِنْ أبِي تَمِيمٍ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ المَغْرِبِ، فقالَ عقبَةُ: إنَّا كُنَّا نَفْعَلهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ الآنَ؛ قالَ: الشَّغْلُ

(3)

. رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَالْبُخَارِيُّ)

(5)

. [صحيح]

قوله: (ألا أُعَجِّبُك) بضم أوّله وتشديد الجيم من [التعجّب]

(6)

.

قوله: (من أبي تميم) هو عبد الله بن مالك الجيشاني، بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة، تابعي كبير مخضرم أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عدّه جماعة في الصحابة.

قال الحافظ في الفتح

(7)

: وفيه رد على قول القاضي أبي بكر بن العربي: إنه لم يفعلهما أحد بعد الصحابة لأن أبا تميم تابعي وقد فعلهما.

والحديث يدلُّ على مشروعية صلاة الركعتين قبل المغرب، وقد تقدم الكلام على ذلك.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أبو الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني أبو الخير المصري ثقة فقيه. "التقريب"(2/ 236).

(3)

الشُّغْلُ: بالضم، وبضمتين، وبالفتح، وبفتحتين: ضد الفراغ، جمع أشغال وشغولٌ، وشَغَلَهُ، كمنعه، شَغْلًا

"القاموس المحيط"(ص 1317).

(4)

في "المسند"(4/ 155).

(5)

في "صحيحه" رقم (1184)، وهو حديث صحيح.

(6)

في المخطوط (ب): (التعجيب).

(7)

(3/ 60).

ص: 128

وقوله: (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، هذه الصيغة فيها خلاف مذكور في الأصول وعلم الاصطلاح، هل لها حكم الرفع وهل تشعر باطلاع النبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، فليطلب من موضعه

(1)

.

33/ 450 - (وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا بِلالُ أجْعَلْ بَينَ أذَانِكَ وإقَامَتِكَ نَفَسًا يَفْرُغُ الآكِلُ مِنْ طَعَامِهِ فِي مَهَلٍ وَيَقْضِي المُتَوَضِّئُ حَاجَتَهُ فِي مَهَلٍ"، رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ فِي المُسْنَدِ

(3)

. [ضعيف]

الحديث من رواية أبي الجوزاء عن أبي بن كعب ولم يسمع منه.

و [قد]

(4)

أخرج نحوه الترمذي

(5)

من حديث جابر بزيادة:

(1)

إن مرسل الصحابي حجة عند الجمهور، لأنه لا يروي غالبًا إلا عن صحابي، والصحابة عدول بإجماع المسلمين، فلا يهمّنا البحث عن حال الساقط إذا علمنا كونه صحابيًا.

قال الإمام النووي في "شرح المهذب"(1/ 62) ط. دار الفكر: "أما مرسل الصحابي كإخباره عن شيء فعله النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو نحوه مما نعلم أنه لم يحضره، لصغر سنّه، أو لتأخّر إسلامه، أو غير ذلك، فالمذهب الصحيح المشهور الذي قطع به جمهور أصحابنا وجماهير أهل العلم أنه حجة، وأطبق المحدثون المشترطون للصحيح القائلون بأنّ المرسل ليس بحجّة على الاحتجاج به، وإدخاله في الصحيح. وفي صحيح البخاري ومسلم من هذا ما لا يحصى

".

وانظر: مزيدًا من البيان في: "التبصرة والتذكرة"(1/ 156)، و"فتح المغيث"(1/ 134)، و"فتح الباقي على ألفية العراقي"(1/ 156 - 157).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

(5/ 143) بسند ضعيف، للانقطاع بين أبي الجوزاء - وهو أوس بن عبد الله الربعي البصري: ثقة. "التقريب (1/ 86) "- وأبيّ بن كعب.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 4) وقال: "رواه عبد الله بن أحمد في زياداته من رواية أبي الجوزاء عن أبي، وأبو الجوزاء لم يسمع من أبي".

وخلاصة القول أن الحديث ضعيف

(4)

زيادة من المخطوط (أ).

(5)

في "سننه" رقم (195).

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: "يا بلال، إذا أذَّنتَ فترسَّلْ في آذانك، وإذا أقمت فاحدُر، واجعل بين أذانك وإقامتك قَدْرَ ما يفرغُ الآكِلُ من أكلِهِ، والشارِبُ من شربِهِ. والمُعْتَصِرُ إذا دخل لقضاء حاجته، ولا تقوموا حتى تروني".

قال أبو عيسى: "حديث جابر هذا حديثٌ لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث عبد المنعم، وهو إسناد مجهولٌ، وعبد المنعم شيخ بصري". =

ص: 129

"والمعتصر

(1)

إذا دخل لقضاء الحاجة"، قال الترمذي

(2)

: "لا نعرفه إلّا من حديث عبد المنعم وإسناده مجهول"

(3)

، انتهى. وفي إسناده ضعيفان يرويه أحدهما عن الآخر، فأوّلهما عبد المنعم بن نعيم، قال البخاري

(4)

وأبو حاتم

(5)

وابن حبان

(6)

: منكر الحديث، وقال النسائي

(7)

: ليس بثقة. وثانيهما يحيى بن مسلم وهو البكاء، بصري لم يرضه يحيى بن سعيد. وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال أبو حاتم

(8)

: شيخ، وقال يحيى بن معين: ليس [بذلك]

(9)

. وقال أحمد

(10)

: ليس بثقة، وقال النسائي

(11)

: متروك وفيه كلام طويل.

وله شاهد من حديث أبي هريرة وسلمان أخرجهما أبو الشيخ وكلّها واهية، قال الحاكم

(12)

: ليس في إسناده مطعون غير عمرو بن فائد.

قال الحافظ

(13)

: لم يقع إلّا في روايته هو، ولم يقع في رواية الباقين لكن فيه عبد المنعم صاحب السقاء

(14)

وهو كاف في تضعيف الحديث، انتهى.

والحديث يدلّ على مشروعية الفصل بين الأذان والإقامة وكراهة الموالاة

= وقال المحدث الألباني: "ضعيف جدًّا، لكن قوله: "ولا تقوموا صحيح". انظر: "إرواء الغليل" رقم (228).

(1)

قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي"(1/ 588): "والمعتصر: هو من يؤذيه بول أو غائط، أي يفرغ الذي يحتاج إلى الغائط، ويعصر بطنه وفرجه، كذا في "المجمع" و "المرقاة"" اهـ.

(2)

في "سننه"(1/ 374).

(3)

تعقب المحدث الألباني في "الإرواء"(1/ 244) الترمذي فقال: "قلت: ولا أدري ما وجه حكم الترمذي عليه بالجهالة، مع أنه إسناد معروف ولكن بالضعف، والضعف الشديد

".

(4)

في "التاريخ الكبير"(6/ 137).

(5)

في "الجرح والتعديل"(6/ 67).

(6)

في "المجروحين"(2/ 157 - 158).

(7)

ذكره الذهبي في "الميزان"(2/ 669 رقم 5272).

(8)

في "الجرح والتعديل"(9/ 186).

(9)

في المخطوط (ب): (بذاك).

(10)

انظر: "الميزان"(4/ 408)، و"لسان الميزان"(7/ 437)، و"المجروحين"(3/ 109).

(11)

في "الضعفاء والمتروكين" رقم (667).

(12)

في "المستدرك"(1/ 204).

(13)

في "التلخيص"(1/ 200).

(14)

عبد المنعم بن نُعَيْم، أبو سعيد، بصري، رياحي، صاحب السقاء: متروك، من الثامنة "التقريب" رقم (4234) والضعفاء والمتروكون للدارقطني رقم (360)، والميزان (2/ 669) والمجروحين (2/ 157) والجرح والتعديل (3/ 1/ 67) والتاريخ الكبير (3/ 2/ 137).

ص: 130

بينهما لما في ذلك من تفويت صلاة الجماعة على كثير من المريدين لها؛ لأن من كان على طعامه أو غير متوضئ حال النداء إذا استمرّ على أكل الطعام أو توضأ للصلاة فاتته الجماعة أو بعضها بسبب التعجيل وعدم الفصل لاسيما إذا كان مسكنه بعيدًا من مسجد الجماعة، فالتراخي بالإقامة نوع من المعاونة على البرّ والتقوى المندوب إليها.

قال المصنف

(1)

رحمه الله تعالى: وكل هذه الأخبار تدلّ على أن للمغرب وقتين وأن السنّة أن يفصل بين أذانها وإقامتها بقدر ركعتين، انتهى.

وقد تقدم الكلام على وقت المغرب وأمّا أن الفصل مقدار ركعتين فلم يثبت. وقد ترجم البخاري

(2)

باب كم بين الأذان والإقامة، ولكن لما كان التقدير لم يثبت لم يذكر الحديث، قال ابن بطال

(3)

: لا حدّ لذلك غير تمكّن دخول الوقت واجتماع المصلّين.

[الباب التاسع] باب في أن تسميتها بالمغرب أولى من تسميتها بالعشاء

34/ 451 - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المُغَفَّلِ [رضي الله عنه]

(4)

أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الأعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاِتكُمْ المَغْرِبِ"، قالَ: وَالأعْرَابُ تَقُولُ: هِيَ العِشَاءُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(5)

. [صحيح]

قوله: (والأعراب تقول هي العشاء)؛ لأن العشاء لغة أول ظلام الليل والمعنى النهي عن تسمية المغرب بالعشاء كما تفعل الأعراب، فإذا وقعت الموافقة لهم فقد غلبتهم الأعراب عليها إذ من رجع إليه خصمه فقد غلبه.

(1)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 221).

(2)

في "صحيحه" رقم الباب (14)(1/ 106 - فتح الباري).

(3)

في "شرحه لصحيح البخاري"(2/ 252).

(4)

زيادة من (ص).

(5)

أحمد في "المسند"(5/ 55)، والبخاري رقم (563)، ولم يخرجه مسلم.

قلت: بل أخرجه مسلم رقم (644) من حديث عبد الله بن عمر.

ص: 131

وقد اختلف في علّة النهي عن ذلك، فقيل: هي خوف التباس المغرب بالعشاء، وقيل: العلّة الجامعة أن تسميتها بالعشاء مخالفة لإذن الله [تعالى]

(1)

، فإنه سمّى الأولى المغرب والثانية العشاء الآخرة، وقيل غير ذلك، والله أعلم.

[الباب العاشر] باب وقت صلاة العشاء وفضل تأخيرها مع مراعاة حال الجماعة وبقاء وقتها المختار إلى نصف الليل

35/ 452 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما] (1) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الشَّفَقُ الحُمْرَةُ فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)

(2)

. [ضعيف]

الحديث [قال الدارقطني في الغرائب: هو غريب وكل رواته ثقات، وقد]

(3)

رواه أيضًا ابن عساكر والبيهقي

(4)

وصحَّح وقفه، وقد ذكره الحاكم في المدخل

(5)

وجعله مثالًا لما رفعه المخرجون من الموقوفات.

وقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه

(6)

عن عبد الله بن عمر مرفوعًا: "ووقت صلاة المغرب إلى أن أيذهب]

(7)

حمرة الشفق"، قال ابن خزيمة

(8)

: إن صحت هذه اللفظة أغنت عن جميع الروايات، لكن تفرّد بها محمد بن يزيد.

قال الحافظ

(9)

: محمد بن يزيد صدوق. قال البيهقي

(10)

: روي هذا الحديث عن عمر

(11)

، وعليّ، وابن عباس

(12)

، وعبادة بن الصامت

(13)

، وشداد بن

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "سننه"(1/ 269 رقم 3، 4).

(3)

زيادة من (أ) و (ب).

(4)

في "السنن الكبرى"(1/ 373).

(5)

كما في "التلخيص"(1/ 176).

(6)

في "صحيحه"(1/ 182 - 183 رقم 354).

(7)

في (جـ): (تذهب).

(8)

في "صحيحه" رقم (183).

(9)

في "التلخيص الحبير"(1/ 176).

(10)

في "معرفة السنن والآثار"(2/ 205 رقم 2393).

(11)

قال البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 373): "وروينا عن عمر وعلي

أنهم قالوا: الشفق: الحمرة".

(12)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 373).

(13)

أخرجه الدارقطني في "السنن"(1/ 269 رقم 1)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 373) =

ص: 132

أوس (10)، وأبي هريرة

(1)

، ولا يصح فيه شيء.

قال المصنف

(2)

رحمه الله: وهو يدلّ على وجوب الصلاة بأوّل الوقت، انتهى. وفي ذلك خلاف في الأصول مشهور.

والحديث يدلّ على صحة قول من قال: "إن الشفق الحمرة"، وهم ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وعبادة من الصحابة

(3)

. والقاسم والهادي والمؤيد بالله وأبو طالب وزيد بن علي والناصر من أهل البيت

(4)

. والشافعي وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد من الفقهاء

(5)

، والخليل والفراء من أئمّة اللغة

(6)

.

قال في القاموس

(7)

: الشفق: الحمرة، ولم يذكر الأبيض.

وقال أبو حنيفة والأوزاعي والمزني

(8)

، وبه قال الباقر: بل هو الأبيض،

= عن عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، قالا: الشفق شفقان: الحمرة والبياض، فإذا غابت الحمرة حلّت الصلاة، والفجر فجران: المستطيل والمعترض، فإذا انصدع المعترض حلّت الصلاة.

(1)

أخرجه الدارقطني في "السنن"(1/ 269) رقم (2).

عن أبي هريرة قال: الشفق الحمرة.

(2)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 222).

(3)

قال النووي في "المجموع"(3/ 44): "

واختلفوا في الشفق، فمذهبنا - الشافعية - أنه الحمرة، ونقله صاحب التهذيب عن أكثر أهل العلم.

ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" عن عمر بن الخطّاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وعبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، رضي الله عنهم".

(4)

انظر: "البحر الزخار"(1/ 155).

(5)

وقال النووي في "المجموع"(3/ 44 - 45): "

وحكاه ابن المنذر عن ابن أبي ليلى ومالك والثوري وأحمد وإسحاق، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وهو قول أبي ثور وداود".

(6)

انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (8/ 332 - 333) -

(7)

"القاموس المحيط"(ص 1159).

(8)

قال العيني في "البناية"(2/ 30): "الشفق هو البياض الذي في الأفق بعد الحمرة عند أبي حنيفة رحمه الله وهو قول أبي بكر الصديق، وأنس، ومعاذ بن جبل، وعائشة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - ورواية ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما وبه قال عمر بن عبد العزيز، والأوزاعي، وزفر، والمزني، وابن المنذر، والخطابي، واختاره المبرد وثعلب رضي الله عنهم".

ص: 133

واحتجّوا بقوله تعالى: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}

(1)

، ولا غسق قبل ذهاب البياض، وردّ بأن ذلك ليس بمانع كالنجوم.

وقال أحمد بن حنبل

(2)

: الأحمر في الصحارى والأبيض في البنيان، وذلك قول لا دليل عليه، ومن حجج الأوّلين ما روي عنه صلى الله عليه وسلم:"أنه صلّى العشاء لسقوط القمر لثالثة الشهر"، أخرجه أحمد

(3)

وأبو داود

(4)

والترمذي

(5)

والنسائي

(6)

[من حديث النعمان بن بشير]

(7)

.

قال ابن العربي

(8)

: وهو صحيح وصلّى قبل غيبوبة الشفق.

قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي

(9)

: وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول، وهو الذي حدّ عليه [الصلاة] والسلام خروج أكثر الوقت به فصحّ يقينًا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين، فقد ثبت بالنصّ أنه داخل قبل مغيب الشفق الذي هو البياض، فتبيّن بذلك يقينًا أن الوقت دخل بالشفق الذي هو الحمرة، انتهى.

وابتداء وقت العشاء مغيب الشفق إجماعًا لما تقدم في حديث جبريل

(10)

وفي حديث التعليم

(11)

، وهذا الحديث وغير ذلك، وأما آخره فسيأتي الخلاف فيه.

36/ 453 - (وَعَنْ عَائِشَةَ [رضي الله تعالى عنها]

(12)

قالَتْ: أعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً بِالْعَتْمَةِ فَنَادَى عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ والصِّبْيَانُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا يَنْتَظِرُهَا غَيْرُكُمْ"، ولَمْ تُصَلَّ يَوْمَئِذٍ إلَّا بِالمَدِينَةِ ثُمَّ قَالَ:"صَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ أنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيلِ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ)

(13)

. [صحيح]

(1)

سورة الإسراء، الآية (78).

(2)

انظر: "المغني"(2/ 25 - 26).

(3)

في "المسند"(4/ 270، 272، 274).

(4)

في "سننه" رقم (419).

(5)

في "سننه" رقم (165).

(6)

في "سننه"(1/ 264 رقم 529)، وهو حديث صحيح.

(7)

زيادة من المخطوط (ب).

(8)

في "عارضة الأحوذي"(1/ 277).

(9)

لا يزال الكتاب وتكملته للعراقي مخطوطًا، ولم يطبع منه إلّا جزء يسير من الطهارة.

(10)

تقدم تخريجه رقم (1/ 418) من كتابنا هذا.

(11)

تقدم تخريجه رقم (2/ 419) من كتابنا هذا.

(12)

زيادة من (جـ).

(13)

في "سننه"(1/ 239 رقم 482)، وهو حديث صحيح.

ص: 134

[الحديث رجال إسناده في سنن النسائي رجال الصحيح إلا شيخ النسائي عمرو بن عثمان وهو صدوق]

(1)

.

والحديث متفق عليه

(2)

من حديثها بنحو هذا اللفظ.

وفي الباب عن زيد بن خالد أشار إليه الترمذي

(3)

.

وعن ابن عمر عند مسلم

(4)

.

وعن معاذ عند أبي داود

(5)

.

وعن أبي بكرة رواه الخلال من حديث عبد الله بن أحمد عن أبيه

(6)

.

(1)

زيادة من (أ) و (ب).

(2)

البخاري رقم (569)، ومسلم رقم (638).

(3)

في "السنن"(1/ 312).

قلت: أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 114)، والترمذي في "السنن" رقم (23)، وأبو داود رقم (47)، والطبراني في "الكبير" (ج 5/ رقم 5223 و 5224):

عن زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشقّ" - وقال محمد - "لولا أن يُشق على أمّتي؛ لأخّرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل، ولأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، وهو حديث صحيح.

(4)

في "صحيحه" رقم (220/ 639):

عن ابن عمر قال: مكثنا ذات ليلةٍ ننتظِرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاةِ العشاءِ الآخِرَةِ، فخرج إلينا حين ذهبَ ثلثُ الليلِ أو بعدَهُ، فلا ندري أشيءٌ شغلَهُ في أهلِهِ أو غيرُ ذلك، فقال حينَ خرجَ:"إنكم لتنتظرونَ صلاةً ما ينتظرها أهلُ دينٍ غيرُكم. ولولا أن يثقُلَ على أمّتي لصلّيتُ بهم هذه الساعة"، ثم أمر المؤذّنُ فأقام الصلاة وصَلّى.

(5)

في "سننه" رقم (421).

عن معاذ بن جبل قال: أبقينا النبيّ صلى الله عليه وسلم في صلاة العَتَمَة فأخَّر حتى ظنَّ الظَّانّ أنه ليس بخارج، والقائل منّا يقول: صلّى، فإنّا كذلك حتى خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا له كما قالوا، فقال لهم:"اعتموا بهذه الصلاة، فإنكم قد فضِّلتم بها على سائر الأمم، ولم تصلِّها أمّة قبلكم"، وهو حديث صحيح.

وأخرجه أحمد (5/ 237)، والبيهقي (1/ 451)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 331).

(6)

(5/ 47) بسند ضعيف.

عن أبي بكرة، قال: أخّر رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء تسع ليال - قال أبو داود: ثمان ليال - إلى ثلث الليل، فقال أبو بكر: يا رسول الله، لو أنك عجّلت لكان أمثل لقيامنا من الليل، قال: فعجّل بعد ذلك.

قال أبي: وثنا عبد الصمد، فقال في حديثه: سبع ليال. وقال عفان: تسع ليال. =

ص: 135

وعن عليّ رضي الله عنه عند البزار

(1)

.

وعن أبي سعيد

(2)

، وعائشة

(3)

، وأنس

(4)

، وأبي هريرة

(5)

، وجابر بن سمرة

(6)

، وجابر بن عبد الله

(7)

[رضي الله تعالى عنهم]

(8)

وسيأتي.

قوله: (أعتم)، أي دخل في العتمة، ومعناها أخّرها. والعتمة لغة: حَلْبٌ بعد هُوِيٍّ من الليل بعدًا من الصعاليك. والمراد بها هنا صلاة العشاء، وإنما سمّيت بذلك لوقوعها في ذلك الوقت. وفي القاموس

(9)

: "والعتمةُ مُحرَّكَةً: ثلثُ الليلِ الأوَّلُ بعد غيبوبةِ الشفقِ، أو وقتُ صلاةِ العشاء الآخرة" اهـ.

وهذا الحديث يدلّ على استحباب تأخير صلاة العشاء عن أوّل وقتها.

وقد اختلف العلماء هل الأفضل تقديمها أم تأخيرها، وهما مذهبان مشهوران للسلف وقولان لمالك والشافعي. فذهب فريق إلى تفضيل التأخير محتجًّا بهذه الأحاديث المذكورة في هذا الباب وذهب فريق آخر إلى

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 314)، وعزاه للطبراني في "الكبير" أيضًا وقال:"وفيه علي بن زيد، وهو مختلف في الاحتجاج به".

قلت: بل هو ضعيف.

(1)

في "البحر الزخار" المعروف بـ"مسند البزار"(2/ 121 رقم 477 و 478) عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخّرت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل، فإنه إذا مضى ثلث الليل الأول هبط الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فلم يزل هنالك حتى يطلع الفجر يقول: ألا سائل فيعطى، ألا داعٍ يجاب، ألا مستشفع فيشفع، ألا تائب مستغفر فيغفر له".

وأخرجه أحمد في "المسند"(1/ 120).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 97) وقال: "ورجاله ثقات، ولكنه في المسند عن ابن إسحاق عن عبيد الله بن أبي رافع معنعن" اهـ.

(2)

وهو حديث صحيح سيأتي برقم (43/ 460) من كتابنا هذا.

(3)

وهو حديث صحيح سيأتي برقم (38/ 455) من كتابنا هذا.

(4)

وهو حديث صحيح سيأتي برقم (42/ 459) من كتابنا هذا.

(5)

وهو حديث صحيح سيأتي برقم (39/ 456) من كتابنا هذا.

(6)

وهو حديث صحيح سيأتي برقم (37/ 454) من كتابنا هذا.

(7)

وهو حديث صحيح سيأتي برقم (40/ 457) من كتابنا هذا.

(8)

زيادة من (جـ).

(9)

"القاموس المحيط"(ص 1465).

ص: 136

تفضيل التقديم محتجًّا بأن العادة الغالبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي التقديم، وإنما أخّرها في أوقات يسيرة لبيان الجواز والشغل والعذر، ولو كان تأخيرها أفضل لواظب عليه وإن كان فيه مشقة.

وردّ بأن هذا إنما يتم لو لم يكن منه صلى الله عليه وسلم إلّا مجرد الفعل لها في ذلك الوقت، وهو ممنوع لورود الأقوال كما في حديث ابن عباس وأبي هريرة وعائشة وغير ذلك، وفيها تنبيه على أفضلية التأخير وعلى أن ترك المواظبة عليه لما فيه من المشقة كما صرّحت بذلك الأحاديث، وأفعاله صلى الله عليه وسلم لا تعارض هذه الأقوال. وأمّا ما ورد من أفضلية أول الوقت على العموم، فأحاديث هذا الباب خاصّة، فيجب بناؤه عليها، وهذا لا بدّ منه.

[و]

(1)

[قوله: (ولم تصل يومئذ إلا بالمدينة)، أي لم تصل بالهيئة المخصوصة وهي الجماعة إلا بالمدينة، ذكر معناه في الفتح

(2)

]

(3)

.

قوله: (فيما بين أن يغيب الشفق) إلخ، قد تقدم أن تحديد أوّل وقت العشاء بغيبوبة الشفق أمر مجمع عليه، وإنما وقع الخلاف هل هو الأحمر أو الأبيض، وقد سلف ما هو الحق.

37/ 454 - (وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(4)

قالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُؤَخِّرُ العِشَاءَ الآخِرَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(5)

، وَمُسْلِمٌ

(6)

، وَالنَّسَائِيُّ)

(7)

. [صحيح]

38/ 455 - (وَعَنْ عَائِشَةَ [رضي الله تعالى عنها] (4) قالَتْ: كَانُوا يُصَلُّونَ العَتْمَةَ فِيمَا بَيْنَ أنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأوَّلِ. أخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ

(8)

. [صحيح]

39/ 456 - (وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه] (4) قالَ: قالَ

(1)

زيادة من المخطوط (ب).

(2)

(2/ 50).

(3)

زيادة من (أ) و (ب).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في "المسند"(5/ 89، 94، 95).

(6)

في "صحيحه" رقم (643).

(7)

في "سننه" رقم (1/ 226)، وهو حديث صحيح.

(8)

في "صحيحه" رقم (569)، وهو حديث صحيح.

ص: 137

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلَا أنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أنْ يُؤَخِّرُوا العِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أوْ نِصْفِهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

وَابْنُ مَاجَهْ

(2)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)

(3)

. [صحيح]

الحديث الأول يدلّ على استحباب مطلق التأخير للعشاء وجواز وصفها بالآخرة وأنه لا كراهة في ذلك، وقد حكي عن الأصمعي

(4)

الكراهة.

والحديث الثاني يدلّ على استحباب تأخيرها أيضًا وامتداد وقتها إلى ثلث الليل.

والحديث الثالث فيه التصريح بأن ترك التأخير إنما هو للمشقة، وقد تقدم الكلام في ذلك، وفيه بيان امتداد الوقت إلى ثلث الليل أو نصفه.

وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فذهب عمر بن الخطاب

(5)

والقاسم والهادي

(6)

والشافعي

(7)

وعمر بن عبد العزيز

(8)

إلى أن آخر وقت العشاء ثلث الليل، واحتجّوا بحديث جبريل

(9)

وحديث أبي موسى

(10)

في التعليم وقد تقدّما، وفي قول للشافعي أن آخر وقتها نصف الليل، واحتجّ بما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو

(11)

، في باب أوّل وقت العصر وفيه: ووقت صلاة العشاء إلى

(1)

في "المسند"(2/ 245).

(2)

في "السنن" رقم (691).

(3)

في "السنن" رقم (167)، وهو حديث صحيح.

(4)

الأصمعي: هو عبد الملك بن قُريب بن علي بن أصمع الباهلي، أبو سعيد، أحد أئمّة العلم باللغة والشِّعر والبلدان. مولده ووفاته بالبصرة (128 هـ - 216 هـ).

انظر: "بغية الوعاة"(2/ 112 - 113).

(5)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (2108 و 2109)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 330) عن عروة قال: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى رضي الله عنه: "أن صلّوا صلاة العشاء فيما بينكم وبين ثلث الليل، فإن أخّرتم فإلى شطر الليل، ولا تكونوا من الغافلين".

(6)

"البحر الزخار"(1/ 157).

(7)

في "الأم"(2/ 32 - 33).

(8)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (2110) عن جعفر بن برقان، قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أن صلّوا صلاة العشاء إذا ذهب بياض الأفق فيما بينكم وبين ثلث الليل، وما عجلتم بعد ذهاب الأفق فهو أفضل.

(9)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه برقم (1/ 418) من كتابنا هذا.

(10)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه برقم (10/ 427) من كتابنا هذا.

(11)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه برقم (8/ 425) من كتابنا هذا.

ص: 138

نصف الليل، وبحديث أبي هريرة المذكور هنا

(1)

، وبحديث عائشة

(2)

وأنس

(3)

وأبي سعيد

(4)

وستأتي، وغير ذلك.

وهذه الأحاديث المصير إليها متعيّن لوجوه:

(الأول): لاشتمالها على الزيادة وهي مقبولة.

(الثاني): اشتمالها على الأقوال والأفعال، وتلك أفعال فقط، وهي لا تتعارض ولا تعارض الأقوال.

(والثالث): كثرة طرقها.

(والرابع): كونها في الصحيحين، فالحق أن آخر وقت اختيار العشاء نصف الليل، وما أجاب به صاحب البحر

(5)

من أن النصف مجمل فصَّله خبر جبريل فليس على ما ينبغي، وأمّا وقت الجواز والاضطرار فهو ممتدّ إلى الفجر لحديث أبي قتادة عند مسلم

(6)

، وفيه:"ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقتُ الصلاة الأخرى"، فإنه ظاهر في امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الصلاة الأخرى إلا صلاة الفجر، فإنها مخصوصة من هذا العموم بالإجماع.

وأمَّا حديث عائشة

(7)

الآتي بلفظ: "حتى ذهب عامة الليل"، فهو وإن كان فيه إشعار بامتداد وقت اختيار العشاء إلى بعد نصف الليل، ولكنه مؤوّل لما سيأتي.

40/ 457 - (وَعَنْ جَابِرٍ [رضي الله تعالى عنه]

(8)

قالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

(1)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه برقم (39/ 456) من كتابنا هذا.

(2)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه برقم (41/ 458) من كتابنا هذا.

(3)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه برقم (42/ 459) من كتابنا هذا.

(4)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه برقم (43/ 460) من كتابنا هذا.

(5)

(1/ 157).

(6)

في صحيحه رقم (681).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (441)، والترمذي رقم (177)، والنسائي (1/ 294)، وهو حديث صحيح.

(7)

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه برقم (41/ 458) من كتابنا هذا.

(8)

زيادة من (جـ).

ص: 139

يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ والشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إذَا وَجَبَتِ الشَّمْسُ، والعِشاءَ أحْيَانًا يُؤَخِّرُهَا وَأحْيَانًا يُعَجِّلُ إذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وإذَا رَآهُمْ أبْطَئُوا أخَّرَ، وَالصُّبْحَ كانُوا أوْ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلّيهَا بِغَلَسٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (بالهاجرة) هي شدّة الحر نصف النهار عقب الزوال، سمّيت بذلك من الهجر وهو الترك؛ لأن الناس يتركون التصرّف حينئذ لشدّة الحر ويقيلون، وقد تقدم تفسيرها بنحو من هذا.

قوله: (والشمس نقية)، أي صافية لم تدخلها صفرة.

قوله: (إذا وجبت) أي غابت، والوجوب: السقوط كما سبق.

قوله: (إذا رآهم اجتمعوا)(1) فيه مشروعية ملاحظة أحوال المؤتمّين والمبادرة بالصلاة مع اجتماع المصلّين لأن انتظارهم بعد الاجتماع ربما كان سببًا لتأذّي بعضهم، وأمّا الانتظار قبل الاجتماع فلا بأس به لهذا الحديث؛ ولأنه من باب المعاونة على البرّ والتقوى.

قوله: (بغلس)، الغَلَسُ محركةً: ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيلِ، قاله في القاموس

(2)

.

والحديث يدلّ على استحباب تأخير صلاة العشاء، لكن مقيدًا بعدم اجتماع المصلّين.

41/ 458 - (وَعَنْ عَائِشَةَ [رضي الله تعالى عنها]

(3)

قالَتْ: أعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عامَّةُ اللَّيْلِ حَتَّى نَامَ أهْلُ المَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فقالَ:"إنَّهُ لوَقْتُهَا، لَوْلَا أَنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي". رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(4)

وَالنَّسَائِيُّ)

(5)

. [صحيح]

قوله: (أعتم) قد تقدم الكلام عليه.

(1)

أخرجه أحمد (3/ 369)، والبخاري رقم (560)، ومسلم رقم (646).

(2)

"القاموس المحيط"(ص 723).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في "صحيحه" رقم (638).

(5)

في "سننه"(1/ 267).

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 150)، والبيهقي (1/ 376، 450)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (2114)، وهو حديث صحيح.

ص: 140

قوله: (حتى ذهب عامّة الليل)، قال النووي

(1)

: التأخير المذكور في الأحاديث كله تأخير لم يخرج به عن وقت الاختيار وهو نصف الليل أو ثلث الليل على الخلاف المشهور، والمراد بعامّة الليل كثير منه، وليس المراد أكثره، ولا بدّ من هذا التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنه لوقتها"، ولا يجوز أن المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل؛ لأنه لم يقل أحد من العلماء: إن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل، انتهى.

قوله: (لولا أن أشقّ على أمّتي) فيه تصريح بما قدمنا من أن ترك التأخير إنما هو للمشقّة.

والحديث يدل على مشروعية تأخير صلاة العشاء إلى آخر وقت اختيارها، وقد تقدم الكلام على ذلك.

42/ 459 - (وَعَنْ أنَسٍ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: أخَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ العِشاءِ إلى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قالَ:"قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا أمَا إنَّكُمْ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا"، قالَ أنَسٌ: كَأنّي أنْظُرُ إلى وَبِيصِ خَاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (قد صلّى الناس)، أي المعهودون ممن صلّى من المسلمين إذ ذاك.

قوله: (وبيص خاتمه) هو بالباء الموحدة والصاد المهملة: البريق. والخاتم بكسر التاء وفتحها، ويقال أيضًا خاتام وخيتام أربع لغات، قاله النووي

(4)

.

والحديث يدلّ على مشروعيّة تأخير صلاة العشاء والتعليل بقوله: أما إنكم

إلخ، يشعر بأن التأخير لذلك، قال الخطابي وغيره: إنما استحبّ تأخيرها لتطول مدة الانتظار للصلاة، ومنتظر الصلاة في صلاة.

43/ 460 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ [رضي الله تعالى عنه] (2) قالَ: انْتَظَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً لِصَلَاةِ العِشاءِ حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ، قالَ: فجَاءَ فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ قالَ: "خُذُوا مَقَاعِدَكُمْ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 137 - 138).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أحمد في المسند (3/ 182، 189، 200)، والبخاري رقم (572)، ومسلم رقم (640).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 139).

ص: 141

صَلَاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا، وَلَوْلَا ضَعْف الضَّعِيفِ، وَسُقْمُ السَّقِيمِ، وحَاجَةُ ذِي الحَاجَةِ، لأَخَّرْتُ هذ الصَّلَاةَ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَأَبُو داوُدَ)

(2)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه

(3)

من حديثه، والنسائي

(4)

، [وابن خزيمة

(5)

، وغيرهم]

(6)

وإسناده صحيح.

قوله: (ليلة) فيه إشعار بأنه لم يكن يواظب على ذلك.

قوله: (شطر الليل) الشطر: نصف الشيء وجزؤه، ومنه حديث الإسراء:"فوضع شطرها"، أي بعضها، قاله في القاموس

(7)

.

قوله: (ولولا ضعف الضعيف) هذا تصريح بأفضلية التأخير لولا ضعف الضعيف، وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة.

والحديث من حجج من قال بأن التأخير أفضل وقد تقدم الخلاف في ذلك.

قال المصنف

(8)

رحمه الله [تعالى]

(9)

: قلت: قد ثبت تأخيرها إلى شطر الليل عنه عليه السلام [قولًا وفعلًا]

(10)

[منه]

(11)

، وهو مثبت زيادة على أخبار ثلث الليل والأخذ بالزيادة أولى، انتهى. وهذا صحيح وقد أسلفنا ذكره.

[الباب الحادي عشر] باب كراهية النوم قبلها والسمر بعدها إلا في مصلحة

44/ 461 - (عَنْ أبِي بَرْزَةَ الأسْلَمِيِّ [رضي الله تعالى عنه] (9) أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَسْتَحِبُّ أنْ يُؤَخِّرَ العِشَاءَ الّتي يَدْعُونَهَا العَتَمَةَ، وَكانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا.

(1)

في "المسند"(3/ 5).

(2)

في "سننه" رقم (422).

(3)

في "سننه" رقم (693).

(4)

في "سننه"(1/ 268).

(5)

في "صحيحه"(1/ 177 رقم 345)، وهو حديث صحيح.

(6)

زيادة من (أ) و (ب).

(7)

"القاموس المحيط"(ص 533).

(8)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 224).

(9)

زيادة من (جـ).

(10)

في (ب): [فعلًا وقولًا].

(11)

زيادة من (ب).

ص: 142

وَالْحَدِيَثَ بَعْدَهَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ)

(1)

. [صحيح]

وفي الباب عن عائشة عند ابن حبان

(2)

.

وعن أنس أشار إليه الترمذي

(3)

.

وعن ابن عباس رواه القاضي أبو الطاهر الذهلي

(4)

.

وعن ابن مسعود، وسيأتي

(5)

.

قال الترمذي

(6)

: وقد كَرِهَ أكثرُ أهل العلم النومَ قبلَ صلاة العشاء، ورخَّصَ في ذلك بعضهم، وقال ابن المبارك

(7)

: "أكثرُ الأحاديث على الكراهة ورخَّصَ بعضهم في النوم قبلَ صلاة العشاء في رمضان".

قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي: وقد كرهه جماعة وأغلظوا فيه منهم ابن عمر وعمر وابن عباس، وإليه ذهب مالك ورخّص فيه بعضهم منهم علي وأبو موسى وهو مذهب الكوفيين، وشرط بعضهم أن يجعل معه من يوقظه لصلاتها،

(1)

أخرجه أحمد (4/ 421)، والبخاري رقم (547)، ومسلم رقم (647)، وأبو داود رقم (398)، والنسائي (1/ 246)، والترمذي رقم (168) وقال: حديث أبي برزة حديث حسن صحيح، وابن ماجه رقم (701).

(2)

في "صحيحه" رقم (1535) بسند صحيح.

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 199، 215، 272)، والبخاري رقم (566 و 569 و 862 و 864)، ومسلم رقم (638)، والنسائي (1/ 239) و (1/ 267)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 374)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (375) من طرق، وهو حديث صحيح.

(3)

في "السنن"(1/ 314).

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 182، 189، 200، 267)، والبخاري رقم (572 و 661 و 847 و 5869)، ومسلم رقم (640)، والنسائي (1/ 268)، والبغوي رقم (376) من طرق، وهو حديث صحيح.

(4)

أبو طاهر الذهلي: هو محمد بن أحمد بن نصر الذُّهلي، أبو طاهر، فقيه مالكي محدِّث (280 هـ - 367 هـ).

(5)

برقم (45/ 462) من كتابنا هذا.

(6)

في "سننه"(1/ 314).

(7)

عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء، التميمي المروزي الحافظ المجاهد، أبو عبد الرحمن، جمع بين الحديث والفقه والعربية، وقضى حياته في الأسفار حاجًّا ومجاهدًا وتاجرًا، وكان شجاعًا سخيًّا، (118 هـ - 181 هـ).

ص: 143

وروي عن ابن عمر مثله وإليه ذهب الطحاوي

(1)

. وقال ابن العربي

(2)

: إن ذلك جائز لمن علم من نفسه اليقظة قبل خروج الوقت بعادة، أو يكون معه من يوقظه، والعلّة في الكراهة قبلها لئلا يذهب النوم بصاحبه ويستغرقه فتفوته، أو يفوته فضل وقتها المستحب، أو يترخّص في ذلك الناس، فيناموا عن إقامة جماعتها.

احتجّ من قال بالكراهة بحديث الباب وما بعده.

واحتجّ من قال بالجواز بدون كراهة بما أخرجه البخاري وغيره

(3)

من حديث عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتم بالعشاء حتى ناداه عمر نام النساء والصبيان ولم ينكر عليهم"، وبحديث ابن عمر

(4)

: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة فأخّرها حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا

(5)

، ثم رقدنا ثم استيقظنا، ثم خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث، ولم ينكر عليهم.

قال ابن سيد الناس: وما أرى هذا من هذا الباب، ولا نعاسهم في المسجد وهم في انتظار الصلاة من النوم المنهيّ عنه، وإنما هو من السِّنَة التي هي مبادي النوم؛ كما قال:

وَسْنَانُ أقْصَدَهُ النعاسُ فرنَّقَتْ

في جفنهِ سِنَةٌ وليسَ بنائِمِ

(6)

وقد أشار الحافظ في الفتح

(7)

إلى الفرق بين هذا النوم والنوم المنهيّ عنه.

(1)

انظر: "شرح معاني الآثار"(1/ 158 - 159).

(2)

في "عارضة الأحوذي"(1/ 280).

(3)

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه رقم (36/ 453) من كتابنا هذا.

(4)

وهو حديث صحيح.

أخرجه البخاري رقم (570).

(5)

قال الحافظ في "الفتح"(2/ 50 - 51)"قوله: حتى رقدنا في المسجد. استدلّ به من ذهب إلى أن النوم لا ينقض الوضوء، ولا دلالة فيه لاحتمال أن يكون الراقد منهم كان قاعدًا متمكّنًا، أو لاحتمال أن يكون مضطجعًا لكنه توضأ، وإلَّم يُنقل اكتفاء بما عُرف من أنهم لا يصلون على غير وضوء" اهـ.

(6)

• قائل البيت: عدي بن الرِّقاع كما في "لسان العرب".

• وقال "صاحب اللسان" بعد أن ساق البيت: "ففرَّق بين السِّنَة والنوم كما ترى، ووَسِنَ الرجلُ يَوْسَنُ وسَنًا وسِنَة: إذا نام نومة خفيفة" اهـ (13/ 449).

• ورَنَّق النومُ في عينه: خالطها. "اللسان"(10/ 128).

(7)

في "الفتح"(2/ 51).

ص: 144

قوله: (والحديث بعدها) سيأتي الخلاف في ذلك.

45/ 462 - (وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: جَدَبَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّمَرَ بَعْدَ العِشَاءِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه

(2)

، وَقالَ: جَدَبَ: يَعْنِي زَجَرَنَا عَنْهُ، نَهَانَا عَنْهُ). [حسن لغيره]

الحديث رجاله في سنن ابن ماجه رجال الصحيح، وقد أشار إليه الترمذي

(3)

وذكره الحافظ ابن سيد الناس في شرح الترمذي، ولم يتعقبه بما يوجب ضعفًا.

وقد أخرج الإمام أحمد

(4)

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "السنن" رقم (703).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 247): "هذا إسناد رجاله ثقات، ولا أعلم له علّة، إلّا أن عطاء بن السائب اختلط بأخره، ومحمد بن فضيل روى عنه بعد الاختلاط

".

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 279)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1340)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 452) من طريق محمد بن فضيل.

وأحمد في "المسند"(1/ 410) من طريق خالد الواسطي.

وابن خزيمة أيضًا في صحيحه رقم (1340) من طريق جرير.

ثلاثتهم - وهم ممن سمع عطاء بعد اختلاطه - عن عطاء بن السائب، به.

• وللحديث شاهد يرويه إبراهيم بن يوسف: ثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن حبيب بن أبي ثابت عن زياد بن حُدير عن عبد الله به.

أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(4/ 198) من طريقين عنه. وانظر: الصحيحة رقم (2435).

وخلاصة القول: أن حديث ابن مسعود حديث حسن لغيره، والله أعلم.

(3)

في "سننه"(1/ 314).

(4)

في "المسند"(1/ 379) إسناده ضعيف لجهالة راويه عن ابن مسعود.

وسيأتي مرة أخرى رقم (4244) عن خيثمة عمّن سمع ابن مسعود.

وسيأتي رقم (3917)، (4419) عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عبد الله، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: "لم يسمع خيثمة من ابن مسعود.

والحديث في "مجمع الزوائد"" (1/ 314 - 315)، وقال: "رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط.

فأمّا أحمد وأبو يعلى فقالا: عن خيثمة عن رجل عن ابن مسعود.

وقال الطبراني: عن خيثمة عن زياد بن حدير، ورجال الجميع ثقات.

وعند أحمد في رواية: عن خيثمة عن عبد الله بإسقاط الرجل". =

ص: 145

والترمذي

(1)

عن ابن مسعود نحوه من وجه آخر بلفظ: "لا سمر بعد الصلاة"، - يعني العشاء الآخرة - "إلا لأحد رجلين: مصلٍّ أو مسافر".

ورواه الحافظ ضياء الدين المقدسي في الأحكام من حديث عائشة مرفوعًا بلفظ: "لا سمر إلا لثلاثة: مصلٍّ، أو مسافر، أو عروس".

قوله: (جدب) هو بجيم فدال مهملة مفتوحتين فباء، كمنع وزنًا ومعنى، ومنه سنة مجدبة أي ممنوعة الخير.

والحديث يدلّ على كراهة السمر بعد العشاء، وسيأتي الخلاف في ذلك.

46/ 463 - (وَعَنْ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْمُرُ عِنْدَ أبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ كَذلِكَ فِي الأمْرِ مِنْ أمْرِ المُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(3)

والتِّرْمِذِيُّ)

(4)

. [صحيح لغيره]

الحديث حسّنه أيضًا [الترمذي]

(5)

وأخرجه النسائي

(6)

ورجاله رجال الصحيح، وإنما قصر به عن التصحيح الانقطاع الذي فيه بين علقمة وعمر

(7)

.

= وزياد بن حدير الأسدي: تابعي ثقة، وثّقه أبو حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات، وترجمه البخاري في الكبير (2/ 1/ 319):"سمع عمر، روى عنه الشعبي".

فالإسناد عند الطبراني من طريقه إسناد صحيح" اهـ. "المسند" شرح أحمد شاكر (5/ 212).

(1)

في "سننه" معلقًا (1/ 319).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في "المسند"(1/ 25).

(4)

في "السنن" رقم (169) وقال: حديث عمر حديث حسن.

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (276 - موارد)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 452)، والنسائي في "الكبرى" رقم (8257)، وللحديث شاهد من رواية كُميل بن زياد عن علي رضي الله عنه بمعناه.

أخرجه الحاكم (3/ 317) وصححه ووافقه الذهبي.

وخلاصة القول: أن حديث عمر حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في "السنن الكبرى" رقم (8257) وقد تقدم.

(7)

ليس في السند انقطاع، وإنما وقع الشوكاني في هذا الوهم لقول الترمذي عن الحديث المذكور: وقد روى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن علقمة عن رجل من جعفيّ، يقال له: قيس أو ابن قيس عن عمر .. إلخ. قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "سنن الترمذي"(1/ 317) تعقيبًا على كلام الترمذي هذا:

"وقد أخطأ الترمذي في هذا في موضعين، أحدهما: أن الحسن بن عبيد الله إنما رواه =

ص: 146

وفي الباب عن عبد الله بن عمر عند البخاري

(1)

ومسلم

(2)

، وقد ذكرنا لفظه في شرح حديث أبي برزة

(3)

.

وعن أوس بن حذيفة أشار إليه الترمذي

(4)

.

وعن ابن عباس وسيأتي

(5)

الحديث.

استدلّ به على عدم كراهة السمر بعد العشاء لحاجة.

قال الترمذي

(6)

: "وقد اختلف أهلُ العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد العشاء فكره قومٌ منهم السمرَ بعد صلاة العشاء، ورخَّصَ بعضُهم إذا كان في مَعْنَى العلم وما لا بُدَّ منه من الحوائج، وأكثرُ الحديث على الرُّخْصَةِ".

وهذا الحديث يدلّ على عدم كراهة السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة دينية عامة أو خاصة، وحديث أبي برزة

(7)

وابن مسعود

(8)

وغيرهما على الكراهة.

وطريقة الجمع [بينهما]

(9)

بأن توجه أحاديث المنع إلى الكلام المباح الذي ليس فيه فائدة تعود على صاحبه، وأحاديث الجواز إلى ما فيه فائدة تعود على

= عن إبراهيم عن علقمة عن القرثع عن قيس أو ابن قيس عن عمر، وثانيهما: أنه لم يذكر في روايته قصة السمر"، ثم ذكر نصّ الرواية وهي من رواية الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده" (1/ 38).

وعلقمة هذا هو علقمة بن قيس تابعي مخضرم مات سنة (62 هـ) على الصحيح، بينما مات عمر بن الخطاب سنة (23 هـ). وقد صرّح الحافظ ابن حجر في الإصابة، وتهذيب التهذيب، أنه روى عن عمر، وعلى هذا فليس في الحديث المذكور انقطاع بين علقمة وعمر.

وقال الحافظ في "التقريب"(2/ 31) علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي ثقة ثبت فقيه عابد من الثانية مات بعد الستين، وقيل بعد السبعين/ ع.

(1)

في "صحيحه" رقم (570).

(2)

في صحيحه رقم (639).

(3)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه رقم (44/ 461) من كتابنا هذا.

(4)

في "سننه" رقم (1/ 315).

قلت: وأخرجه أحمد (4/ 9، 343).

(5)

وهو حديث صحيح، سيأتي برقم (47/ 464) من كتابنا هذا.

(6)

في "السنن"(1/ 318).

(7)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه رقم (44/ 461) من كتابنا هذا.

(8)

وهو حديث حسن لغيره تقدم تخريجه رقم (45/ 462) من كتابنا هذا.

(9)

في (جـ): (بينها).

ص: 147

المتكلّم، أو يقال: دليل كراهة الكلام والسمر بعد العشاء عام مخصّص بدليل جواز الكلام والسمر بعدها في الأمور العائدة إلى مصالح المسلمين.

قال النووي

(1)

: واتّفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلّا ما كان في خير. قيل: وعلّة الكراهة ما يؤدّي إليه السهر من مخافة غلبة النوم آخر الليل عن القيام لصلاة الصبح في جماعة، أو الإتيان بها في وقت الفضيلة والاختيار، أو القيام للورد من صلاة أو قراءة في حق من عادته ذلك، ولا أقل لمن أمن من ذلك من الكسل بالنهار عمّا يجب من الحقوق فيه والطاعات.

47/ 464 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: رَقَدْتُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةَ كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا لأنْظُرَ كَيْفَ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم[بِاللَّيْلِ]

(3)

، قالَ: فَتَحَدَّثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أهْلِهِ ساعَةً ثُمَّ رَقَدَ، وَسَاقَ الحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

(4)

. [صحيح]

الحديث استدلّ به من قال بجواز السمر مطلقًا لأن التحدّت الواقع منه صلى الله عليه وسلم لم يقيد بما فيه طاعة، ولا بأس بتقييده بما فيه طاعة جمعًا بين الأدلّة كما سبق، على أنه يمكن أن يكون وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز، وللإشعار بالمنع من حمل الأدلّة القاضية بمنع السمر على التحريم، ويمكن أن يقال: إن العلّة التي ذكرناها للكراهية منتفية في حقّه صلى الله عليه وسلم لأمنه من غلبة النوم وعروض الكسل، ويجاب بمنع أمنه من غلبة النوم مسندًا بنومه في الوادي

(5)

، وأمّا أمنه من عروض

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 147).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

زيادة من (أ) و (ب) وهي في صحيح مسلم.

(4)

في "صحيحه" رقم (190/ 763) قلت: وأخرجه البخاري رقم (117) واللفظ لمسلم.

(5)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه رقم (309/ 680) عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر، سار ليله حتى إذا أدركه الكرى عرَّسَ، وقال لبلال:"اكلأ لنا الليل"، فصلّى بلال ما قُدِّر له، ونامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر، فغلبت بلال عيناه وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوّلهم استيقاظًا. ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أي بلال، فقال بلال: أخذَ بنفسي الذي أخذ - بأبي أنت وأمي يا رسول الله - بنفسك. قال: اقتادوا فاقتادوا رواحلهم شيئًا، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بلالًا فأقام الصلاة، فصلّى بهم الصبح

". =

ص: 148

الكسل فمسلَّم إن لم يكن ذلك من الأمور العارضة لطبيعة الإنسان الخارجة عن الاختيار.

[الباب الثاني عشر] باب تسميتها بالعشاء والعتمة

48/ 465 - (عَنْ مالِكٍ عَنْ سُمَيّ

(1)

عَنْ أبِي صالِحٍ

(2)

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنهم]

(3)

أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ والصِّفِّ الأوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيهِ لاسْتَهَمُوا عَلَيهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إلَيهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

. زَادَ أحْمَدُ

(5)

فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ الرزَّاقِ، فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: أمَا تَكْرَهُ أنْ تَقُولَ العَتمَة، قالَ: هكَذَا قالَ الَّذِي حَدَّثَنِي). [صحيح]

قوله: (لو يعلم الناس ما في النداء والصفّ الأول) أي من مزيد الفضل وكثرة الأجر.

قوله: (لأتوهما)، أي لأتوا المحل الذي يصلّيان فيه جماعة وهو المسجد.

قوله: (ولو حبوًا)، أي زحفًا إذا منعهم مانع من المشي، كما يزحف الصغير.

= • قفل من غزوة خيبر: رجع. والقفول الرجوع. ويقال: غزوة وغزاة.

• أدركه الكرى عرّس: الكرى: النعاس، وقيل: النوم. والتعريس: نزول المسافرين آخر الليل للنوم والاستراحة.

• اكلأ لنا الفجر: أي ارقبه واحفظه واحرسه.

(1)

سُمَيّ: بضم أوّله، هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ثقة. مات سنة (130 هـ)، مقتولًا بقُديد/ ع. "التقريب" رقم (2635).

(2)

أبو صالح هو ذكوان أبو صالح السمّان الزيَّات المدني، ثقة. مات سنة (101 هـ) / ع.

"التقريب" رقم (1841).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

أخرجه أحمد في "المسند"(2/ 278)، والبخاري رقم (615 و 731)، ومسلم رقم (739).

(5)

في "المسند"(2/ 278).

ص: 149

ولابن أبي شيبة

(1)

من حديث أبي الدرداء: "ولو حبوًا على المرافق والركب".

الحديث يدلّ على استحباب القيام بوظيفة الأذان والملازمة للصف الأول والمسارعة إلى جماعة العشاء والفجر، وسيأتي الكلام على ذلك.

ويدلّ على: جواز تسمية العشاء بالعتمة.

وقد ورد من حديث عائشة عند البخاري

(2)

بلفظ: "أعتم النبيّ صلى الله عليه وسلم بالعتمة".

ومن حديث جابر عند البخاري

(3)

أيضًا بلفظ: "صلّى لنا النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلةً صلاة العشاء، وهي التي يَدعو الناس العتمة".

ومن حديث غيرهما

(4)

أيضًا.

وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر الآتي

(5)

، فقال النووي

(6)

وغيره: الجواب عن حديث أبي هريرة من وجهين:

(أحدهما): أنه استعمل لبيان الجواز وأن النهي عن العتمة للتنزيه لا التحريم.

(والثاني): أنه يحتمل أنه خوطب بالعتمة من لا يعرف العشاء فخوطب بما يعرفه، أو استعمل لفظ العتمة لأنه أشهر عند العرب، وإنما كانوا يطلقون العشاء على المغرب كما في صحيح البخاري

(7)

ومسلم

(8)

بلفظ: " [لا تغلبنَّكم]

(9)

الأعراب

(1)

في "المصنف"(1/ 332).

(2)

في "صحيحه" رقم (864).

(3)

أخرجه البخاري تعليقًا (2/ 44 رقم الباب 20 - مع الفتح) عن جابر بلفظ: "كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي العشاءَ".

قلت: وصله البخاري في "صحيحه" رقم (560) وبرقم (565).

واللفظ المذكور أخرجه أحمد (6/ 272) من حديث عائشة رضي الله عنها.

وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (564) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(4)

من حديث عبد الله بن عمر، أخرجه البخاري رقم (564).

(5)

برقم (49/ 466) من كتابنا هذا.

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 143).

(7)

في "صحيحه" رقم (563).

(8)

لم يخرجه مسلم.

(9)

في (جـ): (لا يغلبنَّكم).

ص: 150

على اسم صلاتكم المغرب"، قال: والأعراب تقول: هي العشاء، وقد تقدم هذا الحديث والكلام عليه. وقيل: إن النهي عن تسمية العتمة عتمة ناسخ للجواز، وفيه أنه يحتاج في مثل ذلك إلى معرفة التاريخ والعلم بتأخّر حديث المنع.

قال الحافظ في الفتح

(1)

: ولا يبعد أن ذلك كان جائزًا فلما كثر إطلاقهم له نهوا عنه لئلا تغلب السنة الجاهلية على السنَّة الإسلامية، ومع ذلك فلا يحرم ذلك بدليل أن الصحابة الذين رووا النهي استعملوا التسمية المذكورة، وأما استعمالها في مثل حديث أبي هريرة، فلدفع الالتباس بالمغرب، والله أعلم. اهـ.

49/ 466 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]

(2)

قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا [تَغْلِبَنَّكُمُ]

(3)

الأعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاِتكُمْ، ألَا إنَّهَا العِشاءُ وَهُمْ يُعْتِمُونَ بِالإبِلِ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

ومُسْلِمٌ

(5)

والنَّسَائِيُّ

(6)

وابْنُ مَاجَهْ

(7)

، وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ

(8)

: "لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الأعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاِتِكُمْ العِشاءِ، فإنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ العِشاءُ وإنَّهَا تُعْتِمُ بِحِلَابِ الإبِلِ") [صحيح]

الحديث أخرج نحوه ابن ماجه

(9)

من حديث أبي هريرة بإسناد حسن، قاله الحافظ

(10)

.

وأخرج نحوه أيضًا البيهقي

(11)

وأبو يعلى

(12)

من حديث عبد الرحمن بن عوف.

(1)

(2/ 47).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في (جـ): (يغلبنكم).

(4)

في "المسند"(2/ 10).

(5)

في "صحيحه" رقم (228/ 644).

(6)

في "سننه"(1/ 270).

(7)

في "سننه" رقم (704).

(8)

في "صحيحه" رقم (229/ 644)، وهو حديث صحيح.

(9)

في "سننه" رقم (705).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 248): "هذا إسناد صحيح

".

(10)

في "الفتح"(2/ 425).

(11)

في "السنن الكبرى"(1/ 372).

(12)

في "المسند"(2/ 173 رقم 34/ 868) بسند ضعيف.

قلت: وأخرجه البزار رقم (379 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 314) وقال: "رواه أبو يعلى، والبزار، وفيه راوٍ لم يُسمَّ، وغيلان بن شرحبيل لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".

ص: 151

كذلك زاد الشافعي

(1)

في روايته في حديث ابن عمر: وكان ابن عمر إذا سمعهم يقولون العتمة صاح وغضب.

وأخرج عبد الرزاق

(2)

هذا الموقوف

(3)

من وجه آخر، وروى ابن أبي شيبة

(4)

عن ابن عمر أنّه قال له ميمون بن مهران: من أوّل من سمى العشاء العتمة؟ قال: الشيطان.

والحديث يدلّ على كراهة تسمية العشاء بالعتمة، وقد ذهب إلى ذلك ابن عمر

(5)

وجماعة من السلف

(6)

، ومنهم من قال بالجواز، وقد نقله ابن أبي شيبة

(7)

عن أبي بكر الصديق وغيره، ومنهم من جعله خلاف الأولى، وقد نقله ابن المنذر

(8)

عن مالك والشافعي واختاره.

قال الحافظ

(9)

وهو الراجح: واستدلّوا على ذلك بحديث أبي هريرة

(10)

المتقدم، وقد تقرّر أن جواز المصير إلى الترجيح مشروط بتعذّر الجمع، ولم يتعذّر ههنا كما عرفت في شرح الحديث الأوّل.

قوله: (يعتمون) قد تقدم تفسير ذلك في باب وقت صلاة العشاء

(11)

.

[الباب الثالث عشر] باب وقت صلاة الفجر وما جاء في التغليس بها والإسفار

قد تقدم بيان وقتها في غير حديث.

50/ 467 - (وَعَنْ عَائِشَةَ [رضي الله تعالى عنها]

(12)

قالَتْ: كُنَّ نِسَاءُ

(1)

أخرجه الشافعي في "المسند" رقم (159 - ترتيب المسند) بدون هذه الزيادة.

(2)

في "المصنف" رقم (2154).

(3)

هنا زيادة من (جـ): (عن ابن عمر).

(4)

في "المصنف"(2/ 439).

(5)

أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 439) عن نافع قال: "كان ابن عمر إذا سمعهم يقولون العتمة غضب عضبًا شديدًا ونهى نهيًا شديدًا".

(6)

كابن سيرين أنه كره أن يقول العتمة، "المصنف" لابن أبي شيبة (2/ 439).

(7)

في "المصنف"(2/ 440).

(8)

في "الأوسط"(2/ 373 - 374).

(9)

في "الفتح"(2/ 45).

(10)

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه رقم (48/ 465) من كتابنا هذا.

(11)

الباب العاشر عند الحديث رقم (35/ 452) من كتابنا هذا.

(12)

زيادة من (جـ).

ص: 152

المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الفَجْرِ، مُتَلَفِّعاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضينَ الصَّلَاةَ لَا يَعْرِفُهُنَّ أحَدٌ مِنَ الغَلَسِ. رَوَاهُ الجَمَاعَةُ

(1)

، وَللْبُخَارِيِّ

(2)

: وَلَا يَعْرِفُ بَعْضَهُنَّ بَعْضًا). [صحيح]

قوله: (نساء المؤمنات) صورته صورة إضافة الشيء إلى نفسه، واختلف في تأويله وتقديره. فقيل: تقديره نساء الأنفس المؤمنات. وقيل: نساء الجماعات المؤمنات. وقيل: إن نساء هنا بمعنى الفاضلات، أي فاضلات المؤمنات، كما يقال: رجال القوم أي فضلاؤهم ومقدَّموهم.

وقوله: (كن) قال الكرماني: هو مثل أكلوني البراغيث؛ لأن قياسه الإفراد وقد جمع.

قوله: (متلفّعات) هو بالعين المهملة بعد الفاء، أي متجلّلات ومتلففات.

والمُرُوط جمع مِرْط

(3)

بكسر الميم: الأكسية المعلمة من خَزٍّ أو صوف أو غير ذلك.

قوله: (لا يعرفهن أحد)، قال الداودي

(4)

: معناه ما يعرفن أنساءٌ هنّ أم رجال. وقيل: لا يعرف أعيانهن.

قال النووي

(5)

: وهذا ضعيف لأن المتلفّعة في النهار أيضًا لا يعرف عينها فلا يبقى في الكلام فائدة، وتعقب بأن المعرفة إنّما تتعلق بالأعيان، ولو كان المراد الأول لعبّر عنه بنفي العلم.

قال الحافظ

(6)

: وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا يعرف عينها فيه نظر؛ لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطّى. قال الباجي

(7)

: وهذا يدلّ على أنهن كنّ سافرات؛ إذ لو كنّ متقنعات لكان المانع من المعرفة تغطيتهن لا التغليس.

(1)

أحمد (6/ 33)، والبخاري رقم (578)، ومسلم رقم (645)، وأبو داود رقم (423)، والترمذي رقم (153)، والنسائي (1/ 271)، وابن ماجه رقم (669).

(2)

في "صحيحه" رقم (372).

(3)

"القاموس المحيط"(ص 887).

(4)

ذكره النووي في شرحه لمسلم (5/ 144).

(5)

في "شرحه لصحيح مسلم"(5/ 144 - 145).

(6)

في "الفتح"(2/ 55).

(7)

في "المنتقى شرح موطأ الإمام مالك"(1/ 9).

ص: 153

قوله: (من الغلس)"من" ابتدائية أو تعليلية، ولا معارضة بين هذا وبين حديث أبي برزة أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه لأن هذا إخبار عن رؤية المتلفعة على بعد، وذاك إخبار عن رؤية الجليس.

والحديث يدلّ على استحباب المبادرة بصلاة الفجر في أوّل الوقت. وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهبت العترة ومالك

(1)

والشافعي

(2)

وأحمد

(3)

وإسحق

(4)

وأبو ثور

(5)

والأوزاعي

(6)

وداود بن علي

(7)

وأبو جعفر الطبري

(8)

، وهو المرويّ عن عمر

(9)

، وعثمان

(10)

وابن الزبير

(11)

وأنس

(12)

وأبي موسى

(13)

(1)

قال ابن القاسم: وقت الصبح عند مالك، الإغلاس والنجوم بادية مشتبكة. "المدونة"(1/ 56).

(2)

المجموع شرح المهذب للنووي (3/ 54).

(3)

حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 377)، والترمذي في "سننه"(1/ 289).

(4)

حكاه عنه الترمذي في "سننه"(1/ 289)، والنووي في "المجموع"(3/ 54).

(5)

حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 377).

(6)

حكاه عنه النووي في "المجموع"(3/ 54).

(7)

حكاه عنه النووي في "المجموع"(3/ 54).

(8)

في "جامع البيان".

(9)

أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 377 ث 1049) عن ابن سيرين عن المهاجر قال: كتب عمر إلى أبي موسى أن صل الفجر بسواد أو بغلس، وأطل القراءة. وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 320).

(10)

أخرج ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 377) عن عبد الله بن إياس الحنفي عن أبيه، قال:"كان عثمان بن عفان يصلّي الفجر في نعليه وينصرف، وما يعرف بعضنا بعضًا". وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 321).

(11)

أخرج ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 375 - 376 ث 1051) عن عمرو بن دينار قال: "كنّا نصلّي مع ابن الزبير بغلس ثم نأتي جياد، فنقضي حاجتنا ثم نرجع، قال ابن الزبير: كنّا نصلّي مع عمر الفجر فينصرف أحدنا ولا يعرف صاحبه".

وأخرج عبد الرزاق في "المصنف" عن ابن عيينة نحوه (1/ 571 رقم 2173)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 320).

(12)

أخرج ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 375 ث 1048) عن أنس بن مالك، قال: صلّيت خلف أبي بكر فاستفتح بسورة البقرة فقرأها في ركعتين، فقام عمر حين فرغ فقال: يغفر الله لك لقد كادت الشمس أن تطلع قبل أن تسلَّم، قال: لو طلعت لألفتنا غير غافلين.

وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(2/ 113 رقم 2711)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 389).

(13)

أخرج ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 376 ث 1054) عن حبيب بن شهاب قال: سمعت =

ص: 154

وأبي هريرة

(1)

، إلى أن التغليس أفضل وأن الإسفار غير مندوب.

وحكى هذا القول الحازمي

(2)

عن بقية الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وأبي مسعود الأنصاري، وأهل الحجاز.

واحتجّوا بالأحاديث المذكورة في هذا الباب وغيرها، ولتصريح أبي مسعود في الحديث

(3)

الآتي بأنها كانت صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم التغليس حتى مات ولم يعد إلى الإسفار.

وذهب الكوفيون وأبو حنيفة وأصحابه

(4)

والثوري

(5)

والحسن بن حي وأكثر العراقيين وهو مرويّ عن علي

(6)

وابن مسعود

(7)

إلى أن الإسفار أفضل.

= أبي يقول: كان أبو موسى الأشعري يصلّي الصبح بسواد.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" عن حبيب (1/ 320).

(1)

أخرج ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 376 ث 1055) عن عبد الله بن رافع مولى أمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة؟ فقال: "صلّ الصبح بغلس".

وأخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 20) أتم مما عند ابن المنذر في الأوسط.

(2)

قال الحازمي في "الاعتبار"(ص 272): "وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا الحديث - حديث أبي مسعود - ورأوا التغليس أفضل.

روينا ذلك عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن ابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وأبي مسعود الأنصاري، وعبد الله بن الزبير، وعائشة، وأم سلمة.

ومن التابعين: عمر بن عبد العزيز، وعروة بن الزبير، وإليه ذهب مالك، وأهل الحجاز، والشافعي وأصحابه، وأحمد وإسحاق،

" اهـ.

(3)

برقم (51/ 468) من كتابنا هذا.

(4)

انظر: "البناية في شرح الهداية" للعيني (2/ 37 - 38).

(5)

حكاه عنه الترمذي في "سننه"(1/ 289).

(6)

أخرج ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 378 ث 1059) عن علي بن ربيعة، قال: سمعت عليًا يقول لقنبر: أسفر أسفر يعني بصلاة الغداة.

وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" عن الثوري (1/ 569 رقم 2165)، وابن أبي شيبة في "المصنف (1/ 321) " عن شريك عن سعيد بن عبيد.

(7)

أخرج ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 378 ث 1060) عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان ابن مسعود يسفر بصلاة الغداة. =

ص: 155

واحتجّوا بحديث: "أسفروا بالفجر"، وسيأتي نحوه

(1)

.

وقد أجاب القائلون بالتغليس عن أحاديث الإسفار بأجوبة:

منها: أن الإسفار التبين والتحقّق، فليس المراد إلّا تبين الفجر وتحقّق طلوعه، وردّ بما أخرجه ابن أبي شيبة

(2)

وإسحق وغيرهما بلفظ: "ثوّب بصلاة الصبح يا بلال حين يبصر القوم مواقع نبلهم من الإسفار".

ومنها: أن الأمر بالإسفار في الليالي المقمرة، فإنه لا يتحقّق فيها الفجر إلَّا بالاستظهار في الإسفار.

وذكر الخطابي

(3)

أنه يحتمل أنهم لما أمروا بالتعجيل صلّوا بين الفجر الأول والثاني طلبًا للثواب، فقيل لهم: صلّوا بعد الفجر الثاني، وأصبحوا بها، فإنه أعظم لأجركم، فإن قيل: لو صلّوا قبل الفجر لم يكن فيها أجر، فالجواب أنهم يؤجرون على نيّتهم وإن لم تصح صلاتهم لقوله:"إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر"

(4)

.

وقال أبو جعفر الطحاوي

(5)

: إنما يتفق معاني آثار هذا الباب بأن يكون دخوله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح مغلسًا ثم يطيل القراءة حتى ينصرف عنها مسفرًا، وهذا خلاف قول عائشة لأنها حكت أن انصراف النساء كان وهن لا يعرفن من الغلس، ولو قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسور الطوال ما انصرف إلّا وهم قد أسفروا ودخلوا في الإسفار جدًّا، ألا ترى إلى أبي بكر رضي الله عنه حين قرأ البقرة في

= وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 568 رقم 2160) عن الثوري وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 321) عن وكيع عن سفيان.

(1)

رقم (53/ 470) من كتابنا هذا.

(2)

انظر "المصنف"(1/ 321 - 322).

(3)

في "معالم السنن"(1/ 295 - هامش السنن).

(4)

أخرجه أحمد (4/ 198، 204 - 205)، والبخاري رقم (7352)، ومسلم رقم (1716)، وأبو داود رقم (3574)، وابن ماجه رقم (2314)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (2509)، وابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم"(2/ 71) من حديث أبي هريرة.

(5)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 183).

ص: 156

ركعتي الصبح قيل له: كادت الشمس تطلع، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين

(1)

.

51/ 468 - (وَعَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى ماتَ لَمْ يَعُدْ إلَى أنْ يُسْفِرَ. رَواهُ أبُو داوُدَ)

(3)

[حسن]

الحديث [رجاله في سنن أبي داود رجال الصحيح، و]

(4)

أصله في الصحيحين

(5)

، والنسائي

(6)

وابن ماجه

(7)

.

ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة فصلّيت معه، ثم صلّيت معه، ثم صلّيت معه، ثم صلّيت معه، ثم صلّيت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى الظهر حين تزول الشمس وربما أخّرها حين اشتدّ الحر، ورأيته يصلّي العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن تدخلها الصفرة فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس، ويصلّي المغرب حيت تسقط الشمس، ويصلّي العشاء حين يسوَد الأفق وربما أخّرها حتى يجتمع الناس، وصلّى الصبح مرة بغلس ثم صلّى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر"، ولم يذكر رؤيته لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلّا أبو داود.

قال المنذري

(8)

: "وهذه الزيادة في قصة الإسفار رواتها عن آخرهم ثقات، والزيادة من الثقة مقبولة" اهـ.

(1)

أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 375 ث 1048)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (2711)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 389).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في "السنن" رقم (394)، وهو حديث حسن.

(4)

زيادة من (أ) و (ب).

(5)

البخاري في "صحيحه" رقم (3221)، ومسلم رقم (610).

(6)

في "سننه"(1/ 245 - 246).

(7)

في "سننه" رقم (668).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1448)، والطبراني في "الكبير"(ج 17 رقم 711، 714، 715)، وأبو عوانة رقم (1/ 341، 342، 343)، والحميدي رقم (451)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 1319، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 363) و (1/ 441)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (2045) من طرق.

(8)

في مختصر سنن أبي داود (1/ 233).

ص: 157

وقال الخطابي: هو صحيح الإسناد، وقال ابن سيّد الناس: إسناده حسن.

قوله: (فأسفر بها) قال في القاموس

(1)

: سَفَرَ الصُّبْحُ يَسْفِرُ؛ أضاءَ وأشْرَقَ اهـ. والغلس: بقايا الظلام، وقد مرّ تفسيره.

والحديث يدلّ على استحباب التغليس، وأنه أفضل من الإسفار، ولولا ذلك لما لازمه النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى مات، وبذلك احتجّ من قال باستحباب التغليس، وقد مرّ ذكر الخلاف في ذلك وكيفيّة الجمع بين الأحاديث.

52/ 469 - (وَعَنْ أنَسٍ عَنْ زيدِ بْنِ ثابِتٍ [رضي الله تعالى عنهما]

(2)

قالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: كَمْ كانَ مِقْدارُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(3)

. [صحيح]

الحديث أخرجه

(4)

ابن حبان

(5)

والنسائي

(6)

عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس، إني أريد الطعام، أطعمني شيئًا، فجئته بتمر وإناء فيه ماء، وذلك بعدما أذن بلال، قال: يا أنس انظر رجلًا يأكل معي، فدعوت زيد بن ثابت، فجاء فتسحّر معه، ثم [قام]

(7)

فصلّى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة".

الحديث يدلّ أيضًا على استحباب التغليس، وأن أوّل وقت الصبح طلوع الفجر لأنه الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب، والمدّة التي بين الفراغ من السحور والدخول في الصلاة وهي قراءة الخمسين آية هي مقدار الوضوء، فأشعر ذلك بأن أول وقت الصبح أول ما يطلع الفجر.

(1)

"القاموس المحيط"(ص 523).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أخرجه أحمد (5/ 182، 185، 186، 188، 192)، والبخاري رقم (575 و 1921)، ومسلم رقم (1097).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (703، 704)، والنسائي (4/ 143)، وابن ماجه رقم (1694).

(4)

هنا زيادة من (جـ) ولفظها: (أيضًا البخاري عن زيد بن ثابت، وفي رواية).

(5)

في "صحيحه"(4/ 364 - 365 رقم 1497) بسند صحيح.

(6)

في "سننه"(4/ 147).

قلت: وأخرجه البخاري رقم (576 و 1134).

(7)

في (جـ): (قال) وهو خطأ.

ص: 158

53/ 470 - (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أسْفِرُوا بالفَجْرِ فإنَّهُ أعْظَمُ لِلأَجْرِ". رَوَاهُ الخَمْسَةُ، وقالَ التِّرْمِذِيُّ: هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)

(2)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان

(3)

والطبراني

(4)

، قال الحافظ في الفتح

(5)

: وصحّحه غير واحد، قال: وأبعد من زعم أنه ناسخ للصلاة في الغلس، وقد احتجّ به من قال بمشروعية الإسفار، وقد تقدم الكلام عليه وعلى الجمع بينه وبين أحاديث التغليس، وقد تقرّر في الأصول أن الخطاب الخاصّ بنا لا يعارضه فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم، والأمر بالإسفار لا يشمل النبيّ صلى الله عليه وسلم لا على طريق النصوصية ولا الظهور، فملازمته للتغليس وموته عليه لا تقدح في مشروعيّة الإسفار للأمّة لولا أنه فعل ذلك وفعله معه الصحابة، فكان ذلك مشعرًا بعدم الاختصاص به فلا بدّ من المصير إلى التأويل كما سلف.

54/ 471 - (وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ [رضي الله تعالى عنه] (1) قالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِجَمْعٍ وَصَلَّى الفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقاتِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

. [صحيح]

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 465)، وأبو داود رقم (424)، والترمذي رقم (154)، والنسائي (1/ 272)، وابن ماجه رقم (672).

قال الترمذي: حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" رقم (1491)، والطيالسي (ص 129 رقم 959)، والدارمي (1/ 277)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 178)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 94)، وفي ذكر أخبار أصبهان (2/ 329)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1/ 408 رقم 458)، والبيهقي (1/ 457)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(13/ 45) وغيرهم، وهو حديث صحيح.

وقد صححه المحدث الألباني في "الإرواء" رقم (258)، وأجاد وأفاد في الكلام عليه.

(3)

في "صحيحه" رقم (1491) وقد تقدم.

(4)

في "المعجم الكبير" رقم (4283 و 4284 و 4287).

(5)

(2/ 55).

(6)

أحمد (1/ 384)، والبخاري رقم (1682)، ومسلم رقم (292/ 1289).

ص: 159

وَلمُسْلِمٍ

(1)

: قَبْلَ وَقْتِهَا بِغَلَسٍ.

وَلِأَحْمَدَ

(2)

وَالبُخَارِيِّ

(3)

عَنْ عَبْد الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ قالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَدِمْنَا جَمْعًا فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ كُلَّ صَلَاةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقامَةٍ وَتَعَشَّى بَيْنَهُمَا ثُمَّ صَلَّى حِينَ طَلَعَ الفَجرِ، قَائِلٌ يَقُولُ: طَلَعَ الفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَمْ يَطْلُعْ، ثُمَّ قالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هذَا المَكَانِ المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ، وَلَا يَقْدُمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا وَصَلَاةَ الفَجْرِ هذِهِ السَّاعَةَ"". [صحيح]

قوله: (بجمع) بجيم مفتوحة فميم ساكنة فعين مهملة، وهي المزدلفة، ويوم جمع يوم عرفة، وأيام جمع أيام منى، أفاده القاموس

(4)

. وإنّما سميت المزدلفة جمعًا لأن آدم اجتمع فيها مع حوّاء وازدلف إليها أي دنا منها.

وروي عن قتادة أنّه قال: إنما سميت جمعًا لأنه يجمع فيها بين الصلاتين.

وقيل: وصفت بفعل أهلها لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى الله، أي يتقرّبون إليه بالوقوف فيها، وقيل غير ذلك.

قوله: (حتى يعتموا) أي يدخلوا في العتمة وقد تقدم بيانها، وتمام حديث ابن مسعود في البخاري (3) بعد قوله:"وصلاة الفجر هذه الساعة ثم وقف حتى أسفر ثم قال، يعني ابن مسعود: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة"، فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان

(5)

، فلم يزل يلبّي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر، انتهى.

والحديث استدلّ به من قال باستحباب الإسفار؛ لأن قوله قبل ميقاتها قد بيِّن في رواية مسلم

(6)

أنه في وقت الغلس، فدلّ على أن ذلك الوقت أعني وقت

(1)

في "صحيحه" رقم (000/ 1289).

(2)

في "المسند"(1/ 449).

(3)

في "صحيحه" رقم (1683).

(4)

في "القاموس المحيط"(ص 917).

(5)

قوله: (فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان): هو من كلام عبد الرحمن بن يزيد، الراوي عن ابن مسعود، والمراد أن عثمان سارع بالدفع من المزدلفة حتى لا أدري أكان قول ابن مسعود أسرع أم دفع عثمان.

(6)

في "صحيحه" رقم (000/ 1289).

ص: 160

الغلس متقدم على ميقات الصلاة المعروف عند ابن مسعود، فيكون ميقاتها المعهود هو الإسفار لأنه الذي يتعقّب الغلس، فيصلح ذلك للاحتجاج به على الإسفار، وقد تقدم الكلام على ذلك

(1)

.

55/ 472 - (وَعَنْ أبِي الرَّبِيعِ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَقُلْتُ لَه: إنِّي أُصَلِّي مَعَكَ ثُمَّ أَلْتَفِتُ فَلَا أَرَى وَجْهَ جَلِيسِي ثُمَّ أحْيَانًا تُسْفِرُ، فقالَ: كَذلِكَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَحْبَبْتُ أنْ أُصَلِّيها كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيها. رَواهُ أحْمَدُ)

(3)

[إسناده ضعيف]

الحديث في إسناده أبو الربيع

(4)

المذكور. قال الدارقطني: مجهول.

وهو من جملة ما تمسك به القائلون باستحباب الإسفار، لأن ابن عمر كان يسفر بعد موته صلى الله عليه وسلم، فلو كان منسوخًا لما فعله، ولا يخفاك أن غاية ما فيه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان أحيانًا يغلس وأحيانًا يسفر، وهذا لا يدلّ على أن الإسفار أفضل

(1)

قال أبو بكر بن المنذر في "الأوسط"(2/ 380): "فدلّت هذه الأخبار وسائر الأخبار في هذا الباب المذكورة في الكتاب الذي اختصرت منه هذا الكتاب، على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلّي الصبح بغلس، ودل على مثل ذلك الأخبار المذكورة في باب "ذكر استحباب تعجيل الصلوات في أوائل أوقاتها" - (2/ 355 - 357) - وكذلك كان فعل أبي بكر وعمر، والتغليس بالصبح أشبه بظاهر كتاب الله، قال الله جلّ ذكره: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]، فالمصلّي في أول وقت الصلاة أحرى بالمحافظة عليها ممّن أخّرها وعرضها للنسيان والعلل، مع أنا قد روينا في هذا الباب خبرًا مفسّرًا يدل على آخر فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم، والآخر من فعله أولى عندنا وعند من خالفنا في جمل ما نعتمد نحن وهم عليه" اهـ.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في "المسند"(2/ 135 - 136).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 316) وقال: "رواه أحمد، وأبو الربيع، قال الدارقطني: مجهول".

(4)

أبو الربيع، عن ابن عمر، وعنه أبو شعبة الطحان. قال الدارقطني: مجهول.

انظر ترجمته في "سؤالات البرقاني"(ص 78)، و"الميزان"(4/ 523)، و"الإكمال"(ص 509)، و "ذيل الكاشف"(ص 324)، و"اللسان"(7/ 47).

• وأمّا أبو شعبة الطحان، كان جارًا للأعمش. قال الدارقطني: متروك.

قلت: - الذهبي - حدّث عنه أبو أحمد الزبيري.

انظر ترجمته في: "سؤالات البرقاني"(ص 77)، و "الميزان"(4/ 536)، و"الإكمال"(ص 521)، و"ذيل الكاشف"(ص 329)، و"اللسان"(7/ 63).

ص: 161

من التغليس، إنما يدلّ على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين وذلك مما لا نزاع فيه، إنما النزاع في الأفضل، وفعل ابن عمر لا يدلّ على عدم النسخ المتنازع فيه وهو نسخ الفضيلة لما سلف، إنما يدلّ على عدم نسخ الجواز وذلك أمر متفق عليه.

56/ 473 - (وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى اليَمَنِ، فقالَ:"يَا مُعَاذُ إذَا كانَ فِي الشِّتَاءِ فَغَلِّسْ بالفَجْرِ وَأَطِلِ القِرَاءَةَ قَدْرَ ما يَطِيقُ النَّاسُ وَلَا تملَّهُمْ، وَإِذَا كانَ الصَّيْفُ فَأسْفِرْ بالفَجْرِ فَإِنَّ اللَّيْلَ قَصِيرٌ وَالنَّاسُ يَنامُونَ فأمْهِلْهُمْ حَتَّى يُدْرِكُوا". رَواهُ الحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ البَغَوِيُّ في شَرْحِ السُّنَّةِ

(2)

، وأخْرَجَهُ بَقِيٌّ بْنُ مخْلدٍ في مُسْنَدِهِ المُصَنَّفِ)

(3)

. [ضعيف جدًّا]

الحديث [أخرجه أيضًا أبو نعيم في الحلية

(4)

كما قال السيوطي في الجامع الكبير، و]

(5)

فيه التفرقة بين زمان الشتاء والصيف في الإسفار والتغليس معلّلًا

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

(2/ 198 - 199 رقم 356).

قلت: وأخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في "أخلاق النبي وآدابه" رقم (169).

(3)

مسند بقي بن مخلد بن يزيد الأندلسي (ت 276 هـ)، مدحه ابن حزم بقوله:"روى فيه عن ألف وثلاث مئة صاحب ونيِّف، ورتَّب حديث كل صاحب على أبواب الفقه، فهو مسند ومصنف، وما أعلم هذه الرتبة لأحد قبله".

انظر: "سير أعلام النبلاء"(13/ 291)، و"معجم الأدباء"(7/ 78).

صرّح أكثر من باحث أنه مفقود، منهم بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي"(3/ 201)، ونمى إليَّ أنه وجد في مكتبة لايبتسج، بألمانيا الشرقية. وأفاد المباركفوري في "مقدمة تحفة الأحوذي"(1/ 331) أن منه نسخة في الخزانة الجرمنية.

وانظر بقية الكلام عليه في: "معجم المصنفات"(ص 374 - 375).

(4)

(8/ 249) وقال: غريب من حديث عبادة عن عبد الرحمن لم نكتبه إلَّا من حديث المنهال بن جراح وهو جزري.

قلت: (المنهال بن الجراح) وهو مقلوب، والصواب (الجراح بن المنهال) كما نبّه على ذلك ابن حجر في "لسان الميزان" في حرف الميم "المنهال"(6/ 103)، والجراح هذا قال عنه الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (2/ 99): جراح بن المنهال أبو العطوف الجزري، عن الزهري. قال أحمد: كان صاحب غفلة، وقال ابن المديني: لا يُكتب حديثه، وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: كان يكذب في الحديث ويشرب الخمر، مات سنة (168 هـ).

(5)

زيادة من (أ) و (ب).

ص: 162

بتلك العلّة المذكورة في الحديث، ولكنه لا يعارض أحاديث التغليس لما في حديث أبي مسعود السابق

(1)

من التصريح بملازمته صلى الله عليه وسلم للتغليس حتى مات فكان آخر الأمرين منه [صلى الله عليه وسلم]

(2)

، وهذا الحديث ظاهر في التقدم لما فيه من التاريخ بخروج معاذ إلى اليمن، فلا بدّ من تأويله بما تقدم.

[الباب الرابع عشر] باب بيان أن من أدرك بعض الصلاة في الوقت فإنه يتمّها ووجوب المحافظة على الوقت

57/ 474 - (عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(3)

أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أدْرَكَ العَصْرَ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ

(4)

. [صحيح]

وَلِلْبُخَارِيِّ

(5)

: "إذَا أدْرَكَ أحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلاةِ العَصْرِ قَبْلَ أنْ تَغْرُبَ الشمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتهُ") [صحيح]

58/ 475 - (وَعَنْ عَائِشَةَ [رضي الله تعالى عنها] (3) قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أدْرَكَ مِنَ العَصْرِ سَجْدَةً قَبْلَ أنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، أوْ مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أنْ تَطْلعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أدْرَكَهَا". رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

وَمُسْلِمٌ

(7)

والنَّسَائِيُّ

(8)

وابْنُ مَاجَهْ

(9)

، والسَّجْدَةُ هُنَا الرَّكْعَةُ). [صحيح]

(1)

رقم (54/ 471) من كتابنا هذا.

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

أخرجه أحمد في "المسند"(2/ 348، 459)، والبخاري رقم (579)، ومسلم رقم (608)، وأبو داود رقم (412)، والترمذي رقم (186)، والنسائي (1/ 257 - 258)، وابن ماجه رقم (699)، ومالك في "الموطأ"(1/ 6).

(5)

في "صحيحه" رقم (556).

(6)

في "المسند"(6/ 78).

(7)

في "صحيحه" رقم (609).

(8)

في "سننه"(1/ 257).

(9)

في "سننه"رقم (700).

وصححه المحدث الألباني في "الإرواء" رقم (252).

ص: 163

قوله: (فقد أدرك) قال النووي

(1)

: أجمع المسلمون على أن هذا ليس على ظاهره وأنه لا يكون بالركعة مدركًا لكل الصلاة وتكفيه، وتحصل الصلاة بهذه الركعة بل هو متأوّل، وفيه إضمار تقديره، فقد أدرك حكم الصلاة أو وجوبها أو فضلها، انتهى.

وقيل: يحمل على أنه أدرك الوقت.

قال الحافظ

(2)

: وهذا قول الجمهور.

وفي رواية

(3)

من حديث أبي هريرة: "من صلّى ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس وصلّى ما بقي بعد غروب الشمس لم تفته العصر"، وقال مثل ذلك في الصبح.

وفي رواية للبخاري

(4)

من حديث أبي هريرة أيضًا: "فليتم صلاته"، وللنسائي

(5)

: "فقد أدرك الصلاة كلّها إلّا أنه يقضي ما فاته"، وللبيهقي

(6)

: "فليصل إليها أخرى"، ويؤخذ من هذا الردّ على الطحاوي حيث خصّ الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحو ذلك، وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلّا في وقت الكراهة، وهو مبنيّ على أن الكراهة تتناول الفرض والنفل، وهي خلافية مشهورة.

قال الترمذي

(7)

: وبهذا يقول الشافعي وأحمد وإسحق وخالف أبو حنيفة

(8)

فقال: من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته، واحتجّ في ذلك بالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس

(9)

، وادّعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث.

(1)

في "شرحه لصحيح مسلم"(5/ 105).

(2)

في "الفتح"(2/ 56).

(3)

في "صحيح البخاري" رقم (556).

(4)

رقم (556).

(5)

في "السنن الكبرى" رقم (1/ 1541)، وقد أرسله سالم من هذا الطريق. وأما الحديث فصحيح، والله أعلم.

(6)

في "السنن الكبرى"(1/ 379).

(7)

في "السنن"(1/ 354).

(8)

انظر: "البناية في شرح الهداية" للعيني (2/ 58 - 59).

(9)

• كحديث عقبة بن عامر الجهني يقول: "ثلاثُ ساعاتٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهنَّ، أو أن نقبُر فيهن موتانا: حين تطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفع، وحين يقومُ =

ص: 164

قال الحافظ

(1)

: وهي دعوى تحتاج إلى دليل وأنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال، والجمع بين الحديثين ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له من النوافل، انتهى.

قلت: وهذا أيضًا جمع بما يوافق مذهب الحافظ، والحق أن أحاديث النهي عامّة تشمل كُلِّ صلاة، وهذا الحديث خاص فيبنى العام على الخاص، ولا يجوز في ذلك الوقت شيء من الصلوات إلّا بدليل يخصّه، سواء كان من ذوات الأسباب أو غيرها، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقلّ من ركعة لا يكون مدركًا للوقت، وأن صلاته تكون قضاء، وإليه ذهب الجمهور.

وقال البعض: أداء. والحديث يردّه، واختلفوا إذا أدرك من لا تجب عليه الصلاة كالحائض تطهر، والمجنون يعقل، والمغمى عليه يفيق، والكافر يسلم، دون ركعة من وقتها هل تجب عليه الصلاة أم لا، وفيه قولان للشافعي

(2)

، أحدهما: لا تجب، وروي عن مالك عملًا بمفهوم الحديث وأصحهما عن أصحاب الشافعي أنها تلزمه، وبه قال أبو حنيفة لأنه أدرك جزءًا من الوقت فاستوى قليله وكثيره، وأجابوا عن مفهوم الحديث بأن التقييد بركعة خرج مخرج الغالب ولا يخفى ما فيه من البعد، وأمّا إذا أدرك أحد هؤلاء ركعة وجبت عليه الصلاة بالاتفاق بينهم، ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبِّر ويقرأ أمّ القرآن ويركع ويرفع ويسجد سجدتين.

= قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيفُ الشمسُ للغروب حتى تغرُبَ"، وهو حديث صحيح.

أخرجه مسلم رقم (293/ 831)، والطيالسي رقم (1001)، وأحمد (4/ 152)، وأبو داود رقم (3192)، والترمذي رقم (1030)، والنسائي (1/ 275)، وابن ماجه رقم (1519)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 151)، والبيهقي (2/ 452).

• وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاةَ بعد الصبحِ حتى تطلُعَ الشمسُ، ولا صلاةَ بعدَ العصرِ حتى تغيب الشمس، متفق عليه. ولفظ مسلم: "لا صلاة بعد صلاة الفجر"، وهو حديث صحيح.

أخرجه البخاري رقم (586)، ومسلم رقم (827)، والنسائي (1/ 277، 278)، وابن ماجه رقم (1249)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 319 رقم 775).

(1)

في "الفتح"(2/ 56).

(2)

انظر: "الحاوي الكبير"(2/ 42 - 43)، والوسيط في المذهب (2/ 27 - 32).

ص: 165

والحديث يدلّ على أن الصلاة التي أُدركت منها ركعة، قبل خروج الوقت أداء لا قضاء، وفي ذلك إشكالات عند أئمة الأصول.

قوله: (سجدةً) المراد بها الركعة كما ذكر المصنف ومسلم في صحيحه

(1)

. وقد ثبت عند الإسماعيلي بلفظ: ركعة مكان سجدة، فدلّ على أن الاختلاف في اللفظ وقع من الرواة، وقد ثبت أيضًا عند البخاري

(2)

من طريق مالك بلفظ: "من أدرك ركعة".

قال الحافظ

(3)

: ولم يختلف على راويها في ذلك، فكان عليها الاعتماد.

قال الخطابي

(4)

: المراد بالسجدة، الركعة بركوعها وسجودها، والركعة إنما يكون تمامها سجودها فسمّيت على هذا سجدة، انتهى.

وإدراك الركعة، قبل خروج الوقت لا يخصّ صلاة الفجر والعصر لما ثبت عند البخاري

(5)

ومسلم

(6)

وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "من أدركَ ركعةً من الصلاة فقد أدركَ الصلاة"، وهو أعمّ من حديث الباب.

قال الحافظ

(7)

: ويحتمل أن تكون اللام عهدية ويؤيّده أن كلًا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة، وهذا مطلق وذاك يعني حديث الباب مقيد فيحمل المطلق على المقيد، انتهى. ويمكن أن يقال: إن حديث الباب دلّ بمفهومه على اختصاص ذلك الحكم بالفجر والعصر، وهذا الحديث دلّ بمنطوقه على أن حكم جميع الصلوات لا يختلف في ذلك، والمنطوق أرجح من المفهوم فيتعيّن المصير إليه ولاشتماله على الزيادة التي ليست منافية للمزيد.

قال النووي

(8)

: وقد اتّفق العلماء على أنه لا يجوز تعمّد التأخير إلى هذا الوقت، انتهى.

(1)

تقدم تخريجه رقم (58/ 475) من كتابنا هذا.

(2)

في "صحيحه" رقم (579).

(3)

في "الفتح"(2/ 38).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 38).

(5)

في "صحيحه" رقم (580).

(6)

في "صحيحه" رقم (607).

قلت: وأخرجه أبو داود (1121)، والترمذي رقم (524)، وابن ماجه رقم (1122)، وأحمد (2/ 241).

(7)

في "الفتح"(2/ 38).

(8)

في "شرحه لصحيح مسلم"(6/ 105).

ص: 166

وقد قدّمنا الكلام على اختصاص هذا الوقت بالمضطرّين في أوائل الأوقات، فارجع إليه.

59/ 476 - (وَعَنْ أبِي ذَرٍّ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ أنْتَ إذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ أوْ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ "، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قالَ: "صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَة"، وَفِي رِوايَةٍ:"فإنْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَأَنْتَ فِي المَسْجِدِ فَصَلِّ"، وَفِي أُخْرَى:"فَإِنْ أَدْرَكتْكَ - يَعْنِي الصَّلَاةَ - مَعَهُمْ فَصَلِّ وَلَا تَقُلْ: إنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلَا أُصَلِّي". رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَمُسْلِمٌ

(3)

والنَّسَائِيُّ

(4)

. [صحيح]

قوله: (يميتون الصلاة)، أي يؤخّرونها فيجعلونها كالميت الذي خرجت روحه، والمراد بتأخيرها عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها، فإن المنقول عن الأمراء المتقدّمين والمتأخّرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار، ولم يؤخّرها أحد منهم عن جميع وقتها، فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع.

قوله: (فإن أدركتها) إلخ، معناه صلِّ في أول الوقت وتصرّف في شغلك فإن صادفتهم بعد ذلك وقد صلّوا أجزأتك صلاتك، وإن أدركت الصلاة معهم فصلّ معهم، وتكون هذه الثانية لك نافلة.

الحديثُ يدلُّ على مشروعية الصلاة لوقتها وترك الاقتداء بالأمراء إذا أخّروها عن أوّل وقتها، وأن المؤتمّ يصلّيها منفردًا ثم يصلّيها مع الإمام فيجمع بين فضيلة أوّل الوقت وطاعة الأمير.

ويدلّ على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية لئلا تتفرّق الكلمة وتقع الفتنة، ولهذا ورد في الرواية الأخرى:"إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا مجدّع الأطراف"

(5)

.

وقوله: (فإنها لك نافلة) صريح أن الفريضة الأولى والنافلة الثانية.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "المسند"(5/ 147، 168، 169).

(3)

في "صحيحه" رقم (238، 241، 242/ 648).

(4)

في "سننه"(2/ 113 رقم 859).

وانظر: "الإرواء" رقم (483).

(5)

أخرجه مسلم رقم (648)، وأبو داود رقم (431)، والترمذي رقم (176)، والنسائي (2/ 75).

ص: 167

[الكلام على إعادة الصلاة في جماعة]:

وقد اختلف في الصلاة التي تصلّى مرتين هل الفريضة الأولى أو الثانية، فذهب الهادي والأوزاعي وبعض أصحاب الشافعي

(1)

إلى أن الفريضة الثانية إن كانت في جماعة والأولى في غير جماعة، وذهب المؤيّد بالله والإمام يحيى وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي

(2)

إلى أن الفريضة الأولى، وعن بعض أصحاب الشافعي أن الفرض أكملهما. وعن بعض أصحاب الشافعي أيضًا أن الفرض أحدهما على الإبهام فيحتسب الله بأيّتهما شاء. وعن الشعبي وبعض أصحاب الشافعي (2) أيضًا كلاهما فريضة.

احتجّ الأولون بحديث يزيد بن عامر عند أبي داود

(3)

مرفوعًا وفيه: "فإذا جئت الصلاة فوجدت الناس يصلون فصلّ معهم وإن كنت صلّيت ولتكن لك نافلة" وهذه مكتوبة، ورواه الدارقطني

(4)

بلفظ: "وليجعل التي صلّى في بيته نافلة"، وأجيب بأنها رواية شاذّة مخالفة لرواية الحفّاظ والثقات، كما قال البيهقي وقد ضعفها النووي، وقال الدارقطني: هي رواية ضعيفة شاذّة

(5)

.

واستدلّ القائلون بأن الفريضة هي الأولى سواء كانت جماعة أو فرادى

(1)

"البحر الزخار"(1/ 304).

(2)

"البحر الزخار"(1/ 305)، اتفق الفقهاء على أنه يجوز لمن صلّى منفردًا أن يعيد الصلاة في جماعة وتكون الثانية نفلًا عملًا بما ثبت في السنّة بحديث يزيد بن الأسود الآتي قريبًا.

انظر "مغني المحتاج"(1/ 233)، و"القوانين الفقهية"(ص 68).

(3)

في "سننه" رقم (577)، وهو حديث ضعيف.

(4)

في "سننه"(1/ 414 رقم 5).

(5)

قال الشافعي في القديم في احتجاج من احتجّ بحديث يَعْلَى بن عطاء، في أن المكتوبة في الأولى: هذا إسناد مجهول.

وهذا الحديث يبيّن أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهما أن يعيدا الصبح، وهو يقول لا يعاد الصبح، فإن كانت فيه حجة فهى عليه، وإنما قال هذا لأن يزيد بن الأسود ليس له راوٍ غير ابنه، ولا لجابر بن يزيد راوٍ غير يعلى بن عطاء، ويعلى بن عطاء لم بحتج به بعض الحفاظ، وكان يحيى بن معين وجماعة من الأئمّة يوثقونه.

"معرفة السنن والآثار"(3/ 214 رقم 4313)، و"السنن الكبرى"(2/ 302).

ص: 168

بحديث يزيد بن الأسود عند أحمد

(1)

وأبي داود

(2)

والترمذي

(3)

والنسائي

(4)

والدارقطني

(5)

وابن حبان

(6)

والحاكم

(7)

وصححه ابن السكن

(8)

بلفظ: "شهدت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم حجّته فصلّيت معه الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته وانحرف إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصلّيا معه فقال: عليّ بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما، [قال]

(9)

: ما منعكما أن تصلّيا معنا؟ فقالا: يا رسول الله إنّا قد كنّا صلينا في رحالنا، قال: فلا تفعلا، إذا صلّيتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد الجماعة فصلّيا معهم فانها لكما نافلة"، قال الشافعي في القديم

(10)

: إسناده مجهول، لأن يزيد بن الأسود ليس له راوٍ غير ابنه ولا لابنه جابر راوٍ غير يعلى.

قال الحافظ

(11)

: يعلى من رجال مسلم، وجابر وثّقه النسائي وغيره، قال: وقد وجدنا لجابر راويًا، غير يعلى، أخرجه ابن منده في المعرفة.

ومن حجج أهل القول الثاني حديث الباب

(12)

فإنه صريح في المطلوب ولأن تأدية الثانية بنية [الفريضة]

(13)

[يستلزم]

(14)

أن يصلّي في يوم مرتين، وقد ورد النهي عنه من حديث ابن عمر مرفوعًا: "لا تصلّوا صلاة في يوم

(1)

في "المسند"(4/ 160، 161).

(2)

في "سننه" رقم (575، 576).

(3)

في "سننه" رقم (219)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(4)

في "سننه"(2/ 112 - 113 رقم 858).

(5)

في "سننه"(1/ 413 - 414).

(6)

في "صحيحه" رقم (1564).

(7)

في "المستدرك"(1/ 244 - 245).

وقال: هذا حديث رواه شعبة، وهشام بن حسان، وغيلان بن جامع، وأبو خالد الدالاني، وعبد الملك بن عمير، ومبارك بن فضالة، وشريك بن عبد الله وغيرهم، عن يعلى بن عطاء، وقد احتجّ مسلم بيعلى بن عطاء. ووافقه الذهبي.

(8)

كما في "التلخيص"(2/ 29).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (1247)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 363)، والطبراني (ج 22 رقم 608، 609، 610، 611، 612، 613، 614، 615، 616، 617)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1279) من طرق.

(9)

في (ب): فقال.

(10)

انظر: "السنن الكبرى"(2/ 302)، و"معرفة السنن والآثار"(3/ 214).

(11)

في "التلخيص"(2/ 29).

(12)

رقم (59/ 476) من كتابنا هذا.

(13)

في (ب): [الفرضية].

(14)

في (جـ): (تستلزم).

ص: 169

مرتين" عند أبي داود

(1)

والنسائي

(2)

وابن خزيمة

(3)

وابن حبان

(4)

.

وأمّا جعله مخصّصًا بما يحدث فيه فضيلة فدعوى عاطلة عن البرهان، وكذا حمله على التكرير لغير عذر.

وفي الحديث دليل على أنه لا بأس بإعادة الصبح والعصر وسائر الصلوات؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أطلق الأمر بالإعادة ولم يفرق بين صلاة وصلاة فيكون مخصّصًا لحديث: "لا صلاة بعد العصر وبعد الفجر"

(5)

، ولأصحاب الشافعي وجه أنه لا يعيد الصبح والعصر تمسّكًا بعموم حديث:"لا صلاة"، ووجه أنه لا يعيد بعد المغرب لئلا تصير شفعًا.

قال النووي

(6)

: وهو ضعيف. قلت: وكذلك الوجه الأول لأن الخاص مقدم على العام وهم يوجبون بناء العام على الخاص مطلقًا كما تقرّر في الأصول لهم، واحتجّ من قال بأنهما فريضة بعدم المخصّص بالاعتداد بأحدهما ورد بحديث:"لا ظهران في يوم"

(7)

، وحديث:"لا تصلّي صلاة في يوم مرتين"

(8)

.

60/ 477 - (وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ [رضي الله تعالى عنه]

(9)

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

في "سننه" رقم (579).

(2)

والنسائي (2/ 114).

(3)

في "صحيحه" رقم (1641).

(4)

في "صحيحه" رقم (2396).

قلت: وأخرجه أحمد (2/ 19، 41)، والدارقطني (1/ 415 - 416)، وابن أبي شيبة (2/ 278 - 279)، والبيهقي (2/ 303)، والطبراني رقم (13270) وإسناده حسن.

(5)

أخرجه البخاري رقم (861)، ومسلم رقم (827)، والنسائي (1/ 277 و 278) من حديث أبي سعيد الخدري.

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 148).

(7)

قال الحافظ في "التلخيص"(1/ 156): "لم أرَه بهذا اللفظ، لكن روى الدارقطني (1/ 415) " من حديث ابن عمر رفعه: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين" - قال النووي في "الخلاصة" رقم (2313): إسناده صحيح - وأصله عند أحمد وأبي داود والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان وصححه ابن السكن.

وهو محمول على إعادتها منفردًا، أمّا إن كان صلّى منفردًا ثم أدرك جماعة فإنه يعيد معهم، وكذا إذا كان إمام قوم فصلّى مع قوم آخرين، ثم جاء فصلّى بقومه كقصة معاذ، والله أعلم". اهـ.

(8)

تقدم تخريجه آنفًا.

(9)

زيادة من (جـ).

ص: 170

قالَ: "سَتَكُونُ عَلَيكُمْ [أُمَرَاءُ بَعْدِي]

(1)

تَشْغَلُهُمْ أشْيَاءُ عَنِ الصَّلاةِ لِوَقْتِهَا، حتى يذهبَ وقتُها فَصَلُّوا الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُصَلِّي مَعَهُمْ؟ فَقالَ: "نَعَمْ إنْ شِئْتَ". رَواهُ أبُو داوُدَ

(2)

وأحْمَدُ

(3)

بِنَحْوِهِ، وَفي لَفْظٍ:"وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ تَطَوُّعًا"). [صحيح]

الحديث [رجال إسناده في سنن أبي داود ثقات، وقد]

(4)

أخرجه أيضًا ابن ماجه

(5)

، وسكت أبو داود والمنذري عن الكلام عليه، وقد عرفت ما أسلفناه عن ابن الصلاح والنووي وغيرهما من صلاحية ما سكت عنه أبو داود للاحتجاج. وحديث أبي ذر

(6)

الذي قبله يشهد لصحته.

وفيه دليل على وجوب تأدية الصلاة لوقتها، وترك ما عليه أُمراء الجور من التأخير وعلى استحباب الصلاة معهم لأن الترك من دواعي الفرقة، وعدم الوجوب لقوله في هذا الحديث:"إن شئت"، وقوله:"تطوّعًا"، وقد تقدم الكلام على فقه الحديث.

قال المصنف

(7)

رحمه الله تعالى: وفيه دليل لمن رأى المعادة نافلة، ولمن لم يكفر تارك الصلاة، ولمن أجاز إمامة الفاسق، انتهى.

استنبط المؤلّف من هذا الحديث والذي قبله ثلاثة أحكام، وقد تقدم الكلام على الأول منها في شرح حديث أبي ذرّ وعلى الثاني في أوّل كتاب الصلاة. وأمّا الثالث فلعلّه يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في الجماعة.

والحق جواز الائتمام بالفاسق، لأن الأحاديث الدالّة على المنع كحديث:"لا يؤمَّنَّكم ذو جراءة في دينه"

(8)

، وحديث: "لا يؤمَّنَّ فاجر

(1)

في (جـ): (بعدي امراء).

(2)

في "سننه" رقم (433).

(3)

في "المسند"(5/ 314).

(4)

زيادة من (أ) و (ب).

(5)

في "سننه" رقم (1257)، وهو حديث صحيح.

(6)

رقم (59/ 476) من كتابنا هذا.

(7)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 235).

(8)

هذا الحديث مروي عن بعض أئمّة أهل البيت عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد أشار إليه الحسن بن أحمد الجلال في ضوء النهار، وذكر الإمام محمد بن إسماعيل الأمير في حاشيته على "ضوء النهار" أن الحديث في "الشفاء" و"التجريد" و"أصول الأحكام"، وأوضح أنه حديث مرسل، وأنّ رجال إسناده مجاهيل" "ضوء النهار" (2/ 5).

والخلاصة: أن الحديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.

ص: 171

مؤمنًا"

(1)

، ونحوهما، ضعيفة لا تقوم بها حجّة.

وكذلك الأحاديث الدالَّة على جواز الائتمام بالفاسق؛ كحديث: "صلّوا [وراء]

(2)

من قال لا إله إلّا الله"

(3)

، وحديث: "صلّوا خلف كل برّ

(1)

وهو جزء من حديث أخرجه ابن ماجه رقم (1081)، والعقيلي في "الضعفاء"(2/ 298)، وابن عدي في "الكامل"(4/ 181)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 90، 171) عن جابر.

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 358): "هذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد ابن جدعان، وعبد الله بن محمد العدوي" اهـ.

وقال ابن حجر في: "التلخيص"(1/ 32): "وفيه عبد الله بن محمد العدوي عن علي بن زيد بن جدعان، والعدوي اتهمه وكيع بوضع الحديث، وشيخه ضعيف" اهـ.

وانظر طرق الحديث والشاهد في: "إرواء الغليل" رقم (591).

وخلاصة القول أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(2)

في (أ) و (جـ): (بعد).

(3)

ورد من حديث ابن عمر وله خمسة طرق:

(الطريق الأول): من طريق عثمان بن عبد الرحمن، عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا على من قال لا إله إلَّا الله، وصلوا خلف من قال لا إله إلَّا الله".

• أخرجه الدارقطني في "السنن"(2/ 56)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 317)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 420 رقم 712)، وفيه: عثمان بن عبد الرحمن، قال يحيى: ليس بشيء كان يكذب. وقال البخاري والنسائي والرازي وأبو داود: ليس بشيء، وقال الدارقطني: متروك.

(الطريق الثاني): من طريق محمد بن الفضل، عن سالم الأفطس عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلّوا على من قال لا إله إلَّا الله، وصلوا وراء من قال لا إله إلَّا الله".

• أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 420 رقم 713)، والدارقطني (2/ 56)، وأبو نعيم في "الحلية"(10/ 320)، وفيه: محمد بن الفضل، قال أحمد: ليس حديثه بشيء، حدّث عن أهل الكذب، وقال يحيى: كان كذابًا. وقال النسائي: متروك الحديث.

(الطريق الثالث): من طريق وهب بن وهب عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلّوا خلف من قال لا إله إلّا الله، وصلوا على من قال لا إله إلَّا الله".

• أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 420 - 421 رقم 714)، والخطيب في =

ص: 172

وفاجر"

(1)

ونحوهما ضعيفة أيضًا، ولكنها متأيّدة بما هو الأصل الأصيل، وهو

= "التاريخ"(6/ 403) وفيه: وهب بن وهب: كان يضع الحديث على الثقات لا يحل كتب حديثه إلّا على سبيل الاعتبار. وقال ابن عدي: له أحاديث موضوعة.

(الطريق الرابع): من طريق عثمان بن عبد الله العثماني عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلّوا خلف من قال لا إله إلَّا الله، وصلوا على من مات من أهل لا إله إلَّا الله".

• أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 421 رقم 715)، والخطيب في "التاريخ"(11/ 283)"، وابن حبان في "المجروحين" (2/ 102)، وأورده الذهبي في "الميزان" (3/ 41) وفيه عثمان بن عبد الله شيخ قدم خرسان فحدثهم بها، يروي عن الليث بن سعد، ومالك وابن لهيعة، ويضع عليهم الحديث، كتب عنه أصحاب الرأي، لا يحلّ كتابة حديثه إلّا على سبيل الاعتبار. قاله ابن حبان في "المجروحين" (2/ 102).

(الطريق الخامس): من طريق أبي الوليد المخزومي، عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا على من قال لا إله إلَّا الله، وصلوا وراء من قال لا إله إلَّا الله".

• أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 421 رقم 716)، والدارقطني (2/ 56)، وابن حبان في "المجروحين"(2/ 279).

وفيه: أبو الوليد المخزومي واسمه خالد بن إسماعيل، قال ابن عدي: كان يضع الحديث على الثقات.

وخلاصة القول: أن هذا الحديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.

(1)

ورد من حديث علي، وابن مسعود، وواثلة بن الأسقع، وأبي هريرة، وأبي الدرداء:

• أما حديث علي فأخرجه الدارقطني (2/ 57) وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 418 - 419 رقم 710)، وقال ابن الجوزي: وفيه الحارث: قال ابن المديني: كان كذابًا. وفيه: أبو إسحاق القنسريني وهو مجهول كما في "الميزان"(4/ 489).

• وأمّا حديث ابن مسعود فقد أخرجه الدارقطني (2/ 57)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 419 رقم 711).

وفيه عمر بن الصبح. قال ابن حبان: كان يضع الحديث.

• وأما حديث واثلة بن الأسقع فقد أخرجه الدارقطني (2/ 57)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 422 - 423 رقم 720).

وفيه: عتبة بن اليقظان قال علي بن الحسين بن الجنيد: لا يساوي شيئًا.

وفيه: الحارث بن نبهان: قال يحيى: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك.

وقال ابن حبان: لا يحتجّ به. وقال الدارقطني: وأبو سعيد مجهول.

• وأمّا حديث أبي هريرة فقد أخرجه الدارقطني (2/ 55) و (2/ 56) و (2/ 57)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 421 - 422 رقم 717 و 718 و 719) من طرق ثلاثة: =

ص: 173

أن من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره، فلا ننتقل عن هذا الأصل إلى غيره إلّا لدليل ناهض وقد جمعنا في هذا البحث رسالة مستقلّة، وليس المقام مقام بسط الكلام في ذلك

(1)

.

[الباب الخامس عشر] باب قضاء الفوائت

61/ 478 - (عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ "مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذلِكَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

.

= - ففي الطريق الأول: عبد الله بن محمد بن يحيى، قال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه.

- وفي الطريق الثاني: أشعث وهو مجروح، وبقية لا يقوم على روايته. وقال الدارقطني: ومكحول لم يلق أبا هريرة. وقد روى محمد بن سعد أن جماعة من العلماء ضعفوا رواية مكحول.

• وأمّا حديث أبي الدرداء فقد ورد من طريقين:

(الطريق الأول): أخرجه العقيلي في "الضعفاء"(3/ 90 رقم 1061)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 423 رقم 721).

قال العقيلي: إسناده مجهول غير محفوظ.

(الطريق الثاني): أخرجه الدارقطني (2/ 55)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 423 - 424 رقم 722).

قال الدارقطني: لا يثبت إسناده ما بين عباد وأبي الدرداء ضعفاء.

وقال العقيلي: وليس في هذا المتن إسناد يثبت.

وقال الدارقطني: ليس فيها ما يثبت إسناده.

وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث: "صلوا خلف كل برٍّ وفاجر" فقال: ما سمعنا بهذا.

(1)

قلت: سلمنا أن الطرق كلها واهية، ولكن يؤيّده الأصول: وهي إن من صحت صلاته صحت إمامته، ويؤيّده فعل الصحابة رضي الله عنهم فإنهم كانوا يصلون خلف الحجاج بن يوسف الثقفي وغيره كما أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 122)، وأخرج أيضًا عن عبد الكريم أنه قال: أدركت عشرة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصلّون خلف أئمّة الجور.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أحمد في "المسند"(3/ 243)، والبخاري رقم (597)، ومسلم رقم (314/ 684).

ص: 174

وَلِمُسْلِمٍ

(1)

: "إذَا رَقَدَ أحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ أوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ")

(2)

. [صحيح]

62/ 479 - (وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، فَإِن اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} " (2). رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا البُخَارِيَّ والتِّرْمِذِيَّ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (من نسي) تمسّك بدليل الخطاب من قال: إن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن من لم ينسَ لا يصلّي، وإلى ذلك ذهب داود وابن حزم

(4)

وبعض أصحاب الشافعي

(5)

، وحكاه في البحر

(6)

عن ابني الهادي والأستاذ، ورواية عن القاسم والناصر.

قال ابن تيمية حفيد المصنف

(7)

: والمنازعون لهم ليس لهم حجّة قط يرد إليها عند التنازع وأكثرهم يقولون: لا يجب القضاء إلّا بأمر جديد، وليس معهم هنا أمر ونحن لا ننازع في وجوب القضاء فقط، بل ننازع في قبول القضاء منه

(1)

في "صحيحه" رقم (316/ 684).

(2)

سورة طه، الآية (14).

(3)

أخرجه مسلم رقم (541)، وأبو داود رقم (435)، والنسائي (1/ 296)، وابن ماجه رقم (697).

(4)

في "المحلى"(2/ 235 المسألة 279).

(5)

كأبي عبد الرحمن أحمد بن يحيى بن عبد العزيز البغدادي الشافعي المتكلّم، حدث عن الشافعي، والوليد بن مسلم الثقفي، وروى عنه أبو جعفر الحضرمي مطين. قال الدارقطني: كان من كبار أصحاب الشافعي الملازمين له ببغداد، ثم صار من أصحاب ابن أبي دؤاد، واتبعه على رأيه

وقال أبو عاصم: هو أحد النسّاك الحفاظ المفتين، وذكر في ترجمته أنه قال بمنكرات من المسائل.

انظر: "الطبقات"(2/ 64 - 66)، و"تاريخ بغداد"(5/ 200).

(6)

(1/ 171 - 172).

(7)

انظر: "مجموع الفتاوى"(22/ 40 - 41).

قال المرداوي: "واختار الشيخ تقي الدين: أن تارك الصلاة عمدًا إذا تاب لا يشرع له قضاؤها، ولا تصح منه، بل يكثر من التطوّع. وكذا الصوم. قال ابن رجب في "شرح البخاري": ووقع في كلام طائفة من أصحابنا المتقدمين: أنه لا يجزئ فعلها إذا تركها عمدًا، منهم: الجوزجاني، وأبو محمد البربهاري، وابن بطة".

انظر: "الإنصاف"(1/ 443).

ص: 175

وصحّة الصلاة في غير وقتها، وأطال البحث في ذلك واختار ما ذكره داود ومن معه والأمر كما ذكره، فإنّي لم أقف مع البحث الشديد للموجبين للقضاء على العامد وهم من عدا من ذكرنا على دليل ينفق في سوق المناظرة، ويصلح للتعويل عليه في مثل هذا الأصل العظيم إلا حديث:"فدَين الله أحق أن يقضى"

(1)

، باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس المضاف من العموم، ولكنهم لم يرفعوا إليه رأسًا، وأنهض ما جاءوا به في هذا المقام قولهم: إن الأحاديث الواردة بوجوب [القضاء]

(2)

على الناسي يستفاد من مفهوم خطابها وجوب القضاء على العامد؛ لأنها من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، فتدلّ بفحوى الخطاب وقياس الأولى على المطلوب وهذا مردود؛ لأن القائل بأن العامد لا يقضي لم يرد أنه أخفّ حالًا من الناسي، بل صرّح بأن المانع من وجوب القضاء على العامد أنه لا يسقط الإثم عنه فلا فائدة فيه، فيكون إثباته مع عدم النص عبثًا، بخلاف الناسي والنائم فقد أمرهما الشارع بذلك وصرّح بأن القضاء كفارة لهما لا كفارة لهما سواه.

ومن جملة حججهم أن قوله في الحديث: "لا كفارة لها إلَّا ذلك"، يدلّ على أن العامد مراد بالحديث لأن النائم والناسي لا إثم عليهما، قالوا: فالمراد بالناسي التارك سواء كان عن ذهول أم لا. ومنه قوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}

(3)

، وقوله تعالى:{نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}

(4)

، ولا يخفى عليك أن هذا الكلام يستلزم عدم وجوب القضاء على الناسي والنائم لعدم الإثم الذي جعلوا الكفارة منوطة به والأحاديث الصحيحة قد صرّحت بوجوب ذلك عليهما، وقد استضعف الحافظ في الفتح

(5)

هذا الاستدلال، وقال: الكفارة قد تكون عن الخطأ كما تكون عن العمد، على أنه قد قيل: إن المراد بالكفارة هي الإتيان بها تنبيهًا على أنه لا يكفي مجرد التوبة والاستغفار من دون فعل لها.

وقد أنصف ابن دقيق العيد فردّ جميع ما تشبثوا به، والمحتاج إلى إمعان النظر ما ذكرنا لك سابقًا من عموم حديث:"فدين الله أحق أن يقضى"(1)،

(1)

أخرجه البخاري رقم (1953)، ومسلم رقم (1148) من حديث ابن عباس.

(2)

في (ب): (القاضي).

(3)

سورة التوبة، الآية (67).

(4)

سورة الحشر، الآية (19)

(5)

(2/ 71).

ص: 176

لاسيما على قول من قال: إن وجوب القضاء بدليل هو الخطاب الأوّل الدالّ على وجوب الأداء، فليس عنده في وجوب القضاء على العامد فيما نحن بصدده تردّد لأنه يقول: المتعمّد للترك قد خوطب بالصلاة ووجب عليه تأديتها فصارت دينًا عليه، والدين لا يسقط إلّا بأدائه، إذا عرفت هذا علمت أن المقام من المضايق وأن قول النووي في شرح مسلم

(1)

بعد حكاية قول من قال: لا يجب القضاء على العامد أنه خطأ من قائله وجهالة من الإفراط المذموم. وكذلك قول المقبلي في المنار

(2)

: إن باب القضاء ركب على غير أساس ليس فيه كتاب ولا سنّة، إلى آخر كلامه من التفريط.

قوله: (لا كفارة لها إلّا ذلك) استدلّ بالحصر الواقع في هذه العبارة على الاكتفاء بفعل الصلاة عندى ذكرها وعدم وجوب إعادتها عند حضور وقتها من اليوم الثاني، وسيأتي الكلام على ذلك عند الكلام على حديث عمران بن حصين في آخر هذا الباب

(3)

. والأمر بفعلها عند الذكر يدلّ على وجوب المبادرة بها فيكون حجّة لمذهب من قال بوجوبه على الفور، وهو الهادي والمؤيّد بالله والناصر وأبو حنيفة وأبو يوسف والمزني والكرخي

(4)

.

وقال القاسم ومالك والشافعي: وروي عن المؤيّد بالله أنه على التراخي

(5)

واستدلّوا في قضاء الصلاة بما في بعض روايات حديث نوم الوادي من "أنه لما استيقظ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد فوات الصلاة بالنوم أخّر قضاءها واقتادوا رواحلهم حتى خرجوا من الوادي"

(6)

، وردّ بأن التأخير لمانع آخر وهو ما دلّ عليه الحديث بأن ذلك الوادي كان به شيطان، ولأهل القول الأول حجج غير مختصّة بقضاء الصلاة، وكذلك أهل القول الآخر.

واعلم أن الصلاة المتروكة في وقتها لعذر النوم والنسيان لا يكون فعلها بعد

(1)

(5/ 183).

(2)

(1/ 137).

(3)

رقم (67/ 484) من كتابنا هذا.

(4)

"البحر الزخار"(1/ 172).

(5)

"البحر الزخار"(1/ 172).

(6)

أخرجه مسلم رقم (680)، وأبو داود رقم (435، 436)، وابن ماجه رقم (697) من حديث أبي هريرة.

ص: 177

خروج وقتها المقدّر لها لهذا العذر قضاء، وإن لزم ذلك باصطلاح الأصول لكن الظاهر من الأدلة أنها أداء لا قضاء، فالواجب الوقوف عند مقتضى الأدلّة حتى ينتهض دليل يدلّ على القضاء.

والحديثان يدلّان على وجوب فعل الصلاة إذا فاتت بنوم أو نسيان وهو أجماع.

قال المصنف

(1)

رحمه الله تعالى بعد أن ساق حديث أبي هريرة: وفيه أن الفوائت يجب قضاؤها على الفور، وأنها تقضى في أوقات النهي وغيرها، وأن من مات وعليه صلاة فإنها لا تقضى عنه ولا يطعم عنه لها لقوله:"لا كفارة لها إلا ذلك"، وفيه دليل على أن شرّع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد نسخه

(2)

، انتهى.

63/ 480 - (وَعَنْ أبِي قَتَادَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(3)

قالَ: ذَكَرُوا لِلْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَوْمَهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "إنَّهُ لَيسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي اليَقَظَةِ، فَإِذَا

(1)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 236).

(2)

المراد بشرع من قبلنا، هي: الأحكام التي شرعها الله تعالى لمن سبقنا من الأمم، وأنزلها على أنبيائه ورسله لتبليغها لتلك الأمم.

وأنواع شرع من قبلنا، أربعة:

(الأول): أحكام جاءت في القرآن أو في السنة، وقام الدليل في شريعتنا على أنها مفروضة علينا كما كانت مفروضة على من سبقنا من الأمم والأقوام.

وهذا النوع من الأحكام لا خلاف في أنه شرع لنا.

(الثاني): أحكام قصَّها الله في قرآنه، أو بيَّنها الرسول في سنّته، وقام الدليل من شريعتنا على نسخها في حقنا، أي أنها خاصة بالأمم السابقة.

فهذا النوع من الأحكام لا خلاف في أنه غير مشروع في حقنا.

(الثالث): أحكام نقلت إلينا من كتب أصحاب تلك الشرائع أو على ألسنة أتباعها، وهذا النوع لا يكون شرعًا لنا بلا خلاف بين العلماء، لما وقع في كتبهم من تغيير وتحريف.

(الرابع): أحكام قصها الله في قرآنه أو بيَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم في سنّته، ولم يقم دليل من سياق هذه النصوص على بقاء الحكم أو عدم بقائه لنا.

فهذا النوع هو الذي وقع فيه الخلاف، واختلف في حجيته بالنسبة إلينا.

انظر: "نزهة الخاطر العاطر" للدومي (1/ 400 - 403)، و"أصول الفقه" للزحيلي (2/ 838 - 849)، و"أصول الفقه" للصنعاني (ص 218 - 219).

(3)

زيادة من (جـ).

ص: 178

نَسِيَ أحَدكُمْ صَلاةً أوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذا ذَكَرَهَا". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ

(1)

والتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ

(2)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا أبو داود

(3)

من حديثه.

قال الحافظ

(4)

: وإسناده على شرط مسلم، ورواه مسلم

(5)

بنحوه في قصة نومهم في صلاة الفجر ولفظه: "ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلّها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلّها عند وقتها".

الحديث يدلّ على أن النائم ليس بمكلف حال نومه وهو إجماع، ولا ينافيه إيجاب الضمان عليه لما أتلفه وإلزامه أرش ما جناه، لأن ذلك من الأحكام الوضعية لا التكليفية، وأحكام الوضع تلزم النائم والصبي والمجنون بالاتفاق.

وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضيّقه. وقيل: إنه إذا تعمّد النوم قبل تضيق الوقت واتّخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبه ظنّه أنه لا يستيقظ إلّا وقد خرج الوقت كان آثمًا، والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله الحديث، وأمّا إذا نظر إلى التسبّب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك، ولا شكّ في إثم من نام بعد تضيق الوقت لتعلق الخطاب به، والنوم مانع من الامتثال، والواجب إزالة المانع، وقد تقدم الكلام على قوله في الحديث:"فإذا نسي أحدكم صلاة" إلخ.

64/ 481 - (وَعَنْ أبِي قَتَادَةَ [رضي الله عنه]

(6)

فِي قِصَّةِ نَوْمِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الفَجْرِ قالَ: ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى الغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(7)

وَمُسْلِمٌ

(8)

. [صحيح]

(1)

في "السنن"(1/ 294 رقم 615).

(2)

في "السنن"(177) وقال: حديث حسن صحيح.

(3)

في "السنن" رقم (437).

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (698).

(4)

في "التلخيص"(1/ 177).

(5)

في "صحيحه"رقم (681).

(6)

زيادة من (جـ).

(7)

في "المسند"(5/ 298).

(8)

في "صحيحه" رقم (681).

ص: 179

الحديث أورده مسلم مطوّلًا وذكر فيه قصة أبي قتادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه على راحلته وأن أبا قتادة دعمه ثلاث مرات، وأخرج النسائي

(1)

وابن ماجه

(2)

طرفًا منه.

قوله: (ثم أذن بلال) فيه استحباب الأذان للصلاة الفائتة.

قوله: (فصلّى) إلخ، فيه استحباب قضاء السنة الراتبة لأن الظاهر أن هاتين الركعتين اللتين قبل الغداة هما سنّة الصبح.

قوله: (كما كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يومٍ) فيه إشارة إلى أن صفة قضاء الفائتة كصفة أدائها، فيؤخذ منه أن فائتة الصبح يقنت فيها وإلى ذلك ذهبت الشافعية، وسيأتي الكلام على القنوت وتحقيق ما هو الحقّ فيه.

ويؤخذ منه أيضًا أنه يجهر في الصبح المقضية بعد طلوع الشمس.

ولهذا قال المصنف

(3)

رحمه الله: وفيه دليل على الجهر في قضاء الفجر نهارًا، انتهى.

وقال بعض أصحاب الشافعي: إنه يسنّ فقط، وحمل قوله كما كان يصنع على الأفعال فقط، وفيه ضعف.

65/ 482 - (وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ [رضي الله تعالى عنه]

(4)

قالَ: سَرَيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ عَرَّسْنَا فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى أيْقَظَنَا حَرُّ الشَّمْسِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا يَقُومُ دَهِشًا إلَى طَهُورِهِ، ثُمَّ أمَرَ بِلالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الفَجْرِ، ثُمَّ أقامَ فَصَلَّيْنَا فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ ألَا نُعِيدُهَا فِي وَقْتِهَا مِنَ الغَدِ؟ فَقالَ: "أيَنْهَاكُمْ رَبُّكُمْ تَعَالَى عَنِ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ". رَواهُ أحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ

(5)

. [صحيح]

الحديث [أخرجه ابن خزيمة

(6)

وابن حبان

(7)

في صحيحيهما وابن أبي

(1)

في "سننه"(1/ 295 رقم 617).

(2)

في "سننه" رقم (698).

(3)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 237).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في "المسند"(4/ 431 و 4/ 441).

(6)

في "صحيحه" رقم (994).

(7)

في "صحيحه" رقم (1461).

ص: 180

شيبة

(1)

والطبراني

(2)

.

و]

(3)

أخرجه البخاري

(4)

ومسلم

(5)

مطولًا عن أبي رجاء العطاردي عن عمران، وليس فيهما ذكر الأذان والإقامة ولا قوله:"فقالوا: يا رسول الله ألا نعيدها" إلى آخره.

وأخرجه أبو داود

(6)

من حديث الحسن عن عمران وفيه ذكر الأذان والإقامة دون قوله: "فقالوا: يا رسول الله" إلى آخر الحديث المذكور، ولكنه أخرج هذه الزيادة التي في حديث الباب النسائي

(7)

، وذكرها الحافظ في الفتح واحتجّ بها، ويعارضها ما في صحيح مسلم

(8)

من حديث أبي قتادة بلفظ: "فإذا كانَ الغَدُ فليُصلِّها عندَ وقتِها"، وما في سنن أبي داود

(9)

من حديث عمران بن حصين بلفظ: "من أدرك منكم صلاة الغداة من غدٍ صالحًا فليقض مثلها"، ويشهد لصحة تلك الرواية ما تقدم في أوّل الباب من حديث أنس

(10)

بلفظ: "لا كفارة لها إلا ذلك"، ويدلّ على صحتها إجماع المسلمين على عدم وجوب قضاء تلك الصلاة التي فعلها النائم عند استيقاظه والساهي عند ذكره إذا حضر وقتها.

كما صرّح بذلك الخطابي

(11)

والحافظ

(12)

ابن حجر، والمعارضة برواية مسلم السابقة غير صحيحة لاحتمال أن يريد بقوله: فليصلّها عند وقتها، أي الصلاة التي تحضر لأنه ربما توهم أن وقتها قد تحوّل إلى ذلك الوقت الذي

(1)

في "المصنف"(2/ 64 - 65).

(2)

في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد"(1/ 322).

قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 385)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 400)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 217)، وأبو داود رقم (443)، والشافعي (1/ 54 - 55 - بدائع المنن)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (2241) من طرق.

(3)

زيادة من (أ) و (ب).

(4)

في "صحيحه" رقم (344 و 348 و 3571).

(5)

في "صحيحه" رقم (682).

(6)

في "سننه" رقم (443).

(7)

في "سننه" رقم (1/ 171).

(8)

رقم (311/ 681).

(9)

في "سننه" رقم (438) من حديث أبي قتادة، وهو حديث شاذ كما في ضعيف أبي داود.

(10)

رقم (61/ 478) من كتابنا هذا.

(11)

في "معالم السنن"(1/ 305 - هامش السنن).

(12)

في "الفتح"(2/ 71).

ص: 181

ذكرها فيه، ولا يريد أنه يعيد الصلاة بعد خروج وقتها، ذكر معنى ذلك النووي والحافظ وغيرهما.

وأمّا رواية أبي داود، فقال الحافظ

(1)

: إنها خطأ من راويه، قال: وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري.

وقد ذكر الحافظ في الفتح (1) أنه رواها أبو داود من حديث عمران بن حصين ورأيناها في السنن من حديث أبي قتادة الأنصاري

(2)

، ولم يتفرّد بها عمران حتى يقال في تضعيفها أنها من رواية الحسن عنه.

وقد صرّح علي بن المديني وأبو حاتم وغيرهما أن الحسن لم يسمع منه ولكنها لا تنتهض لمعارضة حديث الباب بعد تاييده بما أسلفنا لاسيما بعد تصريح الحافظ بأنها خطأ.

قال المصنف

(3)

رحمه الله [تعالى]

(4)

بعد سياقه لحديث الباب: فيه دليل على أن الفائتة يسنّ لها الأذان والإقامة والجماعة، وأن النداءين مشروعان في السفر، وأن السنن الرواتب تقضى، انتهى.

قوله: (عرّسنا)، التعريس

(5)

: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة، هكذا قاله الخليل. وقال أبو زيد: هو النزول أي وقت كان من ليل أو نهار.

قوله: (فأذّن ثم أقام) سيأتي الكلام على الأذان والإقامة في القضاء في باب من عليه فائتة

(6)

، آخر الأذان إن شاء الله تعالى.

[الباب السادس عشر] باب الترتيب في قضاء الفوائت

66/ 483 - (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [رضي الله تعالى عنهما] (4) أن عُمَرَ جاءَ يَوْمَ الخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَقالَ:

(1)

في "الفتح"(2/ 71).

(2)

في "سننه" رقم (438) من حديث أبي قتادة، وهو حديث شاذ كما في ضعيف أبي داود.

(3)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 382).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

انظر: "لسان العرب"(9/ 132).

(6)

الباب العاشر عند الحديث رقم (28/ 512) من كتابنا هذا.

ص: 182

يا رَسُولَ اللَّهِ ما كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ حَتَّى كادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، فقالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"واللَّهِ ما صَلَّيتُها"، فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأْنَا فَصَلَّى العَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (عن جابر) قد اتّفق الحفاظ من الرواة أن هذا الحديث من رواية جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا حجاج بن نصير فإنه رواه عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير، فقال فيه: عن جابر عن عمر فجعله في مسند عمر.

قال الحافظ

(2)

: تفرّد بذلك حجاج وهو ضعيف.

قوله: (يسبّ كفار قريش) لأنهم كانوا السبب في تأخيرهم الصلاة عن وقتها.

قوله: (ما كدت)، لفظة كاد من أفعال المقاربة، فإذا قلت: كاد زيد يقوم، فُهم منه أنه قارب القيام ولم يقم كما تقرّر في النحو

(3)

.

والحديث يدلّ على وجوب قضاء الصلاة المتروكة لعذر الاشتغال بالقتال، وقد وقع الخلاف في سبب ترك النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه لهذه الصلاة، فقعل: تركوها نسيانًا، وقيل: شغلوا فلم يتمكّنوا وهو الأقرب كما قال الحافظ

(4)

.

وفي سنن النسائي

(5)

عن أبي سعيد أن ذلك قبل أن ينزل الله [عز وجل]

(6)

في صلاة الخوف: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}

(7)

، وسيأتي الحديث

(8)

.

وقد استدلّ بهذا الحديث على وجوب الترتيب بين الفوائت المقضيّة والمؤدّاة، [فأبو]

(9)

حنيفة

(10)

(1)

البخاري رقم (596)، ومسلم رقم (631).

قلت: وأخرجه النسائي (3/ 84 - 85)، والترمذي رقم (180)، وقال: حديث حسن صحيح.

(2)

في "الفتح"(2/ 68).

(3)

انظر: "شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب"، لابن هشام (ص 245 - 248).

(4)

في "الفتح"(2/ 69).

(5)

(1/ 297).

(6)

زيادة من (جـ).

(7)

سورة البقرة: الآية (238).

(8)

رقم (67/ 484) من كتابنا هذا.

(9)

في (جـ): (أبو).

(10)

قالت الحنفية: الترتيب بين الفروض الخمسة والوتر وبين الفائتة والوقتية مستحق لازم إلّا أن يخاف فوات صلاة الوقت، فيقدم صلاة الوقت ثم يقضي الفائتة.

انظر: "البدائع" للكاساني ط 1 (1/ 131 - وما بعدها)، و"مراقي الفلاح"(ص 75) ط. =

ص: 183

ومالك

(1)

والليث

(2)

والزهري

(3)

والنخعي

(4)

وربيعة قالوا: بوجوب تقديم الفائتة على خلاف بينهم.

وقال الشافعي

(5)

والهادي والقاسم

(6)

: لا يجب، ولا ينتهض استدلال الموجبين بالحديث للمطلوب لأن الفعل بمجرّده لا يدلّ على الوجوب.

قال الحافظ

(7)

: إلّا أن يستدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "صلّوا كما رأيتموني أصلي"

(8)

، فيقوي، قال: وقد اعتبر ذلك الشافعية في أشياء غير هذه، انتهى.

وقد استدلّ للموجبين أيضًا بأن توقيت المقضية بوقت الذكر أضيق من توقيت المؤدّاة فيجب تقديم ما تضيق. والخلاف في جواز التراخي إنما هو في

= المطبعة العلمية بمصر (1315 هـ)، و"فتح القدير"(1/ 346 - 352) لابن الهمام، ط. مصطفى محمد بالقاهرة.

(1)

قال مالك: ليبدأ بما بدأ الله به إذ كن خمس صلوات يبدأ بهن وإن خرجت من وقتها ثم صلاها بعدهن، وإن كان أكثر من ذلك صلّاها لوقتها ثم قضاها بعد، وقد تركت حكايات لمالك في هذا الباب طلبًا للاختصار، وليس بين أن يترك المرء خمس صلوات، وبين أن يترك أكثر من ذلك فرقًا في خبر ولا نظر، ولا نعلم أحدًا قال ذلك قبله. "الأوسط" لابن المنذر (2/ 415).

(2)

و

(3)

حكاه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 415) عنهما "بأن المصلى يبدأ بالتى ذكر فيصلّيها وإن فاتته هذه".

(4)

أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 62) عنه قال في الرجل ينسى الصلوات: يبدأ بالأولى فالأولى.

(5)

قال الشافعي في "الأم"(2/ 44 رقم 1043): "من فاتته الصلاة فذكرها وقد دخل في صلاةٍ غيرها مضى على صلاته التي هو فيها، ولم تفسد عليه، إمامًا كان أو مأمومًا، فإذا فرغ من صلاته صلّى الصلاة الفائتة".

رقم (1044): "وكذلك لو ذكرها ولم يدخل في صلاة، فدخل فيها وهو ذاكر للفائتة، أجزأئه الصلاة التي دخل فيها، وصلّى الصلاة المكتوبة الفائتة له، وكان الاختيار له؛ إن شاء أتى بالصلاة الفائتة له قبل الصلاة التي ذكرها قبل الدخول فيها، إلّا أن يخاف فوت التي هو في وقتها، فيصلّيها، ثم يصلّي التي فاتته".

(6)

"البحر الزخار"(1/ 173 - 174).

(7)

في "الفتح"(2/ 72).

(8)

أخرجه البخاري رقم (631)، ومسلم رقم (24/ 391)، وأبو داود رقم (589)، والترمذي رقم (205)، والنسائي (2/ 77)، وابن ماجه رقم (979) من حديث مالك بن الحويرث، إلّا أن مسلمًا عنده أصله.

ص: 184

المطلقات لا المؤقتات المضيقة. وقد اختلف أيضًا في الترتيب بين المقضيات أنفسها، وسنذكره في شرح الحديث الآتي.

67/ 484 - (وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الخَنْدَقِ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى كانَ بَعْدَ المَغْرِبِ بِهَوِيٍّ مِنَ اللَّيْلِ كُفِينَا، وَذلِكَ قولُ اللَّهِ عز وجل:{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}

(2)

، قال: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلالًا فأقامَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا فَأحْسَنَ صَلَاتَهَا كَما كانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أمَرَهُ فَأقامَ العَصْرَ فَصَلَّاهَا فأحْسَنَ صَلَاتَهَا كما كانَ يُصَلِّيهَا في وَقْتِهَا، ثُمَّ أمَرَهُ فأقامَ المَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذلِكَ، قالَ: وَذلِكَ قَبْلَ أنْ يُنْزِلَ اللَّهُ عز وجل فِي صَلَاةِ الخَوْفِ: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}

(3)

، رَواهُ أحْمَدُ

(4)

والنَّسائِيُّ

(5)

ولَمْ يَذْكُرِ المَغْرِبَ). [صحيح]

[الحديث رجال إسناده رجال الصحيح، وسيأتي ذكر من صحّحه]

(6)

.

وفي الباب عن عبد الله بن مسعود عند الترمذي

(7)

والنسائي

(8)

بلفظ: "إن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق"، وساقا نحو الحديث.

وأخرج نحوه مالك في الموطأ

(9)

.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

سورة الأحزاب، الآية (25).

(3)

سورة البقرة، الآية (239).

(4)

في "المسند"(3/ 25) و (3/ 67 - 68).

(5)

في "السنن"(2/ 17 رقم 661).

قلت: وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" رقم (2890)، والدارمي (1/ 358)، وأبو يعلى رقم (1296)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 402 - 403) من طرق، وهو حديث صحيح.

انظر: "الإرواء"(1/ 257).

(6)

زيادة من (أ) و (ب).

(7)

في "سننه" رقم (179) وقال: ليس بإسناده بأس، إلَّا أنّ أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله.

(8)

في "سننه"(2/ 17 - 18 رقم 662).

قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(رقم 3555، 4013 - شاكر).

وفي سنده انقطاع كما قال الترمذي إلّا أنه يعتضد بحديث أبي سعيد.

(9)

(1/ 184 - 185) عن يحيى بن سعيد، أن ابن المسيب قال:"ما صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر يوم الخندق حتى غربت الشمس".

وقد جاء بمعناه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في الصحيحين وقد تقدم تخريجه رقم (66/ 483) من كتابنا هذا.

ص: 185

قوله: (بهوي)، الهوي بفتح الهاء وكسر الواو وبياء مشدّدة: السقوط، والمراد بعد دخول طائفة من الليل.

والحديث يدلّ على وجوب قضاءِ الصلاة المتروكة لعذر الاشتغال بحرب الكفار ونحوهم، لكن إنما كان هذا قبل شرعية صلاة الخوف كما في آخر الحديث، والواجب بعد شرعيّتها على من حبس بحرب العدوّ أن يفعلها.

وقد ذهب الجمهور إلى أن هذا منسوخ بصلاة الخوف

(1)

، وذهب مكحول وغيره من الشاميين إلى جواز تأخير صلاة الخوف إذا لم يتمكّن من أدائها، والصحيح الأوّل لما في آخر هذا الحديث، والحديث مصرّح بأنها [فاتته]

(2)

صلاة الظهر والعصر، وحديث جابر المتقدم

(3)

مصرّح بأنها العصر، وحديث عبد الله بن مسعود

(4)

مصرِّح بأنها أربع صلوات، فمن الناس من اعتمد الجمع، فقال: إن وقعة الخندق بقيت أيامًا فكان في بعض الأيام الفائت العصر فقط، وفي بعضها الفائت [العصر والظهر]

(5)

، وفي بعضها الفائت أربع صلوات، ذكره النووي

(6)

وغيره.

ومن الناس من اعتمد الترجيح فقال: إن الصلاة التي شغل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة وهي العصر ترجيحًا لما في الصحيحين على ما في غيرهما، ذكره أبو بكر بن العربي

(7)

، قال ابن سيد الناس: والجمع أرجح، لأن حديث أبي سعيد رواه الطحاوي

(8)

عن المزني عن الشافعي حدّثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال: وهذا إسناد صحيح جليل، انتهى.

وأخرجه أيضًا ابن خزيمة

(9)

وابن حبان

(10)

في صحيحيهما وصححه ابن

(1)

انظر: "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" للحازمي (ص 302 - 303).

(2)

في (أ): (فائتة).

(3)

رقم (66/ 483) من كتابنا هذا.

(4)

وهو حديث صحيح لغيره تقدم تخريجه خلال شرح الحديث (67/ 484) من كتابنا هذا.

(5)

في (ب): (الظهر والعصر).

(6)

في "شرحه لصحيح مسلم"(5/ 130).

(7)

في "عارضة الأحوذي"(1/ 291).

(8)

تقدم الكلام عليه خلال شرح حديث (19/ 436) من كتابنا هذا.

(9)

في "صحيحه"(2/ 99 رقم 996).

(10)

في "صحيحه" رقم (2890).

ص: 186

السكن، وقد تقدم نحو هذا في باب الصلاة الوسطى، على أن حديث الباب ونحوه متضمّن للزيادة فالمصير إليه متحتم، واقتصار الراوي على ذكر العصر فقط لا يقدح في قول غيره إنها العصر والظهر أو الأربع الصلوات، وغايته أنه روى ما علم وترك ما لم يعلم، ومن علم حجة على من لم يعلم، ولا يحتاج إلى الجمع بتعدّد واقعة الخندق مع هذا.

والحديث أيضًا يدلّ على الترتيب بين الفوائت المقضية، وقد قال بوجوبه زيد بن علي والناصر وأبو حنيفة، وقال الشافعي والهادي والإمام يحيى

(1)

: إنه غير واجب وهو الظاهر لأن مجرد الفعل لا يدلّ على الوجوب إلّا أن يستدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "صلّوا كما رأيتموني أصلّي"

(2)

كما سبق، ولكنه غير خالص عن شوب اعتراض ومعارضة.

وفي الحديث دليل على استحباب قضاء الفوائت في الجماعة وخالف فيه الليث بن سعد، والحديث يردّ عليه.

قال المصنف

(3)

رحمه الله تعالى: وفيه دليل على الإقامة للفوائت وعلى أن صلاة النهار وإن قضيت ليلًا لا يجهر فيها، وعلى أن تأخيره يوم الخندق نسخ بشرع صلاة الخوف، انتهى.

(1)

انظر: "البحر الزخار"(1/ 173 - 174).

(2)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه خلال شرح الحديث رقم (66/ 483) من كتابنا هذا.

(3)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 239).

ص: 187

[ثالثًا] أبواب الأذان

الأذان لغة: الإعلام، نقل ذلك النووي في شرح مسلم

(1)

عن أهل اللغة.

وشرعًا: الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة، وهو مع قلّة ألفاظه مشتمل على مسائل العقائد كما بيَّن ذلك الحافظ في الفتح

(2)

نقلًا عن القرطبي، وقد اختلف في الأفضل من الأذان، والإمامة وسيأتي ما يرشد إلى الصواب.

وقد اختلف في أيّ وقت كان ابتداء شرعية الأذان، فقيل: نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع فرض الصلاة، وقد روى ذلك ابن حبان

(3)

عن ابن عباس بإسناد فيه عبد العزيز بن عمران

(4)

وهو ممن لا تقوم به حجّة.

وعند الدارقطني

(5)

من حديث أنس، قال الحافظ

(6)

: وإسناده ضعيف.

وعند الطبراني

(7)

عن ابن عمر وذكر أنه في ليلة الإسراء، وفي إسناده طلحة بن زيد

(8)

وهو متروك.

(1)

(4/ 75).

(2)

(2/ 77).

(3)

لم أجده عند ابن حبان في ترجمة عبد العزيز بن عمران (2/ 139 - 140).

(4)

عبد العزيز بن عمران بن أبي ثابت بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف المدني، يروي عن المدنيين، روى عنه العراقيون وأهل بلده، ممن يروي المناكير عن المشاهير فلما أكثر مما لا يشبه حديث الأثبات لم يستحق الدخول في جُملة الثقات، فكان الغالب عليه الشعر والأدب دون العلم. (2/ 139 - 140).

وقال البخاري: لا يكتب حديثه منكر الحديث. "التاريخ الكبير"(6/ 29).

وقال النسائي وغيره: متروك. "الميزان"(2/ 632).

(5)

في "الأطراف" كما في "الفتح"(2/ 78).

(6)

في "الفتح"(2/ 78).

(7)

في "الأوسط" رقم (9247).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 329) وقال: "وفيه طلحة بن زيد، ونسب إلى الوضع".

(8)

طلحة بن زيد القرشي أبو مسكين، أو أبو محمد الرقي: متروك.

وقال أحمد وعلي وأبو داود: كان يضع الحديث. انظر: "التقريب" رقم (3020).

وحديث ابن عمر حديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 188

وعند ابن مردويه

(1)

من حديث عائشة مثله، وفيه من لا يعرف.

وعند البزار

(2)

وغيره عن عليّ، وفي إسناده زياد بن المنذر

(3)

أبو الجارود وهو متروك، قال الحافظ

(4)

: والحقّ أنه لا يصح شيء من هذه، وقد أطال الكلام في ذلك في الفتح

(5)

، فليرجع إليه.

وقيل: كان فرض الأذان عند قدوم المسلمين المدينة لما ثبت عند البخاري

(6)

ومسلم

(7)

والترمذي

(8)

وقال: حسن صحيح، والنسائي

(9)

من حديث عبد الله بن عمر قال: "كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد فتكلّموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتّخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: اتخذوا قرنًا مثل قرن اليهود، قال: فقال عمر: ألا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قُمْ فنادِ بالصَّلاة".

وهذا أصحّ ما ورد في تعيين ابتداء وقت الأذان.

[الباب الأول] باب وجوبه وفضيلته

1/ 485 - (عَنْ أبِي الدَّرْدَاءِ [رضي الله تعالى عنه]

(10)

قالَ: سَمِعْتُ

(1)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(2/ 78).

(2)

في "البحر الزخار" المعروف بمسند البزار رقم (508).

وأورده الهيثمي في "كشف الأستار" رقم (352)، وفي "مجمع الزوائد" (1/ 329) وقال: وفيه زياد بن المنذر وهو مجمع على ضعفه.

(3)

زياد بن المنذر، أبو الجارود الأعمى، الكوفي، رافضي، كذّبه يحيى بن معين، مات بعد الخمسين ومائة. "التقريب"(1/ 270).

وخلاصة القول: أن حديث علي حديث ضعيف، والله أعلم.

(4)

في "الفتح"(2/ 79).

(5)

(2/ 79 - 82).

(6)

في "صحيحه" رقم (604).

(7)

في "صحيحه" رقم (377).

(8)

في "سننه" رقم (190).

(9)

في "السنن"(2/ 2)، وهو حديث صحيح.

(10)

زيادة من (جـ).

ص: 189

رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ ثَلَاثةٍ لَا يُؤَذِّنُونَ وَلَا تُقَامُ فِيهمُ الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِم الشَّيْطَانُ". رَواهُ أحْمَدُ)

(1)

. [حسن]

الحديث أخرجه أبو داود

(2)

والنسائي

(3)

وابن حبان

(4)

والحاكم

(5)

وقال: صحيح الإسناد، ولكن لفظ أبي داود:"ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلّا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية".

الحديث استدلّ به على وجوب الأذان والإقامة، لأن الترك الذي هو نوع من استحواذ الشيطان يجب تجنّبه. وإلى وجوبهما ذهب أكثر العترة وعطاء وأحمد بن حنبل ومالك والإصطخري كذا في البحر

(6)

، ومجاهد والأوزاعي وداود كذا في شرح الترمذي

(7)

.

وقد حكى الماوردي

(8)

عنهم تفصيلًا في ذلك، فحكى عن مجاهد أن الأذان والإقامة واجبان معًا لا ينوب أحدهما عن الآخر، فإن تركهما أو أحدهما فسدت صلاته. وقال الأوزاعي: يعيد إن كان وقت الصلاة باقيًا وإلّا لم يعد، وقال عطاء: الإقامة واجبة دون الأذان، فإن تركها لعذر أجزأه ولغير عذر قضى.

(1)

في "المسند (5/ 196 و 6/ 446).

(2)

في "سننه" رقم (547).

(3)

في "السنن"(2/ 106 - 107).

(4)

في "صحيحه" رقم (2101).

(5)

في "المستدرك"(1/ 211).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(2/ 371 رقم 1486)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (793)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 54) من طرق، وهو حديث حسن، والله أعلم.

(6)

"البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار" لأحمد بن يحيى بن المرتضى (1/ 182).

قلت: قال العلامة شرف الدين الحسين بن أحمد السياغي في كتابه "الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير"(1/ 534): "اختلف العلماء: هل الأذان والإقامة واجبان أو مسنونان؟ فذهب أكثر العترة، وطاووس، ومالك، وأحمد، والاصطخري، والأوزاعي، وداود، وابن المنذر، وحكي عن محمد بن الحسن إلى الوجوب. وذهب الفريقان وزيد بن علي والناصر إلى أنهما سنة" اهـ.

(7)

لابن سيد الناس واسمه "النفح الشذي" لم يطبع منه إلا جزء من الطهارة.

(8)

في "الحاوي الكبير"(2/ 62).

ص: 190

وفي البحر

(1)

أن القائل بوجوب الإقامة دون الأذان الأوزاعي، وروي عن أبي طالب أن الأذان واجب دون الإقامة.

وعند الشافعي

(2)

وأبي حنيفة

(3)

أنهما سنّة.

واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أقوال

(4)

، الأول: أنهما سنّة. الثاني: فرض كفاية. الثالث: سنّة في غير الجمعة وفرض كفاية فيها.

وروى ابن عبد البرّ

(5)

عن مالك وأصحابه أنهما سنة مؤكّدة واجبة على الكفاية. وقال آخرون: الأذان فرض على الكفاية.

ومن أدلّة الموجبين للأذان قوله في حديث مالك بن الحويرث الآتي

(6)

: "فليؤذِّن لكم أحدُكُمْ"، وفي لفظ للبخاريّ

(7)

: "فأذِّنا ثم أقيما".

ومنها حديث أنس المتفق

(8)

عليه بلفظ: "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة"، والآمر له النبيّ صلى الله عليه وسلم كما سيأتي.

ومنها ما في حديث عبد الله بن زيد الآتي

(9)

من قوله: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله ثم أمر بالتأذين".

وما سيأتي من قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبى العاص: "اتّخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا"

(10)

.

ومنها حديث أنس عند البخاري

(11)

وغيره قال: "إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم

(1)

"البحر الزخار"(1/ 183).

(2)

انظر: "الأم" للشافعي (2/ 59).

(3)

انظر: "البناية في شرح الهداية" للعيني (2/ 84).

(4)

ذكر النووي هذه الأقوال في "المجموع"(3/ 88 - 89).

(5)

في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد مرتبًا على الأبواب الفقهية للموطأ"(3/ 59).

(6)

برقم (2/ 468) من كتابنا هذا، وهو حديث صحيح.

(7)

في "صحيحه" رقم (630).

(8)

البخاري رقم (603)، ومسلم رقم (378).

(9)

برقم (6/ 490) من كتابنا هذا.

(10)

سيأتي تخريجه برقم (27/ 511) من كتابنا هذا.

(11)

في "صحيحه" رقم (610).

ص: 191

كان إذا [غزا]

(1)

بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذانًا كفّ عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم".

ومنها طول الملازمة من أوّل الهجرة إلى الموت لم يثبت أنه ترك ذلك في سفر ولا حضر إلّا يوم المزدلفة، فقد صحّح كثير من الأئمة أنه لم يؤذن فيها وإنما أقام، على أنه قد أخرج البخاري

(2)

من حديث ابن مسعود: "أنه صلى الله عليه وسلم صلّاها في جمع بأذانين وإقامتين".

وبهذا الترك على ما فيه من الخلاف احتجّ من قال بعدم الوجوب، وخصّ بعض القائلين بالوجوب الرجال بوجوبهما ولم يوجبهما على النساء استدلالًا بحديث:"ليس على النساء أذان ولا إقامة" عند البيهقي

(3)

من حديث ابن عمر بإسناد صحيح

(4)

، إلّا أنه قال ابن الجوزي

(5)

: لا يعرف مرفوعًا. وقد رواه البيهقي

(6)

وابن

(1)

في المخطوط (أ) و (ب): (أغزى)، والتصويب من صحيح البخاري.

(2)

بل أخرجه البخاري رقم (1675)، ومسلم رقم (1289) من حديث ابن مسعود.

(3)

في "السنن الكبرى"(1/ 408) موقوفًا على ابن عمر، بسند ضعيف. فإن عبد الله بن عمر هذا هو العمري المكبر وهو ضعيف.

(4)

بل ليس بصحيح كما تقدم، ولعل الإمام الشوكاني رحمه الله توهّم أن العمري هذا المصغر، فإنه ثقة ليس به، فإن اسمه عبيد الله، على أنه أوهم أن الحديث مرفوع عن ابن عمر، وليس كذلك كما عرفت.

(5)

في "التحقيق في مسائل الخلاف"(2/ 113): "وهذا لا نعرفه مرفوعًا، إنما رواه سعيد بن منصور، عن الحسن، وإبراهيم، والشعبي، وسليمان بن يسار، وحُكي عن عطاء أنه قال: "يُقِمْنَ"".

• وتعقبه الذهبي في "تنقيح التحقيق"(2/ 113): "وقد حكى أصحابنا - مرفوعًا -: "ليس على النساء أذانٌ ولا إقامة".

وهذا لا نعرفه، إنما أورده سعيد في "سننه" عن الحسن، وإبراهيم، والشعبي، وسليمان بن يسار، وقد حُكي عن عطاء، قال:"يُقِمْنَ"".

• وانظر ما قاله الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، في:"تنقيح تحقيق أحاديث التعليق"(1/ 292 - 293).

وخلاصة القول: أن حديث ابن عمر موضوع، والله أعلم.

(6)

في "السنن الكبرى"(1/ 408) وقال: "هكذا رواه الحكم بن عبد الله الأيلي، وهو ضعيف. ورويناه في الأذان والإقامة عن أنس بن مالك موقوفًا ومرفوعًا، ورفعه ضعيف، وهو قول الحسن وابن المسيب وابن سيرين والنخعي" اهـ.

ص: 192

عدي

(1)

من حديث أسماء مرفوعًا وفي إسناده الحكم بن عبد الله الأيلي

(2)

وفيه

(1)

في "الكامل"(2/ 203)، وقال ابن عدي بعد أن ساق أحاديث أخرى للحكم هذا وهو ابن عبد الله بن سعد الأيلي:

"أحاديثه كلها موضوعة، وما هو منها معروف المتن فهو باطل بهذا الإسناد، وما أمليت للحكم عن القاسم بن محمد والزهري وغيرهم كلّها مما لا يتابعه الثقات عليه، وضعفه بيِّن على حديثه".

(2)

الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي، أبو عبد الله، قال أحمد: أحاديثه كلها موضوعة.

وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال السعدي وأبو حاتم: كذاب، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث.

انظر: "ميزان الاعتدال"(1/ 572)، و"الكامل"(2/ 202 - 204).

وخلاصة القول: أن حديث أسماء موضوع.

• وقد روي عن ابن عمر خلاف ما ذكر، فقال أبو داود في "مسائله" (29):"سمعت أحمد سئل عن المرأة تؤذن وتقيم؟ قال: سئل ابن عمر عن المرأة تؤذن وتقيم؟ قال: أنا أنهى عن ذكر الله عز وجل؟! أنا أنهى عن ذكر الله عز وجل؟! استفهام".

وقد أخرج أثر ابن عمر المذكور ابن أبي شيبة (1/ 223) بسند جيّد.

ويؤيده ما عند البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 408) عن ليث عن عطاء عن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم، وتؤئم النساء وتقوم وسطهن.

وأخرجه عبد الرزاق رقم (5016)، وابن أبي شيبة (1/ 223).

وليث هو ابن أبي سليم: وهو ضعيف.

ثم أخرج البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 408) عن عمرو بن أبي سلمة قال: سألت ابن ثوبان: هل على النساء إقامة؟ فحدّثني أن أباه حدّثه، قال: سألت مكحولًا؟ فقال: إذا أذَّنَ فأقمن فذلك أفضل، وإن لم يزدن على الإقامة أجزأت عنهن، قال ابن ثوبان: وإن لم يقمن فإن الزهري حدّث عن عروة عن عائشة قالت: "كنا نصلّي بغير إقامة".

- قال الألباني في "الضعيفة"(2/ 271): "قلت: وابن ثوبان هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثويان العنسي الدمشقي، وليس هو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان كما ذكر المعلّق على "سنن البيهقي"، وهو العامري المدني، فإن هذا العامري متقدم على العنسي هذا من التابعين، والعنسي من أتباع التابعين، وهو حسن الحديث، وبقية الرجال ثقات، فالسند حسن، وقد جمع البيهقي بين هذا وبين رواية ليث المتقدمة بقوله:

"وهذا إن صح مع الأول، فلا يتنافيان، لجواز أنها فعلت ذلك مرة، وتركته أخرى لبيان الجواز، والله أعلم"".

وكما أخرج أبو داود في سننه رقم (591) عن أمّ ورقة بنت نوفل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرًا قالت: قلت له: يا رسول الله، ائذن لي في الغزو معك أُمَرض مرضاكم، لعلَ الله أن يرزقني شهادة، قال:"قِرِي في بيتك، فإن الله تعالى يرزقك الشهادة"، قال: فكانت =

ص: 193

ضعف جدًّا، ولحديث:"النساء عيٌّ وعورات، فاستروا عيهنّ بالسكوت وعوراتهنّ بالبيوت"

(1)

.

2/ 486 - (وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أكبَرُكُمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (أحدكم) يدلّ على أنه لا يعتبر السن والفضل في الأذان كما يعتبر في إمامة الصّلاة. وقد استدلّ بهذا من قال بأفضلية الإمامة على الأذان، لأن كون الأشرف أحقّ بها مشعر بمزيد شرف لها.

وفي لفظ للبخاري

(4)

: "فإذا أنتما خرجتما فأذّنا"، ولا تعارض بينه وبين ما

= تسمى الشهيدة، قال: وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبيّ صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذنًا، فأذن لها، قال: وكانت قد دبَّرت غلامًا لها وجارية فقاما إليها بالليل فغمَّاها بقطيفة لها حتى ماتت وذهبا، فأصبح عمر فقام في الناس، فقال: من كان عنده من هذين علم، أو من رآهما فليجيء بهما، فأمر بهما فصلبا، فكانا أول مصلوب بالمدينة.

وهو حديث حسن.

وأخرج أبو داود في "سننه" رقم (592) عن أمّ ورقة بنت عبد الله بن الحارث بهذا الحديث، والأول أتمّ، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنًا يؤذن لها، وأمرها أن تؤمّ أهل دارها.

قال عبد الرحمن - بن خلاد - فأنا رأيت مؤذنها شيخًا كبيرًا، وهو حديث حسن.

والحق في هذه المسألة ما قاله أبو الطيب صديق حسن خان في "الروضة الندية"(1/ 223) بتحقيقي: "ثم الظاهر أن النساء كالرجال، لأنهن شقائقهم، والأمر لهم أمر لهن، ولم يرد ما ينتهض للحجة في عدم الوجوب عليهن، فإن الوارد في ذلك في أسانيده متروكون، لا يحل الاحتجاج بهم، فإن ورد دليل يصلح لإخراجهن فذاك وإلا فهن كالرجال" اهـ.

قال الشافعي في "الأم"(2/ 66 رقم 1109): "ولا تجهر المرأة بصوتها، تؤذن في نفسها، وتُسمع صواحباتِها إذا أذنت، وكذلك تقيم إذا أقامت

".

(1)

أورد الديلمي في "مسند الفردوس" رقم (6927) من حديث أنس، والشجري في "أماليه"(1/ 44).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أحمد (5/ 53)، والبخاري رقم (685)، ومسلم رقم (674).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (589)، والترمذي رقم (205)، والنسائي (2/ 8 رقم 634)، وابن ماجه رقم (979).

(4)

في "صحيحه" رقم (658).

ص: 194

في حديث الباب لأن المراد بقوله: "أذنا"، أي من أحبّ منكما أن يؤذن فليؤذن، وذلك لاستوائهما في الفضل.

والحديث استدلّ به من قال: بوجوب الأذان لما فيه من صيغة الأمر، وقد تقدم الخلاف في ذلك.

3/ 487 - (وَعَنْ مُعَاوِيةَ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّ المُؤَذنِينَ أطْوَلُ النَّاسِ أعْناقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رَواهُ أحْمَدُ

(2)

، وَمُسْلِمُ

(3)

، وابْنُ مَاجَهْ

(4)

. [صحيح]

وفي الباب عن أبي هريرة

(5)

وابن الزبير

(6)

بألفاظ مختلفة.

قوله: (أطول الناس أعناقًا) هو بفتح الهمزة جمع عنق. واختلف السلف والخلف في معناه، فقيل: معناه أكثر الناس تشوّفًا إلى رحمة الله؛ لأن المتشوّف يطيل عنقه لما يتطلّع إليه، فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "المسند"(4/ 95).

(3)

في "صحيحه" رقم (387).

(4)

في "سننه" رقم (725).

قلت: وأخرجه أبو عوانة (1/ 333)، والطبراني في "الكبير"(ج 19/ رقم 736)، والبيهقي (1/ 432)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (415)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 225) من طرق.

(5)

وهو حديث صحيح.

أخرج أحمد (2/ 411، 429، 458، 461)، وأبو داود رقم (515)، والنسائي (2/ 13)، وابن ماجه رقم (724)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (411) عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"المؤذنُ يُغفر له مدى صوتِهِ، ويشهدُ له كُلُّ رطبٍ ويابسٍ، وشاهِدُ الصلاةِ يكتب له خمسٌ وعشرون صلاةً، ويُكفّر عنه ما بينهما".

(6)

عن عبد الله بن الزبير، أنه قال:"ودِدْتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانا النداءَ، قلتُ: لِمَ ذاكَ؟ قال: إنهم أطوَل أهلِ الجنّةِ أعناقًا يومَ القيامة".

أخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (6309)، وفي "الكبير" كما في "المجمع"(1/ 326)، وقال الهيثمي: وفيه عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، وهو متروك الحديث.

قلت: وفي الباب أيضًا من حديث أنس عند أحمد (3/ 169، 264).

قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح، إلّا أن الأعمش قال: حُدّثتُ عن أنس. وانظر: "مسند البزار" رقم (354).

• ومن حديث بلال عند الطبراني في "الكبير" رقم (1080)، والبزار رقم (353).

• ومن حديث زيد بن أرقم عند ابن أبي شيبة (2/ 225)، والطبراني في الكبير رقم (5118 و 5119).

ص: 195

وقال النضر بن شميل

(1)

: إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق. وقيل: معناه أنهم سادة ورؤساء، والعرب تصف السادة بطول العنق. وقيل: معناه أكثر أتباعًا.

وقال ابن الأعرابي

(2)

: أكثر الناس أعمالًا، قال القاضي عياض وغيره: وروي بعضهم إعناقًا بكسر الهمزة، أي إسراعًا إلى الجنّة، وهو من سير العنق، قال ابن أبي داود

(3)

: سمعت أبي يقول: معناه أن الناس يعطشون يوم القيامة فإذا عطش الإنسان انطوت عنقه، والمؤذنون لا يعطشون فأعناقهم قائمة.

وفي صحيح ابن حبان

(4)

من حديث أبي هريرة: "يُعرفون بطول أعناقهم يوم القيامة". زاد السراج: "لقولهم: لا إله إلّا الله"، وظاهره الطول الحقيقي فلا يجوز المصير إلى التفسير بغيره إلا لمُلجئ.

والحديث يدلّ على فضيلة الأذان وأن صاحبه يوم القيامة يمتاز عن غيره، ولكن إذا كان فاعله غير متّخذ أجرًا عليه، وإلّا كان فعله لذلك من طلب الدنيا والسعي للمعاش وليس من أعمال الآخرة.

(1)

النضر بن شميل هو ابن خرشةَ بن يزيد المازني التميمي، قال عنه ابن حجر في "التقريب" (2/ 301): ثقة ثبت، مات سنة 204 هـ، عن 82 سنة.

• وذكر كلام النضر القاضي عياض في "إكمال المعلم"(2/ 255).

(2)

ذكره البغوي في "شرح السنة"(2/ 277).

(3)

هو عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستانى، من حفاظ الحديث من كتبة "المصاحف"(235 هـ - 316 هـ).

• وأخرج أثره البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 433).

(4)

رقم (1670).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (1861).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 326) وقال: "رواه الطبراني في "الأوسط" - رقم (6851) - وفيه أبو الصلت، قال المزي: روى عنه علي بن زيد، ولم يذكر غيره، وقد روى عنه ابنه خالد بن أبي الصلت في الطبراني، في هذا الحديث، وبقية رجاله موثقون"اهـ.

قلت: علي بن زيد هو ابن جدعان: وهو ضعيف، فلا ترتفع الجهالة عن أبي الصلت لكن له متابعًا كما تقدم رقم (1861) عن معمر، عن قتادة، عن رجل، عن أبي هريرة.

وللحديث شاهد من حديث معاوية المتقدم برقم (3/ 487) من كتابنا هذا.

وخلاصة القول: أن حديث أبي هريرة حديث حسن، والله أعلم.

ص: 196

وقد استدلّ بهذا الحديث من قال: إن الأذان أفضل من الإمامة وهو نصّ الشافعي في الأم وقول أكثر أصحابه. وذهب بعض أصحابه إلى أن الإمامة أفضل وهو نصّ الشافعي أيضًا قاله النووي

(1)

، وبعضهم ذهب إلى أنهما سواء، وبعضهم إلى أنه إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجمع خصالها فهي أفضل وإلّا فالأذان، قاله أبو عليّ

(2)

وأبو القاسم بن كجّ

(3)

والمسعودي والقاضي حسين من أصحاب الشافعي (1).

واختلف في الجمع بين الأذان والإقامة، فقال جماعة من أصحاب الشافعي: إنه يستحب أن لا يفعله، وقال بعضهم: يكره، وقال محقّقوهم وأكثرهم: لا بأس به بل يستحب. قال النووي

(4)

: وهذا أصحّ، وفي البيهقي

(5)

مرفوعًا من حديث جابر النهي عن ذلك، قال الحافظ: لكن سنده ضعيف.

(1)

في "المجموع"(3/ 85).

(2)

أبو علي هو الحسين بن القاسم أبو علي الطبري، من فقهاء الشافعية (263 هـ - 350 هـ).

(3)

أبو القاسم بن كجّ: هو يوسف بن أحمد بن يوسف بن كجّ الدينوري، كان من أئمّة فقه الشافعية، مات مقتولًا عام 405 هـ.

(4)

قال الإمام النووي في "المجموع"(3/ 87): "قلت: وإذا لم يثبت في الجمع بينهما - أي الأذان والإمامة - نهي فكراهته خطأ.

فحصل وجهان الصحيح أنه يستحب.

وقد قال القاضي أبو الطيب في أول صفة الصلاة في مسألة لا يقوم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة: أجمع المسلمون على جواز كون المؤذن إمامًا واستحبابه.

قال صاحب الحاوي: في كل واحد من الأذان والإمامة فضل، وللإنسان فيهما أربعة أحوال:

- حال يمكنه القيام بهما والفراغ لهما، فالأفضل أن يجمع بينهما.

- وحال يعجز عن الإمامة لقلة علمه وضعف قراءته، ويقدر على الأذان لعلوّ صوته، ومعرفته بالأوقات، فالانفراد للأذان أفضل.

- وحال يعجز عن الأذان لضعف صوته وقلّة إبلاغه، ويكون قيمًا بالإمامة لمعرفته أحكام الصلاة وحسن قراءته، فالإمامة أفضل.

- وحال يقدر على كل واحد، ويصلح له ولا يمكنه الجمع فأيّهما أفضل؟ فيه وجهان" اهـ.

(5)

في "السنن الكبرى"(1/ 433) وقال: "فهذا حديث إسناده ضعيف بمرة. إسماعيل بن عمرو بن نجيح أبو إسحاق الكوفي حدّث بأحاديث لم يتابع عليها. وجعفر بن زياد ضعيف" اهـ.

قلت: انظر ترجمة إسماعيل بن عمرو في: "اللسان"(1/ 425)، و"الجرح والتعديل"(2/ 190)، و"الميزان"(1/ 239 - 240).

وانظر ترجمة جعفر بن زياد في: "الجرح والتعديل"(2/ 480)، و"الميزان"(1/ 407)، و "التقريب"(1/ 130).

ص: 197

4/ 488 - (وَعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الإمامُ ضامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أرْشِدِ الأئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

، وأبُو دَاوُدَ

(3)

، والتِّرْمِذِيُّ)

(4)

. [صحيح]

الحديث رواه الشافعي

(5)

من طريق إبراهيم بن أبي يحيى، وابن حبان

(6)

وابن خزيمة

(7)

كلّهم من طريق سهيل بن أبي صالح

(8)

عن أبيه عن أبي هريرة.

وأخرجه من ذكر المصنف عن الأعمش

(9)

عن أبي صالح عن أبي هريرة.

وروي أيضًا عن أبي صالح عن عائشة

(10)

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "المسند"(2/ 284، 424، 464، 472).

(3)

في "السنن" رقم (517).

(4)

في "السنن" رقم (207).

(5)

في "ترتيب المسند" رقم (174).

(6)

في "صحيحه" رقم (1672).

(7)

في "صحيحه" رقم (1528).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق رقم (1838)، والحميدي رقم (999)، والطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (2186)، والطيالسي رقم (2404)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 118)، والطبراني في "الصغير"(1/ 17 و 2/ 13)، والبيهقي (1/ 430) و (3/ 127)، والبزار رقم (357 - كشف) من طرق كثيرة عن الأعمش عن أبي صالح.

(8)

سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان، أبو يزيد المدني، صدوق، تغير حفظه بأخرة، روى له البخاري مقرونًا وتعليقًا. "التقريب"(1/ 338).

وأمّا أبوه فثقة ثبت، وقد تقدم.

(9)

الأعمش هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمد الكوفي، ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع لكنه يدلس. (61 هـ - 148 هـ)، روى له الجماعة. "التقريب"(1/ 331).

(10)

أخرجه أحمد في "مسنده"(6/ 65)، وأبو يعلى في "مسنده"(8/ 5 - 46 رقم 4562)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 425، 426، 432)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (1671)، والطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (2195).

كلهم من طريق حيوة بن شريح، قال: حدثني نافع بن سليمان، أن محمد بن أبي صالح حدّثه عن أبيه أنه سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، فأرشد الله الإمام وعفا عن المؤذن".

- نافع بن سليمان: وثّقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صدوق يحدّث عن الضعفاء مثل بقية. انظر: "تعجيل المنفعة" رقم (1093)، و"الجرح والتعديل"(8/ 458)، و"الثقات"(7/ 532)، و"التاريخ الكبير"(8/ 86). =

ص: 198

قال أبو زرعة

(1)

: حديث أبي هريرة أصحّ من حديث عائشة. وقال محمد البخاري عكسه، وذكر علي بن المديني أنه لم يثبت واحد منهما، وقال أيضًا: لم يسمع سهيل هذا الحديث من أبيه إنما سمعه من الأعمش، ولم يسمعه الأعمش من أبي صالح بيقين لأنه يقول فيه:[نُبئت]

(2)

عن أبي صالح، وكذا قال البيهقي في المعرفة

(3)

.

وقال الدارقطني في العلل

(4)

: رواه سليمان

(5)

وروح بن القاسم

(6)

ومحمد بن جعفر وغيرهم عن سهيل عن الأعمش

(7)

، قال: وقال

= ومحمد بن أبي صالح ذكره ابن حبان في "الثقات"(7/ 417) وقال: يخطئ. وذكر له الترمذي في سننه معلقًا (1/ 403 - 404)، فقال:"وروى نافع بن سليمان، عن محمد بن أبي صالح، عن أبيه، عن عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا الحديث".

قال أبو عيسى: وسمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي صالح عن أبي هريرة أصح من حديث عائشة.

قال أبو عيسى: وسمعت محمدًا يقول: حديث أبي صالح، عن عائشة أصح، وذكر عن علي بن المديني، أنه لم يُثبت حديث أبي صالح عن أبي هريرة، ولا حديث أبي صالح عن عائشة

في هذا.

وقال المحدث الألباني في "الإرواء"(1/ 234): "لكن محمد هذا وهو أخو سهيل لا يعرف كما قال الذهبي، وقد خالفه أخوه سهيل فقال عن أبيه عن أبي هريرة، كما سبق، قال أبو زرعة: "وهذا أصح"".

(1)

ذكره الترمذي في "السنن"(1/ 404).

(2)

في (جـ): (ثبت) وهو مخالف لما في المعرفة وغيرها.

(3)

"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (2/ 266 رقم 2655).

(4)

(10/ 191 - 198 س 1968).

(5)

سليمان هو ابن بلال التيمي مولاهم، أبو محمد وأبو أيوب المدني، ثقة، روى له الجماعة. مات سنة (177 هـ). "التقريب"(1/ 322).

(6)

روح بن القاسم هو التميمي العنبري، أبو غياث البصري، ثقة حافظ مات سنة (141 هـ).

"التقريب"(1/ 254).

(7)

• أخرج الطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (2188) من طريق روح بن القاسم عن سهيل بن أبي صالح، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا به، بإسناد صحيح.

• أخرج الطحاوي أيضًا في "مشكل الآثار" رقم (2189) من طريق محمد بن جعفر، قال: حدثني سهيل بن أبي صالح، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، مرفوعًا به. بإسناد صحيح. =

ص: 199

أبو بدر

(1)

عن الأعمش: حدّثت عن أبي صالح

(2)

.

وقال ابن فضيل

(3)

عنه عن رجل عن أبي صالح

(4)

.

وقال الثوري: لم يسمع الأعمش هذا الحديث من أبي صالح، وصحّح حديث أبي هريرة وعائشة جميعًا ابن حبان

(5)

، وقال: قد سمع أبو صالح هذين الخبرين من عائشة وأبي هريرة جميعًا.

وقال ابن عبد الهادي

(6)

: أخرج مسلم بهذا الإسناد يعني سهيلًا عن أبيه نحوًا من أربعة عشر حديثًا.

وفي الباب عن ابن عمر أخرجه أبو العباس السراج

(7)

، وصحّحه الضياء في المختارة.

وعن أبي أمامة عند أحمد

(8)

.

= • وأخرج الطحاوي أيضًا في "مشكل الآثار" رقم (2191) من طريق سليمان، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا به، بإسناد صحيح.

(1)

أبو بدر، هو شجاع بن الوليد بن قيس السَّكوني، أبو بدر الكوفي، صدوق ورع له أوهام. مات سنة (204 هـ)، روى له الجماعة. "التقريب"(1/ 347).

(2)

أخرجه الترمذي في "العلل الكبير" رقم (91).

(3)

هو محمد بن فضيل بن غزوان الضبّي مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف رمي بالتشيّع، مات سنة (297 هـ)، روى له الجماعة. "التقريب"(2/ 200 - 201).

(4)

أخرجه أبو داود رقم (517)، وهو حديث صحيح.

(5)

رقم (1671) من حديث عائشة، وقد تقدم.

ورقم (1672) من حديث أبي هريرة، وقد تقدم.

(6)

ابن عبد الهادي، هو محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي، نُسِبَ إلى جدّه الأعلى، شمس الدين، أبو عبد الله بن قدامة المقدسي الجماعيلي الأصل، ثم الدمشقي الصالحي، من حفاظ الحديث، ومن كبار الحنابلة، ولد عام (705 هـ)، ومات عام (744 هـ).

(7)

في "مسنده"(1/ 23/ 2) كما في "الإرواء"(1/ 235).

وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 431) بسند صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط البخاري. قال الحافظ في "التلخيص"(ص 77)، و"صححه الضياء في المختارة"، وأعلّه البيهقي بما لا يقدح كما بيَّنه ابن التركماني في "الجوهر النقي"، "الإرواء"(1/ 235).

(8)

في "المسند"(5/ 260) بسند حسن.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 2) وقال: "رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله موثقون".

ص: 200

وعن جابر عند ابن الجوزي في العلل

(1)

. ورواه البزار

(2)

عن أبي هريرة وزاد فيه بذلك الإسناد: "قالوا: يا رسول الله لقد تركتنا نتنافس في الأذان بعدك، فقال: إنه يكون بعدكم قوم سفلتهم مؤذنهم"، قال الدارقطني

(3)

: هذه الزيادة ليست محفوظة، وأشار ابن القطان إلى أن البزار وهو [المتفرّد]

(4)

بها، قال الحافظ

(5)

: وليس كذلك، فقد جزم ابن عدي

(6)

بأنها من أفراد أبي حمزة، وكذا قال الخليلي وابن عبد البرّ، وأخرجه البيهقي

(7)

من غير طريق البزار، فبرئ من عهدتها.

وأخرجها ابن عدي (5) في ترجمة عيسى بن عبد الله عن يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش، واتّهم بها عيسى وقال: إنما تعرف هذه الزيادة بأبي حمزة. قال ابن القطان

(8)

: أبو حمزة ثقة ولا عيب للإسناد إلّا ما ذكر من الانقطاع، ويجاب عنه بأن الواسطة قد عرفت وهو الأعمش كما تقدم، فلا يضرّ هذا الانقطاع [ولا تعدّ]

(9)

علّة. وأمّا الانقطاع الثاني بين الأعمش وأبي صالح الذي تقدم فيه قوله عن رجل.

(1)

رقم (743).

قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 322)، والخطيب في "تاريخه"(8/ 332).

(2)

رقم (357 - كشف) ورجاله كلهم موثقون. وقال البزار: عند أبي داود منه إلى قوله: واغفر للمؤذنين.

وقد قال الحافظ في "المختصر"(1/ 208): "وقد تكلم بعضهم في البزار بسبب هذه الزيادة"، وهو في "لسان الميزان"(1/ 237 - 238).

ثم قال الحافظ: ولم يتفرّد أبو بكر البزار بهذه الزيادة، فقد رواها أبو الشيخ في كتاب الأذان له، عن إسحاق بن أحمد بن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، سمعت أبي يقول: أنا أبو حمزة، فذكره.

وقد أثبت ابن عدي هذه الزيادة أنها من حديث أبي حمزة السكري فبرئ البزار من عهدتها.

(3)

ذكره الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(1/ 238).

(4)

في (جـ): (المنفرد).

(5)

ذكره الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(1/ 238).

(6)

في "الكامل"(5/ 1897).

(7)

في "السنن الكبرى"(1/ 430).

(8)

في "الوهم والإيهام"(5/ 603 - 604).

(9)

في (جـ): (ولا يُعدّ).

ص: 201

فيجاب عنه بأن ابن نمير

(1)

قد قال: عن الأعمش، عن أبي صالح: ولا أراني إلّا قد سمعته منه

(2)

. وقال إبراهيم بن حميد الرؤاسي: قال الأعمش: وقد سمعته من أبي صالح. وقال هشيم: عن الأعمش: حدّثنا أبو صالح عن أبي هريرة ذكر ذلك الدارقطني فبيَّنت هذه الطرق أن الأعمش سمعه عن غير أبي صالح ثم سمعه منه. قال اليعمري: والكل صحيح والحديث متّصل

(3)

.

قوله: (الإمام ضامن) الضمان في اللغة: الكفالة والحفظ والرعاية، والمراد أنهم ضمناء على الإسرار بالقراءة والأذكار، حكي ذلك عن الشافعي في الأم

(4)

.

وقيل: المراد ضمان الدعاء أن يعمّ القوم به ولا يخصّ نفسه.

وقيل: لأنه يتحمّل القيام والقراءة عن المسبوق.

وقال الخطابي

(5)

: معناه أنه يحفظ على القوم صلاتهم، وليس من الضمان الموجب للغرامة.

قوله: (والمؤذن مؤتمن)، قيل: المراد أنه أمين على مواقيت الصلاة.

(1)

ابن نمير، هو عبد الله بن نمير الهمداني، أبو هشام الكوفي، ثقة. مات سنة (299 هـ)،

روى له الجماعة. "التقريب"(1/ 457).

(2)

أخرجه أبو داود رقم (518)، وابن خزيمة رقم (1529).

(3)

وقد جزم المحدث الألباني في "إرواء الغليل " بصحة الحديث بطرقه الأربع، وصحة الزيادة التي رواها البزار والبيهقي "الإرواء"(1/ 231 - 235).

(4)

قال الشافعي رحمه الله في "الأم"(2/ 261 رقم 1672): "فيشبه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم - إن أتموا فصلُّوا في أول الوقت، وجاءوا بكمال الصلاةِ؛ في إطالة القراءةِ، والخشوع، والتسبيح في الركوع والسجود، وإكمال التشهدِ والذكر فيها؛ لأن هذه غاية التمام، وإن أجزأ أقل منه فلهم ولكم، وإلا فعليهم ترك الاختيار بعَمد تركه، ولكم ما نويتم منه فتركتموه لاتباعه بما أمرتُم باتباعهم في الصلاة في ما يجزئكم، وإن كان غيره أفضل منه، فعليهم التقصير في تأخير الصلاة عن أوّل الوقت، والإتيان بأقل ما يكفيهم من قراءةٍ، وركوعٍ، وسجودٍ، دونَ أكملِ ما يكونُ منها، وإنما عليكم اتباعُهُم في ما أجزأ عنكم، وعليهم التقصير عن غاية الإتمام والإكمالِ، ويحتملُ ضمناء لما غابوا عليه من المخافتة بالقراءة والذكر، فأمّا أن يتركوا ظاهرًا أكثر الصلاة حتى يذهب الوقت، أو لم يأتوا في الصلاة بما تكون الصلاةُ مجزئةً، فلا يحل لأحد اتباعهم، ولا تبرك الصلاة حتى يمضي وقتها، ولا صلاتها بما لا يُجزئُ فيها، وعلى الناس أن يُصلُّوا لأنفسهم أو جماعةً من غير من يصنع هذا مِنْ مَنْ يصلي لهم" اهـ.

(5)

في "معالم السنن"(1/ 356 - هامش السنن).

ص: 202

وقيل: أمين على حرم الناس لأنه يشرف على المواضع العالية.

والحديث استدلّ به على فضيلة الأذان وعلى أنه أفضل من الإمامة لأن الأمين أرفع حالًا من الضمين، وقد تقدم الخلاف في ذلك، ويؤيّد قول من قال: إن الإمامة أفضل، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده أمّوا ولم يؤذِّنوا، وكذا كبار العلماء بعدهم.

5/ 489 - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَعْجَبُ رَبُّكَ عز وجل مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي شَظِيَّةِ بِجَبَلٍ يُؤَذِّنُ لِلْصَّلاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: انْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلْصَّلاةِ يَخَافُ مِنِّي، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ". رَواهُ أحْمَدُ

(2)

وَأَبُو داوُدَ

(3)

والنَّسَائِيُّ)

(4)

. [صحيح]

الحديث [رجال إسناده ثقات، وقد]

(5)

أخرجه أيضًا سعيد بن منصور، والطبراني

(6)

، والبيهقي

(7)

.

وفي البخاري

(8)

والموطأ

(9)

والنسائي

(10)

بلفظ: "إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنّ ولا إنس ولا شيء إلّا شهد له يوم القيامة".

قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم

(11)

(12)

.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "المسند"(4/ 157، 158).

(3)

في "سننه" رقم (1203).

(4)

في "سننه"(2/ 20 رقم 666).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (260 - موارد)، والبيهقي (1/ 405)، والطبراني في "الكبير"(ج 17 رقم 833) من طرق.

(5)

زيادة من (أ) و (ب).

(6)

في "الكبير"(ج 17 رقم 833) وقد تقدم.

(7)

في "السنن الكبرى"(1/ 405) وقد تقدم.

(8)

في "صحيحه" رقم (609 و 3296 و 7548).

(9)

(1/ 69).

(10)

في "سننه"(2/ 12 رقم 644)، وهو حديث صحيح من حديث أبي سعيد.

(11)

أي هذا الكلام الأخير وهو قوله: "فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلّا شهد له يوم القيامة، كما قال الكرماني، فقد أخرجه الحميدي رقم (73)، وعبد الرزاق رقم (1865)، وابن خزيمة رقم (389).

(12)

هنا في (جـ) زيادة، ولفظها:(وأخرجه مالك والنسائي) وهي مكررة كما يبدو.

ص: 203

وأخرج عبد الرزاق

(1)

والمقدسي والنسائي

(2)

في المواعظ من سننه عن سلمان رفعه: "إذا كان الرجل في أرض قيٍّ

(3)

، أي قفر، فتوضأ، فإن لم يجد الماء تيمّم، ثم ينادي بالصلاة ثم يقيمها ويصلّيها، إلّا أمّ من جنود الله صفًا".

ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن معتمر التيمي

(4)

عن أبيه.

وروى نحوه البيهقي

(5)

والطبراني في الكبير

(6)

.

والحديث يدلّ على شرعية الأذان للمنفرد، فيكون صالحًا لرد قول من قال: إن شرعية الأذان تختصّ بالجماعة.

وفيه أيضًا أن الأذان من أسباب المغفرة للذنوب.

وقد أخرج أبو داود

(7)

والنسائي

(8)

وابن ماجه

(9)

وابن خزيمة

(10)

وابن حبان

(11)

من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "يُغْفَرُ للمؤذّن مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس". وفي إسناده أبو يحيى الراوي له عن أبي هريرة.

قال ابن القطان

(12)

:

(1)

في "المصنف" رقم (1955).

(2)

ذكر المزي في "تحفة الأشراف"(4/ 32 رقم 4503) عزو هذا الحديث للنسائي في "الكبرى" في كتاب "المواعظ"، هو في رواية حمزة بن محمد الكناني.

(3)

في حاشية المخطوط (أ) ما نصه: "بقاف مكسورة من القواء، وهو القفر" اهـ.

وانظر: "لسان العرب"(11/ 365 - 366).

(4)

معتمر التيمي هو ابن سليمان أبو محمد البصري، ثقة. مات سنة (287 هـ) روى له الجماعة "التقريب"(2/ 263).

(5)

في "السنن الكبرى"(1/ 406).

(6)

لم أعثر عليه.

(7)

في "سننه" رقم (515).

(8)

في "سننه"(2/ 13).

(9)

في "سننه" رقم (724).

(10)

في "صحيحه" رقم (390).

(11)

في "صحيحه" رقم (1666).

قلت: وأخرجه أحمد (2/ 411، 429، 458، 461)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (411) وهو حديث صحيح.

(12)

في "الوهم والإيهام"(4/ 147 - 148): "وأبو يحيى هذا لا يعرف، وقد ذكره ابن الجارود فلم يزد على ما أخذ من هذا الإسناد: من روايته عن أبي هريرة، ورواية موسى بن أبي عثمان عنه.

وهناك جماعة تروي عن أبي هريرة، كل واحد منهم يقال له: أبو يحيى، منهم مولى =

ص: 204

لا يعرف، وادّعى ابن حبان في الصحيح

(1)

أن اسمه سمعان.

وقد رواه البيهقي

(2)

من وجهين آخرين عن الأعمش، قال تارة: عن أبي صالح، وتارة عن مجاهد، عن أبي هريرة، ومن طريق أخرى عن مجاهد عن ابن عمر

(3)

.

ورواه أحمد

(4)

والنسائي

(5)

من حديث البراء بن عازب بلفظ: "المؤذن يغفر له مدّ صوته، ويصدقه من سمعه من رطب ويابس وله مثل أجر من صلّى معه". وصحَّحه ابن السكن

(6)

.

ورواه أحمد

(7)

والبيهقي

(8)

من حديث مجاهد عن ابن عمر.

وفي فضل الأذان أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما مصرِّحة [بعظيم]

(9)

فضله وارتفاع درجته، وأنه من أجلِّ الطاعات التي يتنافس فيها المتنافسون، ولكن بذلك الشرط الذي عرَّفناك في شرح حديث معاوية

(10)

.

قال المصنف

(11)

رحمه الله [تعالى]

(12)

بعد أن ساق حديث الباب: وفيه دليل على أن الأذان يسنّ للمنفرد، وإن كان بحيث لا يسمعه أحد.

= جعدة - وهو المقصود هنا، كما بيَّنه أحمد في روايته، وانظر:"الجرح"(9/ 457) - وهو ثقة، وآخر اسمه قيس، روى عنه بكير بن الأشج، ذكره مسلم - "الكنى والأسماء" لمسلم (118) - وآخر لا يسمى، روى عنه صفوان بن سليم، يُعَدّ في أهل المدينة، ذكره ابن أبي حاتم.

قال أبو أحمد في كتابه في الكنى: خليق أن يكون هذا قيسًا الذي روى عنه بكير بن الأشج، فاعلم ذلك" اهـ.

قلت: وهذا يؤيّد ما قاله المحدّث الألباني في تعليقه على ابن خزيمة رقم (390).

(1)

(4/ 553): "قال أبو حاتم رضي الله عنه أبو يحيى هذا: اسمه سمعان مولى أسلم من أهل المدينة، والد أُنيس ومحمد، ابني أبي يحيى الأسلمي، من جِلّة التابعين.

وابن ابنه إبراهيمُ بنُ محمد بن أبي يحيى: تالفٌ في الروايات" اهـ.

(2)

في "السنن الكبرى"(1/ 431).

(3)

انظر: "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 193 - 194 رقم 555).

(4)

في "المسند"(4/ 284).

(5)

في "السنن"(2/ 13 رقم 646).

(6)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(1/ 205).

(7)

في "المسند"(2/ 136).

(8)

في "السنن الكبرى"(1/ 431).

(9)

في المخطوط (أ): (بعظم).

(10)

رقم (3/ 487) من كتابنا هذا، وهو حديث صحيح.

(11)

ابن تيمية الجد في كتابه "المنتقى"(1/ 241).

(12)

زيادة من (جـ).

ص: 205

الشظية: الطريقة كالجدة

(1)

، انتهى.

ويقال: الشظية للقطعة المرتفعة من الجبل، وهي بالظاء المعجمة.

[الباب الثاني] باب صفة الأذان

6/ 490 - (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيِّبِ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ [رضي الله تعالى عنهم]

(2)

قالَ: لمَّا أجْمَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَضْرِبَ بالنَّاقُوسِ وَهُو لَهُ كَارِهٌ لِمُوَافَقَتِهِ النَّصارَى طافَ بِي مِنَ اللَّيْلِ طَائِفٌ وَأَنَا نَائِمٌ: رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أخْضَرَانِ وَفِي يَدِهِ نَاقُوسٌ يَحْمِلُهُ قالَ: فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ الله أتَبيعُ النَّاقُوسَ، قالَ: وَما تَصْنَعُ بِهِ؟ قالَ: قُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذلِكَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، قالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أشْهَدُ أنْ لَا إِله إِلَّا الله، أشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا الله، أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، أشْهَدُ أن مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، لَا إلهَ إلَّا الله. قال: ثم استأخر غير بعيد، قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاةَ: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.

قالَ: فَلَمَّا أصْبَحْتُ أتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إن هذِهِ الرُّؤْيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ الله"، ثُمَّ أمَرَ بِالتَّأْذِينِ فَكانَ بِلَالٌ مَوْلَى أبِي بَكْرٍ يُؤَذِّنُ بِذلِكَ وَيَدْعُو رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم إلى الصَّلَاةِ، قالَ: فَجَاءَهُ فَدَعاهُ ذاتَ غَدَاةٍ إلَى الفَجْرِ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَائِمٌ، فَصَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ

(1)

قوله: كالجُدّة، ومنه قوله تعالى: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا

} [فاطر: 27] جمع جُدة، أي طريقة ظاهرة، من قولهم: طريق مجدود، أي مسلوك مقطوع ومنه جادّة الطريق" اهـ. "المفردات" للراغب الأصفهاني.

(2)

زيادة من (جـ).

ص: 206

النَّوْمِ. قالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: فَأُدْخِلَتْ هذِهِ الكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ إلَى صَلَاةِ الفَجْرِ.

رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

وأبُو دَاوُدَ

(2)

مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَفِيهِ: فَلَمَّا أصْبَحْتُ أتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ:"إنَّها لَرُؤيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ الله، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيهِ مَا رَأَيْتَ فَإِنَّهُ أنْدَى صَوْتًا مِنْكَ"، قالَ: فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ ويُؤَذِّنُ بِهِ، قالَ: فَسَمِعَ ذلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي أُرِيَ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"فَلِلَّهِ الحَمْدُ". وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ

(3)

هذا الطَّرفَ

(4)

مِنْهُ بِهذِهِ الطَّرِيقِ

(5)

وقالَ: حَدِيثُ عَبْدِ الله بْنِ زَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحْيحٌ). [حسن]

الحديث أخرجه أيضًا من الطريقة الأولى الحاكم

(6)

، وقال:[هذه]

(7)

أمثل الروايات في قصة عبد الله بن زيد لأن سعيد بن المسيب قد سمع من عبد الله بن زيد، ورواه يونس

(8)

ومعمر

(9)

وشعيب

(10)

وابن إسحق عن الزهري، ومتابعة هؤلاء لمحمد بن إسحق عن الزهري ترفع احتمال التدليس الذي تحتمله عنعنة ابن إسحق.

وأخرجه أيضًا من الطريقة الثانية ابن خزيمة

(11)

وابن حبان

(12)

في

(1)

في "المسند"(4/ 43). وعبارة (رواه أحمد) مكررة في (جـ).

(2)

في "السنن" رقم (499).

(3)

في "السنن" رقم (189)، وقال: حديث حسن صحيح.

(4)

أي من قوله: "لما أصبحنا أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم

"، الحديث.

(5)

يعني طريق أبي داود وهي رواية محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي.

(6)

في "المستدرك"(3/ 336).

(7)

في المخطوط (أ): (هذا).

(8)

هو يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي، أبو يزيد: ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلًا، وفي غير الزهري خطأ. روى له الجماعة. مات سنة (159 هـ). "التقريب"(1/ 386).

(9)

هو معمر بن راشد الأزدي أبو عروة البصري نزيل اليمن، ثقة ثبت فاضل. روى له الجماعة. مات سنة (154 هـ). "التقريب"(2/ 266).

(10)

شعيب هو ابن أبي حمزة، واسم أبيه دينار. أبو بشر الحمصي، ثقة، عابد. روى له الجماعة. مات سنة (162 هـ). "التقريب"(1/ 352).

(11)

في "صحيحه" رقم (371).

(12)

في "صحيحه" رقم (287 - موارد).

ص: 207

صحيحيها، والبيهقي

(1)

وابن ماجه

(2)

.

قال محمد بن يحيى الذهلي: ليس في أخبار عبد الله بن زيد أصح من حديث محمد بن إسحق عن محمد بن إبراهيم التيمي، يعني هذا، لأن محمدًا قد سمع من أبيه عبد الله بن زيد.

وقال ابن خزيمة في صحيحه

(3)

: هذا حديث صحيح ثابت من جهة النقل لأن محمدًا سمع من أبيه وابن إسحق سمع من التيمي، وليس هذا مما دلسه. وقد صحح هذه الطريقة البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل

(4)

عنه.

وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود من حديث محمد بن عمرو الواقفي

(5)

عن محمد بن عبد الله عن عمه

(6)

عبد الله بن زيد ومحمد بن عمرو

(1)

في "السنن الكبرى"(1/ 390 - 391).

(2)

في "سننه" رقم (706).

قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 241)، وعبد الرزاق في "المصنف"(رقم 1787)، والدارمي (1/ 268 و 269)، وابن الجارود رقم (158).

(3)

(1/ 193).

(4)

ذكره الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 259).

(5)

قوله: "من حديث محمد بن عمرو الواقفي": هذا وهم، فليست الرواية المذكورة من رواية الواقفي المذكور. وأبو داود لم يذكر "الواقفي"، إنما قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا حماد بن خالد، ثنا محمد بن عمرو عن محمد بن عبد الله عن عمه عبد الله بن زيد.

فظنّ الإمام الشوكاني أنه محمد بن عمرو الواقفي، وليس كذلك، بل هو محمد بن عمرو الأنصاري، والأنصاري هذا هو الذي روى عن محمد بن عبد الله، وعنه حماد بن خالد كما في هذا السند.

وبهذا ترجم له الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب"(9/ 378 رقم 620)، وهذا الأنصاري قال عنه ابن حجر في "التقريب" (2/ 192 رقم 586): مقبول. أفاده الدكتور: عبد الوهاب بن لطف الديلمي حفظه الله.

(6)

قوله: "عن محمد بن عبد الله عن عمه": هكذا جاء في رواية أبي داود، وقد نبَّه الشيخ محمود محمد خطّاب السبكي في كتابه "المنهل العذرب المورود شرح سنن أبي داود" (4/ 168) قال: "هو هكذا في نسخ المصنف، وفي البيهقي ومسند أحمد، ولا نعلم له وجهًا، فإن هذا السند إما أن يكون فيه عبد الله بن محمد، أو محمد بن عبد الله، فإن كان عبد الله بن محمد، فهو حفيد عبد الله بن زيد يروي عن جدّه، وإن كان محمد بن عبد الله، فهو ولد عبد الله بن زيد يروي عن أبيه، وعلى كلٍّ فلا يصحّ أن يقال: عن =

ص: 208

ضعيف، واختلف عليه فيه فقيل: عن محمد بن عبد الله. وقيل: عبد الله بن محمد. قال ابن عبد البر

(1)

: إسناده حسن من حديث الإفريقي.

قال الحاكم

(2)

: وأما أخبار الكوفة في هذه القصة يعني في تثنية الأذان والإقامة فمدارها على حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، واختلف عليه فيه فمنهم من قال عن معاذ بن جبل، ومنهم من قال عن عبد الله بن زيد، ومنهم من قال غير ذلك.

الحديث فيه تربيع التكبير. وقد ذهب إلى ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء كما قال النووي

(3)

. ومن أهل البيت الناصر والمؤيّد بالله والإمام يحيى

(4)

.

واحتجّوا بهذا الحديث، فإن المشهور فيه التربيع، وبحديث أبي محذورة الآتي

(5)

. وبأن التربيع عمل أهل مكّة وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم.

وذهب مالك وأبو يوسف ومن أهل البيت زيد بن علي والصادق والهادي والقاسم إلى تثنيته

(6)

محتجّين بما وقع في بعض روايات هذا الحديث من التثنية، وبحديث أبي محذورة الآتي

(7)

في رواية مسلم

(8)

عنه، وفيه:"إن الأذان مثنى فقط"، وبأن التثنية عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن.

= عمّه، بل الصواب عن جدّه، أو عن أبيه" اهـ. أفاده الدكتور عبد الوهاب بن لطف الديلمي.

(1)

ذكره الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 259).

(2)

في "المستدرك"(3/ 336).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (4/ 81).

(4)

"البحر الزخار"(1/ 190).

(5)

رقم (9/ 493) من كتابنا هذا.

(6)

"البحر الزخار"(1/ 189).

(7)

رقم (9/ 493) من كتابنا هذا.

(8)

في "صحيحه" رقم (6/ 379) عن أبي محذورة.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم"(4/ 81) عقب الحديث: "هكذا وقع هذا الحديث في صحيح مسلم في أكثر الأصول في أوّله: الله أكبر مرتين فقط، ووقع في غير مسلم أربع مرات".

وقال القاضي عياض في: "إكمال المعلم"(2/ 244): "ووقع في بعض طرق الفارسي الأذان أربع مرات".

ص: 209

وبحديث أمره صلى الله عليه وسلم لبلال بتشفيع الأذان وإيتار الإقامة وسيأتي

(1)

.

والحق أن روايات التربيع أرجح لاشتمالها على الزيادة وهي مقبولة لعدم منافاتها وصحة مخرجها

(2)

.

وفي الحديث ذكر الشهادتين مثنى مثنى، وقد اختلف الناس في ذلك فذهب أبو حنيفة والكوفيون والهادوية والناصر

(3)

إلى عدم استحباب الترجيع تمسكًا بظاهر الحديث.

والترجيع: هو العود إلى الشهادتين مرتين مرتين برفع الصوت بعد قولها مرتين مرتين بخفض الصوت، ذكر ذلك النووي في شرح مسلم

(4)

. وفي كلام الرافعي ما يشعر بأن الترجيع اسم للمجموع من السر والجهر. وفي شرح المهذب

(5)

والتحقيق والدقائق والتحرير أنه اسم للأول.

وذهب الشافعي ومالك وأحمد وجمهور العلماء كما قال النووي (4) إلى أن الترجيع في الأذان ثابت لحديث أبي محذورة الآتي

(6)

وهو حديث صحيح مشتمل على زيادة غير منافية فيجب قبولها، وهو أيضًا متأخر عن حديث عبد الله بن زيد.

قال في شرح مسلم (4): إن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حُنين، وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر، ويرجحه أيضًا عمل أهل مكة والمدينة به.

قال النووي (4): وقد ذهب جماعة من المحدثين وغيرهم إلى التخيير بين فعل الترجيع وتركه.

وفيه التثويب في صلاة الفجر لقول سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة

(1)

رقم (7/ 491) من كتابنا هذا.

(2)

قلت: رواية التثنية عن أبي محذورة وردت من طرق صحيحة في الظاهر، إلا أن جميعها معلول، لأنها غلط من بعض الرواة.

وكذلك رواية التثنية عن عبد الله بن زيد، فإنها باطلة عنه، لأنها وقعت غلطًا من بعض الرواة.

انظر تفصيل ذلك في كتابنا: "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الصلاة.

(3)

"البحر الزخار"(1/ 191).

(4)

(4/ 81) للإمام النووي.

(5)

"المجموع شرح المهذب"(3/ 100).

(6)

برقم (9/ 493) من كتابنا هذا.

ص: 210

في التأذين إلى صلاة الفجر، يعني قول بلال:"الصلاة خير من النوم"، وزاد ابن ماجه

(1)

: "فأقرّها رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي إسناده ضعف جدًّا.

وروى أيضًا ابن ماجه

(2)

وأحمد

(3)

والترمذي

(4)

من حديث بلال بلفظ: "لا تُثَوِّبَنَّ في شيءٍ من الصَّلاةِ إلا في صلاةِ الفجر"، وفيه أبو إسماعيل الملائي وهو ضعيف مع انقطاعه بين عبد الرحمن بن أبي ليلى وبلال.

وقال ابن السكن

(5)

: لا يصحّ إسناده.

(1)

في "سننه" رقم (716).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 253): "هذا إسناد رجاله ثقات إلّا أن فيه انقطاعًا سعيد بن المسيب لم يسمع من بلال".

(2)

في "سننه" رقم (715).

(3)

في "المسند"(6/ 14، 15).

(4)

في "سننه" رقم (198) وقال: حديث بلال: لا نعرفه إلَّا من حديث أبي إسرائيل المُلائي. وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم بن عتيبة قال: إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة.

وأبو إسرائيل اسمه: "إسماعيل بن أبي إسحاق"، وليس هو بذاك القوي عند أهل الحديث".

قال العقيلي في الضعفاء (1/ 75): في حديث أبي إسرائيل وهم واضطراب. قلت: لم يتفرد أبو إسرائيل بالحديث وإن لم يعرف ذلك الترمذي.

فقد أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 424) من طريق عبد الوهاب بن عطاء، أنا شعبة عن الحكم بن عتبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:"أمر بلال أن يثوب في صلاة الصبح ولا يثوّب في غيرها".

ورجاله ثقات لكنه منقطع، لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلقَ بلالًا.

ثم أخرجه البيهقي (1/ 424)، وأحمد (6/ 14 - 15) من طريق علي بن عاصم ثنا عطاء بن السائب، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال:"أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أثوِّب إلّا في الفجر".

وقال البيهقي: "وهذا مرسل، فإن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلقَ بلالًا".

قلت: وفي سنده عطاء بن السائب: صدوق اختلط."التقريب"(2/ 22 رقم 191).

وعلي بن عاصم: ضعيف. "المغني"(2/ 450 رقم 4290).

ثم قال البيهقي (1/ 424): ورواه الحجاج بن أرطاة، عن طلحة بن مصرف وزبيد عن سويد بن غفلة: أن بلالًا كان لا يثوّب إلّا في الفجر، فكان يقول في أذانه: حيّ على الفلاح، الصلاة خير من النوم. والحجاج مدلس.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(1/ 202)، وضعف الحديث الألباني في "الإرواء" رقم (235).

ص: 211

ورواه الدارقطني

(1)

من طريق أخرى وفيه أبو سعيد البقال وهو نحو أبي إسماعيل في الضعف.

وبيان الانقطاع بين ابن أبي ليلى

(2)

وبلال

(3)

أن ابن أبي ليلى مولده سنة سبع عشرة ووفاة بلال سنة عشرين أو إحدى وعشرين بالشام، وكان مرابطًا بها قبل ذلك من أوائل فتوحها فهو شامي، وابن أبي ليلى كوفي، فكيف يسمع منه مع حداثة السن وتباعد الديار.

وقد روي إثبات التثويب من حديث أبي محذورة قال: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان وقال: إذا كنت في أذان الصبح فقلت: حيّ على الفلاح، فقل: الصلاة خير من النوم"، أخرجه أبو داود

(4)

وابن حبان

(5)

مطولًا من حديثه وفيه هذه

(1)

في "السنن"(1/ 243).

(2)

انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب"(2/ 548 - 549).

(3)

انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب"(1/ 253 - 254).

وقال العقيلي في "الضعفاء"(1/ 75): في حديث أبي إسرائيل وهم واضطراب.

قلت: لم يتفرد أبو إسرائيل بالحديث، وإن لم يعرف ذلك الترمذي.

(4)

في "سننه" رقم (500).

(5)

في "صحيحه" رقم (1682).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن"(1/ 394)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (408) من طريق مسدد بن مسرهدٍ، قال: حدثنا الحارث بن عبيد، عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جدّه، به.

وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 421، 422) من طريق أبي المثنى، عن مسدد، به.

وأخرجه أحمد (3/ 408، 409) عن سريج بن النعمان، عن الحارث بن عبيد، به.

وأخرجه أبو داود رقم (504) عن عبد الله بن محمد النفيلي، والترمذي رقم (191)،

والنسائي (3/ 2، 4) عن بشر بن معاذ.

والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 414) من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ويعقوب بن حميد بن كاسب.

كلهم عن إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، قال: أخبرني أبي وجدي جميعًا، عن أبي محذورة.

وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" رقم (378) من طريق بشر بن معاذ، عن إبراهيم بن عبد العزيز، به، وقال: "عبد العزيز بن عبد الملك لم يسمع هذا الخبر من أبي محذورة، إنما رواه عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة

". =

ص: 212

الزيادة، وفي إسناده محمد بن عبد الملك

(1)

بن أبي محذورة وهو غير معروف الحال، والحارث بن عبيد

(2)

وفيه مقال.

وذكره أبو داود

(3)

من طريق أخرى عن أبي محذورة وصححه ابن خزيمة

(4)

من طريق ابن جريج.

ورواه النسائي

(5)

من وجه آخر، وصححه أيضًا ابن خزيمة

(6)

، ورواه بقي بن مخلد.

وروى التثويب أيضًا الطبراني

(7)

والبيهقي

(8)

بإسناد حسن عن ابن عمر بلفظ: كان الأذان بعد حيّ على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرّتين، قال اليعمري: وهذا إسناد صحيح.

وروى ابن خزيمة

(9)

والدارقطني

(10)

والبيهقي

(11)

عن أنس أنّه قال: من السنّة إذا قال المؤذن في الفجر حيّ على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم، قال ابن سيد الناس اليعمري: وهو إسناد صحيح.

= ثم أورده برقم (379) من طريق عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة

ثم قال: فخبر ابن أبي محذورة ثابت صحيح من جهة النقل.

والخلاصة: أن حديث أبي محذورة حديث صحيح، والله أعلم.

(1)

محمد بن عبد الملك بن محذورة لم يوثقه إلا ابن حبان في "الثقات"(7/ 434).

وأبوه عبد الملك بن أبي محذورة كذلك لم يوثقه إلا ابن حبان في "الثقات"(5/ 117).

(2)

وهو من رجال مسلم، انظر:"رجال صحيح مسلم"(1/ 172 رقم 349).

وقال عنه أبو حاتم: ليس بالقوي يكتب حديثه ولا يحتجّ به. وقال النسائي: ليس بذاك القويز وقال أحمد: مضطرب الحديث. وقال الحافظ: صدوق يخطئ. "التقريب"(1/ 142)، "الجمع"(1/ 96)، "الكاشف"(1/ 139).

(3)

في "سننه" رقم (501) من طريق ابن جريج.

(4)

في "صحيحه" رقم (379) من طريق ابن جريج.

(5)

في "السنن"(2/ 13 - 14).

(6)

في "صحيحه" رقم (378).

(7)

لم أقف عليه.

(8)

في "السنن الكبرى"(1/ 423).

(9)

في "صحيحه" رقم (386).

(10)

في "السنن" رقم (1/ 243).

(11)

في "السنن الكبرى"(1/ 423)، بسند صحيح.

ص: 213

وفي الباب عن عائشة عند ابن حبان

(1)

.

وعن نعيم النحام

(2)

عند البيهقي

(3)

.

وقد ذهب إلى القول بشرعية التثويب عمر بن الخطاب

(4)

، وابنه

(5)

، وأنس

(6)

، والحسن البصري

(7)

، وابن سيرين

(8)

، والزهري

(9)

، ومالك

(10)

، والثوري

(11)

، وأحمد

(12)

، وإسحاق

(13)

، وأبو ثور

(14)

، وداود

(15)

، وأصحاب الشافعي

(16)

، وهو رأي الشافعي في القديم، ومكروه عنده في الجديد، وهو مرويّ عن أبي حنيفة

(17)

.

واختلفوا في محله، فالمشهور أنه في صلاة الصبح فقط، وعن

(1)

لم أقف عليه؟!

(2)

اسمه: إبراهيم بن صالح بن عبد الله النحام. "تهذيب الأنساب" لابن الأثير (3/ 300).

(3)

في "السنن الكبرى"(1/ 423)، وصحح الحافظ إسناده في "الفتح"(2/ 99).

(4)

أخرج عنه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 208)، وحكاه عنه النووي في "المجموع"(3/ 102).

(5)

حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(3/ 21).

(6)

أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 208)، وابن المنذر في "الأوسط" (3/ 21 ح 1171) عن أنس قال: من السنة أن يقول في صلاة الفجر: "الصلاة خير من النوم".

(7)

أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 208) عن الحسن ومحمد قال: كان التثويب عندهما أن يقول: حيّ على الصلاة، الصلاة خير من النوم.

(8)

حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(3/ 21).

(9)

أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (1826) عن معمر عنه أنه كان يقول في التثويب إذا قال في الأذان: حي على الفلاح حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم.

(10)

"المدونة"(1/ 58).

(11)

حكاه عنه النووي في "المجموع"(3/ 102).

(12)

"مسائل أحمد" لأبي داود (ص 27)، ومسائل أحمد وإسحاق (1/ 41).

(13)

حكى عنه الكوسج في "مسائل أحمد وإسحاق"(1/ 41).

(14)

حكاه عنه النووي في "المجموع"(3/ 102)، وفقه أبي ثور (ص 193).

(15)

انظر: "المحلى" لابن حزم (3/ 151 - 152).

(16)

انظر: "المجموع"(3/ 99 - 100).

(17)

انظر: "البناية في شرح الهداية" للعيني (2/ 90 - 91).

ص: 214

النخعي

(1)

وأبي يوسف أنه سنّة في كل الصلوات.

وحكى القاضي أبو الطيّب

(2)

عن الحسن بن صالح أنه يستحب في أذان العشاء.

وروي عن الشعبي وغيره أنه يستحب في العشاء والفجر.

والأحاديث لم ترد بإثباته إلا في صلاة الصبح لا في غيرها، فالواجب الاقتصار على ذلك، والجزم بأن فعله في غيرها بدعة كما صرّح بذلك ابن عمر

(3)

وغيره.

وذهبت العترة والشافعي في أحد قوليه إلى أن التثويب بدعة، قال في البحر

(4)

: أحدثه عمر، فقال ابنه: هذه بدعة

(5)

. وعن عليّ [عليه

(1)

قال النووي في "المجموع"(3/ 105): "

وحكى الشيخ أبو حامد، وصاحب الحاوي، والمحاملي، وغيرهم عن النخعي أنه كان يقول: التثويب سنّة في كل الصلوات كالصبح

".

قلت: كلام النخعي مخالف للحديث المرفوع فهو مردود.

كما أنه يخالف حديث عائشة المرفوع أيضًا بلفظ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

أخرجه البخاري رقم (2697). ومسلم رقم (1718).

(2)

ذكره النووي في "المجموع"(3/ 105 - 106)، وهو مردود بما تقدم.

(3)

أخرج أبو داود في "سننه" رقم (538) عن مجاهد قال: كنتُ مع ابن عمر فثوَّبَ رجلٌ في الظهر أو العصر، قال:"اخرجْ بنا فإنَّ هذه بدعة". وقال الألباني: حسن.

(4)

"البحر الزخار"(1/ 192).

(5)

التثويب بمعنى "الصلاة خير من النوم"، فقد روي من أوجهٍ عديدة من حديث أبي محذورة.

أخرجه أبو داود رقم (501 و 504)، والنسائي (2/ 7 و 2/ 13 - 14)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 457 رقم 1779)، وأحمد (3/ 408)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 134 و 1/ 137)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 422)، والدارقطني (1/ 238 و 1/ 237)، وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 310) من طرق، وهو حديث صحيح كما تقدم.

قلت: إنما يشرع التثويب في الأذان الأول للصبح، الذي يكون قبل دخول الوقت بنحو ربع ساعة تقريبًا لحديث ابن عمر الذي أخرجه البيهقي (1/ 423)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 137) بسند حسن كما قال الحافظ، قال ابن عمر: "كان في الأذان =

ص: 215

السلام]

(1)

حين سمعه: لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه، ثم قال بعد أن ذكر حديث أبي محذورة وبلال، قلنا: لو كان لما أنكره علي وابن عمر وطاوس، سلمنا فأمَرَ به إشعارًا في حال لا شرعًا جمعًا بين الآثار، انتهى.

وأقول: قد عرفت مما سلف رفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم والأمر به على جهة العموم من دون تخصيص بوقت دون وقت، وابن عمر لم ينكر مطلق التثويب بل أنكره في صلاة الظهر. ورواية الإنكار عن عليّ عليه السلام بعد صحتها لا تقدح

(2)

في مرويّ غيره؛ لأن المثبت أولى ومن علم حجة، والتثويب زيادة ثابتة فالقول [بها]

(3)

لازم.

والحديث ليس فيه ذكر حيّ على خير العمل، وقد ذهبت العترة إلى إثباته وأنه بعد قول المؤذن: حيّ على الفلاح، قالوا: يقول مرتين حي على خير العمل ونسبه المهدي في البحر

(4)

إلى أحد قولي الشافعي وهو خلاف ما في كتب الشافعية، فإنّا لم نجد في شيء منها هذه المقالة بل خلاف ما في كتب أهل

= الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم".

قلت: ومن البدع التي بيَّنها العلماء:

قال الشقيري في "السنن والمبتدعات"(ص 49): "وقولهم - قبل الفجر على المنابر - يا رب عفوًا بجاه المصطفى كرمًا: بدعة، وتوسل جاهلي؛ وكذا التسبيح، أو القراءة، أو الإشعار، بدع في الدين مغيّرة لسنة الأمين صلى الله عليه وسلم

".

وقال ابن الجوزي في "تلبيس إبليس"(ص 157): "وقد رأينا من يقوم بالليل كثيرًا على المنارة فيعظ ويذكر، ومنهم من يقرأ سورًا من القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات".

(1)

في (جـ): رضي الله عنه.

(2)

لأن قول الصحابي إذا خالف المرفوع مردود.

(3)

في المخطوط (ب) و (جـ): (به).

(4)

(1/ 193).

وقال الإمام النووي في "المجموع"(3/ 106): "يكره أن يقال في الأذان: حي على خير العمل، لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى البيهقي فيه شيئًا موقوفًا على ابن عمر، وعلي بن الحسين رضي الله عنهم.

قال البيهقي: لم تثبت هذه اللفظة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنحن نكره الزيادة في الأذان، والله أعلم" اهـ.

ص: 216

البيت، قال في الانتصار

(1)

: إن الفقهاء الأربعة لا يختلفون في ذلك، يعني في أن حيّ على خير العمل ليس من ألفاظ الأذان، وقد أنكر هذه الرواية الإمام عز الدين في شرح البحر وغيره ممن له اطّلاع على كتب الشافعية.

احتجّ القائلون بذلك بما في كتب أهل البيت كأمالي

(2)

أحمد بن عيسى

(3)

والتجريد

(4)

والأحكام

(5)

وجامع آل محمد

(6)

من إثبات ذلك مسندًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال في الأحكام: وقد صحّ لنا أن حيّ على خير العمل كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن بها ولم تطرح إلا في زمن عمر، وهكذا قال الحسن بن يحيى، روي ذلك عنه في جامع آل محمد [صلى الله عليه وسلم]

(7)

.

وبما أخرج البيهقي في سننه الكبرى

(8)

بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر أنه كان يؤذن بحي على خير العمل أحيانًا. وروى

(9)

فيها عن علي بن الحسين أنه قال هو الأذان الأول.

(1)

الانتصار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، تأليف المؤيد يحيى بن حمزة الحسيني اليمني. (فقه زيدي) مخطوط.

(2)

الأمالي، تأليف: أبي عبد الله أحمد بن عيسى بن زيد الحسيني.

ويسمى أيضًا: "علوم آل محمد"، و"بدائع الأنوار"(حديث أهل البيت) مطبوع.

(3)

أحمد بن عيسى الهاشمي، عن ابن أبي فُديك وغيره.

قال الدارقطني: كذاب. قال الرامهرمزي في أول الفاصل: حدثنا أبو حصين الوادعي، حدثنا أبو طاهر أحمد بن عيسى العلوي، حدثتا ابن أبي فديك، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن ابن عباس، عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهمّ ارحم خلفائي، قلنا: من خلفاؤك؟ قال: الذين يروون أحاديثي، ويعلّمونها الناس". قلت (الذهبي): هذا باطل، وأحمد هو ابن عيسى بن عبد الله وسيأتي أبوه. "الميزان"(1/ 126 - 127 رقم 509).

(4)

التجريد في علم الأثر، تأليف: المؤيد أحمد بن الحسين الهاروني الديلمي.

(وهو في فقه الهادي يحيى بن الحسين وجدّه القاسم الرسي).

(5)

الأحكام: تأليف: المتوكّل يحيى بن أحمد اليمني. (فقه زيدي) مخطوط.

(6)

وهو (الجامع الكافي) تأليف: الحسن بن محمد الحسني الديلمي. (فقه زيدي) مخطوط.

(7)

زيادة من (جـ).

(8)

(1/ 424).

(9)

أي البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 425).

• وقال البيهقي بعد هذه الآثار: "وهذه اللفظة لم تثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما علم بلالًا وأبا محذورة ونحن نكره الزيادة فيه، وبالله التوفيق" اهـ.

ص: 217

وروى المحب الطبري في أحكامه عن زيد بن أرقم أنه أذن بذلك، قال المحب الطبري: رواه ابن حزم

(1)

ورواه سعيد بن منصور في سننه عن أبي أُمامة بن سهل البدري، ولم يرو ذلك من طريق غير أهل البيت مرفوعًا

(2)

.

= • وقال ابن حزم في "المحلى"(3/ 160): "وقد صح عن ابن عمر، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف أنهم كانوا يقولون في أذانهم "حي على خير العمل" ولا نقول به، لأنه لم يصح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا حجة في أحد دونه" اهـ.

• وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(23/ 103): "حي على خير العمل، لم يكن من الأذان الراتب، وإنما فعله بعض الصحابة لعارض، تحضيضًا للناس على الصلاة".

(1)

في "المحلى"(3/ 160).

(2)

الزيادة في "الأذان" بـ "حي على خير العمل": من أشهر بدع الروافض، وليس لها أصل من الدين البتة على هذه الصورة من المداومة عليها في الأذان الراتب لجميع الصلوات. وقد رأيت نسخة بعنوان "الأذان بحي على خير العمل"، لمؤلفها أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن العلوي (367 - 445 هـ).

وقمت بتحقيق أحاديثها فهي تدور بين الموضوع والباطل - أي القسم المرفوع المتعلق بالمسألة - انظر ذلك في كتابنا: "أدلة الأبرار لمتن الأزهار في فقه الأئمة الأطهار".

وقال العلامة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في "رياض الجنّة"(ص 163 - 164): "وأما النسخة المؤلفة بعنوان: "الأذان بحي على خير العمل"، فقد اطلعت عليها فوجدتها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

أولًا: صحيح: لكنه لا يدل على أننا نقول في الأذان (حي على خير العمل)، مثاله: الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: "الصلاة لوقتها"، الحديث.

ونحن لا ننكر أن الصلاة أفضل الأعمال بعد الشهادتين، ولكن لا يلزم من هذا أننا نبتدع في الأذان، ونقول فيه:"حي على خير العمل".

• قلت: ولو كان الأمر بالعقل لأدخلنا في الأذان كل ما اعتقدناه حقًّا وصوابًا فتجد هذا يقول: "حي على عمود الدين،، وذاك يقول: "الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، والآخر يقول: "حي على مكفرة الذنوب"، ولصار الأمر فوضى ولصار رافضة إيران مصيبين أيضًا في زيادتهم "أشهد أن عليًا وليّ الله"، بعد الشهادتين في الأذان.

فهل يشك أحد من المسلمين في ولاية علي رضي الله عنه، ولكن زيادة مثل هذه الألفاظ في الأذان المشروع تعتبر بدعة ذميمة بلا شك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فارق الدنيا ومؤذّنوه يؤذنون بالأذان المعروف الذي نقل إلينا برواية العدول الضباط المتّصلة من مسنديها إليهم بغير شذوذ أو علّة، وليس في شيء منها هذه الألفاظ الدخيلة، وقد حذّرنا صلى الله عليه وسلم من الإحداث في الدين، فقال:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، متفق عليه.

البخاري رقم (2697)، ومسلم رقم (1718). =

ص: 218

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وهذه المجموعة المذكورة من الأحاديث (رقم 18 ورقم 29 وحتى 79) عدّة أسانيدها في النسخة (51) إسنادًا تجتمع لنا في خمسة أحاديث:

1 -

حديث عبد الله بن مسعود: أن رجلًا سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة لوقتها

" الحديث. البخاري رقم (527)، ومسلم رقم (85).

2 -

حديث ثوبان: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلَّا مؤمن"، أحمد (5/ 276 - 277)، وابن ماجه رقم (277) وهو حديث صحيح. "الإرواء" رقم (412).

3 -

حديث عبد الله بن عمرو: مثل لفظ حديث ثوبان سواء - ابن ماجه رقم (278)، وهو حديث صحيح. "الإرواء"(2/ 137).

4 -

حديث حذيفة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من حالة يكون العبد عليها أحب إلى الله عز وجل من أن يراه ساجدًا معفّرًا وجهه في التراب"، أخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (6075)، وقال الهيثمي في "المجمع" (1/ 301):"تفرّد به عثمان"، وهو حديث ضعيف.

5 -

حديث ابن عمر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة في أوّل وقتها"، والإسناد المذكور في النسخة ضعيف، لضعف عبد الله بن عمر العمري، وأحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة متّهم، وهو حديث موضوع.

ثم قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي:

ثانيًا: صحيح صريح لكنه ليس بحجة: لأنه موقوف على عبد الله بن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف، وعلي بن الحسين.

وهذا استحسان منهم رحمهم الله ولسنا متعبّدين باستحسانهم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، متفق عليه.

ولمسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد".

• قلت: لا حجة إلّا في قول الله أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم، أما فعل الصحابة والتابعين ومن بعدهم فلا حجّة فيه، وخاصة إذا خالف المرفوع أو خالفه الصحابة.

ثالثًا: أحاديث منكرة وموضوعة: وهو أكثر النسخة، فإن أغلب أحاديثها تدور على أبي الجارود زياد بن المنذر، وأبي بكر بن أبي دارم أحمد بن محمد، ونصر بن مزاحم، وجابر بن يزيد الجعفي، ومقاتل بن سليمان، وكل هؤلاء قد كذبوا.

وأحاديث أُخر تدور على مجاهيل لا يحتج بهم، ثم إننا لسنا نعتمد على المؤلف؛ لأنه شيعي فيخشى أن يزيد في الحديث ما ليس منه، وإليك مثالًا على ذلك، فقد ذكر (ص 26 حديثًا رقم 21) من طريق الطحاوي وفيه:"حي على خير العمل"، فراجعنا في "شرح معاني الآثار" فوجدنا الحديث ولم نجد هذه الزيادة، فعلمنا أنه لا يعتمد على هذا المؤلف، فحذارِ حذارِ أن نعتمد على أباطيل الشيعة" اهـ.

ص: 219

وقول بعضهم - الجلال

(1)

-: وقد صحح ابن حزم

(2)

والبيهقي

(3)

والمحب الطبري وسعيد بن منصور ثبوت ذلك عن علي بن الحسين وابن عمر وأبي أمامة بن سهل موقوفًا ومرفوعًا ليس - خبر - بصحيح اللهمّ [إلا]

(4)

أن يريد بقوله مرفوعًا قول علي بن الحسين هو الأذان الأوّل، ولم يثبت عن ابن عمر وأبي أمامة الرفع في شيء من كتب الحديث.

وأجاب الجمهور عن أدلّة إثباته بأن الأحاديث الواردة بذكر ألفاظ الأذان في الصحيحين وغيرهما من دواوين الحديث ليس في شيء منها ما يدلّ على ثبوت ذلك، قالوا: وإذا صحّ ما روي من أنه الأذان الأول فهو منسوخ بأحاديث الأذان لعدم ذكره فيها. وقد أورد البيهقي حديثًا في نسخ ذلك ولكنه من طريق لا يثبت النسخ بمثلها.

وفي الحديث إفراد الإقامة إلا التكبير في أوّلها وآخرها وقد قامت الصلاة، وقد اختلف الناس في ذلك وسنذكر ذلك وما هو الحق في شرح حديث أنس الآتي

(5)

بعد هذا.

قوله في الحديث: (أن يضرب بالناقوس) هو الذي تضرب به النصارى لأوقات صلاتهم، وجمعه نواقيس، والنقس ضرب الناقوس.

قوله: (حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح) اسم فعل معناه أقبلوا إليها وهلمّوا إلى الفوز والنجاة، وفتحت الياء لسكونها وسكون الياء السابقة المدغمة.

قوله: (فإنه أندى صوتًا منك)، أي أحسن صوتًا منك.

وفيه دليل على استحباب اتخاذ مؤذن حسن الصوت.

وقد أخرج الدارمي

(6)

وأبو الشيخ بإسناد متّصل بأبي محذورة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بنحو عشرين رجلًا فأذّنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان".

(1)

في "ضوء النهار"(1/ 469).

(2)

في "المحلى"(3/ 160).

(3)

في السنن الكبرى (1/ 424).

(4)

زيادة من (أ) و (ب).

(5)

رقم (7/ 491) من كتابنا هذا.

(6)

في "السنن"(1/ 271).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 416 - 417) بسند صحيح.

ص: 220

وأخرجه أيضًا ابن حبان

(1)

من طريق أخرى.

ورواه ابن خزيمة في صحيحه

(2)

.

قال الزبير بن بكار

(3)

: كان أبو محذورة أحسن الناس صوتًا وأذانًا.

ولبعض شعراء قريش

(4)

في أذان أبي محذورة:

أما وربِّ الكعبةِ المستوره

وما تَلا مُحَمَّدٌ مِن سُوره

والنَّغَماتِ مِنْ أبي مَحْذُوره

لأفعلنَّ فعلةً مَذْكُوره

وفي رواية للترمذي

(5)

بلفظ: "فقم مع بلال فإنه أندى أو أمدّ صوتًا منك فألق عليه ما قيل لك"، والمراد بقوله: أو أمد صوتًا منك، أي أرفع صوتًا منك.

وفيه استحباب رفع الصوت بالأذان، وسيذكر المصنف لذلك بابًا بعد هذا الباب

(6)

.

7/ 491 - (وَعَنْ أنَسٍ [رضي الله تعالى عنه]

(7)

قالَ: أُمِرَ بِلَالٌ أنْ يَشْفَعَ الأذَانَ ويُوتِرَ الإقامَةَ إلَّا الإقامة. رَوَاهُ الجَمَاعَةُ)

(8)

. [صحيح]

(1)

في "صحيحه" رقم (288 - موارد)، ورقم (289 - موارد).

(2)

في "صحيحه" رقم (377).

(3)

الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير الأسدي المدني، أبو عبد الله، ثقة. روى له ابن ماجه. مات سنة (256 هـ).

(4)

البيتان في الاستيعاب لابن عبد البر (4/ 178 - هامش الإصابة).

(5)

في "سننه" رقم (189) من حديث عبد الله بن زيد، وهو حديث حسن صحيح، قاله الترمذي. وقال الألباني: حديث حسن.

(6)

الباب الثالث عند الحديث رقم (11/ 495) من كتابنا هذا.

(7)

زيادة من (جـ).

(8)

أحمد في "المسند"(3/ 103، 189)، والبخاري رقم (605)، ومسلم رقم (378)، وأبو داود رقم (508)، والترمذي رقم (193)، والنسائي (2/ 3)، وابن ماجه رقم (730).

قلت: وأخرجه الطيالسي (ص 280 - 281 رقم 2095)، والدارمي (1/ 270)، وابن الجارود رقم (159)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 132 - 133)، والدارقطني في "السنن"(1/ 239)، والبيهقي (1/ 412، 413)، وأبو عوانة (1/ 326، 327، 328)، وابن خزيمة (1/ 195، 191)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 253، 254) من طوق كثيرة عن أبي قلابة، عنه.

ص: 221

[وليس فيه للنسائي

(1)

، والترمذي

(2)

، وابن ماجه

(3)

، إلا الإقامة]

(4)

.

قوله: (أُمِرَ بلال) هو في معظم الروايات على البناء للمفعول.

وقد اختلف أهل الأصول والحديث في اقتضاء هذه الصيغة للرفع، والمختار عند محقّقي الطائفتين أنها تقتضيه لأن الظاهر أن المراد بالآمر من له الأمر الشرعي الذي يلزم اتّباعه، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم لا سيما في أمور العبادة، فإنها إنما تؤخذ عن توقيف ويؤيّد هذا ما وقع في رواية روح عن عطاء:"فأمر بلالًا" بالنصب وفاعل أمر هو النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأصرح من ذلك رواية النسائي

(5)

وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب بلفظ: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا"، قال الحاكم

(6)

: صرّح برفعه إمام الحديث بلا مدافعة قتيبة، قال الحافظ

(7)

: ولم يتفرّد به.

فقد أخرجه أبو عوانة

(8)

من طريق عبدان المروزي ويحيى بن معين كلاهما عن عبد الوهاب، وطريق يحيى عند الدارقطني

(9)

أيضًا، ولم يتفرّد عبد الوهاب.

وقد رواه البلاذري

(10)

من طريق أبي شهاب الحنّاط

(11)

عن أبي قلابة

(12)

، وقضية وقوع ذلك عقب المشاورة في أمر النداء إلى الصلاة ظاهر في أن الآمر بذلك هو النبيّ صلى الله عليه وسلم لا غيره، كما استدلّ به ابن المنذر وابن حبان. قال ابن سيد الناس: والآمر بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم من غير شك.

وقد روى البيهقي

(13)

فيه بالسند الصحيح عن أنس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر

(1)

في "سننه"(2/ 3).

(2)

في "سننه" رقم (193).

(3)

في "سننه" رقم (730).

(4)

زيادة من (أ) و (ب).

(5)

في "السنن"(2/ 3 رقم 627).

(6)

في "المستدرك (1/ 198).

(7)

في "الفتح"(2/ 80).

(8)

في "المسند"(1/ 274 رقم 956، 957).

(9)

في "السنن"(1/ 240 رقم 19).

(10)

البلاذُري: هو أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذُري، من أهل بغداد، وهو صاحب "فتوح البلدان" مات سنة (279 هـ).

(11)

ابن شهاب الحناط: هو موسى بن نافع الأسدي، ويقال الهذلي، وهو الأكبر، صدوق، روى له الشيخان والنسائي. "التقريب"(2/ 289).

(12)

أبو قلابة: هو عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر الجرمي، أبو قلابة البصري، ثقة فاضل كثير الإرسال، مات سنة (104 هـ)، روى له الجماعة. "التقريب"(1/ 417).

(13)

في "السنن الكبرى"(1/ 413).

ص: 222

بلالًا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" لا ما حكي عن بعضهم من أن الآمر لبلال بذلك كان من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ من المنقول أن بلالًا لم يؤذن لأحد بعد [موت]

(1)

رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا لأبي بكر.

وقيل: لم يؤذن لأحد بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة بالشام.

قوله: (أن يشفع الأذان) بفتح أوّله وفتح الفاء، أي يأتي بألفاظه شفعًا، وهو مفسر بقوله:"مثنى مثنى". قال الحافظ

(2)

: لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة، فيحمل قوله: مثنى، على ما سواها، انتهى.

فتكون أحاديث تشفيع الأذان وتثنيته مخصّصة بالأحاديث التي ذكرت فيها كلمة التوحيد مرة واحدة، كحديث عبد الله بن زيد ونحوه.

قوله: (إلا الإقامة) ادعى ابن منده والأصيلي

(3)

أن قوله: "إلا الإقامة" من كلام أيوب وليس من الحديث، وفيما قالاه نظر؛ لأن عبد الرزاق

(4)

رواه عن معمر عن أيوب بسنده متّصلًا بالخبر مفسرًا، وكذا أبو عوانة في صحيحه

(5)

والسراج في مسنده

(6)

، والأصل أن كل ما كان [في]

(7)

الخبر فهو منه حتى يقوم دليل على خلافه ولا دليل. ورواية أيوب زيادة من حافظ فلا يقدح في صحتها عدم ذكر خالد الحذاء لها.

وقد ثبت تكرير لفظ: قد قامت الصلاة في حديث ابن عمر مرفوعًا وسيأتي

(8)

. وقد استشكل عدم استثناء التكبير في الإقامة فإنه يثنى كما تقدّم في حديث عبد الله بن زيد

(9)

.

وأُجيب بأنه وتر بالنسبة إلى تكبير الأذان فإن التكبير في أول الأذان أربع، وهذا إنما يتم في تكبير أوّل الأذان لا في آخره كما قال الحافظ

(10)

، وأنت خبير بأن ترك استثنائه في هذا الحديث لا يقدح في ثبوته لأن روايات التكرير زيادة مقبولة.

(1)

زيادة من المخطوط (ب).

(2)

في "الفتح"(2/ 83).

(3)

كما في "الفتح"(2/ 83).

(4)

في "المصنف"(1/ 464 رقم 1794).

(5)

في "المسند"(1/ 274 رقم 955).

(6)

كما في "الفتح"(2/ 83).

(7)

في (جـ): (من).

(8)

رقم (8/ 492) من كتابنا هذا.

(9)

رقم (6/ 490) من كتابنا هذا.

(10)

في "الفتح"(2/ 83).

ص: 223

الحديث يدل على وجوب الأذان والإقامة، وعلى أن الأذان مثنى، وقد تقدّم الكلام على ذلك. ويدلّ على إفراد الإقامة إلا الإقامة.

وقد اختلف الناس في ذلك فذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء إلى أن ألفاظ الإقامة إحدى عشرة كلمة كلّها مفردة إلا التكبير في أوّلها وآخرها، ولفظ:"قد قامت الصلاة"، فإنها مثنى مثنى واستدلّوا بهذا الحديث، وحديث ابن عمر الآتي

(1)

، وحديث عبد الله بن زيد السابق

(2)

.

قال الخطابي

(3)

: مذهب جمهور العلماء والذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز، والشام، واليمن، ومصر، والمغرب إلى أقصى بلاد الإسلام أن الإقامة فرادى.

قال أيضًا: مذهب كافة العلماء أنه يكرّر قوله: قد قامت الصلاة إلّا مالكًا، فإن المشهور عنه أنه لا يكرّرها. وذهب الشافعي في قديم قوليه إلى ذلك، قال النووي

(4)

: ولنا قول شاذ أنه [يقول]

(5)

في التكبير الأوّل الله أكبر مرة وفي الأخير مرة، ويقول: قد قامت الصلاة مرة.

قال ابن سيد الناس

(6)

: وقد ذهب إلى القول بأن الإقامة إحدى عشرة كلمة عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحق وأبو ثور ويحيى بن يحيى وداود وابن المنذر

(7)

.

قال البيهقي

(8)

: وممن قال بإفراد الإقامة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز.

(1)

رقم (8/ 492) من كتابنا هذا.

(2)

رقم (6/ 490) من كتابنا هذا.

(3)

في "معالم السنن"(1/ 272 - 273 - المختصر).

(4)

في "شرحه لصحيح مسلم"(4/ 78).

(5)

في (جـ): (تقول) وهو مخالف لما في شرح النووي لمسلم.

(6)

لم يطبع من كتابه النفح الشذي إلا جزء من الطهارة.

(7)

حكاه عنهم النووي في "المجموع"(3/ 102 - 103).

وانظر: "الأوسط" لابن المنذر (3/ 17)، والمدونة (1/ 58)، و"مسائل أحمد" لأبي داود (ص 27)، و"مسائل أحمد" لابن هانئ (1/ 41)، و"مسائل إسحاق"(1/ 41).

(8)

قال البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(2/ 261): "وإلى إفراد الإقامة: ذهب سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والزهري، ومالك بن أنس، وأهل الحجاز. =

ص: 224

قال البغوي

(1)

: هو قول أكثر العلماء.

وذهبت الحنفية والهادوية والثوري وابن المبارك

(2)

وأهل الكوفة إلى أن ألفاظ الإقامة مثل الأذان عندهم مع زيادة قد قامت الصلاة مرتين.

واستدلّوا بما في رواية من حديث عبد الله بن زيد عند الترمذي

(3)

وأبي داود

(4)

بلفظ: "كان أذانُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شَفْعًا شَفْعًا في الأذانِ والإقامةِ"، وأجيب عن ذلك بأنه منقطع كما قال الترمذي

(5)

، وقال الحاكم

(6)

والبيهقي

(7)

: الروايات عن عبد الله بن زيد في هذا الباب كلها منقطعة، وقد تقدم ما في سماع ابن أبي ليلى من عبد الله بن زيد. ويجاب عن هذا الانقطاع بأن الترمذي

(8)

قال بعد إخراج هذا الحديث: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد ما لفظه، وقال شعبة: عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام، قال الترمذي (8): وهذا أصح، انتهى.

وقد روى ابن أبي ليلى

(9)

عن جماعة من الصحابة منهم عمر وعليّ وعثمان وسعد بن أبي وقاص وأُبيّ بن كعب والمقداد وبلال وكعب بن عجرة وزيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان وصهيب وخلق يطول ذكرهم، وقال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كلهم من الأنصار فلا علّة للحديث؛ لأنه على

= وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز، ومكحول، والأوزاعي، وأهل الشام.

وإليه ذهب الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور، ومن تبعهم من العراقيين.

وإليه ذهب يحيى بن يحيى، وإسحاق الحنظلي، ومن تبعهما من الخراسانيين" اهـ.

(1)

في "شرح السنة للبغوي"(2/ 255).

(2)

انظر: "البناية في شرح الهداية"(2/ 94).

(3)

في "السنن" رقم (194) بسند ضعيف.

(4)

لم أعثر عليه؟

(5)

في "سننه"(1/ 372).

(6)

في "المستدرك"(3/ 336).

(7)

في "معرفة السنن والآثار"(2/ 260)، وذكره الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 259).

(8)

في "السنن"(1/ 371).

(9)

هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي أبو عبد الرحمن: صدوق سيء الحفظ جدًّا، مات سنة (148 هـ)، روى له أصحاب السنن. "التقريب"(2/ 184).

ص: 225

الرواية عن عبد الله بدون توسيط الصحابة مرسل عن الصحابة وهو في حكم المسند، وعلى روايته عن الصحابة عنه مسندًا [ومحمد بن]

(1)

عبد الرحمن وإن كان بعض أهل الحديث يضعفه فمتابعة الأعمش إياه عن عمرو بن مرّة ومتابعة شعبة كما ذكر ذلك الترمذي

(2)

مما يصحح خبره وإن خالفاه في الإسناد وأرسلا فهي مخالفة غير قادحة.

واستدلّوا أيضًا بما رواه الحاكم

(3)

والبيهقي في الخلافيات

(4)

والطحاوي

(5)

من رواية سويد بن غفلة

(6)

أن بلالًا كان يثني الأذان والإقامة وادّعى الحاكم فيه الانقطاع

(7)

. قال الحافظ

(8)

: ولكن في رواية الطحاوي سمعت بلالًا، ويؤيّد ذلك ما رواه ابن أبي شيبة

(9)

عن جبر بن علي عن شيخ يقال له الحفص

(10)

عن أبيه

(11)

عن جدّه وهو سعد القرظ

(12)

قال: أذن بلال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أذن لأبي بكر في حياته ولم يؤذن في زمان عمر، وسويد بن غفلة هاجر في زمن أبي بكر. وأمّا ما رواه أبو داود

(13)

من أن بلالًا ذهب إلى الشام في حياة أبي بكر فكان

(1)

زيادة من (أ) و (ب).

(2)

في "السنن"(1/ 371).

(3)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(1/ 199).

(4)

عزاه إليه الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 294).

(5)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 134).

(6)

سُويد بن غَفَلَة أبو أمية الجعفي مخضرم من كبار التابعين، قدم المدينة يوم دفن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان مسلمًا في حياته، ثم نزل الكوفة مات سنة (80 هـ)، وله مائة وثلاثون سنة، روى له الجماعة. "التقريب"(1/ 341).

(7)

انظر قول الحاكم في "نصب الراية"(1/ 294)، ونقل عن صاحب "الإمام" الرد على اعتراض الحاكم هذا، فانظره.

(8)

في "التلخيص"(1/ 199).

(9)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(1/ 199) ولم أجده في "المصنف".

(10)

الحفص: هو حفص بن عمر بن سعد القرظ المدني المؤذن: مقبول. روى له أبو داود في المراسيل. "التقريب"(1/ 451).

(11)

وأبوه هو عمر بن سعد القرظ: مقبول، روى عنه ابن ماجه. "التقريب"(2/ 56).

(12)

سعد القرظ هو سعد بن عائذ أو ابن عبد الرحمن، مولى الأنصاري المعروف بسعد القرظ، المؤذن بقباء، صحابي مشهور، روى له ابن ماجه."التقريب" رقم (2242).

(13)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(1/ 199) ولم أجده في السنن.

ص: 226

بها حتى مات فهو مرسل، وفي إسناده عطاء الخراساني

(1)

وهو مدلس.

وروى الطبراني في مسند الشاميين

(2)

من طريق جنادة بن أبي أمية عن بلال أنه كان يجعل الأذان والإقامة مثنى مثنى، وفي إسناده ضعف.

قال الحافظ

(3)

: وحديث أبي محذورة في تثنية الإقامة مشهور عند النسائي

(4)

، وغيره، انتهى.

وحديث أبي محذورة حديث صحيح ساقه الحازمي في الناسخ والمنسوخ

(5)

وذكر فيه الإقامة مرتين مرتين، وقال:"هذا حديث حسن على شرط أبي داود والترمذي والنسائي".

وسيأتي ما أخرجه عنه الخمسة

(6)

: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم علّمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة"، وهو حديث صححه الترمذي

(7)

وغيره وهو متأخّر عن حديث بلال الذي فيه الأمر بإيتار الإقامة لأنه بعد فتح مكّة لأن أبا محذورة من مسلمة الفتح، وبلالًا أمر بإفراد الإقامة أوّل ما شرع الأذان فيكون ناسخًا.

وقد روى أبو الشيخ

(8)

أن بلالًا أذن بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مرتين مرتين، وأقام مثل ذلك، إذا عرفت هذا تبيّن لك أن أحاديث تثنية الإقامة صالحة للاحتجاج بها لما أسلفناه، وأحاديث إفراد الإقامة وإن كانت أصحّ منها لكثرة طرقها، وكونها في الصحيحين لكن أحاديث التثنية مشتملة على الزيادة، فالمصير إليها لازم لا سيما مع تأخّر تاريخ بعضها كما عرَّفناك.

(1)

عطاء الخراساني هو عطاء بن أبي مسلم: صدوق يهم كثيرًا، ويُرسل ويدلّس. "التقريب" رقم (4600).

(2)

للطبراني (2/ 277 رقم 1334).

(3)

في "التلخيص"(1/ 199).

(4)

في "السنن"(2/ 5 رقم 631، 632) بسند حسن.

(5)

(ص 197 - 198).

(6)

أخرجه أبو داود رقم (502)، وابن ماجه رقم (709)، والترمذي رقم (191) مختصرًا ورقم (192)، والنسائي (2/ 4 رقم 630)، وأحمد (3/ 409).

وهو حديث حسن.

(7)

في "السنن"(1/ 367).

(8)

أبو الشيخ ابن حيان في كتاب الأذان له، كما في "نصب الراية" للزيلعي (1/ 264) وفي سنده ضعف.

ص: 227

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز إفراد الإقامة وتثنيتها، قال أبو عمر بن عبد البر

(1)

: "ذهب أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه وداود بن علي ومحمد بن جرير إلى إجازة القول بكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وحملوه على الإباحة والتخيير، قالوا كل ذلك جائز لأنه قد ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم جميع ذلك وعمل به أصحابه، فمن شاء قال الله أكبر [أربعًا]

(2)

في أوّل الأذان ومن شاء ثنّى، ومن شاء ثنّى الإقامة ومن شاء أفردها إلّا قوله: قد قامت الصلاة، فإن ذلك مرّتان على كل حال" انتهى.

وقد أجاب القائلون بإفراد الإقامة عن حديث أبي محذورة بأجوبة:

منها: أن من شرط الناسخ أن يكون أصحّ سندًا وأقوم قاعدة وهذا ممنوع، فإن المعتبر في الناسخ مجرد الصحة لا الأصحيَّة، ومنها أن جماعة من الأئمة ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة، ورووا من طريق أبي محذورة "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة"، كما ذكر ذلك الحازمي في الناسخ والمنسوخ

(3)

.

وأخرجه البخاري في تاريخه

(4)

والدارقطنى

(5)

وابن خزيمة

(6)

، وهذا الوجه غير نافع لأن القائلين بأنها غير محفوظة غاية ما اعتذروا به عدم الحفظ، وقد حفظ غيرهم من الأئمة كما تقدم ومن علم حجة على من لا يعلم.

وأمّا رواية إيتار الإقامة عن أبي محذورة فليست كروايته التشفيع، على أن الاعتماد على الرواية المشتملة على الزيادة.

ومن الأجوبة: أن تثنية الإقامة لو فرض أنها محفوظة وأن الحديث بها ثابت لكانت منسوخة، فإن أذان بلال هو آخر الأمرين لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما عاد من حنين ورجع إلى المدينة أقرّ بلالًا على أذانه وإقامته.

(1)

في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"(3/ 15).

(2)

في (جـ): (مرتين) وهو خطأ.

(3)

(ص 199 - 205).

(4)

في "التاريخ الكبير"(1/ 1/ 94).

(5)

في "سننه"(1/ 237).

(6)

في "صحيحه"(1/ 194، 195).

ص: 228

قالوا: وقد قيل لأحمد بن حنبل

(1)

: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة، قال: أليس قد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقرّ بلالًا على أذان عبد الله بن زيد، وهذا أنهض ما أجابوا به، ولكنه متوقف على نقل صحيح أن بلالًا أذّن بعد رجوع النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأفرد الإقامة ومجرد قول أحمد بن حنبل لا يكفي، فإن ثبت ذلك كان دليلًا لمذهب من قال بجواز الكل ويتعيّن المصير إليه، لأن فعل كل واحد من الأمرين عقب الآخر مشعر بجواز الجميع لا بالنسخ.

8/ 492 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]

(2)

قَالَ: إنَّمَا كَانَ الأذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، والإقَامَةُ مَرَّة مَرَّة. غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، وَكُنَّا إذا سَمِعْنَا الإقامَةَ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إلَى الصَّلَاةِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(4)

، والنَّسَائِيُّ)

(5)

. [حسن]

الحديث أخرجه أيضًا الشافعي

(6)

، وأبو عوانة

(7)

، والدارقطني

(8)

، وابن خزيمة

(9)

، وابن حبان

(10)

، والحاكم

(11)

.

(1)

قال الإمام أحمد في مسائله رواية ابن هانئ (1/ 40 رقم 189): "سألت أبا عبد الله عن: أذان أبي محذورة، فقال: نحن نذهب إلى آخر الأمرين، وهذا آخر الأمرين، أذان بلال بالمدينة، وأذان أبي محذورة بمكة.

قيل له: فإن بالمدينة من يؤذن بأذان أبي محذورة كثيرًا. فقال: ما كان يؤذن بها إلَّا أهل مكة، وهذا محدث بالمدينة، فإن فعله إنسان لم أعنفه" اهـ.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في "المسند"(2/ 85 و 2/ 87).

(4)

في "السنن" رقم (510).

(5)

في "السنن"(2/ 3) و (2/ 20، 21).

(6)

في "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (1/ 442 رقم 589)، ط. دار الكتب العلمية.

(7)

في "المسند"(1/ 329).

(8)

في "السنن"(1/ 239).

(9)

في "صحيحه" رقم (374).

(10)

في "صحيحه" رقم (1674).

(11)

في "المستدرك"(1/ 197 - 198) وصححه وواققه الذهبي، وقد أخطأ الحاكم وتابعه الذهبي في تعيين أبي جعفر وشيخه، وبين خطأهما الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" رقم (5569).

قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة" رقم (406)، والدولابي في "الكني"(2/ 106)، والدارمي (1/ 270)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 413) من طرق.

ص: 229

وفي إسناده أبو جعفر

(1)

المؤذن، قال شعبة: لا يحفظ لأبي جعفر غير هذا الحديث.

وقال ابن حبان

(2)

: اسمه محمد بن مسلم بن مهران.

وقال الحاكم

(3)

: اسمه عمير بن يزيد بن حبيب الخطمي.

قال الحافظ

(4)

: ووهم الحاكم في ذلك.

ورواه أبو عوانة

(5)

والدارقطني

(6)

من حديث سعيد بن المغيرة، عن عيسى بن يونس، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر. قال الحافظ

(7)

: "وأظن سعيدًا وهم فيه، وإنما رواه عيسى عن شعبة كما تقدم، لكن سعيد وثّقه أبو حاتم، ورواه ابن ماجه

(8)

من حديث سعد القرظ مرفوعًا: "كان أذان بلال مثنى مثنى وإقامته مفردة".

وعن أبي رافع نحوه

(9)

وهما ضعيفان، وقد صرح اليعمري

(10)

في شرح الترمذي أن حديث ابن عمر إسناده صحيح.

والحديث يدلّ على أن الأذان مثنى والإقامة مفردة إلّا الإقامة، وقد تقدم البحث عن ذلك.

9/ 493 - (وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(11)

أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

قال ابن حبان في "الثقات"(7/ 371) اسمه: "محمد بن إبراهيم بن مسلم بن مهران من أهل مكة، كنيته: أبو إبراهيم القرشي، يروي عن جده مسلم بن مهران بن المثنى

".

وقال الحافظ في "التقريب" رقم (5701): "محمد بن إبراهيم بن مسلم بن مهران بن المثنى المؤذن، الكوفي، وقد يُنسب لجده، ولجدِّ أبيه، ولجد جده: صدوق يخطئُ، روى له أبو داود والترمذي والنسائي".

(2)

في "الثقات"(7/ 371) كما تقدم.

(3)

في "المستدرك"(1/ 198).

(4)

في "التلخيص"(1/ 196).

(5)

في "المسند"(1/ 329).

(6)

في "السنن"(1/ 239).

(7)

في "التلخيص"(1/ 196).

(8)

في "سننه" رقم (731)، وهو حديث صحيح.

(9)

ابن ماجه في "سننه" رقم (732) وهو حديث صحيح لغيره.

(10)

وهو ابن سيد الناس في شرح الترمذي "النفح الشذي"، الذي لم يطبع منه إلا قسم من الطهارة.

(11)

زيادة من (جـ).

ص: 230

عَلَّمَهُ هَذَا الأذَانَ: اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، أشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ، أشْهَدُ أن لَا إله إلَّا اللَّهُ، أشْهَدُ أن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أشْهَدُ أن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ: أشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ مَرَّتَيْنِ، أشْهَدُ أن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، لَا إلهَ إلَّا الله. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

والنَّسَائِيُّ

(2)

، وذَكَرَ التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعًا.

وَللْخَمْسَةِ

(3)

عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ الأذَانَ تِسْعَ عَشَرَةَ كَلِمَةً وَالإِقَامَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ كَلِمَةً. قَالَ التِّرْمِذِيُّ

(4)

: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ). [صحيح]

الرواية الأولى أخرجها أيضًا بتربيع التكبير في أوّله الشافعي

(5)

، وأبو داود

(6)

، وابن ماجه

(7)

، وابن حبان

(8)

.

وقال ابن القطان: الصحيح في هذا تربيع التكبير، وبه يصح كون الأذان تسع عشرة كلمة كما في الرواية الثانية مضمومًا إلى تربيع التكبير الترجيع.

قال الحافظ

(9)

حاكيًا عن ابن القطان: وقد وقع في بعض روايات مسلم بتربيع التكبير وهي التي ينبغي أن [يعد]

(10)

في الصحيح اهـ.

وقد رواه أبو نعيم في المستخرج

(11)

والبيهقي

(12)

بتربيع التكبير، وقال

(1)

في "صحيحه" رقم (6/ 379).

قال النووي في "شرح صحيح مسلم"(4/ 81) عقب الحديث: "هكذا وقع هذا الحديث في صحيح مسلم في أكثر الأصول في أوّله: الله أكبر مرتين فقط، ووقع في غير مسلم أربع مرات".

قال القاضي عياض في "إكمال المعلم"(2/ 244): "ووقع في بعض طرق الفارسي في صحيح مسلم أربع مرات" اهـ.

(2)

في "سننه"(2/ 4 - 5 رقم 631).

(3)

وهم: أحمد في "المسند"(3/ 409) و (6/ 401)، وأبو داود رقم (502)، والنسائي (2/ 4)، والترمذي رقم (192)، وابن ماجه رقم (709).

(4)

في "السنن"(1/ 367).

(5)

في "مسنده" رقم (177 - ترتيب المسند).

(6)

في "سننه" رقم (503 و 505).

(7)

في "سننه" رقم (709).

(8)

في "صحيحه" رقم (1681).

(9)

في "التلخيص الحبير"(1/ 196 - 197).

(10)

في (جـ): (تعد).

(11)

في المستخرج على صحيح مسلم (2/ 4 - 5 رقم 835).

(12)

في "معرفة السنن والآثار"(1/ 425 رقم 558)، ط. دار الكتب العلمية.

ص: 231

بعده: أخرجه مسلم عن إسحق، وكذلك أخرجه أبو عوانة في مستخرجه

(1)

من طريق ابن المديني عن معاذ.

والرواية الثانية أخرجها أيضًا الدارمي

(2)

، والدارقطني

(3)

، والحاكم في مستدركه

(4)

، والبيهقي

(5)

، وتكلّم عليه بأوجه من التضعيف ردّها ابن دقيق العيد في "الإمام"

(6)

وصحح الحديث، وأخرجه أيضًا الطبراني.

قوله: (تسع عشرة كلمة) لأن التكبير في أوّله مربع والترجيع في الشهادتين يصير كل واحدة منهما أربعة ألفاظ، والحيعلتين أربع كلمات والتكبير [كلمتان]

(7)

وكلمة التوحيد في آخره.

قوله: (سبع عشرة) بتربيع التكبير في أوّل الإقامة وترك الترجيع وزيادة قد قامت الصلاة مرتين وباقي ألفاظها كالأذان، فتكون الإقامة ذلك المقدار.

والحديث يدلّ على تربيع التكبير والترجيع، وتربيع تكبير الإقامة وتثنية باقي ألفاظها، وقد تقدم الكلام على جميع هذه الأطراف مستوفًا، وقد عرفت مما سلف أن حديث أبي محذورة راجح؛ لأنه متأخر ومشتمل على الزيادة لا سيما مع كون النبيّ صلى الله عليه وسلم هو الذي لقنه إياه.

10/ 494 - (وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(8)

قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الأذَانِ، فَعَلَّمَهُ وَقَالَ: [فَإِنْ كانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، اللَّهُ أكبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، لَا إلهَ إلَّا للَّهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ

(9)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(10)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان

(11)

والنسائي

(12)

وصححه ابن خزيمة

(13)

،

(1)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(1/ 197).

(2)

في "السنن"(1/ 271).

(3)

في "السنن"(1/ 238).

(4)

لم أعثر عليه في "المستدرك".

(5)

في "السنن الكبرى"(1/ 416).

(6)

لم يطبع منه إلا الطهارة وجزء من المواقيت.

(7)

في (جـ): (كلمتين) وهو خطأ.

(8)

زيادة من (جـ).

(9)

في "المسند"(3/ 408).

(10)

في "سننه" رقم (500).

(11)

في "صحيحه" رقم (1682).

(12)

في "سننه"(2/ 3 - 4).

(13)

في "صحيحه" رقم (378).

ص: 232

وفي إسناده محمد بن عبد الملك

(1)

بن أبي محذورة، والحارث بن عبيد

(2)

والأوّل غير معروف، والثاني فيه مقال ولكنه قد روي من طريق أخرى.

وقد قدمنا الكلام على الحديث وعلى فقهه في شرح حديث عبد الله بن زيد، فليرجع إليه.

[الباب الثالث] باب رفع الصوت بالأذان

11/ 495 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(3)

أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ ويَابِسٍ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيُّ)

(4)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا ابن خزيمة

(5)

وابن حبان

(6)

، وفي إسناده أبو يحيى

(7)

الراوي له عن أبي هريرة، قال ابن القطان

(8)

: لا يعرف، وادّعى ابن حبان في الصحيح

(9)

أن اسمه سمعان.

ورواه البيهقي

(10)

من وجهين آخرين عن الأعمش، قال تارة عن أبي صالح، وتارة عن مجاهد عن أبي هريرة. قال [الدارقطني]

(11)

: الأشبه أنه عن مجاهد مرسل، وفي العلل لابن أبي حاتم

(12)

: سئل أبو زرعة عن حديث منصور

(13)

فقال فيه عن عطاء رجل من أهل المدينة ووقفه.

(1)

محمد بن عبد الملك لم يوثقه إلّا ابن حبان في "الثقات"(7/ 434).

(2)

الحارث بن عبيد الله، هو من رجال مسلم. انظر:"رجال مسلم"(1/ 172 رقم 349)، وقد تقدم الكلام عليه قريبًا في كتابنا هذا.

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

وهم: أحمد (2/ 411، 429، 458، 461)، وأبو داود رقم (515)، والنسائي (2/ 13)، وابن ماجه رقم (724).

(5)

في "صحيحه" رقم (390).

(6)

في "صحيحه" رقم (1666).

(7)

واسمه: سمعان الأسلمي مولاهم المدني، روى عن جمع، وروى عنه ابناه محمد وأنيس وموسى بن أبي عثمان. وذكره ابن حبان في "الثقات"(4/ 345)، وقد تقدم الكلام عليه في كتابنا هذا قريبًا في نهاية شرح حديث رقم (5/ 489).

(8)

في "الوهم والإيهام"(4/ 147 - 148)

(9)

(4/ 553).

(10)

في "السنن الكبرى"(1/ 431).

(11)

في (جـ): (البيهقي).

(12)

في "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 193 - 194 رقم 555).

(13)

الكلام فيه سقط، وهو - كما قال في "التلخيص الحبير" (1/ 205) -: "سئل أبو زرعة عن =

ص: 233

ورواه أبو أسامة

(1)

عن الحرث بن الحكم عن أبي هبيرة يحيى بن عباد عن شيخ من الأنصار، فقال: الصحيح حديث منصور.

ورواه أحمد

(2)

والنسائي

(3)

من حديث البراء بن عازب بلفظ: "المؤذن يغفر له مدّ صوته، ويصدقه من يسمعه من رطب ويابس، وله مثل أجر من صلّى معه"، وصحَّحه ابن السكن

(4)

.

ورواه أحمد

(5)

والبيهقي

(6)

من حديث مجاهد عن ابن عمر.

وفي الباب عن أنس عند ابن عدي

(7)

.

وعن أبي سعيد عند الدارقطني في العلل

(8)

.

وعن جابر عند الخطيب في الموضح

(9)

وغير ذلك.

والحديث يدلّ على استحباب مدّ الصوت في الأذان لكونه سببًا للمغفرة وشهادة الموجودات، ولأنه أمر بالمجيء إلى الصلاة، فكل ما كان أدعى لإسماع المأمورين بذلك كان أولى؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة:"ارجع فارفع صوتك"، وهذا أمر برفع الصوت. قيل: هو تمثيل بمعنى أنه لو كان بين المكان الذي يؤذن فيه والمكان الذي يبلغه صوته ذنوب تملأ تلك المسافة لغفرها الله له.

12/ 496 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أن أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ قالَ لَهُ: إنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ والْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا

= حديث منصور، عن يحيى بن عباد، عن عطاء عن أبي هريرة بهذا، ورواه جرير عن منصور، فقال فيه: عن عطاء رجل من أهل المدينة ووقفه" اهـ.

(1)

كما في "التلخيص"(1/ 205).

(2)

في "المسند"(4/ 284).

(3)

في "السنن"(2/ 13 رقم 646).

(4)

كما في "التلخيص"(1/ 205).

(5)

في "المسند"(2/ 136).

(6)

في "السنن الكبرى"(1/ 431).

(7)

في "الكامل" لابن عدي (2/ 383) في ترجمة (حفص بن سليمان الأسدي).

(8)

(11/ 265 س 2276).

وأخرجه الدارقطني في الأفراد وقال: غريب من حديث صفوان بن سليم عن عطاء عنه.

لم يسنده غير سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن صفوان. "أطراف الغرائب"(2/ 273).

(9)

للخطيب (2/ 421) ذكر (معلى بن هلال الكوفي).

ص: 234

إنْسٌ وَلَا شَيءٌ إِلَّا يَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

، وَالْبُخَارِيُّ

(2)

، وَالنَّسَائِيُّ

(3)

، وابْنُ مَاجَهْ

(4)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا الشافعي

(5)

، ومالك في الموطأ

(6)

، وغيرهما.

قوله: (تحب الغنم والبادية) أي لأجل الغنم، لأن فيها ما يحتاج في إصلاحها إليه من الرعي وهو في الغالب لا يكون إلا بالبادية.

قوله: (في غنمك أو في باديتك) يحتمل أن يكون "أو" شكًا من الراوي، ويحتمل أن يكون للتنويع؛ لأن الغنم قد لا تكون في البادية، ولأنه قد يكون في البادية حيث لا غنم.

قوله: (فارفع صوتك)، فيه دليل لمن قال باستحباب الأذان للمنفرد وهو الراجح عند الشافعية

(7)

.

قوله: (مدى صوت المؤذن)، أي غاية صوته.

قوله: (جن ولا إنس ولا شيء) ظاهره يشمل الحيوانات والجمادات، فهو من العام بعد الخاص.

والحديث الأول يبين معنى الشيء المذكور هنا لأن الرطب واليابس لا يخرج عن الاتّصاف بأحدهما شيء من الموجودات.

وفي رواية لابن خزيمة

(8)

: "لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا جن ولا إنس"، وبهذا يظهر أن التخصيص بالملائكة كما قال القرطبي أو بالحيوان كما قال غيره غير ظاهر وغير ممتنع عقلًا ولا شرعًا أن يخلق الله في الجمادات [المقدرة]

(9)

على السماع والشهادة، ومثله قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}

(10)

.

(1)

في "المسند"(3/ 35، 43).

(2)

في "صحيحه" رقم (609).

(3)

في "السنن (2/ 12).

(4)

في "السنن" رقم (723).

(5)

في "المسند"(رقم 176 - ترتيب المسند).

(6)

في "الموطأ"(1/ 69)، وهو حديث صحيح.

(7)

"المجموع"(3/ 90).

(8)

في "صحيحه" رقم (389).

(9)

"المخطوط"(أ): (القدرة).

(10)

سورة الإسراء، الآية (44).

ص: 235

وفي صحيح مسلم

(1)

: "إني لأعرف حجرًا كان يسلّم عليّ".

ومنه ما ثبت في البخاري

(2)

وغيره من قول النار: "أكل بعضي بعضًا".

قال الزين بن المنيِّر: والسِّرّ في هذه الشهادة مع أنها تقع عند عالم الغيب والشهادة أن أحكام الآخرة جرت على نَعْتِ أحكام الخلقِ في الدنيا من توجه الدعوى والجواب والشهادة.

وقيل: المراد بهذه الشهادة إشهار المشهود له بالفضل وعلوّ الدرجة، وكما أن الله [تعالى]

(3)

يفضح بالشهادة قومًا كذلك يكرم بالشهادة آخرين.

وفي الحديث استحباب رفع الصوت بالأذان، وقد تقدم تعليل ذلك وفيه أن حب الغنم والبادية لا سيما عند نزول الفتنة من عمل السلف الصالح.

[الباب الرابع] باب المؤذن يجعل أصبعيه في أذنيه ويلوي عنقه عند الحيعلة ولا يستدير

13/ 497 - (عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ [رضي الله تعالى عنه] (3) قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ وَهُوَ بِالأَبْطَحِ

(4)

فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أُدم قالَ: فَخَرَجَ بِلَالٌ بِوَضُوئِهِ فَمِنْ نَاضِحٍ وَنَائِلٍ، قالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ كَأنّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ وَأَذَنَ بِلَالٌ فَجَعَلْتُ أتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ. قالَ: ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الحِمَارُ وَالْكَلْبُ لَا يَمْنَعُ.

وَفِي رِوَايَةٍ: تَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ

(1)

في "صحيحه" رقم (2277).

(2)

في "صحيحه" رقم (537)، ومسلم رقم (615، 617)، من حديث أبي هريرة.

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

قال ياقوت الحموي في "معجم البلدان"(1/ 74): والأبطح يضاف إلى مكّة والى منى، لأنَّ المسافة بينه وبينهما واحدة، وربما كان إلى منى أقرب، وهو المحصّب الخ

ص: 236

يُصَلّي حَتَّى رَجَعَ إلَى المَدِينَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

وَلِأَبِي دَاوُدَ

(2)

: رَأَيْتُ بِلَالًا خَرَجَ إلَى الأبْطَحِ، فَأَذَّنَ فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ. [صحيح]

وَفِي رِوَايَةٍ: رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ وَيَدُورُ وَأَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا وَأُصْبَعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ قالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءُ أَرَاهَا مِنْ أدَم، قالَ: فَخَرَجَ بِلَالٌ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْعَنَزَةِ فَرَكَزَهَا فَصَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(3)

وَالترْمِذِيُّ

(4)

وَصَحَّحَهُ). [صحيح]

الحديث أخرجه النسائي

(5)

بزيادة: "فجعل يقول في أذانه هكذا ينحرف يمينًا وشمالًا".

وابن ماجه

(6)

بزيادة: "رأيته يدور في أذانه"، لكن في إسناده الحجاج بن أرطاة

(7)

.

(1)

أحمد (4/ 308)، والبخاري رقم (634)، ومسلم رقم (249/ 503)، وهو حديث صحيح.

(2)

في "السنن"(1/ 357 رقم 520)، وهو حديث صحيح.

(3)

في "المسند"(4/ 358).

(4)

في "السنن"(1/ 375 رقم 197)، وقال: حديث حسن صحيح.

قلت: وهو حديث صحيح.

(5)

في "السنن"(8/ 220 رقم 5378)، وهو حديث صحيح.

(6)

في "السنن"(1/ 236 رقم 711).

قلت: وأخرجه البيهقي (1/ 395) من طريق الحجاج بن أرطاة عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال:"أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبْطَح وهو في قُبّةٍ حمراءَ فخرج بلالٌ فأذَّنَ فاستدار في أذانِهِ، وجعل إصبعيه في أذنيه" وإسناده ضعيف، لعنعنة الحجاج بن أرطاة فإنه مدلس، لكن تابعه سفيان عن عون أخرجه أحمد (4/ 308)، وسنده صحيح على شرط الشيخين.

وقال البيهقي: "ويحتمل أن يكون الحجاج أراد بالاستدارة التفاته في حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، فيكون موافقًا لسائر الرواة. والحجاج بن أرطاة ليس بحجَّاج، والله يغفر لنا وله" اهـ.

وانظر: "نصب الراية" للزيلعي (1/ 277، 278).

(7)

حجاج بن أرطاة بن ثور بن هُبير النّخعي، أبو أَرْطاة الكوفي، القاضي، أحد الفقهاء: صدوق كثير الخطأ والتدليس

"التقريب رقم (1119) ".

ص: 237

ورواه الحاكم

(1)

بزيادة ألفاظ وقال: قد أخرجاه إلّا أنهما لم يذكرا فيه إدخال الأصبعين في الأذنين والاستدارة، وهو صحيح على شرطهما.

ورواه ابن خزيمة

(2)

بلفظ: "رأيت بلالًا يؤذن يتبع بفيه، يميل رأسه يمينًا وشمالًا" ورواه

(3)

من طريق أخرى بزيادة: "ووضع الأصبعين في الأذنين"، وكذا رواه [أبو عوانة في صحيحه

(4)

وأبو نعيم في]

(5)

مستخرجه

(6)

بزيادة: "رأى أبو جحيفة بلالًا يؤذن ويدور وأصبعاه في أذنيه"، وكذا رواه البزار

(7)

.

وقال البيهقي

(8)

: الاستدارة لم ترد من طريق صحيحة لأن مدارها على سفيان الثوري وهو لم يسمعه من عون بن أبي جحيفة إنما سمعه عن رجل عنه، والرجل يتوهم أنه الحجاج، والحجاج غير محتجّ به، قال: ووهم عبد الرزاق

(9)

في إدراجه.

وقد وردت الاستدارة من وجه آخر أخرجه أبو الشيخ

(10)

في كتاب الأذان من طريق حماد وهشيم جميعًا عن عون والطبراني

(11)

من طريق إدريس الأودي عنه وفي الإفراد للدارقطني

(12)

عن بلال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذنّا وأقمنا أن لا نزيل أقدامنا عن مواضعها"، وإسناده ضعيف.

قوله: (فمن ناضح ونائل) الناضح: الآخذ من الماء لجسده تبرّكًا ببقية وضوئه صلى الله عليه وسلم. والنائل: الآخذ ممَّا في جسد صاحبه لفراغ الماء لقصد التبرّك. وقيل: إن بعضهم كان ينال ما لا يفضل منه شيء، وبعضهم كان ينال منه ما ينضحه على غيره.

(1)

في "المستدرك"(1/ 202).

(2)

في "صحيحه"(1/ 202 رقم 387).

(3)

أي ابن خزيمة في "صحيحه"(3/ 201 رقم 388).

(4)

في "مسنده"(1/ 329).

(5)

في (جـ): (رواه أبو نعيم في صحيحه).

(6)

و

(7)

عزاه إليهما الحافظ في "التلخيص الحبير"(1/ 204).

(8)

في "السنن الكبرى"(1/ 495 - 496).

(9)

في "المصنف"(1/ 467 رقم 1806).

(10)

كما في "التلخيص"(1/ 204).

(11)

في "المعجم الكبير"(22/ 105 رقم 259).

(12)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(1/ 204).

ص: 238

وفي رواية في الصحيح

(1)

: "ورأيت بلالًا أخرج وضوءًا فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء فمن أصاب منه شيئًا تمسح به، ومن لم يصب أخذ من بلل صاحبه"، وبهذه الرواية يتبين المراد من تلك العبارة، والنضح: الرشّ، وقد تقدم الكلام عليه.

قوله: (ههنا وههنا) ظرفا مكان، والمراد بهما جهة اليمين والشمال كما فسّره بذلك الراوي.

وللحديث فوائد وفيه أحكام سيأتي بسط الكلام عليها في مواضعها، والمقصود منه ههنا الاستدلال على مشروعية التفات المؤذن يمينًا وشمالًا وجعل الأصبعين في الأذنين حال الأذان، والالتفات المذكور هنا مقيد بوقت الحيعلتين، وقد بوّب له ابن خزيمة

(2)

فقال: "باب انحراف المؤذن عند قوله حي على الصلاة حيّ على الفلاح بفمه لا ببدنه كله، وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الرأس".

وقد اختلفت الروايات في الاستدارة، ففي بعضها أنه كان يستدير وفي بعضها ولم يستدر كما سلف، ولكنها لم ترو الاستدارة إلّا من طريق حجاج

(3)

وإدريس الأودي

(4)

وهما ضعيفان، وقد رويت من طريق ثالثة وفيها ضعيف [وهو محمد العرزمي]

(5)

. وقد خالف هؤلاء الثلاثة من هو مثلهم أو أمثل وهو قيس بن الربيع

(6)

فرواه عن عون قال في حديثه: "ولم يستدر"، أخرجه أبو داود

(7)

كما تقدم.

(1)

أخرجه البخاري رقم (5859)، ومسلم رقم (250/ 503) من حديث أبي جحيفة.

(2)

في "صحيحه" رقم الباب (41)، (1/ 202).

(3)

تقدم الكلام عليه خلال شرح هذا الحديث رقم (13/ 497).

(4)

إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي، ثقة. "التقريب" رقم (296)، وفي الواقع الضعيف زياد بن عبد الله البكائي الراوي عن إدريس الأودي.

(5)

تقدمت ترجمته. وما بين الحاصرتين زيادة من (أ) و (ب).

(6)

قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي، صدوق، تغير لما كَبِرَ، وأدخل عليه ابنُه ما ليس من حديثه فحدَّثَ به، من السابعة، مات سنة بضع وستين ومئة، روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. "التقريب"(5573).

(7)

رقم (520)، وهو حديث صحيح وقد تقدم.

ص: 239

قال الحافظ

(1)

: ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عنى بها استدارة الرأس، ومن نفاها عنى استدارة الجسد كلّه، ومشى ابن بطال

(2)

ومن تبعه على ظاهره، فاستدلّ به على جواز الاستدارة.

قال ابن دقيق العيد

(3)

: فيه دليل على استدارة المؤذن للإسماع عند التلفظ بالحيعلتين، واختلف هل يستدير ببدنه كله أو بوجهه فقط وقدماه قارّتان، واختلف أيضًا هل يستدير في الحيعلتين الأولتين مرة، وفي الثانيتين مرة أو يقول حيّ على الصلاة عن يمينه ثم حيّ على الصلاة عن شماله، وكذا في الأخرى، وقد رجّح هذا الوجه بأنه يكون لكل جهة نصيب من كل كلمة، قال: والأول أقرب إلى لفظ الحديث، انتهى كلامه بالمعنى.

وروي عن أحمد

(4)

أنه لا يدور إلّا إذا كان على منارة لقصد إسماع أهل الجهتين، وبه قال أبو حنيفة

(5)

وإسحق

(6)

، وقال النخعي

(7)

والثوري

(8)

والأوزاعي

(9)

والشافعي

(10)

وأبو ثور

(11)

وهو رواية عن أحمد

(12)

:

(1)

في "الفتح"(2/ 115).

(2)

في "شرحه لصحيح البخاري"(2/ 258).

(3)

في "إحكام الأحكام"(1/ 179).

(4)

حكاه الكوسج في مسائل أحمد وإسحاق (1/ 41)، وكذا في مسائل أحمد لأبي هانئ (1/ 41).

(5)

انظر: البناية في شرح الهداية" للعيني (2/ 99 - 102).

(6)

حكاه في مسائل أحمد وإسحاق (1/ 41).

(7)

حكاه عنه العيني في "البناية"(2/ 101).

ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 210) عنه، وكذا عند عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 467 رقم 1805).

(8)

حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(3/ 26)، والعيني في "البناية"(2/ 101).

(9)

حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(3/ 26)، والعيني في "البناية"(2/ 101)، و"المجموع"(3/ 116).

(10)

قال النووي في "المجموع"(3/ 116): "

وقد ذكرنا أن مذهبنا أنه يستحب الالتفات في الحيعلة يمينًا وشمالًا ولا يدور، ولا يستدبر القبلة، سواء كان على الأرض أو على منارة

".

(11)

حكاه عنه النووي في "المجموع"(3/ 116)، والعيني في "البناية"(2/ 101).

(12)

قال ابن قدامة في "المغني"(2/ 84 - 85): "المستحب أن يؤذن مستقبل القبلة، لا نعلم =

ص: 240

إنه يستحبّ الالتفات في الحيعلتين يمينًا وشمالًا، ولا يدور ولا يستدير سواء كان على الأرض أو على منارة. وقال مالك

(1)

: لا يدور ولا يلتفت إلّا أن يريد إسماع الناس.

وقال ابن سيرين

(2)

: يكره الالتفات. والحقّ استحباب الالتفات حال الأذان بدون تقييد، وأما الدوران فقد عرفت اختلاف الأحاديث فيه، وقد أمكن الجمع بما تقدم فلا يصار إلى الترجيح.

وفي الحديث استحباب وضع الأصبعين في الأذنين

(3)

، وفي ذلك فائدتان ذكرهما العلماء، الأولى: أن ذلك أرفع لصوته، قال الحافظ

(4)

: وفيه حديث ضعيف

(5)

من طريق سعد القرظ عن بلال.

= فيه خلافًا

ويستحب أن يُدير وجهه على يمينه إذا قال: "حي على الصلاة"، وعلى يساره إذا قال:"حيّ على الفلاح"، ولا يزيل قدميه عن القبلة في التفاته

وظاهر كلام "الخِرَقيِّ" أنه لا يستدبِر، سواء كان على الأرض أو فوق المنارة. وهو قول الشافعي، وذكر أصحابنا، عن أحمد فيمن أذّن في المنارة روايتين:

(إحداهما): لا يدور للخبر، ولأنه يستدبر القبلة فكُره، كما لو كان على وجه الأرض.

(والثانية): يدور في مجالها لأنه لا يحصل الإعلام بدونِهِ، وتحصيل المقصود بالإخلال بأدب أولى من العكس، ولو أخلَّ باستقبال القبلة أو مشى في أذانِهِ لم يبطل" اهـ.

(1)

في "المدونة"(1/ 58) وحكاه عنه العيني في "البناية"(2/ 102).

(2)

حكاه عنه العيني في "البناية"(2/ 102)، والنووي في "المجموع"(3/ 116).

(3)

وممن رأى أن يجعل المؤذن سبابتيه في أذنيه:

أ - الحسن البصري: أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 468 رقم 1807) عن هشام بن حسان، عن الحسن - البصري - وابن سيرين أن المؤذن يضع سبابته في أذنيه.

ب - محمد بن سيرين: أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 210، 211) من طريق أيوب عنه قال: إذا أذن المؤذن استقبل القبلة ووضع أصبعيه في أذنيه.

ب - الأوزاعي: حكى عنه الكوسج في مسائل أحمد وإسحاق (1/ 41) وحكى عنه الترمذي (1/ 377) أنه قال: وفي الإقامة أيضًا يدخل إصبعيه في أذنيه.

د - أحمد بن حنبل: قال عبد الله: رأيت أبي يؤذن، فرأيته يجعل أصبعيه في أذنيه، مسائل أحمد لابنه (ص 59)، وكذا مسائل أحمد لابن هانئ (1/ 41).

هـ - إسحاق: حكى عنه الكوسج في مسائل أحمد وإسحاق (1/ 41).

و- أبو حنيفة: انظر: "البناية" للعيني (2/ 102 - 109).

(4)

في "الفتح"(2/ 115 - 116).

(5)

أخرجه أبو الشيخ كما في "الفتح"(2/ 115).

ص: 241

والثانية: أنه علامة للمؤذن ليعرف من يراه على بعد أو من كان به صمم أنه يؤذن. قال الترمذي

(1)

: استحبّ أهل العلم أن يدخل المؤذن أصبعيه في أذنيه في الأذان، قال: واستحبّه الأوزاعي في الإقامة أيضًا ولم يرد في الأحاديث كما قال الحافظ

(2)

تعيين الأصبع التي يستحب وضعها، وجزم النووي

(3)

بأنها المسبِّحة، وإطلاق الأصبع مجاز عن الأنملة.

[الباب الخامس] باب الأذان في أول الوقت وتقديمه عليه في الفجر خاصة

14/ 498 - (عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(4)

قالَ: كانَ بِلَالٌ

يُؤَذِّنُ إذَا زَالَتِ الشَّمْسُ لَا يَخْرُمُ، ثُمَّ لَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا خَرَجَ أقَامَ حِينَ يَرَاهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(5)

، وَمُسْلِمٌ

(6)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(7)

، وَالنَّسَائِيُّ)

(8)

. [صحيح]

قوله: (لا يخرم) أي لا يترك شيئًا من ألفاظه.

الحديث فيه المحافظة على الأذان عند دخول وقت الظهر بدون تقديم ولا تأخير، وهكذا سائر الصلوات إلّا الفجر لما سيأتي.

وفيه أيضًا أن المقيم لا يقيم إلّا إذا أراد الإمام الصلاة، وقد أخرج ابن عدي

(9)

من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة" وضعفه، ولعل تضعيفه له لأن في إسناده شريكًا القاضي

(10)

.

(1)

في "السنن"(1/ 377).

(2)

في "الفتح"(2/ 116).

(3)

انظر: "المجموع"(3/ 117).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في "المسند"(5/ 91).

(6)

في "صحيحه" رقم (606).

(7)

في "سننه" رقم (403).

(8)

في "السنن"(2/ 166).

(9)

في "الكامل"(4/ 12).

(10)

شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي أبو عبد الله الكوفي القاضي المشهور، وثّقه ابن معين وغيره، وقال النسائي: لا بأس به، وكان عابدًا عادلًا. وقال الدارقطني وغير واحد: ليس بالقوي.

انظر: "تهذيب التهذيب"(2/ 164 - 166)، و"الكامل"(4/ 6 - 23).

ص: 242

وقد أخرج البيهقي

(1)

نحوه عن عليّ رضي الله عنه من قوله، وقال: ليس بمحفوظ، ورواه أبو الشيخ

(2)

من طريق أبي الجوزاء

(3)

عن ابن عمه، وفيه معارك

(4)

وهو ضعيف.

ويعارض حديث الباب وما في معناه ما عند البخاري

(5)

، ومسلم

(6)

، وأبي داود

(7)

، والترمذي

(8)

، والنسائي

(9)

، بلفظ:"أنه قال صلى الله عليه وسلم: إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني"، أي خرجت، لأنه يدلّ على أن المقيم شرع في الإقامة قبل خروجه، ويمكن الجمع بين الحديثين بأن بلالًا كان يراقب خروج النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيشرع في الإقامة عند أوّل رؤيته له قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا، ويشهد لهذا ما أخرجه عبد الرزاق

(10)

عن ابن جريج عن ابن شهاب: "أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذّن الله أكبر يقومون إلى الصلاة فلا يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف".

وفي صحيح مسلم

(11)

، وسنن أبي داود

(12)

، ومستخرج أبي عوانة

(13)

: "أنهم كانوا يعدلون الصفوف قبل خروجه صلى الله عليه وسلم ".

وفي حديث أبي قتادة

(14)

: "أنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم

(1)

في "السنن الكبرى"(2/ 19).

(2)

كما في "التلخيص"(1/ 211).

• وأبو الشيخ هو عبد الله بن محمد بن حيّان الأصبهاني، محدث، حافظ، مفسر، وهو المعروف بأبي الشيخ. ولد سنة (274 هـ)، وتوفي سنة (369 هـ).

(3)

أبو الجوزاء: هو أوس بن عبد الله الربعي بصري يرسل كثيرًا، ثقة، روى له الجماعة.

مات سنة (183 هـ)"التقريب"(1/ 86).

(4)

ومعارك هو ابن عباد، أو ابن عبد الله العبدي بصري ضعيف، روى له الترمذي.

"التقريب"(2/ 257).

(5)

في "صحيحه" رقم (637).

(6)

في "صحيحه" رقم (604).

(7)

في "سننه" رقم (539، 540).

(8)

في "سننه" رقم (592).

(9)

في "سننه"(2/ 81)، وهو حديث صحيح.

(10)

في "المصنف" رقم (1942).

(11)

في "صحيحه" رقم (159/ 605).

(12)

في "سننه" رقم (541)، وهو حديث صحيح.

(13)

لم أعثر عليه.

(14)

أخرجه البخاري رقم (637)، ومسلم رقم (604).

ص: 243

يخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم"، فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج، فيشقّ عليهم الانتظار.

قال المصنف

(1)

رحمه الله تعالى بعد ذكر حديث الباب: وفيه أن الفريضة تغني عن تحية المسجد، انتهى.

15/ 499 - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يَمْنَعَنَّ أحَدَكُمْ أَذَانَ بِلَال مِنْ سُحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّن - أوْ قَالَ: يُنَادِي بِلَيْلٍ - لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَيُوقظَ نَائِمُكُمْ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (أحدكم) في رواية للبخاري

(4)

: "أحدًا منكم" شكّ من الراوي وكلاهما يفيد العموم.

قوله: (من سَحوره) بفتح أوّله، اسم لما يؤكل في السَّحَر. ويجوز الضم هو اسم الفعل.

قوله: (ليرجع) بفتح الياء وكسر الجيم المخفّفة يستعمل هذا لازمًا ومتعدّيًا، تقول: رجع زيد ورجعت زيدًا، ولا يقال في المتعدّي بالتثقيل، ومن رواه بالضم والتثقيل فقد أخطأ لأنه يصير من الترجيع وهو الترديد وليس مرادًا هنا، وإنما معناه يرد القائم: أي المجتهد إلى راحته ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطًا، أو يتسحّر إن كان له حاجة إلى الصيام، ويوقظ النائم ليتأهّب للصلاة بالغسل والوضوء.

والحديث يدلّ على جواز الأذان قبل دخول الوقت في صلاة الفجر خاصة، وقد ذهب إلى مشروعيّته الجمهور مطلقًا

(5)

.

(1)

ابن تيمية الجد في: "المنتقى"(1/ 253).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أحمد (1/ 335، 392)، والبخاري رقم (621)، ومسلم رقم (1093)، وأبو داود رقم (2347)، والنسائي (2/ 11)، وابن ماجه رقم (1696).

(4)

في "صحيحه" رقم (621).

(5)

قال ابن المنذر في "الأوسط"(3/ 29): "أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن للصلوات بعد دخول أوقاتها إلا الفجر.

فإنهم اختلفوا في الأذان لصلاة الفجر قبل دخول وقتها، فقالت طائفة: يجوز الأذان =

ص: 244

وخالف في ذلك الثوري

(1)

وأبو حنيفة

(2)

ومحمد

(3)

والهادي والقاسم والناصر وزيد بن علي

(4)

، قال الشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم: إنه يكتفى به للصلاة، وقال ابن المنذر

(5)

وطائفة من أهل الحديث والغزالي: إنه لا يكتفى به، وادّعى بعضهم أنه لم يرد في شيء من الحديث ما يدلّ على الاكتفاء، وتعقّب بحديث الباب.

وأجيب بأنه مسكوت عنه وعلى التنزل فمحله ما إذا لم يرد نطق بخلافه، وههنا قد ورد حديث ابن عمر وعائشة الآتي

(6)

، وهو يدلّ على عدم الاكتفاء، نعم حديث زياد بن الحرث عند أبي داود

(7)

يدلّ على الاكتفاء، فإن فيه أنه أذن قبل الفجر بأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام، لكن في إسناده ضعف كما قال الحافظ

(8)

. وأيضًا فهي واقعة عين وكانت في سفر، ومن ثم قال القرطبي: إنه مذهب واضح.

ويدلّ أيضًا على عدم الاكتفاء أن الأذان المذكور قد بيَّن النبيّ صلى الله عليه وسلم الغرض به، فقال:"ليرجع قائمكم" الحديث، فهو لهذه الأغراض المذكورة لا للإعلام

= للصبح من بين الصلوات قبل طلوع الفجر هذا قول مالك، والشافعي، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، واحتجّوا بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: أن بلالًا يؤذن بليل" اهـ.

انظر: "الموطأ"(21/ 70 - 71)، والمدونة (1/ 60)، و"الأم"(2/ 62 رقم 1096)، و"المغني"(2/ 61 - 62)، و"المجموع"(3/ 98).

(1)

حكاه عنه النووي في "المجموع"(3/ 98).

(2)

حكاه عنه محمد بن الحسن الشيباني في كتابه "الأصل" المعروف بالمبسوط (1/ 136).

(3)

حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط"(3/ 30).

(4)

انظر: "البحر الزخار"(1/ 184).

(5)

"الأوسط" لابن المنذر (3/ 30، 31).

(6)

رقم (17/ 501) من كتابنا هذا.

(7)

في "سننه" رقم (514):

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (199) وقال: "وحديث زياد إنما نعرفه من حديث الإفريقي. والإفريقي هو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره، قال أحمد: لا أكتب حديثَ الإفريقي.

قال: ورأيت محمد بن إسماعيل يقوّي أمره، ويقول: هو مقارب الحديث" اهـ.

والخلاصة: فالحديث ضعيف. انظر: "الإرواء" رقم (237)، والضعيفة رقم (35).

(8)

في "الفتح"(2/ 104).

ص: 245

بالوقت، والأذان هو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة والأذان قبل الوقت ليس إعلامًا بالوقت، وتعقّب بأن الإعلام بالوقت أعمّ من أن يكون إعلامًا بأنه دخل أو قارب أن يدخل: واحتجّ المانعون من الأذان قبل دخول الوقت بحجج منها قوله صلى الله عليه وسلم لبلال: "لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر، ومدّ يديه عرضًا"، أخرجه أبو داود

(1)

.

وبما أخرجه أيضًا

(2)

من حديث ابن عمر أن بلالًا أذّن قبل طلوع الفجر: "فأمره النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام"، قالوا: فوجب تأويل حديث الباب بما قال بعض الحنفية إن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان وإنما كان تذكيرًا كما يقع للناس اليوم.

وأجيب عن الاحتجاج بالحديثين المذكورين بأن الأول [منهما]

(3)

لا ينتهض لمعارضة ما في الصحيحين لا سيما مع إشعار الحديث بالاعتياد.

وأمّا الثاني فلا حجة فيه لأنه قد صرح بأنه موقوف أكابر الأئمة كأحمد والبخاري والذهلي وأبي داود وأبي حاتم والدارقطني والأثرم والترمذي، وجزموا بأن حمادًا أخطأ في رفعه وأن الصواب وقفه.

وأمّا التأويل المذكور، فقال الحافظ في الفتح

(4)

: إنه مردود؛ لأن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعًا، وقد تضافرت الأحاديث على التعبير بلفظ

(1)

في "سننه" رقم (534)، وهو حديث حسن.

(2)

أي أبو داود رقم (532 و 533).

قال أبو داود: وهذا الحديث لم يروه عن أيوب إلا حمَّاد بن سلمة.

وقال الحافظ في "الفتح"(2/ 103): "اتفق أئمة الحديث: علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري والذهلي، وأبو حاتم، وأبو داود، والترمذي، والأثرم، والدارقطني، على أن حمادًا أخطأ في رفعه، وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب، وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه" اهـ.

قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 139)، والدارقطني (1/ 244 رقم 48)، والبيهقي (1/ 383)، والترمذي تعليقًا (1/ 394)، وقال: هذا حديث غير محفوظ.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

في (جـ): (منها)

(4)

(2/ 104).

ص: 246

الأذان قطعًا، فحمله على معناه الشرعي مقدم، ولأن الأذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة لما التبس على السامعين، والحديث ليس فيه تعيين الوقت الذي كان بلال يؤذن فيه.

وقد اختلف من أي وقت يشرع في ذلك، فقيل: إنه يشرع وقت السحر ورجحه جماعة من أصحاب الشافعي

(1)

. وقيل: إنه يشرع من النصف الأخير، ورجحه النووي

(2)

وتأوَّل ما خالفه، وقيل: يشرع للسبع الأخير في الشتاء وفي الصيف لنصف السبع، قاله الجويني

(3)

. وقيل: وقته الليل جميعه ذكره صاحب العمدة

(4)

وكان مستنده إطلاق لفظ بليل. وقيل: بعد آخر اختيار العشاء، وقد ورد ما يشعر بتعيين الوقت الذي كان بلال يؤذن فيه وهو ما رواه النسائي

(5)

(1)

قال النووي في "المجموع"(3/ 96 - 97):

"

واختلف أصحابنا في الوقت الذي يجوز فيه من الليل على خمسة أوجه:

(أصحها): وهو قول أكثر أصحابنا، وبه قطع معظم العراقيين يدخل وقت أدائها في نصف الليل.

(والثاني): أنه قبيل طلوع الفجر في السحر، وبه قطع البغوي، وصححه الفاضي حسين والمتولّي وهذا ظاهر المنقول عن بلال وابن أم مكتوم.

(والثالث): يؤذن في الشتاء لسبع يبقى من الليل، وفي الصيف لنصف سبع، نقله إمام الحرمين، وآخرون من الخراسانيين، ورجحه الرافعي على خلاف عادته في التحقيق.

(والرابع): أنه يؤذن بعد وقت العشاء المختار، وهو ثلث الليل في قول، ونصفه في قول حكاه القاضي حسين، وصاحبا الإبانة والتتمة والبيان وغيرهم.

(والخامس): جميع الليل وقت لأذان الصبح، حكاه إمام الحرمين، وصاحب العدة، والبيان، وآخرون وهو في غاية الضعف بل غلط

" اهـ.

(2)

في "المجموع"(3/ 96).

(3)

حكاه عنه النووي في "المجموع"(3/ 96).

(4)

لعله صاحب العدة، فقد قال النووي في "المجموع" (3/ 97):"قال إمام الحرمين: لولا علو قدر الحاكي له وهو الشيخ أبو علي وأنه لا ينقل إلا ما صح وتنقح عنده لما استجزت نقل هذا الوجه. وكيف يحسن الدعاء لصلاة الصبح في وقت الدعاء إلى المغرب، والسرف في كل شيء مطرح هذا كلام الإمام".

والظاهر أن صاحب هذا القول لا يقوله على الإطلاق الذي ظنّه إمام الحرمين، بل إنما يجوزه بعد مضيّ صلاة العشاء الآخرة وقطعة من الليل" اهـ.

(5)

في "السنن الكبرى"(1/ 501 رقم 1/ 1603).

ص: 247

والطحاوي

(1)

من حديث عائشة: "أنه لم يكن بين أذان بلال وابن أم مكتوم إلا أن يرقى هذا وينزل هذا"[وسيأتي]

(2)

، وكانا يؤذنان في بيت مرتفع، كما أخرجه أبو داود

(3)

، فهذه الرواية تقيد إطلاق سائر الروايات، ويؤيّد هذا ما أخرجه الطحاوي

(4)

أن بلالًا وابن أم مكتوم كانا يقصدان وقتًا واحدًا فيخطئه بلال ويصيبه ابن أمّ مكتوم.

وقد اختلف في أذان بلال بليل، هل كان في رمضان فقط أم في جميع الأوقات؟ فادعى ابن القطان

(5)

الأول، قال الحافظ

(6)

: وفيه نظر. والحكمة في اختصاص صلاة الفجر بهذا من بين الصلوات ما ورد من الترغيب في الصلاة لأوّل الوقت، والصبح يأتي غالبًا عقيب النوم، فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها، ليتأهّبوا ويدركوا فضيلة الوقت.

16/ 500 - (وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ [رضي الله تعالى عنه] (2) قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالَ، وَلَا بَيَاضُ الأُفُقِ المُسْتَطِيلِ هكَذَا حَتَّى يَسْتَطِيرَ هكَذَا"، يَعْنِي مُعْتَرِضًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(7)

وَأَحْمَدُ

(8)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(9)

وَلَفْظُهُمَا: "لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أذَانُ بِلَالٍ، وَلَا الفَجْرُ المُسْتَطِيلُ، ولكِنِ الفَجْرُ المُسْتَطِيرُ فِي الأُفُقِ"). [صحيح]

17/ 501 - (وَعَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ [تعالى] (2) عَنْهُمَا أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(10)

. [صحيح]

(1)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 140).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في "سننه" رقم (519) وهو حديث حسن، وقد حسَّنه المحدث الألباني رحمه الله.

(4)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 138).

(5)

في كتابه "بيان الوهم والإيهام"(3/ 274 رقم 1021).

(6)

في "الفتح"(2/ 104).

(7)

في "صحيحه" رقم (1094).

(8)

في "المسند"(5/ 9، 13، 18).

(9)

في "السنن" رقم (706) وقال: هذا حديث حسن.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (2346)، والنسائي (4/ 148)، والدارقطني (2/ 167 رقم 9)، والبيهقي (4/ 215) وهو حديث صحيح.

(10)

أحمد في "المسند"(6/ 44 و 6/ 54)، والبخاري رقم (622، 623)، ومسلم رقم (36، 37/ 1092).

ص: 248

وَلِأَحْمَدَ

(1)

وَالْبُخَارِيِّ

(2)

: "فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ". [صحيح]

وَلمُسْلِمٍ

(3)

: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلا أَنْ يَنْزِلَ هذَا وَيَرْقَى هذَا). [صحيح]

قوله: (المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا)، صفةُ هذه الإشارة مبينة في "صحيح مسلم"

(4)

في الصوم من حديث ابن مسعود بلفظ: "وليس أن يقول هكذا وهكذا، وصوّب يده [ورفعها]

(5)

حتى يقول هكذا وفرّج بين أصبعيه"، وفي رواية

(6)

: "ليس الذي يقول هكذا، وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض، ولكن الذي يقول هكذا وجمع أصابعه ووضع المسبِّحة على المسبِّحة ومدّ يديه"، وفي رواية

(7)

: "ليس الذي يقول هكذا ولكن يقول هكذا"، وفسَّرها جرير بأن المراد أن الفجر هو المعترض وليس بالمستطيل، والمعترض هو الفجر الصادق، ويقال له: الثاني، والمستطير بالراء، وأمّا المستطيل باللام فهو الفجر الكاذب الذي يكون كذنب السَّرْحان

(8)

.

وفي البخاري

(9)

من حديث ابن مسعود: "وليس أن يقول الفجر أو الصبح وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا"، وقال زهير: بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثمّ [مرّهما]

(10)

عن يمينه وشماله.

قوله: (حتى يؤذن ابن أم مكتوم) في رواية للبخاري

(11)

: "حتى ينادي"، وبتلك الزيادة أعني قوله:"فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر" أوردها في الصيام.

قوله: (ولمسلم: لم يكن بينهما) هذه الزيادة ذكرها مسلم

(12)

في الصيام من حديث ابن عمر، وذكرها البخارب

(13)

في الصيام من كلام القاسم، قال الحافظ

(14)

في أبواب الأذان من الفتح: ولا يقال: إنه مرسل، لأن القاسم تابعي

(1)

في "المسند"(2/ 132).

(2)

في "صحيحه" رقم (1919، 1918).

(3)

في "صحيحه" رقم (38/ 1092).

(4)

رقم (39/ 1093).

(5)

في المخطوط (أ): (رفعها).

(6)

في "صحيح مسلم" رقم (

/ 1093).

(7)

في "صحيح مسلم" رقم (40/ 1093).

(8)

السرحان: الذئب.

(9)

رقم (621).

(10)

في صحيح البخاري: [مدها].

(11)

في "صحيحه " رقم (5298، 7247).

(12)

في "صحيحه" رقم (38/ 1092).

(13)

في "صحيحه" رقم (1919، 1918).

(14)

في "الفتح"(2/ 105).

ص: 249

فلم يدرك القصة المذكورة، لأنه ثبت عند النسائي

(1)

من رواية حفص بن غياث، وعند الطحاوي

(2)

من رواية يحيى القطان كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة بلفظ: "ولم يكن بينهما إلّا أن ينزل هذا ويصعد هذا".

قال النووي في شرح مسلم

(3)

: قال العلماء: معناه أن بلالًا كان يؤذن قبل الفجر ويتربّص بعد أذانه للدعاء ونحوه، ثم يرقب الفجر فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم، فيتأهّب ابن أم مكتوم بالطهارة وغيرها ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أوّل طلوع الفجر.

والحديث يدلّ على جواز اتخاذ مؤذنين في مسجد واحد

(4)

، وأمّا الزيادة فليس في الحديث تعرّض لها، ونقل عن بعض أصحاب الشافعي أنه يكره الزيادة على أربعة لأن عثمان اتّخذ أربعة، ولم تنقل الزيادة عن أحد من الخلفاء الراشدين، وجوّزه بعضهم من غير كراهة، قالوا: إذا جازت الزيادة لعثمان على ما كان في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم جازت الزيادة لغيره. قال أبو عمر بن عبد البرّ: وإذا جاز اتخاذ مؤذنين جاز أكثر من هذا العدد إلّا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له. اهـ.

والمستحب أن يتعاقبوا واحدًا بعد واحد كما اقتضاه الحديث إن اتّسع الوقت لذلك كصلاة الفجر، فإن تنازعوا في البداءة قرع بينهم

(5)

.

(1)

في "السنن الكبرى"(1/ 501 رقم 1/ 1603).

(2)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 138).

(3)

(7/ 203 - 204).

(4)

قال محمد بن إسماعيل الأمير في "سبل السلام"(2/ 60) ط 2، بتحقيقي: "وفي الحديث دليل على جواز اتخاذ مؤذنين في مسجد واحدٍ، ويؤذن واحدٌ بعد واحدٍ، وأما أذانُ اثنين معًا، فمنعه قومٌ وقالوا: أولُ من أحدثه بنو أمية. وقيل: لا يكره إلا أن يحصل بذلك تشويش.

قلت: وفي هذا المأخذ نظر؛ لأن بلالًا لم يكن يؤذنُ للفريضة - كما عرفت - بل المؤذن لها واحد وهو ابنُ أم مكتومٍ" اهـ.

(5)

أمّا أذان الجماعة فبدعة.

قال: "ومن البدع أذان الجماعة المعروف بالأذان السلطاني أو أذان (الجوق)، فإنه لا خلاف في أنه مذموم مكروه، لما فيه من التلحين والتغني، وإخراج لكلمات الأذان عن أوصافها العربية، وكيفياتها الشرعية، بصورة تقشعر منها الجلود، وتتألم لها الأرواح الطاهرة، وأول من أحدثه: هشام بن عبد الملك

" اهـ. =

ص: 250

وفي الحديث دليل على جواز أذان الأعمى، قال ابن عبد البرّ

(1)

: وذلك

= "المسجد في الإسلام لخير الدين وانلي (ص 200) ":

• ومن البدع الأذان بواسطة آلات التسجيل:

قال: وقد انتشرت هذه البدعة حديثًا حبًا منهم في الطرب وسماع أصوات المؤذنين المشهورين بالتنغيم والتطريب

".

"المسجد في الإسلام، لخير الدين وانلي"(ص 201):

• ومن البدع المذمومة الدكة الخاصة للمؤذنين والمبلغين والقرّاء، ورفع الصوت بالتبليغ: - أما الأذان داخل المسجد: فقد نقل الإمام ابن الحاج في المدخل كراهة الأذان في جوف المسجد من وجوه:

أحدها: أنه لم يكن من فعل من مضى ممن يقتدى بهم.

ثانيًا: أن الأذان إنما هو لنداء الناس ليأتوا للمسجد، ومن كان فيه لا يصح نداؤه، لأنه تحصيل حاصل، ومن كان في بيته لا يسمعه.

ثالثًا: قد يكون في الأذان تشويش على متنفل أو ذاكر.

وقال المحدث الألباني في رسالة الأجوبة النافع عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة (ص 16):

"إن الأذان في المسجد أمام المكبر لا يشرع لأمور:

(منها): التشويش على من فيه من التالين والمصلين والذاكرين.

(ومنها): عدم ظهور المؤذن بجسمه، فإن ذلك من تمام هذا الشعار الإسلامي العظيم (الأذان). لذلك نرى أنه لا بد للمؤذن من البروز على المسجد والتأذين أمام المكبر فيجمع بين المصلحتين، وهذا التحقيق يقتضي اتخاذ مكان خاص فوق المسجد يصعد إليه المؤذن ويوصل إليه مكبر الصوت، فيؤذن أمامه وهو ظاهر للناس، ومن فائدة ذلك أنه قد تنقطع القوة الكهربائية ويستمر المؤذن على أذانه وتبليغه إياه إلى الناس من فوق المسجد، بينما هذا لا يحصل والحالة هذه إذا كان يؤذن في المسجد كما هو ظاهر.

ولا بد من التذكير هنا بأنه لا بد للمؤذنين من المحافظة على سنة الالتفات يمنة ويسرة عند الحيعلتين

" اهـ.

- وأما التبليغ جماعة الذي عملوا لأجله الدكّة فهو غير مشروع بهذه الصفة التي هم عليها، بل هو من البدع التي أدّت إلى مفاسد، فكيف يعمل له دكّة لا سيما من مال الوقف؟!

قال في المدخل ما ملخصه: أن التبليغ جماعة يوقع خللًا في الصلاة، ذلك أنهم يبلغون مثنيًا بعضهم على صوت بعض مع رفع أصواتهم بالتكبير في الصلاة، على ما يعلم من زعقاتهم، وذلك يذهب الحضور والخشوع أو بعضه، ويذهب السكينة والوقار

".

"المسجد في الإسلام"(ص 203، ص 198 - 200).

(1)

في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"(3/ 69).

ص: 251

عند أهل العلم إذا كان معه مؤذن آخر يهديه للأوقات، وقد نقل عن ابن مسعود

(1)

وابن الزبير

(2)

كراهة أذان الأعمى. وعن ابن عباس

(3)

كراهة إقامته وللحديثين المذكورين ههنا فوائد وأحكام قد سبق بعضها في شرح حديث ابن مسعود

(4)

.

[الباب السادس] باب ما يقول عند سماع الأذان والإقامة وبعد الأذان

18/ 502 - (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ [رضي الله تعالى عنه]

(5)

أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا سَمِعْتُمُ النَّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ المُؤَذِّنُ". رَوَاهُ الجَمَاعَةُ)

(6)

. [صحيح]

وفي الباب عن أبي رافع عند النسائي

(7)

.

(1)

أخرج ابن المنذر في "الأوسط"(3/ 43 ث 1202) عن ابن مسعود أنه قال: ما أحب أن يكون مؤذنوكم عميانكم، حسبته قال: ولا قرّاؤكم.

وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 471 رقم 1818)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(217 - 1/ 216).

(2)

أخرج ابن المنذر في "الأوسط"(3/ 43 ث 1203) عن أبي عروبة "أن ابن الزبير كان يكره أن يؤذن المؤذن وهو أعمى".

وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 217).

(3)

أخرج ابن المنذر في "الأوسط"(3/ 43 ث 1201) عن ابن عباس أنه كره إقامة الأعمى.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 217).

• قال أبو بكر - ابن المنذر -: "إذا كان للأعمى من يدلّه على الوقت لم يكره أذانه، إذ في إذن النبيّ صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم أن يؤذن وهو أعمى أكبر الحجة في إجازة أذان الأعمى" اهـ.

(4)

برقم (15/ 499) من كتابنا هذا.

(5)

زيادة من (جـ).

(6)

وهم: أحمد في "المسند"(3/ 6، 53، 78، 90)، والبخاري رقم (611)، ومسلم رقم (383)، وأبو داود رقم (522)، والترمذي رقم (208)، والنسائي (2/ 23)، وابن ماجه رقم (720) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 67)، والدارمي (1/ 272)، والطيالسي (ص 294 رقم 2214).

(7)

في "عمل اليوم والليلة" رقم (41)، والبزار رقم (360 - كشف).

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 9) بسند ضعيف، من أجل عاصم بن عبيد الله. قال البخاري: =

ص: 252

وعن أبي هريرة عند النسائي

(1)

أيضًا.

وعن أمّ حبيبة عند الطحاوي

(2)

.

وعن ابن عمر عند أبي داود

(3)

والنسائي

(4)

.

وعن عائشة عند أبي داود

(5)

.

= منكر الحديث، وقال ابن خزيمة: لست أحتجّ به لسوء حفظه.

انظر: "المجروحين"(2/ 127)، و"الجرح والتعديل"(6/ 347)، و"الميزان"(2/ 353)، و "التقريب"(1/ 384)، و"لسان الميزان"(7/ 253).

وشريك ضعيف لسوء حفظه.

(1)

في "عمل اليوم والليلة" رقم (33)، وفي "السنن"(2/ 24).

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (718)، والترمذي (1/ 408) تعليقًا، وأحمد (2/ 352)، والحاكم (1/ 204)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.

وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 221).

(2)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 143).

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 326)، وابن ماجه رقم (719)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (412)، والحاكم (1/ 204)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة، رقم (35) وهو حديث ضعيف؛ لأن مداره على (عبد الله بن عُتبة بن أبي سفيان) وهو مجهول. وقال الذهبي في "الميزان" (2/ 459 رقم 4441): "لا يكاد يُعرف، تفرَّد عنه أبو المليح بن أسامة".

وقال الحافظ في "التقريب"(1/ 431 رقم 409): مقبول.

والظاهر أن الحافظ اعتبر أن جهالة العين قد ارتفعت برواية ابن خزيمة له في صحيحه، فيعتبر توثيقًا من ابن خزيمة، وبه صارت جهالتُهُ جهالة حال فقط. فقال فيه: مقبول.

وأما الحافظ الذهبي فاعتبرها جهالة عين، وهذا هو الراجح. والخلاصة أن الحديث ضعيف.

تنبيه: سقط (عبد الله بن عتبة) في رواية أحمد، فيوهم صحة السند فتنبه.

(3)

في "السنن" رقم (523).

(4)

في "السنن"(2/ 25 وقم 678).

قلت: وأخرجه مسلم رقم (384)، وأحمد (2/ 168)، وابن خزيمة وقم (418)، والبيهقي (1/ 409 - 410)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (421) كلهم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وهو حديث صحيح.

(5)

في "السنن" وقم (526).

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 124)، والحاكم (1/ 204)، والبيهقي (1/ 409)، وهو حديث صحيح.

ص: 253

وعن معاذ عند أبي الشيخ

(1)

.

وعن معاوية عند النسائي

(2)

.

قوله: (إذا سمعتم) ظاهره اختصاص الإجابة بمن سمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة

(3)

مثلًا في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا تشرع له المتابعة، قاله النووي في شرح المهذب

(4)

.

قوله: (فقولوا مثل ما يقول المؤذن) ادّعى ابن وضاح أن قوله المؤذن مدرج

(5)

وأن الحديث انتهى عند قوله مثل ما يقول، وتعقّب بأن الإدراج لا يثبت بمجرّد الدعوى، وقد اتّفقت الروايات في الصحيحين

(6)

والموطأ

(7)

على إثباتها،

(1)

وهو حديث صحيح لغيره.

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 438)، والطبراني في "الكبير"(20/ 195 رقم 436)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 1011)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (1/ 331) وقال:"رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف".

قلت: وزبان ضعيف، ولكن للحديث شواهد فهو بها صحيح لغيره.

(2)

في "السنن"(2/ 25 رقم 677).

قلت: وأخرجه البخاري رقم (613)، وأحمد (4/ 91 - 92)، وابن خزيمة (1/ 216 رقم 414)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 409)، والدارمي (1/ 272)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 479 رقم 1844).

وهو حديث صحيح.

(3)

انظر: "الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة" للمحدث الألباني (ص 16 - 19)، تحت عنوان: هل كانت المنارة في زمنه صلى الله عليه وسلم.

والخلاصة: أنه لم يثبت أن المنارة في المسجد كانت معروفة في عهده صلى الله عليه وسلم، ولكن من المقطوع به أن الأذان كان حينذاك في مكان مرتفع على المسجد يرقى إليه كما تقدم، ومن المحتمل أن الرقي المذكور إنما هو إلى ظهر المسجد فقط.

(4)

(3/ 127).

(5)

المُدْرَج: هو زيادة الراوي الصحابي فمن دونه في متن الحديث أو سنده يحسبها من يروي الحديث أنها منه - لعدم فصلها عن الحديث - وليست منه.

انظر: "الباعث الحثيث" لابن كثير، تأليف أحمد شاكر (ص 69 - 73) لتشاهد الأمثلة على جميع أنواع المدرج.

(6)

البخاري رقم (611)، ومسلم رقم (10/ 383).

(7)

(1/ 67).

ص: 254

ولم يصب صاحب العمدة في حذفها، قاله الحافظ

(1)

.

قوله: (مثل ما يقول) قال الكرماني

(2)

: قال مثل ما يقول، ولم يقل: مثل ما قال، ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها.

قال الحافظ

(3)

: والصريح في ذلك ما رواه النسائي

(4)

من حديث أم حبيبة: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت".

وأصرح من ذلك حديث عمر بن الخطاب الآتي

(5)

بعد هذا.

والحديث يدلّ على أنه يقول السامع مثل ما يقول المؤذن في جميع ألفاظ الأذان الحيعلتين وغيرهما، وقد ذهب الجمهور إلى تخصيص الحيعلتين بحديث عمر الآتي (5)، فقالوا: يقول مثل ما يقول فيما عدا الحيعلتين، وأمّا في الحيعلتين فيقول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله.

وقال ابن المنذر

(6)

: يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح، فيقول تارة كذا وتارة كذا، وحكى بعض المتأخّرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما، قال: فَلِمَ لا يُقَالُ: يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة، وهو وجه عند الحنابلة.

والظاهر من قوله في الحديث: فقولوا، التعبّد بالقول وعدم كفاية إمرار المجاوبة على القلب، والظاهر من قوله: مثل ما يقول، عدم اشتراط المساواة من جميع الوجوه. قال اليعمري

(7)

: لاتّفاقهم على أنه لا يلزم المجيب أن يرفع صوته ولا غير ذلك.

قال الحافظ

(8)

: وفيه بحث، لأن المماثلة وقعت في [القول]

(9)

لا في

(1)

في "فتح الباري"(2/ 91).

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (3/ ج 5/ 11).

(3)

في "الفتح"(2/ 91).

(4)

في "عمل اليوم والليلة" رقم (35) وهو حديث ضعيف وقد تقدم آنفًا.

(5)

برقم (19/ 503) من كتابنا هذا وهو حديث صحيح.

(6)

في "الأوسط"(3/ 35).

(7)

ابن سيد الناس.

(8)

في "الفتح"(2/ 92).

(9)

في (جـ): (الصوت).

ص: 255

صفته، ولاحتياج المؤذّن إلى الإعلام شرع له رفع الصوت بخلاف السامع، فليس مقصوده إلا الذكر والسر والجهر مستويان في ذلك. وظاهر الحديث إجابة المؤذن في جميع الحالات من غير فرق بين المصلّي وغيره. وقيل: يؤخر المصلّي الإجابة حتى يفرغ. وقيل: يجيب إلّا في الحيعلتين.

قال الحافظ

(1)

: والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصلاة بل يؤخّرها حتى يفرغ، وكذا حال الجماع والخلاء. قيل: والقول بكراهة الإجابة في الصلاة يحتاج إلى دليل ولا دليل، ولا يخفى أن حديث:"إن في الصلاة لشغلًا"

(2)

، دليل على الكراهة، ويؤيّده امتناع النبيّ صلى الله عليه وسلم من إجابة السلام فيها وهو أهمّ من الإجابة للمؤذن.

وظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول المؤذن من غير فرق بين الترجيع وغيره. وفيه متمسَّك لمن قال بوجوب الإجابة لأن الأمر يقتضيه بحقيقته، وقد حكى ذلك الطحاوي

(3)

عن قوم من السلف، وبه قالت الحنفية

(4)

وأهل الظاهر

(5)

وابن وهب

(6)

.

وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب

(7)

.

قال الحافظ

(8)

: واستدلّوا بحديث أخرجه مسلم

(9)

وغيره

(10)

: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنًا، فلما كبَّر قال: على الفطرة، فلما تشهَّد قال: خرج من النار"، قالوا: فلما قال صلى الله عليه وسلم غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب، وردّ بأنه ليس في الرواية أنه لم يقل مثل ما قال، وباحتمال أنه وقع ذلك قبل الأمر

(1)

في "الفتح"(2/ 92).

(2)

وهو حديث صحيح.

أخرجه البخاري رقم (1216)، ومسلم رقم (538) من حديث ابن مسعود.

(3)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 144).

(4)

انظر: "البناية في شرح الهداية"(2/ 108 - 109).

(5)

انظر: "المحلى"(13/ 48).

(6)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(2/ 93).

(7)

انظر: "المجموع"(3/ 127).

(8)

في "الفتح"(2/ 93).

(9)

في "صحيحه" رقم (382).

(10)

كأحمد (1/ 407)، والترمذي رقم (1618) كلهم من حديث أنس، وهو حديث صحيح.

ص: 256

بالإجابة، واحتمال أن الرجل الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يؤذن لم يقصد الأذان.

وأجيب عن هذا الأخير بأنه وقع في بعض طرق هذا الحديث أنه حضرته الصلاة، وقد عرفت غير مرة أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بنا وهذا منه.

والظاهر من الحديث التعبّد بالقول مثل ما يقول المؤذن، وسواء كان المؤذن واحدًا أو جماعة، قال القاضي عياض

(1)

: وفيه خلاف بين السلف، فمن رأى الاقتصار على الإجابة للأول احتجّ بأن الأمر لا يقتضي التكرار ويلزمه على ذلك أن يكتفي بإجابة المؤذن مرة واحدة في العمر.

19/ 503 - (وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا قَالَ المُؤَذِّنُ: الله أكْبَرُ الله أكْبَرُ فَقالَ أحَدُكمْ: الله أكْبَرُ الله أكْبَرُ، ثُمَّ قالَ: أشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ، قالَ: أشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قالَ: أشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قالَ: أشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ قالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، قالَ: اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، ثُمَّ قالَ: لَا إلهَ إلا اللَّهُ، قَالَ: لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

وَأَبُو دَاوُدَ

(3)

. [صحيح]

الحديث أخرج البخاري

(4)

نحوه من حديث معاوية، وقال: هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول.

(1)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" له (2/ 250 - 251).

وقال النووي في "المجموع"(3/ 126): "فرع": "إذا سمع موذنًا بعد مؤذن هل يختص استحباب المتابعة بالأول؟ أم يستحب متابعة كل مؤذن؟ فيه خلاف للسلف حكاه القاضي عياض في شرح صحيح مسلم، ولم أرَ فيه شيئًا لأصحابنا، والمسألة محتملة، والمختار أن يقال: المتابعة سنة متاكدة يكره تركها لصريح الأحاديث الصحيحة بالأمر بها، وهذا يختص بالأول لأن الأمر لا يقتضي التكوار، وأما أصل الفضيلة والثواب في المتابعة فلا يختص، والله أعلم" اهـ.

(2)

في "صحيحه" رقم (12/ 385).

(3)

في "سننه" رقم (527)، وهو حديث صحيح.

(4)

في "صحيحه "رقم (613).

قلت: وأخرجه أحمد (4/ 91 - 92)، والنسائي (2/ 25 رقم 677)، وابن خزيمة =

ص: 257

قال الحافظ في الفتح

(1)

: وقد وقع لنا هذا الحديث، يعني حديث معاوية وذكر إسنادًا متّصلًا بعيسى بن طلحة قال:"دخلنا على معاوية فنادى منادٍ بالصلاة فقال: الله أكبر الله أكبر، فقال معاوية: الله أكبر الله أكبر، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال معاوية: وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله، فقال: أشهد أن محمدًا رسول الله، فقال معاوية: وأنا أشهد أن محمدًا رسول الله، ولما قال: حيّ على الصلاة قال: لا حول ولا قوّة إلا بالله، ثم قال: هكذا سمعت نبيّكم صلى الله عليه وسلم ".

قوله: (لا حول ولا قوّة)، قال النووي في شرح مسلم

(2)

: قال أبو الهيثم: الحول: الحركة أي لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله تعالى، وكذا قال ثعلب وآخرون. وقيل: لا حول في دفع شرّ، ولا قوّة في تحصيل خير، إلّا بالله، وقيل: لا حول عن معصية الله إلّا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلّا بمعونته، وحكي هذا عن ابن مسعود.

وحكى الجوهري لغة غريبة ضعيفة أنه يقال: لا حيل ولا قوة إلا بالله، قال: والحول والحيل بمعنى، ويقال في التعبير عن قولهم لا حول ولا قوّة إلا بالله الحوقلة هكذا، قال الأزهري

(3)

والأكثرون وقال الجوهري

(4)

: الحوقلة فعلى الأول وهو المشهور الحاء والواو من الحول والقاف من القوة واللام من اسم الله، وعلى الثاني الحاء واللام من الحول والقاف من القوّة، والأول أولى لئلا يفصل بين الحروف، ومثل [الحوقلة]

(5)

الحيعلة في حيّ على الصلاة وعلى الفلاح. والبسملة في بسم الله، والحمدلة في الحمد لله، والهيللة في لا إله إلا الله، والسبحلة في سبحان الله

(6)

، انتهى كلامه.

قوله: (دخل الجنّة) قال القاضي عياض: إنما كان كذلك لأن ذلك توحيد وثناء على الله تعالى وانقياد لطاعته وتفويض إليه بقوله لا حول ولا قوّة إلا بالله،

= (1/ 216 رقم 414)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 409)، والدارمي (1/ 272)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 479 رقم 1844)، وهو حديث صحيح.

(1)

(2/ 93).

(2)

(4/ 87).

(3)

في "تهذيب اللغة"(3/ 373).

(4)

في "الصحاح"(4/ 1464، 1672).

(5)

في المخطوط (ب): [الحولقة].

(6)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" له (2/ 253).

ص: 258

فمن حصَّل هذا فقد حاز حقيقة الإيمان وكمال الإسلام واستحقّ الجنّة بفضل الله تعالى، وإنما أفرد صلى الله عليه وسلم الشهادتين والحيعلتين في هذا الحديث مع أن كل نوع منها مثنى كما هو المشروع لقصد الاختصار.

قال النووي

(1)

: فاختصر صلى الله عليه وسلم من كل نوع شطرًا تنبيهًا على باقيه، والحديث قد تقدم الجمع بينه وبين الحديث الذي قبله

(2)

.

(1)

في "شرحه لصحيح مسلم"(4/ 89).

(2)

ومن البدع في الأذان:

(أ) تقديم الأذان بالدعاء أو بقراءة آية من القرآن:

كقراءة: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111] أو قول بعضهم: "يا كريم يا رب" ونحوها، قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

انظر: "البدع والمحدثات وما لا أصل له"(ص 202).

(ب) زيادة لفظ "سيدنا، في الشهادة:

كأن يقول المؤذن: (أشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله).

وهذه من أشهر بدع الطرقيين والصوفية، ويتعذرون في ذلك بوجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، وتسييده.

فأمّا محبته صلى الله عليه وسلم، وتعظيمه فلا تكون بمخالفة سنته كما يفعلون هم، وإنما تكون باتباع سنّته، وعدم الزيادة أو التقدم عليها.

وأقول إن ألفاظ الأذانين مأثورة متعبد بها رويت بالتواتر خلفًا عن سلف في كتب الحديث الصحاح والحسان والمسانيد والمعاجم ولم يروِ أحد قط استحباب هذه الزيادة عن صحابي ولا تابعي، بل ولا ففيه من فقهاء الأئمة ولا أتباعهم، وهذه كتبهم بين أيديكم

وقد ثبت أنه نهى من خاطبه بقوله: أنت سيدنا:

فعن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال:"السيد الله تبارك وتعالى"، قلنا: وأفضلنا فضلًا وأعظمنا طَوْلًا، فقال:"قولوا بقولكم، أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان"، وهو حديث صحيح.

أخرجه أبو داود رقم (4806)، وأحمد في المسند (4/ 24، 25)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (381) بسند صحيح.

انظر: "إصلاح المساجد من البدع والعوائد" للعلامة محمد جمال الدين القاسمي (ص 138 - 140).

(ج) مسح العينين أثناء الأذان بالإبهامين:

أورد أبو العباس أحمد بن أبي بكر الرداد اليماني المتصوّف في كتابه: "موجبات الرحمة وعزائم المغفرة" بسند فيه مجاهيل مع انقطاعه عن الخضر عليه السلام أنّه: من قال حين =

ص: 259

20/ 504 - (وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمامَةَ أوْ عَنْ بَعْضِ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم[رضي الله تعالى عنهم]

(1)

إنَّ بلَالًا أخَذَ فِي الإِقَامَةِ، فَلَمَّا أنْ قالَ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا"، وقَالَ فِي سَائِرِ الإقَامَةِ بِنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي سَائِرِ الأذانِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)

(2)

. [ضعيف]

الحديث في إسناده رجل مجهول، وشهر بن حوشب

(3)

تكلّم فيه غير

= يسمع المؤذن يقول: "أشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبًا بحبيبي وقرّة عيني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ثم يقبل إبهاميه ويجعلهما على عينيه لم يرمد أبدًا.

وذكر الديلمي في "الفردوس" من حديث أبي بكر الصديق أنه لما سمع قول المؤذن: "أشهد أن محمدًا رسول الله" قال: أشهد أن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا، وقبل باطن الأنملتين السبابتين ومسح عينيه، فقال صلى الله عليه وسلم:"من فعل مثل ما فعل خليلي فقد حلّت عليه شفاعتي".

قال السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص 605 - 606): "ولا يصح في المرفوع من كل هذا شيء". قلت: بل ما ذكر باطل، والله أعلم.

وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" رقم (22): "حديث: "من سمع المنادي بالصلاة، فقال: مرحبًا بالقائلين عدلًا مرحبًا بالصلاة وأهلًا، كتب الله له ألفي ألف حسنة - الخ".

قال في التذكرة: "موضوع" وعلق المعلمي عليه بقوله: "القائل "موضوع" هو السيوطي في الذيل. ومنه أخذه ابن طاهر الفتني. والخبر في "لسان الميزان" (6/ 200) قال ابن حجر: "باطل".

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "السنن" رقم (528).

قلت: وأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (104)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 441) بسند واهٍ.

وقال البيهقي: "وهذا إن صح شاهد لما استحسنه الشافعي رحمه الله من قولهم: "اللهمّ أقمها وأدمها واجعلنا من صالح أهلها عملا"".

وقال الألباني في "الإرواء"(1/ 259): "وهذا الذي استحسنه الشافعي أخذه عنه الرافعي فذكره فيما يستحب لمن سمع المؤذن أن يقوله؛ فانتقل الأمر من الاستحسان القائم على مجرّد الرأي إلى الاستحباب الذي هو حكم شرعي لا بدّ له من نص! واستشهد الحافظ في "التلخيص" (1/ 211) لما ذكره الرافعي بهذا الحديث وقال عقبه: "وهو ضعيف، والزيادة فيه لا أصل لها. وكذا لا أصل لما ذكره في "الصلاة خير من النوم". قلت: يعني قوله: صدقت وبررت" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

شهر بن حوشب: قال ابن عدي والنسائي: ليس بالقوي، وعن ابن عون: أن شهرًا =

ص: 260

واحد، ووثّقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل.

وفيه دلالة على استحباب مجاوبة المقيم لقوله: وقال في سائر الإقامة بنحو حديث عمر

(1)

.

وفيه أيضًا أنه يستحب لسامع الإقامة أن يقول عند قول المقيم قد قامت الصلاة: أقامها الله وأدامها.

قال المصنف

(2)

رحمه الله تعالى: وفيه دليل على أن السنّة أن يكبّر الإمام بعد الفراغ من الإقامة، انتهى.

وفي ذلك خلاف لعلّه يأتي إن شاء الله تعالى.

21/ 505 - (وَعَنْ جَابِرٍ [رضي الله تعالى عنه]

(3)

أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا)

(4)

. [صحيح]

= تركوه. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال ابن حجر: صدوق كثير الإرسال والأوهام.

"الجرح والتعديل"(4/ 382)، و"الميزان"(2/ 283)، و"لسان الميزان"(7/ 244)، و"المجروحين"(1/ 361)، و"التاريخ الكبير"(4/ 258).

قلت: وفي السند أيضًا محمد بن ثابت العبدي، وهو ضعيف.

انظر: "المجروحين"(2/ 251)، و"الجرح والتعديل" رقم (7/ 216)، و "الميزان"(3/ 495)، و"لسان الميزان"(7/ 353)، و"التقريب"(2/ 149).

(1)

المتقدم برقم (19/ 503) من كتابنا هذا.

(2)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 258).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد (3/ 354)، والبخاري رقم (614) و (4719)، وأبو داود رقم (529)، والترمذي رقم (211)، والنسائي في "السنن"(2/ 26 رقم 680)، وفي "عمل اليوم والليلة" رقم (46)، وابن ماجه رقم (722).

قلت: وأخرجه البيهقي (1/ 410)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (95)، وابن خزيمة (1/ 220 رقم 420)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 284)، وقال: حديث صحيح. والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 146).

ص: 261

وفي الباب عن عبد الله بن مسعود عند الطحاوي

(1)

.

وعن أنس عند ابن حبان في فوائد الأصبهانيين له

(2)

.

وعن ابن عباس عند ابن حبان أيضًا في كتاب الأذان

(3)

.

وعن أبي أمامة عند الضياء المقدسي

(4)

، ورواه الحاكم في المستدرك

(5)

، وفيه عُفير بن معدان

(6)

وقد تكلّم فيه غير واحد.

(1)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 145).

قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير" رقم (9790) عن عبد الله بن مسعود: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يقول حين يسمعُ النداء يكبّر ويكبر، ويشهدُ أن لا إله إلا الله ويشهدُ أن محمدًا رسول الله، ثم يقول: اللهمّ أعطِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلةَ واجعلهُ في الأعلين درجتَهُ، وفي المصطفين محبتَهُ، وفي المقرّبين ذكرَهُ، إلا وجبت له الشفاعةُ يوم القيامة".

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 333)، وقال:"رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله موثقون".

(2)

لم أقف عليه.

قلت: وأخرج البزار رقم (361 - كشف الأستار) عن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا كما يقول".

قال البزار: لا نعلمه من أنس إلا من هذا الوجه، تفرد به حفص الطاحي ولم يتابع عليه.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 331) وحكى الهيثمي كلام البزار.

(3)

أخرج الطبراني في "الأوسط" رقم (623) عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله لي الوسيلة، فإنه لم يسألها عبد في الدنيا إلّا كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة".

وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 333) وفيه الوليد بن عبد الملك الحراني، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. وقال: مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات.

قلت: وهذا من روايته عن موسى بن أعن، وهو ثقة.

وأورده السيوطي في الجامع الصغير رقم (4704) ورمز لصحته، وقال المحدث الألباني في "صحيح الجامع الصغير" رقم (3637): حسن.

(4)

لم يطبع مسند أبي أمامة من المختارة، فيما أعلم.

(5)

في "المستدرك"(1/ 546 - 547).

قلت: وأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (98) كلاهما من طريق الوليد بن مسلم، وهو صدوق يدلس وقد عنعنه، وصححه الحاكم وإسناده واهٍ. وهو حديث حسن لغيره.

انظر: "الصحيحة"(3/ 402 - 403 رقم 1413).

(6)

عمير بن معدان الحمصي المؤذن: ضعيف، روى له الترمذي، وابن ماجه. "التقريب"(2/ 25).

ص: 262

وعن عبد الله بن عمرو، وسيأتي

(1)

.

قوله: (ربِّ هذه الدعوة التامّة) بفتح الدال، والمراد بها دعوة التوحيد؛ لقوله تعالى:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ}

(2)

، وقيل: لدعوة التوحيد تامّة، لأنه لا يدخلها تغيير ولا تبديل بل هي باقية إلى يوم القيامة.

وقال ابن التين

(3)

: وصفت بالتامّة لأن فيها أتمّ القول وهو لا إله إلّا الله.

قوله: (الوسيلة) هي ما يتقرّب به، يقال: توسّلت، أي تقرّبت، [وتطلق]

(4)

على المنزلة العليّة، وسيأتي تفسيرها في الحديث الذي بعد هذا

(5)

.

قوله: (والفضيلة)، أي المرتبة الزائدة على سائر الخلائق، ويحتمل أن [تكون]

(6)

تفسيرًا للوسيلة.

قوله: (مقامًا محمودًا)، أي يحمد القائم فيه، وهو يطلق على كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات، ونصبه على الظرفية أي ابعثه يوم القيامة فأقمه مقامًا محمودًا، أو ضمن ابعثه معنى أقمه أو على أنه مفعول به، ومعنى ابعثه أعطه، ويجوز أن يكون حالًا، أي ابعثه ذا مقام محمود، والتنكير للتفخيم والتعظيم؛ كما قال الطيبي: كأنه قال مقامًا، أيّ مقام محمود بكل لسان.

وقد روي بالتعريف عند النسائي

(7)

وابن حبان

(8)

والطحاوي

(9)

والطبراني

(10)

والبيهقي

(11)

، وهذا يرد على من أنكر ثبوته معرّفًا كالنووي

(12)

.

قوله: (الذي وعدته)، أراد بذلك قوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}

(13)

، وذلك لأن عسى في كلام الله للوقوع.

قال الحافظ

(14)

: والموصول إما بدل أو عطف بيان، أو خبر مبتدأ محذوف

(1)

برقم (22/ 560) من كتابنا هذا.

(2)

سورة الرعد، الآية (14).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 95).

(4)

في (جـ): (ويطلق).

(5)

برقم (22/ 506) من كتابنا هذا.

(6)

في (جـ): (يكون).

(7)

في "السنن"(2/ 26 - 27 رقم 680).

(8)

في "صحيحه" رقم (1689).

(9)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 146).

(10)

في "الصغير"(1/ 240).

(11)

في "السنن الكبرى"(1/ 410).

(12)

في "المجموع"(3/ 124).

(13)

سورة الإسراء، الآية (79).

(14)

في "الفتح"(2/ 95).

ص: 263

وليس صفة للنكرة، وسيأتي تفسير حلّت له الشفاعة في الحديث الذي بعد هذا

(1)

.

22/ 506 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو [رضي الله تعالى عنه]

(2)

أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّن فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهُ لِيَ الوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أكُونَ أَنا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ اللَّهُ لِي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيهِ الشَّفَاعَةُ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا البُخَارِيَّ وَابْنُ مَاجَهْ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (مثل ما يقول) قد تقدم الكلام على ذلك.

قوله: (ثم صلّوا عليّ) هذه زيادة ثابتة في الصحيح وقبولها متعيّن.

قوله: (ثم سلوا الله

إلخ) قد تقدم ذكر بعض الأقوال في تفسير الوسيلة، والمتعين المصير إلى ما في هذا الحديث من تفسيرها.

قوله: (حلّت عليه الشفاعة) وفي الحديث الأول حلّت له [الشفاعة]

(4)

.

قال الحافظ

(5)

: واللام بمعنى على، ومعنى حلت أي استحقّت ووجبت أو نزلت عليه، ولا يجوز أن [تكون]

(6)

من الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة.

قوله: (شفاعتي) استشكل بعضهم جعل ذلك ثوابًا لقائل ذلك، مع ما ثبت أن الشفاعة للمذنبين. وأجيب بأن له صلى الله عليه وسلم شفاعات أُخر كإدخال الجنّة بغير

(1)

رقم (22/ 506) من كتابنا هذا.

تنبيه: وقع عند البعض زيادات في متن هذا الحديث - حديث جابر - فوجب التنبيه عليها.

(الأولى): زيادة: "إنك لا تخلف الميعاد"، وهي شاذّة.

(الثانية): زيادة: "اللهمّ إني أسألك بحق هذه الدعوة"، وهي شاذة.

(الثالثة): "سيدنا محمد"، وهي شاذة مدرجة.

(الرابعة): "والدرجة الرفيعة" وهي مدرجة.

انظر توضيح ذلك في: "إرواء الغليل" للمحدث الألباني (1/ 260 - 261).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أحمد (2/ 168)، ومسلم رقم (384)، وأبو داود رقم (523)، والترمذي رقم (3614)، والنسائي (2/ 25 - 26) وهو حديث صحيح.

(4)

في المخطوط (أ): [شفاعتي].

(5)

في "الفتح"(2/ 95).

(6)

في (جـ): (يكون).

ص: 264

حساب، وكرفع الدرجات، فيعطى كل واحد ما يناسبه. ونقل عياض

(1)

عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك بمن قاله مخلصًا مستحضرًا إجلال النبيّ صلى الله عليه وسلم لا من قصد بذلك مجرّد الثواب ونحو ذلك.

قال الحافظ

(2)

: وهو تحكُّم غير مرضي، ولو كان لإخراج الغافل اللاهي لكان أشبه.

قال المهلب

(3)

: في الحديثِ الحضُّ على الدعاء في أوقات الصلوات، لأنه حال رجاء الإجابة.

23/ 507 - (وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ [رضي الله تعالى عنه]

(4)

قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الأذَانِ وَالإقَامَةِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ

(5)

، وَأَبُو داوُدَ

(6)

، والتِّرْمِذِيُّ)

(7)

. [صحيح]

الحديث أخرجه النسائيّ

(8)

، وابن خزيمة

(9)

، وابن حبان

(10)

، والضياء في المختارة

(11)

، وحسّنه الترمذي

(12)

.

ورواه سليمان التيمي

(13)

عن أنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نودي بالأذان فتحت أبواب السماء، واستجيب الدعاء"

(14)

.

(1)

في "إكمال المعلم"(2/ 253)، وقال عقب ذلك:"وهذا فيه عندي نظر".

(2)

في "الفتح"(2/ 96).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 96)، والقاضي عياض في "إكمال المعلم"(2/ 253).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في "المسند"(3/ 155، 225).

(6)

في "السنن" رقم (521).

(7)

في "السنن" رقم (212 و 3594 و 3595).

(8)

في "عمل اليوم والليلة" رقم (67 و 68 و 69).

(9)

في "صحيحه" رقم (426 و 427).

(10)

في "صحيحه" رقم (1696).

(11)

(4/ 393 رقم 1563).

(12)

في "السنن"(1/ 416).

قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(2/ 289 رقم 425)، وقال: حديث حسن، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 410).

(13)

سليمان التيمي هو ابن أيوب بن سليمان: صدوق، يخطئ. "التقريب"(1/ 321).

(14)

أخرجه الطيالسي (1/ 254 رقم 1260)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 308) من طريق الربيع.

وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"(3/ 54) من طريق المسعودي، وأبي العميس، ثلاثتهم عن =

ص: 265

وروى يزيد الرقاشي

(1)

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عند الأذان تفتح أبواب السماء وعند الإقامة لا تردّ دعوة"

(2)

.

وقد روي من حديث سهل بن سعد الساعدي رواه مالك عن ابن أبي حازم

(3)

عن سهل بن سعد قال: "ساعتان تُفْتَحُ لهما أبوابُ السماءِ وقلَّ داع ترد عليه دعوته: حَضْرَةُ النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ، والصَّفُّ في سبيلِ اللهِ"

(4)

.

قال ابن عبد البرّ

(5)

: هكذا هو موقوف على سهل بن سعد في الموطأ

(6)

= يزيد الرقاشي، عن أنس، وهذا إسناد ضعيف لضعف يزيد الرقاشي.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 334) وقال: "رواه أبو يعلى - رقم (7/ 4072) - وفيه يزيد الرقاشي وهو مختلف في الاحتجاج به".

(1)

يزيد الرقاشي هو ابن أبان أبو عمرو البصري زاهد ضعيف. "التقريب"(2/ 361).

(2)

أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"(8/ 208) في ترجمة الحارث بن مرة بن مُجَّاعة الحنفي اليمامي أبو مُرَّة.

وأخرجه أبو يعلى في "المسند"(7/ 142 - 143 رقم 4109).

بسند ضعيف، لضعف يزيد بن أبان الرّقاشيّ.

(3)

ابن أبي حازم هو عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار المدني، صدوق فقيه روى له الجماعة. مات سنة (184 هـ). "التقريب" رقم (4088).

(4)

أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 70) ومن طريقه ابن أبي شيبة (10/ 224)، والطبراني في "الكبير" رقم (5774) موقوفًا على سهل بن سعد.

وأخرجه أبو داود رقم (2540)، والدارمي (1/ 272)، والحاكم (1/ 198)، والبيهقي (1/ 410)، والطبراني في الكبير رقم (5756)، وابن الجارود رقم (1065) من طرق عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثِنْتَان لا تردَّان، أو قَلَّما تُردّان: الدعاءُ عند النداءِ، وعند البأس حين يُلْحِمُ بعضهم بعضًا".

وصححه ابن خزيمة رقم (419) مع أن فيه موسى بن يعقوب الزَّمعي سيء الحفظ، وحديث حسن في الشواهد، وهذا منها.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" رقم (5847) من طرق عن عبد الحميد بن سليمان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد مرفوعًا، وعبد الحميد: ضعيف.

وفي الباب عن أنس، وقد تقدم.

وعن مكحول عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا عند الشافعي في "الأم"، فالحديث بمجموعهما صحيح.

(5)

في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"(3/ 50).

(6)

(1/ 70 رقم 7).

ص: 266

عند جماعة الرواة، ومثله لا يقال من قبل الرأي، ثم ساقه مرفوعًا من طريق أبي بشر الدولابي. قال: حدثنا أبو عمير أحمد بن عبد العزيز بن سويد البلوي، حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا مالك عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو الحديث المتقدّم

(1)

.

الحديث يدلّ على قبول مطلق الدعاء بين الأذان والإقامة وهو مقيد بما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم، كما في الأحاديث الصحيحة.

وقد ورد تعيين أدعية تقال حال الأذان وبعده وهو بين الأذان والإقامة.

(منها) ما سلف في هذا الباب.

(ومنها): ما أخرجه مسلم

(2)

، والنسائي

(3)

، وابن ماجه

(4)

، والترمذي وحسَّنه

(5)

، وصححه اليعمري من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا بلفظ:"من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًا وبمحمد رسولًا وبالإسلام دينًا، غفر له ذنبه".

(ومنها): ما أخرجه أبو داود

(6)

والنسائي في عمل اليوم والليلة

(7)

من

(1)

أخرجه ابن حبان في "صحيحه" رقم (1764) بسند ضعيف، لضعف أيوب بن سويد، لكنه متابع كما تقدم آنفًا. فهو حديث حسن، والله أعلم.

(2)

في "صحيحه" رقم (13/ 386).

(3)

في "سننه"(2/ 26 رقم 679).

(4)

في "سننه" رقم (721).

(5)

في "سننه"رقم (210).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (525)، وأحمد (1/ 181)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (97)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (73)، ووهم الحاكم فاستدركه (1/ 203) وصححه ووافقه الذهبي.

كلهم من طرق عن الليث بن سعد، عن حُكيم بن عبد الله بن قيس عن عامر بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص به.

(6)

في "سننه" رقم (524).

(7)

رقم (44).

كلاهما عن محمد بن سلمة، عن ابن وهب، عن حيي بن عبد الله أن أبا عبد الرحمن الحبلي حدّثه عن عبد الله بن عمر أن رجلًا قال: يا رسول الله

الحديث.

وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" رقم (1695)، وأبو داود رقم (524) أيضًا، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" رقم (1/ 410)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (427) عن =

ص: 267

حديث ابن عمرو بن العاص: "أن رجلًا قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل كما يقول: فإذا انتهيت فسل تعطه".

(ومنها): ما أخرجه أبو داود

(1)

والترمذي

(2)

من حديث أم سلمة قالت: "علّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب: اللهمّ إن هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دعاتك، فاغفر لي".

وقد عيَّنَ ما يُدْعَى به صلى الله عليه وسلم لما قال: "الدُّعَاءُ بينَ الأذانِ والإقامةِ لا يُرَدُّ"، قالوا: فما نقول يا رسول الله؟ قال: "سَلُوا الله العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرةِ"، قال ابن القيم

(3)

: هو حديث صحيح

(4)

، وفي المقام أدعية غير هذه

(5)

.

= أبي الطاهر بن السرح، عن ابن وهب، به.

وأخرجه أحمد (2/ 172) من طريق ابن لهيعة، والبغوي في "شرح السنة" رقم (426) من طريق رشدين بن سعد كلاهما عن حيي، به.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(1)

في "سننه" رقم (530).

(2)

في "سننه" رقم (3589) وقال: "هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه، وحفصة بنت أبي كثير لا نعرفها ولا أباها".

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

في "زاد المعاد"(2/ 394).

(4)

أخرجه الترمذي رقم (3594) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، من رواية يحيى بن اليمان عن الثوري. وقال الترمذي: وقد زاد يحيى بن اليمان في هذا الحديث هذا الحرف، قالوا: فماذا نقول؟ قال: "سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة".

قال أحمد: يحيى بن اليمان ليس بحجة. وقال ابن معين: ليس بالقوي. وقال البخاري: فيه نظر. وقال ابن عدي: عامّة ما يرويه غير محفوظ.

[انظر: "التاريخ الكبير" (8/ 313)، و"الكاشف" (3/ 239 رقم 6386)، و"الميزان" (4/ 416)].

وقد أخرج الحديث مختصرًا أبو داود رقم (521)، والترمذي رقم (212) بلفظ:"لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة"، وفي سنده: زيد العمي: وهو ضعيف، [الميزان 2/ 102].

لكن أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 155، 255) من طريق بريد بن أبي مريم، عن أنس بن مالك مرفوعًا بلفظ:"الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا"، وإسناده صحيح.

وصححه ابن خزيمة (1/ 222 رقم 427)، وابن حبان رقم (1694).

(5)

أخرج أبو داود رقم (528) عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم أن بلالًا أخذ في الإقامة فلما أن قال: قد قامت الصلاة، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"أقامها الله وأدامها". =

ص: 268

[الباب السابع] باب من أذّن فهو يقيم

24/ 508 - (عَنْ زِيادِ بْنِ الحَارِثِ الصدَائِيّ [رضي الله تعالى عنهما]

(1)

قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أخا صداءٍ أذِّنْ"، قالَ: فَأذَّنْتُ، وذلِكَ حِينَ أضاءَ الفَجْرُ، قالَ: فَلَمَّا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قامَ إلى الصَّلَاةِ فَأَرَادَ بِلَالٌ أنْ يُقِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"يُقِيمُ أخو صَدَاءِ فإن مَنْ أذنَ فَهُوَ يُقِيمُ". رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ، وَلَفْظُهُ لأحْمَدَ)

(2)

. [ضعيف]

الحديث في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي

(3)

، عن زياد بن نعيم الحضرمي عن زياد بن الحرث الصدائي، قال الترمذي

(4)

: إنما نعرفه من حديث الإفريقي، وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره، وقال أحمد: لا أكتب حديث الإفريقي، قال: ورأيت محمد بن إسماعيل يقوّي أمره ويقول هو مقارب الحديث، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذَّن فهو يقيم اهـ.

= وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 411)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (104) من حديث أبي أمامة.

وإسناده واهٍ، محمد بن ثابت وهو العبدي ضعيف. وشهر بن حوشب، والرجل الذي بينهما مجهول.

فالحديث ضعيف.

وقد ضعّفه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 211)، والنووي في "المجموع"(3/ 135)، والألباني في "الإرواء"(1/ 258 رقم 241).

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 169)، وأبو داود رقم (514)، والترمذي رقم (199)، وابن ماجه رقم (717).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 399)، وهو حديث ضعيف وقد ضعفه البغوي والبيهقي، وأنكره سفيان الثوري - كما في "الإرواء"(1/ 255 رقم 237).

(3)

انظر ترجمته في "التاريخ الكبير"(5/ 283)، و"الميجروحين"(2/ 50)، و"الجرح والتعديل"(5/ 234)، و"الكاشف"(2/ 146)، و"المغني"(2/ 380)، و"الميزان"(2/ 561)، و"التقريب"(1/ 480)، و"لسان الميزان"(7/ 279).

(4)

في "السنن" رقم (1/ 384).

ص: 269

قال في البدر المنير

(1)

: ضعفه لكثرة روايته للمنكرات مع علمه وزهده، ورواية المنكرات [كثيرًا ما تعتري]

(2)

الصالحين لقلة تفقدهم للرواة لذلك، قيل: لم نرَ الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث اهـ. وكان سفيان الثوري يعظمه.

وقال ابن أبي داود: إنما تكلّم الناس فيه لأنه روى عن مسلم بن يسار، فقيل: أين رأيته؟ فقال: بإفريقية، فقالوا: ما دخل مسلم بن يسار إفريقية قط، يعنون البصري

(3)

، ولم يعلموا أن مسلم بن يسار آخر يقال له أبو عثمان الطُّنْبُذِيّ

(4)

وعنه روى.

وفي الباب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما يقيم من أذَّن"، أخرجه الطبراني

(5)

والعقيلي في الضعفاء

(6)

وأبو الشيخ في الأذان

(7)

وفي إسناده سعيد بن راشد

(8)

وهو ضعيف. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن سعيد بن راشد هذا فقال: ضعيف الحديث منكر الحديث، وقال مرة: متروك.

(1)

لم يطبع منه إلَّا قسم من الطهارة.

(2)

في (جـ): (كثير ما يعتري).

(3)

أمّا مسلم بن يسار البصري، فقال عنه الحافظ في "التقريب" (2/ 247):"ثقة عابد".

(4)

هو مسلم بن يسار المصري، أبو عثمان الطنبذي مولى الأنصار: مقبول. "التقريب" رقم (6653).

(5)

في "الكبير"(12/ 435 رقم 13590).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 3)، وقال:"رواه الطبراني في الكبير"، وفيه سعيد بن راشد السماك وهو ضعيف.

(6)

في "الضعفاء الكبير"(2/ 105).

(7)

عزاه إليه صاحب "كنز العمال"(7/ 695 رقم 20970).

(8)

سعيد بن راشد: أبو محمد، يروي عن عطاء، متروك بصري المازني السماك عن عطاء والزهري. قال البخاري: منكر الحديث، بصري. قال عباس عن يحيى: ليس بشيء.

"التاريخ الكبير"(2/ 471)، و"المجروحين"(1/ 324)، و"الجرح والتعديل"(4/ 19)، و"المغني"(1/ 258)، و"الميزان"(2/ 135)، و"لسان الميزان"(3/ 27).

وخلاصة القول: أن حديث ابن عمر ضعيف لا تقوم به الحجة.

قال الألباني في "الضعيفة"(1/ 55): "ومن آثار هذا الحديث السيّئة أنه سبب لإثارة النزاع بين المصلين كما وقع ذلك غير مرّة، وذلك حين يتأخر المؤذن عن دخول المسجد لعذر، ويريد بعض الحاضرين أن يقيم الصلاة، فما يكون من أحدهم إلّا أن يعترض عليه محتجًّا بهذا الحديث، ولم يدر المسكين أنه حديث ضعيف لا يجوز نسبته إليه صلى الله عليه وسلم فضلًا عن أن يمنع به الناس من المبادرة إلى طاعة الله تعالى، ألا وهي إقامة الصلاة، اهـ.

ص: 270

قال الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ

(1)

: "واتفق أهل العلم في الرجل يؤذّن ويقيم غيره أن ذلك جائز، واختلفوا في الأولوية، فقال أكثرهم: لا فرق والأمر متّسع، وممن رأى ذلك مالك

(2)

وأكثر أهل الحجاز وأبو حنيفة

(3)

وأكثر أهل الكوفة وأبو ثور. وقال بعض العلماء: من أذن فهو يقيم. قال الشافعي

(4)

: وإذا أذن الرجل أحببت أن يتولّى الإقامة"، وإلى أولوية المؤذن بالإقامة ذهب الهادوية واحتجّوا بهذا الحديث.

واحتجّ القائلون بعدم الفرق بالحديث الذي سيأتي

(5)

، وسيأتي الكلام عليه، والأخذ بحديث الصدائي أولى؛ لأن حديث عبد الله بن زيد الآتي كان أوّل ما شرع الأذان في السنة الأولى، وحديث الصدائي بعده بلا شك قاله الحافظ اليعمري

(6)

، فإذا أذَّن واحد فقط فهو الذي يقيم، وإذا أذن جماعة دفعة واتّفقوا على من يقيم منهم فهو الذي يقيم، وإن تشاحوا أقرع بينهم.

قال ابن سيد الناس اليعمري: ويستحب أن لا يقيم في المسجد الواحد إلّا واحد إلّا إذا لم [تحصل]

(7)

به الكفاية. اهـ.

25/ 509 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، [رضي الله تعالى عنه]

(8)

أنَّهُ أُرِيَ الأذَانَ، قالَ: فَجِئْتُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:"أَلْقِهِ عَلَى بِلالٍ"، فَأَلْقَيْتُهُ فَأَذَّنَ فَأَرَادَ أنْ يُقِيمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أنا رَأَيْتُ، أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ، قالَ:"فَأَقِمْ أنْتَ"، فأقامَ هُوَ وَأَذَّنَ بِلَالٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(9)

، وَأَبُو دَاوُدَ)

(10)

. [ضعيف]

الحديث في إسناده محمد بن عمرو الواقفي الأنصاري البصري

(11)

وهو

(1)

(ص 195).

(2)

"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"(3/ 16).

(3)

انظر: "إعلاء السنن"(2/ 130 - 131).

(4)

في "الأم"(2/ 73 فقرة 1124).

(5)

برقم (25/ 509) من كتابنا هذا.

(6)

هو ابن سيد الناس.

(7)

في (جـ): (يحصل).

(8)

زيادة من (جـ).

(9)

في "المسند"(4/ 43).

(10)

في "السنن" رقم (512).

قلت: وأخرجه الطيالسي (ص 148 رقم 1103)، والبيهقي (1/ 399)، وهو حديث ضعيف.

(11)

محمد بن عمرو الواقفي، أبو سهلٍ البصري، مشهور بكنيته. واختلف في اسم جدِّه: ضعيف. قاله الحافظ في "التقريب" رقم (6192).

وانظر: "تهذيب التهذيب"(3/ 664).

ص: 271

ضعيف، ضعفه القطان وابن نمير

(1)

ويحيى بن معين، واختلف عليه فيه

(2)

فقيل: عن محمد بن عبد الله، وقيل: عبد الله بن محمد.

قال ابن عبد البر

(3)

: إسناده أحسن من حديث الإفريقي.

وقال البيهقي

(4)

: إن صحّا لم يتخالفا لأن قصة الصدائي بعد. وذكره ابن شاهين في الناسخ

(5)

، وله طريق أخرى أخرجها أبو الشيخ

(6)

عن ابن عباس، قال: كان أوّل من أذّن في الإسلام بلال، وأوّل من أقام عبد الله بن زيد.

قال الحافظ

(7)

: وإسنادُه منقطعٌ لأنه رواه الحكم عن مُقْسِم عن ابن عباسٍ وهذا من الأحاديث التي لم يسمعها الحكم

(8)

من مُقْسِم

(9)

، وأخرجه الحاكم وفيه إن الذي أقام عمر، قال: والمعروف أنه عبد الله بن زيد.

والحديث

(10)

استدلَّ به من قالَ بعدمِ أولويَّةِ المؤذن بالإقامة، وقد تقدم

(1)

ابن نمير: هو عبد الله بن نمير أبو هشام الكوفي: ثقة صاحب حديث من أهل السنّة.

مات سنة (299 هـ) وله (84) سنة، روى له الجماعة.

"التقريب" رقم (3668).

(2)

(قوله) واختلف عليه فيه: الكلام راجع إلى محمد بن عمرو الواففي، فقد روي أنه قال: عن محمد بن عبد الله، وتارة عن عبد الله بن محمد وقد تقدم توضيح الحق في الباب الثاني: باب صفة الأذان في شرح الحديث رقم (6/ 490) من كتابنا هذا.

(3)

في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"(3/ 16).

(4)

في "السنن الكبرى"(1/ 400).

(5)

رقم (174).

(6)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(1/ 210).

(7)

في "التلخيص"(1/ 210).

(8)

الحكم هو ابن عُتيبة أبو محمد الكندي الكوفي: ثقة ثبت فقيه، وربما دلّس، مات سنة (113 هـ)، روى له الجماعة. "التقريب"(1/ 192).

(9)

مِقسم هو ابن بُجْرة. ويقال: نَجْدَة أبو القاسم مولى عبد الله بن الحارث، ويقال له مولى ابن عباس لكثرة ملازمته له: صدوق، وكان يرسل. مات سنة (101 هـ)، روى له أصحاب السنن وله في البخاري حديث واحد. "التقريب"(2/ 273).

(10)

قال الحافظ في "التلخيص"(1/ 210): "كأنه يشير إلى ما رواه البيهقي - (1/ 399) - من طريق أبي العميس، عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه، عن جدّه، أنه رأى الأذان والإقامة مثنى مثنى، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: "علّمهن بلالًا"، قال: فتقدمتُ، فأمرني أن أقيم فأقمت".

قال الحاكم: رواه الحفاظ من أصحاب أبي العميس، عن زيد بن محمد بن عبد الله بن =

ص: 272

ذكرهم في الحديث الذي قبل هذا، وقد عرفت تأخّر حديث الصدائي وأرجحية الأخذ به على أنه لو لم يتأخر لكان هذا الحديث خاصًّا بعبد الله بن زيدٍ والأولوية باعتبار غيره من الأمّة، والحكمة في التخصيص تلك المزية التي لا يشاركه فيها غيره، أعني الرؤيا، فإلحاق غيره به لا يجوز لوجهين:

(الأول): أنه يؤدي إلى إبطال فائدة النص، أعني حديث من أذن فهو يقيم يكون فاسد الاعتبار.

(الثاني): وجود الفارق وهو بمجرده مانع من الإلحاق.

[الباب الثامن] باب الفصل بين النداءين بجلسة

26/ 510 - (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قالَ: حَدَّثَنَا أصْحَابُنَا أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَقَدْ أَعْجَبَنِي أنْ تَكُونَ صَلاةُ المُسْلِمِينَ أوِ المُؤْمِنِينَ وَاحِدَةً"، وَذَكَرَ الحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، فقالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لمّا رَجَعْتُ لِما رَأَيْتُ مِنِ اهْتِمَامِكَ، رَأَيْتُ رَجُلًا كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أخْضَرَيْنِ فَقَامَ عَلَى المَسْجِدِ فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قامَ فَقَالَ مِثْلَهَا، إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قامَتِ الصَّلَاةِ، وَذَكَرَ الحَدِيثَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)

(1)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني

(2)

من حديث الأعمش عن عمرو بن مُرّة

(3)

عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل به.

= زيد، وعند ابن شاهين - في ناسخ الحديث ومنسوخه رقم (172) - أن عمر جاء فقال: أنا رأيت الرؤيا ويؤذن بلال، قال: فأقم أنت. وقال: غريب، لا أعلم أحدًا قال فيه: إن الذي أقام عمر - ابن الخطاب - إلّا في هذا، والمعروف أنه عبد الله بن زيد" اهـ.

(1)

في "سننه" رقم (506)، وهو حديث صحيح.

(2)

في "سننه"(1/ 242 رقم 31).

(3)

عمرو بن مُرَّة واسم جدّه عبد الله بن طارق الجَمَلي المرادي، أبو عبد الله الكوفي الأعمى، ثقة عابد، رمي بالإرجاء، وكان يدلّس مات سنة (118 هـ)، روى له الجماعة. "التقريب"(2/ 78).

ص: 273

ورواه أبو الشيخ في كتاب الأذان

(1)

من طريق يزيد بن أبي زياد

(2)

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد.

قال الحافظ

(3)

: وهذا الحديث ظاهر الانقطاع.

قال المنذري

(4)

: إلا أن قوله في رواية أبي داود، حدثنا أصحابنا، إن أراد الصحابة فيكون مسندًا وإلّا فهو مرسل.

وفي رواية ابن أبي شيبة

(5)

، وابن خزيمة

(6)

، والطحاوي

(7)

، والبيهقي

(8)

، حدثنا أصحاب محمد، فتعين الاحتمال الأول، ولهذا صححها ابن [حزم]

(9)

وابن دقيق العيد

(10)

.

وقد قدمنا في شرح حديث أنس

(11)

أنه أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ما يجاب به عن دعوى الانقطاع، وإعلال الحديث بها، فارجع إليه.

والحديث استدلّ به على استحباب الفصل بين الأذان والإقامة، لقوله:"فأذن ثم قعد قعدة"، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب جواز الركعتين قبل المغرب

(12)

من أبواب الأوقات والكلام على بقية فوائد الحديث قد مرّ في أوّل الأذان.

(1)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(1/ 203).

(2)

يزيد بن أبي زياد: هو يزيد بن زياد بن أبي زياد، وقد ينسب لجدّه، مولى بني مخزوم مدني ثقة. "التقريب"(2/ 364).

(3)

في "التلخيص"(1/ 203).

(4)

في "مختصر سنن أبي داود"(1/ 279).

(5)

في "المصنف"(1/ 203، 204).

(6)

في "صحيحه"(1/ 197 رقم 379).

(7)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 131 - 132).

(8)

في "السنن الكبرى"(1/ 420).

(9)

في (جـ): (خزيمة).

(10)

ذكر ذلك الحافظ في "التلخيص الحبير"(1/ 203).

(11)

رقم (7/ 491) من كتابنا هذا.

(12)

الباب الثامن: عند الحديث رقم (30/ 447) - (33/ 450) من كتابنا هذا.

ص: 274

[الباب التاسع] باب النهي عن أخذ الأجرة على الأذان

27/ 511 - (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي العَاصِ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: آخِرُ ما عَهَدَ إلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أتَّخِذَ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ على أذَانِهِ أجْرًا. رَوَاهُ الخَمْسَةُ)

(2)

. [صحيح]

الحديث صححه الحاكم

(3)

، وقال ابن المنذر

(4)

: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبي العاص: "واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا".

وأخرج ابن حبان

(5)

عن يحيى البكالي قال: سمعت رجلًا قال لابن عمر: إني لأحبك في الله، فقال له ابن عمر: إني لأبغضك في الله، فقال: سبحان الله، أحبك في الله وتبغضني في الله؟ قال: نعم إنك تسأل على أذانك أجرًا.

وروي

(6)

عن ابن مسعود أنّه قال: "أربع لا يؤخذ عليهنّ أجر: الأذان، وقراءة القرآن، والمقاسم، والقضاء". ذكره ابن سيد الناس في شرح الترمذي.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

وهم أحمد في المسند (4/ 21، 217)، وأبو داود رقم (531)، والترمذي رقم (209)، والنسائي (2/ 23)، وابن ماجه رقم (714).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 429)، وأبو عوانة (2/ 86 - 87)، والحاكم (1/ 199، 201)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. انظر:"الإرواء" رقم (1492).

(3)

في "المستدرك"(1/ 199، 201)، كما تقدم.

(4)

في "المختصر"(1/ 285).

(5)

أخرجه الطبراني في "الكبير" رقم (13059)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 228).

وأورد الذهبي الحديث في "الميزان"(4/ 409) في ترجمة يحيى بن مسلم البكاء، ولم أجد الحديث عند ابن حبان في "المجروحين"(3/ 109 - 110).

ويحيى هذا متروك الحديث قاله النسائي. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: يروي المعضلات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 41)، وعبد الرزاق في "المصنف"(8/ 297 - 298 رقم 15285) عن القاسم بن عبد الرحمن.

ص: 275

وروى ابن أبي شيبة

(1)

عن الضحاك أنه كره أن يأخذ المؤذن على أذانه جعلًا، ويقول: إن أعطي بغير مسألة فلا بأس.

وروي

(2)

أيضًا عن معاوية بن قرّة أنّه قال: كان يقال: لا يؤذن لك إلا محتسب.

وقد ذهب إلى تحريم الأجرة شرطًا على الأذان والإقامة الهادي والقاسم والناصر وأبو حنيفة وغيرهم

(3)

وقال مالك

(4)

: لا بأس بأخذ الأجرة على ذلك. وقال الأوزاعي

(5)

: يجاعل عليه ولا يؤاجر. وقال الشافعي في الأم

(6)

: "أحبُّ أن يكون المؤذنون متطوّعين، قال: وليس للإمام أن يرزقَهُم وهو يجد من يؤذن متطوّعًا ممن له أمانة، إلا أنْ يرزقَهُم من ماله، قال: ولا أحسبُ أحدًا ببلد كثيرِ الأهلِ يعوزُه أن يجدَ مؤذنًا أمينًا يؤذن متطوعًا، فإنْ لم يجدْهُ فلا بأس أن يرزقَ مؤذنًا، ولا يرزقُه إلا من خُمْسِ الخُمسِ الفضل.

وقال ابن العربي

(7)

: الصحيح جواز أخذ الأجرة على الأذان والصلاة والقضاء وجميع الأعمال الدينية، فإن الخليفة يأخذ أجرته على هذا كله، وفي كل واحد منها يأخذ النائب أجرًا كما يأخذ المستنيب. والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة"

(8)

اهـ.

فقاس المؤذن على العامل وهو قياس في مصادمة النص، وفتيا ابن عمر التي مرت لم يخالفها أحد من الصحابة كما صرّح بذلك اليعمري.

وقد عقد ابن حبان ترجمة على الرخصة في ذلك.

وأخرج عن أبي محذورة أنّه قال: "فألقى عليّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الأذان فأذنت

(1)

في "المصنف"(1/ 228) عن الضحاك.

(2)

في "المصنف"(1/ 228) عن معاوية بن قرة.

(3)

انظر: "البحر الزخار"(1/ 186)، و"البناية في شرح الهداية" للعيني (2/ 107).

(4)

انظر: "عيون المجالس" للقاضي عبد الوهاب المالكي (1/ 269 المسألة 104)، و"المدونة"(1/ 62)، و"مواهب الجليل"(2/ 115 - 116).

(5)

انظر: "المجموع"(3/ 135).

(6)

(2/ 64 - 65) فقرة (1102).

(7)

في "عارضة الأحوذي"(2/ 13).

(8)

أخرجه البخاري رقم (2776)، وطرفاه: رقم (3096) و (6729)، ومسلم رقم (55/ 1706)، وأبو داود رقم (2974)، وأحمد (2/ 242) من حديث أبي هريرة.

ص: 276

ثم أعطاني حين قضيت التأذين صرّة فيها شيء من فضة"، وأخرجه أيضًا النَّسَائِي

(1)

، قال اليعمري: ولا دليل فيه لوجهين:

(الأول): أن قصة أبي محذورة أول ما أسلم؛ لأنَّه أعطاه حين علمه الأذان وذلك قبل إسلام عثمان بن أبي العاص، فحديث عثمان متأخّر.

(الثاني): أنها واقعة يتطرّق إليها الاحتمال، وأقرب الاحتمالات فيها أن يكون من باب التأليف لحداثة عهده بالإسلام كما أعطى حينئذ غيره من المؤلّفة قلوبهم، ووقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال سلبها الاستدلال لما يبقى فيها من الإجمال، انتهى.

وأنت خبير بأن هذا الحديث لا يرد على من قال: إن الأجرة إنما تحرم إذا كانت مشروطة إلّا إذا أعطيها بغير مسألة، والجمع بين الحديثين بمثل هذا حسن.

[الباب العاشر] باب فيمن عليه فوائت أنه يؤذن ويقيم للأولى ويقيم لكل صلاة بعدها

28/ 512 - (عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: عَرَّسْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لِيَأْخُذَ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هذَا مَنْزِل حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيطَانُ"، قالَ: فَفَعَلْنَا ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الغَدَاةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(3)

، وَمُسْلِمٌ

(4)

، وَالنّسَائِيُّ

(5)

، ورَواهُ أبُو دَاوُدَ

(6)

، ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ سَجْدَتَيِ الفَجْرِ، وقالَ فِيهِ: فأمَرَ بِلَالًا فأذَّنَ وَأقامَ وَصَلَّى). [صحيح]

(1)

في "الكبرى" رقم (1596).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1680)، وأحمد (3/ 409).

وهو حديث صحيح بطرقه.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في "المسند"(2/ 429).

(4)

في "صحيحه" رقم (680).

(5)

في "السنن" رقم (1/ 298).

(6)

في "سننه" رقم (435)، وهو حديث صحيح.

ص: 277

الأمر بالإقامة للمقضية ثابت في صحيح مسلم

(1)

من حديث أبي هريرة بلفظ: "وأمر بلالًا فأقام الصلاة" الحديث بطوله في نومهم في الوادي، وفيه من حديث أبي قتادة

(2)

: "أن بلالًا أذن".

قوله: (عَرّسنا) قد تقدم تفسيره في باب قضاء الفوائت

(3)

.

قوله: (فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان).

قال النووي

(4)

: فيه دليل على اجتناب مواضع الشيطان وقد أظهر المعنيين في النهي عن الصلاة في الحمام.

قوله: (ثم صلّى سجدتين) يعني ركعتين، وفيه دليل على استحباب قضاء النافلة الراتبة.

قوله: (فأذّن وأقام) استدلّ به على مشروعية الأذان والإقامة في الصلاة المقضية، وقد ذهب إلى استحبابهما في القضاء الهادي والقاسم والناصر وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل وأبو ثور

(5)

، وقال مالك

(6)

والأوزاعي ورواه المهدي في البحر

(7)

قولًا للشافعي إنه لا يستحب الأذان، واحتجّ لهم بأنه لم ينقل في قضاء الأربع.

وأجاب عن ذلك بأنه نقل في رواية ثم قال: سلمنا فتركه خوف اللبس، وسيأتي حديث قضاء الأربع

(8)

بعد هذا الحديث مصرّحًا فيه بالأذان والإقامة، وإنما ترك الأذان رواية أبي هريرة عند مسلم

(9)

وغيره يوم نومهم في الوادي لما قال النووي في شرح مسلم

(10)

ولفظه: "وأما ترك ذكر الأذان في حديث أبي

(1)

رقم (309/ 680).

(2)

أخرجه مسلم رقم (311/ 681).

(3)

الباب الخامس عشر عند الحديث (61/ 478) و (62/ 479) من كتابنا هذا.

(4)

في "شرحه لصحيح مسلم"(5/ 183).

(5)

"البحر الزخار"(1/ 187)، و"البناية في شرح الهداية"(2/ 117 - 118)، و"المغني" لابن قدامة (2/ 75 - 78).

(6)

انظر: "المواهب الجليل شرح مختصر الخليل"(2/ 124 - 126).

(7)

(1/ 187 - 188).

(8)

برقم (29/ 513) من كتابنا هذا.

(9)

رقم (309/ 680).

(10)

في "شرحه لصحيح مسلم"(5/ 182 - 183).

ص: 278

هريرة وغيره فجوابه من وجهين: (أحدهما): لا يلزم من ترك ذكره أنه لم يؤذّن، فلعله أذّن، وأهمله الراوي ولم يعلم به، (والثاني): لعله ترك الأذان في هذه المرة لبيان جواز تركه، وإشارة إلى أنه ليس بواجب متحتم لا سيما في السفر".

وقال أيضًا

(1)

: "وفي المسألة خلاف، والأصحّ عندنا إثبات الأذان لحديث أبي قتادة وغيره من الأحاديث الصحيحة"

(2)

.

وفي الحديث استحباب الجماعة في الفائتة، وقد استشكل نومه صلى الله عليه وسلم في الوادي لقوله:"إن عيني تنام ولا ينام قلبي"

(3)

، قال النووي

(4)

: "وجوابه من وجهين (أصحهما وأشهرهما) أنه لا منافاة بينهما؛ لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين، وإنما يدرك ذلك بالعين، والعين نائمة وإن كان القلب يقظان، (والثاني): أنه كان له حالان (أحدهما): ينام فيه القلب وصادف هذا الموضع، (والثاني): لا ينام وهذا هو الغالب من أحواله، وهذا التأويل ضعيف والصحيح المعتمد هو الأول" اهـ.

29/ 513 - (وَعَنْ أَبِي عُبَيْد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أن المُشْرِكِينَ، شَغَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الخَنْدَقِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِلَالًا فأذَّنَ ثُمَّ أقامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أقامَ فَصَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ أقامَ فَصَلَّى المَغْرِبَ، ثُمَّ أقامَ فَصَلَّى العِشَاءَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(5)

وَالنَّسَائِيُّ

(6)

والتِّرْمِذِيُّ

(7)

،

(1)

في "شرحه لصحيح مسلم"(5/ 182).

(2)

أخرجه مسلم رقم (311/ 681).

(3)

• أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3569) من حديث عائشة رضي الله عنها، في قصة التهجد، وفيه: قلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: "تنام عيني ولا ينام قلبي".

• وأخرج البخاري رقم (3570) من حديث أنس في قصة الإسراء، ومحل الشاهد قوله: "والنبيّ صلى الله عليه وسلم نائمة عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء

".

• وأخرج البخاري رقم (7281) من حديث جابر، وهو قصة طويلة في ضرب المثل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم بالداعي، والجنّة بالدار، والنعيم بالمأدبة

إلخ القصة.

والشاهد في هذا الحديث قوله: فقالوا أوّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، قالوا: فالدار الجنّة، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم.

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 184).

(5)

في "المسند"(1/ 375).

(6)

في "السنن" رقم (2/ 17 - 18).

(7)

في "السنن" رقم (179).

ص: 279

وقال

(1)

: لَيْسَ بإسْنَادِهِ بَأْسٌ إلَّا أن أبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ الله). [حسن]

[الحديث رجاله رجال الصحيح، ولا علّة له إلا عدم سماع أبي عبيدة من أبيه وهو الذي جزم به الحفاظ، أعني عدم سماعه منه

(2)

]

(3)

.

وفي الباب عن أبي سعيد الخدري عند أحمد

(4)

والنسائي

(5)

وقد تقدم. قال اليعمري: وحديث أبي سعيد رواه الطحاوي

(6)

عن المزني عن الشافعي، حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه، وهذا إسناد صحيح جليل، انتهى.

وفي الباب أيضًا عن جابر عند البخاري ومسلم، وقد تقدم

(7)

، وليس فيه ذكر الأذان والإقامة.

والحديث استدلّ به على مشروعيّة الأذان والإقامة في القضاء، وقد تقدم الخلاف في ذلك، وللحديث أحكام وفوائد قد تقدم ذكر بعضها في باب الترتيب

(1)

في "سننه"(1/ 338).

قلت: وهو منقطع كما قال الترمذي، ولكنه يعتضد بحديث أبي سعيد الخدري وهو عند النَّسَائِي رقم (661)، وأحمد (3/ 25، 49، 67)، والبيهقي (1/ 402 - 403)، وابن خزيمة رقم (996)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (2890).

والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(2)

قال العلائي في "جامع التحصيل"(ص 249 رقم 324): "عامر بن عبد الله بن مسعود أبو عبيدة، وقيل: اسمه كنيته، روى عن أبيه الكثير، وذلك في السنن الأربعة.

وقال أبو حاتم والجماعة: لم يسمع من أبيه شيئًا.

وروى شعبة عن عمرو بن مرة قال: سألت أبا عبيدة هل تذكر من عبد الله شيئًا؟ قال: ما أذكر منه شيئًا.

وقد روى عبد الواحد بن زياد عن أبي مالك الأشجعي عن أبي عبيدة قال: خرجت مع أبي لصلاة الصبح فضعف أبو حاتم هذه الرواية.

وقال أبو زرعة: أبو عبيدة عن أبي بكر الصديق: مرسل وهذا واضحًا" اهـ.

(3)

زيادة من (أ) و (ب).

(4)

في "المسند"(3/ 25، 49، 67) وقد تقدم.

(5)

في "السنن" رقم (662) وقد تقدم.

(6)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 321) وقد تقدم.

(7)

برقم (66/ 483) من كتابنا هذا.

ص: 280

في قضاء الفوائت، وقد استشكل الجمع بينه وبين ما في الصحيحين من أن الصلاة التي شغل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فقط، وقد قدمنا طرفًا من الكلام على ذلك في باب الصلاة الوسطى وطرفًا في باب الترتيب في قضاء الفوائت

(1)

.

(1)

الباب السادس عشر عند الحديث (66/ 483) من كتابنا هذا.

ص: 281

[رابعًا] أبواب ستر العورة

[الباب الأول] باب وجوب سترها

1/ 514 - (عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ [رضي الله تعالى عنهم]

(1)

قالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: "احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ"، قُلْتُ: فَإِذَا كانَ القَوْم بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قالَ: "إنِ اسْتَطَعْتَ أنْ لَا يَرَاهَا أحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا"، قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ أحَدُنَا خَالِيًا؟ قالَ: "فاللَّهُ تبارك وتعالى أحَقُّ أنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ". رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيُّ)

(2)

. [حسن]

الحديث [أخرجه أيضًا النَّسَائِي في عِشرة النساء

(3)

عن عمرو بن علي

(4)

، عن يحيى بن سعيد، عن بهز

(5)

فذكره لا كما قال المصنف، وقد]

(6)

علّقه البخاري

(7)

وحسّنه الترمذي

(8)

وصححه الحاكم

(9)

، وأخرجه ابن أبي شيبة

(10)

،

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أخرجه أحمد في "المسند"(5/ 3)، وأبو داود في "السنن" رقم (4017)، وابن ماجه (1920)، والترمذي رقم (2769) وقال: هذا حديث حسن.

(3)

رقم (86).

(4)

عمرو بن علي بن بحر بن كُنَيْز أبو حفص الفلّاس البصري، ثقة حافظ، مات سنة (249 هـ)، روى له الجماعة. "التقريب"(2/ 75).

(5)

بهز بن حكيم بن معاوية القشيري أبو عبد الملك، صدوق. روى له أصحاب السنن.

"التقريب"(1/ 109).

(6)

زيادة من (أ) و (ب).

(7)

في "صحيحه"(1/ 385) معلقًا بصيغة الجزم. وقال ابن حجر في "الفتح"(1/ 386): "فالإسناد إلى بَهْز صحيح، ولهذا جزم به البخاري، وأما بَهْز وأبوه فليسا من شرطه".

(8)

في "سننه"(5/ 98).

(9)

في "المستدرك"(4/ 180) ووافقه الذهبي.

وخلاصة القول: أن حديث بَهْز بن حكيم حديث حسن، والله أعلم.

(10)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(1/ 386).

ص: 282

قال: حدثنا يزيد بن هارون

(1)

، حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده بدون قوله:"فإذا كان القوم"، إلى قوله:"قلت: فإذا كان أحدنا"، وزاد بعد قوله: "فالله [تعالى]

(2)

أحق أن يستحيا منه"، لفظ: "من الناس"، وقد عرف من السياق أنه وارد في كشف العورة بخلاف ما قال أبو عبد الله البوني إن المراد بقوله: "أحقّ أن يستحيا منه"، أي فلا يعصى.

ومفهوم قوله: "إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك"، يدلّ على أنه يجوز لهما النظر إلى ذلك منه وقياسه أنه يجوز له النظر، ويدلّ أيضًا على أنه لا يجوز النظر لغير من استثني، ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة، وكما دلّ مفهوم الاستثناء على ذلك، فقد دلّ عليه منطوق قوله:"فإذا كان القوم بعضهم في بعض"، ويدلّ على أن التعرّي في الخلوة غير جائز مطلقًا.

وقد استدلّ البخاري

(3)

على جوازه في الغسل [بقصة]

(4)

موسى وأيوب

(5)

.

(1)

يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة متقن، عابد. مات سنة (206 هـ)، روى له الجماعة. "التقريب" رقم (7789).

(2)

زيادة من (ج).

(3)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (278)، ومسلم رقم (339)، وأحمد (2/ 315).

عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"كانت بنو إسرائيلَ يغتسلون عُراةً ينظُرُ بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسِلُ وحدَهُ، فقالوا: والله ما يمنعُ موسى أن يغتسل معنا إلَّا أنه آدَرُ. فذهب مرةَ يغتسِلُ، فوضعَ ثوبَهُ على حجرٍ ففرَّ الحجَرُ بثوبهِ، فخرج موسى في إثرهِ يقولُ: ثوبي يا حجَرُ، حتى نظرتْ بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا: واللهِ ما بموسى من بأس. وأخذُ ثوبَهُ فطفِقَ بالحجرِ ضربًا".

فقال أبو هريرة: واللَّهِ إنه لنَدَبٌ بالحجر ستةٌ أو سبعةٌ ضربًا بالحجَرِ.

(4)

في المخطوط (ب) و (ج): (بقضية).

(5)

القصة استدلّ بها البخاري على جواز التعرّي في الخلوة للغسل. قال الحافظ في "الفتح"(1/ 386): والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قص القصتين (قصة موسى وأيوب) ولم يتعقب شيئًا منهما، فدلّ على موافقتهما لشرعنا، وإلّا فلو كان فيهما شيء غير موافق لبيَّنه

فعلى هذا فيجمع بين الحديثين (حديث بهز المتقدم، وهذا - حديث أبي هريرة -) بحمل حديث بهز بن حكيم على الأفضل وإليه أشار (البخاري) في الترجمة، ورجح بعض الشافعية تحريمه، والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط.

• وقال الإمام النووي في "شرحه لصحيح مسلم"(4/ 32): يجوز كشف العورة في موضع الحاجة في الخلوة، وذلك كحالة الاغتسال، وحال البول، ومعاشرة الزوجة ونحو ذلك

=

ص: 283

ومما يدلّ على عدم الجواز مطلقًا حديث ابن عمر عند الترمذي

(1)

بلفظ: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيّاكم والتعرّي فإن معَكُم من لا يفارِقَكُم إلا عندَ الغائطِ، وحينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إلى أهْلِهِ فاسْتَحْيُوهُمْ وأكْرِمُوهُمْ".

ويدلّ على ما أشعرَ به الحديث مفهومًا ومنطوقًا من عدم جواز نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم

(2)

وأبي داود

(3)

والترمذي

(4)

بلفظ: "لا ينظُرُ الرَّجُلُ إلى عورةِ الرجل، ولا المرأة إلى عورةِ المرأة، ولا يُفضي الرجل إلى الرجل في الثوبِ الواحدِ، ولا تُفْضِي المرأةُ إلى المرأةِ في الثوبِ الواحدِ".

والحديث يدلّ على وجوب الستر للعورة كما ذكر المصنف بقوله: "احفظ عورتك"، وقوله:"فلا يرينها"، وقد ذهب قوم إلى عدم وجوب ستر العورة، وتمسّكوا بأن تعليق الأمر بالاستطاعة قرينة تصرف الأمر إلى معناه المجازي الذي هو الندب. ورد بأن ستر العورة مستطاع لكل أحد فهو من الشروط التي يراد بها التهييج والإلهاب، كما علم في علم البيان.

وتمسكوا أيضًا بما سيأتي من كشفه صلى الله عليه وسلم لفخذه

(5)

وسيأتي الجواب عليه، والحقّ وجوب ستر العورة في جميع الأوقات إلّا وقت قضاء الحاجة وإفضاء

= وأما بحضرة الناس فيحرم كشف العورة في كل ذلك.

ثم قال: قال العلماء: والتستّر بمئزر ونحوه في حال الاغتسال في الخلوة أفضل من التكشّف، والتكشّف جائز مدة الحاجة في الغسل ونحوه، والزيادة على قدر الحاجة حرام على الأصح.

(1)

في "سننه" رقم (2800) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلّا من هذا الوجه، وأبو محيَّاةَ اسمه يحيى بنُ يعلى.

قلت: وعلّته ليث بن أبي سليم، قال الحافظ في "التقريب" رقم (5685): صدوق اختلط أخيرًا ولم يتميّز حديثه فترك.

وخلاصة القول: أن حديث ابن عمر ضعيف، والله أعلم.

(2)

في "صحيحه" رقم (338).

(3)

في "سننه" رقم (4518).

(4)

في "سننه" رقم (2793) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

وهو حديث صحيح.

(5)

برقم (7/ 520) من كتابنا هذا.

ص: 284

الرجل إلى أهله، ما في حديث ابن عمر السابق، وعند الغسل على الخلاف الذي مرّ في الغسل، ومن جميع الأشخاص إلّا الزوجة والأمَة كما في حديث الباب، والطبيب

(1)

والشاهد والحاكم

(2)

على نزاع في ذلك.

[الباب الثاني] باب بيان العورة وحدها

2/ 515 - (عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلا مَيتٍ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

، وابْنُ مَاجَهْ)

(4)

. [ضعيف جدًّا]

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم

(5)

والبزار

(6)

من حديث عليّ، وفيه ابن جريج

(1)

أخرج مسلم في "صحيحه" رقم (72/ 2206) من حديث جابر أن أم سلمة "استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا طيبة أن يحجِمَها"، قال حسبتُ أنه قال: كان أخاها من الرضاعة، أو غُلامًا لم يحتلم". قال ابن القطان في "النظر في أحكام النظر بحاسة البصر" (ص 379): "وهذا التأويل من أحد الرواة وهو غير محتاج إليه إذا تحققت الضرورة.

ولا يصح في هذا رواية زمعة بن صالح عن زياد بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر قال:"استأذنت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة فأذن لها، فأرسلها إلى أخ لها من الرضاعة فحجمها"، فإن زمعة ضعيف.

ذكره أبو أحمد بن عدي - في "الكامل"(3/ 1084) وما بعده -.

(2)

يجوز النظر إلى المرأة التي يقام عليها الحد جلدًا أو رجمًا أو قطعًا.

فقد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يد المرأة المخزومية التي سرقت - أخرجه البخاري رقم (3475)، ومسلم رقم (9/ 1688).

ورجم الغامدية - أخرجه مسلم رقم (24/ 1696).

ورجم اليهودية - أخرجه مسلم رقم (28/ 1700).

وأمر عليًا رضي الله عنه أن يجلد أمة له زنت، أخرجه مسلم رقم (34/ 1705).

وأمر أنيسًا رضي الله عنه أن يرجم المرأة التي إن اعترفت بالزنا. أخرجه البخاري رقم (6859، 6860)، ومسلم (25/ 1697، 1698).

(3)

في "سننه" رقم (4015).

(4)

في "سننه" رقم (1460).

(5)

في "المستدرك"(4/ 180 - 181).

(6)

في "مسنده البحر الزخار"(2/ 274 رقم 694).

ص: 285

عن حبيب

(1)

، وفي رواية أبي داود من طريق حجاج بن محمد

(2)

عن ابن جريج قال: أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت، وقد قال أبو حاتم في العلل

(3)

: إن الواسطة بينهما هو الحسن بن ذكوان

(4)

، قال: ولا يثبت لحبيب رواية عن عاصم

(5)

.

قال الحافظ

(6)

: فهذه علّة أخرى، وكذا قال ابن معين: إن حبيبًا لم يسمعه من عاصم وإن بينهما رجلًا ليس بثقة، وبين البزار أن الواسطة بينهما هو عمرو بن خالد الواسطي

(7)

، ووقع في زيادات المسند

(8)

وفي الدارقطني

(9)

ومسند الهيثم بن كليب

(10)

تصريح ابن جريج بإخبار حبيب له وهو وهم كما قال الحافظ

(11)

.

(1)

هو حبيب بن أبي ثابت قيس بن دينار الأسدي، أبو يحيى الكوفي ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس، مات سنة (119 هـ)، روى عنه الجماعة. "التقريب"(1/ 148).

(2)

حجاج بن محمد هو المصيصي الأعور أبو محمد، ثقة ثبت لكنه اختلط في آخر عمره.

مات ببغداد سنة (206 هـ)، روى له الجماعة. "التقريب"(1/ 154).

(3)

(2/ 271).

(4)

الحسن بن ذكوان أبو سلمة البصري، صدوق يخطئ رمي بالقدر، وكان يدلس. "التقريب" رقم (1240).

(5)

لأن حبيبًا مات سنة (119 هـ)، وروى هذا الحديث عن عاصم عن علي رضي الله عنه.

وعاصم هذا هو عاصم بن ضمرة السَّلولي الكوفي. صدوق، مات سنة (174 هـ).

"التقريب"(1/ 384).

(6)

في "التلخيص"(1/ 279).

(7)

عمرو بن خالد القرشي، مولى بني هاشم، كوفي تحول إلى واسط، يروي عن حبيب بن أبي ثابت، متروك الحديث، وروى عنه الحسن بن ذكوان.

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(6/ 328)، و"الجرح والتعديل"(6/ 230)، و"الكاشف"(2/ 283)، و"المغني"(2/ 483)، و "الميزان"(3/ 257)، و"لسان الميزان"(7/ 325)، و"التقريب"(2/ 69).

(8)

"مسند الإمام أحمد"(1/ 146).

(9)

في "سننه"(1/ 225).

(10)

الهيثم بن كُليب بن شريح بن معقل الشاشي، أبو سعيد، محدّث وله المسند الكبير طبع بـ/ 3 مجلدات.

(11)

في "التلخيص"(1/ 279).

وانظر كلامًا طيبًا على الحديث في كتاب: "موافقة الخُبر الخَبر في تخريج أحاديث المختصر"، للحافظ ابن حجر (2/ 117 - 121). وانظر:"إرواء الغليل" رقم (269).

وخلاصة القول: أن حديث علي ضعيف جدًّا، والله أعلم.

ص: 286

والحديث يدلّ على أن الفخذ عورة، وقد ذهب إلى ذلك العترة والشافعي وأبو حنيفة.

قال النووي: ذهب أكثر العلماء إلى أن الفخذ عورة، وعن أحمد ومالك في رواية:"العورة: القبل والدبر فقط"، وبه قال أهل الظاهر وابن جرير والإصطخري

(1)

، قال الحافظ

(2)

: في ثبوت ذلك عن ابن جرير نظر، فقد ذكر المسألة في تهذيبه، ورد على من زعم أن الفخذ ليست بعورة.

واحتجّوا بما سيأتي في الباب الذي بعد هذا

(3)

.

والحق أن الفخذ من العورة، وحديث عليّ هذا وإن كان غير منتهض على الاستقلال ففي الباب من الأحاديث ما يصلح للاحتجاج به على المطلوب كما ستعرف ذلك.

وأمّا [حديثا]

(4)

عائشة

(5)

وأنس

(6)

الآتيان في الباب الذي بعد هذا فهما واردان في قضايا معينة مخصوصة يتطرّق إليها من احتمال الخصوصية أو البقاء على أصل الإباحة ما لا يتطرّق إلى الأحاديث المذكورة في هذا الباب؛ لأنها تتضمّن إعطاء حكم كلّي وإظهار شرع عام، فكان العمل بها أولى كما قال القرطبي، على أن طرف الفخذ قد يتسامح في كشفه لا سيما في مواطن الحرب ومواقف الخصام، وقد تقرّر في الأصول أن القول أرجح من الفعل.

3/ 516 - (وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ [رضي الله تعالى عنه]

(7)

قالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَعْمَرٍ وَفَخِذَاهُ مَكْشُوفَتَانِ، فَقَالَ:"يَا مَعْمَرُ، غَطِّ فَخِذَيْكَ فإن الفَخِذَيْنِ عَوْرَة". رَوَاهُ أَحْمَدُ

(8)

وَالْبُخَارِيُّ في تاريخِهِ)

(9)

. [حسن لغيره]

(1)

انظر: "المجموع"(3/ 174)، و"البحر الزخار"(1/ 227)، و"بدائع الصنائع"(5/ 122، 123)، و"الخرشي علي خليل"(1/ 246)، و"حلية العلماء"(2/ 61 - 68).

(2)

في "الفتح"(1/ 481).

(3)

الباب الثالث عند الحديث رقم (6/ 519 - 7/ 520) من كتابنا هذا.

(4)

في المخطوط (أ) و (ج): (حديث).

(5)

رقم (6/ 519) من كتابنا هذا.

(6)

رقم (7/ 520) من كتابنا هذا.

(7)

زيادة من (ج).

(8)

في "المسند"(5/ 290).

(9)

في "التاريخ الكبير"(1/ 1/ 13). =

ص: 287

الحديث أخرجه [البخاري أيضًا]

(1)

في صحيحه تعليقًا

(2)

، والحاكم في المستدرك

(3)

كلّهم من طريق إسماعيل بن جعفر

(4)

عن العلاء بن عبد الرحمن

(5)

عن أبي كثير

(6)

مولى محمد بن جحش عنه فذكره. قال الحافظ في الفتح

(7)

: رجاله رجال الصحيح غير أبي كثير فقد روى عنه جماعة لكن لم أجد فيه تصريحًا بتعديل.

وقد أخرج ابن قانع

(8)

هذا الحديث من طريقه أيضًا قال: وقد وقع لي حديث محمد بن جحش هذا مسلسلًا بالمحمديين من ابتدائه إلى انتهائه، وقد أمليته في الأربعين المتباينة.

والحديث يدلّ على أن الفخذ عورة، وقد تقدم ذكر الخلاف فيه وبيان ما هو الحق، ومحمد بن جحش هذا هو محمد بن عبد الله بن جحش نسب إلى جدّه، له ولأبيه صحبة، وزينب بنت جحش هي عمّته، ومعمر المشار إليه هو معمر بن عبد الله بن نضلة القرشي العدوي.

= قلت: وأخرجه ابن حميد في "المنتخب" رقم (367) وفي سنده رجل لم يسمّ (وهو الراوي عن أبي كثير) وقد جاء في رواية أحمد المتقدمة أنه العلاء، وبالبحث في ترجمة أبي كثير مولى آل جحش أن الراوي عنه العلاء بن عبد الرحمن، وبذلك جزم به المزي في الأطراف حديث رقم (11226)، أفاده الأخ مصطفى العدوي في تحقيقه للمنتخب (1/ 325).

والخلاصة: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.

(1)

في (ج): (أيضًا البخاري).

(2)

(1/ 478 - مع الفتح).

(3)

في "المستدرك"(3/ 637).

(4)

إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري أبو إسحاق: ثقة ثبت. مات سنة (180 هـ)، روى له الجماعة. "التقريب"(1/ 68).

(5)

العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحُرَقي، أبو شِبْل المدني. صدوق ربما وهم، من الخامسة، مات سنة بضع وثلاثين ومائة. "التقريب"(2/ 92).

(6)

قال عنه الحافظ في "التقريب"(2/ 466): ثقة، ويقال: له صحبة، وانظر:"تهذيب التهذيب".

(7)

(1/ 479).

(8)

هو عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الأموي بالولاء، البغدادي، أبو الحسين من حفاظ الحديث، ومن أصحاب الرأي له "معجم الصحابة"، توفي عام (351 هـ)، وكتابه مطبوع بـ (3) مجلّدات.

والحديث أخرجه في معجمه (3/ 18 - 19) رقم الترجمة (961) في ترجمة محمد بن عيد الله بن جحش.

ص: 288

4/ 517 - (وعَنِ ابْن عَباس [رضي الله تعالى عنهما]

(1)

عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الْفَخِذْ عَوْرَةٌ". رَوَاهُ الترْمِذِي

(2)

وأَحْمَدُ

(3)

وَلَفْظهُ: مَرَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم على رَجُلٍ وَفَخِذُه خارِجَةٌ. فقال: "غطِّ فَخِذيْكَ فإِنَّ فَخِذَ الرَّجُل مِنْ عَوْرَتِهِ"[حسن]

الحديث في إسناده أبو يحيى القتات

(4)

بقاف ومثناتين وهو ضعيف مشهور بكنيته، واختلف في اسمه على ستة أقوال أو سبعة أشهرها دينار. وقد أخرج هذا الحديث البخاري في صحيحه تعليقًا

(5)

وهو يدل على أن الفخذ عورة وقد تقدم الكلام في ذلك.

5/ 518 - (وَعَنْ جَرْهَد الأسْلمِيِّ [رضي الله تعالى عنه] (1) قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وعَلَيَّ بُرْدَةٌ وَقَدِ انْكَشَفَتْ فَخذِي، فقالَ: "غَطّ فَخذَكَ فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَة رَوَاهُ مَالِكٌ في الْمَوُطَّأ

(6)

وأَحمَدُ

(7)

وأَبو داودَ

(8)

والترمِذِيُّ وقالَ: حَسَنٌ)

(9)

. [حسن]

الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان وصححه

(10)

، وعلقه البخاري في صحيحه

(11)

وضعفه في تاريخه

(12)

للاضطراب في إسناده.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في سننه رقم (2796).

(3)

في المسند (5/ 290).

(4)

قال الحافظ في "التقريب"(2/ 489) عنه: (لين الحديث).

وقال النَّسَائِي عنه في "الضعفاء" رقم (703): (ليس بالقوي).

وانظر ترجمته في "التاريخ الكبير"(3/ 438) والكاشف (3/ 346) والمغني (2/ 815) والميزان (4/ 586) ولسان الميزان (7/ 489).

(5)

(1/ 478 - مع الفتح).

قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 181) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 228) وخلاصة القول أن الحديث حسن والله أعلم.

(6)

لم أجده في الموطأ. ولم يعزه صاحب "جامع الأصول" إلى مالك في الموطأ (4/ 451 رقم 3631) والله أعلم. وقال ابن حجر في "موافقة الخُبر الخبر"(2/ 119): أخرجه مالك في بعض روايات الموطأ كالقعنبي. قلت: وفي رواية أبي مصعب (2122).

(7)

في المسند (3/ 478).

(8)

في السنن رقم (4014).

(9)

في السنن رقم (2795) وقال: هذا حديث حسن، ما أرى إسناده بمتصل.

(10)

في صحيحه (رقم: 353 - موارد).

(11)

في صحيحه (1/ 478 - مع الفتح) بصيغة التمريض.

(12)

التاريخ الكبير (2/ 748 - رقم الترجمة: 2354).

قلت: وأخرجه الطيالسي في مسنده (ص 162 رقم 1176) والدارمي (2/ 281) والبيهقي =

ص: 289

قال الحافظ في الفتح

(1)

: وقد ذكرت كثيرًا من طرقه في تغليق التعليق

(2)

وجرهد

(3)

هذا هو بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء.

والحديث من أدلة القائلين بأن الفخذ عورة وهم الجمهور كما تقدم

(4)

.

[الباب الثالث] باب من لم ير الفخذ من العورة وقال: هي السوأتان فقط

6/ 519 - (عَنْ عَائِشَةَ [رضي الله تعالى عنها]

(5)

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ جالسًا كاشفًا عَنْ فَخِذِهِ فَاسْتَأذَنَ أبو بَكْر فأذِنَ لهُ وَهُوَ على حالِهِ، ثمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فأذِنَ لهُ وهُوَ على حالِهِ، ثمَّ اسْتَأْذَنَ عثْمانُ فأرْخَى علَيْهِ ثِيَابَهُ، فلمَّا قامُوا قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ اسْتأذَنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر فأذِنْتَ لَهُما، وَأنت على حالِكَ فَلَمَّا اسْتَأذَنَ عُثْمان أرْخَيْتَ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ، فَقَالَ:"يا عائِشَةُ ألا أَسْتَحِيي مِنْ رَجُلٍ والله إِنَّ الملَائِكَةَ لَتَسْتَحِيي مِنْهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ

(6)

. [صحيح]

= في السنن الكبرى (2/ 228).

وهو حديث حسن والله أعلم.

(1)

(1/ 478).

(2)

(2/ 209 - 212).

(3)

عبد الله بن جَرْهد ذكره ابن حبان في "الثقات"(5/ 22) وقال: يروي عنه عبد الله بن محمد بن عقيل إن كان حفظه.

وانظر "تهذيب التهذيب"(2/ 313) و"التقريب" رقم (3249).

وقال عنه الحافظ (مقبول).

(4)

انظر: "المجموع"(3/ 174 - 175). وحلية العلماء للشاشي القفال (2/ 61 - 68).

(5)

زيادة من (ج).

(6)

في المسند (6/ 62) بسند رجاله ثقات غير عبيد الله بن سيار أورده الحافظ في "التعجيل" رقم (689) رامزًا له بأنه من رجال أحمد.

وقال: "قال الحسيني: مجهول. قلت: ما رأيته في مسند عائشة رضي الله عنها من مسند أحمد قلت: هو فيه في الموضع الذي أشرنا إليه.

وعبيد الله هذا لم يورده ابن أبي حاتم ولا ابن حبان في "الثقات" والله أعلم.

• وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار"(4/ 359 رقم (1695) من طريق محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار وسليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن عنها. =

ص: 290

وَروى أحْمَدُ

(1)

هذِهِ القِصَّةَ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ بِنَحْوِ ذلِكَ ولَفْظُهُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ فَخِذَيه، وفِيه: فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُثْمانُ تَجَلَّلَ بِثَوبِهِ). [صحيح لغيره]

الحديث أخرج نحوه البخاري تعليقًا

(2)

، فقال في صحيحه: في باب ما يُذكرُ في الفخِذِ

(3)

.

وقال أبو موسى

(4)

: غَطَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم رُكبتيهِ حينَ دخل عثمانُ.

وأخرجه مسلم

(5)

من حديث عائشة بلفظ: "قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه" الحديث وفيه "فلما استأذن عثمان جلس".

= قلت: وهذا سند صحيح.

وأصله في صحيح مسلم رقم (36/ 2401) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 231) لكن بلفظ: "كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه" على الشك.

ورواية الطحاوي ترفع الشك، وتعين أن الكشف كان عن الفخذ. وهو حديث صحيح.

(1)

في المسند (6/ 288) ورجاله ثقات غير عبد الله بن أبي سعيد المزني الراوي له عن حفصة. وقد ترجمه الحافظ في "التعجيل" وقال ملحقًا: "وتلخص أن لعبد الله بن أبي سعيد راويين، ولم يجرح ولم يأت بمتن منكر فهو على قاعدة "ثقات ابن حبان" لكن لم أر ذكره في النسخة التي عندي".

قال الألباني في الإرواء (1/ 299): "قلت: فمثله يستشهد به، والله أعلم، وقد قال الهيثمي في "المجمع" (9/ 82): "رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وإسناده حسن" اهـ.

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 231) والطبراني في الكبير (23/ 205 رقم 355) و (23/ 217 رقم 400) وفي الأوسط (رقم 3681 - مجمع البحرين) وأبو يعلى (12/ 467 رقم 7/ 7038).

والخلاصة فهو حديث صحيح لغيره.

(2)

(1/ 478 - مع الفتح).

(3)

الباب رقم (12)(1/ 478 - مع الفتح).

(4)

أي الأشعري. والمذكور هنا من حديثه، طرف من قصة أوردها المصنف في المناقب من رواية عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي فذكر الحديث. وفيه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدًا في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطاها" البخاري رقم (3695).

وعرف بهذا الرد على الداودي الشارح حيث زعم أن هذه الرواية المعلقة عن أبي موسى وهم، وأنَّه دخل حديث في حديث. (الفتح: 1/ 479).

(5)

في صحيحه رقم (36/ 2401).

ص: 291

وحديث حفصة أخرجه الطحاوي

(1)

والبيهقي

(2)

من طريق ابن جريج قال: أخبرني أبو خالد عن عبد الله بن سعيد المدني حدثتني حفصة بنت عمر قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي يومًا وقد وضع ثوبه بين فخذيه فدخل أبو بكر" الحديث.

والحديث استدل به من قال: إن الفخذ ليس بعورة، وقد تقدم ذكرهم في الباب الأول وهو لا ينتهض لمعارضة الأحاديث المتقدمة لوجوه.

(الأول): ما قدمنا من أنها حكاية فعل.

(الثاني): أنها لا تقوى على معارضة تلك الأقوال الصحيحة العامة لجميع الرجال.

(الثالث): التردد الواقع في رواية مسلم التي ذكرناها "ما بين الفخذ والساق" والساق ليس بعورة إجماعًا.

(الرابع): غاية ما في هذه الواقعة أن يكون ذلك خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنَّه لم يظهر فيها دليل يدل على التأسي به في مثل ذلك، فالواجب التمسك بتلك الأقوال الناصة على أن الفخذ عورة.

7/ 520 - (وعَنْ أَنَسٍ [رضي الله تعالى عنه]

(3)

أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتى إِنِّي لأنْظُرُ إلى بَياضِ فَخِذِهِ. رَواهُ أحْمَدُ

(4)

وَالبُخَاريُّ

(5)

. [صحيح]

وقالَ: حَدِيثُ أَنَسٍ أسْنَدُ

(6)

وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ)

(7)

.

قوله: (حَسَرَ) بمهملات مفتوحات أي كشف، وضبطه بعضهم بضم أوله وكسر ثانيه على البناء للمفعول بدليل رواية مسلم فانحسر.

(1)

في "شرح مشكل الآثار"(4/ 420 - 421 رقم 1719).

(2)

في السنن الكبرى (2/ 231) وهو حديث صحيح.

(3)

زيادة من (ج).

(4)

في المسند (3/ 102).

(5)

في صحيحه رقم (371).

وهو حديث صحيح.

(6)

أي أصح إسنادًا. كأنه يقول حديث جرهد ولو قلنا بصحته فهو مرجوح بالنسية إلى حديث أنس. ("الفتح" 1/ 479).

(7)

أي للدين، وهو يحتمل أن يريد بالاحتياط الوجوب أو الورع وهو أظهر. (الفتح: 1/ 479).

ص: 292

قال الحافظ

(1)

: وليس ذلك بمستقيم، إذ لا يلزم من وقوعه كذلك في رواية مسلم أن لا يقع عند البخاري على خلافه، وزاد البخاري

(2)

في هذا الحديث عن أنس بلفظ: "وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله" وهو من جملة حجج القائلين بأن الفخذ ليست بعورة؛ لأن ظاهره أن المس كان بدون الحائل، ومس العورة بدون حائل لا يجوز.

ورد بما في صحيح مسلم

(3)

ومن تابعه من أن الإزار لم تنكشف بقصد منه صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يقال: إن الاستمرار على ذلك يدل على مطلوبهم لأنَّه وإن كان من غير قصد لكن لو كانت عورة لم يقرّ على ذلك لمكان عصمته صلى الله عليه وسلم، وظاهر سياق أبي عوانة والجوزقي

(4)

من طريق عبد الوارث عن عبد العزيز

(5)

يدل على استمرار ذلك لأنَّه بلفظ: "فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله [صلى الله تعالى عليه وسلم]

(6)

وإني لأرى بياض فخذيه" وقد عرفت الجواب عن هذا الاحتجاج مما سلف.

(1)

في "الفتح": (1/ 480).

(2)

في صحيحه رقم (371).

(3)

رقم (1365).

قال النووي في الخلاصة (1/ 325 رقم 952): "وفي رواية مسلم: "انحسَرَ الإزارُ عن فخذه" فهذه الرواية تبين رواية البخاري، وأن المراد أنه انحسر بغير اختياره لضرورة الإجراء فلا يلزم من هذا كون الفخذ ليست عورة يجب سترها في حال الاختيار" اهـ.

وقد جمع ابن القيم في "تهذيب السنن"(6/ 17) بين الأحاديث بقوله: "وطريق الجمع بين هذه الأحاديث: ما ذكره غير واحد من أصحاب أحمد وغيرهم أن العورة عورتان: مخففة ومغلظة. فالمغلظة السوأتان، والمخففة الفخذان.

ولا تنافي بين الأمر بغض البصر عن الفخذين لكونهما عورة، وبين كشفهما لكونهما عورة مخففة والله أعلم" اهـ.

(4)

الجوزقي. هو محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني، أبو بكر، محدّث نيسابور في عصره، حافظ ثقة له: "المسند الصحيح على كتاب مسلم (306 هـ - 388).

(5)

عبد العزيز هو بن صهيب البُناني البصري، ثقة مات سنة (130 هـ) روى له الجماعة. (التقريب)(1/ 510).

(6)

زيادة من (ج).

ص: 293

[الباب الرابع] باب بيان أن السرة والركبة ليستا من العورة

8/ 521 - (عَن أَبِي مُوسى [رضي الله تعالى عنه]

(1)

أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ قاعِدًا في مَكان فِيه ماءٌ فكَشفَ عَنْ ركْبَتَيْهِ أَو ركْبَتِهِ فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمانُ غَطَّاها. رَواهُ البُخاريُّ)

(2)

. [صحيح]

الحديث في البخاري في كتاب الصلاة باللفظ الذي ذكرناه في شرح حديث عائشة

(3)

، وقد تقدم الكلام على الحديث هنالك [وهو بهذا اللفظ المذكور هنا في المناقب من صحيح البخاري]

(4)

.

واستدل المصنف به وبما بعده لمذهب من قال: إن الركبة والسرة ليستا من العورة، أما الركبة فقال الشافعي

(5)

: إنها ليست عورة، وقال الهادي والمؤيد بالله وأبو حنيفة وعطاء وهو قول للشافعي

(6)

: إنها عورة.

وأما السرة فالقائلون بأن الركبة عورة قائلون بأنها غير عورة وخالفهم في ذلك الشافعي، فقال: إنها عورة على عكس ما مر له في الركبة والاحتجاج بحديث الباب لمن قال: إن الركبة ليست بعورة لا يتم لأن الكشف كان لعذر الدخول في الماء، وقد تقدم في الغسل أدلة جوازه والخلاف فيه، وأيضًا تغطيتها من عثمان مشعر بأنها عورة وإن أمكن تعليل التغطية بغير ذلك فغاية الأمر الاحتمال.

واستدل القائلون بأن الركبة من العورة بحديث أبي أيوب عند الدارقطني

(7)

والبيهقي

(8)

بلفظ: "عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته".

(1)

زيادة من (ج).

(2)

في صحيحه رقم (3695).

(3)

رقم (6/ 519) من كتاب هذا.

(4)

زيادة من (أ) و (ب).

(5)

في الأم (2/ 85 للمسألة 1157): "قال الشافعي: وعورةُ الرجل ما دون سُرَّتِهِ إلى رُكبتيه، ليس سُرته ولا ركبتاه من عورتِهِ

".

(6)

البحر الزخار (1/ 227).

(7)

في السنن (1/ 231).

(8)

في السنن الكبرى (2/ 229).

إسناده ضعيف، فيه عباد بن كثير، وهو متروك.

ص: 294

وحديث أبي سعيد مرفوعًا عند الحارث بن أبي أسامة في مسنده

(1)

بلفظ: "عورة الرجل ما بين سرته وركبته".

وحديث عبد الله بن جعفر عند الحاكم

(2)

بنحوه قالوا: والحد يدخل في المحدود كالمرفق وتغليبًا لجانب الحصر.

ورد أولًا بأن حديث أبي أيوب فيه عباد بن كثير

(3)

وهو متروك، وحديث أبي سعيد فيه شيخ الحارث بن أبي أسامة داود بن المحبر

(4)

، رواه عن عباد بن كثير (3) عن أبي عبد الله الشامي

(5)

عن عطاء عنه، وهو مسلسل بالضعفاء إلى عطاء.

وحديث عبد الله بن جعفر فيه أصرم بن حوشب

(6)

وهو متروك، وبالمنع من دخول الحد في المحدود والقياس على الوضوء باطل؛ لأنَّه دخل بدليل آخر ولأن غسله من مقدمة الواجب وأيضًا يلزمهم القول بأن السرة عورة وهم لا يقولون بذلك والجواب الجواب.

وقد استدل المهدي في البحر

(7)

للقائلين بأن الركبة عورة لا السرة بقوله صلى الله عليه وسلم: "أسفل من سرته إلى ركبته" وبتقبيل أبي هريرة سورة الحسن وروايته

(1)

(رقم 138 - زوائد مسند الحارث).

إسناده ضعيف، فيه داود بن المحبر وهو متروك.

(2)

في المستدرك (4/ 180) من حديث علي بن أبي طالب. ولم أجده من حديث عبد الله بن جعفر.

(3)

عباد بن كثير الثقفي، البصري: متروك. قال أحمد: روى أحاديث كذبٍ، "التقريب" رقم (3139).

(4)

داود بن المحبر الثقفي البكراوي، أبو سليمان البصري: متروك. مات سنة 206 هـ "التقريب" رقم (1811).

(5)

ذكر الحافظ في لسان الميزان (7/ 72) رجلين كل منهما يكنى بأبي عبد الله الشامي أما أحدهما فهو محمد بن سعيد المصلوب، وقد كذبه أهل العلم، وقتله المنصور على الزندقة كما في التقريب (2/ 164).

وأما الآخر فمجهول. وانظر "الميزان"(4/ 544).

(6)

أصرم بن حوشب أبو هشام، قاضي همدان، هالك، قال يحيى: كذاب خبيث. وقال البخاري ومسلم والنسائي: متروك الحديث

وقال ابن حبان: كان يضع الحديث.

انظر لسان الميزان (1/ 461).

(7)

(1/ 227).

ص: 295

ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي

(1)

.

ويمكن الاستدلال لمن قال: إن السرة والركبة ليستا من العورة بما في سنن أبي داود

(2)

والدارقطني

(3)

وغيرهما من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في حديث: "وإذا زوّج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة" ورواه البيهقي

(4)

أيضًا ولكنه أخص من الدعوى والدليل على مدعي أنهما عورة، والواجب البقاء على الأصل والتمسك بالبراءة حتى ينتهض ما يتعين به الانتقال فإن لم يوجد فالرجوع إلى مسمى العورة لغة هو الواجب ويضم إليه الفخذان بالنصوص السالفة.

9/ 522 - (وَعَنْ عُمَيْر بْنِ إِسْحَق [رضي الله تعالى عنهما] (5) قالَ: كُنْتُ مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلَيّ [رضي الله تعالى عنه]

(5)

فَلَقِيَنَا أَبو هرَيْرَةَ فقالَ: أرِنِي أُقَبِّلْ مِنْكَ حَيْثُ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ، فقالَ بقَمِيصهِ فقَبَّلَ سُرَّتَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ)

(6)

. [إسناده ضعيف]

[الحديث في إسناده عمير بن إسحاق الهاشمي مولاهم وفيه مقال

(7)

. وقد

(1)

برقم (9/ 522) من كتابنا هذا.

(2)

في السنن رقم (496).

(3)

في السنن (1/ 230) وانظر كلام محمد شمس الحق العظيم آبادي) (1/ 230 - 231).

(4)

في السنن الكبرى (2/ 229). قلت: وأخرجه أحمد في مسنده (2/ 187) بسند حسن وهو حديث حسن.

(5)

زيادة من (ج).

(6)

في المسند (2/ 255).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (5593) و (6965) والطبراني في الكبير رقم (2580) و (2764) و (2765) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 232) من طرق.

وفي إسناده الجميع: عمير بن إسحاق.

(7)

قال أبو حاتم والنسائي: لا نعلم روى عنه غيره - أي عبد الله بن عون -.

وقال ابن معين: لا يساوي شيئًا، ولكن يكتب حديثه.

وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: كيف حديثه؟ قال: ثقة.

وقال النَّسَائِي: ليس به بأس.

وذكره ابن حبان في "الثقات".

وذكره العقيلي في "الضعفاء" لأنَّه لم يرو عنه غير واحد.

قال ابن عدي: لا أعلم روى عنه غير ابن عون، وله من الحديث شيء يسير، ويكتب حديثه. =

ص: 296

أخرجه الحاكم وصححه بإسناد آخر من غير طريق عمير المذكور

(1)

.

وقد]

(2)

استدل به من قال: إن السرة ليست بعورة وهو لا يفيد المطلوب لأن فعل أبي هريرة لا حجة فيه، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقع والحسن طفل، وفرق بين عورة الصغير والكبير، وإلا لزم أن ذكر الرجل ليس بعورة لما روي "أنه صلى الله عليه وسلم قبل زبيبة الحسن أو الحسين" أخرجه الطبراني

(3)

والبيهقي

(4)

من حديث أبي ليلى الأنصاري، قال البيهقي: وإسناده ليس بالقوي.

وروي أيضًا من حديث ابن عباس بلفظ: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرج ما بين فخذي الحسين وقبل زبيبته" أخرجه الطبراني

(5)

وفي إسناده قابوس بن أبي ظبيان وقد ضعفه النَّسَائِي

(6)

.

= انظر: "تهذيب التهذيب"(3/ 325).

قلت: وخلاصة القول فيه أن حديثه يُقبل في المتابعات والشواهد، وما انفرد به فضعيف.

ولذا قال الحافظ في "التقريب" رقم (5179) مقبول؛ أي عند المتابعة، وإلا فلين الحديث.

(1)

في المستدرك (3/ 168) من طريق أزهر بن سعد السمان، عن ابن عون، عن محمد، عن أبي هريرة وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي ظنًا منهما أن "محمدًا" هو ابن سيرين، والصواب أنه "أبو محمد" سقطت منه لفظة "أبو" وهي كنية "عمير بن إسحاق"، وقد أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 232) على الصواب من طريق أزهر بن سعد السمان، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، عن أبي هريرة.

وأخرجه على الصواب ابن عدي في "الكامل"(5/ 1724) من طريق إبراهيم بن الحجاج، عن حماد بن سلمة، عن ابن عون، عن أبي محمد، عن أبي هريرة.

(2)

زيادة من (أ) و (ب).

(3)

لم أعثر عليه؟!

(4)

في السنن الكبرى (1/ 137). وهو حديث ضعيف.

(5)

في الكبير (12/ 108 رقم 12615) وأورده الهيثمي في "المجمع"(9/ 186) وقال: إسناده حسن.

(6)

قابوس بن أبي الظبيان: ليس بالقوي. قاله النَّسَائِي في الضعفاء رقم (519).

وقال البخاري: هو قابوس بن حصين بن جندب الجنبي الكوفي عن أبيه، روى عنه الثوري. (التاريخ الكبير: 7/ 193).

وقال أبو حاتم: لا يحتج به. الجرح والتعديل (7/ 145).

وقال أحمد: ليس بذاك. وقال الحافظ: فيه لين.

انظر لسان الميزان (7/ 337) والميزان (3/ 367) والتقريب (2/ 115).

وأخرج ابن عدي في الكامل (6/ 2072) الحديث في ترجمة قابوس هذا.

ص: 297

قال ابن الصلاح: ليس في حديث أبي ليلى تردّد بين الحسن والحسين إنما هو الحسن.

وقد وقع الإجماع على أن القبل والدبر عورة فاللازم باطل فلا يكون الحديث متمسكًا لمن قال: إن السرة ليست بعورة.

وقد حكى المهدي في البحر

(1)

الإجماع على أن سورة الرجل ليست بعورة، ثم قال: وفي دعوى الإجماع نظر اهـ.

وقد عرفناك أن القائل بذلك غير محتاج إلى الاستدلال عليه.

قوله: (فقال بقميصه) هذا من التعبير بالقول عن الفعل وهو كثير.

10/ 523 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو [رضي الله تعالى عنهما]

(2)

قالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَغْرِبَ، فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ، وَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ، فَجاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُسْرِعًا قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ قَدْ حَسَرَ عَنْ ركْبَتَيْهِ فقالَ:"أبْشِروا هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَح بابًا مِنْ أبْوابِ السَّمَاءِ يُبَاهي بِكُمْ يقول: انْظُرُوا إِلَى عِبَادي قَدْ صَلّوا فَرِيضَةً وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى". رَواهُ ابْنُ ماجَهْ)

(3)

. [صحيح]

(1)

(1/ 227).

(2)

زيادة من (ج).

(3)

في السنن رقم (801).

قلت: وأخرجه أحمد (2/ 186).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 282): "هذا إسناد رجاله ثقات، رواه الإمام أحمد في مسنده من هذا الوجه".

وقال المنذري في "الترغيب والترهيب"(1/ 359): "رواه ابن ماجه عن أبي أيوب عنه - أي عبد الله بن عمرو - ورواته ثقات. وأبو أيوب: هو المراغي العَتْكي: ثقة. ما أره سمع عبد الله. والله أعلم.

وقال المحدث الألباني في "الصحيحة"(2/ 266) ردًا على كلام المنذري: "ولا وجه له" وتابعه سليمان بن المغيرة عن ثابت: ثنا رجل من الشام عن ابن عمرو به.

أخرجه أحمد (2/ 197).

وله طريق أخرى، أخرجه أحمد (2/ 208) عن علي بن زيد عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو به.

وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله كلهم ثقات، غير علي بن زيد - وهو ابن جدعان - فقيه ضعف من قبل حفظه.

وخلاصة القول أن الحديث صحيح والله أعلم.

ص: 298

الحديث رجاله في سنن ابن ماجه رجال الصحيح فإنه قال: حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا النضر بن شميل حدثنا حماد

(1)

عن ثابت

(2)

عن أبي أيوب

(3)

عن عبد الله بن عمرو فذكره.

قوله: (وعقَّبَ مَنْ عَقَّبَ) يقال: عقَّبه تعقيبًا إذا جاءَ بعقِبه. وقال في النهاية

(4)

: إن معنى قوله عقَّبَ أي أقامَ في مصلّاهُ بعد ما يفرغُ من الصلاة، يقال صلى القومُ وعقَّبَ فلانٌ.

قوله: (حفزه النفس) في القاموس

(5)

حفزه يحفزه دفعه من خلفه وبالرمح طعنه وعن الأمر أعجله وأزعجه اهـ.

والحديث من أدلة من قال: إن الركبة ليست بعورة، وقد تقدم الكلام على ذلك. وفيه أن انتظار الصلاة بعد فعل الصلاة من موجبات الأجر وأسباب مباهاة رب العزة [تبارك وتعالى](6) لملائكته بمن فعل ذلك.

11/ 524 - (وَعَنْ أبِي الدَّرْدَاءِ [رضي الله تعالى عنه]

(6)

قالَ: كُنْتُ جالِسًا عِنْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ أَقبَلَ أَبُو بَكْر آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلَّم" وَذَكَرَ الحَدِيثَ. رَواهَ أَحمَدُ

(7)

والْبُخَارِيُّ)

(8)

. [صحيح]

قوله: (غامر)

(9)

المغامر في الأصل الملقى بنفسه في الغمرة، وغمرة الشيء شدته ومزدحمه، الجمع غمرات. والمراد بالمغامرة هنا المخاصمة أخذًا من الغمر الذي هو الحقد والبغض.

(1)

هو حمّاد بن سلمة بن دينار البصري، أبو سلمة: ثقة، عابد، تغير حفظه بآخره. مات سنة (181 هـ) روى له الجماعة:"التقريب"(1/ 197).

(2)

هو ثابت بن أسلم البُنَاني، أبو محمد البصري: ثقة عابد، مات سنة بضع وعشرين ومائة. روى له الجماعة. "التقريب"(1/ 115).

(3)

هو المراغي الأزدي، اسمه يحيى، ويقال: حبيب بن مالك ثقة من الثالثة. "التقريب"(2/ 393).

(4)

لابن الأثير (3/ 267).

(5)

ص 654.

(6)

زيادة من (ج).

(7)

لم أجده.

(8)

في صحيحه رقم (3661).

(9)

قال الحافظ في "الفتح"(7/ 19): غامر أي خاصم، والمعنى: دخل في غمرة الخصومة.

ص: 299

والحديث يدل على أن الركبة ليست عورة.

قال المصنف

(1)

رحمه الله [تعالى]

(2)

: والحجة منه أنه أقره على كشف الركبة ولم ينكره عليه اهـ.

[الباب الخامس] باب أن المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها

12/ 525 - (عَنْ عائِشَةَ [رضي الله تعالى عنها] (2) أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يَقْبَلُ الله صَلاةَ حائِض إِلَّا بِخِمارِ" رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلَّا النَّسائيَّ)

(3)

[صحيح].

الحديث أخرجه أيضًا ابن خزية

(4)

والحاكم

(5)

، وأعله الدارقطني بالوقف وقال: إن وقفه أشبه، وأعله الحاكم بالإِرسال

(6)

.

ورواه الطبراني في الصغير

(7)

والأوسط

(8)

من حديث أبي قتادة بلفظ: "لا يقبل الله [تعالى] (2) من امرأة صلاة حتى تواري زينتها، ولا من جارية بلغت الحيض حتى تختمر".

(1)

أي ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 272).

(2)

زيادة من (ج).

(3)

أخرجه أبو داود رقم (641) والترمذي رقم (377) وابن ماجه رقم (655) وأحمد (6/ 150).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 380 رقم 775) والحاكم (1/ 251) وابن الجارود في "المنتقى" رقم (173) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 233).

قال الترمذي: حديث حسن. وصححه الحاكم على شرط مسلم.

وصححه الألباني في الإرواء رقم (196).

(4)

في صحيحه رقم (775) وقد تقدم.

(5)

في المستدرك (1/ 251) وقد تقدم.

(6)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(1/ 279).

(7)

(2/ 54).

(8)

رقم (7606) قال الطبراني: لم يروه عن الأوزاعي إلا عمرو بن هشام تفرد به إسحاق بن إسماعيل.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 52) وقال: تفرد به إسحاق بن إسماعيل بن عبد الأعلى الأيلي. قلت: ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله موثقون.

قلت: بل ترجم لإسحاق بن إسماعيل بن عبد الأعلى الأيلي، الحافظ في "تهذيب التهذيب" (1/ 116) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلا. بينما قال عنه الحافظ في "التقريب" رقم (340): صدوق. وعمرو بن هشام البيروتي صدوق يخطئ (التقريب) رقم (5127).

والخلاصة إن الحديث حسن الإسناد والله أعلم.

ص: 300

قوله: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) قد تقدم الكلام على لفظ القبول وما يدل عليه.

والحائض: من بلغت سن المحيض لا من هي ملابسة للحيض فإنها ممنوعة من الصلاة، وهو مبين في رواية ابن خزيمة في صحيحه

(1)

بلفظ: "لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار".

وقوله: (إلا بخمار) هو بكسر الخاء ما يغطي به رأس المرأة، قال صاحب المحكم: الخمار: النصيف

(2)

، وجمعه أخمرة وخمر.

والحديث استدل به على وجوب ستر المرأة لرأسها حال الصلاة، واستدل به من يسوّي بين الحرة والأمة في العورة لعموم ذكر الحائض، ولم يفرق بين الحرة والأمة هو قول أهل الظاهر

(3)

.

وفرقت العترة والشافعي وأبو حنيفة والجمهور بين عورة الحرة والأمة فجعلوا عورة الأمة ما بين السرة والركبة كالرجل

(4)

.

والحجة لهم ما رواه أبو داود

(5)

والدارقطني

(6)

وغيرهما، وقد ذكرنا لفظ الحديث في شرح حديث أبي موسى المتقدم

(7)

في الباب الذي قبل هذا.

وبما رواه أبو داود

(8)

أيضًا بلفظ: "إذا زوج أحدكم عبده أمته فلا ينظر إلى

(1)

رقم (775) وقد تقدم.

(2)

النصيف: الخِمار، وقد نصّفت المرأة رأسها بالخمار

قال أبو سعيد النصيف: ثوب تتجلّل به المرأة فوق ثيابها كلها سمّي نصيفًا لأنَّه نصفٌ بين الناس وبينها فحجز أبصارهم عنها.

(لسان العرب: 9/ 332).

(3)

المحلى لابن حزم (3/ 210 - المسألة 349).

(4)

البحر الزخار (1/ 228). والمجموع (3/ 174 - 176). وحاشية ابن عابدين (2/ 70) بتحقيقنا.

(5)

في السنن رقم (496).

(6)

في السنن 1/ 230). وهو حديث حسن تقدم الكلام عليه في نهاية شرح الحديث رقم ص (8/ 521) من كتابنا هذا.

(7)

رقم (8/ 521) من كتابنا هذا.

(8)

في السنن رقم (4113) من حديث عبد الله بن عمرو.

وهو حديث حسن.

ص: 301

عورتها" قالوا: والمراد بالعورة المذكورة في هذا الحديث ما صرح ببيانه في الحديث الأول.

وقال مالك

(1)

: الأمة عورتها كالحرة حاشا شعرها فليس بعورة، وكأنه رأى العمل في الحجاز على كشف الإماء لرءوسهن، هكذا حكاه عنه ابن عبد البر في الاستذكار.

قال العراقي في شرح الترمذي

(2)

: والمشهور عنه أن عورة الأمة كالرجل.

وقد اختلف في مقدار عورة الحرة فقيل جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين وإلى ذلك ذهب الهادي والقاسم في أحد قوليه والشافعي في أحد أقواله وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه ومالك

(3)

.

وقيل: والقدمين وموضع الخلخال وإلى ذلك ذهب القاسم في قول، وأبو حنيفة في رواية عنه والثوري وأبو العباس (3) وقيل: بل جميعها إلا الوجه، وإليه ذهب أحمد بن حنبل وداود (3). وقيل: جميعها بدون استثناء، وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي وروي عن أحمد وسبب اختلاف هذه الأقوال ما وقع من المفسرين من الاختلاف في تفسير قوله تعالى:{إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

(4)

.

(1)

انظر: "المدونة"(1/ 94).

(2)

لم يطبع بعد. فهو تكملة لشرح ابن سيد الناس.

(3)

البحر الزخار (1/ 227). و"بداية المجتهد"(1/ 282 - 284) بتحقيقنا.

(4)

سورة النور: الآية 31.

• أخرج ابن جرير رحمه الله في "جامع البيان"(10/ ج 18/ 117) عن عبد الله بن مسعود قال: {ولَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الثياب.

وهو أثر صحيح عن ابن مسعود.

• وقد أورد ابن جرير رحمه الله في "جامع البيان"(10/ ج 18/ 118 - 119) جملة أسانيد ضعيفة عن ابن عباس. قال: الكحل والخاتم؛ الكحل والخدان؛ الخاتم والمسكة.

• وكذلك أورد ابن جرير رحمه الله في "جامع البيان"(10/ ج 18/ 118) جملة أسانيد ضعيفة أيضًا عن سعيد بن جبير. قال: الوجه والكف.

قلت: ولا شك أن تفسير ابن مسعود الثابت عنه بسند صحيح مقدم على تفسير غيره مع ضعفه.

ص: 302

وقد استدل بهذا الحديث على أن ستر العورة شرط في صحة الصلاة لأن قوله: "لا يقبل" صالح للاستدلال به على الشرطية كما قيل، وقد اختلف في ذلك، فقال الحافظ في الفتح

(1)

: "ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة قال: وعن بعض المالكية التفرقة بين الذاكر والناسي، ومنهم من أطلق كونه سنة لا يبطل تركها الصلاة" اهـ.

احتج الجمهور بقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}

(2)

وبما أخرجه البخاري

(3)

تعليقًا ووصله في تاريخه

(4)

، وأبو داود

(5)

وابن خزيمة

(6)

وابن حبان

(7)

عن سلمة بن الأكوع قال: "قلت: يا رسول الله إني رجل أتصيد أفأصلي في القميص الواحد؟ قال: نعم زره ولو بشوكة" وسيأتي الكلام على هذا الحديث في باب من صلى في قميص غير مزرر

(8)

.

وبحديث بهز بن حكيم المتقدم في أول هذه الأبواب

(9)

.

ويجاب عن هذه الأدلة بأن غايتها إفادة الوجوب.

وأما الشرطية التي يؤثر عدمها في عدم المشروط فلا تصلح للاستدلال بها عليها؛ لأن الشرط حكم وضعي شرعي لا يثبت بمجرد الأوامر نعم يمكن الاستدلال للشرطية بحديث الباب والحديث الآتي بعده

(10)

، وبحديث أبي قتادة عند الطبراني

(11)

بلفظ: "لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها ولا جارية

(1)

في "الفتح"(1/ 466).

(2)

سورة الأعراف: الآية 31.

(3)

(1/ 465 - مع الفتح) وقال البخاري: في إسناده نظر.

(4)

(1/ 296) وقال البخاري: في حديث القميص نظر.

(5)

في السنن رقم (632).

(6)

في صحيحه رقم (777) و (778).

(7)

في صحيحه رقم (2294).

قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 250) والبغوي في شرح السنة رقم (517) والنسائي (2/ 70) وأحمد (4/ 49، 54) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 380) والبيهقي (2/ 240) والطبراني في الكبير (ج 7 رقم 6279).

وهو حديث حسن.

(8)

رقم (18/ 531) من كتابنا هذا.

(9)

رقم (1/ 514) من كتابنا هذا.

(10)

رقم (13/ 526) من كتابنا هذا.

(11)

في الصغير (2/ 54) والأوسط رقم (7606) وهو حديث حسن الإسناد تقدم الكلام عليه =

ص: 303

بلغت المحيض حتى تختمر" لكن لا يصفو الاستدلال بذلك عن شوب كدر لأنَّه أولًا يقال نحن نمنع أن ننفي القبول يدل على الشرطية لأنَّه قد نفى القبول عن صلاة الآبق

(1)

ومن في جوفه الخمر، ومن يأتي عرّافًا

(2)

مع ثبوت الصحة بالإجماع.

وثانيًا: بأن غاية ذلك أن الستر شرط لصحة صلاة المرأة وهو أخص من الدعوى، وإلحاق الرجال بالنساء لا يصح هاهنا لوجود الفارق، وهو ما في تكشف المرأة من الفتنة، وهذا معنى لا يوجد في عورة الرجل.

وثالثًا: بحديث سهل بن سعد عند الشيخين

(3)

وأبي داود

(4)

والنسائي

(5)

بلفظ: "كان الرجال يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم عاقدين أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان، ويقال للنساء لا ترفعن رءوسكن حتى [تستوي]

(6)

الرجال جلوسًا" زاد أبو داود (4): "من ضيق الأُزر" وهذا يدل على عدم وجوب الستر فضلًا عن شرطيته.

= خلال شرح الحديث رقم (12/ 525) من كتابنا هذا.

(1)

للحديث الذي أخرجه ابن خزيمة في صحيحه رقم (940) وابن عدي في الكامل (3/ 1074) والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 389) من طريق هشام بن عمار، قال: حَدَّثَنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا زهيرُ بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، ولا يصعد لهم حسنة العبد الآبق، حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى، والسكران حتى يصحو".

قال البيهقي: تفرد زهيرُ بن محمد.

وقال الذهبي في "المهذب": قلت: هذا من مناكير زهير.

وذكره السيوطي في "الجامع الكبير" وزاد نسبته إلى البيهقي في الشعب (6/ 383 رقم 8600) والطبراني في الأوسط (9/ 95 - 96 رقم 9231).

والخلاصة أن الحديث ضعيف.

(2)

للحديث الذي أخرجه أحمد (4/ 68) و (5/ 380) ومسلم رقم (2230) عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبلْ له صلاة أربعين يومًا". وهو حديث صحيح.

• العَرَّاف: الكاهن. وقيل: هو الساحر. وقال البغوي: "العراف: هو الذي يدَّعي معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها كالمسروق من الذي سرقه، ومعرفة مكان الضالة ونحو ذلك. ومنهم من يسمي المنجم كاهنًا" اهـ.

(3)

البخاري رقم (814) ومسلم رقم (441).

(4)

في السنن رقم (630).

(5)

في السنن (2/ 70) وهو حديث صحيح.

(6)

في (جـ): (يستوي).

ص: 304

ورابعًا: بحديث عمرو بن سلمة وفيه: "فكنت أؤمهم وعليّ بردة مفتوقة فكنت إذا سجدت تقلصت عني". وفي رواية: "خرجت استي، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا است قارئكم؟ ". الحديث أخرجه البخاري

(1)

وأبو داود

(2)

والنسائي

(3)

فالحق أن ستر العورة في الصلاة واجب فقط كسائر الحالات لا شرط يقتضي تركه عدم الصحة.

وقد احتج القائلون بعدم الشرطية على مطلوبهم بحجج فقهية واهية.

(منها) قولهم لو كان الستر شرطًا في الصلاة لاختص بها ولافتقر إلى النية ولكان العاجز العريان ينتقل إلى بدل كالعاجز عن القيام ينتقل إلى القعود، والأول منقوض بالإيمان، فهو شرط في الصلاة ولا يختص بها.

(والثاني): باستقبال القبلة فإنه غير مفتقر إلى النية.

(والثالث): بالعاجز عن القراءة والتسبيح فإنه يصلي ساكتًا.

13/ 526 - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ [رضي الله تعالى عنها]

(4)

أَنَّها سألَتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أتُصَلِّي المَرْأَةُ في دِرْع وَخِمَارٍ وَلَيْسَ عَلَيْها إِزَارٌ؟، قالَ:"إِذَا كانَ الدِّرْعُ سَابِعًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيها". رَواهُ أَبُو دَاوُدَ)

(5)

. [ضعيف]

14/ 527 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنه] (4) قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ الله إلَيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ" فقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:

(1)

في صحيحه رقم (4302).

(2)

في سننه (585) و (586).

(3)

في سننه (2/ 70) وهو حديث صحيح.

(4)

زيادة من (ج).

(5)

في سننه رقم (640).

قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 250) والبيهقي (2/ 233).

قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.

وتعقبهما الألباني في "الإرواء"(1/ 304) قائلًا: وهو من أوهامهما الفاحشة فمن "أم محمد بن زيد" لا تُعرف كما قال الذهبي نفسه في "الميزان" وقد وقع في إسناد الحاكم "عن أبيه" بدل "عن أمه"، وأبوه ليس له ذكر في شيء من الكتب، وأظنه وهمًا من بعض النساخ إن لم يكن من الحاكم نفسه!

وفي الحديث علة أخرى وهي تفرد ابن دينار هذا برفعه، وهو مع كونه من رجال البخاري فإن فيه ضعفًا من قبل حفظه، فمثله لا يحتج به عند التفرد والمخالفة" اهـ.

وخلاصة القول أن الحديث ضعيف والله أعلم.

ص: 305

فكَيْفَ يَصْنَعُ النِّساءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قالَ: "يُرْخِينَ شبْرًا" قالَتْ: إذَنْ تَنْكَشف أقْدَامُهنَّ، قالَ:"فَيُرْخِيَنَّهُ ذرَاعًا لا يَزدْنَ عَلَيهِ". رَوَاهُ النَّسائيُّ

(1)

والتِّرْمذِيُّ وصَحَّحَه

(2)

، وَرَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

ولَفْظُهُ: أَنَّ نِساءَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم سألْنَهُ عَنِ الذَّيْل، فقالَ:"اجْعَلْنَهُ شِبْرًا" فَقُلْنَ: إِنَّ شِبْرًا لَا يَسْتُرُ مِنْ عَوْرَة فقالَ: "اجْعلْنَهُ ذِراعًا"). [صحيح]

حديث أَم سلمة أخرجه أيضًا الحاكم

(4)

وأعله عبد الحق

(5)

بأن مالكًا وغيره رووه موقوفًا. قال الحافظ

(6)

: وهو الصواب، ولكنه قد قال الحاكم: إن رفعه صحيح على شرط البخاري اهـ.

وفي إسناده عبد الرحمن بن دينار وفيه مقال. قال في التقريب

(7)

: صدوق يخطئ من السابعة.

قال أبو داود

(8)

: "روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر

(9)

وحفص بن غياث

(10)

وإسماعيل بن جعفر وابن أبي ذئب وابن إسحاق

(11)

عن محمد بن زيد

(12)

عن أمه عن أم سلمة، لم يذكر واحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم قصروا به عن أم سلمة" اهـ.

(1)

في سننه (8/ 209).

(2)

في سننه رقم (1731) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(3)

في المسند (2/ 5).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المستدرك (1/ 250) وقد تقدم.

(5)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(1/ 280).

(6)

في "التلخيص"(1/ 280).

(7)

رقم الترجمة (3913).

(8)

في سننه (1/ 421).

(9)

بكر بن مضر بن محمد بن حكيم المصري، ثقة ثبت، مات سنة (173 هـ) (التقريب:(1/ 107).

(10)

حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي، أبو عمرو الكوفي القاضي، ثقة فقيه، تغير حفظه قليلًا في آخره، مات سنة (194 هـ).

(التقريب: 1/ 189).

(11)

ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار أبو بكر المطلبي مولاهم إمام المغازي، صدوق يدلّس، رمي بالتشيع والقدر، مات سنة (150 هـ).

(التقريب: 2/ 144).

(12)

محمد بن زيد بن المهاجر بن قُنفذ التيمي المدني، ثقة، روى له مسلم وأصحاب السنن الأربعة.

(التقريب: 2/ 162). =

ص: 306

والرفع زيادة لا ينبغي إلغاؤها كما هو مصطلح أهل الأصول، وبعض أهل الحديث، وهو الحق، وحديث ابن عمر هو للجماعة كلهم بدون قول أم سلمة، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم عليها وسيأتي الكلام عليه في باب الرخصة في اللباس الجميل من كتاب اللباس

(1)

.

وقد استدل بحديث أُم سلمة فإن في بعض ألفاظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "لا بأس إذا كان الدرع سابغًا" إلى آخره كما في التلخيص

(2)

، على أن ستر بدن المرأة من شروط صحة الصلاة لأن تقييد نفي البأس بتغطية القدمين مشعر أن البأس فيما عداه وليس إلَّا فساد الصلاة وأنت خبير بأن هذا الإشعار لو سلم لم يستلزم حصر البأس في الإفساد لأن نقصان الأجر الموجب لنقص الصلاة وعدم كمالها مع صحتها بأس، ولو سلم ذلك الاستلزام فغايته أن يفيد الشرطية في النساء كما عرفت مما سلف.

وفي هذا الحديث دليل لمن لم يستثنِ القدمين من عورة المرأة لأن قوله: "يغطي ظهور قدميها" يدل على عدم العفو، وهكذا استدل من قال بالشرطية بما في حديث ابن عمر

(3)

من قوله صلى الله عليه وسلم: "يرخين شبرًا". وقوله: "يرخينه ذراعًا" وهو كما عرفت غير صالح للاستدلال به على الشرطية المدعاة وغاية ما فيه أن يدل على وجوب ذلك. وفيه أيضًا حجة لمن قال: إن قدمي المرأة عورة

(4)

.

= • وأمُّه هي أم حرام بنت ملحان الأنصارية، خالة أنس بن مالك صحابية ماتت في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

(1)

الباب العاشر عند الحديث (39/ 582) من كتابنا هذا.

(2)

(1/ 280).

(3)

رقم (14/ 527) من كتابنا هذا.

(4)

قال الألباني في الصحيحة (1/ 828): "وفي الحديث دليل على أن قدمي المرأة عورة، وأن ذلك كان أمرًا معروفًا عند النساء في عهد النبوة، فإنه لما قال: "جرِّيه شبرًا" قالت أم سلمة: "إذن، تنكشف القدمان" ممَّا يشعر بأنها كانت تعلم أن القدمين عورة، لا يجوز كشفهما، وأقرها صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولذلك أمرها أن جرَّه ذراعًا.

وفي القرآن الكريم إِشارة إلى هذه الحقيقة، وذلك في قوله تعالى:{وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيَعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينتِهِنَّ} [النور: 31].

وراجع لهذا كتاب "جلباب المرأة المسلمة" للألباني.

ص: 307

قوله: (في درع) هو قميص المرأة الذي يغطي بدنها [ورجليها]

(1)

، ويقال له سابغ إذا طال من فوق إلى أسفل.

قوله: (يرخين شبرًا) قال ابن رسلان: الظاهر أن المراد بالشبر والذراع أن يكون هذا القدر زائدًا على قميص الرجل لا أنه زائد على الأرض.

[الباب السادس] باب النهي عن تجريد المنكبين في الصلاة إلا إذا وجد ما يستر العورة وحدها

15/ 528 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يُصَلِّيَنَّ أحَدُكُمْ في الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ على عاتِقِهِ مِنْهُ شَيءٌ". رَواهُ البُخَارِيُّ

(3)

وَمُسْلِمٌ

(4)

، لكِنْ قالَ:"عَلَى عاتِقَيه"، ولأحمَدَ

(5)

اللَّفْظَانِ). [صحيح]

الحديث اتفق عليه الشيخان وأبو داود

(6)

والنسائي

(7)

من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

قوله: (لا يصلين)[و](2) في لفظ: "لا يصلي" قال ابن الأثير: كذا هو في الصحيحين بإثبات الياء ووجهه أن لا نافية وهو خبر بمعنى النهي.

قال الحافظ

(8)

: ورواه الدارقطني في غرائب مالك بلفظ: "لا يصل". ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء

(9)

عن مالك بلفظ: "لا يصلين" بزيادة نون التأكيد.

ورواه الإسماعيلي

(10)

من طريق الثوري عن أبي الزناد بلفظ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

(1)

في (ج): (ورجلها).

(2)

زيادة من (ج).

(3)

في صحيحه رقم (359).

(4)

في صحيحه رقم (516).

(5)

في المسند (2/ 243).

(6)

في سننه رقم (626).

(7)

في سننه (2/ 71). وهو حديث صحيح.

(8)

في "الفتح"(1/ 471).

(9)

عبد الوهاب بن عطاء الخفّاف أبو نصر العِجلي مولاهم. صدوق ربما أخطأ. مات سنة (204 هـ) روى له مسلم وأصحاب السنن.

(التقريب: 1/ 528).

(10)

كما في "الفتح"(1/ 471).

ص: 308

قوله: (ليس على عاتقه منه شيء) العاتق ما بين المنكبين إلى أصل العنق، والمراد أنه لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حِقْوَيْهِ بل يتوشَّحُ بهما على عاتِقَيْهِ فيحصُلُ السِّتْرُ لجزءٍ من أعالي البدنِ، وإن كانَ ليس بعورةٍ، أو لكون ذلكَ أمكن في ستر العورة.

قال النووي

(1)

: قال العلماء: حكمته أنه إذا اتزر به ولم يكن على عاتقه منه شيء لم يؤمن أن تنكشِفَ عورتُه بخلافِ ما إذا جعل بعضَه على عاتِقِه، ولأنه قد يحتاجُ إلى إمساكه بيده فيشتغل بذلك وتفوته سنة وضع اليمنى على اليسرى تحت صدره ورفعهما.

والحديثُ يدلّ على جوازِ الصلاةِ في الثوب الواحد.

قال النووي

(2)

: ولا خلاف في هذا إلا ما حكي عن بن مسعود، ولا أعلم صحته، وأجمعوا أن الصلاة في ثوبين أفضل.

ويدل أيضًا على المنع من الصلاة في الثوب الواحد إذا لم يكن على عاتق المصلي منه شيء، وقد حمل الجمهور هذا النهي على التنزيه، وعن أحمد

(3)

لا تصح صلاة من قدر على ذلك فتركه. وعنه أيضًا تصح ويأثم، وغفل الكرماني

(4)

عن مذهب أحمد فادعى الإِجماع على جواز ترك جعل طرف الثوب على العاتق وجعله صارفًا للنهي عن التحريم إلى الكراهة، وقد نقل ابن المنذر عن محمد بن علي - هو ابن الحنيفة - عدم الجواز وكلام الترمذي يدل على ثبوت الخلاف أيضًا

(5)

، وعقد

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (4/ 231 - 232).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (4/ 231).

(3)

انظر "الفقه الإسلامي وأدلته"(1/ 751).

(4)

في شرحه لصحيح البخاري (4/ 18).

(5)

قال النووي في "المجموع"(3/ 180 - 181): "

فلو صلى مكشوف العاتقين صحت صلاته مع الكراهة، هذا مذهبنا - أي الشافعية - ومذهب مالك وأبي حنيفة وجمهور السلف والخلف.

وقال أحمد وطائفة قليلة: يجب وضع شيء على عاتقه لظاهر الحديث، فإن تركه ففي صحة صلاته عن أحمد روايتان، وخص أحمد ذلك بصلاة الفرض، ودليلنا حديث جابر - المتفق عليه - "اهـ.

ص: 309

الطحاوي له بابًا في "شرح المعنى"

(1)

ونقل المنع عن ابن عمر

(2)

ثم عن طاوس

(3)

والنخعي

(4)

، ونقله غيره عن ابن وهب

(5)

وابن جرير، وجمع الطحاوي بين الأحاديث بأن الأصل أن يصلي مشتملًا فإن ضاق اتزر.

ونقل الشيخ تقي الدين السبكي

(6)

وجوب ذلك عن الشافعي واختاره. قال الحافظ

(7)

: لكن المعروف في كتب الشافعية خلافه. واستدل الخطابي على عدم الوجوب "بأنه صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي نائمة"

(8)

قال: ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متسع لأن يتزر به ويفضل منه ما كان لعاتقه، وفيما قاله نظر لا يخفى قاله الحافظ

(9)

.

إذا تقرر لك عدم صحة الإجماع الذي جعله الكرماني صارفًا للنهي فالواجب الجزم بمعناه الحقيقي وهو تحريم ترك جعل طرف الثوب الواحد حال

(1)

أي: "شرح معاني الآثار"(1/ 377): باب الصلاة في الثوب الواحد.

(2)

أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 314 - 315) عن شعبة قال سمعت حيان البارقي قال: سمعت ابن عمر يقول: لو لم أجد إلا ثوبًا واحدًا كنت أتزر به أحب إليَّ من أن أتوشح به توشح اليهود.

(3)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 359 رقم 1396) عن ابن جريج قال: كان طاوس إذا سُئل عن الثوب الواحد في الصلاة، فقال: أكلُّ إنسان يجد ثوبين؟ فكان يقول: يصلي الرجل في الجبة وحدها. والقميص وحده إذا كان كثيفًا، وإذا صغُر الإزار فلم يبلغ أن يتَّشِحه فليتَّزره.

(4)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 360 رقم 1398) عن إبراهيم قال: يصلي الرجل في القميص الواحد إذا كان ضيقًا - صفيقًا - لا بأس به.

(5)

ابن وهب: هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري من أصحاب مالك، كان فقيهًا محدِّثًا. قال عنه ابن حجر: ثقة حافظ عابد، مات عام 197 هـ روى له الجماعة. (التقريب: 1/ 460).

(6)

تقي الدين السُّبْكي هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السُّبْكي الأنصاري الخَزرجي أبو الحسن كان حافظًا مفسرًا وهو والد التاج السُّبْكي صاحب الطبقات وله مؤلفات كثيرة: 683 هـ - 756 هـ).

(7)

في "الفتح"(1/ 472).

(8)

أخرجه مسلم رقم (514) وأبو داود رقم (631) والنسائي (2/ 71 رقم 768) كلهم من حديث عائشة.

(9)

في "الفتح"(1/ 472).

ص: 310

الصلاة على العاتق والجزم بوجوبه مع المخالفة بين طرفيه بالحديث الآتي حتى ينتهض دليل يصلح للصرف، ولكن هذا في الثوب إذًا كان واسعًا جمعًا بين الأحاديث، كما سيأتي التصريح بذلك في حديث جابر

(1)

.

وقد عمل بظاهر الحديث ابن حزم

(2)

فقال: وفرض على الرجل إن صلى في ثوب واسع أن يطرح منه على عاتقه أو عاتقيه فمن لم يفعل بطلت صلاته، فإن كان ضيقًا اتزر به وأجزأه سواء كان معه ثياب غيره أو لم يكن، ثم ذكر ذلك عن نافع مولى ابن عمر والنخعي وطاوس.

16/ 529 - (وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(3)

قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى في ثَوْبٍ وَاحِد فلْيُخَالِفْ بِطَرفَيهِ". رَوَاهُ البُخاريُّ

(4)

وَأحمَدُ

(5)

وأَبو دَاوُدَ

(6)

وزَادَ: "على عاتِقَيْهِ") [صحيح].

أخرج هذه الزيادة أحمد

(7)

وكذا الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق حسين عن شيبان. وقد حمل الجمهور هذا الأمر على الاستحباب

(8)

وخالفهم في ذلك أحمد

(9)

.

(1)

برقم (17/ 530) من كتابنا هذا.

(2)

في "المحلى"(4/ 71 مسألة 426).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في صحيحه رقم (360).

(5)

في المسند (2/ 255) و (2/ 427) و (2/ 520).

(6)

في سننه رقم (627).

قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 381) والبغوي في شرح السنة رقم (516) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 238) من طرق.

(7)

في المسند (2/ 255) و (2/ 427) و (2/ 520) وقد تقدم.

(8)

قال النووي في "المجموع"(3/ 180 - 181): "وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء نهي كراهة تنزيه لا تحريم، فلو صلى مكشوف العاتقين صحت صلاته مع الكراهة، هذا مذهبنا، ومذهب مالك وأبي حنيفة وجمهور السلف والخلف.

وقال أحمد وطائفة قليلة: يجب وضع شيء على عاتقه لظاهر الحديث، فإن تركه ففي صحة صلاته عن أحمد روايتان: وخص أحمد ذلك بصلاة الفرض، دليلنا حديث جابر في قوله صلى الله عليه وسلم:"ما تزر به" هكذا احتج به الشافعي في الأم واحتج به الأصحاب وغيرهم والله أعلم" اهـ.

(9)

انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 292 - 293).

ص: 311

والخلاف في الأمر هاهنا كالخلاف في النهي في الحديث الذي قبل هذا.

وفي الباب عن عمرو بن أبي سلمة عند الجماعة كلهم

(1)

.

وعن سلمة بن الأكوع عند أبي داود

(2)

والنسائي

(3)

.

وعن أنس عند البزار

(4)

والموصلي

(5)

في مسنديهما.

وعن عمرو بن أبي أَسد عند البغوي في معجم الصحابة

(6)

والحسن بن سفيان

(7)

في "مسنده".

(1)

أخرجه البخاري رقم (355) و (356) ومسلم رقم (278 - 280/ 517) والترمذي رقم (339) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (2/ 70) وابن ماجه رقم (1049) وأحمد (4/ 26، 27) وأبو داود رقم (628).

وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (632).

(3)

في سننه (2/ 70).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (777) و (778) والحاكم (1/ 250) والبغوي رقم (517) وأحمد (4/ 49، 54) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 380) من طرق وهو حديث حسن.

(4)

في مسنده (رقم: 592 - كشف).

(5)

في مسنده (7/ 92 رقم 4030).

قال البزار: لا نعلم رواه عن عاصم، عن أن، إلا عبد الله بن الأجلح.

وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 80 رقم 215): سألت أبي عن حديث رواه عبد الله بن الأجلح، عن عاصم، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى في ثوب واحد؟ فقال أبي: الصحيح عن أنس موقوفًا. رواه فضيل بن سليمان، عن عاصم، عن أنس، موقوفًا. ورواه غير واحد عن عاصم، عن أن موقوفًا.

والخلاصة أن حديث أن هذا موقوف.

قلت: وأخرج النَّسَائِي (2/ 79) والترمذي رقم (363) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم صلى في ثوب واحد، متوشحًا، خلف أبي بكر).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وخلاصة القول أن حديث أن هذا صحيح والله أعلم.

(6)

معجم الصحابة. لأبي القاسم، عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي. المتوفى 317 هـ لا يزال مخطوطًا. منه قطعه في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، تحت رقم (791) مصورة عن المكتبة العامة بالرباط.

(7)

هو الحسن بن سفيان بن عامر الشيباني النسوي أبي العباس، له "المسند" في الحديث، كان محدث خراسان في عصره. (213 - 303).

ص: 312

وعن أبي سعيد عند مسلم

(1)

وابن ماجه

(2)

.

وعن كيسان عند ابن ماجه

(3)

.

وعن ابن عباس عند أحمد

(4)

بإسناد صحيح.

وعن عائشة عند أبي داود

(5)

.

وعن أم هانئ عند الشيخين

(6)

.

(1)

في صحيحه رقم (519).

(2)

في سننه رقم (1048).

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 10، 15، 53، 55، 59).

وهو حديث صحيح.

(3)

في سننه رقم (1050) و (1051).

• قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 351 رقم 376/ 1050): "قلت: إسناد كيسان بن جرير هذا ضعيف، وليس لكيسان عند ابن ماجه سوى هذا الحديث والذي (بعده) وهما حديث واحد، وليس له شيء في الخمسة الأصول، ولا في شيء منهم اهـ.

(4)

في المسند (1/ 265) بسند صحيح.

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (2570) كلاهما من حديث ابن عباس.

وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه.

وخلاصة القول أن الحديث صحيح. والله أعلم.

(5)

في سننه رقم (631) عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد بعضه عليَّ". وهو حديث صحيح.

وأخرج مسلم رقم (514) عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي من الليل وأنا إلى جنبهِ وأنا حائض وعليَّ مِرْطٌ وعليه بعضُهُ إلى جنبه".

وأخرج أبو يعلى في المسند (7/ 458 رقم 129/ 4485) عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فوجَد القرَّ، فقال: يا عائشة أرخي عليَّ مِرْطك" قالت: إني حائِضٌ. قالَ: "عِلَّة وَبُخْلًا؟ إنَّ حيضتك ليست في يديك" إسناده ضعيف لضعف أبي حمزة وهو ميمون الأعور. "التقريب" رقم (7057).

وهو في المقصد العلي رقم (333).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 49 - 50) وقال: رواه أبو يعلى وإسناده حسن

".

قلت: بل إسناده ضعيف.

(6)

أخرجه البخاري رقم (357) ومسلم رقم (336).

ص: 313

وعن عمار بن ياسر عند أبي يعلى

(1)

والطبراني

(2)

.

وعن طَلْق بن علي عند أبي داود

(3)

.

وعن عبادة بن الصامت عند الطبراني

(4)

.

وعن أبيّ بن كعب عند عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند

(5)

.

وعن حذيفة عند أحمد

(6)

.

(1)

في المسند (3/ 205 رقم 38/ 1639).

(2)

في الكبير (2/ 49 - مجمع الزوائد).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 313) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 380) كلهم من رواية ابن عمار.

قلت: ابن عمار بن ياسر لم أجد من سماه ولا من ترجم له، فهو مجهول.

والخلاصة أن الحديث ضعيف والله أعلم.

(3)

في السنن رقم (629).

وهو حديث صحيح.

(4)

في الكبير (2/ 50 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: "وإسحاق بن يحيى لم يدرك عبادة".

(5)

• أخرج عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (5/ 141) من طريقين عن الجريري، عن أبي نضرة بن بقية، قال: قال أبي بن كعب: "الصلاة في الثوب الواحد سنة كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعاب علينا".

فقال ابن مسعود: "إنما كان ذاك إذ كان في الثياب قلة، فإما إذ وسع الله فالصلاة في الثوبين أزكى".

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 49): وقال: "رواه عبد الله من زياداته والطبراني في الكبير بنحوه من رواية زرعنها موقوفًا، وأبو نضرة لم يسمع من أبي ولا ابن مسعود" اهـ.

• وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 313) والبيهقي (2/ 238).

من طريق يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري، قال: اختلف أُبي بن كعب، وابن مسعود، في الصلاة في الثوب الواحد. فقال أُبي: ثوب. وقال ابن مسعود: ثوبان. فخرج عليهما عمر فلامهما، وقال: إنه ليسوؤني أن يختلف اثنان من أصحاب محمد في الشيء الواحد، فعن أي فتياكما صدر الناس؟ أما ابن مسعود فلم يألوا - كذا في المصنف، والصواب: يأل - والقول ما قال أُبي.

وهذا سند صحيح. رجاله ثقات.

(6)

في المسند (2/ 165 - الفتح الرباني) ورجاله ثقات كما في "مجمع الزوائد"(2/ 49).

ص: 314

وعن سهل بن سعد عند الشيخين

(1)

وأبي داود

(2)

والنسائي

(3)

.

وعن عبد الله بن أبي أمية عند الطبراني

(4)

.

وعن عبد الله بن أَنيس عند الطبراني

(5)

أيضًا.

وعن عبد الله بن سرجس عند الطبراني

(6)

أيضًا.

وعن عبد الله بن عبد الله بن المغيرة عند أحمد

(7)

.

وعن عبد الله بن عمر عند أبي داود

(8)

.

(1)

البخاري رقم (362) ومسلم رقم (133/ 441).

(2)

في السنن رقم (630).

(3)

في السنن (2/ 70). وهو حديث صحيح.

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير كما في "مجمع الزوائد"(2/ 48) وقال الهيثمي: "وفي إحدى طرقه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف. ورواه البزار (رقم: 594 - كشف) - من هذا الوجه لكنه قال: عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية وهو المعروف وفي الأخرى محمد بن إسحاق، وهو ثقة مدل، وقد عنعنه، وعبد الله بن أبي أمية قتل يوم الطائف مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي السند أن عروة بن الزبير سمعه من عبد الله بن أبي أمية، وقد غلط ابن عبد البر في الاستيعاب (2/ 264 - هامش الإصابة) مسلم بن الحجاج في كونه ذكر أن عروة، روى عنه. قال: إنما الذي روى عنه عروة ابنه عبد الله بن أبي أمية، قال ولا يصح له عندي صحبة لصغره" اهـ.

قلت: وكذلك جزم الحافظ في مختصر زوائد البزار رقم (303) أنه مرسل لأن عبد الله قتل يوم الطائف.

(5)

في الكبير (2/ 51 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: ورجاله موثقون.

(6)

في الكبير (2/ 51 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.

(7)

في المسند (4/ 27) بسند حسن.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 51) وعزاه لأحمد، وقال: ورجاله ثقات، ثم قال: رواه الطبراني في الكبير وفي إحدى طرقه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف.

(8)

في سننه رقم (635).

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال: قال عمر رضي الله عنه: "إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن إلا ثوب واحد فليتزر به، ولا يشتمل اشتمال اليهود". وهو حديث صحيح.

• قال الخطابي في معالم السنن (1/ 418 - هامش السنن): "اشتمال اليهود المنهي عنه هو: أن يجلل بدنه الثوب ويسبله من غير أن يشيل طرفه. فأما اشتمال الصماء الذي جاء في الحديث فهو أن يجلل بدنه الثوب ثم يرفع طرفيه على عاتقه الأيسر، هكذا يفسر في الحديث" اهـ.

ص: 315

وعن علي بن أبي طالب عند الطبراني

(1)

.

وعن معاذ عند الطبراني

(2)

أيضًا.

وعن معاوية عند الطبراني

(3)

أيضًا.

وعن أبي أُمامة عند الطبراني

(4)

أيضًا.

وعن أبي بكر الصديق عند أبي يعلى الموصلي

(5)

.

وعن أبي عبد الرحمن حاضن عائشة عند الطبراني

(6)

.

وعن أم حبيبة عند أحمد

(7)

.

(1)

لم أجده عند الطبراني.

وقد أخرجه البزار رقم (596 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 51) وعزاه للبزار وقال: وفيه: إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ضعيف.

(2)

في الكبير (20/ 161 رقم 335) عن محمد بن صبيح عن معاذ ولم أر من ترجمه كما في "مجمع الزوائد"(2/ 50 - 51).

(3)

في الكبير (19/ 331 رقم 761) عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الثوب الواحد. بسند ضعيف جدًّا.

وأخرجه الطبراني في الأوسط رقم (693 - مجمع البحرين) عنه قال: دخلت على أم حبيبة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد عاقده على قفاه" بسند ضعيف جدًّا ..

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 49) وقال: "رواه أبو يعلى - رقم 7373 - والطبراني في الأوسط، ورواه في الكبير مختصرًا

وإسناد أبى يعلى حسن" اهـ.

وخلاصة القول أن حديث معاوية ضعيف لكنه يتقوى بأحاديث الباب فيكون حسن لغيره والله أعلم.

(4)

في الكبير (2/ 51 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي وفيه: موسى بن عمير وهو ضعيف.

(5)

في المسند (1/ 51 رقم 51) بسند ضعيف.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 48) وقال: رواه أبو يعلى وفيه الواقدي وهو ضعيف".

(6)

في الأوسط رقم (5695).

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 50 وفيه ضرار بن صرد أبو نعيم وهو ضعيف).

انظر "الميزان"(2/ 327).

(7)

في المسند (6/ 325). ورجاله ثقات.

قلت: وأخرجه أبو يعلى في مسنده (13/ 61 رقم 7140) مطولًا.

والطبراني في الكبير (23/ 221 رقم 407) كلاهما من طريق معاوية بن أبي سفيان عن أم حبيبة به.

ص: 316

وعن أم الفضل عند أحمد

(1)

.

وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسم عند أحمد

(2)

بإسناد صحيح.

17/ 530 - (وعَنْ جابِرِ بْنِ عَبْد الله [رضي الله تعالى عنهما]

(3)

أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا صَلَّيتَ في ثَوْبٍ واحِد فإِنْ كانَ واسِعًا فالْتَحِفْ بِهِ، وَإنْ كانَ ضَيِّقًا فاتَّزِر بِهِ". مُتَّفَقٌ عليهِ

(4)

، وَلَفْظُهُ لأحمَدَ.

وفي لفظ لَهُ

(5)

آخَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا ما اتَّسَعَ الثوبُ فلْتُعاطِفْ بِهِ على مَنكِبَيْكَ ثمَّ صلِّ، وإِذَا ضَاقَ عَنْ ذلِكَ فَشُدَّ بِهِ حَقْوَيْكَ، ثمَّ صل مِنْ غَيرِ رِداءٍ". [صحيح].

قوله: (فالتحف به) الالتحاف بالثوب: التغطي به كما أفاده في القاموس

(6)

. والمراد أنه لا يشد الثوب في وسطه فيصلي مكشوف المنكبين بل يتزر به ويرفع طرفيه فيلتحف بهما فيكون بمنزلة الإزار والرداء، هذا إذا كان الثوب واسعًا، وأما إذا كان ضيقًا جاز الإتزار به من دون كراهة، وبهذا يجمع بين الأحاديث كما ذكره الطحاوي

(7)

وغيره.

واختاره ابن المنذر

(8)

وابن حزم

(9)

وهو الحق الذي يتعين المصير إليه، فالقول بوجوب طرح الثوب على العاتق والمخالفة من غير فرق بين الثوب الواسع والضيق ترك للعمل بهذا الحديث، وتعسير مناف للشريعة السمحة، وإن أمكن الاستئناس له بحديث:"إن رجالًا كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان ويقال للنساء لا ترفعن رءوسكن حتى تستوي الرجال جلوسًا" عند الشيخين

(10)

وأبي داود

(11)

والنسائي

(12)

من حديث سهل بن سعد.

(1)

في المسند (6/ 338) ورجاله ثقات.

(2)

لم أجده؟!

(3)

زيادة من (ج).

(4)

أحمد في المسند (3/ 300، 357) والبخاري رقم (361) ومسلم رقم (766) و (518).

(5)

أي لأحمد في المسند (3/ 335).

(6)

المحيط: ص 1102.

(7)

في شرح معاني الآثار (1/ 382).

(8)

في "الأوسط"(5/ 56).

(9)

في "المحلى"(4/ 72).

(10)

البخاري رقم (814) ومسلم رقم (441).

(11)

في السنن رقم (630).

(12)

في السنن (2/ 70). وهو حديث صحيح. تقدم في نهاية شرح الحديث (12/ 525) من كتابنا هذا.

ص: 317

قوله: (فشدَّ به حَقْوَيْك) الحَقو بفتح الحاءِ المهملةِ موضعُ شدِّ الإزارِ وهو الخاصرةُ ثم توسَّعوا فيه حتى سمُّوا الإزارَ الذي [يُشَدُّ]

(1)

على العورةِ حَقْوًا.

[الباب السابع] باب مَنْ صلَّى في قميص غير مُزَرَّرٍ تبدُو منه عورتُه في الركوع أو غيرِهِ

18/ 531 - (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله إنِّي أَكُون في الصيَّدِ وَأُصَلي وَلَيْس عَلَيَّ إِلا قَمِيصٌ وَاحِدٌ قالَ: "فَزُرَّهُ وإنْ لَمْ تجِدْ إلَّا شوْكةً" رَوَاهُ أَحْمَدُ

(3)

وَأبُو دَاوُدَ

(4)

والنَّسائيُّ

(5)

. [حسن]

الحديث أخرجه أيضًا الشافعي

(6)

وابن خزيمة

(7)

والطحاوي

(8)

وابن حبان

(9)

والحاكم

(10)

وعلقه البخاري في صحيحه

(11)

ووصله في تاريخه

(12)

، وقال: في إسناده نظر. قال الحافظ: وقد بينت طرقه في تغليق التعليق

(13)

وله شاهد مرسل، وفيه انقطاع، أخرجه البيهقي

(14)

.

وقد رواه البخاري أيضًا عن إسماعيل بن أبي أويس

(15)

، عن أبيه

(16)

، عن

(1)

في (ج): (تشد).

(2)

زيادة من (ج).

(3)

في المسند (4/ 49، 54).

(4)

في السنن رقم (632).

(5)

في السنن (2/ 70).

(6)

في المسند رقم (187 - ترتيب السندي).

(7)

في صحيحه رقم (777) و (778).

(8)

في شرح معاني الآثار (1/ 380).

(9)

في صحيحه رقم (2294).

(10)

في المستدرك (1/ 250).

(11)

في الباب رقم (2) من كتاب الصلاة (1/ 465 - مع الفتح). وقال: في إسناده نظر.

(12)

(1/ 296) وقال في (1/ 297) في إسناده نظر.

(13)

(2/ 201).

(14)

في السنن الكبرى (2/ 240).

(15)

هو إسماعيل بن عبد الله بن أويس الأصْبَحي: صدوق، أخطأ في أحاديث من حفظه.

مات سنة (226 هـ). (التقريب)(1/ 71 رقم 527).

(16)

هو عبد الله بن أويس بن مالك الأصْبَحي، أبو أويس؛ صدوق يهم. مات سنة (167 هـ).

(التقريب)(1/ 426 رقم 407).

ص: 318

موسى بن إبراهيم

(1)

، عن أبيه

(2)

، عن سلمة، زاد في الإسناد

(3)

رجلًا.

ورواه أيضًا عن مالك بن إسماعيل

(4)

، عن عطاف بن خالد

(5)

، قال: حدثنا موسى بن إبراهيم (1) قال: حدثنا سلمة، فصرح بالتحديث بين موسى وسلمة، فاحتمل أن يكون رواية أبي أويس من المزيد في متصل الأسانيد، أو يكون التصريح في رواية عطاف وهمًا فهذا وجه النظر في إسناده الذي ذكره البخاري

(6)

.

وأما من صححه فاعتمد على رواية [الدراوردي]

(7)

وجعل رواية عطاف شاهدة لاتصالها. وطريق عطاف أخرجها أيضًا أحمد

(8)

والنسائي

(9)

. وأما قول ابن القطان

(10)

إن موسى هو ابن محمد بن إبراهيم التيمي المضعف عند البخاري

(1)

موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي: مقبول.

(التقريب)(رقم: 6941).

(2)

إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي مقبول. (التقريب)(رقم: 205).

(3)

هذه عبارة الحافظ في "الفتح"(1/ 465) قالها بعد أن ذكر الرواية التي ليس فيها زيادة الرجل وهو الواسطة بين موسى بن إبراهيم، وسلمة بن الأكوع. وهو قوله:"عن أبيه" فقد قال الحافظ؛ وقد وصله المصنف في تاريخه، وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان واللفظ له، من طريق الدراوردي عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة، عن سلمة بن الأكوع، ثم ذكر الرواية التي ذكرها الشوكاني هنا. وموسى مقبول كما تقدم آنفًا.

(4)

مالك بن إسماعيل النهدي، أبو غسان الكوفي، ثقة متقن. مات سنة (217 هـ) روى له الجماعة. (التقريب)(2/ 223 رقم 858).

(5)

عطاف بن خالد بن عبد الله بن العاص المخزومي، أبو صفوان المدني: صدوق يهم (التقريب)(2/ 24 رقم 212).

(6)

قلت: وطرق هذا الحديث مدارها على موسى بن إبراهيم، وثقه الذهبي في "الكاشف" رقم (5774) وذكره ابن حبان في "الثقات"(5/ 402).

وقال عنه الحافظ في التقريب مقبول أي إذا توبع والا فلين الحديث.

وقد قال النووي في "المجموع"(3/ 164): إسناده حسن وكذا حسنه المحدث الألباني في تحقيق المشكاة رقم (760). كما حسن الحديث في صحيح أبي داود.

وخلاصة القول أن الحديث حسن والله أعلم.

(7)

في (ج): (الداودي).

(8)

في المسند (4/ 49، 54) وقد تقدم.

(9)

في السنن (2/ 70) وقد تقدم.

(10)

في الوهم والإيهام (5/ 537).

ص: 319

وأبي حاتم وأبي داود، وأنَّه نسب هنا إلى جده فليس بمستقيم لأنَّه نسب في رواية البخاري وغيره مخزوميًا وهو غير التيمي فلا تردد، نعم وقع عند الطحاوي

(1)

موسى بن محمد بن إبراهيم فإن كان محفوظًا فيحتمل على بعد أن يكونا جميعًا رويا الحديث وحمله عنهما [الدراوردي]

(2)

وإلا فذكر محمد فيه شاذ. كذا قال الحافظ

(3)

.

قوله: (في الصيد) جاء في رواية بلفظ: "إنا نكونُ في الصَّفِّ" وفي أخرى "بالصيفِ" وقد جمع ابن الأثير بين الروايات في شرحه للمسند

(4)

بما حاصله أن ذكر الصيد لأن الصائد يحتاج أن يكون خفيفًا ليس عليه ما يشغله عن الإسراع في طلب الصيد، وذكر الصف معناه أن يصلي في جماعة وليس عليه إلا قميص واحد فربما بدت عورته، وذكر الصيف لأنَّه مظنة للحر سيما في الحجاز لا يمكن معه الإكثار من اللباس.

قوله: (فَزُرَّهُ) هكذا وقع هنا. وفي رواية البخاري

(5)

قال: "يُزرُّهُ". وفي رواية أبي داود

(6)

"فأزْرُرْهُ". وفي رواية ابن حبان

(7)

والنسائي

(8)

"زُرَّهُ" والمراد شد القميص، والجمع بين طرفيه لئلا تبدو عورته ولو لم يمكنه ذلك إلا بأن يغرز في طرفه شوكة يستمسك بها.

والحديث يدل على جواز الصلاة في الثوب الواحد وفي القميص منفردًا عن غيره مقيدًا بعقد الزرار، وقد تقدم الخلاف في ذلك.

(1)

في شرح معاني الآثار (1/ 380).

(2)

في (ج): (الداودي).

(3)

في "الفتح"(1/ 466).

(4)

هو شرح لمسند الشافعي، للمبارك بن محمد بن محمد الجزري. المتوفى (606 هـ). ذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (21/ 490) واسمه:"الشافي شرح مسند الشافعي".

له نسخة خطية في دار الكتب المصرية، وعنها مصورة بمعهد المخطوطات العربية. ونمى إلى الأخ مشهور حفظه الله بأن الشيخ خليل إبراهيم ملا خاطر يعمل على تحقيقه، يسر الله له إتمامه ونشره.

(معجم المصنفات الواردة في فتح الباري. صنفه أبي عبيدة وأبي حذيفة ص 248).

(5)

المعلقة (1/ 465 - مع الفتح) وقد تقدم.

(6)

في السنن رقم (632) وقد تقدم.

(7)

في صحيحه رقم (2294) وفيه "فازْرُرْهُ".

(8)

في السنن رقم (2/ 70) وقد تقدم.

ص: 320

19/ 532 - (وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

"أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهى أنْ يُصَلِّي الرّجُل حَتَّى يَحتَزِمَ". رَواهُ أحمدُ

(2)

وأبُو دَاوُدَ)

(3)

[حسن لغيره]

هذا الحديث [وقع البحث عنه في سنن أبي داود ومسند أحمد والجامع الكبير ومجمع الزوائد فلم يوجد بهذا اللفظ فينظر في نسبة المصنف له إلى أحمد (2) وأبي داود (3) ولكنه]

(4)

يشهد له الأمر بشد الإزار على الحقو، وقد تقدم؛ لأن الاحتزام شد الوسط كما في القاموس

(5)

وغيره وكذلك حديث "وإن كان ضيقًا فاتزر به" عند الشيخين

(6)

كما تقدم؛ لأن الاتزار: شدّ الإزار على الحقو فيكون هذا النهي مقيدًا بالثوب الضيق كما في غيره من الأحاديث، وقد تقدم الكلام على ذلك.

20/ 533 - (وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ الله عَنْ مُعَاوِيَةَ

(7)

بْنِ قُرَّةَ عَنْ أبيه [رضي الله تعالى عنهم](1) قال: أُتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في رَهْطٍ مِنْ مُزينَةَ فَبايعْنَاهُ وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلقٌ قالَ: فبَايَعْتُهُ فأدْخلْتُ يَدِي مِنْ قَمِيصِهِ فَمَسِسْتُ الْخَاتُمَ، قالَ عُرْوَةُ: فَمَا رَأَيْتُ مُعاويةَ وَلَا أبَاهُ في شِتَاءٍ وَلَا حَرّ إلَّا مُطْلِقَيْ أزْرَارِهِمَا لَا يُزَرِّرَانِ أبَدًا رَوَاهُ

(1)

زيادة من (ج).

(2)

في المسند (2/ 387، 458، 472).

(3)

في السنن رقم (3369) كلاهما بلفظ "نهى عن بيعِ الغنائمِ حتى تُقْسَمَ، وعن بيع الثمرةِ حتى تحرَزَ من كل عارضٍ، وأن يصلي الرجل حتى يحتزم".

وفي سندهما رجل مجهول وهو مولى لقريش الراوي.

عن أبي هريرة. ولذا قال عنه الألباني في ضعيف أبي داود: ضعيف الإسناد.

قلت: وللنهي عن بيع الغنائم حتى تقسم شاهد عن ابن عباس عند النَّسَائِي (7/ 301) والحاكم (2/ 540) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 338) بسند حسن.

• وللنهي عن بيع الثمر حتى تحرز شاهد عن أبي هريرة عند أحمد (2/ 263) بسند صحيح.

• ويشهد لقضية الاحتزام شاهد عن سلمة بن الأكوع، عند أحمد (4/ 49) بسند حسن.

وخلاصة القول أن الحديث حسن لغيره والله أعلم.

(4)

زيادة من (أ) و (ب).

(5)

المحيط ص 1413.

(6)

البخاري رقم (361) ومسلم رقم (766) و (518) وقد تقدم برقم (17/ 530) من كتابنا هذا.

(7)

معاوية بن قرة بن إياس بن هلال أبو إياس البصري: ثقة عالم. مات سنة 113 هـ) روى له الجماعة. (التقريب)(2/ 261 رقم 1242).

ص: 321

أحمْدُ

(1)

وأبُو دَاوُدَ)

(2)

[صحيح].

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي

(3)

وابن ماجه

(4)

وذكر الدارقطني أن هذا الحديث تفرَّد به، وذكر ابن عبد البر أن قرة بن إياس والد معاوية المذكور لم يرو عنه غير ابنه معاوية وفي إسناده أبو مهل بميم ثم هاء مفتوحتين ولام مخففة الجعفي الكوفي، وقد وثقه أبو زرعة الرازي

(5)

، وذكره ابن حبان

(6)

.

قوله: (وعن عروة بن عبد الله) هو ابن نفيل النفيلي وقيل: ابن قشير

(7)

وهو أبو مَهَل المذكور الراوي عن معاوية بن قرة.

قوله: (وإن قميصه)، بكسر الهمزة لأنها بعد واو الحال.

قوله: (لمطلق) أي غير مشدود وكان عادة العرب أن تكون جيوبهم واسعة فربما يشدونها وربما يتركونها مفتوحة مطلقة.

قوله: (فمسست) بكسر السين الأولى.

قوله: (الخاتم) يعني خاتم النبوة تبركًا به وليخبر به من لم يره.

قوله: (إلا مُطْلِقَيْ) بكسر اللام وفتح القاف.

والحديث يدل على أن إطلاق الزرار من السنة.

والمصنف [رحمه الله تعالى]

(8)

أورده هاهنا توهمًا منه أنه معارض لحديث سلمة بن الأكوع الذي مر، وليس الأمر كذلك لأن حديث سلمة خاص بالصلاة، وهذا الحديث ليس فيه ذكر الصلاة ويمكن أن يكون مراد المصنف بإيراده هنا الاستدلال به على جواز إطلاق الزرار في غير الصلاة وإن كانت ترجمة الباب لا تساعد على ذلك.

(1)

في المسند (3/ 434)، (4/ 19)، (5/ 35).

(2)

في السنن رقم (4082).

(3)

في الشمائل رقم (59).

(4)

في السنن رقم (3578).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (1072) ورقم (1071) والطبراني في الكبير (ج 19 رقم 41، 49، 50، 64) وأبو الشيخ في "أخلاق النبي" ص 103 من طرق. وهو حديث صحيح.

(5)

كما في "تهذيب التهذيب"(3/ 95).

(6)

في الثقات (7/ 286).

(7)

هذا هو الذي أثبته وجزم به الحافظ في "التقريب"(2/ 19 رقم 161). وقال عنه: ثقة.

(8)

زيادة من (ج).

ص: 322

قال رحمه الله [تعالى]

(1)

(2)

: وهذا محمول على أنّ القميصَ لم يكن وحدَهُ اهـ.

[الباب الثامن] باب استحباب الصلاة في ثوبينِ وجوازها في الثوبِ الواحدِ

21/ 534 - (عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه] (1) أن سَائِلًا سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصلَاةِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فقالَ:"أَوَلِكُلِّكمْ ثوْبَانِ؟ ". رَوَاهُ الجَماعةُ

(3)

إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

زَادَ البُخارِيُّ في رِوايَة

(4)

: ثمَّ سَألَ رَجُلٌ عُمَرَ فقال: إذَا وَسَّعَ الله فأوْسِعوا جَمعَ رَجُلٌ عَلَيهِ ثِيَابَهُ، صَلى رَجُلٌ في إزَارٍ وَرِدَاءٍ، في إزَارٍ وَقمِيصٍ، في إزَارِ وَقَبَا، في سَرَاوِيلَ وَرِداءٍ، في سَرَاوِيلَ وَقمِيصٍ، في سَرَاوِيلَ وقَبَا، في تُبَّانٍ وَقَبَا، في تُبّانٍ وَقَميص. قالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: في تُبَّانٍ وَرِداءٍ). [صحيح]

قوله: (إن سائلًا) ذكرَ شمسُ الأئمةِ السَّرْخَسِيُّ الحنفي في كتابه "المبسوط"

(5)

أن السائلَ ثوبان.

قوله: (أو لكُلِّكُمْ ثوبانِ) قال الخطابي

(6)

: لفظه استخبار ومعناه الإخبار على ما هم عليه من قلة الثياب ووقع في ضمنه الفتوى من طريق الفحوى، كأنه يقول: إذا علمتم أن ستر العورة فرض والصلاة لازمة وليس لكل أحد منكم ثوبان فكيف لم تعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة، أي مع مراعاة ستر العورة.

وقال الطحاوي

(7)

: معناه: لو كانت الصلاة مكروهة في الثوب الواحد لكرهت لمن لا يجد إلا ثوبًا واحدًا. اهـ.

(1)

زيادة من (ج).

(2)

أي المصنف ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 277).

(3)

أحمد (2/ 239) و (2/ 266) والبخاري رقم (358) ومسلم رقم (515) وأبو داود رقم (625) والنسائي (2/ 69 - 70) وابن ماجه رقم (1047). وهو حديث صحيح.

(4)

رقم (365).

(5)

(1/ 33).

(6)

في "معالم السنن"(1/ 414 - هامش السنن).

(7)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 380).

ص: 323

قال الحافظ

(1)

: وهذه الملازمة في مقام المنع للفرق بين القادر وغيره، والسؤال إنما كان عن الجواز وعدمه لا عن الكراهة.

قوله: (ثم سأل رجل عمر) يحتمل أن يكن ابن مسعود لأنَّه اختلف هو وأبي بن كعب فقال أبي: الصلاة في الثوب الواحد غير مكروهة، وقال ابن مسعود: إنما كان ذلك وفي الثياب قلة، فقام عمر على المنبر فقال: القول ما قال أبي ولم يأل ابن مسعود أي لم يقصر أخرجه عبد الرزاق

(2)

.

قوله: (جمع رجل) هذا من قول عمر وأورده بصيغة الخبر ومراده الأمر. قال ابن بطال

(3)

: يعني ليجمع وليصل. وقال ابن المنير: الصحيح أنه كلام في معنى الشرط كأنه قال: إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن ثم فصل الجمع بصور.

قال ابن مالك: تضمن هذا فائدتين.

(الأولى): ورود الماضي بمعنى الأمر في قوله صلى والمعنى ليصل.

(والثانية): حذف حرف العطف، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم:"تصدق امرؤ من ديناره من درهمه من صاع تمرة"

(4)

.

قوله: (في سراويل) قال ابن سيده: السراويل فارسي معرّب يذكر ويؤنث، ولم يعرف أبو حاتم السجستاني التذكير

(5)

، والأشهر عدم صرفه.

قوله: (وقبا) القبا بالقصر وبالمد. قيل: هو فارسي معرب، وقيل: عربي مشتق من قبوت الشيء إذا ضممت أصابعك عليه سمي بذلك لانضمام أطرافه.

قوله: (في تُبان) التبان بضم المثناة وتشديد الموحدة وهو على هيئة السراويل إلى أنه ليس له رجلان وهو يتخذ من جلد.

(1)

في "الفتح"(1/ 470).

(2)

في "المصنف"(1/ 356 رقم 1384).

(3)

في شرحه لصحيح البخاري (2/ 30) والعبارة فيه: "وقول عمر: "جمع رجل عليه ثيابه" يعني ليجمع عليه ثيابه وليصلي فيها. فجاء بلفظ الفعل الماضي وهو يريد المستقبل وذلك كثير في التنزيل

" اهـ.

(4)

وهو حديث صحيح.

أخرجه مسلم رقم (1017) والنسائي (5/ 75 - 76).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 475).

ص: 324

قوله: (قال: وأحسبه) القائل أبو هريرة والضمير في أحسبه راجع إلى عمر، ومجموع ما ذكر عمر من الملابس ستة، ثلاثة للوسط وثلاثة لغيره، فقدم ملابس الوسط لأنها محل ستر العورة، وقدم أسترها وأكثرها استعمالًا لهم، وضم إلى كل واحد واحدًا فخرج من ذلك تسع صور من ضرب ثلاثة في ثلاثة ولم يقصد الحصر في ذلك بل يلحق به ما يقوم مقامه.

والحديث يدل على أن الصلاة في الثوب الواحد صحيحة ولم يخالف في ذلك إلا ابن مسعود، وقد تقدم ذلك، وتقدم قول النووي: لا أعلم صحته، وتقدم الإجماع على أن الصلاة في ثوبين أفضل، صرح بذلك القاضي عياض

(1)

وابن عبد البر

(2)

والقرطبي

(3)

والنووي

(4)

، وفي قول ابن المنذر

(5)

: واستحب بعضهم الصلاة في ثوبين إشعار بالخلاف.

22/ 535 - (وعَنْ جابِر [رضي الله تعالى عنه]

(6)

أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلى في ثَوْبٍ واحِدٍ مُتَوشحًا بِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)

(7)

[صحيح].

الحديث أخرجه مسلم

(8)

من رواية سفيان الثوري عن أبي الزبير

(9)

عن جابر ومن رواية عمرو بن الحارث

(10)

، عن أبي الزبير، ورواه أبو داود

(11)

من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر

(12)

عن أبيه، قال:"أمّنا جابر" الحديث ولم

(1)

في "إكمال المعلم" له (2/ 430).

(2)

في "التمهيد"(4/ 325).

(3)

في "المفهم"(2/ 112).

(4)

في "المجموع"(3/ 179).

(5)

في "الأوسط"(5/ 54).

(6)

زيادة من (ج).

(7)

أحمد (3/ 312، 356) والبخاري رقم (352) ومسلم رقم (766).

(8)

في صحيحه رقم (281/ 518).

(9)

أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تَدْرُوس لأسدي المكي: صدوق يدلّس.

مات سنة (126 هـ) روى له الجماعة: "التقريب"(2/ 207 رقم 697).

(10)

عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري أبو أيوب، ثقة فقيه حافظ روى له الجماعة. "التقريب"(2/ 67 رقم 555).

(11)

في السنن رقم (633) وهو حديث ضعيف.

(12)

هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مُليكة التيمي المكي أبو غرارة الجُدعاني لين الحديث. وقيل: الجدعاني غير أبي غرارة.

فأبو غرارة لين الحديث، والجدعاني: متروك.

"التقريب": (2/ 182 رقم 440).

ص: 325

يخرجه البخاري من حديث جابر بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف

(1)

، بل أخرج نحوه من حديث عمر بن أبي سلمة الذي سيأتي

(2)

.

قوله: (متوشحًا به) قال ابن عبد البر

(3)

حاكيًا عن الأخفش: إن التوشح هو أن يأخذ طرف الثوب الأيسر من تحت يده اليسرى فيلقيه على منكبه الأيمن ويلقى طرف الثوب الأيمن من تحت يده اليمنى على منكبه الأيسر، قال: وهذا التوشح الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في ثوب واحد متوشحًا به.

والحديث يدل على جواز الصلاة في الثوب الواحد إذا توشح به المصلي، وقد تقدم الكلام في ذلك.

23/ 536 - (وَعَنْ عُمَرَ بْنِ أبِي سَلَمَةَ [رضي الله تعالى عنهما]

(4)

قَالَ: رأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلي في ثَوبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشّحًا بِهِ في بَيْتِ أُمّ سَلَمَةَ قَدْ ألْقَى طَرَفَيْهِ على عاتِقَيْهِ. رَوَاهُ الجَمَاعَةَ)

(5)

. [صحيح].

قوله: (متوشحًا به) في البخاري

(6)

والترمذي

(7)

"مشتملًا". وفي بعض روايات مسلم

(8)

"ملتحفًا" به وقد جعلها النووي

(9)

بمعنى واحد، فقال: المشتمل والمتوشح والمخالف بين طرفيه معناه واحد هنا، وقد سبقه إلى ذلك الزهري، وفرق الأخفش بين الاشتمال والتوشح فقال

(10)

: إن الاشتمال هو أن يلتف الرجل بردائه أو بكسائه من رأسه إلى قدمه ويرد طرف الثوب الأيمن على منكبه الأيسر، قال

(11)

: والتوشح وذكر ما قدمناه عنه في شرح الحديث الذي قبل هذا

(12)

،

(1)

بل أخرجه البخاري رقم (352) بلفظ: "صلّى جابرٌ في إزار قد عقده من قِبَلِ قفاه، وثيابه موضوعة على المشجب

".

(2)

برقم (23/ 536) من كتابنا هذا.

(3)

في "التمهيد"(9/ 314).

(4)

زيادة من (ج).

(5)

أحمد في المسند (4/ 27) والبخاري رقم (356) ومسلم رقم (517) وأبو داود رقم (628) والترمذي رقم (339) والنسائي (2/ 70) وابن ماجه رقم (1049).

(6)

في صحيحه رقم (356) وقد تقدم.

(7)

في سننه رقم (339) وقد تقدم.

(8)

في صحيحه رقم (280/ 517).

(9)

في شرحه لصحيح مسلم (4/ 233).

(10)

ذكره ابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 319).

(11)

ذكره ابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 319).

(12)

برقم (22/ 535) من كتابنا هذا.

ص: 326

وفائدة التوشح والاشتمال والالتحاق المذكورة في هذه الأحاديث أن لا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع ولئلا يسقط الثوب عند الركوع والسجود، قاله ابن بطال

(1)

.

قوله: (قد ألقى طرفيه على عاتقيه) قد تقدم الكلام في ذلك.

والحديث يدل على أن الصلاة في الثوب الواحد صحيحة إذا توشح به المصلي أو وضع طرفه على عاتقه أو خالف بين طرفيه، وقد تقدم الكلام في ذلك.

[الباب التاسع] باب كراهية اشتمال الصماء

24/ 537 - (عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: نهى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ في الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ليسَ على فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْء، وَأنْ يَشْتَمِلَ الصمَّاءَ بِالثَّوْبِ الْواحِدِ لَيْسَ على أحَدِ شِقَّيْهِ مِنْهُ: يَعْنِي شَيْءٌ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(2)

.

وفي لَفْظٍ لأحمدَ

(3)

: نهى عَنْ لِبْسَتَيْنِ: أنْ يَحْتَبِيَ أحَدُكُمْ في الثَّوْب الْوَاحِدِ ليْس عَلى فَرْجِهِ مِنهُ شَيءٌ، وَأنْ يَشتمِلَ في إزَارِهِ إِذَا ما صَلَّى إِلَّا أنْ يُخَالِفَ بِطَرَفَيْهِ على عاتِقَيْهِ). [صحيح]

قوله: (أن يحتبي) الاحتباء أن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه ويلف عليه ثوبًا ويقال له: الحبوة وكانت من شأن العرب.

قوله: (ليس على فرجه منه شيء) فيه دليل على أن الواجب ستر السوأتين فقط لأنه قيد النهي بما إذا لم يكن على الفرج شيء ومقتضاه أن الفرج إذا كان مستورًا فلا نهي.

(1)

في شرحه لصحيح البخاري (2/ 20).

(2)

أحمد (2/ 419) والبخاري رقم (5821) ومسلم رقم (1512).

(3)

في المسند (2/ 491).

ص: 327

قوله: (وأن يشتمل الصماء) هو بالصاد المهملة والمد قال أهل اللغة

(1)

: هو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبًا ولا يبقى [ما تخرج]

(2)

منه يده. قال ابن قتيبة: سميت صماء لأنه يسد المنافذ كلها [فيصير]

(3)

كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق. وقال الفقهاء

(4)

: هو أن يلتحف بالثوب ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديًا.

قال النووي

(5)

: فعلى تفسير أهل اللغة يكون مكروهًا لئلا تعرض له حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر، وعلى تفسير الفقهاء يحرم لأجل انكشاف العورة، وقال الحافظ: ظاهر سياق البخاري من رواية يونس في اللباس

(6)

أن التفسير المذكور فيها مرفوع وهو موافق لما قال الفقهاء ولفظه سيأتي في هذا الباب

(7)

، وعلى تقدير أن يكون موقوفًا فهو حجة على الصحيح لأنه تفسير من الراوي لا يخالف ظاهر الخبر.

قوله: (وفي لفظ لأحمد) هذه الرواية موافقة لما عند الجماعة في المعنى إلا أن فيها زيادة وهو قوله: "إذا ما صلى" وهي غير صالحة لتقييد النهي بحالة الصلاة لأن كشف العورة محرم في جميع الحالات إلا ما استثنى، والنهي عن الاحتباء والاشتمال لكونهما مظنة الانكشاف فلا يختص بتلك الحالة.

قوله: (لبستين) هو بكسر اللام لأن المراد بالنهي الهيئة المخصوصة لا المرة الواحدة من اللبس.

والحديث يدل على تحريم هاتين اللبستين لأنه المعنى الحقيقي للنهي وصرفه إلى الكراهة مفتقر إلى دليل

(8)

.

(1)

انظر القاموس المحيط ص 1459. وغريب الحديث لأبي عبيد (2/ 117 - 118) والفائق في غريب الحديث (2/ 314 - 315).

(2)

في (جـ): (ما يخرج).

(3)

في المخطوط (ب)(فتصير).

(4)

انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر"(3/ 54) و"معجم لغة الفقهاء" ص 69.

(5)

في "المجموع"(3/ 181).

(6)

في صحيح البخاري رقم (5820) من حديث أبي سعيد الخدري.

(7)

برقم (25/ 538) من كتابنا هذا.

(8)

قال ابن حزم في "المحلى"(4/ 73 مسألة 427): "ولا يجوز لأحد أن يصلي وهو =

ص: 328

25/ 538 - (وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهى عَنِ اشْتِمال الصَّمَّاءِ وَالاحْتِبَاءِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ على فِرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ. رَواهُ الجَماعَةُ

(2)

إلَّا التَّرْمِذِيَّ

(3)

فإنهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيث أبي هُرَيْرَةَ.

وَللبُخَارِيِّ

(4)

نَهى عَنْ لَبْستَيْنِ، واللّبْسَتَانِ: اشْتِمالُ الصَّمَّاءِ، والصَّمَّاءُ: أنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ على أحَدِ عاتقيْهِ فَيَبْدُو أحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، واللِّبْسَةِ الأخْرَى احْتِباؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهُوَ جالِسٌ لَيْسَ على فَرْجِهِ مِنهُ شَيْءٌ).

قد تقدم الكلام على الحديث في شرح الذي قبله.

[الباب العاشر] باب النهي عن السدل والتلثم في الصلاة

26/ 539 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه] (1) أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهى عَنِ السَّدْلِ في الصَّلاةِ وَأَنْ يُعْطِّيَ الرَّجُلُ فاهُ. رَواهُ أَبُو دَاودَ

(5)

، ولأحمدَ

(6)

والتِّرْمِذِيِّ

(7)

عنهُ النَّهْيُ عَنِ السَّدْل، ولابْنِ ماجَهْ

(8)

النَّهْيُ عَن تَغْطِية الْفَمِ). [حسن]

= مشتمل الصماء، وهو أن يشتمل المرء ويداه تحته، الرجل والمرأة سواء

عن أبي هريرة "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين وعن لبستين" فذكر الحديث وفيه "عن اشتمال الصماء".

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أحمد (3/ 6، 66، 95) والبخاري رقم (5820) ومسلم رقم (1512) وأبو داود رقم (3377) و (3378) والنسائي (7/ 260 - 261) وابن ماجه رقم (2170).

(3)

في سننه رقم (2767) من حديث جابر. وقال الترمذي: حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (5820) وقد تقدم.

(5)

في السنن رقم (643).

(6)

في المسند رقم (2/ 295، 345).

(7)

في السنن رقم (378) وقال الترمذي: حديث أبي هريرة لا نعرفهُ من حديث عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا إلا من حديث عِسْل بن سفيان.

(8)

في السنن رقم (966).

قال أبو الأشبال في تحقيق الترمذي (2/ 218): " .... ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 253) من طريق الحسين بن ذكوان عن الأحول، وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي. فالحسين بن ذكوان هو المعلم. وهو ثقة معروف، والحسن بن ذكوان هو أبو سلمة، ضعفه ابن معين وغيره. وذكره ابن حبان في الثقات. =

ص: 329

الحديث قال الترمذي

(1)

: لا نعرفه من حديث عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا إلا من حديث عسل بن سفيان.

وأخرجه الحاكم في المستدرك

(2)

من الطريق التي رواها أبو داود بالزيادة التي ذكرها، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجا فيه تغطية الرجل فاه في الصلاة اهـ.

وكلامه هذا يفهم أنهما أخرجا أصل الحديث مع أنهما لم يخرجاه.

وفي الباب عن أبي جحيفة عند الطبراني في معاجمه الثلاثة

(3)

، والبزار في مسنده

(4)

وفي إسناده حفص بن أبي داود وقد اختلف فيه عليه وهو ضعيف

(5)

، وكذلك أبو مالك النخعي وقد ضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو

= فإن كان ما في المستدرك ليس خطأ من الناسخ، كان الحديث عنهما جميعًا، وهو الظاهر، لأن الذهبي في تلخيصه قال:"حسين المعلم" ووافق على تصحيح الحاكم. وإن كان ما في المستدرك خطأ من الناسخ كان في إسناده شيء من الضعف. وفي إسناد الترمذي "عِسْل بن سفيان" وفيه ضعف من قبل حفظه، ولكن متابعة الحسن بن ذكوان ترفع الحديث إلى درجة الصحة أو الحسن على الأقل. وبذلك لا يسلم للترمذي تعليله إياه بانفراد عِسْل به. والظاهر أنه لم يطلع على الإسناد الآخر. وليس لعسل بن سفيان عند الترمذي إلا هذا الحديث" اهـ.

وخلاصة القول أن حديث أبي هريرة حديث حسن والله أعلم.

(1)

في السنن (2/ 217).

(2)

(1/ 253) وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

(3)

في الصغير (2/ 38) والأوسط رقم (6164) والكبير (22/ 111 - 112 رقم 283) و (22/ 132 رقم (352).

(4)

(1/ 286 - كشف).

وقال البزار: أخطأ أبو مالك، وقد رواه الثقات عن علي بن الأقمر عن أم عطية وأبو مالك ليس بالحافظ.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 50) وقال: رواه الطبراني في الثلاثة، والبزار، وهو ضعيف.

(5)

حفص بن سليمان الأسدي، أبو عمر البزار، الكوفي، الغاضري، وهو حفص بن أبي داود القارئ، صاحبُ عاصِم، ويقال له: حُفَيْص: متروك الحديث مع إمامته في القراءة ..

"التقريب" رقم (1405).

ص: 330

حاتم وغيرهم

(1)

، قال البيهقي

(2)

: وقد كتبناه من حديث إبراهيم بن طهمان عن الهيثم فإن كان محفوظًا فهو أحسن من رواية حفص.

وفي الباب أيضًا عن ابن مسعود عند البيهقي

(3)

، وقد تفرد به بُشر بن رافع وليس بالقوي

(4)

.

وعن ابن عباس عند ابن عدي في الكامل

(5)

وفي إسناده عيسى بن قرطاس وليس بثقة

(6)

، وقال النسائي

(7)

: متروك الحديث. وقال ابن عدي

(8)

: هو ممكن يكتب حديثه.

وقد اختلف الأئمة في الاحتجاج بحديث الباب فمنهم من لم يحتج به لتفرد عسل بن سفيان، وقد ضعفه أحمد

(9)

. قال الخلال: سئل أحمد عن حديث السدل في الصلاة من حديث أبي هريرة فقال: ليس هو بصحيح الإسناد. وقال: عسل بن سفيان غير محكم الحديث، وقد ضعفه الجمهور يحيى بن معين وأبو

(1)

أبو مالك النخعي، الواسطي، اسمه عبد الملك، وقيل: عبادة بن الحسين، وقيل: ابن أبي الحسين، ويقال له: ابن دُرّ: متروك.

"التقريب" رقم (8337).

(2)

في السنن الكبرى (2/ 243). وخلاصة القول أن حديث أبي جحيفة ضعيف.

(3)

في السنن الكبرى (2/ 343).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 363 رقم 1417).

(4)

بشر بن رافع الحارثي، من اليمن، أبو الأسباط النجراني: ليس بالقوي قاله البيهقي في السنن الكبرى (2/ 243).

انظر ترجمته في التاريخ الكبير (1/ 2/ 74) والجرح والتعديل (2/ 357) والكامل (2/ 444) والمجروحين (1/ 188).

(5)

في الكامل (1/ 1891)، والذهبي في الميزان (3/ 322).

(6)

قال الدُّوريُّ، عن ابن معين: ضعيف، لسي بشيء، لا يحلُّ لأحدٍ أن يرويَ عنه.

وقال أبو زرعة الرازي: كوفي لين.

وقال النسائي: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف.

وقال العقيلي: كان من الغلاة في الرَّفض.

[تهذيب التهذيب (3/ 366) والميزان (3/ 322 رقم 6599)].

(7)

في الضعفاء والمتروكين رقم (447).

(8)

في "الكامل"(5/ 1892).

(9)

قال أحمد: ليس بقوي في الحديث. (العلل رواية عبد الله: 2626).

ص: 331

حاتم والبخاري وآخرون

(1)

، وذكره ابن حبان في الثقات

(2)

وقال: يخطئ ويخالف على قلة روايته اهـ.

وقد أخرج له الترمذي هذا الحديث فقط، وأبو داود أخرج له هذا [وحديثًا]

(3)

آخر، وقد تقدم تصحيح الحاكم حديث أبي هريرة. وعسل بن سفيان لم يتفرد به فقد شاركه في الرواية عن عطاء الحسن بن ذكوان وترك يحيى له لم يكن إلا لقوله إنه كان قدريًا وقد قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.

قوله: (نهى عن السدل) قال أبو [عبيد]

(4)

في غريبه

(5)

: السَّدل: إسبال الرجل ثوبَه من غير أن يُضمَّ جانبيه بين يديه؛ فإن ضمّه فليس بِسدل، وقال صاحب النهاية

(6)

: هو أن يَلْتَحِفْ بثوبه ويُدْخِل يدَيه من دَاخِل، فيرْكع ويَسْجُد وهو كذلك. قال: وهذا مُطَّرد في القَميص وغَيرِه من الثياب. قال: وقيل: هو أن يضع وسط الإزَار على رأسِه ويُرْسل طَرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يَجْعَلهما على كَتِفَيه. وقال الجوهري

(7)

: سدل ثوبه يسدله بالضم سدلًا أي أرخاه. وقال الخطابي

(8)

: السدل: إرسال الثوب حتى يصيب الأرض اهـ. فعلى هذا السدل والإسبال واحد.

قال العراقي

(9)

: ويحتمل أن يراد بالسدل: سدل الشعر، ومنه حديث ابن عباس

(10)

"أن النبي صلى الله عليه وسلم سدل ناصيته" وفي حديث عائشة

(11)

"أنها سدلت قناعها وهي محرمة" أي أسبلته اهـ.

(1)

قال ابن معين: ضعيف. وقال البخاري: عنده مناكير. وقال النسائي ليس بالقوي.

وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال ابن عدي: قليل الحديث، وهو مع ضعفه يكتب حديثه.

(تهذيب التهذيب)(3/ 98 - 99) والميزان (3/ 66 رقم 5620).

(2)

(7/ 292).

(3)

في (جـ): (وحدثنا).

(4)

في "أ": عبيدة. وما أثبتناه من "ب" وهو الصواب.

(5)

في غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام (3/ 482).

(6)

لابن الأثير (2/ 355).

(7)

في "الصحاح"(5/ 1728).

(8)

في "معالم السنن"(1/ 423 - هامش السنن).

(9)

لعله في إكمال شرحه للترمذي الذي لم يطبع.

(10)

أخرجه البخاري رقم (5917) مسلم رقم (2336) وأبو داود رقم (4188) والنسائي (8/ 184) وابن ماجه رقم (3682).

(11)

أخرجه أبو داود رقم (1833) وابن ماجه رقم (2935). =

ص: 332

ولا مانع من حمل الحديث على جميع هذه المعاني إن كان السدل مشتركًا [بينها]

(1)

، وحمل المشترك على جميع معانيه هو المذهب القوي وقد روي أن السدل من فعل اليهود، أخرج الخلال في العلل

(2)

، وأبو عبيد في الغريب

(3)

من رواية عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن علي [عليه السلام]

(4)

أنه خرج فرأى قومًا يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال: "كأنَّهم اليهود خَرَجوا من قُهرهم" قال أبو عبيد

(5)

: هو موضع [مِدرَاسهم]

(6)

الذي يجتمعون فيه.

قال صاحب الإمام

(7)

: والقَهْر بضم القاف وسكون الهاء موضع [مِدرَاسِهم](5) الذي يجتمعون فيه، [وذكره في القاموس

(8)

والنهاية

(9)

في الفاء لا في القاف]

(10)

.

والحديث يدل على تحريم السدل في الصلاة لأنه معنى النهي الحقيقي وكرهه ابن عمر

(11)

= عن عائشة، قالت: كان الركبانُ يمرُّونَ بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرماتٌ، فإذا حاذَوا بنا، سدلتْ إحدانَا جلبابها من رأسِهَا على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. وهو حديث ضعيف.

(1)

في المخطوط (ب): (بينهما).

(2)

كتاب "العلل" لأبي بكر، أحمد بن محمد بن هارون الخلال. توفي سنة (311 هـ). في عدة أسفار. راجع "موارد ابن القيم" رقم (300).

ومنه منتخب لابن قدامة المقدسي المتوفي سنة (620 هـ) وقد طبع.

(3)

(3/ 481).

(4)

في (جـ): (رضى الله تعالى عنه).

(5)

في "الغريب"(3/ 482).

(6)

في "المخطوط (أ) و (ب) و (جـ): (مدارسهم) والصواب ما أثبتناه من كتاب غريب الحديث لأبي عبيد (3/ 482) والقاموس المحيط ص 589.

(7)

وهو تقي الدين، أبو الفتح، محمد بن علي بن وهب. المشهور بابن دقيق العيد. وكتاب "الإمام في معرفة أحاديث الأحكام" لم يطبع منه إلَّا إلى نهاية مواقيت الصلاة. فيما أعلم.

(8)

القاموس المحيط ص 589: "فُهْر: بالضم: مِدْراسُ اليهود، تجتمع إليه في عيدهم، أو هو يوم يأكلون فيه ويشربون.

(9)

في غريب الحديث لابن الأثير (3/ 482).

فُهرهم: أي مواضع مَدارِسِهم، وهي كلمة نَبَطِيَّة أو عِبرانية عُرِّبت. وأصلها "بَهْرَة" بالباء.

(10)

زيادة من (أ) و (ب).

(11)

أخرج ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 59 ث 2386): عن أبي الزبير، قال:"رأيت ابن عمر يسدل ثوبه في الصلاة".

وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 260).

ص: 333

ومجاهد

(1)

وإبراهيم النخعي

(2)

والثوري

(3)

والشافعي

(4)

في الصلاة وغيرها.

وقال أحمد

(5)

: يكره في الصلاة.

وقال جابر بن عبد الله

(6)

وعطاء

(7)

والحسن

(8)

وابن سيرين

(9)

ومكحول

(10)

والزهري

(11)

: لا بأس به، وروي ذلك عن مالك

(12)

، وأنت خبير بأنه لا موجب للعدول عن التحريم إن صح الحديث لعدم وجدان صارف له عن ذلك.

قوله: (وأن يغطي الرجل فاه) قال ابن حبان: لأنه من زي المجوس قال: وإنما زجر عن تغطية الفم في الصلاة على الدوام لا عند التثاؤب بمقدار ما يكظمه لحديث "إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه فإن الشيطانَ يدخل"

(13)

(1)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 364 رقم 1418) عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه كره السدل في الصلاة. قال: ولا أعلمه إلا رفعه.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 259) و (2/ 243).

(2)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 364 رقم 1422) ورقم (1410). عن مغيرة، عن إبراهيم أنه كره السدل.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 259) والبيهقي (2/ 243).

(3)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 364 رقم 1421) قال عبد الرزاق: ورأيت الثوري إذا صلى ضمّ طرفي الثوب بيده إلى صدر".

(4)

المجموع شرح المهذب للنووي (3/ 182).

(5)

المغني لابن قدامة (2/ 297).

(6)

أخرج ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 59 ث 2385) عن محمد بن المنكدر عن جابر أنه صلى وهو مسدل.

وقال البيهقي في السنن الكبرى (2/ 243): ويذكر عن جابر بن عبد الله أنه لم ير به بأسًا.

(7)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 365 رقم 1427) من طريق عامر الأحول عن عطاء بن أبي رباح أنه كان يكره السدل ويرفع في ذلك حديثًا ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.

(8)

و

(9)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 362 رقم 1412).

عن هشام بن حسان، قال: رأيت الحسن، وابن سيرين يسدلان على قميصهما.

(10)

أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 260) من طريق الأوزاعي قال: رأيت مكحولًا يسدل طيلسانه عليه في الصلاة.

(11)

ذكره ابن المنذر في الأوسط (5/ 59).

(12)

حكاه ابن القاسم في "المدونة الكبرى"(1/ 108) باب جامع الصلاة.

(13)

وهو حديث صحيح. =

ص: 334

وهذا لا يتم

(1)

إلا بعد تسليم عدم اعتبار قيد في الصلاة المصرح به في المعطوف عليه في جانب المعطوف، وفيه خلاف ونزاع. وقد استدل به على كراهة أن يصلي الرجل [متلثمًا]

(2)

كما فعل المصنف.

[الباب الحادي عشر] باب الصلاة في [ثوب]

(3)

الحرير والغصب

27/ 540 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]

(4)

قالَ: مَنِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِيهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ لَمْ يَقْبَلِ الله عز وجل لهُ صلاةً ما دَامَ عَلَيهِ ثمَّ أدْخَلَ أصْبُعَيْه في أُذنَيْهِ وقالَ: صُمَّتا إنْ لَمْ يَكُنْ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُهُ يَقُوله. رَوَاهُ أحْمدُ)

(5)

[ضعيف جدًّا].

الحديث [أخرجه أيضًا عبد بن حميد

(6)

والبيهقي

(7)

في [الشعب]

(8)

وضعفاه وتمام

(9)

والخطيب

(10)

وابن عساكر

(11)

والديلمي

(12)

، و]

(13)

في إسناده هاشم

(14)

عن ابن عمر، قال ابن كثير في إرشاده

(15)

: وهو لا يعرف.

= أخرجه أحمد (3/ 96) ومسلم رقم (2995) وأبو داود رقم (5026) وابن حبان في صحيحه رقم (2360) من حديث أبي سعيد الخدري.

(1)

قوله: وهذا لا يتم

إلخ. هذا شرح لحديث الباب، أعني حديث "نهى عن السَّدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه" فهو يريد أن يقول: إنه لا بدّ من أخذ قيد - "في الصلاة" المذكور في المعطوف عليه - في المعطوف ويكون تقدير الكلام: "وأن يغطى الرجل فاه في الصلاة" اهـ.

(2)

في (ب) ملتثمًا.

(3)

في (أ) الثوب.

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في المسند (2/ 98).

(6)

في "المنتخب"(2/ 51 رقم 847).

(7)

في الشعب رقم (6114).

(8)

زيادة من المخطوط (ب) في الشعب رقم (6114).

(9)

لم أجده في فوائد تمام.

(10)

في تاريخ بغداد (14/ 21) في ترجمة هارون بن أبي هارون العَبْدِيّ.

(11)

في "تاريخ دمشق"(4/ 2) مخطوط.

(12)

في الفردوس رقم (5911).

(13)

زيادة من (أ) و (ب).

(14)

هاشم الأوقص، وقيل: ابن الأوْقص. قال عنه ابن عدي في "الكامل"(7/ 2576): "لا يُعرف له مسانيد فأذكرها".

وقال ابن حجر في "اللسان"(6/ 157، 184 - 185): "وكلام البخاري فيه - غير ثقة - نقله عنه الدولابي ثم ابن عدي".

(15)

واسمه (إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه)(1/ 114). =

ص: 335

وقد استدل به من قال: إن الصلاة في الثوب المغصوب أو المغصوب ثمنه لا تصح، وهم العترة

(1)

جميعًا. وقال أبو حنيفة

(2)

والشافعي

(3)

: تصح لأن العصيان ليس بنفس الطاعة لتغاير اللباس والصلاة، ورد بأن الحديث مصرح بنفي قبول الصلاة في الثوب المغصوب ثمنه والمغصوب عينه بالأولى، وأنت خبير بان الحديث لا ينتهض للحجية ولو سلم فمعنى نفي القبول لا يستلزم نفي الصحة لأنه يرد على وجهين (الأول) يراد به الملازم لنفي الصحة والإجزاء نحو قوله:"هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به"

(4)

(والثاني) يراد به نفي الكمال والفضيلة كما في حديث نفي قبول صلاة الآبق

(5)

والمغاضبة لزوجها

(6)

ومن في جوفه خمر

(7)

وغيرهم ممن جمع على صحة صلاتهم، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في موضعين من هذا الشرح.

= قال ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق"(1/ 304): "قال أبو طالب: سألت أبا عبد الله - أحمد بن حنبل - عن هذا الحديث، فقال: ليس بشيء، ليس له إسناد. ذكره الخلَّال".

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 292): "رواه أحمد من طريق هاشم عن ابن عمر، وهاشم لم أعرفه، وبقية رجاله وثِّقُوا على أنَّ "بقية": مدلس". وقال المحدث الألباني في "الضعيفة" رقم (844): ضعيف جدًّا.

(1)

"البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار"(1/ 213).

(2)

"حاشية ابن عابدين"(2/ 41) بتحقيقي.

(3)

"المجموع شرح المهذب"(3/ 169 - 170).

قال ابن قدامة في المغني (2/ 303): "

لا يحل لبسه - أي المغصوب - ولا الصلاة فيه. وهل تصحُّ الصلاة فيه؟ على روايتين؛ إحداهما: لا تصح. والثانية: تصح. وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، لأنَّ التحريم لا يختص الصلاة، ولا النهي يعود إليها، فلم يمنع الصحة. كما لو غسَلَ ثوبه من النجاسة بماء مغصوب، وكما لو صلى وعليه عمامة مغصوبة.

ووجه الرواية الأولى، أنه استعمل في شرط العبادة ما يحرمُ عليه استعماله، فلم تصح، كما لو صلى في ثوبٍ نجسٍ، ولأنَّ الصلاة قُربةٌ وطاعة، وهو منهيٌّ عنها على هذا الوجه، فكيف يتقرب بما هو عاصٍ به، أو يؤمَرُ بما هو منهي عنه .. ".

قلت: الراجح ما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي. انظر: "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار"(1/ 370 - 371) بتحقيقي.

(4)

تقدم تخريجه في نهاية شرح الحديث رقم (168) من كتابنا هذا.

(5)

و

(6)

و

(7)

تقدم ذكر الأحاديث وتخريجها عند شرح الحديث (12/ 525) من كتابنا هذا.

ص: 336

ومن ههنا تعلم أن نفي القبول مشترك بين الأمرين فلا يحمل على أحدهما إلا لدليل فلا يتم الاحتجاج به في مواطن النزاع. وقال أبو هاشم: إن استتر بحلال لم يفسده المغصوب فوقه. إذ هو فضلة.

قال المصنف

(1)

رحمه الله تعالى: وفيه يعني الحديث دليل على أن النقود تتعين في العقود اهـ. وفي ذلك خلاف بين الفقهاء، وقد صرح المتأخرون من فقهاء الزيدية أنها تتعين في اثني عشر موضعًا ومحل الكلام على ذلك علم الفروع.

28/ 541 - (وَعَنْ عائِشَةَ [رضي الله تعالى عنها]

(2)

أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَليهِ أمْرَنَا فهُو رَدٌّ" مُتَّفَقٌ عَليهِ

(3)

، ولأحمَدَ

(4)

: "مَنْ صَنَعَ أمْرًا على غَيرِ أَمْرِنَا فهو مَرْدُودٌ") [صحيح].

قوله: (ليس عليه أمرنا) المراد بالأمر هنا واحد الأمور وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

قوله: (فهو رد) المصدر بمعنى اسم المفعول كما بينته الرواية الأخرى.

قال في الفتح

(5)

: يحتج به في إبطال جميع العقود المنهية وعدم وجود ثمراتها المترتبة عليها، وإن النهي يقتضي الفساد، لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين، فيجب ردها، ويستفاد منه أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر، لقوله:"ليس عليه أمرنا" والمراد به أمر الدين، وفيه أن الصلح الفاسد منتقض، والمأخوذ عليه مستحق الرد اهـ.

وهذا الحديث من قواعد الدين لأنه يندرج تحته من الأحكام ما لا يأتي عليه الحصر. وما أصرحه وأدله على إبطال ما فعله الفقهاء من تقسيم البدع إلى أقسام

(6)

وتخصيص الرد ببعضها بلا مخصص من عقل ولا نقل فعليك إذا سمعت

(1)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 281).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أحمد (6/ 240، 270) والبخاري رقم (2697) ومسلم رقم (1718).

(4)

في المسند (6/ 73).

(5)

انظر الفتح (2/ 305 - 303).

(6)

اعلم أن البدعة الدينية لا تقسم إلى الأحكام الخمسة، وإليك الأدلة: =

ص: 337

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 1 - قال تعالى في سورة المائدة الآية (3): {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} .

قال أبو الأشبال في "عمدة التفسير"(2/ ج 4/ 75): "هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة، حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلَّا ما أحلّه الله، ولا حرام إلَّا ما حرّمه الله، ولا دين إلَّا ما شرّعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق، ولا كذب فيه ولا خُلْف، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] أي: صدقًا في الإخبار، وعدلًا في الأوامر والنواهي. فلما أكملَ لهم الدين تمت عليهم النعمة، ولهذا قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}. أي: فارضوه أنتم لأنفسكم فإنّه الدين الذي أحبه الله ورضيه، وبعث به أفضل الرسل الكرام، وأنزل به أشرف كتبه" اهـ.

2 -

عن العِرباض بن سارية رضي الله عنه قال: "

وإياكم ومحدثاتِ الأمور فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكل بدعةٍ ضلالةُ" وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد (4/ 126 - 127) وأبو داود رقم (4607) والترمذي رقم (2676) وقال حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (43 و 44) والحاكم في المستدرك (1/ 95 - 97) وقال: هذا حديث صحيح ليس له علة ووافقه الذهبي.

وأخرجه الدارمي (1/ 44 - 45) وابن أبي عاصم في كتاب السنة (1/ 17 رقم 27) والآجري في الشريعة (ص 46 - 47) وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 181 - 182) من طرق. وقال المحدث الألباني في تخريج "المشكاة"(1/ 58): "

وصححه جماعة منهم الضياء المقدسي .... " اهـ.

• قال شيخ الإسلام في كتابه: "اقتضاء الصراط المستقيم" ص 274: "ولا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلية، وهي قوله: "كل بدعة ضلالة" بسلب عمومها. وهو أن يقال: ليست كل بدعة ضلالة. فإنَّ هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل" اهـ.

• وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم" ص 252: "فقوله صلى الله عليه وسلم "كل بدعة ضلالة" من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد".

فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقاد، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة. وأما ما وقع من كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية .... " اهـ.

3 -

عن سلمان؛ قال: قيل له: - أي من قبل اليهود - قد علَّمكم نبيُّكم كُلَّ شيءٍ. حتى =

ص: 338

من يقول هذه بدعة حسنة بالقيام في مقام المنع مسندًا له بهذه الكلية وما يشابهها

= الخِراءةَ، قال، فقال: أجَلْ. "لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بولٍ، أو أن نستنجِيَ باليمين. أو أن نستنجي بأقل من ثلاثةِ أحجارٍ. أو أن نستنجيَ برجيع أو بعظم" وهو حديث صحيح.

أخرجه مسلم رقم (262) والنسائي (1/ 38) وأحمد (5/ 437، 439) وأبو داود رقم (7) والترمذي رقم (16) وقال: حديث حسن صحيح.

• قلت: بهذا يتضح لكل ذي لب، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع صغيرة ولا كبيرة في شأن الدين إلَّا أوضح حكمها، وعلمها للمسلمين، مما قطع الطريق على المبتدعين، وأثار دهشة وإعجاب أعدائه في القديم والحديث.

4 -

عن ابن مسعود قال: "الاقتصاد في السنة أحسن من الاجتهاد في البدعة" أثر صحيح.

أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 103) وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الدارمي (1/ 72) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 19).

وعن عبد الله بن مسعود أيضًا قال: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، كل بدعة ضلالة" بإسناد صحيح.

أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 168 رقم 8770) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 181): رجاله رجال الصحيح. وقال المحدث الألباني في تحقيق كتاب العلم. لزهير بن حرب النسائي (ص 122 رقم 54): "إسناده صحيح".

5 -

قال الشاطبي في "الاعتصام"(1/ 49): "

وأن المبتدع معاند للشرع، ومشاق له، لأن الشارع قد عين لمطالب العبد طرقًا خاصة على وجوه خاصة، وقصر الخلق عليها بالأمر والنهي والوعد والوعيد وأخبر أنَّ الخير فيها، وأنَّ الشر في تعديها - إلى غير ذلك، لأن الله يعلم ونحن لا نعلم، وأنه إنما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين.

فالمبتدع رادٌّ لهذا كله، فإنَّه يزعم أن ثمَّ طرقًا آخر، ليس ما حصره الشارع بمحصور، ولا ما عينه بمتعين، كأنَّ الشارع يعلم، ونحن أيضًا نعلم. بل ربما يُفهم من استدراكه الطرق على الشارع، أنه علم ما لم يعلمه الشارع.

وهذا إن كان مقصودًا للمبتدع فهو كفر بالشريعة والشارع وإن كان غير مقصود، فهو ضلال مبين" اهـ.

6 -

قال الشيخ علي محفوظ في كتابه: "الإبداع في مضار الابتداع" ص 108: "قد وصفت البدعة وأهلها في لسان الشرع وأهله، بصفات محذورة، ومعان مذمومة، تقضي بأن يكون معناها ما ذهب إليه أصحاب الطريقة الأولى وهو أن يكون الابتداع مشاركة للشارع في التشريع، ومضاهاة له في سن القوانين وإلزام الناس السير على مقتضاها" اهـ. قلت: وبذلك يتضح لك أخي القارئ الكريم أن البدعة في الدين لا تقسم إلى الأحكام الخمسة والله أعلم.

ص: 339

من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة"

(1)

طالبًا لدليل تخصيص تلك البدعة التي وقع النزاع في شأنها بعد الاتفاق على أنها بدعة، فإن جاءك به قبلته، وإن كاع

(2)

كنت قد ألقمته حجرًا واسترحت من المجادلة ومن مواطن الاستدلال لهذا الحديث كل فعل أو ترك وقع الاتفاق بينك وبين خصمك على أنه ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفك في اقتضائه البطلان أو الفساد متمسكًا بما تقرر في الأصول من أنه لا يقتضي ذلك إلَّا عدم أمر يؤثر عدمه في العدم، كالشرط أو وجود أمر يؤثر وجوده في العدم كالمانع، فعليك بمنع هذا التخصيص الذي لا دليل عليه إلا مجرد الاصطلاح مسندًا لهذا المنع بما في حديث الباب من العموم المحيط بكل فرد من أفراد الأمور التي ليست من ذلك القبيل قائلًا: هذا أمر ليس من أمره، وكل أمر ليس من أمره رد فهذا رد وكل [رد]

(3)

باطل، فهذا باطل، فالصلاة مثلًا التي ترك فيها ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو فعل فيها ما كان يتركه ليست من أمره، فتكون باطلة بنفس هذا الدليل، سواء كان ذلك الأمر المفعول أو المتروك مانعًا باصطلاح أهل الأصول، أو شرطًا أو غيرهما، فليكن منك هذا على ذكر.

قال في الفتح

(4)

: وهذا الحديث معدود من أُصول الإسلام، وقاعدة من قواعده، فإن معناه: من اخترع من الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه قال النووي

(5)

: هذا الحديث مما ينبغي تحفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به كذلك.

وقال الطُّوْفيّ

(6)

: هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع، لأن الدليل يتركب من مقدمتين، والمطلوب بالدليل إما إثبات الحكم أو نفيه. وهذا الحديث مقدمة كبرى في إثبات كل حكم شرعي، ونفيه لأن منطوقه مقدمة كلية، مثل أن يقال في الوضوء بماء نجس: هذا ليس من أمر الشرع، وكل ما كان

(1)

وهو حديث صحيح. من حديث العرباض بن سارية، وقد تقدم تخريجه في التعليقة السابقة، ولله الحمد والمنة.

(2)

كاع: جَبُن وخاف.

(3)

زيادة من (أ) و (ب).

(4)

(5/ 302 - 303).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (12/ 16).

(6)

في المطبوع (الطوخي) وفي "الفتح"(5/ 303)(الطرقي) والمثبت من المخطوطات (أ) و (ب) و (جـ).

ص: 340

كذلك فهو مردود فهذا العمل مردود، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الدليل، وإنما يقع النزاع في الأولى، ومفهومه أن من عمل عملًا عليه أمر الشرع فهو صحيح، فلو اتفق أن يوجد حديث يكون مقدمة أولى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه لاستقل الحديثان بجمع أدلة الشرع، لكن هذا الثاني لا يوجد، فإذن حديث الباب نصف أدلة الشرع اهـ.

29/ 542 - (وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِر [رضي الله تعالى عنهما]

(1)

قالَ: "أُهْدِيَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَرُّوجُ حَرير فَلَبسَهُ، ثم صَلَّى فِيهِ، ثمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا عَنيفًا شدِيدًا كالْكارهِ لهُ، ثمَّ قالَ: "لَا يَنبَغِي هذا لِلْمُتَّقِينَ". مُتَّفَقٌ عليهِ)

(2)

. [صحيح]

قوله: (فَرُّوج) بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وآخره جيم هو القبا المفرّج

(3)

من خلف، وحكى أبو زكريا التبريزي

(4)

عن أبي العلاء المعري

(5)

جواز ضم أُوله وتخفيف الراء.

قال الحافظ في الفتح

(6)

: والذي أَهداه هو أكيدر دومة

(7)

كما صرح بذلك البخاري في اللباس.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أحمد في المسند (4/ 149) والبخاري رقم (375) ومسلم رقم (2075).

(3)

قال صاحب اللسان (2/ 344): والفَرُّوج بفتح الفاء: القَبَاءُ. وقيل: الفِرُّج: قباءٌ فيه شقٌّ من خلفه

" اهـ.

(4)

أبو زكريا التبريزي: هو المعروف بالخطيب التبريزي واسمه: يحيى بن علي بن محمد الشيباني من أئمة اللغة والأدب، وكان حجة في اللغة.

انظر: "شذرات الذهب"(4/ 5).

(5)

أبو العلاء المعري، هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري، عمي في الرابعة من عمره بسبب مرض الجدري، له مؤلفات كثيرة، والناس له بين مادح وذام (363 هـ - 449 هـ).

(6)

(1/ 485).

(7)

هو أكيدر بن عبد الملك بن السَّكون، ملك دُومة الجندل الواقعة بين الشام والمدينة، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة: اختلاف أهل العلم في إسلامه، ثم قال: فالذي يظهر أنَّ أكيدر صالح على الجزية - كما قال ابن إسحاق -.

ويحتمل أن يكون أسلم بعد ذلك - كما قال الواقدي - ثم ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم مع من ارتدّ - كما قال البَلاذريّ - ومات على ذلك. والله أعلم.

أفاده الدكتور عبد الوهاب بن لطف الديلمي حفظه الله.

ص: 341

والحديث استدلّ به من قال بتحريم الصلاة في الحرير وهو الهادي في أحد قوليه والناصر والمنصور بالله

(1)

والشافعي

(2)

. وقال الهادي في أحد قوليه وأبو العباس والمؤيد بالله والإمام يحيى وأكثر الفقهاء

(3)

: إنها مكروهة فقط، مستدلين بأن علة التحريم الخيلاء ولا خيلاء في الصلاة، وهذا تخصيص للنص بحيال علة الخيلاء، وهو مما لا ينبغي الالتفات إليه.

وقد استدلوا لجواز الصلاة في ثياب الحرير بعدم إعادته صلى الله عليه وسلم لتلك الصلاة وهو مردود لأن ترك إعادتها لكونها وقعت قبل التحريم، ويدل على ذلك حديث جابر عند مسلم

(4)

بلفظ: "صلى في قبا ديباج ثم نزعه وقال: نهاني جبريل" وسيأتي

(5)

، وهذا ظاهر في أن صلاته فيه كانت قبل تحريمه. قال المصنف

(6)

[رحمه الله]

(7)

: وهذا يعني حديث الباب محمول على أنه لبسه قبل تحريمه إذ لا يجوز أن يظن به أنه لبسه بعد التحريم في صلاة ولا غيرها. ويدل على إباحته في أول الأمر ما روى أنس بن مالك أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس أو ديباج قبل أن ينهى عن الحرير فلبسها فتعجب الناس منها فقال: "والذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن منها" رواه أحمد

(8)

انتهى.

قال في البحر

(9)

: فإن لم يوجد غيره صحت فيه وفاقًا بينهم فإن صلى عاريًا

(1)

"البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار"(1/ 213).

(2)

المجموع شرح المهذب (3/ 184 - 185).

(3)

البحر الزخار (1/ 213).

(4)

في صحيحه رقم (2070) من حديث جابر بن عبد الله.

(5)

برقم (30/ 543) من كتابنا هذا.

(6)

أي ابن تيمية الجد في المنتقى" (1/ 282).

(7)

زيادة من المخطوط (ب).

(8)

في المسند (3/ 206 - 207).

قلت: وأخرجه البخاري رقم (2615) ومسلم رقم (127/ 2469). عن أنس بن مالك أنَّه أُهديَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم جُبَّةٌ؛ من سُنْدسٍ وكان ينهى عن الحرير. فعجب الناس منها. فقال: "والذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ إنّ مناديلَ سعدِ بن معاذ في الجنة أحسن من هذا" وهو حديث صحيح.

(9)

(1/ 213).

ص: 342

بطلت صلاته. وقال أحمد بن حنبل

(1)

: يصلي عاريًا كالنجس.

وقد اختلفوا هل تجزي الصلاة في الحرير بعد تحريمه أم لا؟ فقال الحافظ في الفتح

(2)

: إنها تجزيء عند الجمهور مع التحريم، وعن مالك يعيد في الوقت

(3)

انتهى. وسيأتي البحث عن لبس الحرير وحكمه قريبًا

(4)

.

30/ 543 - (وَعَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ الله [رضي الله تعالى عنهما]

(5)

قالَ: لَبِسَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ إليهِ، ثمَّ أوْشَكَ أنْ نَزَعهُ وَأرْسَلَ بِهِ إلى عُمَرَ بْنِ الخطَّابِ فَقِيلَ: قَدْ أوْشَكْتَ ما نَزَعْتَهُ يا رَسُولَ الله، قالَ:"نَهانِي عنهُ جِبْريلُ عليه السلام" فجاءَهُ عُمَرُ يَبْكِي، فقالَ: يا رَسُولَ الله كَرِهْتَ أمْرًا وَأَعْطَيْتَنِيهِ فمَالي؟ فقالَ: "مَا أَعْطَيتُكَ لِتَلْبسَهُ إِنَّما أعْطَيتُكَ تَبيعُهُ" فَبَاعَهُ بألْفَيْ دِرْهَمٍ رَوَاهُ أحمَدُ)

(6)

. [صحيح]

الحديث أخرجه مسلم في صحيحه

(7)

بنحو مما هنا.

قوله: [(من ديباج)]

(8)

الديباج هو نوع من الحرير

(9)

، قيل: هو ما غلظ منه.

قوله: (ثم أوشك) أي أسرع كما في القاموس

(10)

وغيره.

والحديث يدل على تحريم لبس الحرير ولبس النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون دليلًا على الحل لأنه محمول على أنه لبسه قبل التحريم بدليل قوله: "نهاني عنه جبريل" ولهذا حصر الغرض من الإعطاء في البيع وسيأتي تحقيق ما هو الحق في ذلك.

(1)

انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 303 - 305).

(2)

(1/ 485).

(3)

انظر: "المدونة"(باب في الثوب يصلي به وفيه النجاسة)(1/ 34).

(4)

في الباب الأول من أبواب اللباس عند الحديث رقم (1/ 544 - 5/ 548) من كتابنا هذا.

(5)

زيادة من (جـ).

(6)

في المسند (3/ 383).

(7)

رقم (2070).

قلت: وأخرجه النسائي (8/ 200) وهو حديث صحيح.

(8)

زيادة من (أ) و (ب).

(9)

الديباج: ضرب من الثياب سداه ولُحمته حرير، فارسي معرب. المعجم الوسيط (1/ 278).

(10)

القاموس المحيط ص 1236.

ص: 343

قال المصنف

(1)

رحمه الله [تعالى]

(2)

: فيه يعني الحديث دليل على أن أمته عليه السلام أسوته في الأحكام اهـ.

وقد تقرر في الأصول ما هو الحق في ذلك والأدلة العامة قاضية بمثل ما ذكره المصنف من نحو قوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}

(3)

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}

(4)

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي

(5)

}

(6)

.

(1)

أي ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 283).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

سورة الأحزاب: الآية 21.

(4)

سورة الحشر: الآية 7.

(5)

سورة آل عمران: الآية 31.

(6)

قال أبو بكر بن المنذر في "الأوسط"(5/ 82): "لا يجوز لبس ثياب الحرير بحال، إلَّا لعلة تكون بالإنسان ينفعه لبس ثياب الحرير لتلك الصلاة، فإن صلى مصل في ثياب الحرير لغير علة كان عاصيًا ولا إعادة عليه الصلاة، لأني لا أعلم حجة توجب إعادة الصلاة" اهـ.

ص: 344

[خامسًا][أبواب]

(1)

اللباس

[الباب الأول] باب تحريم لبس الحرير والذهب على الرجال دون النساء

1/ 544 - (عَنْ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا تَلْبَسُوا الحَريرَ فإنَّهُ مَنْ لَبَسه في الدُّنْيا لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخرَةِ")

(3)

[صحيح].

2/ 545 - (وعَنْ أَنَسٍ [رضي الله تعالى عنه] (2) أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ لَبِسَ الْحَريرَ في الدُّنْيا فلَنْ يَلْبَسهُ في الآخِرَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِما)

(4)

[صحيح].

الحديثان يدلان على تحريم لبس الحرير لما في الأوّل من النهي الذي يقتضي بحقيقته التحريم، وتعليل ذلك بأن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، والظاهر أنه كناية عن عدم دخول الجنة، وقد قال الله تعالى في أهل الجنة:{وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}

(5)

فمن لبسه في الدنيا لم يدخل الجنة، روى ذلك النسائي

(6)

عن ابن الزبير، وأخرج النسائي

(7)

عن ابن عمر أنه قال: "والله لا يدخل الجنة" وذكر الآية، وأخرج النسائي

(8)

والحاكم

(9)

عن أبي سعيد أنه قال:

(1)

في المخطوط (أ) و (ب) و (جـ): (كتاب) وأبدلته بـ (أبواب) لضرورة التقسيم.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أخرجه البخاري رقم (5830) ومسلم رقم (2069) وأحمد (1/ 20، 37، 39).

(4)

أخرجه البخاري رقم (5832) ومسلم رقم (2073) وأحمد (3/ 101، 281).

(5)

سورة الحج، الآية 23.

(6)

في سننه رقم (5305).

قلت: وأخرجه البخاري رقم (5834) ومسلم رقم (11/ 2069).

(7)

في السنن الكبرى (5/ 466 رقم 9588/ 7).

(8)

في السنن الكبرى (5/ 471 رقم 9611/ 30).

(9)

في المستدرك (4/ 191) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (5437) والطيالسي رقم (2217) وأحمد في المسند (3/ 23) من طرق.

وداود السراج، قال ابن المديني: مجهول، ووثقه ابن حبان. والحديث بشطره الثاني =

ص: 345

"وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه".

ويدل على ذلك أيضًا حديث ابن عمر عند الشيخين

(1)

بلفظ قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة" والخلاق كما في كتب اللغة

(2)

وشروح الحديث

(3)

: النصيب أي من لا نصيب له في الآخرة وهكذا إذا فسر بمن لا حرمة له، أو من لا دين له كما قيل.

وهكذا حديث ابن عمر عند الستة إلا الترمذي

(4)

بلفظ: "أنه رأى عمر حلة من استبرق تباع فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هذه لباس من لا خلاق له، ثم لبث عمر ما شاء الله أن يلبث، فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قلت: إنما هذه لباس من لا خلاق له ثم أرسلت إلى بهذه فقال صلى الله عليه وسلم: إني لم أرسلها إليك لتلبسها ولكن لتبيعها وتصيب بها حاجتك".

ومن أدلة التحريم حديث عقبة بن عامر

(5)

السابق في الباب الذي قبل هذا الكتاب فإن قوله: "لا ينبغي هذا للمتقين" إرشاد إلى أن لابس الحرير ليس من زمرة المتيقن. وقد علم وجوب الكون منهم.

ومن ذلك ما عند البخاري

(6)

بلفظ: "الذهب والفضة والحرير والديباج لهم في الدنيا ولكم في الآخرة".

ومن ذلك حديث أبي موسى

(7)

وعلي

(8)

وحذيفة

(9)

= منكر، لأنه لم يرد في أحاديث الباب الصحيحة، وترى بعضها في الصحيح. (ضعيف الترغيب والترهيب) للمحدث الألباني (2/ 33).

(1)

أخرجه البخاري رقم (948) ومسلم رقم (2068).

(2)

تهذيب اللغة للأزهري (7/ 28).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 70).

(4)

أخرجه البخاري رقم (5835) ومسلم رقم (7/ 2068) وأبو داود رقم (4040) والنسائي (8/ 196 رقم 5295) وأحمد في المسند (2/ 20) وابن ماجه رقم (5841).

(5)

برقم (29/ 542) من كتابنا هذا.

(6)

في صحيحه رقم (5831).

(7)

سيأتي تخريجه برقم (3/ 546) من كتابنا هذا.

(8)

سيأتي تخريجه برقم (4/ 547) من كتابنا هذا.

(9)

سيأتي تخريجه برقم (6/ 549) من كتابنا هذا.

ص: 346

وعمر

(1)

وأبي عامر

(2)

وستأتي وإذا لم تفد هذه الأدلة التحريم فما في الدنيا محرم. وأما معارضتها بما سيأتي فستعرف ما عليه.

وقد أجمع المسلمون على التحريم

(3)

ذكر ذلك المهدي في البحر

(4)

، وقد نسب فيه الخلاف في التحريم إلى ابن عُلَيَّة

(5)

وقال: إنه انعقد الإجماع بعده على التحريم.

وقال القاضي عياض

(6)

: حكي عن قوم إباحته، وقال أبو داود

(7)

: إنه لبس الحرير عشرون نفسًا من الصحابة أو أكثرهم، منهم أنس والبراء بن عازب ووقع الإجماع على أن التحريم مختص بالرجال دون النساء، وخالف في ذلك ابن الزبير مستدلًا بعموم الأحاديث، ولعله لم يبلغه المخصص الذي سيأتي.

وقد استدل من جوز لبس الحرير بأدلة منها حديث عقبة [بن عامر]

(8)

المتقدم في الباب الذي قبل الكتاب، وقد عرفت الجواب [على]

(9)

ذلك فيما سلف.

ومنها حديث أسماء بنت أبي بكر في الجبة التي كان يلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

سيأتي تخريجه برقم (8/ 551) من كتابنا هذا.

(2)

سيأتي تخريجه برقم (16/ 559) من كتابنا هذا.

(3)

انظر: "موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي"(2/ 895 رقم 17).

(4)

(4/ 356).

(5)

ابن عُلَيَّة، هو إسماعيل بين إبراهيم بن مِقْسم الأسدي بالولاء، البصري أبو بشر من حفاظ الحديث، وعُليّة أمه. (110 هـ - 193 هـ).

قال الحافظ: ثقة ثبت روى له الجماعة. "التقريب"(رقم: 416).

(6)

"إكمال المعلم بفوائد مسلم"(6/ 571) وعبارته: "قال الإمام: اختلف الناس في لباس الحرير، فذهب قوم إلى منعه على الإطلاق، وآخرون إلى جوازه على الإطلاق، وجمهور العلماء على إباحته، ومنعه للرجال، والدليل على ما ذهب إليه الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة".

(7)

في سننه رقم (4/ 319) وعبارته: "قال أبو داود: وعشرون نَفْسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أكثر لبسوا الخز: منهم أنس، والبراء بن عازب.

(8)

زيادة من (ب).

(9)

في المخطوط (ب): (عُلية) والصواب ما أثبتناه.

ص: 347

وسيأتي في باب إباحة اليسير من الحرير

(1)

وسنذكر الجواب [عليه]

(2)

هنالك.

ومنها حديث المسور بن مخرمة عند الشيخين

(3)

"أنها قدمت للنبي صلى الله عليه وسلم أقبية فذهب هو وأبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لشيء منها فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قبا من ديباج مزرور

(4)

، فقال: يا مخرمة خبأنا لك هذا وجعل يريه محاسنه، وقال: أرضي مخرمة".

والجواب أن هذا فعل لا ظاهر له والأقوال صريحة في التحريم، على أنه لا نزاع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الحرير، ثم كان التحريم آخر الأمرين كما يشعر بذلك حديث جابر

(5)

المتقدم.

ومنها حديث عبد الله بن سعد عن أبيه وسيأتي في باب ما جاء في لبس الخزّ

(6)

، وسنذكر الجواب عليه هنالك.

ومنها ما تقدم من لبس جماعة من الصحابة له، وسيأتي الجواب عليه في باب ما جاء في لبس الخز

(7)

.

ومنها "أنه صلى الله عليه وسلم لبس مستقة

(8)

من سندس أهداها له ملك الروم ثم بعث بها إلى جعفر فلبسها ثم جاءه فقال: إني لم أعطكها لتلبسها، قال: فما أصنع؟ قال: أرسل بها إلى أخيك النجاشي" أخرجه أبو داود

(9)

.

والجواب عن الاحتجاج بلبسه صلى الله عليه وسلم مثل ما تقدم في الجواب عن حديث مخرمة.

(1)

في الباب الثالث رقم الحديث (9/ 552) من كتابنا هذا.

(2)

في المخطوط (أ)(عنه).

(3)

البخاري رقم (5862) ومسلم رقم (1058).

(4)

لفظ البخاري في كتاب اللباس، باب 44 "مزَرَّر بالذهب".

(5)

برقم (53/ 430) من كتابنا هذا.

(6)

برقم (12/ 555) من كتابنا هذا.

(7)

الباب الخامس خلال شرح الحديث رقم (12/ 555) من كتابنا هذا.

(8)

المستقة: فروة طويلة الأكمام وأصلها مُستَة، فَعُرِّبت، ويشبه أن تكون هذه المستقة مكففّة بالسندس، لأن نفس الفروة لا تكون سندسًا، أو قد كان غشاؤها سندسًا، وهو ما رقّ من الديباج. كما في جامع الأصول (10/ 685).

(9)

في سننه رقم (4047) وفي سنده: علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. وقال المحدث الألباني في ضعيف أبي داود: ضعيف الإسناد.

ص: 348

وأما عن الاحتجاج بأمره صلى الله عليه وسلم لجعفر أن يبعث بها للنجاشي فالجواب عنه كالجواب الذي سيأتي في شرح حديث لبسه صلى الله عليه وسلم للخز

(1)

، على أن الحديث غير صالح للاحتجاج، لأن في إسناده علي بن زيد بن جدعان ولا يحتج بحديثه، ويمكن أن يقال: إن لبسه صلى الله عليه وسلم لقباء الديباج وتقسيمه للأقبية بين أصحابه ليس فيه ما يدل على أنه متقدم على أحاديث النهي، كما أنه ليس فيها ما يدل على أنها متأخرة عنه، فتكون قرينة صارفة للنهي إلى الكراهة، ويكون ذلك جمعًا بين الأدلة، ومن مقويات هذا ما تقدم أنه لبسه عشرون صحابيًا، ويبعد كل البعد أن يقدموا على ما هو محرم في الشريعة، ويبعد أيضًا أن يسكت عنهم سائر الصحابة وهم يعلمون تحريمه فقد كانوا ينكرون على بعضهم بعضًا ما هو أخف من هذا. وقد اختلفوا في الصغار أيضًا هل يحرم إلباسهم الحرير أم لا؟ فذهب الأكثر إلى التحريم، قالوا: لأن قوله: "على ذكور أمتي" كما في الحديث الآتي

(2)

يعمهم.

ولحديث ثوبان عند أبي داود

(3)

"أن النبي صلى الله عليه وسلم قَدِمَ من غَزَاةٍ وكان لا يقدُمُ إلا بدأَ حينَ يقدُمُ ببيتِ فاطمة، فوجدَها قد علَّقَتْ سِتْرًا على بابِها وحلَّتِ الحسنينِ بِقُلْبين من فضِّةٍ فتقدَّم فلم يدخل عليها فظنَّتْ أنه إنما منعه أنْ يدخُلَ ما رأى فهتكتِ السِّتْرَ وفكت القلبين عن الصبيين فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكيان فأخذه منهما وقال: يا ثوبان اذهب بهذا إلى آل فلان" الحديث.

وهذا وإن كان واردًا في الحِلْيَةِ ولكنه مشعرٌ بأن حكمَهُم حكمُ المكلَّفين فيها فيكونُ حكْمُهُم. في لُبْسِ الحريرِ كذلك. ويمكن أن يجاب عن هذا بأن في

(1)

برقم (12/ 555) من كتابنا هذا.

(2)

رقم (3/ 546) من كتابنا هذا.

(3)

في سننه رقم (4213).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (5/ 275) بسند ضعيف.

• حميد الشامي: قال ابن عدي: أنكر عليه حديثه عن سليمان المنبهي ولا أعلم له غيره. قال الذهبي: ولا أخرج له أبو داود سواه في ذكر فاطمة وتعليقها الستر وتحلية ولديها بقلبين. (الميزان 1/ 617).

• وسليمان المنبهي: تفرد عنه حميد الشامي، وقال ابن معين: لا أعرفهما. (الميزان: 2/ 229).

وقال الألباني في ضعيف أبي داود: ضعيف الإسناد منكر.

ص: 349

آخر الحديث ما يشعر بعدم التحريم فإنه قالَ: "نحنُ أهلَ بيتٍ لا نستغرقُ طيباتِنا في حياتِنا الدنيا" أو كما قال.

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكُم بالفضَّةِ فالعبوا بها كيف شئتم"

(1)

والصغار غير مكلفين وإنما التكليف على الكبار، وقد رُوِيَ أن إسماعيل بن عبد الرحمن دخل على عمر وعليه قميص من حرير وسُوَرانِ من ذهبٍ فشق القميصَ وفك السِّوارين وقال اذهب إلى أمك

(2)

.

وقال محمد بن الحسن: إنه يجوز إلباسهم الحرير، وقال أصحاب الشافعي

(3)

: يجوز في يوم العيد لأنه لا تكليف عليهم وفي جواز إلباسهم ذلك في باقي السنة ثلاثة أوجه: أصحها جوازه، والثاني تحريمه، والثالث يحرم بعد سن التمييز.

واختلفوا في المقدار الذي يستثنى من الحرير للرجال وسيأتي الكلام عليه.

3/ 546 - (وَعَنْ أَبِي مُوسى [رضي الله تعالى عنه]

(4)

أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:

(1)

وهو حديث حسن.

أخرجه أبو داود رقم (4236) وأحمد في المسند (2/ 334، 378). من حديث أبي هريرة.

(2)

انظر: "موسوعة فقه عمر بن الخطاب"(ص 750).

(3)

في شرح صحيح مسلم للإمام النووي (14/ 33) وعبارته: "وأما الصبيان فقال أصحابنا - أي الشافعية - يجوز إلباسهم الحلي والحرير في يوم العيد لأنه لا تكليف عليهم، وفي جواز إلباسهم ذلك في باقي السنة ثلاثة أوجه:

أصحها: جوازه. والثاني: تحريمه. والثالث: يحرم بعد سن التمييز" اهـ.

• قلت: لا فرق بين الصغير والكبير في الحرمة بعد أن كان ذكرًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار هذا الحكم على الذكورة بقوله صلى الله عليه وسلم: "هذان حرام على ذكور أمتى".

- حديث صحيح سيأتي رقم (3/ 546) من كتابنا هذا - إلا أن اللابس إذا كان صغيرًا فالإثم على من ألبسه لا عليه، لأنه ليس من أهل التحريم عليه.

هذا إذا كان كله حريرًا وهو المصمت، وهذا ما قاله الحنفية - بدائع الصنائع (5/ 131) - والمالكية - حاشية العدوي على الرسالة (2/ 412) ط: عيسى الحلبي - وهو الراجح عند الحنابلة - المغني (2/ 304) - لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم "حرام لباس الحرير على ذكور أمتي لا لإناثهم"

(4)

زيادة من (جـ).

ص: 350

"أحِلَّ الذَّهَبُ والحَرِيرُ لِلإناثِ مِنْ أُمَّتِي وحُرِّمَ على ذُكُورها". رَوَاهُ أحْمدُ

(1)

والنسائيُّ

(2)

والتَّرمِذِيُّ وصَحَّحهُ)

(3)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا [أبو داود

(4)

والحاكم وصححه]

(5)

والطبراني، وفي إسناده سعيد بن أبي هند عن أبي موسى، قال أبو حاتم

(6)

: إنه لم يلقه، وقال الدارقطني في العلل

(7)

: لم يسمع سعيد بن أبي هند من أبي موسى.

وقال ابن حبان في صحيحه

(8)

: حديث سعيد بن أبي هند عن أبي موسى معلول لا يصح، والحديث قد صححه الترمذي، كما ذكره المصنف، وصححه أيضًا ابن حزم

(9)

كما ذكر الحافظ.

وقد روي من طريق يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، ذكر ذلك الدارقطني في العلل

(10)

، قال: والصحيح عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى. وقد اختلف فيه على نافع فرواه أيوب وعبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد مثله، ورواه عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن سعيد عن رجل عن أبي موسى.

وفي الباب عن علي بن أبي طالب عند أحمد

(11)

وأبي في داود

(12)

والنسائي

(13)

وابن ماجه

(14)

وابن حبان

(15)

بلفظ "أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حريرًا فجعله في

(1)

في المسند (4/ 394) و (4/ 407).

(2)

في السنن (8/ 161).

(3)

في سننه (رقم: 1720) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

(4)

في السنن (رقم (4075).

قلت: وأخرجه الطيالسي في لمسند رقم (506) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 275) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 251).

ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أنه منقطع، لأن ابن أبي هند لم يسمع من أبي موسى شيئًا. انظر "الدارية"(2/ 219). والإرواء (1/ 305).

(5)

زيادة من (أ) و (ب).

(6)

في كتاب المراسيل ص 75.

(7)

(7/ 242).

(8)

(12/ 250).

(9)

في "المحلى"(4/ 37).

(10)

(7/ 241 - 242 س 1320).

(11)

في المسند (1/ 115).

(12)

في سننه رقم (4057).

(13)

في سننه (8/ 160).

(14)

في سننه رقم (3595).

(15)

في صحيحه رقم (5434).

ص: 351

يمينه وأخذ ذهبًا فجعله في شماله ثم قال: إن هذين حرام على ذكور أمتي" زاد ابن ماجه

(1)

"حل لإناثهم" وبين النسائي الاختلاف فيه عن يزيد بن أبي حبيب. قال الحافظ

(2)

: وهو اختلاف لا يضر ونقل عبد الحق

(3)

عن ابن المديني أنه قال: حديث حسن ورجاله معروفون، وذكر الدارقطني

(4)

الإختلاف فيه على يزيد بن أبي حبيب، ورجح النسائي رواية ابن المبارك عن الليث عن يزيد عن ابن أبي الصعبة

(5)

عن رجل من همدن يقال له أفلح عن عبد الله بن زربر عن علي عليه السلام قال الحافظ

(6)

: الصواب أبو أفلح. وقد أعله ابن القطان

(7)

بجهالة حال رواته ما بين يزيد بن أبي حبيب وعليّ فأما عبد الله بن زرير فقد وثقه العجلي وابن سعد، وأما أبو أفلح فقال الحافظ

(8)

: ينظر فيه، وأما ابن أبي الصعبة فقد ذكره ابن حبان في الثقات (5) واسمه عبد العزيز.

وفي الباب أيضًا عن عقبة بن عامر عند البيهقي

(9)

بإسناد حسن.

(1)

في سننه رقم (3595).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(8/ 351) وأبو يعلى رقم (272) و (325) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 250) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 425) من طريق رجل سماه بعضهم: أبا أفلح، وبعضهم: أفلح، وبعضهم أبا صالح، وبعضهم أبا علي الهمداني عن ابن زرير، وهو مجهول.

قال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 223): (وذكر عبد الحق في "أحكامه" - الوسطى (4/ 184) -: هذا الحديث من جهة النسائي، ونقل عن ابن المديني أنه قال فيه:"حديث حسن ورجاله معروفون" قال ابن القطان في "كتابه" هكذا قال. وأبو أفلح مجهول، وعبد الله بن زرير مجهول الحال، قال الشيخ في "الإمام": وعبد الله بن زرير، ذكره ابن سعد في "الطبقات" ووثقه وقال: توفي سنة إحدى وثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان" اهـ.

قلت: قال العجلي في "الثقات": أبو أفلح الهمداني: بصري تابعي ثقة. وقال الذهبي في "الكاشف": صدوق. وقال الحافظ في التقريب" رقم 7944: مقبول. وخلاصة القول أن حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه حديث صحيح.

(2)

في "تلخيص الحبير"(1/ 87) ط: قرطبة.

(3)

في الأحكام الوسطى (4/ 184).

(4)

في "العلل"(7/ 241 - 242).

(5)

هو عبد العزيز بن أبي الصعبة وثقه ابن حبان في الثقات (7/ 111).

(6)

في "تلخيص الحبير"(1/ 87 - 88) ط. قرطبة.

(7)

ذكره الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 223).

(8)

بل قال الحافظ في "التقريب" رقم (7944): مقبول.

(9)

في السنن الكبرى (3/ 275 - 276) قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" =

ص: 352

وعن عمر

(1)

عند البزار

(2)

والطبراني

(3)

وفيه [عمرو بن جرير البجلي

(4)

،]

(5)

[قال البزار

(6)

: لين الحديث]

(7)

.

وعن عبد الله بن عمرو نحو حديث أبي موسى عند ابن ماجه

(8)

والبزار

(9)

وأبي يعلى

(10)

والطبراني

(11)

وفي إسناده الإفريقي

(12)

وهو ضعيف.

= رقم (416) و (4821) ورجاله ثقات غير هشام بن أبي رُقَّيَّة فقد أورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/ 2/ 57) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. وهو من رجال "التعجيل". وأورده ابن حبان في "الثقات"(5/ 501) وقد روى عنه ثقتان، فهو حسن الحديث في الشواهد على الأقل.

قاله الألباني في الإرواء (1/ 308) وقال الحافظ في "التلخيص"(1/ 88): "إسناده حسن".

وخلاصة القول أن حديث عقبة بن عامر حديث حسن.

(1)

في (جـ): زيادة هي (بن جرير البجلي) وقد شطب عليها في (ب).

(2)

في مسنده (1/ 467 رقم 333). وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن إسماعيل عن قيس عن عمر إلا عمرو بن جرير، وعمرو بن جرير لين الحديث.

(3)

في "الأوسط" رقم (3604) والصغير (1/ 167). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد إلا عمرو بن جرير، تفرد به داود بن سليمان.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 143): وقال: رواه البزار والطبراني في الصغير والأوسط، وفيه عمرو بن جرير وهو متروك.

(4)

عمرو بن جرير، أبو سعيد البجلي، عن إسماعيل بن أبي خالد، كذبه أبو حاتم، وقال الدارقطني: متروك الحديث، وأيضًا كان ضعيفًا، ذكره الساجي والعقيلى في الضعفاء.

وقال ابن عدي: لعمرو بن جرير مناكير الإسناد والمتن غير ما ذكرت.

[الجرح والتعديل (3/ 1/ 224) و "الكامل" (5/ 1798) والميزان (3/ 250 - 251) ولسان الميزان (4/ 358) والضعفاء للعقيلي (3/ 264 - 265)].

(5)

في (جـ): (قيس بن أبي حازم) وقد شطب عليها في (ب).

(6)

في المسند (1/ 467).

وخلاصة القول أن الحديث حسن لغيره.

(7)

زيادة من (أ) و (ب).

(8)

في سننه رقم (3597).

(9)

و

(10)

و

(11)

عزاه إليهم الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 224) ولم يورده الهيثمي في المجمع.

قلت: وأخرجه الطيالسي في "المسند" رقم (2253) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 251) وفي "شرح مشكل الآثار" رقم (4819) وابن أبي شيبة في "المصنف"(8/ 352) بسند ضعيف.

في سنده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، وشيخه عبد الرحمن بن رافع ضعيفان، وحديثهما حسن في الشواهد.

والخلاصة إن حديث عبد الله بن عمرو صحيح لغيره.

(12)

عبد الرحمن بن زياد بن أنْعُم الإفريقي ضعيف. =

ص: 353

وعن زيد بن أرقم عند الطبراني

(1)

والعقيلي

(2)

وابن حبان في الضعفاء

(3)

، وفيه ثابت بن زيد قال أحمد

(4)

: له مناكير.

وعن واثلة بن الأسقع عند الدارقطني

(5)

وإسناده مقارب.

وعن ابن عباس عند الدارقطني

(6)

والبزار

(7)

بإسناد واه.

وهذه الطرق متعاضدة بكثرتها ينجبر الضعف الذي لم تخل منه واحدة منها.

والحديث دليل للجماهير القائلين بتحريم الحرير والذهب على الرجال وتحليلهما للنساء، وقد تقدم الخلاف في ذلك.

4/ 547 - (وَعَنْ عليّ [عليه السلام]

(8)

قالَ: أُهْدِيَتْ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حُلَّةُ سِيَرَاءُ فَبَعَثَ بِهَا إليَّ فَلَبسْتُها فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ في وَجْهِهِ، فقالَ: "إنِّي لَمْ أبْعَثْ بِها إلَيْكَ

= انظر: "المجروحين"(2/ 50) والجرح والتعديل (5/ 234) والميزان (2/ 561) وانظر لترجمة شيخه التنوخي "الميزان"(2/ 560 رقم 4860).

(1)

في "الكبير"(رقم: 5125).

(2)

في "الضعفاء"(1/ 174).

(3)

لم أجده في "المجروحين"(1/ 206) عند ترجمة ثابت بن زيد هذا.

قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4820) و"شرح معاني الآثار"(4/ 251).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 143) وقال: وفيه ثابت بن زيد بن ثابت بن أرقم، وهو ضعيف".

(4)

في "العلل ومعرفة الرجال"(3/ 94 - 95 رقم 4346).

(5)

لم أجده في السنن؟!

قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير"(ج 22/ رقم 234) وفي إسناده: محمد بن عبد الرحمن المقدسي القشيري: متروك الحديث.

(6)

لم أجده في السنن؟!

(7)

في المسند رقم (3006 - كشف) وقال البزار: إسماعيل بن مسلم: ضعيف. وقد روي هذا، من غير وجهٍ وأسانيدها متقاربة.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 143): وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط، بإسنادين، في أحدهما: إسماعيل بن إسماعيل (كذا في الزوائد، والصواب: إسماعيل بن مسلم)، ابن مسلم المكي وهو ضعيف، وقد قيل: فيه صدوق يهم.

وفي الآخر إسلام (كذا في الزوائد، والصواب سلام) الطويل، وهو متروك" اهـ.

(8)

زيادة من المخطوط (أ). وفي (جـ): (رضي الله تعالى عنه).

ص: 354

لِتَلبَسَها إِنَّما بَعَثْتُ بِها إلَيْكَ لِتُشَقِّقهَا خمُرًا بَيْنَ النِّسَاءِ". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)

(1)

[صحيح].

قوله: (أهديت [إلى النبي])

(2)

أهداها له ملك أيلة وهو مشرك.

قوله: (حُلَّة) الحلة على ما في القاموس

(3)

وغيره من كتب اللغة: إزار ورداء، ولا تكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة، وهي بضم الحاء.

قوله: (سِيراء) بكسر المهملة بعدها مثناة تحتية ثم راء مهملة ثم ألف ممدودة قال في القاموس

(4)

: كعنباء، نوعٌ من البُرُودِ فيه خُطُوط صُفْر، أو يخالِطُه حريرٌ والذهبُ الخالصُ اهـ.

قال الخطابي

(5)

: هي برود مضلعة بالقز، وكذا قال الخليل

(6)

والأصمعي

(7)

وأبو داود

(8)

. وقال آخرون: إنها شبهت خطوطها بالسيور. وقيل: هي مختلفة الألوان قاله الأزهري

(9)

، وقيل: هي وشيء من حرير قاله مالك

(10)

، وقيل: هي حرير محض. وقال ابن سيده

(11)

: إنها ضرب من البرود. وقال الجوهري

(12)

: إنها ما كان فيه خطوط صفر، وقيل: ما يعمل من القز. وقيل: ما يعمل من ثياب اليمن، وقد روي تنوين الحلة وإضافتها والمحققون على الإضافة.

(1)

البخاري رقم (2614) و (5366) ومسلم رقم (2071) وأحمد (1/ 118، 137، 139، 153).

(2)

زيادة من المخطوط (أ). في (جـ): (له).

(3)

القاموس المحيط ص 1274.

(4)

القاموس المحيط ص 528.

(5)

بل وقع هذا البيان عند أبي داود في حديث أنس رقم (4058).

(6)

قال الخليل: ثوب مضلع بالحرير، وقيل: مختلف الألوان فيه خطوط ممتدة كأنها السيور. (الفتح: 10/ 297).

(7)

قال الأصمعي: ثياب فيها خطوط من حرير أو قز، وإنما قيل سيراء لتسيير الخطوط فيها.

(الفتح 10/ 297).

(8)

في سننه عند حديث أنس رقم (4058).

(9)

في "تهذيب اللغة"(13/ 46 - 47).

(10)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 297). وتعقبه الحافظ بقوله: "كذا قال؛ والوشي بفتح الواو وسكون المعجمة بعدها تحتانية".

(11)

في "المحكم" كما في الفتح (10/ 297).

(12)

في "الصحاح"(2/ 691).

ص: 355

قال القرطبي

(1)

: كذا قيد عمن يوثق بعلمه. فهو على هذا من باب إضافة الشيء إلى صفته، على أن سيبويه قال: لم يأت فعلاء صفة.

قوله: (خمرًا) جمع خمار.

وقوله: (بين النساء) زاد في رواية "فشققته بين نسائي" وفي رواية "بين الفواطم" وهن ثلاث: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة بنت أَسَد أم علي، وفاطمة بنت حمزة، وذكر عبد الغني وابن عبد البر أن الفواطم أربع، والرابعة فاطمة بنت شيبة بن ربيعة، كذا قاله عياض

(2)

وابن رسلان.

والحديث يدل على المنع من لبس الثوب المشوب بالحرير إن كانت السيراء تطلق على المخلوط بالحرير وإن لم يكن خالصًا كما هو المشهور عند أئمة اللغة وإن كانت الحرير الخالص كما قاله البعض فلا إشكال. وقد رجح بعضهم [أنه]

(3)

الخالص لحديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الثوب المصمت" وسيأتي

(4)

وستعرف ما هو الحق في المقدار الذي يحل من المشوب. ويدل الحديث أيضًا على حل الحرير للنساء وقد تقدم الكلام على ذلك.

5/ 548 - (وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ [رضي الله تعالى عنه]

(5)

أنهُ رَأَى عَلى أُمّ كُلْثُومَ بِنْتِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بُرْدَ حُلَّة سِيَرَاءَ. رَوَاهُ الْبُخاريُّ

(6)

والنسائيُّ

(7)

وأبو داود)

(8)

. [صحيح]

قوله: (أم كلثوم) هي بنت خديجة بنت خويلد تزوجها عثمان بعد رقية.

قوله: (برد حلة) الإضافة في رواية البخاري. وفي رواية أبي داود بردًا سيراء بالتنوين.

والحديث من أدلة جواز الحرير للنساء إنْ فرض اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره وقد تقدم مخالفة ابن الزبير في ذلك.

(1)

في "المفهم"(5/ 385 - 386).

(2)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(6/ 578).

(3)

في المخطوط (ب) و (جـ): (أنها).

(4)

برقم (13/ 556) من كتابنا هذا.

(5)

زيادة من (جـ).

(6)

في صحيحه رقم (5842).

(7)

في سننه (8/ 197).

(8)

في سننه رقم (4058).

ص: 356

[الباب الثاني] باب في أن افتراش الحرير كلبسه

6/ 549 - (عَنْ حُذَيْفَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: نَهَانَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ نَشْرَبَ في آنِيَةِ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ وَأنْ نَأْكُلَ فِيها وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ والدِّيباجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَليهِ. رَوَاهُ الْبُخَاريُّ)

(2)

. [صحيح]

الحديث قد تقدم الكلام عليه في باب الأواني

(3)

.

وقوله: (وأن نجلس عليه) يدل على تحريم الجلوس على الحرير، وإليه ذهب الجمهور، كذا في الفتح

(4)

بأنه مذهب الجمهور، وبه قال عمر

(5)

وأبو عبيدة

(6)

وسعد بن أبي وقاص

(7)

، وإليه ذهب الناصر والمؤيد بالله والإمام يحيى

(8)

.

وقال القاسم وأبو طالب والمنصور بالله وأبو حنيفة وأصحابه

(9)

. وروي عن ابن عباس

(10)

وأنس

(11)

أنه يجوز افتراش الحرير، وبه قال ابن الماجشون وبعض الشافعية

(12)

. واحتج لهم في البحر بأن الفراش موضع إهانة وبالقياس على الوسائد المحشوة بالقز، قال: إذ لا خلاف فيها

(13)

.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في صحيحه رقم (5837).

(3)

الباب الأول عند الحديث رقم (1/ 63) من كتابنا هذا.

(4)

(10/ 292).

(5)

قلت: أما عمر فإنما المأوثر عنه رواية تحريم لباس الحرير عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم.

(6)

ذكره رزين كما في "كتاب جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار"(4/ 362).

(7)

أخرجه ابن وهب في "جامعه" كما في "الفتح"(10/ 292).

(8)

و

(9)

البحر الزخار (4/ 362).

(10)

و

(11)

ذكرهما الكاساني في "بدائع الصنائع"(5/ 131) والإمام المهدي في البحر الزخار (4/ 362).

(12)

فتح الباري (10/ 292).

(13)

قلت: والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء لقوة أدلته، ولأن إطلاق التحريم الذي ورد في حديث علي وحذيفة لا يفصل بين اللبس وغيره.

ولأن معنى التزين والتنعم كما يحصل بالتوسد والجلوس والنوم.

ص: 357

وهذا دليل باطل لا ينبغي التعويل عليه في مقابلة النصوص، كحديث الباب والحديث الآتي بعده

(1)

، وقد تقرر عند أئمة الأصول وغيرهم بطلان القياس المنصوب في مقابلة النص، وأنه فاسد الاعتبار، وعدم حجية أقوال الصحابة لا سيما إذا خالفت الثابت عنه صلى الله عليه وسلم.

7/ 550 - (وعَنْ عَليّ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: "نَهانِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْجُلُوسِ على الْمَياثِرِ.

والْمَياثِرُ: قَسِيٌّ كانَتْ تَصْنَعُهُ النِّساءُ لِبُعُولَتِهِنَّ على الرَّحْلِ كالْقَطَائِفِ مِنَ الأرْجُوانِ" رَواهُ مُسْلِمٌ

(3)

والنَّسائيُّ)

(4)

. [صحيح]

قد اتفق الشيخان

(5)

على النهي عن المياثر من حديث البراء، وأخرج الجماعة

(6)

كلهم إلا البخاري حديث علي بلفظ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن لبس القسي وعن الميثرة، وفي رواية مياثر الأرجوان، ولم يذكر الجلوس إلا في رواية مسلم، ولهذا [ذكرها]

(7)

المصنف رحمه الله [تعالى](2).

قوله: (على المياثِر) جمعُ ميثرةٍ بكسر الميم وبالثاء المثلثة وهي مأخوذة من الوِثَارَةِ وهو اللينُ والنعمة وياء ميثرة واو لكنها قلبت لكسر ما قبلها كميزان وميعاد، وقد فسرها عليّ بما ذكره مسلم في صحيحه (2)، كما رواه المصنف عنه، وكذلك فسرها البخاري في صحيحه

(8)

.

وقد اختلف في تفسير المياثر على أربعة أقوال. منها هذا التفسير المروي عن عليّ والأخذ به أولى.

قوله: (والمياثر قَسِيٌّ) القَسِي بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة على الصحيح.

(1)

برقم (7/ 550) من كتابنا هذا.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في صحيحه رقم (2078).

(4)

في سننه (9/ 218).

(5)

البخاري رقم (5635) ومسلم رقم (2066).

(6)

أبو داود رقم (4044) والترمذي رقم (264) و (1737) وقال الترمذي حديث حسن صحيح. والنسائي (2/ 188) وابن ماجه رقم (3602) وأحمد (1/ 126).

(7)

في المخطوط (ب): (ذكره).

(8)

في الباب رقم (28)(10/ 292 - مع الفتح).

ص: 358

قال أهلُ اللغة وغريب الحديث

(1)

: هي ثيابٌ مُضَلَّعَةٌ بالحريرِ تُعملُ بالقَسِّ بفتح القاف موضع من بلاد مصر على ساحل البحر وقريب من تَنِيْيسَ، وقيل: إنها منسوبةٌ إلى القَزِّ وهو رديء الحرير فأبدلتِ الزاي سينًا.

قوله: (من الأرْجُوان) هو بضم الهمزة والجيم وهو الصوف الأحمر، كذا في شرح السنن لابن رسلان، وقيل: الأرْجُوان: الحمرة، وقيل: الشديد الحمرةِ، وقيل: الصباغ الأحمر القاني.

والحديث يدل على تحريم الجلوس على ما فيه حرير، وقد خصص بعضهم بالمذهب، فقال: إن كان حرير الميثرة أكثر أو كانت جميعها من الحرير فالنهي للتحريم وإلا فالنهي للتنزيه، والاستدلال بهذا الحديث على تحريم ذلك على الأمة مبني على أن خطابه صلى الله عليه وسلم لواحد خطاب لبقية الأمة، والحكم عليه حكم عليهم وفي ذلك خلاف في الأصول مشهور، وقد ثبت في غير هذه الرواية بلفظ:"نهى" كما عرفت وهو دليل على عدمِ اختصاص ذلكَ بعلي عليه السلام.

[الباب الثالث] باب إباحة يسير ذلك كالعلَم والرُّقْعَة

8/ 551 - (عَنْ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لَبُوسِ الْحَرِير إِلَّا هَكَذَا، وَرَفَعَ لنا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ وَضَمَّهما. مُتَّفَقٌ عليهِ

(3)

.

وَفِي لَفْظٍ: نَهى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ أُصْبعَيْنِ أوْ ثَلاثَةٍ أوْ أَرْبَعَةٍ. رَواهُ الجَماعةُ إِلَّا البُخاريَّ

(4)

وَزَادَ فيهِ أحمَدُ وأبُو دَاوُدَ: وَأشَارَ بِكَفِّهِ). [صحيح]

الحديثُ فيه دلالة على أنه يحل من الحرير مقدار أربع أصابع كالطراز

(1)

كابن الأثير في "جامع الأصول"(10/ 675).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أحمد في المسند (1/ 36) والبخاري رقم (5828) ومسلم رقم (14/ 2069).

(4)

أخرجه مسلم رقم (12/ 2069) وأبو داود رقم (4042) والنسائي (8/ 202) وابن ماجه رقم (3593) والترمذي (رقم 1721) وقال الترمذي حديث حسن صحيح. وأحمد (1/ 16).

ص: 359

والسِّجافِ

(1)

من غيرِ فَرْقٍ بينَ المرَكَّبِ على الثوب والمنسوج والمعمول بالإبرة والترقيعُ كالتطريزِ ويحرُمُ الزائدُ على الأربع من الحرير ومن الذهب بالأولى وهذا مذهب الجمهور

(2)

، وقد أغرب بعض المالكية فقال: يجوز العلم وإن زاد على الأربع. وروي عن مالك القول بالمنع من المقدار المستثنى في الحديث ولا أظن ذلك يصح عنه، وذهبت الهادوية

(3)

إلى تحريم ما زاد على الثلاث الأصابع ورواية الأربع ترد عليهم وهي زيادة صحيحة بالإجماع فتعين الأخذ بها.

9/ 552 - (وَعَنْ أسمَاءَ [رضي الله تعالى عنها]

(4)

أنَّها أُخْرَجَتْ جُبَّةَ طَيَالسَةٍ عَلَيْها لَبِنَةٌ شِبْرٌ مِنْ دِيَبَاج كَسْرَوانِيّ وَفَرْجَيْها مَكْفُوفَيْنِ بِهِ، فقالَتْ: هذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كان يَلْبَسُها كانَتْ عِنْدَ عائِشَةَ فَلَمّا قُبِضَتْ عائِشةُ قَبَضْتُها إليَّ فَنَحْنُ نغْسِلُها لِلْمَرِيضِ يُسْتَشْفَى بها". رَواهُ أحمدُ

(5)

وَمُسْلِمٌ

(6)

وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الشِّبْرِ). [صحيح]

قوله: (جبة طيالسة) هو بإضافة جبة إلى طيالسة كما ذكره ابن رسلان في شرح السنن والطيالسة: جمع طيلسان وهو كساء غليظ، والمراد أن الجبة غليظة كأنها من طيلسان.

قوله: (كَسرواني) بفتح الكاف وسكون السين وفتح الواو نسبة إلى كسرى ملك الفرس.

قوله: (وَفرجَيْها مكفوفين) الفَرْجُ في الثوبِ الشِّقُّ الذي يكون أمام الثوب وخلفه في أسفلها وهما المراد بقوله: فرجيها.

والحديث يدل على جواز لبس ما فيه من الحرير هذا المقدار. وقد

(1)

السِّجاف: الستر. وأراد به هنا: ما يركب على حواشي الثوب وهذا الاستعمال محدث انظر: "المعجم الوسيط"(1/ 417).

(2)

انظر: "فتح الباري"(10/ 292) وبدائع الصنائع (5/ 131 - 132).

(3)

البحر الزخار (4/ 358).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في المسند (6/ 348).

(6)

في صحيحه رقم (2069).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (4054) والنسائي (5/ 473 رقم 9619) ابن ماجه رقم (2819) ورقم (3594).

وهو حديث صحيح.

ص: 360

قيل: إن ذلك محمول على أنه أربع أصابع أو دونها أو فوقها، إذا لم يكن مُصْمَتًا

(1)

جمعًا بين الأدلة، ولكنه يأبى الحمل على الأربع فما دون قوله في حديث الباب "شبر من ديباج" وعلى غير المُصْمَت

(2)

.

قوله: (من ديباج) فإن الظاهر أنها من ديباج فقط لا منه ومن غيره إلا أن يصار إلى المجاز للجمع كما ذكر، نعم يمكن أن يكون التقدير بالشبر لطول تلك اللَّبِنَة

(3)

لا لعرضها فيزول الإشكال.

وفي الحديث أيضًا دليل على استحباب التجمل بالثياب والاستشفاء بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الأدب المفرد

(4)

للبخاري أنه كان يلبَسُها للوفد والجمعة، وقد وقع عند ابن أبي شيبة

(5)

من طريق حجاج بن أبي عمرو عن أسماء أنها قالت: "كان يلبسها إذا لقي العدو وجمع".

وأخرج الطبراني

(6)

من حديث علي النهي عن المكفف بالديباج، وفي إسناده محمد بن جحادة

(7)

عن أبي صالح

(8)

عن عبيد بن عمير

(9)

، وأبو صالح هو مولى أم هانئ وهو ضعيف.

وروى البزار

(10)

من حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا عليه جبة

(1)

المُصْمَتُ: من الألوان الخالص، لا يخالطه غيره. انظر:"المعجم الوسيط"(2/ 522).

والمراد هنا: أن الحرير خالص لا يخالطه غيره.

(2)

أي ويأبى الحمل على غير المصمت.

(3)

قال في اللسان (12/ 230): ولَبنَةُ القميص جِرِبّانُه. وفي الحديث: وَلَبِنَتُها ديباج: وهي رُقعة تعمل موضع جيب القميصَ والجبَّة

إلخ.

(4)

رقم (348/ 2) وحسنه الألباني.

(5)

لم أعثر عليه.

(6)

لم أعثر عليه.

(7)

محمد بن جُحادة: قال عنه الحافظ في "التقريب (2/ 150) ثقة روى له الجماعة.

(8)

واسمه باذام. قال عنه الحافظ في "التقريب"(1/ 93) ضعيف مدلس.

(9)

عبيد بن عمير هو ابن قتادة الليثي أبو عاصم المكي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قاله مسلم، وعدّه غيره من كبار التابعين، مجمع على ثقته، روى له الجماعة "التقريب"(1/ 544).

(10)

في المسند (3/ 379 رقم 2999).

قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير"(12/ 180 - 119 رقم 236) وفي الأوسط رقم (8000). =

ص: 361

مزررة أو مكففة بحرير فقال له: "طوق من نار"

(1)

وإسناده ضعيف.

وقد أسلفنا أنه استدل بعض من جوز لبس الحرير بهذا، وهو استدلال غير صحيح لأن لبسه صلى الله عليه وسلم للجبة المكفوفة بالحرير لا يدل على جواز لبس الثوب الخالص الذي هو محل النزاع، ولو فرض أن هذه الجبة جميعها حرير خالص لم يصلح هذا الفعل للاستدلال به على الجواز لما قدمنا من الجواب على الاستدلال بحديث مخرمة.

10/ 553 - (وَعَنْ مُعاوَيَةَ قَالَ: نَهى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ ركُوبِ النِّمارِ وَعَنْ لُبْس الذَّهَب إلَّا مُقَطَّعًا رَوَاهُ أحمَدُ

(2)

وأبُو دَاوُدَ

(3)

والنَّسائيُّ)

(4)

. [صحيح]

الحديث [أخرجه أبو داود في الخاتم والنسائي في الزينة بإسناد رجاله ثقات إلا ميمون القتاد

(5)

وهو مقبول، وقد وثقه ابن حبان

(6)

، وقد رواه النسائي من غير طريقة، وقد]

(7)

اقتصر أبو داود

(8)

[في اللباس](7) منه على النهي عن ركوب النمار، وكذلك ابن ماجه

(9)

، ورواه أبو داود

(10)

من حديث المقدام بن معدي كرب ومعاوية، وفيه النهي عن لبس الذهب والحرير وجلود السباع، وفي إسناده

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 142) وقال: "رواه الطبراني في الأوسط، والكبير بنحوه، والبزار ورجال الأوسط ثقات".

وصحح الألباني الحديث في "صحيح الترغيب والترهيب"(2/ 467 رقم 2056/ 11).

• تنبيه: في المعجم الكبير (الأزهر بن عبد الله الحرازي) بدل (الأزهر بن راشد) وفي كشف الأستار (سالم بن عامر) بدل (سليم بن عامر).

(1)

أي طوق من نار يوم القيامة لمن لبس جبة مجببة بحرير.

والمجيبة هي التي لها طوق من حرير يزيد على أربع أصابع، لأن الأربع منه جائز بنص حديث عمر المتقدم برقم (8/ 551) من كتابنا هذا.

(2)

في المسند (4/ 95).

(3)

في السنن رقم (4239) وقال أبو داود: أبو قلابة لم يلق معاوية.

(4)

في السنن (7/ 176 - 177). وهو حديث صحيح.

(5)

ميمون القَنَّاد، بالقاف والنون، بصريّ: مقبول "التقريب" رقم (7055).

(6)

في "الثقات"(7/ 471).

(7)

زيادة من (أ) و (ب).

(8)

في سننه رقم (4129).

(9)

في سننه رقم (3656). وهو حديث صحيح.

(10)

في سننه رقم (4131). وهو حديث صحيح.

ص: 362

بقية بن الوليد

(1)

وفيه مقال معروف.

قوله: (عن ركوب النمار) في رواية النمور فكلاهما جمع نَمِر بفتح النون وكسر الميم، ويجوز التخفيف بكسر النون وسكون الميم وهو سبع أخبث وأجرأ من الأسد، وهو منقط الجلد نقط سود وفيه شبه من الأسد إلا أنه أصغر منه، وإنما نهى من استعمال جلوده لما فيها من الزينة والخيلاء، ولأنه زي العجم وعموم النهي شامل للمذكي وغيره.

قوله: (وعن لبس الذهب إلا مقطعًا) لا بد فيه من تقييد القطع بالقدر المعفوّ عنه لا بما فوقه جمعًا بين الأحاديث.

[قال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود: والمراد بالنهي الذهب الكثير لا المقطع قطعًا يسيرة منه تجعل حلقة أو قرطًا أو خاتمًا للنساء أو في سيف الرجل، وكره الكثير منه الذي هو عادة أهل السرف والخيلاء والتكبر، وقد يضبط الكثير منه بما كان نصابًا تجب فيه الزكاة واليسير بما لا تجب فيه

(2)

انتهى.

(1)

بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعيَّ، أبو يُحْمِد: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء. "التقريب" رقم (734).

(2)

قال العمراني في "البيان في مذهب الإمام الشافعي شرح كتاب "المهذب" كاملًا والفقه المقارن"(2/ 536): "مسألة: [حرمة الذهب على الرجال]:

ويحرمُ على الرجُلِ استعمال قليلِ الذهب وكثيرهِ، لما روى عليٌّ رضي الله عنه:(أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن لبْسِ القَسيِّ، وعن لبس المزعفرِ، وعن التختم بالذهب).

- وهو حديث صحيح تقدم تخريجه خلال شرح حديث (7/ 550) من كتابنا هذا - ويجوز للرجل أن يتخذ خاتمًا من فضةٍ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم:"كانَ له خاتمٌ من فضةٍ، فصُّها منها، وكان يجعل فصَّها إلى راحتهِ".

- أخرجه البخاري رقم (5870) ومسلم رقم (62/ 2094) وغيرهما -

• الفصُّ: الحجر الكريم الذي يكون وسطه.

ويكره أن يتخذ خاتمًا من حديد، أو رصاص، أو نحاسٍ، لما رويَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى على رجلٍ خاتمًا من حديد، فقال:"ما لي أرى عليك حِلْية أهلِ النار" ثم جاءه الرجلُ وعليه خاتمٌ من صفرٍ، فقال:"ما لي أجِدُ منك ريحَ الأصنام"، ثم أتاه وعليهِ خاتم من ذهبٍ فقال:"ما لي أرى عليك حِلية أهل الجنةِ" فقلت: من أي شيء أتخذُهُ؟ فقال: "من وَرِقٍ، ولا تُتِمَّهُ مثقالًا".

وهو حديث ضعيف من حديث بريدة.

- أخرجه أبو داود رقم (4223) والترمذي رقم (1786) والنسائي (8/ 172 رقم 5195). =

ص: 363

وقد ذكر مثل هذا الكلام الخطابي في المعالم

(1)

وجعل هذا الاستثناء خاصًّا بالنساء، قال: لأن جنس الذهب ليس بمحرم عليهن كما حرم على الرجال قليله وكثيره]

(2)

.

[الباب الرابع] باب لبس الحرير للمريض

11/ 554 - (عَنْ أَنَسٍ [رضي الله تعالى عنهما]

(3)

أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحمنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ في لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ كانَتْ بِهِما. رَوَاهُ الجَماعهُ

(4)

إلَّا أن لَفْظ التِّرْمِذِيِّ: إنَّ عَبْدَ الرَّحمنِ بْن عَوْفٍ والزُّبَيْرَ شَكَوا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الْقَمْلَ فَرَخَّصَ لَهُما في قُمُص الْحَرِيرِ في غَزَاةٍ لَهُمَا) [صحيح].

= قال الترمذي: حديث غريب.

• صفر: ويقال له: شبه، وهو النحاس.

• المثقال = 4.231 غرامًا.

وقد ورد الخبر بالتختم باليمين واليسار، وهو في اليسار أظهر.

ذكر ذلك ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد"(1/ 139): وقال: وكلها صحيحة السند.

وانظر: "بدائع الصنائع"(5/ 132 - 133) والمغني لابن قدامة (1/ 101 - 106).

(1)

قال الخطابي في "معالم السنن"(4/ 437 - 438 - هامش السنن): أراد بالمقطع الشيء اليسير نحو السَّنْف والخاتم للنساء، وكره من ذلك الكثير الذي هو عادة أهل السرف وزينة أهل الخيلاء والكبر، واليسير هو ما لا تجب فيه الزكاة، ويشهب أن يكون إنما كره استعمال الكثير منه لأن صاحبه ربما ضن بإخراج الزكاة منه فيأثم ويحرج، وليس جنس الذهب بمحرم عليهن كما حرم على الرجال قليله كثيره" اهـ.

(2)

زيادة من (أ) و (ب).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

أخرجه أحمد (3/ 180، 272) والبخاري رقم (2921) و (2922) و (5839) ومسلم رقم (25/ 2076) من طرق عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، به.

وأخرجه أحمد (3/ 215) والبخاري رقم (2919) ومسلم رقم (24/ 2076 وأبو داود رقم (4056) والنسائي (8/ 202) وابن ماجه رقم (3592) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، به.

وأخرجه أحمد (3/ 122، 192) والبخاري رقم (2920) ومسلم رقم (26/ 2076) والترمذي رقم (1722) من طرق عن همام، به.

ص: 364

وهكذا في صحيح مسلم أن الترخيص لعبد الرحمن والزبير كان في السفر. وزعم المحب الطبري انفراده به

(1)

وعزاه إليهما ابن الصلاح

(2)

وعبد الحق

(3)

والنووي

(4)

.

قوله: (في قمص الحرير) بضم القاف والميم جمع قميص ويروى بالإفراد.

قوله: (لحكة) بكسر الحاء وتشديد الكاف قال الجوهري: هي الجرب، وقيل هي غيره. وهكذا يجوز لبسه للقمل كما في رواية الترمذي

(5)

وهي أيضًا في الصحيحين

(6)

.

والتقييد بالسفر بيان للحال الذي كانا عليه لا للتقييد، وقد جعل السفر بعض الشافعية قيدًا في الترخيص وهو ضعيف، ووجهه أنه شاغل عن التفقد والمعالجة واختاره ابن الصلاح

(7)

لظاهر الحديث، والجمهور على خلافه. والحديث يدل على جواز لبس الحرير لعذر الحكة والقمل عند الجمهور

(8)

، وقد خالف في ذلك مالك والحديث حجة عليه، ويقاس غيرهما من الحاجات عليهما، وإذا ثبت الجواز في حق هذين الصحابيين ثبت في حق غيرهما ما لم يقم دليل على اختصاصهما بذلك، وهو مبني على الخلاف المشهور في الأصول

(1)

بل أخرجه البخاري رقم (2920) ومسلم رقم (26/ 2076) وقد تقدم.

(2)

في شرح مشكل الوسيط (2/ 322) هامش الوسيط في المذهب.

(3)

في "الأحكام الشرعية الصغرى"(الصحيحة)(2/ 804).

(4)

في "المجموع"(4/ 325).

وقال النووي: "

قال أصحابنا: يجوز لبس الحرير للحكة وللجرب ونحوه هذا هو المذهب، وبه قطع المصنف والجمهور، وفيه وجه أنه لا يجوز، وحكاه المصنف في التنبيه والرافعي وليس بشيء، ويجوز لدفع القمل في السفر والحضر، وفيه وجه حكاه إمام الحرمين والغزالي وغيرهما أنه لا يجوز إلَّا في السفر، واختاره أبو عمرو بن الصلاح، لأنه ثبت في رواية في الصحيحين في هذا الحديث رخص لهما في ذلك في السفر، والصحيح المشهور جوازه مطلقًا وبه قطع كثيرون واقتضاه إطلاق الباقين" اهـ.

(5)

في السنن رقم (1722) وقد تقدم.

(6)

البخاري رقم (2920) ومسلم رقم (24/ 2076).

(7)

في شرح مشكل الوسيط (2/ 322 رقم التعليقة 4) هامش الوسيط في المذهب.

(8)

حكاه النووي في المجموع (4/ 325) عن الجمهور.

ص: 365

فمن قال: حكمه على الواحد حكم على الجماعة كان الترخيص لهما [ترخيصًا]

(1)

لغيرهما إذا حصل له عذر مثل عذرهما، ومن منع من ذلك ألحق غيرهما بالقياس بعدم الفارق.

[الباب الخامس] باب ما جاء في لبس الخز وما نسج من حرير وغيره

12/ 555 - (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ سَعْدٍ [رضي الله تعالى عنهما]

(2)

قالَ: رَأَيْتُ رَجلًا بِبُخَارَى على بَغْلَةٍ بَيْضاءَ عليهِ عمامَةُ خَزّ سَوْدَاء، فقالَ: كَسَانِيها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. رَواهُ أبُو دَاوُدَ

(3)

والبُخاري في تَارِيخِهِ

(4)

. [بسند ضعيف]

وَقَدْ صَحَّ لُبْسُهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحابَةِ رَضِيَ الله [تعالى](2) عنهُمْ).

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي

(5)

، ورواه البخاري في التاريخ الكبير (4) عن مخيلد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد وقال: قال عبد الله: نراه ابن [خازم]

(6)

السلمي، قال: وابن [خازم](6) ما أدري أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وهذا شيخ آخر. وقال النسائي قال بعضهم: إن هذا الرجل عبد الله بن خازم أمير خراسان

(7)

. قال المنذري: عبد الله بن خازم هذا بالخاء المعجمة والزاي كنيته أبو صالح ذكر بعضهم أن له صحبة وأنكرها بعضهم انتهى.

وعبد الله بن سعد المذكور في هذا الحديث هو عبد الله بن سعد بن عثمان

(1)

في (ب) و (جـ): (ترخيص).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في السنن (4/ 318 رقم 4038).

(4)

(4/ 67 رقم 1983).

(5)

في السنن رقم (3318).

(6)

في (أ) و (جـ): (حازم) والمثبت من (ب) وهو موافق لمصادر الترجمة.

(7)

عبد الله بن خازم، يقال: له صحبة، وذكره الحاكم فيمن نزل خُرسان من الصحابة؛ وفي ثبوت ذلك نظر.

وقد قال أبو نُعيم: زعم بعضُ المتأخرين أن له إدراكًا ولا حقيقة لذلك.

قال أبو أحمد العسكري: كان عبد الله بن حازم من أشجع الناس، وولي خراسان عشر سنين.

[الإصابة (4/ 61 - 62 رقم 4660) والوافي بالوفيات (17/ 157) وأسد الغابة رقم (2911)].

ص: 366

الدَّشْتَكي الرازي

(1)

روى عنه هذا الحديث ابنه عبد الرحمن وليس له في الكتب غيره، وقد وثقه ابن حبان

(2)

، وقد ساق هذا الحديث أبو داود في سننه

(3)

من طريق أحمد بن عبد الرحمن الرازي عن أبيه عبد الرحمن قال: أخبرني أبي عبد الله بن سعد (1) عن أبيه سعد

(4)

قال: رأيت رجلًا. الحديث ولعل عبد الله بن خازم كما ذكر النسائي

(5)

والبخاري

(6)

هو الرجل المبهم في الحديث، وقد صرح بهذا ابن رسلان، فقال: الرجل الراكب: قيل هو عبد لله بن خازم وكنيته أبو صالح.

قوله: (عمامة خز) قال ابن الأثير

(7)

؛ الخز ثياب تُنْسَج من صُوف وإبريسَم، وهي مُباحة، وقد لبسه الصحابة والتابعون. وقال غيره الخزُّ: اسم دابة ثم أُطلق على الثوب المتخذ من وبرها.

وقال المنذري: أصله من وبر الأرنب، ويسمى ذكره الخز. وقيل: إن الخز ضرب من ثياب الإبريسم. وفي النهاية

(8)

ما معناه أن الخز الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مخلوط من صوف وحرير. وقال: عياض في المشارق

(9)

: إن الخز ما خلط من الحرير والوبر، وذكر أنه من وبر الأرنب ثم قال: فسمى ما خالط الحرير من سائر الأوبار خزًا.

(1)

هو أبو محمد المقرئ. ثقة، مات سنة بضع عشرة ومائتين، روى له البخاري في الرفع وأصحاب السنن. الجرح والتعديل (4/ 254) والتقريب رقم (3348).

(2)

في "الثقات"(8/ 338).

(3)

رقم (4038) بسند ضعيف. وقد تقدم.

(4)

هو سعد بن عثمان الرازي، والد عبد الله الدشتكي، وهو سعد الأزرق. ذكره ابن حبان في "الثقات" (4/ 300). وقال ابن حجر في "التقريب" رقم (2250): مقبول، روى له أصحاب السنن سوى ابن ماجه.

(5)

كما في تحفة الأشراف (11/ 154).

(6)

في التاريخ الكبير (4/ 67 رقم 1983).

(7)

في "النهاية"(2/ 28).

(8)

(2/ 28) ولفظه: "

كان أريد بالخزِّ النوع الآخر، وهو المعروف الآن، فهو حرام؛ لأن جميعه معمولُّ من الإبريسَم، وعليه يحمل الحديث الآخر "قومٌ يستحلُّون الخز والحرير" اهـ.

(9)

(1/ 233).

ص: 367

والحديث قد استدل به على جواز لبس الخز، وأنت خبير بأن غاية ما في الحديث أنه أخبر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساه عمامة الخز وذلك لا يستلزم جواز اللبس.

وقد ثبت من حديث عليّ عند البخاري

(1)

ومسلم

(2)

وأبي داود

(3)

والنسائي

(4)

أنه قال: "كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فخرجت بها فرأيت الغضب في وجهه فأطَّرتها

(5)

خمرًا بين نسائي" هذا لفظ الحديث في التيسير

(6)

فلم يلزم من قول علي [عليه السلام]

(7)

"كَساني" جواز اللبس وهكذا قال عمر: "لما بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أكسكها لتلبسها" هذا لفظ أبي داود

(8)

وبهذا يتبين لك أنه لا يلزم من قوله كساني جواز اللبس على أنه قد ثبت في تحريم الخز ما هو أصح من هذا الحديث وهو حديث أبي عامر الآتي

(9)

وكذلك حديث معاوية

(10)

.

وقد استدل بهذا الحديث أيضًا على جواز لبس المشوب، وهو لا يدل على ذلك إلا على أحد التفاسير للخز، وقد تقدم ذكر بعضها، وقد اختلف الناس في المشوب، وسيأتي بيان ما هو الحق.

قوله: (وقد صح لبسه عن غير واحد من الصحابة) لا يخفاك أنه لا حجة في فعل بعض الصحابة وإن كانوا، عددًا كثيرًا، والحجة إنما هي في إجماعهم عند القائلين بحجية الإجماع

(11)

ولو كان لبسهم الخز يدل على أنه حلال لكان الحرير

(1)

في صحيحه رقم (5840).

(2)

في صحيحه رقم (2071).

(3)

في سننه رقم (4043).

(4)

في سننه رقم (8/ 197). وهو حديث صحيح.

(5)

أطرتها: شققتها وقسمتها خُمْرًا) جمع خمرة، وهي مقدار ما يضع الرجل عليه وجه في سجوده.

(6)

وهو "تيسير الوصول إلى جامع الأصول" لابن الديبع (4/ 167) رقم (6).

(7)

زيادة من (أ).

(8)

في سننه رقم (4040).

قلت: وأخرجه البخاري رقم (886) ومسلم رقم (2068) والنسائي رقم (5295).

(9)

برقم (16/ 559) من كتابنا هذا.

(10)

برقم (15/ 558) من كتابنا هذا.

(11)

انظر: "المقصد الثالث": الإجماع في "إرشاد الفحول"(ص 266 - 328) بتحقيقي.

ص: 368

الخالص حلالًا، لما تقدم عن أبي داود

(1)

أنه قال: لبس الحرير عشرون صحابيًا، وقد أخبر الصادق المصدوق أنه سيكون من أمته أقوام يستحلون الخز والحرير وذكر الوعيد الشديد في آخر هذا الحديث من المسخ إلى القردة والخنازير كما سيأتي.

13/ 556 - (وَعَنْ ابْنِ عباسٍ [رضي الله تعالى عنهما]

(2)

قالَ: إنَّمَا نَهى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ قز قالَ ابْنُ عباسٍ: أمَّا السَّدَى وَالْعَلَمُ فَلا نَرَى بِهِ بَأسًا. رَوَاهُ أحْمدُ

(3)

وأبو دَاوُد)

(4)

[صحيح].

الحديث في إسناده خُصَيف بن عبد الرحمن، وقد ضعفه غير واحد، قال في التقريب

(5)

: هو صدوقٌ سيءُ الحِفظ خَلَطَ بأخَرَةَ ورُمِيَ بالإرجاء. [وقد وثقه ابن معين وأبو زرعة وبقية

(6)

رجال إسناده ثقات

(7)

.

وأخرجه الحاكم

(8)

بإسناد صحيح، والطبراني

(9)

بإسناد حسن كما قال الحافظ في الفتح]

(10)

.

(1)

في سننه (4/ 319).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في المسند (1/ 218، 313، 321).

(4)

في سننه رقم (4055).

(5)

رقم (1718).

(6)

انظر: "ميزان الاعتدال"(1/ 653 - 654).

(7)

وخصيف ضعيف لسوء حفظه، لكنه لم يتفرد به فقال الإمام أحمد في المسند (1/ 313): ثنا محمد بن بكر، ثنا ابن جريج: أخبرني عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت حريرًا" وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. الإرواء رقم (279).

(8)

في المستدرك (4/ 192) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

(9)

في المعجم الكبير رقم (11939) والبيهقي في "الشعب" رقم (6103). من طريق مسلم بن سلام مولى بني هاشم، عن عبد السلام بن حرب، عن مالك بن دينار، عن عكرمة، به.

ومسلم بن سلام لم يوثقه غير ابن حبان (9/ 158).

وأخرجه الطبراني أيضًا في "المعجم الكبير" رقم (10888) من طريق إسماعيل بن مسلم المكي، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس.

وإسماعيل بن مسلم المكي: ضعيف الحديث: "التقريب" رقم (484).

وخلاصة القول أن حديث ابن عباس حديث صحيح دون قوله: "فأمَّا العَلَم من الحرير وسدَى الثوب: فلا بأس به".

(10)

زيادة من (أ) و (ب).

ص: 369

قوله: (المُصْمَت) بضم الميم الأولى وفتح الثانية المخففة وهو الذي جميعه حرير لا يخالطه قطن ولا غيره قاله ابن رسلان.

قوله: (أما السَّدَي) بفتح السين والدال بوزن الحصى ويقال: ستى بمثناة من فوق بدل الدال لغتان بمعنى واحد، وهو خلاف اللحمة وهو ما مد طولًا في النسج.

قوله: (والعَلَمُ) هو وسْمُ الثَّوْب ورَقْمُهُ قاله في القاموس

(1)

وذلك كالطراز والسجاف.

والحديث [يدل]

(2)

على حل لبس الثوب المشوب بالحرير، وقد اختلف الناس في ذلك.

قال في البحر

(3)

: مسألة: ويحل المغلوب بالقطن وغيره ويحرم الغالب إجماعًا فيهما اهـ. وكلا الإجماعين ممنوع.

أما الأول فقد نقل الحافظ في الفتح

(4)

عن العلامة ابن دقيق العيد أنه إنما يجوز من المخلوط ما كان مجموع الحرير فيه أربع أصابع لو كانت منفردة بالنسبة إلى جميع الثوب.

وأما الثاني فقد تقدم الخلاف عن ابن علية

(5)

في الحرير الخالص ونقل القاضي عياض

(6)

عن قوم كما عرفت.

وقد ذهبت الإمامية إلى أنه لا يحرم إلا ما كان حريرًا خالصًا لم يخالطه ما يخرجه عن ذلك كما روى ذلك الريمي عنهم.

وقال الهادي في الأحكام والمؤيد بالله وأبو طالب: إنه يحرم من المخلوط ما كان الحرير غالبًا فيه أو مساويًا تغليبًا لجانب الحظر ولا دليل على تحليل المشوب إلا حديث ابن عباس هذا وهو غير صالح للاحتجاج من وجهين:

(الأول) الضعف في إسناده كما عرفت.

(الثاني): أنه أخبر بما بلغه من قصر النهي عن المصمت وغيره أخبر بما هو أعم من ذلك كما تقدم في حلة السيراء من غضبه صلى الله عليه وسلم لما رأى عليًا لابسًا لها. والقول

(1)

ص 1472.

(2)

في المخطوط (ب): (استدل به).

(3)

(4/ 356).

(4)

(10/ 294).

(5)

تقدم التعريف بابن علية ونقل كلامه أيضًا، خلال شرح الحديث رقم (2/ 545) من كتابنا هذا.

(6)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 571).

ص: 370

بأن حلة السيراء هي الحرير الخالص كما قال البعض ممنوع. والسند ما أسلفناه عن أئمة اللغة بل أخرج ابن أبي شيبة

(1)

وابن ماجه

(2)

والدورقي

(3)

والبيهقي

(4)

حديث علي السابق في السيراء بلفظ قال علي: "أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة مسيرة إما سداها حرير وإما لحمتها فأرسل بها إليّ فأتيته فقلت: ما أصنع بها؟ ألبسها؟ قال: لا، إني لا أرضى لك ما أكره لنفسي، شققها خمرًا لفلانه وفلانة، فشققتها أربعة أخمرة" وسيأتي الحديث

(5)

، وهذا صريح بأن تلك السيراء مخلوطة لا حرير خالص.

ومن ذلك حديث أبي ريحانة

(6)

عند أبي داود

(7)

والنسائي

(8)

وابن ماجه

(9)

وفيه النهي عن عشر: منها أن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرًا مثل الأعاجم [وأنْ يَجعلَ على مِنْكَبِهِ]

(10)

حريرًا مثلَ الأعاجِمِ، وقد عرفْتَ مما سلَفَ الأحاديثَ الواردةَ في تحريمِ الحريرِ بدونِ تقييد فالظاهِرُ منها تحريمُ ماهيةِ الحريرِ سواءٌ وجِدتْ منفِردَةً أو مختلِطَةً بغيرِها، ولا يخرجُ عن التحريم إلا ما استثناهُ الشارعُ من مقدارِ الأربعِ الأصابع من الحريرِ الخالصِ وسواءٌ، وُجِدَ ذلك المقدارُ مجتمِعًا كما في القطعةِ الخالصةِ أَم مفرَّقًا كما في الثوبِ المشوبِ.

وحديثُ ابن عباسٍ لا يصلُح لتخصيص تلكَ العموماتِ ولا لتقيدِ تلكَ الإطلاقاتِ لما عَرَفْتَ. ولا مُتمسَّك للجمهورِ القائلينَ بحِلّ المشوبِ إذا كانَ الحريرُ

(1)

في "المصنف"(12/ 66 رقم 12136).

(2)

في السنن رقم (3596).

(3)

الدورقي: هو يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن أفلح العبدي، مولاهم. أبو يوسف ثقة، وكان محدث العراق في عصره له مسند في الحديث. (166 - 252 هـ).

"التقريب" رقم (7812) و"تهذيب التهذيب"(4/ 439).

(4)

في السنن الكبرى (2/ 425). وهو حديث صحيح.

(5)

رقم (14/ 557) من كتابنا هذا.

(6)

أبو ريحانة، هو شمعون بن يزيد الأزدي، حليف الأنصار، ويقال: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابي. "التقريب"(1/ 354 - 355).

(7)

في السنن (رقم: 4049).

(8)

في السنن (8/ 143 رقم 5091).

(9)

في السنن رقم (3655) مختصرًا.

وهو حديث ضعيف والله أعلم.

(10)

كذا في المخطوط (أ، ب، جـ) وفي سنن أبي داود رقم (4049): [أو يجعل على منكبيه] وهو الصواب.

ص: 371

مغلوبًا إلَّا قولَ ابن عباسٍ فيما أعلمُ فانظرْ أيُّها المنصِفُ هل يصلُحُ جعلُهُ جِسْرًا تُذَادُ عنهُ الأحاديثُ الورادةُ في تحريمِ مطلقِ الحريرِ ومقيدِهِ، وهل ينبغي التعويلُ عليه في مثلِ هذا الأصلِ العظيمِ معَ ما في إسنادِهِ مِنَ الضعفِ الذي يوجب سقُوطَ الاستدلالِ بهِ على فرضِ تجرُّدِهِ عن المعارِضَاتِ، فرحِمَ اللهُ ابنَ دقيقِ العيدِ فلقد حفظ اللهُ به في هذه المسألةِ أمةَ نبيهِ عن الإِجماع على الخطأِ، [ويمكنُ أن يقالَ: أن خَصِيفًا المذكور في إسنادِ الحديثِ قد وثَّقَهُ مَنْ تقدَّمَ (1)، واعتضَدَ الحديثُ بورودِهِ من جهينِ آخريْنِ أحدُهما صحيحٌ

(1)

، والآخَرُ حسنٌ

(2)

كما سلفَ فانتهضَ الحديثُ للاحتجاجِ بِه

(3)

]

(4)

.

فإن قلتَ قد صرَّحَ الحافظُ ابنُ حجرٍ أنَّ عمدَة الجمهورِ في جوازِ لُبْسِ ما خالطَهُ الحرير إذا كان غيرُ الحرير أغلبَ ما وقعَ في تفسير الحلَّةِ السيراءِ قلتُ: ليس في أحاديثِ الحلَّةِ السيراءِ ما يدلُّ على أنها حلالٌ بل جميعُها قاضيةٌ بالمنعِ منها كما في حديثِ عمر

(5)

وعلي

(6)

وغيرِهما مما سلف، فإن فُسرتْ بالثياب المخلوطةِ بالحرير كما قالَ جمهورُ أهلِ اللغةِ كانت حجَّة على الجمهورِ لا لهم وإن فسرت بأنها الحريرُ الخالِصُ فأيُّ دليلٍ فيها على جوازِ لُبْسِ المخلوطِ؟ وهكذا إن فسِّرت بسائرِ التفاسيرِ المتقدِّمةِ.

والحاصلُ أنه لم يأتِ المدَّعُونَ للحلِّ بشيءٍ تركَنُ النفسُ إليه وغايةُ ما جادلوا به أنه قولُ الجمهور، وهذا أمرٌ هَيِّنٌ، والحقُّ لا يُعرفُ بالرجالِ.

وأما دعوى الإجماع التي ذكرها صاحب البحر

(7)

فما هي بأوَّلِ دعاويْهِ على

(1)

قلت: بل خصيف لم ينفرد به ولكنه توبع عند أحمد (1/ 313) والحاكم (4/ 192) بسند صحيح على شرط الشيخين كما تقدم في شرح الحديث رقم (13/ 556) من كتابنا هذا.

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير رقم (11939) والبيهقي في "الشعب" رقم (6103).

بسند حسن كما تقدم أيضًا.

(3)

نعم انتهض الحديث للنهي عن الثوب المصْمَت حريرًا. أما الزيادة: "فأمَّا العلم من الحرير وسدى الثوب، فلا بأس به" فهي ضعيفة لم تصح كما تقدم كذلك.

(4)

زيادة من (أ) و (ب).

(5)

حديث صحيح تقدم تخريجه خلال شرح الحديث رقم (12/ 555) من كتابنا هذا.

(6)

حديث علي صحيح تقدم تخريجه خلال شرح الحديث رقم (13/ 556) من كتابنا هذا.

وخلال شرح الحديث رقم (12/ 555) من كتابنا هذا أيضًا.

(7)

(4/ 356) وقد تقدم.

ص: 372

أن الراجِحَ عندَ من أطلقَ نفسَه عن وثَاقِ العصبيةِ الوبيَّةِ عدمُ حُجِّيَّةِ الإجماعِ إن سَلِمَ إمكانُه ووقوعُه ونقلُه والعِلْمُ به، وإنْ كانَ الحقُّ منعَ الكل

(1)

.

وأحسنُ ما يُستدلُّ به على الجواز حديثُ عبد اللهِ بن سعدٍ

(2)

المتقدِّمُ في لُبْسِ عمامةِ الخزِّ لما في النهايةِ

(3)

من أن الخزَّ الذي كان على عهدهِ صلى الله عليه وسلم مخلوط من صوف وحرير. وقال في المشارق

(4)

: إن الخز ما خلط من الحرير والوبر كما تقدم لولا أنه يمنع من صلاحيته للاحتجاج به على المطلوب ما أسفلناه في شرحه على أن النزاع في مسمى الخز بمجرده مانع مستقل.

14/ 557 - (وَعَنْ عَلَيّ [رضي الله تعالى عنه]

(5)

قالَ: أُهدِيَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حُلَّةٌ مَكْفُوفَةٌ بِحَرِيرٍ إمَّا سَدَاهَا وَإِمَّا لُحْمَتها فأرْسَلَ بِها إليَّ فأتَيْتُه، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله ما أَصْنَعُ بِها أَلْبَسُها؟ قالَ: "لَا، وَلكِنِ اجْعَلْها خُمرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ". رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)

(6)

. [صحيح]

الحديث في إسناده يزيد بن أبي زياد وفيه مقال معروف

(7)

، وأما هبيرة بن يريم الراوي له عن علي فقد وثقه ابن حبان

(8)

، وقد أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة

(9)

والبيهقي

(10)

والدورقي

(11)

.

قوله: (بين الفواطم) فقد تقدم ذكر أسمائهنّ في شرح حديث علي المتقدم، والحديث يدل على المنع من لبس الثوب المخلوط بالحرير، وقد قدمنا الكلام على ذلك وذكرنا القدر المعفوّ عنه.

(1)

إن الإمام الشوكاني رحمه الله له موقف شديد من الإجماع وقد تمت مناقشته بتفصيل جيد عندما قمت بتحقيق كتابه: "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول" في "المقصد الثالث": الإجماع. ص 266 - 328 فارجع إليه لزامًا لتقف على الحق في ذلك.

(2)

تقدم تخريجه رقم (12/ 555) من كتابنا هذا: بسند ضعيف.

(3)

(2/ 28) وقد تقدم.

(4)

(1/ 233). وقد تقدم.

(5)

زيادة من (جـ).

(6)

في سننه (3596).

(7)

يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم، الكوفي: ضعيف، كَبِرَ فتغير وصار يتلقَّنُ وكان شيعيًا

"التقريب" رقم (7717) وتهذيب التهذيب (4/ 413 - 414).

(8)

(5/ 511).

(9)

في "المصنف"(12/ 66 رقم 12136).

(10)

في السنن الكبرى (2/ 425).

(11)

في مسنده المخطوط وقد تقدم التعريف بالدورقي هذا.

ص: 373

15/ 558 - (وَعَنْ مُعاوِيَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا ترْكَبُوا الْخَزَّ وَلَا النِّمارَ". رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ)

(2)

. [صحيح]

الحديث [رجال إسناده ثقات، وقد]

(3)

أخرجه أيضًا النسائي

(4)

وابن ماجه

(5)

والكلام على الخز تفسيرًا وحكمًا قد تقدم. وكذلك الكلام على النمار قد ذكرناه في حديث معاوية السابق.

16/ 559 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحمنِ بْنِ غُنْمٍ [رضي الله تعالى عنه] (1) قالَ: حَدَّثَني أبُو عامِرٍ أوْ أبُو مالِكٍ الأشْجَعِيُّ أنه سَمِعَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقُولَ: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أمّتي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْخَزَّ وَالْحَرِيرَ" وَذَكَرَ كَلامًا قالَ: "يَمْسَخُ مِنْهُمْ آخَرِينَ قِرَدَة وَخَنازِيرَ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ". رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(6)

والبُخاريُّ تَعْليقًا

(7)

وَقالَ فِيهِ: "يَسْتَحِلُّونَ الخَزَّ وَالحَرِير والخمْرَ والْمَعازِفَ"). [صحيح]

[الحديث رجال إسناده في سنن أبي داود ثقات وقد وهم المصنف رحمه الله فقال أبو مالك الأشجعي وليس كذلك بل هو الأشعري

(8)

] (3).

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في سننه رقم (4129).

(3)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (جـ).

(4)

لم أجده عند النسائي انظر "تحفة الأشراف"(8/ 447 رقم 11439).

(5)

في سننه رقم (3656). وهو حديث صحيح.

(6)

في سننه رقم (4039).

(7)

رقم (5590) معلقًا.

(8)

قال الحافظ في "الفتح"(10/ 55): "

على أن التردد في اسم الصحابي لا يضر كما تقرر في "علوم الحديث" فلا التفات إلى من أعل الحديث بسبب التردد، وقد ترجح أنه عن أبي مالك الأشعري وهو صحابي مشهور" اهـ.

قلت: وأخرج الحديث الحافظ في "تغليق التعليق"(5/ 17 - 18) بإسناده إلى المؤلف.

وأخرجه الطبراني في الكبير (3/ 282 رقم 3417) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 272) و (10/ 221) والحافظ في "تغليق التعليق"(5/ 18، 19) وابن حبان في صحيحه رقم (6754) من طرق

وانظر ما قاله العلامة ابن القيم في "تهذيب السنن"(5/ 270 - 272) في رده على من ضعف هذا الحديث.

وانظر "الصحيحة" للمحدث الألباني رقم (91).

وخلاصة القول أن الحديث صحيح والله أعلم.

ص: 374

قوله: (ليكوننّ من أمتي) استدل بهذا على أن استحلال المحرمات لا يوجب لفاعله الكفر والخروج عن الأمة.

قوله: (الخز) بالخاء المعجمة والزاي وهو الذي نص عليه الحميدي وابن الأثير، وذكره أبو موسى

(1)

في باب الخاء والراء المهملتين وهو الفرج، وكذلك ابن رسلان في شرح السنن ضبطه بالمهملتين، قال: وأصله حِرْحُ، فحذف أحد الحاءين وجمعه أحْرَاحٌ كفرخ وأفراخ، ومنهم من شدَّد الراء وليس بجيد يريد أنه يكثر فيهم الزنا. قال في النهاية

(2)

: والمشهور الأول وقد تقدم تفسير الخز، وعطف الحرير على الخز يشعر بأنهما متغايران.

قوله: (آخرين) وفي رواية "آخرون".

قوله: (قِرَدة) بكسر القاف وفتح الراء جمع قرد وفي ذلك دليل على أن المسخ واقع في هذه الأمة

(3)

.

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الملاهي

(4)

عن أبي هريرة مرفوعًا

(1)

قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 366): أبو موسى: "هو حافظ عارف بما روى وشرح فلا يتهم".

(2)

(1/ 366).

(3)

قال الحافظ في "الفتح"(10/ 49) في صدد كلامه على المسخ المذكور في الحديث: "قال ابن العربي: يحتمل الحقيقة كما وقع للأمم السالفة، ويحتمل أن يكون كناية عن تبدُّل أخلاقهم. قلت: - القائل الحافظ - والأول أليق بالسياق" اهـ. وقال المحدث الألباني في "الصحيحة"(1/ 194): "وقد ذهب بعض المفسرين في العصر الحاضر إلى أن مسخ بعض اليهود قردة وخنازير لم يكن مسخًا حقيقيًا بدنيًّا، وإنما كان مسخًا خُلقيًا (وهذا خلاف ظاهر الآيات والأحاديث الواردة فيهم، فلا تلتفت إلى قولهم؛ فإنهم لا حجة لهم فيه؛ إلا الاستبعاد العقلي المشعر بضعف الإيمان بالغيب، نسأل الله السلامة" اهـ.

(4)

(ص 29 - 30 رقم 8).

بسند ضعيف لجهالة راويه عن أبي هريرة، وكذلك (سليمان بن سالم مستور الحال، يصلح حديثه في الشواهد المتابعات. كما حققه الشيخ: عبد الله بن يوسف الجديع، في "أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان" (ص 36).

وللحديث شواهد: (الأول): ما أخرجه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" رقم (9) وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" رقم (347) وابن أبي شيبة في "المصنف"(15/ 164) من طريق عمرو بن مرة.

عن عبد الرحمن بن سابط، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ" قالوا: فمتى ذلك يا رسول الله؟ قال: "إذا ظهرت المعازف واستحلوا الخمور". =

ص: 375

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= - إسناده صحيح إلى ابن سابط.

ورواه ليث بن أبي سليم عن ابن سابط متابعًا لعمرو، أخرجه أبو عمرو الداني رقم (339)، لكن ابن سابط تابعي فهو مرسل إذًا.

وقال الترمذي في سننه (4/ 496) عقب إخراجه لحديث: عمران بن حصين.

"وقد روي هذا الحديث عن الأعمش، عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل".

(والشاهد الثاني) عن عائشة رضي الله عنها لكن ليس فيه ذكر المعازف. أخرجه ابن أبي الدنيا رقم (4) من طريق أبي معشر، عن محمد بن المنكدر، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف".

قالت عائشة: يا رسول الله، وهم يقولون: لا إله إلا الله؟! قال: "إذا ظهرت القيان، وظهر الربا، وشُربت الخمر، ولُبس الحرير، كان ذا عند ذا". إسناده ضعيف لضعف أبي معشر نجيح السعدي.

(والشاهد الثالث) دون قوله: "وهم يشهدون أن لا إله إلا الله". عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في أمتي قذف ومسخ وخسف لا قيل: يا رسول الله! ومتى ذلك؟ قال: "إذا ظهرت المعازف، وكثرت القينات، وشربت الخمور".

أخرجه الترمذي رقم (2212) وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" رقم (2) والروياني في المسند (2/ 205 - 206 رقم 1043) وأبو عمرو الداني رقم (340).

من طريق عبد الله بن عبد القدوس، قال: حدثني الأعمش عن هلال بن يساف عن عمران بن حصين، به.

قال الترمذي: "وقد روي هذا الحديث عن الأعمش، عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وهذا حديث غريب".

"قلت: - القائل الشيخ عبد الله الجديع ص 38 - يشير الترمذي إلى الإختلاف فيه على الأعمش، وهذا - فيما أرى - لا يطعن علي هذا الإسناد، لأن الأعمش إمام مكثر، يجوز أن يكون الخبر عنده بأكثر من إسناد، لكن الشأن فيما دونه، وهو عبد الله بن عبد القدوس، فإنه ضعفه غير واحد من الأئمة، ووثقه محمد بن عيسى الطباع، وقال البخاري: "هو في الأصل صدوق، إلا أنه يروي عن أقوام ضعاف".

ومحصل أقوالهم فيه أن الرجل لا يحتمل تفرده، وهو صالح الحديث من المتابعات والشواهد، وعلى قول البخاري فإن حديثه أقوي من ذلك، لأن شيخه هنا إمام حافظ.

فالإسناد إذًا حسن في الشواهد على أقل الأحوال" اهـ.

(والشاهد الرابع) دون قوله: "وهم يشهدون أن لا إله إلا الله".

عن أبي مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف" قلنا: فيم يا رسول الله؟ قال: "باتخاذ القينات، وشربهم الخمور".

أخرجه الدولابي في "الكنى"(1/ 52) والطبراني في الكبير (3/ 279 رقم 3410). من =

ص: 376

[بلفظ]

(1)

"يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير" فقالوا: يا رسول الله أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟! قال: "بلى ويصومون ويصلون ويحجون" قالوا: فما بالهم؟ قال: "اتخذوا المعازف والدفوف والقينات فباتوا على شربهم ولهوهم فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير، وليمرّن الرجل على الرجل في حانوته يبيع فيرجع إليه وقد مسخ قردًا أو خنزيرًا". قال أبو هريرة: لا تقوم الساعة حتى يمشي الرجلان في الأمر فيمسخ أحدهما قردًا أو خنزيرًا ولا يمنع الذي نجا منهما ما رأى بصاحبه أن يمضي إلى شأنه حتى يقضي شهوته.

قوله: (والمعازف) بعين مهملة فزاي معجمة وهي أصوات الملاهي، قاله ابن رسلان، وفي القاموس

(2)

المعَازِفُ: المَلاهي كالعودِ والطُّنْبُورِ انتهى.

والكلام الذي أشار إليه المصنف تبعًا لأبي داود بقوله وذكر كلامًا هو ما ذكره البخاري

(3)

بلفظ: "ولينزِلنَّ أقوامٌ إلى جنْبِ عَلَمٍ، يروحُ عليهم بسارِحَةٍ لهم يأتيهم - يعني الفقيرَ - لحاجته فيقولون: ارجعْ إلينا غدًا، فيبيتهم اللهُ ويضعُ العَلَمَ عليهم" انتهى. والعَلَم بفتح العين المهملة واللام هو الجبل، ومعنى يضع العلم عليهم أي يدكدكه عليهم فيقع.

والحديث يدل على تحريم الأمور المذكورة في الحديث

(4)

للتوعد عليها

= طريق علي بن بحر، حدثنا قتادة بن الفضيل الرهاوي قال: سمعت هشام بن الغاز يحدث عن أبيه عن جده أن أبا مالك قال: فذكره مرفوعًا. إسناده إلى علي بن بحر صحيح، وعلي ثقة، وشيخه قتادة صدوق لا بأس به، وشيخه هشام بن الغاز ثقة. وأبو الغاز بن ربيعة مستور الحال، ذكره ابن حبان في "الثقات"(5/ 294).

فهذا الإسناد إذًا جيد في الشواهد. قاله الشيخ عبد الله جديع ص 39 وفي الباب أحاديث أخر تشهد لهذا الخبر، وفيما ذكرته كفاية لتقوية حديث أبي هريرة فهو حديث حسن لغيره والله أعلم.

(1)

زيادة يقتضيها السياق.

(2)

القاموس المحيط (ص 1082).

(3)

رقم (5590) معلقًا.

(4)

قال المحدث الألباني في "الصحيحة"(1/ 191): "ثانيًا: تحريم آلات العزف والطرب، ودلالة الحديث على ذلك من وجوه:

أ - قوله: "يستحلون" فإنه صريح بأن المذكورات - ومنها المعازف - هي في الشرع محرمة فيستحلها أولئك القوم. =

ص: 377

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ب - قرن المعازف مع المقطوع حرمته: الزنا والخمر، ولو لم تكن محرمة؛ ما قرنها معها إن شاء الله تعالى.

وقد جاءت أحاديث كثيرة بعضها صحيح في تحريم أنواع آلات العزف التي كانت معروفة يومئذٍ كالطبل والقنين - وهو العود - وغيرها، ولم يأت ما يخالف ذلك أو يخصه، اللهم إلا الدف في النكاح والعيد، فإنه مباح على تفصيل مذكور في الفقه، وقد ذكرته في ردي على ابن حزم.

ولذلك اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها، واستثنى بعضهم - بالإضافة إلى ما ذكرنا - الطبل في الحرب، وألحق بعض المعاصرين الموسيقى العسكرية ولا وجه لذلك البتة لأمور:

(الأول): أنه تخصيص لأحاديث التحريم بدون مخصص سوى مجرد الرأي والاستحسان وهو باطل.

(الثاني): أن المفروض في المسلمين في حالة الحرب أن يُقبلوا بقلوبهم على ربهم، وأن يطلبوا منه نصرهم على عدوهم، فذلك ادعى لطمأنينة نفوسهم، وأربط لقلوبهم، فاستعمال الموسيقى مما يفسد ذلك عليهم، ويصرفهم عن ذكر ربهم؛ قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)} [الأنفال: 45](الثالث): أن استعمالها من عادة الكفار {الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التوبة: 29] فلا يجوز لنا أن نتشبه بهم لا سيما فيما حرَّمه الله تبارك وتعالى علينا عامًا؛ كالموسيقى" اهـ.

قلت: وإليك بعض الأدلة الثابتة في تحريم بعض آلات العزف وكذلك تحريم الغناء:

(الأول): حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نغمة، ورنَّة عند مصيبة".

أخرجه البزار رقم (795 - كشف) والضياء في المختارة (6/ 188 - 189 رقم 2000 و 2201) من طريق أبي عاصم، عن شبيب بن بشر، عن أنس، به.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 13) وقال: "رجاله ثقات".

وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" رقم الحديث (5179): "رواته ثقات".

وقال الحافظ في "مختصر زوائد البزار" رقم (563): "وشبيب وثق".

وقال في "التقريب" رقم (2738): "صدوق يخطئ". فسنده حسن. وتابعه عيسى بن طهمان عن أنس.

أخرجه ابن السماك في "الأول من حديثه"(ق 87/ 2 - مخطوط) - كما في تحريم آلات الطرب ص 52 - وعيسى هذا ثقة من رجال البخاري كما في "مغني الذهبي" وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب" رقم (5301): "صدوق أفرط فيه ابن حبان، والذنب فيما استنكره من حديثه لغيره". =

ص: 378

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قلت: بل هو ثقة. وقد وثقه أحمد وابن معين، والنسائي، ويعقوب بن سفيان، وأبو داود والدارقطني. واحتج به البخاري في "صحيحه". انظر "تهذيب التهذيب"(3/ 359 - 360).

فصح الحديث والحمد لله.

• وله شاهد يزاد به قوة من حديث جابر بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أنَّه عن البكاء، ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو، ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة؛ لطم وجوه، وشق جيوب، ورنّة شيطان".

أخرجه الحاكم (4/ 40) والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 69) وفي "الشعب"(7/ 241 رقم 1063، 1064) وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" رقم (64) والبغوي في شرح السنة (5/ 430 - 431) والطيالسي في مسنده رقم (1683) وابن سعد في "الطبقات"(1/ 138) وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 393) وعبد بن حميد في "المنتخب"(3/ 8 رقم 1044) من طرق عن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن عطاء عن جابر، ومنهم من لم يذكر (عبد الرحمن) وفيه قصة، ورواه الترمذي رقم (1005) عن جابر مختصرًا.

وقال: حديث حسن. يعني لغيره لحال ابن أبي ليلى، وأقره الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 84).

• المزامير: جمع (مزمار) آلة من قصب - أو معدن - تنتهي قصبتها ببوق صغير، كذا في (المعجم الوسيط).

• رنة شيطان: هو هنا الصوت الحزين.

(الحديث الثاني): عن عبد الله بن عباس - رضي لله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله حرَّم عليَّ - أو حرم - الخمر، والميسر، والكوبة، وكلَّ مسكر حرام".

رواه عنه قيس بن حبتر النهشلي، وله عنه طريقان:

(الأولى): عن علي بن بذيمة: حدثني قيس بن حبتر النهشلي عنه.

أخرجه أبو داود رقم (3696) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 221) وأحمد في المسند (1/ 274) وفي الأشربة رقم (193) وأبو يعلى في مسنده رقم (2729) وعنه ابن حبان في صحيحه رقم (5365) والطبراني في الكبير رقم (12598) و (12599) من طريق سفيان عن علي بن بذيمة: قال سفيان: قلت لعلي بن بذيمة "ما الكوبة؟ " قال: الطبل.

(والأخرى): عن عبد الكريم الجزري عن قيس بن حبتر بلفظ:

(إنَّ الله حرم عليهم الخمر، والميسر، والكوبة - وهو الطبل - وقال: كل مسكر حرام".

أخرجه أحمد في المسند (1/ 289) وفي الأشربة رقم (14) والطبراني في الكبير رقم (12601) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 213 - 221).

قال الألباني في تحريم آلات الطرب ص 56: "وهذا إسناد صحيح من طريقيه عن قيس =

ص: 379

بالخسف والمسخ وإنما لم يسند البخاري الحديث بل علقه في كتاب الأشربة من صحيحه لأجل الشك الواقع من المحدث، حيث قال أبو عامر أو أبو مالك، وأبو عامر

(1)

هو عبد الله بن هانئ الأشعري صحابي نزل الشام وقيل: هو عبيد بن وهب، وأبو مالك

(2)

هو الحارث، وقيل: كعب بن عاصم صحابي يعد في الشاميين.

= هذا. وقد وثقه أبو زرعة، ويعقوب في "المعرفة"(3/ 194) وابن حبان والنسائي والحافظ في التقريب

".

والخلاصة إن حديث ابن عباس صحيح. وانظر "الصحيحة" رقم (1806) و (2425).

• الكوبة: هي الطبل. كما جاء مفسرًا في حديث ابن عباس

وجزم به الإمام أحمد، واعتمده ابن القيم في "الإغاثة"، قال:"وقيل: البربط".

والبربط: ملهاة تشبه العود، فارسي معرّب وأصله (بَرْبَت)؛ لأن الضارب به يضعه على صدره، واسم الصدر: بَر. "نهاية".

وقال الخطابي في "المعالم"(5/ 268).

"و (الكوبة) يُفسر بـ (الطبل) ويقال: هو (النرد)، ويدخل في معناه كل وتر ومزهر ونحو ذلك من الملاهي والغناء".

وفيها أقوال أخرى نقلها الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في التعليق على "المسند"(10/ 76) ثم قال:

"وأجود من كل هذا وأحسن شمولًا قول أحمد في كتاب "الأشربة" (ص 84/ 214) يعني بـ (الكوبة) كلّ شيء يكبّ عليه".

• واعلم أخي القارئ أنَّ الأحاديث المتقدمة صريحة الدلالة على تحريم آلات الطرب بجميع أشكالها وأنواعها، نصًا على بعضها كالمزمار والطبل والبربط، وإلحاقًا لغيرها بها، وذلك لأمرين:

(الأول): شمول لفظ (المعازف) لها في اللغة كما تقدم بيانه.

(والآخر): أنها مثلها في المعنى من حيث التطريب والإلهاء.

• قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" عقب حديث (المعازف) ما مختصره (1/ 260 - 261):) ووجه الدلالة أن (المعازف) هي آلات اللهو كلها، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك، ولو كانت حلالًا لما ذمهم على استحلالها، ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والحر

وقد توعد مستحلي (المعازف) فيه بأن يخسف الله بهم الأرض، ويمسخهم قردة وخنازير، وإن كان الوعيد على جميع هذه الأفعال، فلكل واحد قسط في الذمِّ والوعيد".

وعند الحديث (44/ 3558 - 51/ 3565) من كتابنا هذا سوف نتكلم بتفضيل أكثر فانظره مشكورًا.

(1)

انظر: "التقريب" للحافظ رقم (8198).

(2)

انظر: "التقريب" للحافظ رقم (1014).

وانظر رقم (5641) ورقم (8336).

ص: 380

[الباب السادس] * باب نهي الرجال عن المعصفر وما جاء في الأحمر

*

17/ 560 - (عَنْ عَبدِ الله بْنِ عَمْرٍو [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: رَأَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مَعَصْفَريْنَ فقالَ: "إن هَذِهِ منْ ثِيَابِ الْكُفارِ فَلا تَلْبَسْها". رَواهُ أحْمَدُ

(2)

ومسْلِمٌ

(3)

والنسائيُّ)

(4)

. [صحيح]

قوله: (معصفرين) المعصفر هو المصبوغ بالعصفر كما في كتب اللغة

(5)

وشروح الحديث

(6)

.

وقد استدل بهذا الحديث من قال بتحريم لبس الثوب المصبوغ بعصفر وهم العترة

(7)

، واستدلوا أيضًا على ذلك بحديث ابن عمرو

(8)

وحديث علي

(9)

المذكورين بعد هذا وغيرهما وسيأتي بعض ذلك.

وذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك إلى الإباحة، كذا قال ابن رسلان في شرح السنن قال: وقال جماعة من العلماء بالكراهة للتنزيه

(10)

، وحملوا النهي على هذا لما في

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المسند (2/ 162).

(3)

في صحيحه رقم (27/ 2077).

(4)

في السنن (8/ 203).

قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 190) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وابن سعد في "الطبقات"(4/ 265) من طرق وهو حديث صحيح.

(5)

القاموس المحيط ص 567.

(6)

انظر: "جامع الأصول"(10/ 675).

(7)

البحر الزخار (4/ 360).

(8)

رقم (18/ 561) من كتابنا هذا.

(9)

رقم (19/ 562) من كتابنا هذا.

(10)

"وجملة ذلك أنَّ العصفر ليس بطيب، ولا بأس باستعماله وشمه، ولا بما صُبغَ به، وهذا قول جابر، وابن عمر، وعبد الله بن جعفر، وعقيل بن أبي طالب، وهو مذهب الشافعي.

وعن عائشة، وأسماء، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، أنهنَّ كُنَّ يُحْرِمْنَ في المعصفرات. وكرهَهُ مالك إذا كان ينتفِضُ في جسده، ولم يُوجب فيه فدية.

ومنع فيه الثوري، وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، وشبَّهُوه بالمورَّسِ والزعفر؛ لأنه صبغ طيبُ الرائحةِ، فأشبه ذلك" اهـ. المغني لابن قدامة (5/ 144).

ص: 381

الصحيحين

(1)

من حديث ابن عمر، قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة" زاد في رواية أبي داود

(2)

والنسائي

(3)

، "وقد كان يصبغ بها ثيابه كلها" وقال الخطابي

(4)

: النهي منصرف إلى ما صبغ من الثياب، وكأنه نظر إلى ما في الصحيحين من ذكر مطلق الصبغ بالصفرة، فقصره على صبغ اللحية دون الثياب، وجعل النهي متوجهًا إلى الثياب، ولم يلتفت إلى تلك الزيادة المصرحة بأنه كان يصبغ ثيابه بالصفرة، ويمكن الجمع بأن الصفرة التي كان يصبغ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم غير صفرة العصفر المنهي عنه.

ويؤيد ذلك ما سيأتي في باب لبس الأبيض والأسود

(5)

من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يَصبُغ بالزعفران" وقد أجاب من لم يقل بالتحريم عن حديث ابن عمرو المذكور في الباب

(6)

وحديثه الذي بعده

(7)

بأنه لا يلزم من نهيه له نهي سائر الأمة.

وكذلك أجاب عن حديث علي الآتي

(8)

بأن ظاهر قوله: "نهاني" أن ذلك مختص به، ولهذا ثبت في رواية عنه أنه قال: ولا أقول نهاكم، وهذا الجواب ينبني على الخلاف المشهور بين أهل الأصول في حكمه صلى الله عليه وسلم على الواحد من الأمة هل يكون حكمًا على بقيتهم أو لا، والحق الأول

(9)

، فيكون نهيه لعلي وعبد الله نهيًا

(1)

البخاري رقم (166) ومسلم رقم (1187).

(2)

في سننه رقم (1772).

(3)

في سننه (8/ 10).

(4)

في "معالم السنن"(5/ 338 - هامش السنن).

(5)

الباب السابع رقم (27/ 570) من كتابنا هذا.

(6)

الباب السادس: رقم (17/ 560) من كتابنا هذا.

(7)

رقم (18/ 561) من كتابنا هذا.

(8)

رقم (19/ 562) من كتابنا هذا.

(9)

قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" بتحقيقي (ص 444): "المسألة السادسةُ عشرَةَ: الخطابُ الخاصُّ بواحد من الأمة إن صُرِّح بالاختصاص به كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "تجزئُك ولا تجزِئُ أحدًا بعدك" فلا شك في اختصاصه بذلك المخاطَب وإن لم يُصرِّح فيه بالاختصاص بذلك المخاطب فذهب الجمهور إلى أنه مختصٌّ بذلك المخاطب ولا يتناول غيره إلا بدليل من خارج.

وقال بعض الحنابلة وبعض الشافعية إنه يَعمُّ بدليل ما رُوي من قوله صلى الله عليه وسلم: "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة"، وما روي عنه صلى الله عليه وسلم:"إنما قولي لامرأةٍ واحدةٍ كقولي لمائةِ امرأةٍ" ونحو ذلك. =

ص: 382

لجميع الأمة، ولا يعارضه صبغه بالصفرة على تسليم أنها من العصفر لما تقرر في الأصول من أن فعله الخالي عن دليل التأسي الخاص لا يعارض قوله الخاص بأمته.

فالراجح تحريم الثياب المعصفرة، والعصفر وإن كان يصبغ صبغًا أحمر كما قال ابن القيم فلا معارضة بينه وبين ما ثبت في الصحيحين

(1)

من أنه " صلى الله عليه وسلم كان يلبس حلة حمراء" كما يأتي، لأن النهي في هذه الأحاديث يتوجه إلى نوع خاص من الحمرة، وهي الحمرة الحاصلة عن صباغ العصفر، وسيأتي ما حكاه الترمذي

(2)

عن أهل الحديث بمعنى هذا.

وقد قال البيهقي

(3)

رادًا لقول الشافعي: إنه لم يحك أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الصفرة إلا ما قال علي: "نهاني ولا أقول نهاكم" إن الأحاديث تدل على أن النهي على العموم، ثم ذكر أحاديث ثم قال بعد ذلك: ولو بلغت هذه الأحاديث الشافعي رحمه الله لقال بها، ثم ذكر

(4)

بإسناده ما صح عن الشافعي أنه قال: إذا صح الحديث خلاف قولي فاعملوا بالحديث

(5)

.

= ولا يخفى أن الاستدلال بهذا خارج عن محل النزاع فإنه لا خلاف أنه إذا دلّ دليل من خارج على أن حكمَ غير ذلك المخاطب كحكمه كان له حكمه بذلك الدليل

والخلاصة في هذه المسألة على ما يقتضيه الحقُّ ويوجبه الإنصاف - عدم التناول لغير المخاطب من حيث الصيغة، بل بالدليل الخارجي، وقد ثبت عن الصحابة فمن بعدهم الاستدلال بأقضيته الخاصة بالواحد أو الجماعة المخصوصة على ثبوت مثل ذلك لسائرِ الأمةِ، فكان هذا مع الأدلة الدالة على عموم الرسالة، وعلى استواء أقدام هذه الأمة في الأحكام الشرعية مفيدًا لإلحاق غير ذلك المخاطب به في ذلك الحكم عند الإطلاق، إلى أن يقوم الدليلُ الدالُّ على اختصاصه بذلك -.

فعرفت بهذا أن الراجح التعميمُ حتى يقومَ دليل التخصيص، لا كما قيل أن الراجح التخصيصُ حتى يقوم دليلُ التعميم لأنه قد قام كما ذكرناه" اهـ.

(1)

سيأتي تخريجه برقم (20/ 563) من كتابنا هذا.

(2)

في السنن (5/ 116).

(3)

في "معرفة السنن والآثار"(2/ 454 رقم 3434).

(4)

أي البيهقي في المرجع السابق (2/ 454 رقم 3435).

(5)

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله وقد روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لباس القسي والمعصفر وعن تختم الذهب، وعن قراءة القرآن في الركوع".

- رقم (19/ 562) من كتابنا هذا -. =

ص: 383

18/ 561 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْب عَنْ أبيهِ عَنْ جَدِّهِ [رضي الله تعالى عنهم]

(1)

قالَ: أقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ ثَنِيَّة، فالْتَفَتَ إليَّ وعَلَيَّ ريطَةٌ مُضَرَّجَةٌ بِالْعُصْفر، فَقالَ:"ما هَذِهِ؟ " فَعَرَفْتُ ما كَرِهَ فأتَيْتُ أهْلي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورَهُمْ فقَذفْتها فيهِ، ثمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْغَدِ، فقالَ:"يا عبْد الله ما فَعَلتِ الرَّيْطَةُ؟ " فأخْبَرْتُهُ، فقالَ:"ألَا كسَوْتَها بَعْضَ أهِلكَ؟ "، رَواهُ أحْمدُ

(2)

وكَذلِكَ أبُو داوُد

(3)

وابْنُ ماجَةْ

(4)

وَزاد: "فَإنَّهُ لَا بأْسَ بذلِكَ للنِّساءِ". [حسن]

الحديث في إسناده عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفيه مقال مشهور، [ومن دونه ثقات]

(5)

.

= وروى أيضًا في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال: "رأى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين فقال: أمك أمرتك بهذا؟ قلت: أغسلهما؟ قال: بل أحرقهما". - خلال شرح الحديث رقم (18/ 561) من كتابنا هذا -.

وروى أيضًا في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أيضًا قال: "رأى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين، فقال: إن هذه من لباس الكفار فلا تلبسها" - رقم (17/ 560) من كتابنا هذا - وهذه الأحاديث صريحة في التحريم لا معارض لها. فالعجب ممن تركها.

وقد عارضها بعض الناس بحديث البراء بن عازب - رقم (20/ 563) من كتابنا هذا -

وكان بعض المنتسبين إلى العلم يخرج إلى أصحابه في الثوب المصبوغ حمرة، ويزعم أنه يقصد اتباع الحديث. وهذا وهم وغلط بين فإن الحلة هي البرود التي قد صبغ غزلها ونسج الأحمر مع غيره، فهي برد فيه أسود وأحمر، وهي معروفة عند أهل اليمن قديمًا وحديثًا. والحلة إزار ورداء مجموعهما يسمى حلة. فإذا كان البرد فيه أحمر وأسود قيل: قيل: برد أحمر، وحلة حمراء. فهذا غير المضرج المصبغ حمرة.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن النهي إنما هو عن المعصفر خاصة. فأما المصبوغ بغير الصفر من الأصباغ التي تحمر الثوب، كالمدر والمغرة. فلا بأس به.

قال الترمذي في حديث النهي عن المعصفر: معناه عند أهل الحديث: أنه كره المعصفر قال: ورأوا أن ما صبغ بالحمرة من مدر أو غيره فلا بأس به ما لم يكن معصفرًا" اهـ.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المسند (2/ 196).

(3)

في سننه رقم (4066).

(4)

في سننه رقم (3603).

• قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(8/ 369) والحاكم (4/ 190) وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد اتفق الشيخان رضي الله عنهما من النهي عن لبس المعصفر للرجل على حديث علي رضي الله عنه ووافقه الذهبي" وهو حديث حسن.

(5)

زيادة من (أ) و (ب).

ص: 384

قوله: (من ثَنِيَّةِ) هي الطريقة في الجبل

(1)

، وفي لفظ ابن ماجه: من ثنية أذاخر، وأذاخر بفتح الهمزة والذال المعجمة المخففة وبعدها ألف ثم خاء معجمة على وزن أفاعل ثنية بين مكة والمدينة.

قوله: (ريطَةٌ) بفتح الراء المهملة وسكون المثناة تحت ثم طاء مهملة ويقال رائطة. قال المنذري

(2)

: جاءت الرواية بهما وهي كل ملاءة منسوجة بنسج واحد، وقيل: كل ثوب رقيق لين، والجمع ريط ورياط

(3)

.

قوله: (مُضَرَّجة) بفتح الراء المشددة أَي ملطخة.

قوله: (يسجرون) أي يوقدون.

قوله: (بعض أهلك) يعني زوجته أو بعض نساء محارمه وأقاربه.

وفيه دليل على جواز لبس المعصفر للنساء، وفيه الإنكار على إحراق الثوب المنتفع به لبعض الناس دون بعض لأنه من إضاعة المال المنهي عنها ولكنه يعارض هذا ما أخرجه مسلم

(4)

من حديث عبد الله بن عمرو أيضًا قال: "رأى على النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين، فقال:[أمك]

(5)

أمرتك بهذا؟ قال: قلت: أغسلهما يا رسول الله، قال: بل أحرقهما" وقد جمع بعضهم بين الروايتين بأنه صلى الله عليه وسلم أمر أولًا بإحراقهما ندبًا، ثم لما أحرقهما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كسوتهما بعض أهلك؟ " إعلامًا له بأن هذا كان كافيًا لو فعله، وأن الأمر للندب، ولا يخفى ما في هذا من التكلف الذي عنه مندوحة، لأن القضية لم تكن واحدة حتى يجمع بين الروايتين بمثل هذا، بل هما قضيتان مختلفتان وغايته أنه صلى الله عليه وسلم في إحدى القضيتين غلظ عليه وعاقبه فأمره بإحراقهما، ولعل هذه المرة التي أمره فيها بالإحراق كانت بعد تلك المرة التي أخبره فيها بأن ذلك غير واجب، وهذا وإن كان بعيدًا من جهة أن صاحب القصة يبعد أن يقع منه اللبس للمعصفر مرة أخرى بعد أن سمع فيه ما سمع المرة الأولى، ولكنه دون البعد الذي في الجمع الأول

(1)

"النهاية"(1/ 226) وقال ابن إسحاق - فيما نقله ياقوت -: لما وصل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح دخل من أذاخر حتى نزل بأعلى مكة، وضربت هناك قُبَّتُه.

(2)

في "مختصر السنن"(6/ 39).

(3)

"النهاية"(2/ 289).

(4)

في صحيحه رقم (28/ 2077).

(5)

في صحيح مسلم "أَأُمَك".

ص: 385

لأن احتمال النسيان كائن، وكذا احتمال عروض شبهة توجب الظن بعدم التحريم، ولا سيما وقد وقعت منه صلى الله عليه وسلم المعاتبة على الإحراق.

قال القاضي عياض

(1)

: أمره صلى الله عليه وسلم بإحراقهما من باب التغليظ والعقوبة انتهى.

وفيه حجة على جواز المعاقبة بالمال

(2)

.

(1)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(6/ 589).

(2)

وأما التعزير بالعقوبات المالية فمشروع أيضًا في مواضع مخصوصة في مذهب مالك وأحمد، وأحد قولي الشافعي. وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه بذلك في مواضع:

(منها): إباحته صلى الله عليه وسلم سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده.

• أخرج مسلم رقم (1364).

وأحمد (1/ 168) والبزار في المسند رقم (1102) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 191) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 199) والدورقي في مسند سعد رقم (32) والحاكم في المستدرك (1/ 487) من طرق

عن عامر بن سعد: أن سعدًا رَكِبَ إلى قصره بالعقيق، فوجد غلامًا يخبِط شجرًا، أو يقطعُه، فسلَبَه، فلما رجعَ سعدٌ جاءه أهلُ الغلام، فكلموه أن يردَّ ما أخذ من غلامهم، فقال: معاذَ الله أن أردَّ شيئًا نفلَنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبى أن يردَّ عليهم" وهو حديث صحيح.

• السَّلَب: ما يكون على المرء ومعه من سلاح وثياب ودابة وغير ذلك.

• التنقيل: الزيادة في العطاء، وأن يعطيه خاصة دونَ غيره.

انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (9/ 139) وشرح معاني الآثار (4/ 191 - 196) والتمهيد لابن عبد البر (6/ 310 - 311) وفتح الباري (4/ 83 - 84).

(ومنها): أمره صلى الله عليه وسلم بكسر دنان الخمر وشق ظروفها:

• أخرج الترمذي في سننه رقم (1293):

عن أنس، عن أبي طلحة، أنه قال: يا نبي الله، إني اشتريت خمرًا لأيتام في حجري، قال:"أهرق الخمر واكسر الدنان". وهو حديث حسن.

قال الترمذي: وفي الباب عن جابر، وعائشة، وأبي سعيد، وابن مسعود وابن عمر، وأنس. انظر تخريجها في كتابي "لب اللباب في تخريج قول الترمذي وفي الباب" في كتاب البيوع.

(ومنها): أمره صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر الأنسية، ثم استأذنوه في غسلها، فأذن لهم، فدل على جواز الأمرين؛ لأن العقوبة لم تكن واجبة بالكسر.

• أخرج البخاري في صحيحه رقم (2477) ومسلم في صحيحه رقم (1802): =

ص: 386

والحديث يدل على المنع من لبس الثياب المصبوغة بالعصفر، وقد تقدم الكلام في ذلك.

19/ 562 - (وعَنْ عليّ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: نَهانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ التخَتُّم بالذَّهَبِ وَعَنْ لِبَاسِ الْقَسِّيِّ، وَعَنِ الْقِرَاءَةِ في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وَعَنْ لبَاسِ الْمُعَصْفَرِ. رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخاريَّ وابْنَ ماجَهْ)

(2)

. [صحيح]

قوله: (نهاني) هذا لفظ مسلم

(3)

وفي لفظ لأبي داود

(4)

وغيره "نهى" وقد تقدم جواب من أجاب عن الحديث باختصاصه بعلي عليه السلام وتعقبه.

قوله: (القسي) قد تقدم ضبطه وتفسيره في شرح حديث علي

(5)

في باب إن افتراش الحرير كلبسه.

= عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نيرانأ توقُد يوم خيبر، قال: على ما توقد هذه النيران؟ قالوا: على الحمر الإنسية، قال:"اكسروها وأهرِقوها". قالوا: ألا نهريقُها ونغسِلُها؟ قال: "اغسلوا" قال أبو عبد الله: كان ابن أبي أويس يقول: الحمر الأنَسِية بنِصب الألفِ والنون.

(ومنها): إضعاف الغرم على سارق ما لا قطع فيه من الثمر والكثر:

• أخرج أبو داود رقم (4390) وابن ماجه رقم (2596)

عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شَأنه سُئِلَ عن الثَّمَر المعلَّقِ؟ فقال:"من أصابَ بفيهِ من ذي حاجةٍ غيرَ متخذٍ خُبنةً؛ فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه؛ فعليه غرامَةُ مثليهِ والعقوبةُ، ومن سرقَ منه شيئًا بعدَ أن يؤوَيهُ الجَرينُ فبلغَ ثمن المجن؛ فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك؛ فعليه غرامَةُ مثليه والعقوبة". وهو حديث حسن.

• خُبنة: الخبنة ما تحمِلُ في حِضنِكَ. وقيل: هو أن تأخذه في خبنةِ ثوبك، وهو ذيلُهُ وأسفلُهُ.

• الجرين: موضع التمر الذي يجفَّف فيه، مثل البيدر للحنطة.

انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (28/ 112) وانظر كتابي "إرشاد الأمة في فقه الكتاب والسنة" كتاب الحدود. باب التعزير. فصل التعزير بالعقوبات المالية.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 114) ومسلم رقم (2078) وأبو داود رقم (4044) والترمذي رقم (1737) والنسائي (2/ 217) و (8/ 167 - 168) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (415) وأبو عوانة (2/ 171) والطيالسي رقم (103) والبزار في المسند رقم (919).

(3)

في صحيحه رقم (31/ 2078).

(4)

رقم (4044).

(5)

رقم (6/ 549) من كتابنا هذا.

ص: 387

قوله: (وعن القراءة في الركوع والسجود) فيه دليل على تحريم القراءة في هذين المحلين لأن وظيفتهما إنما هي التسبيح والدعاء لما في صحيح مسلم

(1)

وغيره

(2)

عنه صلى الله عليه وسلم "نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء".

قوله: (وعن لبس المعصفر) فيه دليل على تحريم لبسه وقد تقدم البحث عن ذلك.

20/ 563 - (وَعَنْ الْبَرَاءِ بْن عازِبٍ [رضي الله تعالى عنه]

(3)

قالَ: كانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعا بُعَيْدَ ما بَيْنَ الْمِنْكَبَيْنِ لهُ شَعرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ رَأَيْتهُ في حُلَّةٍ حَمْراءَ لمْ أرَ شيئًا قَطُّ أحْسَنَ مِنهُ. مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(4)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي

(5)

والنسائي

(6)

وأبو داود

(7)

.

وفي الباب عن أبي جحيفة عند البخاري

(8)

وغيره

(9)

أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم خرج في حلة حمراء مشمرًا صلى إلى العَنَزة بالناس ركعتين.

وعن عامر المزني عند أبي داود

(10)

بإسناد فيه اختلاف قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى وهو يخطب على بغلة وعليه برد أحمر وعلي عليه السلام أمامه يُعَبِّرُ عنه" قال في البدر المنير: وإسناده حسن.

وأخرج البيهقي

(11)

عن جابر "أنه كان له صلى الله عليه وسلم ثوب أحمر يلبسه في العيدين والجمعة".

(1)

رقم (479).

(2)

كأبي داود رقم (876) والنسائي (2/ 189).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

البخاري رقم (3551) ومسلم رقم (2337) وأحمد (4/ 281).

(5)

في السنن رقم (1724).

(6)

في السنن (8/ 202).

(7)

في السنن رقم (4072). وهو حديث صحيح.

(8)

في صحيحه رقم (376)،

(9)

كمسلم في صحيحه رقم (250/ 503) وأحمد (4/ 308).

(10)

في السنن رقم (4073).

وحكم عليه المحدث الألباني بالصحة في صحيح أبي داود.

(11)

في السنن الكبرى (3/ 247).

ص: 388

وروى ابن خزيمة في صحيحه

(1)

نحوه بدون ذكر الأحمر.

والحديث احتج به من قال بجواز لبس الأحمر وهم الشافعية والمالكية وغيرهم

(2)

. وذهبت العترة والحنفية إلى كراهة ذلك

(3)

، واحتجوا بحديث عبد الله بن عمرو الذي سيأتي بعد هذا

(4)

، وسيأتي في شرحه إن شاء الله ما يتبين به عدم انتهاضه للاحتجاج.

واحتجوا أيضًا بالأحاديث الواردة في تحريم المصبوغ بالعصفر، قالوا: لأن العصفر يصبغ صباغًا أحمر، وهي أخص من الدعوى، وقد عرفناك أن الحق أن ذلك النوع من الأحمر لا يحل لبسه.

(ومن أدلتهم) حديث رافع بن خديج عند أبي داود

(5)

، قال:"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى على رواحلنا وعلى إبلنا أكسية فيها خيوط عهن أحمر، فقال: ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم، فقمنا سراعًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذنا الأكسية فنزعناها عنها" وهذا الحديث لا تقوم به حجة لأن في إسناده رجلًا مجهولًا

(6)

.

ومن أدلتهم حديث "إن امرأة من بني أسد قالت: كنت يومًا عند زينب امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصبغ ثيابها بمغرة" والمغرة: صباغ أحمر "قالت: فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى المغرة رجع، فلما رأت ذلك زينب علمت أنه صلى الله عليه وسلم قد كره ما فعلَتْ وأخذت فغسلت ثيابها [ووارت]

(7)

كل حمرة، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سَرجع فاطلع، فلما لم ير شيئًا دخل" الحديث أخرجه أبو داود

(8)

وفي إسناده إسماعيل بن عياش

(9)

وابنه

(10)

وفيهما مقال مشهور.

(1)

لم يطبع منه إلا العبادات.

(2)

انظر: "المجموع"(4/ 336).

(3)

البحر الزخار (4/ 361) وكذلك الحنابلة انظر المغني (2/ 301 - 302).

(4)

رقم (21/ 564) من كتابنا هذا.

(5)

في سننه رقم (4070) بسند ضعيف.

(6)

وهو الرجل من بني حارثة.

(7)

في (ب)(وأورت).

(8)

في سننه رقم (4071) بسند ضعيف.

(9)

إسماعيل بن عياش بن سُلَيم العنسيُّ، أبو عُتبة الحِمْصيُّ: صدوقٌ في روايته عن أهل بلده، مُخَلِّطٌ في غيرهم.

"التقريب" رقم (473).

(10)

هو محمد بن إسماعيل بن عيَّاش الحِمصيُّ: عابُوا عليه أنه حدَّثَ عن أبيه بغير سماع. =

ص: 389

وهذه الأدلة غاية ما فيها لو سلمت صحتها وعدم وجدان معارض لها الكراهة لا التحريم، فكيف وهي غير صالحة للاحتجاج بها لما في أسانيدها من المقال الذي ذكرنا، ومعارضة بتلك الأحاديث الصحيحة. نعم من أقوى حججهم ما في صحيح البخاري

(1)

من النهي عن المياثر [الحمر]

(2)

، وكذلك ما في سنن أبي داود

(3)

والنسائي

(4)

وبان ماجه

(5)

والترمذي

(6)

من حديث علي قال: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي والميثرة الحمراء"، ولكنه لا يخفى عليك أن هذا الدليل أخص من الدعوى، وغاية ما في ذلك تحريم الميثرة الحمراء، فما الدليل على تحريم ما عداها، مع ثبوت لبس النبي صلى الله عليه وسلم له مرات.

ومن أصرح أدلتهم حديث رافع بن برد أو رافع ابن خديج كما قال ابن قانع

(7)

مرفوعًا بلفظ: "إن الشيطان يحب الحمرة فإياكم والحمرة وكل ثوب ذي شهرة" أخرجه الحاكم في الكنى

(8)

، وأبو نعيم في المعرفة

(9)

، وابن قانع

(10)

، وابن السكن

(11)

= قلت: وخلاصة القول فيه أنه ضعيف.

"التقريب" رقم (5735).

(1)

رقم (5849).

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع: عيادةِ المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونهانا عن لبس الحرير والديباج، والقسى، والاستبرق، والمياثر الحمر".

(2)

في (ب): (الحمرة).

(3)

في سننه رقم (4051).

(4)

في سننه (8/ 165).

(5)

في سننه رقم (3654).

(6)

في سننه رقم (2809) وقال هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح.

• المياثر: جمع مِيثرة - بكسر الميم - وهي شيء يوضع على سرج الفرس أو رحل البعير، كانت النساء يصنعنه لأزواجهن من الحرير الأحمر ومن الديباج وكانت من مراكب العجم.

(7)

لم يخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" المطبوع.

(8)

لم أجده في القسم المطبوع من الكنى.

(9)

(5/ 2756 - 2676 رقم (2883) في ترجمة "نافع بن يزيد الثقفي".

(10)

لم أجده في ترجمة "نافع بن يزيد" ولا في ترجمة رافع بن يزيد في "معجم الصحابة" المطبوع.

(11)

عزاه إليهما الحافظ في "الإصابة"(2/ 371 رقم الترجمة 2555).

وقال ابن منده: رواه سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن رافع نحوه.

ص: 390

وابن منده وابن عدي

(1)

ويشهد له ما أخرجه الطبراني

(2)

عن عمران بن حصين مرفوعًا بلفظ: "إياكم والحمرة فإنها أحب الزينة إلى الشيطان".

وأَخرج نحوه عبد الرزاق

(3)

من حديث الحسن مرسلًا، وهذا إن صح كان أنص أدلتهم على المنع، ولكنك قد عرفت لبسه صلى الله عليه وسلم للحلة الحمراء في غير مرة، ويبعد منه صلى الله عليه وسلم أن يلبس ما حذرنا من لبسه معللًا ذلك بأن الشيطان يحب الحمرة، ولا يصح أن يقال ههنا فعله لا يعارض القول الخاص بنا، كما صرح بذلك أئمة الأصول

(4)

، لأن تلك العلة مشعرة بعدم اختصاص الخطاب بنا، إذ تجنب ما يلابسه الشيطان هو صلى الله عليه وسلم أحق الناس به. فإن قلت: فما الراجح إن صح ذلك الحديث؟ قلت: قد تقرر في الأصول أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل فعلًا لم يصاحبه دليل خاص يدل على التأسي به فيه كان مخصصًا له عن عموم القول

(1)

في "الكامل"(3/ 1172).

قلت: وأورده ابن حجر في "الإصابة" في الترجمة رقم (2555). وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 147 رقم الترجمة 1605) وابن كثير في "جامع المسانيد والسنن"(12/ 108 رقم 94305).

والمتقي الهندي في "كنز العمال" رقم (41161).

والطبراني في الأسط رقم (7708) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 130) وقال: فيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف. قلت: بل هو متروك.

وذكر الجوزجاني هذا الحديث في "كتاب الأباطيل"(2/ 248 رقم 646) وقال: باطل، وإسناده منقطع.

ورده الحافظ في "الإصابة"(2/ 371) وقال: وقوله باطل مردود، فإن أبا بكر الهذلي لم يوصف بالوضع. وقد وافقه سعيد بن بشير، وإن زاد في السند رجلًا فغايته أن المتن ضعيف. أما حكمه عليه بالوضع فمردود

" اهـ.

وخلاصة القول أن الحديث ضعيف والله أعلم.

(2)

أخرجه الطبراني بإسنادين في أحدهما يعقوب بن خالد بن نجيح البكري العبدي ولم أعرفه، وفي الآخر بكر بن محمد يروي عن سعيد عن شعبة، وبقية رجالهما ثقات" كما في "مجمع الزوائد" (5/ 130).

(3)

في "المصنف"(11/ 79 - 80 رقم 19975) مرسلًا.

(4)

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 170) بتحقيقي، والأحكام للآمدي (1/ 248).

ص: 391

الشامل له بطريق الظهور

(1)

، فيكون على هذا لبس الأحمر مختصًا به، ولكن ذلك الحديث غير صالح للاحتجاج به كما صرح بذلك الحافظ

(2)

وجزم بضعفه لأنه من رواية أبي بكر البدلي وقد بالغ الجوزقاني

(3)

فقال: باطل، فالواجب البقاء على البراءة الأصلية المعتضدة بأفعاله الثابتة في الصحيح لا سيما مع ثبوت لبسه [صلى الله عليه وسلم]

(4)

لذلك بعد حجة الوداع ولم يلبث بعدها إلا أيامًا يسيرة.

وقد زعم ابن القيم

(5)

أن الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود، وغلط من قال إنها كانت حمراء بحتًا، قال: وهي معروفة بهذا الاسم، ولا يخفاك أن الصحابي قد وصفها بأنها حمراء وهو من أهل اللسان، والواجب الحمل على المعنى الحقيقي وهو الحمراء البحت، والمصير إلى المجاز أعني كون بعضها أحمر دون بعض لا يحمل ذلك الوصف عليه إلا لموجب، فإن أراد أن ذلك معنى الحلة الحمراء لغة فليس في كتب اللغة ما يشهد لذلك وإن أراد أن ذلك حقيقة شرعية فيها فالحقائق الشرعية لا تثبت بمجرد الدعوى، والواجب حمل مقالة ذلك الصحابي على لغة العرب، لأنها لسانه ولسان قومه، فإن قال: إنما فسرها بذلك التفسير للجمع بين الأدلة فمع كون كلامه آبيًا عن ذلك لتصريحه بتغليط من قال: إنها الحمراء البحت، لا ملجئ إليه لإمكان الجمع بدونه كما ذكرنا مع أن حمله الحلة الحمراء على ما ذكر ينافي ما احتج به في أثناء كلامه من إنكاره صلى الله عليه وسلم على القوم الذين رأى على رواحلهم أكسية فيها خطوط حمر وفيه دليل على كراهية ما فيه الخطوط وتلك الحلة كذلك بتأويله.

قوله: (في الحديث يبلغ شحمة أذنيه) هي اللين من الأذن في أسفلها وهو معلق القرط منها، وقد اختلفت الروايات الصحيحة في شعره فههنا "إلى شحمة أذنيه" وفي رواية "كان يبلغ شعره منكبيه" وفي رواية "إلى أنصاف أذنيه وعاتقه". قال القاضي

(6)

: الجمع بين هذه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه وهو الذي بين

(1)

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 169) بتحقيقي، ونهاية السول (3/ 37 - 38)، والكوكب المنير (2/ 199 - 203).

(2)

في "الإصابة"(2/ 371) كما تقدم.

(3)

في "كتاب الأباطيل"(2/ 248 رقم 646).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في كتابه "زاد المعاد"(1/ 132).

(6)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(7/ 304).

ص: 392

أذنه وعاتقه، وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه. وقيل: كان ذلك لاختلاف الأوقات، فإذا غفل عن تقصيرها بلغت المنكب، وإذا قصرها كانت إلى أنصاف أذنيه، وكان يقصر ويطول بحسب ذلك. وقد تقدم نحو هذا في باب اتخاذ الشعر

(1)

.

وفي فتح الباري

(2)

أن في لبس الثوب الأحمر سبعة مذاهب.

(الأول): الجواز مطلقًا، جاء عن عليّ، وطلحة، وعبد الله بن جعفر،

والبراء وغير واحد من الصحابة؛ وعن سعيد بن المسيب، والنخعي، والشعبي، وأبي قلابة، وطائفة من التابعين.

(الثاني): المنع مطلقًا، ولم ينسبه الحافظ إلى قائل معين، إنما ذكر أخبارًا وآثارًا يعرف بها من قال بذلك.

(الثالث): يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفًا، جاء ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد.

(الرابع): يكره لبس الأحمر مطلقًا لقصد الزينة والشهرة، ويجوز في البيوت والمهنة، جاء ذلك عن ابن عباس.

(الخامس): يجوز لبس ما كان صبغ غزله ثم نسج، ويمنع ما صبغ بعد النسج جنح إلى ذلك الخطابي.

(السادس): اختصاص النهي بما يصبغ بالعصفر ولم ينسبه إلى أحد.

(السابع): تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله، وأما ما فيه لون آخر غير أحمر فلا.

حكى عن ابن القيم

(3)

أنه قال بذلك بعض العلماء، ثم قال الحافظ

(4)

: والتحقيق في هذا المقام أن النهي عن لبس الأحمر إن كان من أجل أنه لبس الكفار فالقول فيه كالقول في الميثرة الحمراء، وإن كان من أجل أنه زي النساء فهو راجع إلى الزجر عن التشبه بالنساء فيكون النهي عنه لا لذاته، وإن كان من أجل الشهرة أو خرم المروءة فيمنع، حيث يقع ذلك، وإلا فلا فيقوى ما

(1)

الباب التاسع عند الحديث رقم (29/ 146) من كتابنا هذا.

(2)

(10/ 305 - 306).

(3)

انظر: "زاد المعاد"(1/ 132).

(4)

في "فتح الباري"(10/ 306).

ص: 393

ذهب إليه مالك من التفرقة بين لبسه في المحافل وفي البيوت.

21/ 564 - (وَعَنْ عَبدِ الله بْنِ عَمْرو [رضي الله تعالى عنهما]

(1)

قال: مَرَّ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ عليهِ ثَوْبانِ أحمَرَان فسَلَّمَ فلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَليهِ. رَواه أبو داود

(2)

والترمذي

(3)

. [ضعيف]

وقال (4): مَعْناهُ عِنْدَ أهل الحَدِيثِ أنهُ كَره الْمُعَصْفَر.

وقالَ

(4)

: وَرَأَوْا أن ما صُبغ بالْحُمْرَةِ مِنْ مَدَرٍ

(5)

أوْ غَيْرِهِ فلا بَأس بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَصْفَرًا).

الحديث

(6)

قال الترمذي (4): إنه حسن غريب من هذا الوجه اهـ. وفي إسناده أبو يحيى القتات

(7)

، وقد اختلف في اسمه فقيل: عبد الرحمن بن دينار، وقيل: زاذان، وقيل: عمران، وقيل مسلم، وقيل: زياد، وقيل: يزيد. قال المنذري

(8)

: وهو كوفي لا يحتج بحديثه. وقال أبو بكر البزار: هذا الحديث لا نعلمه يُروى بهذا اللفظ إلا عن عبد الله بن عمرو، ولا نعلم له طريقًا إلا هذا الطريق [ولا نعلم رواه إسرائيل إلا عن إسحاق بن منصور]

(9)

.

قال الحافظ في الفتح

(10)

: هو حديث ضعيف الإسناد وإن وقع في نسخ الترمذي أنه حسن.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في سننه رقم (4069).

(3)

في سننه رقم (2807) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

(4)

أي الترمذي في السنن (5/ 116).

(5)

المدر: محركة: قطع الطين اليابس - والمراد بالمدر ههنا هو الطين الأحمر الذي يصبغ به الثوب فيصير أحمر.

(6)

هنا في "المخطوط (ب) و (جـ) زيادة وهي: [أخرجه أيضًا أبو داود و]. وقد شطب عليها في (أ).

(7)

قال عنه الحافظ ابن حجر في "التقريب"(2/ 489): "ليّن الحديث".

(8)

في "مختصر سنن أبي داود"(6/ 41).

(9)

صواب العبارة: (ولا نعلم رواه عن إسرائيل إلا إسحاق بن منصور).

لأن إسحاق هو الراوي للحديث عن إسرائيل. انظر سند الحديث عند الترمذي (5/ 116 رقم 2807) وكذلك عند أبي داود (4/ 336 رقم 4069).

(10)

(10/ 306).

ص: 394

والحديث احتج به القائلون بكراهية لبس الأحمر وقد تقدم ذكرهم.

وأجاب المبيحون عنه بأنه لا ينتهض للاستدلال به في مقابلة الأحاديث القاضية بالإباحة لما فيه من المقال وبأنه واقعة عين فيحتمل أن يكون ترك الرد عليه بسبب آخر وحمله البيهقي على ما صبغ بعد النسج لا ما صبغ غزلًا ثم نسج فلا كراهة فيه.

قال ابن التين

(1)

: زعم بعضهم أن لبس النبي صلى الله عليه وسلم الحلة كان لأجل الغزو، وفيه نظر لأنه كان عقيب حجة الوداع ولم يكن له إذ ذاك غزو، وقد قدمنا الكلام على حجج الفريقين مستوفى.

قوله: (فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه) فيه جواز ترك الرد على من سلم وهو مرتكب لمنهي عنه ردعًا له وزجرًا عن معصيته. قال ابن رسلان: ويستحب أن يقول المسلم عليه أنا لم أرد عليك لأنك مرتكب لمنهي عنه.

وكذلك يستحب ترك السلام على أهل البدع

(2)

والمعاصي الظاهرة تحقيرًا لهم وزجرًا، ولذلك قال كعب بن مالك: فسلمت عليه فوالله ما رد السلام عليَّ

(3)

.

والجمع الذي ذكره الترمذي ونسبه إلى أهل الحديث جمع حسن لانتهاض الأحاديث القاضية بالمنع من لبس ما صبغ بالعصفر.

(1)

واسمه: عبد الواحد بن التين السفاقسي. توفي سنة 611 هـ.

واسم كتابه: المنجد الفصيح في شرح البخاري الصحيح.

اعتمده الحافظ في "الفتح" كما في "شجرة النور الزكية"(168) وبين كثيرًا من أوهامه وأخطائه.

انظر: "معجم المصنفات" ص 227.

(2)

انظر كتاب "حقيقة البدعة وأحكامها" تأليف: سعيد بن ناصر الغامدي. (2/ 223 - 374)

الفصل الثاني: حكم المبتدع.

(3)

يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (4418) ومسلم رقم (2769) حول توبة الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك. وفيه:

"فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرَّك شفتيه برد السلام عليّ أم لا؟ ".

ص: 395

[الباب السابع] * باب ما جاء في لبس الأبيض والأسود والأخضر والمزعفر والملوّنات

*

22/ 565 - (عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَب [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْبسُوا ثِيَابَ الْبَياضِ فإِتَها أطْهَرُ وَأَطْيَبُ وكَفِّنُوا فِيها مَوْتَاكُمْ". رَواهُ أحمَدُ

(2)

والنسائيُّ

(3)

والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحهُ)

(4)

[صحيح].

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه

(5)

والحاكم

(6)

، واختلف في وصله وإرساله، قال الحافظ في الفتح

(7)

: وإسناده صحيح، وصححه الحاكم.

وفي الباب عن ابن عباس عند الشافعي

(8)

وأحمد

(9)

وأصحاب السنن إلا النسائي

(10)

بلفظ: "البَسُوا من ثيابكم البياضَ، فإنها من خيرِ ثيابِكُم وكفنوا فيها موتاكم" وأخرجه ابن حبان

(11)

والحاكم

(12)

والبيهقي

(13)

بمعناه. وفي لفظ للحاكم (12):

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المسند (5/ 13، 17، 18، 19).

(3)

في سننه (4/ 34) وفي الكبرى رقم (9642).

(4)

في سننه رقم (2810) وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه الترمذي أيضًا في الشمائل رقم (66).

(5)

في سننه رقم (3567). وليس في رواية ابن ماجه: "وكفنوا فيها موتاكم".

(6)

في المستدرك (1/ 354 - 355) و (4/ 185).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (6199) والطبراني في "الكبير" رقم (6759، 6760، 6761، 6762) وفي "الأوسط" رقم (3939) وأبو نعيم في الحلية (4/ 378) والبيهقي في "الشعب" رقم (6319) وفي "الآداب" رقم (610) وفي السنن الكبرى (3/ 402) وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 266) والطيالسي رقم (894) والبغوي في شرح السنة رقم (3087) من طرق ..

(7)

(3/ 135).

(8)

رقم (563 - بدائع المنن).

(9)

في المسند (1/ 247، 274، 355، 363).

(10)

أبو داود رقم (3878) والترمذي رقم (994) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (1472) و (3566).

(11)

في صحيحه رقم (5423).

(12)

في المستدرك (1/ 354) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(13)

في السنن الكبرى (5/ 243) و (5/ 33). =

ص: 396

"خير ثيابكم اليباض فالبسوها أحياءكم وكفنوا بها موتاكم" وصحح حديث ابن عباس بن القطان

(1)

والترمذي

(2)

وابن حبان

(3)

.

وفي الباب أيضًا عن عمران بن الحصين عند الطبراني

(4)

.

وعن أنس عند أبي حاتم في العلل

(5)

، وعند البزار في مسنده

(6)

.

وعن ابن عمر عند ابن عدي في الكامل

(7)

.

وعن أبي الدرداء يرفعه عند ابن ماجه

(8)

بلفظ: "أحسن ما زرتم الله به في قبوركم ومساجدكم البياض".

والحديث يدل على مشروعية لبس البياض وتكفين الموتى به لعلة كونه أطهر من غيره وأطيب، أما كونه أطيب فظاهر، وأما كونه أطهر فلأن أدنى شيء يقع عليه يظهر فيغسل إذا كان من جنس النجاسة فيكون نقيًا كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في دعائه:"ونقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس"

(9)

والأمر المذكور في الحديث ليس للوجوب.

= قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (6200) و (6201) والطبراني في الكبير (ج 12/ رقم 12485، 12486، 12487، 12488، 12489، 12490، 12491، 12492، 12493) والبغوي في شرح السنة رقم (1477). وهو حديث صحيح.

(1)

في الوهم والإيهام رقم (160).

(2)

في السنن رقم (994) وقال: حديث حسن صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (5423).

(4)

في المعجم الكبير (18/ 225 - 226 رقم 560).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(5/ 128) وقال: وفيه من لم أعرفه.

(5)

(1/ 365 رقم 1079) قال ابن أبي حاتم: قال أبي هذا حديث منكر جدًّا، باطل بهذا الإسناد.

(6)

كما في "مجمع الزوائد"(5/ 128) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات.

(7)

في الكامل (7/ 73).

(8)

في سننه رقم (3568).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 148): "هذا إسناد ضعيف. شريح بن عبيد لم يسمع من أبي الدرداء. قاله المزي في "التهذيب" كذا قال العلائي في المراسيل والذي في "التهذيب" لم يذكر أن روايته عن أبي الدرداء مرسلة بل ذكرها ساكتًا عليها.

وقال الألباني في ضعيف ابن ماجه بأنه حديث موضوع.

(9)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (204/ 476) من حديث عبد الله بن أبي أوفى.

ص: 397

أما في اللباس فلما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من لبس غيره وإلباس جماعة من الصحابة ثيابًا غير بيض، وتقريره لجماعة منهم على غير لبس البياض.

وأما في الكفن فلما ثبت عند أبي داود

(1)

. قال الحافظ بإسناد حسن من حديث جابر مرفوعًا: "إذا توفي أحدكم فوجد شيئًا فليكفن في ثوب حبرة".

23/ 566 - (وَعَنْ أنَس [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: كانَ أَحَبّ الثيابِ إلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَلْبَسَها الْحِبَرَةُ رَواهُ الجَماعَةُ إلّا ابْن ماجَهْ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (الحِبَرة) بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة بعدها. قال الجوهري

(4)

: الحبرة كعنبة: برد يمان يكون من كتان أو قطن، سميت حبرة لأنها محبرة أي مزينة والتحبير: التزيين والتحسين والتخطيط، ومنه حديث أبي ذر:"الحمد لله الذي أطعمنا الخمير، وألبسنا الحبير"

(5)

وإنما كانت الحبرة أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه ليس فيها كثير زينة ولأنها أكثر احتمالًا للوسخ من غيرها.

24/ 567 - (وَعَنْ أبِي رِمْثَةَ [رضي الله تعالى عنه] (2) قال: "رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَليهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ". رَوَاهُ الخمسةُ إلا ابْن ماجَهْ)

(6)

.

(1)

في السنن رقم (3150).

• أخرج البخاري رقم (5814) ومسلم رقم (48/ 942): أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته - أي عبد الرحمن بن عوف - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سُجَى ببْردة حِبرة".

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أحمد في المسند (3/ 291) والبخاري رقم (5813) ومسلم رقم (2079) وأبو داود رقم (4060) والترمذي رقم (1787) والنسائي (8/ 203).

(4)

في الصحاح (2/ 621).

(5)

أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 182) مرسلًا. بلفظ: "الحمد لله الذي أطعمني الخميرَ، وألبَسني الحريرَ، وزوجني خديجةَ وكنتُ لها عاشقًا".

وهو حديث منكر موضوع. فلا لبس صلى الله عليه وسلم الحرير، ولا عشق النساء.

وقد سقط من تلخيص الذهبي.

وآفته محمد بن الحجاج اتهمه ابن معين، والدارقطني، وابن عدي، وغيرهم.

كما في "لسان الميزان"(5/ 116).

(6)

أحمد في المسند (2/ 228) وأبو داود رقم (4065) والنسائي (3/ 185) والترمذي رقم (2812) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن إبادٍ.

ص: 398

الحديث حسنه الترمذي

(1)

. وقال (1): "لا نعرِفُه إلا من حديث عبيدِ اللهِ بن إيَادٍ". انتهى. وعبيد الله

(2)

وأبوه

(3)

ثقتان، وأبو رِمثة بكسر الراء وسكون الميم بعدها ثاءٍ مثلثة مفتوحة واسمه رفاعة بن يثربي كذا قال صاحب التقريب

(4)

، وقال الترمذي (1): اسمه حبيب بن وهب.

ويدل على استحباب لبس الأخضر لأنه لباس أهل الجنة وهو أيضًا من أنفع الألوان للأبصار ومن أجملها في أعين الناظرين.

25/ 568 - (وعَنْ عائِشةَ رضي الله عنها قالَتْ: خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ وَعليهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعرٍ أسْوَدَ. رَواهُ أحمدُ

(5)

ومُسْلِمٌ

(6)

والتِّرْمِذيُّ وَصَحَّحهُ)

(7)

. [صحيح]

قوله: (مِرْط) بكسر الميم وسكون الراء المهملة كساء من صوف أو خز، والجمع مروط كذا في القاموس

(8)

. وقيل: كساء من خز أو كتان.

قوله: (مُرَحَّلٌ) بميم مضمومة وراء مهملة مفتوحة وحاء مهملة مشددة ولام كمعظم وهو برد فيه تصاوير. قال في القاموس

(9)

: وتفسير الجوهري إياه بإزار خز فيه علم غير جيد، إنما ذلك تفسير المرجل بالجيم انتهى. وتلك التصاوير هي صور الرحال، والرحال تطلق على المنازل وعلى الرواحل وعلى ما يوضع على الرواحل يستوي عليه الراكب، والترحيل مصدر رحل البرد أي وشاه،

(1)

في السنن (5/ 119).

(2)

عُبيد الله بن إياد بن لَقيط السَّدوسي، أبو السَّليل، الكوفي. كان عريفَ قومه: صدوق ليّنه البزارُ وحدَه. "التقريب" رقم (4277).

وقال المحرران: "بل ثقة. فقد أطلق توثيقه ابن معين، والنسائي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وابن شاهين، والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات" ولا قيمة لقول البزار تجاه هؤلاء الجهابذة".

(3)

إياد بن لقيط السدوسي: ثقة. "التقريب" رقم (582).

(4)

رقم (8102).

(5)

في المسند (6/ 162).

(6)

في صحيحه رقم (2081).

(7)

في سننه رقم (2813) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

(8)

القاموس المحيط ص 887.

(9)

القاموس المحيط ص 1299.

ص: 399

[قال النووي

(1)

:]

(2)

والمراد تصاوير رحال الإبل ولا بأس بهذه الصورة انتهى.

وسيأتي الكلام على حكم ما فيه صورة في الباب الذي بعد هذا

(3)

.

والحديث يدل على أنه لا كراهة في لبس السواد. وقد أخرج أبو داود

(4)

والنسائي

(5)

من حديث عائشة قالت: "صُبِغَتْ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بردة سوداء فلبسها فلما عرقَ فيها وجدَ ريحَ الصُّوف فقذفها [وقال أحسبه] (2) قال: وكان يعجبه الريح الطيبة".

26/ 569 - (وَعَنْ أُمِّ خالِدٍ [رضي الله تعالى عنها]

(6)

قالَتْ: "أُتيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِثيابٍ فِيها خَميصَة سَوْداءُ، فقالَ: "مَنْ تَرَوْنَ نَكسُو هَذِهِ الخَمِيصَةَ؟ " فأُسْكِتَ الْقَوْم، فقالَ: "ائْتُونِي بِأُمّ خالِدٍ" فأُتِيَ بِي إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فألْبَسَنيها بِيَدِهِ، وَقالَ: "أَبْلِي وَأَخْلقِي" مَرَّتَيْن، وَجَعَلَ يَنْظُرُ إلَى عَلَمِ الخَمِيصَةِ، ويُشيرُ بَيَدِهِ إلَيَّ، وَيقُولُ: "يا أُمِّ خالدِ هَذَا سَنَّا يا أم خالد هذا سَنَّا" والسَّنَّا بِلِسانِ الْحَبَشَةِ: الْحَسَنُ". رَواهُ البُخاريُّ)

(7)

. [صحيح]

قوله: (خَمِيصة) بفتح المعجمة وكسر الميم وبالصاد المهملة كساء مربع له علمان، [فإن لم يكن له علم فليس بخميصة](2).

قوله: (نكسو هذه) بالنون للمتكلم.

قوله: (فأُسكت القوم) بضم الهمزة على البناء للمجهول.

قوله: (أَبلي وأخلِقي) هذا من باب التفاؤل والدعاء للّابس بأن يعمر ويلبس ذلك الثوب حتى يبلى ويصير خلقًا.

وفيه أنه يستحب أن يقال لمن لبس ثوبًا جديدًا كذلك.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 57).

(2)

زيادة من (أ) و (ب).

(3)

الباب الثامن عند الحديث رقم (28/ 571) من كتابنا هذا.

(4)

في سننه رقم (4074).

(5)

في السنن الكبرى رقم (9561).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (6/ 144، 219، 249) والحاكم في المستدرك (4/ 188 - 189) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.

وأورده المحدث الألباني في الصحيحة رقم (2136).

(6)

زيادة من (جـ).

(7)

في صحيحه رقم (5845).

ص: 400

وأخرج ابن ماجه

(1)

عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصًا أبيض فقال: البس جديدًا وعش حميدًا ومت شهيدًا".

وأخرج أبو داود

(2)

.

(1)

في السنن رقم (3558).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 146): "هذا إسناد صحيح، رواه النسائي في اليوم والليلة عن نوح بن حبيب عن معمر به.

ورواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر أيضًا.

قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ: لا أعلم أحدًا رواه عن الزهري غير معمر، وما أحسبه بالصحيح والله أعلم" اهـ.

قلت: وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (311) وقال: "قال أبو عبد الرحمن: وهذا حديث منكر، أنكره يحيى بن سعيد القطان على عبد الرزاق، لم يروه عن معمر غيرُ عبد الرزاق، وقد روي هذا الحديث عن معقل بن عبد الله واختلف عليه فيه، فروي عن معقل عن إبراهيم بن سعد عن الزهري مرسلًا. وهذا الحديث ليس من حديث الزهري والله أعلم" اهـ.

وأخرجه أحمد في المسند (2/ 88 - 89) ورجاله ثقات.

وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 490 رقم 1470): عن أبيه أنه قال عن هذا الحديث بأنه حديث باطل.

وأخرجه أيضًا عبد بن حميد رقم (723).

وأبو يعلى في المسند رقم (5545) وابن حبان في صحيحه رقم (6897) والطبراني في الكبير رقم (13127) وفي الدعاء رقم (399) وابن السني في اليوم والليلة رقم (269) كلهم عن عبد الرزاق، وهذا في مصنفه (11/ 223 رقم (20382) عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، به.

وقال الحافظ في "نتائج الأفكار"(1/ 137 - ): قلت: "وجدت له شاهدًا مرسلًا، أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/ 453)(10/ 410) عن عبد الله بن إدريس، عن أبي الأشهب، عن رجل بنحو رواية أحمد، فذكر المتن.

وأبو الأشهب اسمه جعفر بن حيان العطاردي، وهو من رجال الصحيح، وسمع من كبار التابعين، وهذا يدل على أن للحديث أصلًا، وأقل درجاته أن يوصف بالحسن.

وعجبت من اقتصار الشيخ في عزوه إلى ابن ماجه وابن السني والله الموفق" اهـ.

وخلاصة القول أن الحديث حسن والله أعلم.

(2)

في سننه (4520).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1767) والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (310) والحاكم في المستدرك (4/ 192) وصححه على شرط مسلم. =

ص: 401

وسعيد بن منصور

(1)

من حديث أبي نضرة قال: "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبًا جديدًا قيل له تبلي ويخلف الله تعالى" وسنده صحيح.

قوله: (هذا سَنّا) بفتح السين المهملة وتشديد النون وفيه جواز التكلم باللغة العجمية ومعناه حسن.

والحديث يدل على أنه يجوز للنساء لباس الثياب [السود]

(2)

ولا أعلم في ذلك خلافًا.

27/ 570 - (وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]

(3)

أنهُ كانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ وَيَدَّهِنُ بِالزعْفَرَانِ، فقِيلَ لهُ لِمَ تَصْبُغُ ثِيابَكَ وَتَدَّهِنُ بِالزَّعْفَرَانِ؟ فَقالَ: إني رَأَيْتُهُ أحَبَّ الأصْباغِ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَدَّهِنُ بِهِ وَيَصْبغُ بِهِ ثِيابَهُ رَواهُ أحمدُ

(4)

وَكذلِكَ أبُو داودَ

(5)

والنسائيُّ

(6)

بِنَحْوهِ وفي لَفْظِهِما: وَلَقَدْ كانَ يَصْبُغُ ثِيابَهُ كُلَّها حَتى عِمَامَتَهُ). [صحيح]

الحديث في إسناده اختلاف كما قال المنذري

(7)

، ولم يذكر أبو داود والنسائي الزعفران، وأخرج البخاري

(8)

ومسلم

(9)

من حديث عبيد بن جريج عن ابن عمر أنه قال: "وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها [فإني]

(10)

أحب أن أصبغ بها" قال المنذري

(11)

: واختلف الناس في ذلك فقال بعضهم: أراد الخضاب للّحية بالصفرة. وقال آخرون: أراد يصفر ثيابه ويلبس ثيابًا صفرًا انتهى. ويؤيد القول الثاني تلك الزيادة التي أخرجها أبو داود (5) والنسائي (6).

قوله: (حتى عمامته) بالنصب.

= وقد حسن الحافظ الحديث في "نتائج الأفكار"(1/ 122) للشاهد الذي رواه أبو داود والترمذي رقم (3458) والحاكم (1/ 507) من حديث معاذ بن أنس.

(1)

لم أعثر عليه.

(2)

في (جـ): الحمر وقد شطب عليها في (أ).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في المسند (2/ 97).

(5)

في السنن رقم (4064).

(6)

في السنن (8/ 140).

وهو حديث صحيح.

(7)

في "المختصر"(6/ 38 رقم 3906).

(8)

في صحيحه رقم (166).

(9)

في صحيحه رقم (1187).

(10)

في (ب): (فأنا).

(11)

في: "المختصر"(6/ 38).

ص: 402

والحديث يدل على مشروعية صبغ الثياب بالصفرة، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب نهي الرجال عن المعصفر

(1)

. وفيه أيضًا مشروعية الادهان بالزعفران. ومشروعية صباغ اللحية بالصفرة لقوله صلى الله عليه وسلم في رواية النسائي

(2)

وغيره

(3)

: "إنَّ اليهودَ والنصارى لا تصبغ فخالفوهم واصبغوا".

قال ابن الجوزي: قد اختضب جماعة من الصحابة والتابعين بالصفرة. ورأى أحمد بن حنبل رجلًا قد خضب لحيته فقال: إنِّي لأرى الرجل يحيى ميتًا من السنة وقد تقدم الكلام على الخضاب في باب تغيير الشيب بالحناء والكتم

(4)

.

[الباب الثامن] باب حكم ما فيه صورة من الثياب والبسط والستور والنهي عن التصوير

28/ 571 - (عَنْ عائِشَةَ [رضي الله تعالى عنها]

(5)

: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ في بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إلَّا نقَضَهُ". رَوَاهُ البُخاريُّ

(6)

وأبُو دَاوُد

(7)

وأحمدُ

(8)

وَلَفْظُهُ "لَمْ يَكُنْ يَدَعُ في بَيْتِهِ ثَوْبًا فِيهِ تَصْليبٌ إلَّا نَقَضهُ). [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا النسائي

(9)

.

قوله: (لم يكن يترك في بيته شيئًا) يشمل الملبوس والستور والبسط والآلات وغير ذلك.

قوله: (فيه تصاليب) أي صورة صليب من نقش ثوب أو غيره والصليب فيه صورة عيسى عليه السلام تعبده النصارى.

(1)

الباب السادس عند الحديث رقم (17/ 560) من كتابنا هذا.

(2)

في سننه (8/ 137).

(3)

كأحمد في المسند (2/ 401) والبخاري في صحيحه رقم (3462)، ومسلم في صحيحه رقم (2103) وأبو داود رقم (4203).

(4)

الباب الثامن عند الحديث رقم (21/ 138) من كتابنا هذا.

(5)

زيادة من (جـ).

(6)

في صحيحه رقم (5952).

(7)

في سننه رقم (4151).

(8)

في المسند (6/ 52).

(9)

في السنن الكبرى رقم (9791).

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (4641) وإسحاق بن راهويه رقم (1690). وهو حديث صحيح.

ص: 403

قوله: (نَقَضَه) بفتح النون والقاف والضاد المعجمة: أي كسره وأبطله وغير صورة الصليب. وفي رواية أبي داود

(1)

"قَضَبَهُ" بالقاف المفتوحة والضاد المعجمة والباء الموحدة: أي قطع موضع [التصليب]

(2)

منه دون غيره، والقضب: القطع كذا قال ابن رسلان.

والحديث يدل على عدم جواز اتخاذ الثياب والستور والبسط وغيرها التي فيها تصاوير، وعلى جواز تغيير المنكر باليد من غير استئذان مالكه، زوجة [كانت]

(3)

أو غيرها، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة "أنه كان يهوي بالقضيب الذي في يده إلى كل صنم فيخر لوجهه ويقول:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}

(4)

حتى مر على ثلثمائة وستين صنمًا"

(5)

.

وأخرج البخاري

(6)

من حديث ابن عباس قال: "لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت ورأى صورة إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام فقال: قاتَلَهمُ اللهُ، واللهِ إنِ اسْتَقْسَما بالأزلامِ قَطُّ".

قال النووي

(7)

: "قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بالوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره فصنعته حرام بكل حال، لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم ودينار وفلس وإناء وحائط وغيرها.

وأما تصوير صورة الشجر وجبال الأرض وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام هذا حكم نقش التصوير.

وأما اتخاذ ما فيه صورة حيوان فإن كان معلقًا على حائط أو ثوبًا أو عمامة أو نحو ذلك مما لا يعد ممتهنا فهو حرام إون كان في بساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما

(1)

في سننه رقم (4151).

(2)

في (أ) و (جـ): (التصلب).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

سورة الإسراء: الآية 81.

(5)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 377) والبخاري رقم (2478) ومسلم رقم (1781) والترمذي رقم (3138) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(6)

في صحيحه رقم (3352).

(7)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 81 - 82).

ص: 404

يمتهن فليس بحرام ولكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت وسيأتي.

قال: ولا فرق في ذلك كله بين ما له ظل وما لا ظل له قال هذا تلخيص مذهبنا في المسألة، وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم.

وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل، ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل، وهذا مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصور فيه لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة.

وقال الزهري: النهي في الصورة على العموم وكذلك استعمال ما هي فيه ودخول البيت الذي هي فيه سواء كانت رقمًا في ثوب أو غير رقم وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن عملًا بظاهر الأحاديث لا سيما حديث النمرقة الذي ذكره مسلم

(1)

وهذا مذهب قوي.

وقال آخرون: يجوز منها ما كان رقمًا في ثوب سواء امتهن أم لا، وسواء علق في حائط أم لا، قال: وهو مذهب القاسم بن محمد وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره.

قال القاضي عياض

(2)

: إلا ما ورد في اللعب بالبنات لصغار البنات والرخصة في ذلك، لكن كره مالك شراء الرجل ذلك لابنته وادعى بعضهم أن إباحة اللعب بالبنات [منسوخ]

(3)

بهذه الأحاديث" انتهى.

29/ 572 - (وَعَنْ عائشةَ [رضي الله تعالى عنها]

(4)

أنَّها نَصَبَتْ سِتْرًا وَفِيهِ تَصاويرُ فَدَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فنَزَعَهُ قالَتْ: فَقَطَعْتُهُ وِسَادَتَيْنِ فكانَ يَرْتَفِقُ عَلَيْهِما. مُتَّفَقٌ عَليهِ

(5)

. وفي لَفْظِ أحمَدَ

(6)

: فَقَطَعْتُهُ مِرْفَقَتَيْنِ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ مُتَّكِئًا على إحْدَاهُما وَفيها صورَةٌ). [صحيح]

(1)

رقم (96/ 2106).

(2)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(6/ 635 - 636).

(3)

في (ب): (منسوخة).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

أحمد في المسند (6/ 247) والبخاري رقم (5954) ومسلم رقم (95/ 2106).

(6)

في المسند (6/ 247) وقد تقدم.

ص: 405

قوله: (فنزعه) فيه الإرشاد إلى إزالة التصاوير المنقوشة على الستور.

قوله: (فقطعته وسادتين) فيه أن الصورة والتمثال إذا غيرا لم يكن بهما بأس بعد ذلك وجاز افتراشهما والارتفاق عليهما.

قوله: (فكان يرتفق) في القاموس

(1)

ارتفَقَ: اتكَأَ على مِرْفَقِ يدِه أو على المِخَدَّةِ.

قوله: (فقطعته مرفقتين) تثنية مرفقة كمكنسة وهي المخدة.

والحديث يدل على جواز افتراش الثياب التي كانت فيها تصاوير وعلى استحباب الارتفاق لما يشعر به لفظ كان من استمراره على ذلك وكثيرًا ما يتجنبه الرؤساء تكبرًا.

30/ 573 - (وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه] (2) قالَ: قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "أتانِي جِبْرِيلُ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

فقالَ: إني كُنْتُ أتيْتُكَ اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَمْنَعني أنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ الذِي أنْتَ فِيهِ إلَّا أنهُ كانَ فِيهِ تِمْثالُ رَجُلٍ وَكَانَ في الْبَيْتِ قِرامٌ سِتْرٌ فِيهِ تَمَاثِيلُ وكانَ في البَيْتِ كلْبٌ فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الذِي في باب البيْتِ يُقْطَعُ يَصيرُ كهَيْئَةِ الشَّجَرةَ، وَأُمُر بالسِّتْر يُقْطَعُ فَيجْعَلُ وِسادَتَيْنِ مُنْتَبذَتَيْنِ تُوطآن، وَأُمْرُ بالْكَلْبِ يُخْرَجُ" فَفَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَإِذَا الْكَلْبُ جَرْوٌ وَكان لِلْحَسَن والْحُسَيْنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُمْ. رَوَاهُ أَحَمْدُ

(3)

وأبو دَاوُدَ

(4)

والترمِذِيُّ وصَحَّحهُ)

(5)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا النسائي

(6)

.

قوله: (الليلة) وفي رواية أبي داود (4)"البارحة".

قوله: (قِرام ستر) بكسر القاف وتخفيف الراء والتنوين وروي بحذف التنوين

(1)

القاموس المحيط ص 1145.

(2)

زيادة من (جـ). وفي (ب) عليه السلام.

(3)

في المسند (2/ 305).

(4)

في سننه رقم (4158).

(5)

في سننه رقم (2806) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 287) وابن حبان في صحيحه رقم (5854) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 270) من طرق.

(6)

في السنن الكبرى (رقم: 9793).

ص: 406

والإضافة وهو الستر الرقيق من صوف [ذي]

(1)

ألوان.

قوله: (فيه تماثيل) وفي رواية لمسلم

(2)

"وقد سترت سهوة لي بقرام"

والسهوة: الخزانة الصغيرة، وفي رواية للنسائي

(3)

"قال جبريل: كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير". واختلاف الروايات يبين بعضها بعضًا.

قوله: (فمُر) بضم الميم أي فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: مر.

قوله: (يصير كهيئة الشجرة) لأن الشجر ونحوه مما لا روح فيه [لا يحرم]

(4)

صنعته ولا التكسب به من غير فرق بين الشجر المثمرة وغيرها.

قال ابن رسلان: وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهدًا فإنه جعل الشجر المثمرة من المكروه لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال حاكيًا عن الله تعالى: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي"

(5)

.

قوله: (وأمر بالستر) روا ية أبي داود

(6)

"ومر"، وكذلك قوله "وأمر بالكلب".

قوله: (منتبذتين) أي مطروحتين على الأرض، ولفظ أبي داود (6)"منبوذتين".

قوله: (وكان للحسن والحسين) فيه جواز تربية جرو الكلب للولد الصغير، وقد يستدل به على طهارة الكلب، وقد تقدم الكلام على ذلك وعلى جواز اتخاذه لغير الاصطياد.

قوله: (تحت نَضَد) بفتح النون والضاد المعجمة فَعَلْ بمعنى مفعول: أي تحت متاع البيت المنضود بعضه فوق بعض. وقيل: هو السرير سُمِّى بذلك لأن النضد يوضع عليه: أي يجعل بعضه فوق بعض. وفي حديث مسروق "شجر الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها"

(7)

أي ليس لها سوق بارزة، ولكنها منضودة بالورق والثمار من أسفلها إلى أعلاها.

(1)

في (أ): (ذو).

(2)

في صحيحه رقم (91/ 2106).

(3)

في سننه (8/ 216) من حديث أبي هريرة.

(4)

في (ب): (لا تحرم).

(5)

أخرجه البخاري رقم (5953) ومسلم رقم (101/ 2111) من حديث أبي هريرة.

(6)

في سننه رقم (4158).

(7)

ذكره ابن الأثير في "النهاية"(5/ 71).

ص: 407

والحديث يدل على أنها لا تدخل الملائكة البيوت التي فيها تماثيل أو كلب كما ورد من حديث أبي طلحة الأنصاري عند البخاري

(1)

ومسلم

(2)

وأبي داود

(3)

والترمذي

(4)

والنسائي

(5)

بلفظ قال: قال [رسول

(6)

الله]صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تماثيل" زاد أبو داود

(7)

والنسائي

(8)

عن علي مرفوعًا "ولا جنب" قيل: أراد بالملائكة السياحين غير الحفظة وملائكة الموت.

قال في معالم السنن

(9)

: الملائكة الذين ينزلون بالبركة والرحمة وأما الحفظة فلا يفارقون الجنب وغيره.

قال النووي في شرح مسلم

(10)

: سبب امتناع الملائكة من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة، وسبب امتناعهم من بيت فيه كلب كثرة أكله النجاسات، ولأن بعضها يسمى شيطانًا كما جاء في الحديث، والملائكة ضد الشياطين، وخص الخطابي ذلك بما كان يحرم اقتناؤه من الكلاب، وبما لا يجوز تصويره من الصور لا كلب الصيد والماشية، ولا الصورة التي في البساط والوسادة وغيرهما، فإن ذلك لا يمنع دخول الملائكة والأظهر أنه عام في كل كلب وفي كل صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث، ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت السرير كان له فيه عذر فإنه لم يعلم به ومع هذا امتنع جبريل من دخول البيت لأجل ذلك الجرو.

31/ 574 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]

(11)

أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "الذِينَ يَصْنَعُونَ هذه الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقالُ لَهُمْ أحْيُوا ما خَلَقْتُمْ")

(12)

. [صحيح]

(1)

في صحيحه رقم (3226).

(2)

في صحيحه رقم (2106).

(3)

في سننه رقم (4153).

(4)

في سننه رقم (2805) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(5)

في سننه (8/ 212).

وهو حديث صحيح.

(6)

زيادة من (أ).

(7)

في سننه رقم (227).

(8)

في سننه (1/ 141).

(9)

(1/ 154 - هامش السنن).

(10)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 84).

(11)

زيادة من (جـ).

(12)

أخرجه البخاري رقم (5951) ومسلم رقم (2108) وأحمد (2/ 4، 20، 101).

ص: 408

32/ 575 - (وَعَن ابْنِ عباس [رضي الله تعالى عنهما]

(1)

وجاءَهُ رَجُلٌ، فقال: إنِّي أُصَوّر هذِهِ التَّصاوِيرَ فأفتَنِي فِيها، فقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "كُلُّ مُصَوِّرٍ في النَّار يُجْعَلُ لهُ بِكُلِّ صورَةٍ صَوَّرَها نَفْسًا تُعَذِّبهُ في جَهنَّمَ"، "فإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فاعِلًا فاجْعَلِ الشجرَ وَمما لَا نَفْس لَهُ"

(2)

. مُتَّفَقٌ عليْهِما). [صحيح]

الحديثان يدلان على أن التصوير من أشد المحرمات للتوعد عليه بالتعذيب في النار وبأن كل مصور من أهل النار ولورود لعن المصورين في أحاديث أخر، وذلك لا يكون إلا على محرم متبالغ في القبح وإنما كان التصوير من أشد المحرمات الموجبة لما ذكر لأن فيه مضاهاة لفعل الخالق جل جلاله ولهذا سمى الشارع فعلهم خلقًا وسماهم خالقين وظاهر قوله:"كل مصور"، وقوله:"بكل صورة صوّرها" أنه لا فرق بين المطبوع في الثياب وبين ما له جرم مستقل.

ويؤيد ذلك ما في حديث عائشة المتقدم

(3)

من التعميم، وما في حديث مسلم

(4)

وغيره

(5)

"أن النبي صلى الله عليه وسلم هتك درنوكًا لعائشة كان فيه صور الخيل ذوات الأجنحة حتى اتخذت منه وسادتين". والدرنوك: ضرب من الثياب أو البسط.

وما أخرج البخاري

(6)

ومسلم

(7)

والموطأ

(8)

والنسائي

(9)

من حديث عائشة قالت: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه هتكه وتلون وجهه، وقال: يا عائشة أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله".

وما أخرجه البخاري

(10)

والترمذي

(11)

والنسائي

(12)

من حديث ابن عباس

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 308) والبخاري رقم (2225) ومسلم رقم (2110).

(3)

رقم (29/ 572) من كتابنا هذا.

(4)

في صحيحه رقم (90/ 2107).

(5)

كالبخاري رقم (5955) والنسائي (8/ 213) وابن ماجه رقم (3653).

(6)

في صحيحه رقم (5954).

(7)

في صحيحه رقم (2107).

(8)

(2/ 966).

(9)

في سننه (8/ 114). وهو حديث صحيح.

(10)

في صحيحه رقم (2225) ورقم (5963) ورقم (7042).

(11)

في السنن رقم (1751) وقال: حديث حسن صحيح.

(12)

في سننه (8/ 215). =

ص: 409

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صوّر صورة عذبه الله [تعالى]

(1)

بها يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح وما هو بنافخ".

فهذه الأحاديث قاضية بعدم الفرق بين المطبوع من الصور والمستقل، لأن اسم الصُّورَة صادق على الكل إذ هي كما في كتب اللغة

(2)

: الشكل، وهو يقال لما كان منها مطبوعًا على الثياب شكلًا، نعم حديث أبي طلحة عند مسلم

(3)

وأبي داود

(4)

وغيرهما بلفظ: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تمثال" وفيه أنه قال: "إلا رقمًا في ثوب" فهذا إن صح رفعه كان مخصصًا لما رقم في الأثواب من التماثيل.

قوله: (أحيوا ما خلقتم) هذا من باب التعليق بالمحال والمراد أنهم يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: لا تزالون في عذاب حتى تحيوا ما خلقتم وليسوا بفاعلين وهو كناية عن دوام العذاب واستمراره وهذا الذي قدرناه في تفسير الحديث مصرح بمعناه في حديث ابن عباس المتقدم

(5)

والأحاديث [يفسر]

(6)

بعضها بعضًا.

قوله: (فاجعل الشجر وما لا نفس له) فيه الإذن بتصوير الشجر وكل ما ليس له نفس وهو يدل على اختصاص التحريم بتصوير الحيوانات.

قال في البحر

(7)

: ولا يكره تصوير الشجر ونحوها من الجماد إجماعًا.

[الباب التاسع] باب ما جاء في لبس القميص والعمامة والسراويل

33/ 576 - (عَنْ أبِي أُمامَةَ [رضي الله تعالى عنه] (1) قالَ: قُلْنا يا رَسُولَ الله

= قلت: وأخرجه مسلم رقم (100/ 2110) وأبو يعلى رقم (2691) والطبراني في "الكبير" رقم (12900) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 269) والبغوي في شرح السنة رقم (3219) وأحمد في المسند (1/ 241، 350) وهو حديث صحيح.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في القاموس المحيط ص 548.

(3)

في صحيحه رقم (2106) وقد تقدم.

(4)

في سننه رقم (4153) وقد تقدم.

تقدم تخريج الحديث في نهاية شرح الحديث (30/ 573) من كتابنا هذا.

(5)

رقم (32/ 575) من كتابنا هذا.

(6)

في (جـ): (تفسر).

(7)

البحر الزخار (4/ 368).

ص: 410

إنَّ أَهْلَ الْكِتاب يَتَسَرْوَلُونَ وَلَا يأتَزِرُونَ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا وَخالِفُوا أهْل الكتابِ" رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [حسن]

34/ 577 - (وَعَنْ مالِكِ بْنِ عُمَيْرٍ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: بعْتُ من رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رِجْل سَرَاوِيلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَوَزَنَ لي فأرْجَحَ لِي. رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وابْنُ ماجَهْ)

(4)

. [حسن]

أما حديث أبي أمامة فلم أقف فيه على كلام لأحد إلا ما ذكره في مجمع الزوائد

(5)

، فإنه قال: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح، خلا القاسم وهو ثقة، وفيه كلام لا يضر انتهى.

وفيه الإِذن بلبس السراويل وأن مخالفة أهل الكتاب تحصل بمجرد الاتزار في بعض الأوقات لا بترك لبس السراويل في جميع الحالات فإنه غير لازم وإن

(1)

في المسند (5/ 264) بسند صحيح.

قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير رقم (7924) دون قوله: "فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب".

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 131) وقال: "رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح خلا القاسم وهو ثقة، وفيه كلام لا يضر".

قال المحدث الألباني في "جلباب المرأة المسلمة" ص 184: "زيد بن يحيى ليس من رجال الصحيح فجعله منهم سهو "وحسنه الحافظ في "الفتح"(10/ 354).

والخلاصة أن حديث أبي أمامة حديث حسن والله أعلم.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في المسند (4/ 352).

(4)

في سننه رقم (2221). قلت: وأخرجه ابن قانع في "معجمه"(3/ 32) والطيالسي رقم (1193) وأبو داود رقم (3337) والنسائي (7/ 284) وفي الكبرى رقم (6185، 9671، 9672، 9673) والحاكم في المستدرك (2/ 30 - 31) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 33) والطبراني في المعجم الكبير رقم (7402) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (1670) من طرق عن شعبة قال الحاكم: الحديث صحح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. عن سماك، عن مالك أبي صفوان بن عمير، به.

والخلاصة فالحديث حسن.

من أجل سماك بن حرب، وقد اختلف عليه فيه بين سفيان الثوري، وشعبة، والقول قول سفيان. كما في حديث (سويد بن قيس) الآتي.

(5)

(5/ 131) وقد تقدم.

ص: 411

كان أدخل في المخالفة. وأما حديث مالك بن عمير فأخرجه أيضًا أبو داود

(1)

والنسائي

(2)

[ورجال إسناده رجال الصحيح]

(3)

.

ويشهد لصحته حديث سويد بن قيس قال: "جلبت أنا ومخرمة العبدي بزًّا من هجر فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي فساومنا سراويل فبعناه وثم رجل يزن بالأجر فقال له: زن وأرجح". رواه الخمسة

(4)

وصححه الترمذي وسيأتي في أبواب الإجارة

(5)

إن شاء الله [تعالى]

(6)

. وحديث مالك بن عمير المذكور هو عند أحمد

(7)

من طريق يزيد بن هارون عن شعبة عن سماك بن حرب عنه، وقد صرح كثير من الأئمة بثبوت شرائه صلى الله عليه وسلم للسراويل.

قال في الهدي

(8)

: (فصل) واشترى صلى الله عليه وسلم سراويل، والظاهر أنه إنما اشتراها ليلبَسها، وقد روي في غير حديث أنه لبس السراويل، وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه" انتهى.

وقال في الفصل الذي بعد هذا في الهدى

(9)

: "ولبس البرود اليمانية، والبردَ الأخضر ولبسَ الجبة، والقَباء والقميص، والسراويل. انتهى.

(1)

في سننه رقم (3337) وقد تقدم.

(2)

في سننه (7/ 284) والكبرى رقم (6185، 9671، 9672، 9673) وقد تقدم.

(3)

زيادة من (أ) و (ب).

(4)

أحمد في المسند (4/ 352) وأبو داود رقم (3336) والترمذي في سننه رقم (1305) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (7/ 284) وفي الكبرى رقم (6184، 9670) وابن ماجه رقم (2220) و (3579) قلت: وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (14341) والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 41، 142) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (1669) وابن قانع في "معجمه"(3/ 126) والطبراني في الكبير رقم (6466) والحاكم في المستدرك (2/ 30) والبهيقي في السنن الكبرى (6/ 32 - 33) والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق"(2/ 151 - 152) وغيرهم مطولًا ومختصرًا. من طرق عن سفيان، به.

والخلاصة فالحديث صحيح والله أعلم.

(5)

عند الحديث رقم (3/ 2360) من كتابنا هذا.

(6)

زيادة من (ب).

(7)

عزاه ابن عساكر في "ترتيب أسماء الصحابة" ص 97 إلى الخامس عشر من مسند الأنصار.

كما جاء هذا الطريق في "أطراف المسند"(5/ 250).

ولم أجد هذا الطريق في المسند المطبوع.

(8)

في "زاد المعاد في هدي خير العباد"(1/ 134).

(9)

في المرجع السابق (1/ 138).

ص: 412

قال في المواهب اللدنية للقسطلاني

(1)

: "وأما السراويل فاختلف هل لبسها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فجزم بعض العلماء بأنه صلى الله عليه وسلم لم يلبسه، ويستأنس له بما جزم به النووي

(2)

في ترجمة عثمان رضي الله [تعالى]

(3)

عنه من كتاب "تهذيب الأسماء واللغات" أنه لم يلبس السراويل في جاهلية ولا إسلام إلى يوم قتله، فإنهم كانوا أحرص شيء على اتباعه، لكن قد ورد في حديث أبي يعلى الموصلي

(4)

بسند ضعيف جدًّا عن أبي هريرة قال: "دخلتُ السوق يومًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى البزاز فاشترى منه سراويل بأربعة دراهم وكان لأهل السوق وزَّانٌ يزن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزن راجحًا؟ فقال الوزَّانُ: إن هذه كلمة ما سمعتُها من أحد، قال أبو هريرة: فقلت له كفى بك من الجفاء في دينك أن لا تعرف نبيك؟ فطرح الميزان، ووثب إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يقبلها فجذب يده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: "يا هذا إنما تفعل هذا الأعاجمُ بملوكِها ولست بملِكٍ إنما أنا رجُل منكُم" فأخذ فوزن وأرجح وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السراويل. قال أبو هريرة: فذهبت لأحمله عنه فقال: "وصاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله إلا أن يكون ضعيفًا يعجز عنه فيعينهُ أخوه المسلم". قال: قلت: يا رسول الله وإنك لتلبس السراويل قال: "أجل في السفر والحضر والليل والنهار فإني أمرت بالستر فلم أجد شيئًا أستر منه" وكذا أخرجه ابن حبان في الضعفاء

(5)

عن أبي يعلى، ورواه الطبراني في الأوسط

(6)

، والدارقطني في الإفراد

(7)

والعقيلي في الضعفاء

(8)

، ومداره على يوسف بن زياد الواسطي وهو ضعيف

(9)

، عن شيخه عبد الرحمن بن

(1)

(2/ 463 - 464).

(2)

في "تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 321 - 325 رقم 395).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في مسنده (11/ 23 رقم 6162/ 322) بسند ضعيف جدًّا.

(5)

(2/ 51) من طريق أبي يعلى.

(6)

(5/ 121 - 122 - مجمع الزوائد). وقال الهيثمي: "رواه أبو يعلى، والطبراني في الأوسط، وفيه يوسف بن زياد وهو ضعيف".

(7)

عزاه إليه القسطلاني في "المواهب اللدنية"(2/ 464).

(8)

(4/ 453 - 554) في ترجمة يوسف بن زياد، أبو عبد الله.

(9)

بل منكر الحديث مشهور بالأباطيل. المجروحين (3/ 133) والميزان (4/ 465).

ص: 413

زياد بن أنعم الإفريقي وهو أيضًا ضعيف

(1)

، لكن قد صح شراء النبي صلى الله عليه وسلم للسراويل.

وأما اللبس فلم يأت من طريق صحيحة، ولهذا قال أبو عبد الله الحجازي في حاشيته على الشفاء

(2)

ما لفظه: وما قاله في الهدي من أنه صلى الله عليه وسلم لبس السراويل سبق قلم والله أعلم. وقد أورد أبو سعيد النيسابوري ذكر الحديث في السراويل وأورد فيه حديث المحرم لكونه لم يرد فيه شيء على شرطه".

35/ 578 - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَة [رضي الله تعالى عنها]

(3)

قالَتْ: كانَ أحَبّ الثِّيابِ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الْقُمُص رَواهُ أحمَدُ

(4)

وأبُو دَاوُدَ

(5)

والتِّرْمِذِيُّ"

(6)

.

الحديث أخرجه أيضًا النسائي

(7)

.

وقال الترمذي

(8)

: "حَسَنٌ غريبٌ إنما نعرِفُه من حديثِ عبد المؤمنِ بن خالدٍ

(1)

وقال البخاري: في حديثه بعض المناكير، وقال الدارقطني: ليس بالقوي. التاريخ الكبير (5/ 283) والمجروحين (2/ 50) والجرح والتعديل (5/ 234) والميزان (2/ 561).

(2)

ذكر ذلك القسطلاني في "المواهب اللدنية"(2/ 464).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في المسند (6/ 317).

(5)

في السنن رقم (4026).

(6)

في السنن رقم (1763) وفي "الشمائل" رقم (55).

قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير (ج 23/ رقم 1018) وفي الأوسط رقم (1088) وأبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" ص 100 والحاكم في المستدرك (4/ 192) والبيهقي في (شعب الإيمان) رقم (6241) وفي الآداب رقم (605) والبغوي في شرح السنة رقم (3069). من طرق عن أبي تُميلة، به.

قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

• وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1762) وفي الشمائل رقم (53) وفي العلل الكبير (2/ 736) عن محمد بن حميد الرازي، عن أبي تميلة، عن عبد المؤمن بن خالد، عن عبد الله بن بريدة، عن أم سلمة، به. ولم يقل عن أمه.

قال الترمذي: في السنن: هذا حديث حسن غريب. إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن خالد، تفرَّد به، وهو مروزي.

وقال في "العلل" سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: الصحيح عن عبد الله بن بريدة، عن أمه، عن أم سلمة.

قلت: محمد بن حميد الرازي ضعيف (التقريب) رقم (5834).

والخلاصة إن الحديث صحيح والله أعلم.

(7)

في السنن الكبرى رقم (9668).

(8)

في السنن (4/ 238).

ص: 414

تفرَّدَ به وهوَ مَرْوَزِيٌّ. وروى بعضُهم هذا الحديث عن أبي ثُميلة عن عبدِ المؤمنِ بن خالدٍ عن عبدِ الله بن بريدةَ عن أُمِّهِ عن أُمِّ سَلَمَة" قال

(1)

: "وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: حديث عبد الله بن بريدة عن أمه عن أم سلمة أصح". هذا آخر كلامه. وعبد المؤمن هذا قاضي مرو.

قال المنذري

(2)

: ولا بأس به وأبو ثميلة يحيى بن واضح أدخله البخاري في الضعفاء ووثقه يحيى بن معين.

والحديث يدل على استحباب لبس القميص وإنما كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أمكن في الستر من الرداء والإزار اللذين يحتاجان كثيرًا إلى الربط والإمساك وغير ذلك بخلاف القميص. ويحتمل أن يكون المراد من أحب الثياب إليه القميص لأنه يستر عورته ويباشر جسمه فهو شعار الجسد بخلاف ما يلبس فوقه من الدثار، ولا شك أن كل ما قرب من الإنسان كان أحب إليه من غيره، ولهذا شبه صلى الله عليه وسلم الأنصار بالشعار الذي يلي البدن بخلاف غيرهم فإنه شبههم بالدثار، وإنما سمى القميص قميصًا لأن الآدمي يتقمص فيه أي يدخل فيه ليستره، وفي حديث المرجوم إنه يتقمص في أنهار الجنة أي ينغمس فيها.

36/ 579 - (وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ [رضي الله تعالى عنهما]

(3)

قالَتْ: كانَتْ يَدُ كُمِّ قَمِيص رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى الرُّسْغِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

وَالتِّرْمِذِيُّ)

(5)

. [ضعيف]

37/ 580 - (وَعَنِ ابْنِ عباسٍ [رضي الله تعالى عنه] (3) قالَ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ قَمِيصًا قَصيرَ الْيَدَيْنِ وَالطُّولِ: رَوَاه ابنُ ماجَهْ)

(6)

[ضعيف]

الحديث الأول أخرجه النسائي

(7)

أيضًا، وقال الترمذي

(8)

، حسن غريب،

(1)

في "العلل"(2/ 736).

(2)

في "المختصر"(2/ 23).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في السنن رقم (4027).

(5)

في السنن رقم (1765) وقال: هذا حديث حسن غريب.

(6)

في السنن رقم (3577).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 149): "هذا إسناد فيه مسلم بن كيسان الملاي الكوفي وهو ضعيف.

وله شاهد من حديث أسماء بنت يزيد بن السكن - تقدم رقم (36/ 579) من كتابنا هذا - ".

(7)

في السنن الكبرى رقم (9666).

(8)

في السنن (4/ 238).

ص: 415

وفي إسناده شهر بن حوشب وفيه مقال مشهور

(1)

.

والحديث الثاني رواه ابن ماجه في سننه

(2)

من طريق عبيد بن محمد، قال: حدثنا الحسن بن صالح، ورواهُ أيضًا من طريق سفيانُ بن وَكِيع عن أبيه عن الحسن بن صالح عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس، وعبيد بن محمد ضعيف

(3)

، وسفيان بن وكيع أضعف منه

(4)

، ولكن شطره الأول يشهد له حديث أسماء هذا

(5)

، وشطره الثاني يشهد له حديث ابن عمر الآتي

(6)

في إسبال الإزار والعمامة والقميص.

قوله: (إلى الرسغ) بالسين المهملة هذا لفظ الترمذي ولفظ أبي داود الرِصْغ بالصاد المهملة الساكنة قبلها راء مكسورة

(7)

وبعدها غين معجمة وهو مفصل ما بين الكف والساعد، ويقال لمفصل الساق والقدم رسغ أيضًا قاله ابن رسلان في شرح السنن.

والحديثان يدلان على أن السنة في الأكمام أن لا تجاوز الرسغ.

(1)

شهر بن حوشب: قال ابن عدي: ليس بالقوي، وعن ابن عون: أن شهرًا تركوه، وقال الحافظ: شهر بن حوشب الأشعري، الشامي، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن: صدوق كثير الإرسال والأوهام

انظر: "التاريخ الكبير"(4/ 258 والمجروحين (1/ 361) والجرح والتعديل (4/ 382) والميزان (2/ 283) والتقريب (1/ 355) وتهذيب التهذيب (4/ 324) ولسان الميزان (7/ 244).

وخلاصة القول أن حديث أسماء بنت يزيد ضعيف والله أعلم. وقد ضعفه الألباني في "مختصر الشمائل" رقم (47).

(2)

وقد تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.

(3)

وهو كما قال.

(4)

سفيان بن وكيع بن الجرَّاح، أبو محمد الرُّؤاسي، الكوفي، كان صدوقًا إلا أنه ابتلي بورّاقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنُصح فلم يقبل فسقط حديثه. "التقريب" رقم (2456).

قال: المحراران: يعني: ضعيف، ضعفه أبو حاتم، والبخاري، والنسائي وأبو داود، والذهبي، وقال أبو زرعة: كان يُتهم بالكذب.

(5)

رقم (36/ 579) من كتابنا هذا. وهو حديث ضعيف.

(6)

رقم (43/ 586) من كتابنا هذا. وهو حديث صحيح.

(7)

بل براء مضمومة كما في سنن أبي داود. قال ابن منظور في "لسان العرب"(8/ 428) الرُّصغ: لغةً في الرُّسغ معروفة.

ص: 416

قال الحافظ ابن القيم في الهدي

(1)

: "وأما الأكمام الواسعة الطوال التي هي كالأخراج فلم يلبسها هو ولا أحد من أصحابه البتة، وهي مخالفة لسنته، وفي جوازها نظر، فإنها من جنس الخيلاء" انتهى.

وقد صار أشهر الناس بمخالفة هذه السنة في زماننا هذا العلماء فترى أحدهم وقد جعل لقميصه كمين يصلح كل واحد منهما أن يكون جبة أو قميصًا لصغير من أولاده أو يتيم، وليس في ذلك شيء من الفائدة الدنيوية إلا العبث وتثقيل المؤنة على النفس، ومنع الانتفاع باليد في كثير من المنافع وتعريضه لسرعة التمزق وتشويه الهيئة، ولا الدينية إلا مخالفة السنة والإسبال والخيلاء.

قال ابن رسلان: والظاهر أن نساءه صلى الله عليه وسلم كن كذلك يعني أن أكمامهنّ إلى الرسغ إذ لو كان أكمامهنّ تزيد على ذلك لنقل ولو نقل لوصل إلينا، كما نقل في الذيول من رواية النسائي

(2)

وغيره أن أم سلمة لما سمعت "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه" "قالت: يا رسول الله فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخينه شبرًا قالت: إذن [ينكشف]

(3)

أقدامهن قال: يرخينه ذراعًا ولا يزدن عليه". ويفرق بين الكف إذا ظهر وبين القدم، أن قدم المرأة عورة بخلاف كفها انتهى.

وفي الحديث الثاني دلالة على أن هديه صلى الله عليه وسلم كان تقصير القميص لأن تطويله إسبال وهو منهي عنه وسيأتي الكلام على ذلك.

38/ 581 - (وَعَنْ نافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]

(4)

قالَ: كانَ

(1)

في "زاد المعاد"(1/ 135).

(2)

في سننه (8/ 209).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1731) وقال: هذا حديث حسن صحيح وهو كما قال: من حديث عبد الله بن عمر.

وفي رواية لأبي داود رقم (4119) بلفظ: "رخَّص رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين في الذيل شبرًا، فاستزدنَه، فزادَهُنَّ شبرًا، فكُنَّ يرسلن إلينا، فنذرع لهنَّ في ذِراعًا".

والخلاصة إن حديث عبد الله بن عمر حديث صحيح والله أعلم. وقد تقدم برقم (14/ 527) من كتابنا هذا.

(3)

في (جـ): (تنكشف) وهو مخالف لمصادر الحديث.

(4)

زيادة من (جـ).

ص: 417

النبي صلى الله عليه وسلم إذَا اعْتمَّ سَدَلَ عِمَامَتَهُ بَيْنِ كَتِفَيْه، قالَ نَافِعٌ: وكانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْدُلُ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ رَواهُ التّرْمذيُّ)

(1)

. [صحيح بشواهده]

الحديث [حسنه الترمذي وفي إسناده يحيى بن محمد المدني قال البخاري: يتكلمون فيه وقدو ثقه العجلي وابن عدي. وهو من رواية عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله العمري. قال النسائي حديثه فيه مناكير وقد]

(2)

أخرج نحوه مسلم

(3)

والترمذي

(4)

وأبو داود

(5)

والنسائي

(6)

وابن ماجه

(7)

من حديث جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه.

وأخرج ابن عدي

(8)

من حديث جابر قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه، قال ابن عدي: لا أعلم يرويه عن أبي الزبير

(9)

(1)

في سننه رقم (1736) وقال: هذا حديث حسن غريب.

قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم، غير (الجاري - المدني -) فإنه قد ضعف، فقال البخاري:"يتكلمون فيه".

وذكره ابن حبان في "الثقات"(9/ 259) وقال: يغرب.

وقال ابن عدي: في "الكامل"(7/ 2682): "ليس بحديثه بأس".

وقال الحافظ: صدوق يخطئ. "التقريب" رقم (7638).

قلت: ومثله مما يتردد النظر في الحكم على حديثه بين الحسن والضعف؛ ولكن قال العقيلي (3/ 21): "إن هذا الحديث ذكر للإمام أحمد فأنكره، وقال: إنما هذا موقوف".

ذكره في ترجمة عبد العزيز بن محمد وهو الدراوردي، ولعل إعلاله بالراوي عنه وهو (الجاري) أولى.

وللحديث شواهد تقوية انظر في "الصحيحة"(رقم: 717).

وخلاصة القول أن الحديث صحيح بشواهده والله أعلم.

(2)

زيادة من (أ) و (ب).

(3)

في صحيحة رقم (1359).

(4)

لم أجده عند الترمذي: وأخرجه أحمد في المسند (4/ 307).

(5)

في السنن رقم (4077).

(6)

في السنن (1/ 218).

(7)

في سننه رقم (2821، 3587).

وهو حديث صحيح.

(8)

في "الكامل"(6/ 2113).

(9)

أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي. صدوق، إلا أنه يدلس. روى له الجماعة. "التقريب"(2/ 207).

ص: 418

غير العرزمي

(1)

وعنه حاتم بن إسماعيل

(2)

.

وأخرج الطبراني

(3)

عن أبي موسى "أن جبريل [عليه السلام]

(4)

نزل على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى ذؤابته من ورائه".

قوله: (سدل) السدل: الإسبال والإرسال، وفسره في القاموس

(5)

بالإرخاء.

والحديث يدل على استحباب لبس العمامة، وقد أخرج الترمذي

(6)

وأبو داود

(7)

والبيهقي

(8)

من حديث ركانة بن عبد يزيد الهاشمي أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس".

قال ابن القيم في الهدي

(9)

: "وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة ويلبس العمامة بغير قلنسوة" انتهى.

والحديث أيضًا يدل على استحباب إرخاء العمامة بين الكتفين، وقد أخرج أبو داود

(10)

من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: "عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدلها من بين يدي ومن خلفي" والراوي عن عبد الرحمن شيخ من أهل المدينة لم يذكر أبو داود اسمه

(11)

.

(1)

العرزمي: هو عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة العرزمي، صدوق له أوهام. روى له البخاري في التاريخ، ومسلم وأصحاب السنن.

"التقريب"(1/ 519).

(2)

حاتم بن إسماعيل المدني أبو إسماعيل الحارثي مولاهم. صحيح الكتاب. صدوق يهم.

روى له الجماعة. "التقريب"(1/ 137).

(3)

(5/ 120 - مجمع الزوائد). وقال الهيثمي: وفيه: عبيد الله بن تمام، وهو ضعيف بهذا الحديث وغيره.

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

القاموس المحيط ص 1311.

(6)

في السنن رقم (1784) وقال: هذا حديث حسن غريب، وإسناده ليس بالقائم، ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني ولا ابن رُكانة.

(7)

في السنن رقم (4078).

(8)

في الشعب رقم (6258). وهو حديث ضعيف. ومحمد بن ركانة راوي الحديث عن أبيه، قال عنه ابن حجر في "التقريب"(2/ 161) مجهول ووهم من ذكره في الصحابة روى له أبو داود والترمذي.

(9)

في "زاد المعاد"(1/ 130).

(10)

في السنن رقم (4079).

(11)

بل قال المنذري في "المحتضر"(6/ 45): مجهول.

ص: 419

وأخرج الطبراني

(1)

من حديث عبد الله بن ياسر قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب [رضي الله تعالى عنه]

(2)

إلى خيبر فعممه بعمامة سوداء ثم أرسلها من ورائه أو قال على كتفه اليسرى" وحسنه السيوطي.

وأخرج ابن سعد

(3)

عن مولى يقال له هرمز قال: "رأيت عليًا عليه عمامة سوداء قد أرخاها من بين يديه ومن خلفه" قال ابن رسلان في شرح السنن عند ذكر حديث عبد الرحمن: وهي التي صارت شعار الصالحين المتمسكين بالسنة، يعني إرسال العمامة على الصدر. وقال: وفي الحديث النهي عن العمامة المقطعة بفتح القاف وتشديد العين المهملة، قال أبو عبيد في الغريب

(4)

: المقطعة التي لا ذؤابة لها ولا حنك. قيل: المقطعة عمامة إبليس، وقيل: عمامة أهل الذمة.

وورد النهي عن العمامة التي ليست محنكة ولا ذؤابة لها فالمحنكة من حنك الفرس إذا جعل له في حنكه الأسفل ما يقوده به هذا معنى كلام ابن رسلان. والذي ذكره أبو عبيد في الغريب في حديث "أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط"

(5)

إن المقعطة هي التي لم يجعل منها تحت الحنك. وقال ابن الأثير في النهاية

(6)

في

(1)

لم أعثر عليه في المعاجم الثلاثة.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

قال ابن سعد في "الطبقات"(6/ 228) (هرمز مولى بني والبة من بني أسد، روى عن علي بن أبي طالب.

(4)

(3/ 120).

(5)

قال الأخ علي بن حسن عبد الحميد في تحقيقه لكتاب الحوادث والبدع للطرطوسي: ص 72 رقم التعليقة (4): "لم أقف عليه فيما بين يدي من المصادر".

وقال شيخنا - عند سؤالي له عنه -: "لا أعرفه".

ثم رأيت الحديث في باب المناهي من "معجم الحديث" تصنيف شيخنا - من خطه ونسخته نقلت: قال: "ذكره ابن حجر الهيثمي في "أحكام اللباس" (10/ 2) من طريق أبي عُبيدة، وقال: "إنه غريب ضعيف" ولم يذكر علَّته".

قلت: ثم رأيت الشيخ محمد بن جعفر الكتاني في "الدِّعامة في أحكامِ العمامة" ص 71 يقول: "هذا إنما ذكره أصحابُ الغريب، وهم يورِدون في كُتُبهم أحاديث غريبةً لا توجد في كتب المحدثين، ولم يوقف لها على إسناد، فلا يحتج بما انفردوا بذكره".

وفي "تاج العروس"(ق ع ط) نقلًا عن الصاغاني: " .... لم أظفر بإسناده ولا باسم من رواه من صحابي أو تابعي أرسله" اهـ.

(6)

(4/ 88).

ص: 420

حديث" أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحي" أن الاقتعاط أن لا يجعل تحت الحنك من العمامة شيئًا، والتلحي جعل بعض العمامة تحت الحنك.

وقال الجوهري في الصحاح

(1)

: الاقتعاط شد العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك، والتلحي تطويف العمامة تحت الحنك، وهكذا في القاموس

(2)

، وكذا قال ابن قتيبة.

وقال الإِمام أبو بكر الطرطوشي

(3)

: "اقتعِاطُ العمائم هو التَّعميم دونَ حنك وهو بِدْعةٌ منكرةٌ، وقد شاعت في بلاد الإسلام".

وقال ابن حبيب

(4)

في كتاب "الواضحة"

(5)

: إن ترك الالتحاء من بقايا عمائم قوم لوط.

وقال مالك: أدركت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين محنكًا وإن أحدهم لو ائتمن على بيت المال لكان به أمينًا.

وقال القاضي عبد الوهاب

(6)

في كتاب "المعونة"

(7)

له: ومن المكروه ما خالف زيّ العرب وأشبه زيّ العجم كالتعميم بغير حنك.

وقال القرافي: ما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكًا. وقد روي التحنك عن جماعة من السلف. وروي النهي عن الاقتعاط عن

(1)

(3/ 1154).

(2)

القاموس المحيط: ص 883.

(3)

في كتابه: "الحوادث والبدع" ص 72.

(4)

هو عبد الملك بن حبيب، الأندلسي القرطبي المالكي، أبو مروان. وكان موصوفًا بالحِذق في الفقه، كبير الشأن، بعيد الصيت. كثير التصانيف. كالواضحة، والجامع، وفضائل الصحابة، وغريب الحديث، وتفسير الموطأ،

[سير أعلام النبلاء (12/ 102 - 107)].

(5)

كتاب"الواضحة" في عدة مجلدات.

(6)

هو عبد الوهاب بن نصر البغدادي المالكي، القاضي أبو محمد، أحد أئمة المذهب. وتفقه على كبار أصحاب الأبهري. وألف في المذهب، والخلاف، والأصولي، تآليف كثيرة مفيدة منها "النصرة لمذهب إمام دار الهجرة" والمعونة لمذهب عالم المدينة، والأدلة في مسائل الخلاف".

[الديباج المذهب" (2/ 26 - 29)].

(7)

كتاب المعونة لمذهب عالم المدينة.

ص: 421

جماعة منهم وكان طاوس ومجاهد يقولان: إن الاقتعاط عمامة الشيطان فينظر فيما نقله ابن رسلان عن أبي عبيد من أن المقعطة هي التي لا ذؤابة لها.

وقد استدل على جواز ترك الذؤابة ابن القيم في الهدي

(1)

بحديث جابر بن سليم

(2)

عند مسلم

(3)

وأبي داود

(4)

والترمذي

(5)

والنسائي

(6)

وابن ماجه

(7)

بلفظ: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء" بدون ذكر الذؤابة. قال: فدل على أن الذؤابة لم يكن يرخيها دائمًا بين كتفيه وقد يقال إنه دخل مكة وعليه أهبة القتال والمغفر على رأسه فلبس في كل موطن ما يناسبه اهـ.

وروى أبو داود

(8)

من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: "عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدلها بين يديّ ومن خلفي".

وروى الطبراني

(9)

عن عائشة [رضي الله تعالى عنها]

(10)

قالت: "عمم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف وأرخى له أربع أصابع" وفي إسناده المقدام بن داود

(11)

وهو ضعيف.

وأخرج نحوه الطبراني في الأوسط

(12)

عن ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف فأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوها ثم قال: هكذا فاعتم فإنه أعرب وأحسن" قال السيوطي: وإسناده حسن.

(1)

في "زاد المعاد في هدي خير العباد"(1/ 130).

(2)

كذا في المخطوط. والصواب جابر بن عبد الله. كما في مصادر الحديث.

(3)

في صحيحه رقم (1358).

(4)

في سننه رقم (4076).

(5)

في سننه رقم (1679) و (1735).

(6)

في سننه رقم (1/ 205) و (1/ 218).

(7)

في سننه رقم (2822). وهو حديث صحيح.

(8)

في السنن رقم (4079).

(9)

في "الأوسط" رقم (8901) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 120) وقال: "رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه مقدام ابن داود وهو ضعيف".

(10)

زيادة من (جـ).

(11)

مِقدام بن داود بن عيسى بن تليد الرُّعيني، أبو عمرو المصري، قال النسائي في الكنى: ليس بثقة. وقال ابن يونس وغيره تكلموا فيه. وقال محمد بن يوسف الكندي: كان فقيهًا مفتيًا، لم يكن بالمحمود في الرواية. مات سنة (283 هـ).

"الميزان"(4/ 175 - 176).

(12)

(5/ 120 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن".

ص: 422

وأخرجَ الطبراني أيضًا في الأوسط

(1)

من حديث ثوبان "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتم أرخى عمامته بين يديه ومن خلفه"، وفي إسناده الحجاج بن رشدين وهو ضعيف

(2)

.

وأخرج الطبراني أيضًا في الكبير

(3)

عن أبي أمامة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يولي واليًا حتى يعممه ويرخي لها من جانبه الأيمن نحو الأذن" وفي إسناده جميع بن [ثوبان]

(4)

وهو متروك

(5)

.

قيل: ويحرم إطالة العذبة طولًا فاحشًا ولا مقتضى للجزم بالتحريم.

قال النووي في شرح المهذب

(6)

: "يجوز لبس العمامة بإرسال طرفها وبغير إرساله ولا كراهة في واحد منهما، ولم يصح في النهي عن ترك إرسالها شيء، وإرسالها إرسالًا فاحشًا كإرسال الثوب يحرم للخيلاء ويكره لغيره" انتهى.

وقد أخرج ابن أبي شيبة

(7)

أن عبد الله بن الزبير كان يعتم بعمامة سوداء قد أرخاها من خلفه نحوًا من ذراع.

وروى سعد بن سعيد عن رشدين قال: رأيت عبد الله بن الزبير يعتم بعمامة سوداء ويرخيها شبرًا أو أقل من شبر.

(1)

رقم (342) وأورده الهيثمي في "المجمع"(5/ 120) وقال: "رواه الطبراني في الأوسط وفيه الحجاج بن رشدين وهو ضعيف".

(2)

حجاج بن رِشدين بن سعد المصري، ضعَّفه ابن عدي.

"الميزان"(1/ 461).

(3)

(8/ 170) رقم (7641).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 120 - 121) وقال: وفيه جميع بن ثوب وهو متروك.

(4)

كذا في "المخطوط " والصواب (ثوب) كما في مصدر الحديث والترجمة.

(5)

جميع، ويقال: جُميع - بالضم - ابن ثوَب السلمي. قال البخاري: منكر الحديث، وكذا قال الدارقطني وغيره. وقال النسائي: متروك الحديث.

"الميزان"(1/ 422).

(6)

(4/ 339).

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(8/ 239) رقم (5029): عن هشام قال: (رأيت ابن الزبير معتمًا قد أرخى طرفي العمامة بين يديه). وأخرج ابن بي شيبة في "المصنف"(8/ 239 رقم 5031) عن سلمة بن وردان قال: رأيت على أنس عمامة قد أرخاها من خلفه.

ص: 423

قال السيوطي في الحاوي في الفتاوى

(1)

: "وأما مقدار العمامة الشريفة فلم يثبت في حديث وقد روى البيهقي في شعب الإيمان

(2)

عن ابن سلام بن عبد الله بن سلام قال: سألت ابن عمر كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتم؟ قال: كان يدير العمامة على رأسه [ويقوّرها]

(3)

من ورائه ويرسل لها ذؤابة بين كتفيه

(4)

، وهذا يدل على أنها عدة أذرع والظاهر أنها كانت نحو العشرة أو فوقها بيسير" انتهى. ولا أدري ما هذا الظاهر الذي زعمه فإن كان الظهور من هذا الحديث الذي ساقه باعتبار ما فيه من ذكر الإدارة والتقوير وإرسال الذؤابة فهذه الأوصاف تحصل في عمامة دون ثلاثة أذرع، وإن كان من غيره فما هو بعد إقراره بعدم ثبوت مقدارها في حديث.

[الباب العاشر] باب الرخصة في اللباس الجميل واستحباب التواضع فيه وكراهة الشهرة والإسبال

39/ 582 - (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ [رضي الله تعالى عنه]

(5)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ" فقالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنًا، قالَ:"إِنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطْرُ الْحَقِّ وَغَمْصُ النَّاسِ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

(1)

(1/ 73).

(2)

رقم (6252).

(3)

في (جـ): (بغرزها).

(4)

نص الحديث في "مجمع الزوائد"(5/ 120): وعن أبي عبد السلام، قال: قلت لابن عمر كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتم؟ قال: كان يدوِّر كُوْرَ عمامته على رأسه ويغرزها من ورائه ويرسلها بين كتفيه. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح خلا أبا عبد السلام وهو ثقة اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(77/ 7): "أبو عبد السلام عن ابن عمر لا يُعرف، وقيل: اسمه الزبير، وقيل: أيوب. ثم ذكر حديثه هذا في العمامة.

(5)

زيادة من (جـ).

(6)

في المسند (1/ 399): حدثنا عارمٌ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم القَسْمَلِي، حدثنا سليمانُ الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن جَعْدَةٍ، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخُلُ النَّارَ من كان في قلبهِ مثقالُ حبَّةٍ من إيمانٍ، ولا يدخلُ الجنة من كان في قلبه مثقالُ حبةٍ من كبرٍ".

فقال رجل: يا رسول الله؛ إني لَيُعجِبُني أن يكونَ ثوبي غسِيلًا، ورأسي دَهِنيًا، وشِرَاكُ =

ص: 424

ومُسْلِمٌ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (إن الله جميل) اختلفوا في معناه فقيل: إن كل أَمره سبحانه وتعالى حسن جميل، وله الأسماء الحسنى وصفات الجمال والكمال. وقيل: جميل بمعنى مُجَمّل ككريم وسميع بمعنى مُكْرِم ومُسْمِع

(2)

. وقال أبو القاسم القشيري: معناه جليل.

وقال الخطابي: إنه بمعنى ذي النور والبهجة: أي مالكهما. وقيل: معناه جميل الأفعال بكم والنظر إليكم يكلفكم اليسير ويعين عليه ويثيب على الجزيل ويشكر عليه.

قال النووي

(3)

: و"اعلم أن هذا الاسم ورد في هذا الحديث الصحيح ولكنه من أخبار الآحاد، [وقد ورد]

(4)

أيضًا في حديث الأسماء الحسنى، وفي إسناده مقال

(5)

، والمختار جواز إطلاقه على الله [تعالى]

(6)

، ومن العلماء من منعه. قال إمام الحرمين: ما ورد الشرع بإطلاقه في أسماء الله تعالى وصفاته أطلقناه، وما منع الشرع من إطلاقه منعناه، وما لم يرد فيه إذن ولا منع لم نقض فيه بتحليل ولا

= نعلي جديدًا، وذكر أشياء، حتى ذكر عِلاقةَ سَوْطِهِ، أفمن الكِبْر ذاك يا رسول الله؟ قال:"لا، ذاكَ الجمالُ، إنَّ الله جميلٌ يُحبُّ الجمالَ، ولكن الكِبْرَ من سَفِهَ الحقَّ، وازدرَى الناسَ".

إسناده ضعيف لإرساله، يحيى بن جعدة لم يلق ابن مسعود، كما ذكر ابن أبي حاتم في "المراسيل" ص 188. وفي العلل (2/ 114 رقم (1837).

وأخرجه الشاشي في المسند (2/ 309 رقم 889) و (2/ 310 رقم 890).

والطبراني في الكبير رقم (10533) والحاكم في المستدرك (1/ 26) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد احتجا بجميع رواته، وقال الذهبي احتجا برواته.

والمرفوع منه صحيح لغيره والله أعلم.

(1)

في صحيحه رقم (147/ 91).

(2)

قال في لسان العرب (11/ 126) والجمال يقع على الصور والمعاني؛ ومنه الحديث إنَّ الله جميل يحب الجمال" أي حَسَنُ الأفعال كامل الأوصاف" اهـ.

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (2/ 90).

(4)

في (ب) و (جـ): (وورد).

(5)

انظر تخريجه والكلام عليه في تحقيقي "لمعارج القبول"(1/ 138 - 145) فإنه مفيد ولولا الطول لنقلته لك.

(6)

زيادة من (جـ).

ص: 425

تحريم فإن الأحكام الشرعية تتلقى من موارد الشرع، ولو قضينا بتحليل أو تحريم لكنا مثبتين حكمًا بغير الشرع" انتهى.

وقد وقع الخلاف في تسمية الله [تعالى]

(1)

ووصفه من أوصاف الكمال والجلال والمدح بما لم يرد به الشرع ولا منعه، فأجازه طائفة ومنعه آخرون، إلا أن يرد به شرع مقطوع به من نص كتاب أو سنة متواترة

(2)

أو إجماع على إطلاقه فإن ورد خبر واحد

(3)

فاختلفوا فيه فأجازه طائفة وقالوا: الدعاء به والثناء من باب العمل

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

السنة المتواترة: قد تكون "قولية" وقد تكون "فعلية" والأولى قليلة، والثانية كثيرة، وهي نوعان:"لفظي" و"معنوي".

فاللفظي هو: ما اتفق رواته في لفظه - ولو حكمًا - وفي معناه، وذلك كحديث:"من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" -.

والمعنوي هو: ما اختلفوا في لفظه ومعناه مع رجوعه لمعنى كليٍّ، وذلك بأن يخبروا عن وقائع مختلفة تشترك كلها في أمر واحد، فالأمر المشترك المتفق عليه بين الكل هو المتواتر، فمنه أحاديث رفع اليدين في الدعاء، فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم نحو مئة حديث فيه رفع يديه في الدعاء، لكنها في قضايا مختلفة، فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيها، وهو الرفع عند الدعاء تواتر باعتبار المجموع.

[انظر كتابي "مدخل إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" ص 62 - 63].

(3)

سنة الآحاد تشمل كل أمر من أمور الدين، لا فرق بين ما كان منه، عقيدة علمية، أو حكمًا عمليًا، أو غير ذلك، فكما كان يجب على كل صحابي أن يؤمن بذلك كله حين يبلغه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من صحابي آخر عنه كان يجب كذلك على التابعي حين يبلغه عن الصحابي، فكما لا يجوز للصحابي مثلًا أن يرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في العقيدة بحجة أنه خبر آحاد سمعه من صحابي مثله عنه صلى الله عليه وسلم. فكذلك لا يجوز لمن بعده أن يرده بالحجة نفسها ما دام أن المخبر به ثقة عنده، وهكذا ينبغي أن يستمر الأمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد كان الأمر كذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين. أخرج البخاري رقم (1425) ومسلم رقم (19) وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قومًا أهلَ كتاب، فإذا جئتهم فادعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كلِّ يوم وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنَّ الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم. واتَّقِ دعوةَ المظلوم فإنه ليس بينه وبين اللهِ حجاب".

وفي هذا الحديث استدلال قوي لثبوت خبر الواحد حتى في العقائد من فعله صلى الله عليه وسلم، لأن =

ص: 426

وهو جائز بخبر الواحد ومنعه آخرون لكونه راجعًا إلى اعتقاد ما يجوز أو يستحيل على الله تعالى. وطريق هذا القطع، قال القاضي عياض

(1)

: والصواب جوازه لاشتماله على العمل ولقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}

(2)

انتهى.

والمسألة مدونة في علم الكلام فلا نطيل فيها المقال

(3)

.

= خبر الواحد لو لم يكفِ قبوله ما كان في إرساله معنى.

وقال الحافظ في "الفتح"(13/ 235): "ولو لم يشتهر من ذلك إلَّا تأمير معاذ بن جبل وأمره له - أي بما تقدم في الحديث لكان كافيًا - والأخبار بأن أهل كل بلد منهم كانوا يتحاكمون إلى الذي أمِّر عليهم، ويقبلون خبره، ويعتمدون عليه من غير التفات إلى قرينة" اهـ.

وقال الإمام الشافعي في "الرسالة" ص 412: "وهو لا يبعث بأمره إلا والحجة للمبعوث إليهم وعليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ.

[انظر كتابي "مدخل إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" ص 59 - 62.

وص 63 - 68، ورسالة الألباني "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام".

(1)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(1/ 361).

(2)

سورة الأعراف: الآية 180.

(3)

قال الحافظ قوَّام السنة أبو القاسم الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة"(2/ 456): "قال بعض أهل النظر

وقال: لا يجوز أن يوصف الله بـ (الجميل)! ولا وجه لإنكار هذا الاسم أيضًا؛ لأنه إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا معنى للمعارضة، وقد صح أنه قال صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الله جميل يحب الجمال" فالوجه إنما هو التسليم والإيمان" اهـ.

وقال ابن القيم في "النونية"(2/ 64):

"وهو الجميلُ على الحقيقةِ كيفَ لَا

وجمالُ سائِرِ هذهِ الأكوانِ

مِنْ بعضِ آثارِ الجميلِ فَرَتُهَا

أولَى وأجدَرُ عندَ ذي العرفانِ

فجمالُهُ بالذَّاتِ والأوصافِ والـ

أفعالِ والأسماءِ بالبُرهَان

لا شيءَ يشبِهُ ذاتَهُ وصِفَاتِهِ

سبحانَهُ عن إفكِ ذي بُهْتَانِ"

وقال الهراس في "الشرح":

"وأما الجميل؛ فهو اسم له سبحانه من الجمال، وهو الحسن الكثير، والثابت له سبحانه من هذا الوصف هو الجمال المطلق، الذي هو الجمال على الحقيقة؛ فإن جمال هذه الموجدات على كثرة ألوانه وتعدد فنونه هو من بعض آثار جماله، فيكون هو سبحانه أولى بذلك الوصف من كل جميل؛ فإن واهب الجمال للموجودات لا بدَّ أن يكون بالغًا من هذا الوصف أعلى الغايات، وهو سبحانه الجميل بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

أما جمال الذات: فهو ما لا يمكن لمخلوق أن يعبر عن شيء منه أو يبلغ بعض كنهه، وحسبك أن أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم وأفانين اللذات والسرور التي لا =

ص: 427

قوله: (بطر الحق) هو دفعه وإنكاره ترفعًا وتجبرًا قاله النووي

(1)

. وفي القاموس

(2)

بطر الحق أن يتكبر عنده فلا يقبله.

قوله: (وغمص الناس) هو بغين معجمة مفتوحة وصاد مهملة قبلها ميم ساكنة. وقال النووي في شرح مسلم

(3)

: هو بالطاء المهملة في نسخ صحيح مسلم. قال القاضي عياض

(4)

: لم يرو هذا الحديث عن جميع شيوخنا هنا وفي البخاري

(5)

إلا بالطاء ذكره أبو داود في مصنفه

(6)

، وذكره أبو سعيد الترمذي وغيره. والغمط والغمص قال النووي

(7)

: بمعنى واحد هو احتقار الناس.

والحديثُ يدل على أن الكِبر مانع من دخول الجنة وإن بلغ في القلة إلى الغاية ولهذا ورد التحديد بمثقال ذرة.

= يقدر قدرها، إذا رأوا ربهم، وتمتعوا بجماله، نسوا كل ما هم فيه، واضمحل عندهم هذا النعيم، وودوا لو تدوم لهم هذه الحال، ولم يكن شيء أحب إليهم من الاستغراق في شهود هذا الجمال، واكتسبوا من جماله ونوره سبحانه جمالًا إلى جمالهم وبقوا في شوق دائم إلى رؤيته، حتى إنهم يفرحون بيوم المزيد فرحًا تكاد تطير له القلوب.

وأما جمال الأسماء: فإنها كلها حسنى، بل هي أحسن الأسماء وأجملها على الإطلاق؛ فكلها دالة على كمال الحمد والمجد والجمال والجلال، ليس فيها أبدًا ما ليس بحسن ولا جميل.

وأما جمال الصفات: فإن صفاته كلها صفات كمال ومجد، ونعوت ثناء وحمد، بل هي أوسع الصفات وأعمها، وأكملها آثارًا وتعلقات، لا سيما صفات الرحمة والبر والكرم والجود والإحسان والإنعام.

وأما جمال الأفعال: فإنها دائرة بين أفعال البر والإحسان التي يحمد عليها ويشكر، وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد، فليس في أفعاله عبث ولا سفه ولا جور ولا ظلم، بل كلها خير ورحمة ورشد وهدى وعدل وحكمة، قال تعالى:{إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} [هود: 56]. ولأن كمال الأفعال تابع لكمال الذات والصفات؛ فإن الأفعال أثر الصفات، وصفاته كما قلنا أكمل الصفات؛ فلا غرو أن تكون أفعاله أكمل الأفعال" اهـ.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (2/ 90).

(2)

القاموس المحيط ص 449.

(3)

في شرح مسلم (2/ 90).

(4)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 362).

(5)

في الأدب المفرد 2/ 281 رقم (556/ 433) من حديث أبي هريرة وهو حديث صحيح.

(6)

في سننه رقم (4092). من حديث أبي هريرة.

(7)

في شرحه لمسلم (2/ 90).

ص: 428

وقد اختلف في تأويله فذكر الخطابي

(1)

فيه وجهين: (أحدهما) أن المراد التكبر عن الإيمان فصاحبه لا يدخل الجنة أصلًا إذا مات عليه. (والثاني): أنه لا يكون في قلبه كبر حال دخول الجنة كما قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}

(2)

قال النووي

(3)

: وهذان التأويلان فيهما بعد فإن الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف وهو الإرتفاع عن الناس واحتقارهم ودفع الحق فلا ينبغي أن يحمل على هذين التأويلين المخرجين له عن المطلوب، بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض

(4)

وغيره من المحققين أنه لا يدخلها بدون مجازاة إن جازاه، وقيل: هذا جزاؤه لو جازاه - وقيل: لا يدخلها مع المتقين أول وهلة" ويمكن أن يقال: إن هذا الحديث وما يشابهه من الأحاديث التي وردت مصرحًا فيها بعدم دخول جماعة من العصاة الجنة أو عدم خروج جماعة منهم من النار خاصة. وأحاديث دخول جميع الموحدين الجنة وخروج عصاتهم من النار عامة، فلا حاجة على هذا التأويل.

والحديث أيضًا يدل على أن محبة لبس الثوب الحسن والنعل الحسن وتخير اللباس الجميل ليس من الكبر في شيء، وهذا مما لا خلاف فيه فيما أعلم.

والرجل المذكور في الحديث وهو (مالك بن مُرَّارة الرهاوي) ذكر ذلك ابن عبد البر

(5)

والقاضي عياض

(6)

. وقد جمع الحافظ ابن بشكوال في اسمه أقوالًا استوفاها النووي في شرح مسلم

(7)

.

40/ 583 - (وَعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: "مَنْ تَرَك أنْ يَلْبَسَ صَالِحَ الثِّيابِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيهِ تَوَاضُعًا لله عز وجل دَعاهُ الله عز وجل على رُءوسِ الْخَلَائِقِ حَتى يُخَيِّرَهُ في حُلَلِ الإيمَانِ أَيَّتهُنَّ شاءَ". رَواهُ أحمَدُ

(8)

والتِّرمذِيُّ)

(9)

. [حسن]

(1)

في معالم السنن (4/ 351 - هامش السنن).

(2)

سورة الحجر: الآية 47.

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (2/ 91).

(4)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(1/ 359).

(5)

لم أعثر عليه؟

(6)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(1/ 359).

(7)

(2/ 92).

(8)

في المسند (3/ 439).

(9)

في السنن رقم (2481) وقال الترمذي: حديث حسن.

ص: 429

الحديث [حسنه الترمذي

(1)

]

(2)

، وقد رواه من طريق عباس بن محمد الدوري عن عبد الله بن يزيد [المُقْرِي]

(3)

، عن سعيد بن أبي أيوب عن أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[وعبد الرحيم بن ميمون قال النسائي: ليس به بأس، وضعفه ابن معين

(4)

.

وسهل بن معاذ وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين

(5)

]

(6)

.

وفيه استحباب الزهد في الملبوس وترك لبس حسن الثياب ورفيعها لقصد التواضع، ولا شك أن لبس ما فيه جمال زائد من الثياب يجذب بعض الطباع إلى الزهو والخيلاء والكبر، وقد كان هديه صلى الله عليه وسلم كما قال الحافظ ابن القيم

(7)

أن يلبس ما تيسر من اللباس الصوف تارة، والقطن أخرى، والكتان تارة، ولبس البرود اليمانية، والبرد الأخضر، ولبس الجبة والقَباء والقميص إلى أن قال: فالذين يمتنعون عما أباح الله من الملابس والمطاعم والمناكحَ تزهدًا وتعبدًا بإزائهم طائفة قابلوهم فلم يلبسوا إلا أشرف الثياب، ولم يأكلوا إلا أطيب وألينَ

(1)

في السنن رقم (4/ 650).

قلت: وأخرجه أبو يعلى في المسند رقم (1484) ورقم (1499) والحاكم في المستدرك (4/ 183 - 184) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 47 - 48) والبيهقي في "الشعب" رقم (6148) وفي الآداب رقم (595) وهو حديث حسن.

(2)

في (جـ): (سكت عنه الترمذي ولم يتكلم عليه على ما جرت به قاعدته).

(3)

في (جـ): (المقبري) وهو خطأ.

(4)

قال الحافظ في "التقريب" رقم (4059): صدوق زاهد.

وقال المحرران: بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد، ضعفه ابن معين، وأبو حاتم، فقال: يُكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: أرجو أنه لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات".

وانظر "تهذيب التهذيب"(2/ 571) ومعجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم الألباني (2/ 516 - 517).

(5)

قال الحافظ في "التقريب" رقم (2667): لا بأس به إلا في روايات زَبَّان عنه.

وقال الهيثمي (8/ 107): "

وثقه ابن حبان وفيه ضعف".

ووثقه العجلي، وابن حبان وقال (4/ 321): لا يعتبر حديثه ما كان من رواية زبان عنه.

وانظر "معجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم الألباني (2/ 240).

(6)

زيادة من (أ) و (ب).

(7)

في "زاد المعاد"(1/ 138 - 140).

ص: 430

الطعام فلم يروا لبس الخشن ولا أكله تكبرًا وتجبرًا وكلا الطائفتين مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال بعض السلف: كانوا يكرهون الشهرتين من الثياب العالي والمنخفض وفي السنن

(1)

عن ابن عمر يرفعه "من لبس ثوبَ شُهرةٍ ألبسه اللهُ [تعالى]

(2)

ثوبَ مذلةٍ" إلى آخر كلامه.

وذكر الشيخ أبو إسحاق الأصفهاني بإسناد صحيح عن جابر بن أيوب قال: دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين وعليه جبة صوف وإزار صوف وعمامة صوف فاشمأز عنه محمد وقال: أظن أن أقوامًا يلبسون الصوف ويقولون قد لبسه عيسى ابن مريم، وقد حدثني من لا أتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لبس الكتان والصوف والقطن، وسنة نبينا [صلى الله عليه وسلم](2) أحق أن تتبع. ومقصود ابن سيرين من هذا أن قومًا يرون أن لبس الصوف دائمًا أفضل من غيره فيتحرونه وبمنعون أنفسهم من غيره، وكذلك يتحرون زيًا واحدًا من الملابس ويتحرون رسومًا وأوضاعًا وهيئات يرون الخروج عنها منكرًا، وليس المنكر إلا التقييد بها والمحافظة عليها وترك الخروج عنها.

والحاصل أن الأعمال بالنيات فلبس المنخفض من الثياب تواضعًا وكسرًا لسورة النفس التي لا يؤمن عليها من التكبر إن لبست غالي الثياب من المقاصد الصالحة الموجبات للمثوبة من الله [تعالى](2)، ولبس الغالي من الثياب عند الأمن على النفس من التسامي المشوب بنوع من التكبر لقصد التوصل بذلك إلى تمام المطالب الدينية من أمر بمعروف أو نهي عن منكر عند من لا يلتفت إلا إلى ذوي الهيئات كما هو الغالب على عوام زماننا وبعض خواصه لا شك أنه من الموجبات للأجر لكنه لا بد من تقييد ذلك بما يحل لبسه شرعًا.

41/ 584 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما] (2) قالَ: قالَ

(1)

أخرجه أبو داود رقم (4029) وابن ماجه رقم (3606) وأحمد في المسند (2/ 92)

والنسائي في الكبرى رقم (9560) وأبو يعلى رقم (5698).

وهو حديث حسن.

• وأخرجٍ ابن ماجه رقم (3608) وأبو نعيم في الحلية (4/ 190، 191) من حديث أبي ذر مرفوعًا بلفظ: "من لبس ثوب شهرة أعرضي الله عنه حتى يضعه متى وضعه".

وهو حديث ضعيف ضعفه الألباني في الضعيفة رقم (4650).

(2)

زيادة من (جـ).

ص: 431

رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ في الدُّنْيا أَلْبَسَهُ الله ثَوْبَ مَذَلَّة يَوْمَ القِيامَةِ". رَواهُ أحمَدُ

(1)

وأبُو دَاوُدَ

(2)

وابْنُ ماجَهْ)

(3)

. [حسن]

الحديث أخرجه أيضًا النسائي

(4)

، ورجال إسناده ثقات، رواه أبو داود (2) عن شيخه محمد بن عيسى بن بحيح بن الطباع، قال فيه أبو حاتم

(5)

: مبرز ثقة، له عدة مصنفات عن أبي عوانة الوضاح [وهو ثقة]

(6)

عن عثمان بن أبي زرعة الثقفي، وقد أخرج له البخاري في الأنبياء عن المهاجر بن عمرو والشامي

(7)

، وقد أخرج له ابن حبان في الثقات عن ابن عمر، وأخرجه أيضًا من طريق محمد بن عيسى عن القاضي شريك عن عثمان بذلك الإسناد.

قوله: (من لبس ثوب شهرة) قال ابن الأثير

(8)

: الشهرة ظهور الشيء، والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم فيرفع الناس إليه أبصارهم ويختال عليهم بالعجب والتكبر.

قوله: (ألبسه الله تعالى ثوب مذلة) لفظ أبي داود (2)"ثوبًا مثله"، والمراد بقوله "ثوب مذلة" ثوب يوجب ذلته يوم القيامة كما لبس في الدنيا ثوبًا يتعزز به على الناس ويترفع به عليهم، والمراد بقوله مثله في تلك الرواية أنه مثله في شهرته بين الناس.

قال ابن رسلان: لأنه لبس الشهرة في الدنيا ليعزّ به ويفتخر على غيره، ويلبسه الله يوم القيامة ثوبًا يشتهر بمذلته واحتقاره بينهم عقوبة له، والعقوبة من جنس العمل انتهى.

ويدل على هذا التأويل الزيادة التي زادها أبو داود

(9)

من طريق أبي عوانة بلفظ: "تلهب فيه النار".

والحديث يدل على تحريم لبس ثوب الشهرة وليس هذا الحديث مختصًا

(1)

في المسند (2/ 92).

(2)

في السنن رقم (4029).

(3)

في السنن رقم (3606).

(4)

في الكبرى رقم (9560). وهو حديث حسن. وقد تقدم آنفًا.

(5)

في "الجرح والتعديل"(8/ 38 - 39).

(6)

زيادة من (أ) و (ب).

(7)

قال الحافظ في "التقريب" رقم (6922) هو مهاجر بن عمرو النَّبَّال، شامي: مقبول. من الرابعة

وتعقبه المحرران بقولهما: بل صدوق حسن الحديث فقد روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في الثقات. ولا نعلم فيه جرحًا.

(8)

في "النهاية"(2/ 515).

(9)

في السنن رقم (4029).

ص: 432

بنفيس الثياب، بل قد يحصل ذلك لمن يلبس ثوبًا يخالف ملبوس الناس من الفقراء، ليراه الناس فيتعجبوا من لباسه ويعتقدوه، قاله ابن رسلان.

وإذا كان اللبس لقصد الاشتهار في الناس فلا فرق بين رفيع الثياب ووضيعها والموافق لملبوس الناس والمخالف لأن التحريم يدور مع الاشتهار، والمعتبر القصد وإن لم يطابق الواقع.

42/ 585 - (وَعَن ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]،

(1)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ الله [تعالى] (1) إليهِ يَوْمَ القِيامَةِ"، فقالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّ أحَدَ شِقَّيْ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أنْ أتَعَاهَدَ ذلِكَ مِنْهُ، فقالَ:"إنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُ ذلِكَ خُيَلاءَ" رواهُ الجَمَاعَةُ

(2)

إلَّا أنَّ مُسْلمًا

(3)

وابْن ماجَهْ

(4)

والتِّرْمذِيَّ

(5)

لَمْ يَذْكُرُوا قِصَّةَ أبِي بَكْرٍ).

قوله: (خُيلاء)

(6)

فعلاء بضم الخاء المعجمة ممدود. والمخيلة والبطر الكبر والزهو والتبختر والخيلاء كلها بمعنى واحد، يقال: خال واختال اختيالًا إذا تكبر، وهو رجل خال أي متكبر، وصاحب خال أي صاحب كبر.

قوله: (لم ينظر الله [تعالى] (1) إليه) النظر حقيقة في إدراك العين للمرئي، وهو هنا مجاز عن الرحمة

(7)

أي لا يرحمه الله [تعالى](1) لامتناع حقيقة النظر في حقه تعالى،

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أحمد في المسند (2/ 67، 104، 128، 131) والبخاري رقم (3665) ومسلم رقم (2085). وأبو داود رقم (4085) والترمذي رقم (1730) والنسائي (8/ 206) وابن ماجه رقم (3569) من طرق. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(3)

رقم (2085) وقد تقدم.

(4)

رقم (3569) وقد تقدم.

(5)

رقم (1730) وقد تقدم.

(6)

"النهاية"(2/ 93).

(7)

النظر: صفة فعلية ثابثة لله عز وجل بالكتاب والسنة.

قال تعالى في سورة آل عمران الآية (77): {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

• وأخرج البخاري رقم (5788) ومسلم رقم (2087) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرَّ إزاره بطرًا".

• وأخرج مسلم في صحيحه رقم (172/ 107) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يُكلمهم اللهُ يومَ القيامة ولا يزكيهم (قال أبو معاوية: ولا ينظر إليهم) ولهم عذاب أليم: شيخٌ زانٍ، ومَلِك كذابٌ، وعائلٌ مستكبر". =

ص: 433

والعلاقة هي السببية، فإن من نظر إلى غيره وهو في حالة ممتهنة رحمه.

وقال في شرح الترمذي: عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه، ومن نظر إلى متكبر مقته، فالرحمة والمقت متسببان عن النظر.

والحديث يدل على تحريم جر الثوب خيلاء. والمراد بجره هو جره على وجه الأرض وهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار" كما سيأتي

(1)

، وظاهر الحديث أن الإسبال محرم على الرجال والنساء لما في صيغة من في قوله من جر من العموم، وقد فهمت أم سلمة ذلك لما سمعت الحديث فقالت: "فكيف [تصنع]

(2)

النساء بذيولهن؟ قال: يرخينه شبرًا فقالت: إذًا [ينكشف]

(3)

أقدامهن، قال: فيرخينه ذراعًا لا يزدن عليه" أخرجه النسائي

(4)

والترمذي

(5)

، ولكنه قد أجمع المسلمون على جواز الإسبال للنساء، كما صرح

= • وأخرج مسلم في صحيحه رقم (34/ 2564) عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

قال ابن أبي العز الحنفي في "شرح العقيدة الطحاوية"(ص 190):

"النظر له عدة استعمالات بحسب صِلاته وتعديه بنفسه: فإن عدي بنفسه؛ فمعناه التوقف والانتظار: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13].

وإن عدي بـ (في)؛ فمعناه: التفكر والاعتبار؛ كقوله: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 185]. وإن عدي بـ (إلى)؛ فمعناه: المعاينة والإبصار؛ كقوله تعالى: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام: 99] اهـ.

وأنت ترى أن النظر فيما سبق من أدلة متعدٍ بـ (إلى) فأهل السنة.

والجماعة يقولون: إن الله عز وجل يرى ويبصر وينظر إلى ما يشاء بعينه سبحانه وتعالى؛ كما يليق بشأنه العظيم {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11].

وانظر صفة (البصر) ص 69 و (الرؤية) ص 120 و (العين) ص 187 من كتاب "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" لعلوي بن عبد القادر السقاف.

(1)

برقم (44/ 587) من كتابنا هذا.

(2)

في (جـ): (يصنع).

(3)

في (جـ): (تنكشف).

(4)

في السنن رقم (8/ 209).

(5)

في سننه رقم (1731).

• قال المحدث الألباني في "الصحيحة"(1/ 828): "قلت: وفي الحديث دليل على أن قدمي المرأة عورة، وأن ذلك كان أمرًا معروفًا عند النساء في عهد النبوة، فإنه لما قال: "جرِّيه شبرًا"، قالت أم سلمة: "إذنْ، تتكشف القدمان" مما يشعر بأنها كانت تعلم أن القدمين عورة، لا يجوز كشفهما، وأقرها صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولذلك أمرها أن تجرَّه ذراعًا. =

ص: 434

بذلك ابن رسلان في شرح السنن، وظاهر التقييد بقوله: خيلاء، يدل بمفهومه أن جر الثوب لغير الخيلاء لا يكون داخلًا في هذا الوعيد.

قال ابن عبد البر

(1)

: مفهومه أن الجار لغير الخيلاء لا يلَحقه الوعيد إلا أنه مذموم.

قال النووي

(2)

: إنه مكروه وهذا نص الشافعي. قال البويطي في مختصره عن الشافعي: لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء، ولغيرها خفيف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر

(3)

انتهى.

قال ابن العربي

(4)

: "لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول: لا أجر خيلاء، لأن النهي قد تناوله لفظًا ولا يجوز لمن تناوله لفظًا أن يخالفه إذ صار حكمه أن يقول: لا أمتثله، لأن تلك العلة ليست فيَّ. فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالة ذيله دالة على تكبره" انتهى.

وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب وجر الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصده اللابس.

ويدل على عدم اعتبار التقييد بالخيلاء ما أخرجه أبو داود

(5)

والنسائي

(6)

والترمذي

(7)

، وصححه من حديث جابر بن سليم من حديث طويل فيه "وارفع إزارك إلى نِصْفِ السَّاقِ، فإن أبيتَ فإلى الكعبينِ، وإيَّاكَ وإسبالَ الإزارِ فإنها من المخيلَةِ وإن الله لا يُحِبُّ المخِيلةَ".

= وفي القرآن الكريم إِشارة إلى هذه الحقيقة، وذلك في قوله تعالى:{وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] " اهـ.

(1)

في "التمهيد" لما في الموطأ من المعانى والأسانيد. (15/ 124).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 62).

وفي "المجموع شرح المهذب"(4/ 338).

(3)

تقدم برقم (42/ 585) من كتابنا هذا.

(4)

في "عارضة الأحوذي"(7/ 238).

(5)

في السنن رقم (4084).

(6)

في السنن الكبرى (رقم: 10150) وفي عمل اليوم والليلة رقم (318).

(7)

في السنن رقم (2722) وقال: حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه الدولابي في الكنى (1/ 66، 66 - 67) والطبراني في الكبير رقم (6386) و (6387) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 236) وهو حديث صحيح.

ص: 435

وما أخرج الطبراني

(1)

من حديث أبي أمامة قال: "بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري. في حلة إزار ورداء قد أسبل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله ويقول: عبدك وابن عبدك وأمتك حتى سمعها عمرو فقال: يا رسول الله إني أحمش الساقين، فقال: يا عمرو إن الله تعالى قد أحسن كل شيء خلقه، يا عمرو إن الله [تعالى]

(2)

لا يحب المسبل".

والحديث رجاله ثقات وظاهره أن عمرًا لم يقصد الخيلاء، وقد عرفت ما في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:"إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء" وهو تصريح بأن مناط التحريم الخيلاء وأن الإسبال قد يكون للخيلاء وقد يكون لغيره فلا بد من حمل قوله "فإنها من المخيلة" في حديث جابر بن سليم على أنه خرج مخرج الغالب، فيكون الوعيد المذكور في حديث الباب متوجهًا إلى من فعل ذلك اختيالًا، والقول بأن كل إسبال من المخيلة أخذًا بظاهر حديث جابر ترده الضرورة، فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله ويرده ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لما عرفت

(3)

.

(1)

في "المعجم الكبير"(8/ 277 رقم (7909).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 124) وقال: "رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات" اهـ.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

قلت: الأحاديث الدالة على أن ما تحت الكعبين في النار، تفيد التحريم. والأحاديث دالة أيضًا على أن من جَرَّ إزاره خيلاء لا ينظر الله إليه، وهي تفيد التحريم أيضًا. وأن عقوبة الخيلاء عقوبة خاصة هي عدم نظر الله إليه وهو ما يبطل القول بأنه لا يحرم إلا إذا كان للخيلاء.

• أخرج مسلم في صحيحه رقم (2086).

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء، فقال:"يا عبد الله، ارفع إزارك" فرفعته. فقال: "زد" فزدت فما زلت أتحرى بعد، وقال بعض القوم: أين؟ قال: نصف الساقين.

• وأخرج أبو داود رقم (4093) وابن ماجه رقم (3573) وأحمد (3/ 5، 6، 31، 44، 52، 97) والبغوي في شرح السنة (12/ 12) والحميدي في مسنده رقم (737) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 244): عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: سألت أبا سعيد عن الإزار فقال: أخبرك بعلم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إزرة المؤمن إلى =

ص: 436

وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في الصحيحين، وقد جمع بعض المتأخرين

(1)

، رسالة طويلة

(2)

جزم فيها بتحريم الإسبال مطلقًا، وأعظم ما تمسك به حديث جابر.

وأما حديث أبي أمامة فغاية ما فيه التصريح بأن الله [تعالى]

(3)

لا يحب المسبل، وحديث الباب مقيد بالخيلاء وحمل المطلق على المقيد واجب وأما كون الظاهر من عمرو أنه لم يقصد الخيلاء فما بمثل هذا الظاهر تعارض الأحاديث الصحيحة، وسيأتي ذكر المقدار الذي يعد إسبالًا، وذكر عموم الإسبال لجميع اللباس.

ومن الأحاديث الدالة على أن الإسبال من أشد الذنوب ما أخرجه مسلم

(4)

وأبو داود

(5)

والترمذي

(6)

والنسائي

(7)

وابن ماجه

(8)

عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قلت: من هم يا رسول الله! فقد خابوا وخسروا؟ فأعادها ثلاثًا، قلت من هم خابوا وخسروا؟ قال: المسبل، والمنَّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر".

وما أخرجه أبو داود

(9)

وغيره

(10)

من حديث أبي هريرة قال: "بينما رجل

= نصف الساقين، ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين، فما أسفل من ذلك ففي النار، لا ينظر الله إلى من جرَّ إزاره بطرًا" وهو حديث صحيح.

(1)

في حاشية المخطوط (أ)، (ب)، (جـ):(السيد العلامة محمد الأمير).

(2)

بعنوان (استيفاء الأقوال في تحريم الإسبال على الرجال) وهي ضمن (عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير) بتحقيقي رقم (118) المجلد السادس. وقد تم الرد في هذه الرسالة على ما استدل به الإمام الشوكاني رحمه الله.

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في صحيحه رقم (106).

(5)

في السنن رقم (4087).

(6)

في السنن رقم (1211) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(7)

في السنن (5/ 81) و (7/ 245) و (8/ 208).

(8)

في السنن رقم (2208).

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 148، 158، 162، 168، 178) وأبو داود الطيالسي في مسنده رقم (467) وابن أبي شيبة في المصنف (8/ 201).

وهو حديث صحيح.

(9)

في سننه رقم (638).

(10)

كالبيهقي في السنن الكبرى (2/ 241).

ص: 437

يصلي مسبلًا إزاره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ فذهب فتوضأ ثم جاء، قال: اذهب فتوضأ، فقال له رجل: يا رسول الله مالك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه قال: إنه صلى وهو مسبل إزاره، وإن الله [تعالى]

(1)

لا يقبل صلاة رجل مسبل" وفي إسناده أبو جعفر

(2)

رجل من أهل المدينة لا يعرف اسمه.

وما أخرجه أبو داود

(3)

من جملة حديث طويل، وفيه "قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل خزيم الأسدي لولا طول جمته وإسبال إزاره".

43/ 586 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما] (1) عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الإِسْبالُ في الإِزَارِ والْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ [شَيئًا]

(4)

خُيَلأَ لَمْ يَنْظُرِ الله [تعالى](1) إِلَيْهِ يَوْمِ القِيامَةِ" رَواهُ أبُو دَاوُد

(5)

والنسائيُّ

(6)

وابْنُ ماجَهْ)

(7)

. [صحيح]

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

قال المنذري في "مختصر السنن"(1/ 324): "في إسناده أبو جعفر وهو رجل من أهل المدينة لا يعرف اسمه" اهـ.

وقال الحافظ في "التقريب" رقم (5607): "كثير بن جُهمان السُّلَمي، أو الأسلمي، أبو جعفر: مقبول. من الثالثة روى له أصحاب السنن الأربع".

وقال النووي في رياض الصالحين عند الحديث رقم (801): إنه على شرط مسلم.

وقال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في الرسالة السابقة: رقم (118)

"وبه يُعرف عدم صحة كلام الحافظ المنذري في أن أبا جعفر مجهول، بل قد تردد بين ثقتين، ولكن الذي أخرج له مسلم هو (راشد بن كيسان) ولم يخرج مسلم لكثير بن جهمان، إنما أخرج له أصحاب السنن الأربع.

فقول النووي: (إن الحديث على شرط مسلم) دال على أنه راشد بن كيسان، لكن كنيته أبو فزارة لا أبو جعفر، فالمتعين أنه كثير بن جهمان

" اهـ.

قلت: قال الحافظ في "التقريب" رقم (1856): "راشد بن كَيسان العبسيُّ، أبو فزارة الكوفي: ثقة. من الخامسة. روى له البخاري في التاريخ ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه، اهـ.

وخلاصة القول أن حديث أبي هريرة حديث ضعيف والله أعلم.

(3)

في السنن رقم (4089) بطوله.

قلت: وأخرجه كذلك أحمد في المسند (4/ 180) بطوله أيضًا. وهو حديث ضعيف.

وانظر الإرواء رقم (2133).

(4)

في (جـ): (ثوبه).

(5)

في السنن رقم (4094).

(6)

في السنن (8/ 208).

(7)

في السنن رقم (3576).

ص: 438

الحديث في إسناده عبد العزيز بن أبي رواد، وقد تكلم فيه غير واحد

(1)

.

قال ابن ماجه

(2)

قال أبو بكر بن أبي شيبة: ما أعرفه انتهى. وهو مولى المهلب بن أبي صفرة، وقد أخرج له البخاري.

وقال النووي في شرح مسلم

(3)

بعد أن ذكر هذا الحديث: إن إسناده حسن.

والحديث يدل على عدم اختصاص الإسبال بالثوب والإزار بل يكون في القميص والعمامة كما في الحديث. قال ابن رسلان: والطيلسان والرداء والشملة.

قال ابن بطال: وإسبال العمامة المراد به إرسال العذبة زائدًا على ما جرت به العادة انتهى. وأما المقدار الذي جرت به العادة، فقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله هو وأصحابه، وتطويل أكمام القميص تطويلًا زائدًا على المعتاد من الإسبال، وقد نقل القاضي عياض

(4)

عن العلماء كراهة كل ما زاد على المعتاد في اللباس في الطول والسعة.

(1)

عبد العزيز بن أبي روّاد، مولى المهلّب بن أبي صُفرة: قال أحمد: رجل صالح، وكان مرجئًا، وليس هو في الثبث مثل غيره. "العلل" رقم (3179).

وقال أبو حاتم: صدوق متعبد. وقال ابن الجنيد) ضعيف. وقال ابن حبان: روى عن نافع، عن ابن عمر - نسخة موضوعة. "الميزان"(2/ 628 - 629).

قال الحافظ في "التقريب" رقم (4096): "صدوق عابد ربما وهم، رمي بالإرجاء".

(2)

في نهاية الحديث رقم (3576): قال: قال أبو بكر: ما أغربَهُ.

(3)

(2/ 116)

(4)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 601).

• اعلم أن المبالغة في سعة الكم وطوله غير محمودة لأنها تنافي الاعتدال الذي يليق بالمسلم.

فقد جاء في "زاد المعاد"(1/ 135) لابن القيم: "وأما هذه الأكمام الواسعة الطوال التي هي كالأخراج، فلم يلبسها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه البتة، وهي مخالفة لسنته، وفي جوازها نظر، فإنها من جنس الخيلاء" اهـ.

وقد أنكر الفقهاء قديمًا على العلماء سعة أكمامهم وطولها واعتبروها مخالفة للسنة، مع أن واجبهم أن يكونوا قدوة لغيرهم في إحياء السنة.

قال ابن الحاج في "المدخل"(1/ 126): "ولا يخفى على ذوي بصيرة أن كم بعض من ينسب إلى العلم اليوم فيه إضاعة مال، لأنه قد يفصَّل من هذا الكم ثوب لغيره" اهـ.

ص: 439

44/ 587 - (وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه] (1) عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يَنْظُرُ الله [تعالى]

(1)

إلى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(2)

.

وَلأحْمَدَ

(3)

وَالبُخاريِّ

(4)

: "ما أسْفَلَ منَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإزَارِ في النَّارِ"). [صحيح]

قوله: (بطرًا) قد تقدم أن البطر معناه معنى الخيلاء، وفي القاموس

(5)

: البطر النشاط، والأشر وقلة احتمال النعمة والدهش والحيرة والطغيان وكراهة الشيء من غير أن يستحق الكراهة انتهى.

قوله: (ما أسفل من الكعبين إلخ) قال في الفتح

(6)

: "ما" موصولة وبعض صلته المحذوف وهو كان، وأسفل خبره، وهو منصوب ويجوز الرفع: أي ما هو أسفل وهو أفعل تفضيل، ويحتمل أن يكون فعلًا ماضيًا، ويجوز أن تكون "ما" نكرة موصوفة بأسفل. قال الخطابي: يريد أن الموضع الذي [يناله]

(7)

الإزار من أسفل الكعبين في النار فكنى بالثوب عن بدن لابسه، ومعناه أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب عقوبة؛ وحاصله أنه من تسمية الشيء باسم ما جاوره أو حل فيه، وتكون "من" بيانية، ويحتمل أن تكون سببية، ويكون المراد الشخص نفسه" فيكون هذا من باب تسمية الشيء بما يئول إليه أمره في الآخرة، كقوله:

{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}

(8)

يعني عنبًا فسماه بما يئول إليه غالبًا. وقيل: معناه فهو محرم عليه لأن الحرام يوجب النار في الآخرة.

وقد أخرج أبو داود

(9)

من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أزرةُ المسلمِ إلى نصفِ الساقِ، ولا حرج أو لا جناح فيما بينهُ وبين الكعبينِ، وما كان أسفل من الكعبين فهو في النار". وأخرجه أيضًا النسائي

(10)

وابن ماجه

(11)

.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أحمد في المسند (2/ 409)، والبخاري رقم (5788)، ومسلم رقم (2087).

(3)

في المسند (2/ 410).

(4)

في صحيحه رقم (5787).

(5)

القاموس المحيط (ص 449)

(6)

(10/ 257).

(7)

في المخطوط (ب): (تناله).

(8)

سورة يوسف: الآية 36.

(9)

في السنن رقم (4093).

(10)

في الكبرى رقم (9714) و (9716) و (9717).

(11)

في السنن رقم (3573). =

ص: 440

وحديث الباب يدل على أن الإسبال المحرم إنما يكون إذا جاوز الكعبين، وقد تقدم الكلام على اعتبار الخيلاء وعدمه.

[الباب الحادي عشر] باب نهي المرأة أن تلبس ما يحكي بدنها أو تشبه بالرجال

(1)

45/ 588 - (عَنْ أُسامَةَ بْنِ زيدٍ [رضي الله تعالى عنهما]

(2)

قالَ: كَسانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قُبْطِيَّةً كَثيفَةً كانْتَ مِمَّا أَهْدَى لهُ دِحْيَةَ الكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُها امْرَأتِي، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ما لَكَ لَا تَلْبَسُ القبْطِيَّةَ؟ " فقلْتُ: يا رَسُولَ الله كَسَوْتُها امْرَأَتِي، فقالَ:"مُرْها أنْ تَجْعَل تَحْتَها غِلَالةً فإِنِّي أخافُ أنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِها". رَوَاهُ أحْمَدُ)

(3)

. [حسن]

الحديث [أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة

(4)

والبزار

(5)

وابن سعد

(6)

= قلت: وأخرجه أحمد في المسند (3/ 5، 6، 31، 44، 52، 97).

ومالك (2/ 914 - 915) وأبو عوانة (5/ 483) والبغوي في شرح السنة رقم (3080) وغيرهم كلهم من حديث أبي سعيد الخدري وهو حديث صحيح.

(1)

هذان الشرطان من شروط جلباب المرأة، وهي ثمانية:

1 -

استيعاب جميع البدن إلا ما استثني.

2 -

أن لا يكون زينة في نفسه.

3 -

أن يكون صفيقًا لا يشف (أي لا يحكى بدنها).

4 -

أن يكون فضفاضًا غير ضيق فيصف شيئًا من جسمها.

5 -

أن لا يكون مبخرًا مطيبًا.

6 -

أن لا يشبه لباس الرجل.

7 -

أن لا يشبه لباس الكافرات.

8 -

أن لا يكون لباس شهرة.

انظر كتاب "جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة" للمحدث الألباني.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في المسند (5/ 205). بسند حسن.

(4)

عزاه إليه التقي الهندي في كنز العمال (15/ 488). ولم أجده في المصنف المطبوع، ولا في المسند المطبوع.

(5)

في المسند (7/ 30 رقم 2578) بسند ضعيف جدًّا لأن يوسف بن خالد السمتي: متروك.

(6)

في الطبقات (4/ 64 - 65).

ص: 441

[والروياني

(1)

]

(2)

والبارودي

(3)

والطبراني

(4)

والبيهقي

(5)

والضياء في المختارة

(6)

.

وقد]

(7)

أخرج نحوه أبو داود

(8)

عن دِحْية بن خليفة قال: "أُتي رسول اللهِ بِقَباطِيَّ، فأعطاني منها قبطية فقال: أصدعها صدعين فاقطع أحدهما قميصًا وأعط الآخر امرأتك تختمر به"، فلما أدبر قال:"ومر امرأتك تجعل تحته ثوبًا لا يصفُها" وفي إسناده ابن لهيعة ولا يحتج بحديثه

(9)

، وقد تابع ابن لهيعة على روايته هذه أبو العباس يحيى بن أيوب

(1)

عزاه إليه التقي الهندي في كنز العمال (15/ 488).

(2)

في المخطوط (ب): الرياني وهو خطأ.

(3)

عزاه إليه التقي الهندي في كنز العمال (15/ 488).

(4)

في المعجم الكبير (1/ 160 رقم 376). وأورده في "مجمع الزوائد"(5/ 137) وقال الهيثمي وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.

(5)

في السنن الكبرى (2/ 242).

(6)

رقم (1368).

وخلاصة القول أن الحديث حسن والله أعلم.

(7)

زيادة من (أ) و (ب).

(8)

في السنن رقم (4116).

• قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 187) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 234). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

قلت: بل إسناده ضعيف. رواية خالد بن يزيد عن دحية منقطعة فهو لم يدركه. قال الذهبي في "تهذيب السنن" وفي إسناده أيضًا: موسى بن جبير، وعباس بن عبيد الله بن عباس، لم يوثقهما غير ابن حبان، وقال في الأول يخطئ ويخالف.

انظر: "الثقات"(7/ 451) و (5/ 258) والتقريب رقم (1821) ورقم (1690). وتهذيب التهذيب (1/ 537) و (1/ 573).

وخلاصة القول أن حديث دحية حديث ضعيف والله أعلم.

(9)

قال المحدث الألباني: "إطلاق الضعف عليه ليس بصواب، فإن المتقرر من مجموع كلام الأئمة فيه أنه ثقة في نفسه، ولكنه سيء الحفظ، وقد كان يحدث من كتبه، فلما احترقت حدث من حفظه، فأخطأ، وقد نص بعضهم على أن حديثه صحيح إذا جاء من طريق أحد العبادلة الثلاث: عبد الله بن وهب، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ.

فقال الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي: إذا روى (هؤلاء) العبادلة عنه فهو صحيح

ثم تبين لي أن قتيبة بن سعيد كالعبادلة، فراجع ترجمته في "السير" للذهبي (8/ 15) ".

انظر: "معجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم العلامة محمد ناصر الدين الألباني جرحًا وتعديلًا"(2/ 660 - 674) في ترجمة ابن لهيعة. عبد الله بن لهيعة.

ص: 442

المصري وفيه مقال

(1)

، وقد احتج به مسلم

(2)

واستشهد به البخاري

(3)

.

قوله: (قبطية) قال في القاموس

(4)

: بضم القاف على غير قياس، وقد تكسر وفي الضياء بكسرها.

وقال القاضي عياض

(5)

: بالضم وهي نسبة إلى القبط بكسر القاف وهم أهل مصر.

قوله: (غلالة) الغلالة بكسر الغين المعجمة شعار يلبس تحت الثوب كما في القاموس

(6)

وغيره.

والحديث يدل على أنه يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه وهذا شرط ساتر العورة، وإنما أمر بالثوب تحته لأن القباطي ثياب رقاق لا تستر البشرة عن رؤية الناظر بل تصفها

(7)

.

(1)

انظر: "تهذيب التهذيب"(4/ 342 - 343).

فقد وثقه البخاري كما قاله الترمذي، وقال يعقوب بن سفيان: كان ثقة حافظًا وقال إبراهيم الحربي: ثقة. وقال الساجي: صدوق يهم، كان أحمد يقول: يحيى بن أيوب يخطئ خطأً كبيرًا. وقال الحاكم أبو أحمد: إذا حدث من حفظه يخطئ وما حدَّث من كتاب فليس به بأس.

وخلاصة القول أن الرجل يحيى بن أيوب المصري: صدوق والله أعلم.

(2)

انظر رجال صحيح مسلم لابن منجويه (2/ 331 - 332 رقم 1810).

(3)

في (جـ) هنا زيادة وهي: (وأخرج أيضا حديث الباب البزار).

(4)

القاموس المحيط ص 880.

(5)

في مشارق الأنوار على صحاح الآثار" له (2/ 170).

(6)

القاموس المحيط ص 1343.

(7)

تعقب المحدث الألباني في كتابه "جلباب المرأة المسلمة"(ص 132 - 133) كلام الإمام الشوكاني بقوله:

"وهو كما ترى قد حمل الحديث على الثياب الرقيقة الشفافة التي لا تستر لون البشرة، فهو على هذا يصلح أن يورد في الشرط السابق - الثالث - ولكن هذا الحمل غير متجه عندي، بل هو وارد على الثياب الكثيفة التي تصف حجم الجسم من ليونتها، ولو كانت غير رقيقة وشفافة، وذلك واضح من الحديث لأمرين:

(الأول): أنه قد صرح فيه بأن القبطية كانت كثيفة، أي: ثخينة غليظة، فمثله كيف يصف البشرة ولا يسترها عن رؤية الناظر؟ ولعل الشوكاني رحمه الله ذهل عن هذا القيد "كثيفة" في الحديث، ففسر القبطية بما هو الأصل فيها.

(الثاني): أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرح فيه بالمحذور الذي خشيه من هذه القبطية، فقال: "إني =

ص: 443

46/ 589 - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ [رضي الله تعالى عنها]

(1)

أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ على أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَخْتَمِرُ، فقالَ: "لَيَّةً لَا لَيَّتَيْنِ، رَوَاهُ أحمدُ

(2)

وأبُو دَاوُدَ)

(3)

. [ضعيف]

الحديث رواه عن أم سلمة وهب مولى أبي أحمد، قال المنذري

(4)

: وهذا يشبه المجهول، وفي الخلاصة

(5)

أنه وثقه ابن حبان.

قوله: (وهي تختمر) الواو للحال والتقدير دخل عليها حال كونها تصلح خمارها، يقال اختمرت المرأة وتخمرت إذا لبست الخمار كما يقال اعتمّ وتعمم إذا لبس العمامة.

قوله: (فقال لَيّة) بفتح اللام وتشديد الياء والنصب على المصدر والناصب فعل مقدر والتقدير ألويه لية.

قوله: (لا ليتين) أمرها أن تلوي خمارها على رأسها وتديره مرة واحدة لا مرتين لئلا يشبه اختمارها تدوير عمائم الرجال إذا اعتموا فيكون ذلك من التشبه المحرم وسيأتي أنه محرّم على العموم من دون تخصيص.

= أخاف أن تصف حجم عظامها".

فهذا نص في أن المحذور إنما هو وصف الحجم لا اللون.

فإن قلت: فإذا كان الأمر كما ذكرت، وكانت القبطية ثخينة، فما فائدة الغلالة؟.

قلت: فائدتها دفع ذلك المحذور، لأن الثوب قد يصف الجسم ولو كان ثخينًا، إذا كان من طبيعته الليونة والانثناء على الجسد، كبعض الثياب الحريرية والجوخ المعروفة في هذا العصر، فأمر صلى الله عليه وسلم بالشعار من أجل ذلك والله تعالى أعلم" اهـ.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المسند (6/ 294، 296).

(3)

في السنن رقم (4115).

قلت: وأخرجه أبو يعلى في المسند رقم (6971) والطيالسي في المسند رقم (1612) وعبد الرزاق في المصنف رقم (5050) والطبراني في الكبير (ج 33 رقم 705) والحاكم في المستدرك (4/ 194 - 195) من طرق قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

قلت: ليس بصحيح في الإسناد وهب مولى أبي أحمد مجهول كما قال الحافظ في "التقريب" رقم (7486).

والخلاصة أن الحديث ضعيف والله أعلم.

(4)

في مختصر السنن (6/ 62).

(5)

للخزرجي ص 419. وقد قمتُ بتحقيقها على مخطوط أعانني الله على نشرها.

ص: 444

47/ 590 - (وَعَنْ أبِي هُرَيْرَة [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صِنْفانِ مِنْ أهْلِ النَّارِ لمْ أرَهُما بَعْدُ نِساءُ كاسِيَاتٌ عارِياتٌ مِائِلاتٌ مُميلَات على رُءُوسِهِنَّ أمْثَالُ أَسْنمةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَرَيْنَ الْجَنَّةَ ولَا يجِدْنَ رِيحَها، ورجالٌ مَعَهُمْ سِياطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُوَن بِها النَّاسَ". رَوَاهُ أحمَدُ

(2)

ومُسلِمٌ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (صنفان من أهل النار) فيه ذم هذين الصنفين.

قال النووي

(4)

: هذا الحديث من معجزات النبوّة فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان.

قوله: (كاسيات عاريات) قيل: كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها.

وقيل: معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارًا لجمالها ونحوه، وقيل: تلبس ثوبًا رقيقا يصف لون بدنها

(5)

.

قوله: (مائلات) أي عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه و (مميلات) أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم. وقيل: مائلات بمشيهن متبخترات مميلات لأكتافهن، وقيل: المائلات بمشطهن مشطة البغايا المميلات بمشطهن غيرهن تلك المشطة.

قوله: (على رءوسهن أمثال أسنمة البخت) أي يكرمن شعورهن ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها. (والبخت) بضم الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة والتاء المثناة: الإبل الخراسانية.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المسند رقم (2/ 356).

(3)

في صحيحه رقم (2128).

قلت: وأخرجه أبو يعلى في المسند رقم (6690) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 234) وفي "الشعب" رقم (7801) وفي الدلائل (6/ 532 - 533) وابن حبان في صحيحه رقم (7461) والبغوي في شرح السنة رقم (2578) من طرق.

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 110).

(5)

قال البغوي في شرح السنة (10/ 272): "يريد اللائي يلبسن ثيابًا رقاقًا تصف ما تحتها، فهن كاسيات في الظاهر، عاريات في الحقيقة.

وقيل: هنَّ اللائي يُسدلنَ الخُمر من ورائهنَّ، فتنكشف صدورهنَّ فهنَّ كاسيات بمنزلة العاريات، إذا كان لا يستر لباسهُنَّ جميع أجسامهن.

وقيل: "أراد كاسيات من نعم الله، عاريات من الشكر، والأول أصح" اهـ.

ص: 445

والحديث ساقه المصنف للاستدلال به على كراهة لبس المرأة ما يحكي بدنها، وهو أحد التفاسير كما تقدم، والإخبار بأن من فعل ذلك من أهل النار وأنه لا يجد ريح الجنة مع أن ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام وعيد شديد يدل على تحريم ما اشتمل عليه الحديث من صفات هذين الصنفين.

48/ 591 - (وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الرَّجُلَ يَلْبَس لُبْسَ الْمَرْأَةِ، والْمَرْأةَ تَلْبَسُ لبْسَ الرَّجُلِ. رَواهُ أحْمَدُ

(2)

وأبُو دَاوُدَ)

(3)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا النسائي

(4)

، ولم يتكلم عليه أبو داود (2) ولا المنذري

(5)

، [ورجاله رجال الصحيح]

(6)

.

وأخرج أبو داود

(7)

عن عائشة أنها قالت: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء".

وأخرج البخاري

(8)

وأبو داود

(9)

والترمذي

(10)

والنسائي

(11)

وابن ماجه

(12)

من حديث ابن عباس قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء".

وأخرج أحمد

(13)

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه رأى امرأة متقلدة

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المسند (2/ 325).

(3)

في السنن رقم (4098).

(4)

في السنن الكبرى رقم (9253).

وهو حديث صحيح.

(5)

في مختصر السنن (6/ 56 - 57).

(6)

زيادة من (أ) و (ب).

(7)

في السنن رقم (4099) من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة - واسمه عبد الله بن عبيد الله - به. ورجاله ثقات، غير أن ابن جريج مدلس، وقد عنعنه، فالحديث صحيح بشواهده.

(8)

في صحيحه رقم (5885).

(9)

في سننه رقم (4097).

(10)

في سننه رقم (2784). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(11)

في عشرة النساء رقم (369).

(12)

في سننه رقم (1904).

وهو حديث صحيح.

(13)

في المسند (2/ 199 - 200) بسند ضعيف. لجهالة حال عمر بن حوشب، ولإيهام الرجل من هُذيل، وبقية رجاله ثقات. =

ص: 446

قوسًا وهي تمشي مشية الرجل فقال: من هذه؟ فقيل: هذه أم سعيد بنت أبي جهل

(1)

فقال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس منا من تشبه بالرجال من النساء".

قوله: (لبس المرأة ولبس الرجل) رواية أبي داود

(2)

"لبسة" في الموضعين.

والحديث يدل على تحريم تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء، لأن اللعن لا يكون إلا على فعل محرم، وإليه ذهب الجمهور.

وقال الشافعي في الأم

(3)

: إنه لا يحرم زي النساء على الرجل وإنما يكره فكذا عكسه انتهى. وهذه الأحاديث ترد عليه، ولهذا قال النووي في الروضة

(4)

: والصواب أن تشبه النساء بالرجال وعكسه حرام للحديث الصحيح انتهى.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المترجلات: "أخرجوهن من بيوتكم"

(5)

وأخرج أبو داود

(6)

من حديث أبي هريرة قال: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذا؟ فقالوا: يتشبه

= قلت: وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"(3/ 321) والعقيلي في "الضعفاء"(2/ 232).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(8/ 102 - 103) وقال الهيثمي: "رواه أحمد، والهذلي لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. ورواه الطبراني باختصار، وأسقط الهذلي المبهم، فعلى هذا رجال الطبراني كلهم ثقات" اهـ.

قلت: وللمرفوع منه شاهد من حديث ابن عباس المتقدم آنفًا.

(1)

قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة"(8/ 403 رقم 12057): أم سعيد بنت أبي جهل بن هشام المخزومية. وقع ذكرها في قصته في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، من مسند أحمد، ومن المعجم الكبير للطبراني، وهي من طريق رجل من هُذيل، قال: رأيت عبد الله بن عمرو

فذكر قصة فرأى أم سعيد بنت أبي جهل متقلدة قوسًا وهي تمشي مِشية الرجال، فذكر الحديث في ذم من تشبه بالرجال من النساء، ورجاله ثقات إلَّا الهذلي، فإنه لم يسم" اهـ.

(2)

في السنن رقم (4098).

(3)

ذكره النووي في "المجموع"(4/ 331).

(4)

وقال النووي في "المجموع"(4/ 343): "المشهور من المذهب - أي الشافعي - أنه يحرم على الرجل أن يتشبه بالمرأة في اللباس وغيره، ويحرم على المرأة أن تتشبه بالرجل في ذلك". وانظر: "المجموع " أيضًا (4/ 332).

(5)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 226 - 227) والبخاري رقم (5886) وأبو داود رقم (4929 و 4930) وابن ماجه رقم (2614) من حديث ابن عباس.

(6)

في السنن رقم (4928). وهو حديث صحيح.

ص: 447

بالنساء، فأمر به فنفي إلى النقيع

(1)

- بالنون -، قيل: يا رسول الله ألا تقتله؟ قال: إني نهيت أن أقتل المصلين".

وروى البيهقي

(2)

أن أبا بكر أخرج مخنثًا، وأخرج عمر واحدًا.

[الباب الثاني عشر] باب التيامن في اللبس وما يقول من استجد ثوبًا

49/ 592 - (عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(3)

قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا لَبِسَ قَمِيصًا بَدَأَ بِمَيَامِنِهِ)

(4)

. [صحيح]

50/ 593 - (وَعَنْ أبِي سَعيد [رضي الله تعالى عنه] (3) قالَ: كانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا اسْتَجدَّ ثَوبًا سَمَّاهُ باسْمِهِ. عمَامَةً أو قَميصًا أوْ رِداءً، ثمَّ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمدُ أنْتَ كسَوْتَنيهِ، أسْألُكَ خَيْرَهُ وَخَيرَ ما صُنِعَ لَهُ، وَأعُوذَ بِكَ مِنْ شَرّهِ وَشرِّ ما صُنِعَ لهُ". رَواهُما التِّرْمِذِيُّ)

(5)

. [صحيح]

(1)

قال أبو أسامة (راوي الحديث): والنَّقِيعُ: ناحيةٌ عن المدينةِ، وليس بالبقيع. كما في سنن أبي داود عقب الحديث (4928).

(2)

في السنن الكبرى (8/ 224).

وقال الحافظ في "الفتح"(12/ 159 - 160): "

وقفت في "كتاب المغربين لأبي الحسن المدايني" من طريق الوليد بن سعيد قال: سمع عمر قومًا يقولون أبو ذؤيب أحسن أهل المدينة، فدعا به فقال: أنت لعمري، فاخرج عن المدينة. فقال: إن كنت تخرجني فإلى البصرة حيث أخرجت يا عمر نصر بن حجاج، وذكر قصة نصر بن حجاج وهي مشهورة.

وساق قصة جعدة السلمي وأنه كان يخرج مع النساء إلى البقيع ويتحدث إليهن حتى كتب بعض الغزاة إلى عمر يشكو ذلك فأخرجه.

وعن مسلمة بن محارب عن إسماعيل بن مسلم أن أمية بن يزيد الأسدي ومولى مزينة كانا يحتكران الطعام بالمدينة فأخرجهما عمر.

ثم ذكر عدة قصص لمبهم ومعين. فيمكن التفسير في هذه القصة ببعض هؤلاء اهـ.

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

أخرجه الترمذي في سننه رقم (1766) وقال المحدث الألباني في صحيح الترمذي: حديث صحيح.

(5)

في السنن رقم (1767) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح.

وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

ص: 448

الحديث الأول أخرجه أيضًا النسائي

(1)

، وذكره الحافظ في التلخيص، وسكت عنه.

ويشهد له حديث: "إذا توضأتم وإذا لبستم فابدءوا بميامنكم" أخرجه ابن حبان

(2)

والبيهقي

(3)

والطبراني

(4)

قال ابن دقيق العيد: هو حقيق بأن يصح.

ويشهد له أيضًا حديث عائشة المتفق عليه

(5)

بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه - يحب - التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله".

وهو يدل على مشروعية الابتداء في لبس القميص بالميامن، وكذلك لبس غيره لعموم الأحاديث الدالة على مشروعية تقديم الميامن.

والحديث الثاني أخرجه أيضًا النسائي

(6)

وأبو داود

(7)

وحسنه الترمذي.

قوله: (سماه باسمه) قال ابن رسلان في شرح السنن: البداءة باسم الثوب قبل حمد الله تعالى أبلغ في تذكر النعمة وإظهارها، فإن فيه ذكر الثوب مرتين فمرة ذُكِر ظاهرًا ومرة ذُكِر مضمرًا.

قوله: (أسألك خيره) هكذا لفظ الترمذي

(8)

ولفظ أبي داود (7)"أسألك من خيره" بزيادة من. ولفظ الترمذي أعم وأجمع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة:"عَليكِ بالجوامع الكوامل اللهم إني أسألكَ الخير كله"

(9)

، ولفظ أبي داود (7) أنسب لما فيه من المطابقة لقوله في آخر الحديث:"وأعوذ بك من شره".

(1)

في السنن الكبرى رقم (9669).

(2)

في صحيحه رقم (1090).

(3)

في السنن الكبرى (1/ 86) وفي "الشعب" رقم (6281).

(4)

في الأوسط رقم (1101) ط. مكتبة المعارف.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (4141) وابن ماجه رقم (402) وابن خزيمة رقم (178) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (16). وهو حديث صحيح.

(5)

أخرجه البخاري رقم (168) ومسلم رقم (268) وأحمد (6/ 130).

(6)

في السنن الكبرى رقم (10141).

(7)

في السنن رقم (4020).

(8)

سبق تخريجه في الصفحة السابقة.

(9)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 146 - 147) والطيالسي في المسند رقم (1569) بسند صحيح.

ص: 449

قوله: (وخير ما صنع له) هو استعماله في طاعة الله تعالى وعبادته ليكون عونًا له عليها.

قوله: (وشر ما صنع له) هو استعماله في معصية الله [تعالى]

(1)

، ومخالفة أمره.

والحديث يدل على استحباب حمد الله تعالى عند لبس الثوب الجديد. وقد أخرج الحاكم في المستدرك

(2)

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اشترى عبد ثوبًا بدينار أو بنصف دينار فحمد الله إلا لم يبلغ ركبتيه حتى يغفر الله له". وقال: حديث لا أعلم في إسناده أحدًا ذكر بجرح.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المستدرك (1/ 514) وقال الحاكم: هذا حديث لا أعلم في إسناده أحدًا ذكر بجرح، ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: بلى، قال ابن عدي: محمد بن جامع العطار لا يتابع على أحاديثه.

والخلاصة فهو حديث ضعيف والله أعلم.

ص: 450

[سادسًا] أبواب اجتناب النجاسات ومواضع الصلوات

[الباب الأول] باب اجتناب النجاسة في الصلاة والعفو عما لا يعلم بها

1/ 594 - (عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ [رضي الله تعالى عنهما]

(1)

قالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا سألَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أصَلِّي في الثَّوْبِ الذِي آتِي فِيهِ أهْلِي؟ قالَ: "نَعمْ، إلَّا أنْ تَرَى فِيهِ شَيئًا فتَغْسِلَهُ". رَوَاهُ أحمَدُ

(2)

وابْنُ ماجَهْ)

(3)

. [صحيح]

2/ 595 - (وَعَنْ مُعَاويةَ [رضي الله تعالى عنه] (1) قالَ: قُلْتُ لِأمِّ حَبِيبَةَ: هَلْ كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي في الثَّوْب الذِي يُجَامِعُ فِيهِ؟ قالَتْ: نَعَمْ، إذَا لَمْ يَكُنْ فيهِ أَذَى. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)

(4)

. [صحيح]

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المسند (5/ 89).

وابنه عبد الله في زوائد المسند (5/ 97). وقال أحمد: هذا الحديث لا يرفع عن عبد الملك بن عمير.

(3)

في سننه رقم (542).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 215): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه أبو يعلى الموصلي - رقم (7460) - ثنا محمد بن أبي زميل، ثنا عبيد الله بن عمرو فذكره" اهـ.

وقال أبو حاتم في العلل (1/ 192): روي مرفوعًا وإنما هو موقوف".

وأخرجه الطبراني في الكبير (2/ 215 رقم 1881) وابن حبان رقم (236 - موارد) وخلاصة القول أن الحديث صحيح والله أعلم.

(4)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 325) و (6/ 427) وأبو داود رقم (366) والنسائي (1/ 155) وفي الكبرى رقم (287) وابن ماجه رقم (540).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 482) وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (1555) والدارمي رقم (1415) و (1416) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (3072) و (3073) وأبو يعلى رقم (7126) وابن خزيمة رقم (776) وابن المنذر في الأوسط رقم (721) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 50). وابن حبان رقم (2331) والطبراني في "الكبير"(ج 23 رقم 405) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 410) =

ص: 451

حديث [جابر بن]

(1)

سمرة رجال إسناده عند ابن ماجه ثقات

(2)

.

وحديث معاوية رجال إسناده كلهم ثقات.

والحديثان يدلان على تجنب المصلي للثوب المتنجس.

وهل طهارة ثوب المصلي شرط لصحة الصلاة أم لا؟ فذهب الأكثر إلى أنها شرط

(3)

.

وروي عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وهو مروي عن مالك أنها ليست بواجبة

(4)

، ونقل صاحب النهاية عن مالك قولين. أحدهما إزالة النجاسة سنة وليست بفرض. وثانيهما أنها فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان وقديم قولي الشافعي أن إزالة النجاسة غير شرط

(5)

.

= وفي معرفة السنن والآثار (3/ 364 رقم 4943) و (4944) والبغوي في شرح السنة رقم (522) من طرق. وهو حديث صحيح.

• الأذى: قد يكون مذيًا، والمذي نجس. وقد يصيبه شيء من رطوبة فرج المرأة.

وغسل الثوب منه واجب. (معرفة السنن والآثار)(3/ 364).

(1)

زيادة من (أ) و (ب).

(2)

قاله البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 215) كما تقدم.

(3)

لذا قال الشافعية والحنابلة تفسد الصلاة ولا تصح لملاقاة بعض لباسه أو بدنه نجاسة، لأن ثوب المصلي تابع له، وهو كعضو سجوده.

وقال الأحناف لا تفسد الصلاة إلا إذا كانت النجاسة في موضع قيامه أو جبهته أو في موضع يديه وركبتيه.

انظر: "رد المحتار"(1/ 374، 585) ط: البابي الحلبي. ومغني المحتاج (1/ 190) والشرح الكبير لابن قدامة (1/ 475).

وقال ابن قدامة في المغني (2/ 464): "أن الطهارة من النجاسة في بدن المصلي وثوبه شرط لصحة الصلاة في قول أكثر أهل العلم؛ منهم: ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وقتادة، ومالك، والشافعي، وأصحابُ الرأي) اهـ.

(4)

قال ابن قدامة في المغني (2/ 464): "ويروى عن ابن عباس أنه قال: ليس على ثوبٍ جنابةٌ. ونحوه عن أبي مِجْلَز، وسعيد بن جبير، والنخعي. وقال الحارثُ العُكليُّ، وابن أبي ليلى: ليس في ثوبٍ إعادةٌ. ورأى طاوسٌ دمًا كثيرًا في ثوبه، وهو في الصلاة، فلم يباله، وسئل سعيدُ بن جبير عن الرجل يرى في ثوبه الأذى وقد صلى؟ فقال: اقرأ عليَّ الآية التي فيها غسلُ الثياب" اهـ.

(5)

قال النووي في "المجموع"(2/ 139 - 140)."

فإزالة النجاسة شرط لجميعها - أي صلاة الفرض والنفل والجنازة وسجود الشكر والتلاوة - هذا مذهبنا - أي الشافعية - وبه =

ص: 452

احتج الجمهور بحجج (منها). قول الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)}

(1)

قال في البحر

(2)

: والمراد للصلاة للإجماع على أن لا وجوب في غيرها ولا يخفاك أن غاية ما يستفاد من الآية الوجوب عند من جعل الأمر حقيقة فيه، والوجوب لا يستلزم الشرطية لأن كون الشيء شرطًا حكم شرعي وضعي لا يثبت إلا بتصريح الشارع بأنه شرط، أو بتعليق الفعل به بأداة الشرط، أو بنفي الفعل بدونه نفيًا متوجهًا إلى الصحة لا إلى الكمال أو بنفي الثمرة ولا يثبت بمجرد الأمر به.

وقد أجاب صاحب ضوء النهار

(3)

عن الاستدلال بالآية بأنها مطلقة، وقد حملها القائلون بالشرطية على الندب في الجملة فأين دليل الوجوب في المقيد وهو الصلاة؟. وفيه أنهم لم يحملوها على الندب بل صرحوا بأنها مقتضية للوجوب في الجملة، لكنه قام الإجماع على عدم الوجوب في غير الصلاة فكان صارفًا عن اقتضاء الوجوب فيما عدا المقيد.

(ومنها) حديث خلع النعل الذي سيأتي

(4)

، وغاية ما فيه الأمر بمسح النعل، وقد عرفت أنه لا يفيد الشرطية على أنه بني على ما كان قد صلى قبل الخلع، ولو كانت طهارة الثياب ونحوها شرطًا لوجب عليه الاستئناف، لأن الشرط يؤثر عدمه في عدم المشروط كما تقرر في الأصول فهو عليهم لا لهم.

(ومنها) الحديثان المذكوران في الباب. ويجاب عنهما بأن الثاني فعل وهو لا يدل على الوجوب فضلًا عن الشرطية، والأول ليس فيه ما يدل على الوجوب. سلمنا أن قوله فتغسله خبر في معنى الأمر فهو غير صالح للاستدلال به على المطلوب.

= قال أبو حنيفة، وأحمد، وجمهور العلماء من السلف والخلف.

وعن مالك في إزالة النجاسة ثلاث روايات: (أصحها وأشهرها): أنه إن صلى عالمًا بها لم تصح صلاته. وإن كان جاهلًا أو ناسيًا صحت، وهو قول قديم عن الشافعي.

(والثانية): لا تصح الصلاة علم أو جهل أو نسي.

(والثالثة): تصح الصلاة مع النجاسة، وإن كان عالمًا متعمدًا، وإزالتها سنة. ونقل أصحابنا عن ابن عباس وسعيد بن جبير نحوه، واتفق الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وعامة العلماء على أن إزالتها شرط إلا مالكًا" اهـ.

وانظر: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" لابن رشد (1/ 288) بتحقيقي.

(1)

سورة المدثر: الآية 4.

(2)

البحر الزخار (1/ 211).

(3)

(1/ 374).

(4)

برقم (3/ 596) من كتابنا هذا.

ص: 453

(ومنها) حديث عائشة قالت: "كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه: فلمَّا أصبحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أخذ الكِسَاءَ فلبِسه ثم خرجَ فصلَّى فيه الغَداةَ، ثم جلسَ فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ هذه لُمعةٌ من دَمٍ في الكساء فقبضَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عليها مع ما يليها، وأرسلها إليَّ مَصْرُورةً في يَدِ الغُلامِ فقالَ: "اغْسِلي هذه وَأَجِفِّيهَا ثم أَرْسلي بها إليَّ" فدعوت بقصعتِي فغسلتُها ثم أجفيتها ثم أخرجتها فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليه" أخرجه أبو داود

(1)

.

ويجاب عنه أولًا بأنه غريب كما قال المنذري

(2)

. وثانيًا بأن غاية ما فيه الأمر وهو يدل على الشرطية. وثالثًا بأنه عليهم لا لهم، لأنه لم ينقل إلينا أنه أعاد الصلاة التي صلاها في ذلك الثوب.

(ومنها) حديث عمار بلفظ: "إنما تغسل ثوبك من البول والغائط والقيء والدم والمني" رواه أبو يعلى

(3)

والبزار

(4)

في مسنديهما ابن عدي في الكامل

(5)

والدارقطني

(6)

والبيهقي

(7)

في سننهما والعقيلي في الضعفاء

(8)

وأبو نعيم في المعرفة

(9)

(1)

في سننه رقم (338). وحكم عليه المحدث الألباني بالضعف في ضعيف أبي داود والله أعلم.

(2)

في مختصر السنن (1/ 228 - 229) وقد سكت عنه المنذري.

• اللمعة: بزنة غرفة: القدر اليسير.

• مصرورة: أي مجموعة ومنقبضة أطرافها.

(3)

في مسنده (3/ 185 - 186 رقم (10/ 1611).

(4)

في مسنده (4/ 234 رقم 1397) وقال: "وهذا الحديث لم يروه إلا إبراهيم بن زكريا عن ثابت بن حماد، وإبراهيم بن زكريا بصري، قد حدث بغير حديث، لم يتابع عليه، وأما ثابت بن حماد فلا نعلم روى إلا هذا الحديث" اهـ.

(5)

(2/ 524 - 525) في ترجمة ثابت بن حماد.

(6)

في سننه (1/ 127 رقم 1) وقال: "لم يروه غير ثابت بن حماد وهو ضعيف جدًّا وإبراهيم وثابت ضعيفان" اهـ.

(7)

في السنن الكبرى (1/ 14): وقال: "وإنما رواه ثابت بن حماد عن علي بن زيد عن ابن المسيب عن عمار، وعلي بن زيد غير محتج به، وثابت بن حماد متهم بالوضع" اهـ.

(8)

(1/ 176) في ترجمة ثابت بن حماد. وقال العقيلي: "حديثه غير محفوظ، مجهول بالنقل" اهـ.

(9)

(4/ 2073 رقم 5214).

ص: 454

والطبراني في الكبير

(1)

والأوسط

(2)

.

ويجاب عنه أولًا بأن هؤلاء كلهم ضعفوه وضعفه غيرهم من أهل الحديث لأن في إسناده ثابت بن حماد وهو متروك ومتهم بالوضع

(3)

، وعلي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف

(4)

حتى قال البيهقي

(5)

في سننه: حديث باطل لا أصل له. وثانيًا بأنه لا يدل على المطلوب وليس فيه إلا أنه يغسل الثوب من هذه الأشياء لا من غيرها.

(ومنها) حديث غسل المني وفركه في الصحيحين وغيرهما كما تقدم

(6)

وهو لا يدل على الوجوب فكيف يدل على الشرطية.

(ومنها) حديث "حتيه ثم اقرصيه" عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أسماء

(7)

. وفي لفظ "فلتقرصه ثم لتنضحه بماء" من حديث عائشة

(8)

. وفي لفظ "حكيه بضلع" من حديث أم قيس

(9)

بنت محصن.

ويجاب عن ذلك أولًا بأن الدليل أخص من الدعوى. وثانيًا بأن غاية ما فيه الدلالة على الوجوب.

(ومنها) أحاديث الأمر بغسل النجاسة كحديث تعذيب من لم يستنزه من البول

(10)

، وحديث الأمر بغسل المذي

(11)

وغيرهما، وقد تقدمت في أول هذا الكتاب.

ويجاب عنها بأنها أوامر وهي لا تدل على الشرطية التي هي محل النزاع

(1)

(1/ 283 - مجمع الزوائد).

(2)

في المعجم الأوسط رقم (5963) وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن المسيب إلا علي بن زيد، تفرَّد به، ثابت بن حماد، ولا يُروى عن عمار بن ياسر إلا بهذا الإسناد" اهـ.

وخلاصة القول أن الحديث باطل والله أعلم.

(3)

تقدم الكلام عليه في مصادر التخريج آنفًا.

(4)

انظر: "الجرح والتعديل"(6/ 186) والكامل (5/ 1840) والميزان (3/ 128).

(5)

تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.

(6)

في الباب التاسع رقم الحديث (23/ 41) من كتابنا هذا.

(7)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه رقم (3/ 21) من كتابنا هذا.

(8)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه خلال شرح الحديث رقم (3/ 21) من كتابنا هذا.

(9)

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه خلال شرح الحديث رقم (3/ 21) من كتابنا هذا.

(10)

أخرجه البخاري رقم (216) ومسلم رقم (292) من حديث ابن عباس.

(11)

وهو حديث حسن تقدم تخريجه رقم (20/ 38) من كتابنا هذا.

ص: 455

كما تقدم، نعم يمكن الاستدلال بالأوامر المذكورة في هذا الباب على الشرطية إن قلنا: إن الأمر بالشيء نهي عن ضده وإن النهي يدل على الفساد وفي كلا المسألتين خلاف مشهور في الأصول لولا أن ههنا مانعًا من الاستدلال بها على الشرطية وهو عدم إعادته صلى الله عليه وسلم للصلاة التي خلع فيها نعليه لأن بناءه على ما فعله من الصلاة قبل الخلع مشعر بأن الطهارة غير شرط، وكذلك عدم نقل إعادته [صلى الله عليه وسلم]

(1)

للصلاة التي صلاها في الكساء الذي فيه لمعة من دم كما تقدم.

ومن أدلتهم على الشرطية حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم" أخرجه الدارقطني

(2)

والعقيلي في الضعفاء

(3)

وابن عدي في الكامل

(4)

. وهذا الحديث لو صح لكان صالحًا للاستدلال به على الشرطية المدعاة لكنه غير صحيح بل باطل لأن في إسناده روح بن غطيف

(5)

، وقال ابن عدي (3) وغيره: إنه تفرد به وهو ضعيف. قال الذهلي: أخاف أن يكون هذا موضوعًا. وقال البخاري

(6)

: حديث باطل. وقال ابن حبان

(7)

: موضوع وقال البزار: أجمع أهل العلم على نكرة هذا الحديث. قال الحافظ

(8)

: وقد أخرجه ابن عدي في الكامل

(9)

من طريق أخرى عن الزهري، لكن فيها أبو عصمة

(10)

وقد اتهم بالكذب انتهى.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في السنن (1/ 401).

(3)

في "الضعفاء الكبير"(2/ 56).

(4)

(3/ 998).

قال البخاري: حديث باطل. وروح هذا منكر الحديث.

وقال ابن حبان: هذا حديث موضوع لا شك فيه، لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن اخترعه أهل الكوفة، وكان روح يروي الموضوعات عن الثقات.

"المجروحين"(1/ 298).

وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 75 - 76).

وخلاصة القول أن الحديث موضوع.

(5)

انظر ترجمته في "الضعفاء الكبير"(2/ 56) والتاريخ الكبير (2/ 1/ 308) والمجروحين (1/ 298) والكامل (3/ 998) ولسان الميزان (2/ 467).

(6)

نقله العقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 56).

(7)

في المجروحين (1/ 298).

(8)

في "التلخيص"(1/ 503) ط: قرطبة.

(9)

(7/ 2507) في ترجمة نوح ابن أبي مريم أبو عصمة وهو حديث موضوع.

(10)

نوح بن أبي مريم أبو عصمة القرشي مولاهم قاضي مرو ويعرف بنوح الجامع، روى عن =

ص: 456

إذا تقرر لك ما سقناه من الأدلة وما فيها فاعلم أنها لا تقصر عن إفادة وجوب تطهير الثياب، فمن صلى وعلى ثوبه نجاسة كان تاركًا لواجب، وأما أن صلاته باطلة كما هو شأن فقدان شرط الصحة فلا لما عرفت

(1)

.

ومن فوائد حديثي الباب أنه لا يجب العمل بمقتضى المظنة لأن الثوب الذي يجامع فيه مظنة لوقوع النجاسة فيه، فأرشد الشارع صلى الله عليه وسلم إلى أن الواجب العمل بالمئنة دون المظنة.

ومن فوائدهما كما قال ابن رسلان في شرح السنن: طهارة رطوبة فرج المرأة

(2)

، لأنه لم يذكر هنا أنه كان يغسل ثوبه من الجماع قبل أن يصلي لو غسله لنقل. ومن المعلوم أن الذكر يخرج وعليه رطوبة من فرج المرأة انتهى.

3/ 596 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ [رضي الله تعالى عنه]

(3)

عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ

= أبيه، وثابت البناني، وابن جريج وغيرهم، قال العباس بن مصعب: كان أبوه مجوسيًا. وإنما سمي الجامع لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى، والحديث عن حجاج بن أرطأة وطبقته، والمغازي عن ابن إسحاق، والتفسير عن الكلبي ومقاتل. وكان يدلس عن الزهري وابن المنكدر.

ضعفه ابن المبارك وأبو زرعة، وقال كثيرون: متروك. وقال الخليلي: أجمعوا على ضعفه وكذبه ابن عيينة. مات سنة (173 هـ).

الكامل (7/ 2505 - 2508). والميزان (4/ 279 - 280) والمجروحين (3/ 48) والجرح والتعديل (8/ 484) والتقريب (2/ 309) ولسان الميزان (7/ 415).

(1)

قال الأمير الصنعاني في "منحة الغفار على ضوء النهار"(1/ 374): "قوله: قالوا الشرطية غير الوجوب. أقول: لا يخفى أن محل النزاع في إيجاب الطهارة الذي صدره لابن مسعود رضي الله عنه ومن معه لا في شرطيته للصلاة فإنه يفارقها إذ قد يكون واجبًا ولا يكون شرطًا كما عرفت" اهـ.

(2)

أخرج ابن خزيمة في صحيحه (1/ 142 رقم 280) بسند صحيح.

عن عائشة زوج النبِي صلى الله عليه وسلم، قالت:"تتخذُ المرأةُ الخِرقةَ، فإذا فرغَ زوجُها ناولته فيمسع عنه الأذى، ومسحت عنها، ثم صلَّيا في ثوبيهما" وأخرج ابن خزيمة في صحيحه أيضًا (1/ 142 رقم 279) بسند صحيح.

عن القاسم بن محمد قال: سألت عائشة عن الرجل يأتي أهله، ثم يلبسُ الثوب فيعرفُ فيه، نجسًا ذلك؟ فقالت: قد كانت المرأة تعدُ خِرْقةً أو خِرقًا، فإذا كان ذلك مسح بها الرجلُ الأذى عنه ولم يرَ أن ذلك ينجِّسُه".

(3)

زيادة من (جـ).

ص: 457

صَلى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ فَلَمَّا انْصَرَفَ قالَ لَهُمْ: "لِمَ خَلَعتمْ؟ " قالُوا: رَأَينَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنا، فقالَ:"إنَّ جِبْريِلَ أَتَانِي فأخْبَرَنِي أَنَّ بِهِما خَبَثًا، فإِذَا جاءَ أحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فلْيَقْلِبْ نَعْلَيهِ وَلْيَنْظُرْ فِيهِما، فإِنْ رَأَى خَبَثًا فَلْيَمْسَحْهُ بِالأرْضِ، ثمَّ لِيُصَلِّ فِيهما". رَوَاهُ أحْمدُ

(1)

وأبُو دَاودَ)

(2)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم

(3)

وابن خزيمة

(4)

وابن حبان

(5)

، واختلف في وصله وإرساله، ورجح أبو حاتم في العلل الموصول

(6)

.

ورواه الحاكم من حديث أنس

(7)

وابن مسعود

(8)

، ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس

(9)

، وعبد الله بن الشخير

(10)

وإسناداهما ضعيفان، ورواه البزار

(1)

في المسند (3/ 20).

(2)

في سننه رقم (650).

(3)

في المستدرك (1/ 260).

(4)

في صحيحه رقم (1017).

(5)

في صحيحه رقم (2185).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 417) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 402) والطيالسي رقم (2154) وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (880) والدارمي (2/ 867 رقم 1418) وأبو يعلى رقم (1194) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 511) والبغوي في شرح السنة رقم (299) من طرق ..

(6)

(1/ 121 رقم 330).

وخلاصة القول أن حديث أبي سعيد الخدري حديث صحيح والله أعلم.

(7)

أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 129 - 140) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري.

قلت: وأخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 56 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.

وأخرجه البزار باختصار (رقم: 605 - كشف) بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة".

(8)

أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 140).

قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير" رقم (9972) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 511) والبزار (رقم: 606 - كشف).

وفي إسناده أبو حمزة ميمون الأعور وهو ضعيف.

(9)

في السنن (1/ 399 رقم 2) بسند ضعيف جدًّا.

قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير رقم (12097).

وأورده الهيثمي في "الجمع (2/ 55) وقال: وفيه محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك.

(10)

لم أقف عليه في السنن للدارقطني. =

ص: 458

من حديث أبى هريرة

(1)

وإسناده ضعيف معلول أيضًا، قاله الحافظ في التلخيص

(2)

.

قوله: (فأخبرني) فيه جواز تكليم المصلي وإعلامه بما يتعلق بمصالح الصلاة وأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

قوله: (خبثًا) في رواية أبي داود

(3)

"قذرًا" وهو [ما تكرهه]

(4)

الطبيعة من نجاسة ومخاط ومنيّ وغير ذلك.

والحديث قد عرفت مما سلف أنه استدل به القائلون بأن إزالة النجاسة من شروط صحة الصلاة وهو كما عرفناك عليهم لا لهم، لأن استمراره على الصلاة التي صلاها قبل خلع النعل وعدم استئنافه لها يدل على عدم كون الطهارة شرطًا.

وأجاب الجمهور عن هذا بأن المراد بالقذر هو الشيء المستقذر كالمخاط والبصاق ونحوهما ولا يلزم من القذر أن يكون نجسًا، وبأنه يمكن أن يكون دمًا يسيرًا معفوًّا عنه وإخبار جبريل له بذلك لئلا [تتلوّث]

(5)

ثيابه بشيءٍ مستقذر.

ويرد هذا الجواب بما قاله في البارع

(6)

في تفسير قوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}

(7)

أنه كنى بالغائط عن القذر. وقول الأزهري

(8)

: النجس: القذر الخارج من بدن الإنسان فجعله المستقذر غير نجس أو نجس معفوّ عنه تحكم.

وإخبار جبريل في حال الصلاة بالقذر.

= وقد أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 56 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: وفيه الربيع بن بدر، وهو ضعيف.

(1)

أخرجه البزار في مسنده (رقم: 604 - كشف).

قلت: وأخرجه الطبراني في الأوسط (رقم 719 - مجمع البحرين).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 55) وقال: "وفي إسنادهما عباد بن كثير البصري سكن مكة ضعيف".

(2)

(1/ 504) ط: قرطبة.

(3)

تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.

(4)

في (جـ): (ما يكرهه).

(5)

في (جـ): (يتلوث).

(6)

ذكر حاج خفيفة في "كشف الظنون"(1/ 216) كتاب البارع في اللغة للشيخ أبي طالب مفضَّل بن سلمة بن عاصم.

(7)

سورة النساء: الآية 43.

(8)

في تهذيب اللغة (10/ 593).

ص: 459

الظاهر أنه لما فيها من النجاسة التي تجنبها في الصلاة لا لمخافة التلوث لأنه لو كان لذلك لأخبره قبل الدخول في الصلاة لأن القعود حال لبسها مظنة للتلوث بما فيها على أن هذا الجواب لا يمكن مثله في رواية الخبث المذكورة في الباب للاتفاق بين أئمة اللغة وغيرهم أن الأخبثين هما البول والغائط.

قال المصنف

(1)

رحمه الله تعالى بعد أن ساق الحديث ما لفظه: وفيه أن دلك النعال يجزئ، وأن الأصل أن أمته أسوته في الأحكام، وأن الصلاة في النعلين لا تكره، وأن العمل اليسير معفو عنه انتهى.

وقد تقدم الكلام على أن دلك النعال مطهر له في أبواب تطهير النجاسة

(2)

.

وأما أن أمته أسوته فهو الحق وفيه خلاف في الأصول مشهور.

وأما عدم كراهة الصلاة في النعلين فسيأتي

(3)

.

وأما العفو عن العمل اليسير فسيأتي أيضًا

(4)

.

ومن فوائد الحديث جواز المشي إلى المسجد بالنعل.

[الباب الثاني] باب حمل المحدث والمستجمر في الصلاة وثياب الصغار وما شكَّ في نجاسته

4/ 597 - (عَنْ أبِي قَتَادَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(5)

أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يُصَلِّي وَهُو حامِلٌ أمامَةَ بِنْتَ زَينَبَ، فإِذَا رَكَعَ وَضَعَها، وَإِذَا قامَ حَمَلَهَا. مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(6)

. [صحيح]

(1)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(1/ 313).

(2)

الباب الخامس: باب ما جاء في أسفل النعل تصيبه النجاسة عند الحديث رقم (10/ 28) و (11/ 29) من كتابنا هذا.

(3)

في الباب الخامس: باب الصلاة في النعلين والخفين. عند الحديث رقم (15/ 608) و (16/ 609) من كتابنا هذا.

(4)

في الباب الخامس عشر: باب في أن قتل الحية والعقرب والمشي اليسير للحاجة لا يكره. عند الحديث رقم (38/ 859) و (39/ 860) من كتابنا هذا.

(5)

زيادة من (جـ).

(6)

أخرجه أحمد في المسند (5/ 295، 295 - 296، 303). والبخاري رقم (516) ومسلم رقم (543). =

ص: 460

قوله: (وهو حامل أمامة) قال الحافظ

(1)

: "المشهور في الروايات التنوين ونصب أمامة، وروي بالإضافة، وزاد عبد الرزاق

(2)

عن مالك بإسناد حديث الباب "على عاتقه" وكذا لمسلم

(3)

وغيره من طريق أخرى، ولأحمد

(4)

من طريق ابن جريج "على رقبته".

وأُمامة

(5)

بضم الهمزة وتخفيف الميمين كانت صغيرة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتزوّجها عليّ بعد موت فاطمة بوصية منها".

قوله: (فإِذا ركع وضعها) هكذا في صحيح مسلم

(6)

والنسائي

(7)

وأحمد

(8)

وابن حبان

(9)

، كلهم عن عامر بن عبد الله شيخ مالك. ورواية البخاري

(10)

عن مالك "فإذا سجد". ولأبي داود

(11)

من طريق المقبري عن عمرو بن سليم "حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها" وهذا صريح في أن فعل الحمل والوضع كان منه لا منها، وهو يرد تأويل الخطابي

(12)

حيث قال: يشبه أن تكون الصبية قد ألفته، فإذا سجد تعلقت بأطرافه والتزمته، فينهض من سجوده فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع فيرسلها ويرد أيضًا قول ابن دقيق العيد

(13)

: إن لفظ حمل لا يساوي لفظ وضع في

= قلت: وأخرجه أبو داود رقم (917، 919) والنسائي (3/ 10) وفي الكبرى رقم (521) و (1127) وابن حبان رقم (1109) وأبو عوانة رقم (1734 و 1735) والدارمي رقم (1399) و (1400) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (5921) والطبراني في الكبير (ج 22 رقم 1067). والبغوي في شرح السنة رقم (741، 742) وغيرهم من طرق

(1)

في "فتح الباري"(1/ 591).

(2)

في "المصنف" رقم (2379).

(3)

في صحيحه رقم (42/ 543).

(4)

في المسند (5/ 304) بسند صحيح.

(5)

أمامة بنت أبي العاص: هي بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عاشت إلى دولة معاوية بن أبي سفيان، وتزوجها علي بن أبي طالب، ثم المغيرة بن الحارث بن نوفل.

انظر: "الإصابة"(8/ 24 - 26 رقم 10828) والمعرفة والتاريخ للفسوي (3/ 270) والوافي بالوفيات (9/ 377).

(6)

في صحيحه رقم (41/ 543).

(7)

في سننه (3/ 10).

(8)

في المسند (5/ 295 - 296).

(9)

في صحيحه رقم (1159).

(10)

في صحيحه رقم (516).

(11)

في السنن رقم (520).

(12)

في "معالم السنن"(1/ 563 - 564 - مع السنن).

(13)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 591).

ص: 461

اقتضاء فعل الفاعل. لأنا نقول: فلان حمل كذا ولو كان غيره حمله، بخلاف وضع. فعلى هذا فالفعل الصادر منه هو الوضع لا الرفع، فيقل العمل انتهى.

لأن قوله: "حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها" صريح في أن الرفع صادر منه صلى الله عليه وسلم، وقد رجع ابن دقيق العيد إلى هذا فقال: وقد كنت أحسب هذا: يعني الفرق بين حمل ووضع، وأن الصادر منه الوضع لا الرفع حسنًا إلى أن رأيت في بعض طرقه الصحيحة "فإذا قام أعادها" انتهى. وهذه الرواية في صحيح مسلم

(1)

. ولأحمد

(2)

"فإذا قام حملها فوضعها على رقبته".

والحديث يدل على أن مثل هذا الفعل معفوّ عنه من غير فرق بين الفريضة والنافلة والمنفرد والمؤتم والإمام، لما في صحيح مسلم

(3)

من زيادة "وهو يؤم الناس في المسجد" وإذا جاز ذلك في حال الإمامة في صلاة الفريضة جاز في غيرها بالأولى.

قال القرطبي

(4)

: "وقد اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، والذي أحوجهم إلى ذلك أنه عمل كثير، فروى ابن القاسم

(5)

عن مالك؛ أنه كان في النافلة، واستبعده المازري وعياض وابن القاسم. قال المازري

(6)

: إمامته بالناس في النافلة ليست بمعهودة، وأصرح من هذا ما أخرجه أبو داود

(7)

بلفظ: "بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر وقد دعاه بلال إلى الصلاة إذ خرج علينا وأمامة على عاتقه فقام في مصلاه فقمنا خلفه، فكبر فكبرنا وهي في مكانها" وروى أشهب

(8)

، وعبد الله بن نافع، عن مالك أن ذلك للضرورة حيث لم يجد

(1)

في صحيحه رقم (42/ 543).

(2)

في المسند (4/ 305).

(3)

في صحيحه رقم (43/ 543).

(4)

في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" له (2/ 152).

(5)

ابن القاسم: هو عبد الرحمن بن القاسم بن خالد العُتقي المصري، أبو عبد الله، ويعرف بابن القاسم، تفقه بالإمام مالك ونظرائه، مولده ووفاته بمصر. وهو صاحب "المدونة" رواها عن الإمام مالك. ولد عام 132 هـ - وتوفي عام 191 هـ.

(6)

في "المعلم بفوائد مسلم" له (1/ 277).

(7)

في سننه رقم (920).

(8)

أشهب هو ابن عبد العزيز بن داود القيسي العامري الجعدي أبو عمرو كان فقيه الديار المصرية في عصره، وهو من أصحاب الإمام مالك. ولد عام 145 هـ وتوفي عام 204 هـ بمصر.

أفاده الدكتور عبد الوهاب بن لطف الديلمي حفظه الله.

ص: 462

من يكفيه أمرها، وقال بعض أصحابه: لأنه لو تركها لبكت وشغلته أكثر من شغلته بحملها. وفرق بعض أصحابه بين الفريضة والنافلة. وقال الباجي

(1)

: إن وجد من يكفيه أمرها جاز في النافلة دون الفريضة، وإن لم يجد جاز [فيهما]

(2)

".

قال القرطبي

(3)

: وروى عبد الله بن يوسف التِّنِّيْسي

(4)

عن مالك أن الحديث منسوخ. قال الحافظ

(5)

: روى ذلك عنه الإسماعيلي، لكنه غير [صريح]

(6)

.

وقال ابن عبد البر

(7)

: لعل الحديث منسوخ بتحريم العمل والاشتغال في الصلاة، وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وبأن القضية كانت بعد قوله صلى الله عليه وسلم:"إن في الصلاة لشغلًا"

(8)

لأن ذلك كان قبل الهجرة، وهذه القصة كانت بعد الهجرة بمدة مديدة قطعًا، قاله الحافظ (4): وقال القاضي عياض

(9)

: إن ذلك كان من خصائصه. ورد بأن الأصل عدم الاختصاص.

قال النووي

(10)

بعد أن ذكر هذه التأويلات: "وكل ذلك دعاوى باطلة مردودة لا دليل عليها، لأن الآدمي طاهر وما في جوفه معفو عنه، وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة، والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت، ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك، وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لبيان الجواز" انتهى.

قال الحافظ (4): وحمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوال لوجود الطمأنينة في أركان الصلاة.

(1)

انظر: "الاستذكار"(6/ 314). أما الباجي: هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد التجيبي القرطبي، فقيه مالكي كبير، من رجال الحديث ولد في باجه بالأندلس سنة 403 هـ وتوفي في المرية بالأندلس أيضًا عام 474 هـ.

(2)

في (جـ): (فيها).

(3)

في "المفهم" له (2/ 153).

(4)

قال عنه الحافظ في "التقريب"(1/ 463): "ثقة متقن، من أثبت الناس في الموطأ" اهـ.

(5)

في "فتح الباري"(1/ 592).

(6)

في (جـ): (صحيح).

(7)

انظر: "الاستذكار"(6/ 314) و "التمهيد"(5/ 143 - 148).

(8)

وهو حديث صحيح سيأتي تخريجه برقم (2/ 823) من كتابنا هذا.

(9)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" له (2/ 475).

(10)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 32).

ص: 463

ومن فوائد الحديث جواز إدخال الصبيان المساجد، وسيأتي الكلام على ذلك

(1)

، وأن مس الصغيرة لا ينتقض به الوضوء، وأن الظاهر طهارة ثياب من لا يحترز من النجاسة كالأطفال.

وقال ابن دقيق العيد

(2)

: يحتمل أن يكون ذلك وقع حال التنظيف، لأن حكايات الأحوال لا عموم لها.

5/ 598 - (وَعَنْ أبِي هُرَيرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(3)

قالَ: كنَّا نُصَلي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم العِشَاءَ، فإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ على ظَهْرِهِ، فإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخَذَهُما مِنْ خَلْفِهِ أَخذًا رَفِيقًا وَوَضَعَهُمَا على الأرْضِ، فإِذَا عادَ عادا حَتى قَضى صَلَاتَهُ، ثم أَقْعَدَ أحَدَهُما على فخِذَيْهِ، قالَ: فقُمْتُ إلَيْهِ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أرُدُّهُما فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ، فقالَ لَهُما:"أَلْحِقا بأُمِّكُمَا" فَمَكَثَ ضَوْؤها حَتى دَخَلا". رَواهُ أحَمدُ)

(4)

. [صحيح لغيره]

الحديث [أخرجه أيضًا ابن عساكر

(5)

وفي إسناد أحمد كامل بن العلاء وفيه

(1)

في الأحاديث الآتية رقم (5/ 598) و (6/ 599) و (7/ 600) من كتابنا هذا.

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 592).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في المسند (2/ 513) بسند حسن.

(5)

لم أعثر عليه.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 181) وقال: "رواه أحمد - (2/ 513) - والبزار - رقم (2630 - كشف) - باختصار، وقال: في ليلة مظلمة. ورجال أحمد ثقات".

والخلاصة حديث أبي هريرة حديث صحيح لغيره والله أعلم.

• وفي الباب:

1 -

عن عبد الله بن شدَّاد، عن أبيه، قال: خرَج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشِيِّ: الظُّهر أو العَصْر، وهو حاملٌ الحسنَ أو الحسينَ، فتقدَّم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعَهُ، ثم كبَّر للصلاة، فصلَّى، فسجَدَ بين ظهرَانَيْ صلاتِهِ سجدة أطالها، فقال: إني رفعت رأسي، فإذا الصَّبيُّ على ظهرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجدٌ، فرجعتُ في سجودِي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ قال الناسُ: يا رسولَ اللهِ، إنك سجدتَ بين ظهرَاني صلاتِك هذه سجدةً قد أطلْتَها، فظننا أنه قد حدَث أمرٌ، أو أنه يُوحَى إليك. قال: فكلُّ ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرِهتُ أن أُعجِلَهُ حتى يقضي حاجته".

أخرجه أحمد في المسند (3/ 493 - 494) والنسائي (2/ 229 - 230) وفي الكبرى رقم (727) والحاكم (3/ 165 - 166)(3/ 626 - 627) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (934) وابن أبي شيبة في "المصنف"(12/ 100 - 101). =

ص: 464

مقال معروف

(1)

، وهو]

(2)

يدل على أن مثل هذا الفعل الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم غير مفسد للصلاة. وفيه التصريح بأن ذلك كان في الفريضة.

وقد تقدم الكلام في شرح الحديث الذي قبل هذا.

وفيه جواز إدخال الصبيان المساجد.

وقد أخرج الطبراني (1) من حديث معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جنّبوا مساجدكم صبيانكم وخصوماتكم وحدودكم وشراءكم وبيعكم وجمّروها يوم جمعكم، واجعلوا على أبوابها مطاهركم" ولكن الراوي له عن معاذ مكحول وهو لم يسمع منه.

وأخرج ابن ماجه

(3)

من حديث واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جنبوا

= وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

والخلاصة حديث شداد حديث صحيح والله أعلم.

2 -

عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيجيءُ الحسنُ أو الحسينُ فيركبُ ظهرَهُ فيطيل السجودَ، فيقال: يا نبي الله أطلتَ السجودَ؟ فيقول: "ارتحلني ابني فكرهتُ أن أُعْجِلَهُ".

أخرجه أبو يعلى في المسند (6/ 150) رقم (673/ 3428) بسند ضعيف وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 181) وقال: "رواه أبو يعلى، وفيه محمد بن ذكوان، وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح".

3 -

عن البراء بن عازب، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فجاء الحسن والحسين - أو أحدهما - فركبَ على ظهره، فكان إذا سجدَ رفعَ رأسَهُ، قال: بيدهِ فأمسكهُ - أو أمسكهما - ثم قال: "نعم المطيةُ مطيتكما".

أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (3987) بسند حسن.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 182) وقال: "رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن".

(1)

في المعجم الكبير (20/ 173 رقم 369).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 26) وقال: "رواه الطبراني في الكبير ومكحول لم يسمع من معاذ".

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 441 - 442 رقم 1726) عن عبد ربه بن عبد الله، عن مكحول ليس بينهما يحيى بن العلاء.

وخلاصة القول أن الحديث ضعيف والله أعلم.

(2)

زيادة من (أ) و (ب).

(3)

في سننه رقم (750).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 265): "وهذا إسناد ضعيف أبو سعيد هو =

ص: 465

مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها

(1)

في الجمع" وفي إسناده الحارث بن شهاب

(2)

وهو ضعيف.

وقد عارض هذين الحديثين الضعيفين حديث أمامة المتقدم

(3)

وهو متفق عليه. وحديث الباب

(4)

وحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأسمع بكاء الصبي وأنا في الصلاة فأخفف، مخافة أن تفتتن أمه" وهو متفق عليه

(5)

فيجمع بين الأحاديث بحمل الأمر بالتجنيب على الندب كما قال العراقي في شرح الترمذي، أو بأنها تنزه المساجد عمن لا يؤمن حدثه فيها.

6/ 599 - (وَعَنْ عائِشَةَ [رضي الله تعالى عنها]

(6)

قالتْ: كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِي مِنَ اللَّيْل وَأَنَا إلى جَنْبِهِ وَأَنَا حائِضٌ وَعَليَّ مِرْطٌ وَعَليهِ بَعْضُهُ. رَواهُ مسلمٌ

(7)

وَأبُو دَاوُدَ

(8)

وَابْنُ مَاجَهْ)

(9)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا النسائي

(10)

.

= محمد بن سعيد الصواب، قال أحمد: عمدًا كان يضع الحديث. وقال البخاري: تركوه.

وقال النسائي: كذاب.

قلت: والحارث بن نبهان ضعيف

" اهـ.

وخلاصة القول أن الحديث ضعيف جدًّا.

(1)

(جمِّروها): أي: بخِّروها، وزنًا ومعنى.

(2)

الحارث بن نبهان الجرمي. قال أحمد: رجل صالح منكر الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك

"الميزان"(1/ 444).

في المخطوط (أ) و (ب) و (جـ)(الحارث بن شهاب) وهو خطأ.

(3)

برقم (4/ 597) من كتابنا هذا. وهو حديث صحيح متفق عليه.

(4)

برقم (5/ 598) من كتابنا هذا. وهو حديث صحيح لغيره.

(5)

البخاري رقم (708) ومسلم رقم (189/ 469).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (237) والنسائي (2/ 94 - 95) وابن ماجه رقم (985).

(6)

زيادة من (جـ).

(7)

في صحيحه رقم (514).

(8)

في سننه رقم (370).

(9)

في سننه رقم (652).

(10)

في سننه (2/ 71).

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 146) والحاكم (4/ 188) وصححه ووافقه الذهبي. والخلاصة أن حديث عائشة حديث صحيح والله أعلم.

ص: 466

واتفق على نحوه الشيخان

(1)

من حديث ميمونة.

قوله: (مرط) بكسر الميم وهو كساء من صوف أو خز أو كتان. وقيل: لا يسمى مرطًا إلا الأخضر.

وفي الصحيح "في مرط من شعر أسود". والمرط يكون إزارًا ويكون رداء، قاله ابن رسلان.

وفيه دليل على أن وقوف المرأة بجنب المصلي لا يبطل صلاته، وهو مذهب الجمهور

(2)

. وقال أبو حنيفة

(3)

: إنها تبطل، والحديث يرد عليه.

وفيه أن ثياب الحائض طاهرة إلا موضعًا يرى فيه أثر الدم أو النجاسة.

(1)

أخرجه البخاري رقم (381) ومسلم رقم (513).

(2)

قال النووي في "المجموع شرح المهذب"(3/ 231 - 232):

"إذا صلى الرجل وبجنبه امرأة لم تبطل صلاته ولا صلاتها، سواء كان إمامًا أو مأمومًا هذا مذهبنا وبه قال مالك والأكثرون. وقال أبو حنيفة: إن لم تكن المرأة في صلاة، أو كانت في صلاة غير مشاركة له في صلاته صحت صلاته وصلاتها، فإن كانت في صلاة يشاركها فيها - ولا تكون مشاركة له عند أبي حنيفة إلا إذا نوى الإمام إمامة النساء - فإذا شاركته فإن وقفت بجنب رجل بطلت صلاة من إلى جنبيها، ولا تبطل صلاتها ولا صلاة من يلي الذي يليها، لأن بينه وبينها حاجزًا. وإن كانت في صف بين يديه بطلت صلاة من يحاذيها من ورائها، ولم تبطل صلاة من يحاذي محاذيها لأن دونه حاجزًا.

فإن صف نساء خلف الإمام وخلفهن صف رجال بطلت صلاة الصف الذي يليهن، قال: وكان القياس أن لا تبطل صلاة من وراء هذا الصف من الصفوف بسبب الحاجز، ولكن نقول: تبطل صفوف الرجال وراءه، ولو كانت مائة صف استحسانًا، فإن وقفت بجنب الإمام بطلت صلاة الإمام، لأنها إلى جنبه ومذهبه أنها إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأمومين أيضًا، وتبطل صلاتها أيضًا لأنها من جملة المأموين.

وهذا المذهب ضعيف الحجة ظاهر التحكم والتمسك بتفصيل لا أصل له، وعمدتنا أن الأصل أن الصلاة صحيحة حتى يرد دليل صحيح شرعي في البطلان، وليس لهم ذلك، وينضم إلى هذا حديث عائشة رضي الله عنها المذكور - رقم (7/ 600) من كتابنا هذا -

فإن قالوا: نحن نقول به لأنها لم تكن مصلية، قال أصحابنا نقول: إذا لم تبطل وهي في غير عبادة، ففي العبادة أولى. وقاس أصحابنا على وقوفها في صلاة الجنازة فإنها لا تبطل عندهم. والله أعلم بالصواب

" اهـ.

(3)

انظر "الفقه الإسلامي وأدلته"(2/ 1039 المسألة 14).

ص: 467

وفيه جواز الصلاة بحضرة الحائض، وجواز الصلاة في ثوب بعضه على المصلي وبعضه عليها.

7/ 600 - (وعَنْ عائشة [رضي الله تعالى عنها]

(1)

قالَتْ: كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يُصَلي في شُعُرِنَا). رَوَاهُ أحْمدُ

(2)

وأبُو دَاوُدَ

(3)

والتِّرْمِذيُّ وَصحَّحَهُ

(4)

وَلَفْظُهُ: لَا يصلي في لُحُف نِسِائِهِ). [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا النسائي

(5)

وابن ماجه

(6)

كلهم من طريق محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة.

قال أبو داود في سننه

(7)

: "قال حماد يعني ابن زيد: سمعت سعيد بن أبي صدقة قال: سألت محمدًا يعني ابن سيرين عنه فلم يحدثني، وقال: سمعته منذ زمان ولا أدري ممن سمعته من ثبت أم لا فاسألوا عنه".

قال ابن عبد البر

(8)

: في هذا المعنى قول من حفظ عنه حجة على من سأله في حال نسيانه أو في حال تغير فكره من أمر طرأ له من غضب أو غيره ففي مثل هذا العالم لا يسأل، وقوله: فاسألوا عنه غيري لا يقدح في الرواية المتقدمة فإنه محمول على أنه أمر بسؤال غيره لتقوية الحجة.

قوله: (في شُعُرنا) بضم الشين والعين المهملة جمع شعار على وزن كتب وكتاب وهو الثوب الذي يلي الجسد، وخصتها بالذكر لأنها أقرب إلى أن تنالها النجاسة من الدثار، وهو الثوب الذي يكون فوق الشعار.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المسند (6/ 101).

(3)

في سننه رقم (367) و (645).

(4)

في سننه رقم (600).

(5)

في سننه (8/ 217) وفي الكبرى رقم (9807، 9808، 9809).

(6)

لم أجده في سننه.

قلت: وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى" رقم (134)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 50) وابن حبان رقم (2336) والحاكم (1/ 252) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 409 - 410) والبغوي في شرح السنة رقم (520) و (521) وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه (1/ 258).

(8)

لم أعثر عليه.

ص: 468

قال ابن الأثير

(1)

: المراد بالشعار هنا الإزار الذي كانوا يتغطون به عند النوم.

وفي رواية أبي داود

(2)

"في شُعُرِنا أو في لُحفِنا" شك من الراوي واللحاف اسم لما يلتحف به.

والحديث يدل على مشروعية تجنب ثياب النساء التي هي مظنة لوقوع النجاسة فيها، وكذلك سائر الثياب التي تكون كذلك.

وفيه أيضًا أن الاحتياط والأخذ باليقين جائز غير مستنكر في الشرع، وأن ترك المشكوك فيه إلى المتيقن المعلوم جائز وليس من نوع الوسواس كما قال بعضهم. وقد تقدم في الباب الأول

(3)

أنه كان يصلي في الثوب الذي يجامع فيه أهله ما لم ير فيه أذى، وأنه قال لمن سأله هل يصلي في الثوب الذي يأتي فيه أهله: نعم إلا أن يرى فيه شيئًا فيغسله. وذكرنا هنالك أنه من باب الأخذ بالمئنة لعدم وجوب العمل بالمظنة.

وهكذا حديث صلاته في الكساء الذي لنسائه وقد تقدم

(4)

. وحديث عائشة المذكور قبل هذا

(5)

، وكل ذلك يدل على وجوب تجنب ثياب النساء، وإنما هو مندوب فقط عملًا بالاحتياط كما يدل عليه حديث الباب، وبهذا يجمع بين الأحاديث.

[الباب الثالث] باب من صلى على مركوب نجس أو قد أصابته نجاسة

8/ 601 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]

(6)

قالَ: رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلي على حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(7)

ومُسْلِمٌ

(8)

والنَّسائيُّ

(9)

وأبُو دَاوُدَ)

(10)

. [صحيح]

(1)

في "النهاية"(2/ 480).

(2)

في سننه رقم (645).

(3)

عند الحديث رقم (1/ 594) من كتابنا هذا.

(4)

وهو حديث ضعيف تقدم خلال شرح الحديث رقم (2/ 595) من كتابنا هذا.

(5)

وهو حديث صحيح تقدم برقم (6/ 599) من كتابنا هذا.

(6)

زيادة من (جـ).

(7)

في المسند (2/ 7) و (2/ 49) و (2/ 57) و (2/ 75) و (2/ 83) و (2/ 128).

(8)

في صحيحه رقم (35/ 700).

(9)

في سننه (2/ 60 رقم 740).

(10)

في سننه رقم (1226). وهو حديث صحيح وقوله "على حمار" شاذ والصواب "على راحلته". =

ص: 469

9/ 602 - (وعَنْ أنَسٍ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

أنهُ رَأَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلي على حِمَارٍ وَهُوَ رَاكِبٌ إلى خيْبَرَ والْقِبْلَة خَلْفَهُ. رَوَاهُ النَّسائيُّ)

(2)

. [إسناده حسن]

أما حديث ابن عمر فرواه عمرو بن يحيى المازني، عن أبي الحباب سعيد بن يسار، عن عبد الله بن عمر بلفظ الكتاب.

قال النسائي

(3)

: عمرو بن يحيى: لا يتابع على قوله: "على حمار" وربما قال: على راحلته.

وقال الدارقطني

(4)

وغيره: غلط عمرو بن يحيى بذكر الحمار، والمعروف: على راحلته وعلى البعير.

وقد أخرجه مسلم في الصحيح

(5)

من طريق عمرو بن يحيى بلفظ: "على حمار".

قال النووي

(6)

: "وفي الحكم بتغليط عمرو بن يحيى نظر لأنه ثقة نقل شيئًا محتملًا فلعله كان الحمار مرة والبعير مرات ولكنه يقال: إنه شاذ فإنه مخالف رواية الجمهور في البعير والراحلة، والشاذ مردود وهو المخالف للجماعة والله أعلم" انتهى.

وأما حديث أنس فإسناده في سنن النسائي (1) هكذا: أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا إسماعيل بن عمر قال: حدثنا داود بن قيس عن محمد بن عجلان عن يحيى بن سعيد عن أنس فذكره وهؤلاء كلهم ثقات. قال النسائي

(7)

: الصواب موقوف انتهى.

= قلت: وأخرجه مالك في الموطأ (1/ 150) ومن طريقه أخرجه الشافعي في "السنن المأثورة" رقم (79) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 4) وفي "المعرفة بالسنن والآثار"(2/ 318 رقم 2890) والبغوي في شرح السنة رقم (1037) وهو حديث صحيح.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في سننه (2/ 60 رقم 741) بسند حسن.

(3)

في سننه (2/ 60).

(4)

ذكره الزيلعي في "نصب الراية"(2/ 150) بصيغة التمريض.

(5)

(رقم: 35/ 700).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 211 - 212).

(7)

في سننه (2/ 60).

ص: 470

وقد [خرّجه]

(1)

مسلم

(2)

والإمام مالك في الموطأ

(3)

من فعل أنس.

ولفظ مسلم حدثنا أنس بن سيرين قال: "تلقينا أنس بن مالك حين قدم الشام فتلقيناه بعين التمر، فرأيته يصلي على حمار".

قال القاضي عياض

(4)

: قيل إنه وهم، وصوابه قدم من الشام كما جاء في صحيح البخاري

(5)

لأنهم خرجوا من البصرة للقائه حين قدم من الشام.

قال النووي

(6)

: ورواية مسلم صحيحة ومعناه تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام وإنما حذف في رجوعه للعلم به.

واستدل المصنف [رحمه الله تعالى]

(7)

بالحديثين على جواز الصلاة على المركوب النجس والمركوب الذي أصابته نجاسة وهو لا يتم إلا على القول بأن الحمار نجس عين، نعم. يصح الاستدلال به على جواز الصلاة على ما فيه نجاسة لأن الحمار لا ينفك عن التلوث بها.

والحديثان يدلان على جواز التطوع على الراحلة.

قال النووي

(8)

: وهو جائز بإجماع المسلمين: ولا يجوز عند الجمهور إلا في السفر من غير فرق بين قصيره وطويله، وقيده مالك بسفر القصر

(9)

.

وقال أبو يوسف وأبو سعيد الأصطخري من أصحاب الشافعي

(10)

: أنه يجوز التنفل على الدابة في البلد وسيعقد المصنف لذلك بابًا في آخر أبواب القبلة

(11)

.

(1)

في المخطوط (ب): (أخرجه).

(2)

في صحيحه رقم (41/ 702) قلت: وأخرجه البخاري رقم (1100).

(3)

(1/ 151).

(4)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(3/ 29).

(5)

رقم (1100).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 212).

(7)

زيادة من (جـ).

(8)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 210).

(9)

انظر "قوانين الأحكام الشرعية" لابن جزيّ ص 70.

(10)

ذكر ذلك النووي في شرحه لمسلم (5/ 211).

(11)

الباب الرابع: "باب تطوع المسافر على مركوبه حيث توجه به" عند الحديث رقم (6/ 659) و (7/ 660) و (8/ 661) من كتابنا هذا.

ص: 471

[الباب الرابع] باب الصلاة على الفراء والبسط وغيرهما من المفارش

10/ 603 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاس [رضي الله تعالى عنهما]

(1)

أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى على بِساطٍ. رَوَاهُ أحمدُ

(2)

وابْنُ ماجَهْ)

(3)

. [صحيح لغيره]

الحديث في إسناده زمعة بن صالح الجَنَدِي، ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي. وقد أخرج له مسلم فرد حديث مقرونًا بآخر

(4)

.

وهذا الحديث قد أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف

(5)

قال: حدثنا وكيع عن زمعة عن عمرو بن دينار وسلمة قال أحدهما عن عكرمة عن ابن عباس فذكره.

وفي الباب عن أنس بن مالك عند البخاري

(6)

ومسلم

(7)

والنسائي

(8)

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المسند (1/ 232).

(3)

في السنن رقم (1030).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (1005) والحاكم (1/ 259) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 436 - 437) وابن عدي في "الكامل"(3/ 1084) والطبراني في المعجم الكبير رقم (12206) وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 400) من طرق. بسند ضعيف. لضعف زمعة بن صالح وقد ضعفه غير واحد من الأئمة.

قال البخاري: يخالف في حديثه، تركه ابن مهدي أخيرًا. أخرج له مسلم مقرونًا بآخر.

ضعفه أحمد، وابن معين، وقال أبو زرعة: لين واهي الحديث.

انظر: ترجمته في التاريخ الكبير (3/ 451) والمجروحين (1/ 312) والجرح والتعديل (3/ 624) والكاشف (1/ 254) والمغنى (1/ 240) والميزان (2/ 81) والتقريب (1/ 263) ولسان الميزان (7/ 220).

وفي الباب عن أنس بن مالك لمسلم رقم (267/ 659) والترمذي رقم (333). مرفوعًا بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خُلقًا فربّمَا تحضُر الصلاةُ وهو في بيتنا. فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنسُ. ثم ينضحُ ثم يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقوم خلفه فيصلي بنا.

وكان بساطهم من جريدِ النخل.

وخلاصة القول أن حديث ابن عباس حديث صحيح لغيره والله أعلم.

(4)

تقدم الكلام عليه في التعليقة المتقدمة.

(5)

(1/ 400).

(6)

في صحيحه رقم (6203).

(7)

في صحيحه رقم (2150).

(8)

في سننه (2/ 85 رقم 801).

ص: 472

والترمذي وصححه

(1)

، وابن ماجه

(2)

بلفظ: "كان يقول لأخ لي صغير: يا أبا عمير ما فعل النغير؟ " قال: ونضح بساط لنا فصلى عليه".

قوله: (بِساط)

(3)

بكسر الباء جمعه بُسْط بضمها وتسكين السين وضمها وهو ما يبسط أي يفرش، وأما البَسَاط بفتح الباء فهي الأرض الواسعة، قال عديل بن الفرخ العجلي:

ودونَ يَدِ الحَجّاجِ مِن أنْ تنالَني

بَسَاطٌ لأيْدِي الناعِجاتِ عريضُ

(4)

والحديث يدل على جواز الصلاة على البسط، وقد حكاه الترمذي

(5)

عن أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، وهو قول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وجمهور الفقهاء

(6)

.

وقد كره ذلك جماعة من التابعين ممن بعدهم، فروى ابن أبي شيبة في المصنف

(7)

عن سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين أنهما قالا: الصلاة على الطنفسة وهي البساط الذي تحته خمل محدثة.

وعن جابر بن زيد

(8)

أنه كان يكره الصلاة على كل شيء من الحيوان ويستحب الصلاة على كل شيء من نبات الأرض.

(1)

في سننه رقم (234) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

في سننه رقم (3720).

وهو حديث صحيح.

(3)

انظر: مقاييس اللغة لابن فارس ص 132 والمعجم الوسيط (1/ 56).

(4)

البيت من (الطويل).

(5)

في سننه (2/ 154).

(6)

قال ابن قدامة في "المغني"(2/ 479): "ولا بأس بالصلاة على الحصير والبُسط من الصُّوفِ والشعرِ والوبرِ، والثياب من القطن والكتان وسائر الطاهرات. وصلَّى عمر على عبقري، وابن عباس على طِنْفِسَةٍ، وزيدُ بن ثابت وجابرٌ على حصير، وعلي وابن عباس، وابن مسعود، وأنس على المنسوج. وهو قولُ عوامِّ أهل العلم. إلَّا ما روي عن جابر أنه كرِهَ الصلاةَ على كل شيء من الحيوان، واستحبَّ الصلاةَ على كل شيء من نباتِ الأرض.

ونحوه قال مالك، إلا أنه قال في بساط الصوفِ والشعر: إذا كان سجودُه على الأرض لم أرَ بالقيام عليه بأسًا.

والصحيحُ: أنَّه لا بأسَ بالصلاة على شيء من ذلك

" اهـ.

(7)

(1/ 401).

(8)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 401).

ص: 473

وعن عروة بن الزبير

(1)

أنه كان يكره أن يسجد على شيء دون الأرض.

وإلى الكراهة ذهب الهادي

(2)

ومالك، ومنعت الإمامية (2) صحة السجود على ما لم يكن أصله من الأرض. وكره مالك أيضًا الصلاة على ما كان من نبات الأرض فدخلته صناعة أخرى كالكتان والقطن.

قال ابن العربي

(3)

: وإنما كرهه من جهة الزخرفة. واستدل الهادي على كراهة ما ليس من الأرض بحديث: "جعلت لنا الأرض مسجدًا وطهورًا"

(4)

بناء على أن لفظ الأرض لا يشمل ذلك، قال في ضوء النهار

(5)

: وهو وهم لأن المراد بالأرض في الحديث التراب بدليل "وطهورًا" وإلا لزم مذهب أبي حنيفة في جواز التيمم بما أنبتت الأرض انتهى.

وأقول: بل المراد بالأرض في الحديث ما هو أعم من التراب بدليل ما

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 402).

(2)

البحر الزخار (1/ 225 - 226).

(3)

في عارضة الأحوذي (2/ 126 - 127).

(4)

أخرجه أحمد (3/ 304) والبخاري رقم (335) ومسلم رقم (521) والنسائي (1/ 209) من حديث جابر بن عبد الله.

(5)

(1/ 384 - 385).

وتعقبه الأمير في "منحة الغفار" بقوله: "أقول: بل المراد فيه كل ما يصح عليه مسمى الأرض من شجر وحجر وتراب، فإنه لم يرد به صلى الله عليه وسلم إلَّا إبانة ما خصه الله به أمته من التوسعة في محل العبادة وأن كلا أجزاء الأرض صالح لذلك بخلاف الأمم السالفة فإنها كانت لا تجزي صلاتها إلا في محلات مخصوصة. ولفظ الحديث نص في ذلك كما هو معروف أخرج الشيخان والنسائي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب على مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل

الحديث وله ألفاظ فأتى بكلمة أيما العامة لكل مصل في أي بقعة من الأرض إلا ما خصه الدليل كما ذكر ولو أريد بها التراب لما أجزت الصلاة على الحجارة ولا قائل به. وأما قوله بدليل وطهورًا فعجيب فإن في ألفاظ الحيث وترابها.

وفي لفظ وتربتها،

وهذا الدليل أتى به الشارح تبرعًا منه بل استدل به المصنف في البحر - للهادي عليه السلام وإلا فإنه لم يستدل به بل في الغيث أن في شرح الإبانة قال الهادي: تكره - وخالفه عامة العلماء. ولم يذكر له دليلًا. بل استدل به المصنف في البحر"اهـ.

ص: 474

ثبت في الصحيح بلفظ: "وتربتها طهورًا" وإلا لزم صحة إضافة الشيء إلى نفسه، وهي باطلة بالاتفاق ولكن الأولى أن يقال في الجواب عن الاستدلال بالحديث: إن التنصيص على كون الأرض مسجدًا لا ينفي كون غيرها مسجدًا بعد تسليم عدم صدق مسمى الأرض على البُسط على أن السجود على البسط ونحوها سجود على الأرض كما يقال للراكب على السرج الموضوع على ظهر الفرس راكب على الفرس، وقد صح:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على البسط"

(1)

وهو لا يفعل المكروه.

فائدة: حديث أنس الذي ذكر بلفظ البسط أخرجه الأئمة الستة بلفظ الحصير. قال العراقي في شرح الترمذي: فرق المصنف يعني الترمذي بين حديث أنس في الصلاة على البسط وبين حديث أنس في الصلاة على الحصير وعقد لكل منهما بابًا

(2)

.

وقد روى ابن أبي شيبة في سننه

(3)

ما يدل على أن المراد بالبساط الحصير بلفظ: "فيصلي أحيانًا على بساط لنا" وهو حصير ننضحه بالماء. قال العراقي

(4)

:

(1)

تقدم تخريجه رقم (10/ 603) من كتابنا هذا.

(2)

في السنن: الباب الأول: رقم (247): ما جاء في الصلاة على الحصير. رقم الحديث (332) من حديث أبي سعيد الخدري.

قلت: وأخرجه مسلم رقم (271/ 661). وهو حديث صحيح.

والباب الثاني: رقم (248): ما جاء في الصلاة على البسط. رقم الحديث (333) من حديث أنس بن مالك.

قلت: وأخرجه مسلم رقم (267/ 659). وهو حديث صحيح.

(3)

قال ابن النديم في "الفهرست" ص 320: "عبد الله بن محمد بن أبي شيبة من المحدثين المصنفين، ثم ذكر له بعض مؤلفاته وهي:

1 -

كتاب السنن في الفقه، ولعله عنى به كتاب الأحكام.

2 -

كتاب التفسير.

3 -

كتاب التاريخ.

4 -

كتاب الفتن.

5 -

كتاب صفين.

6 -

كتاب الجمل.

7 -

كتاب الفتوح.

قلت: لا تزال هذه الكتب مخطوطة فيما أعلم.

أما كتاب "المصنف" و "المسند" و"الإيمان" فقط طبعت ولله الحمد.

(4)

في تكملته لكتاب النفح الشذي شرح جامع الترمذي لابن سيده. لا يزال مخطوطًا فيما أعلم.

ص: 475

فتبين أن مراد أنس بالبساط: الحصير، ولا شك أنه صادق على الحصير لكونه يبسط على الأرض أي يفرش انتهى. وهذه الرواية إن صلحت لتقييد حديث أنس لم تصلح لتقييد حديث ابن عباس.

11/ 604 - (وَعَنِ الْمُغيرةِ بْنِ شُعْبَةَ [رضي الله تعالى عنه وأرضاه]

(1)

قالَ: كانَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصلي على الْحَصيرِ والْفَرْوَةِ الْمدْبُوغَةِ. رَواهُ أحمدُ

(2)

وأبُو دَاوُدَ)

(3)

. [ضعيف]

الحديث في إسناده أبو عون محمد بن عبيد الله بن سعيد الثقفي عن أبيه عن المغيرة، وأبو عون ثقة احتج به الشيخان. وأما أبوه فلم يرو عنه غير ابنه أبي عون. قال أبو حاتم

(4)

: فيه مجهول. وذكره ابن حبان في الثقات

(5)

في أتباع التابعين، وقال: يروي المقاطيع. قال العراقي

(6)

: وهذا يدل على الانقطاع بينه وبين المغيرة انتهى.

ولكن صلاته صلى الله عليه وسلم على الحصير ثابتة من حديث أنس عند الجماعة

(7)

.

ومن حديث أبي سعيد وسيأتي

(8)

.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المسند (4/ 254).

(3)

في السنن رقم (659).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 420) وفي "المعرفة" رقم (504) والبغوي في شرح السنة رقم (531) وابن خزيمة رقم (1006) والحاكم (1/ 259) بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والفروة المدبوغة".

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بذكر الفروة. إنما خرجه مسلم من حديث أبي سعيد في الصلاة على الحصير. وقال الذهبي: على شرط مسلم.

قلت: بل إسناده ضعيف لضعف يونس بن الحارث الطائفي. ولجهالة والد أبي عون - وهو عبيد الله بن سعيد الثقفي - فقد انفرد عنه ولده أبو عون فيما حكاه الذهبي في "الميزان"(3/ 9) ولاحتمال انقطاعه، فقد قال ابن حبان في "الثقات"(7/ 146) يروي المقاطيع.

وخلاصة القول أن الحديث ضعيف والله أعلم.

(4)

في "الجرح والتعديل"(5/ 316).

(5)

(7/ 146).

(6)

تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.

(7)

تقدم تخريجه عند شرح الحديث رقم (10/ 603) من كتابنا هذا.

(8)

تقدم تخريجه عند نهاية شرح الحديث رقم (10/ 603) من كتابنا هذا.

وسيأتي تخريجه رقم (12/ 605) من كتابنا هذا.

ص: 476

ومن حديث أم سلمة عند الطبراني في الكبير

(1)

.

ومن حديث ابن عمر عند أبي حاتم في العلل

(2)

.

قوله: (والفروة المدبوغة) الفروة هي التي تلبس وجمعها فراء [كبهمة وبهام]

(3)

وفي ذلك رد على من كره الصلاة على غير الأرض وما خلق منها، وقد تقدم الكلام على ذلك.

ويدل الحديث وسائر الأحاديث التي ذكرناها على أنه صلى الله عليه وسلم صلى على الحصير.

وأخرج أبو يعلى الموصلي

(4)

عن عائشة بسند قال العراقي

(5)

: رجاله ثقات، "أنها سئلت أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير؟ قالت: لم يكن

(1)

(ج 23 رقم 351).

قلت: وأخرجه الطبراني في الأوسط رقم (6436) وأبو يعلى في المسند رقم (6884) وأحمد في المسند (6/ 302).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 57) وقال: "رواه أبو يعلى، والطبراني في الكبير والأوسط إلا أنه قال فيه: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير وخُمرة يصلي عليها. ورجال أبي يعلى رجال الصحيح" اهـ.

والخلاصة أن الحديث صحيح لغيره والله أعلم.

(2)

(1/ 141 رقم 392). وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: إنما هو أنس ابن سيرين عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه ابن عمر.

(3)

في المخطوط (أ): (كسهمة وسهام).

(4)

في المسند (7/ 426 رقم 92/ 4448) بسند صحيح.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 57) وقال: "رواه أبو يعلى ورجاله موثقون" قلت: على الرغم من صحة إسناده إلا أن فيه شذوذ ونكارة كما قال العراقي.

فقد أخرج البخاري رقم (5861) ومسلم رقم (782) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرًا بالليل فيصلي، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه

".

وقال الحافظ في "الفتح"(10/ 314): وفيه - أي حديث عائشة الذي أخرجه البخاري ومسلم - إلى ضعف ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق شريح بن هانئ أنه سأل عائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير، والله يقول:{وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 8] فقالت: لم يكن يصلي على الحصير .. " اهـ.

(5)

تقدم تخريجه صفحة ص (187).

ص: 477

يصلي عليه" وكيفية الجمع بين حديثها هذا وسائر الأحاديث أنها إنما نفت علمها ومن علم صلاته على الحصير، مقدم على النافي، وأيضًا فإن حديثها وإن كان رجاله ثقات فإن فيه شذوذ ونكارة

(1)

كما قال العراقي.

وقد ذهب إلى استحباب الصلاة على الحصير أكثر أهل العلم كما قال الترمذي

(2)

قال: إلا أن قومًا من أهل العلم اختاروا الصلاة على الأرض استحبابًا انتهى.

وقد روي عن زيد بن ثابت

(3)

، وأبي ذر

(4)

، وجابر بن عبد الله

(5)

، وعبد الله بن عمر

(6)

، وسعيد بن المسيب

(7)

، ومكحول، وغيرهما من التابعين استحباب الصلاة على الحصير، وصرح ابن المسيب

(8)

بأنها سنة.

وممن اختار مباشرة المصلي للأرض من غير وقاية عبد الله بن مسعود، فروى الطبراني

(9)

عنه أنه كان لا يصلي ولا يسجد إلا على الأرض. وعن إبراهيم النخعي

(10)

أنه كان يصلي على الحصير ويسجد على الأرض.

12/ 605 - (وَعَنْ أبِي سَعِيد [رضي الله تعالى عنه]

(11)

أنهُ دَخَلَ على

(1)

قلت: بالإضافة لما تقدم فحديث عائشة محمول على أنها لم تره يصلي على الحصير، أو نسيت ذلك، وقد روي عنها كما تقدم والله أعلم.

(2)

في سننه (2/ 153).

(3)

أخرجه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 399).

(4)

أخرجه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 399).

(5)

أخرجه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 399).

(6)

أخرجه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 399).

(7)

أخرجه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 399).

(8)

أخرجه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 399).

(9)

في الكبير (2/ 57 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه - عبد الله بن مسعود - ".

وهو حديث منقطع ضعيف والله أعلم.

(10)

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 57 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: إسناده حسن.

(11)

زيادة من (جـ).

ص: 478

رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: فَرَأَيْتُهُ يُصَلي على حَصِيرٍ يَسْجُدُ عَليه. رَوَاهُ مُسلِمٌ)

(1)

. [صحيح]

حديث أبي سعيد أخرجه مسلم (1) عن عمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن عيسى بن يونس، ورواه أيضًا مسلم وابن ماجه

(2)

عن أبي كريب. زاد مسلم وعن أبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن أبي معاوية عن الأعمش، زاد مسلم ورأيته يصلي في ثوب واحد متوشحًا به وهذه الزيادة أفردها ابن ماجه

(3)

، فرواها عن أبي كريب عن عمر بن عبيد عن الأعمش والكلام على فقه الحديث قد تقدم.

13/ 606 - (وَعَنْ مَيْمُونَةَ [رضي الله تعالى عنها]

(4)

قالَتْ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي على الْخُمْرَةِ. رَوَاهُ الجَماعَة إلَّا التّرمِذِيَّ

(5)

. [صحيح]

لكِنَّهُ لهُ مِنْ رِوَايَةَ ابْنِ عَباسٍ رَضيَ الله [تعالى](4) عَنهُ).

لفظ حديث ابن عباس في سنن الترمذي

(6)

: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة" وقال: حسن صحيح.

وفي الباب عن أم حبيبة عند الطبراني

(7)

.

وعن أم سلمة عند الطبراني

(8)

أيضًا.

وعن عائشة

(9)

عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي.

(1)

في صحيحه رقم (661).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (332) وقال: هذا حديث حسن.

(2)

في سننه رقم (1029) وهو حديث صحيح.

(3)

في سننه رقم (1048) وهو حديث صحيح.

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

أخرجه البخاري رقم (333) و (379) و (518) ومسلم رقم (270/ 513) الباب (48) وأبو داود رقم (656) وابن ماجه رقم (1028) وأحمد (6/ 330) والنسائي (2/ 57).

(6)

رقم (331) وقال: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح. قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1030). وهو حديث صحيح.

(7)

في الكبير (ج 23 رقم 482).

قلت: وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (356 - موارد) وأبو يعلى في المسند رقم (131) من طرق. عن أم حبيبة.

وهو حديث صحيح.

(8)

وهو حديث صحيح لغيره. تقدم تخريجه خلال شرح الحديث (11/ 604) من كتابنا هذا.

(9)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 149، 179، 209، 248) والطيالسي في المسند رقم =

ص: 479

وعن ابن عمر عند الطبراني في الكبير

(1)

والأوسط

(2)

، وأحمد

(3)

والبزار

(4)

.

وعن أُم كلثوم بنت أبي سلمة بن عبد الأسد عند ابن أبي شيبة

(5)

. قال الترمذي

(6)

: ولم تسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وقد أورد لها الطبراني في المعجم الكبير أحاديث من روايتها عن أم سلمة

(7)

، وفي بعض طرقها عن أم كلثوم بنت عبد الله بن زمعة أن جدتها أم سلمة

(8)

زوج النبي صلى الله عليه وسلم دفعت إليها مخضبًا من صفر.

= (1544) وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 398) وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 56) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي على الخمرة.

قلت: وأخرجه مسلم رقم (11/ 298) وأبو داود رقم (261) والترمذي رقم (134) وقال: حديث عائشة حديث حسن صحيح. والنسائي (1/ 146 رقم 271) و (1/ 192 رقم 384).

عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "ناوليني الخُمرة من المسجد" قالت: فقلت: إني حائض. فقال: "إن حيضتك ليست في يدك".

وهو حديث صحيح.

(1)

رقم (13415).

(2)

رقم (1662).

(3)

في المسند (2/ 92، 98).

(4)

(رقم: 608 - كشف).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه رقم (1013) والطيالسي رقم (1510) من طرق.

وإسناد البزار وابن خزيمة صحيح وإسناد الأوسط حسن. وانظر المجمع للهيثمي (2/ 56).

وخلاصة القول أن الحديث صحيح والله أعلم.

(5)

لم أقف عليه.

(6)

في السنن (2/ 152).

(7)

المعجم الكبير للطبراني (23/ 354 رقم 829).

(8)

المعجم الكبير للطبراني (23/ 354 رقم 830).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 219) وقال: "وأم كلثوم هذه لم أر من ترجمها، وبقية رجاله ثقات" اهـ.

"قلت: هي أم كلثوم حفيدة أم سلمة رضي الله عنها فقد أوردها الطبراني في الكبير (23/ 354 رقم 830) في باب روايتها عن جدتها أم سلمة.

وأم كلثوم هذه اسم أمها: زينب بنت أم سلمة، من أبي سلمة رضي الله عنه تزوجها ابن خالتها عبد الله بن زمعة، فولدت له أم كلثوم هذه. =

ص: 480

وعن أنس عند الطبراني في الصغير

(1)

والأوسط

(2)

والبزار

(3)

بإسناد رجاله ثقات.

وعن جابر عند البزار

(4)

.

وعن أبي بكرة عند الطبراني

(5)

بإسناد رجاله ثقات.

وعن أبي هريرة عند مسلم

(6)

والنسائي

(7)

.

وعن أم أيمن عند الطبراني

(8)

بإسناد جيد.

وعن أم سليم عند أحمد

(9)

والطبراني

(10)

وإسناده جيد.

قوله: (على الخُمرة) قال أبو عبيد

(11)

: هي بضم الخاء سجادة من سعف النخل على قدر ما يسجد عليه المصلي، فإن عظم بحيث يكفي لجسده كله في صلاة أو اضطجاع فهو حصير، وليس بخمرة.

= انظر ترجمة عبد الله بن زمعة من جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 119، وتهذيب الكمال (14/ 525).

وأم كلثوم هذه لها صحبة، ققد أوردها ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 226).

وابن حجر في الإصابة (8/ 273)، ولكنها جاءت عنده: أم كلثوم بنت أبي سلمة، وأشار إلى أن الرواية المحفوظة هي: أم كلثوم عن أم سلمة" اهـ.

(الفرائد على مجمع الزوائد) لخليل بن محمد العربي (ص 492 - 493 رقم 821).

(1)

(1/ 211).

(2)

رقم (4260).

(3)

لم أقف عليه في كشف الأستار.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 57) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والصغير بأسانيد بعضها رجاله ثقات" اهـ.

(4)

في المسند رقم (607 - كشف):

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 57) وقال: رواه البزار وفيه الحجاج بن أرطاة وفيه اختلاف" اهـ.

(5)

في "الكبير"(1/ 283 مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: "ورجاله موثقون".

(6)

في صحيحه رقم (299).

(7)

في سننه رقم (381).

(8)

لم أقف عليه في المعاجم الثلاثة.

(9)

في المسند (6/ 377).

(10)

في المعجم الكبير (25/ 122 رقم 297) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"2/ 56 - 57) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح. وهو حديث صحيح لغيره.

(11)

في "غريب الحديث"(1/ 277).

ص: 481

وقال الجوهري

(1)

: الخمرة بالضم: سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وترمل بالخيوط.

وقال الخطابي

(2)

: الخمرة: السجادة، وكذا قال صاحب المشارق

(3)

، قال: وهي على قدر ما يوضع عليه الوجه والأنف.

وقال صاحب النهاية

(4)

: هي مقدار ما يضع عليه الرجل وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من الثياب، ولا يكون خمرة إلا في هذا المقدار، وقد تقدم تفسير الخمرة بأخصر مما هنا في باب الرخصة في اجتياز الجنب من المسجد من أبواب الغسل

(5)

. ومادة خمر تدل على التغطية والستر، ومنه سميت الخمر لأنها تخمر العقل أي تغطيه وتستره.

والحديث يدل على أنه لا بأس بالصلاة على السجادة سواء كانت من [الخرق]

(6)

أو الخوص أو غير ذلك، وسواء كانت صغيرة كالخمرة على القول بأنها لا تسمى خمرة إلا إذا كانت صغيرة، أو كانت كبيرة كالحصير والبساط لما تقدم من صلاته صلى الله عليه وسلم على الحصير والبساط والفروة.

وقد أخرج أحمد في مسنده

(7)

من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأفلح: "يا أفلح تَرِّب وجهك" أي في سجوده.

(1)

في الصحاح (2/ 649).

(2)

في "معالم السنن"(1/ 429 - هامش السنن).

(3)

(1/ 240).

(4)

(2/ 77 - 78).

(5)

الباب السابع عند الحديث رقم (16/ 301) من كتابنا هذا.

(6)

في (جـ): (الخزف).

(7)

(6/ 301، 323) بسند ضعيف.

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (381، 382) والحاكم (1/ 271). والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 252) وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 265) والطبراني في الكبير (ج 23 رقم 742، 743، 744، 745) والدولابي في الكنى (1/ 158) من طرق عن أبي حمزة، عن أبي صالح، عن أم سلمة.

قال الترمذي: وحديث أم سلمة إسناده ليس بذاك. ميمون أبو حمزة قد ضعفه أهل العلم.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وهو حديث ضعيف وقد ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب رقم (2/ 296) وفي "الضعيفة" رقم (5485).

ص: 482

قال العراقي: والجواب عنه أنه لم يأمره أن يصلي على التراب وإنما أراد به تمكين الجبهة من الأرض، وكأنه رآه يصلي ولا يمكن جبهته من الأرض فأمره بذلك، لا أنه رآه يصلي على شيء يستره من الأرض فأمره بنزعه انتهى.

وقد ذهب إلى أنه لا بأس بالصلاة على الخمرة الجمهور. قال الترمذي

(1)

: وبه يقول بعض أهل العلم، وقد نسبه العراقي إلى الجمهور من غير فرق بين ثياب القطن والكتان والجلود وغيرها من الطاهرات، وقد تقدم ذكر من اختار مباشرة الأرض.

14/ 607 - (وَعَنْ أبي الدَّرْدَاءِ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: ما أُبَالِي لَوْ صَلَّيْتُ على خَمْس طَنَافِسَ. رَوَاهُ البُخاريُّ في تاريخِهِ)

(3)

. [إسناده ضعيف]

الحديث رواه ابن أبي شيبة

(4)

عنه بلفظ: "ست طنافس بعضها فوق بعض".

وروى ابن أبي شيبة

(5)

عن ابن عباس "أنه صلى على طنفسة".

وعن أبي وائل

(6)

"أنه صلى على طنفسة". وعن الحسن

(7)

قال: لا بأس بالصلاة على الطنفسة. وعنه

(8)

"أنه كان يصلي على طنفسة قدماه وركبتاه عليها ويداه ووجه على الأرض".

وعن إبراهيم والحسن

(9)

أيضًا أنهما صليا على بساط فيه تصاوير.

وعن عطاء

(10)

"أنه صلى على بساط أبيض".

(1)

في السنن (2/ 152).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

(3/ 197 رقم الترجمة 669) بسند ضعيف.

(4)

في "المصنف"(1/ 400) بسند ضعيف لجهالة خليد قاله الدارقطني كما في الميزان (1/ 664 رقم الترجمة 2556).

(5)

في "المصنف"(1/ 400) بسند ضعيف لضعف زمعة انظر التقريب رقم (2035) و"تهذيب التهذيب"(1/ 635).

(6)

في المصنف (1/ 400).

(7)

في المصنف (1/ 401).

(8)

في المصنف (1/ 401).

(9)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 401) بسند ضعيف لجهالة من رآهما.

(10)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 400) بسند حسن.

ص: 483

وعن سعيد بن جبير

(1)

"أنه صلى على بساط" أيضًا.

وعن مرة الهمداني

(2)

"أنه صلى على لبد". وكذا عن قيس بن عباد

(3)

.

وإلى جواز الصلاة على الطنافس ذهب جمهور العلماء والفقهاء كما تقدم في الصلاة على البسط، وخالف في ذلك من خالف في الصلاة على البسط لأن الطنافس البسط التي تحتها خمل كما تقدم.

قوله: (طنافس) جمع طنفسة وفي ضبطها لغات كسر الطاء والفاء معًا وضمهما وفتحهما معًا، وكسر الطاء مع فتح الفاء.

[الباب الخامس] باب الصلاة في النعلين والخفين

15/ 608 - (عَنْ أبِي مَسْلَمَةَ سعيد بْنِ يَزِيدَ [رضي الله تعالى عنهما]

(4)

قالَ: سألْتُ أنَسًا: أكانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يصَلِّي في نَعْلَيْهِ؟ قال: نَعَمْ. مُتَّفَق عليهِ)

(5)

. [صحيح]

16/ 609 - (وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ [رضي الله تعالى عنه] (4) قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خالِفُوا الْيَهُود فإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفافِهمْ". رَواهُ أبو دَاوُدَ)

(6)

. [صحيح]

الحديث الأول أخرجه البخاري

(7)

عن آدم عن شعبة وعن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد، وأخرجه مسلم

(8)

عن يحيى بن يحيى عن بشر بن المغفل وعن

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 400).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 401) بسند حسن.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 401).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

أخرجه أحمد (3/ 100) والبخاري رقم (386) و (5850) ومسلم رقم (555).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (1010) وأبو يعلى رقم (3667)(4342) وابن الجارود رقم (174) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 511) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 431) والبغوي في شرح السنة رقم (532) من طرق عن سعيد بن يزيد، به.

(6)

في سننه رقم (652).

قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 260) والبغوي رقم (534) والبيهقي (2/ 432). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصحح الحديث الألباني.

(7)

في صحيحه رقم (386) و (5850) وقد تقدم.

(8)

في صحيحه رقم (555) وقد تقدم.

ص: 484

الربيع الزهراني عن عباد بن العوّام. وأخرجه النسائي

(1)

عن عمرو بن علي عن يزيد بن زريع، وغسان بن مضر عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد.

والحديث الثاني أخرجه ابن حبان أيضًا في صحيحه

(2)

ولا مطعن في إسناده.

وفي الباب أحاديث أربعة أخر عن أنس: (الأول) عند الطبراني

(3)

والبيهقي

(4)

. قال البيهقي: لا بأس بإسناده. (والثاني) عند البزار

(5)

بنحو حديث شدّاد بن أوس. (والثالث) عند ابن مردويه بلفظ: "صلوا في نعالكم" وفي إسناده عباد بن جويرية

(6)

كذبه أحمد والبخاري. (والرابع) عند ابن مردويه وفي إسناده عيسى بن عبد الله العسقلاني

(7)

وهو ضعيف يسرق الحديث.

وفي الباب عن عبد الله بن مسعود عند ابن ماجه

(8)

، وله حديث آخر عند الطبراني

(9)

(1)

في السنن (2/ 74 رقم 775).

(2)

(5/ 561 رقم 2186).

(3)

في الأوسط رقم (4293).

(4)

في السنن الكبرى (2/ 404) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 56) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح".

(5)

في المسند (رقم 597 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 54) وقال: "رواه البزار، وله عند الطبراني في الأوسط رقم (2901) أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى في النعلين والخفين.

قلت: في الصحيح منه الصلاة في النعلين فقط. ومدار الحديثين على عمر بن نبهان وهو ضعيف. وروى أبو يعلى منه الصلاة في الخفين فقط".

(6)

قال أحمد: كذاب أفَّاك، وكذبه البخاري. وقال أبو زرعة: ليس بشيء. انظر ترجمته في التاريخ الكبير (6/ 43) والمجروحين (2/ 171) والجرح والتعديل (6/ 78) والميزان (2/ 365) واللسان (3/ 228).

(7)

قال ابن عدي: ضعيف يسرق الحديث، "الميزان"(3/ 317).

(8)

في السنن رقم (1039).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 349): (هذا إسناد فيه أبو إسحاق السبيعي، اختلط بآخره، وزهير هو ابن معاوية بن خديج روى عنه في اختلاطه قاله أبو زرعة) اهـ.

وخلاصة القول أن الحديث صحيح لغيره.

(9)

في الأوسط رقم (150).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 54) وقال: "وفيه علي بن عاصم، وتكلم الناس فيه" اهـ.

بلفظ: "من تمام الصلاة، الصلاة في النعلين".

ص: 485

في إسناده علي بن عاصم

(1)

تكلم فيه، وله حديث ثالث عند البزار

(2)

والطبراني

(3)

والبيهقي

(4)

، وفي إسناده أبو حمزة الأعور

(5)

وهو غير محتج به.

وعن عبد الله بن أبي حبيبة عند أحمد

(6)

والبزار

(7)

والطبراني

(8)

.

وعن عبد الله بن عمرو عند أبي داود

(9)

وابن ماجه

(10)

.

وعن عمرو بن حريث عند الترمذي في الشمائل

(11)

والنسائي

(12)

.

(1)

علي بن عاصم بن صهيب الواسطيُّ، التيمي مولاهم: صدوق يخطئ ويُصِرُّ ورمي بالتشيع. "التقريب" رقم (4758).

وقال المحرران: بل: ضعيف يعتبر في المتابعات والشواهد، وقد ضعفه البخاري وأبو زرعة الرازي، وابن معين، والنسائي، والعقيلي، وابن حبان، وابن عدي

" اهـ.

(2)

في المسند (رقم: 606 - كشف) وقال: لا نعلم رواه هكذا إلا أبو حمزة.

(3)

في المعجم الكبير رقم (9972) والأوسط رقم (5017).

(4)

أشار إليه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 403).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 56) وقال: "وأبو حمزة هو ميمون الأعور ضعيف".

(5)

قال النسائي: ليس بثقة. وقال البخاري: ليس بذاك. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه.

وقال الدارقطني: ضعيف.

انظر: ترجمته في "التاريخ الكبير"(7/ 643) والمجروحين (5/ 3) والجرح والتعديل (8/ 235) والميزان (4/ 334) ولسان الميزان (7/ 407).

(6)

في المسند (4/ 221).

(7)

في المسند (رقم 598 - كشف).

(8)

في الكبير (2/ 53 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: "رواه أحمد وسماه عبد الله بن أبي حبيبة في رواية أخرى، وكذلك رواه الطبراني في الكبير ورجال أحمد موثقون، ورواه البزار مختصرًا أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى في نعلين. وقال: لا نعلم روى عن ابن أبي حبيبة إلا هذا" اهـ.

(9)

في السنن رقم (653).

(10)

في السنن رقم (1038).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (2/ 174) وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 415) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 431) من طرق عن حسين المعلم، به. وهو حديث صحيح لغيره.

(11)

رقم (76).

(12)

في السنن الكبرى رقم (9804).

قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 512) وعبد الرزاق في "المصنف" =

ص: 486

وعن أوس الثقفيّ عند ابن ماجه

(1)

.

وعن أبي هريرة عند أبي داود

(2)

.

وله حديث آخر عند أحمد

(3)

والبيهقي

(4)

.

= رقم (1505) وعبد بن حميد في المنتخب رقم (285) وأحمد في المسند (4/ 307) وابن قانع في "معجمه"(2/ 202 - 203) من طرق عن سفيان عن السُّدِّي حدثني من سمع عمرو بن حريث قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في نعلين مخصوفين".

قلت: سنده ضعيف لإبهام الراوي عن عمرو بن حُريث، والسُّدِّي - وهو إسماعيل بن عبد الرحمن - مختلف فيه.

قال الحافظ في "التقريب" رقم (463): صدوق يهم ورمي بالتشيع. وقال المحرران: بل صدوق، حسن الحديث، إمام التفسير، ما نقم عليه سوى التشيع، ومفهوم التشيع في زمانه غير الذي عُرف فيما بعد فهي علة غيرُ قادحة

".

وباقي رجال إسناده ثقات.

وخلاصة القول أن الحديث صحيح لغيره ما عدا "مخصوفين" والله أعلم.

(1)

في السنن رقم (1037).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 349): "هذا إسناد صحيح. وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو - تقدم آنفًا - " اهـ.

قلت: وأخرجه أحمد (4/ 8، 9، 10) والطيالسي رقم (1109) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 512) والطبراني في الكبير (ج 1 رقم 604) من طرق

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 55) وقال: "روى ابن ماجه منه الصلاة في النعلين - رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات".

وهو حديث صحيح والله أعلم.

(2)

في السنن رقم (654) بسند حسن.

(3)

في المسند (2/ 422، 458).

(4)

أشار إليه في السنن الكبرى (2/ 403).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 385) وابن أبي شيبة في المصنف" (2/ 415) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 511).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 54) وقال: "

ورجاله ثقات خلا زياد بن الأوبر الحارثي فإني لم أجد من ترجمه بثقة ولا ضعف" اهـ.

قلت: بل ترجمه الحسيني في كتاب "التذكرة بمعرفة رجال الكتب العشرة"(1/ 532) رقم الترجمة (2080) و 4/ 1970) رقم الترجمة (7975).

وقال الحافظ ابن حجر في "تعجيل المنفعة"(1/ 557) رقم الترجمة (348): "قال شيخنا: لا أعرفه. قلت: قد جزم الحسيني بأنه أبو الأوبر، وهو معروف ولكنه مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وقد سماه زيادًا، والنسائي والدولابي وأبو أحمد الحاكم وغيرهم - =

ص: 487

وله حديث ثالث عند البزار

(1)

والطبراني

(2)

وفيه عباد بن كثير

(3)

وهو لين الحديث. وقيل: متروك، وقيل: لا يحتج بحديثه.

وله حديث رابع رواه ابن مردويه وفيه صالح مولى التوءمة

(4)

وهو ضعيف.

وعن عطاء الشيبي عند ابن منده في معرفة الصحابة

(5)

، والطبراني

(6)

وابن قانع

(7)

.

وعن البراء عند أبي الشيخ

(8)

، وفي إسناده سوّار بن مصعب

(9)

وهو ضعيف.

= كالإمام مسلم في الكنى والأسماء (1/ 110) - ووثقه ابن معين وابن حبان وصحح حديثه" اهـ.

والخلاصة إن الحديث صحيح لغيره والله أعلم.

(1)

في المسند (رقم 604 - كشف).

(2)

في الأوسط رقم (8735).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 55) وقال: وفي إسنادهما عباد بن كثير البصري سكن مكة ضعيف".

(3)

قال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء.

انظر ترجمته في التاريخ الكبير (6/ 43) والمجروحين (2/ 166) والجرح والتعديل (6/ 84) والميزان (2/ 371) والتقريب (1/ 393).

(4)

صالح بن نبهان المدني، مولى التوأمة: صدوق اختلط. قال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه

التقريب رقم الترجمة (2892).

وقال المحرران: "هو صدوق حسن الحديث بالنسبة لمن روى عنه قبل اختلاطه. وهم: أسيد بن أبي أسيد البراد، وزياد بن سعيد، وسعيد بن أبي أيوب، وعبد الله بن علي الإفريقي، وعبد الملك بن جريج، وعمارة بن غزية، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وموسى بن عقبة.

أما الآخرون فروايته ضعيفة لسماعهم منه بعد الاختلاط اهـ.

(5)

لم أعثر عليه.

(6)

في المعجم الكبير (ج 17 رقم 449).

(7)

في معجم الصحابة رقم الترجمة (849).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 54) وقال: "وفيه محمد بن القاسم الأسدي وهما اثنان وكلاهما وثق وفي أحدهما ضعف كثير وبقية رجاله ثقات" اهـ.

(8)

في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " رقم (398) بسند ضعيف جدًّا.

(9)

متروك الحديث، قاله النسائي. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو داود: ليس بثقة.

انظر ترجمته في "المجروحين"(1/ 356) والجرح والتعديل (4/ 271) والميزان (2/ 246) والتاريخ الكبير (4/ 169).

ص: 488

وعن عبد الله بن الشخير عند مسلم

(1)

.

وله حديث آخر عند الطبراني

(2)

.

وعن ابن عباس عند البزار

(3)

والطبراني

(4)

وابن عدي

(5)

وفي إسناده (النضر بن عمرو)

(6)

ضعيف جدًّا.

وله حديث آخر عند الطبراني

(7)

.

وعن عبد الله بن عمر عند الطبراني

(8)

.

وعن علي بن أبي طالب عند ابن عدي في الكامل

(9)

من رواية الحسين بن ضميرة عن أبيه عن جده وهو ضعيف جدًّا

(10)

.

(1)

في صحيحه رقم (58/ 554).

(2)

في الكبير (2/ 56 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: "وفيه الربيع بن بدر وهو ضعيف".

(3)

في المسند رقم (599 - كشف).

(4)

في الكبير (11/ 254 رقم 11654) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 54) وقال: وفيه النضر أبو عمر وهو ضعيف جدًّا.

(5)

في "الكامل"(7/ 2487) في ترجمة النضر أبو عمر.

(6)

الصواب أن اسمه: (النضر أبو عمر) كما في مصادر الترجمة الآتية ومصادر الحديث المتقدمة.

النضر بن عبد الرحمن الخزَّاز كوفي يشكري يكنى أبا عمر. قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ضعيف. وفي رواية عن ابن معين ليس بشيء. ولينه أبو زرعة وضعفه الدارقطني.

وقال غيره: متروك كما ذكره العقيلي في الضعفاء.

[الكامل (7/ 2486 - 2488) والتاريخ الكبير (8/ 91) والمجروحين (3/ 49) والمغني (2/ 698) والميزان (4/ 260) والتقريب (2/ 302) وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص 402].

(7)

في الأوسط (2/ 55 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن عثمان وهو ضعيف.

(8)

في الأوسط رقم (6861).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزاوئد"(2/ 55) وقال: "ورجاله ثقات، خلا شيخ الطبراني محمد بن عبد الرحمن الأزرق فإني لم أعرفه" اهـ.

(9)

في "الكامل"(2/ 768).

(10)

قال أحمد الحسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة الحميري متروك الحديث وقال ابن عدي: وهو ضعيف منكر الحديث، وضعفه بين على حديثه.

انظر الكامل (2/ 766 - 769). ولسان الميزان (2/ 289).

ص: 489

وله حديث آخر عند أبي يعلى

(1)

وابن عدي

(2)

وقال: وهذا ليس له أصل وهو مما وضعه محمد بن الحجاج اللخمي

(3)

.

وعن فيروز الديلمي عند الطبراني

(4)

وإسناده جيد.

وعن مجمع بن جارية عند أحمد

(5)

وفي إسناده يزيد بن عياض وهو ضعيف

(6)

.

وعن الهرماس بن زياد عند ابن حبان في الثقات

(7)

والطبراني في معجميه الكبير

(8)

والأوسط

(9)

.

وعن أبي بكرة عند البزار

(10)

وأبي يعلى

(11)

وابن عدي

(12)

وفي إسناده بحر بن مرار

(13)

اختلط وتغير وقد وثقه ابن معين.

(1)

في المسند رقم (272/ 532).

(2)

في "الكامل"(6/ 2156) وقال الشيخ: وهذا ليس له أصل عن عبد الملك بن عمير ومما وضعه محمد بن الحجاج على عبد الملك.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 54) وقال: رواه أبو يعلى وفيه محمد بن الحجاج اللخمي وهو كذاب".

(3)

محمد بن الحجاج اللخمي، قال عنه البخاري: منكر الحديث. وقال ابن عدي: وهو وضع حديث الهريسة. وقال الدارقطني: كذاب

انظر ترجمته في "الكامل"(6/ 2155 - 2156) ولسان الميزان (5/ 116).

(4)

في الأوسط رقم (612) وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 55) وقال: ورجاله ثقات.

(5)

في المسند (3/ 502) و (1/ 224، 334).

إسناده ضعيف. مجمع بن يعقوب إنما رواه عن محمد بن إسماعيل بن مجمع، عن بعض أهله، عن الصحابي من أهل قباء - عبد الله بن أبي حبيبة - كما في الرواية (4/ 221) وراويه عنه مبهم.

(6)

وهو منكر الحديث كما في "مجمع الزوائد"(2/ 53).

(7)

(4/ 190).

(8)

(ج 22 رقم 205).

(9)

رقم (5944).

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 55): "رواه الطبراني في الأوسط والكبير وهو ضعيف" اهـ.

(10)

في المسند رقم (600 - كشف).

(11)

في المسند رقم (306/ 2633).

(12)

في "الكامل"(2/ 488).

(13)

قال الحافظ في "التقريب" رقم الترجمة (638): "صدوق اختلط بآخرة". =

ص: 490

وعن أبي ذر عند أبي الشيخ

(1)

والبيهقي

(2)

.

وعن أبي سعيد عند أبي داود

(3)

.

وعن عائشة عند الطبراني

(4)

بإسناد صحيح.

وعن أعرابي من الصحابة لم يسم عند ابن أبي شيبة في مصنفه

(5)

وأحمد في مسنده

(6)

.

والحديثان يدلان على مشروعية الصلاة في النعال.

وقد اختلف نظر الصحابة والتابعين في ذلك هل هو مستحب أو مباح أو مكروه.

فروي عن عمر

(7)

بإسناد ضعيف أنه كان يكره خلع النعال ويشتد على الناس في ذلك وكذا عن ابن مسعود

(8)

. وكان أبو عمرو الشيباني

(9)

يضرب الناس إذا خلعوا نعالهم.

وروي عن إبراهيم

(10)

أنه كان يكره خلع النعال وهذا يشعر بأنه مستحب عند هؤلاء.

قال العراقي في شرح الترمذي: وممن كان يفعل ذلك يعني لبس النعل في

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 54): وقال: "رواه أبو يعلى، والبزار وفيه بحر بن مرار أحد من اختلط، وقد وثقه ابن معين. وفي إسناد أبي يعلى عبد الرحمن بن عثمان أبو بحر ضعفه أحمد وجماعة، وكان يحيى بن سعيد القطان حسن الرأي فيه وحدث عنه".

(1)

في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم رقم (386).

(2)

في السنن الكبرى (2/ 420) وقال البيهقي: تفرد به أبو غسان يحيى بن كثير العنبري، كما أعلم.

قلت: أبو غسان ثقة كما في الثقريب رقم (7629) لكن محمد بن سنان القزاز - ضعيف.

(3)

في السنن رقم (650) وهو حديث صحيح.

(4)

في الأوسط رقم (1213) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 55) وقال: ورجاله ثقات.

(5)

في المصنف (2/ 415).

(6)

في المسند (5/ 6). وأورده الهيثمي في (المجمع)(2/ 54) وقال: رواه أحمد وفيه رجل لم يسم وبقية رجاله ثقات.

وهو حديث ضعيف لجهالة الرجل الذي لم يسم فلا ندري ما حاله.

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 416).

(8)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 418) عنه.

(9)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 416) عنه.

(10)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 416) عنه.

ص: 491

الصلاة عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وعويمر بن ساعدة، وأنس بن مالك، وسلمة بن الأكوع، وأوس الثقفي.

ومن التابعين سعيد بن المسيب، والقاسم، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله، وعطاء بن يسار، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وطاوس، وشريح القاضي، وأبو مجلز، وأبو عمرو الشيباني، والأسود بن يزيد وإبراهيم النخعي، وإبراهيم التيمي، وعلي بن الحسين، وابنه أبو جعفر

(1)

.

وممن كان لا يصلي فيهما عبد الله بن عمر

(2)

وأبو موسى الأشعري

(3)

، وممن ذهب إلى الاستحباب الهادوية

(4)

[وإن أنكر]

(5)

ذلك عوامهم.

قال الإِمام المهدي في البحر (4): مسألة ويستحب في النعل الطاهر لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا في نعالكم" الخبر

(6)

.

وقال ابن دقيق العيد في شرح الحديث الأول من حديثي الباب: إنه لا ينبغي أن يؤخذ منه الاستحباب لأن ذلك لا مدخل له في الصلاة ثم أطال البحث وأطاب إلا أن الحديث الثاني من حديثي الباب أقل أحواله الدلالة على الاستحباب، وكذلك سائر الأحاديث التي ذكرنا.

وقد أخرج أبو داود

(7)

من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما".

ويمكن الاستدلال لعدم الاستحباب بما أخرجه أبو داود

(8)

من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحدًا ليجعلهما بين رجليه أو ليصل فيهما" وهو كما قال العراقي: صحيح الإسناد.

وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

انظر: المصنف لابن أبي شيبة (2/ 415 - 417).

(2)

و

(3)

: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 418).

(4)

انظر: "البحر الزخار"(1/ 214).

(5)

في المخطوط ب (وأنكروا).

(6)

تقدم تخريجه برقم (16/ 609) من كتابنا هذا.

(7)

في السنن رقم (650) وهو حديث صحيح.

(8)

في السنن رقم (655) وهو حديث صحيح.

ص: 492

يصلي حافيًا ومنتعلًا" أخرجه أبو داود

(1)

وابن ماجه

(2)

.

وروى ابن أبي شيبة

(3)

بإسناده إلى أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعليه فصلى الناس في نعالهم فخلع فخلعوا فلما صلى قال: من شاء أن يصلي في نعليه فليصل ومن شاء أن يخلع فليخلع" قال العراقي: وهذا مرسل صحيح الإسناد.

ويجمع بين أحاديث الباب بجعل حديث أبي هريرة وما بعده صارفًا للأوامر المذكورة المعللة بالمخالفة لأهل الكتاب من الوجوب إلى الندب لأن التخيير والتفويض إلى المشيئة بعد تلك الأوامر لا ينافي الاستحباب كما في حديث "بين كل أذانين صلاة لمن شاء"

(4)

وهذا أعدل المذاهب وأقواها عندي.

[الباب السادس] باب المواضع المنهي عنها والمأذون فيها للصلاة

17/ 610 - (عَنْ جَابِر [رضي الله تعالى عنه]

(5)

أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "جُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا فأيُّمَا رَجُل أدركتْهُ الصَّلاة فلْيُصَلِّ حَيثُ أدْرَكَتْهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

. [صحيح]

وقالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ

(7)

: ثَبَتَ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "جُعِلَتْ لِي كُلُّ أرضٍ طَيبَةً مَسْجِدًا وَطَهُورًا". رَوَاهُ الخَطَّابِيُّ بِإِسْنَادِهِ). [بسند صحيح]

(1)

في السنن رقم (653).

(2)

في السنن رقم (1038) بسند حسن.

(3)

في المصنف (2/ 415) بسند صحيح.

(4)

وهو حديث صحيح.

أخرجه البخاري رقم (624) ومسلم رقم (838) وأبو داود رقم (1283) والترمذي رقم (185) والنسائي (2/ 29) من حديث عبد الله بن مغفل.

(5)

زيادة من (جـ).

(6)

أحمد في المسند (3/ 304) والبخاري رقم (335) ومسلم رقم (521).

(7)

في الأوسط (2/ 12 رقم 507)، قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (124) من حديث أنس مرفوعًا. وقال الحافظ في "فتح الباري"(1/ 438): "وقد روى ابن المنذر وابن الجارود بإسناد صحيح عن أنس مرفوعًا" اهـ.

ص: 493

الحديث قد تقدم الكلام على طرقه وفقهه في التيمم

(1)

فلا نعيده وهو ثابت بزيادة طيبة من رواية أنس عند ابن السرّاج في مسنده قال العراقي: بإسناد صحيح.

[وأخرجه أيضًا أحمد والضياء في المختارة

(2)

،]

(3)

وأشار إلى حديث أنس أيضًا الترمذي

(4)

.

قال العراقي في شرح الترمذي ما لفظه: وحديث جابر أخرجه البخاري

(5)

ومسلم

(6)

والنسائي

(7)

من رواية يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمسًا" فذكرها وفيه: "وجعلت لي الأرض طيبة طهورًا ومسجدًا" الحديث انتهى.

فعلى هذا يكون زيادة طيبة مخرجة في الصحيحين، ولكنه ذكر البخاري (4) الحديث من طريق يزيد الفقير عن جابر في التيمم والصلاة، وليس فيه هذه الزيادة.

وأما مسلم (5) فصرح بها في صحيحه في الصلاة وهي تدل على أن المراد بالأرض المذكورة في الحديث ليس هي الأرض جميعها كما يدل على ذلك زيادة لفظ كلها في حديث حذيفة عند مسلم

(8)

وكما في حديث أبي ذر

(9)

وحديث أبي سعيد

(10)

الآتيين بل المراد الأرض الطاهرة المباحة لأن المتنجسة ليست بطيبة لغة والمغصوبة ليست بطيبة شرعًا.

نعم من قال: إن التأكيد ينفي المجاز، قال المراد بالأرض المؤكدة بلفظ كل جميعها وجعل هذه الزيادة معارضة لأصل الحديث لأنها وقعت منافية له، والزيادة إنما تقبل مع عدم منافاة الأصل فيصار حينئذٍ إلى التعارض.

(1)

في الباب السابع عند الحديث رقم (8/ 361) و (9/ 362) من كتابنا هذا.

(2)

(5/ 42 - 43 رقم 1653) بسند صحيح.

(3)

زيادة من (أ) و (ب).

(4)

في السنن (2/ 220 - تحفة الأحوذي).

(5)

في صحيحه رقم (335).

(6)

في صحيحه رقم (521).

(7)

في السنن (1/ 209، 211). وهو حديث صحيح.

(8)

في صحيحه رقم (522).

(9)

سيأتي تخريجه رقم (18/ 611) من كتابنا هذا.

(10)

سيأتي تخريجه رقم (19/ 612) من كتابنا هذا.

ص: 494

وقد حكى بعضهم أن في التأكيد بكل خلافًا هل يرفع المجاز أو يضعفه؟ والظاهر عدم الرفع لما في الصحيح

(1)

من حديث عائشة "كان يصوم شعبان كله كان يصوم نصفه إلا قليلًا" والقول بأنه يرفع المجاز يستلزم عدم صحة وقوع الاستثناء بعد المؤكد كما صرح بذلك القائلون به.

وللمقام بحث ليس هذا موضعه. ومما يدل على عدم الرفع الأحادِيث الواردة في المنع من الصلاة في المقبرة والحمام وغيرهما وسيأتي ذكرها

(2)

.

18/ 611 - (وَعَنْ أبِي ذَرّ [رضي الله تعالى عنه]

(3)

قالَ: سألْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أوَّلَ؟ قالَ: "الْمَسْجِدُ الْحَرامُ"، قُلْتُ: ثم أيُّ؟ قالَ: "الْمَسْجِدُ الأقْصَى"، قُلْتُ: كَمْ بَيْنُهما؟ قالَ: "أرْبَعُونَ سَنةً" قُلْتُ: ثمَّ أَيُّ؟ قالَ: "حَيثُما أدْرَكْتَ الصلاةَ فصَلِّ فَكُلُّها مَسْجِد". متَّفَقٌ عَليهِ)

(4)

. [صحيح]

قوله: [(قال: أربعون)]

(5)

يعني في الحدوث لا في المسافة.

قوله: (حيثما أدركت) لفظ مسلم

(6)

"وأينما أدركتك الصلاة فصله فإنه مسجد" وفي لفظ له

(7)

"ثم حيثما أدركتك" وفي لفظ له أيضًا

(8)

"فحيثما أدركتك الصلاة فصل".

قال النووي

(9)

: وفيه جواز الصلاة في جميع المواضع إلا ما استثناه الشرع من الصلاة في المقابر وغيرها من المواضع التي فيها النجاسة كالمزبلة والمجزرة وكذا ما نهى عنه لمعنى آخر فمن ذلك أعطان الإبل، ومنه قارعة الطريق والحمام

(1)

في صحيح مسلم رقم (176/ 1156).

(2)

عند الحديث رقم (19/ 612) و (22/ 615) و (24/ 617) من كتابنا هذا.

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

أحمد في المسند (5/ 160، 167) والبخاري رقم (3426) ومسلم رقم (520).

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (753) وابن خزيمة رقم (787) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (117) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 433). وفي "الدلائل"(2/ 43) وابن عبد البر في "التمهيد"(10/ 34) من طرق.

(5)

في (جـ): (الأربعون).

(6)

في صحيحه رقم (1/ 520).

(7)

لمسلم في صحيحه رقم (1/ 520).

(8)

لمسلم أيضًا في صحيحه رقم (2/ 520).

(9)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 2).

ص: 495

وغيرهما وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى

(1)

.

قوله: (فكلها) هو تأكيد لما فهم من قوله: "حيثما أدركت" وهو الأرض أو أمكنتها.

19/ 612 - (وَعَنْ أبِي سَعِيد [رضي الله تعالى عنه]

(2)

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الأرْضُ كُلُّها مَسْجِدْ إلا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ". رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلا النَّسائيَّ)

(3)

. [صحيح]

الحديث أخرجه الشافعي

(4)

وابن خزيمة

(5)

وابن حبان

(6)

والحاكم

(7)

. قال الترمذي

(8)

: "وهذا حديث فيه اضطرابٌ: [رواه]

(9)

سفيانُ الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. ورواه حمَّاد بن سلمةَ عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد؛ ورواه محمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال: وكأنَّ عامَّةُ روايته عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يذكُر فيه عن أبي سعيد؛ وكأنَّ رواية الثوريِّ عن عمرو بن يحيى عن أبيه أثبَتُ وأصحُّ" انتهى.

وقال الدارقطني في العلل

(10)

: المرسل المحفوظ. ورجح البيهقي

(11)

المرسل.

وقال النووي

(12)

: هو ضعيف. وقال صاحب الإمام

(13)

: حاصل ما علل به الإرسال، وإذا كان الواصل له ثقة فهو مقبول.

(1)

عند الحديث رقم (24/ 617) من كتابنا هذا.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 83 و 96) وأبو داود رقم (492) والترمذي رقم (317) وابن ماجه رقم (745).

(4)

في المسند رقم (198 - ترتيب السندي) -.

(5)

في صحيحه رقم (791).

(6)

في صحيحه رقم (1699) و (2316) و (2321).

(7)

في المستدرك (1/ 251) وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

(8)

في السنن (2/ 131 - 132).

(9)

في (جـ): (روى).

(10)

(11/ 321 س 2310).

(11)

في السنن الكبرى (2/ 435).

(12)

في الخلاصة (1/ 321).

(13)

ابن دقيق العيد كما في "نصب الراية"(2/ 324).

ص: 496

قال الحافظ

(1)

: وأفحش ابن دحية

(2)

فقال في كتاب التنوير

(3)

له: هذا لا يصح من طريق من الطرق كذا قال فلم يصب انتهى.

والحديث صححه الحاكم في المستدرك

(4)

وابن حزم الظاهري

(5)

، وأشار ابن دقيق العيد في الإمام إلى صحته

(6)

.

وفي الباب عن عليّ عند أبي داود

(7)

.

وعن ابن عمر عند الترمذي وابن ماجه وسيأتي

(8)

.

وعن عمر عند ابن ماجه

(9)

.

وعن أبي مرثد الغنوي عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وسيأتي

(10)

.

وعن جابر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعمران بن الحصين، ومعقل بن يسار، وأنس بن مالك، جميعهم عند ابن عدي في الكامل

(11)

، وفي إسناد حديثهم عباد بن كثير

(12)

ضعيف جدًّا ضعفه أحمد وابن معين.

(1)

في "التلخيص"(1/ 501) ط: قرطبة.

(2)

هو عمر بن الحسن بن علي بن محمد أبو الخطاب ابن دحية الكلبي، من أهل بلنسية بالأندلس. مولده سنة (544 هـ) ووفاته سنة (633 هـ) بالقاهرة.

(3)

اسمه: "التنوير في مولد السراج المنير". ألفه بإربل سنة (604 هـ) وهو متوجه إلى خراسان، بالتماس الملك المعظم الأيوبي، وقد قرأه عليه بنفسه، وأجازه بألف دينار غير ما أجرى عليه مدة إقامته. كذا في "كشف الظنون"(1/ 502).

"معجم المصنفات الواردة في فتح الباري"(ص 142 رقم 349).

(4)

(1/ 251).

(5)

في المحلى (4/ 28 - 29).

(6)

ذكره الزيلعي في "نصب الراية"(2/ 324).

(7)

في سننه رقم (490). وهو حديث ضعيف.

(8)

برقم (24/ 617) من كتابنا هذا. وهو حديث ضعيف.

(9)

في السنن رقم (746) وهو حديث ضعيف.

(10)

برقم (20/ 613) من كتابنا هذا وهو حديث صحيح.

(11)

(4/ 1640 - 1641) بلفظ: "نهى عن الصلاة في مسجد تجاهه حش أو حمام أو مقبرة.

وهو حديث ضعيف جدًّا.

(12)

قال أحمد بن حنبل: عباد بن كثير روى أحاديث كذب لم يسمعها وكان من أهل مكة، وكان رجلًا صالحًا

=

ص: 497

قال ابن حزم

(1)

: "أحاديث النهي عن الصلاة إلى القبور والصلاة في المقبرة أحاديث متواترة لا يسع أحدًا تركها".

قال العراقي: إن أراد بالتواتر ما يذكره الأصوليون من أنه رواه عن كل واحد من رواته جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب في الطرفين، والواسطة فليس كذلك فإنها أخبار آحاد وإن أراد بذلك وصفها بالشهرة فهو قريب، وأهل الحديث غالبًا إنما يريدون بالمتواتر المشهور انتهى.

وفيه أن المعتبر في التواتر هو أن يروي الحديث المتواتر جمع عن جمع يستحيل تواطؤ كل جمع على الكذب

(2)

لا أنه يرويه جمع كذلك عن كل واحد من رواته فإنه مما. لم يعتبره أهل الأصول اللهم إلا أن يريد بكل واحد من رواته كل رتبة من رتب رواته.

قوله: (إلا المقبرة) مثلثة الباء مفتوحة الميم وقد تكسر الميم وهي المحل الذي يدفن فيه الموتى.

والحديث يدل على المنع من الصلاة في المقبرة، والحمام. وقد اختلف الناس في ذلك. أما المقبرة فذهب أحمد

(3)

إلى تحريم الصلاة في المقبرة، ولم

= وقال يحيى بن معين: عباد بن كثير ضعيف، وقال فيه مرة أخرى: عباد لا يكتب حديثه.

انظر: ترجمته في "التاريخ الكبير"(6/ 43) والمجروحين (2/ 166) والجرح والتعديل (6/ 84) والميزان (2/ 371) والتقريب (1/ 393) والمغني (1/ 327).

(1)

في المحلى (4/ 30).

(2)

انظر كتابي: "مدخل إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" ص 62 - 63.

(3)

انظر: "الروض المربع شرح زاد المستقنع"(2/ 160 - 161).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم"(2/ 678): "واعلم أن من الفقهاء من اعتقد أن سبب كراهة الصلاة في المقبرة ليس إلا كونها مظنة النجاسة لما يختلط بالتراب من صديد الموتى، وبنى على هذا الاعتقاد الفرق بين المقبرة الجديدة والعتيقة، وبين أن يكون بينه وبين التراب حائل أو لا يكون.

لكن المقصود الأكبر ليس هو هذا فإنه قد بين أن اليهود والنصارى كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا؛ وقال: "لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما فعلوا، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". =

ص: 498

يفرق بين المنبوشة وغيرها ولا بين أن يفرش عليها شيئًا يقيه من النجاسة أم لا، ولا بين أن يكون في القبور أو في مكان منفرد عنها كالبيت وإلى ذلك ذهبت الظاهرية

(1)

، ولم يفرقوا بين مقابر المسلمين والكفار.

قال ابن حزم

(2)

: وبه يقول طوائف من السلف فحكي عن خمسة من الصحابة النهي عن ذلك وهم عمر وعليّ وأبو هريرة وأنس وابن عباس، وقال

(3)

: ما نعلم [لهم]

(4)

مخالفًا من الصحابة.

وحكاه

(5)

عن جماعة من التابعين إبراهيم النخعي، ونافع بن جبير بن مطعم، وطاوس، وعمرو بن دينار، وخيثمة وغيرهم.

وقوله: لا نعلم لهم مخالفًا في الصحابة إخبار عن علمه وإلا فقد حكى الخطابي في معالم السنن

(6)

عن عبد الله بن عمر أنه رخص في الصلاة في المقبرة وحكي أيضًا عن الحسن أنه صلى في المقبرة.

وقد ذهب إلى تحريم الصلاة على القبر من أهل البيت المنصور بالله والهادوية

(7)

وصرحوا بعدم صحتها إن وقعت فيها.

وذهب الشافعي إلى الفرق بين المقبرة المنبوشة وغيرها فقال: إذا كانت مختلطة بلحم الموتى وصديدهم، وما يخرج منهم لم تجز الصلاة فيها للنجاسة، فإن صلى رجل في مكان طاهر منها أجزأته

(8)

. وإلى مثل ذلك ذهب أبو طالب وأبو العباس والإمام يحيى من أهل البيت

(9)

.

= وهذا كله يبين أن السبب ليس مظنة النجاسة، وإنما هو مظنة اتخاذهم أوثانًا كما قال الشافعي رضي الله عنه "وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدًا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس" اهـ.

وانظر: "مجموع الفتاوى"(21/ 321، 322).

(1)

في "المحلى"(4/ 27 المسألة 393).

(2)

في "المحلى"(4/ 30 - 31).

(3)

أي ابن حزم في "المحلى"(4/ 32).

(4)

في المخطوط (أ)(له).

(5)

أي ابن حزم في "المحلى"(4/ 30 - 32).

(6)

(1/ 330 - هامش السنن).

(7)

البحر الزخار (1/ 216).

(8)

انظر: المجموع للنووي (3/ 164 - 165).

(9)

البحر الزخار (1/ 216).

ص: 499

وقال الرافعي: أما المقبرة فالصلاة مكروهة فيها بكل حال. وذهب الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة

(1)

إلى كراهة الصلاة في المقبرة ولم يفرقوا كما فرق الشافعي ومن معه بين المنبوشة وغيرها.

وذهب مالك

(2)

إلى جواز الصلاة في المقبرة وعدم الكراهة.

والأحاديث ترد عليه وقد احتج له بعض أصحابه بما يقضي منه العجب فاستدل له بأنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر المسكينة السوداء

(3)

، وأحاديث النهي المتواترة كما قال ذلك الإمام لا تقصر عن الدلالة على التحريم الذي هو المعنى الحقيقي له، وقد تقرر في الأصول أن النهي يدل على فساد المنهي عنه، فيكون الحق التحريم والبطلان، لأن الفساد الذي يقتضيه النهي هم المرادف للبطلان من غير فرق بين الصلاة على القبر وبين المقابر وكل ما صدق عليه لفظ المقبرة

(4)

.

وأما الحمام فذهب أحمد

(5)

إلى عدم صحة الصلاة فيه ومن صلى فيه أعاد أبدًا.

(1)

انظر: "إعلاء السنن"(5/ 135 - 136).

وفي "رد المحتار"(3/ 117) وقال في الحلية: وتكره الصلاة عليه - أي القبر - وإليه لورود النهي عن ذلك" اهـ.

والظاهر أن هذه الكراهة تنزيهية.

(2)

قال مالك في "المدونة"(1/ 90): "لا بأس بالصلاة في المقابر، قال: وبلغني أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون في المقبرة" اهـ.

(3)

يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (1337) ومسلم رقم (956). وأبو داود رقم (3203) وابن ماجه رقم (1527) وأحمد (2/ 353).

عن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة المرأة التي كانت تقمُّ المسجدَ، فسألَ عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ماتت، فقال: أفلا كنتم أذنتموني؟ فكانهم صغروا أمرَها، فقال:"دلوني على قبرها" فدلوه، فصلَّى عليها".

(4)

انظر: "الأوسط" لابن المنذر (2/ 182 - 186).

(5)

انظر: "الروض المربع شرح زاد المستنقع"(2/ 163).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة (2/ ق (164): وأما الحمام فقال أصحابنا: لا فرق بين المغتسل الذي يتعرى الناس فيه ويغتسلون فيه من الوساطني والجواني وبين المسلخ وهو الموضع الذي توضع فيه الثياب، بل كل ما دخل في مسمى الحمام لا يصلى فيه، ويدخل في ذلك كل ما أغلق عليه بابه".

ص: 500

وقال أبو ثور: لا يصلي في حمام ولا مقبرة على ظاهر الحديث وإلى ذلك ذهبت الظاهرية

(1)

.

وروي عن ابن عباس أنه قال: "لا يصلين إلى حُشٍّ

(2)

ولا في حمام ولا في مقبرة"

(3)

.

قال ابن حزم

(4)

: ما نعلم لابن عباس في هذا مخالفًا من الصحابة.

وروينا مثل ذلك عن نافع بن جبير بن مطعم

(5)

، وإبراهيم النخعي

(6)

، وخيثمة والعلاء بن زياد عن أبيه

(7)

.

قال ابن حزم (1): ولا تحل الصلاة في حمام سواء في ذلك مبدأ بابه إلى جميع حدوده ولا على سطحه وسقف مستوقده وأعالي حيطانه خربًا كان أو قائمًا، فإن سقط من بنائه شيء يسقط عنه اسم حمام جازت الصلاة في أرضه حينئذٍ" انتهى. وذهب الجمهور

(8)

إلى صحة الصلاة في الحمام مع الطهارة وتكون مكروهة وتمسكوا بعمومات نحو حديث "أينما أدركت الصلاة فصل"

(9)

وحملوا النهي على حمام متنجس.

والحق ما قاله الأولون

(10)

لأن أحاديث المقبرة والحمام مخصصة لذلك

(1)

انظر: "المحلى"(4/ 27).

(2)

الحُشّ: بفتح الحاء وضمها: البستان، والمخرج أيضًا لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، وهي الحشوش فسميت الأخلية في الحضر: حشوشًا لذلك". قاله في المطلع (ص 65). وانظر: "النهاية" (1/ 390).

(3)

أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 405 رقم 1585 ورقم 1584) وابن حزم في المحلى (4/ 30) وابن المنذر في "الأوسط"(2/ 183 ث 761).

(4)

في "المحلى"(4/ 31).

(5)

في "المحلى"(4/ 30).

(6)

أخرجه ابن حزم في "المحلى"(4/ 31).

(7)

أخرجه ابن حزم في "المحلى"(4/ 31).

(8)

انظر: "المجموع"(3/ 166)، والمغني 2/ 474 - 475).

(9)

وهو جزء من حديث صحيح.

أخرجه أحمد (5/ 160) ومسلم رقم (520) وابن ماجه رقم (753) وابن خزيمة رقم (787) وغيرهم من حديث أبي ذر.

(10)

قلت: واختار شيخ الإسلام ابن تيمية عدم صحة الصلاة في المقبرة والحش.

انظر: "الاختيارات" ص 44.

ص: 501

العموم وحكمة المنع من الصلاة في المقبرة قيل هو ما تحت المصلي من النجاسة، وقيل: لحرمة الموتى، وحكمة المنع من الصلاة في الحمام أنه يكثر فيه النجاسات وقيل: إنه مأوى الشيطان.

20/ 613 - (وَعَنْ أبِي مَرثَدٍ الْغَنَوِيِّ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُصَلُّوا إلى الْقُبُور وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْها". رَوَاهُ الجَماعة إلَّا البُخاريّ وابْنَ ماجَهْ)

(2)

. [صحيح]

الحديث يدل على منع الصلاة إلى القبور، وقد تقدم الكلام في ذلك وعلى منع الجلوس عليها، وظاهر النهي التحريم.

وقد أخرج مسلم

(3)

من حديث أبي هريرة بلفظ: "لأنْ يجلِسَ أحدُكم على جمرةٍ فتحرِقَ ثيابَهُ فتخلص إلى جلدِهِ خيرٌ من أن يجلسَ على قبرِ أخيه".

وروي عن مالك أنه لا يكره القعود عليها ونحوه، قال: وإنما النهي عن القعود لقضاء الحاجة وفي الموطأ

(4)

عن علي أنه كان يتوسد القبور ويضطجع عليها، وفي البخاري

(5)

أن يزيد بن ثابت أخا زيد بن ثابت كان يجلس على القبور، وقال: إنما كره ذلك لمن أحدث عليها. وفيه عن ابن عمر (4) أنه كان يجلس على القبور.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (98/ 972) وأبو داود رقم (3229) والترمذي رقم (1050) وأحمد (4/ 135) والنسائي (672 رقم 760).

قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 515) وأورده ابن عبد البر في "التمهيد"(5/ 229 - 230) وقال: هذا حديث ثابت من جهة الإسناد.

(3)

في صحيحه رقم (971).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3228) والنسائي (4/ 95) وابن ماجه رقم (1566) والبغوي في شرح السنة (5/ 409 رقم 1519).

(4)

(1/ 223 رقم 34).

(5)

(3/ 222 رقم الباب 81 - مع الفتح).

قال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام (2/ 95) بتحقيقي ط 2: "والأصل في النهي التحريم كما عرفت غير مرةٍ، وفعل الصحابي لا يعارض الحديث المرفوع إلَّا أن يقالَ: أنَّ فعلَ الصحابي دليل لحمل النهي على الكراهة ولا يخفى بعده" اهـ.

ص: 502

وقد صحت الأحاديث القاضية بالمنع ولا حجة في قول أحد لا سيما إذا كان معارضًا للثابت عنه صلى الله عليه وسلم.

وقد أخرج أبو داود

(1)

والترمذي

(2)

وصححه وابن ماجه

(3)

وابن حبان

(4)

والحاكم

(5)

من حديث جابر بلفظ: "نهى أن يجصص القبر ويبنى عليه وأن يكتب عليه وأن يوطأ وهو في صحيح مسلم بدون الكتابة. وقال الحاكم (5): الكتابة على شرط مسلم والجلوس لا يكون غالبًا إلا مع الوطء

(6)

.

21/ 614 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]

(7)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلُوا مِنْ صَلَاِتكُمْ في بُيوتكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوها قُبُورًا". رَوَاهُ الجَمَاعَةُ إلا ابْنَ مَاجَهْ)

(8)

. [صحيح]

(1)

في السنن رقم (3226).

(2)

في السنن رقم (1052). وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(3)

في السنن رقم (1563).

(4)

في صحيحه رقم (3163).

(5)

في المستدرك (1/ 370) وقال: هذا حديث على شرط مسلم، وقد خرَّج بإسناده غير الكتابة، فإنها لفظة صحيحة غريبة، وكذلك رواه أبو معاوية عن ابن جريج.

قلت: وأخرج مسلم بعضه رقم (94/ 970) والنسائي (4/ 86) وعبد بن حميد رقم (1075) والطحاوي (1/ 516) والبيهقي (4/ 4). وهو حديث صحيح.

(6)

قال ابن قدامة في "المغني"(3/ 440): "ويكره الجلوسُ على القبر، والاتكاءُ عليه، والاستناد إليه، والمشي عليه، والتغوط بين القبور، لما تقدم من حديث جابر، وحديث أبي مرثد الغنوي.

وذُكر لأحمد أن مالكًا يتأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن يجلس على القبور. أي لِلْخَلاءِ. فقال: ليس هذا بشيء، ولم يعجِبه رأي مالك.

وروى الخلال، بإسناده عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن أطأ على جمرةٍ، أو سيفٍ، أحبُّ إليَّ من أن أطأَ على قبر مسلم، ولا أبالي أوسطَ القبورِ قضيتُ حاجتي، أو وسط السوق" رواه ابن ماجه - رقم (1567)، وهو حديث صحيح الإرواء رقم (63) -.

وقال النووي في "المجموع"(5/ 287 - 288): "فرع: في مذاهب العلماء في كراهة الجلوس على القبر. والاتكاء عليه، والاستناد إليه. قد ذكرنا أن ذلك مكروه عندنا. وبه قال جمهور العلماء، منهم: النخعي، والليث، وأبو حنيفة، وأحمد، وداود، وقال مالك: لا يكره" اهـ.

وانظر: "فتح الباري"(3/ 224 - 225).

(7)

زيادة من (جـ).

(8)

أحمد (2/ 16) والبخاري رقم (432) و (1187) ومسلم رقم (777) وأبو داود رقم =

ص: 503

قوله: (من صلاتكم) قال القرطبي

(1)

: من للتبعيض والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم

(2)

من حديث جابر مرفوعًا: "إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته" وقد حكى القاضي عياض

(3)

عن بعضهم أن معناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهنّ.

قال الحافظ

(4)

: وهذا وإن كان محتملًا لكن الأول هو الراجح، وقد بالغ الشيخ محيي الدين

(5)

فقال: لا يجوز حمله على الفريضة.

قوله: (ولا تتخذوها قبورًا) لأن القبور ليست بمحل للعبادة، وقد استنبط البخاري من هذا الحديث كراهية الصلاة في المقابر، ونازعه الإسماعيلي فقال: الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر، وتعقب بأن الحديث قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم

(6)

من حديث أبي هريرة بلفظ: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر" وقال ابن التين: تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر، وتأوّله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون في بيوتهم وهي القبور. قال: فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك.

= (1043) و (1448) والترمذي رقم (451) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (1377).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (1205) والبيهقي (2/ 189) وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 255) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(1)

في: "المفهم"(2/ 411).

(2)

في صحيحه رقم (778).

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 316) وابن ماجه رقم (1376) وهو حديث صحيح.

(3)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" له (3/ 144).

(4)

في فتح الباري (1/ 529).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (6/ 67).

(6)

في صحيحه رقم (780).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (534) والترمذي رقم (2877) والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (965). وهو حديث صحيح.

ص: 504

قال الحافظ

(1)

: إن أراد لا يؤخذ بطريق المنطوق فمسلم، وإن أراد نفي ذلك مطلقًا فلا.

وقيل: يحتمل أن المراد لا تجعلوا البيوت وطن النوم فقط لا تصلون فيها فإن النوم أخو الموت، والميت لا يصلي.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر. ويؤيده ما رواه مسلم

(2)

"مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت". قال الخطابي (3): وأما من تأوله على النهي عن دفن الموتَى في البيوت فليس بشيء، فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته. وتعقبه الكرماني

(3)

بأن قال: لعل ذلك من خصائصه.

وقد روي أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون كما روى ذلك ابن ماجه

(4)

(1)

في فتح الباري (1/ 529).

(2)

في صحيحه رقم (779).

قلت: وأخرجه البخاري رقم (6407).

(3)

ذكره الحافظ في الفتح (1/ 529).

(4)

في سننه رقم (1628) من حديث ابن عباس عن أبي بكر مرفوعًا، بلفظ:"ما قُبض نبي إلا دُفِنَ حيثُ يقبضُ".

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 542): "هذا إسناد فيه الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس الهاشمي، تركه الإمام أحمد بن حنبل وعلي بن المديني، والنسائي.

وقال البخاري: يقال: "إنه كان يتهم بالزندقة، وقواه ابن عدي، وباقي رجال الإسناد ثقات" اهـ.

قلت: وأخرجه المروزي في مسند أبي بكر رقم (26، 27) وأبو يعلى في المسند رقم (22، 23) وابن عدي في "الكامل"(2/ 760) والبيهقي في "دلائل النبوة"(7/ 260) كلهم من طريق حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر مرفوعًا، به.

وله شواهد:

(الأول): أخرج الترمذي في سننه رقم (1018) وفي الشمائل رقم (390) وأبو يعلى في مسنده رقم (45) والمروزي في مسند أبي بكر رقم (43) والبغوي في شرح السنة رقم (3822) كلهم من طريق أبي معاوية، عن عبد الرحمن بن أبي بكر - هو ابنُ المليكي - عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر: سمعت من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شيئًا ما نسيتُهُ، قال: "ما قبضَ الله نبيًا =

ص: 505

بإسناد فيه حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف، وله طريق أخرى مرسلة.

قال الحافظ

(1)

: "فإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهي غيره عن ذلك، بل هو متجه لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر، فتصير الصلاة فيها مكروهة. ولفظ أبي هريرة عند مسلم

(2)

أصرح من حديث الباب، وهو قوله:"لا تجعلوا بيوتكم مقابر" فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقًا" انتهى.

وكأن البخاري أشار بترجمة الباب

(3)

بقوله: باب كراهة الصلاة في المقابر إلى حديث أبي سعيد المتقدم لما لم يكن على شرطه.

22/ 615 - (وَعَنْ جنْدَبِ بْنِ عَبْدِ الله الْبَجَليِّ [رضي الله تعالى عنهما]

(4)

قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: "إنَّ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ كانُوا يَتَخِذُونَ قُبُورَ أَنبِيائِهمْ وَصالحِيهمْ مَساجد ألَا فَلَا تَتَّخِذوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إنِّي أنْهاكمْ عَنْ ذلِكَ". رَوَاه مُسْلمٌ)

(5)

. [صحيح]

= إلا في الموضع الذي يُحبُّ أن يدفن فيه". ادفنوه في موضع فراشِهِ.

قلت: وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وهو ضعيف، وباقي رجال الإسناد ثقات.

(الثاني): أخرج الترمذي في الشمائل رقم (397) والنسائي في تفسيره رقم (239) وابن ماجه رقم (1234) مقتصرًا على قطعة منه حتى قوله: " .... ثم إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض".

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 406): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات

" اهـ.

(الثالث): أخرج أحمد في المسند (1/ 7) والمروزي في مسند أبي بكر رقم (105) وابن أبي شيبة في "المصنف"(14/ 553 - 554) من طريق عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن أبيه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يدروا أين يقبرون النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لن يقبر نبي إلا حيث يموت". فأخرجوا فراشه وحفروا له تحت فراشه.

قلت: عبد العزيز بن جريج فيه لين مع انقطاعه فإنه لم يدرك القصة. وخلاصة القول أن الحديث صحيح بشواهده والله أعلم.

(1)

في "فتح الباري"(1/ 529 - 530).

(2)

في صحيحه رقم (780) وقد تقدم قريبًا.

(3)

الباب رقم (52) من كتاب الصلاة (1/ 528 - مع الفتح).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في صحيحه رقم (23/ 532).

ص: 506

الحديث أخرجه النسائي

(1)

أيضًا.

وفي الباب عن عائشة عند الشيخين

(2)

والنسائي

(3)

.

وعن أبي هريرة عند الشيخين

(4)

وأبي داود

(5)

والنسائي

(6)

.

وعن ابن عباس عند أبي داود

(7)

والترمذي

(8)

وحسنه.

وله حديث آخر عند الشيخين

(9)

والنسائي

(10)

.

(1)

في السنن الكبرى رقم (782).

وهو حديث صحيح.

(2)

البخاري رقم (134) وأطرافه رقم (427) و (434) و (3873) ومسلم رقم (528).

(3)

في سننه (1/ 42 رقم 2704).

عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسةً رأتها بأرض الحبشةِ، وذكرت له ما رأتْ فيها من الصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أولئك قوم إذا مات فيهم العبدُ الصالح أو الرجلُ الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوَّروا فيه تلك الصورَ، أولئك شرار الخلقِ عند اللهِ".

(4)

البخاري رقم (437) ومسلم رقم (20/ 530).

(5)

في السنن رقم (3227).

(6)

في السنن (4/ 95 - 96 رقم 2047) ولفظها لعن الله

".

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتلَ اللهُ اليهودَ اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد".

(7)

في السنن رقم (3236).

(8)

في السنن رقم (320) وقال: حديث حسن.

قلت: وأخرجه النسائي (4/ 94 رقم 2043) وابن ماجه رقم (1575) وهو حديث حسن بشواهده ما عدا لفظ "السرج" انظر: الإرواء (3/ 213) والضعيفة رقم (225).

(9)

البخاري قم (435، 436) ومسلم رقم (531).

(10)

في السنن (2/ 40 - 41 رقم 703).

قلت: وأخرجه أحمد (1/ 218) وابن حبان رقم (6619) والبغوي في شرح السنة رقم (3825) والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 80) وفي الدلائل (7/ 203) والدارمي (1/ 326) وغيرهم.

عن عبد الله بن عباس، وعن عائشة، أنهما قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم، طفِقَ يُلقي خميصةً على وجهه، فلما اغتمَّ رفعناها عنه، وهو يقول:"لعن الله اليهودَ والنصارى، اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد".

تقول عائشة: يُحذرهم مِثلَ الذي صنعُوا. =

ص: 507

وعن أسامة بن زيد عند أحمد

(1)

والطبراني

(2)

بإسناد جيد.

وعن زيد بن ثابت عند الطبراني

(3)

بإسناد جيد أيضًا.

وعن ابن مسعود عند الطبراني

(4)

بإسناد جيد أيضًا.

= • يحذرهم: قال السندي: أي: أمته. قيل: لأنه يصير بالتدريج تشبيهًا بعبادة الأوثان.

• قبور أنبيائهم: أي: وصلحائهم، كما في رواية مسلم، وإلا فالنصارى ليس لهم إلا نبي واحد لا قبر له. والله تعالى أعلم.

(1)

في المسند (5/ 204).

(2)

في الكبير (1/ 164 رقم 393).

قلت: وأخرجه البزار في مسنده رقم (2609) والطيالسي في مسنده رقم (634) وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" رقم (770) والضياء في "المختارة" رقم (1355) من طرق

عن أُسامة بن زيد قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدْخِلْ عليَّ أصحابي فدخلوا عليه فكشف القناع، ثم قال: "لعنَ الله اليهودَ والنصارَى، اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ".

وهو حديث صحيح لغيره. لأن في سنده قيس بن الربيع، قال عنه الحافظ في "التقريب" رقم الترجمة (5573): صدوق. وتعقبه المحرران وقالا: ضعيف يعتبر به في الشواهد والمتابعات

".

(3)

في المعجم الكبير (2/ 27 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: رجاله موثقون. وتُعقب بأن في سندها عقبة بن عبد الرحمن وهو ابن أبي معمر" وهو مجهول كما في "التقريب" (2/ 27 رقم 244).

واعلم أن قول الهيثمي: "موثقون" دون قوله: "ثقات" فإن قولهم "موثقون" إشارة منهم إلى أن بعض رواته ليس توثيقه قويًا، فكأن الهيثمي يشير إلى أن "عقبة" هذا إنما وثقه ابن حبان فقط، وأن توثيق ابن حبان غير موثوق به والله أعلم.

وكون توثيق ابن حبان لا يوثق به مما لا يرتاب فيه المتضلعون في هذا العلم الشريف.

[تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للمحدث الألباني ص 21].

قلت: وأخرج الحديث أيضًا أحمد في المسند (5/ 184، 186) وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (244). وفي إسنادهما "عقبة" هذا.

والخلاصة إن حديث زيد بن ثابت حديث صحيح لغيره والله أعلم.

(4)

في المعجم الكبير (10/ 232 رقم 10413) وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 27) وقال: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.

وأورده الهيثمي أيضًا في "المجمع"(8/ 13) وقال: رواه البزار بإسنادين، في أحدهما عاصم بن بهدلة وهو ثقة، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح.

قلت: وفي الموضعين فات الهيثمي أن ينسبه لأحمد وهو على شرطه.

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (1/ 405) وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 345) =

ص: 508

وعن أبي عبيدة بن الجرّاح عند البزار

(1)

.

وعن علي عند البزار

(2)

أيضًا.

وعن أبي سعيد عند البزار

(3)

= والبزار رقم (4320 - كشف) وأبو يعلى في المسند رقم (5316) وابن خزيمة رقم (789) والشاشي في المسند رقم (528) وابن حبان رقم (340، 341 - موارد) وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 142) من طرق عن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجدَ".

وخلاصة القول أن الحديث حسن والله أعلم.

(1)

في المسند (رقم 439 - كشف).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (1/ 195) من طريقين بإسنادين صحيحين. وأبو يعلى في المسند رقم (3/ 872) بإسناد صحيح.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(5/ 325): وقال: رواه أحمد بأسانيد، ورجال طريقين منها ثقات متصل إسنادهما. ورواه أبو يعلى" اهـ.

والخلاصة أن حديث أبي عبيدة بن الجراح حديث صحيح والله أعلم.

(2)

في المسند (2/ 216 رقم 605) من طريق حنيف المؤذن عن أبي الرقاد، عن علقمة بن قيس عن علي رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: ائذن للناس عليَّ فأذنت فقال: "لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ثم أغمي عليه، فلما أفاق قال: يا عليّ أئذن للناس عليَّ فأذنت عليه فقال: "لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" قالها ثلاثًا في مرضه.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 27 - 28) وقال: "رواه البزار وفيه أبو الرقاد لم يرو عنه غير حنيف المؤذن، وبقية رجاله موثقون".

(3)

في المسند (رقم 445 - كشف).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 28): وقال: رواه البزار وفيه عمر بن صهبان وقد أجمعوا على ضعفه".

عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم إني أعوذ بك أن يُتخذ قبري وثنًا، فإنَّ الله تبارك وتعالى اشتَد غضبه على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

قلت: وأخرج مالك "في الموطأ"(1/ 185 - 186 - مع تنوير الحوالك) مرسلًا. وابن سعد في "الطبقات"(2/ 240 - 241) من طريق عطاء بن يسار مرسلًا بسند صحيح.

وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 406 رقم 1587) وابن أبي شيبة في المصنف" (3/ 345) عن زيد بن أسلم مرسلًا بسند صحيح.

"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُصلَّى إليه، فإنه اشتدَّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". =

ص: 509

أيضًا. وفي إسناده عمر بن صهبان

(1)

وهو ضعيف.

وعن جابر عند ابن عدي

(2)

.

والحديث يدل على تحريم اتخاذ قبور الأنبياء والصلحاء مساجد.

قال العلماء

(3)

: "إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدًا خوفًا من المبالغة في تعظيمه والافتنان به، وربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية، ولما احتاجت الصحابة رضي الله عنهم والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه. وفيها حجرة عائشة مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر بنوا على القبر حيطانًا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين حرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر".

وقد روي أن النهي عن اتخاذ القبور مساجد كان في مرض موته قبل اليوم الذي مات فيه بخمسة أيام، وقد حمل بعضهم الوعيد على من كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان وهو تقييد بلا دليل، لأن التعظيم والافتتان لا يختصان بزمان دون زمان، وقد يؤخذ من قوله:"كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد" في حديث الباب

(4)

.

وكذلك قوله في حديث ابن عباس عند أبي داود

(5)

والترمذي

(6)

بلفظ:

= وأخرجه أحمد في المسند (2/ 246) موصولًا والحميدي رقم (1025) وأبو نعيم في الحلية (6/ 283) و (7/ 317) عن أبي هريرة بسند حسن.

وخلاصة القول أن حديث أبي سعيد حديث صحيح لغيره والله أعلم.

(1)

عمر بن صهبان، ويقال: عمر بن محمد بن صهبان المدني، وهو ضعيف باتفاقهم.

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(6/ 165) والمجروحين (2/ 81) والجرح والتعديل (6/ 116) والكاشف (2/ 272) والمغمي (2/ 469) والميزان (3/ 207) والتقريب (2/ 58) ولسان الميزان (7/ 319) والخلاصة ص 284.

(2)

لم أقف عليه؟!

(3)

ذكره النووي في "شرحه لصحيح مسلم"(5/ 13 - 14).

(4)

رقم (22/ 615) من كتابنا هذا.

(5)

في السنن رقم (3236) وقد تقدم آنفًا.

(6)

في السنن رقم (320) وقال: حديث حسن. وقد تقدم آنفًا.

ص: 510

"والمتخذين عليها المساجد" أن محل الذم على ذلك أن [تتخذ]

(1)

المساجد على القبور بعد الدفن، لا لو بني المسجد أولًا وجعل القبر في جانبه ليدفن فيه واقف المسجد أو غيره فليس بداخل في ذلك.

قال العراقي: والظاهر أنه لا فرق، وأنه إذا بني المسجد لقصد أن يدفن في بعضه أحد فهو داخل في اللعنة بل يحرم الدفن في المسجد وإن شرط أن يدفن فيه لم يصح الشرط لمخالفته لمقتضى وقفه مسجدًا والله أعلم انتهى.

واستنبط البيضاوي من علة التعظيم جواز اتخاذ القبور في جوار الصلحاء لقصد التبرك دون التعظيم. ورد بأن قصد التبرك تعظيم

(2)

.

23/ 616 - (وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(3)

قالَ: قالَ

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا في مَرَابِضِ الغَنَمَ، وَلَا تُصَلُّوا فِي أعْطَانِ الإبِل". رَوَاهُ

أحمَدُ

(4)

والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحهُ)

(5)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه

(6)

.

(1)

في (جـ): (يتخذ).

(2)

اعلم أن مظاهر التبرك المبتدع بالقبور تضمن مفاسد ومنكرات أهمها:

1 -

فتح باب الفتنة بالقبور والشرك مع الله تعالى

2 -

السفر إلى القبور ولو من أماكن بعيدة، ومشابهة عباد الأصنام بما يفعل عندها من العكوف عليها، والمجاورة عندها، وتعليق الستور عليها ..

3 -

صرف النفقات الباهظة المحرمة على بناء القباب والمزارات، وكسوتها بالأقمشة، والفرش والمصابيح والزخرفة

4 -

اتخاذ الأضرحة مزارات وأعياد متكررة، وما يتضمنه ذلك من المفاسد والأضرار العظيمة.

5 -

تضليل الناس أن بركة الصالحين جارية بعد مماتهم كما كانت في حياتهم. استنادًا إلى حديث مكذوب باطل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أعيتكم الأمور فعليكم بالقبور".

انظر: منهاج السنة النبوية (1/ 483) وإغاثة اللفهان (1/ 215) ن: دار المعرفة. والتبرك د. ناصر بن عبد الرحمن الجديع ص 406 - 415. وهو كتاب مفيد في بابه.

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في المسند (2/ 451).

(5)

في السنن رقم (348) و (349) و (796).

(6)

في السنن رقم (768).

قلت: وأخرجه الدارمي رقم (1431) وابن خزيمة رقم (795) وأبو عوانة (1/ 402) =

ص: 511

وفي الباب عن جابر بن سمرة عند مسلم

(1)

.

وعن البراء عند أبي داود

(2)

.

وعن سبرة بن معبد عند ابن ماجه

(3)

.

وعن عبد الله بن مغفل عند ابن ماجه

(4)

أيضًا والنسائي

(5)

.

وعن ابن عمر عند ابن ماجه أيضًا

(6)

.

وعن أنس عند الشيخين

(7)

.

وعن أسيد بن حضير عند الطبراني

(8)

.

= والطحاوي (1/ 384) وابن حبان رقم (1384) و (1700) و (1701) والبيهقي (2/ 449) والبغوي رقم (503) من طرق

وهو حديث صحيح.

(1)

في صحيحه رقم (360).

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 96 - 97) والطبراني في الكبير رقم (1864) و (1867) وابن ماجه رقم (495) وابن حبان رقم (1157).

وهو حديث صحيح.

(2)

في السنن رقم (184 و 493).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (81) وابن ماجه رقم (494) وابن خزيمة رقم (32) وأبو يعلى رقم (1709) والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 159) وفي "معرفة السنن والآثار"(1/ 453) والطيالسي رقم (734) و (735). وأحمد (4/ 288) و (4/ 303).

وهو حديث صحيح.

(3)

في السنن رقم (770) بإسناد حسن.

(4)

في سننه رقم (769).

(5)

في سننه (2/ 56 رقم 735) وفي السنن الكبرى رقم (814). وهو حديث صحيح.

(6)

في سنن رقم (497) من حديث عبد الله بن عمر، كما نبه عليه المحدث الألباني في ضعيف ابن ماجه ص 42.

(7)

البخاري رقم (234) و (429) ومسلم رقم (10/ 524).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (350) وابن حبان رقم (1385) والبغوي رقم (501) وأبو عوانة (1/ 396 و 397 - 398) و (4/ 354). وابن أبي شيبة (1/ 385) والطيالسي رقم (2085) وأحمد (3/ 131) من طرق عن شعبة عن أبي التَّياح، قال: سمعت أنس بن مالك يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي في مرابِضِ الغنم قبلَ أن يبنى المسجد".

(8)

في المعجم الكبير (1/ 206 رقم 558) والأوسط رقم (7407).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 250) وقال: "رواه الطبراني في الأوسط وفيه الحجاج بن أرطاة، وفي الاحتجاج به اختلاف" اهـ. =

ص: 512

وعن سليك الغطفاني عند الطبراني

(1)

أيضًا، وفي إسناده جابر الجعفي

(2)

ضعفه الجمهور ووثقه شعبة وسفيان.

وعن طلحة بن عبيد الله عند أبي يعلى في مسنده

(3)

.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد

(4)

. وفي إسناده ابن لهيعة

(5)

.

وله حديث آخر عند الطبراني

(6)

.

وعن عقبة بن عامر عند الطبراني

(7)

، ورجال إسناده ثقات.

وعن يعيش الجهني المعروف بذي الغرة عند أحمد

(8)

والطبراني

(9)

، ورجال إسناده ثقات.

= قلت: وأخرجه أحمد في المسند (4/ 352) وابن ماجه رقم (496) وهو حديث ضعيف.

(1)

في المعجم الكبير (7/ 164 رقم 6713).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 250) وقال: "وفيه جابر الجعفي وثقه شعبة وسفيان وضعفه الناس".

(2)

قال الحافظ في "التقريب" رقم (878): جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي، أبو عبد الله الكوفي: ضعيف رافضي

".

(3)

في المسند (رقم: 4/ 632) بسند ضعيف.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزائد"(1/ 250) وقال: رواه أبو يعلى وفيه من لم يسم".

(4)

في المسند (2/ 178) بسند ضعيف لضعف ابن لهيعة.

عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلي في مرابدِ الغنم، ولا يصلي في مرابد الإبل والبقر".

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 26) وقال: "رواه أحمد والطبراني في الكبير بنحوه ولم يذكر البقر، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام".

والخلاصة أن حديث عبد الله بن عمرو حديث صحيح دون ذكر البقر والله أعلم.

وقال الحافظ في "فتح الباري"(1/ 527): "فلو ثبت لأفاد أن حكم البقر حكم الإبل بخلاف ما ذكره ابن المنذر أن البقر في ذلك كالغنم" اهـ.

(5)

تقدم الكلام عليه مرارًا.

(6)

في الكبير (2/ 26 - مجمع الزوائد) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير بنحوه، ولم يذكر البقر، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام.

(7)

في الكبير (ج 17 رقم 938) وفي والأوسط رقم (6537). وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 26) وقال: رواه الطبراني في الكبير، والأوسط، وأحمد، ورجال أحمد ثقات.

(8)

في المسند (4/ 67) و (5/ 112).

(9)

في المعجم الكبير (ج 22 رقم 759). وسمى ذا الغُرَّة يعيشًا الجُهني. =

ص: 513

قوله: (في مرابض الغنم) جمع مربض بفتح الميم وكسر الباء الموحدة وآخره ضاد معجمة. قال الجوهري

(1)

: المرابض للغنم كالمعاطن للإبل واحدها مربض مثال مجلس. قال: وربوض الغنم والبقر والفرس مثل بروك الإبل وجثوم الطير.

قوله: (في أعطان الإبل) هي جمع عطن بفتح العين والطاء المهملتين، وفي بعض الطرق معاطن وهي جمع معطن بفتح الميم وكسر الطاء. قال في النهاية

(2)

: العطن مبرك الإبل حول الماء.

والحديث يدل على جواز الصلاة في مرابض الغنم، وعلى تحريمها في معاطن الإبل، وإليه ذهب أحمد بن حنبل

(3)

فقال: [لا تصح]

(4)

بحال، وقال: من صلى في عطن إبل أعاد أبدًا. وسئل مالك

(5)

عمن لا يجد إلا عطن إبل، قال: لا يصلي فيه، قيل: فإن بسط عليه ثوبًا قال: لا.

وقال ابن حزم

(6)

: لا تحل في عطن إبل.

وذهب الجمهور إلى حمل النهي على الكراهة مع عدم النجاسة، وعلى التحريم مع وجودها. وهذا إنما يتم على القول بأن علة النهي هي النجاسة وذلك متوقف على نجاسة أبوال الإبل وأزبالها. وقد عرفت ما قدمنا فيه، ولو سلمنا النجاسة لم يصح جعلها علة لأن العلة لو كانت النجاسة لما افترق الحال بين أعطانها وبين مرابض الغنم، إذ لا قائل بالفرق بين أرواث كل من الجنسين وأبوالها، كما قال العراقي.

وأيضًا قد قيل: إن حكمة النهي ما فيها من النفور، فربما نفرت وهو في

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 250): وقال: رواه عبد الله بن أحمد، والطبراني في الكبير وسماه يعيشًا الجهني، ويُعرف بذي الغُرّة. ورجال أحمد موثقون" اهـ.

وللحديث شواهد فهو بها صحيح والله أعلم.

(1)

في "الصحاح"(3/ 1076 - 1077).

(2)

(3/ 258).

(3)

انظر: "المغني"(2/ 468 - 946).

(4)

في (جـ): (لا يصح).

(5)

انظر: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(1/ 289 - 291) بتحقيقي.

(6)

في "المحلى"(4/ 24 المسألة 392).

ص: 514

الصلاة فتؤدي إلى قطعها، أو أذى يحصل له منها أو تشويش الخاطر الملهي عن الخشوع في الصلاة. وبهذا علل النهي أصحاب الشافعي

(1)

وأصحاب مالك

(2)

، وعلى هذا فيفرق بين كون الإبل في معاطنها وبين غيبتها عنها إذ يؤمن نفورها حينئذٍ، ويرشد إلى صحة هذا حديث ابن مغفل عند أحمد

(3)

بإسناد صحيح بلفظ: "لا تُصَلُّوا في أعطانِ الإبلِ، فإنَّها خلقت من الجِنِّ، ألا ترونَ إلى عُيونها وهيئتَها إذا نَفَرَتْ؟ ". وقد يحتمل أن علة النهي أن يجاء بها إلى معاطنها بعد شروعه في الصلاة فيقطعها أو يستمر فيها مع شغل خاطره.

وقيل: لأن الراعي يبول بينها. وقيل: الحكمة في النهي كونها خلقت من الشياطين ويدل على هذا أيضًا حديث ابن مغفل السابق. وكذا عند النسائي

(4)

من حديثه.

وعند أبي داود

(5)

من حديث البراء.

وعند ابن ماجه

(6)

بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة.

إذا عرفت هذا الاختلاف في العلة تبين لك أن الحق الوقوف على مقتضى النهي وهو التحريم كما ذهب إليه أحمد (3) والظاهرية

(7)

.

وأما الأمر بالصلاة في مرابض الغنم فأمر إباحة ليس للوجوب. قال العراقي اتفاقًا: وإنما نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك لئلا يظن أن حكمها حكم الإبل، أو أنه أخرج على جواب السائل حين سأله عن الأمرين فأجاب في الإبل بالمنع، وفي الغنم بالإذن. وأما الترغيب المذكور في الأحاديث بلفظ:"فإنها بركة" فهو إنما

(1)

انظر: "المجموع"(3/ 166 - 167).

(2)

وقال ابن جزي في "قوانين الأحكام الشرعية" ص 65: "ونهى عن الصلاة

ومعاطن الإبل وهو غير معلل على الأصح".

(3)

في المسند (5/ 55) بسند رجاله ثقات.

قلت: وأخرجه عبد بن حميد في "المنتخب" رقم (501) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 448).

وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (2/ 56 رقم 735) وفي الكبرى رقم (814) وقد تقدم.

(5)

في سننه رقم (184) وقد تقدم.

(6)

في سننه رقم (768) وقد تقدم.

(7)

في "المحلى"(4/ 24 المسألة 392).

ص: 515

ذكر لقصد تبعيدها عن حكم الإبل كما وصف أصحاب الإبل بالغلظ والقسوة ووصف أصحاب الغنم بالسكينة.

فائدة: ذكر ابن حزم

(1)

أن أحاديث النهي عن الصلاة في أعطان الإبل متواترة بنقل تواتر يوجب العلم.

24/ 617 - (وَعَنْ زيدِ بْنِ جُبَيْرَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ نَافِع عَنِ ابْنِ عمَرَ [رضي الله تعالى عنهم]

(2)

أنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهى أن يُصَلَّى في سَبْعَةِ مَوَاطِنَ في الْمَزْبَلةِ، والْمَجْزَرَةِ، والْمَقْبَرَةِ، وقارِعَةِ الطَّريقِ، وفي الْحَمَّامِ، وفي أعْطَانِ الإبل، وفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ الله [تعالى](2). رواهُ عَبدُ بْنُ حُمَيْدٍ في مُسْنَدِهِ

(3)

وابْن ماجهْ

(4)

والتِّرْمِذِيُّ

(5)

. [ضعيف]

وقال

(6)

: "إسْنَادهُ لَيْسِ بِذَاكَ الْقَوِيِّ، وَقدْ تُكلِّمَ في زيدِ بْنِ جُبَيْرَةَ

(7)

مِنْ قِبَل حِفْظهِ، وقَدْ رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ هذا الْحَدِيث عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عمر الْعُمَرِيّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عمَرَ

(8)

عَنِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، قالَ: وَحدِيثُ

(9)

ابْن عمَرَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أشبَه وأصَحُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سعْدٍ، والْعُمَرِيُّ

(10)

ضَعَّفَهُ بَعْضُ أهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ".

الحديث في إسناد الترمذي زيد بن جبيرة (6) وهو ضعيف كما قال الترمذي.

(1)

انظر: "المحلى"(4/ 24 - 25).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

المنتخب من المسند رقم (765).

(4)

في سننه رقم (746).

(5)

في سننه رقم (346).

(6)

الترمذي في السنن (2/ 179).

(7)

قال البخاري في "الضعفاء الصغير"(رقم (125): "منكر الحديث".

وقال أبو حاتم في "الجرح والتعديل"(3/ 559): "ضعيف الحديث، منكر الحديث جدًّا، متروك الحديث، لا يكتب حديثه".

(8)

(عن عمر) كما في سنن الترمذي (2/ 179) وقال أحمد شاكر في التعليقة رقم (6): قوله: (عن عمر) لم يذكر في (ع) وحذفه خطأ.

(9)

(داود عن نافع عن) كما في سنن الترمذي (2/ 179). وقال أحمد شاكر في التعليقة رقم (7): الزيادة من (ع) و (م)، وهي زيادة جيدة جدًّا.

(10)

عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن، العمري المدني: ضعيف عابد، من السابعة، مات سنة إحدى وسبعين. وقيل بعدها "التقريب" رقم (3489). =

ص: 516

قال البخاري

(1)

وابن معين: زيد بن جبيرة متروك. وقال أبو حاتم

(2)

: لا يكتب حديثه. وقال النسائي

(3)

: ليس بثقة. وقال ابن عدي

(4)

: عامة ما يرويه لا يتابع عليه.

وقال الحافظ في التلخيص

(5)

: إنه ضعيف جدًّا.

وفي إسناد ابن ماجه عبد الله بن صالح وعبد الله بن عمر العمري

(6)

وهما ضعيفان. قال ابن أبي حاتم في العلل: هما جميعًا يعني الحديثين واهيان. وصحح الحديث ابن السكن، وإمام الحرمين

(7)

، وقد تقدم الكلام في المقبرة والحمام وأعطان الإبل وما فيها من الأحاديث الصحيحة.

قوله: (المَزبلة) فيها لغتان فتح الموحدة وضمها، حكاهما الجوهري

(8)

وهي المكان الذي يلقى فيه الزبل.

قوله: و (المجزَرة) بفتح الزاي المكان الذي [ينحر]

(9)

فيه الإبل وتذبح فيه البقر والغنم

(10)

.

= وقال المحرران: "بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد. فقد وثقه يعقوب بن شيبة، وأحمد بن يونس، والخليلي، وقال العجلي: لا بأس به، وقال ابن عدي: لا بأس به في رواياته، صدوق، واختلف فيه قول ابن معين.

وضعفه غير واحد منهم البخاري، وابن المديني، ويحيى بن سعيد القطان، وصالح بن جزرة، والنسائي، وابن سعد، والترمذي، وابن حبان والدارقطني وأبو أحمد الحاكم" اهـ.

(1)

في "الضعفاء الصغير" رقم (125).

(2)

في "الجرح والتعديل"(3/ 559).

(3)

ذكره الحافظ في "تهذيب التهذيب"(1/ 660).

(4)

في الكامل (3/ 1060).

(5)

(1/ 387) ط: قرطبة.

(6)

تقدمت ترجمته في الصفحة السابقة.

(7)

ذكر ذلك الحافظ في "التلخيص"(1/ 387).

قلت: والخلاصة إن حديث ابن عمر حديث ضعيف. وانظر الإرواء رقم (287).

(8)

الصحاح (4/ 1715).

(9)

في (جـ): (تنحر).

(10)

حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 412).

قلت: لم يثبت في النهي عن الصلاة في المجزرة حديث صحيح - فيما أعلم - وحديث ابن عمر المتقدم ضعيف كما رأيت. ولعل حجة من قال بعدم صحة الصلاة في المجزرة من الحنابلة ومن وافقهم أن المجزرة تكون ملوثة بالدم المسفوح غالبًا. =

ص: 517

قوله: (وقارعة الطريق) قيل: المراد به أعلى الطريق، وقيل: صدره، وقيل: ما برز منه

(1)

.

والحديث يدل على تحريم الصلاة في هذه المواطن. وقد اختلف في العلة في النهي.

أما في المقبرة والحمام وأعطان الإبل فقد تقدم الكلام في ذلك. وأما في المزبلة والمجزرة فلكونهما محلًا. للنجاسة فتحرم الصلاة فيهما من غير حائل اتفاقًا، ومع الحائل فيه خلاف، وقيل: إن العلة في المجزرة كونها مأوى الشياطين، ذكر ذلك عن جماعة اطلعوا على ذلك.

وأما في قارعة الطريق فلما فيها من شغل الخاطر المؤدي إلى ذهاب الخشوع الذي هو سر الصلاة. وقيل: لأنها مظنة النجاسة، وقيل: لأن الصلاة فيها شغل لحق المار، ولهذا قال أبو طالب

(2)

: إنها لا تصح الصلاة فيها ولو كانت واسعة قال: لاقتضاء النهي الفساد. وقال المؤيد بالله والمنصور بالله

(3)

: لا تكره في الواسعة إذ لا ضرر لأن العلة عندهما الإضرار بالماء.

وأما في ظهر الكعبة فلأنه إذا لم يكن بين يديه سترة ثابتة تستره لم تصح صلاته لأنه مصلي على البيت لا إلى البيت. وذهب الشافعي

(4)

إلى الصحة بشرط

= فأقول: ما دام النهي عن الصلاة في المجزرة لم يثبت فيظل استصحاب الإباحة الأصلية - (جعلت لي الأرض مسجدًا) - بجواز الصلاة فيها ما لم تلوث بالنجاسة. والله أعلم.

(1)

قال السندي في حاشية ابن ماجه (1/ 412): "قارعة الطريق: أي الموضع الذي يقرع بالأقدام من الطريق، فالقارعة للنسبة أي: ذات قرع، وذلك لأن اختلاف المارة يشغله عن الصلاة. وأيضًا قل ما يأمن من مرورهم بين يديه" اهـ.

قلت: لم يصح حديث في النهي عن الصلاة في قارعة الطريق - فيما أعلم - فإذا انتفت العلل التي ذكرها السندي آنفًا، وما يشابهها فلا بأس بالصلاة فيها بناء على الأصل (جعلت لي الأرض مسجدًا).

(2)

البحر الزخار (1/ 217).

(3)

المرجع السابق (1/ 217).

(4)

قال النووي في "المجموع"(3/ 199): " .... وإن وقف على سطح الكعبة - نظر - إن وقف على طرفها واستدبر باقيها لم تصح صلاته بالاتفاق لعدم استقبال شئ منها، وهكذا لو انهدمت والعياذ بالله، فوقف على طرف العرصة واستدبر باقيها لم تصح صلاته، ولو وقف خارج العرصة واستقبلها صح بلا خلاف. =

ص: 518

أن يستقبل من بنائها قدر ثلثي ذراع. وعند أبي حنيفة

(1)

لا يشترط ذلك وكذا قال ابن سريج قال: لأنه كمستقبل العرصة لو هدم البيت والعياذ بالله.

فائدة: قال القاضي أبو بكر بن العربي: والمواضع التي لا يصلى فيها ثلاثة عشر، فذكر السبعة المذكورة في حديث الباب وزاد الصلاة إلى المقبرة وإلى جدار مرحاض عليه نجاسة والكنيسة والبيعة وإلى التماثيل وفي دار العذاب. وزاد العراقي الصلاة في الدار المغصوبة والصلاة إلى النائم والمتحدث والصلاة في بطن الوادي والصلاة في الأرض المغصوبة والصلاة في مسجد الضرار والصلاة إلى التنور فصارت تسعة عشر موضعًا، ودليل المنع من الصلاة في هذه المواطن.

أما السبعة الأولى فلما تقدم.

وأما الصلاة إلى المقبرة فلحديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد وقد تقدم

(2)

.

وأما الصلاة إلى جدار مرحاض فلحديث ابن عباس في سبعة من الصحابة بلفظ "نهي عن الصلاة في المسجد تجاهه حش" أخرجه ابن عدي

(3)

، قال العراقي: ولم يصح إسناده.

وروى ابن أبي شيبة في المصنف

(4)

عن عبد الله بن عمرو أنه قال: "لا يصلي إلى الحش". وعن علي

(5)

قال: "لا يصلي تجاه حش". وعن إبراهيم

(6)

كانوا يكرهون ثلاثة أشياء فذكر منها الحش. وفي كراهية استقباله

= وأما إذا وقف وسط السطح أو العرصة فإن لم يكن بين يديه شيء شاخص لم تصح صلاته على الصحيح المنصوص وبه قال أكثر الأصحاب.

وقال ابن سريج: تصح، وبه قال أبو حنيفة وداود ومالك - في رواية عنه - كما لو وقف على أبي قبيس، وكما لو وقف خارج العرصة واستقبلها، والمذهب الأول. والفرق أنه لا يعد هنا مستقبلًا بخلاف ما قاس عليه، وهذا الوجه الذي لابن سريج جاز في العرصة والسطح كما ذكرنا، كذا نقله عنه إمام الحرمين وصاحب التهذيب وآخرون

" اهـ.

(1)

انظر: "البناية في شرح الهداية" للعيني (3/ 336).

(2)

رقم الحديث (22/ 615) من كتابنا هذا.

(3)

لم أقف عليه.

(4)

(2/ 379).

(5)

في المصنف (2/ 380).

(6)

في المصنف (2/ 380).

ص: 519

خلاف بين الفقهاء، وأما الكنيسة والبيعة فروى ابن أبي شيبة في المصنف

(1)

عن ابن عباس أنه كره الصلاة في الكنيسة إذا كان فيها تصاوير، وقد رويت الكراهة عن الحسن

(2)

ولم ير الشعبي

(3)

وعطاء بن أبي رباح

(4)

بالصلاة في الكنيسة والبيعة بأسًا ولم ير ابن سيرين بالصلاة في الكنيسة بأسًا، وصلى أبو موسى الأشعري

(5)

وعمر بن عبد العزيز

(6)

في كنيسة. ولعل وجه الكراهة ما تقدم من اتخاذهم لقبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد لأنها تصير جميع البيع والمساجد مظنة لذلك

(7)

.

وأما الصلاة إلى التماثيل فلحديث عائشة

(8)

الصحيح: "أنه قال لها صلى الله عليه وسلم:

(1)

في المصنف (2/ 80).

(2)

في المصنف (2/ 80).

(3)

في المصنف (2/ 79).

(4)

في المصنف (2/ 80).

(5)

في المصنف (2/ 80).

(6)

في المصنف (2/ 80).

(7)

قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(22/ 162 - 163): "

وأما الصلاة فيها - البيع والكناش - ففيها ثلاثة أقوال للعلماء: في مذهب أحمد وغيره المنع مطلقًا. وهو قول مالك. والأذن مطلقًا وهو قول بعض أصحاب أحمد. والثالث: وهو الصحيح المأثور عن عمر بن الخطاب وغيره، وهو منصوص عن أحمد وغيره، أنه إن كان فيها صور لم يصل فيها، لأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى محى ما فيها من الصور.

- أخرج أحمد في المسند (1/ 365) والبخاري رقم (3352) والحاكم (2/ 550) وابن حبان رقم (5861) والبغوي في شرح السنة رقم (3214) والطبراني في الكبير رقم (11845).

عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصُّورَ في البيت - يعني الكعبة - لم يدخُلْ، وأمر بها، فمُحيت، ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام فقال:"قاتلهم الله، والله ما استقسما بالأزلام قط" وهو حديث صحيح]-.

وكذلك قال عمر: إنا كنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها.

وهي بمنزلة المسجد المبني على القبر، ففي الصحيحين -[البخاري رقم (427) ومسلم رقم (528) من حديث عائشة رضي الله عنها]- أنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة بأرض الحبشة.

وما فيها من الحسن والتصاوير فقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة".

وأما إذا لم يكن فيها صور فقد صلى الصحابة في الكنيسة. والله أعلم" اهـ.

(8)

أخرج أحمد في المسند (3/ 151) والبخاري رقم (5959).

عن أنس قال: كان قِوامٌ لعائشةَ، قد سترتْ به جانِبَ بيتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مِيطي =

ص: 520

أزيلي عني قِرامَكِ هذا فإنه لا تزالُ تصاوير تَعْرِضُ لي في صَلاتي" وكان لها ستر فيه تماثيل.

وأما الصلاة في دار العذاب فلما عند أبي داود

(1)

من حديث عليّ وقال: "نهاني حبي أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة" وفي إسناده ضعف.

وأما إلى النائم والمتحدث فهو في حديث ابن عباس عند أبي داود

(2)

وابن

= عنَّا قِرَامَكِ هذا، فإنه لا تزالُ تصاويرُهُ تعرِضُ لي في صلاتي".

وأخرج أحمد (6/ 36) والبخاري رقم (5954) ومسلم رقم (96/ 2107) عن عائشة قالت: قدِم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من سفرٍ وقد سَترتُ بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل، فلما رآه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هتَكهُ وقال: أشدُّ الناسِ عذابًا يومَ القيامة الذين يُضاهون بخلق الله.

قلت: فجعلناهُ وسادةً أو وسادتين".

قال الحافظ في "الفتح"(10/ 391): "وقد استُشكِل الجمعُ بين هذا الحديث - حديث أنس - وبين حديث عائشة أيضًا في النمرقة، لأنه يدلُّ على أنه لم يدخل البيت الذي كان فيه الستر المصور أصلًا حتى نزعه، وهذا يدلُّ على أنه أقرَّه وصلى وهو منصوب إلى أن أمر بنزعه من أجل ما ذُكِرَ من رؤيته الصورة حالة الصلاة، ولم يتعرض لخصوص كونها صورة، ويمكن الجمع بأن الأول كانت تصاويرُه من ذوات الأرواح وهذا كانت تصاويره من غير الحيوان" اهـ.

(1)

في سننه رقم (490) وهو حديث ضعيف ضعفه الألباني.

قلت: وأخرجه البخاري تعليقًا (1/ 530 رقم الباب 53) بصيغة التمريض. وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 377) وعبد الرزاق في المصنف (1/ 415) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 451) قال ابن عبد البر في "التمهيد"(5/ 223 - 224): "وهذا إسناد ضعيف، مجتمع على ضعفه؛ وهو مع هذا منقطع غير متصل بعلي رضي الله عنه، وعمار، والحجاج، ويحيى، مجهولون لا يعرفون (بغير هذا) وابن لهيعة، ويحيى بن أزهر، ضعيفان لا يحتج بهما وبمثلهما، وأبو صالح هذا، هو سعيد بن عبد الرحمن الغفاري، مصري ليس بمشهور أيضًا، ولا يصح له سماع من علي.

وقال الحافظ في الفتح (1/ 530) بعد عزوه لأبي داود: في إسناده ضعف.

وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 329 - هامش السنن): "قلت: في إسناد هذا الحديث مقال. ولا أعلم أحدًا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل، وقد عارضه ما هو أصح منه وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" ويشبه أن يكون معناه لو ثبت أنه نهاه أن يتخذ أرض بابل وطنًا ودارًا للإقامة فتكون صلاته فيها إذا كانت إقامته بها ومخرج النهي فيه على الخصوص ألا تراه يقول: نهاني ولعل ذلك منه إنذار له بما أصابه من المحنة بالكوفة وهي أرض بابل ولم ينتقل أحد من الخلفاء الراشدين قبله من المدينة" اهـ.

(2)

في سننه رقم (694). =

ص: 521

ماجه

(1)

وفي إسناده من لم يسم.

وأما في بطن الوادي فورد في بعض طرق حديث الباب بدل المقبرة. قال الحافظ

(2)

: وهي زيادة باطلة لا تعرف.

وأما الصلاة في الأرض المغصوبة

(3)

فلما فيها من استعمال مال الغير بغير إذنه.

وأما الصلاة في مسجد الضرار

(4)

فقال ابن حزم

(5)

: إنه لا يجزئ أحدًا الصلاة فيه لقصة مسجد الضرار وقوله: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا}

(6)

فصح أنه ليس موضع صلاة.

وأما الصلاة إلى التنور فكرهها محمد بن سيرين وقال: بيت نار، رواه ابن أبي شيبة في المصنف

(7)

.

وزاد ابن حزم

(8)

فقال: لا تجوز الصلاة في مسجد يستهزأ فيه بالله أو برسوله أو شيء من الدين أو في مكان يكفر بشيء من ذلك فيه.

= قال الخطابي: هذا حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لضعف سنده ومع هذا فقد حسنه المحدث الألباني.

(1)

في سننه رقم (959).

(2)

في "التلخيص"(1/ 387) ط: قرطبة.

(3)

قال النووي في "المجموع"(3/ 169): "الصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالإجماع.

وصحيحة عندنا - الشافعية - وعند الجمهور من الفقهاء وأصحاب الأصول.

وقال أحمد بن حنبل والجبائي وغيره من المعتزلة: باطلة. واستدل عليهم الأصوليون بإجماع من قبلهم. قال الغزالي في المستصفى: هذه المسألة قطعية ليست اجتهادية، والمصيب فيها واحد، لأن من صحح الصلاة أخذه من الإجماع وهو قطعي ومن أبطلها أخذه من التضاد الذي بين القربة والمعصية. ويدعى كون ذلك محالًا بالعقل، فالمسألة قطعية

" اهـ.

• وقد حكم ابن حزم في "المحلى"(4/ 33 - 36 المسألة 394) ببطلان الصلاة إذا كانت في موضع مغصوب أو ثوب كذلك إلخ ما قاله رحمه الله. ولا نرى دليله قائمًا على الرغم من كل ما ذكر، وقد رددنا هذا الرأي فيما كتبناه على "الأحكام" لابن حزم (3/ 61). قاله أبو الأشبال أحمد شاكر رحمه الله، في تعليقه على المحلى.

(4)

انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية"(17/ 469). و"المحلى" لابن حزم (4/ 43).

(5)

في "المحلى"(4/ 25).

(6)

سورة التوبة: الآية 108.

(7)

(2/ 380).

(8)

في "المحلى"(4/ 45 - 46 المسألة 400).

ص: 522

وزادت الهادوية كراهة الصلاة إلى [المحدث]

(1)

والفاسق والسراج.

وزاد الإمام يحيى الجنب والحائض فيكون الجميع ستة وعشرين موضعًا.

واستدل على كراهة الصلاة إلى [المحدث](1) بحديث ذكره الإمام يحيى في "الانتصار"

(2)

بلفظ: "لا صلاة إلى [محدث]

(3)

، لا صلاة إلى جنب، لا صلاة إلى حائض" وقيل في الاستدلال على كراهة الصلاة إليه القياس على الحائض، وقد ثبت أنها تقطع الصلاة، وأما الفاسق فإهانة له كالنجاسة. وأما السراج فللفرار من التشبه بعبدة النار، والأولى عدم التخصيص بالسراج [ولًا بالتنور]

(4)

بل إطلاق الكراهة على استقبال النار، فيكون استقبال التنور والسراج وغيرهما من أنواع النار قسمًا واحدًا. وأما الجنب والحائض فللحديث الذي في الانتصار ولما في الحائض من قطعها للصلاة.

واعلم أن القائلين بصحة الصلاة في هذه المواطن أو في أكثرها تمسكوا في المواطن التي صحت أحاديثها بأحاديث: "أينما أدركتك الصلاة فصل"

(5)

ونحوها وجعلوها قرينة قاضية بصحة تأويل الأحاديث القاضية بعدم الصحة. وقد عرفناك أن أحاديث النهي عن المقبرة والحمام ونحوهما خاصة فتبنى العامة عليها وتمسكوا في المواطن التي لم تصح أحاديثها بالقدح فيها لعدم التعبد بما لم يصح، وكفاية البراءة الأصلية حتى يقوم دليل صحيح ينقل عنها لا سيما بعد ورود عمومات قاضية بأن كل موطن من مواطن الأرض مسجد تصح الصلاة فيه، وهذا متمسك صحيح لا بد منه.

قوله: (أشبه وأصح من حديث الليث بن سعد) قيل: إن قوله: من حديث الليث

(1)

في (جـ): (المتحدث).

(2)

اسمه: (الانتصار الجامع لمذاهب علماء الأمصار).

المؤلف: الإمام المؤيد يحيى بن حمزة الحسيني اليمني.

والكتاب في ثمانية عشر مجلدًا، وهو في تقرير المختار من مذاهب الأئمة وأقاويل علماء الأمة في المباحث الفقهية والمضطربات الشرعية، وكان مشغولًا به في سنوات (743 هـ - 748 هـ).

مخطوط بالجامع الكبير بخط المؤلف، وهناك نسخ نفيسه أخرى.

(3)

في (جـ): (متحدث).

(4)

في (ب): (والتنور).

(5)

أخرجه أحمد (5/ 160) والبخاري رقم (335) وقد تقدم.

ص: 523

صفة لحديث ابن عمر بأنه من حديث الليث الذي هو أصح من حديث ابن جبيرة

(1)

.

[الباب السابع] باب صلاة التطوع في الكعبة

25/ 618 - (عَن ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]

(2)

قالَ: دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ هُوَ وَأسَامَةُ بْنُ زَيدٍ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فأغْلَقُوا عَلَيْهمُ الْبابَ، فَلمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أوَّلَ مَنْ وَلَجَ فَلَقِيتُ بِلَالًا فَسألْتُهُ هَلْ صَلَّى فيه رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ [فقالَ]

(3)

: نَعَمْ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(4)

. [صحيح]

26/ 619 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما] (2) أنهُ قالَ لِبلالٍ: هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيتينِ عَنْ يَسارِكَ إذَا دَخَلْتَ، ثمَّ خَرَجَ فصَلَّى في وجْهَةِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ رَواهُ أحْمَدُ

(5)

والبُخاريُّ)

(6)

. [صحيح]

قوله: (دخل [النبي]

(7)

صلى الله عليه وسلم البيت) قال الحافظ

(8)

: كان ذلك في عام الفتح كما وقع مبينًا من رواية يونس بن يزيد عن نافع عند البخاري

(9)

في كتاب الجهاد.

(1)

قال أبو الأشبال أحمد شاكر في تحقيق وشرح سنن الترمذي (2/ 179) التعليقة 8): "نقل الشوكاني: أن بعضهم فهم كلام الترمذي على أن قوله: "من حديث الليث" صفة لحديث ابن عمر، فكأنه فهم أن الترمذي رجح حديث الليث على حديث داود بن الحصين، وهو خطأ. لأن الترمذي لم يرد هذا، وإنما أراد ترجيح حديث داود على حديث الليث، والزيادة التي ثبثت في (ع) و (م) تفيد التصريح بأن الترمذي يرجح رواية داود، وإن أخطأ هو في هذا الترجيح، .. " اهـ.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في (ب) و (جـ) قال. وهو موافق لما في الصحيحين.

(4)

أخرجه البخاري رقم (1598) ومسلم رقم (393/ 1329) وأحمد (2/ 113، 120)، (6/ 14).

(5)

في المسند (6/ 14).

(6)

في صحيحه رقم (1167).

قلت: وأخرجه النسائي (5/ 217 - 218) وابن خزيمة رقم (3016) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 328).

(7)

في (جـ): (رسول الله).

(8)

في "الفتح"(3/ 464).

(9)

رقم الحديث (2988).

ص: 524

قوله: (هو وأسامة وبلال وعثمان) زاد مسلم

(1)

من طريق أخرى ولم يدخلها معهم أحد. ووقع عند النسائي

(2)

من طريق ابن عون عن نافع ومعه الفضل بن عباس وأسامة وبلال وعثمان فزاد الفضل. ولأحمد

(3)

من حديث ابن عباس حدثني أخي الفضل وكان معه حين دخلها.

قوله: (فأغلقوا عليهم الباب) زاد مسلم

(4)

"فمكث فيها مليًا". وفي رواية له

(5)

"فأجافوا عليهم الباب طويلًا". وفي رواية لأبي عوانة (6)"من داخل" وزاد يونس (6)"فمكث نهارًا طويلًا" وفي رواية فليح

(6)

"زمانًا".

قوله: (فلما فتحوا) في رواية

(7)

"ثم خرج فابتدر الناس الدخول فسبقتهم": وفي رواية

(8)

"وكنت شابًا قويًا فبادرت الناس فبدرتهم" وأفاد الأزرقي في كتاب مكة أن خالد بن الوليد كان على الباب يذب الناس عنه.

قوله: (بين العمودين اليمانيين) وفي رواية

(9)

"بين العمودين المقدمين".

قوله: ([فصلى في وجهة الكعبة]

(10)

ركعتين) وفي رواية للبخاري

(11)

في الصلاة أن ابن عمر قال: "فذهب عليّ أن أسأله كم صلى". وروى

(12)

عنه أنه قال: "نسيت أن أسأله كم صلى".

وقد جمع الحافظ بين الروايتين في الفتح

(13)

والحديثان يدلان على مشروعية الصلاة في الكعبة لصلاته صلى الله عليه وسلم فيها. وقد ادعى ابن بطال أن الحكمة في تغليق الباب لئلا يظن الناس أن ذلك سنة فيلتزمونه.

(1)

في صحيحه رقم (394/ 1329).

(2)

في السنن الكبرى (2/ 392 رقم 1/ 3889).

(3)

في المسند (1/ 212) بسند صحيح.

(4)

رقم (392/ 1329).

(5)

أي لمسلم رقم (391/ 1329).

(6)

ذكر ذلك الحافظ في "الفتح"(3/ 464).

(7)

في صحيح البخاري رقم (4400).

(8)

ذكرها الحافظ في "الفتح"(3/ 464).

(9)

للبخاري رقم (504) ولمسلم رقم (391/ 1329).

(10)

ما بين المعقوفتين مطموس في المخطوط (أ) و (جـ) وهو من (ب).

(11)

رقم الحديث (468).

(12)

البخاري رقم (2988).

(13)

(3/ 468 - 469).

ص: 525

قال الحافظ

(1)

: وهو مع ضعفه منتقض بأنه لو أراد إخفاء ذلك ما اطلع عليه بلال ومن كان معه، وإثبات الحكم بذلك يكفي فيه نقل الواحد انتهى.

فالظاهر أن التغليق ليس لما ذكره بل لمخافة أن يزدحموا عليه لتوفر دواعيهم على مراعاة أفعاله ليأخذوها عنه أو ليكون ذلك أسكن لقلبه وأجمع لخشوعه. وإنما أدخل معه عثمان لئلا يظن أنه عزل من ولاية البيت، وبلالًا وأسامة لملازمتهما خدمته. وقيل: فائدة ذلك التمكن من الصلاة في جميع جهاتها لأن الصلاة إلى جهة الباب وهو مفتوح لا تصح.

وقد عارض أحاديث صلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة حديث ابن عباس عند البخاري

(2)

وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في البيت ولم يصل فيه. قال الحافظ

(3)

: ولا معارضة في ذلك بالنسبة إلى التكبير لأن ابن عباس أثبته ولم يتعرض له بلال وأما الصلاة فإثبات بلال أرجح لأن بلالًا كان معه يومئذٍ ولم يكن معه ابن عباس وإنما استند في نفيه تارة إلى أسامة وتارة إلى أخيه الفضل مع أنه لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة.

وقد روى أحمد

(4)

من طريق ابن عباس عن أخيه الفضل نفي الصلاة فيها، فيحتمل أن يكون تلقاه عن أسامة فإنه كان معه. وقد روى عنه نفي الصلاة في الكعبة أيضًا مسلم

(5)

من طريق ابن عباس. ووقع إثبات صلاته فيها عن أسامة من رواية ابن عمر عنه

(6)

فتعارضت الروايات في ذلك فتترجح رواية بلال من جهة أنه مثبت وغيره ناف، ومن جهة أنه لم يختلف عنه في الإثبات، واختلف على من نفي.

وقال النووي

(7)

وغيره: يجمع بين إثبات بلال ونفي أسامة بأنهم لما دخلوا

(1)

في الفتح (1/ 560).

(2)

في صحيحه رقم (1601) من حديث ابن عباس.

(3)

في "الفتح"(3/ 468).

(4)

في المسند (1/ 212) بسند صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (395/ 1330).

قلت: وأخرجه البخاري رقم (398).

(6)

عند أحمد في المسند (5/ 204) بسند صحيح.

(7)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 82 - 83).

ص: 526

الكعبة اشتغلوا بالدعاء فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فاشتغل بالدعاء في ناحية والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه منه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله، ولأن بإغلاق الباب تكون الظلمة مع احتمال أنه يحجب عنه بعض الأعمدة فنفاها عملًا بظنه".

وقال المحب الطبري

(1)

: يحتمل أن يكون أسامة غاب عنه بعد دخوله لحاجة فلم يشهد صلاته، ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي

(2)

في مسنده عن أسامة: "قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة فرأى صورًا فدعا بدلو من ماء فأتيته به فضرب به الصور" قال الحافظ: هذا إسناده جيد.

قال القرطبي

(3)

: فلعله استصحب النفي لسرعة عوده انتهى.

وقد روى عمر بن شبة

(4)

في كتاب مكة عن علي بن بذيمة

(5)

قال: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة ودخل معه بلال وجلس أسامة على الباب فلما خرج وجد أُسامة قد احتبى فأخذ حبوته فحلها" الحديث فلعله احتبى فاستراح فنعس فلم يشاهد صلاته، فلما سئل عنها نفاها مستصحبًا للنفي لقصر زمن احتبائه وفي كل ذلك نفي رؤيته لا ما في نفس الأمر. ومنهم من جمع بين الحديثين بغير الترجيح وذلك، من وجوه.

(الأول) أن الصلاة المثبتة هي اللغوية، والمنفية الشرعية. (والثاني) يحتمل أن يكون دخول البيت وقع مرتين، قاله المهلب شارح البخاري.

(1)

انظر: "القرى لقاصد أم القرى" له ص 501 ن: دار الفكر - بيروت ط 2.

(2)

في المسند (ص 87 رقم 623) بسند ضعيف. لضعف عبد الرحمن بن مهران، وهو المديني، مولى بني هاشم.

قال الحافظ في "التقريب" رقم (4020): "مجهول" وقد وثقه ابن حبان كعادته في توثيق المجاهيل (5/ 93).

(3)

في "المفهم"(3/ 431).

(4)

عمر بن شبة بن عبيدة بن زايد النُّميري، أبو زيد البصري: صدوق.

"التقريب"(2/ 57).

(5)

علي بن بَذِيمةَ الجزَري: ثقة، رمي بالتشيع، روى له الأربعة.

"التقريب"(2/ 32).

ص: 527

وقال ابن حبان

(1)

: "الأشبه عندي في الجمع أن يجعل [الخبرَين]

(2)

في وقتين، فيقال: لما دخل الكعبة في الفتح صلى فيها على ما رواه ابن عمر عن بلال، ويجعل نفي ابن عباس الصلاة في الكعبة في حجته التي حج فيها لأن ابن عبالص نفاها وأسنده إلى أسامة، وابن عمر أثبتها وأسند إثباته إلى بلال وإلى أسامة أيضًا فإذا حمل الخبر على ما وصفنا بطل التعارض".

قال الحافظ

(3)

: وهذا جمع حسن لكن تعقبه النووي

(4)

بأنه لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم دخل في يوم الفتح لا في حجة الوداع.

ويشهد له ما روى الأزرقي في كتاب مكة

(5)

عن غير واحد من أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح. وأما يوم حج فلم يدخلها وإذا كان الأمر كذلك فلا يمتنع أن يكون دخلها عام الفتح مرتين وبكون المراد بالوحدة وحدة السفر لا الدخول

(6)

.

(1)

في "صحيحه"(7/ 483 - 484).

(2)

في (جـ): (الخبران).

(3)

في "الفتح"(3/ 469).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 84).

(5)

في أخبار مكة (1/ 273).

(6)

في حكم صلاة الفريضة داخل الكعبة قولان (الأول):

قالت الشافعية، والحنفية، وبعض المالكية، وبعض الظاهرية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها بعض أصحابه: صلاة الفريضة داخل الكعبة صحيحة.

انظر "روضة الطالبين"(1/ 214) و"إعلام الساجد" ص 91. والمبسوط (2/ 79) و"الهداية مع شرحها البناية" (3/ 330). و "التمهيد"(15/ 319). و"المحلى"(4/ 80) المسألة (435). والمبدع (1/ 398) والإنصاف (1/ 496)، ورجح هذا القول: الشيخ المحقق عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله. وتلميذه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، والشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله.

[انظر "القواعد والأصول الجامعة"(1/ 84)، والإرشاد إلى معرفة الأحكام" ص 36، 37.

و"الشرح الممتع"(2/ 253)].

وهو قول جمهور أهل العلم

وقد اشترط بعض أصحاب هذا القول أن يكون بين يدي المصلي شيء شاخص من الكعبة يصلي إليه.

[سنن الترمذي (3/ 215) وشرح صحيح مسلم للنووي (9/ 83) وفتح الباري (3/ 466) والمجموع (3/ 196) وروضة الطالبين (1/ 215) والوسيط (2/ 583)].

(الثاني): قال ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والإمام مالك، ومحمد بن جرير =

ص: 528

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الطبري، وجماعة من الظاهرية، وهو المشهور في مذهب المالكية. وفي مذهب الحنابلة، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية: صلاة الفريضة داخل الكعبة لا تصح.

[انظر "إعلام الساجد" ص 91 والتمهيد (15/ 319) والمجموع (3/ 196) وشرح مسلم للنووي (9/ 83) وفتح الباري (3/ 466) وتحفة الراكع ص 104، الخرشي (1/ 261).

المبدع (1/ 398) الإنصاف (1/ 496) الاختيارات الفقهية ص 45].

• أدلة القول الأول

1 -

قوله تعالى في سورة البقرة الآية (125): {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} .

ففي هذه الآية أمر الله تعالى نبيه إبراهيم وإسماعيل أن يطهرا بيته - وهو الكعبة - للطائفين والعاكفين والركع السجود - وهم المصلون - فدل ذلك على صحة الصلاة داخل الكعبة - فرضها ونفلها.

[انظر تفسير القرطبي (2/ 114 - 115) وفتح الباري (3/ 440)].

2 -

قوله تعالى في سورة البقرة الآية (144): {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} .

ففي هذه الآية ما يفيد أن عمومها يتناول المصلي إليها وفيها، فشطر المسجد بمعنى جهته، وهذا يشمل استقبال جميع الكعبة أو جزء منها، وقد فسرت ذلك السنة بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الكعبة.

[انظر: "إعلام الساجد" ص 101، والشرح الممتع (2/ 253)].

3 -

الحديث الصحيح رقم (25/ 618) من كتابنا هذا.

4 -

الحديث الصحيح رقم (26/ 619) من كتابنا هذا.

5 -

ولحديث عثمان بن طلحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت فصلى ركعتين وِجَاهك حين تدخل بين الساريتين" وهو حديث صحيح لغيره.

أخرجه أحمد في المسند (3/ 410) والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(1/ 272) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 392) والطبراني في الكبير رقم (8398) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 328، 329).

6 -

ولحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة" وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد في المسند (5/ 204، 207) وابن حبان رقم (3205)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 390) بسند صحيح.

وانظر "نصب الراية" للزيلعي (2/ 320).

وهناك أدلة أخرى انظرها في الرسالة "حكم الصلاة داخل الكعبة المشرفة".

للأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الجبرين ص 33 - 51.

• أدلة القول الثاني:

1 -

قال تعالى في سورة البقرة الآية (150): {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} . =

ص: 529

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قالوا: والمصلي في جوف الكعبة غير مستقبل لجهتها، وإنما هو متوجه تلقاء البيت ببعضه، ومستدبر لبعضه.

[انظر "المغنى" (2/ 475 - 476) والمبدع (1/ 398) والفتح (3/ 466)] وقد أجاب الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 293) عن هذا الدليل وكذلك أجاب عنه الحافظ العيني في "البناية شرح الهداية"(3/ 334) وقال ابن حزم في "المحلى"(4/ 80): "كل من صلى إلى المسجد الحرام أو إلى الكعبة فلا بد له من أن يترك بعضها عن يمينه، وبعضها عن شماله، ولا فرق عند أحد من أهل الإسلام في أنه لا فرق بين استدبار القبلة في الصلاة وبين أن يجعلها على يمينه أو على شماله، فصح أنه لم يكلفنا الله عز وجل قط مراعاة هذا، وإنما كلفنا أن نقابل بأوجهنا ما قابلنا من جدار الكعبة أو من جدار المسجد قبالة الكعبة حيثما كنا فقط".

وانظر التمهيد (15/ 316، 317، 319، 320).

2 -

أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة النافلة، وقال عقب الصلاة خارج البيت وهو يشير إلى الكعبة:"هذه القبلة" - سيأتي حديث ابن عباس - لأن القبلة المأمور باستقبالها هي البنية كلها، لئلا يتوهم متوهم أن استقبال بعضها كاف في الفرض، لأنه صلى التطوع فيها، وإلا فقد علم الناس كلهم أن الكعبة في الجملة هي القبلة، فلا بد أن يكون لهذا الكلام فائدة، وعلم شيء قد يخفى ويقع في محل الشبهة.

[الاختيارات الفقهية ص 45، تفسير القرطبي (2/ 116) وحاشية الروض المربع (1/ 544)].

وقد أجاب الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 389) عن هذا الاستدلال.

وكذلك البغوي في شرح معاني الآثار (2/ 334).

[وانظر شرح مسلم للنووي (9/ 87) والمجموع (3/ 191)].

3 -

حديث ابن عباس قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت، دعا في نواحيه كلها. ولم يصلِّ حتى خرَجَ منه فلما خرج ركع ركعتين في قُبْلِ الكعبة. وقال:" هذه القبلة". وهو حديث صحيح.

أخرجه البخاري رقم (398) ومسلم رقم (395/ 1330).

وقد تقدم الكلام للنووي في شرحه لصحيح مسلم (9/ 82 - 83). والحافظ في الفتح (3/ 469) وغيرهما.

والخلاصة: بعد استعراض أدلة الفريقين تبين لي رجحان القول الأول وهو القول بصحة صلاة الفريضة داخل الكعبة لقوة الأدلة وسلامتها من الاعتراضات المؤثرة. ولضعف أدلة القول الثاني والله أعلم.

• في حكم صلاة النافلة داخل الكعبة:

(الأول): يشرع فعل جميع النوافل في جوف الكعبة، وهذا قول عائشة، وعبد الله بن =

ص: 530

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عمر، وعبد الله بن الزبير، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم وروي عن الحسين بن علي، ومحمد بن الحنفية رضي الله عنهم وقال به سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعطاء بن رباح، وصدقة بن يسار، وعبد الرزاق الصنعاني، وسعيد بن جبير. وقال به الإمام أحمد في الرواية المشهورة عنه، وهو مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية. وهو قول جمهور أهل العلم. وقد ذكر بعض أصحاب هذا القول أنه يجب أن يكون بين يديه شيء شاخص من الكعبة.

(الثاني): لا يجوز فعل النافلة في جوف الكعبة: وهذا قول ابن عباس، وقال به الإمام مالك في رواية عنه، والإمام أحمد في رواية عنه، ومحمد بن جرير الطبري، وأصبغ بن الفرج المالكي، وابن حبيب المالكي، وجماعة من الظاهرية.

• دليل القول الأول:

1 -

أخرج مالك في الموطأ (1/ 324) وعبد الرزاق في المصنف رقم (9155) والأزرقي في أخبار مكة (1/ 312) وأبو يعلى في مسنده (7/ 328 رقم 4364) عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما أبالي صليت في الحجر أو في الكعبة.

وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

2 -

أخرج أحمد (2/ 45، 46، 82) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 391) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 328) وابن حبان رقم (3200) عن سِمَاك الحنفي قال: سمعت ابن عمر يقول: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، وسيأتي من ينهى عن ذلك، وابنُ عباس جالس إلى جنبه" إسناده صحيح.

3 -

أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 393) بسنده عن عمرو بن دينار قال: رأيت ابن الزبير يصلي في الحجر. وإسناده صحيح.

4 -

أخرج الإمام أحمد في المسند (6/ 14) عن سعيد بن العاص قال: اعتمر معاوية فدخل البيت، فأرسل إلى ابن عمر وجلس ينتظره حتى جاءَه، فقال: أينَ صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ دخلَ البيت؟ قال: ما كنت معه، ولكني دخلتُ بعد أن أراد الخروجَ، فلقيتُ بلالًا فسألته: أينَ صلَّى؟ فأخبرني أنه صلَّى بين الأسطوانتين. فقام معاوية فصلَّى بينهما".

إسناده صحيح على شرط الشيخين.

[وانظر مصنف عبد الرزاق رقم (9070) ومصنف ابن أبي شيبة (4/ 12) والتمهيد (24/ 414) والإنصاف (1/ 497) وتحفة الراكع ص 104. والمبسوط (2/ 79) والهداية شرح البناية (3/ 330) وإعلام الساجد ص 91.

والكافي لابن قدامة (1/ 110) والاختيارات لابن تيمية ص 45 ومجموع الفتاوى (26/ 145) وشرح السنة للبغوي (2/ 332) والمجموع (3/ 194).

• دليل القول الثاني: =

ص: 531

[الباب الثامن] باب الصلاة في السفينة

27/ 620 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]

(1)

قالَ: سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ أصَلِّي في السَّفينَة؟ قالَ: "صَل فِيها قائمًا، إلَّا أَنْ تَخَافَ الْغَرَقَ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنيُّ

(2)

والْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ الله في الْمُسْتَدْركَ

(3)

على شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ).

الحديث رواه الحاكم من طريق جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر وقال: على شرط مسلم، قال: وهو شاذّ بمرّة.

الحديث يدل على وجوب الصلاة من قيام في السفينة ولا يجوز القعود إلا

= 1 - حديث ابن عباس الذي أخرجه البخاري رقم (398) ومسلم رقم (395/ 1330) وقد تقدم.

2 -

قول الله تعالى في سورة البقرة الآية (150): {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وقد تقدم الكلام عليها.

[وانظر "عارضة الأحوذي (4/ 103) والتمهيد (15/ 319) (24/ 414، 415) والإنصاف (1/ 497) وتحفة الراكع ص 104، والبناية (3/ 332) وشرح معاني الآثار (1/ 389) والعقد الثمين (1/ 66)].

وخلاصة القول: أن الصحيح أيضًا جواز صلاة النافلة داخل الكعبة، وأن القول بعدم صحتها فيها قول ضعيف لمخالفة السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

انظر رسالة "حكم الصلاة داخل الكعبة المشرفة" للأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الجبرين فقد أجاد وأفاد واستقصى كل الأقوال والأدلة وقد استفدت منها في هذه المسألة ولله الحمد والمنة.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في السنن رقم (1/ 395).

(3)

في المستدرك (1/ 275) وقال: "صحيح الإسناد على شرط مسلم. ولم يخرجاه، وهو شاذ بمرة".

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (3/ 155) وقال: في إحدى طرقه: "حسن".

وعلَّق البخاري في صحيحه (1/ 488 - مع الفتح): "صلى جابرٌ وأبو سعيد، في السفينة قائمًا".

ووصله ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 266) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 155).

وانظر: "شرح السنة"(2/ 414) وتغليق التعليق (2/ 217).

ص: 532

لعذر مخافة غرق أو غيره

(1)

لأن مخافة الغرق تنفي عنه الاستطاعة، وقد قال الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}

(2)

وثبت من حديث ابن عباس: "إذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"

(3)

وهي أيضًا عذر أشد من المرض.

وقد أخرج الدراقطني

(4)

من حديث علي: "أنه صلى الله عليه وسلم قال: يصلي المريض قائمًا إن استطاع فإن لم يستطع صلى قاعدًا فإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه فإن لم يستطع يصلي قاعدًا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة فإن لم يستطع أن يصلي عى جنبه الأيمن صلَّى مستلقيًا رجلاه مما يلي القبلة" وفي إسناده حسين بن زيد

(5)

ضعفه ابن المديني والحسن بن الحسين العربي وهو متروك، وقال النووي

(6)

: هذا حديث ضعيف، وأخرج البزار

(7)

والبيهقي في المعرفة

(8)

من حديث جابر مرفوعًا بلفظ: "صلّ على الأرض إن

(1)

هذا هو الراجح لقوة الأدلة.

انظر: "المجموع شرح المهذب"(3/ 222). و"البناية في شرح الهداية" 2/ 778 - 780) وفتح الباري (1/ 489) والشرح الكبير (2/ 89 - بذيل المغني).

(2)

سورة التغابن: الآية 16.

(3)

وهو حديث صحيح.

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1337) والنسائي في السنن (5/ 110، 111).

(4)

في السنن (2/ 42 رقم 1). والحديث فيه: حسين بن زيد: ضعفه علي بن المديني، والحسن بن الحسين العرني. قال الحافظ: هو متروك. وقال النووي: هذا حديث ضعيف.

قلت: ويغني عنه الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (1117) وأبو داود رقم (952) والترمذي رقم (372) وابن ماجه رقم (1223) والنسائي (3/ 223 - 224) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 155).

عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسيرُ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاةِ، فقال:"صلِّ قائمًا، فإن لم تستطِع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب".

(5)

انظر: "تهذيب التهذيب"(1/ 423) والميزان (1/ 535) والكامل لابن عدي (2/ 350).

(6)

في "الخلاصة"(1/ 341 رقم 1028).

(7)

في المسند (رقم: 568 - كشف). قلت: وأخرجه أبو يعلى في المسند (رقم: 44/ 1811).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 148) وقال: رواه البزار وأبو يعلى بنحوه ورجال البزار رجال الصحيح".

(8)

في "معرفة السنن والآثار"(3/ 225 رقم 4359).

ص: 533

استطعت وإلا فأوم إيماءً واجعل سجودك أخفض من ركوعك" قال أبو حاتم

(1)

: الصواب أنه موقوف ورفعه خطأ.

[الباب التاسع] باب صلاة الفرض على الراحلة لعذر

28/ 621 - (عَن يَعْلى بْنِ مُرَّةَ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم انتَهى إلَى مَضيقٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ على رَاحِلَتِهِ، وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فأمَرَ الْمُؤذِّنَ فأذَّنَ وَأَقَامَ ثم تَقَدَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم على رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئ إيمَاءً يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

والتِّرمِذِيُّ)

(4)

. [ضعيف]

الحديث أخرجه أيضًا النسائي

(5)

والدارقطني

(6)

، وقال الترمذي

(7)

: حديث غريب تفرَّدَ بهِ عُمَرُ بنُ الرماحِ. وثبت ذلك عن أنس من فعله، وصححه عبد الحق

(8)

، وحسنه النووي

(9)

، وضعفه البيهقي

(10)

.

وهو يدل على ما ذهب إليه البعض من صحة صلاة الفريضة على الراحلة كما تصح على السفينة بالإجماع.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

وهو كما قال رحمه الله.

(3)

في المسند (4/ 174).

(4)

في السنن رقم (411).

(5)

قال أبو الأشبال في تعليقه على سنن الترمذي (2/ 268): وأما النسائي فلم يروه أصلًا.

(6)

في السنن رقم (1/ 380 - 381).

قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير (ج 22 رقم 663) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 7) والخطيب في "تاريخه"(11/ 182 - 183).

(7)

في السنن رقم (2/ 267).

(8)

في "الأحكام الوسطى"(2/ 41).

(9)

بل قال النووي في المجموع (3/ 115): إسناده جيد. وليس كما قال.

(10)

في السنن الكبرى (7/ 2) حيث قال: "وفي إسناده ضعف ولم يثبت من عدالة بعض رواته ما يوجب خبره ويحتمل أن يكون ذلك في شدة الخوف".

وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام"(4/ 178 - 179 رقم 1648)"وعمرو بن عثمان، لا تعرف حاله، وكذلك أبوه عثمان" اهـ.

وخلاصة القول أن الحديث ضعيف.

ص: 534

ويعارض هذا حديث عامر بن ربيعة الآتي

(1)

وستعرف الكلام على ذلك هنالك.

وقد صحح الشافعي الصلاة المفروضة على الراحلة بالشروط التي ستأتي

(2)

.

وحكى النووي في شرح مسلم

(3)

والحافظ في الفتح

(4)

الإِجماع على عدم جواز ترك الاستقبال في الفريضة. قال الحافظ: لكن رخص في شدة الخوف، وحكى النووي

(5)

أيضًا الإِجماع على عدم جواز صلاة الفريضة على الدابة [قال]

(6)

: فلو أمكنه استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود على دابة واقفة عليها هودج أو نحوه جازت الفريضة على الصحيح من مذهبنا فإن كانت سائرة لم تصح على الصحيح المنصوص للشافعي. وقيل: تصح كالسفينة فإنه تصح فيها الفريضة بالإِجماع، ولو كان في ركب وخاف لو نزل للفريضة انقطع عنهم ولحقه الضرر قال أصحابنا: يصلي الفريضة على الدابة بحسب الإِمكان ويلزمه إعادتها لأنه عذر نادر" انتهى.

والحديث يدل على جواز صلاة الفريضة على الراحلة ولا دليل يدل على اعتبار تلك الشروط إلا عمومات يصلح هذا الحديث لتخصيصها

(7)

وليس في الحديث إلا ذكر عذر المطر ونداوة الأرض فالظاهر صحة الفريضة على الراحلة في السفر لمن حصل له مثل هذا العذر وإن لم يكن في هودج، إلا أن يمنع من ذلك إجماع ولا إجماع.

فقد روى الترمذي في جامعه

(8)

عن أحمد وإسحاق أنهما يقولان بجواز الفريضة على الراحلة إذا لم يجد موضعًا يؤدي فيه الفريضة نازلًا.

(1)

برقم (29/ 622) من كتابنا هذا.

(2)

خلال شرح الحديث رقم (29/ 622) من كتابنا هذا.

(3)

(5/ 211).

(4)

(2/ 575).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 211).

(6)

في المخطوط (ب): (قالوا).

(7)

قلت: لا يصلح هذا الحديث لتخصيصها لأنه حديث ضعيف كما عرفت.

(8)

(2/ 268).

ص: 535

ورواه العراقي في شرح الترمذي عن الشافعي.

قوله: (والسماء من فوقهم) المراد بالسماء هنا المطر قال الشاعر

(1)

:

إذا نَزَلَ السماءُ بأرضِ قومٍ

رَعَيْنَاهُ وإن كانُوا غِضابًا

قال الجوهري

(2)

: يقال ما زلنا نطأ في السماء حتى أتيناكم.

قوله: (والبِلَّةُ) بكسر الباء الموحدة وتشديد اللام قال الجوهري

(3)

: البلة بالكسر: النداوة.

قال المصنف

(4)

رحمه الله: وإنما ثبتت الرخصة إذا كان الضرر بذلك بينا، فأما اليسير فلا.

روى أبو سعيد الخدري: "قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر الطين في جبهته" متفق عليه

(5)

" انتهى.

وسيأتي حديث أبي سعيد

(6)

هذا بطوله في باب الاجتهاد في العشر الأواخر من كتاب الاعتكاف.

واستدلال المصنف على تقييده لجواز صلاة الفريضة على الراحلة بالضرر البين بحديث أبي سعيد غير متجه، لأن سجوده على الماء والطين كان في الحضر وكان معتكفًا على أنه لا نزاع أن السجود على الأرض مع المطر عزيمة فلا يكون صالحًا لتقييد هذه الرخصة.

29/ 622 - (وَعَنْ عامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُو على رَاحِلَتِهِ يُسَبِّحُ يُومِئُ برأسِهِ قِبَلَ أيَّ وِجْهَةٍ توَجَّه، وَلَمْ يَكُنْ يَصْنَعُ ذلِكَ في الصلاةِ

(1)

وهو مُعَوِّدُ الحكماء: معاويةُ بن مالك. وقد سُمِّي بذلك لقوله في هذه القصيدة.

أعَوِّدُ مثلَها الحكماءَ بعدي

إذا ما الحقُّ في الحَدثانِ نابا

"لسان العرب"(6/ 379).

(2)

في "الصحاح"(6/ 2382).

(3)

في "الصحاح"(4/ 1640).

(4)

ابن تيمية الجد في المنتقى (1/ 327).

(5)

البخاري رقم (836) ومسلم رقم (215/ 1167).

(6)

برقم (22/ 1776) من كتابنا هذا.

ص: 536

الْمَكْتُوبَةِ. مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(1)

.

وفي الباب عن جابر عند البخاري

(2)

وأبي داود

(3)

والترمذي وصححه

(4)

.

وعن أنس عند الشيخين

(5)

وأبي داود

(6)

والنسائي

(7)

.

وعن ابن عمر عند أبي داود

(8)

والنسائي

(9)

.

وأخرجه البخاري

(10)

من فعل ابن عمر.

وأخرجه مسلم

(11)

عنه مرفوعًا بنحو ما عند أبي داود والنسائي.

وعن أبي سعيد عند أحمد

(12)

.

(1)

البخاري رقم (1093، 1097، 1104) ومسلم رقم (701) وأحمد في المسند (3/ 444).

(2)

في صحيحه رقم (400).

(3)

في سننه رقم (1227).

(4)

في سننه رقم (351) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (1798) والبيهقي (2/ 6) وابن الجارود في المنتقى رقم (227) وابن خزيمة رقم (976) وابن حبان رقم (2521) وغيرهم.

(5)

البخاري رقم (1100) ومسلم رقم (41/ 702).

(6)

في السنن رقم (1225).

(7)

في السنن (2/ 60).

قلت: وأخرجه أبو عوانة (2/ 345) والبيهقي (2/ 5) ومالك في الموطأ (1/ 151) وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 495).

(8)

في السنن رقم (1224).

(9)

في السنن (1/ 243 - 244).

قلت: وأخرجه البخاري رقم (1098) ومسلم رقم (39/ 700) وابن الجارود رقم (270) وابن خزيمة رقم (1090) وأبو عوانة (2/ 342) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 428) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 6).

عن سالم قال: كان عبد الله بن عمر يصلي على دابته من الليل وهو مسافرٌ، ما يُبالي حيث كان وجهه.

قال ابن عمر: وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسَبِّحُ على الراحلة قِبَلَ أيِّ وَجهةٍ توجه، ويوتر عليها، غيرَ أنه لا يُصلي عليها المكتوبة".

(10)

في صحيحه رقم (1098) كما تقدم أعلاه.

(11)

في صحيحه رقم (39/ 700) كما تقدم أعلاه.

(12)

في المسند (3/ 73). =

ص: 537

وعن سعد بن أبي وقاص عند البزار

(1)

، وفي إسناده ضرار بن صرد وهو ضعيف

(2)

.

وعن شقران عند أحمد

(3)

، وفي إسناده مسلم بن خالد وثقه الشافعي وابن حبان وضعفه غير واحد

(4)

، ورواه أيضًا الطبراني في الكبير

(5)

والأوسط

(6)

.

وعن الهرماس عند أحمد

(7)

أيضًا، وفي إسناده عبد الله بن واقد الحراني

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 162) وقال: "حديث ابن عمر في الصحيح باختصار، وحديث أبي سعيد رواه أحمد - (3/ 73) - والبزار - (رقم 691 - كشف) - وفي إسنادهما محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام" اهـ.

• وابن أبي ليلى: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة، أحد الفقهاء ليس بالقوي في الحديث. وقال أحمد: مضطرب الحديث. وقال ابن معين: ليس بذاك.

وقال يحيى القطان: سيء الحفظ جدًّا.

انظر التاريخ الكبير (1/ 162) والمجروحين (2/ 243) والجرح والتعديل (7/ 322) والميزان (3/ 613) والتقريب (2/ 184) والمغني (2/ 603) والخلاصة ص 348.

وخلاصة القول أن حديث أبي سعيد حديث صحيح لغيره والله أعلم.

(1)

في المسند (رقم 690 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 162) وقال: رواه البزار وفيه ضِرار بن صُرَد وهو ضعيف".

(2)

ضِرار بن صُرَد، أبو نعيم، متروك الحديث قاله البخاري والنسائي وغيرهما، وقال أبو حاتم: صدوق لا يحتج به، وقال الدارقطني: ضعيف.

انظر التاريخ الكبير (3/ 440) والمجروحين (1/ 380) والجرح والتعديل (4/ 465) والمغني (1/ 312) والميزان (2/ 327) والتقريب (1/ 374) والخلاصة ص 177 - ولسان الميزان (7/ 250).

(3)

في المسند (3/ 495).

قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير"(ج 8 رقم 7410) وفي الأوسط رقم (2761) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 162): وقال: "وفيه مسلم بن خالد الزنجي ضعفه أحمد وغيره، ووثقه الشافعي وابن حبان وأبو أحمد بن عدي".

(4)

مُسْلِم بن خالِد الزنجي: ضعيف.

انظر التاريخ الكبير: (7/ 260) والجرح والتعديل (8/ 183) والكاشف (3/ 123) والمغني (2/ 655) والميزان (4/ 102) والتقريب (2/ 245) ولسان الميزان (7/ 385) والخلاصة ص 377.

(5)

رقم (7410) كما تقدم آنفًا.

(6)

رقم (2761) كما تقدم آنفًا.

(7)

في المسند (3/ 485) بسند ضعيف.

ص: 538

مختلف فيه

(1)

. ورواه الطبراني

(2)

أيضًا.

وعن أبي موسى عند أحمد

(3)

أيضًا وفي إسناده يونس بن الحارث وثقه ابن معين في رواية عنه وابن حبان وابن عدي، وضعفه أحمد وغير واحد

(4)

، ورواه الطبراني في الأوسط

(5)

.

والحديث يدل على جواز التطوّع على الراحلة للمسافر قبل جهة مقصده وهو إجماع كما قال النووي

(6)

والعراقي والحافظ

(7)

وغيرهم.

وإنما الخلاف في جواز ذلك في الحضر فجوزه أبو يوسف وأبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي وأهل الظاهر.

قال ابن حزم

(8)

: وقد روينا عن وكيع عن سفيان عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يصلون على رحالهم ودوابهم حيثما توجهت قال: وهذه حكاية عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم عمومًا في الحضر والسفر.

قال النووي

(9)

: وهو محكي عن أنس بن مالك انتهى.

قال العراقي: استدل من ذهب إلى ذلك بعموم الأحاديث التي لم يصرح

(1)

عبد الله بن واقد الحَراني، أبو قتادة: متروك، قاله البخاري والنسائي.

وقال أبو زرعة والدارقطني: ضعيف. وقال أبو حاتم: ذهب حديثه.

انظر التاريخ الكبير: (5/ 219) والمجروحين (2/ 29) والجرح والتعديل (5/ 191) والكاشف (2/ 125) والمغني (1/ 361) والميزان (2/ 517) والتقريب (1/ 459) ولسان الميزان (3/ 374) والخلاصة ص 218.

(2)

في الكبير (ج 22 رقم 537) بسند ضعيف.

(3)

في المسند (4/ 413).

قلت: وأخرجه الطبراني في الأوسط رقم (2427).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 162) وقال: "وفيه يونس بن الحارث ضعفه أحمد وغيره، ووثقه ابن حبان وأبو أحمد بن عدي، وابن معين في رواية".

(4)

يونس بن الحارث الطائفي. ضعيف.

انظر: "التاريخ الكبير"(8/ 409) والمجروحين (3/ 140) والجرح والتعديل (9/ 237) والميزان (4/ 479) والتقريب (2/ 384) ولسان الميزان (7/ 448) والخلاصة ص 440.

(5)

في الأوسط رقم (2427) كما تقدم آنفًا.

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 210).

(7)

في "فتح الباري"(2/ 575).

(8)

في "المحلى"(3/ 58).

(9)

في شرحه صحيح مسلم (5/ 211).

ص: 539

فيها بذكر السفر وهو ماش على قاعدتهم في أنه لا يحمل المطلق على المقيد بل يعمل بكل منهما، فأما من يحمل المطلق على المقيد وهم جمهور العلماء فحمل الروايات المطلقة على المقيدة بالسفر انتهى.

وظاهر الأحاديث المقيدة بالسفر عدم الفرق بين السفر الطويل والقصير، وإليه ذهب الشافعي وجمهور العلماء

(1)

.

وذهب مالك

(2)

إلى أنه لا يجوز إلا في سفر تقصر فيه الصلاة وهو محكي عن الشافعي ولكنها حكاية غريبة

(3)

، وذهب إليه الإمام يحيى

(4)

.

ويدل لما قالوه ما في رواية رزين

(5)

من حديث جابر بزيادة في سفر القصر فإن صحت هذه الزيادة وجب حمل ما أطلقته الأحاديث عليها.

وظاهر الأحاديث أن الجواز مختص بالراكب، وإليه ذهب أهل الظاهر

(6)

وأبو حنيفة

(7)

وأحمد بن حنبل

(8)

. وقال الأوزاعي والشافعي

(9)

: إنه يجوز

(1)

قال الوزير بن هبيرة في كتابه "الإفصاح عن معاني الصحاح في مذاهب الأئمة الأربعة"(1/ 249): "م 11 - وأجمعوا: على جواز التنفل على الراحلة، وصلوات السنن الراتبة عليها حيث توجهت به في السفر الطويل.

ثم اختلفوا: في جواز النفل في السفر القصير، فقال الشافعي وأحمد: يجوز. وقال مالك: لا يجوز إلا في السفر الطويل. وعن أبي حنيفة روايتان: إحداهما كمذهب مالك، والأخرى يجوز خارج المصر وإن لم ينو سفرًا".

(2)

قال ابن عبد البر في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"(4/ 408 - 409): "واختلف الفقهاء في المسافر سفرًا لا تقصر في مثله الصلاة. هل له أن يتنفل على راحلته. ودابته أم لا؟ فقال مالك وأصحابه والثوري؛ لا يتطوع على الراحلة إلا في سفر تقصر في مثله الصلاة.

وحجتهم في ذلك: أن الأسفار التي حكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتطوع فيها على راحلته كانت مما تقصر فيها الصلاة، فالواجب أن لا يصلي إلى غير القبلة إلا في الحال التي وردت بها السنة لا تتعدى" اهـ.

(3)

ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (5/ 210 - 211).

(4)

البحر الزخار (1/ 205).

(5)

لم أعثر عليه؟!

(6)

"المحلى"(3/ 58).

(7)

البناية في شرح الهداية (2/ 651 - 653).

(8)

المغني (3/ 155 - 157).

(9)

في "الأم"(2/ 115) رقم (1229) قال: "إذا كان المسافر ماشيًا، لم يُجزه أن يصلي =

ص: 540

للراجل، قال المهدي في البحر

(1)

: وهو قياس المذهب واستدلوا بالقياس على الراكب.

وظاهر الأحاديث اختصاص ذلك بالنافلة كما صرح في حديث الباب وغيره بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك في المكتوبة وقد تقدم الخلاف في ذلك في الحديث الذي قبل هذا، ونفي فعل ذلك في المكتوبة وإن كان ثابتًا في الصحيحين

(2)

وغيرهما، لكن غاية ما فيه أنه أخبرنا النافي بما علم، وعدم علمه لا يستلزم العدم، فالواجب علينا العمل بخبر من أخبرنا بشرع لم يعلمه غيره، لأن من علم حجة على من لم يعلم، وكثيرًا ما يرجح أهل الحديث ما في الصحيحين على ما في غيرهما في مثل هذه الصورة وهو غلط أوقع في مثله الجمود فليكن منك هذا على ذكر.

قوله: (يسبح) أي يتنفل والسُبْحة بضم السين وإسكان الباء: النافلة قاله النووي

(3)

، وإطلاق التسبيح على النافلة مجاز، والعلاقة الجزئية والكلية أو اللزوم لأن الصلاة المخلصة يلزمها التنزيه.

[الباب العاشر] باب اتخاذ متعبدات الكفار ومواضع القبور إذا نبشت مساجد

30/ 623 - (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ [رضي الله تعالى عنه]

(4)

أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَهُ أنْ يَجعَلَ مَسجدَ الطَّائِفِ حَيْثُ كانَ طَوَاغِيتُهُمْ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(5)

وابْنُ ماجَهْ

(6)

. [ضعيف]

= حتى يستقبل القبلة، فيكبر، ثم ينحرف إلى جهته فيمشي، فإذا حضر ركوعه لم يجزه في الركوع ولا في السجود إلَّا أن يركع ويسجد بالأرض، لأنه لا مؤنة عليه في ذلك فهي على الراكب".

(1)

البحر الزخار (1/ 205).

(2)

تقدم برقم (29/ 622) من كتابنا هذا.

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 211).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في سننه رقم (450).

(6)

في سننه رقم (743). =

ص: 541

قالَ البُخاريُّ

(1)

: وقالَ عُمَرُ: إنَّا لَا نَدْخُلُ كنَائِسَهمْ مِنْ أجْلِ التَّمَاثِيلِ التي فِيهَا الصُّورُ.

قال

(2)

: وكانَ ابْنُ عباسٍ يُصَلِّي في البيعَةِ إلَّا بِيعَةً فِيهَا التَمَاثيلُ).

الحديث رجال إسناده ثقات، ومحمد بن عبد الله بن عياض الطائفي المذكور في إسناد هذا الحديث ذكره ابن حبان في الثقات

(3)

، وكذلك أبو همام ثقة واسمه محمد بن محمد

(4)

الدِّلال البصري

(5)

، وعثمان بن أبي العاص المذكور هو الثقفي أمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حين استعمله على الطائف.

قوله: (طواغيتهم) جمع طاغوت وهو بيت الصنم الذي كانوا يتعبدون فيه لله تعالى ويتقربون إليه بالأصنام على زعمهم.

والحديث يدل على جواز جعل الكنائس والبيع وأمكنة الأصنام مساجد، وكذلك فعل كثير من الصحابة حين فتحوا البلاد، جعلوا متعبداتهم متعبدات للمسلمين وغيروا محاريبها.

قوله: (وقال عمر) هذا ذكره البخاري تعليقًا (1) ووصله عبد الرزاق

(6)

من

= وفي سنده محمد بن عبد الله بن عياض لم يوثقه غير ابن حبان (5/ 378) وباقي رجاله ثقات.

وقد ضعفه المحدث الألباني في ضعيف أبي داود وضعيف ابن ماجه.

(1)

أخرجه البخاري تعليقًا (1/ 531 - مع الفتح) وقال الحافظ في "الفتح"(1/ 531) وهذا الأثر وصله عبد الرزاق - في المصنف (1619) - من طريق أسلم مولى عمر

(2)

البخاري تعليقًا (1/ 531 - مع الفتح).

وقال الحافظ في "الفتح"(1/ 532): ووصله البغوي في "الجعديات" وزاد فيه "فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر".

(3)

(5/ 378).

وقال عنه ابن حجر في "التقريب"(2/ 279): مقبول.

(4)

كذا في المخطوط (أ، ب) والصواب (مُحَبَّب) كما سيأتي.

(5)

هو محمد بن مُحَبَّب، بموحدتين بعد المهملة، وزن محمد، القرشي، أبو همَّام الدَّلَّال البصري: ثقة. من العاشرة مات سنة إحدى وعشرين، ووهِمَ الحاكمُ، فقال: إن البخاري روى له. بل روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. "التقريب" رقم (6265).

(6)

في "المصنف" رقم (1619).

ص: 542

طريق أسلم مولى عمر، قال: لما قدم عمر الشام صنع له رجل من النصارى طعامًا وكان من عظمائهم وقال: أحب أن [تجيبني وتكرمني]

(1)

، [فقال]

(2)

له عمر: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها يعني التماثيل.

قوله: (من أجل التماثيل) هو جمع تمثال بمثناة ثم مثلثة بينهما ميم. قال الحافظ

(3)

: وبينه وبين الصورة عموم وخصوص مطلق، فالصورة أعم.

قوله: (التي فيها الصور) الضمير يعود على الكنسية والصور بالجر بدل من التماثيل أو بيان لها أو بالنصب على الاختصاص، أو بالرفع، أي أن التماثيل مصورة والضمير على هذا للتماثيل. وفي رواية الأصيلي

(4)

بزيادة الواو العاطفة.

قوله: (وكان ابن عباس) هذا ذكره البخاري تعليقًا

(5)

، ووصله البغوي في الجعديات

(6)

وزاد فيه "فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر". والأثران يدلان على جواز دخول البيع والصلاة فيها، إلا إذا كان فيها تماثيل. وقد تقدم الكلام في ذلك. والبيعة: صومعة الراهب. قاله في المحكم

(7)

.

وقيل: كنيسة النصارى. قال الحافظ

(8)

: والثاني هو المعتمد وهي بكسر

(1)

في (جـ): (يجيبني ويكرمني).

(2)

في (أ) و (جـ): (قال).

(3)

في "الفتح"(1/ 531).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 531).

(5)

سبق تخريجه في الصفحة السابقة.

(6)

كما ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 532).

(7)

اسم الكتاب: "المحكم والمحيط الأعظم في اللغة" لابن سيده. أبو الحسن، علي بن إسماعيل الأندلسي. المتوفي سنة (458 هـ). مطبوع سنة 1958 م.

قام بتحقيقه مجموعة من الباحثين. هم: مصطفى السقا، وحسين نصار، وعبد الستار أحمد فراج، وعائشة عبد الرحمن، وإبراهيم الأبياري، ومراد كامل.

نشروه في القاهرة، عن معهد المخطوطات العربية. مصطفى البابي الحلبي.

• قال السهيلي في "الروض الأنف"(2/ 128): "تعثَّر في "المحكم" وغيره عثراتٍ يدمي منها الأظَلُّ - أي بطن الإصبع - ويدحض دَحَضات تُخرجه إلى سبيل من ضَلَّ، حتى إنه قال في الجمار: هي التي ترمى بعرفة!! ".

• وقد اعتذر ابن حجر عن كلامه هذا في "لسان الميزان"(4/ 205 - 206) فقال بعد أن أورد قول السهيلي: "قلت: والغالط في هذا يعذر (!) لكونه لم يكن فقيهأ، ولم يحج، ولا يلزم من ذلك أن يكون غلط في اللغة التي هي فنُّه الذي يحقق به من هذا القبيل".

[معجم المصنفات الواردة في فتح الباري: (ص 352 - 353)].

(8)

في "الفتح"(1/ 531).

ص: 543

الباء، قال: ويدخل في حكم البيعة الكنيسة وبيت المدراس والصومعة وبيت الصنم وبيت النار ونحو ذلك.

قال ابن رسلان: وفي الحديث أنه كان يصلي في البيعة وهي كنيسة أهل الكتاب.

31/ 624 - (وَعَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بْنِ عَليّ عَن أبِيهِ [رضي الله تعالى عنهم]

(1)

قالَ: خَرَجْنَا وَفْدًا إلى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَبايَعْناهُ وَصَلَّيْنا مَعهُ وَأَخْبَرْنَاهُ أن بأرْضِنا بِيعَةً لَنَا وَاستَوْهَبْناهُ مِنْ فَضلِ طَهُورِهِ فَدَعا بِمَاءٍ فَتَوضأ وَتَمَضْمَضَ، ثمَّ صَبَّهُ في إِدَاوَةٍ وَأَمَرَنَا، فقالَ:"اخْرُجُوا فإِذَا أتيتُمْ أَرْضَكُمْ فاكْسِرُوا بِيعَتَكُمْ وَانْضَحُوا مَكانَها بِهَذَا الْمَاءِ واتَّخِذُوها مسْجدًا". رَوَاهُ النسائيُّ)

(2)

. [صحيح] الحديث أخرج نحوه الطبراني في الكبير

(3)

والأوسط

(4)

، وقيس بن طلق ممن لا يحتج بحديثه، قال يحيى بن معين

(5)

: لقد أكثر الناس في قيس بن طلق وأنه لا يحتج بحديثه، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم إن أباه وأبا زرعة قالا

(6)

: قيس بن طلق ليس ممن [تقوم]

(7)

به حجة ووهناه ولم يثبتاه. وضعفه أحمد

(8)

ويحيى بن معين في إحدى الروايتين عنه، وفي رواية عثمان بن سعيد

(9)

عنه أنه وثقه، ووثقه العجلي

(10)

، قال في الميزان

(11)

حاكيًا عن ابن القطان أنه قال: يقتضى أن يكون خبره حسنًا لا صحيحًا.

وأما من دون قيس بن طلق فهم ثقات، فإن النسائي (2) قال: أخبرنا هناد بن السريّ عن ملازم، قال: حدثني عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق، وملازم هو

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "السنن"(2/ 38 - 39) وفي السنن الكبرى رقم (708).

(3)

رقم (8241).

(4)

كما في "مجمع الزوائد"(2/ 12).

(5)

كما في "تهذيب التهذيب"(3/ 450).

(6)

كما في "الميزان"(3/ 397).

(7)

في (جـ): (يقوم).

(8)

انظر "بحر الدم"(ص 354 رقم 851).

(9)

في المخطوط (أ) و (ب) و (جـ) سيعد وهو سبق قلم والصواب سعيد وهو عثمان بن سعيد الدارمي توفي سنة 280 هـ انظر تذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 621).

(10)

في معرفة الثقات (2/ 221 رقم 1532).

(11)

(3/ 397).

ص: 544

ابن عمرو

(1)

، وثقه ابن معين والنسائي، وعبد الله بن بدر

(2)

ثقة، وأما هناد فهو الإمام الكبير المشهور. والطهور والإِداوة قد تقدم ضبطهما.

والحديث يدل على جواز اتخاذ البيع مساجد. وغيرها من الكنائس ونحوها ملحق بها بالقياس كما تقدم.

32/ 625 - (وَعَنْ أنَسٍ [رضي الله تعالى عنه] (3) أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُحِبُّ أنْ يُصَلِّيَ حَيْث أدرَكَتْهُ الصلَاةُ وَيصَلِّي في مَرَابِضِ الغَنَمِ، وَأَنه أمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِد فأرْسَلَ إلى مَلأ منْ بَنِي النَّجَّارِ، فقالَ:"يَا بنِي النَّجَّار ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا" قالُوا: لَا وَالله ما نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلَّا إلى الله [تعالى]

(3)

، فقالَ أنَسٌ: وَكانَ فِيهِ ما أقُولُ لَكُمْ قُبُورُ الْمُشْرِكينَ وَفِيهِ خربٌ وَفِيهِ نَخْلٌ فأمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِقُبورِ الْمُشْرِكِين فَنُبِشت، ثمَّ بالْخِرَبِ فَسُوِّيتْ، ثمَّ بالنَّخْلِ فقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخل قِبلةَ المَسْجِدِ وَجَعَلُوا عَضَادَتَيهِ الحِجْارَةَ وَجَعَلَوا ينْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُون والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:

"اللَّهمَّ لَا خَيْرَ إلا خَيرَ الآخِرَةِ، فاغْفِرْ للْأنْصَارِ والمُهَاجِرَةِ" مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَليهِ)

(4)

. [صحيح]

(1)

مُلازم بن عمرو السُّحيمي اليمامي. عن عبد الله بن بدْر - وهو جدّه - وثقه ابن معين، وأبو زرعة، والنسائي.

وقال أبو حاتم: صدوق. ووثقه أحمد، وروى عنه ولدهُ صالح. قال: حاله مقارب.

قلت - القائل الذهبي - لأجل هذه اللفظة أو ردتُه وإلا فالرجل صدوق.

"الميزان"(4/ 180 رقم 8755).

(2)

عبد الله بن بدر بن عميرة بن الحارث بن شِمْر، ويقال: سَمُرَة الحنفيُّ السُّحَيميُّ اليَمَاميُّ.

قال ابن معين وأبو زرعة، والعجليُّ: ثقة.

وذكره ابن حبان في الثقات.

"تهذيب التهذيب"(2/ 306).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

حذف المؤلف رحمه الله صدر الحديث، ونَصُّه - كما في صحيح البخاري رقم (428): عن أنس قال: "قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ فنزل أعلى المدينةِ في حيِّ يقالُ لهم بنو عمرو بن عوفٍ، فأقامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيهم أربعَ عشْرَةَ ليلةً، ثم أرسلَ إلى بني النجارِ فجاءوا متقلِّدي السيوفِ، كأني أنظرُ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم على راحلتِه وأبو بكرٍ رِدْفُه وملأُ بني النجار حولَهُ، حتى ألقى بفناءِ أبي أيوبَ، وكان يحبُّ

الحديث. =

ص: 545

قوله: (ثامِنوني) أي اذكروا لي ثمنه لأذكر لكم الثمن الذي أختاره، قال ذلك على سبيل المساومة فكأنه قال: ساوموني في الثمن.

قوله: (لا نطلب ثمنه إلا إلى الله) تقديره لا نطلب الثمن لكن الأمر فيه إلى الله، أو إلى بمعنى من وكذا عند الإسماعيلي لا نطلب ثمنه إلا من الله، وزاد ابن ماجه

(1)

أبدًا. وظاهر الحديث أنهم لم يأخذوا منه ثمنًا وخالف ذلك أهل السير قاله الحافظ

(2)

.

قوله: (فكان فيه) أي في الحائط الذي بنى في مكانه المسجد.

قوله: (وفيه خَرِب) قال ابن الجوزي

(3)

: المعروف فيه فتح الخاء وكسر الراء بعدها موحدة جمع خربة ككلم وكلمة. وحكى الخطابي

(4)

كسر أوله وفتح ثانيه جمع خربة كعنب وعنبة. وللكشميهني (4) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة. وقد بين أبو داود أن رواية عبد الوارث بالمعجمة والموحدة، ورواية حماد بن سلمة عن أبي التياح بالمهملة، والمثلثة قال الحافظ

(5)

: فعلى هذا فرواية الكشميهني وهم لأن البخاري إنما أخرجه من رواية عبد الوارث.

قوله: (فاغفر للأنصار)[و]

(6)

في رواية في البخاري للمستملي

(7)

= وأخرج البخاري الحديث أيضًا برقم (1868) و (2106) و (2771) و (2779) و (3932) ومسلم رقم (9/ 524) و (129/ 1805) وأحمد (3/ 118، 123، 211 - 212، 244).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (453) والنسائي (2/ 39 - 40) وأبو يعلى رقم (4180) وابن خزيمة رقم (788) وابن حبان رقم (2328) وابن ماجه رقم (742) وأبو نعيم في الحلية (3/ 83 - 84) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 438) والبغوي رقم (3765) من طرق

(1)

نصّ العبارة عند ابن ماجه "لا نأخذ له ثمنًا أبدًا".

(2)

في "الفتح"(1/ 526).

(3)

لم أجده في غريب الحديث لابن الجوزي (1/ 269 - 275) باب الخاء مع الراء. والله أعلم.

وقد حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(1/ 526).

(4)

ذكر ذلك الحافظ في "الفتح"(1/ 526).

(5)

في "الفتح"(1/ 526).

(6)

زيادة من (جـ).

(7)

المستملي هو إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم البخاري أصلًا، أبو إسحاق. قال ابن العماد في شذرات الذهب (4/ 404) ط: دار ابن كثير: "حدث بصحيح البخاري مرَّات عن الفربري، وكان ثقة صاحب حديث" مات سنة (376 هـ).

ص: 546

والحموي: "فاغفر الأنصار" بحذف اللام. قال الحافظ

(1)

: ويوجه بأنه ضمن اغفر معنى استر، وقد رواه أبو داود عن مسدد بلفظ "فانصر الأنصار".

وفي الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع وجواز نبش القبور الدارسة إذا لم تكن محترمة، وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها، وإخراج ما فيها، وجواز بناء المساجد في أماكنها، وجواز قطع النخل المثمرة للحاجة.

قال الحافظ (1): "وفيه نظر لاحتمال أن يكون ذلك مما لا يثمر إما بأن يكون ذكورًا، وإما أن يكون مما طرأَ عليه ما قطع ثمرته".

وفيه أن احتمال كونها مما لا تثمر خلاف الظاهر، فلا يناقش بمثله والأولى المناقشة باحتمال أن تكون غير مثمرة حال القطع، إن أراد المستدل بالمثمرة ما كانت الثمرة موجودة فيها حال القطع وللحديث فوائد ليس هذا محل بسطها.

وصفة بنيان المسجد ما ثبت عند البخاري

(2)

وغيره من حديث ابن عمر أنه قال: "إنَّ المسجِدَ كانَ على عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مَبْنِيًا باللَبِن وسقْفُهُ الجريدُ وعَمَده خَشَب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئًا، وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم باللَبنِ والجريدة وأعاد عمده خشبًا، ثم غيَّرهُ عثمانُ فزادَ فيه زيادةً كثيرةً وبنى جدارُهُ بالحجارةِ المنقوشةِ والقَصَّةِ

(3)

وجَعلَ عَمَدَهُ من حجارةٍ منقوشةٍ وسَقَفَهُ بالساجِ"

(4)

.

[الباب الحادي عشر] باب فضل من بنى مسجدًا

33/ 626 - (عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَفَّانَ [رضي الله تعالى عنه]

(5)

قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ بَنَى لله مَسْجِدًا بَنَى الله لَهُ مِثْلَهُ في الجَنَّةِ". مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(6)

. [صحيح]

(1)

في "الفتح"(1/ 526).

(2)

في صحيحه رقم (446).

(3)

القَصّة: بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة وهي الجص بلغة أهل الحجاز. وقال الخطابي: تشبه الجص وليست به. "الفتح"(1/ 540).

(4)

الساج: نوع من الخشب معروف يؤتى به من الهند. "الفتح"(1/ 540).

(5)

زيادة من (جـ).

(6)

أحمد في المسند (1/ 70) والبخاري رقم (450) ومسلم رقم (533).

قلت: وأخرجه الدارمي رقم (1432) وأبو عوانة (1/ 390 - 391).

ص: 547

وفي الباب عن أبي بكرة

(1)

عند الطبراني في الأوسط

(2)

وابن عدي في الكامل

(3)

وفي إسناد الطبراني وهب بن حفص وهو ضعيف، وفي إسناد ابن عدي الحكم بن يعلى بن عطاء وهو منكر الحديث

(4)

.

وعن عمر عند ابن ماجه

(5)

.

وعن علي عند ابن ماجه

(6)

أيضًا وفيه ابن لهيعة.

وعن عبد الله بن عمرو عند أحمد

(7)

، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة

(8)

.

وعن أنس عند الترمذي

(9)

وفي إسناده زياد النميري وهو

(1)

كذا في "المخطوط"(أ) و (ب) و (جـ) والصواب (عن أبي بكر) كما في مراجع الحديث الآتية.

(2)

رقم (7114).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 8) وقال: "وفيه وهب بن حفص - وهو ضعيف".

(3)

في "الكامل"(2/ 629) في ترجمة الحكم بن يعلى بن عطاء المحاربي.

(4)

قال أبو حاتم: الحكم بن يعلى بن عطاء المحاربي: متروك الحديث. وقال البخاري عنده عجائب.

قلت: - القائل الذهبي - روى عن مجالد، ويحيى بن أيوب المصري، ويُعرف أيضًا بأبي محمد الدَّغْشي.

"الميزان"(1/ 583 رقم 2211).

(5)

في سننه رقم (735).

قال البوصيري في "الزوائد"(ص 126 رقم 245): "

وإسناد حديث عمر بن الخطاب مرسلَ؛ عثمان بن عبد الله بن سراقة، روى عن عمر بن الخطاب وهو جده لأمه ولم يسمع منه قاله المِزّي في "التهذيب"

" اهـ.

وحكم الألباني على الحديث بالصحة في صحيح ابن ماجه والله أعلم.

(6)

في سننه رقم (737) بسند ضعيف لضعف ابن لهيعة.

وحكم الألباني على الحديث بالضعف في ضعيف ابن ماجه والله أعلم.

(7)

في المسند (2/ 221) بسند ضعيف. لضعف الحجاج بن أرطاة.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 7) وقال: رواه أحمد وفيه الحجاج ابن أرطاة وهو متكلم فيه".

ولفظه: "من بنى لله مسجدًا، بُني له بيت أوسَعُ منه في الجنة".

وهو حديث صحيح دون قوله "أوسع" والله أعلم.

(8)

انظر ترجمته في المجروحين (1/ 225) والجرح والتعديل (3/ 154) والميزان (1/ 458) والخلاصة ص 72.

(9)

في سننه رقم (319). =

ص: 548

ضعيف

(1)

، وله طرق أخرى عن أنس منها عند الطبراني

(2)

ومنها عند ابن عدي

(3)

وفيهما مقال.

وعن ابن عباس عند أحمد

(4)

والبزار

(5)

في مسنديهما. وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف

(6)

.

وعن عائشة عند البزار

(7)

والطبراني في الأوسط

(8)

، وفيه كثير بن

= قال أبو الأشبال في تحقيق وشرح الترمذي (2/ 135): "لم يتكلم الترمذي على هذا الحديث، وإسناده ضعيف.

نوح بن قيس: ثقة. وعبد الرحمن مولى قيس: مجهول - كما في التقريب والخلاصة.

لم يرو عنه غير نوح. وزياد بن عبد الله النميري البصري: صدوق.

ضعفه بعضهم، وذكره ابن حبان في الضعفاء، وقال:"منكر الحديث، يروي عن أنس أشياء لا تشبه حديث الثقات، ثركه ابن معين" وذكره أيضًا في "الثقات" وقال: "يخطئ، وكان من العباد". وقال ابن عدي: "عندي إذا روى عنه ثقة فلا بأس بحديثه" وذكر له أحاديث. وقال: "البلاء فيها من الرواة عنه، لا منه". وليس له ولا لعبد الرحمن مولى قيس في الكتب الستة غير هذا الحديث" اهـ.

وانظر الكامل (3/ 1044 - 1045). و"تهذيب التهذيب"(1/ 650 - 651).

والخلاصة ص 125. والتقريب (1/ 504).

(1)

تقدم الكلام عليه في التعليقة السابقة.

(2)

في الأوسط رقم (1857) بسند حسن.

ولفظه: "من بنى لله عز وجل مسجدًا كمفحص قطاة، بنى الله عز وجل له بيتًا في الجنة".

(3)

في "الكامل"(5/ 1683) في ترجمة عمر بن رديح. وقيل عمر بن دريج بتقديم الدال ويرى صاحب اللسان أن الصواب الأول، ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن شاهين وابن أبي خيثمة. لسان الميزان (4/ 306).

(4)

في المسند (1/ 241).

(5)

في المسند (رقم 402 - كشف).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (2617) وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 310) وابن عدي في الكامل (2/ 542) بسند ضعيف لضعف جابر الجعفي. والخلاصة فهو حديث صحيح لغيره.

(6)

جابر بن يزيد الجعفي: كوفي، قال شعبة: صدوق. وقال وكيع: ثقة. قال البخاري اتهم بالكذب. قال أبو داود: لي عندي بالقوي في حديثه.

"التاريخ الكبير"(2/ 210) والمجروحين (1/ 208) والجرح والتعديل (1/ 126) والميزان (2/ 379) والخلاصة ص 59 والتقريب (1/ 123).

(7)

في المسند (رقم: 404 - كشف).

(8)

رقم (6586). =

ص: 549

عبد الرحمن ضعفه العقيلي

(1)

. وله طريق أخرى عند الطبراني في الأوسط

(2)

وفيها المثنى بن الصباح ضعفه الجمهور

(3)

، ورواه أبو عبيد في غريبه

(4)

بإسناد جيد.

وعن أم حبيبة عند ابن عدي في الكامل

(5)

، وفيه أبو ظلال ضعيف جدًّا

(6)

.

وعن أبي ذر عند ابن حبان في صحيحه

(7)

والبزار

(8)

والطبراني

(9)

والبيهقي

(10)

وزاد "قدر مفحص قطاة". قال العراقي: وإسناده صحيح.

وعن عمرو بن عبسة عند النسائي

(11)

.

وعن واثلة بن الأسقع عند أحمد

(12)

والطبراني

(13)

وابن عدي

(14)

.

= وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 8): وقال: "وفيه كثير بن عبد الرحمن ضعفه العقيلي، وذكره ابن حبان في الثقات" اهـ.

(1)

انظر الميزان (3/ 409) والجرح والتعديل (7/ 154) والثقات (7/ 353).

(2)

رقم (7005).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 8) وقال: "وفيه المثنى بن الصباح ضعفه يحيى القطان وجماعة، ووثقه ابن معين في رواية، وضعفه في أخرى" اهـ.

(3)

المثنى بن الصباح، أبو عبد الله: قال ابن عدي: الضعف على حديثه بين وعن ابن معين قال: يكتب حديثه ولا يترك. وقال النسائي: متروك الحديث انظر التاريخ الكبير (7/ 429) والمجروحين (3/ 20) والجرح والتعديل (8/ 324) والميزان (3/ 435) والتقريب (2/ 228) والخلاصة ص 369).

(4)

(3/ 131 - 132) بدون سند.

(5)

(7/ 2579) في ترجمة هلال بن ميمون أبو ظلال القَسْملي.

(6)

قال عنه ابن عدي: ولأبي ظلال غير ما ذكرت، وعامة ما يروي ما لا يتابعه الثقات عليه. وانظر "تهذيب التهذيب"(4/ 292).

(7)

رقم (97 - موارد).

(8)

في المسند (رقم: 401 - كشف).

(9)

في الصغير (2/ 120).

(10)

في السنن الكبرى (2/ 437).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 7) وقال: "رواه البزار والطبراني في الصغير ورجاله ثقات".

(11)

في السنن رقم (2/ 31 رقم 688). وهو حديث صحيح.

(12)

في المسند (3/ 490).

(13)

في الكبير (ج 22 رقم 213).

(14)

في "الكامل"(2/ 736). =

ص: 550

وعن أبي هريرة عند البزار

(1)

وابن عدي

(2)

والطبراني

(3)

وفي إسناده سليمان بن داود اليمامي وليس بشيء

(4)

، ورواه الطبراني

(5)

من طريق أخرى فيها المثنى بن الصباح

(6)

.

وعن جابر عند ابن ماجه

(7)

وإسناده جيد.

وعن معاذ عند الحافظ الدمياطي في جزء المساجد له

(8)

.

وعن عبد الله بن أبي أوفى عنده

(9)

أيضًا.

= قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (920) والبخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 71) من طرق.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 7) وقال: "رواه أحمد والطبراني في "الكبير" وفيه "الحسن بن يحيى الخشني" ضعفه الدارقطني، وابن معين في رواية، ووثقه في رواية، ووثقه دحيم وأبو حاتم" اهـ.

والخلاصة أن حديث واثلة صحيح لغيره والله أعلم.

(1)

في المسند (رقم 405 - كثف).

(2)

في "الكامل"(3/ 1125) في ترجمة سليمان بن داود اليمامي.

(3)

في الأوسط رقم (5059).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 8) وقال: وفيه سليمان بن داود اليمامي - وهو ضعيف".

(4)

قال الذهبي في الميزان (2/ 202): "سليمان بن داود اليمامي، أبو الجمل صاحب يحيى بن أبي كثير، قال ابن معين ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث. وقد مرَّ لنا أن البخاري قال) من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل رواية حديثه. وقال ابن حبان ضعيف. وقال آخر: متروك

" اهـ.

(5)

في الأوسط رقم (4641).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 8) وقال: وفيه المثنى بن الصباح ضعفه يحيى القطان وغيره. ووثقه ابن معين في إحدى الروايات.

قلت: وفيه أيضًا غيره.

(6)

تقدم الكلام عليه قريبًا خلال الشرح.

(7)

في السنن رقم (738).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 261): "هذا إسناد صحيح ورواه ابن حبان في صحيحه

"اهـ.

وهو حديث صحيح.

(8)

و

(9)

لم أعلم عن هذا الجزء شيئًا هل هو في عالم المخطوطات أم المفقودات أم المطبوعات.

ص: 551

وعن ابن عمر عند البزار

(1)

والطبراني

(2)

، وفي إسناده الحَكَم بن ظُهَير وهو متروك

(3)

بزيادة "ولو كمفحص قطاة"

(4)

.

وعن أبي موسى عند الدمياطي في جزئه المذكور

(5)

.

وعن أبي أمامة عند الطبراني

(6)

، وفيه علي بن [زيد]

(7)

وهو ضعيف

(8)

.

وعن [أبي قِرْصَافَةَ واسمه جَنْدَرَة]

(9)

عند الطبراني

(10)

وفي إسناده جهالة.

وعن نبيط بن شريط عند الطبراني

(11)

.

وعن عمر بن مالك عند الدمياطي في الجزء المذكور (5).

(1)

في المسند (رقم 403 - كشف).

(2)

في الأوسط رقم (6167).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 7) وقال: وفيه الحكم بن ظهير - وهو متروك.

(3)

الحَكَم بن ظُهَير الفزاري الكوفي. قال البخاري: منكر الحديث.

التاريخ الكبير (2/ 345) والمجروحين (1/ 250) والجرح والتعديل (3/ 118) والميزان (1/ 571) والتقريب (1/ 191) والخلاصة ص 89.

(4)

قال ابن الأثير في "النهاية"(3/ 415). موضعها الذي تجثم فيه وتبيض كأنها تفحص عنه التراب، أي تكشفه، والفحص: البحث والكشف.

(5)

تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.

(6)

في "المعجم الكبير"(8/ 267 - 268 رقم 7889).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 8) وقال: وفيه علي بن يزيد وهو ضعيف.

(7)

كذا في المخطوط والصواب (يزيد) كما في المجمع ومصادر الترجمة.

(8)

علي بن يزيد الألهاني الشامي. قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي ليس بثقة.

وقال أبو زرعة ليس بقوي. وقال الدارقطني: متروك.

انظر: "الميزان"(3/ 161 رقم 5966) والضعفاء للدارقطني رقم (408) والمجروحين (2/ 110).

(9)

في (أ) و (ب) و (جـ): (أبي مرصافة واسمه حيدرة) والصواب ما أثبتناه من مصدر الحديث وكتب التراجم.

(10)

في "المعجم الكبير"(3/ 19 رقم 2521).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 9) وقال: في إسناده مجاهيل. وهو حديث ضعيف.

(11)

في "الصغير"(1/ 30) والأوسط رقم (2215).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 8 - 9) وقال: شيخ الطبراني أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط كذبه صاحب الميزان.

قال الذهبي في الميزان (1/ 82 - 83): إن أحمد هذا يروي عن أبيه عن جده، بنسخة فيها بلايا

لا يحل الاحتجاج به، فإنه كذاب" اهـ.

أما نُبَيْط بن شَريط فصحابي صغير كما في "التقريب"(2/ 297).

ص: 552

وعن أسماء بنت يزيد عند أحمد

(1)

والطبراني

(2)

وابن عدي

(3)

(قال يحيى بن معين: هذا ليس بشيء)

(4)

.

وذكر أبو القاسم بن منده في كتابه "المستخرج من كتب الناس"

(5)

للفائدة أنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج، وعبد الله بن عمر، وعمران بن حصين، وفضالة بن عبيد، وقدامة بن عبد الله العامري ومعاوية بن حيدة، والمغيرة بن شعبة، والمقدام بن معد يكرب، وأبو سعيد الخدري.

قوله: (من بنى لله مسجدًا) يدل على أن الأجر المذكور يحصل ببناء المسجد لا بجعل الأرض مسجدًا من غير بناء وأنه لا يكفي في ذلك تحويطه من غير حصول مسمى البناء والتنكير في مسجد للشيوع فيدخل فيه الكبير والصغير.

وعن أنس عند الترمذي

(6)

مرفوعًا بزيادة لفظ "كبيرًا أو صغيرًا" ويدل لذلك

(1)

في المسند (6/ 461).

(2)

في الكبير (ج 24 رقم 468) وفي الأوسط رقم (8459).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 8): وقال: ورجاله موثقون.

قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (1554) والعقيلي في الضعفاء (2/ 126) وفي سنده محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن جهله ابن القطان والذهبي في "الميزان"(4/ 78) ووثقه ابن حبان في "الثقات" وبقية رجال الإسناد ثقات.

وهو حديث صحيح لغيره.

(3)

في "الكامل"(1/ 382) في ترجمة أبان بن يزيد العطار.

(4)

لم تظهر فائدة لقول الشوكاني رحمه الله (قال يحيى بن معين: هذا (ليس بشيء).

فالحديث المذكور قال عنه الهيثمي "ورجاله موثقون" وليس في سند ابن عديّ غير أبان بن يزيد العطار، وقد أثنى عليه ابن عدي في الكامل (1/ 382) وقال عنه ابن حجر في "التقريب"(1/ 31) ثقة له أفراد.

أفاده الدكتور عبد الوهاب بن لطف الديلمي.

(5)

كتاب "المستخرج من كتب الناس" لأبي القاسم بن منده، عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق، توفي سنة (470 هـ).

ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1671).

وأفاد المباركفوري أن منه نسخة مصححة من الحافظ ابن حجر، مكتوبة بخط عمر بن يحيى المصري، موجودة في الخزانة الجرمنية.

"معجم المصنفات الواردة في فتح الباري"(ص 366 رقم 1172).

(6)

في السنن رقم (319) وقد تقدم الكلام عليه.

ص: 553

رواية: "كمفحص قطاة" وهي مرفوعة ثابتة عند ابن أبي شيبة

(1)

عن عثمان، وابن حبان

(2)

والبزار

(3)

عن أبي ذر، وأبي مسلم الكجي من حديث ابن عباس

(4)

، والطبراني في الأوسط من حديث أنس

(5)

وابن عمر

(6)

وعند أبي نعيم في الحلية

(7)

، من حديث أبي بكر، وابن خزيمة

(8)

عن جابر.

وحمل ذلك العلماء على المبالغة لأن المكان الذي تفحصه القطاة لتضع فيه بيضها وترقد عليه لا يكفي مقداره للصلاة.

وقيل: هي على ظاهرها والمعنى أنه يزيد في مسجد قدرًا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر أو يشترك جماعة في بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر.

وفي رواية للبخاري

(9)

"قال بُكيرٌ: حَسِبتُ أنه قال" يعني شيخه عاصم بن عمر بن قتادة "يَبتغِي به وجهَ اللهِ" قال الحافظ

(10)

: وهذه الجملة لم يجزم بها بكير في الحديث، ولم أرها إلا من طريقه هكذا وكأنها ليست في الحديث بلفظها، فإن كل من روى الحديث

(11)

من جميع الطرق إليه لفظهم "من بَنى للهِ مسجدًا" فكأن بكيرًا نسيها فذكرها بالمعنى مترددًا في اللفظ الذي ظنه" انتهى.

ولكنه يؤدي معنى هذه الزيادة قوله: "من بنى لله" فإن الباني للرياء والسمعة والمباهاة ليس بانيًا لله وأخرج الطبراني

(12)

من حديث عائشة بزيادة "لا يريد به رياء ولا سمعة".

قوله: (بنى الله له مثله) قد اختلف في معنى المماثلة فقال ابن العربي

(13)

:

(1)

في المصنف (1/ 310).

(2)

في صحيحه رقم (97 - موارد) وقد تقدم.

(3)

في المسند (رقم 401 - كشف) وقد تقدم.

(4)

تقدم تخريجه حديث ابن عباس.

(5)

في الأوسط رقم (1857) بسند حسن. وقد تقدم.

(6)

في الأوسط رقم (6167) وقد تقدم.

(7)

(5/ 24).

(8)

في صحيحه رقم (2/ 269 رقم 1292) بسند صحيح.

(9)

في صحيحه رقم (450).

(10)

في "الفتح"(1/ 545).

(11)

أي حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.

(12)

في "الأوسط" رقم (7005) بسند ضعيف وقد تقدم.

(13)

في عارضة الأحوذي (2/ 117).

ص: 554

مثله في القدر والمساحة. ويرده زيادة "بيتًا أوسع منه" عند أحمد

(1)

والطبراني

(2)

من حديث ابن عمر.

وروى أحمد

(3)

أيضًا من طريق واثلة بن الأسقع بلفظ: "أفضل منه".

وقيل مثله في الجودة والحصانة وطول البقاء ويرده أن بناء الجنة لا يخرب بخلاف بناء المساجد فلا مماثلة.

وقال صاحب المفهم

(4)

: هذه المثلية ليست على ظاهرها وإنما يعني أنه يبني له بثوابه بيتًا أشرف وأعظم وأرفع.

وقال النووي

(5)

: يحتمل أن يكون مثله معناه بنى الله له مثله في مسمى البيت، وأما صفته في السعة وغيرها فمعلوم فضلها فإنها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ويحتمل أن يكون معناه أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا انتهى.

قال الحافظ

(6)

: "لفظ المثل له استعمالان: (أحدهما) الإفراد مطلقًا كقوله تعالى: {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا}

(7)

و (الآخر) المطابقة كقوله تعالى: {أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}

(8)

فعلى الأول لا يمتنع أن يكون الجزاء أبنية متعددة، فيحصل جواب من استشكل تقييده بقوله (مثله) مع أن الحسنة بعشر أمثالها لاحتمال أن يكون المراد بنى الله له عشرة أبنية مثله

وأما من أجاب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل نزول قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}

(9)

ففيه بعد. وكذا من أجاب بأن التقييد بالواحد لا ينفي الزيادة.

قال (6) ومن الأجوبة المرضية أن المثلية هنا بحسب الكمية، والزيادة حاصلة بحسب الكيفية، فكم من بيت خير من عشرة بل من مائة.

(1)

في المسند (2/ 221) من حديث عبد الله بن عمرو وقد تقدم.

(2)

انظر: "مجمع الزوائد"(2/ 7).

(3)

في المسند (3/ 490) بسند ضعيف. وهو حديث صحيح تقدم.

(4)

في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم"(2/ 130 - 131).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 14 - 15).

(6)

في "الفتح"(1/ 546).

(7)

سورة المؤمنون: الآية 47.

(8)

سورة الأنعام: الآية 38.

(9)

سورة الأنعام: الآية 160.

ص: 555

وهذا الذي ارتضاه هو الاحتمال الأول الذي ذكره النووي

(1)

.

وقيل: إن المثلية هي أن جزاء هذه الحسنة من جنس البناء لا من غيره مع قطع النظر عن غير ذلك، مع أن التفاوت حاصل قطعًا بالنسبة إلى ضيق الدنيا وسعة الجنة.

قال في المفهم

(2)

: هذا البيت والله أعلم مثل بيت خديجة الذي قال فيه: "إنه من قصب"

(3)

يريد من قصب الزمرد والياقوت انتهى.

34/ 627 - (وَعَنِ ابْنِ عباسٍ [رضي الله تعالى عنهما]

(4)

عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ بَنَى لله مَسْجِدا ولَوْ كمِفْحَص قَطَاةِ لِبَيضِها بَنَى الله لهُ بَيتًا في الجَنَّةِ". رَوَاهُ أحْمَدُ)

(5)

. [صحيح لغيره]

الكلام على الحديث تخريجًا وتفسيرًا قد قدمناه في شرح الذي قبله

[الباب الثاني عشر] باب الاقتصاد في بناء المساجد

35/ 628 - (عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ [رضي الله تعالى عنهما] (4) قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ المساجِدِ" قالَ ابْنُ عَباسٍ: لَتَزَخْرِفُنَّها كما زَخْرَفْتِ الْيَهُودُ والنَّصارَى. أخْرَجَهُ أبُو دَاوُدَ)

(6)

. [صحيح]

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 14 - 15).

(2)

(2/ 131).

(3)

وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد (4/ 355) والبخاري رقم (1792) ومسلم رقم (2433) والنسائي في الكبرى (رقم 8360) وابن حبان رقم (7004) والطبراني في الكبير؛ ج 23 رقم 11) كلهم من حديث عبد الله بن أبي أوفى.

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في المسند (1/ 241).

قلت: وأخرجه البزار رقم (402 - كشف) والطيالسي رقم (2617) وابن أبي شيبة (1/ 310) وابن عدي (2/ 542) بسند ضعيف لضعف جابر الجعفي.

والخلاصة فهو حديث صحيح لغيره. وقد تقدم تخريجه في الحديث رقم (33/ 626) من كتابنا هذا.

(6)

في سننه رقم (448).

ص: 556

الحديث صححه ابن حبان

(1)

ورجاله رجال الصحيح، لأن أبا داود رواه عن سفيان بن عيينة

(2)

عن سفيان الثوري عن أبي فزارة هو راشد بن كيسان الكوفي

(3)

. وقد أخرج له مسلم عن يزيد بن الأصم هو العامري التابعي، أخرج له مسلم أيضًا عن ابن عباس.

وقد أخرج البخاري في صحيحه قول ابن عباس المذكور تعليقًا

(4)

، وإنما لم يذكر البخاري المرفوع للاختلاف على يزيد بن الأصم في وصله وإرساله قاله الحافظ

(5)

.

قوله: (ما أُمِرْتُ) بضم الهمزة وكسر الميم مبني للمفعول.

قوله: (بِتشييد المساجد) قال البغوي في شرح السنة

(6)

: التشييد رفع البناء وتطويله، ومنه قوله تعالى:{بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}

(7)

وهي التي طُوِّل بناؤها، يُقال شدت الشيء أشيده مثل بعته أبيعه إذا بنيته بالشيد، وهو الجص وشيدته تشييدًا طولته ورفعته".

وقيل: المراد بالبروج المشهيدة المجصصة. قال ابن رسلان: والمشهور في

(1)

في صحيحه رقم (1615).

قلت: وأخرجه البغوي في شرح السنة رقم (463) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 438 - 439) والطبراني في الكبير رقم (13000 و 13001 و 13002 و 13003).

وقول ابن عباس علقه البخاري بصيغة الجزم في صحيحه (رقم الباب 62)(1/ 539 - مع الفتح).

قال الحافظ في "الفتح"(1/ 540): "وهذا التعليق وصله أبو داود وابن حبان من طريق يزيد بن الأصم عن ابن عباس هكذا موقوفًا. وقبله حديث مرفوع ولفظه: "ما أمرت بتشييد المساجد".

قلت: ووصله ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 309) من طريقين موقوفًا.

(2)

كذا في "المخطوط" والصواب كما في سنن أبي داود رقم (448): حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن سفيان الثوري

إلخ.

(3)

راشد بن كيسان أبو فزارة العبسي الكوفي: روى عن: يزيد بن الأصم في "النكاح" روى عنه: جرير بن حازم.

قال الدارقطني: ثقة كيس ولم أر له في كتب أهل النقل ذكرًا بسوء.

وقال ابن حبان: مستقيم الحديث إذا كان فوقه ودونه ثقة.

وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح.

رجال صحيح مسلم رقم الترجمة (448). الجمع (1/ 141).

(4)

تقدم تخريجه آنفًا.

(5)

في "الفتح"(1/ 540).

(6)

(2/ 349).

(7)

سورة النساء: الآية 78.

ص: 557

الحديث أن المراد بتشييد المساجد هنا رفع البناء وتطويله كما قال البغوي، وفيه رد على من حمل قوله تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}

(1)

على رفع [بنائها]

(2)

وهو الحقيقة بل المراد أن تعظم فلا يذكر فيها الخنى

(3)

من الأقوال وتطييبها من الأدناس والأنجاس ولا ترفع فيها الأصوات اهـ.

قوله: (قال ابن عباس) هكذا رواه ابن حبان

(4)

موقوفًا وقبله حديث ابن عباس أيضًا مرفوعًا وظن الطيبي

(5)

في شرح المشكاة أنهما حديث واحد فشرحه على أن اللام في لتزخرفنها مكسورة، قال: وهي لام التعليل للمنفي قبله، والمعنى ما أمرت بالتشييد ليجعل ذريعة إلى الزخرفة، قال: والنون فيه لمجرد التأكيد وفيه نوع تأنيب وتوبيخ، ثم قال: ويجوز فتح اللام على أنها جواب القسم.

قال الحافظ

(6)

: وهذا يعني فتح اللام هو المعتمد، والأول لم يثبت به الرواية أصلًا، فلا يغترّ به. وكلام ابن عباس فيه مفصول من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المشهورة وغيرها انتهى.

والزخرفة: الزينة، قال محيى السنة

(7)

: إنهم زخرفوا المساجد عندما بدلوا دينهم وحرفوا كتبهم وأنتم تصيرون إلى مثل حالهم، وسيصير أمركم إلى المراءاة بالمساجد، والمباهاة بتشييدها وتزيينها.

قال أبو الدرادء

(8)

: "إذا حَلَّيْتُم مصاحِفَكم وزوّقتُم

(9)

مساجِدَكم فالدَّمارُ عليكم".

(1)

سورة النور: الآية 36.

(2)

في (ب): (بناه).

(3)

خَنَا خَنْوًا: أفحش. القاموس المحيط.

(4)

في صحيحه رقم (1615). وقد تقدم آنفًا.

(5)

هو الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي الإمام المشهور، صاحب شرح المشكاة وغيره.

توفي عام (743 هـ).

والشرح المذكور هو (الكاشف عن حقائق السنن) وهو شرح لمشكاة المصابيح للبغوي.

انظر كشف الظنون (2/ 1700).

(6)

في "الفتح"(1/ 540).

(7)

المراد به البغوي رحمه الله. ونصّ كلامه في شرح السنة (2/ 350).

(8)

أخرجه ابن المبارك في "الزهد" رقم (797) ومن طريقه الفريابي في "فضائل القرآن" رقم (79) بسند رجاله ثقات. لكنه منقطع. وانظر ما قاله الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع بتحقيق الأخ علي بن حسن عبد الحميد ص 104 - 109.

(9)

التزويق: التزيين والتحسين.

ص: 558

قال ابن رسلان: وهذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لإخباره صلى الله عليه وسلم عما سيقع بعده، فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس بأخذهم أموال الناس ظلمًا وعمارتهم بها المدارس على شكل بديع نسأل الله [تعالى]

(1)

السلامة والعافية انتهى.

والحديث يدل على أن تشييد المساجد بدعة، وقد روي عن أبي حنيفة الترخيص في ذلك

(2)

. وروي عن أبي طالب أنه لا كراهة في تزيين المحراب

(3)

. وقال المنصور بالله: إنه يجوز في جميع المسجد.

وقال البدر بن المنير: لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونًا لها عن الاستهانة، وتعقب بأن المنع إن كان للحث على اتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال وإن كان لخشية شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلة. ومن جملة ما عوّل عليه المجوّزون للتزيين بأن السلف لم يحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك، وبأنه بدعة مستحسنة وبأنه مرغب إلى المسجد، وهذه حجج لا يعول عليها من له حظ من التوفيق لا سيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه نوع من المباهاة المحرمة وأنه من علامات الساعة كما روي عن علي عليه السلام

(4)

، وأنه من صنيع اليهود والنصارى، وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفتهم ويرشد إليها عمومًا وخصوصًا.

ودعوى ترك إنكار السلف ممنوعة لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الدول

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

انظر: "البناية في شرح الهداية" للعيني. (2/ 562 - 564).

فقد جاء بكلام غريب واستدلال عجيب. مع أن الزخرفة والنفش في المسجد بدعة.

(3)

بل كان رضي الله عنه يرى أن المحراب بدعة ولا يصلي فيه.

وكان يكره أيضًا تزيين المسجد، لأن المسجد لم يبن ليتفاخر به الناس بل ليمثُلوا بين يدي الله تعالى.

انظر موسوعة فقه علي رضي الله عنه ص 557 - 558، والمحلى (4/ 239، 248) والمصنف لعبد الرزاق (3/ 153، 154).

(4)

كالحديث الآتي برقم (36/ 629) من كتابنا هذا.

ص: 559

الجائرة من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل، وأحدثوا من البدع ما لا يأتي عليه الحصر ولا ينكره أحد، وسكت العلماء عنهم تقية لا رضًا، بل قام في وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة، وصرخوا بين أظهرهم بنعي ذلك عليهم، ودعوى أنه بدعة مستحسنة باطلة.

وقد عرفناك وجه بطلانها في شرح حديث: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"

(1)

في باب الصلاة في ثوب الحرير والغصب

(2)

ودعوى أنه مرغب إلى المسجد فاسدة لأن كونه داعيًا إلى المسجد ومرغبًا إليه لا يكون إلا لمن كان غرضه وغاية قصده النظر إلى تلك النقوش والزخرفة، فأما من كان غرضه قصد المساجد لعبادة الله التي لا تكون عبادة على الحقيقة إلا مع خشوع، وإلا كانت كجسم بلا روح، فليست إلا شاغلة له عن ذلك كما فعله صلى الله عليه وسلم في الأنبجانية التي بعث بها إلى أبي جهم

(3)

. وكما تقدم من [هتكه للستور]

(4)

التي فيها نقوش

(5)

.

وكما سيأتي في باب تنزيه قبلة المصلي عما يلهي

(6)

، وتقويم البدع المعوجة التي يحدثها الملوك يوقع أهل العلم في المسالك الضيقة فيتكلفون لذلك من الحجج الواهية ما لا ينفق إلَّا على بهيمة.

36/ 629 - (وعَنْ أنَسٍ [رضي الله تعالى عنه]

(7)

أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتى يَتَباهَى النَّاسُ في المساجِدِ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ

(8)

. [صحيح]

(1)

تقدم تخريجه برقم (28/ 541) من كتابنا هذا.

(2)

الباب الحادي عشر: باب الصلاة في ثوب الحرير والغصب. عند الحديث رقم (27/ 540) من كتابنا هذا.

(3)

أخرج البخاري رقم (752) ومسلم رقم (556) من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام. فقال: "شغلتني أعلامُ هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية".

(4)

في المخطوط (ب): (هتك الستور).

(5)

الحديث رقم (29/ 572) من كتابنا هذا.

(6)

الباب السادس عشر عند الحديث رقم (57/ 650 و 58/ 651) من كتابنا هذا.

(7)

زيادة من (جـ).

(8)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 134) وأبو داود رقم (449) والنسائي (2/ 32) وابن ماجه رقم (739).

قلت: وأخرجه أبو يعلى في المسند رقم (2798) وابن خزيمة رقم (1322) و (1323) وابن حبان رقم (1614) و (6760) والطبراني في الكبير رقم (752) وفي "الصغير" رقم =

ص: 560

وقالَ الْبُخَارِيُّ

(1)

: قالَ أبُو سَعيدٍ: كانَ سَقْف الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ. [صحيح]

وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِناءِ الْمَسْجدِ، وقالَ

(2)

: أُكِنَّ النَّاسَ [من المطر]

(3)

وَإِيَّاكَ أنْ تُحمِّرَ أوْ تُصْفَّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ).

الحديث صححه ابن خزيمة

(4)

، وأورده البخاري عن أنس تعليقًا

(5)

بلفظ "يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلًا" ووصله أبو يعلى الموصلي في مسنده

(6)

.

وروى الحديث أبو نعيم في كتاب المساجد من الوجه الذي عند ابن خزيمة بلفظ: "يتباهون بكثرة المساجد".

قوله: (حتى يتباهى الناس في المساجد) أي يتفاخرون في بناء المساجد والمباهاة بها كما في رواية البخاري أن يتفاخروا بها بالنقش والكثرة.

وروى في شرح السنة

(7)

بسنده عن أبي قلابة قال: غَدَوْنَا مع أنسِ بن مالك إلى الزَّاويةِ فحضرَتْ صلاةُ الصُّبْحِ، فمررْنَا بمسجدٍ، فقال أنس: أيُّ مسجدٍ هذا؟ قالُوا: مسجدٌ أُحْدِثَ الآنَ، فقالَ أنسٌ: "إن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: سيأتي على

= (1087 - الروض الداني) والضياء في المختارة رقم (2236) و (2238) والبغوي في شرح السنة رقم (465) وابن حجر في "تغليق التعليق"(2/ 237) من طرق عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة عن أنس به. - وقرن أبو داود وابن خزيمة والطبراني بأبي قلابة: قتادة السدوسيّ.

(1)

في صحيحه معلقًا رقم الباب (62) باب بنيان المسجد (1/ 539 - مع الفتح).

وقال الحافظ في "الفتح"(1/ 539): قوله: " (وقال أبو سعيد) هو الخدري، والقدر المذكور هنا طرف من حديثه في ذكر ليلة القدر - برقم 2016 - وقد وصله المؤلف في الاعتكاف وغيره من طريق أبي سلمة عنه - برقم 2540 - وسيأتي قريبًا في أبواب صلاة الجماعة - برقم 669 - " اهـ.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 539) معلقًا وهو طرف من قصة تجديد المسجد النبوي.

(3)

زيادة من (أ) و (ب).

(4)

في صحيحه رقم (1323). بسند صحيح.

(5)

في الباب رقم (62): (1/ 539 - مع الفتح).

(6)

(5/ 184 - 185 رقم (2798) بسند صحيح.

(7)

للبغوي رقم (466) بسند حسن.

ص: 561

الناس زمانٌ يتباهَوْنَ في المساجد، ثم لا يعمرونَها إلا قليلًا".

قوله: (وقال أكنّ الناس) قال الحافظ

(1)

: ووقع في روايتنا أكن الناس بضم الهمزة وكسر الكاف وتشديد النون المضمومة بلفظ المضارع من أكن الرباعي، يقال: أكننت الشيء إكنانًا أي صنته وسترته، وحكى أبو زيد كننته من الثلاثي بمعنى أكننته، وفرق الكسائي بينهما، فقال: كننته أي سترته وأكننته في نفسي أي أسررته، ووقع في رواية الأصيلي أكن بفتح الهمزة [والنون]

(2)

فعل أمر من الإكنان [أيضًا]

(3)

، ويرجحه قوله قبله "وأمر عمر" وقوله بعده "وإياك" وتُوَجَّهُ الأولى بأنه خاطب القوم بما أراد ثم التفت إلى الصانع فقال له: وإياك، أو يحمل قوله وإياك على التجريد كأنه خاطب نفسه بذلك، قال عياض

(4)

: وفي رواية غير الأصيلي (كن الناس) - بحذف الهمزة وكسر الكاف - وهو صحيح [أيضًا]

(5)

، وجوّز ابن مالك ضم الكاف على أنه من كنّ فهو مكنون انتهى.

قال الحافظ

(6)

: وهو متجه لكن الرواية لا تساعده.

قوله: (فتفتن الناس) بفتح المثناة من فتن وضبطه الأصيلي بالضم من أفتن وذكر أن الأصمعي أنكره وأن أبا عبيدة

(7)

أجازه، فقال فتن وأفتن بمعنى.

قال ابن بطال

(8)

: كأن عمر فهم ذلك من رد الشارع الخميصة إلى أبي جهم من أجل الأعلام التي فيها، وقال:"إنها ألهتني عن صلاتي".

قال الحافظ

(9)

: ويحتمل أن يكون عند عمر من ذلك علم خاص بهذه المسألة.

فقد روى ابن ماجه

(10)

من طريق عمرو بن ميمون عن عمر مرفوعًا: "ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم" ورجاله ثقات إلَّا شيخه جبارة بن

(1)

في "الفتح"(1/ 539).

(2)

في المخطوط (ب): [وبالنون].

(3)

زيادة في المخطوط (أ) و (جـ).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 539).

(5)

زيادة من المخطوط (أ) و (جـ).

(6)

في "الفتح"(1/ 539).

(7)

أبو عبيدة: هو مَعْمَر بن المثنى التيمي بالولاء، البصري، النحوي، المشهور، كان إمامًا في الأدب واللغة، وفاته سنة 209 هـ.

(8)

في شرحه لصحيح البخاري (2/ 97).

(9)

في "الفتح"(1/ 539).

(10)

في سننه رقم (741). =

ص: 562

المغلس ففيه مقال

(1)

.

[الباب الثالث عشر] باب كنس المساجد وتطييبها وصيانتها من الروائح الكريهة

37/ 630 - (عَنْ أنَسٍ [رضي الله تعالى عنه]

(2)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَتْ عليّ أُجُورُ أمّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُها الرَّجلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَليَّ ذُنُوبُ أُمَّتي فلَمْ أرَ ذَنْبًا أعْظَمَ مِن سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أوْ آيةٍ أُوتيهَا رجُلٌ ثمَّ نَسِيَها" رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(3)

. [ضعيف]

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي

(4)

وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال: وذاكرت به محمد بن إسماعيل يعني البخاري فلم يعرفه واستغربه قال محمد: ولا أعرف للمطلب بن عبد الله

(5)

يعني الراوي له عن أنس سماعًا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا قوله: حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم. وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أَنس وفي إسناده عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد الأزدي

(6)

وثقه يحيى بن معين وتكلم فيه غير واحد. قال

= قال البوصيري في زوائد ابن ماجه (ص 127 رقم 249): هذا إسناد ضعيف، أبو إسحاق كان يدلس، وهو كذاب.

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 262): هذا إسناد فيه جبارة بن المغلس وقد اتهم. رواه أبي يعلى الموصلي في مسنده عن جبارة بن المغلس، به.

وقال الألباني: ضعيف جدًّا.

(1)

جبارة بن المغلس الحماني الكوفي، قال البخاري: حديثه مضطرب. وقال أبو حاتم هو على يدي عدل. وعن ابن معين قال: كذاب. مات سنة (241 هـ).

انظر: "المجروحين"(1/ 221) والجرح والتعديل (2/ 550) والكاشف (1/ 123) والمغني (1/ 127) والميزان (1/ 287) والتقريب (1/ 124) والخلاصة ص 65.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في سننه رقم (461).

(4)

في سننه رقم (2916).

(5)

هو المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حَنْطَب المخزومي، صدوق، كثير التدليس والإرسال. "التقريب"(2/ 254).

(6)

صدوق يُخطئ، وكان مرجئًا، أفرط ابن حبان، فقال: متروك "التقريب"(1/ 517).

ص: 563

الحافظ في بلوغ المرام

(1)

: وصححه ابن خزيمة

(2)

.

قوله: (القذاة) بتخفيف الذال المعجمة والقصر الواحدة من التبن والتراب وغير ذلك. قال أهل اللغة

(3)

: القذى في العين والشراب ما يسقط فيه ثم استعمل في كل شيء يقع في البيت وغيره إذا كان يسيرًا.

قال ابن رسلان في شرح السنن: "فيه ترغيب في تنظيف المساجد مما يحصل فيها من القمامات القليلة أنها تكتب في أجورهم وتعرض على نبيهم [صلى الله عليه وسلم]

(4)

، وإذا كتب هذا القليل وعرض فيكتب [الكبير]

(5)

ويعرض من باب الأولى، ففيه تنبيه بالأدنى على الأعلى وبالطاهر عن النجس والحسنات على قدر الأعمال. قال: وسمعت من بعض المشايخ أنه ينبغي لمن أخرج قذاة من المسجد أو أذى من طريق المسلمين أن يقول عند أخذها لا إله إلا الله ليجمع بين أدنى شعب الإيمان وأعلاها وهي كلمة التوحيد وبين الأفعال والأقوال وإن اجتمع القلب مع اللسان كان ذلك أكمل" انتهى.

إلا أنه لا يخفى أن الأحكام الشرعية تحتاج إلى دليل وقوله ينبغي حكم شرعي.

قوله: (فلم أر ذنبًا أعظم) قال شارح المصابيح

(6)

: أي من سائر الذنوب الصغائر لأن نسيان القرآن من الحفظ ليس بذنب كبير إن لم يكن من استخفافه وقلة تعظيمه للقرآن، وإنما قال صلى الله عليه وسلم هذا التشديد العظيم تحريضًا منه على مراعاة حفظ القرآن انتهى. والتقييد بالصغائر يحتاج إلى دليل وقيل المراد بقوله:"نسيها" ترك العمل بها. ومنه قوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}

(7)

وهو مجاز لا يصار إليه إلا لموجب.

(1)

رقم الحديث (15/ 250) بتحقيقي.

(2)

في صحيحه رقم (1297).

قلت: وأخرجه البيهقي (2/ 440) وعبد الرزاق في المصنف (3/ 391 رقم 5977) وعلة الحديث الانقطاع. وهو حديث ضعيف.

(3)

القاموس المحيط (ص 1706). ومعجم مقاييس اللغة (5/ 69).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في المخطوط (ب) و (جـ): [الكثير].

(6)

وهي "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" الملا علي القاري (2/ 422 - 423 رقم 720).

(7)

سورة التوبة: الآية 67.

ص: 564

38/ 631 - (وَعَنْ عائشةَ [رضي الله تعالى عنها]

(1)

قالَتْ: أَمَر رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِبناء الْمَساجِدِ في الدُّورِ وأَنْ تُنَظَّفَ وتُطَيَّبَ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيّ)

(2)

. [صحيح]

39/ 632 - (وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَب [رضي الله تعالى عنه] (1) قالَ: أمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نَتّخذَ الْمَساجدَ في دِيارِنا، وأَمَرَنَا أنْ نُنَظِّفَها. رَوَاهُ أحَمدُ

(3)

والتِّرْمذِيُّ وصَححهُ

(4)

، وَرَوَاهُ أبُو داوُدَ

(5)

وَلَفْظُهُ: "كانَ يأمُرُنا بالْمَساجِدِ أنْ نَصنْعَهَا في دِيارِنا وَنُصْلِحَ صنْعَتَها ونُطَهِّرهَا"). [صحيح لغيره]

الحديث الأول أخرجه الترمذي مسندًا

(6)

ومرسلًا

(7)

. وقال: المرسل أصح ولكنه رواه غيره مسندًا بإسناد رجاله ثقات، فرواه أبو داود

(8)

عن حسين بن علي بن الأسود العِجْلي

(9)

قال أبو حاتم: صدوق عن زائدة بن قدامة

(10)

أو ابن نَشيط

(11)

وهما ثقتان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعًا.

والحديث الثاني رواه أحمد بإسناد صحيح (3). وكذا رواه غيره بأسانيد جيدة.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أخرجه أحمد (6/ 279) والترمذي رقم (594) وأبو داود رقم (455). وابن ماجه رقم (758) و (759).

قلت: وأخرجه البغوي في شرح السنة رقم (499) وابن حبان في صحيحه رقم (1634) وابن خزيمة رقم (1294) وأبو يعلى رقم (4698) وابن عدي (5/ 1738) والبيهقي (2/ 439 - 440) والعقيلي (3/ 309) من طرق

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (5/ 17) بسند ضعيف لضعف بقية بن الوليد وتدليسه. وإسحاق بن ثعلبة: شيخ مجهول منكر الحديث، قاله أبو حاتم، ومكحول لم يسمع من سمرة.

(4)

لم يخرجه الترمذي من حديث سمرة.

(5)

في السنن رقم (456) بسند ضعيف.

والخلاصة أن حديث سمرة بن جندب حديث صحيح لغيره والله أعلم.

(6)

لم يخرجه الترمذي من حديث سمرة.

(7)

في السنن رقم (595) و (596) من حديث عروة مرسلًا.

(8)

في السنن رقم (455) وهو حديث صحيح.

(9)

الحسين بن علي بن الأسود العجلي، أبو عبد الله الكوفي نزيل بغداد: صدوق يخطئ كثيرًا، لم يثبت أن أبا داود روى عنه:"التقريب"(1/ 177).

(10)

زائدة بن قدامة الثقفي، أبو الصَّلت الكوفي: ثقة ثبت صاحب سنة. "التقريب"(1/ 256).

(11)

زائدة بن نَشِيط الكوفي: مقبول: "التقريب"(1/ 256).

ص: 565

قوله: (في الدور) قال البغوي في شرح السنة

(1)

: يريد المحال التي فيها الدور ومنه قوله تعالى: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}

(2)

لأنهم كانوا يسمون المحلة التي اجتمعت فيها قبيلة دارًا، ومنه الحديث "ما بقيت دار إلابني فيها مسجد" قال سفيان

(3)

: بناء المساجد في الدور يعني القبائل أي من العرب يتصل بعضها ببعض وهم بنو أب واحد يُبنَى لكل قبيلة مسجد هذا ظاهر معنى تفسير سفيان الدور.

قال أهل اللغة

(4)

: الأصل في إطلاق الدور على المواضع وقد [تطلق]

(5)

على القبائل مجازًا. قال بعض المحدثين: والبساتين في معنى الدور وعلى هذا فسيتحب بناء المسجد من حجر أو لبن أو مدر أو خشب أو غير ذلك في كل محلة يحلها المقيمون بها وكل بساتين مجتمعة. وقال في شرح المشكاة

(6)

الدور المذكورة في الحديث جمع دار وهو اسم جامع للبناء والعرصة والمحلة، والمراد المحلات فإنهم كانوا يسمون المحلة التي اجتمعت فيها قبيلة دارًا أو محمول على اتخاذ بيت للصلاة، كالمسجد يصلي فيه أهل البيت قاله ابن عبد الملك

(7)

. والأول هو المعوّل عليه انتهى.

وقال شارح المصابيح

(8)

: يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن أن يبني الرجل في داره مسجدًا يصلي فيه أهل بيته اهـ.

فعلى تفسير الدار بالمحلة المساجد المذكورة في الحديث جمع مسجد بكسر الجيم، وعلى تفسيرها بدار الرجل المساجد جمع مسجد بفتح الجيم وقد نقل عن سيبويه ما يؤدي هذا المعنى.

(1)

للبغوي (2/ 397).

(2)

سورة الأعراف: الآية 145.

(3)

هو سفيان بن عيينة، والأثر المذكور أخرجه الترمذي رقم (596) وانظر شرح السنة للبغوي (2/ 399).

(4)

انظر القاموس المحيط ص 503. ومعجم مقاييس اللغة ص 355.

(5)

في (جـ): (يطلق).

(6)

في "مرقاة المفاتيح"(3/ 420 رقم (717).

(7)

هو محمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبي، أبو عبد الله، حافظ فقيه، توفي سنة (330 هـ) انظر:"طبقات الحفاظ" للذهبي (3/ 836 - 837).

(8)

في "مرقاة المفاتيح"(3/ 420 رقم 717).

ص: 566

قوله: (وأن تنظف) بالظاء المشالة لا بالضاد فإنه تصحيف ومعناه تطهر كما في رواية ابن ماجه

(1)

والمراد تنظيفها من الوسخ والدنس.

قوله: (وتطيب) قال ابن رسلان: بطيب الرجال: وهو ما خفي لونه وظهر ريحه، فإن اللون ربما شغل بصر المصلي.

والأولى في تطييب المسجد مواضع المصلين ومواضع سجودهم أولى ويجوز أن يحمل التطييب على التجمير في المسجد والظاهر أن الأمر ببناء المساجد للندب لحديث: "جعلت لنا الأرض مسجدًا"

(2)

وحديث: "أينما أدركت الصلاة فصل"

(3)

.

40/ 633 - (وعَنْ جابِرٍ [رضي الله تعالى عنه]

(4)

أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أَكَلَ الثَّوْمَ والبَصَلَ والْكرَّاثَ فلَا يَقْرَبَنَّ مسْجِدَنا فَإِنَّ الْمَلَائكَةَ تَتَأذى مِمَّا يَتَأذى منهُ بَنُو آدَمَ". متَّفَقٌ عَلَيه)

(5)

. [صحيح]

قال النووي

(6)

بعد أن ذكر حديث مسلم بلفظ: "فلا يقربن المساجد". هذا تصريح بنهي من أكل الثوم ونحوه عن دخول كل مسجد وهذا مذهب العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي عياض

(7)

عن بعض العلماء أن النهي خاص بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لقوله في رواية "مسجدنا" وحجة الجمهور "فلا يقربن المساجد". [قال ابن دقيق العيد

(8)

: ويكون مسجدنا للجنس أو لضرب المثال فإنه معلل إما بتأذي الآدميين أو بتأذي

(1)

في السنن رقم (758) و (759) وهو حديث صحيح.

(2)

تقدم تخريجه برقم (358) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم تخريجه خلال شرح الحديث رقم (18/ 611) من كتابنا هذا.

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

أخرجه أحمد (3/ 400) والبخاري رقم (854) ومسلم رقم (564).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3822) والنسائي في الكبرى رقم (6679) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 240 وأبو عوانة (1/ 410) والطبراني في الصغير رقم (1126 - الروض الداني) والبيهقي (2/ 76) والبغوي في شرح السنة رقم (496) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 47 - 48).

(7)

في "إكمال المعلم"(2/ 497).

(8)

في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" له (2/ 514 - مع حاشية العدة للأمير الصنعاني).

ص: 567

الملائكة الحاضرين وذلك قد يوجد في المساجد كلها] ثم إن النهي إنما هو عن حضور المسجد لا عن أكل الثوم والبصل ونحوهما فهذه البقول حلال بإجماع من يعتد به.

وحكى القاضي عياض

(1)

عن أهل الظاهر تحريمها لأنها تمنع عن حضور الجماعة وهي عندهم فرض عين وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الباب: "كُلْ فإني أناجي من لا تناجي"

(2)

وقوله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس ليس لي تحريم ما أَحل الله ولكنها شجرة أكره ريحها" أخرجه مسلم

(3)

وغيره

(4)

.

قال العلماء: ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها.

قال القاضي عياض

(5)

: ويلحق به من أكل فجلًا وكان يتجشأ. قال: قال ابن المرابط

(6)

: ويلحق به من به بخر في فيه أو به جرح له رائحة.

قال القاضي

(7)

: وقاس العلماء على هذا مجامع الصلاة غير المسجد كمصلى العيد والجنائز ونحوهما من مجامع العبادات وكذا مجامع العلم والذكر والولائم ونحوها [ولا يلحق]

(8)

بها الأسواق ونحوها" انتهى.

وفيه أن العلة إن كانت هي التأذي فلا وجه لإخراج [الأسواق]

(9)

وإن كانت مركبة من التأذي وكونه حاصلًا للمشتغلين بطاعة صح ذلك ولكن العلة المذكورة في الحديث هي تأذي الملائكة فينبغي الاقتصار على إلحاق المواطن التي تحضرها الملائكة.

وقد ورد في حديث عند مسلم

(10)

بلفظ: "لا يؤذينا بريح الثوم" وهي

(1)

في "إكمال المعلم"(2/ 497).

(2)

أخرجه البخاري رقم (855) ومسلم رقم (73/ 564).

(3)

في صحيحه رقم (565). من حديث أبي سعيد.

(4)

كأبي داود في سننه رقم (3823).

(5)

في "إكمال المعلم"(2/ 497).

(6)

هو محمد بن خلف بن سعيد بن وهب الأندلسي، أبو عبد لله، له شرح على البخاري توفي سنة (485 هـ).

انظر: "الوافي بالوفيات"(3/ 46 - 47) ومعجم المؤلفين (9/ 284).

(7)

في "إكمال المعلم" له (2/ 497).

(8)

في (جـ): (ولا تلحق).

(9)

في (ب): [السوق].

(10)

في صحيحه رقم (71/ 563) من حديث أبي هريرة.

ص: 568

تقتضي التعليل بتأذي بني آدم. قال ابن دقيق العيد

(1)

: "والظاهر أن كل واحد منهما علة مستقلة" انتهى. وعلى هذا الأسواق كغيرها من مجامع العبادات.

وقد استدل بالحديث على عدم وجوب الجماعة قال ابن دقيق العيد

(2)

: وتقريره أن يقال كل هذه الأمور جائزة [بما]

(3)

ذكرنا ومن لوازمه ترك صلاة الجماعة في حق آكلها ولازم الجائز جائز، فترك الجماعة في حق آكلها جائز، وذلك ينافي الوجوب. وأهل الظاهر القائلون بتحريم أكل ما له رائحة كريهة يقولون: إن صلاة الجماعة واجبة على الأعيان ولا تتم إلا بترك أكل الثوم لهذا الحديث وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

(4)

. فترك أكل ذلك واجب.

قوله: (فإن الملائكة تتأذى) قال النووي

(5)

: هو بتشديد الذال. وقع في أكثر الأصول بالتخفيف وهي لغة، يقال أذى يأذى مثل عمي يعمى.

قال

(6)

: قال العلماء: وفي هذا الحديث دليل على منع من أكل الثوم من دخول المسجد وإن كان خاليًا لأنه محل الملائكة ولعموم الأحاديث.

[الباب الرابع عشر] باب ما يقول إذا دخل المسجد وإذا خرج منه

41/ 634 - (عَنْ أَبي حمَيْدٍ وَأَبِي أُسَيْدٍ [رضي الله تعالى عنهما]

(7)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَ أحَدُكُمْ الْمَسْجدَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لَنَا أبْوَابَ رَحمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(8)

. والنسائيُّ

(9)

وَكَذا مُسْلِمٌ

(10)

(1)

في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" له (2/ 517 - مع حاشية العدة للأمير الصنعاني).

(2)

المرجع السابق (2/ 513).

(3)

في (ب): [لما].

(4)

انظر: "شرح الكوكب المنير"(1/ 357 - 359).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 49).

(6)

أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (5/ 49).

(7)

زيادة من (جـ).

(8)

في المسند (3/ 497).

(9)

في السنن (2/ 53) وفي الكبرى رقم (808) وفي عمل اليوم والليلة رقم (177).

(10)

في صحيحه رقم (713).

ص: 569

وأبُو داودَ

(1)

، وقَال: عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أو عن أبِي أُسَيْدٍ بالشَّكِّ). [صحيح]

وأخرجه أيضًا ابن ماجه

(2)

عن أبي حميد

(3)

وحده، وهو عبد الرحمن بن سعد الساعدي. وأبو أسيد

(4)

بضم الهمزة مصغرًا هو مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري.

قوله: (فليقل) وفي رواية أبي داود (1)"فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل".

وروى ابن السني

(5)

عن أنس "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلَ المسجدَ قال: بسم اللهِ اللَّهُمَّ صلِّ على محمد، وإذا خرجَ قال: بسم الله اللهمَّ صل على محمدٍ".

قال النووي

(6)

: وَرُويِّنا الصلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجدِ والخروجِ منه من روايةِ ابن عمرَ أيضًا، وسيأتي حديث فاطمة

(7)

عليها السلام.

قوله: (افتح لنا)، رواية أبي داود

(8)

"افتح لي" ويجمع بينهما بأن المنفرد يقول: اللهم افتح لي وإذا دخل ومعه غيره يقول اللهم افتح لنا، كذا قال ابن رسلان.

(1)

في سننه رقم (465).

(2)

في سننه رقم (772).

(3)

أبو حميد الساعدي: صحابي مشهور، اسمه: المنذر بن سعد بن المنذر، أو ابن مالك، وقيل: اسمه عبد الرحمن، وقيل: عمرو، شهد أحدًا وما بعدها، وعاش إلى أوَّل خلافة يزيد سنة ستين. ع.

"التقريب" رقم الترجمة (8065).

(4)

أبو أسيد الساعدي، مالك بن ربيعة بن البَدَن، مشهور بكنيته، شهدَ بدرًا وغيرها

"التقريب" رقم الترجمة (6436).

(5)

في "عمل اليوم والليلة" رقم (88) وقد حسنه الألباني في تخريج الكلم الطيب رقم (63).

(6)

في "الأذكار" ص 85 عقب الحديث رقم (3/ 71).

وأخرج ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (89) حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: علم النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما إذا دخل المسجد أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: "اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وافتح لنا أبواب رحمتك" وإذا خرج صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: "اللهم اغفر لنا ذنوبنا وافتح لنا أبواب فضلك".

إسناده ضعيف. لضعف سالم بن عبد الأعلى.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 32) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سالم بن عبد الأعلى وهو متروك.

(7)

برقم (42/ 635) من كتابنا هذا.

(8)

في السنن رقم (465).

ص: 570

قوله: (اللهم إني أسألك من فضلك) في رواية الطبراني في الأوسط

(1)

عن ابن عمر "وإذا خرج قال: اللهم افتح لنا أبواب فضلك" وفي إسناده سالم بن عبد الأعلى

(2)

.

قال ابن رسلان: وسؤال الفضل عند الخروج موافق لقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ}

(3)

يعني الرزق الحلال.

وقيل: وابتغوا من فضل الله هو طلب العلم، والوجهان متقاربان، فإن العلم هو من رزق الله تعالى لأن الرزق لا يختص بقوت الأبدان بل يدخل فيه قوت الأرواح والأسماع وغيرها.

وقيل: فضل الله عيادة مريض وزيارة أخ صالح.

42/ 635 - (وَعَنْ فاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ الله [تعالى]

(4)

عنها قالَتْ: كان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قالَ: "بِسْمِ الله والسلامُ على رَسُولِ الله اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أبْوَابَ رَحمَتِك"، وَإِذَا خَرجَ قالَ:"بِسْمِ الله والسَلامُ على رَسُولِ الله اللَّهُمَّ اكْفِرْ لِي ذُنُوبِي وافْتَحْ لِي أبْوَابَ فَضْلِكَ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وابْنُ ماجَهْ)

(6)

. [حسن]

الحديث إسناده في سنن ابن ماجه هكذا: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، وأبو معاوية

(7)

، عن ليث

(8)

، عن عبد الله بن الحسن، عن

(1)

(2/ 32 - مجمع الزوائد) وقد تقدم آنفًا.

(2)

انظر ترجمته في "الميزان"(2/ 112 رقم 3054).

(3)

سورة الجمعة: الآية 10.

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في المسند (6/ 283).

(6)

في سننه رقم (771).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (314) وأبو يعلى رقم (6822 - 6823).

والبغوي في شرح السنة رقم (481).

قال الترمذي: حديث فاطمة حديث حسن. وليس إسناده بمتصل، وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى، إنما عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أشهرًا.

(7)

أبو معاوية: هو محمد بن خازم. بمعجمتين، الضرير الكوفي، ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره "التقريب"(2/ 157).

(8)

هو الليث بن أبي سليم بن زُنَيم، صدوق، اختلط أخيرًا، ولم يتميّز حديثه فتُرك. "التقريب"(1/ 138).

ص: 571

أمه عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وفيه انقطاع لأن فاطمة بنت الحسين وهي أم عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي لم تدرك فاطمة الزهراء رضي الله عنها

(1)

، وليث المذكور في الإسناد إن كان ابن أبي سليم ففيه مقال معروف

(2)

.

وهذا الحديث فيه زيادة التسمية والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء بالمغفرة في الدخول والخروج، وزيادة التسليم ثابتة عند أبي داود

(3)

في الحديث الأول وابن مردويه

(4)

، وزيادة التسمية ثابتة عند ابن السني

(5)

من حديث أنس كما تقدم وعن ابن مردويه وقد تقدمت زيادة الصلاة فينبغي لداخل المسجد والخارج منه أن يجمع بين التسمية والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء بالمغفرة والدعاء بالفتح لأبواب الرحمة داخلًا ولأبواب الفضل خارجًا، ويزيد في الخروج سؤال الفضل

(6)

.

وينبغي أيضًا أن يضم إلى ذلك ما أخرجه أبو داود

(7)

من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان إذا دخلَ المسجِدَ قال: "أعوذُ باللهِ العظيمِ وبوجههِ الكريمِ وسلطانِهِ القديمِ من الشَّيطانِ الرجيم" قال: فإذا قال ذلك قالَ الشيطانُ: حُفِظَ مني سائر اليوم".

وما أخرج الحاكم في المستدرك

(8)

وقال: صحيح على شرط الشيخين عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ}

(9)

قال: هو المسجد إذا دخلته فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

(1)

انظر سنن الترمذي (2/ 128).

(2)

وقد تقدم آنفًا أنه هو.

(3)

في السنن رقم (465) وهو حديث صحيح.

(4)

ابن مَرْدُوْيَه: هو أحمد بن موسى أبو بكر الأصبهاني، له مؤلفات في التاريخ والتفسير والحديث، توفي عام (410 هـ).

[شذرات الذهب (3/ 190) وتذكرة الحفاظ (3/ 1050)].

(5)

في عمل اليوم والليلة رقم (88) وهو حديث حسن.

(6)

قوله: ويزيد في الخروج سؤال الفضل" هذه الجملة لا معنى لها بعد قوله "ولأبواب الفضل خروجًا" أفاده الدكتور عبد الوهاب بن لطف الديلمي.

(7)

في السنن رقم (466) وهو حديث صحيح.

(8)

(2/ 401) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

(9)

سورة النور: الآية 61.

ص: 572

[الباب الخامس عشر] باب جامع فيما تصان عنه المساجد وما أبيح فيها

43/ 636 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(1)

قالَ: قالَ

رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَمعَ رَجُلًا يَنْشُدُ في مَسْجِدٍ ضَالَّةً فَلْيَقُلْ: لَا أَدَّاهَا. الله إلَيكَ، فإنَّ الْمساجِدَ لَمْ تُبْنَ لهذا"

(2)

. [صحيح]

44/ 637 - (وَعَنْ بُرَيْد [رضي الله تعالى عنه] (1) أن رَجُلًا نَشَدَ في الْمَسْجِدِ، فقالَ: مَنْ دَعا إلى الجَمَلِ الأحْمَرِ، فقالَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا وَجَدْتَ إِنَّمَا بُنيَتِ الْمَساجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لهُ". رَوَاهُما أحمَدُ وَمسُلِمٌ وابْنُ ماجَهْ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (يَنْشُد) بفتح الياء وضم الشين يقال: نشدت الضالة بمعنى طلبتها وأنشدتها عرفتها. والضالة تطلق على الذكر والأنثى، والجمع ضوال كدابة ودواب وهي مختصة بالحيوان، ويقال لغير الحيوان ضائع ولقيط.

[قال]

(4)

ابن رسلان.

قوله: (لا أداها الله إليك) فيه دليل على جواز الدعاء على الناشد في المسجد بعدم الوجدان معاقبة له في ماله معاملة له بنقيض قصده.

قال ابن رسلان: ويلحق بذلك من رفع صوته فيه بما يقتضي مصلحة ترجع إلى الرافع صوته قال: وفيه النهي عن رفع الصوت بنشد الضالة، وما في معناه من البيع والشراء والإجارة والعقود.

قال مالك

(5)

وجماعة من العلماء: يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 349) ومسلم رقم (79/ 568) وابن ماجه رقم (767) قلت: وأخرجه أبو داود رقم (473) وابن خزيمة (2/ 273 رقم 1302) والبيهقي (2/ 447) و (6/ 196) و (10/ 102 - 103) وأبو عوانة (1/ 406) وهو حديث صحيح.

(3)

أخرجه أحمد (5/ 360) ومسلم رقم (80/ 569) وابن ماجه رقم (765).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (1301) وابن حبان رقم (1652) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (150) والطيالسي رقم (804) والبيهقي (6/ 196).

(4)

في (ب) و (جـ): (قاله).

(5)

انظر: "قوانين الأحكام الشرعية" لابن جزيّ ص 64 وأخرج ابن عبد البر في كتاب "جامع =

ص: 573

وغيره وأجاز أبو حنيفة ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس لأنه مجمعهم ولا بد لهم منه

(1)

.

قوله: (وإنما بنيت المساجد لما بنيت له) قال النووي

(2)

: معناه

= بيان العلم وفضله" (1/ 554 رقم 924) عن أشهب قال: "سئل مالك عن رفع الصوت في المسجد في العلم وغيره. قال: لا خير في ذلك العلم ولا في غيره، لقد أدركت الناس قديمًا يعيبون ذلك على من يكون في مجلسه، ومن كان يكون في ذلك مسجده كان يعتذر منه، وأنا أكره ذلك ولا أرى فيه خيرًا" بسند ضعيف.

قال أبو عمر: أجاز ذلك قوم منهم أبو حنيفة.

عن سفيان بن عيينة قال: "مررت بأبي حنيفة وهو مع أصحابه في المسجد وقد ارتفعت أصواتهم، فقلت: يا أبا حنيفة! هذا في المسجد! والصوت لا ينبغي أن يرفع فيه. فقال: دعهم فإنهم لا يفقهون إلا بهذا" بسند حسن.

(1)

قال النووي في "المجموع"(2/ 204).

"يستحب عقد حلق العلم في المساجد وذكر المواعظ والرقائق ونحوها، والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة".

"ويجوز التحدث بالحديث المباح في المسجد وبأمور الدنيا وغيرها من المباحات وإن حصل فيه ضحك ونحوه ما دام مباحًا. لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام. قال: وكانوا يثحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم" رواه مسلم رقم (286/ 670) -.

وقال أبو عمر بن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم وفضله"(1/ 555): "احتج من أجاز رفع الصوت في المناظرة بالعلم وقال: لا بأس بذلك بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وقال: "تخفَف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة - ضاق علينا وقتها - ونحن نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته:"ويل للأعقاب من النار، - مرتين أو ثلاثًا - ".

أخرجه البخاري رقم (60، 96، 163) ومسلم رقم (241) وغيرهما - وتعقبه الزركشي في "إعلام الساجد بأحكام المساجد"(ص 327): بقوله: "وليس في الحديث أنهم كانوا في المسجد. وفي الصحيح - البخاري رقم (457) ومسلم رقم (20/ 1558) - عن ابن شهاب: حدثني عبد الله بن كعب بن مالك: أخبره عن أبيه، أنه تقاضى ابن أبي حدردٍ دَيْنًا كان له عليه، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجفَ حُجرته، ونادى كعب بن مالك. فقال: "يا كعب" فقال: لبيك يا رسول الله فأشار إليه بيده أنْ ضع الشطر من دَيْنك. قال كعب: قد فعلتُ، يا رسول الله! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم فاقضه".

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 55).

ص: 574

لذكر الله [تعالى]

(1)

والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحوها. قال القاضي عياض

(2)

: فيه دليل على منع الصنائع في المسجد

(3)

قال: وقال بعض شيخونا: إنما يمنع من الصنائع الخاصة، فأما العامة للمسلمين في دينهم فلا بأس بها وكره بعض المالكية تعليم الصبيان في المساجد

(4)

وقال: إنه من باب البيع وهذا إذا كان بأجرة، فإن كان بغير أجرة كان مكروهًا لعدم تحرزهم من الوسخ الذي يصان عنه المسجد، وقد تقدم اختلاف الأحاديث في دخولهم المساجد في باب حمل المحدث

(5)

.

45/ 638 - (وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله تعالى عنه]

(6)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَخَلَ فَسْجِدَنا هذا لِيَتَعَلَّمَ خَيرًا أَوْ لِيَعَلِّمَهُ كانَ كالْمُجاهِدِ في سَبِيلِ الله، وَمَنْ دَخَلَ لِغْيرِ ذلِكَ كانَ كالنَّاظِرِ إلَى ما لَيسَ لهُ". رَوَاهُ أحمَدُ

(7)

وابْنُ ماجَهْ

(8)

وقالَ: "هُوَ بِمَنْزِلةِ النَّاظِرِ إلى مَتَاعِ غَيره). [صحيح]

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" له (2/ 503).

(3)

"قال ابن الصباغ: تكره الخياطة في المسجد إلا أن يخيط ثوبه وما يحتاج إلى لبسه فلا يكره. وقال مالك: إن كانت الخياطة حرفة لم يصح اعتكافه لأنه يعد محترفًا لا معتكفًا.

وقال النووي: فأما من ينسخ فيه شيئًا من العلم أو اتفق قعوده فيه - فخاط ثوبًا ولم يجعله مقعدًا للخياطة فلا بأس به.

وقال الشيخ عز الدين في الفتاوى الموصلية: لا ينبغي أن يعمل في المسجد [ألا ترى أن] من دخل دار ملك فجلس بين يَدَيْ الملك وهو ينظر إليه، وإلى ما يفعل في بيته [كيف تكون حاله فيه].

وقال في "الروضة" يكره عمل الصنائع فيه، أي المداومة، أما لو دخل لصلاة أو اعتكاف فخاط ثوبه لم يكره. وأطلق الرافعي في باب الاعتكاف كراهة النسخ في المسجد إذا كثر. وينبغي تقييده بغير نسخ كتب العلم، أما هي فلا يكره سواءٌ قل أو كثر، وقد صرح بذلك النووي في شرح المهذب" اهـ. من كتاب "إعلام الساجد بأحكام المساجد" للزركشي ص 325 - 326.

(4)

"سئل القفال عن تعليم الصبيان في المسجد. فقال: الأغلب من الصبيان الضرر بالمسجد فيجوز منعهم" اهـ.

"وقال القرطبي: منع بعض العلماء من تعليم الصبيان فيه، ورأوا أنه من باب البيع، وهذا إذا كان بأجرة، فلو كان تبرعًا فهو ممنوع أيضًا لعدم تحرز الصبيان عن الفذر والوسخ، فيؤدي ذلك إلى عدم تنظيف المساجد، وقد ورد الأمر بتنظيفها

" إعلام الساجد للزركشي ص 327.

(5)

الباب الثاني: عند الحديث رقم (5/ 598) من كتابنا هذا.

(6)

زيادة من (جـ).

(7)

في المسند (2/ 350) و (2/ 527).

(8)

في السنن رقم (227) بلفظ: "من جاء مسجدي هذا

الحديث. =

ص: 575

الحديث إسناده في سنن ابن ماجه هكذا: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر عن المقبري عن أبي هريرة فذكره، وحاتم بن إسماعيل

(1)

قد وثقه ابن سعد وهو صدوق كان يهم، وبقية الإسناد ثقات، وحميد بن صخر هو حميد الطويل الإمام الكبير.

قوله: (مسجدنا هذا) فيه تصريح بأن الأجر المترتب على الدخول إنما يحصل لمن كان في مسجده صلى الله عليه وسلم ولا يصح إلحاق غيره به من المساجد التي هي دونه في الفضيلة لأنه قياس مع الفارق.

قوله: (ليتعلَّم خيرًا أو ليعلِّمه) فيه أن الثواب المذكور إنما يتسبب عن هذه الطاعة الخاصة لا عن كل طاعة. وفيه أيضًا التنويه بشرف تعلم العلم وتعليمه لأنه هو الخير الذي لا يُقَادَرُ قَدْرُهُ. وهذا إن جعل تنكير الخير للتعظيم، ويمكن إدارج كل تعلم وتعليم لخير أي خير كان تحت ذلك فيدخل كل ما فيه قربة يتعلمها الداخل أو يعلمها غيره، وفيه أيضًا التسوية بين العالم

= قلت: وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان" رقم (1698) والحاكم في المستدرك (1/ 91) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بجميع رواته ثم لم يخرجاه، ولا أعلم له علة.

قلت: بل إسناد ابن ماجه على شرط مسلم كما قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 95) وفي الزوائد (ص 58 رقم 60).

وقال المنذري في "الترغيب والترهيب"(1/ 139)، وليس في إسناده من تُرك ولا من أُجمع على ضعفه" اهـ.

وصححه المحدث الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 146 رقم 87/ 4).

(1)

حاتم بن إسماعيل المدني، أبو إسماعيل الحارثيُّ مولاهُم، أصله من الكوفة، صحيح الكِتاب: صدوق يهم من الثامنة، مات سنة 186 هـ أو 187 هـ.

وقال المحرران: بل ثقة، وثقة يحيى بن معين، والدارقطني، وابن حبان، والعجلي، والذهبي، وقال أحمد:"حاتم بن إسماعيل أحبُّ إليَّ من الدراوردي، زعموا أن حاتمًا فيه غَفْلَة إلا أن كتابه صالح. قلت: في هذا القول توثيق له لا تضعيف، لتفضيله على الدراوَرْدِي أولًا، ولقوله: "زعموا".

وقد أخرج له البخاري ومسلم في "صحيحهما" على أن علي بن المديني تكلَّم في أحاديثه عن جعفر بن محمد المعروف بالصادق. ولم يخرج له البخاري شيئًا من روايته عن جعفر، بل أخرج ما تُوبعَ عليه من روايته عن غير جعفر".

ص: 576

والمتعلم والإرشاد إلى أن التعليم والتعلم في المسجد أفضل من سائر الأمكنة.

قوله: (ومن دخل لغير ذلك إلخ) ظاهره أن كل ما ليس فيه تعليم ولا تعلم من أنواع الخير لا يجوز فعله في المسجد ولا بد من تقييده بما عدا الصلاة والذكر والاعتكاف ونحوها مما ورد فعله في المسجد أو الإرشاد إلى فعله فيه.

والحديث يدل على أن المسجد لم يوضع لكل طاعة بل لطاعات مخصوصة لتقييد الخير في الحديث بالتعليم والتعلم.

46/ 639 - (وَعَنْ حَكيمِ بْنِ حِزَامٍ [- رضي الله تعالى عنه -]،

(1)

قالَ: قالَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تُقَامُ الْحدُودُ في الْمساجِدِ وَلَا يُسْتَقَادُ فيها". رَواهُ أحمدُ

(2)

وأبُو دَاوُدَ

(3)

والدارَقُطْنِيُّ)

(4)

. [حسن]

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم

(5)

وابن السكن

(6)

والبيهقي

(7)

، قال الحافظ في التلخيص

(8)

: ولا بأس بإسناده، وقال في بلوغ المرام

(9)

: إن إسناده ضعيف.

وفي الباب عن ابن عباس عند الترمذي

(10)

وابن ماجه

(11)

، وفيه

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المسند (3/ 434).

(3)

في سننه رقم (4490).

(4)

في سننه (3/ 85 - 86).

(5)

في المستدرك (4/ 378) وسكت عنه الحاكم.

(6)

عزاه إليه الحافظ في (التلخيص)(4/ 77).

(7)

في السنن الكبرى (8/ 328).

(8)

في (التلخيص)(4/ 78).

(9)

رقم (8/ 243) بتحقيقي.

قلت: وسكت عنه الحاكم، ورجاله ثقات غير زفر بن وثيمة، قال في (الميزان) (2/ 71 رقم (2868) وقد ذكر له هذا الحديث:"وضعفه عبد الحق أعني الحديث، وقال ابن القطان: علته الجهل بحال زفر، تفرد عنه الشعيثي. قلت: وقد وثقه ابن معين ودُحيم".

وقد تابعه العباس بن عبد الرحمن المدني عند أحمد (3/ 434) والظاهر أنه مولى بني هاشم، وهو في عداد المجهولين، كما ذكره الحسيني في (الإكمال) ص (226).

والخلاصة أن الحديث حسن واللَّه أعلم.

وانظر إرواء الغليل (7/ 361) - (363) رقم (2327).

(10)

في سننه رقم (1401).

(11)

في سننه رقم (2599).

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 190) وأبو نعيم في الحلية (4/ 18) والبيهقي (8/ 39). =

ص: 577

إسماعيل بن مسلم المكي

(1)

وهو ضعيف من قبل حفظه.

وعن جبير بن مطعم عند البزار

(2)

، وفيه الواقدي

(3)

.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده

(4)

وفيه ابن لهيعة

(5)

.

والحديث يدل على تحريم إقامة الحدود في المساجد وتحريم الاستقادة فيها لأن النهي كما تقرر في الأصول حقيقة في التحريم ولا صارف له ههنا

= وقال الترمذي لا نعرفه بهذا الإسناد مرفوعًا إلا من حديث إسماعيل بن مسلم، وإسماعيل بن مسلم المكي قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه.

ولهذا الحديث متابعات انظرها في (إرواء الغليل)(7/ 271 - 272).

والخلاصة أن الحديث حسن واللَّه أعلم.

(1)

إسماعيل بن مسلم المكي، أبو إسحاق، كان من البصرة، ثم سكن مكة، وكان فقيهًا ضعيف الحديث. من الخامسة. (التقريب) رقم الترجمة (484).

(2)

في المسند رقم (1565 - كشف).

وأورده الهيثمي في (المجمع)(6/ 282): وقال: (رواه البزار وفيه الواقدي وهو ضعيف لتدليسه، وقد صرح بالسماع، وقد صرح بالتحديث).

(3)

محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، مولاهم الواقدي المدني القاضي، صاحب التصانيف، وأحدُ أوعية العلم على ضعفه.

قال أحمد بن حنبل: هو كذاب، يقلب الأحاديث، ..

قال ابن معين: ليس بثقة. وقال مرة: لا يكتب حديثه

وقال البخاري وأبو حاتم: متروك.

وقال أبو حاتم أيضًا والنسائي: يضع الحديث.

وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه

(الميزان)(3/ 662) - (666) رقم الترجمة (7993).

(4)

أخرجه ابن ماجه رقم (2600)

قال البوصيري في (مصباح الزجاجة)(2/ 321): (هذا إسناد ضعيف، لضعف ابن لهيعة. وله شاهد من حديث ابن عباس، رواه الترمذي وابن ماجه) اهـ.

وقال أيضًا في الزوائد): (في إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف مدلس، ومحمد بن عجلان مدلس أيضًا) اهـ.

وقال الألباني رحمه الله في الإرواء (7/ 363) متعقبًا على من اتهم محمد بن عجلان بالتدليس بقوله: (فهو مع عدم وجوده في نسختنا من الزوائد)(161/ 1) فإني لم أر من رمى ابن عجلان بالتدليس واللَّه أعلم) اهـ.

وخلاصة القول أن الحديث حسن لغيره واللَّه أعلم.

(5)

تقدم الكلام عليه.

ص: 578

عن معناه الحقيقي

(1)

.

47/ 640 - وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [- رضي اللَّه تعالى عنه -]،

(2)

أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: (إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أوْ يبْتَاعُ في المسْجِدِ فقُولُوا: لَا أَرْبَحَ الله تِجَارَتَكَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةَ فَقُولُوا: لَا رَدَّ الله عَلَيْكَ). رَوَاهُ التْرمِذِيُّ)

(3)

. [صحيح]

48/ 641 - (وعَنْ عَمْرو بْن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ [- رضي اللَّه تعالى عنهم -] (2) قالَ: نَهى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَن الشِّرَاءِ والبَيْعِ في الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الأشْعَارُ، وأنْ تُنْشَدَ فِيهِ الضَّالَّةُ، وَعَنْ الحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْل الصلَاةِ. رَوَاهُ الخمْسَةُ وَليسَ لِلنَّسَائيِّ فِيهِ إنْشَادُ الضَّالَّةِ)

(4)

. [حسن]

(1)

انظر: (إعلام الساجد) للزركشي ص (371 - 372).

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

في سننه (3/ 610) رقم (1321) وقال: حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) رقم (176) وابن السني في (عمل اليوم والليلة) رقم (154) والدارمي (1/ 326) وابن حبان رقم (313) - موارد) وابن خزيمة (2/ 274) رقم (1305) والحاكم (2/ 56) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 447) وابن الجارود في (المنتقى) رقم (562).

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وصححه الألباني رحمه الله في الإرواء رقم (1295).

(4)

أخرجه أحمد (2/ 179) وأبو داود رقم (1079) وابن خزيمة رقم (1304) بتمامه. وهو حديث حسن.

- وأخرجه دون إنشاد الضالة: الترمذي رقم (322) والبغوي في شرح السنة رقم (485) وهو حديث حسن.

- وأخرج النهي عن البيع والتحلق في المسجد: النسائي في (الكبرى) رقم (793) وفي (الصغرى)(2/ 47 - 48) وهو حديث حسن.

- وأخرج النهي عن البيع وتناشد الأشعار: ابنُ ماجه رقم (749) وهو حديث حسن.

- وأخرج النهي عن البيع وإنشاد الضالة: البيهقي في السنن الكبرى (2/ 448).

- وأخرج النهي عن تناشد الأشعار في المسجد: النسائي في (الكبرى) رقم (794) والصغرى (2/ 48) وفي (عمل اليوم والليلة) رقم (173) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 448) وهو حديث حسن.

- وأخرج النهي عن إنشاد الضالة: ابن ماجه رقم (766) وهو حديث حسن.

- وأخرج النهي عن التحلُّق في المسجد: ابن ماجه رقم (1133) وهو حديث حسن.

ص: 579

الحديث الأول أخرجه النسائي في اليوم والليلة

(1)

وحسنه الترمذي

(2)

.

والحديث الثاني حسنه الترمذي

(3)

وصححه ابن خزيمة

(4)

.

قال الحافظ في الفتح: وإسناده صحيح إلى عمرو بن شعيب فمن يصحح نسخته يصححه. قال: وفي المعنى أحاديث لكن في أسانيدها مقال انتهى.

وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيه مقال مشهور

(5)

. قال الترمذي

(6)

: (قال محمد بن إسماعيلَ: رأيتُ أحمدَ وإسحاقَ وذكَرَ غيرهُما - يحتجُّون بحديثِ عمرو بن شعيب.

قال

(7)

: وقد سمعَ شعيبُ بن محمدٍ من [جدِّه]

(8)

عبد الله بن عمرو.

قال أبو عيسى: ومن تكلَّم في حديث عمرو بن شعيبٍ إنما ضعَّفَهُ لأنه يُحَدِّثُ من صحيفَةِ جدِّه كأنهم رَأَوْا أنه لم يَسمعْ هذه الأحاديثَ من جَدِّهِ.

قال عليُّ بن عبد الله المديني: قال يحيى بن سعيد: حديثُ عمرو بن شعيبٍ عندنا وَاهٍ).

وفي الباب عن بريدة عند مسلم

(9)

وابن ماجه

(10)

والنسائي

(11)

.

وعن جابر عند النسائي

(12)

.

وعن أنس عند الطبراني

(13)

، قال العراقي: ورجاله ثقات.

(1)

رقم (176) وقد تقدم.

(2)

في سننه (3/ 610).

(3)

في سننه (2/ 140).

(4)

في صحيحه رقم (1304) وقد تقدم.

(5)

تقدم الكلام عليه، في كتابنا هذا، وانظر الميزان (3/ 264 - 266) وتعليق أبو الأشبال على الحديث في سنن الترمذي (2/ 140 - 144) رقم (322).

(6)

في السنن (2/ 140).

(7)

أي محمد بن إسماعيل البخاري.

(8)

زيادة من سنن الترمذي.

(9)

في صحيحه رقم (569).

(10)

في سننه رقم (765).

(11)

في عمل اليوم والليلة رقم (174).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (5/ 360، 361) وابن خزيمة رقم (1301) وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 419) وغيرهم وهو حديث صحيح.

(12)

في السنن (2/ 48) - (49) رقم (717) وهو حديث صحيح.

(13)

في (الأوسط) رقم (1677).

وأورده الهيثمي في (مجمع الزوائد)(2/ 24) وقال: ورجاله ثقات.

ص: 580

وعن أبي هريرة من طريق أخرى غير التي في الباب عند مسلم

(1)

.

وعن سعد بن أبي وقاص عند البزار

(2)

، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة

(3)

.

وعن ابن مسعود عند البزار

(4)

أيضًا والطبراني

(5)

.

وعن ثوبان عند الطبراني

(6)

أيضًا، وثوبان هذا ليس بثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يورده ابن حبان في الصحابة ولا ابن عبد البر وأورده ابن منده.

وعن معاذ بن جبل عند الطبراني

(7)

أيضًا.

وعن ابن عمر عند ابن ماجه

(8)

.

وعن واثلة بن الأسقع عند ابن ماجه

(9)

أيضًا.

(1)

في صحيحه رقم (568).

(2)

في المسند رقم (1369) - (كشف). وقال البزار: لا نعلمه عن سعد إلا بهذا الإسناد وأورده الهيثمي في (مجمع الزوائد)(4/ 170) وقال: وفيه أبو سعيد الأعسم، ولم أعرفه، والحجاج بن أرطاة وهو مدلس).

قلت: القائل خليل بن محمد العربي في (الفرائد على مجمع الزوائد) ص (417) -:

(هو أبو سعيد الأعسم الأسدي، ترجم له البخاري في الكبير - كتاب الكنى ص (35) - وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل - (9/ 376) - ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وأخشى أن يكون هو عمرو بن محمد بن الحسن الزمن المعروف بالأعسم، المترجم في (تاريخ بغداد) - (2/ 204) - والذي قال فيه الدارقطني: منكر الحديث. وفي رواية أخرى: ضعيف كثير الوهم، واللَّه أعلم) اهـ.

(3)

انظر ترجمته في التاريخ الكبير (2/ 378) والمجروحين (1/ 225) والجرح والتعديل (3/ 154) والميزان (1/ 458) والخلاصة ص (72).

فقد قال البخاري عنه متروك الحديث لا نقر به.

(4)

في المسند (رقم (1370) - (كشف) وقال: لا نعلمه عن عبد الله إلا بهذا الإسناد.

وأورده الهيثمي في (مجمع الزوائد)(4/ 170) وقال: ورجاله رجال الصحيح خلا محمد بن إسماعيل بن سمرة وهو ثقة).

(5)

لم أقف عليه عند الطبراني.

(6)

في الكبير رقم (1454) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 25)، وقال من رواية عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه ولم أجد من ترجمه.

(7)

في الكبير كما في (مجمع الزوائد)(2/ 26) وقال الهيثمي: مكحول لم يسمع من معاذ.

(8)

في السنن رقم (748) وهو حديث ضعيف ما عدا الخصلة الأولى فهي صحيحة.

(9)

في السنن رقم (750) وهو حديث ضعيف.

ص: 581

وعن عصمة عند الطبراني

(1)

.

وعن أبي سعيد عند ابن أبي حاتم في العلل

(2)

.

والحديثان يدلان على تحريم البيع والشراء وإنشاد الضالة وإنشاد الأشعار والتحلق يوم الجمعة قبل الصلاة.

وقد تقدم الكلام في إنشاد الضالة.

أما البيع والشراء فذهب جمهور العلماء إلى أن النهي محمول على الكراهة.

قال العراقي: وقد أجمع العلماء على أن ما عقد من البيع في المسجد لا يجوز نقضه، وهكذا قال الماوردي. وأنت خبير بأن حمل النهي على الكراهة يحتاج إلى قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي الذي هو التحريم عند القائلين بأن النهي حقيقة في التحريم وهو الحق وإجماعهم على عدم جواز النقض وصحة العقد لا منافاة بينه وبين التحريم

(3)

فلا يصح جعله قرينة لحمل النهي على الكراهة.

وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنه لا يكره البيع والشراء في المسجد والأحاديث ترد عليه.

وفرق أصحاب أبي حنيفة بين أن يغلب ذلك ويكثر فيكره أو يقل فلا كراهة وهو فرق لا دليل عليه

(4)

.

(1)

في الكبير ج (17) رقم (181).

(2)

(1/ 96 - 97) رقم (260).

(3)

بمعنى أن النهي عن البيع في المسجد يدل على التحريم، ولا ينفي ذلك صحة البيع، فالبيع يصح مع وقوع المتبايعين في الإثم لارتكابهما ما هو منهيّ عنه.

وقوله: (فلا يصح جعله

إلخ) أي لا يصح جعل صحة البيع قرينة لحمل النهي على الكراهة. واللَّه أعلم. أفاده الدكتور عبد الوهاب بن لطف الديلمي.

(4)

قال ابن قدامة في (المغني)(6/ 383): (ويكره البيع والشراء في المسجد، وبه قال إسحاق، لحديث أبي هريرة الصحيح المتقدم برقم (47/ 640) من كتابنا هذا - ولأن المساجد لم تبن لهذا

فإن باع فالبيع صحيح، لأن البيع تم بأركانه وشروطه، ولم يثبت وجود مفسدٍ له، وكراهةُ ذلك لا توجب الفساد، كالغش في البيع، والتدليس والتصرية. وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم =

ص: 582

وأما إنشاد الأشعار في المسجد فحديث الباب وما في معناه يدل على عدم جوازه ويعارضه ما سيأتي من قصة عمرو حسان وتصريح حسان بأنه كان ينشد الشعر بالمسجد وفيه رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

، وكذلك حديث جابر بن سمرة الآتي

(2)

.

وقد جمع بين الأحاديث بوجهين.

(الأول): حمل النهي على التنزيه والرخصة على بيان الجواز.

(والثاني): حمل أحاديث الرخصة على الشعر الحسن المأذون فيه كهجاء حسان للمشركين ومدحه صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، ويحمل النهي على التفاخر والهجاء ونحو ذلك، ذكر هذين الوجهين العراقي في شرح الترمذي.

وقد بوّب النسائي

(3)

على قصة حسان مع عمر بن الخطاب فقال: باب الرخصة في إنشاد الشعر الحسن.

وقال الشافعي: الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح. وقد ورد هذا مرفوعًا في غير حديث.

فروى أبو يعلى

(4)

عن عائشة قالت: (سُئل رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الشعر فقالَ:

= (قولوا: لا أربح الله تجارتك) من غير إخبارٍ بفساد البيع، دليل على صحته واللَّه أعلم) اهـ.

قال أبو بكر بن المنذر في الأوسط (5/ 126 - 127): (وإذ نهى عن البيع والشرى في المسجد، ففي معناه أبواب المكاسب كلها، كان أحمد، وإسحاق يكرهان للخياطين الخياطة في المسجد، وسهل أحمد في الكتاب في المسجد.

قال أبو بكر: لا فرق بين كسب الخياط، وكسب الوراق) اهـ.

(1)

سيأتي برقم (51/ 644) من كتابنا هذا.

(2)

سيأتي برقم (50/ 643) من كتابنا هذا.

(3)

في السنن (2/ 48) في المساجد باب (24).

(4)

في المسند (8/ 200) رقم (44/ 4760) بسند حسن.

وأورده الهيثمي في (مجمع زوائد)(8/ 122) وقال: رواه أبو يعلى وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وثقه دحيم وجماعة وضعفه ابن معين وغيره وبقية رجاله رجاله الصحيح) اهـ.

وأورده السيوطي في (الجامع الصغير) رقم (4939) ورمز لحسنه.

وأورد الألباني في (صحيح الجامع) برقم (3733) وفي (الصحيحة).

خلال تخريج الحديث رقم (447). =

ص: 583

هو كلامٌ فحسنُهُ حسنٌ وقبيحُهُ قبيحٌ). قال العراقي: وإسناده حسن.

ورواه أيضًا البيهقي في سننه

(1)

من طريق أبي يعلى. ثم قال: وصله جماعة. والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.

وروى الطبراني في الأوسط

(2)

من رواية إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع وحبان بن حبلة وبكر بن سواد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشعر بمنزلة الكلام) فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام.

وقد جمع الحافظ

(3)

بين الأحاديث بحمل النهي على تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين وحمل المأذون فيه على ما سلم من ذلك.

ولكن حديث جابر بن سمرة الآتي فيه التصريح بأنهم كانوا يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية.

قال: وقيل المنهي عنه ما إذا كان التناشد غالبًا على المسجد حتى يتشاغل به من فيه، وأبعد [أبو عبد الله]

(4)

البُوني فأعمل أحاديث النهي وادعى النسخ في حديث الإذن، ولم يوافق على ذلك، حكاه ابن التين عنه انتهى.

= وللحديث شاهدان: عن عبد الله بن عمرو، وأبي هريرة، رضي الله عنهما.

• أما حديث عبد الله بن عمرو فقد أخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم (865) والدارقطني (4/ 156) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 138) والطبراني في الأوسط رقم (7696) ومدار أسانيدهم على عبد الرحمن بن زياد بن أنعم. وهو ضعيف.

والخلاصة أن الحديث صحيح لغيره.

• وأما حديث أبي هريرة فقد أخرجه الدارقطني (4/ 156) وفي إسناده إسماعيل بن عياش مدلس لا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالسماع ولم يصرح هنا.

(1)

(10/ 239).

(2)

رقم (7696) وقد تقدم آنفًا.

(3)

في (الفتح)(1/ 549).

(4)

كذا في المخطوط (أ، ب).

وفي فتح الباري (أبو عبد الملك) وكذا في ترجمته في (معجم المؤلفين (12/ 221).

وهو مروان بن محمد الأسدي الأندلسي البُوني المالكي أبو عبد الملك فقيه محدِّث حافظ، من أهل قرطبة. توفي سنة (440) هـ.

ص: 584

وقد تقرر أن الجمع بين الأحاديث ما أمكن هو الواجب وقد أمكن هنا بلا تعسف كما عرفت.

قال ابن العربي

(1)

: لا بأس بإنشاد الشعر في المسجد إذا كان في مدح الدين وإقامة الشرع، وإن كان فيه الخمر ممدوحة بصفاتها الخبيثة من طيب رائحة وحسن لون إلى غير ذلك مما يذكره من يعرفها.

وقد مدح فيه كعب بن زهير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

(2)

فقال:

بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبي اليومَ مَتْبولُ (2).

إلى قوله في صفة ريقها:

كأَنَّهُ مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مَعْلُوْلُ

(3)

.

قال العراقي: وهذه القصيدة قد رويناها من طرق لا يصح منها شيء وذكرها ابن إسحاق بسند منقطع

(4)

، وعلى تقدير ثبوت هذه القصيدة عن كعب

(1)

في عارضة الأحوذي (2/ 119 - 120).

(2)

وعجزه: مُتَيَّمٌ إثْرَهَا لم يُفْدَ مَكبول.

معاني كلمات البيت:

• تَبَلَه الحبّ يتبُلُه وأتبله: أسقمه وأفسده.

• المتيم: الذليل المستعبد.

• لم يُفْدَ: أي لم يخلَّص من الأسر.

• مكبول: مقيد.

(3)

وصدره: تَجْلُو عوارِضَ ذي ظُلْمٍ إذا تبسَمتْ.

وهو البيت الرابع من القصيدة.

• تجلو: تكشف.

• العوارض: الأسنان.

• الظَّلَم: ماء الأسنان وبريقها.

• المنهل: المسقى. من أنهله إذا سقاه. النَّهَلَ وهو الشراب الأول.

• الراح! الخمر.

• معلول: من العَلَل، وهو الشرب الثاني، يقال: سَقَوْا إبلَهِمْ عَلَلًا بعد نهَل.

انظر: (حاشية على شرح بانت سعاد لابن هشام) المؤلفة عبد القادر بن عمر البغدادي (1080) هـ - (1081) هـ (1669) م - (1670) م.

(4)

كما في سيرة ابن هشام (2/ 503 - 504).

ص: 585

وإنشادها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد أو غيره فليس فيها مدح الخمر وإنما فيها مدح ريقها وتشبيهه بالراح قال: ولا بأس بإنشاد الشعر في المسجد إذا لم يرفع به صوته بحيث يشوّش بذلك على مصلٍّ أو قارئ أو منتظر للصلاة، فإن أدّى إلى ذلك كره، ولو قيل بتحريمه لم يكن بعيدًا

(1)

.

وقد قدمنا ما يدل على النهي عن رفع الصوت في المساجد مطلقًا في باب حمل المحدث.

أما التحلق يوم الجمعة في المسجد قبل الصلاة فحمل النهي عنه الجمهور على الكراهة، وذلك لأنه ربما قطع الصفوف مع كونهم مأمورين بالتبكير يوم الجمعة والتراص في الصفوف الأول فالأول.

وقال الطحاوي: التحلق المنهي عنه قبل الصلاة إذا عم المسجد وغلبه فهو مكروه وغير ذلك لا بأس به والتقييد بقبل الصلاة يدل على جوازه بعدها للعلم والذكر.

والتقييد بيوم الجمعة يدل على جوازه في غيرها كما في الحديث المتفق عليه

(2)

من حديث أبي واقد الليثي، قال:(بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فأقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلفهم) الحديث.

وأما التحلق في المسجد في أمور الدنيا فغير جائز.

وفي حديث ابن مسعود

(3)

(سيكون في آخر الزمان قوم يجلسون في المساجد

(1)

قال النووي في (المجموع)(2/ 204): (لا بأس بإنشاد الشعر في المسجد إذا كان مدحًا للنبوة أو الإسلام، أو كان حكمة أو في مكارم الأخلاق أو الزهد ونحو ذلك من أنواع الخير، فأما ما فيه شيء مذموم كهجو مسلم أو صفة الخمر أو ذكر النساء أو المرد، أو مدح ظالم، أو افتخار منهي عن، أو غير ذلك فحرام

) اهـ.

(2)

أخرجه البخاري رقم (66) ومسلم رقم (2176).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 244 - (245) رقم (10452).

وأورده الهيثمي في (مجمع الزوائد)(2/ 24) وقال: وفيه بزيغ أبو الخليل ونسب إلى الوضع) اهـ.

وأورده الذهبي في الميزان (1/ 306 - 307) رقم الترجمة (1159) والحافظ ابن حجر في لسان الميزان (2/ 11 - 12) وابن عدي في الكامل (2/ 493).

ص: 586

حلقًا حلقًا أمانيهم الدنيا فلا تجالسوهم فإنه ليس للَّه فيهم حاجة) ذكره العراقي في شرح الترمذي قال: وإسناده ضعيف فيه بزيغ أبو الخليل وهو ضعيف جدًّا

(1)

.

قوله: (وعن الَحِلَق)

(2)

بفتح المهملة ويجوز كسرها واللام مفتوحة على كل حال جمع حلقة بإسكان اللام على غير قياس وحكى فتحها أيضًا كذا في الفتح

(3)

.

49/ 642 - (وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعد [رضي الله عنه]

(4)

أن رَجلًا قالَ: يا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلهُ؟ الحَدِيثَ: فَتَلاعَنَا في الْمَسْجِدِ وَأَنَا شاهِدٌ. مُتَّفَقٌ عليهِ)

(5)

. [صحيح]

الحديث سيأتي بطوله في كتاب اللعان

(6)

ويأتي شرحه إن شاء الله هنالك.

وساقه المصنف ههنا للاستدلال به على جواز اللعان في المسجد.

وقد جعلت الهادوية إيقاعه في غير المسجد مندوبًا ولا وجه له والتَّعلُّلْ بأنه ربما كان مفضيًا إلى الحد إذا أقر أحد الزوجين بكذبه باطل لأن تسبب الحد عنه نادرًا لا يستلزم وقوع الحد فيه.

50/ 643 - (وَعَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ [- رضي الله تعالى عنه -] (4) قالَ: شَهِدْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أكْثَرَ مِنْ مائَةِ مَرَّةٍ في الْمسْجِدِ وَأَصْحَابُهُ يَتَذاكَرُونَ الشِّعْرَ وَأَشياءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فرُبَّمَا تبَسَمَ مَعَهُمْ. رَوَاهُ أحمدُ)

(7)

. [حسن]

(1)

بزيغ بن حسان. عن الأعمش. يكنى أبا الخليل متهم.

قال ابن حبان: يأتي عن الثقات بأشياء موضوعات. كأنه المتعمد لها.

وقال ابن عدي: له هكذا مناكير لا يتابع عليها.

انظر مصادر الترجمة في التعليقة السابقة.

وخلاصة القول أن حدث ابن مسعود ضعيف جدًّا واللَّه أعلم.

(2)

في (جـ) هنا زيادة كلمة (الحلق.

(3)

(1/ 562)

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد (5/ 334) والبخاري رقم (423) ومسلم رقم (1492) وسيأتي تخريجه مطولًا برقم (4/ 2903) من كتابنا هذا.

(6)

الكتاب الخامس والثلاثون رقم الحديث (4/ 2903) من كتابنا هذا.

(7)

في المسند (5/ 91) وفيه شريك بن عبد الله النخعي، وإن كان سيء الحفظ فقد توبع.

ص: 587

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي

(1)

بلفظ (جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة فكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت فربما تبسم معهم) وقال: هذا حديث صحيح.

والحديث يدل على جواز إنشاد الشعر في المسجد وقد تقدم الكلام في ذلك.

51/ 644 - (وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ [- رضي الله تعالى عنه -]

(2)

قَالَ: مَرَّ عُمَرُ في الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ فِيهِ يَنْشُدُ فَلَحَظَ إليهِ، فقالَ: كُنْتُ أَنْشُدُ فيهِ، وفيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثمَّ الْتَفَتَ إلى أَبِي هُرَيْرَةَ، فقالَ: أَنْشُدكَ الله أسَمِعْتَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولَ: (أَجِبْ عنِّي اللَّهُمَّ أَيّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ؟) قالَ: نَعَمْ. مُتَّفَقٌ عليهِ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (قال مر عمر) رواية سعيد لهذه القصة مرسلة عندهم لأنه لم يدرك زمن المرور لكن يحمل على أن سعيدًا سمع ذلك من أبي هريرة بعد، أو من حسان، أو وقع لحسان استشهاد أبي هريرة مرة أخرى فحضر ذلك سعيد

(4)

.

قوله: (وفيه من هو خير منك) يعني النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: (أَنْشُدك الله) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أي سألتك الله [تعالى](2) والنَشد بفتح النون وسكون المعجمة التذكير.

قوله: (أيده بروح القدس) أي قوِّه. وروح القدس المراد به هنا جبريل بدليل حديث البراء عند البخاري

(5)

بلفظ (وجبريل معك) والمراد بالإجابة الرد

(1)

في سننه رقم (2850) وقال: حديث حسن صحيح، وقد رواه زهير عن سماك والخلاصة أن حديث جابر حديث حسن واللَّه أعلم.

(2)

زيادة من (جـ).

(3)

أخرجه أحمد (5/ 222) والبخاري رقم (3212) والنسائي في الكبرى رقم (795) وفي الصغرى (2/ 48) وفي (عمل اليوم والليلة) رقم (171). والحميدي رقم (1105) وابن حبان رقم (7148).

من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، به.

وأخرجه مسلم رقم (2485) وابن حبان رقم (1653) وابن خزيمة رقم (1307).

من طرق عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، به.

(4)

انظر: (فتح الباري)(1/ 548).

(5)

في صحيحه رقم (3213) ومسلم رقم (2486) من حديث البراء.

ص: 588

على الكفار الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الترمذي

(1)

عن عائشة قالت: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينصب لحسان منبرًا في المسجد فيقوم عليه يهجو الكفار) وأخرجه الحاكم في المستدرك

(2)

وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.

والحديث يدل على جواز إنشاد الشعر في المسجد وقد تقدم الجمع بين حديث الباب وبين ما يعارضه.

52/ 645 - (وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيم [- رضي الله تعالى عنه -]

(3)

عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِيًا في الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ على الأخْرَى. مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(4)

. [صحيح]

قوله: (واضعًا إحدى رجليه على الأخرى) قال الخطابي

(5)

: فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو عورته، والجواز حيث يؤمن من ذلك.

قال الحافظ

(6)

: الثاني أولى من ادعاء النسخ لأنه لا يثبت بالاحتمال. وممن جزَم به البيهقي

(7)

والبغوي

(8)

وغيرهما من المحدثين، وجزم ابن بطال

(9)

ومن تبعه بأنه منسوخ.

ويمكن أن يقال إن النهي عن وضع إحدى الرجلين على الأخرى الثابت في مسلم

(10)

وسنن أبي داود

(11)

عام، وفعله صلى الله عليه وسلم لذلك مقصور عليه فلا يؤخذ من

(1)

في السنن رقم (2846) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

(2)

في المستدرك (3/ 487) وصححه ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (5015) وهو حديث حسن.

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

أحمد في المسند (4/ 39، 40) والبخاري رقم (475) ومسلم رقم (2100) قلت: وأخرجه أبو داود رقم (4866) والنسائي في الكبرى رقم (800) وفي الصغرى (2/ 50) وابن حبان رقم (5552) والبغوي في شرح السنة رقم (486) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 278).

(5)

في معالم السنن (5/ 187) - (هامش السنن).

(6)

في (الفتح)(1/ 563).

(7)

في سننه الكبرى (2/ 224).

(8)

في شرح السنة (2/ 378).

(9)

في شرحه لصحيح البخاري (2/ 122).

(10)

في صحيحه رقم (2099) من حديث جابر.

(11)

في سننه رقم (4865) من حديث جابر.

ص: 589

ذلك الجواز لغيره، صرح بذلك المازري

(1)

قال: لكن لما صح أن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك دل على أنه ليس خاصًّا به صلى الله عليه وسلم بل هو جائز مطلقًا.

فإذا تقرر هذا صار بين الحديثين تعارض، فيجمع بينهما، ثم ذكر نحو ما ذكره الخطابي)

(2)

.

قال الحافظ

(3)

: وفي قوله فلا يؤخذ منه الجواز نظر لأن الخصائص، لا تثبت بالاحتمال، والظاهر أن فعله [صلى الله عليه وسلم] كان لبيان الجواز، والظاهر على ما تقتضيه القواعد الأصولية ما قاله المازري من قصر الجواز عليه صلى الله عليه وسلم، إلا أن قوله: لكن لما صح أن عمر وعثمان إلخ لا يدل على الجواز مطلقًا كما قال لاحتمال أنهما فعلا ذلك لعدم بلوغ النهي إليهما.

والحديث يدل على جواز الاستلقاء في المسجد على تلك الهيئة وعلى غيرها لعدم الفارق.

53/ 646 - (وَعَنْ عَبدِ الله بْنِ عُمَرَ [رضي الله تعالى عنهما]

(4)

أنهُ كانَ يَنامُ وَهُوَ شاب عَزِبٌ لا أَهْلَ لهُ في مَسْجِدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. رَواهُ الْبُخَارِيُّ

(5)

والنَّسائيُّ

(6)

وأبُو دَاوُدَ

(7)

وأحمدُ

(8)

ولَفْظهُ: كُنَّا في زَمَنِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم نَنَامُ في الْمَسْجِدِ وَنَقيلُ فِيهِ وَنَحْنُ شَبَابٌ. [صحيح]

قالَ البُخاريُّ

(9)

: وقالَ أبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْل على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَكانُوا في الصُّفَّة. [صحيح]

(1)

انظر: (المعلم بفوائد مسلم) له (3/ 79).

(2)

في معالم السنن (5/ 187) - (هامش السنن).

(3)

في (الفتح)(1/ 563).

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في صحيحه رقم (440) وأطرافه رقم (1121، 1156، 3738، 3740، 7015، 7028، 7030).

(6)

في السنن (2/ 50).

(7)

في السنن رقم (382).

(8)

في المسند (2/ 12).

قلت: وأخرجه مسلم رقم (2479) وابن ماجه رقم (3919) والترمذي رقم (321) وقال: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح.

(9)

أخرجه البخاري معلقًا في الباب رقم (58) باب نوم الرجال في المسجد (1/ 535) - (مع الفتح).

قال الحافظ في الفتح: قوله: (وقال أبو قلابة عن أنس) هذا طرف من قصة العرنيين =

ص: 590

وقالَ: عَبدُ الرَّحمنِ بْنُ أَبِي بَكْر: كانَ أصْحابُ الصُّفَّةِ الفُقرَاءَ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (عزب) قال الحافظ

(2)

: المشهور فيه فتح العين المهملة وكسر الزاي.

وفي رواية للبخاري

(3)

(أعزب) وهي لغة قليلة مع أن القزاز

(4)

أنكرها.

والمراد به الذي لا زوجة له.

وقوله (لا أهل له) تفسير لقوله (عزب) ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص فيدخل فيه الأقارب ونحوهم.

وقوله: (في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) يتعلق بقوله (ينام). ورواية أحمد

(5)

أدل على الجواز للتصريح فيها بأن ذلك كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد أخرج البخاري

(6)

حديث (إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جاء وعليٌّ مضطجعٌ في المسجد قد سقطَ رداؤهُ عن شقِّهِ وأصابَهُ ترابٌ فجعلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يمسحُهُ ويقول: قُمْ أبا تُرَابٍ".

وقد ذهب الجمهور إلى جواز النوم في المسجد

(7)

.

= - وقد تقدم حديثهم في الطهارة رقم (233)، وهذا اللفظ أورده - البخاري - في المحاربين موصولًا من طريق وهيب عن أيوب عن أبي قلابة برقم (6804).

(1)

طرف من حديث طويل أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3581).

(2)

في (الفتح)(1/ 535).

(3)

في صحيحه رقم (3738).

(4)

القزاز هو محمد بن جعفر التميمي، أبو عبد الله القزاز، كان من علماء اللغة، وهو من أهل قيروان، وله مؤلفات عديدة. توفي سنة (412) هـ.

(5)

في المسند (2/ 12) بسند صحيح وقد تقدم آنفًا.

(6)

في صحيحه رقم (441) وأطرافه رقم (3703، 6204، 6280).

قلت: وأخرجه مسلم رقم (2409) من حديث سهل بن سعد.

(7)

قال النووي في (المجموع)(2/ 200): (يجوز النوم في المسجد ولا كراهة فيه عندنا - الشافعية - نص عليه الشافعي رحمه الله في الأم، واتفق عليه الأصحاب.

قال ابن المنذر في (الإشراف) رخص في النوم في المسجد ابن المسيب، وعطاء، والحسن، والشافعي .. =

ص: 591

وروي عن ابن عباس

(1)

كراهته إلا لمن يريد الصلاة وعن ابن مسعود

(2)

مطلقًا وعن مالك

(3)

التفصيل بين من له مسكن فيكره، وبين من لا مسكن له فيباح.

قوله: (وقال أبو قلابة عن أنس) هذا طرف من قصة العرنيين وقد ذكرها البخاري

(4)

في الطهارة من صحيحه، ووصل هذا اللفظ المذكور هنا في المحاربين

(5)

من طريق وهيب عن أيوب عن أبي قلابة.

قوله: (قال عبد الرحمن) هو أيضًا طرف من حديث طويل ذكره البخاري

(6)

في علامات النبوة.

والصفة: موضع مظلل في المسجد النبوي كانت تأوي إليه المساكين.

وعكل بضم العين المهملة وإسكان الكاف: قبيلة من تيم وقد تقدم ضبطه وتفسيره في باب الرخصة في بول ما يؤكل لحمه

(7)

.

54/ 647 - (وَعَنْ عَائِشَةَ [- رضي الله تعالى عنها -]

(8)

قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الخَنْدَقِ رَماهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْش يُقَالُ لَهُ: حَبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ في

= وقال أحمد وإسحاق: إن كان فسافرًا أو شبهه فلا بأس، وإن اتخذه مقيلًا ومبيتًا فلا.

واحتج الشافعي ثم أصحابنا لعدم الكراهة بما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر - رقم (53/ 646) من كتابنا هذا - وثبت في الصحيحين أن عليًا رضي الله عنه نام فيه - تقدم تخريجه خلال شرح الحديث (53/ 646) من كتابنا هذا.

(1)

قال النووي في (المجموع)(2/ 200): (وقال ابن عباس: لا تتخذوه مرقدًا. وروى عنه: إن كنت تنام للصلاة فلا بأس، وقال الأوزاعي: يكره النوم في المسجد).

وانظر سنن الترمذي (2/ 139) وشرح السنة للبغوي: (2/ 379) والفتح (1/ 535).

(2)

قال النووي في (المجموع)(2/ 200): (قال البيهقي في السنن الكبير روينا عن ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ما يدل على كراهيتهم النوم في المسجد. قال: فكأنهم استحبوا لمن وجد مسكنًا أن لا يقصد النوم في المسجد) اهـ.

(3)

قال النووي في (المجموع)(2/ 200): (قال مالك: لا بأس بذلك للغرباء، ولا أرى ذلك للحاضر) اهـ.

(4)

في صحيحه رقم (233) قلت: وأخرجه مسلم رقم (1671).

(5)

البخاري في صحيحه رقم (6804).

(6)

في صحيحه رقم (3581).

(7)

في الباب السابع عند الحديث رقم (19/ 37) من كتابنا هذا.

(8)

زيادة من (جـ).

ص: 592

الأكْحَلِ فَضَرَبَ عليهِ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً في الْمسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَريب. مُتَّفَقٌ عليهِ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (حبان بن العرقة) العَرِقة بعين مهملة مفتوحة ثم راء مكسورة ثم قاف بعدها هاء التأنيث.

قوله: (في الأكحل) هو عرق في اليد وتمام الحديث في البخاري

(2)

(قالت فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغدْو جرحه دمًا فمات فيها - يعني الخيمة - أو في تلك المرضة).

والحديث يدل على جواز ترك المريض في المسجد، وإن كان في ذلك مظنة لخروج شيء منه يتنجس به المسجد.

55/ 648 - (وَعَنْ عَبدِ الرَّحمن بْنِ أبِي بَكْر [- رضي الله تعالى عنهما -]

(3)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (هَلْ مِنْكُمْ أحَدٌ أطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟) فقال أبُو بَكْرٍ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فإِذَا أنَا بِسَائِلٍ يَسْألُ فُوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزٍ بَيْنَ يدَيْ عَبْدِ الرَّحمنِ فأخَذْتُها فَدَفعْتُها إلَيْهِ. رَوَاهُ أبو داوُدَ)

(4)

. [المرفوع صحيح لغيره. والقصة ضعيفة]

قال أبو بكر البَزَّار

(5)

: وهذا الحيث لا نعلمه يروى عن عبد الرحمن بن أبي بكر إلا بهذا الإسناد وذكر أنه روي مرسلًا.

قال المنذري

(6)

: وقد أخرجه مسلم في صحيحه

(7)

والنسائي في

(1)

أخرجه أحمد (6/ 56) والبخاري رقم (463) ومسلم رقم (1769).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3101) والنسائي في الكبرى رقم (789) وفي الصغرى (2/ 45) والطحاوي في (شرح مشكل الآثار) رقم (5006) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 97) وفي (الدلائل)(4/ 26) والبغوي في شرح السنة رقم (3796) وغيرهم من طرق.

(2)

في صحيحه رقم (4122).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في سننه رقم (1670).

المرفوع منه صحيح لغيره، وقصة السائل ضعيفة.

(5)

ذكره المنذري في (المختصر)(2/ 252) عن البزار.

(6)

في (المختصر)(2/ 252).

(7)

رقم (1028) من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: (مَنْ أصبح منكم اليوم صائمًا؟) قال =

ص: 593

سننه

(1)

من حديث أبي حازم سلمان الأشجعي بنحوه أتمّ منه.

والحديث يدل على جواز التصدّق في المسجد وعلى جواز المسألة عند الحاجة وقد بوّب أبو داود في سننه

(2)

لهذا الحديث فقال: باب المسألة في المساجد

(3)

.

56/ 649 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ الْحَارِثِ [- رضي الله تعالى عنه -]

(4)

قالَ: كُنَّا نَأْكُلُ على عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في الْمَسْجِدِ الْخُبْزَ واللَّحْمَ. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)

(5)

. [صحيح]

الحديث إسناده في سنن ابن ماجه هكذا: (حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب

(6)

وحرملة بن يحيى

(7)

قالا: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني

= أبو بكر: أنا. قال: (فمن تبع منكم اليوم جنازة؟). قال أبو بكر: أنا. قال: (فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟) قال أبو بكر: أنا. قال: (فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟) قال أبو بكر: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمعن في امرئ إلَّا دخل الجنة). وهو حديث صحيح.

(1)

في السنن الكبرى (المناقب) كما في (الأطراف) للمزي (10/ 95)(رقم)(13445).

(2)

الباب (36)(2/ 309).

(3)

قلت: وقد عرفت أن القصة في الحديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، أما المرفوع من الحديث فهو صحيح لغيره.

(4)

زيادة من (جـ).

(5)

في السنن رقم (3300).

قال البوصيري في (مصباح الزجاجة)(3/ 80): (هذا إسناد حسن، ويعقوب مختلف فيه.

رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن الحارث أيضًا) اهـ.

قلت: وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (1657) بإسناد صحيح.

• وأخرجه أحمد في المسند (4/ 190، 191) والترمذي في الشمائل رقم (166) وابن ماجه رقم (3311) وأبو يعلى في المسند رقم (1541) والطحاوي في شرح معاني الآثار) (1/ 66) والبغوي في شرح السنة رقم (2847) من طرق عن ابن لهيعة، عن سليمان بن زياد، عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي، قال: أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شواءً في المسجد، فأقيمت الصلاةُ، فأدخلنا أيدينا في الحصى، ثم قمنا نُصلي ولم نتوضأ وهو حديث صحيح.

(6)

يعقوب بن حُميد بن كاسبٍ المدني، نزيل مكة، وقد يُنسَب لجدِّه، صدوقٌ ربما وَهِمَ.

من العاشرة

(التقريب) رقم الترجمة (7815).

وقال المحرران: بل ضعيف يُعتبر به في المتابعات والشواهد

(7)

هو حرملة بن يحيى بن حرملة بن عمران أبو حفص التُجِيبي المصري، صاحب الشافعي: صدوق. (التقريب)(1/ 158).

ص: 594

عمرو بن الحارث قال: حدثني سليمان بن زياد الحضرمي أنه سمع عبد الله بن الحارث فذكره) وهؤلاء كلهم من رجال الصحيح إلا يعقوب بن حميد، وقد رواه معه حرملة بن يحيى.

والحديث يدل على المطلوب منه وهو جواز الأكل في المسجد، وفيه أحاديث كثيرة:

منها سكون أهل الصفة في المسجد الثابت في البخاري

(1)

وغيره

(2)

، فإن كون لا مسكن لهم سواه يستلزم أكلهم للطعام فيه.

ومنها حديث ربط الرجل الأسير بسارية من سواري المسجد المتفق عليه

(3)

وفي بعض طرقه أنه استمر مربوطًا ثلاثة أيام.

ومنها ضرب الخيام في المسجد لسعد بن معاذ كما تقدم

(4)

، وللسوداء التي كانت تقمّ المسجد كما في الصحيحين

(5)

.

ومنها إنزال وفد ثقيف المسجد

(6)

وغيرهم.

(1)

في صحيحه رقم (3581).

(2)

كأحمد في المسند (2/ 515). والترمذي رقم (2477).

(3)

البخاري رقم (4372) ومسلم رقم (59/ 1764).

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 452) وأبو داود رقم (2679) والنسائي (2/ 46).

(4)

برقم (54/ 647) من كتابنا هذا وهو حديث صحيح.

(5)

الأحاديث الواردة عن السوداء التي كانت تقم المسجد، ليس في شيء منها ما يدل على أنه كان لها خيمة في المسجد.

ومن هذه الأحاديث ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (458) ومسلم رقم (956) من حديث أبي هريرة.

وأخرجه البخاري رقم (460) ورقم (1337). وأحمد (2/ 353، 388) وأبو داود رقم (3203). ورجح الحافظ في الفتح (1/ 553): أنها امرأة، وهي:(أمّ محجن).

• وأما المرأة السوداء التي كان لها خِباء في المسجد فهي غيرها، وقد أشار الحافظ في (الفتح)(1/ 534) إلى أنه لم يقف على اسمها. والحديث الوارد في شأنها تفرد به البخاري في صحيحه رقم (439) ولم يخرجه مسلم. من حديث عائشة. وأخرجه البخاري أيضًا برقم (3835).

(6)

أخرج ابن ماجه في سننه رقم (1760). =

ص: 595

والأحاديث الدالة على جواز أكل الطعام في المسجد متكاثرة

(1)

.

قال المصنف

(2)

رحمه الله [تعالى]

(3)

: وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم (أسر ثمامة بن أثال فربط بسارية في المسجد قبل إسلامه)

(4)

وثبت عنه أنه نثر مالًا جاء من البحرين في المسجد وقسمه فيه انتهى.

قلت: ربط ثمامة ثابت في الصحيحين (3) بلفظ (بعثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خيلًا قِبَلَ نجدٍ، فجاءتْ برجُلٍ من بني حنيفةَ يقالُ له ثُمامةُ بنُ أثالٍ، فربطوه بسارية من سَوَاري المسجدِ، فاغتسلَ ثم دخلَ فقالَ: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله).

• ونثر المال في المسجد وقسمته ثابت في البخاري

(5)

وغيره بلفظ: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فقال: انثروه في المسجد) وكان أكثر مال أتي به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم ساق القصة بطولها.

والحديثان يدلان على جواز ربط الأسير المشرك في المسجد والمسلم بالأولى وعلى جواز قسمة الأموال في المساجد ونثرها فيها.

= عن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة، قال: حدثنا وَفْدُنَا الَّذِينَ قَدَموا على رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم بإسلام ثقيف، قال: وقدموا عليه في رمضان. فضربَ عليهم قبةً في المسجد، فلما أسلموا صاموا ما بقي عليهم من الشهر).

قال البوصيري في (مصباح الزجاجة)(2/ 40): (هذا إسناد ضعيف لتدليس محمد بن إسحاق عن عيسى بن عبد اللَّه، قال ابن المديني: وتفرد بالرواية عن عيسى. قال: وعيسى بن عبد اللَّه مجهول) اهـ.

وهو حديث ضعيف. وقد ضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم (4714).

• وأخرج أبو داود رقم (1393) وابن ماجه رقم (1345) عن أوس بن حذيفة. وهو حديث ضعيف.

(1)

كأحاديث الاعتكاف، وهي ثابتة في الصحيحين وغيرهما.

(2)

ابن تيمية الجد في (المنتقى)(1/ 340).

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.

(5)

في صحيحه رقم (421) و (3049) و (3165) من حديث أنس تعليقًا. وقال الحافظ في الفتح (1/ 516): (وقد وصله أبو نعيم في مستخرجه، والحاكم في مستدركه، من طريق أحمد بن حفص بن عبد اللَّه النيسابوري، عن أبيه، عن إبراهيم بن طهمان) اهـ.

ص: 596

[الباب السادس عشر] باب تنزيه قبلة المسجد عما يلهي المصلي

57/ 650 - (عَنْ أنَسٍ [- رضي الله تعالى عنه -] (1) قالَ: كانَ قِرامٌ لِعَائشةَ [- رضي الله تعالى عنها -]

(1)

قدْ سَتَرتْ بهِ جانِبَ بَيْتها، فقالَ لهَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم:(أَمِيطِي عَنِّي قِرَامَكِ هذا فإِنَّهُ لَا تَزَال تَصَاوِيرُهُ تعْرِضُ لِي في صَلَاِتِي). رَواهُ أحمدُ

(2)

والبُخَاريُّ

(3)

. [صحيح]

قوله: (قِرام) بكسر القاف وتخفيف الراء: ستر رقيق من صوف ذو ألوان كما تقدم.

قوله: (أميطي) أي أزيلي وزنًا ومعنى.

قوله: (لا تزال تصاويره) في رواية للبخاري (لا تزال تصاوير) بحذف الضمير.

قال الحافظ

(4)

: كذا في روايتنا، وللباقين بإثبات الضمير. قال: والهاء على روايتنا في فإنه ضمير الشأن، وعلى الأخرى يحتمل أن يعود. على الثوب.

قوله: (تعرض) بفتح أوله وكسر الراء: أي تلوح، وللإِسماعيلي تعرّض بفتح العين وتشديد الراء، وأصله تتعرض.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المسند (3/ 151، 283).

(3)

في صحيحه رقم (374) و (5959) وهو حديث صحيح.

• وأخرج البخاري رقم (2105) ومسلم رقم (96/ 2107) وأحمد في المسند (6/ 36) عن عائشة رضي الله عنها أنها اشترت نُمْرُقَةً فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخله، فعرفت في وجهه الكراهة، فقالت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبتُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما بال هذه النُّمْرُقَة؟ (قالت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتَوَسَّدها، فقال رسول اللَّه: (إن أصحاب هذه يوم القيامة يُعذَّبون، فيقال لهم: أَحْيُوا ما خلقتم). وقال: (إن البيت الذي فيه الصورُ لا تدخله الملائكة).

• قال الحافظ في (الفتح)(10/ 391): (وقد استُشكِل الجمعُ بين هذا الحديث (يعني حديث أنس) وبين حديث عائشة أيضًا في النمرقة، لأنه يدلُّ على أنه لم يدخل البيت الذي كان فيه الستر المصوَّر أصلًا حتى نزعه، وهذا يدلُّ على أنه أقرَّه وصلى وهو منصوب إلى أن أمر بنزعه من أجل ما ذُكِرَ من رؤيته الصورة حالة الصلاة، ولم يتعرض لخصوص كونها صورة، ويمكن الجمع بأن الأول كانت تصاويرُه من ذوات الأرواح، وهذا كانت تصاويره من غير الحيوان) اهـ.

(4)

في (الفتح)(1/ 484).

ص: 597

والحديث يدل على كراهة الصلاة في الأمكنة التي فيها تصاوير، وقد تقدم كراهة زخرفة المساجد، والتصاوير نوع من ذلك، وقد تقدم أيضًا الكلام على الثياب التي فيها تصاوير.

ودل الحديث أيضًا على أن الصلاة لا تفسد بذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقطعها ولم يعدها.

58/ 651 - (وَعَنْ عُثْمانَ بْنِ طَلْحَةَ [- رضي الله تعالى عنه -]

(1)

أنْ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دَعاه بَعْدَ دُخُولِهِ الْكَعْبَةَ، فقالَ:(إِنِّي كُنْتُ رَأَيْتُ قَرْنَي الْكَبْش حِينَ دَخَلْتُ الْبَيْتَ فَنَسِيتُ أن آمرَكَ أنْ تُخَمِّرَهُما فَخَمِّرْهُما فإنَّهُ لَا يَنْبَغي أَنْ يَكونَ في قِبْلَةِ الْبَيتِ شيْء يُلْهِي الْمُصَلِّي). رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وأبُو دَاوُدَ)

(3)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أبو داود من طريق منصور الحجبي

(4)

، قال: حدثني خالي عن أمي قالت: سمعت الأسلمية تقول: (قلت لعثمان: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاك؟ قال: إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي). وخال [صفوان]

(5)

المذكور في الإسناد قال ابن السراج: هو مسافع بن شيبة

(6)

، وأم منصور المذكورة هي صفية بنت شيبة القرشية العبدرية

(7)

، وقد جاءت مسماة في بعض طرق هذا الحديث

(8)

، واختلف في صحبتها

(9)

، وقد جاءت أحاديث ظاهرة في صحبتها. وعثمان بن طلحة المذكور

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

في المسند (4/ 68) و (5/ 380).

(3)

في السنن رقم (2030). وهو حديث صحيح.

(4)

هو منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث العبدري الحَجَبي، ثقة.

(التقريب)(2/ 276).

(5)

كذا في المخطوط والصواب: (منصور) وهو الذي تقدمت ترجمته آنفًا.

(6)

هو مسافِع بن عبد الله بن شيبة بن عثمان العبدري أبو سليمان الحَجَبي، وقد ينسب لجده. ثقة. (التقريب)(2/ 241) و (2/ 583).

(7)

هي أخت مسافِع المتقدم ذكره. وهي منسوبة إلى جدها. واسم أبيها عبد الله، كما بيَّنَّا ذلك في ترجمة أخيها.

(8)

جاء التصريح باسمها في روايتي أحمد.

(9)

قال الحافظ في (التقريب)(2/ 603): لها رؤية، وحدَّثت عن عائشة وغيرها من الصحابة. وفي البخاري التصريح بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنكر الدارقطني إدراكها) اهـ.

ص: 598

هو القرشي العبدري الحجبي بفتح الحاء المهملة وبعدها جيم مفتوحة وباء موحدة منسوب إلى حجابة بيت الله الحرام شرفه الله تعالى، وهم جماعة من بني عبد الدار وإليهم حجابة الكعبة.

وقد اختلف في هذا الحديث، فروي عن منصور عن خاله مسافع عن صفية بنت شيبة عن امرأة من بني سليم عن عثمان.

وروى عنه عن خاله عن امرأة من بني سليم ولم يذكر أمه

(1)

والأسلمية المذكورة لم أقف على اسمها

(2)

.

والحديث يدل على كراهة تزيين المحاريب وغيرها مما يستقبله المصلي بنقش أو تصوير أو غيرهما مما يلهي، وعلى أن تخمير التصاوير مزيل لكراهة الصلاة في المكان الذي هي فيه لارتفاع العلة، وهي اشتغال قلب المصلي بالنظر إليها وقد أسلفنا الكلام في التصاوير، وفي كراهية زخرفة المساجد.

قوله: (قرني الكبش) أي كبش إبراهيم الذي فدى به إسماعيل.

[الباب السابع عشر] باب لا يخرج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي إلا لعذر

59/ 652 - (عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [- رضي الله تعالى عنه -]

(3)

قالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كُنْتُمْ في الْمَسْجِدِ فَنُوديَ بالصلاةِ فَلَا يَخْرُجْ أحدكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ). رَوَاهُ أحمَدُ

(4)

.

(1)

الروايات التي بين أيدينا، عند أبي داود، وأحمد، كلها فيها التصريح برواية منصور عن خاله، عن أمه صفية عن امرأة من بني سليم، والحديث رجال إسناده ثقات، وإذا ثبت أن هناك بعض الروايات فيها: عن خاله عن امرأة من بني سليم، فلا يضر لاحتمال أنه رواه تارة بواسطة صفية، وتارة عن الأسلمية. واللَّه أعلم.

(2)

قال الحافظ في (التقريب)(2/ 635) في رواية النساء عن النساء رقم (5): (لا تعرف).

قلت: ولا يَضُرُّ جهالتُها حيث ثبت عند بعض أهل العلم أن لها رؤية، وعند البخاري أنَّ لها سماعًا من النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

زيادة من (جـ).

(4)

في المسند (2/ 537) بسند صحيح من جهة المسعودي، فهو وإن كان قد اختلط، فقد توبع. =

ص: 599

60/ 653 - (وَعَنْ أبِي الشَّعْثَاءِ [- رضي الله تعالى عنه -]

(1)

قالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْمسْجِدِ بَعْدَ ما أُذن فِيهِ، فقالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أمَّا هذا فَقَدْ عَصَى أبَا الْقاسِمِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الجَمَاعَةُ إلَّا البُخَارِيَّ)

(2)

. [صحيح]

الحديث الأول روى من طريق ابن أبي الشعثاء واسمه أشعث عن أبيه عن أبي هريرة، ورواه عن أبي هريرة أبو صالح

(3)

ومحمد بن زاذان

(4)

وسعيد بن المسيب. قاله ابن سيد الناس في شرح الترمذي بعد أن روى الحديث بإسناده: ولم يتكلم فيه.

وأما الحديث الثاني فروي عن بعضهم أنه موقوف. قال ابن عبد البر

(5)

: هو مسند عندهم لا يختلفون فيه انتهى وفي إسناده إبراهيم بن المهاجر، وقد وثق وضعف

(6)

وأخرج له الجماعة إلا البخاري. وفي الرواة من يسمى إبراهيم بن مهاجر ثلاثة هذا أحدهم وهو البجلي الكوفي، والثاني: المدني مولى سعد بن أبي وقاص، والثالث: الأزدي الكوفي.

وفي الباب عن عثمان بلفظ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أدرك الأذان وهو في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق)

(7)

رواه ابن سنجر

(8)

والزيدوني في أحكامه وابن سيد الناس في شرح الترمذي. وأشار إليه

= وأخرجه أحمد (5/ 506) ومسلم رقم (259/ 655) والنسائي (2/ 29) والحميدي رقم (998) وأبو عوانة (2/ 8) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 56) وهو حديث صحيح.

(1)

زيادة من (جـ).

(2)

أخرجه مسلم رقم (655) وأبو داود رقم (536) والترمذي رقم (204) والنسائي (2/ 29) وابن ماجه رقم (733) وأحمد في المسند (2/ 410، 416، 471) وهو حديث صحيح.

(3)

هو ذكوان السَّمَّان، وقد تقدم.

(4)

محمد بن زاذان المدني: متروك (التقريب)(2/ 161).

(5)

ذكره الزيلعي في (نصب الراية)(2/ 155).

(6)

قال الحافظ في (التقريب)(1/ 44): صدوق لين الحفظ.

(7)

أخرجه ابن ماجه رقم (734) وهو حديث صحيح وانظر (الصحيحة) رقم (2518).

وأخرج أبو داود في المراسيل رقم (25) عن سعيد بن المسيب، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يخرجُ من المسجد أحدٌ بعد النداء إلا منافق، إلا أحدٌ أخرجته حاجةُ وهو يريد الرجوعَ).

(8)

ابن سنجر: هو محمد بن عبد الله بن سنجر الجرجاني أبو عبد الله، كان محدِّثًا وله مسند في عشرين جزءًا. توفي سنة (258) هـ. =

ص: 600

الترمذي في جامعه

(1)

.

والحديثان يدلان على تحريم الخروج من المسجد بعد سماع الأذان لغير الوضوء وقضاء الحاجة وما تدعو الضرورة إليه حتى يصلي فيه تلك الصلاة، لأن ذلك المسجد قد تعين لتلك الصلاة.

قال الترمذي

(2)

بعد أن ذكر الحديث: وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد إلا من عذر أن يكون على غير وضوء أو أمر لا بد منه، ويروى عن إبراهيم النخعي

(3)

أنه قال: يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإِقامة وهذا عندنا لمن له عذر في الخروج منه اهـ.

قال ابن رسلان في (شرح السنة) إن الخروج مكروه عند عامة أهل العلم إذا كان لغير عذر من طهارة أو نحوها، وإلَّا جاز بلا كراهة. قال القرطبي

(4)

: هذا محمول على أنه حديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل نسبته إليه وكأنه سمع ما يقتضي تحريم الخروج من المسجد بعد الأذانِ فأطلق لفظ المعصية عليه.

تم ولله الحمد والمنة الجزء الثالث

من

نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار

ويليه

الجزء الرابع منه وأوله:

سابعًا: أبواب استقبال القبلة

= والحديث الذي رواه ابن سنجر والزيدوني في أحكامه وابن سيد الناس في شرح الترمذي. تقدم تخريجه آنفًا.

(1)

في سننه (1/ 397).

(2)

في سننه (1/ 398).

(3)

ذكره الترمذي في سننه (1/ 398).

(4)

في (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم) له (2/ 281).

ص: 601