المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكتاب السادس: كتاب المناسك أولًا: أبواب تتعلق بأحكام الحج والعمرة. ثانيًا: أبواب - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار - ت حلاق - جـ ٩

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

الكتاب السادس: كتاب المناسك

أولًا: أبواب تتعلق بأحكام الحج والعمرة.

ثانيًا: أبواب مواقيت الإحرام وصفته وأحكامه.

ثالثًا: أبواب ما يجتنبه المُحْرِم وما يباح له.

رابعًا: أبواب دخول مكة وما يتعلق به.

خامسًا: أبواب الهدايا والضحايا.

سادسًا: أبواب العقيقة وسنّة الولادة.

ص: 5

الكتاب السادس: كتاب المناسك

أولًا: أبواب تتعلق بأحكام الحج والعمرة:

الباب الأول: باب وجوب الحج والعمرة وثوابهما.

الباب الثاني: باب الحج على الفور.

الباب الثالث: باب وجوب الحج على المعضوب إذا أمكنته الاستنابة، وعن الميت إذا كان قد وجب عليه.

الباب الرابع: باب اعتبار الزاد والراحلة.

الباب الخامس: باب ركوب البحر للحاج إلا أن يغلب على ظنه الهلاك.

الباب السادس: باب النهي عن سفر المرأة للحج وغيره إلا بمحرم.

الباب السابع: باب من حج عن غيره ولم يكن حجَّ عن نفسه.

الباب الثامن: باب صحة حج الصبي والعبد من غير إيجاب له عليهما.

ثانيًا: أبواب مواقيت الإحرام وصفته وأحكامه:

الباب الأول: باب المواقيت المكانية، وجواز التقدم عليها.

الباب الثاني: باب دخول مكة بغير إحرام لعذر.

الباب الثالث: باب ما جاء في أشهر الحج وكراهة الإحرام به قبلها.

الباب الرابع: باب جواز العمرة في جميع السنة.

الباب الخامس: باب ما يصنع من أراد الإحرام من الغسل والتطيب، ونزع المخيط وغيره.

الباب السادس: باب الاشتراط في الإحرام.

الباب السابع: باب التخيير بين التمتع والإفراد والقران وبيان أفضلها.

الباب الثامن: باب إدخال الحج على العمرة.

ص: 7

الباب التاسع: باب من أحرم مطلقًا أو قال: أحرمت بما أحرم به فلان.

الباب العاشر: باب التلبية وصفتها وأحكامها.

الباب الحادي عشر: باب ما جاء في فسخ الحج إلى العمرة.

ثالثًا: أبواب ما يجتنبه المحرم وما يباح له:

الباب الأول: باب ما يجتنبه من اللباس.

الباب الثاني: باب ما يصنع من أحرم في قميص.

الباب الثالث: باب تظلل المحرم من الحر أو غيره والنهي عن تغطية الرأس.

الباب الرابع: باب المحرم يتقلد بالسيف للحاجة.

الباب الخامس: باب منع المحرم من ابتداء الطيب دون استدامته.

الباب السادس: باب النهي عن أخذ الشعر إلا لعذر وبيان فديته.

الباب السابع: باب ما جاء في الحجامة وغسل الرأس للمحرم.

الباب الثامن: باب ما جاء في نكاح المحرم وحكم وطئه.

الباب التاسع: باب تحريم قتل الصيد وضمانه بنظيره.

الباب العاشر: باب منع المحرم من أكل لحم الصيد إلا إذا لم يصد لأجله ولا أعان عليه.

الباب الحادي عشر: باب صيد الحرم وشجره.

الباب الثاني عشر: باب ما يقتل من الدواب في الحرم والإحرام.

الباب الثالث عشر: باب تفضيل مكة على سائر البلاد.

الباب الرابع عشر: باب حرم المدينة وتحريم صيده وشجره.

الباب الخامس عشر: باب ما جاء في صيد وج.

رابعًا: أبواب دخول مكة وما يتعلق به:

الباب الأول: باب من أين يدخل إليها.

ص: 8

الباب الثاني: باب رفع اليدين إذا رأى البيت وما يقال عند ذلك.

الباب الثالث: باب طواف القدوم والرمل والاضطباع فيه.

الباب الرابع: باب ما جاء في استلام الحجر الأسود وتقبيله، وما يقال حينئذٍ.

الباب الخامس: باب استلام الركن اليماني مع الركن الأسود دون الآخرين.

الباب السادس: باب الطائف يجعل البيت عن يساره ويخرج في طوافه عن الحجر.

الباب السابع: باب الطهارة والسترة للطواف.

الباب الثامن: باب ذكر الله في الطواف.

الباب التاسع: باب الطواف راكبًا لعذر.

الباب العاشر: باب ركعتي الطواف والقراءة فيهما واستلام الركن بعدهما.

الباب الحادي عشر: باب السعي بين الصفا والمروة.

الباب الثاني عشر: باب النهي عن التحلل بعد السعي إلا للمتمتع إذا لم يسق هديًا. وبيان متى يتوجه المتمتع إلى منى، ومتى يحرم بالحج.

الباب الثالث عشر: باب المسير من منى إلى عرفة والوقوف بها وأحكامه.

الباب الرابع عشر: باب الدفع إلى مزدلفة ثم منها إلى منى وما يتعلق بذلك.

الباب الخامس عشر: باب رمي جمرة العقبة يوم النحر وأحكامه.

الباب السادس عشر: باب النحر والحلاق والتقصير وما يباح عندهما.

الباب السابع عشر: باب الإفاضة من منى للطواف يوم النحر.

الباب الثامن عشر: باب ما جاء في تقديم النحر والحلق والرمي والإفاضة بعضها على بعض.

الباب التاسع عشر: باب استحباب الخطبة يوم النحر.

ص: 9

الباب العشرون: باب اكتفاء القارن لنسكه بطواف واحد وسعي واحد.

الباب الحادي والعشرون: باب المبيت بمنى، ليال منى، ورمي الجمار في أيامها.

الباب الثاني والعشرون: باب الخطبة أوسط أيام التشريق.

الباب الثالث والعشرون: باب نزول المحصَّب إذا نفر من منى.

الباب الرابع والعشرون: باب ما جاء في دخول الكعبة والتبرك بها.

الباب الخامس والعشرون: باب ما جاء في ماء زمزم.

الباب السادس والعشرون: باب طواف الوداع.

الباب السابع والعشرون: باب ما يقول إذا قدم من حج أو غيره.

الباب الثامن والعشرون: باب الفوات والإحصار.

الباب التاسع والعشرون: باب تحلل المحصر عن العمرة بالنحر ثم الحلق حيث حصر من حل أو حرم وأنه لا قضاء عليه.

خامسًا: أبواب الهدايا والضحايا:

الباب الأول: باب في إشعار البدن وتقليد الهدي كله.

الباب الثاني: باب النهي عن إبدال الهدي المعين.

الباب الثالث: باب إن البدنة من الإبل والبقر عن سبع شياه وبالعكس.

الباب الرابع: باب ركوب الهدي.

الباب الخامس: باب الهدي يعطب قبل المحل.

الباب السادس: باب الأكل من دم التمتع والقران والتطوع.

الباب السابع: باب أن من بعث بهدي لم يحرم عليه شيء بذلك.

الباب الثامن: باب الحث على الأضحية.

الباب التاسع: باب ما احتج به في عدم وجوبها بتضحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمته.

ص: 10

الباب العاشر: باب ما يجتنبه في العشر من أراد التضحية.

الباب الحادي عشر: باب السن الذي يجزئ في الأضحية وما لا يجزئ.

الباب الثاني عشر: باب ما لا يضحى به لعيبه وما يكره ويستحب.

الباب الثالث عشر: باب التضحية بالخصي.

الباب الرابع عشر: باب الاجتزاء بالشاة لأجل البيت الواحد.

الباب الخامس عشر: باب الذبح بالمصلى والتسمية والتكبير على الذبح والمباشرة له.

الباب السادس عشر: باب نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى.

الباب السابع عشر: باب بيان وقت الذبح.

الباب الثامن عشر: باب الأكل والإطعام من الأضحية وجواز ادخار لحمها ونسخ النهي عنه.

الباب التاسع عشر: باب الصدقة بالجلود والجلال والنهي عن بيعها.

الباب العشرون: باب من أذن في انتهاب أضحيته.

سادسًا: أبواب العقيقة وسنة الولادة:

الباب الأول: العقيقة للمولود وتسميته وحلق رأسه والتصدق بوزن شعره ذهبًا أو فضة، والأدان في أذنيه.

الباب الثاني: باب ما جاء في الفرع والعتيرة ونسخهما.

* * *

ص: 11

[الكتاب السادس] كتاب المناسك

[أولًا أبواب تتعلق بأحكام الحج والعمرة]

[الباب الأول] باب وجوب الحج والعمرة وثوابهما

1/ 1783 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: خَطَبَنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقالَ: "يا أيُّها النَّاسُ قَدْ فَرَضَ الله عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا"، فَقالَ رَجُلٌ: أكُلَّ عام يا رسُولَ الله؟ فَسَكَتَ حتَّى قالَهَا ثَلاثًا، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلمَا اسْتَطَعْتُمْ".

رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

وَالنَّسائيُّ

(3)

. [صحيح]

فِيهِ دَلِيلٌ على أن الأمْرَ لا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ).

2/ 1784 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: خَطَبَنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقالَ: "يا أيُّها النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الحَجُّ"، فَقَامَ الأقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقالَ: أفي كُلّ عام يا رَسُولَ الله؟ فَقالَ: "لَوْ قُلْتُها لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِها وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْمَلُوا بِها، الحَجُّ مَرَّةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَالنَّسائي

(5)

بِمَعْنَاهُ). [صحيح]

(1)

في المسند (2/ 508).

(2)

في صحيحه رقم (412/ 1337).

(3)

في سننه رقم (2619).

قلت: وأخرجه إسحاق بن راهويه رقم (60) وابن خزيمة رقم (2508) وابن حبان رقم (3704)، (3705) والدارقطني (2/ 281) و (2/ 281 - 282) والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 325 - 326) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (1472) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (1/ 255).

(5)

في سننه رقم (2620).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1721) وابن ماجه (2886) والحاكم (1/ 441، 470) والدارمي (2/ 29) من طرق. =

ص: 13

الحديث الأول تمامه: "ثم قال: ذروني ما تركتكم". وفي لفظ: "ولو وجبت ما قمتم بها".

والحديث الثاني أخرجه أيضًا أبو داود

(1)

وابن ماجه

(2)

والبيهقي

(3)

والحاكم

(4)

وقال: صحيح على شرطهما.

وفي الباب عن أنس عند ابن ماجه

(5)

قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتب عليكم الحج، فقيل: يا رسول الله في كل عام؟ فقال: لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لم تقوموا بها، ولو لم تقوموا بها عُذبتم".

قال الحافظ

(6)

: ورجاله ثقات.

وعن علي عند الترمذي

(7)

والحاكم

(8)

وسنده منقطع.

= قال الحاكم: إسناده صحيح، وأبو سنان هو الدؤلي. قلت: واسمه: يزيد بن أمية، وهو ثقة، ومنهم من عدَّه في الصحابة.

وله في الدارمي (2/ 29)، وأحمد (1/ 292، 301، 323، 325) متابع من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس باختصار، وهو إسناد لا بأس به في المتابعات.

وللحديث شواهد من حديث أبي هريرة كما تقدم، وعلي بن أبي طالب كما يأتي.

وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس حديث صحيح.

(1)

في سننه رقم (1721) وقد تقدم.

(2)

في سننه رقم (2886) وقد تقدم.

(3)

في السنن الكبرى (4/ 326).

(4)

في المستدرك (1/ 441، 470) وقد تقدم.

(5)

في سننه رقم (2885).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 4/ 1016/ 2885): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وأبو سفيان اسمه طلحة بن نافع، ومحمد بن أبي عبيدة بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود: ثقة، وأبوه مثله

". اهـ.

والخلاصة: أن حديث أنس حديث صحيح، والله أعلم.

(6)

في "التلخيص"(2/ 421).

(7)

في سننه رقم (814) وقال: حديث حسن غريب.

(8)

في المستدرك (2/ 293 - 294) وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي بقوله:"مخول رافضي، وعبد الأعلى هو ابن عامر ضعفه أحمد"، وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (2/ 421): وسنده منقطع.

وانظر: نصب الراية للزيلعي (3/ 3).

وخلاصة القول: أن حديث علي حديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 14

قوله: (باب وجوب الحج والعمرة) الحج بفتح الحاء هو المصدر، وبالفتح والكسر هو الاسم منه، وأصله القصد، ويطلق على العمل أيضًا، وعلى الإِتيان مرة بعد أخرى.

وأصل العمرة: [الزيارة]

(1)

. وقال الخليل

(2)

: الحج كثرة القصد إلى مُعَظَّم.

ووجوب الحج معلوم بالضرورة الدينية

(3)

.

واختُلف في العمرة، فقيل: واجبة، وقيل: مستحبة، وللشافعي

(4)

قولان أصحهما وجوبها، وسيأتي تفصيل ذلك قريبًا.

والأحاديث المذكورة في الباب تدلّ على أن الحج لا يجب إلا مرة واحدة وهو مجمع عليه، كما قال النووي

(5)

والحافظ

(6)

وغيرهما.

وكذلك العمرة عند من قال بوجوبها لا تجب إلا مرة إلا أن ينذر بالحج أو العمرة وجب الوفاء بالنذر يشرطه.

(1)

في المخطوط (أ) و (ب): (الزيادة) وهو خطأ. والصواب ما أثبتناه من القاموس المحيط ص 571.

(2)

في كتابه "العين" ص 172 وفيه: "الحج كثرة القصد إلى من يُعظَّم".

(3)

قال النووي في "المجموع"(7/ 19): "

فالحج فرض عين على كل مستطيع بإجماع المسلمين، وتظاهرت على ذلك دلالة الكتاب والسنة، وإجماع الأمة .. ". اهـ.

(4)

قال الشيرازي في "المهذب"(2/ 655 - 656): "

وفي العمرة قولان: قال في الجديد: هي فرض لما روت عائشة قالت: "قلت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: جهاد لا قتال فيه. الحج والعمرة".

وقال في القديم: ليست بفرض لما روى جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة، أهي واجبة؟ قال: لا، وأن تعتمر خير لك".

والصحيح هو الأول، لأن هذا الحديث رفعه ابن لهيعة، وهو ضعيف فيما ينفرد به". اهـ.

وقال النووي في "المجموع"(7/ 11):، والصحيح باتفاق الأصحاب أنها - أي العمرة - فرض وهو المنصوص في الجديد". اهـ.

(5)

قال النووي في "المجموع"(7/ 13): "

فلا يجب على المكلف المستطيع في جميع عمره إلا حجة واحدة، وعمرة واحدة بالشرع، ونقل أصحابنا إجماع المسلمين على هذا

". اهـ.

وانظر: شرح صحيح مسلم للتووي (8/ 72).

(6)

في الفتح (3/ 378) والتلخيص (2/ 420 - 421).

ص: 15

وقد اختلف هل الحج على الفور أو التراخي؟ وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله.

واختلف أيضًا في وقت ابتداء افتراض الحج، فقيل: قبل الهجرة.

قال في الفتح

(1)

: وهو شاذ.

وقيل: بعدها.

ثم اختلف في سنته، فالجمهور على أنها سَنَةَ سِتّ لأنه نزل فيها قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}

(2)

.

قال في الفتح

(3)

: وهذا ينبني على أن المراد بالإِتمام ابتداء الفرض.

ويؤيده قراءة علقمة

(4)

ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ: "وأقيموا"، أخرجه الطبراني

(5)

بأسانيد صحيحة عنهم.

وقيل: المراد بالإِتمام الإِكمال بعد الشروع، وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك.

وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج، وكان قدومه على ما ذكر الواقدي

(6)

سنة خمس.

وهذا يدل إن ثبت عنه تقدمه على سنة خمس أو وقوعه فيها.

وقيل: سنة تسع، حكاه النووي

(7)

في الروضة، والماوردي

(8)

في الأحكام السلطانية.

(1)

(3/ 378).

(2)

سورة البقرة: الآية (196).

(3)

(3/ 378).

(4)

قال د. عبد اللطيف الخطيب في "معجم القراءات"(1/ 267):

وأتِمُّوا: قراءة الجمهور "وأتِمّوا".

قراءة علقمة وابن مسعود وابن عباس "وأقيموا".

وانظر: جامع البيان للطبري (4 رقم 3185، 3186، 3187 - شاكر).

والدر المنثور (1/ 502 - 503).

(5)

لم أقف عليه في المعاجم الثلاثة للطبراني. ولعله الطبري كما تقدم.

(6)

أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(1/ 299) عن الواقدي، به.

وابن كثير في "البداية والنهاية" تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي (7/ 284).

(7)

انظر: "المجموع"(7/ 87).

(8)

انظر: "الحج" من الحاوي الكبير (1/ 232).

ص: 16

ورجَّح صاحب الهدي

(1)

أن افتراض الحج كان في سنة تسع أو عشر، واستدل على ذلك بأدلة فلتؤخذ منه

(2)

.

قوله: (لو قلتها لوجبت)، استُدلّ به على أن النبي صلى الله عليه وسلم مفوض في شرع الأحكام، وفي ذلك خلاف مبسوط في الأصول

(3)

.

3/ 1785 - (وَعَنْ أبي رُزيْنٍ العُقَيْلِي أنَّهُ أتى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقالَ: إن أبي شَيْخٌ كَبِيرٌ لا يَسْتَطِيعُ الحَجَّ، وَلا العُمْرَةَ، وَلا الظَّعْنَ، فَقالَ: "حُجُّ عَنْ أبِيكَ وَاعْتَمِرْ". رَوَاهُ الخَمْسَةُ وَصححَهُ التِّرْمِذِيُّ)

(4)

. [صحيح]

(1)

"زاد المعاد في هدي خير العباد"(2/ 96).

(2)

قال ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد"(2/ 96): "

فإن قيل: فَمِنْ أين لكم تأخير نزول فرضه - أي الحج - إلى التاسعة أو العاشرة؟

قيل: لأن صدر سورة آل عمران نزل عام الوفود، وفيه قدِم وفدُ نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحهم على أداء الجزية، والجزية إنما نزلت عامَ تبوك سنة تسع، وفيها نزل صدرُ سورة آل عمران، وناظرَ أهل الكتاب، ودعاهم إلى التوحيد والمُباهلة، ويدلُّ عليه أن أهلَ مكة وجدوا في نفوسهم على ما فاتهم من التجارة من المشركين لما أنزل الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:]، فأعاضهم الله تعالى من ذلك بالجزية، ونزولُ هذه الآيات والمناداةُ بها، إنما كان في سنة تسع، وبعث الصِّديق يؤذِّن بذلك في مكة في مواسم الحج، وأردفه بعلي رضي الله عنه، وهذا الذي ذكرناه قد قاله غير واحد من السلف والله أعلم". اهـ.

(3)

انظر: "إرشاد الفحول" ص 147، والبحر المحيط (4/ 167) وتيسير التحرير (3/ 20).

(4)

أحمد (4/ 10) وأبو داود رقم (1810) والترمذي رقم (930) والنسائي (5/ 117) وابن ماجه رقم (2906).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى" رقم (500) وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 389) والطيالسي رقم (1091) وابن خزيمة رقم (3040) والطحاوي في مشكل الآثار رقم (2546) وابن حبان في صحيحه رقم (3991) والطبراني في "الكبير"(ج 19 رقم (457)، (458) والحاكم في المستدرك (1/ 481) والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 329) من طرق ..

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

ونقل ابن عبد الهادي في "التنقيح"(2/ 404) والمنذري في "المختصر"(2/ 333) عن الإمام أحمد أنه قال: "لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود من هذا، ولا أصح منه". اهـ.

وخلاصة القول: أن حديث أبي رُزين العقيلي حديث صحيح، والله أعلم.

ص: 17

الحديث يدل على جواز حج الولد عن أبيه العاجز عن المشي، وسيأتي الكلام عليه في باب وجوب الحج على المعضوب

(1)

.

وذكره المصنف رحمه الله في هذا الباب للاستدلال به على وجوب الحج والعمرة.

قال الإِمام أحمد

(2)

: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود من هذا ولا أصح منه. انتهى.

وقد جزم يوجوب العمرة جماعة من أهل الحديث وهو المشهور عن الشافعي

(3)

وأحمد

(4)

، وبه قال إسحاق

(5)

والثوري

(6)

والمزني والناصر

(7)

.

والمشهور عن المالكية

(8)

أن العمرة ليست بواجبة، وهو قول الحنفية

(9)

وزيد بن علي

(10)

والهادوية، ولا خلاف في المشروعية.

وقد روي في "الجامع الكافي "

(11)

القول. بوجوب العمرة عن عليّ، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة وزين العابدين وطاوس، والحسن البصري، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، ومجاهد وعطاء

(12)

.

(1)

الباب الثالث عند الحديث رقم (11/ 1793 - 13/ 1795) من كتابنا هذا.

(2)

"المختصر" للمنذري (2/ 333) و"التنقيح" لابن عبد الهادي (2/ 404)، والمجموع (7/ 8).

(3)

انظر: "المهذب"(2/ 655 - 656) وقد تقدم نقل كلامه.

(4)

المغني (5/ 13) والمجموع (7/ 12).

(5)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (5/ 13)، والنووي في المجموع (7/ 12).

(6)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (5/ 13)، والنووي في المجموع (7/ 12).

(7)

البحر الزخار (2/ 385).

(8)

عيون المجالس (2/ 776).

(9)

حاشية ابن عابدين (3/ 421).

(10)

البحر الزخار (2/ 385).

(11)

الجامع الكافي: (جامع آل محمد). تأليف: الداعي إلى الحق الحسن بن محمد الحسني الديلمي. (مخطوط) مؤلفات الزيدية (1/ 357).

• وقد نقل السياغي في "الروض النضير"(3/ 136) قول صاحب الجامع الكافي.

(12)

قال النووي في "المجموع"(7/ 11 - 12): "فرع: في مذاهب العلماء في وجوب العمرة، قد ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا أنها فرض، وبه قال عمر، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وطاوس، وعطاء، وابن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وابن سيرين، والشعبي، ومسروق، وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وعبد الله بن شداد، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وابن عبيد - ولعله ابن عيينة - وداود. =

ص: 18

واستدلَّ القائلونَ بعدم الوجوب بما أخرجه الترمذي

(1)

، وصححه أحمد

(2)

والبيهقي

(3)

وابن أبي شيبة

(4)

وعبد بن حميد

(5)

عن جابر: "أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: لا، وأن تعتمر خير لك". وفي رواية: "أولى لك".

وأجيب عن الحديث بأن في إسناده الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف

(6)

.

وتصحيح الترمذي له فيه نظر، لأن الأكثر على تضعيف الحجاج واتفقوا على أنه مدلس.

= وقال مالك، وأبو حنيفة، وأبو ثور: هي سنة ليست واجبة، وحكاه ابن المنذر وغيره عن النخعي، ودليل الجميع سبق بيانه، والله أعلم". اهـ.

(1)

في سننه رقم (931) وقال: حسن صحيح.

(2)

في المسند (3/ 316).

(3)

في السنن الكبرى (4/ 349).

(4)

في المصنف - جزء العمروي - ص 220.

(5)

لم أقف عليه في المنتخب لعبد بن حميد في مسند جابر.

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (1938) وابن خزيمة رقم (3068) والدارقطني (2/ 285 رقم 223) وابن حزم في المحلى (7/ 36).

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وتعقبه النووي في المجموع (7/ 10) بقوله: "ينبغي ألا يغتر بكلام الترمذي في تصحيحه، فقد اتفق الحفاظ على تضعيفه".

وقال البيهقي في السنن الكبرى (4/ 349): "المحفوظ عن جابر موقوف غير مرفوع، وروي عن جابر مرفوعًا بخلاف ذلك، وكلاهما ضعيف".

قلت: يشير البيهقي إلى الحديث الذي أخرجه ابن عدي في "الكامل"(4/ 1468) والبيهقي (4/ 350 - 351) من طريق ابن لهيعة، عن عطاء، عن جابر، مرفوعًا:"الحج والعمرة فريضتان واجبتان".

قال ابن عدي: غير محفوظ.

قلت: ابن لهيعة ضعيف ..

وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 597): "ولا يثبت في هذا الباب عن جابر، شيء، بل روى ابن الجهم المالكي بإسناد حسن عن جابر: "ليس مسلم إلا عليه عمرة"، موقوف على جابر". اهـ.

وانظر: "المحلى"(7/ 36 - 42).

وخلاصة القول: أن حديث جابر ضعيف، والله أعلم.

(6)

انظر لترجمته: الميزان (1/ 458) والتقريب (1/ 152) والخلاصة ص 73. وقد تقدم.

ص: 19

قال النووي

(1)

: ينبغي أن لا يُغتر بالترمذي في تصحيحه، فقد اتفق الحفاظ تضعيفه. انتهى. على أن تصحيح الترمذي له إنما ثبت في رواية الكروخي

(2)

فقط، وقد نبه صاحب الإمام

(3)

على أنه لم يرد على قوله حسن في جميع الروايات عنه إلا في رواية الكروخي.

وقد قال ابن حزم

(4)

: إنه مكذوب باطل، وهو إفراط، لأن الحجاج وإن ضعيفًا فليس متهمًا بالوضع.

وقد رواه البيهقي

(5)

من حديث سعيد بن عُفير عن يحيى بن أيوب عن الله عن أبي الزبير عن جابر بنحوه.

ورواه ابن جريج عن ابن المنكدر عن جابر

(6)

.

ورواه ابن عدي

(7)

من طريق أبي عصمة عن ابن المنكدر عن أبي صالح عصمة قد كذبوه.

(1)

في "المجموع"(7/ 10).

(2)

حكاها عنه أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي في التعليق المغني على الدارقطني (2/ 286).

(3)

حكاها عنه الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 150).

تنبيه:

• في معظم طبعات "النيل"(الكرخي) في الموضعين. والصواب (الكروخي) كما في المخطوط (أ) و (ب) ونصب الراية وغيرها.

(4)

المحلى (7/ 37).

(5)

في السنن الكبرى (4/ 348 - 349).

قلت: وأخرجه الطبراني في الصغير (رقم 1015 - الروض) والدارقطني (2/ 286) بسند جيد لولا عنعنة أبي الزبير المكي.

وخالفه ابن جريج فأخرجه ابن خزيمة رقم (3067) عن عبد الله بن سعيد الأشج، عن أبي خالد الأحمر، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: ليس من خلق الله أحد إلا وعليه عمرة واجبة.

لكن فيه عنعنة ابن جريج، وأبي الزبير، وهما مدلسان.

(6)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/ 349) موقوفًا.

وقال البيهقي: هذا هو المحفوظ عن جابر، موقوف غير مرفوع.

(7)

في "الكامل"(7/ 2507) من طريق نوح بن أبي مريم، عن ابن المنكدر، به وقال: وهذا يعرف بالحجاج بن أرطأة، عن محمد بن المنكدر، ولعل نوحًا سرقه منه. =

ص: 20

وفي الباب عن أبي هريرة عند الدارقطني

(1)

وابن حزم

(2)

والبيهقي

(3)

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحجّ جهاد والعمرة تطوّع" وإسناده ضعيف، كما قال الحافظ

(4)

.

وعن طلحة عند ابن ماجه

(5)

بإسناد ضعيف.

= قلت: وأبو عصمة، نوح بن أبي مريم متروك الحديث. [الميزان (4/ 279) والمجروحين (3/ 48) والجرح والتعديل (8/ 484)].

(1)

في "العلل"(11/ 227 س/ 2247) وصوَّب إرساله.

(2)

في المحلى (7/ 37).

(3)

في السنن الكبرى (4/ 348).

(4)

في "التلخيص"(2/ 432).

قال ابن حزم في "المحلى"(7/ 38): "وأما حديث أبي هريرة فكذب بحت من بلايا عبد الباقي بن قانع التي انفرد بها والناس رووه مرسلًا من طريق أبي صالح ماهان .. ". اهـ.

قلت: حديث أبي صالح أخرجه الشافعي في المسند رقم (737 - ترتيب) ومن طريقه أخرجه البيهقي (4/ 348).

قال ابن حزم في المحلى (7/ 37): "أما حديث أبي صالح بن ماهان الحنفي فهو مرسل، وماهان هذا ضعيف كوفي". اهـ.

"واعترضه ابن دقيق العيد: بأن عبد الباقي بن قانع من كبار الحفاظ، وأكثر عنه الدارقطني، وبقية الإسناد ثقات.

وقوله في أبي صالح ماهان الحنفي: إنه ضعيف، ليس بصحيح، فقد وثقه ابن معين - كما في الجرح والتعديل (5/ 276 - 277) - وروى عنه جماعة مشاهير .. ". اهـ، نصب الراية (3/ 150 - 151).

وخلاصة القول: أن حديث أبي هريرة حديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

في السنن رقم (2989).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 24 رقم 1047/ 2989): "هذا إسناد ضعيف، عمر بن قيس المعروف بسَنْدَل ضعفه أحمد وابن معين والفلاس وأبو زرعة وأبو حاتم والبخاري وأبو داود، والنسائي وغيرهم، والحسن الراوي عنه ضعيف". اهـ.

انظر: "الميزان"(3/ 218) والمجروحين (2/ 85) والجرح والتعديل (6/ 129) والتاريخ الكبير (6/ 187) والتقريب (2/ 62) والخلاصة ص 285.

• أما الحسن بن يحيى الخشني، فقد قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: صدوق سيء الحفظ، وقال الدارقطني: متروك.

التاريخ الكبير (2/ 309) والمجروحين (1/ 235) والجرح والتعديل (3/ 44) والميزان (1/ 524) والتقريب (1/ 172) والخلاصة ص 81. =

ص: 21

وعن ابن عباس عند البيهقي

(1)

قال الحافظ

(2)

: ولا يصحّ من ذلك شيء.

وبهذا تعرف أن الحديث من قسم الحسن لغيره، وهو محتج به عند الجمهور ويؤيده ما عند الطبراني

(3)

عن أبي أمامة مرفوعًا: "من مشى إلى صلاة مكتوبة فأجره كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوّع فأجره كعمرة".

واستدلّ القائلون بوجوب العمرة بما أخرجه الدارقطني

(4)

من حديث زيد بن

= وقال الحافظ في "التلخيص الحبير"(2/ 432): "إسناده ضعيف".

وقال ابن أبي حاتم في العلل رقم (850): سألت أبي عن حديث رواه الحسن بن يحيى الخشني عن عمر بن قيس عن طلحة بن موسى عن عمه إسحاق بن طلحة، عن طلحة بن عبيد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الحج جهاد والعمرة تطوع"، قال أبي: هذا حديث باطل". اهـ.

والخلاصة: أن حديث طلحة حديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

في السنن الكبرى (4/ 348).

(2)

في "التلخيص"(2/ 432).

(3)

في المعجم الكبير (ج 8/ رقم 7578) وفي "الشاميين" رقم (1548) و (3412) عن إسحاق بن خالويه الواسطي، ثنا علي بن بحر، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا حفص بن غيلان، عن مكحول عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.

إسناده ضعيف، مكحول لم يسمع من أبي أمامة على قول الجمهور، وهو حديث حسن لغيره.

• وأخرج أبو داود رقم (558) وأحمد (5/ 268) والطبراني في المعجم الكبير رقم (7734) وفي الشاميين رقم (878) والبيهقي (3/ 63) من طريق يحيى بن الحارث، عن القاسم أبي عد الرحمن، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من مشى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ وهو متطهِّرٌ، كان له كأجرِ الحاجِّ المحرم، ومن مشى إلى سبحة الضحى، كان له كأجرِ المعتمر، وصلاةٌ على إثر صلاةٍ لا لَغْوَ بينهما، كتابٌ في عِلِّيِّينَ".

وهو حديث حسن الله أعلم.

(4)

في سننه (2/ 284 رقم 217).

قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 471) كلاهما من طريق إسماعيل بن مسلم عن محمد بن سيرين عن زيد بن ثابت، به.

قلت: في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف جدًّا.

وبه أعله ابن الجوزي في "التحقيق"(6/ 71) وكذلك ابن عبد الهادي في "التنقيح"(2/ 405).

وقال الحافظ في "التلخيص"(2/ 430)"وفي إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف؛ ثم هو عن ابن سيرين، عن زيد وهو منقطع". اهـ.

وخلاصة القول: أن حديث زيد بن ثابت حديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.

ص: 22

ثابت بلفظ: "الحجّ والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت".

وأجيب عنه بأن في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي

(1)

وهو ضعيف.

وفي الحديث أيضًا انقطاع، ورواه البيهقي

(2)

موقوفًا على زيد.

قال الحافظ

(3)

: وإسناده أصحّ، وصححه الحاكم

(4)

.

ورواه ابن عدي

(5)

عن جابر، وفي إسناده ابن لهيعة.

وفي الباب عن عمر في سؤال جبريل، وفيه:"وأن تحج وتعتمر"، أخرجه ابن خزيمة

(6)

وابن حبان

(7)

والدارقطني

(8)

وغيرهم.

وعن عائشة عند أحمد

(9)

وابن ماجه

(10)

: "قالت: يا رسول الله على النساء جهاد؟ قال: عليهن جهاد لا قتال فيه: الحجّ والعمرة"، وسيأتي

(11)

.

والحق عدم وجوب العمرة لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلا بدليل يثبت به التكليف، ولا دليل يصلح لذلك لا سيما مع اعتضادها بما تقدم من الأحاديث القاضية بعدم الوجوب

(1)

انظر لترجمته: المجروحين (1/ 120) والجرح والتعديل (2/ 198) والميزان (1/ 248) والتقريب (1/ 74) والخلاصة ص 36.

(2)

في السنن الكبرى (4/ 351).

(3)

في "التلخيص"(2/ 430).

(4)

في المستدرك (1/ 471) وقال الحاكم: والصحيح عن زيد بن ثابت قوله، وقال الذهبي: الصحيح موقوف.

(5)

في "الكامل"(4/ 150).

(6)

في صحيحه رقم (3065).

(7)

في صحيحه رقم (173).

(8)

في سننه (2/ 282 رقم 207) وقال: إسناد ثابت صحيح، أخرجه مسلم بهذا الإسناد.

قلت: أصل الحديث في مسلم رقم (8) بدون زيادة (ويعتمر).

وقال الذهبي في "التنقيح"(2/ 14): "قالوا: هذا في الصحاح بلا هذه الزيادة. قلنا: قد أخرجها الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين"، وقال الدارقطني: إسناده صحيح. اهـ.

وقال ابن عبد الهادي في "التنقيح"(2/ 403): "نعم هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه". قال شيخنا: هذه الزيادة فيها شذوذ.

قلت: وخلاصة القول أن حديث عمر بهذه الزيادة صحيح، والله أعلم.

(9)

في المسند (6/ 165).

(10)

في سننه رقم (2901).

(11)

برقم (4/ 1786) من كتابنا هذا، وهو حديث صحيح.

ص: 23

ويؤيد ذلك اقتصاره صلى الله عليه وسلم على الحجّ في حديث

(1)

: "بُني الإِسلام على خمس".

واقتصار الله جل جلاله على الحج في قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}

(2)

.

وقد استدل على الوجوب بحديث عمر الآتي

(3)

قريبًا، وسيأتي الجواب عنه.

وأما قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}

(4)

، فلفظ التمام مشعر بأنه إنما يجب بعد الإِحرام لا قبله.

ويدل على ذلك ما أخرجه الشيخان

(5)

وأهل السنن

(6)

وأحمد

(7)

والشافعي

(8)

وابن أبي شيبة

(9)

عن يعلى بن أمية قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خَلوق فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله تعالى على النبيّ صلى الله عليه وسلم الآية.

فهذا السبب في نزول الآية، والسائل قد كان أحرم، وإنما سأل كيف يصنع.

4/ 1786 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قالَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله هَلْ على النِّساءِ مِنْ

(1)

أخرجه البخاري رقم (8) ومسلم رقم (21/ 16) من حديث ابن عمر.

(2)

سورة آل عمران: الآية (97).

(3)

برقم (6/ 1788) من كتابنا هذا.

(4)

سورة البقرة: الآية (196).

(5)

البخاري رقم (1789) ومسلم رقم (6/ 1180).

(6)

أبو داود رقم (1819) والترمذي رقم (835) والنسائي رقم (2709).

(7)

في المسند (4/ 222).

(8)

في المسند رقم (812 - ترتيب).

(9)

في المصنف جزء العمروي ص 141 - 143.

قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (1169) وابن خزيمة رقم (2672) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 127) وابن حبان رقم (3779) وأبو نعيم في "الدلائل" رقم (176) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 57) وفي الدلائل (5/ 204 - 205) والطبراني في المعجم الكبير (ج 22/ رقم 653 - 660) والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 121) وابن عبد البر في التمهيد (2/ 252) من طرق.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

ص: 24

جِهادٍ؟ قالَ: "نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهادٌ لا قِتالَ فِيهِ: الحَجُّ وَالعُمْرَةُ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَابْنُ مَاجَهْ

(2)

وَإسْنَادُهُ صَحِيح). [صيح]

الحديث فيه دليل على أن الجهاد غير واجب على النساء، وسيأتي إن شاء الله الكلام على ذلك.

وفيه إشارة إلى وجوب العمرة، وقد تقدم البحث عن ذلك.

5/ 1787 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمالِ أفْضَلُ؟ قالَ: "إيمَانٌ بالله [وَبِرَسُولِهِ]

(3)

"، قالَ: ثُم مَاذَا؟ قالَ: "ثُم الجِهادُ في سَبيلِ الله"، قِيلَ: ثُم ماذَا؟ قالَ: "ثُم حَجٌّ مَبْرُورٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

. [صحيح]

وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ فَضَّلَ نَفْلَ الحَجّ على نَفْلِ الصدَقَةِ).

6/ 1788 - (وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قالَ: بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم جاءَ رَجُلٌ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ ما الإِسلام؟ قالَ: "الإسلام أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا الله، وأنَّ محَمَّدًا رَسُولُ الله، وأنْ تُقِيمَ الصَّلاة وَتُؤْتي الزَّكاةَ، وتَحُجَّ البَيْتَ وَتَعْتَمِرَ، وَتَغْتَسِلَ مِنَ الجَنابَةِ، وَتُتِمَّ الوُضُوء وَتَصُومَ رَمَضَانَ"، وَذَكرَ بَاقِي الحَدِيثِ، وَأنَّهُ قالَ:"هَذَا جِبْرِيلُ أتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينكُمْ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

(5)

وَقَالَ: هَذَا

(1)

في المسند (6/ 165).

(2)

في سننه رقم (2901).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (3074) والدارقطني (2/ 284 رقم 215).

قال شيخ الإسلام في شرح العمدة من كتاب الحج (1/ 96): "رواه ابن ماجه والدارقطني بإسناد على شرط الصحيح". اهـ.

وقال النووي في المجموع (7/ 8): رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة، وإسناد ابن ماجه على شرط البخاري ومسلم". اهـ.

وقال الألباني رحمه الله في الإرواء (4/ 151): صحيح.

(3)

في المخطوط (ب): (ورسوله).

(4)

أحمد (2/ 268، 269) والبخاري رقم (1519) ومسلم رقم (135/ 83).

(5)

في سننه (2/ 282 رقم 207) وقال إسناد ثابت صحيح، وأخرجه مسلم بهذا الإسناد.

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/ 349 - 350).

كلاهما من طريق يونس بن محمد ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يعمر، به.

قلت: أصل الحديث في مسلم رقم (8) بدون زيادة (ويعتمر). =

ص: 25

إسْنادٌ ثابِتٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ أبُو بَكْرٍ الجَوْزَقِي

(1)

فِي كِتابِهِ المُخْرَجِ على الصَّحِيحَينِ)

(2)

. [صحيح]

7/ 1789 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لَما بَيْنَهُما، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلا الجَنَّة". رَوَاهُ الجَماعَةُ إلا أبا دَاوُدَ)

(3)

. [صحيح]

[قوله]

(4)

: (إيمان بالله .. ) إلخ، فيه دليل على أن الإِيمان بالله [وبرسوله]

(5)

أفضل من الجهاد، والجهاد أفضل من الحج المبرور.

= وقال الذهبي: في "التنقيح"(2/ 14): "قالوا: هذا في الصحاح بلا هذه الزيادة.

قلنا: قد أخرجها الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين، وقال الدارقطني: إسناده صحيح.

وقال ابن عبد الهادي في "التنقيح"(2/ 403): "نعم هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه".

قال شيخنا: هذه الزيادة فيها شذوذ.

قلت: وخلاصة القول أن حديث عمر صحيح بهذه الزيادة، والله أعلم.

(1)

هو الإمام الحافظ المجوِّد البارع أبو بكر، محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني الخُراساني الجَوْزَقيُّ المعدّل.

مفيد الجماعة بنيسابور، وصاحب "الصحيح" المخرَّج على كتاب مسلم، والبارع في التصانيف، وله كتاب:"المنفق الكبير" في ثلاث مئة جزء، حدث عنه الحاكم، وغيره. وتوفي سنة (388 هـ).

[سير أعلام النبلاء (16/ 493) والنجوم الزاهرة (4/ 199) وشذرات الذهب 3/ 129 - 130)].

(2)

حكاه عنه الذهبي في "التنقح"(2/ 14) كما تقدم آنفًا.

(3)

أحمد (2/ 462) والبخاري رقم (1773) ومسلم رقم (437/ 1349) والترمذي رقم (933) والنسائي (5/ 115) واين ماجه رقم (2888).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 261) والبغوي في شرح السنة رقم (1843) وابن حبان رقم (3696) وابن خزيمة رقم (2513).

كلهم من طريق سُمَيِّ مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة مرفوعًا.

وللحديث طرق أخرى، لكن قال الترمذي في "العلل الكبير" (1/ 393): "المشهور عند الناس عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

رواه سهل، والثوري، ومالك، وغير واحد عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة". اهـ.

(4)

في المخطوط (أ) مكررة.

(5)

في المخطوط (ب): (ورسولة).

ص: 26

وقد اختلفت الأحاديث المشتملة على بيان فاضل الأعمال من مفضولها، فتارة تجعل الأفضل الجهاد، وتارة الإِيمان، وتارة الصلاة، وتارة غير ذلك.

وأحقّ ما قيل في الجمع بينهما: إن بيان الفضيلة يختلف باختلاف المخاطب، فإذا كان المخاطب ممن له تأثير في القتال وقوّة على مقارعة الأبطال قيل له: أفضل الأعمال الجهاد، وإذا كان كثير المال قيل له: أفضل الأعمال الصدقة، ثم كذلك يكون الاختلاف على حسب اختلاف المخاطبين.

قوله: (مبرور) قال ابن خالويه: المبرور: المقبول.

وقال غيره

(1)

: الذي لا يخالطه شيء من الإِثم. ورجحه النووي

(2)

.

وقيل غير ذلك.

وقال القرطبي

(3)

: الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى، وهي أنه الحجّ الذي وفيت أحكامه وقع [موافقًا]

(4)

لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل.

ولأحمد

(5)

والحاكم

(6)

من حديث جابر: "قالوا: يا رسول الله ما بر الحجّ؟ قال: إطعام الطعام، وإفشاء السلام".

قال في الفتح

(7)

: وفي إسناده ضعف، ولو ثبت كان هو المتعين دون غيره.

(1)

أي شمر: تهذيب اللغة للأزهري (15/ 185).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 118 - 119).

(3)

في "المفهم"(3/ 463).

(4)

في المخطوط (ب): (موقعًا).

(5)

في المسند (3/ 325) بسند ضعيف.

(6)

في المستدرك (1/ 483) بسند ضعيف جدًّا.

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (1718) وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (1091) عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الأيمان عند الله عز وجل إيمان بالله، وجهاد في سبيله، وحجٌّ مبرور"، قلنا: يا رسولَ الله وما برّ الحج؛ قال: "إطعام الطعام وطيب الكلام".

وفي إسناده طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي: متروك، التقريب (1/ 379).

وخلاصة القول: أن حديث جابر حديث ضعيف، والله أعلم.

(7)

انظر: "الفتح"(3/ 598).

ص: 27

قوله: (ما الإسلام) إلى قوله: "وتحج البيت"، قد تقدم الكلام على هذه الكلمات في أوائل كتاب الصلاة.

قوله: (وتعتمر)، فيه متمسك لمن قال بوجوب العمرة، ولكنه لا يكون مجرد اقتران العمرة بهذه الأمور الواجبة دليلًا على الوجوب لما تقرر في الأصول من ضعف دلالة الاقتران

(1)

، لا سميما وقد عارضها ما سلف من الأدلة القاضية بعدم الوجوب.

(1)

قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" ص 810 - 811: "الفائدة الخامسة: دِلالةُ الاقترانِ: وقد قال بها جماعة من أهل العلم، فمن الحنفية: أبو يوسف، ومن الشافعية: المزني، وابن أبي هريرة، وحكى ذلك الباجيُّ - إحكام الفصول ص 606 - عن بعض المالكيةِ، قال: ورأيت ابنَ نَضْرٍ يستعملُها كثيرًا. ومن ذلك استدلالُ مالكٍ على سقوط الزكاةِ في الخيل بقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]، قال: فَقَرَن بين الخيلِ والبغالِ والحميرِ، والبغال والحمير لا زكاة فيها إجماعًا فكذلك الخيلُ.

وأنكر دلالة الاقترانِ الجمهورُ، فقالوا: إنَّ الاقترانَ في النظْم لا يستلزم الاقترانَ في الحكم.

واحتج المثْبِتون لها بأنَّ العطفَ يقتضي المشاركَة، وأجاب الجمهور بأنَّ الشِّرْكةَ إنما تكون في المتعاطِفات الناقصةِ المحتاجة إلى ما تتِمُّ به، فإذا تمَّتْ بنفسها فلا مُشاركةَ كما في قوله تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29]، فإن الجملةَ الثانيةَ معطوفةٌ على الأولى ولا تُشاركُها في الرسالة، ونحوُ ذلك كثير في الكتاب والسنة.

والأصلُ في كل كلام تامٍّ أن ينفرِدَ بحُكمه ولا يُشاركُه غيرُه فيه فيمن ادَّعى خلافَ هذا في بعض المواضع فلدليلٍ خارجيٍّ، ولا نزاعَ فيما كان كذلك، ولكنَّ الدَّلالة فيه ليست للاقترانِ بل للدليل الخارجي.

أما إذا كان المعطوف ناقصًا بأن لا يُذكَرَ خبرُه كقول القائل: فلانةٌ طالقٌ وفلانةٌ. فلا خلافَ في المشاركة ومثلُه عطْفُ المفرداتِ، وإذا كان بينهما مشاركةٌ في العلة فالتشارُكُ في الحكم إنما كان لأجلها لا لأجل الاقتران.

وقد احتج الشافعيُّ على وجوب العُمرةِ بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، قال البيهقي - في السنن الكبرى (4/ 351) -: قال الشافعيُّ: الوجوبُ أشبَهُ بظاهر القرآنِ لأنه قَرَنَها بالحج، انتهى.

قال القاضي أبو الطيب: قولُ ابن عباسٍ: "إنها لقرينتُها"، إنما أراد أنها قرينةُ الحجِّ في الأمر وهو قولُه {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، والأمر يقتضي الوجوب فكان احتجاجُه بالأمر دون الاقترانِ.

وقال الصّيرفيُّ في شرح الرسالة - كما في البحر المحيط (6/ 100) - في حديث أبي سعيدٍ =

ص: 28

فإن قيل: إن وقوع العمرة في جواب من سأل عن الإِسلام يدلّ على الوجوب، فيقال: ليس كل أمر من الإِسلام واجبًا، والدليل على ذلك حديث شعب الإِسلام والإِيمان

(1)

، فإنه اشتمل على أمور ليست بواجبة بالإِجماع.

قوله: (كفارة لما بينهما)، أشار ابن عبد البر

(2)

إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر. قال: وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى أن المراد تعميم ذلك، ثم بالغ في الإِنكار عليه.

وقد تقدم البحث عن مثل هذا في مواضع من هذا الشرح.

وقد استشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر الصغائر، [فماذا]

(3)

تكفر العمرة؟.

وأجيب بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها، وتكفير الاجتناب للكبائر عام لجميع عمر العبد فتغايرا من هذه الحيثية.

= "وغسُلُ الجمعةِ على كل محتلمٍ والسِّواكُ وأن يَمَسَّ الطِّيبَ" - وهو حديث صحيح أخرجه أحمد في المسند (4/ 34) - فيه دلالةُ على أن الغسلَ غيرُ واجبٍ لأنه قَرَنَه بالسّواك والطِّيبَ وهما غيرُ واجِبين بالاتفاق. والمرويُّ عن الحنفية كما حكاه الزركشيُّ عنهم في البحر - (6/ 101) - أنها إذا عُطِفت جُملةٌ على جملة فإن كانتا تامَّتين كانت المشاركةُ في أصل الحكم لا في جميع صفاته وقد لا تقتضي المشاركةَ أصلًا وهي التي تسمى واو الاستئنافِ كقوله تعالى: {فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} [الشورى: 24]، فإن قولَه:{وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} جملةٌ مستأنفةٌ لا تعلُّقَّ لها بما قبلها، ولا هي داخلةٌ في جواب الشرط، وإن كانت الثانية ناقصةً شاركت الأولى في جميع ما هي عليه". اهـ.

(1)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (9) ومسلم رقم (35) وأبو داود رقم (4676) والترمذي رقم (2617) والنسائي (8/ 110) وابن ماجه رقم (57) وأحمد في المسند (2/ 445).

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمانُ بِضْعٌ وسبعونَ، أو بِضْعُ وستونَ شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الأيمان.

وانظر: "فتح الباري"(1/ 49 - 50).

(2)

في التمهيد (2/ 183 - 186).

(3)

في المخطوط (ب): (فما).

ص: 29

وقد جعل البخاري

(1)

هذا الحديث من جملة أدلة وجوب العمرة وفضلها وهو لا يصلح للاستدلال به على الوجوب.

وقد قيل: إنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما أخرجه الترمذي

(2)

وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد، وليس للحجة المبرورة جزاء إلا الجنة".

فإن ظاهره التسوية بين أصل الحج والعمرة، ولكن الحقّ ما أسلفناه، لأن هذا استدلال بمجرد الاقتران وقد تقدم ما فيه، وأما الأمر بالمتابعة فهو مصروف عن معناه الحقيقي بما سلف.

وفي الحديث دلالة على استحباب الاستكثار من الاعتمار خلافًا لقول من قال: يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية

(3)

، ولمن قال: يكره أكثر من مرة في الشهر من غيرهم.

(1)

في صحيحه رقم الباب (26): باب العمرة: وجوب العمرة وفضلها.

(2)

في سننه رقم (810) وقال: حديث حسن صحيح غريب.

قلت: وأخرجه النسائي (5/ 115 - 116) وأحمد في المسند (1/ 387).

وأبو يعلى رقم (4976) وابن خزيمة رقم (2512) والطبري في جامع البيان رقم (3956) والبغوي في شرح السنة رقم (1843) والطبراني في الكبير رقم (10406) وأبو نعيم في الحلية (4/ 110) من طرق.

قال أبو الأشبال في تعليقه على المسند (5/ 244 رقم 3669): "إسناده صحيح".

قلت: في سنده أبو خالد الأحمر، سليمان بن حيان الأزدي، قال عنه الحافظ في "التقريب" رقم الترجمة:(2547): صدوق يخطئ.

وقال المحرران: بل صدوق حسن الحديث في أقل أحواله، وهو قريبٌ من الثقة، وثقه وكيع، وابن المديني، وأبو هشام الرفاعي، وابن سعد، والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات

أخرج له البخاري ثلاثة أحاديث فقد توبع عليها جميعًا، واحتج به مسلم". اهـ.

وخلاصة القول: أن حديث عبد الله بن مسعود حديث حسن، والله أعلم.

(3)

عيون المجالس (2/ 777 - 778)، وقوانين الأحكام الشرعية، لابن جزيّ (ص 161).

ص: 30

واستدل للمالكية بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة، وأفعاله على الوجوب أو الندب.

وتعقب بأن المندوب لا ينحصر في أفعاله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لدفع المشقة عن أمته، وقد ندب إلى العمرة بلحفظه، فثبت الاستحباب من غير تقييد.

واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسًا بالحج إلا ما نقل عن الحنفية

(1)

أنها تُكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق.

وعن الهادي

(2)

أنه تكره في أيام التشريق فقط، وعن الهادوية

(3)

أنها تكره في أشهر الحج لغير المتمتع والقارن إذ يشتغل بها عن الحجّ.

ويجاب بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم اعتمر في عمره ثلاث عمر مفردة كلها في أشهر الحجّ.

وسيأتي لهذا مزيد بيان في باب جواز العمرة في جميع السنة

(4)

.

[الباب الثاني] باب [وجوب]

(5)

الحج على الفور

8/ 1790 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "تَعَجَّلُوا إلى الحَجّ"، يَعْنِي الفَرِيضَةَ، "فإنَّ أحَدَكُمْ لا يَدْرِي ما يَعْرِضُ لَهُ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

. [حسن]

9/ 1791 - (وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الفَضْلِ أوْ أحَدِهِما عَنِ الآخَرِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أرَادَ الحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فإنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ

(1)

حاشية على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ص 484.

(2)

شفاء الأوام (2/ 147).

(3)

شفاء الأوام (2/ 146).

(4)

الباب الرابع عند الحديث رقم (14/ 1824) من كتابنا هذا.

(5)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (أ).

(6)

في المسند (1/ 314) بسند ضعيف، إسماعيل بن خليفة العبسي أبو إسرائيل الملائي: صدوق سيء الحفظ نسب إلى الغلو في التشيع - التقريب رقم (440) - وقد توبع.

وخلاصة القول: أن الحديث حديث حسن، والله أعلم.

ص: 31

المَرِيض وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةُ وَتَعْرِضُ الحَاجَةُ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَابْنُ مَاجَهْ

(2)

[حسن]

وَسَيَأتِي قَوْلُهُ عليه السلام

(3)

: "مَنْ كُسِرَ أوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الحَجُّ مِنْ قابِلٍ").

10/ 1792 - (وَعَنِ الحَسَنِ قالَ: قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: لَقَدْ هَمَمْتُ أن أبْعَثَ رِجالًا إلى هَذِهِ الأمْصَارِ [فَيَنْظُرُون]

(4)

كُلَّ مَنْ كانَ لَهُ جِدَةٌ وَلَمْ يَحُجَّ فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِمُ الجِزْيَةَ ما هُمْ بِمُسْلِمِينَ، ما هُمْ بِمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ في سُنَنِهِ)

(5)

. [مرسل صحيح منقطع]

حديث ابن عباس الآخر في إسناده إسماعيل بن خليفة العبسي أبو إسرائيل، وهو صدوق ضعيف الحفظ

(6)

.

(1)

في المسند (1/ 214) بسند ضعيف، انظر الذي قبله.

(2)

في سننه رقم (2883).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 3 رقم 1015/ 2883): "هذا إسناد فيه مقال: إسماعيل بن خليفة أبو إسرائيل الملائي، قال فيه ابن عدي: عامة ما يرويه يخالف الثقات. وقال النسائي: ضعيف، وقال الجوزجاني: مفتر زائغ".

قلت: لم ينفرد إسماعيل بإخراجه من هذا الوجه، فقد رواه أبو داود في سننه رقم (1732) من طريق الحسن بن عمرو عن مهران بن عمران عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ:"من أراد الحج فليتعجل".

ورواه الحاكم - في المستدرك (1/ 448) عن أبي بكر بن إسحاق عن أبي المثنى عن مسدد عن أبي معاوية محمد بن حازم عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن أبي صفوان عن ابن عباس، به مقتصرًا على قوله:"من أراد الحج فليتعجل"، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد". اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(3)

برقم (2065) من كتابنا هذا.

(4)

في المخطوط (أ): (فينظروا).

(5)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 426).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/ 334) ولفظ البيهقي: أن عمر قال: "ليمت يهوديًا أو نصرانيًا" يقولها ثلاث مرات، رجل مات ولم يحج ووجد لذلك سعة وخليت سبيله".

قال الحافظ: وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط، علم أن لهذا الحديث أصلًا. ومحمله على من استحل الترك، وتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع". اهـ.

(6)

التقريب رقم الترجمة (440).

ص: 32

وقال ابن عديّ

(1)

: عامة ما يرويه يخالف فيه الثقات.

وحديث: "من كسر أو عرج"، يأتي إن شاء الله في باب الفوات والإِحصار

(2)

.

وأثر عمر أخرجه أيضًا البيهقي

(3)

.

وفي الباب عن أبي أمامة مرفوعًا عند سعيد بن منصور

(4)

في سننه وأحمد

(5)

وأبي يعلى

(6)

والبيهقي

(7)

بلفظ: "مَنْ لم يحبِسه مرضٌ أو حاجةٌ ظاهرةٌ أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحجّ فليمت إن شاء يهوديًا وإن شاء نصرانيًا".

ولفظ أحمد

(8)

: "من كان ذا يسار فمات ولم يحجّ"، ثم ذكره كما سلف.

وفي إسناده ليث بن أبي سليم

(9)

وهو ضعيف، وشريك وهو سيئ الحفظ

(10)

.

وقد خالفه سفيان الثوري فأرسله، رواه أحمد

(11)

عن ابن سابط عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكذا رواه ابن أبي شيبة

(12)

مرسلًا.

(1)

في "الكامل"(1/ 288).

(2)

رقم الحديث (2065) من كتابنا هذا.

(3)

في السنن الكبرى (4/ 334) وقد تقدم.

(4)

عزاه إليه الحافظ في التلخيص (2/ 425).

(5)

لم أقف عليه في المسند.

وقد عزاه الحافظ في التلخيص (2/ 425) لأحمد في كتاب "الإيمان"، وهو كتاب آخر لأحمد غير المسند.

(6)

في "المعجم" معجم شيوخ أبي يعلى الموصلي (رقم 232).

(7)

في السنن الكبرى (4/ 334) وفي شعب الإيمان رقم (3979).

وقال البيهقي: وهذا إن صح فإنما أراد - والله أعلم - إذا لم يحج، وهو لا يرى تركه مأثمًا ولا فعله برًّا.

(8)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 425).

(9)

ضعيف تقدم، وانظر ترجمته في: الميزان (3/ 420) والتقريب (2/ 138).

(10)

صدوق يخطئ تقدم، وانظر ترجمته في: الميزان (2/ 269) والتقريب (1/ 351).

(11)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 425).

(12)

في المصنف (4/ 89). =

ص: 33

وله طريق أخرى عن عليّ مرفوعًا عند الترمذي

(1)

بلفظ: "من ملك زادًا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا، وذلك لأن الله قال في كتابه:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}

(2)

.

قال الترمذي

(3)

: غريب وفي إسناده مقال والحارث يضعف، وهلال بن عبد الله

(4)

الراوي له عن أبي إسحاق مجهول.

= قلت: وأخرج حديث أبي أمامة بن عدي في الكامل (5/ 1728) في ترجمة عمار بن مطر العنبري الرهاوي.

وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات رقم (1154) من طريق ابن عدي.

وقال ابن عدي: "وهذا الحديث عن شريك غير محفوظ، وعمار بن مطر الضعف على رواياته بيِّن". اهـ.

وأخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 2502) بإسناد آخر عن أبي أمامة في ترجمة: نصر بن مزاحم الكوفي.

وقال ابن عدي: أحاديث نصر بن مزاحم عامتها غير محفوظة.

وخلاصة القول أن حديث أبي أمامة حديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.

(1)

في سننه رقم (812) وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي إسناده مقال، وهلال بن عبد الله مجهول، والحارث يضعف في الحديث". اهـ.

وقال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 401): قال البزار: هذا حديث لا نعلم له إسنادًا عن علي إلا هذا الإسناد، وهلال هذا بصري حدث عنه غير واحد من البصريين

ولا نعلمه يروي عن علي إلا من هذا الوجه، وهذا يدفع قول الترمذي في هلال: إنه مجهول، إلا أن يريد جهالة الحال. والله أعلم". اهـ.

وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(7/ 2580) من طريق هلال مولى ربيعة، به.

وقال عقبه: "هلال لم ينسب وهو مولى ربيعة بن عمر، وهو يعرف بهذا الحديث يرويه عن أبي إسحاق بهذا الإسناد، وليس الحديث بمحفوظ". اهـ.

وبه أعله العقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 348).

وجزم ابن الجوزي في الموضوعات رقم (1152) بوضعه.

وتعقبه السيوطي في اللآلئ (2/ 118) وابن عراق في "التنزيه"(2/ 168) والخلاصة: أن حديث علي حديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.

(2)

سورة آل عمران: الآية (97).

(3)

في السنن (3/ 177).

(4)

هلال بن عبد الله الباهلي مولاهم، أبو هاشم البصري.

متروك. من السابعة.

قال البخاري: منكر الحديث.

وقال الترمذي: مجهول. =

ص: 34

وقال العقيلي

(1)

: لا يتابع عليه، وقد روي عن عليّ موقوفًا ولم يرو مرفوعًا من طريق أحسن من هذا.

وقال المنذري

(2)

: طريق أبي أمامة على ما فيها أصلح من هذه.

وقد روي من طريق ثالثة عن أبي هريرة رفعه عند ابن عديّ

(3)

بلفظ: "من مات ولم يحجّ حجة الإِسلام في غير وجع حابس أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر، فليمت أي الميتتين شاء، إما يهوديًا أو نصرانيًا".

وهذه الطرق يقوّي بعضها بعضًا، وبذلك يتبين مجازفة ابن الجوزي في عدّه لهذا الحديث من الموضوعات

(4)

، فإن مجموع تلك الطرق لا يقصر عن كون الحديث حسنًا لغيره

(5)

وهو محتج به عند الجمهور.

= وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه.

[الضعفاء الكبير للعقيلي (4/ 348) والكامل لابن عدي (7/ 2579) والميزان (4/ 315)].

(1)

في "الضعفاء الكبير"(4/ 348).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(2/ 425).

(3)

أخرجه ابن عدي في "الكامل"(4/ 1620) في ترجمة عبد الرحمن القطامي.

ومن طريق ابن عدي أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات رقم (1153).

وقال ابن الجوزي: "وأما حديث أبي هريرة ففيه: أبو المهزّم واسمه يزيد بن سفيان، قال يحيى: ليس حديثه بشيء. وقال النسائي: متروك.

-[التاريخ الكبير (8/ 339) والمجروحين (3/ 99) والجرح والتعديل (9/ 269) والميزان (4/ 426) والتقريب (2/ 478)]-.

وفيه عبد الرحمن القطامي، قال عمرو بن علي الفلاس: كان كذابًا. وقال ابن حبان: يجب تَنكبُ رواياته.

-[الميزان (2/ 583) والمجروحين (2/ 48) والجرح والتعديل (5/ 279)]-.

(4)

(2/ 582 - 585 رقم 1152، 1153، 1154، 1155).

(5)

• قال الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 10): "قال الشيخ في "الإمام": وقد أخرج الدارقطني هذا الحديث عن جابر، وأنس وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وعائشة ليس فيها إسناد يحتج به". اهـ.

• وقال ابن المنذر كما في "نصب الراية"(3/ 9): "لا يثبت الحديث الذي فيه ذكر الزاد والراحلة مسندًا. والصحيح رواية الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا". اهـ.

• وقال ابن جرير في "جامع البيان"(7/ 45 - شاكر)"الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك بأنه: "الزاد والراحلة"، فإنها أخبار في أسانيدها نظر لا يجوز الاحتجاج بمثلها في الدين". اهـ.

ص: 35

ولا يقدح في ذلك قول العقيلي

(1)

والدارقطني (1): لا يصح في الباب شيء لأن نفي الصحة لا يستلزم نفي الحسن، وقد شد من عضد هذا الحديث الموقوف الأحاديث المذكورة في الباب

(2)

.

قال الحافظ

(3)

: وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط عُلم أن لهذا الحديث أصلًا، ومحمله على من استحل الترك، ويتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع. انتهى.

وقد استدل المصنف بما ذكره في الباب على أن الحجّ واجب على الفور.

ووجه الدلالة من حديث ابن عباس الأول

(4)

والثاني

(5)

ظاهرة ووجهها من حديث

(6)

: "من كسر أو عرج".

قوله: (وعليه الحجّ من قابل)، ولو كان على التراخي لم يعين العامّ القابل، ووجهها من أثر عمر

(7)

ومن الأحاديث التي ذكرناها ظاهر.

وإلى القول بالفور ذهب مالك

(8)

وأبو حنيفة

(9)

وأحمد

(10)

وبعض أصحاب

(1)

حكاه عنهما الحافظ في "التلخيص"(2/ 425).

(2)

قال ابن تيمية في "شرح العمدة - الحج"(1/ 129): "فهذه الأحاديث مسندة من طرق حسان، ومرسلة، وموقوفة، تدل على أن مناط الوجوب: وجود الزاد والراحلة،

". اهـ.

وتعقبه المحدث الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل"(4/ 167): بقوله: "ويظهر أن ابن تيمية رحمه الله تعالى لم يعط هذه الأحاديث والطرق حقها من النظر والنقد

فإنه ليس في تلك الطرق ما هو حسن، بل ولا ضعيف منجبر. فتنبه". اهـ.

وقال أيضًا الألباني رحمه الله في "الإرواء"(4/ 166): "وخلاصة القول: إن طرق هذا الحديث كلها واهية، وبعضها أوهى من بعض، وأحسنها طريق الحسن البصري المرسل، وليس في شيء من تلك الموصولات ما يمكن أن يجعل شاهدًا له لوهائها

". اهـ.

(3)

في "التلخيص"(2/ 426).

(4)

تقدم برقم (1790)، وهو حديث حسن من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (1791)، وهو حديث حسن من كتابنا هذا.

(6)

سيأتي تخريجه برقم (2065) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم برقم (1792) من كتابنا هذا.

(8)

التسهيل (3/ 849).

(9)

البناية في شرح الهداية (4/ 6) والمبسوط (4/ 163).

(10)

المغني (5/ 36) والإنصاف (3/ 404) والمستوعب (4/ 24).

ص: 36

الشافعي

(1)

، ومن أهل البيت

(2)

زيد بن عليّ والهادي والمؤيد بالله والناصر.

وقال الشافعي

(3)

والأوزاعي

(4)

وأبو يوسف

(5)

ومحمد

(6)

، ومن أهل البيت

(7)

القاسم بن إبراهيم وأبو طالب: إنه على التراخي.

واحتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم حجّ سنة عشر وفرض الحجّ كان سنة ست أو خمس.

وأجيب بأنه قد اختلف في الوقت الذي فرض فيه الحجّ.

ومن جملة الأقوال أنه فرض في سنة عشر فلا تأخير، ولو سلم أنه فرض قبل العاشر فتراخيه صلى الله عليه وسلم إنما كان لكراهة الاختلاط في الحج بأهل الشرك لأنهم كانوا يحجون ويطوفون بالبيت عراة، فلما طهر الله البيت الحرام منهم حجّ صلى الله عليه وسلم، فتراخيه لعذر، ومحل النزاع التراخي مع عدمه

(8)

.

[الباب الثالث] باب وجوب الحجّ على المعضوب

(9)

إذا أمكَنَتْهُ الاستِنَابَةُ وعن الميِّتِ إذا كانَ قَدْ وجبَ عليه

11/ 1793 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن امْرأةً مِنْ خَثْعَمٍ قالَتْ: يا رَسُولَ الله إنَّ أبي أدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ الله في الحَجّ شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ على ظَهْر بَعِيرِهِ،

(1)

المجموع شرح المهذب (7/ 86 - 87).

(2)

شفاء الأوام (2/ 12) والروض النضير (3/ 122).

(3)

المجموع شرح المهذب (7/ 86) وحلية العلماء (3/ 243).

(4)

حكاه عنه النووي في المجموع (7/ 86).

(5)

حكاه عنه العيني في "البناية"(4/ 6).

(6)

حكاه عنه العيني في "البناية"(4/ 7).

(7)

شفاء الأوام (2/ 12) والروض النضير (3/ 120).

(8)

قلت: الحج على الفور، هو مذهب مالك وأحمد وأبو حنيفة وغيرهم وهو الراجح، لأن الحج عبادة واجبة، والأصل في الأوامر المطلقة، والإيجاب المطلق، أنه على الفور، وكذلك النصوص الموجبة للحج يجب حملها على الفور. واستدلوا بحديث ابن عباس رقم (1790) و (1791) من كتابنا هذا.

(9)

المعضوب: "العاجز عن الحج بنفسه لزمانة، أو كسر، أو مرض لا يرجى زواله، أو كبر بحيث لا يستمسك على الراحلة إلا بمشقة شديدة". اهـ.

[(تهذيب الأسماء واللغات) للنووي: (3/ ج 2/ ق 2/ 25)].

ص: 37

قالَ: "فَحُجِّي عَنْهُ". رَوَاهُ الجمَاعَةُ

(1)

. [صحيح]

12/ 1794 - (وَعَنْ عَليّ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جاءَتْهُ امْرأةٌ شابَّةٌ مِنْ خَثْعَمٍ فَقَالَتْ: إنَّ أبي كَبِيرٌ، وَقَدْ أفْنَدَ وأدْرَكَتْهُ فَريضَةُ الله في الحَجّ وَلا يَسْتَطِيعُ أدَاءَها، فَيُجْزِي عَنْهُ أنْ أُؤَدّيَها عَنْهُ؟ فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَالتِّرْمِذِي

(3)

وَصَحَّحَهُ). [حسن]

13/ 1795 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: جاءَ رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمٍ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: إنَّ أبي أدْرَكَهُ الإِسلام وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لا يَسْتَطِيعُ رُكُوبَ الرَّحْلِ، وَالحَجُّ مَكْتُوب عَلَيْهِ أفأحُجُّ عَنْهُ؟ قالَ:"أنْتَ كْبَرُ وَلَدِهِ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قالَ:"أرأيْتَ لَوْ كانَ على أبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَه عَنْهُ أكانَ يُجْزِي ذلكَ عَنْهُ؟ "، [قالَ]

(4)

: نَعَمْ، قالَ:"فاحْجُجْ عَنْهُ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَالنَّسائي

(6)

بِمَعْنَاهُ). [صحيح لغيره]

(1)

أحمد (1/ 213) والبخاري رقم (1513) ومسلم رقم (408/ 1335) وأبو داود رقم (1809) والترمذي رقم (885) والنسائي رقم (2641) وابن ماجه رقم (2907).

(2)

في المسند (1/ 75 - 76).

(3)

في سننه رقم (885).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1935) وابن ماجه رقم (3010). والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 329) وابن الجوزي في "التحقيق"(2/ 380 رقم 1256).

قال الترمذي: حديث حسن صحيح لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه.

وقال أبو الأشبال في تعليقه على المسند (2/ رقم 562) إسناده صحيح.

وانظر: العلل للدارقطني (4/ 16 س 411).

وخلاصة القول: أن حديث علي حديث حسن، والله أعلم.

(4)

في المخطوط (ب): قالت.

(5)

في المسند (4/ 5).

(6)

في سننه رقم (2638).

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 41) وأبو يعلى رقم (6812) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (2545) والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 329) وابن عبد البر في التمهيد (1/ 390) و (9/ 132) من طريق جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن يوسف بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير، به، إسناده ضعيف لكن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

ص: 38

حديث عليّ أخرجه أيضًا البيهقي

(1)

.

وحديث ابن الزبير قال الحافظ

(2)

: إن إسناده صالح.

قوله: [(إن أبي أدركته فريضة الله في الحج)]

(3)

.

قد اختلف هل المسؤول عنه رجل أو امبرأة، كما وقع الاختلاف في الروايات في السائل، ففي بعض الروايات أنه امرأة، وفي بعضها أنه رجل، وقد بسط ذلك في الفتح

(4)

.

قوله: (شيخًا) قال الطيبي

(5)

: هو حال، والمعنى أنه وجب عليه الحجّ بأن أسلم وهو بهذه الصفة.

قوله: (قال: فحجي عنه)، في رواية للبخاري

(6)

: "قال: نعم".

قوله: (وقد أفند) بهمزة مفتوحة ثم فاء ساكنة بعدها نون مفتوحة ثم دال مهملة.

قال في القاموس

(7)

: الفَنَد بالتحريك: الخرف وإنكار العقل لهرم أو مرض والخطأ في القول والرأي، والكذب كالإفناد، ولا تقل عجوز مفندة لأنها لم تكن ذات رأي أبدًا، وفنده تفنيدًا: أكذَبَهُ وعجَّزَهُ [وخطَّأَ رأيه كأفندَهُ]

(8)

. انتهى.

قوله: (أنت أكبر ولده) فيه دليل على أن المشروع أن يتولى الحجّ عن الأب العاجز أكبر أولاده.

قوله: (أرأيت .. ) إلخ، فيه مشروعية القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه.

وفيه تشبيه ما اختلف فيه، وأشكل بما اتفق عليه.

(1)

في السنن الكبرى (4/ 329) وقد تقدم.

(2)

في "التلخيص"(2/ 429).

(3)

في المخطوط (أ)، (ب):(فريضة الله أدركت أبي)، والمثبت من مصادر التخريج.

(4)

في الفتح (4/ 66 - 70).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 69).

(6)

في صحيحه رقم (1854).

(7)

القاموس المحيط ص 392.

(8)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (أ).

ص: 39

وفيه أنه يستحب التنبيه على وجه الدليل لمصلحة.

وأحاديث الباب تدل على أنه يجوز الحجّ من الولد عن والده إذا كان غير قادر على الحجّ.

وقد ادّعى بعضهم أن هذه القصة مختصة بالخثعمية كما اختص سالم مولى أبي حذيفة بجواز إرضاع الكبير، حكاه ابن عبد البر

(1)

.

وتعقب بأن الأصل عدم الخصوص، وأما ما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب "الواضحة"

(2)

بإسنادين مرسلين في هذا الحديث فزاد: " [حجي]

(3)

عنه" وليس لأحد بعده، فلا حجة في ذلك لضعف إسنادهما مع الإِرسال

(4)

.

والظاهر عدم اختصاص جواز ذلك بالابن، وقد ادّعى جماعة من أهل العلم أنه خاصّ به.

قال في الفتح

(5)

: ولا يخفى أنه جمود.

وقال القرطبي

(6)

: رأى مالك أن ظاهر حديث الخثعمية مخالف للقرآن فيرجح ظاهر القرآن، ولا شك في ترجحه من جهة تواتره. انتهى.

ولكنه يقال: هو عموم مخصوص بأحاديث الباب، ولا تعارض بين عامّ وخاصّ، وهذه الأحاديث تردّ على محمد بن الحسن حيث قال: إن الحج يقع عن المباشر، وللمحجوج عنه أجر النفقة.

وقد اختلفوا فيما إذا عوفي المعضوب، فقال الجمهور

(7)

: لا يجزئه لأنه تبين أنه لم يكن مأيوسًا عنه.

(1)

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/ 374).

(2)

"الواضحة" كتاب في عدة مجلدات، في السنن والفقه، كان يصحّف الأسماء، ولا يفهم طرق الحديث، ويحتج بالمناكير؛ كما قال ابن عبد البر.

وراجع: سير أعلام النبلاء (12/ 105 - 106).

[معجم المصنفات ص 438 رقم 1418)].

(3)

في المخطوط (ب): (حجَّ).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 69).

(5)

(4/ 70).

(6)

في "المفهم"(3/ 442).

(7)

المغني (5/ 21) وشرح العمدة لابن تيمية - الحج - (2/ 161 - 162) وحلية العلماء (3/ 239) والمجموع (7/ 85).

ص: 40

وقال أحمد

(1)

وإسحاق: لا تلزمه الإِعادة لئلا تفضي إلى إيجاب حجتين. وأجيب بأن العبرة بالانتهاء، وقد انكشف أن الحجة الأولى غير مجزئة

(2)

.

14/ 1796 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أن امْرأةً مِنْ جُهَيْنَةَ جاءَتْ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ، أفأحُجُّ عَنْها؟ قالَ:"نَعَمْ حُجِّي عَنْها، أرأيْتِ لَوْ كانَ على أُمِّكِ دَيْنٌ كُنْتِ قاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا الله، فالله أحَقُّ بِالوَفاءِ". رَوَاهُ البُخارِيُّ

(3)

وَالنَّسائِيُّ

(4)

بِمَعْنَاهُ. [صحيح]

وفي رِوَايَةٍ لأحْمَدَ

(5)

وَالبُخارِيّ

(6)

بِنَحْوِ ذلكَ، وَفِيها قالَ: جاءَ رَجُلٌ فَقالَ: إنَّ أخْتِي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ. [صحيح]

وَهُوَ يَدُلُّ على صحَّةِ الحَجّ عَنِ المَيِّتِ منَ الوَارِثِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَفْصِلْهُ أوَارِثٌ هُوَ أمْ لا، وَشَبَّهَهُ بالدَّيْنِ).

15/ 1797 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقالَ: إنَّ أبي ماتَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الإِسلام أفأحُجُّ عَنْهُ؟ قالَ: "أرأيْتَ لَوْ أن أباكَ تَرَكَ دَيْنًا عَلَيْهِ أقَضَيْتَهُ

(1)

المغني (5/ 21).

وقال النووي في "المجموع"(7/ 85): "فرع: في مذاهبهم فيما إذا أحج المعضوب عنه ثم شفي وقدر على الحج بنفسه. قد ذكرنا أن الصحيح من مذهبنا - أي الشافعية - أنه لا يجزئه، وعليه أن يحج بنفسه، ونقله القاضي عياض عن جمهور العلماء، وقال أحمد وإسحاق يجزئه". اهـ.

(2)

وقد رجح الشوكاني رحمه الله في "السيل الجرار"(2/ 98) بتحقيقي: ما ذهب إليه أحمد وإسحاق حيث قال: "وأما إيجابُ القضاء عليه إذا زال عذرُه فمحتاج إلى دليل، لأنَّ الحجَّ عنه قد وقع صحيحًا مجزئًا في وقت مسوغٍ للاستنابة". اهـ.

(3)

في صحيحه رقم (7315).

(4)

في سننه رقم (2632).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (1/ 239، 345).

(6)

في صحيحه رقم (6699).

وهو حديث صحيح.

ص: 41

عَنْهُ؟ "، قالَ: نَعَمْ، قالَ: "فَاحْجُجْ عَنْ أبيكَ". رواه الدارقطني

(1)

. [حسن]

حديث ابن عباس الآخر أخرجه النسائي

(2)

والشافعي

(3)

وابن ماجه

(4)

.

قوله: (إن أمي نذرت .. ) إلخ، قيل: إن هذا الحديث مضطرب لأنه قد روي أن هذه المرأة قالت: "إن أمي ماتت وعليها صوم شهر"، كما تقدم في الصيام

(5)

.

وأجيب بأنه محمول على أن المرأة سألت عن كل من: الصوم والحجّ.

ويؤيد ذلك ما عند مسلم

(6)

عن بريدة أن امرأة قالت: "إن أمي"، وفيه:"يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: "صومي عنها"، قالت: إنها لم تحج أفأحج عنها؟ قال: حج عنها".

قوله: (قال: نعم)، فيه دليل على صحة النذر بالحج ممن لم يحجّ، فإذا

(1)

في سننه (2/ 260 رقم 111).

قلت: وأخرجه النسائي (5/ 118) والطبراني في الكبير رقم (11601) من طريق عكرمة.

وابن الجارود رقم (498) وابن خزيمة رقم (3035)، وبنحوه النسائي (5/ 116) من طريق موسى بن سلمة.

والدارقطني (2/ 260 رقم 111) والطبراني في الكبير رقم (11323) و (11409) من طريق عطاء.

والطبراني في الكبير رقم (11200) من طريق عمرو بن دينار.

وابن حبان في صحيحه رقم (3992) والطبراني في الكبير رقم (12332) من طريق سعيد بن جبير، خمستهم عن ابن عباس.

وأخرجه ابن ماجه رقم (2904) من طريق يزيد بن الأصم عن ابن عباس، ولفظه: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحجُّ عن أبي؟ قال: "نعم، حُجَّ عن أبيك، فإن لم تزده خيرًا لم تزده شرًا".

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 10): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وسليمان هو ابن فيروز أبو إسحاق، والجملة الأولى، رواها الترمذي في جامعه من حديث أبي رزين وقال: حسن صحيح". اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(2)

في السنن (5/ 118) وقد تقدم.

(3)

كما في السنن والآثار (7/ 15 رقم 9149).

(4)

في السنن رقم (2904) وقد تقدم.

(5)

عند الحديث رقم (1702) من كتابنا هذا.

(6)

في صحيحه رقم (157/ 1149).

ص: 42

حجّ أجزأ عن حجة الإِسلام عند الجمهور وعليه الحجّ عن النذر

(1)

.

وقيل: يجزئ عن النذر ثم يحج عن حجة الإِسلام.

وقيل: يجزي عنهما.

وفيه دليل أيضًا على إجزاء الحجّ عن الميت من الولد وكذلك من غيره.

ويدلّ على ذلك قوله: "اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء".

وروى سعيد بن منصور وغيره

(2)

عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه: لا يحج أحد عن أحد، ونحوه عن مالك

(3)

والليث. وعن مالك

(4)

: إن أوصى بذلك فليحجّ عنه وإلا فلا.

قوله: (أكنت قاضيته)، فيه دليل على أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحجّ عنه من رأس ماله كما أن عليه قضاء ديونه.

وقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال

(5)

، فكذلك ما شبه به في القضاء.

ويلحق بالحجّ كل حقّ ثبت في ذمته من نذر أو كفارة أو زكاة أو غير ذلك.

قوله: (فالله أحقّ بالوفاء)، فيه دليل على أن حق الله مقدم على حقّ الآدمي، وهو أحد أقوال الشافعي، وقيل بالعكس، وقيل [هما]

(6)

سواء.

(1)

قال ابن قدامة في "المغني"(5/ 22): "قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من عليه حجة الإسلام، وهو قادر على أن يحج، لا يُجزئ عنه أن يَحُجَّ غيره عنه.

والحج المنذور كحجة الإسلام، في إباحة الاستنابة عند العجز، والمنع منها مع القدرة، لأنها حجة واجبة

". اهـ.

(2)

كابن أبي شيبة في المصنف رقم (15122) ط: دار التاج الدار السنية، وهو أثر صحيح.

(3)

قال الشيخ مبارك بن علي التميمي في "التسهيل" تسهيل المسالك إلى هداية السالك إلى مذهب الإمام مالك: (3/ 859): " (ومنع استنابة شخص (صحيح في) حج (فرض وإلا) بأن كانت منه في نفل أو من عاجز غير مرجو، أو في عمرة مطلقًا، سواء كان المستنيب صحيحًا أو عاجزًا اعتمر أم لا (كره) ". اهـ.

(4)

قال التميمي في "التسهيل"(3/ 861): " (وله) أي للموصي إذا أوصى أن يستأجر عنه من ماله (أجر) أي ثواب، (النفقة) المدفوعة للأجير، (و) له أيضًا أجر (الدعاء) أي دعاء الأجير

". اهـ.

(5)

انظر: "المجموع"(7/ 93)، والمغني (5/ 38).

(6)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

ص: 43

قوله: (جاء رجل فقال: إن أخثي .. ) إلخ، لا منافاة بين هذه الرواية والأولى، لأنه يحتمل أن تكون القصة متعددة وأن تكون متحدة، ولكن النذر وقع من الأخت والأمّ، فسأل الأخ عن نذر أخته والبنت عن نذر الأمّ.

وقد استدلّ المصنف بهذه الرواية على صحة الحج من غير الوارث لعدم استفصاله صلى الله عليه وسلم للأخ هل هو وارث أو لا

(1)

؟ وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما تقرر في الأصول

(2)

.

واستدل بأحاديث الباب على أنه يصح ممن لم يحجّ أن يحجّ نيابة عن غيره لعدم استفصاله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن ذلك، وبه قال الكوفيون، وخالفهم الجمهور

(3)

فخصوه بمن حجّ عن نفسه، واستدلوا بحديث ابن عباس الآتي

(4)

في باب من حجّ عن غيره ولم يكن حجّ عن نفسه، وسيأتي الكلام فيه.

قوله: (إن أبي مات وعليه حجة الإسلام .. ) إلخ. فيه دليل على أنه يجوز للابن أن يحجّ عن أبيه حجة الإِسلام بعد موته وإن لم يقع منه وصية ولا نذر

(5)

.

ويدلّ على الجواز من غير الولد حديث الذي سمعه النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك عن شبرمة، وسيأتي (4).

[الباب الرابع] باب اعتبار الزاد والراحلة

16/ 1798 - (عَنْ أنَسٍ: عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في قَوْلِهِ عز وجل: {مَنِ اسْتَطَاعَ

(1)

قال ابن قدامة في "المغني"(5/ 27): "فصل: يجوز أن ينوبَ الرجلُ عن الرجلِ والمرأةِ، والمرأةُ عن الرجُلِ والمرأةِ، في الحج، في قول عامَّة أهل العلم. لا نعلم فيه مخالفًا، إلا الحسنَ بن صالح، فإنه كره حجَّ المرأةِ عن الرجل؛ قال ابن المنذر: هذه غفلة عن ظاهر السنةِ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة أن تحج عن أبيها - الحديث (1793) من كتابنا هذا - وعليه يعتمد من أجاز حج المرء عن غيره. وفي الباب حديث أبي رزين - الحديث (1785) - من كتابنا هذا، وأحاديث سواه". اهـ.

(2)

انظر: إرشاد الفحول (ص 452) بتحقيقي، والبرهان (1/ 346)، ونهاية السول (2/ 89).

(3)

المجموع (7/ 103).

(4)

برقم (24/ 1806) من كتابنا هذا.

(5)

المغني (5/ 41).

ص: 44

إِلَيْهِ سَبِيلًا}

(1)

قالَ: قِيلَ: يا رَسُولَ الله: ما السَّبِيلُ؟ قالَ: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

(2)

. [ضعيف]

17/ 1799 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ" يَعْنِي قَوْلَهُ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (1). رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ

(3)

. [ضعيف جدًّا]

الحديث الأول أخرجه أيضًا الحاكم

(4)

وقال: صحيح على شرطهما، والبيهقي

(5)

، كلهم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعًا.

قال البيهقي (5): الصواب عن قتادة عن الحسن مرسلًا.

(1)

سورة آل عمران: الآية (97).

(2)

في سننه (2/ 216 رقم 6).

قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 442) والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 330). من طريق سعيد بن أبي عروة عن قتادة عن أنس، به.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

وقال الحافظ في "التلخيص"(2/ 422 - 423): قال البيهقي: "الصواب عن قتادة عن الحسن مرسلًا، يعني الذي أخرجه الدارقطني، وسنده صحيح إلى الحسن، ولا أرى الموصول إلا وهمًا". اهـ.

وقد تابع سعيد بن أبي عروبة على وصله: حماد بن سلمة، عند الحاكم (1/ 442): من طريق أبي قتادة ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس مرفوعًا.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وقال الحافظ في "التلخيص"(2/ 423): "إلا أن الراوي عن حماد هو أبو قتادة: عبد الله بن واقد الحراني، وقد قال أبو حاتم: هو منكر الحديث". اهـ.

[الجرح والتعديل (5/ 191) والميزان (2/ 517) والتقريب (1/ 459)].

وأعله الألباني رحمه الله في الإرواء (4/ 161) به، وحكم بضعفه.

وخلاصة القول: أن حديث أنس حديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

في سننه رقم (2897).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 8 رقم 1022/ 2897): "هذا إسناد حسن: ابن عطاء اسمه عمر بن عطاء بن ورّاز، قال ابن معين: عمر بن عطاء الذي يروي عنه ابن جريج يحدث عن عكرمة ليس هو بشيء وهو ابن ورّاز وهم يضعفونه كل شيء عن عكرمة

". اهـ.

قلت: عمر بن عطاء بن وَزّار: ضعيف. انظر: الجرح والتعديل [(3/ 126) والميزان (3/ 213) والتقريب (2/ 61) والخلاصة ص 285].

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.

(4)

في المستدرك (1/ 442) وقد تقدم.

(5)

في السنن الكبرى (4/ 330) وقد تقدم.

ص: 45

قال الحافظ

(1)

: وسنده صحيح إلى الحسن، ولا أرى الموصول إلا وهمًا.

وقد رواه الحاكم

(2)

من حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس أيضًا، إلا أن الراوي عن حماد هو أبو قتادة عبد الله بن واقد الحراني، وهو منكر الحديث كما قال أبو حاتم

(3)

، ولكنه قد وثقه أحمد.

والحديث الثاني أخرجه أيضًا الدارقطنى

(4)

، قال الحافظ

(5)

: وسنده ضعيف. ورواه ابن المنذر

(6)

من قول ابن عباس.

وفي الباب عن ابن عمر عند الشافعي

(7)

والترمذي

(8)

وحسّنه وابن ماجه

(9)

والدارقطني

(10)

.

وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي

(11)

، بخاء معجمة مضمومة ثم واو ثم زاي معجمة، وقد قال فيه أحمد والنسائي: متروك الحديث.

(1)

في "التلخيص"(2/ 423) وقد تقدم.

(2)

في المستدرك (1/ 442) وقد تقدم.

(3)

في الجرح والتعديل (5/ 191) وقد تقدم.

(4)

في سننه (2/ 218 رقم 14).

(5)

في التلخيص (2/ 423).

قلت: في سنده داود بن الزبرقان، ويزيد بن مروان كلاهما متهم.

أما داود فقال عنه الحافظ في "التقريب"(رقم 1785): متروك وكذبه الأزدي. وبه أعله الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 9).

وأما يزيد بن مروان الخلال قال عنه يحيى بن معين: كذاب. [الميزان (4/ 439)]

وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس ضعيف جدًّا، والله أعلم.

(6)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(2/ 423).

(7)

في "الأم"(3/ 288 - 289 رقم 953).

(8)

في سننه رقم (2998) وقال: لا نعرفه من حديث ابن عمر إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي.

(9)

في سننه رقم (2896).

(10)

في سننه (2/ 217 رقم 9).

(11)

إبراهيم بن يزيد الخوزي، مكي، كان ينزل شِعب الخوز، قال أحمد والنسائي: متروك، وقال ابن معين: ليس بثقة ..

التاريخ الكبير (1/ 336) والمجروحين (1/ 100) والجرح والتعديل (2/ 146) والميزان (1/ 75) والتقريب (1/ 46) والخلاصة ص 23.

وخلاصة القول: أن حديث ابن عمر حديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 46

وعن جابر

(1)

وعليّ بن أبي طالب

(2)

وابن مسعود

(3)

وعائشة

(4)

وعبد الله بن

(1)

أخرجه الدارقطني في سننه (2/ 215 رقم 1).

وفي سنده: محمد بن عبد الله بن عبيد الليثي، قال الزيلعي في "نصب الراية" (3/ 10):"تركوه وأجمعوا على ضعفه".

وكذلك في سنده عبد الملك بن زياد النصيبي، قال الأزدي: منكر الحديث غير ثقة.

الميزان (2/ 655).

والحديث ضعفه الحافظ في "التلخيص"(2/ 423).

وقال الألباني رحمه الله في الإرواء (4/ 165): هذا سند واه جدًّا"، والخلاصة: أن الحديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.

(2)

أخرجه الدارقطني في سننه (2/ 218 - 219 رقم 17).

من طريق حسين بن عبد الله بن ضميرة، في أبيه، عن جده، عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، قال: فسئل عن ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أن تجد ظهر بعير".

في سنده حسين بن عبد الله، كذبه مالك، وقال أبو حاتم: متروك الحديث. كذاب، وقال أحمد: لا يساوي شيئًا، وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف.

[الكامل (2/ 766) والميزان (1/ 538 - 539) والمغني في الضعفاء (1/ 174)].

• وأخرجه الترمذي في سننه رقم (812) من طريق هلال بن عبد الله، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الحارث، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ملك زادًا أو راحلة تبلغه إلى بيت الله فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا، وذلك أن يقول في كتابه:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97].

قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي إسناده مقال، وهلال بن عبد الله مجهول، والحارث يضعف في الحديث". اهـ.

وهو حديث ضعيف جدًّا تقدم الكلام عليه خلال شرح الحديث (1792) من كتابنا هذا.

(3)

أخرجه الدارقطني في سننه (2/ 216 رقم 5).

من طريق بهلول بن عبيد عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم بن علقمة، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، قال: قيل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: "الزاد والراحلة".

في إسناده بهلول بن عبيد الكندي، قال الزيلعي في "نصب الراية" (3/ 10): قال أبو حاتم: ذاهب الحديث". اهـ.

وقال الألباني رحمه الله في الإرواء (4/ 166): "هذا سند واه جدًّا، وبهلول آفته". اهـ.

وهو حديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.

(4)

أخرجه الدارقطني في السنن (2/ 217 رقم 8) والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 330) والعقيلي في "الضعفاء الكبير"(3/ 332) كلهم من طريق عتاب بن أعين عن الثوري، =

ص: 47

عمرو

(1)

عند الدارقطني

(2)

من طرق قال الحافظ

(3)

: كلها ضعيفة.

وقد قال عبد الحق

(4)

: إن طرق الحديث كلها ضعيفة.

وقال أبو بكر بن المنذر (4): لا يثبت الحديث في ذلك مسندًا، والصحيح من الروايات رواية الحسن المرسلة.

ولا يخفى أن هذه الطرق يقوي بعضها بعضًا فتصلح للاحتجاج بها، وبذلك استدلّ من قال: إن الاستطاعة المذكورة في القرآن هي الزاد والراحلة

(5)

.

= عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أمه، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثل حديث جابر.

وقد أعله العقيلي بعتاب هذا وقال: أن في حديثه وهمًا.

وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(7/ 19): "وروي عن الثوري، عن يونس، عن الحسن، عن أمه، عن عائشة، موصولًا وليس بمحفوظ". اهـ.

وخلاصة القول: أن حديث عائشة ضعيف، والله أعلم.

(1)

أخرجه الدارقطني في سننه (2/ 215 رقم 2) من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السبيل إلى البيت الزاد والراحلة".

في إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف كما تقدم.

وقد تابعه محمد بن عبيد الله عند الدارقطني أيضًا (2/ 215 رقم 4)، ومحمد بن عبيد الله هذا هو العرزمي الكوفي: متروك وقد تقدم.

ولهذا ذكر الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 10) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وأعلَّه بابن لهيعة، والعرزمي: ضعيفان.

ثم قال الزيعلي: "قال الشيخ في "الإمام" وقد خرّج الدارقطني هذا الحديث عن جابر، وأنس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود وعائشة، وليس فيها إسناد يحتج به". اهـ.

(2)

في سننه (2/ 215 رقم 1)، (2/ 218 - 219 رقم 17)، (2/ 216 رقم 5)، (2/ 217 رقم 8)، (2/ 215 رقم 2)، (2/ 215 رقم 4) وقد تقدم الكلام عليها آنفًا.

(3)

في "التلخيص"(2/ 423).

(4)

حكاه الحافظ عنه في "التلخيص"(2/ 423).

(5)

وخلاصة القول: أن طرق هذا الحديث كلها واهية، وبعضها أوهى من بعض، وأحسنها طريق الحسن البصري المرسل، وليس في شيء من تلك الموصولات ما يمكن أن يجعل شاهدًا له لوهائها

قاله الألباني في الإرواء (4/ 166)، وقد تقدم مزيدًا من الكلام في ذلك خلال شرح الحديث (1792) من كتابنا هذا.

ص: 48

وقد حكي في البحر

(1)

عن الأكثر أن الزاد شرط وجوب، وهو أن يجد ما يكفيه ويكفي من يعول حتى يرجع.

وحكي

(2)

أيضًا عن ابن عباس وابن عمر والثوري والهادوية وأكثر الفقهاء أن الراحلة شرط وجوب.

وقال ابن الزبير وعطاء وعكرمة ومالك: إن الاستطاعة: الصحة لا غير.

وقال مالك

(3)

والناصر والمرتضى، وهو مروي عن القاسم

(4)

: إن من قدر على المشي لزمه إن لم يجد راحلة لقوله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج: 27]، قال مالك

(5)

: ومَن عادتَه السؤال لزمه وإن لم يجد الزاد.

وفي كتب الفقه تفاصيل في قدر الاستطاعة ليس هذا محل بسطها، والذي دلّ عليه الدليل هو اعتبار الزاد والراحلة.

[الباب الخامس] بابُ ركوبِ البحرِ للحجِّ إلا أَنْ يَغْلِبَ على ظَنِّهِ الهَلَاكُ بِهِ

18/ 1800 - (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَرْكَبِ البَحْرَ

(1)

البحر الزخار (2/ 282).

(2)

أي صاحب البحر الزخار (2/ 282).

(3)

التسهيل (3/ 850) وعيون المجالس (2/ 765).

(4)

البحر الزخار (2/ 282).

(5)

التسهيل (3/ 852 - 853).

وقال النووي في "المجموع"(7/ 62): "فرع: في مذاهب العلماء فيمن عادته سؤال الناس أو المشي. مذهبنا أنه لا يلزمه الحج، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، ونقله ابن المنذر عن الحسن البصري، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأحمد، وإسحاق. وبه قال بعض أصحاب مالك.

قال البغوي: هو قول العلماء.

وقال مالك: يلزمه الحج في الصورتين، وبه قال داود.

وقال عكرمة: الاستطاعة صحة البدن.

وقال ابن المنذر: لا يثبت في الباب حديث مسند. قال: وحديث: "ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة" ضعيف. وهو كما قال. وقد سبق بيانه". اهـ.

ص: 49

إلا حاجًّا أوْ مُعْتَمِرًا، أوْ غَازِيًا في سَبِيلِ الله عز وجل فإنَّ تَحْتَ البَحْرِ نارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا". رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(1)

وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُور

(2)

في سُنَنِهِمَا). [منكر]

19/ 1801 - (وَعَنْ أبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيّ قالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أصْحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: وَغَزْوَنا نَحوَ فارِسَ، فَقالَ: قالَ رَسُولُ الله: "مَن بَاتَ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْس لَهُ إجَّارٌ فَوَقَع فَمَاتَ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذّمَّةُ، وَمَنْ رَكِب البَحْرَ عِنْدَ ارْتجَاجِهِ فَمَاتَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذّمَّةُ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

. [إسناده ضعيف]

(1)

في سننه رقم (2489).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/ 334) من طريق بشر أبي عبد الله، عن بشير بن مسلم، عن عبد الله بن عمرو، مرفوعًا.

قال الألباني في "الضعيفة" رقم (478): "وهذا سند ضعيف، فيه جهالة واضطراب.

أما الجهالة فقال الحافظ في "التقريب": بشر، وبشير، مجهولان.

وأما الاضطراب فقد بينه المنذري في "مختصر السنن"(3/ 359) فقال؛ "في الحديث اضطراب رُويَ عن بشير هكذا، وروي عنه أنه بلغه عن عبد الله بن عمرو، ورُوي عنه، عن رجل عن عبد الله بن عمرو، وقيل غير ذلك".

وقال الخطابي: ضعفوا إسناده، وقال البخاري: ليس هذا الحديث بصحيح.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف منكر، والله أعلم.

• ولا يقويه أنه روي الشطر الأول منه من حديث أبي بكر، بلفظ:"لا يَركبُ البحرَ إلا غازٍ أو حاجّ أو معتمرٌ".

أخرجه الحارث بن أسامة في المسند (رقم 359 - بغية الباحث) وفي إسناده: الخليل بن زكريا. قال الحافظ في "التقريب"(1/ 88): إنه متروك.

وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 20): "يحدث عن الثقات بالبواطيل". وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف منكر، والله أعلم.

• قال الألباني في "الضعيفة"(1/ 692 - 693): "قلت: ولا يخفى ما في هذا الحديث من المنع من ركوب البحر في سبيل طلب العلم، والتجارة، ونحو ذلك من المصالح التي لا يعقل أن يصدَّ الشارع الحكيم الناس عن تحصيلها بسبب مظنون ألا وهو الغرق في البحر، كيف والله تعالى يمتن على عباده بأنه خلق لهم السفن، وسهل لهم ركوب البحر بها

فقال: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)} [يس: 41، 42].

أي السفن على القول الصحيح الذي رجحه القرطبي وابن كثير وابن القيم وغيرهم.

ففي هذا دليل على ضعف هذا الحديث، وكونه منكرًا. والله أعلم.

(2)

لم أقف عليه؟!

(3)

في المسند (5/ 79) بسند ضعيف.

ص: 50

الحديث الأول أخرجه أيضًا البيهقي

(1)

.

قال أبو داود

(2)

: رواته [أيضًا]

(3)

مجهولون. وقال الخطابي

(4)

: ضعفوا إسناده. وقال البخاري

(5)

: ليس هذا الحديث بصحيح.

ورواه البزار

(6)

من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعًا، وفي إسناده ليث بن أبي سليم.

والحديث الثاني في إسناده زهير بن عبد الله. قال الذهبي

(7)

: هو مجهول لا يعرف.

وأخرج هذا الحديث أبو داود

(8)

عن عبد الله بن عليّ، يعني شيبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بات على ظهر بيت ليس له حجار فقد برئت منه الذمة".

وبوّب عليه أبو داود

(9)

باب النوم على سطح غير محجر، وسكت عنه

(10)

هو والمنذري

(11)

.

قوله: (ليس له إجار)، الإجار

(12)

بهمزة مكسورة بعدها جيم مشددة وآخره راء مهملة: هو ما يرد الساقط من البناء من حائط على السطح أو نحوه.

ورواية أبي داود (8): "ليس له حجار" كما تقدم.

قال المنذري

(13)

: هكذا وقع في روايتنا حجار براء مهملة بعد الألف،

(1)

في السنن الكبرى (4/ 334) وقد تقدم.

(2)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(2/ 424) ولم أقف عليه في السنن (3/ 13).

(3)

زيادة من المخطوط (ب).

(4)

في معالم السنن (3/ 13 - 14 مع السنن).

(5)

في التاريخ الكبير (1/ 2/ 104).

(6)

كما في مختصر زوائد البزار (1/ 702 رقم 1299).

وفي إسناده: ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وقد تقدم.

(7)

في الميزان (2/ 83 رقم الترجمة 2915).

(8)

في سننه رقم (5041) وهو حديث صحيح.

(9)

في سننه (5/ 295 رقم الباب 104).

(10)

أي أبو داود في سننه. (5/ 295).

(11)

في مختصر السنن (7/ 315).

(12)

النهاية (1/ 26).

(13)

في مختصر السنن (7/ 316).

ص: 51

ويدلّ عليه تبويب أبي داود على هذا الحديث كما تقدم، فإنه قال: على سطح غير محجر.

والحجار جمع حِجر بكسر الحاء: أي ليس عليه شيء يستره ويمنعه من السقوط.

ويقال احتجرت الأرض: إذا ضربت عليها منارًا تمنعها به عن غيرك، أو يكون من الحجر وهي حظيرة الإِبل وحجرة الدار، وهو راجع إلى المنع أيضًا

(1)

.

ورواه الخطابي

(2)

بالياء "حجي"، وذكر أنه يروى بكسر الحاء وفتحها، وقال غيره: فمن كسر شبهه بالحِجى الذي هو العقل؛ لأن الستر يمنع من الفساد. ومن فتحه، قال: الحِجى مقصور الطرف والناحية، وجمعه أحجاء.

قال المنذري

(3)

: وقد روي أيضًا أحجاب بالباء.

قوله: (عند ارتجاجه) الارتجاج: الاضطراب

(4)

.

والحديث الأوّل يدلّ على عدم جواز ركوب البحر لكل أحد إلا للحاجّ والمعتمر والغازي.

ويعارضه حديث أبي هريرة المتقدّم

(5)

في أول هذا الكتاب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الصيادين لما قالوا له:"إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء".

وروى الطبراني في الأوسط

(6)

من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البحر"، وفي سماع الحسن من سمرة مقال معروف، وغاية ما في ذلك أن يكون ركوب البحر للصيد والتجارة مما

(1)

انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (3/ 634 - 636).

(2)

في "معالم السنن"(5/ 296 - مع السنن).

(3)

في مختصر السنن (7/ 316).

(4)

القاموس المحيط ص 243.

(5)

برقم (1) من كتابنا هذا.

(6)

في الأوسط رقم (3317).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 64) وقال: "فيه بلبل بن إسحاق بن بلبل عن أبيه ولم أجد من ترجمهما. وبقية رجاله رجال الصحيح". اهـ.

ص: 52

خصص به عموم مفهوم حديث الباب على فرض صلاحيته للاحتجاج.

والحديث الثاني يدلّ عل عدم جواز المبيت على السطوح التي ليس لها حائط، وعلى عدم جواز ركوب البحر في أوقات اضطرابه.

[الباب السادس] باب النهي عن سفر المرأة للحج وغيره إِلا بمحرم

20/ 1802 - (عَنِ ابْن عَبَّاس أنَّهُ سمِعَ النَّبِيَّ يَخْطُبُ يَقُولُ: "لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرأةٍ إلَّا وَمَعَها ذُو مَحْرَمٍ، وَلا تُسَافِرِ المَرْأةُ إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ"، فَقَامَ رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ الله إنَّ امْرَأتي خَرَجَتْ حاجَّةً وإني اكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قالَ:"فَانْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرأتِكَ"

(1)

. [صحيح]

21/ 1803 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُسافِرِ المَرأةُ ثَلاثةً إلَّا وَمَعَها ذُو مَحْرَمٍ

(2)

". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِم). [صحيح]

22/ 1804 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ تُسَافِرَ المَرأةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ أوْ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَمَعَها زَوْجُها أوْ ذُو مَحْرَمٍ. مُتَّفَق عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

وفي لَفْظٍ قالَ: "لا يَحِلُّ لاِمْرأةٍ تُؤْمِنُ بالله وَاليَوْمِ الآخِرِ أنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلاثةَ أيَّامٍ فَصَاعِدًا إلَّا وَمَعَها أبُوها أوْ زَوْجُها أوِ ابْنُها أوْ أخُوها أوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا". رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخارِيَّ وَالنَّسائيَّ)

(4)

. [صحيح]

23/ 1805 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يَحِلُّ لامْرأةٍ تسافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْها". مُتَّفَق عَلَيْهِ

(5)

. [صحيح]

(1)

أحمد في المسند (1/ 222) والبخاري رقم (3006) ومسلم رقم (424/ 1341).

(2)

أحمد في المسند (2/ 13) والبخاري رقم (1087) ومسلم رقم (413/ 1338).

(3)

أحمد في المسند (3/ 34) والبخاري رقم (1995) ومسلم رقم (415/ 827).

(4)

أحمد في المسند (3/ 54) ومسلم رقم (423/ 1340) وأبو داود رقم (1726) والترمذي رقم (1169) وابن ماجه رقم (2898).

(5)

أحمد في المسند (2/ 236) والبخاري رقم (1088) ومسلم رقم (421/ 1339). =

ص: 53

وفي رِوَايَةٍ

(1)

: "مَسِيرَةَ يَوْمٍ".

وفِي رِوَايَةٍ

(2)

: "مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ".

وفي رِوَايَةٍ

(3)

: "لا تُسافِرِ امْرأةٌ مَسِيرَةَ ثَلاثةِ أيَّامٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرمٍ"، رَوَاهُنَّ أحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. [صحيح]

وَفي رِوَايَةٍ لأبي دَاوُدَ

(4)

: "بَرِيدًا"). [شاذ]

قوله: (لا يخلون رجل بامرأة .. ) إلخ، فيه منع الخلو بالأجنبية وهو إجماع كما قال في الفتح

(5)

، وتجوز الخلوة مع وجود المحرم.

واختلفوا هل يقوم غير المَحْرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات؟ فقيل: يجوز لضعف التهمة.

وقيل: لا يجوز بل لا بدّ من المحرم، وهو ظاهر الحديث.

قوله: (ولا تسافر المرأة) أطلق السفر ههنا وقيده في الأحاديث المذكورة بعده. قال في الفتح

(6)

: وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقديرات.

[قال]

(7)

النووي

(8)

: ليس المراد من التحديد ظاهره، بل كل ما يسمى سفرًا، فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم، وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه.

= قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1724) والترمذي رقم (1170) وقال: حديث حسن صحيح، ومالك في الموطأ (2/ 979 رقم 37).

(1)

أحمد في المسند (2/ 437) ومسلم رقم (420/ 1339).

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2899).

(2)

أحمد في المسند (2/ 340) ومسلم رقم (419/ 1339).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1723).

(3)

أحمد (2/ 347) ومسلم رقم (422/ 1339).

(4)

في سننه رقم (1725) وهو حديث شاذ.

(5)

(4/ 77).

(6)

(4/ 75).

(7)

في المخطوط (ب): وقال.

(8)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 103).

ص: 54

وقال ابن التين

(1)

: وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين.

وقال المنذري

(2)

: يحتمل أن يقال إن اليوم المفرد والليلة المفردة بمعنى اليوم والليلة، يعني فمن أطلق يومًا أراد بليلته أو ليلة أراد بيومها.

قال: ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلًا لأوائل الأعداد، فاليوم أول العدد، والاثنان أول التكثير، والثلاث أول الجمع.

ويحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها، فيؤخذ بأقل ما ورد من ذلك، وأقله الرواية التي فيها ذكر البريد كما في رواية أبي هريرة

(3)

المذكورة في الباب، وقد أخرجها الحاكم

(4)

والبيهقي

(5)

.

وقد ورد في حديث ابن عباس عند الطبراني

(6)

ما يدلّ على اعتبار المحرم فيما دون البريد، ولفظه:"لا تسافر المرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو ذي محرم".

وهذا هو الظاهر: أعني الأخذ بأقل ما ورد لأن ما فوقه منهي عنه بالأولى، والتنصيص على ما فوقه كالتنصيص على الثلاث واليوم والليلة واليومين والليلتين لا ينافيه لأن الأقل موجود في ضمن الأكثر، وغاية الأمر أن النهي عن الأكثر يدل بمفهومه على أن ما دونه غير منهيّ عنه، والنهي عن الأقل منطوق وهو أرجح من المفهوم.

وقالت الحنفية

(7)

: إن المنع مقيد بالثلاث لأنه متحقق، وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقن.

ونوقض بأن الرواية المطلقة شاملة لكل سفر فينبغي الأخذ بها وطرح ما

(1)

في "الفتح"(4/ 75): ابن المنير.

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 75).

(3)

عند أبي داود رقم (1725) وهو حديث شاذ تقدم آنفًا.

(4)

في المستدرك (1/ 442) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(5)

في السنن الكبرى (3/ 139).

(6)

في المعجم الكبير (ج 12/ رقم 12652). من رواية جويبر عن الضحاك وكلاهما ضعيف، والضحاك لم يسمع من ابن عباس، وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

(7)

البناية في شرح الهداية (4/ 21).

ص: 55

سواها فإنه مشكوك فيه، والأولى أن يقال: إن الرواية المطلقة مقيدة بأقل ما ورد وهي رواية الثلاثة الأميال إن صحت، وإلا فرواية البريد.

وقال سفيان: يعتبر المحرم في المسافة البعيدة لا القريبة.

وقال أحمد

(1)

: لا يجب الحجّ على المرأة إذا لم تجد محرمًا.

وإلى كون المحرم شرطًا في الحج ذهبت العترة وأبو حنيفة

(2)

والنخعي (3) وإسحاق

(3)

والشافعي في أحد قوليه على خلاف بينهم هل هو شرط أداء أو شرط وجوب؟

وقال مالك

(4)

وهو مروي عن أحمد

(5)

: إنه لا يعتبر المحرم في سفر الفريضة.

وروي عن الشافعي

(6)

وجعلوه مخصوصًا من عموم الأحاديث بالإِجماع.

ومن جملة سفر الفريضة سفر الحجّ.

وأجيب بأن المجمع عليه إنما هو سفر الضرورة فلا يقاس عليه سفر الاختيار، كذا قال صاحب المغني

(7)

.

(1)

المغني (5/ 30).

(2)

البناية في شرح الهداية (4/ 17).

(3)

قال أحمد: المحرم من السبيل، وهذا قول الحسن، والنخعي، وإسحاق، وابن المنذر، وأصحاب الرأي. [المغني (5/ 30)].

(4)

المدونة (1/ 452).

(5)

المغني (5/ 30).

(6)

قال النووي في "المجموع"(7/ 69): "فقال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى: لا يلزم المرأة الحج إلا إذا أمنت على نفسها بزوج أو محرم نسب، أو غير نسب، أو نسوة ثقات، فأي هذه الثلاثة وجد لزمها الحج بلا خلاف.

وإن لم يكن شيء من الثلاثة لم يلزمها الحج على المذهب سواء وجدت امرأة واحدة أم لا.

وقول ثالث أنه يجب أن تخرج للحج وحدها إذا كان الطريق مسلوكًا كما يلزمها إذا أسلمت في دار الحرب الخروج إلى دار الإسلام وحدها بلا خلاف.

وهذا القول اختيار المصنف وطائفة، والمذهب عند الجمهور ما سبق، وهو المشهور من نصوص الشافعي". اهـ.

(7)

قال ابن قدامة في "المغني"(5/ 32): "وأما الأسيرة إذا تخلصت من أيدي الكفار، فإنّ سفرها سفرُ ضرورةٍ، لا يقاس عليه حالةُ الاختيار، ولذلك تخرج فيه وحدها؛ ولأنها تدفعُ ضررًا متيقنًا بتحمُّلِ الضرر المتوهم، فلا يلزم تحمل ذلك من غير ضررٍ أصلًا". اهـ.

ص: 56

وأيضًا قد وقع عند الدارقطني

(1)

بلفظ: "لا تحجَّن امرأة إلا ومعها زوج"، وصححه أبو عوانة

(2)

.

وفي رواية للدارقطني

(3)

أيضًا عن أبي أمامة مرفوعًا: "لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام أو تحج إلا ومعها زوجها"، فكيف يخص سفر الحجّ من بقية الأسفار.

وقد قيل: إن اعتبار المحرم إنما هو في حقّ من كانت شابة لا في حقّ العجوز لأنها لا تشتهى.

وقيل: لا فرق لأن لكل ساقط لاقطًا، وهو مراعاة للأمر النادر.

وقد احتج أيضًا من لم يعتبر المحرم في سفر الحج بما في البخاري

(4)

من حديث عديّ بن حاتم مرفوعًا بلفظ: "يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها".

وتُعقّب بأنه يدلّ على وجود ذلك لا على جوازه.

وأجيب عن هذا التعقب بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإِسلام فيحمل على الجواز، والأولى حمله على ما قال المتعقب جمعًا بينه وبين أحاديث الباب.

(1)

في سننه (2/ 222 - 223 رقم 30).

قال ابن مفلح في "الفروع"(3/ 235): "أبو حميد، هو عبد الله بن محمد بن تميم.

وحجاج، هو ابن محمد؛ ثقتان. والظاهر أنه حسن رواه أبو بكر في الشافي". اهـ.

قلت: أصل الحديث في الصحيحين البخاري رقم (3006) ومسلم رقم (424/ 1341) وقد تقدم برقم (20/ 1802) من كتابنا هذا.

وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس حديث حسن، والله أعلم.

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 76).

(3)

في سننه (2/ 223 رقم 32).

إسناده ضعيف لضعف جابر الجعفي.

وأخرجه الطبراني في "معجمه" كما في "نصب الراية"(3/ 11).

إسناده ضعيف جدًّا لأن أبَان بن أبي عياش متروك.

المجروحين (1/ 96) والميزان (1/ 10) والجرح والتعديل (2/ 295) والتقريب (1/ 31) والتاريخ الكبير (1/ 454) والخلاصة ص 15.

(4)

في صحيحه رقم (3595).

ص: 57

قوله: (إلا مع ذي محرم) يعني فيحل لها السفر.

قال في الفتح

(1)

: وضابط المحرم عند العلماء من حرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها، فخرج بالتأبيد [أخت الزوجة]

(2)

والعمَّةِ، وبالمباح أم الموطوءة بشبهة وبنتها وبحرمتها الملاعنة.

واستثنى أحمد

(3)

الأب الكافر فقال: لا يكون محرمًا لبنته المسلمة لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها، ومقتضاه إلحاق سائر القرابة الكفار بالأب لوجود العلة.

وروى عن البعض أن العبد كالمحرم وقد روى سعيد بن منصور

(4)

من حديث ابن عمر مرفوعًا: "سفر المرأة مع عبدها ضيعة". قال الحافظ

(5)

: لكن في إسناده ضعف. قال: وينبغي لمن قال بذلك أن يقيده بما إذا كانا في قافلة بخلاف ما إذا كانا وحدهما فلا لهذا الحديث.

قوله: (فحجّ مع امرأتك)، فيه دليل على أن الزوج داخل في مسمى المحرم أو قائم مقامه.

قال في الفتح

(6)

: وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم، فأوجب على الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن لها غيره.

(1)

(4/ 77).

(2)

في المخطوط (أ، ب): (زوج الأخت) والمثبت من الفتح (4/ 77).

(3)

في المغني (5/ 33 - 34).

(4)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(4/ 77) وقال: "لكن في إسناده ضعف، وقد احتج به أحمد وغيره، وينبغي لمن أجاز ذلك أن يقيده بما إذا كانا في قافلة بخلاف ما إذا كانا وحدهما، فلا لهذا الحديث". اهـ.

• وأخرجه الطبراني في الأوسط رقم (6639) والبزار رقم (1076 - كشف) من طريق إسماعيل بن عياش، عن بزيع بن عبد الرحمن، عن نافع عن ابن عمر، به.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 214) وقال: فيه بزيع بن عبد الرحمن ضعفه أبو حاتم، وبقية رجاله ثقات". اهـ.

قلت: وقال الأزدي: منكر الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات.

[الجرح والتعديل (2/ 420) ولسان الميزان (2/ 12)].

(5)

في "الفتح"(4/ 77).

(6)

(4/ 77).

ص: 58

وبه قال أحمد

(1)

، [قال]

(2)

: وهو وجه للشافعي

(3)

، والمشهور أنه لا يلزمه كالولي في الحجّ عن المريض، فلو امتنع إلا بأجرة لزمتها لأنه من سبيلها، فصار في حقها كالمئونة.

واستدلّ به على أنه ليس للزوج منع امرأته من حجّ الفرض، وبه قال

(4)

وهو وجه للشافعية (3)، والأصح عندهم أن له منعها لكون الحجّ على التراخي.

وقد روى الدارقطني

(5)

عن ابن عمر مرفوعًا في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في الحجّ ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها.

وأجيب عنه بأنه محمول على حجّ التطوّع جمعًا بين الحديثين.

ونقل ابن المنذر

(6)

الإِجماع على أن للرجل منع زوجته عن الخروج في الأسفار كلها، وإنما اختلفوا فيما إذا كان واجبًا.

وقد استدلّ ابن حزم

(7)

بهذا الحديث على أنه يجوز للمرأة السفر بغير زوج ولا محرم لكونه صلى الله عليه وسلم لم يعب عليها ذلك السفر بعد أن أخبره زوجها.

وتعقب بأنه لو لم يكن ذلك شرطًا لما أمر زوجها بالسفر معها وترك الغزو الذي كتب فيه.

قوله: (إلا ومعها أبوها .. ) إلخ، وقع في هذه الرواية بيان بعض المحارم.

(1)

المغني (5/ 33).

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

المجموع (8/ 306).

(4)

المغني (5/ 35).

(5)

في سننه (2/ 223 رقم 31).

"فيه محمد بن أبي يعقوب، قال عبد الحق: مجهول. قال ابن القطان: تبع يعني عبد الحق في ذلك أبا حاتم نصًا، والبخاري إشارة. ورد الخطيب على البخاري، وبيَّن أنه محمد بن إسحاق بن يعقوب الكرماني. قال الخطيب: وهما واحد، قال ابن القطان: فالعلة كلا علة، وإنما العلة الجهل بحال العباس بن محمد بن مجاشع، فإنه لا يعرف حاله". اهـ.

كما في "التعليق المغني"(2/ 223).

(6)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 77 - 78) عنه.

وقال ابن المنذر في كتابه "الإجماع"(ص 54 رقم 134): "وأجمعوا على أن للرجل منع زوجته من الخروج إلى الحج التطوع". اهـ.

(7)

في المحلى (7/ 51).

ص: 59

وقوله: (أو ذو محرم منها) من عطف العامّ على الخاصّ.

وأحاديث الباب تدلّ على أنه لا يجب الحج على المرأة إلا إذا كان لها محرم.

قال ابن دقيق العيد

(1)

: هذه المسألة تتعلق بالعامين إذا تعارضا، فإن قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}

(2)

الآية، عامّ في الرجال والنساء، فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحجّ على الجميع.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة إلا مع محرم"

(3)

، عامّ في كل سفر فيدخل فيه الحجّ، فمن أخرجه عنه خص الحديث بعموم الآية، ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث فيحتاج إلى الترجيح من خارج. انتهى.

ويمكن أن يقال: إن أحاديث الباب لا تعارض الآية لأنها تضمنت أن المحرم في حق المرأة من جملة الاستطاعة على السفر التي أطلقها القرآن وليس فيها إثبات أمر غير الاستطاعة المشروطة حتى تكون من تعارض العمومين.

لا يقال: الاستطاعة المذكورة قد بينت بالزاد والراحلة كما تقدم.

لأنا نقول: قد تضمن أحاديث الباب زيادة على ذلك البيان باعتبار النساء غير منافية فيتعين قبولها، على أن التصريح باشتراط المحرم في سفر الحجّ لخصوصه كما في الرواية التي تقدمت مبطل لدعوى التعارض.

[الباب السابع] باب من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه

24/ 1806 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاس: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قالَ:"مَنْ شُبْرمَةُ؟ "، قالَ: أخٌ لي أوْ قَرِيبٌ لي، قالَ:"حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ "، قالَ: لا، قالَ:"حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ". رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(4)

(1)

في إحكام الأحكام (3/ 19).

(2)

سورة آل عمران: الآية (97).

(3)

جزء من حديث تقدم برقم (1802) من كتابنا هذا.

(4)

في سننه رقم (1811).

ص: 60

وَابْنُ ماجَهْ

(1)

. وَقالَ: "فاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ احْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ" وَالدَّارَقُطْنِيُّ

(2)

. وَفِيهِ قالَ: "هَذِهِ عَنْكَ وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ"). [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان

(3)

وصححه البيهقي

(4)

وقال: إسناده صحيح، وليس في هذا الباب أصحّ منه، وقد روي موقوفًا والرفع زيادة يتعين قبولها إذا جاءت من طريق ثقة، وهي ههنا كذلك.

لأن الذي رفعه عبدة بن سليمان.

قال الحافظ

(5)

: وهو ثقة محتج به في الصحيحين، وقد تابعه على رفعه محمد بن بشر ومحمد بن [عبد الله]

(6)

الأنصاري، وكذا رجح عبد الحقّ وابن القطان رفعه.

ورجع الطحاوي

(7)

أنه موقوف وقال: أحمد رفعه خطأ.

(1)

في سننه رقم (2903).

(2)

في سننه (2/ 270 رقم 157).

(3)

في صحيحه رقم (3988).

(4)

في السنن الكبرى (4/ 336).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (3039) وابن الجارود رقم (499). كلهم من طريق عبدة بن سليمان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم

فذكره.

قال البيهقي (4/ 336): هذا إسناد صحيح وليس في الباب أصح منه.

وقال الحافظ في "التلخيص"(2/ 427): "قال الطحاوي: الصحيح أنه موقوف، وقال أحمد بن حنبل: رفعه خطأ، وقال ابن المنذر: لا يثبت رفعه". اهـ.

وقال البيهقي (4/ 336): "رفعه حفاظ ثقات، فلا يضر خلاف من خالفه". اهـ.

قلت: وللحديث طرق أخرى كثيرة.

وقد رجح رواية الرفع ابن حبان، والبيهقي، وعبد الحق، وابن القطان، وابن حجر، والنووي وغيرهم.

انظر: "التلخيص"(2/ 426 - 427) ونصب الراية (3/ 155)، والمجموع (7/ 102 - 103)، وإرواء الغليل (4/ 171 - 173 رقم 994).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(5)

في "التلخيص"(2/ 427).

(6)

في المخطوط (ب): (عبيد الله) والمثبت من (أ) ومصادر التخريج.

(7)

في شرح مشكل الآثار (6/ 384).

ص: 61

وقال ابن المنذر: لا يثبت رفعه، وقد أطال الكلام صاحب التلخيص

(1)

على هذا الحديث ومال إلى صحته.

قوله: (سمع رجلًا) زعم ابن باطيش أن اسم الملبي نُبَيْشَة.

قال الحافظ

(2)

: وهو وهم منه، فإنه اسم الملبي عنه فيما زعم الحسن بن عمارة

(3)

، وخالفه الناس فيه فقالوا: إنه شبرمة، وقد قيل: إن الحسن بن عمارة رجع عن ذلك، وقد بيّنه الدارقطني في السنن

(4)

.

وظاهر الحديث أنه لا يجوز لمن لم يحجّ عن نفسه أن يحجّ عن غيره، وسواء كان مستطيعًا أو غير مستطيع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل هذا الرجل الذي سمعه يلبي عن شبرمة وهو ينزل منزلة العموم.

وإلى ذلك ذهب الشافعي

(5)

والناصري

(6)

.

وقال الثوري والهادي (6) والقاسم (6): إنه يجزئ حجّ من لم يحجّ عن نفسه ما لم يتضيق عليه.

(1)

(2/ 427).

(2)

في "التلخيص"(2/ 427).

(3)

في الحديث الذي أخرجه الدارقطني (2/ 268 رقم 147).

(4)

في سننه (2/ 268 - 269 رقم 148).

وقال الدارقطني عقبه: "هذا هو الصحيح عن ابن عباس، والذي قبله - برقم (147) - وهم، يقال إن الحسن بن عمارة كان يرويه، ثم رجع عنه إلى الصواب فحدث به على الصواب، موافقًا لرواية غيره عن ابن عباس، وهو متروك الحديث على كل حال". اهـ.

(5)

قال النووي في "المجموع"(7/ 103): "قال الشافعي والأصحاب: لا يجوز لمن عليه حجة الإسلام أو حجة قضاء، أو نذر أن يحج عن غيره، ولا لمن عليه عمرة الإسلام إذا أوجبناها، أو عمرة قضاء، أو نذر، أن يعتمر عن غيره بلا خلاف عندنا.

فإن أحرم عن غيره وقع عن نفسه لا عن الغير، هذا مذهبنا، وبه قال ابن عباس، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.

وعن أحمد رواية أنه لا ينعقد عن نفسه ولا غيره.

ومن أصحابه من قال: ينعقد الإحرام عن الغير، ثم ينقلب عن نفسه.

وقال الحسن البصري، وجعفر بن محمد، وأيوب السجستاني، وعطاء والنخعي، وأبو حنيفة: ينعقد

". اهـ.

(6)

البحر الزخار (2/ 397) والروض النضير (3/ 301 - 302).

ص: 62

واستدلّ لهم في البحر

(1)

بقوله صلى الله عليه وسلم: "هذه عن نبيشة وحجّ عن نفسك" فكأنهم جمعوا بين هذا وبين حديث الباب بحمل حديث الباب على من كان مستطيعًا.

ولكن الحديث الذي استدلّ لهم به صاحب البحر لا أدري من رواه ولم أقف عليه في شيء من كتب الحديث المعتمدة، فينبغي الاعتماد على حديث الباب.

ومن زعم أن في السنة ما يعارضه فليطلب منه التصحيح لمدعاه.

وقد روى الدارقطني

(2)

حديث نبيشة موافقًا لحديث شبرمة لا مخالفًا له كما زعم صاحب البحر (1)، وتقدم قول من قال: إن اسم شبرمة نُبيشة.

[الباب الثامن] باب صحة حج الصبي والعبد من غير إيجاب له عليهما

25/ 1807 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ رَكْبًا بالرَّوْحاءِ فَقالَ: "مَنِ القَوْمُ؟ "، قالُوا: المُسْلِمُونَ، فَقالُوا: مَنْ أنْتَ؟ فَقالَ: "رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ": فَرَفَعَتْ إلَيْهِ امْرأةٌ صَبِيًّا، فَقالَتْ: ألهَذَا حَجٌّ؟ قالَ: "نَعَمْ وَلكِ أجْرٌ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَمُسْلِمٌ

(4)

وأبُو دَاوُدَ

(5)

وَالنَّسائيُّ

(6)

. [صحيح]

26/ 1808 - (وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قالَ: حَجَّ أبي مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في

(1)

البحر الزخار (2/ 397).

(2)

في سننه (2/ 268 رقم 147) وقد تقدم قريبًا.

(3)

في المسند (1/ 219).

(4)

في صحيحه رقم (409/ 1336).

(5)

في سننه رقم (1736).

(6)

في سننه رقم (2648).

قلت: وأخرجه البيهقي (5/ 155) والبغوي في شرح السنة (7/ 22) والشافعي في المسند رقم (741 - ترتيب).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

ص: 63

حَجَّةِ الوَدَاعِ وأنا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالبُخارِيُّ

(2)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

وَصحَّحَهُ). [صحيح]

27/ 1809 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: حَجَجْنا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَعَنا النِّساءُ وَالصّبْيانُ، فَلَبَّيْنا عَنِ الصّبْيانِ وَرَمَيْنا عَنْهُمْ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ)

(5)

. [ضعيف]

28/ 1810 - (وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أيُّمَا صَبِيُّ حَجَّ بِهِ أهْلُهُ فَمَاتَ أجْزأتْ عَنْهُ، فإنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الحَجُّ، وَأيُّما رَجُلٍ مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أهْلُهُ فَمَاتَ أجْزأتَ عَنْهُ، فإنْ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ الحَجُّ"، ذَكَرَهُ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ في رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ الله هَكَذا مُرْسَلًا)

(6)

. [إسناده ضعيف]

(1)

في المسند (3/ 449).

(2)

في صحيحه رقم (1858).

(3)

في سننه رقم (925)، وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (3/ 314).

(5)

في سننه رقم (3038).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (927).

قال الترمذي (3/ 266): هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وقد أجمع أهل العلم على أن المرأة لا يلبي عنها غيرها، بل هي تلبي عن نفسها ويكره لها رفع الصوت بالتلبية". اهـ.

قلت: في سنده ضعف وفي متنه نكارة.

وخلاصة القول: أن حديث جابر حديث ضعيف، والله أعلم.

(6)

ذكره ابن قدامة في المغني (5/ 45) بلفظ: "إني أريدُ أن أجدد في صدور المؤمنين عهدًا، أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت عنه، فإن أدرك فعليه الحج. وأيما مملوك حج به أهله، فمات أجزأت عنه، فإن أعتق، فعليه الحج".

وعزاه لسعيد بن منصور في سننه.

قلت: وأخرجه أبو داود في المراسيل رقم (134) بسند ضعيف، لجهالة الشيخ الراوي عن محمد بن كعب.

وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعًا بمعناه أخرجه ابن خزيمة رقم (3050) والطبراني في المعجم الأوسط (رقم 1638 - مجمع البحرين).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 205) وقال: رجاله رجال الصحيح.

وأخرجه أيضًا الحاكم (1/ 481) والبيهقي (4/ 325) والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 209).

من طريق محمد بن المنهال الضرير، عن يزيد بن زريع، عن شعبة، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، به.

ص: 64

حديث جابر أخرجه أيضًا بن أبي شيبة

(1)

وفي إسناده أشعث بن سوار

(2)

وهو ضعيف.

ورواه الترمذي

(3)

من هذا الوجه بلفظ آخر قال: "كنا إذا حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان".

قال ابن القطان

(4)

: ولفظ ابن أبي شيبة أشبه بالصواب، فإن المرأة لا يلبي عنها غيرها، أجمع على ذلك أهل العلم.

وأخرج الترمذي

(5)

أيضًا من حديث جابر نحو حديث ابن عباس واستغربه.

وحديث محمد بن كعب أخرجه أيضًا أبو داود في المراسيل

(6)

، وفيه راو مبهم.

وفي الباب عن ابن عباس عند البخاري

(7)

: "أنه بعثه صلى الله عليه وسلم في الثقل" بفتح المثلثة والقاف، ويجوز إسكانها: أي الأمتعة.

ووجه الدلالة منه أن ابن عباس كان دون البلوغ.

= قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي.

وقال الألباني رحمه الله، في تعليقه على صحيح ابن خزيمة (4/ 349)"إسناده صحيح، وإعلال المؤلف إياه بالوقف لا وجه له عندي، لأن ابن المنهال ثقة حافظ، وقد زاد الرفع، وزيادة الثقة مقبولة. ولعله أخرجه الضياء المقدسي في "المختارة"، وهو مخرج في الإرواء رقم (986) ". اهـ.

وقال الحافظ في "بلوغ المرام" رقم (9/ 673) بتحقيقي: "ورجاله ثقات، إلا أنه اختلف في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف".

قلت: وصححه ابن دقيق العيد في الإلمام بعدما أورده رقم (635).

وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس حديث صحيح، والله أعلم.

(1)

في الجزء المفقود ص 246.

(2)

انظر ترجمته في: المجروحين (1/ 171) والميزان (1/ 263) والتقريب (1/ 79).

(3)

في سننه رقم (927) وقد تقدم آنفًا.

(4)

في الوهم والإيهام (3/ 470).

(5)

في سننه رقم (924) وهو حديث صحيح.

(6)

رقم (134) وقد تقدم آنفًا.

(7)

في صحيحه رقم (1856).

ص: 65

استدل بأحاديث الباب من قال: إنه يصح حجّ الصبي.

قال ابن بطال

(1)

: أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حجّ كان له تطوعًا عند الجمهور.

وقال أبو حنيفة

(2)

: لا يصح إحرامه ولا يلزمه شيء من محظورات الإِحرام، وإنما يحجّ به على جهة التدريب.

وشذ بعضهم فقال: إذا حج الصبي أجزأه ذلك عن حجة الإِسلام لظاهر قوله نعم في جواب قولها: "ألهذا حج؟ ".

وإلى مثل ما ذهب إليه أبو حنيفة ذهبت الهادوية

(3)

.

وقال الطحاوي

(4)

: لا حجة في قوله صلى الله عليه وسلم نعم، على أنه يجزئه عن حجة الإِسلام، بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له.

قال: لأن ابن عباس راوي الحديث قال: أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى، ثم ساقه بإسناد صحيح.

وقد أخرج هذا الحديث مرفوعًا الحاكم

(5)

وقال: على شرطهما، والبيهقي

(6)

وابن حزم

(7)

وصححه. وقال ابن خزيمة

(8)

: الصحيح موقوف وأخرجه كذلك.

قال البيهقي

(9)

: تفرد برفعه محمد بن المنهال.

ورواه الثوري عن شعبة موقوفًا، ولكنه قد تابع محمد بن المنهال على رفعه

(1)

في شرحه لصحيح البخاري (4/ 528).

(2)

البناية في شرح الهداية (4/ 24 - 25).

(3)

البحر الزخار (2/ 281).

(4)

في شرح معاني الآثار (2/ 256).

(5)

في المستدرك (1/ 481) وقد تقدم آنفًا.

(6)

في السنن الكبرى (4/ 325) وقد تقدم آنفًا.

(7)

في المحلى (7/ 44).

(8)

في صحيحه (4/ 349).

(9)

في السنن الكبرى (4/ 325).

ص: 66

الحارث بن شريح، أخرجه كذلك الإِسماعيلي والخطيب

(1)

.

ويؤيد صحة رفعه ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس فذكره، وهو ظاهر في الرفع.

وقد أخرج ابن عدي

(2)

من حديث جابر بلفظ: "لو حج صغير حجة لكان عليه حجة أخرى"، ومثل هذا حديث محمد بن كعب المذكور في الباب.

فيؤخذ من مجموع هذه الأحاديث أن يصح حج الصبي ولا يجزئه عن حجة الإِسلام إذا بلغ، وهذا هو الحق فيتعين المصير إليه جمعًا بين الأدلة.

قال القاضي عياض

(3)

: أجمعوا على أنه لا يجزئه إذا بلغ عن فريضة الإِسلام إلا فرقة شذت فقالت: يجزئه لقوله: نعم. وظاهره استقامة كون حج الصبي حجًا مطلقًا.

والحج إذا أطلق تبادر منه إسقاط الواجب، ولكن العلماء ذهبوا إلى خلافه، ولعلّ مستندهم حديث ابن عباس، يعني المتقدم

(4)

.

قال: وقد ذهبت طائفة من أهل البدع إلى منع الصغير من الحجّ.

قال النووي

(5)

: وهو مردود لا يلتفت إليه لفعل النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة على خلافه. انتهى.

وقد احتج أصحاب الشافعي

(6)

بحديث ابن عباس الذي ذكره

(1)

في تاريخ بغداد (8/ 209) وقد تقدم آنفًا.

(2)

في الكامل (2/ 446).

(3)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 442).

(4)

برقم (25/ 1807) من كتابنا هذا.

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 99 - 100).

(6)

قال العمراني في "البيان"(4/ 20 - 21): "وأمَّا الأمُّ: فإن قلنا بقول أبي سعيد الإصطخريِّ، وأنها تلي على مالِهِ بنفسها فلها أن تُحرِمَ عنه، وقد احتج الإصطخري بهذا الخبر، حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ، ولكِ أجْرٌ". =

ص: 67

المصنف رحمه الله على أن الأم تُحْرِم عن الصبيِّ.

وقال ابن الصباغ

(1)

: ليس في الحديث دلالة على ذلك.

* * *

= - تقدم برقم (25/ 1807)، من كتابنا هذا.

وإن قُلنا بمذهبِ الشافعيِّ، وأنَّها لا تلي بنفسها على مالِ الصبيِّ

فهي كسائر العصباتِ: من الإخوةِ وبنيهم، والأعمام وبنيهم، وقد ذكرنا حكمهم.

وأمَّا الشيخ أبو إسحاقَ: فذكرَ في "الَمهذَّب"(2/ 661) أن الأمَّ تُحْرِم عنه؛ للخبر، ويجوز للأبِ والجدِّ أن يُحْرِما عنه، قياسًا على الأم.

قال ابنُ الصبَّاغ: وليسَ في الخبرِ ما يدلُّ على أنَّ الأمَّ أحرَمَتْ عنه، ويحتملُ أن يكونَ أحرمَ عنه وليُّهُ، وإنما جَعَلَ لها الأجر بحملها له، ومعونتها له على مناسك الحج، والإنفاق عليه". اهـ.

وانظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (7/ 27 - 28).

(1)

انظر التعليقة السابقة.

ص: 68

[ثانيًا]: أبواب مواقيت الإِحرام وصفته وأحكامه

[الباب الأول] باب المواقيت المكانية، وجواز التقدم عليها

1/ 1811 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: وَقَّتَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، ولِأهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ، ولِأهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المنازِلِ، وَلأهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمْ؛ قال:"فَهُنَّ لَهُنَّ ولِمَنْ أتى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أهْلِهِنَّ لِمَنْ كانَ يُرِيدُ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، فَمَنْ كانَ دُونَهُنَّ فَمَهَلُّهُ مِنْ أهْلِهِ، وَكَذَلِكَ حتَّى أهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْها"

(1)

. [صحيح]

2/ 1812 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "يُهِلُّ أهْلُ المَدِينَةِ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أهْلُ الشَّامِ مِنَ الجُحْفَةِ، ويُهِل أهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ". قالَ ابْنُ عُمَرَ: وَذَكَرَ لي وَلَمْ أسْمَعْ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "وَمَهَلُّ أهْل اليَمَن مِنْ يَلَمْلَمَ"

(2)

. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما. [صحيح]

زَادَ أحْمَدُ

(3)

في رِوَايَةٍ: وَقاس النَّاسُ ذَاتَ عِرْقٍ بِقَرْنٍ). [إسناده صحيح]

(1)

أحمد في المسند (1/ 238) والبخاري رقم (1526) ومسلم رقم (11/ 1181).

(2)

أحمد في المسند (2/ 151) والبخاري رقم (1525) ومسلم رقم (13/ 1182).

(3)

في المسند (2/ 3) من طريق نافع عن ابن عمر من قوله وإسناده صحيح.

• وأخرج أحمد في المسند (2/ 78) حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت صدقة بن يسار، سمعت ابن عمر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفَة، ولأهلِ نجدٍ قرنًا، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل اليمن يلملم.

إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير صدقة بن يسار - الجزري المكي - فمن رجال مسلم.

وأخرجه الطيالسي في مسنده رقم (1921) عن شعبة، بهذا الإسناد. دون ذكر ميفات أهل العراق.

ولم يقع ذكر ميقات أهل العراق من حديث ابن عمر إلا من هذا الطريق، ولم يرد ذكره =

ص: 69

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عند أحد من أصحاب ابن عمر المختصين به، كسالم، ونافع، وعبد الله بن دينار في جميع روايات "المسند".

بل جاء من طريق صدقة نفسه فيما رواه عن سفيان بن عيينة (2/ 11) وجرير (2/ 140 - 141) أن ابن عمر سئل عن ميقات أهل العراق، فقال: لا عراق يومئذٍ.

ويشهد لحديث ابن عمر عند أحمد (2/ 78) حديث جابر عند مسلم رقم (18/ 1183) إلا أنَّه مشكوك في رفعه.

أخرجه من طريق ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرًا يسأل عن المُهَل، فقال: سمعت - أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.

قال الإمام الشافعي في "الأم"(3/ 341 عقب الحديث 1004): ولم يسم جابر بن عبد الله النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يجوز أن يكون سمع عمر بن الخطاب.

• وقال النووي في "المجموع"(7/ 197): "وأما حديث جابر في ذات عرق فضعيف.

رواه مسلم في صحيحه - رقم (18/ 1183)، وقد تقدم - فهذا إسناد صحيح لكنه لم يجزم برفعه إلى النبي، فلا يثبت رفعه بمجرد هذا.

ورواه ابن ماجه - في سننه رقم (2915) - من رواية إبرهيم بن يزيد الجوزي، بضم الجيم المعجمة - قلت: الصواب الخوزي: الميزان (1/ 75) - بإسناده عن جابر مرفوعًا، بغير شك لكن الخوزي ضعيف لا يحتج بروايته.

ورواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 336) عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك أيضًا، لكنه من رواية الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف.

- قلت: بل فيه ابن لهيعة وهو ضعيف.

• وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق" رواه أبو داود، رقم (1739)، والنسائي (5/ 123) والدارقطني وغيرهم بإسناد صحيح.

لكن نقل ابن عدي في "الكامل"(1/ 408)، أن أحمد بن حنبل أنكر على أفلح بن حميد روايته هذه، وانفراده به أنه ثقة.

• وعن ابن عباس قال: "وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق" رواه أبو داود، رقم (1740) والترمذي رقم (832) وقال: حسن، وليس كما قال، فإنه من رواية يزيد بن زياد وهو ضعيف باتفاق المحدثين.

• وعن الحارث بن عمرو السهمي الصحابي رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق"، رواه أبو داود، رقم (1742) والبيهقي (5/ 28) والدارقطني (2/ 236).

- قلت: وقال البيهقي في "المعرفة"(7/ 96): وفي إسناده من هو غير معروف وتعقب.

• وعن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه وقت لأهل المشرق ذات عرق" رواه الشافعي، في الأم (3/ 342 رقم 1006) وفي المسند (رقم 757 ترتيب) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 27 - 28) بإسناد حسن. =

ص: 70

قوله: (وقَّت) المراد بالتوقيت هنا التحديد، ويحتمل أن يريد به [تعليق]

(1)

الإِحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر.

وقال القاضي عياض

(2)

: وقت: أي حدد.

قال الحافظ

(3)

: وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة، ثم اتسع فيه فأطلق على المكان أيضًا.

قال ابن الأثير

(4)

: التأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدّة، يقال: وقت الشيء بالتشديد يؤقته وَوَقَتَه بالتخفيف يقته: إذا بين مدته، ثم اتُّسع فيه فقيل للموضع ميقات.

وقال ابن دقيق العيد

(5)

: إن التأقيت في اللغة: تعليق الحكم بالوقت ثم استعمل للتحديد والتعيين، وعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت، وقد يكون وقت بمعنى أوجب.

= • وعن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، أخرجه الشافعي في الأم (3/ 342 رقم 1007) وفي المسند (رقم 758 - ترتيب) والبيهقي (5/ 28) وقال البيهقي: هذا هو الصحيح عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

قلت: وأخرج الشافعي في "الأم"(3/ 342 رقم 1008) وفي المسند رقم (760) عن طاوس قال: لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق، ولم يكن حينئذٍ أهل مشرق، فوقت الناس ذات عرق.

قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أحسبه إلا كما قال طاوس، والله أعلم.

قلت: وهو مرسل بسند ضعيف.

• وقد أورد الحافظ في الفتح (3/ 390) بعض هذه الشواهد بإيجاز دون ذكر عللها، وقال: وهذا يدل على أن للحديث أصلًا، فلعل من قال: إنه غير منصوص لم يبلغه، أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق لا يخلو من مقال

لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا.

(1)

في المخطوط (ب): (تعلق).

(2)

في "مشارق الأنوار على صحاح الآثار"(2/ 293).

(3)

في "الفتح"(3/ 385).

(4)

النهاية (5/ 212).

(5)

في "إحكام الأحكام"(3/ 2).

ص: 71

ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}

(1)

.

قوله: (لأهل المدينة ذا الحليفة) بالحاء المهملة والفاء مصغرًا.

قال في الفتح

(2)

: مكان معروف: بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين، قاله ابن حزم

(3)

.

وقال غيره: بينهما عشر مراحل

(4)

.

قال النووي

(5)

: بينها وبين المدينة ستة أميال

(6)

.

ووهم من قال بينهما ميل واحد وهو ابن الصباغ، وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، وفيها بئر يقال لها: بئر علي [عليه السلام]

(7)

. اهـ.

قوله: (الجُحْفَة) بضم الجيم وسكون المهملة.

قال في الفتح

(8)

: وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ست

(9)

.

وفي قول النووي في شرح المهذب

(10)

ثلاث مراحل نظر.

وقال في القاموس

(11)

: هي على اثنين وثمانين ميلًا من مكة، وبها غدير خم كما قال صاحب النهاية

(12)

.

(1)

سورة النساء: الآية (103).

(2)

(3/ 385).

(3)

المحلى (7/ 70).

(4)

وهي تساوي (435) كيلومترًا.

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 81).

(6)

وهي تساوي (9) كيلومترًا.

(7)

زيادة من المخطوط (ب).

(8)

(3/ 385).

(9)

الجحفة: ميقات أهل الشام، ومن أتى من ناحيتها، تبعد (167) كيلومترًا، مجاورة لمدينة "رابغ" الساحلية على بعد (16) كيلومترًا إلى الجنوب الشرقي منها، ويفصلها عن البحر الأحمر في الغرب نحو (14) كيلومترًا.

وقد ترك الناس الإحرام من الجحفة، ويحرمون من "رابغ"، وهي تبعد عن مكة نحو (183) كيلو مترًا.

واعلم أن الإحرام يجوز من "رابغ" وذلك لمحاذاتها الميقات، أو قبله بيسير، وهو أحوط.

(10)

(7/ 198).

(11)

القاموس المحيط ص 1027.

(12)

لم يذكر ذلك صاحب النهاية في مادة (جحف)(1/ 241)، وكذلك في مادة (غدر)(3/ 344 - 345).

بل قال في النهاية في مادة (خمم)(2/ 81): "غدير خم: موضع بين مكة والمدينة تصب فيه عين هناك وبينهما مسجد للنبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 72

قوله: (قرن المنازل) بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون، وضبطه صاحب الصحاح

(1)

بفتح الراء، وغلَّطه صاحب القاموس

(2)

.

وحكى النووي

(3)

الاتفاق على تخطئته [في ذلك]

(4)

.

وقيل: إنه بالسكون: الجبل، وبالفتح: الطريق، حكاه عياض

(5)

عن القابسي.

قال في الفتح

(6)

: والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان

(7)

.

قوله: (يلملم) بفتح التحتانية واللام وسكون الميم وبعدها لام مفتوحة ثم ميم.

قال في القاموس

(8)

: ميقات أهل اليمن على مرحلتين من مكة.

وقال في الفتح

(9)

كذلك، وزاد بينهما ثلاثون ميلًا

(10)

.

قوله: (فهن)، أي المواقيت المذكورة، [وهي]

(11)

ضمير جماعة المؤنث، وأصله لما يعقل وقد يستعمل فيما لا يعقل، لكن فيما دون العشرة كذا في الفتح

(12)

.

(1)

للجوهري (6/ 2181).

(2)

القاموس المحيط ص 1578.

(3)

المجموع شرح المهذب (7/ 199).

(4)

زيادة من المخطوط (ب).

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 170).

(6)

(3/ 385).

(7)

قَرْن: وتسمى: قرن المنازل، أو قرن الثعالب.

وهو ما يسمى اليوم باسم: السيل الكبير، وما زال الوادي يسمى قرنًا، والبلدة تسمى: السيل، وهو على طريق الطائف من مكة يبعد عن مكة (80) كيلومترًا، ومن الطائف (53) كيلومترًا.

ويحاذيه اليوم "وادي محرم" الذي بني فيه مسجد للميقات.

(8)

القاموس المحيط ص 1496.

(9)

(3/ 385).

(10)

يلملم: ويقال: ألملَم، وهو ميقات أهل تهامة، والقادمين من جهة اليمن، وهو جبل من جبال تهامة، ويسمى اليوم "السعدية" وهو في الطريق الساحلي الشمالي الجنوبي من الحجاز. وهي على بعد (100) كيلومترًا من مكة جنوبًا.

(11)

في المخطوط (ب): وهو.

(12)

(3/ 386).

ص: 73

قوله: (لهن)، أي للجماعات المذكورة.

ويدلّ عليه ما وقع في رواية في الصحيحين

(1)

بلفظ: "هن لهم أو لأهلهن" على حذف المضاف كما وقع في رواية للبخاري

(2)

بلفظ: "هن لأهلهن".

قوله: (ولمن أتى عليهن) أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة، فإذا أراد الشامي الحج فدخلَ المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها، ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي، فإن أخّر أساء ولزمه دم عند الجمهور وادعى النووي

(3)

الإِجماع على ذلك.

وتُعقِّب بأن المالكية

(4)

يقولون: يجوز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه، وبه قالت الحنفية

(5)

وأبو ثور وابن المنذر

(6)

من الشافعية.

وهكذا ما كان من البلدان خارجًا عن البلدان المذكورة، فإن ميقات أهلها الميقات الذي يأتون عليه.

قوله: (فمن كان دونهن)، أي بين الميقات ومكة.

قوله: (فمهله من أهله)، أي فميقاته من محل أهله، وفي رواية للبخاري

(7)

: "فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ"، أي من حيث أنشأ الإِحرام إذا سافر من مكانه إلى مكة.

قال في الفتح

(8)

: وهذا متفق عليه إلا ما روي عن مجاهد أنه قال: ميقات هؤلاء نفس مكة، ويدخل في ذلك من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك فإنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات.

قوله: (يهلون منها) الإِهلال أصله رفع الصوت، لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإِحرام، ثم أطلق على نفس الإِحرام اتساعًا.

(1)

البخاري رقم (1524) ومسلم رقم (12/ 1181).

(2)

البخاري رقم (1530).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 82).

(4)

"التهذيب في اختصار المدونة" لأبي سعيد البراذِي (1/ 507).

(5)

حاشية ابن عابدين (3/ 425 - 426).

(6)

في كتابه "الإقناع"(1/ 204 - 205)

(7)

في صحيحه رقم (1530).

(8)

(3/ 386).

ص: 74

والمراد بقوله: "يهلون منها" أي من مكة ولا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإِحرام منه وهذا في الحجّ.

وأما في العمرة فيجب الخروج إلى أدنى الحل كما سيأتي.

قال المحب الطبري

(1)

: لا أعلم أحدًا جعل مكة ميقاتًا للعمرة.

واختلف في القارن فذهب الجمهور

(2)

إلى أن حكمه حكم الحاج في الإِهلال من مكة.

وقال ابن الماجشون

(3)

: يتعين عليه الخروج إلى أدنى الحلّ.

قوله: (وقاس الناس ذات عرق بقرن) سيأتي الكلام عليه.

3/ 1813 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ المِصْرَانِ أتَوْا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ فَقالُوا: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حَدَّ لِأهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَإنَّهُ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنا، وإنَّا إنْ أرَدْنا أنْ نأتِيَ قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنا، قالَ: "فانْظُرُوا حَذْوَها مِنْ طَرِيقِكُمْ، قالَ: فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ". رَوَاهُ البُخارِيُّ)

(4)

. [صحيح]

4/ 1814 - (وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لِأهْلِ العِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(5)

وَالنَّسائيُّ

(6)

. [صحيح لغيره]

5/ 1815 - (وَعَنْ أبي الزُّبَيْرِ: أنَّهُ سَمِعَ جابِرًا سُئِلَ عَنِ المَهَلّ فَقالَ: سَمِعْتُ أحْسِبُهُ رُفِعَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَهَلُّ أهْلِ المَدِينَةِ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقِ الآخَرِ الجُحْفَةُ؛ وَمَهَلُّ أهْلِ العِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ؛ وَمَهَلُّ أهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ؛ وَمَهَلُّ أهْلِ اليَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(7)

، وَكَذَلِكَ أحْمَدُ

(8)

وَابْنُ مَاجَهْ

(9)

وَرَفَعاهُ مِنْ غَيْرِ شَكّ). [صحيح لغيره]

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 387).

(2)

المغني (5/ 62).

(3)

حكاه عنه الحافظ في الفتح (3/ 387).

(4)

في صحيحه رقم (1531).

(5)

في سننه رقم (1739).

(6)

في سننه رقم (2656). وهو حديث صحيح لغيره.

(7)

في صحيحه رقم (18/ 1183).

(8)

في المسند (3/ 336).

(9)

في سننه رقم (2915)، وهو حديث صحيح لغيره. =

ص: 75

حديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري.

وقال في التلخيص

(1)

: هو من رواية القاسم عنها، تفرد به المعافى بن عمران

(2)

عن أفلح

(3)

عنه، والمعافى ثقة.

وحديث جابر أخرجه مسلم

(4)

على الشك في رفعه كما قال المصنف.

وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه كذلك.

وجزم برفعه أحمد

(5)

وابن ماجه

(6)

كما ذكر المصنف، ولكن في إسناد أحمد بن لهيعة

(7)

وهو ضعيف.

وفي إسناد ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الخوزي

(8)

وهو غير محتج به.

وفي الباب عن الحارث بن عمرو السهمي عند أبي داود

(9)

.

عن أنس عند الطحاوي

(10)

.

وعن ابن عباس عند ابن عبد البر

(11)

.

وعن عبد الله بن عمرو، عند أحمد

(12)

وفي إسناده الحجاج بن أرطاة.

= قلت: وقد تكلمت على الحديثين رقم (4/ 1814) و (5/ 1815) من كتابنا هذا في تعليقي على الحديث (2/ 1812) من كتابنا هذا، فانظره لزامًا.

(1)

"التلخيص الحبير"(2/ 436).

(2)

المعافى بن عمران الأزدي الفهمِي، أبو مسعودٍ الموصلي: ثقة، عابد، فقيه، من كبار التاسعة

(خ، د، س) التقريب رقم (6745).

(3)

أفلح بن حميد بن نافع الأنصاري المدني يكنى أبا عبد الرحمن، يقال له ابن صُفيراء: ثقة. من السابعة

(خ، م، د، س، ق)، التقريب رقم (547).

(4)

في صحيحه رقم (1183/ 18).

(5)

في المسند (3/ 336).

(6)

في سننه رقم (2915)، وهو حديث صحيح لغيره.

(7)

تقدم وهو ضعيف.

(8)

الميزان (1/ 75).

(9)

في سننه رقم (1742) وهو حديث حسن.

وقال البيهقي في المعرفة (7/ 96): وفي إسناده من هو غير معروف.

(10)

في شرح معاني الآثار (2/ 119) وفي سنده هلال بن زيد بن يسار أبو عقال منكر الحديث (الميزان (4/ 313).

(11)

في الاستذكار (11/ 75 رقم (15464) والتمهيد (8/ 70).

(12)

في المسند (2/ 181). =

ص: 76

وهذه الطرق يقوّي بعضها بعضًا، وبها يردّ على ابن خزيمة

(1)

حيث قال في ذات عرق: أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث، وعلى ابن المنذر

(2)

حيث يقول: لم نجد في ذات عرق حديثًا يثبت.

قال في الفتح

(3)

: لعلّ من قال: إنه غير منصوص لم يبلغه، أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق منها لا يخلو عن مقال.

قال

(4)

: لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى. وممن قال بأنه غير منصوص وإنما أجمع عليه الناس طاوس

(5)

، وبه قطع الغزالي

(6)

والرافعي في "شرح المسند"

(7)

والنووي في شرح مسلم

(8)

، وكذا وقع في المدونة لمالك.

وممن قال بأنه منصوص عليه الحنفية

(9)

والحنابلة

(10)

وجمهور الشافعية

(11)

، والرافعي في "الشرح الصغير"

(12)

والنووي في "شرح المهذّب"

(13)

.

= قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 28) والدارقطني (2/ 236) كلهم من طريق يزيد بن هارون أنبأ الحاج عن عطاء، عن جابر بن عبد الله، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قالا: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث. وقال: "لأهل العراق ذات عرق".

وصحح أبو الأشبال سنده في تعليقه على المسند (ج 10/ رقم 6697) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 216) وقال: فيه الحجاج بن أرطاة وفيه كلام وقد وثق". اهـ.

(1)

في صحيحه (4/ 160).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 390).

(3)

(3/ 389 - 390).

(4)

أي الحافظ في "الفتح"(3/ 390).

(5)

أخرج الشافعي في الأم (3/ 342 رقم 1008) وفي مسنده رقم (760) وهو مرسل بسند ضعيف، وقد تقدم.

وقال الشافعي: ولا أحسبه إلا كما قال طاوس، والله أعلم.

(6)

الوسيط (2/ 607).

(7)

الرافعي عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم القزويني، (ت 623 هـ).

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (22/ 253): في مجلدين، تعب عليه".

(8)

له (8/ 81).

(9)

البناية في شرح الهداية (4/ 27).

(10)

المغني (5/ 57 - 58).

(11)

المجموع شرح المهذب (7/ 197 - 198).

(12)

الرافعي عبد الكريم بن محمد، وهو شرح صغير على "الوجيز" للغزالي، راجع: السير (22/ 253).

(13)

المجموع شرح المهذب (7/ 199).

ص: 77

وقد أعلّه بعضهم بأن العراق لم تكن فتحت حينئذ.

قال ابن عبد البرّ

(1)

: هي غفلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكونه علم أنها ستفتح فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق.

وبهذا أجاب الماوردي

(2)

وآخرون.

وقد ورد ما يعارض أحاديث الباب، فأخرج أبو داود

(3)

والترمذي

(4)

عن ابن عباس: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل المشرق العقيق"، وحسنه الترمذي

(5)

، ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد، قال النووي

(6)

: ضعيف باتفاق المحدّثين.

قال الحافظ

(7)

: في نقل الاتفاق نظر يعرف من ترجمته. انتهى.

ويزيد المذكور أخرج حديثه أهل السنن الأربع ومسلم مقرونًا بآخر.

قال شعبة: لا أبالي إذا كتبت عن يزيد أن لا أكتب عن أحد وهو من كبار الشيعة وعلمائها، ووصفه في الميزان

(8)

بسوء الحفظ.

وقد جمع بين هذا الحديث وبين ما قبله بأوجه.

(منها) أن ذات عرق ميقات الوجوب، والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات

(9)

عرق.

(1)

في التمهيد (8/ 71).

(2)

في "كتاب الحج" من الحاوي الكبير (1/ 350 - 352).

(3)

في سننه رقم (1740).

(4)

في سننه رقم (832).

(5)

في السنن (3/ 194).

(6)

في المجموع (7/ 198).

(7)

في "التلخيص"(2/ 437).

• يزيد بن أبي زياد، أحد علماء الكوفة المشاهير على سوء حفظه.

قال يحيى والنسائي: ليس بالقوي، وقال يحيى أيضًا: لا يحتج به.

وقال أحمد: ليس بذاك. وقال الحافظ ضعيف (م 4).

[التاريخ الكبير (8/ 334) والمجروحين (3/ 99) والجرح والتعديل (9/ 265) والميزان (4/ 423) والتقريب (2/ 365)].

(8)

الميزان (4/ 423).

(9)

ذات عِرْق: وتسمى: العقيق، وهو ميقات أهل العراق. ويسمى اليوم "الضريبة" لقربها من وادي الضريبة، وتقع على بعد (100) كيلومترًا إلى الشمال الشرقي من مكة، قريبًا من أعلى وادي العقيق. =

ص: 78

(ومنها) أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن، والآخر ميقات لأهل البصرة، ووقع ذلك في حديث أنس عند الطبراني

(1)

وإسناده ضعيف.

(ومنها) أن ذات عرق كانت أولًا في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة، فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد، حكى هذه الأوجه صاحب الفتح

(2)

.

قوله: (لما فتح هذان المصران) بالبناء للمجهول.

وفي رواية للكشميهني

(3)

: "لما فتح هذين المصرين" بالبناء للمعلوم، والمصران تثنية مصر، والمراد بهما البصرة والكوفة.

قوله: (وإنه جور) بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راء: أي ميل، والجور: الميل عن القصد

(4)

، ومنه قوله تعالى:{وَمِنْهَا جَائِرٌ}

(5)

.

قوله: (فانظروا حذوها)

(6)

أي اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتًا.

وظاهره أن عمر حدّ لهم ذات عرق باجتهاد.

ولهذا قال المصنف

(7)

رحمه الله: والنص بتوقيت ذات عرق ليس في القوة

= وذات عرق يقال لها اليوم: الطريق الشرقي، وهي مندثرة، ويحرم الحاج من الضريبة التي يقال لها:"الخريبات" وهي بين المضيق، ووادي العقيق" (عقيق الطائف).

(1)

في المعجم الكبير (ج 1/ رقم 721).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 216) وقال: فيه أبو ظلال - هلال بن يزيد - وثقه ابن حبان وضعفه جمهور الأئمة، وبقية رجاله ثقات". اهـ.

قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 119) وابن عدي في الكامل (7/ 117).

وذكر الذهبي في "الميزان"(4/ 313) هذا الحديث في ترجمة هلال بن زيد بن يسار أبو عقال.

وكذلك ذكر هذا الحديث ابن عدي في ترجمته (7/ 117 - 119) وقال: "هذه الأحاديث بهذه الأسانيد غير محفوظة". اهـ.

(2)

الفتح (3/ 389).

(3)

ذكرها الحافظ في "الفتح"(3/ 389).

(4)

القاموس المحيط ص 470.

(5)

سورة النحل: الآية (9).

(6)

النهاية (1/ 358).

(7)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(2/ 219).

ص: 79

كغيره فإن ثبت فليس ببدع وقوع اجتهاد عمر على وفقه فإنه كان موفقًا للصواب. انتهى.

6/ 1816 - (وَعَنْ أنَسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي القَعْدَةِ إلَّا الَّتي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ، عُمْرَتَهُ مِنَ الحُدَيْبِيَّةِ، وَمِنَ العامِ المُقْبِلِ، وَمِنَ الجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنائِمَ حُنَيْنٍ، وعُمْرَتَهُ مَعَ حَجَّتِهِ

(1)

[صحيح]

7/ 1817 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قالَتْ: نَزَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المُحَصَّبَ فَدَعا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أبي بَكْر فَقالَ: "اخْرُجْ بأُخْتِكَ مِنَ الحَرَمِ فَتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ لِتَطُفْ بالبَيْتِ فإني أنْتَظِرُكُما هاهُنا"، قالَتْ: فَخَرَجْنا فأهْلَلْتُ ثُمَّ طُفْتُ بالبَيْتِ وَبالصَّفا وَالمَرْوَةِ، فَجِئْنا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهْوَ في مَنْزلِهِ في جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقالَ:"هَلْ فَرَغْتِ؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ، فأذَّنَ في أصْحابِهِ بالرَّحِيل، فَخَرَجَ فَمَرَّ بالبَيْتِ فَطافَ بِهِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ خَرَجَ إلى المَدِينَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما

(2)

[صحيح]

8/ 1818 - (وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أهَلَّ مِنَ المَسْجِدِ الأقْصَى بِعُمْرةٍ أوْ بِحَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وأبُو دَاوُدَ

(4)

بِنَحْوِهِ وَابْنُ ماجَهْ

(5)

وَذَكَرَ فِيه العُمْرَةَ دُونَ الحَجَّةِ). [ضعيف]

حديث أمّ سلمة في إسناده عليّ بن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي

(6)

.

قال أبو حاتم

(7)

الرازي: شيخ من شيوخ المدينة ليس بالمشهور.

وذكره ابن حبان في الثقات

(8)

.

(1)

أحمد في المسند (3/ 134) والبخاري رقم (1780) ومسلم رقم (217/ 1253).

(2)

أحمد في المسند (6/ 78) والبخاري رقم (1560) ومسلم رقم (123/ 1211).

(3)

في المسند (6/ 299).

(4)

في سننه رقم (1741).

(5)

في سننه رقم (3002).

(6)

يحيى بن أبي سفيان بن الأخنَس الأخنسي، المدني: مستور، من السادسة

(د، ق) التقريب رقم الترجمة (7560).

(7)

في الجرح والتعديل (9/ 155).

(8)

في "الثقات"(7/ 597). =

ص: 80

وقال ابن كثير في حديث أمّ سلمة: هذا اضطراب

(1)

.

قوله: (أربع عمر)، ثبت مثل هذا من حديث عائشة وابن عمر عند البخاري

(2)

وغيره.

وأخرج البخاري

(3)

من حديث البراء: "أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر مرّتين".

والجمع بينه وبين أحاديثهم: بأن البراء لم يَعُدَّ عمرته التي مع حجته، لأن

حديثه مقيَّد بكون ذلك في ذي القعدة، والتي في حجَّته كانت في ذي الحجَّة، وكأنه أيضًا لم يَعُدَّ التي صُدّ عنها؛ وإن كانت وقعت في ذي القعدة، أو عَدَّها، ولم يَعُدَّ الجِعْرَانَة لخفائها عليه كما خفيت على غيره.

وفي الباب عن أبي هريرة عند عبد الرزاق

(4)

قال: "اعتمر النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر في ذي القعدة".

وعن عائشة عند سعيد بن منصور

(5)

: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر مرتين في ذي القعدة وعمرة في شوّال".

= قلت: وفيه: أم حكيم ابنة أمية بن الأخنس، واسمها: حكيمة، مجهولة الحال، إذا لم يُذكر في الرواة عنها سوى اثنين، وذكرها ابن حبان في "الثقات"(4/ 195)، وقال الحافظ مقبولة التقريب رقم (8566).

(1)

وقال المنذري في "مختصر السنن"(2/ 285): اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافًا كثيرًا.

وذكر ابن القيم في زاد المعاد (3/ 267): أنه حديث لا يثبت، وأنه قد اضطرب في إسناده ومتنه اضطرابًا شديدًا.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(2)

البخاري رقم (1776) ومسلم رقم (220/ 1255).

(3)

البخاري في صحيحه رقم (1781).

(4)

قال الحافظ في "الفتح"(3/ 600): "وروى يونس بن بكير في "زيادات المغازي" وعبد الرزاق، جميعًا عن عمر بن ذر، عن مجاهد، عن أبي هريرة قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر في ذي القعدة".

وهو موافق لحديث عائشة وابن عمر وزاد عليه يقين الشهر". اهـ.

(5)

قال الحافظ في "الفتح"(3/ 600): "روى سعيد بن منصور عن الدراوردي عن هشام عن أبيه، عن عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر: عمرتين في ذي القعدة وعمرة في شوال".

إسناده قوي، وقد رواه ابن مالك عن هشام عن أبيه مرسلًا". اهـ.

ص: 81

قال في الفتح

(1)

: وإسناده قويّ، وقولها:"في شوّال " مغاير لقول غيرها.

ويجمع بينهما بأن ذلك وقع في آخر شوّال وأوّل ذي القعدة.

ويؤيده ما رواه ابن ماجه

(2)

بإسناد صحيح عن عائشة بلفظ: "لم يعتمر صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة".

وفي البخاري

(3)

عن عائشة: "أنها لما سمعت ابن عمر يقول: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب، قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط".

وروى الدارقطني

(4)

عن عائشة أنها قالت: "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت" الحديث.

وقد قدمنا الكلام عليه في قصر الصلاة.

قال ابن القيم في الهدي

(5)

: "ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان قط".

وقال

(6)

: "لا خلاف أن عُمَرَهُ صلى الله عليه وسلم لم تزِد على أربع، فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسًا، ولو كان اعتمر في رمضان لكانت ستًا، إلا أن يُقال: بعضُهن في رجب، وبعضُهن في رمضان، وبعضُهن في ذي القعدة، وهذا لم يقع، وإنما الواقع اعتمارُه في ذي القعدة كما قال أنس وابن عباس وعائشة.

قوله: (من الجِعرانة) قال في القاموس

(7)

: الجعرانة وقد تكسر العين وتشدد الراء.

وقال الشافعي

(8)

: التشديد خطأ: موضع بين مكة والطائف سمي بريطة بنت سعد، وكانت تلقب بالجِعْرانة. انتهى.

قوله: (المحصب) هو على ما في القاموس

(9)

: الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح وموضع رمي الجمار بمنى.

(1)

(3/ 600).

(2)

في سننه رقم (2997) وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (1776).

(4)

في سننه (2/ 188 رقم 39).

(5)

زاد المعاد (2/ 89).

(6)

أي ابن القيم في "زاد المعاد"(2/ 89).

(7)

القاموس المحيط ص 467.

(8)

المجموع (7/ 210).

(9)

القاموس المحيط ص 95.

ص: 82

قوله: (اخرج بأختك من الحرم)، لفظ البخاري

(1)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم".

وقد وقع الخلاف هل يتعين التنعيم لمن اعتمر من مكة؟

قال الطحاوي

(2)

: ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم، ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحجّ.

وخالفهم آخرون فقالوا: ميقات العمرة الحلّ، وإنما أمر عائشة بالإِحرام من التنعيم لأنه كان أقرب الحلّ إلى مكة.

ثم روي عن عائشة في حديثها أنها قالت: "فكان أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه"

(3)

، قال: فثبت بذلك أن التنعيم وغيره سواء في ذلك.

وقال صاحب الهدي

(4)

: ولم ينقل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم اعتمر مدّة إقامته بمكة قبل الهجرة ولا اعتمر بعد الهجرة إلا داخلًا إلى مكة ولم يعتمر قطّ خارجًا من مكة إلى الحلّ ثم يدخل مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم، ولا ثبت عن أحد من الصحابة فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها.

قال في الفتح

(5)

: وبعد أن فعلته عائشة بأمره دلّ على مشروعيته. انتهى.

ولكنه إنما يدلّ على المشروعية إذا لم يكن أمره صلى الله عليه وسلم بذلك لأجل تطييب قلبها كما قيل:

قوله: (من المسجد الأقصى)، فيه دليل على جواز تقديم الإِحرام على الميقات.

ويؤيد ذلك ما أخرجه الشافعي في الأمّ

(6)

عن عمر.

والحاكم في المستدرك

(7)

بإسناد قويّ عن عليّ أنهما قالا: "إتمام الحج

(1)

في صحيحه رقم (1784).

(2)

في شرح معاني الآثار (2/ 240).

(3)

أخرجه البخاري رقم (1786) ومسلم رقم (120/ 1211).

(4)

ابن القيم في زاد المعاد (2/ 89).

(5)

(6/ 603).

(6)

في كتاب اختلاف مالك والشافعي من الأم (8/ 723 رقم 3943).

(7)

(2/ 276) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

ص: 83

والعمرة في قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}

(1)

بأن تحرم لهما من دويرة أهلك".

بل قد ثبت ذلك مرفوعًا من حديث أبي هريرة. قال في الدر المنثور

(2)

: وأخرج ابن عديّ

(3)

والبيهقي

(4)

عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1) قال: إن من تمام الحجّ أن تحرم من دويرة أهلك.

وأما قول صاحب المنار

(5)

: إنه لو كان أفضل لما تركه جميع الصحابة، فكلام على غير قانون الاستدلال.

وقد حكي في التلخيص

(6)

أنه فسَّره ابن عيينة فيما حكاه عنه أحمد بأن ينشئ لهما سفرًا من أهله ولكنه لا يناسب لفظ الإِهلال الواقع في حديث الباب، ولفظ الإِحرام الواقع في حديث أبي هريرة وفي تفسير عليّ وعمر.

وقد قدّمنا في بحث حكم العمرة تفسيرًا آخر للآية.

[الباب الثاني] باب دخول مكة بغير إحرام لعذر

9/ 1819 - (عَنْ جابِرٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عمامَةٌ سَوْدَاءُ بغَيْرِ إحْرَامٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(7)

وَالنَّسائيُّ

(8)

. [صحيح]

10/ 1820 - (وَعَنْ مالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهابٍ عَنْ أنَسٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ عامَ الفَتْحِ وَعلى رأسِهِ الْمِغْفَرُ؛ فَلَمَّا نَزَعَهُ جاءَ رَجُلٌ فَقالَ: ابْنُ خَطَل مُتَعلِّقٌ بأسْتارِ الكَعْبَةِ، فَقالَ:"اقْتُلُوهُ"، قالَ مالكٌ: وَلمْ يَكُنْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمئذٍ مُحْرِمًا. رَوَاهُ أحْمَدُ

(9)

وَالبُخارِيُّ)

(10)

. [صحيح]

(1)

سورة البقرة: الآية (196).

(2)

الدر المنثور (1/ 502).

(3)

في "الكامل"(2/ 120).

(4)

في السنن الكبرى (5/ 30).

(5)

للعلامة صالح بن مهدي المقبلي في "المنار في المختار"(1/ 378).

(6)

التلخيص الحبير (2/ 435).

(7)

في صحيحه رقم (451/ 1358).

(8)

في سننه رقم (2869)، وهو حديث صحيح.

(9)

في المسند (3/ 109).

(10)

في صحيحه رقم (1846). =

ص: 84

قوله: (عمامة سوداء)، فيه جواز لبس السواد وإن كان البياض أفضل منه لما سلف في اللباس والجنائز.

قوله: (وعلى رأسه المِغْفَر)، زاد أبو عبيد القاسم بن سلام في روايته:"من حديد"، وكذا رواه عشرة من أصحاب مالك خارج الموطأ.

قال القاضي عياض

(1)

: وجه الجمع بينه وبين قوله: "وعلى رأسه عِمامة سوداء"، أن أوّل دخوله كان وعلى رأسه المغفر، ثم بعد ذلك كان على رأسه العمامة بدليل قوله في بعض الروايات: فخطب الناس وعليه عمامة سوداء.

قوله: (فقال ابن خَطَل .. ) إلخ. إنما قتله صلى الله عليه وسلم لأنه كان ارتدّ عن الإِسلام وقتل مسلمًا كان يخدمه، وكان يهجو النبيَّ صلى الله عليه وسلم ويسبُّه، وكان له قينتان تغنيان بهجاء المسلمين.

واسم ابن خَطَل: عبد العزى. وقال محمد بن إسحاق: اسمه عبد الله.

وقال ابن الكلبي: اسمه غالب

(2)

.

وخطل بخاء معجمة وطاء مهملة مفتوحتين.

والحديثان يدلان على جواز دخول مكة للحرب بغير إحرام.

وقد اعترض عليه بأن القتال في مكة خاصّ بالنبي صلى الله عليه وسلم لما ثبت في الصحيح

(3)

أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "فَإِنْ أحَدٌ ترخَّصَ لِقتالِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا:

= قلت: وأخرجه مسلم رقم (1357) وأبو داود رقم (2685) والترمذي رقم (1693) وقال: حديث حسن صحيح غريب، وابن ماجه رقم (2805) وابن خزيمة رقم (3063) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 258 - 259) وفي "شرح مشكل الآثار" رقم (4519) و (4520) وابن حبان رقم (3719) و (3721) و (3805) وابن الأعرابي في "معجمه" رقم (586) وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 139) وفي "أخبار أصبهان"(1/ 150) والبيهقي (5/ 177) و (6/ 323) و (7/ 59) و (8/ 205) والبغوي في شرح السنة رقم (2006) وابن عبد البر في "التمهيد"(6/ 159 و 165) وغيرهم، واقتصر بعض أصحاب هذه المصادر على قول أنس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه مِغْفَر"، وهو حديث صحيح.

(1)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 476).

(2)

في هامش المخطوط (ب): (وقيل: هلال بن خطل).

(3)

البخاري في صحيحه رقم (104) ومسلم في صحيحه رقم (1354).

ص: 85

إنَّ الله تعالى أذِنَ لرسولِهِ ولم يأذنْ لكمْ"، فدلّ على عدم جواز قياس غيره عليه.

ويجاب بأن غاية ما في هذا الحديث اختصاص القتال به صلى الله عليه وسلم.

وأما جواز المجاوزة فلا، وأمته أسوته في أفعاله.

وقد اختلف في جواز المجاوزة لغير عذر فمنعه الجمهور

(1)

وقالوا: لا يجوز إلا بإحرام من غير فرق بين من دخل لأحد النسكين أو لغيرهما، ومن فعل أثم ولزمه دم.

وروي عن ابن عمر

(2)

والناصر

(3)

وهو الأخير من قولي الشافعي

(4)

وأحد قولي أبي العباس أنه لا يجب الإِحرام إلا على من دخل لأحد النسكين لا على من أراد مجرّد الدخول.

استدلّ الأوّلون بقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}

(5)

، وأجيب بأنه تعالى قدَّم تحريم الصيد عليهم وهم محرمون في قوله تعالى:{إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}

(6)

، وقد علم أنه لا إحرام إلا عن أحد النسكين، ثم أخبرهم بإباحة الصيد لهم إذا حلوا فليس في الآية ما يدلّ على المطلوب.

واستدلوا ثانيًا بحديث ابن عباس عند البيهقي

(7)

بلفظ: "لا يدخل أحد مكة إلا محرمًا". قال الحافظ

(8)

: وإسناده جيد.

ورواه ابن عديّ

(9)

مرفوعًا من وجهين ضعيفين.

وأخرجه ابن أبي شيبة

(10)

عنه بلفظ: "لا يدخل أحد مكة بغير إحرام إلا الحطابين والعمالين وأصحاب منافعها"، وفي إسناده طلحة بن عمرو

(11)

، وفيه ضعف.

(1)

المغني (5/ 69 - 72).

(2)

حكاه عنه النووي في المجموع (7/ 18).

(3)

الروض النضير (3/ 139).

(4)

الأم (3/ 353 - 355) والمعرفة للبيهقي (6/ 382 - 384).

(5)

سورة المائدة: الآية (2).

(6)

سورة المائدة: الآية (1).

(7)

في السنن الكبرى (5/ 29، 30).

(8)

في "التلخيص"(2/ 464).

(9)

في "الكامل"(6/ 273).

(10)

في الجزء المفقود ص 200.

(11)

طلحة بن عمرو هو الحضرمي. قال ابن معين: ليس بشيء، ضعيف، ضعيف. =

ص: 86

وروى الشافعي

(1)

عنه أيضًا أنه كان يردّ من جاوز الميقات غير محرم.

وقد اعتذر بعض المتأخرين

(2)

عن حديث ابن عباس هذا بأنه موقوف على ابن عباس من تلك [الطريق]

(3)

التي ذكرها البيهقي، ولا حجة فيما عداها.

ثم عارض ما ظنه موقوفًا بما أخرجه مالك في الموطأ

(4)

أن ابن عمر جاوز الميقات غير محرم، فإن صحّ ما ادّعاه من الوقف فليس في إيجاب الإِحرام على من أراد المجاوزة لغير النسكين دليل.

وقد كان المسلمون في عصره صلى الله عليه وسلم يختلفون إلى مكة لحوائجهم، ولم ينقل أنه أمر أحدًا منهم بإحرام كقصة الحجاج بن علاط

(5)

.

وكذلك قصة أبي قتادة

(6)

لما عقر حمار الوحش داخل الميقات وهو حلال، وقد كان أرسله لغرض قبل الحجّ فجاوز الميقات لا بنية الحجّ ولا العمرة، فقرّره صلى الله عليه وسلم لا سيما [مع]

(7)

ما يقضي بعدم الوجوب من استصحاب البراءة الأصلية إلى أن يقوم دليل ينقل عنها

(8)

.

= وقال أحمد بن حنبل: لا شيء، متروك الحديث. قال ابن عدي: وطلحة بن عمرو هذا قد حدَّث عنه قوم ثقات، مثل عيسى بن يونس، وصدقة بن خالد، وجماعة معهما بأحاديث صالحة، وعامة ما يروى عنه لا يتابعونه عليه، وهذه الأحاديث التي أمليتها له عامتها فيها نظر.

[الكامل (4/ 107 - 108) والتقريب رقم (3030) والميزان (2/ 340)].

وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس حديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

في المسند رقم (752) موقوف بسند صحيح.

(2)

في هامش المخطوط (أ): (الجلال).

(3)

في المخطوط (ب): (الطرق).

(4)

في الموطأ (1/ 423 رقم 248) موقوف بسند صحيح.

عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة، حتى إذا كان بقديد جاءَهُ خبرٌ من المدينة، فرجع فدخلَ مكة بغير إحرام.

(5)

لم أقف على من أخرج قصته، والله أعلم.

(6)

أخرجه البخاري رقم (1823) ومسلم رقم (56/ 1196).

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

قال النووي في "المجموع"(7/ 18 - 19): "فرع في مذاهب العلماء فيمن أراد دخول الحرم لحاجة لا تتكرر، كالتجارة، والزيارة، وعيادة المريض ونحوها:

وقد ذكرنا أن الأصح عندنا - أي الشافعية - أنه يستحب له الإحرام ولا يجب، سواء =

ص: 87

[الباب الثالث] باب ما جاءَ في أشهر الحج وكراهة الإِحرام به قبلها

11/ 1821 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: مِنَ السُّنَّةِ أنْ لا يُحْرِمَ بالحَجّ إلَّا في أشْهُرِ الحَجِّ. أخْرَجَهُ البُخارِيُّ

(1)

. [أثر صحيح]

وَلَهُ

(2)

عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: "أشْهُرُ الحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو القَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الحخةِ. [أثر صحيح]

وَللدَّارَقُطْني مثْلُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ

(3)

. [أثر حسن]

وَابْنِ عَبَّاسٍ

(4)

. [أثر حسن]

= قربت داره من الحرم أم بعدت، وبه قال ابن عمر.

وقال مالك وأحمد يلزمه.

وقال أبو حنيفة: إن كانت داره في الميقات أو أقرب إلى مكة جاز دخوله بلا إحرام، وإلا فلا". اهـ.

قلت: والراجح ما ذهب إليه الشافعية لما ذكر من أدلة خلال هذا الباب.

(1)

أخرجه البخاري (3/ 419 رقم الباب 33 - مع الفتح) تعليقًا.

وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 420): وصله ابن خزيمة رقم (2596) والحاكم (1/ 448) والدارقطني (2/ 233 رقم 76) من طريق الحاكم عن مقسم عن ابن عباس قال: "لا يحرم بالحج إلَّا في أشهر الحج، فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج".

ورواه ابن جرير - في جامع البيان (4/ 115 رقم 3523 - شاكر)، من وجه آخر عن ابن عباس قال:"لا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج". اهـ. فأثر ابن عباس أثر صحيح، والله أعلم.

(2)

أي البخاري في صحيحه (9/ 413 رقم الباب 33 مع الفتح) تعليقًا.

وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 420): "وصله الطبري والدارقطني (2/ 226 رقم 46) من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار عنه قال: "الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة".

وروى البيهقي (4/ 342) من طريق عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله. والإسنادان صحيحان". اهـ.

فأثر ابن عمر أثر صحيح، والله أعلم.

(3)

أخرجه الدارقطني في سننه (2/ 227 رقم 52) بسند حسن.

(4)

أخرجه الدارقطني في سننه (2/ 226 - 227 رقم 47) بسند حسن.

ص: 88

وَابْنِ الزُّبَيْرِ)

(1)

. [أثر ضعيف]

12/ 1822 - (وَرُوِيَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: بَعَثَني أبُو بَكْرٍ فيمَنْ يُؤَذّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمنى: لا يَحُجُّ بَعْدَ العامِ مُشْرِكٌ، وَلا يَطُوفُ بالْبَيْتِ عُرْيانٌ، ويَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ. رَواهُ البُخارِيُّ

(2)

. [صحيح]

13/ 1823 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ "أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الجَمَرَاتِ في الحَجَّةِ الَّتي حَجَّ فَقالَ: "أي يَوْمٍ هَذَا؟ "، فَقَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قالَ: "هَذَا يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ". رَوَاهُ البُخارِيُّ

(3)

وَأبُو دَاوُدَ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ)

(5)

. [صحيح]

قوله: (عن ابن عباس) علقه البخاري

(6)

ووصله ابن خزيمة

(7)

والحاكم

(8)

والدارقطني

(9)

من طريق الحكم عن مقسم عنه بلفظ: "لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، فإن من سنة الحجّ أن يحرم بالحجّ في أشهره".

ورواه ابن خزيمة (7) من وجه آخر عنه بلفظ: "لا يصلح أن يحرم بالحجّ أحد إلا في أشهر الحجّ.

قوله: (وعن ابن عمر) علقه البخاري

(10)

ووصله الطبري

(11)

والدارقطني

(12)

من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار عنه.

(1)

أخرجه الدارقطني في سننه (2/ 226 رقم 44) بسند ضعيف، لضعف أبي سعد وهو البقال، واسمه سعيد بن المرزبان ضعيف.

(2)

في صحيحه رقم (1622).

قلت: وأخرجه مسلم رقم (1347).

(3)

في صحيحه رقم (1742).

(4)

في سننه رقم (1945).

(5)

في سننه رقم (3058)، وهو حديث صحيح.

(6)

في صحيحه (3/ 419 رقم الباب 33 مع الفتح) معلقًا.

(7)

في صحيحه رقم (2596).

(8)

في المستدرك (1/ 448) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(9)

في سننه (2/ 233 رقم 76)، وهو أثر صحيح، والله أعلم.

(10)

في صحيحه (9/ 413 رقم الباب 33 - مع الفتح) معلقًا.

(11)

عزاه إليه الحافظ في الفتح (3/ 420).

(12)

في سننه (2/ 226 رقم 46)، وهو أثر صحيح، والله أعلم.

ص: 89

قوله: (ويوم الحج الأكبر يوم النحر)، إنما سمي بذلك لأن تمام أعمال الحج يكون فيه، أو [إشارة]

(1)

بالأكبر إلى الأصغر، أعني العمرة.

وقد استدل المصنف بهذه الآثار على كراهة الإِحرام بالحج قبل أشهر الحج

(2)

.

وقد روي مثل ذلك عن عثمان

(3)

.

(1)

في المخطوط (ب): (أشار).

(2)

قال النووي في "المجموع"(7/ 133): "فرع في مذاهب العلماء في وقت الإحرام بالحج: لا ينعقد الإحرام بالحج إلا في أشهره عندنا - أي الشافعية - فإن أحرم في غيرها انعقد عمرة.

وبه قال: عطاء، وطاوس، ومجاهد، وأبو ثور، ونقله الماوردي عن عمر، وابن مسعود، وجابر، وابن عباس، وأحمد.

وقال الأوزاعي: يتحلل بعمرة.

وقال ابن عباس: لا يحرم بالحج إلا في أشهره.

وقال داود: لا ينعقد.

وقال النخعي، والثوري، ومالك، وأبو حنيفة، وأحمد: يجوز قبل أشهر الحج لكن يكره، قالوا: فأما الأعمال فلا تجوز قبل أشهر الحج بلا خلاف". اهـ.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (9/ 413 رقم الباب 33 - مع الفتح) معلقًا.

قال الحافظ في "الفتح"(3/ 420): "وصله سعيد بن منصور: "حدثنا هشيم، حدثنا يونس بن عبيد، أخبرنا الحسن هو البصري أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان، فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع وكرهه".

وقال عبد الرزاق: "أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: أحرم عبد الله بن عامر من خراسان، فقدم على عثمان فلامه، وقال: غزوت وهان عليك نسك".

وروى أحمد بن سيار في "تاريخ مرو" من طريق داود بن أبي هند، قال:"لما فتح عبد الله بن عامر خراسان، قال: لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي هذا محرمًا، فأحرم من نيسابور، فلما قدم على عثمان لامه على ما صنع".

وهذه أسانيد يقوي بعضها بعضًا.

وروى يعقوب بن سفيان في "تاريخه" من طريق محمد بن إسحاق أن ذلك كان في السنة التي قتل فيها عثمان.

ومناسبة هذا الأثر للذي قبله - وهو أثر ابن عمر المتقدم - أن بين خراسان ومكة أكثر من مسافة أشهر الحج، فيستلزم أن يكون أحرم في غير أشهر الحج فكره ذلك عثمان، وإلا فظاهره يتعلق بكراهة الإحرام قبل الميقات فيكون من متعلق الميقات المكاني لا الزماني". اهـ.

ص: 90

وقال ابن عمر

(1)

وابن عباس

(2)

وجابر

(3)

وغيرهم من الصحابة والتابعين: أنه لا يصح الإِحرام بالحجّ إلا فيها وهو قول الشافعي

(4)

.

وقد تقرر في الأصول

(5)

أن قول الصحابي ليس بحجة وليس في الباب إلا أقوال صحابة إلا أن يصحّ ما ذكرنا عن ابن عبّاس من قوله: "فإن من سنة الحج .. " إلخ، فإن هذه الصيغة لها حكم الرفع، وقد قدمنا في آخر باب المواقيت ما يدلّ على استحباب الإِحرام من دويرة الأهل.

وظاهره عدم الفرق بين من يفارق دويرة أهله قبل دخول أشهر الحج أو بعد دخولها، إلا أنه يقوّي المنع من الإِحرام قبل أشهر الحج أن الله سبحانه ضرب لأعمال الحج أشهرًا معلومة.

والإِحرام عمل من أعمال الحجّ، فمن ادّعى أنه يصحّ قبلها فعليه الدليل.

وقد أجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحجّ ثلاثة أولها شوّال، لكن اختلفوا هل هي بكمالها أو شهران وبعض الثالث؟ فذهب إلى الأول مالك

(6)

وهو قول للشافعي

(7)

، وذهب غيرهما من العلماء إلى الثاني (8).

ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون: عشر ليال من ذي الحجة، وهل يدخل يوم النحر أو لا؟ فقال أحمد

(8)

وأبو حنيفة

(9)

: نعم.

وقال الشافعي

(10)

في [المشهور]

(11)

المصحح عنه: لا. وقال

(1)

في صحيحه (3/ 419 رقم الباب 33 - مع الفتح) معلقًا.

(2)

في صحيحه (3/ 419 رقم الباب 33 مع الفتح) معلقًا.

(3)

أخرج الشافعي في الأم (3/ 387 رقم 1087): عن أبي الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يُسأل عن الرجل يهل بالحج قبل أشهر الحج؟ فقال: لا.

وأخرجه الدارقطني في سننه (2/ 234 رقم 78) والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 343).

قال في التعليق المغني على الدارقطني: إسناده صحيح.

(4)

الأم (3/ 387 - 388).

(5)

تقدم الكلام عليه، وانظر:"إرشاد الفحول" ص 795 بتحقيقي، وتيسير التحرير (3/ 132).

(6)

التسهيل (2/ 866).

(7)

المجموع (7/ 133).

(8)

المغني (5/ 110 - 111).

(9)

ملتقى الأبحر (1/ 211).

(10)

المجموع (7/ 133).

(11)

ما بين الخاصرتين زيادة من المحفوظ (أ).

ص: 91

بعض أتباعه

(1)

: تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذّ.

ويردّ على من أخرج يوم النحر من أشهر الحج قوله صلى الله عليه وسلم في يوم النحر: "هذا يوم الحجّ الأكبر" كما في حديث ابن عمر

(2)

المذكور في الباب

(3)

.

[الباب الرابع] باب جواز العمرة في جميع السنة

14/ 1824 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "عُمْرَةٌ في رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً". رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ

(4)

لَكِنَّهُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أُمّ مَعْقِلٍ

(5)

. [صحيح]

15/ 1825 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أرْبَعًا إحْدَاهُنَّ في رَجَبَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ

(6)

. [صحيح]

16/ 1826 - (وَعَنْ عَائِشَةَ: "أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ عُمْرَتَيْنِ: عُمْرَةً في ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً في شَوَّالٍ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(7)

. [صحيح]

(1)

انظر: المجموع شرح المهذب (7/ 135 - 137).

(2)

تقدم برقم (1823) من كتابنا هذا.

(3)

بقية الصفحة من المخطوط (أ) مضروب عليها من قبل الإمام الشوكاني رحمه الله وتحتوي على بابين.

(4)

أحمد (1/ 308) والبخاري رقم (1782) ومسلم رقم (222/ 1256) وأبو داود رقم (1990) والنسائي رقم (4223).

وابن ماجه رقم (2994).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (3699)، (3700) والبيهقي (4/ 346)، والطبراني رقم (11410) و (11322)، وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (939)، وقال: حديث أم معقل حديث حسن غريب من هذا الوجه، وهو حديث صحيح.

(6)

في سننه رقم (937) من حديث ابن عمر، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه رقم (1991) وهو حديث صحيح.

ص: 92

17/ 1827 - (وَعَنْ عليّ رضي الله عنه قالَ: في كُلّ شَهْرٍ عُمْرَةٌ. رَوَاهُ الشَّافِعِي

(1)

. [موقوف وسنده ضعيف]

حديث أمّ معقل أخرجه أيضًا النسائي

(2)

من طريق مَعْمر، عن الزُّهريِّ، عن أبي بكرِ بن عبد الرحمن عن امرأةٍ من بني أسد يقال لها: أمُّ معقِل قالت: "أردتُ الحجَّ فاعتلّ بعيري، فسألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: اعتمِري في شهر رمضانَ، فإن عمرة في رمضان تعدِلُ حجَّةً".

وقد اختلف في إسناده، فرواه مالك

(3)

عن سُمَيٍّ عن أبي بكرِ بن عبد الرحمن؛ قال: "جاءتِ امرأةٌ" فذكره مرسلًا.

ورواه النسائي

(4)

أيضًا من طريق عُمارة بن عمير وغيره عن أبي بكرِ بن عبد الرحمن عن أبي مَعْقِل.

ورواه أبو داود

(5)

من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن رسول مروان عن أمّ معقل.

ويجمع بين الروايتين بتعدد الواقعة.

وأما حديث ابن عباس فقد قدمنا في باب المواقيت ما يخالفه.

وحديث عائشة سكت عنه أبو داود

(6)

، ورجال إسناده رجال الصحيح.

وحديث عليّ أخرجه البيهقي

(7)

من طريق الشافعي بإسناد صحيح.

(1)

في المسند رقم (976 - ترتيب) موقوف وسنده ضعيف منقطع.

(2)

في السنن الكبرى (4/ 237 رقم 4213).

(3)

في الموطأ (1/ 346 - 347 رقم 66) مرسلًا.

(4)

في السنن الكبرى (4/ 238 رقم 4214).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1988) و (1989) وابن ماجه رقم (2993) والترمذي رقم (939) وقال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه. وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (1988) صحيح، دون قول المرأة:"إني امرأة قد كبرتُ وسقمتُ فهل من عملٍ يجزئ عني من حجتي".

(6)

في سننه رقم (1991)، وهو حديث صحيح.

(7)

في السنن الكبرى (4/ 344) وفي "معرفة السنن والآثار"(7/ 46 رقم 9246)، بسند صحيح.

ص: 93

قوله: (تعدل حجة)، فيه دليل على أن العمرة في رمضان تعدل حجة في الثواب

(1)

لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإِجماع، على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض.

ونقل الترمذي

(2)

عن إسحاق بن راهويه أن معنى هذا الحديث نظير ما جاء: "أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن".

وقال ابن العربي

(3)

: حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة، فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها.

وقال ابن الجوزي

(4)

: فيه أن [ثواب]

(5)

العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص المقصد.

قوله: (اعتمر أربعًا) قد تقدم الكلام في عدد عمره صلى الله عليه وسلم والاختلاف في ذلك، وقد وقع خلاف، هل الأفضل العمرة في رمضان لهذا الحديث أو في أشهر الحج؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر إلا فيها، فقيل: إن العمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه وسلم أفضل، وأما في حقه فما صنعه فهو أفضل لأنه فعله للردّ على أهل الجاهلية الذين كانوا يمنعون من الاعتمار في [أشهر الحج]

(6)

.

وأحاديث الباب وما ورد في معناها مما تقدم تدلّ على مشروعية العمرة في أشهر الحجّ.

وإليه ذهب الجمهور وذهبت الهادوية

(7)

إلى أن العمرة في أشهر الحج مكروهة، وعللوا ذلك بأنها [تشغل]

(8)

عن الحجّ في وقته.

وهذا من الغرائب التي يتعجب الناظر منها، فإن الشارع صلى الله عليه وسلم إنما جعل عمره كلها في أشهر الحجّ

(9)

لإِبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع الاعتمار فيها كما

(1)

انظر: المغني (5/ 17 - 19) والمجموع (7/ 137 - 141).

(2)

في سننه (3/ 276 - 277).

(3)

في عارضة الأحوذي (4/ 164).

(4)

انظر: زاد المعاد (2/ 91).

(5)

في المخطوط (ب): (أبواب).

(6)

في المخطوط (ب): (رمضان).

(7)

البحر الزخار (2/ 386) تكره العمرة عند الهادوية لغير المتمتع في أشهر الحج.

(8)

في المخطوط (أ): (شغل).

(9)

انظر: زاد المعاد (2/ 86 - 87).

ص: 94

عرفت، فما الذي سوّغ مخالفة هذه الأدلة الصحيحة والبراهين الصريحة، وألجأ إلى مخالفة الشارع وموافقة ما كانت عليه الجاهلية ومجرد كونها تشغل عن أعمال الحجّ لا يصلح مانعًا ولا يحسن نصبه في مقابلة الأدلة الصحيحة، وكيف يجعل مانعًا وقد اشتغل بها المصطفى في أيام الحجّ وأمر غيره بالاشتغال بها فيها، ثم أيّ شغل لمن لم يرد الحجّ أو أراده وقدم مكة من أوّل شوّال، لا جرم من لم يشتغل بعلم السنّة المطهرة حقّ الاشتغال يقع في مثل هذه المضايق التي هي السّم القتَّال [والداء]

(1)

العُضال.

وحكي في البحر

(2)

عن الهادي أنها تكره في أيام التشريق. قال أبو يوسف: ويوم النحر، قال أبو حنيفة

(3)

: ويوم عرفة.

[الباب الخامس] باب ما يصنع من أراد الإِحرام من الغسل والتطيب ونزع المخيط وغيره

18/ 1828 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَ الحَدِيثَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ النُّفَسَاءِ وَالحائِضَ تَغْتَسِلُ وَتَحْرِمُ وَتَقْضِي المَناسِكَ كُلَّها غَيْرَ أنْ لا تَطُوفَ بالبَيْتِ". رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(4)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

. [صحيح]

19/ 1829 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قالَتْ: كُنْتُ أُطَيّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ إحْرامِهِ بأطْيَبِ ما أجِدُ

(6)

. [صحيح]

وفي رِوَايَةِ

(7)

: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أرَادَ أنْ يُحْرِمَ تَطَيَّبَ بأطْيِبِ ما يَجِدُ ثُمَّ أرى وَبِيص الدُّهْنِ في رَأسِهِ وَلحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلكَ. أخْرَجاهُمَا). [صحيح]

(1)

في المخطوط (ب): (أو الداء).

(2)

البحر الزخار (2/ 386).

(3)

بدائع الصنائع (2/ 227).

(4)

في سننه رقم (1744).

(5)

في سننه رقم (945 م) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وهو حديث صحيح.

(6)

البخاري في صحيحه رقم (1539)، ومسلم رقم (1189/ 37).

(7)

البخاري في صحيحه رقم (1538) ومسلم رقم (40/ 1190).

ص: 95

حديث ابن عباس في إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحراني، كنيته: أبو عون. قال المنذري

(1)

: وقد ضعفه غير واحد.

وقال في التقريب

(2)

: صدوقٌ سيئٌ الحِفظ خَلَطَ بأَخَرة ورُمِيَ بالإِرجاء.

وقد استدلّ المصنف بهذا الحديث على أنه يشرع للمحرم الاغتسال عند ابتداء الإِحرام وهو محتمل لإِمكان أن يكون الغسل لأجل قذر الحيض.

ولكن في الباب أحاديث تدلّ على مشروعية الغسل للإِحرام، وقد تقدمت في [أبواب]

(3)

الغسل

(4)

فليرجع إليها.

قوله: (عند إحرامه) أي في وقت إحرامه.

وللنسائي

(5)

: حين أراد أن يحرم. وفي البخاري

(6)

: لإِحرامه ولحله.

قوله: (وبيص) بالموحدة المكسورة وبعدها تحتية ساكنة وآخره صاد مهملة وهو البريق.

وقال الإِسماعيلي

(7)

: إن الوبيص: زيادة على البريق، وأن المراد به التلألؤ، وأنه يدلّ على وجود عين قائمة لا الريح [فقط]

(8)

.

واستدلّ بالحديث على استحباب التطيب عند إرادة الإِحرام ولو بقيت رائحته عند الإِحرام، وعلى أنه لا يضر بقاء رائحته ولونه، وإنما المحرّم ابتداؤه بعد الإِحرام.

قال في الفتح

(9)

: وهو قول الجمهور.

(1)

في مختصر السنن (3/ 286).

(2)

في "التقريب" رقم الترجمة (1718).

(3)

في المخطوط (ب): (باب).

(4)

في الجزء الأول، الباب الرابع: عند الحديث رقم (12/ 320 - 16/ 324) من كتابنا هذا.

(5)

في سننه رقم (2700) وهو حديث صحيح.

(6)

في صحيحه رقم (1539).

(7)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 398).

(8)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(9)

في "الفتح"(3/ 398).

ص: 96

وذهب ابن عمر

(1)

ومالك

(2)

، ومحمد بن الحسن

(3)

والزهري

(4)

وبعض أصحاب الشافعي

(5)

، ومن أهل البيت الهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله وأبو طالب

(6)

إلى أنه لا يجوز التطيب عند الإِحرام.

واختلفوا هل هو محرم أو مكروه؟ وهل تلزمه الفدية أو لا؟.

واستدلوا على عدم الجواز بأدلة منها ما وقع عند البخاري

(7)

وغيره

(8)

بلفظ: "ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرمًا".

والطواف: الجماع ومن لازمه الغسل بعده، فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بعد أن تطيب.

وأجيب عن هذا بما في البخاري

(9)

أيضًا بلفظ: "ثم أصبح محرمًا ينضح طيبًا".

وهو ظاهر في أن نضح الطيب وظهور رائحته كان في حال إحرامه.

ودعوى بعضهم أن فيه تقديمًا وتأخيرًا، والتقدير: طاف على نسائه ينضح

(1)

أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" ط: (دار التاج، الدار السنية)(13511) عن ابن عمر قال: لأن أصبح يعني مطليًا بقطران أحب إليَّ من أن أصبح محرمًا أنضح طيبًا.

وهو أثر صحيح.

(2)

عيون المجالس (2/ 791) والبناية في شرح الهداية (4/ 41).

(3)

حكاه عنه القاضي عبد الوهاب في عيون المجالس (2/ 791) والعيني في "البناية"(4/ 41).

(4)

حكاه عنه النووي في "المجموع"(7/ 233) والعيني في "البناية"(4/ 41).

(5)

قال النووي في "المجموع"(7/ 232 - 233): "فرع: في مذاهب العلماء في الطيب عند إرادة الإحرام: قد ذكرنا أن مذهبنا - أي الشافعية - استحبابه، وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف والمحدثين والفقهاء، منهم: سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن الزبير، ومعاوية، وعائشة، وأم حبيبة، وأبو حنيفة، والثوري، وأبو يوسف، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، وداود وغيرهم.

وقال عطاء، والزهري، ومالك، ومحمد بن الحسن: يكره.

قال القاضي عياض: حكي أيضًا عن جماعة من الصحابة والتابعين .. ". اهـ.

(6)

الروض النضير (3/ 259) والبحر الزخار (2/ 306).

(7)

في صحيحه رقم (270).

(8)

كمسلم في صحيحه رقم (47/ 1192) والنسائي رقم (417)، وهو حديث صحيح.

(9)

في صحيحه رقم (267).

ص: 97

طيبًا ثم أصبح محرمًا خلاف الظاهر، ويرده قول عائشة (1) المذكور:"ثم أرى وبيص الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك". [وفي رواية لها

(1)

: "ثم أراه في رأسه ولحيته بعد ذلك".

وفي رواية للنسائي

(2)

وابن حبان

(3)

: "رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاث وهو محرم"

(4)

]، [وفي رواية متفق

(5)

عليها: "كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أيام"

(6)

]، ولمسلم

(7)

: "وبيص المسك".

وسيأتي ذلك في باب منع المحرم من ابتداء الطيب

(8)

.

ومن أدلتهم نهيه صلى الله عليه وسلم عن الثوب الذي مسه الورس والزعفران كما سيأتي في أبواب ما يتجنبه المحرم

(9)

.

وأجيب بأن تحريم الطيب على من قد صار محرمًا مجمع عليه، والنزاع إنما هو في التطيب عند إرادة الإِحرام واستمرار أثره لا ابتدائه.

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم للأعرابي بنزع المقطعة وغسلها عن الخلوق وهو متفق عليه

(10)

.

ويجاب عنه بمثل الجواب عن الذي قبله، ولا يخفى أن غاية هذين الحديثين تحريم لبس ما مسه الطيب.

(1)

عند مسلم في صحيحه رقم (44/ 1190).

(2)

في المجتبى (5/ 141) والسنن الكبرى (4/ 35 رقم 3669).

(3)

في "صحيحه" رقم (3767)، وهو حديث صحيح.

(4)

ما بين الخاصرتين في هذه الفقرة (4) متأخر عن الفقرة التالية (6) في المخطوط (ب)، والمثبت من المخطوط (أ).

(5)

البخاري رقم (271) ومسلم رقم (39/ 1190).

(6)

ما بين الخاصرتين في هذه الفقرة (6) مقدم عن الفقرة (4) في المخطوط (ب) والمثبت من المخطوط (أ).

(7)

في صحيحه رقم (45/ 1190).

(8)

الباب الخامس عند الحديث رقم (12/ 1890 - 15/ 1893)، من كتابنا هذا.

(9)

الباب الأول: عند الحديث رقم (1/ 1879) من كتابنا هذا.

(10)

البخاري في صحيحه رقم (1536، 4329) ومسلم رقم (6 - 10/ 1180).

ص: 98

ومحل النزاع تطييب البدن، ولكنه سيأتي في باب

(1)

ما يصنع من أحرم في قميص أمره صلى الله عليه وسلم لمن سأله بأنه يغسل الخلوق عن بدنه وسيأتي الجواب عنه.

وقد أجاب عن حديث الباب المهلب، وأبو الحسن بن القصار، وأبو الفرج من المالكية، بأن ذلك من خصائصه

(2)

.

ويردّه ما أخرجه أبو داود

(3)

وابن أبي شيبة

(4)

عن عائشة قالت: "كنا ننضح وجوهنا بالمسك الطيب قبل أن نحرم ثم نحرم فنعرق وشميل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا".

وهو صريح في بقاء عين الطيب وفي عدم اختصاصه بالنبيّ صلى الله عليه وسلم.

وسيأتي الحديث في باب منع المحرم من ابتداء الطيب

(5)

.

قال في الفتح

(6)

: ولا يقال: إن ذلك خاصّ بالنساء لأنهم أجمعوا على أن النساء والرجال سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين.

وقال بعضهم: كان ذلك طيبًا لا رائحة له لما وقع في رواية عن عائشة: "بطيب لا يشبه طيبكم"، قال بعض رواته: يعني لا بقاء له، أخرجه النسائي

(7)

.

ويرده ما تقدم في الذي قبله، وأيضًا المراد بقولها:"لا يشبه طيبكم"، أي أطيب منه كما يدلّ على ذلك ما عند مسلم

(8)

عنها بلفظ: "بطيب فيه مسك".

وفي أخرى عنها له

(9)

: "كأني أنظر إلى وبيص المسك".

وأوضح من ذلك قولها في حديث الباب

(10)

: "بأطيب ما نجد".

(1)

الباب الثاني عند الحديث رقم (7/ 1885) من كتابنا هذا.

(2)

حكاه عنهم الحافظ في "الفتح"(3/ 399).

(3)

في سننه رقم (1830) وهو حديث صحيح.

(4)

لم أقف عليه عنده في المصنف.

(5)

الباب الخامس عند الحديث (12/ 1890 - 15/ 1893) من كتابنا هذا.

(6)

(3/ 399).

(7)

في "المجتبى"(5/ 137) وفي السنن الكبرى (4/ 31 رقم 3654)، وهو حديث صحيح.

(8)

في صحيحه رقم (46/ 1191).

(9)

في صحيح مسلم رقم (45/ 1190).

(10)

برقم (1829) من كتابنا هذا.

ص: 99

ولهم جوابات أخر غير ناهضة فتركها أولى.

والحق أن المُحَرَّمَ من الطيب على المُحْرِمِ هو ما تطيب به ابتداء بعد إحرامه لا ما فعله عند إرادة الإِحرام وبقي أثره لونًا وريحًا

(1)

.

ولا يصح أن يقال: لا يجوز استدامة الطيب قياسًا على عدم جواز استدامة اللباس، لأن استدامة اللبس ليس بخلاف استدامة الطيب، فليست بطيب سلمنا استواءهما، فهذا قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار.

20/ 1830 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ في حَدِيثٍ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "وَليُحْرِم أحَدُكُمْ في إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ، فإنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُما أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

. [صحيح]

هذا الحديث ذكره صاحب المهذب

(3)

عن ابن عمر. قال الحافظ

(4)

: كأنه أخذه من كلام ابن المنذر فإنه ذكره كذلك بغير إسناد، وقد بيض له المنذري والنووي في الكلام على المهذب

(5)

.

ووهم من عزاه إلى الترمذي، وقد عزاه المصنف إلى أحمد (2).

قال في مجمع الزوائد

(6)

: أخرجه الطبراني في الأوسط

(7)

وإسناده حسن.

وهو ببعض ألفاظه للجماعة كلهم كما سيأتي في باب: ما يتجنبه المحرم من اللباس

(8)

.

(1)

انظر: المجموع (7/ 232 - 233) وقد تقدم نقل كلامه، والمغني لابن قدامة (5/ 77 - 80).

(2)

في المسند (2/ 34).

قلت: وأخرجه ابن الجارود في المنتقى رقم (416) وابن خزيمة رقم (2601)، وهو حديث صحيح.

(3)

المهذب في فقه الإمام الشافعي، لأبي إسحاق الشيرازي (2/ 696).

(4)

في "التلخيص"(2/ 453).

(5)

قال النووي في المجموع شرح المهذب عن هذا الحديث (7/ 223): غريب ويغني عنه ما ثبت عن ابن عباس، قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه

الحديث. أخرجه البخاري رقم (1545).

(6)

(3/ 219).

(7)

في الأوسط رقم (5265).

(8)

الباب الأول عند الحديث رقم (1/ 1879) من كتابنا هذا.

ص: 100

وهو أيضًا متفق على بعض ما فيه من حديث ابن عباس

(1)

.

وفيه دليل على أنه يجوز للمحرم لبس الإِزار والرداء والنعلين.

وفي البخاري

(2)

من حديث ابن عباس قال: "انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجّل وادّهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه فلم ينه عن شيء، من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرات التي تردع على الجلد".

قوله: (وليقطعهما أسفل من الكعبين)، الكعبان:[هما]

(3)

العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، وهذا هو المعروف عند أهل اللغة

(4)

.

واستدل به على اشتراط القطع خلافًا للمشهور عن أحمد

(5)

فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع.

واستدلّ على ذلك بحديث ابن عباس الآتي

(6)

في باب ما يتجنبه المحرم من اللباس بلفظ: "ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين".

ويجاب عنه بأن حمل المطلق على المقيد لازم وهو من جملة القائلين به.

وأجاب الحنابلة بجوابات أخر، لعله يأتي ذكر بعضها عند ذكر حديث ابن عباس.

21/ 1831 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: "بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ على رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فيها ما أهَلَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلَّا مِنْ عِنْدِ المَسْجدِ، يَعْنِي مَسْجدَ ذِي الحُلَيْفَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(7)

. [صحيح]

وفي لَفْظٍ: ما أهَلَّ إلَّا مِنْ عنْدِ الشَّجَرَةِ حَينَ قامَ بِه بَعيرُهُ. أخْرَجاهُ

(8)

. [صحيح]

(1)

أخرجه البخاري رقم (1525) ومسلم رقم (4/ 1178).

(2)

رقم (1525).

(3)

سقط من المخطوط (ب).

(4)

القاموس المحيط ص 168.

(5)

المغني (5/ 120 - 121).

(6)

برقم (1882) من كتابنا هذا.

(7)

أحمد في المسند (2/ 28) والبخاري رقم (1541) ومسلم رقم (23/ 1186) قلت: وأخرجه النسائي (5/ 162) وأبو داود رقم (1771) والبغوي في شرح السنة (7/ 55) والبيهقي (5/ 38).

(8)

البخاري رقم (1533) ومسلم رقم (24/ 1186).

ص: 101

وَللبُخارِيّ

(1)

: "أن ابْنَ عُمَرَ كانَ إذَا أرَادَ الخُرُوجَ إلى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْس لَهُ رَائحَةٌ طَيْبَةٌ، ثُمَّ يأتي مَسْجِدَ ذِي الحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْكَبُ، فإذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قائمَةً أحْرَمَ، ثُمَّ قالَ: هَكَذَا رأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يفْعَلُ). [صحيح]

22/ 1832 - (وَعَنْ أنَسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا عَلا على جَبَلِ البَيْدَاءِ أهَلَّ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(2)

. [صحيح]

23/ 1833 - (وَعَنْ جابِرٍ أن إهْلالَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. رَوَاهُ البُخارِيُّ

(3)

. [صحيح]

وَقالَ: رَوَاهُ أنَسٌ

(4)

. [صحيح]

وَابْنُ عَبَّاسٍ)

(5)

. [صحيح]

24/ 1834 - (وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: عَجَبًا لاخْتِلَافِ أصْحابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في إهْلالِهِ، فَقالَ: إني لأعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، إنَّمَا كانَتْ مِنْهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَمِنْ هُنالِكَ اخْتَلَفُوا، خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى في مَسْجِدِهِ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أوْجَبَ في مَجْلِسِهِ، فأهَلَّ بالحَجّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أهَلَّ فأدْرَكَ ذَلكَ مِنْهُ أقْوَامٌ فَحَفِظوا عَنْهُ، وَذلكَ أن النَّاسَ إنَّما كانُوا يأتُون أرْسالًا فَسَمِعُوا حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ ناقَتُهُ يُهِلُّ، فَقالُوا: إنَّمَا أهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ ناقَتُهُ، ثُمَّ مَضَى؛ فَلَمَّا عَلا على شَرَفِ البَيْدَاءِ أهَلَّ، فأدْرَكَ ذَاكَ أقْوَامُ، فَقالُوا:

(1)

في صحيحه رقم (1554).

(2)

في سننه رقم (1774).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (3/ 207) والنسائي (5/ 127، 162)، وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (1515).

(4)

وهو حديث صحيح، أخرجه البخاري رقم (1546) وأبو داود رقم (1773) والبيهقي (5/ 38).

(5)

وهو حديث صحيح، أخرجه البخاري رقم (1545).

ص: 102

إِنَّمَا أهَل رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ عَلا على شَرَفِ البَيْدَاءِ، وَأَيْمُ الله لَقَدْ أوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ وَأهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَأهَلَّ حِينَ عَلا شَرَفَ البَيْداءِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَأبُو دَاوُدَ

(2)

، وَلبَقِيَّةِ الخَمْسَةِ

(3)

مِنْهُ مُخْتَصَرًا: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أهَلَّ في دُبُرِ الصَّلاةِ). [ضعيف]

حديث أنس

(4)

[المذكور]

(5)

الذي عزاه المصنف إلى أبي داود أخرجه أيضًا النسائي

(6)

.

وسكت عنه أبو داود

(7)

والمنذري

(8)

.

ورجال إسناده رجال الصحيح إلا أشعث بن عبد الملك الحمراني

(9)

وهو ثقة.

وحديث ابن عباس الذي رواه عنه سعيد بن جبير في إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحراني

(10)

وهو ضعيف، ومحمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث.

وقد أخرجه الحاكم

(11)

من هذا الوجه، وأخرجه الحاكم

(12)

من وجه آخر عن عطاء عن ابن عباس.

(1)

في المسند (1/ 260).

(2)

في سننه رقم (1770).

(3)

الترمذي في سننه رقم (819) وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه رقم (2926) والنسائي في المجتبى (5/ 162) وفي السنن الكبرى (4/ 55 رقم 3720)، وهو حديث ضعيف.

(4)

تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (2).

(5)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(6)

في سننه (5/ 127، 162) وقد تقدم.

(7)

في السنن (2/ 373).

(8)

في مختصر السنن (2/ 298).

(9)

قال الحافظ في "التقريب" رقم الترجمة (531): أشعث بن عبد الملك الحُمرانيُّ بصري يكنى أبا هانئ: ثقة فقيه، من السادسة.

(10)

انظر ترجمته في: المجروحين (1/ 287) والجرح والتعديل (3/ 403 - 404)، والميزان (1/ 654) والتقريب رقم (1718) والخلاصة ص 108.

وقال عنه الحافظ: صدوق سيء الحفظ، خلط بأخرة ورمي بالإرجاء.

(11)

في المستدرك (1/ 451) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(12)

في المستدرك (1/ 447) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

ص: 103

وأخرج

(1)

أيضًا ما أخرجه الخمسة

(2)

من حديثه مختصرًا.

قوله: (بيداؤكم)، البيداء هذه فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي، قاله أبو عبيد البكري وغيره.

وكان ابن عمر إذا قيل له الإِحرام من البيداء أنكر ذلك وقال: البيداء التي تكذبون فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني بقولكم إنه أهل منها، وإنما أهلّ من مسجد ذي الحليفة.

وهو يشير إلى قول ابن عباس عند البخاري

(3)

أنه صلى الله عليه وسلم ركب راحلته حتى استوت على البيداء أهلّ.

وإلى حديث أنس

(4)

المذكور في الباب والتكذيب المذكور المراد به الإِخبار عن الشيء على خلاف الواقع وإن لم يقع على وجه العمد.

قوله: (ادهن بدهن ليس له رائحة طيبة)، فيه جواز الادّهان بالأدهان التي ليست لها رائحة طيبة.

وقد ثبت من حديث ابن عباس عند البخاري

(5)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ادهن ولم ينه عن الدهن".

قال ابن المنذر

(6)

: أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والشيرج، وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه ورأسه ولحيته.

وأجمعوا على أن الطيب

(7)

لا يجوز استعماله في بدنه، وفرقوا بين الطيب

(1)

أي الحاكم في المستدرك (1/ 451) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(2)

هنا في المخطوط (ب) زيادة (وقد أخرج الحاكم) لا حاجة لها كما يظهر من السياق.

(3)

في صحيحه رقم (1545).

(4)

برقم (1832) من كتابنا هذا.

(5)

في صحيحه رقم (1545).

(6)

في الإجماع (ص 61 رقم 164): "وأجمعوا على أن للمحرم أن يأكل الزيت، والسمن والشحم".

ورقم (165): "وأجمعوا على أن للمحرم أن يدهن بالزيت بدنه ما خلا رأسه".

(7)

قال ابن المنذر في "الإجماع"(ص 55 رقم 142): "وأجمعوا على أن المحرم ممنوع من الجماع، وقتل الصيد، والطيب، وبعض اللباس، وأخذ الشعر، وتقليم الأظفار".

ص: 104

والزيت في هذا، فقياس كون المحرم ممنوعًا من استعماله الطيب في رأسه أن يباح له استعمال الزيت في رأسه، وقد تقدم الكلام في الطيب.

قوله: (على حبل البيداء) بالحاء المهملة: هو الرمل المستطيل

(1)

، وهو المراد بقوله في الرواية الأخرى

(2)

: "على شرف البيداء". والشرف: المكان العالي.

قوله: (فمن هناك اختلفوا .. ) إلخ، هذا الحديث يزول به الإِشكال.

ويجمع بين الروايات المختلفة بما فيه، فيكون شروعه صلى الله عليه وسلم في الإِهلال بعد الفراغ من صلاته بمسجد ذي الحليفة في مجلسه قبل أن يركب، فنقل عنه من سمعه يهلّ هنالك أنه أهلّ بذلك المكان.

ثم أهلّ لما استقلت به راحلته، فظنّ من سمع إهلاله عند ذلك أنه شرع فيه في ذلك الوقت لأنه لم يسمع إهلاله بالمسجد فقال: إنما أهلّ حين استقلت به راحلته.

ثم روى كذلك من سمعه يهلّ على شرف البيداء.

وهذا يدلّ على أن الأفضل لمن كان ميقاته ذا الحليفة أن يهلّ في مسجدها بعد فراغه من الصلاة.

ويكرر الإِهلال عند أن يركب على راحلته، وعند أن يمرّ بشرف البيداء.

قال في الفتح

(3)

: وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك، وإنما الخلاف في الأفضل.

[الباب السادس] باب الاشتراط في الإِحرام

25/ 1835 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن ضُباعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ قالَتْ: يا رَسُولَ الله إني امْرأةٌ ثَقِيلَةٌ، وإني أُرِيدُ الحَجَّ فَكَيْفَ تأمُرُنِي أُهِلُّ؟ فَقالَ: "أهِلِّي واشْتَرِطي أن

(1)

النهاية (1/ 333).

(2)

(4/ 401).

(3)

تقدم برقم (1834) من كتابنا هذا.

ص: 105

مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَني"، قالَ: فأدْرَكَتْ. رَوَاهُ الجَماعَةُ إِلَّا البُخارِيَّ

(1)

. [صحيح]

وَللنَّسائيّ في رِوَايَةٍ

(2)

: "وَقالَ: فإنَّ لَكِ على رَبِّكِ ما اسْتَثْنَيْتِ"). [إسناده حسن]

26/ 1836 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم على ضُباعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقالَ لَهَا: "لَعَلّكِ أرَدْتِ الحَجَّ؟ "، قالَتْ: وَالله ما أجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً، فَقالَ لَهَا:"حُجِّي وَاشْتَرِطي وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي"، وَكانَتْ تَحْتَ المِقْدَادِ بْنِ الأسْوَدِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

27/ 1837 - (وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ضُباعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ قالَتْ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أحْرِمِي وَقُولي: إنَّ محلِّي حَيْثُ تَحْبِسُني، فإنْ حُبِسْتِ أوْ مَرِضْتِ فَقَدْ حَلَلْتِ مِنْ ذلكَ بِشَرْطِكِ عَلى رَبِّكِ عز وجل". رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

. [صحيح]

حديث عكرمة أخرجه أيضًا ابن خزيمة

(5)

.

وفي الباب عن أنس عند البيهقي

(6)

.

وعن جابر عنده

(7)

.

وعن ابن مسعود وأمّ سليم عنده

(8)

أيضًا.

وعن أمّ سلمة عند أحمد

(9)

والطبراني في الكبير

(10)

وفي إسناده ابن إسحاق ولكنه صرّح بالتحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(1)

أحمد في المسند (1/ 337) ومسلم رقم (106/ 1208) وأبو داود رقم (1776) والترمذي رقم (941) والنسائي رقم (2765) وابن ماجه رقم (2938)، وهو حديث صحيح.

(2)

في المجتبى رقم (2766) وفي السنن الكبرى (4/ 61 رقم 3734) بسند حسن.

(3)

أحمد في المسند (6/ 202) والبخاري رقم (5089) ومسلم رقم (104/ 1207) وابن خزيمة رقم (2602) والبيهقي (5/ 221).

(4)

في المسند (6/ 419 - 420)، وهو حديث صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (2602) من حديث هشام عن أبيه عن عائشة.

(6)

في السنن الكبرى (5/ 222).

(7)

أي عند البيهقي في السنن الكبرى (5/ 222).

(8)

أي عند البيهقي في السنن الكبرى (5/ 223).

(9)

في المسند (6/ 303).

(10)

(ج 23 رقم 893). =

ص: 106

وعن ابن عمر عند الطبراني في الكبير

(1)

، وفيه عليّ بن عاصم وهو ضعيف

(2)

.

قال العقيلي

(3)

: روى عن ابن عباس قصة ضباعة بأسانيد ثابتة جياد. انتهى.

وقد غلط الأصيلي غلطًا فاحشًا فقال: إنه لا يثبت في الاشتراط حديث، وكأنه ذهل عما في الصحيحين

(4)

.

وقال الشافعي

(5)

: لو ثبت حديث، عائشة في الاستثناء لم أعْدُه إلى غيره لأنه لا يحل عند خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال البيهقي

(6)

: فقد ثبت هذا الحديث من أوجه.

قوله: (ضباعة) بضم المعجمة بعدها موحدة.

قال الشافعي: كنيتها أمّ حكيم وهي بنت عمّ النبي صلى الله عليه وسلم أبوها الزبير بن عبد المطلب بن هاشم، ووهم الغزالي

(7)

فقال: الأسلمية. وتعقبه النووي

(8)

وقال: صوابه الهاشمية.

قوله: (محلي) بفتح الميم وكسر المهملة: أي مكان إحلالي.

وأحاديث الباب تدل على أن من اشترط هذا الاشتراط ثم عرض له ما

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 217) وقال: قد صرح ابن إسحاق بالسماع وبقية رجاله رجال الصحيح.

وهو حديث صحيح.

(1)

كما في "مجمع الزوائد"(3/ 218) حيث قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وفيه علي بن عاصم وهو متكلم فيه لسوء حفظه وتماديه على الخطأ واحتقاره العلماء.

(2)

علي بن عاصم، أبو الحسن، عني بالحديث وكتب منه ما لا يوصف كثرة.

قال البخاري: ليس بالقوي عندهم، وقال ابن معين: ليس بشيء (ت 201 هـ)، المجروحين (2/ 113) والجرح والتعديل (6/ 198) والميزان (3/ 135).

(3)

في "الضعفاء الكبير".

(4)

تقدم برقم (26/ 1836) من كتابنا هذا.

(5)

في الأم (3/ 397) وحكاه عنه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 221).

(6)

في السنن الكبرى (5/ 221).

(7)

في الوسيط (2/ 705).

(8)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 132) والمجموع (8/ 305).

ص: 107

يحبسه عن الحج جاز له التحلل، وأنه لا يجوز التحلل مع عدم الاشتراط، وبه قال جماعة من الصحابة منهم عليّ وابن مسعود وعمر وجماعة من التابعين، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور وهو المصحح للشافعي، كما قال النووي

(1)

.

وقال أبو حنيفة

(2)

ومالك

(3)

وبعض التابعين وإليه ذهب الهادي

(4)

: إنه لا يصح الاشتراط وهو مروي عن ابن عمر

(5)

.

قال البيهقي

(6)

: لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة لقال به ولم ينكر الاشتراط كما لم ينكره أبوه. انتهى.

وقد اعتذروا عن هذه الأحاديث بأنها قصة عين وأنها مخصوصة بضباعة وهو يتنزل على الخلاف المشهور في الأصول

(7)

في خطابه صلى الله عليه وسلم لواحد هل يكونو غيره فيه مثله [أم]

(8)

لا؟.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 131 - 132).

(2)

البناية في شرح الهداية (4/ 395).

(3)

قوانين الأحكام الشرعية، لابن جُزيّ (ص 160).

(4)

الروض النضير (3/ 294 - 295).

(5)

أخرج الدارقطني في سننه (2/ 234) من طريق معمر عن ابن شهاب الزهري عن سالم قال: كان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج ويقول: حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه لم يكن يشترط، فإن حبس أحدكم حابس فإذا وصل إلى البيت طاف به وبين الصفا والمروة ويحلق ويقصر وعليه الحج من قابل.

وهو أثر صحيح.

(6)

في معرفة السنن والآثار (7/ 449 - 500).

(7)

قال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 446) بتحقيقي:

"والحاصلُ في هذه المسألة على ما يقتضيه الحقُّ ويوجبه الإنصاف، عدم التناولِ لغير المخاطب من حيث الصيغة، بل الدليل الخارجيِّ، وقد ثبت عن الصحابة فمن بعدهم الاستدلالُ بأقضيته صلى الله عليه وسلم الخاصة بالواحد أو الجماعةِ المخصوصةِ على ثبوت مثلِ ذلك لسائر الأمةِ، فكان هذا مع الأدلة الدالةِ على عموم الرسالةِ وعلى استواءِ أقدامِ هذه الأمة في الأحكامِ الشرعيةِ مُفيدًا لإلحاق غيرِ ذلك المخاطب به في ذلك الحكمِ عند الإطلاق، إلى أن يقومَ الدليلُ الدالُّ على اختصاصه بذلك.

فعرفْتَ بهذا أن الراجح التعميمُ حتى يقومَ دليل التخصيص، لا كما قيل أن الراجحَ التخصيصُ حتى يقوم دليلُ التعميم لأنه قد قام كما ذكرناه". اهـ.

(8)

في المخطوط (ب): (أو).

ص: 108

وادّعى بعضهم أن الاشتراط منسوخ، روي ذلك عن ابن عباس لكن بإسناد فيه الحسن بن عمارة

(1)

وهو متروك. وادعى بعض: أنه لم يثبت، وقد تقدم الجواب عليه.

[الباب السابع] باب التخيير بين التمتع والإِفراد والقران وبيان أفضلها

28/ 1838 - (عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: "مَنْ أرَادَ مِنْكُمْ أنْ يُهِلَّ بِحَجّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، ومَنْ أرادَ انْ يُهِلَّ بحجٍ فليهلَّ، وَمَنْ أرَادَ أنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَهِلَّ"، قالَتْ: وأهَلَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بالحَجِّ وَأهَلَّ بِهِ ناسٌ مَعَهُ، وأهَلَّ مَعَهُ ناسٌ بالعُمْرَةِ وَالحَجّ، وَأهَلَّ ناسٌ بِعُمْرَةٍ، وكُنْتُ فِيمَنْ أهَلَّ بِعُمْرَة. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

. [صحيح]

29/ 1839 - (وَعَنْ عِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ قالَ: نَزَلَتْ آيَةُ المُتْعَةِ في كِتابِ الله تَعَالى فَفَعَلْنَاها مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَلمْ يَنْزِلْ قُرآنٌ يُحَرّمُهُ وَلمْ يَنْهَ عَنْهُ حتَّى ماتَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

ولأحْمَدَ

(4)

وَمسلِمٍ

(5)

: نَزَلَتْ آيَةُ المُتْعَةِ في كِتابِ الله تَعالى، يَعْنِي مُتْعَةَ الحَجّ، وأمَرَنا بِها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الحَجّ وَلمْ يَنْهَ عَنْها حتَّى ماتَ). [صحيح]

30/ 1840 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ شَقِيقٍ: أن عَليًّا كانَ يأمُرُ بالمُتْعَةِ وعُثْمان يَنْهَى عَنْها، فَقالَ عُثْمانُ كَلِمَةً، فَقالَ عَليٌّ: لَقَدْ عَلِمْتَ أنَا تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقالَ عُثْمانُ: أجَلْ، وَلَكِنَّا كُنَّا خائِفِينَ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

وَمُسْلِمٌ

(7)

. [صحيح]

(1)

قال أحمد: متروك. وقال أبو حاتم ومسلم والدارقطني وجماعة: متروك، الجرح والتعديل (3/ 27) المجروحين (1/ 229) الميزان (1/ 513) والخلاصة ص 79.

(2)

أحمد في المسند (6/ 191) والبخاري رقم (1638) ومسلم رقم (111/ 1211).

(3)

أحمد في المسند (4/ 436) والبخاري رقم (4518) ومسلم رقم (173/ 1226).

(4)

في المسند (4/ 436).

(5)

في صحيحه رقم (172/ 1226).

(6)

في المسند (1/ 61).

(7)

في صحيحه رقم (158/ 1223).

ص: 109

31/ 1841 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: أهَلَّ النَّبِيُّ بِعُمْرَةٍ وأهَلَّ أصْحابُهُ بالحَجّ، فَلَمْ يَحِلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلا مَنْ سَاقَ الهَدْيَ مِنْ أصْحابِهِ وَحَلَّ بَقِيَّتُهُمْ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِم

(2)

. [صحيح]

وفي رِوَايَةٍ قالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وعُثْمانُ كَذَلِكَ، وَأوَّلُ مَنْ نَهَى عَنْها مُعاوِيَةُ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(4)

. [إسناده ضعيف]

الرواية الأخرى حسنها الترمذي

(5)

.

قوله: (فقال من أراد منكم أن يهلّ .. ) إلخ، فيه الإِذن منه صلى الله عليه وسلم بالحجّ إفرادًا وقرانًا وتمتعًا.

والإِفراد: هو الإِهلال بالحجّ وحده والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحجّ لمن شاء، ولا خلاف في جوازه.

والقران: هو الإِهلال بالحجّ والعمرة معًا، وهو أيضًا متفق على جوازه أو الإِهلال بالعمرة، ثم يدخل عليها الحجّ أو عكسه وهذا مختلف فيه.

والتمتع هو الاعتمار في أشهر الحجّ ثم التحلل من تلك العمرة والإِهلال بالحجّ في تلك السنة، ويطلق التمتع في عرف السلف على القران.

قال ابن عبد البرّ

(6)

: ومن التمتع أيضًا القران، ومن التمتع أيضًا فسخ الحجّ إلى العمرة. انتهى.

وقد حكى النووي في شرح مسلم

(7)

الإِجماع على جواز الأنواع الثلاثة، وتأول ما ورد من النهي عن التمتع [عن]

(8)

بعض الصحابة.

قوله: (وأهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجّ)، احتج به من قال: كان حجه صلى الله عليه وسلم مفردًا.

(1)

في المسند (1/ 240).

(2)

في صحيحه رقم (196/ 1239).

(3)

في المسند (1/ 292) بسند ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم.

(4)

في سننه رقم (822) وقال: حديث ابن عباس حديث حسن.

(5)

في سننه عقب الحديث (822).

(6)

في "التمهيد"(8/ 166).

(7)

(8/ 134).

(8)

في المخطوط (ب): (من).

ص: 110

وأجيب بأنه لا يلزم من إهلاله بالحج أن لا يكون أدخل عليه العمرة.

واعلم أنه قد اختلف في حجه صلى الله عليه وسلم هل كان قرانًا أو تمتعًا أو إفرادًا، وقد ختلفت الأحاديث في ذلك؛ فروي أنه حج قرانًا من جهة جماعة من الصحابة:

(منهم) ابن عمر عند الشيخين

(1)

.

وعنه عند مسلم

(2)

.

وعائشة عندهما

(3)

أيضًا.

وعنها عند أبي داود

(4)

.

وعنها عند مالك في الموطأ

(5)

.

وجابر عند الترمذي

(6)

.

وابن عباس عند أبي داود

(7)

.

وعمر بن الخطاب عند البخاري وسيأتي

(8)

.

والبراء بن عازب عند أبي داود وسيأتي

(9)

.

وعليّ عند النسائي

(10)

.

وعنه عند الشيخين

(11)

وسيأتي.

وعمران بن حصين عند مسلم

(12)

.

(1)

البخاري رقم (1640) ومسلم رقم (181/ 1230).

(2)

في صحيحه رقم (180/ 1230).

(3)

البخاري رقم (1638) ومسلم رقم (181/ 1230).

(4)

في سننه رقم (1781) وهو حديث صحيح.

(5)

(1/ 335 رقم 36)، وهو حديث صحيح.

(6)

في سننه رقم (824) وقال: هذا حديث حسن وهو كما قال.

(7)

في سننه رقم (1800) وهو حديث صحيح.

(8)

برقم (1849) من كتابنا هذا.

(9)

برقم (1853) من كتابنا هذا.

(10)

في سننه رقم (2723) وهو حديث صحيح.

(11)

البخاري رقم (1569) ومسلم رقم (159/ 1223).

(12)

في صحيحه رقم (168/ 1226).

ص: 111

وأبو قتادة عند الدارقطني

(1)

.

قال ابن القيم

(2)

: وله طرق صحيحة.

وسراقة بن مالك عند أحمد وسيأتي

(3)

، ورجال إسناده ثقات.

وأبو طلحة الأنصاري عند أحمد

(4)

وابن ماجه

(5)

، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة.

والهرماس بن زياد الباهلي عند أحمد

(6)

أيضًا.

وابن أبي أوفى عند البزار

(7)

بإسناد صحيح.

وأبو سعيد عند البزار

(8)

.

وجابر بن عبد الله عند أحمد

(9)

وفيه الحجاج بن أرطاة.

وأمّ سلمة عنده

(10)

أيضًا.

وحفصة عند الشيخين

(11)

.

(1)

في سننه (2/ 288 رقم 224).

(2)

في زاد المعاد (2/ 124).

(3)

برقم (1852) من كتابنا هذا.

(4)

في المسند (4/ 28).

(5)

في سننه رقم (2971).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 21): "هذا إسناد ضعيف لضعف حجاج بن أرطاة وتدليسه". اهـ.

وهو حديث صحيح لغيره.

(6)

في زوائد المسند (3/ 485) وهو حديث حسن دون قوله: "لبيك بحجة وعمرة معًا"، فإنها زيادة منكرة، أشار إلى نكارتها الحافظ في "أطراف المسند (5/ 429).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 235) وقال: رواه عبد الله في زياداته ص 235 والطبراني في "الكبير"(ج 22 رقم 534) و"الأوسط" رقم (4323) ط مكتبة المعارف، ورجاله ثقات.

(7)

كما في "مجمع الزوائد"(3/ 236) حيث قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير، والأوسط وفيه: يزيد بن عطاء وثقه أحمد وغيره وفيه كلام".

(8)

لم أقف عليه.

(9)

في المسند (3/ 325) بسند صحيح.

(10)

أي أحمد في المسند (6/ 297) بسند صحيح.

قلت: وأخرجه الحارث في مسنده رقم (364، 365 - البغية) والطبراني في المعجم الكبير (ج 23 رقم 792) والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 355) من طرق.

(11)

البخاري رقم (1567) ومسلم رقم (176/ 229).

ص: 112

وسعد بن أبي وقاص عند النسائي

(1)

والترمذي

(2)

وصححه.

وأنس عند الشيخين وسيأتي

(3)

.

وأما حجه تمتعًا فروي عن عائشة

(4)

وابن عمر

(5)

عند الشيخين وسيأتي.

وعليّ وعثمان عند مسلم وأحمد كما في الباب

(6)

.

وابن عباس عند أحمد والترمذي كما في الباب

(7)

أيضًا.

وسعد بن أبي وقاص كما سيأتي

(8)

.

وأما حجه إفرادًا فروي عن عائشة كما في حديث الباب

(9)

. وعنها عند البخاري

(10)

كما سيأتي.

وعن ابن عمر عند أحمد ومسلم كما سيأتي

(11)

أيضًا.

وابن عباس عند مسلم

(12)

.

وجابر عند ابن ماجه

(13)

، وعنه عند مسلم

(14)

.

وقد اختلفت الأنظار واضطربت الأقوال لاختلاف هذه الأحاديث.

فمن أهل العلم من جمع بين الروايات كالخطابي

(15)

فقال: إن كلًّا أضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر به اتساعًا، ثم رجع أنه أفرد الحجّ.

(1)

في سننه رقم (2734).

(2)

في سننه رقم (823) وإسناده ضعيف.

(3)

برقم (1848) من كتابنا هذا.

(4)

أخرجه البخاري رقم (1691) ومسلم رقم (174/ 1227).

(5)

أخرجه البخاري رقم (1692) ومسلم رقم (175/ 1228).

(6)

تقدم برقم (1840) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم برقم (1841) من كتابنا هذا.

(8)

تقدم برقم (1843) من كتابنا هذا.

(9)

تقدم برقم (1838) من كتابنا هذا.

(10)

في صحيحه رقم (1786).

(11)

برقم (1846) من كتابنا هذا.

(12)

في صحيحه رقم (199/ 1240).

(13)

في سننه رقم (2966).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 20): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات". اهـ.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(14)

في صحيحه رقم (136/ 1213).

(15)

في معالم السنن (2/ 377 - 379 - مع السنن).

ص: 113

وكذا قال عياض

(1)

وزاد فقال: وأما إحرامه فقد تظافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردًا.

وأما روايات من روى التمتع فمعناه أنه أمر به لأنه صرّح بقوله: "ولولا أن معي الهدي لأحللت"، فصح أنه لم يتحلل.

وأما رواية من روى القران فهو إخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة على الحجّ لما جاء إلى الوادي

(2)

.

وقيل [له]

(3)

: قُل عمرة في حجة.

قال الحافظ

(4)

: وهذا الجمع هو المعتمد، وقد سبق إليه قديمًا ابن المنذر

(5)

، وبيّنه ابن حزم

(6)

في حجة الوداع بيانًا شافيًا.

ومهده المحب الطبري (5) تمهيدًا بالغًا يطول ذكره.

ومحصله أن كل من روى عنه الإِفراد حمل على ما أهلّ به في أول الحال، وكل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به أصحابه، وكل من روى عنه القران أراد ما استقر عليه الأمر.

وجمع شيخ الإِسلام ابن تيمية

(7)

جمعًا حسنًا فقال ما حاصله: إن التمتع عند الصحابة يتناول القران فتحتمل عليه رواية من روى أنه حجّ تمتعًا، وكل من روى الإِفراد [قد]

(8)

روى أنه حجّ صلى الله عليه وسلم تمتعًا وقرانًا، فيتعين الحمل على القران وأنه أفراد أعمال الحجّ ثم فرغ منها وأتى بالعمرة.

ومن أهل العلم من صار إلى التعارض فرجح نوعًا وأجاب عن الأحاديث

(1)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 333).

(2)

وقد ذكر ابن القيم في "زاد المعاد"(2/ 126 - 128) وجوه الترجيح لرواية من روى القران، فانظر إن رغبت فهي مفيدة.

(3)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(4)

في "الفتح"(3/ 429).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 429).

(6)

في المحلى (7/ 99 - 117 مسألة 833).

(7)

في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (26/ 83).

(8)

في المخطوط (ب): (فقد).

ص: 114

القاضية بما يخالفه، وهي جوابات طويلة أكثرها متعسفة، وأورد كل منهم لما اختاره مرجحات أقواها وأولاها مرجحات القران فإنه لا يقاومها شيء من مرجحات غيره.

(منها) أن أحاديثه مشتملة على زيادة على من روى الإِفراد وغيره، والزيادة مقبولة إذا خرجت من مخرج صحيح، فكيف إذا ثبتت من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة.

(ومنها) أن من روى الإِفراد والتمتع اختلف عليه في ذلك لأنهم جميعًا روي عنهم أنه صلى الله عليه وسلم حجّ قرانًا.

(ومنها) أن روايات القران لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الإِفراد والتمتع فإنها تحتمله كما تقدم.

(ومنها) أن رواة القران أكثر كما تقدم.

(ومنها) أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظًا صريحًا، وفيهم من أخبر عن إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه فعل ذلك، وفيهم من أخبر عن أمر ربه له بذلك.

(ومنها) أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدي، فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدي، ثم يسوق هو الهدي ويخالفه.

وقد ذكر صاحب الهدي

(1)

مرجِّحات غير هذه، ولكنَّه مرجِّحات باعتبار أفضلية القران على التمتع والإِفراد، لا باعتبار أنه صلى الله عليه وسلم حجّ قرانًا، وهو بحث آخر قد اختلفت فيه المذاهب اختلافًا كثيرًا.

فذهب جمع من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة

(2)

وإسحاق ورجحه جماعة من الشافعية منهم النووي (3) والمزني (3) وابن المنذر

(3)

وأبو إسحاق المروزي وتقي الدين السبكي إلى أن القران أفضل.

(1)

في زاد المعاد (2/ 126 - 128).

(2)

البناية في شرح الهداية (4/ 188) والحجة على أهل المدينة (2/ 1).

(3)

قال النووي في "المجموع"(7/ 142): "فرع في مذاهبهم في الأفضل من هذه الأنواع الثلاثة:

قد ذكرنا أن الصحيح من مذهبنا - أي الشافعية - أن الإفراد أفضل. =

ص: 115

وذهب جمع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كمالك

(1)

وأحمد

(2)

والباقر والصادق والناصر وأحمد بن عيسى

(3)

، وإسماعيل بن جعفر الصادق وأخيه موسى والإِمامية

(4)

إلى أن التمتع أفضل.

وذهب جماعة من الصحابة وجماعة ممن بعدهم وجماعة من الشافعية وغيرهم، ومن أهل البيت الهادي والقاسم والإِمام يحيى

(5)

وغيرهم من متأخريهم إلى أن الإِفراد أفضل.

وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن الأنواع الثلاثة في الفضل سواء.

قال في الفتح

(6)

: وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة في صحيحه، وقال أبو يوسف: القران والتمتع في الفضل سواء، وهما أفضل من الإِفراد.

وعن أحمد

(7)

: من ساق الهدي فالقران أفضل له ليوافق فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر به أصحابه.

زاد بعض أتباعه: ومن أراد أن ينشئ لعمرته من بلد سفره فالإِفراد أفضل له.

= وبه قال عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، وجابر، وعائشة، ومالك، والأوزاعي، وأبو ثور، وداود.

وقال أبو حنيفة، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، والمزنى، وابن المنذر، وأبو إسحاق المروزي: القران أفضل.

وقال أحمد: التمتع أفضل.

وحكى أبو يوسف أن التمتع والقران أفضل من الإفراد.

وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن الأنواع الثلاثة سواء في الفضيلة لا أفضلية لبعضها على بعض

". اهـ.

(1)

المنتقى للباجي (2/ 213).

(2)

المغني (5/ 82) حيث قال ابن قدامة: "فاختار إمامنا التمتع، ثم الإفراد، ثم القِران، وممن روي عنه اختيار التمتع: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وعائشة، والحسن، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وجابر بن زيدٍ، وسالم، وعِكرمةُ، وهو أحد قولي الشا فعي

". اهـ.

(3)

الروض النضير (3/ 151).

(4)

البحر الزخار (2/ 381).

(5)

البحر الزخار (2/ 380).

(6)

(3/ 430).

(7)

المغني (5/ 83).

ص: 116

قال: وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة، ولكن المشهور عن أحمد

(1)

أن التمتع أفضل مطلقًا.

وقد احتج القائلون بأن القران أفضل بحجج: (منها) أن الله اختاره لنبيه.

(ومنها) أن قوله صلى الله عليه وسلم: "دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة"

(2)

، يقتضي أنها قد صارت جزءًا منه أو كالجزء الداخل فيه بحيث لا يفصل بينها وبينه ولا يكون ذلك إلا مع القران.

(ومنها) أن النسك الذي اشتمل على سَوق الهدي أفضل.

واستدلّ من قال: بأن التمتع أفضل بما اتفق عليه من حديث جابر وغيره أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة"

(3)

، قالوا: ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتمنى إلا الأفضل، واستمراره في القران إنما كان لاضطرار السَّوق إليه وهذا هو الحقّ، فإنه لا يظن أن نسكًا أفضل من نسك اختاره صلى الله عليه وسلم لأفضل الخلق وخير القرون.

وأما ما قيل من أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال كذلك تطييبًا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته ففاسد، لأن المقام مقام تشريع للعباد، وهو لا يجوز عليه صلى الله عليه وسلم أن يخبر بما يدل على أن ما فعلوه من التمتع أفضل مما استمرّ عليه من القران والأمر على خلاف ذلك، وهل هذا إلا تغرير يتعالى عنه مقام النبوة؟

وبالجملة لم يوجد في شيء من الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غير هذا الحديث، فالتمسك به متعين، ولا ينبغي أن يلتفت إلى غيره من المرجحات فإنها في مقابلته ضائعة.

واحتج من قال بأن الإِفراد أفضل أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أفردوا الحجّ وواظبوا على إفراده، فلو لم يكن أفضل لم يواظبوا عليه، وبأن الإِفراد لا يجب فيه دم.

(1)

في "المغني"(5/ 82).

(2)

سيأتي تخريجه برقم (1852) من كتابنا هذا.

(3)

أخرجه البخاري رقم (1568) ومسلم رقم (142/ 1216).

ص: 117

قال النووي

(1)

: بالإِجماع وذلك لكماله، ويجب الدم في التمتع والقران، وهو دم جبران لفوات الميقات وغيره فكان ما لا يحتاج إلى جبران أفضل.

(ومنها) أن الأمة أجمعت على جواز الإِفراد من غير كراهة؛ وكره

(2)

عمر وعثمان وغيرهما التمتع وبعضهم القران.

ويجاب عن هذا كله بأن الإِفراد لو كان أفضل لفعله النبيّ صلى الله عليه وسلم أو تمنى فعله بعد أن صار ممنوعًا بالسوق والكل ممنوع، والسند ما سلف من أنه صلى الله عليه وسلم حجّ قرانًا وأظهر أنه كان يودّ أن يكون حجه تمتعًا.

وهذان البحثان: أعني تعيين ما حجه صلى الله عليه وسلم من الأنواع، وبيان ما هو الأفضل منها من المضايق ومواطن البسط، وفيما حررناه مع كونه في غاية الإيجاز ما يغني اللبيب.

32/ 1842 - (وَعَنْ حَفْصَةَ أُمّ المُؤْمِنِينَ قالَتْ: قُلْتُ للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: ما شأنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ مَنْ عُمْرَتِكَ؟ قالَ: "إني قَلَّدْتُ هَدْيي، وَلَبَّدْتُ رأسِي، فَلا أحِلُّ حتَّى أحِلَّ مِنَ الحَجّ". رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ

(3)

. [صحيح]

33/ 1843 - (وَعَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ المَازِنيّ قالَ: سألْتُ سَعْدَ بْنِ أبي وَقَّاصٍ عَنِ المُتْعَةِ في الحَجّ، فَقالَ: فَعَلْناها وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كافِرٌ [بالعُرُش]

(4)

، يَعْنِي بُيُوتَ مَكَّةَ، يَعْنِي مُعاوِيَةَ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَمُسْلِمٌ

(6)

. [صحيح]

34/ 1844 - (وَعَنِ الزُّهْرِيّ عَنْ سالمٍ عَنْ أبِيهِ قالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَدَاعِ بِالعُمْرَةِ إلى الحَجّ وأهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الهَدْيَ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ،

(1)

المجموع شرح المهذب (7/ 183).

(2)

المجموع شرح المهذب (7/ 143).

(3)

أحمد في المسند (6/ 283) والبخاري رقم (1566) ومسلم رقم (179/ 1229) وأبو داود رقم (1806) والنسائي رقم (2682) وابن ماجه رقم (3046).

(4)

في المخطوط (أ) و (ب): (العروش) والمثبت من مصادر التخريج.

(5)

في المسند (1/ 181).

(6)

في صحيحه رقم (164/ 1225).

وهو حديث صحيح.

ص: 118

وَبدأ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فأهَلَّ بالعُمْرَةِ ثُمَّ أهَلَّ بالحَجّ، وتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بالعُمْرَةِ إلى الحَجّ، فَكانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أهْدَى فَساقَ الهَدْيَ، وَمنْهُمْ مَنْ لَمْ يَهْدِ؛ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مكَّةَ قالَ للنَّاسِ:"مَنْ كانَ مِنْكُمْ أهْدَى فإنَّهُ لا يَحِل مِنْ شَيء حَرُمَ مِنْهُ حتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أهْدَى فَلْيَطُفْ بالبَيْتِ وَبِالصَّفا وَالمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحِلَّ ثُمَّ لْيُهِلَّ بالحَجّ وَلْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَصِيَامُ ثَلاثةِ أيَّامٍ في الحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلى أهْلِهِ"، وَطافَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ فاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أوَّلَ شَيء، ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَةَ أشْوَاطٍ مِنَ السَّبْعِ، وَمَشَى أرْبَعَةَ أطْوَافٍ، ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بالبَيْتِ عِنْدَ المَقامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فانْصَرَفَ، فأتى الصَّفا فَطافَ بالصَّفا والمَرْوَةِ سَبْعَةَ أطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ شَيْء حَرُمَ مِنْهُ حتَّى قَضَى حَجَّهُ ونَحَر هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وأفاضَ فَطافَ بالبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلّ شَيْء حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ ما فَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ أهْدَى فَساقَ الهَدْيَ

(1)

. [صحيح]

وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ مِثْلُ حَدِيثِ سالمٍ عَنْ أبِيهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(2)

. [صحيح]

قوله: (ولم تحل) في رواية للبخاري

(3)

: "ولم [تحلل]

(4)

"بلامين وهو إظهار شاذ، وفيه لغة معروفة.

قوله: (لبدت)

(5)

بتشديد الموحدة: أي شعر رأسي، وهو أن يجعل فيه شيء ملتصق ويؤخذ منه استحباب ذلك للمحرم.

(1)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 139 - 140) والبخاري رقم (1691) ومسلم رقم (174/ 1227).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1805) والنسائي (5/ 151) والبيهقي (5/ 17) من طرق.

(2)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 145) والبخاري رقم (1692) ومسلم رقم (175/ 1227).

قلت: وأخرجه البيهقي (5/ 17 - 18) من طرق.

(3)

في صحيحه رقم (1566).

(4)

في المخطوط (ب): (يحلِل بكسر اللام الأولى).

(5)

قال ابن الأثير في "النهاية"(4/ 224): تلبيد الشَّعر أن يجعل فيه شيء من صَمْغ عند الإحرام، لئلا يشعث ويَقْمَل إبقاءً على الشَّعر، وإنما يلبد من يطول مكثه في الإحرام.

ص: 119

قوله: (فلا أحل [حتى أحله]

(1)

من الحج) يعني حتى يبلغ الهدي محله، واستدل به على [أن]

(2)

من اعتمر فساق هديًا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر.

قوله: (بالعُرُش) جمع عرش، يقال لمكة وبيوتها كما قال في القاموس

(3)

.

قوله: (تمتع رسول الله .. ) إلخ. قال المهلب (4): معناه أمره بذلك لأنه كان ينكر على أنس قوله: إنه قرن، ويقول: إنه كان مفردًا.

قوله: (فأهلّ بالعمرة) قال المهلب

(4)

: معناه أمرهم بالتمتع وهو أن يهلوا بالعمرة [أولًا ويقدموها]

(5)

قبل الحج.

قال: ولا بد من [هذا]

(6)

التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر. [و]

(7)

قال ابن المنير

(8)

: إن حمل قوله تمتع على معنى أمر من أبعد التأويلات والاستشهاد عليه بقوله رجم: وإنما أمر بالرجم من أوهن [الاستشهادات]

(9)

، لأن الرجم وظيفة الإِمام، والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه.

وأما أعمال الحجّ من إفراد وقران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه.

ثم أورد تأويلًا آخر وهو أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لا سيما مع قوله: "خذوا عني مناسككم"

(10)

، فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظن أنه صلى الله عليه وسلم تمتع فأطلق ذلك.

(1)

زيادة من المخطوط (ب).

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

القاموس المحيط (ص 770).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 539).

(5)

في المخطوط (ب): (ولا يقدموها).

(6)

في المخطوط (ب): (هذه).

(7)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (أ).

(8)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 539).

(9)

في المخطوط (ب): (الاستشهاد).

(10)

وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد في المسند (3/ 318) ومسلم رقم (310/ 1297) وأبو داود رقم (1970) والنسائي رقم (3062) من حديث جابر بن عبد الله.

ص: 120

قال الحافظ

(1)

: ولا يتعين هذا أيضًا، بل يحتمل أن يكون معنى قوله تمتع محمولًا على مدلوله اللغوي: وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها وغيره.

قال النووي

(2)

: إن هذا هو المتعين.

قوله: (بالعمرة إلى الحجّ)، قال المهلب

(3)

أيضًا: أي أدخل العمرة على الحج.

قوله: (فإنه لا يحلّ من شيء حرم [منه])

(4)

تقدم بيانه.

قوله: (وليقصِّر) قال النووي

(5)

: معناه أنه بفعل الطواف والسعي والتقصير يصير حلالًا.

وهذا دليل على أن الحلق والتقصير نسك وهو الصحيح.

وقيل: استباحة محظور، قال: وإنما أمره بالتقصير دون الحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحج.

قوله: (وليحلّ) هو أمر معناه الخبر: أي قد صار حلالًا، فله فعل كل ما كان محظورًا عليه في الإِحرام.

ويحتمل أن يكون أمرًا على الإِباحة لفعل ما كان عليه حرامًا قبل الإِحرام.

قوله: (ثم ليهلّ بالحجّ)، أي يحرم وقت خروجه إلى عرفة، ولهذا أتى بثم الدالة على التراخي، فلم يرد أنه يهلّ بالحجّ عقب إحلاله من العمرة.

قوله: (وليهد) أي هدي التمتع.

قوله: (فمن لم يجد .. ) إلخ، أي لم يجد الهدي بذلك المكان، أو لم يجد ثمنه، أو كان يجد هديًا ولكن يمتنع صاحبه من بيعه أو يبيعه لغلاء، فينتقل إلى الصوم كما هو نصّ القرآن؛ والمراد بقوله تعالى:{فِي الْحَجِّ}

(6)

أي بعد الإِحرام به.

(1)

في "الفتح"(3/ 539)، ولفظه: لم يتعين هذا التأويل المتعسف.

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 208).

(3)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 540).

(4)

في المخطوط (أ): عليه.

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 209).

(6)

سورة البقرة: الآية (196).

ص: 121

قال النووي

(1)

: هذا هو الأفضل. وإن صامها قبل الإِهلال بالحجّ أجزأه على الصحيح. وأما قبل التحلل من العمرة فلا على الصحيح. وجوّزه الثوري وأهل الرأي.

قوله: (ثم خبّ) سيأتي الكلام عليه في الطواف، ويأتي الكلام أيضًا على صلاة الركعتين، والسعي بين الصفا والمروة، ونحر الهدي، والإِفاضة، وسوق الهدي.

وقد استدل بالأحاديث المذكورة على أن حجَّه صلى الله عليه وسلم كان تمتعًا، وقد تقدم الكلام على ذلك في أول الباب.

قوله: (من أهدى فساق الهدي) الموصول فاعل قوله: فعل: أي فعل من أهدى فساق الهدي مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأغرب الكرماني

(2)

فشرحه على أن فاعل فعل هو ابن عمر راوي الخبر، وفصل في رواية (أبي الوقت)

(3)

بين قوله: فعل وبين قوله: من أهدى بلفظ باب.

قال في الفتح

(4)

: وهذا خطأ شنيع.

وقال أبو الوليد

(5)

: أمرنا أبو ذر أن نضرب على هذه الترجمة، يعني قوله: من أهدى وساق الهدي وذلك لظنه بأنها ترجمة من البخاري فحكم عليها بالوهم

(6)

.

35/ 1845 - (وَعَنِ القاسِمِ عَنْ عائِشَةَ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أفْرَدَ الحَجَّ. رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخارِيَّ)

(7)

. [صحيح]

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 210).

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 178).

(3)

هو عبد الله السَّجزي، حدَّث بخراسان وبغداد وغيرهما، اشتهر حديثه وانتهى إليه علو الإسناد. توفي سنة (553 هـ).

(4)

(3/ 540).

(5)

حكاه الحافظ في "الفتح (3/ 541) عنه.

(6)

قال الحافظ في "الفتح"(3/ 541) معقبًا على أبي الوليد بقوله: "وهو عجيب من أبي الوليد، ومن شيخه. فإن قوله: "من أهدى" هو صفة لقوله: "وفعل"، ولكنهما ظنا أنها ترجمة فحكما عليها بالوهم، وليس كذلك". اهـ.

(7)

أحمد في المسند (6/ 104) ومسلم رقم (122/ 1211) وأبو داود رقم (1777) والترمذي رقم (820) والنسائي رقم (2715) وابن ماجه رقم (2964).

ص: 122

36/ 1846 - (وَعَنْ نافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: أهْلَلْنا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بالحَجّ مُفْرَدًا. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

.

وَلمُسْلِمٍ

(3)

: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أهَلَّ بالحَجّ مُفْرِدًا). [صحيح]

37/ 1847 - (وَعَنْ بَكْرٍ المُزَنِيّ عَنْ أنَسٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُلبِّي بالحَجّ وَالعُمْرَةِ جَمِيعًا يَقُولُ: "لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا". مُتَّفَق عَلَيْهِ

(4)

. [صحيح]

38/ 1848 - (وَعَنْ أنَسٍ أيْضًا قالَ: خَرَجْنَا نَصْرُخُ بالحَجّ، فَلَمَّا قَدِمْنا مَكَّةَ أمَرَنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نَجْعَلها عُمْرَةً وَقالَ: "لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ لجَعَلْتُها عُمْرَةً، وَلَكِنْ سُقْتُ الهَدْي وَقَرَنْتُ بَيْنَ الحَجّ وَالعُمْرَةِ". رَوَاهُ أحْمَدُ)

(5)

. [صحيح]

39/ 1849 - (وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِوَادِي العَقِيقِ يَقُولُ: "أتانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبّي فَقالَ: صَلّ في هَذَا الوَادِي المُبارَك، وَقُلْ عُمْرَة في حَجَّةٍ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

وَالبُخارِيُّ

(7)

وَابْنُ مَاجَهْ

(8)

وأبُو دَاوُدَ

(9)

.

(1)

في المسند (2/ 97).

(2)

في صحيحه رقم (184/ 1231).

(3)

في صحيحه رقم (184/ 1231).

قلت: وأخرجه الطرسوسي رقم (43) والدارقطني (2/ 238) والبيهقي (5/ 4) من طرق.

(4)

أحمد في المسند (3/ 99) والبخاري رقم (4353، 4354) ومسلم رقم (214/ 1251).

(5)

في المسند (3/ 148) بسند ضعيف لجهالة أبي أسماء الصقيل.

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (4345) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 153) وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(6)

في المسند (1/ 24).

(7)

في صحيحه رقم (1534).

(8)

في سننه رقم (2976).

(9)

في سننه رقم (1800).

قلت: وأخرجه الحميدي رقم (19) والطحاوي (2/ 146) وابن حبان رقم (3790) والبغوي في شرح السنة رقم (1883) وابن خزيمة رقم (2617) والبزار (201) والبيهقي (5/ 13، 14) من طرق.

وهو حديث صحيح.

ص: 123

وفي رِوَايَةٍ للبُخارِيّ

(1)

: "وَقُلْ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ"). [صحيح]

قوله: (أفرد الحجّ) قد تقدَّم أن رواية الإِفراد غير منافية لرواية القِران، لأن من روى القران ناقل للزيادة، وغاية الأمر أنه يجمع بأنه صلى الله عليه وسلم أهلّ بالحجّ مفردًا ثم أضاف إليه العمرة.

وأما قول ابن عمر: "أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجّ مفردًا"، فليس فيه ما ينافي قول من قال: إن حجه صلى الله عليه وسلم كان قرانًا أو تمتعًا، لأنه أخبر عن إهلالهم جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخبر عن إهلاله صلى الله عليه وسلم.

قوله: (يقول لبيك عمرة وحجًا)، هو من أدلة القائلين بأن حجه صلى الله عليه وسلم كان قرانًا.

وقد رواه عن أنس جماعة من التابعين منهم: الحسن البصري، وأبو قلابة، وحميد بن هلال، وحميد بن عبد الرحمن الطويل [وقتادة]

(2)

ويحيى بن سعيد الأنصاري، وثابت البناني، وبكر بن عبد الله المزني، وعبد العزيز بن صهيب، وسمليمان، ويحيى بن أبي إسحاق، وزيد بن أسلم، ومصعب بن سليم، وأبو قدامة عاصم بن حسين، وسويد بن حجر الباهلي.

قوله: (خرجنا نصرخ بالحج) فيه حجة للجمهور

(3)

القائلين أنه يستحب رفع الصوت بالتلبية.

وقد أخرج مالك في الموطأ

(4)

وأصحاب السنن

(5)

وصححه الترمذي

(6)

وابن خزيمة

(7)

والحاكم

(8)

من طريق خلاد بن السائب عن أبيه مرفوعًا: "جاءني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي يرفعون أصواتهم بالإِهلال".

(1)

في صحيحه رقم (7343).

(2)

في المخطوط (ب): (وأبو قتادة).

(3)

المغني (5/ 100 - 101).

(4)

(1/ 334 رقم 34).

(5)

أبو داود رقم (1814) والترمذي رقم (829) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي رقم (2753) وابن ماجه رقم (2922).

(6)

في السنن (3/ 183).

(7)

في صحيحه رقم (2625).

(8)

في المستدرك (1/ 450) وقال: هذه الأسانيد كلها صحيحة وليس يعلل واحد منها الآخر، ووافقه الذهبي.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

ص: 124

وروى ابن القاسم عن مالك

(1)

أنه لا يرفع الصوت بالتلبية إلا عند المسجد الحرام ومسجد منى.

قوله: (لو استقبلت .. ) إلخ. هو متفق على مثل معناه من حديث جابر، وبه استدل من قال بأن التمتع أفضل أنواع الحجّ، وقد تقدم البحث عن ذلك.

قوله: (أتاني الليلة آتٍ) هو جبريل كما في الفتح

(2)

.

قوله: (فقال: صل في هذا الوادي المبارك)، هو وادي العقيق

(3)

، وهو بقرب العقيق بينه وبين المدينة أربعة أميال.

وروى الزبير بن بكار في أخبار المدينة

(4)

أن تُبّعًا لما انحدر في مكان عند رجوعه من المدينة قال: هذا عقيق الأرض فسمي العقيق.

قوله: (وقل عمرة في حجة)، برفع عمرة في أكثر الروايات وبنصبها في بعضها بإضمار فعل: أي جعلتها عمرة، وهو دليل على أن حجه صلى الله عليه وسلم كان قرانًا.

وأبعد من قال: إن معناه أنه يعتمر في تلك السنة بعد فراغ حجه.

وظاهر حديث عمر هذا أن حجه صلى الله عليه وسلم القران كان بأمر من الله، فكيف يقول صلى الله عليه وسلم:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة"

(5)

، فينظر في هذا، فإن أجيب بأنه إنما قال ذلك تطييبًا لخواطر أصحابه فقد تقدم أنه تغرير لا يليق نسبة مثله إلى الشارع.

40/ 1850 - (وَعَنْ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ قالَ: شَهِدْتُ عُثْمانَ وَعَليًّا، وعُثْمانُ يَنْهَى عَنِ المُتْعَةِ وأنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُما؛ فَلَمَّا رَأى ذلك عليٌّ أهَلَّ بِهِما لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَقالَ: ما كُنْتُ لأدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِ أحَدٍ. رَوَاهُ البُخارِيُّ

(6)

وَالنَّسائيُّ

(7)

. [صحيح]

(1)

المنتقى للباجي (2/ 211).

(2)

(3/ 392).

(3)

معجم البلدان (4/ 140) والنهاية (3/ 278).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 392).

(5)

تقدم تخريجه قريبًا. ص 123.

(6)

في صحيحه رقم (1563).

(7)

في سننه رقم (2723)، وهو حديث صحيح.

ص: 125

41/ 1851 - (وَعَنِ الصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ قالَ: كُنْتُ رَجُلًا نَصْرَانِيًا فأسْلَمْتُ فأهْلَلْتُ بالحَجّ وَالعُمْرَةِ، قالَ: فَسَمِعَنِي زَيْدُ بْنُ صُوخَانَ، وَسَلْمانُ بْنُ رَبِيعَةَ وأنا أُهِلُّ بِهِما، فَقالا: لَهَذا أضَلُّ مِنْ بَعِيرِ أهْلِهِ، فَكأنَّمَا حُمِلَ عَليَّ بِكَلِمَتَيْهِما جَبَلٌ، فَقدِمْتُ على عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فأخْبَرْتُهُ، فأقْبَلَ عَلَيْهِما فَلامَهُمَا وَأقْبَلَ عليَّ، فَقالَ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَابْنُ ماجَهْ

(2)

وَالنَّسائيُّ

(3)

. [صحيح]

الحديث أخرج نحوه أبو داود

(4)

وسكت عنه

(5)

هو والمنذري

(6)

، ورجال إسناده رجال الصحيح.

قوله: (وأن يجمع بينهما) يحتمل أن تكون الواو عاطفة فيكون نهى عن التمتع والقران

(7)

معًا.

ويحتمل أن يكون عطفًا تفسيريًا وهو على ما تقدم أن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعًا، فيكون المراد أن يجمع بينهما قرانًا أو إيقاعًا لهما في سنة واحدة بتقديم العمرة على الحجّ.

وقد زاد مسلم

(8)

: "أن عثمان قال لعليّ: دعنا عنك، فقال عليّ: إني لا أستطيع أن أدعك".

وقد تقدم في أول الباب

(9)

أن عثمان قال: "أجل، ولكنا كنا خائفين".

قوله: (عن الصبي) هو بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة بعدها تحتية.

قال في التقريب

(10)

: صبي بالتصغير: ابن معبد التغلبي بالمثناة والمعجمة وكسر اللام: ثقة مخضرم، نزل الكوفة من الثانية.

(1)

في المسند (1/ 25).

(2)

في سننه رقم (2970).

(3)

في سننه رقم (2719).

قلت: وأخرجه الحميدي رقم (18) وابن حبان رقم (3910) و (3911).

وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (1798) و (1799)، وهو حديث صحيح.

(5)

أي أبو داود في السنن (2/ 393).

(6)

في المختصر (2/ 324).

(7)

الفتح (3/ 425).

(8)

في صحيحه رقم (159/ 1223).

(9)

تقدم برقم (1840) من كتابنا هذا.

(10)

رقم الترجمة (2901).

ص: 126

قوله: (زيد بن صُوخان) بضم الصاد المهملة بعدها واو ساكنة ثم معجمة مخففة.

قوله: (فكأنما حمل عليّ بكلمتيهما جبل)، يعني أنه ثقل عليه ما سمعه منهما من ذلك اللفظ الغليظ.

قوله: (هديت لسنة نبيك)، هو من أدلة القائلين بتفضيل القران، ولا يخفى أنه لا يصلح للاستدلال به على الأفضلية لأنه لا خلاف أن الثلاثة الأنواع ثابتة من سنته صلى الله عليه وسلم إما بالقول أو بالفعل، ومجرّد نسبة بعضها إلى السنة لا يدلّ على أنه أفضل من غيره مع كونها مشتركة في ذلك.

42/ 1852 - (وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مالِكٍ

(1)

قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجّ إلى يَوْمِ القِيامَةِ"، قالَ: وَقَرَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَدَاعِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

. [صحيح لغيره]

43/ 1853 - (وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: لَمَّا قَدِمَ علِيٌّ مِنَ اليَمَنِ عَلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: وَجَدْتُ فاطِمَةَ قَدْ لَبِسَتْ ثِيابًا صَبِيغًا وَقَدْ نَضَحَتِ البَيْتَ بِنَضُوحٍ، فَقالَتْ: ما لَكَ؟ إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أمَرَ أصْحابَهُ فَحَلُّوا، قالَ: قُلْتُ لَهَا: إني أهْلَلْتُ بإهْلالِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قالَ: فأتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ لي: "كَيْفَ

(1)

سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو

ابن كنانة المدلجي الكناني، يكنى أبا سفيان، كان ينزل قُديدًا، يعد من أهل المدينة. ويقال: إنه سكن مكة، وعن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقة بن مالك: كيف بك إذا لبست سواري كسرى"، قال: فلما أُتِي عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه دعا سُراقة بن مالك فالبسه إياها.

[الاستيعاب رقم (921) والإصابة رقم (3122)].

(2)

في المسند (4/ 175).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 235) وقال: فيه داود بن يزيد الأودي وهو ضعيف.

قلت: وأخرجه ابن ماجه (2977) والطبراني في الكبير رقم (6595).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 23): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات إن سلم من الانقطاع.

قلت: طاوس لم يسمعه من سراقة.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

ص: 127

صَنَعْتَ؟ "، قالَ: قُلْتُ أهْلَلْتُ بإهْلالِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فإني قَدْ سُقْتُ الهَدْيَ وَقَرَنْتُ، فَقالَ لي: "انْحَرْ مِنَ البُدْنِ سَبْعًا وَسِتِّينَ أوْ سِتًّا وَسِتِّينَ، وَانْسُكْ لِنَفْسِكَ ثَلاثًا وَثَلاِثينَ أوْ أرْبَعًا وَثَلاِثِينَ، وأمْسِكْ لي مِنْ كُلّ بَدَنَةٍ مِنْها بَضْعَةً". رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(1)

. [صحيح]

حديث سراقة في إسناده داود بن يزيد الأودي

(2)

، وهو ضعيف.

وقد أخرج نحوه أحمد

(3)

ومسلم

(4)

وأبو داود

(5)

والنسائي

(6)

عن ابن عباس وسيأتي

(7)

في باب فسخ الحجّ.

وحديث البراء أخرجه أيضًا النسائي

(8)

.

وفي إسناده يونس بن إسحاق السبيعي

(9)

، وقد احتج به مسلم وأخرج له جماعة.

وقال الإِمام أحمد

(10)

: حديثه فيه زيادة على حديث الناس. وقال البيهقي

(11)

: "كذا في هذه الرواية "وقَرَنْتُ"، وليس ذلك في حديث جابر حين وصف قدوم عليّ [وإهلاله]

(12)

.

(1)

في سنته رقم (1797)، وهو حديث صحيح.

(2)

انظر ترجمته في: التاريخ الكبير (2/ 1/ 239) والجرح والتعديل (1/ 2/ 427).

الكامل (3/ 947) والعقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 40) والميزان (2/ 21) والتقريب (1/ 235).

(3)

في المسند (1/ 236، 237).

(4)

في صحيحه رقم (203/ 1242).

(5)

في سننه رقم (1790).

(6)

في سننه رقم (2815).

(7)

برقم (1871) من كتابنا هذا، وهو حديث صحيح.

(8)

في "المجتبى"(5/ 157) وفي السنن الكبرى رقم (3711).

(9)

يونس بن عمرو بن عبد الله، وثقه بعضهم، وضعفه الآخرون، قال ابن حجر: صدوق يهم قليلًا، مات سنة (159 هـ) على الأصح.

[طبقات ابن سعد (6/ 363)، والتاريخ الكبير (4/ 2/ 408) والميزان (4/ 482) والتقريب (2/ 384).

(10)

في "الجرح والتعديل"(4/ 2/ 244): من رواية أبي طالب: في حديثه زيادة على حديث الناس.

(11)

في السنن الكبرى (5/ 15).

(12)

في المخطوط (أ): وأهله. والمثبت من المخطوط (ب) والسنن الكبرى للبيهقي.

ص: 128

وحديث جابر أصحّ سندًا وأحسن سياقة، ومع حديث جابر حديث أنس".

يريد أن حديث أنس ذكر فيه قدوم عليّ وذكر إهلاله وليس فيه قرنت، وهو في الصحيحين

(1)

.

قوله: (دخلت العمرة في الحجّ)، قد تقدم أنه يدلّ على أفضلية القران لمصير العمرة جزءًا من الحجّ أو كالجزء.

قوله: (صبيغًا) فعيل هاهنا بمعنى مفعول: أي مصبوغات.

قوله: (وقد نَضَحت)

(2)

بفتح النون والضاد المعجمة والحاء المهملة.

قوله: (بنضوح) بفتح النون وضم الضاد المعجمة بعد الواو حاء مهملة: [وهي]

(3)

ضربٌ من الطيب.

قوله: (فقالت)، ههنا كلام محذوف تقديره فأنكر عليها صبغ ثيابها ونضح بيتها بالطيب، فقالت .. إلخ.

قوله: (قد أمر أصحابه فحلوا) في رواية مسلم

(4)

: "فوجد فاطمة ممن حلت ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت فأنكر ذكر عليها، قالت: أمرني أبي بهذا".

قوله: (أو ستًا وستين) هكذا في سنن أبي داود

(5)

، وكان جملة الهدي الذي قدم به عليّ من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة كما في صحيح مسلم

(6)

.

وفي لفظ لمسلم (4): "فنحر ثلاثًا وستين بيده ثم أعطى عليًا فنحر ما غبر".

قال النووي

(7)

والقرطبي

(8)

: ونقله القاضي

(9)

عن جميع الرواة: إن هذا هو الصواب لا ما وقع في رواية أبي داود.

(1)

البخاري رقم (1558) ومسلم رقم (213/ 1250).

(2)

القاموس المحيط ص 313.

قال ابن الأثير في "النهاية"(5/ 70): "النَّضُوح، بالفتح: ضربٌ من الطيب تفوح رائحته، وأصل النَّضْح: الرَّشْح، فشبَّه كثرة ما يفوح من طيبه بالرَّشح، وروي بالخاء المعجمة". اهـ.

(3)

في المخطوط (ب): وهو.

(4)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

(5)

رقم (1797) من حديث الراء بن عازب.

(6)

برقم (147/ 1218).

(7)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 192).

(8)

في "المفهم"(3/ 341).

(9)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 285).

ص: 129

قوله: (بَضعة)

(1)

بفتح الباء الموحدة: وهي القطعة من اللحم.

وفي صحيح مسلم

(2)

: "ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر وطبخت، فأكل هو وعليّ من لحمها وشربا من مرقها".

واستدلّ بحديث سراقة

(3)

والبراء

(4)

من قال: إن حجه صلى الله عليه وسلم كان قرانًا.

وقد تقدم الكلام على ذلك، واستدل بحديث عليّ على صحة الإِحرام معلقًا، وعلى جواز الاشتراك في الهدي وسيأتي الكلام على ذلك.

[الباب الثامن] باب إدخال الحج على العمرة

44/ 1854 - (عَنْ نَافِعٍ قالَ: أرَادَ ابْنُ عُمَرَ الحَجَّ عامَ حَجَّةِ الحَرُورِيَّةِ في عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ كائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ فَنَخَافُ أنْ يَصُدُّوكَ فَقالَ: لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، إذَنْ أصْنَعُ كما صَنَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، أُشْهِدُكُمْ أني قَدْ أوْجَبْتُ عُمْرَةً، ثُمَّ خَرَجَ حتَّى إذَا كانَ بِظاهِرِ البَيْدَاءِ قالَ: ما شأنُ الحَجّ وَالعُمْرَةِ إلَّا وَاحِدٌ، أشْهِدُكُمْ أني قَدْ جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتي، وأهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ، وَانْطَلَقَ حتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَطافَ بالبَيْتِ وَبالصَّفا، وَلَمْ يَزِدْ على ذلكَ وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيء حَرُمَ مِنْهُ حتَّى يَوْمِ النَّحْرِ فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأى أنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الحَجّ وَالعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأوّل، ثُمَّ قالَ: هَكَذَا صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(5)

. [صحيح]

قوله: (حجة الحرورية) هم الخوارج

(6)

، ولكنهم حجوا في السنة التي مات

(1)

"النهاية"(1/ 132).

(2)

برقم (147/ 1218).

(3)

تقدم برقم (42/ 1852) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (43/ 1853) من كتابنا هذا.

(5)

أحمد في المسند (2/ 4، 11، 141، 64، 151) والبخاري رقم (1640)، ومسلم رقم (182/ 1230).

(6)

الخوارج: فرقة خرجت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويلقب الخوارج =

ص: 130

فيها يزيد بن معاوية سنة أربع وستين وذلك قبل أن يتسمّى ابن الزبير بالخلافة، ونزل الحجاج بابن الزبير في سنة ثلاث وسبعين وذلك في آخر أيام ابن الزبير.

فإما أن يحمل على أن الراوي أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية لجامع ما بينهم من الخروج على أئمة الحقّ.

وإما أن يحمل على تعدد القصة، وأن الحرورية حجت سنة أخرى.

ولكنه يؤيد الأول ما في بعض طرق البخاري

(1)

من طريق الليث عن نافع بلفظ: "حين نزل الحجاج بابن الزبير"، وكذا لمسلم

(2)

من رواية يحيى القطان.

قوله: (كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية للبخاري

(3)

: "كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

قوله: (أشهدكم أني قد أوجبت عمرة) يعني من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أهلّ بعمرة عام الحديبية.

قال النووي

(4)

: معناه إن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبيّ صلى الله عليه وسلم من العمرة.

وقال عياض

(5)

: يحتمل أن المراد أنه أوجب عمرة كما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه أراد الأمرين من الإِيجاب والإِحلال.

قال الحافظ

(6)

: وهذا هو الأظهر.

قوله: (ما شأن الحج والعمرة إلا واحد)، يعني فيما يتعلق بالإِحصار والإِحلال.

= بالحرورية والنواصب والمارقة والشرارة والبغاة، وهم الذين يكفرون أصحاب الكبائر، ويقولون أنهم مخلدون في النار، ووجوب الخروج على أئمة الجور، وهم يكفرون عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم.

["الفصل في الملل والأهواء والنحل" (2/ 132) واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 150، و"المقالات" (1/ 86) و"فرق معاصرة" للعواجي (1/ 63 - 123)].

(1)

في صحيحه برقم (1640).

(2)

في صحيحه برقم (188/ 1233).

(3)

في صحيحه برقم (1806).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 213 - 214).

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 306).

(6)

في "الفتح"(4/ 6).

ص: 131

قوله: (ولم يزد على ذلك)، هذا يقتضي أنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإِفاضة وهو مشكل. وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليه.

وفي الحديث فوائد منها ما بوّب له المصنف من جواز إدخال الحج على العمرة، وإليه ذهب الجمهور

(1)

لكن بشرط أن يكون الإِدخال قبل الشروع في طواف العمرة.

وقيل: إن كان قبل مضي أربعة أشواط صح وهو قول الحنفية

(2)

.

وقيل: ولو بعد تمام الطواف وهو قول المالكية.

ونقل ابن عبد

(3)

البر أن أبا ثور شذ فمنع إدخال الحج على العمرة قياسًا على منع إدخال العمرة على الحجّ.

(ومنها) أن القارن يقتصر على طواف واحد.

(ومنها) أن القارن يهدي، وشذ ابن حزم

(4)

فقال: لا هدي على القارن.

(ومنها) جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجا السلامة، قاله ابن عبد البر

(5)

.

(ومنها) أن الصحابة كانوا يستعملون القياس ويحتجون به،

45/ 1855 - (وَعَنْ جابِرٍ أنَّهُ قالَ: أقْبَلْنا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِحَجّ مُفْرَدٍ، وأقْبَلَتْ عائِشَةُ بِعُمْرَةٍ حتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِف عَرَكَتْ حتَّى إذَا قَدِمْنا مَكَّةَ طُفْنا بالكَعْبَةِ وَالصَّفا وَالمَرْوَةِ، فأمَرَنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قالَ: فَقُلْنا: حِلُّ ماذَا؟ قالَ: "الحِلُّ كُلُّهُ"، فَوَاقَعْنا النِّساء، وتَطَيَّبْنا بالطِّيبِ، وَلَبِسْنا ثِيابَنا، وَلَيْسَ بَيْنَنا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلَّا أرْبَعُ لَيالٍ، ثُمَّ أهْلَلْنا يَوْمَ الترْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم على عائِشَةَ فَوَجَدَها تَبْكِي، فَقالَ:"ما شأنُكِ؟ "، قالَتْ: شأنِي أني قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أحْلُلْ وَلمْ أطف بالبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلى الحَجَّ

(1)

المغني (5/ 98 - 99).

(2)

البناية في شرح الهداية (4/ 190).

(3)

في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"(8/ 171).

(4)

في "المحلى"(7/ 167).

(5)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 6).

ص: 132

الآنَ، فَقالَ:"إنَّ هَذَا أمْرٌ كَتَبَهُ الله على بَناتِ آدَمَ فاغْتَسِلي، ثُمَّ أهِلِّي بالحَجّ" فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتِ المَوَاقِفَ حتَّى إذَا طَهَرَتْ طافَتْ بالكَعْبَةِ وَبِالصَّفا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ قالَ: "قدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجَّتِكِ وعُمْرَتكِ جَمِيعًا"، فَقالَتْ: يا رَسُولَ الله إني أجدُ في نَفْسِي أني لَمْ أطفْ بالبَيْتِ حِينَ حَجَجْتُ، قالَ:"فاذْهَبْ بِها يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فأعْمِرْها مِنَ التَّنْعِيم"، وَذلكَ لَيْلَةَ الحَصْبَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (بحجّ مفرد) استدل به من قال: إن حجه صلى الله عليه وسلم كان مفردًا وليس فيه ما يدل على ذلك، لأن غاية ما فيه أنهم أفردوا الحجّ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، وليس فيه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أفرد الحجّ، ولو سلم أنه يدل على ذلك فهو مؤول بما سلف.

قوله: (عركت)

(2)

بفتح العين المهملة والراء: أي حاضت.

يقال: عركت تعرك [عروكًا]

(3)

كقعدت تقعد قعودًا.

قوله: (حلّ ماذا) بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام وحذف التنوين للإِضافة وما استفهامية: أي الحلّ من أي شيء ذا، وهذا السؤال من جهة من جواز أنه حل من بعض الأشياء دون بعض.

قوله: (الحلّ كله) أي الحلّ الذي لا يبقى معه شيء من ممنوعات الإِحرام بعد التحلل المأمور به.

قوله: (ثم أهللنا يوم التروية) هو اليوم الثامن من ذي الحجة.

قوله: (أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي) إلخ، هذا الغسل.

قيل: هو الغسل للإِحرام، ويحتمل أن يكون الغسل من الحيض.

قوله: (حتى إذا طهَرت) بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح.

قوله: (من حجتك وعمرتك) هذا تصريح بأن عمرتها لم تبطل ولم تخرج منها، وأن ما وقع في بعض الروايات من قوله:"ارفضي عمرتك"

(4)

،

(1)

أحمد في المسند (3/ 309، 394) والبخاري رقم (1785) ومسلم رقم (13/ 12136).

(2)

"النهاية"(3/ 222).

(3)

في المخطوط (ب): (عركًا).

(4)

البخاري في صحيحه رقم (1783).

ص: 133

وفي بعضها: "دعي عمرتك"

(1)

متأول.

قال النووي

(2)

: إن قوله: "حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة، ثم قال: قد حللت من حجتك وعمرتك"، يستنبط منه ثلاث مسائل حسنة.

(أحدها): أن عائشة كانت قارنة ولم تبطل عمرتها، وأن الرفض المذكور متأول.

(الثانية): أن القارن يكفيه طواف واحد، وهو مذهب الشافعي

(3)

.

والجمهور

(4)

. وقال أبو حنيفة

(5)

وطائفة: يلزمه طوافان وسعيان.

(الثالثة): أن السعي بين الصفا والمروة يشترط وقوعه بعد طواف صحيح.

وموضع الدلالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت، ولم تسع كما لم تطف؛ فلو لم يكن السعي متوقفًا على تقدم الطواف عليه لما أخرته.

قال

(6)

: واعلم أن طهر عائشة هذا المذكور كان يوم السبت وهو يوم النحر في حجة الوداع، وكان ابتداء حيضها هذا يوم السبت أيضًا لثلاث خلون من ذي الحجة سنة إحدى عشرة، ذكره أبو محمد بن حزم في كتابه حجة الوداع.

قوله: (فاذهب بها يا عبد الرحمن .. ) إلخ. قد تقدم شرح هذا في أول كتاب الحج.

والحديث ساقه المصنف ها هنا رحمه الله للاستدلال به على جواز إدخال الحج على العمرة، وقد تقدم ما فيه من الخلاف والاشتراط.

وللحديث فوائد يأتي ذكرها في مواضعها.

(1)

أحمد في المسند (6/ 191) والبخاري رقم (1786) ومسلم رقم (115/ 1211).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 159).

(3)

المجموع شرح المهذب (7/ 168).

(4)

المغني (5/ 312).

(5)

البناية في شرح الهداية (4/ 188).

(6)

أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (8/ 159 - 160).

ص: 134

[الباب التاسع] باب من أحرم مطلقًا أو قال: أحرمت بما أحرم به فلان

46/ 1856 - (عَنْ أنَسٍ قالَ: قَدِمَ علِيٌّ على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنَ اليَمن فَقالَ: "بِم أهْلَلْتَ يا علِيّ؟ "، فَقالَ: أهْلَلْتُ بإهْلالٍ كإهْلالِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قالَ:"لَوْلا أن مَعِي الهَدْيَ لأحْلَلْتُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

وَرَوَاهُ النَّسائي

(2)

مِنْ حَدِيثِ جابِرٍ وَقالَ: فَقالَ لِعَلِيٍّ: "بِمَ أهْلَلْتَ؟ "، قالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إني أُهِل بِمَا أهَلَّ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم). [صحيح]

47/ 1857 - (وَعَنْ أبي مُوسَى قالَ: قَدِمْتُ على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بالبَطْحاء فَقالَ: "بِمَ أهْلَلْتَ؟ " قالَ: قُلْتُ: أهْلَلْتُ بإهْلالي

النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قالَ:"سُقْتَ مِنْ هَدْي؟ "، قُلْتُ: لا، قالَ: "فَطُفْ بالبَيْتِ وَبالصَّفا وَالمَرْوة ثُمَّ [أحِلَّ]

(3)

": فَطُفْتُ بالبَيْتِ وَبالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ أتَيْتُ امْرأة مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأسِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

.

وفي لَفْظٍ قالَ: "كَيْفَ قُلْتَ حِينَ أحْرَمْتَ؟ "، قالَ: قُلْتُ: لَبَّيْكَ بإهْلالٍ كإهْلال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَذَكَرَهُ أخْرَجَاهُ

(5)

. [صحيح]

قوله: (في حديث عليّ: لولا أن معي الهدي لأحللت)، قال البخاري

(6)

: زاد محمد بن بكر عن ابن جريج قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "بم أهللت يا عليّ؟ قال: بما أهل به النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: فاهد وامكث حرامًا كما أنت".

قوله: (ثم أتيت امرأة من قومي) في رواية للبخاري

(7)

: "امرأة من قيس"،

(1)

أحمد في المسند (3/ 185) والبخاري رقم (1558) ومسلم رقم (213/ 1250).

(2)

في سننه رقم (2743).

(3)

في المخطوط (أ) و (ب): (حل) والمثبت من مصادر التخريج.

(4)

أحمد في المسند (4/ 395، 396) والبخاري رقم (1559) ومسلم رقم (155/ 1221).

(5)

البخاري رقم (1795) ومسلم رقم (154/ 1221).

(6)

في صحيحه رقم (1558).

(7)

في صحيحه رقم (1795).

ص: 135

والمتبادر من هذا الإِطلاق أنها من قيس عيلان وليس بينهم وبين الأشعري نسبة.

وفي رواية

(1)

: "من نساء بني قيس".

قال الحافظ

(2)

: فظهر لي من ذلك أن المراد بقيس أبوه قيس بن سليم والد أبي موسى الأشعري، وأن المرأة زوج بعض إخوته، فقد كان لأبي موسى من الإِخوة أبو رهم وأبو بردة، قيل: ومحمد.

والحديثان يدلان على جواز الإِحرام كإحرام شخص يعرفه من أراد ذلك.

وأما مطلق الإِحرام على الإِبهام فهو جائز ثم يصرفه المحرم إلى ما شاء لكونه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك وإلى ذلك ذهب الجمهور

(3)

.

وعن المالكية

(4)

لا يصح الإِحرام على الإِبهام وهو قول الكوفيين.

قال ابن المنير

(5)

: وكأنه مذهب البخاري لأنه أشار في صحيحه عند الترجمة لهذين الحديثين إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن، وأما الآن فقد استقرت الأحكام وعرفت مراتب الإِحرام فلا يصح ذلك.

وهذا الخلاف يرجع إلى قاعدة أصولية

(6)

وهي هل يكون خطابه صلى الله عليه وسلم لواحد أو لجماعة مخصوصة في حكم الخطاب العام للأمة أو لا.

فمن ذهب إلى الأول جعل حديث عليّ

(7)

وأبي موسى

(8)

شرعًا عامًا ولم يقبل دعوى الخصوصية إلا بدليل.

ومن ذهب إلى الثاني قال: إن هذا الحكم مختص بهما، والظاهر الأول.

(1)

للبخاري في صحيحه رقم (1724).

(2)

في "الفتح"(3/ 417).

(3)

المغني (5/ 96 - 97).

(4)

حكاه عنهم الحافظ في "الفتح"(3/ 416 - 417).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 417).

(6)

تقدم توضيحها أكثر من مرة.

(7)

تقدم برقم (46/ 1856) من كتابنا هذا.

(8)

تقدم برقم (47/ 1857) من كتابنا هذا.

ص: 136

[الباب العاشر] باب التلبية وصفتها وأحكامها

48/ 1858 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الحُلَيْفَةِ أهَلَّ فَقالَ: "اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالمُلْكَ لَكَ، لا شَرِيكَ لَكَ"؛ وكانَ عَبْدُ الله يَزِيدُ مَعَ هَذَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالخَيْرُ بِيَدَيْكَ، وَالرَّغْباءُ إلَيكَ وَالعَمَلُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

49/ 1859 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: "أهَلَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ مِثْلَ حَدِيث ابْنِ عُمَرَ، قالَ: وَالنَّاسُ يَزِيدونَ ذَا المَعارج وَنَحْوَهُ مِنَ الكَلامِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ فَلا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا. رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَأبُو دَاوُدَ

(3)

وَمُسْلِمٌ

(4)

بِمَعْنَاهُ). [صحيح]

50/ 1860 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ في تَلْبِيَتِهِ: "لَبَّيْكَ إلَهَ الحَقّ لَبَّيْكَ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَابْنُ ماجَهْ

(6)

وَالنَّسائيُّ

(7)

. [صحيح]

حديث أبي هريرة صححه ابن حبان

(8)

والحاكم

(9)

.

قوله: (فقال: لبيك)، قال في الفتح

(10)

: هو لفظ مثنى عند سيبويه

(11)

ومن

(1)

أحمد في المسند (2/ 3) والبخاري رقم (1549) ومسلم رقم (20/ 1184).

(2)

في المسند (3/ 320).

(3)

في سننه رقم (1813).

(4)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (2/ 341).

(6)

في سننه رقم (2920).

(7)

في سننه رقم (2752).

وهو حديث صحيح.

(8)

في صحيحه رقم (3800).

(9)

في المستدرك (1/ 449 - 450) وصححه ووافقه الذهبي.

(10)

(3/ 409).

(11)

في "الكتاب" له (1/ 419) وقال المعلق عليه: "قال السيرافي ما ملخصه: اعلم أن التثنية في هذا الباب الغرضُ منها التكثير، وأنه شيءٌ يعود مرّةً بعد أخرى، ولا يُراد بها اثنان فقط من المعنى الذي يُذكر. والدليل على ذلك أنك تقول: "ادخلوا الأوّل فالأوّلَ، فإنّما =

ص: 137

تبعه، وقال يونس: هو اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلديَّ وعليّ.

ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر.

وعن الفراء

(1)

: هو منصوب على المصدر وأصله لبًّا لَكَ، فثني على التأكيد: أي إلبابًا بعد إلباب، وهذه التثنية ليست حقيقية بل هي للتكثير والمبالغة، ومعناه إجابة بعد إجابة، أو إجابة لازمة.

= غَرَضُكَ أن يَدْخُل كُلٌّ، وجئتَ بـ "الأولِ، فالأوّلِ" حتى تَعْلَمَ أنه شيءٌ بَعْدَ شيء. ثم قال: ولا تحتاج إلى تكريرِه أكثرَ من مَرّة، فيعلم له أنَّه شيء يعود بعد الأوّل، ويكثر، فتكتفي بذلك اللفظ. وهذا المثنى كلّه غير متصرّف، أي: إنه لا يكون إلّا مصدرًا منصوبًا أو اسمًا في موضع الحال.

وإنما لم يتمكن لأنّه دخلَه بالتثنية لفظًا معنى التكثير، ودخل هذا اللفظ لهذا المعنى في موضِع المصدر، فقط، فلم يتصرّفوا فيه. وبعضه يُوحّد فيتصرف، كما قال تعالى {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} [مريم: 13].

(1)

حكاه عنه الأزهري في "تهذيب اللغة"(15/ 336).

• والتلبية: فقد اختلف أهل العلم فيما هي مأخوذة منه، على خمسة أقاويل:(أحدها): أنها مأخوذة من قولهم: ألبّ فلان بالمكان، ولبّ: إذا أقام فيه، ومعنى لبيك، أي: أنا مقيم عند طاعتك. ومنه قول الشاعر:

محل الفخر أنت به ملبّ

كريم ما تزول ولا تريم

وقال الراجز:

لبّ بأرض ما تخطاها الغنم

وهذا قول الخليل - ابن أحمد الفراهيدي - وثعلب - أحمد بن يحيى الشيباني -.

(والثاني): أنها مأخوذة من الإجابة ومعناها: إجابتي لك، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:

لبيبكما لبيكما ها أنا ذا لديكما

وهذا قول الفراء - يحيى بن زياد الديلمي -.

(والثالث): أنها مأخوذة من اللبّ، واللباب، وهو: خالص الشيء، فيكون معناها الإخلاص، أي: أخلصت لك الطاعة.

(والرابع): أنها ماخوذة من لب العقل، من قولهم: رجل لبيب، ويكون معناها:(لبى) منصرف إليك، وقلبي مقبل عليك.

(والخامس): أنها ماخوذة من المحبة، من قولهم: امرأة لبّة، إذا كانت لولدها محبة، ويكون معناها: محبتي لك، ومنه قول الشاعر:

وكنتم كأمّ لبّة طعن ابنها

إليها فما درّت عليه بساعد" اهـ.

ص: 138

وقيل: معناه غير ذلك.

قال ابن عبد البر

(1)

: قال جماعة من أهل العلم: معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحجّ.

وهذا قد أخرجه عبد بن حميد

(2)

وابن جرير

(3)

وابن أبي حاتم

(4)

بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد.

قال الحافظ

(5)

: والأسانيد إليهم قوية، وهذا مما ليس للاجتهاد فيه مسرح فيكون له حكم الرفع.

قوله: (إن الحمد) بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها على التعليل. قال في الفتح: والكسر أجود عند الجمهور.

قال ثعلب: لأن من كسر جعل معناه أن الحمد لك على كل حال، ومن فتح قال: معناه لبيك لهذا السبب الخاص، ومثله قال ابن دقيق العيد

(6)

.

وقال ابن عبد البر

(7)

: معناهما واحد وتعقب. ونقل الزمخشري أن الشافعي

(8)

اختار الفتح وأبا حنيفة اختار الكسر.

قوله: (والنعمة لك) المشهور فيه النصب، ويجوز الرفع على الابتداء ويكون الخبر محذوفًا، قاله ابن الأنباري

(9)

وكذلك (المُلْكَ) المشهور فيه النصب ويجوز الرفع.

قوله: (وكان عبد الله .. ) إلخ. أخرج ابن أبي شيبة

(10)

من طريق المسور بن مخرمة قال: "كانت تلبية عمر" فذكر مثل المرفوع، وزاد:"لبيك مرغوبًا ومرهوبًا إليك ذا النعماء والفضل الحسن".

(1)

في الاستذكار (11/ 92 رقم 15566).

(2)

كما في "الدر المنثور"(6/ 34).

(3)

في "جامع البيان"(10/ ج 17/ 144 - 145).

(4)

في تفسيره (8/ 2487).

وانظر: تفسير ابن كثير (10/ 42 - 43).

(5)

في "الفتح"(3/ 409).

(6)

في "إحكام الأحكام"(3/ 16).

(7)

الاستذكار (11/ 93 - 94).

(8)

المجموع شرح المهذب (7/ 258).

(9)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 409).

(10)

في الجزء المفقود ص 193.

ص: 139

قال الطحاوي

(1)

بعد أن أخرجه من حديث عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معديكرب: أجمع المسلمون جميعًا على ذلك غير أن قومًا قالوا: لا بأس أن يزيد فيها من الذكر لله تعالى ما أحب، وهو قول محمد والثوري والأوزاعي.

واحتجوا بما في الباب من حديث أبي هريرة وجابر وبالآثار المذكورة.

وخالفهم آخرون فقالوا: لا ينبغي أن يزاد على ما علَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وبجواز الزيادة قال الجمهور

(2)

.

وحكى ابن عبد البر

(3)

عن مالك الكراهة وهو أحد قولي الشافعي

(4)

.

وقد اختلف في حكم التلبية فقال الشافعي

(5)

وأحمد

(6)

: إنها سنة.

وقال ابن أبي هريرة: واجبة. وحكاه ابن قدامة

(7)

عن بعض المالكية، والخطابي

(8)

عن مالك وأبي حنيفة.

واختلف هؤلاء في وجوب الدم لتركها. وقال ابن شاس

(9)

من المالكية، وصاحب الهداية

(10)

من الحنفية: إنها واجبة يقوم مقامها فعل يتعلق بالحجّ كالتوجه على الطريق.

(1)

في شرح معاني الآثار (2/ 124 - 125).

(2)

المغني (5/ 103 - 104).

(3)

الاستذكار (11/ 90 رقم 15549) ورقم (15550).

(4)

الأم (3/ 391).

(5)

الأم (3/ 388 - 389).

(6)

المغني (5/ 100).

(7)

في المغني (5/ 101).

(8)

في معالم السنن (2/ 405 - مع السنن).

(9)

ابن شاس: أبو محمد، عبد الله بن نجم بن شاس الجُذامي السَّعدي (ت 616 هـ).

اسم كتابه: "الجواهر الثمينة في فقه أهل (عالم) المدينة"، وضعه على ترتيب "الوجيز" للغزالي، وجوَّده، ونقَّحه، وسارت به الركبان.

راجع: "سير أعلام النبلاء"(22/ 98).

[معجم المصنفات (ص 176 - 177 رقم 483].

• وحكى الحافظ في "الفتح"(3/ 411) كلام ابن شاس من "الجواهر".

(10)

المرغيناني في "الهداية"(1/ 138).

ص: 140

وحكى ابن عبد البر

(1)

عن الثوري وأبي حنيفة وابن حبيب من المالكية والزبيري من الشافعية

(2)

وأهل الظاهر

(3)

: إنها ركن في الإِحرام لا ينعقد بدونها.

وأخرج ابن سعد عن عطاء بإسناد صحيح أنها فرض.

وحكاه ابن المنذر

(4)

عن ابن عمر وطاوس وعكرمة.

51/ 1861 - (وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أتانِي جِبْرِيلُ فأمَرَنِي أنْ آمُرَ أصْحابي أنْ يَرْفَعُوا أصْوَاتَهُمْ بالإِهْلالِ وَالتَّلْبِيةِ". رَوَاهُ الخَمْسَةُ

(5)

وصَحَّحهُ التِّرْمِذِيُّ. [صحيح]

وَفِي رِوَايَةٍ: إنَّ جِبْرِيلَ أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: كُنْ عَجَّاجًا ثَجَّاجًا. وَالعَجُّ: التَّلْبِيَةُ، وَالثَّجُّ: نَحْرُ البُدْنِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

. [حسن]

52/ 1862 - (وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كانَ إذَا فَرَغَ مِنْ

(1)

في الاستذكار (11/ 95 رقم 15582).

(2)

المجموع شرح المهذب (7/ 236).

(3)

قال ابن عبد البر في الاستذكار (11/ 95 رقم 15585): وأوجب التلبية أهل الظاهر: داود وغيره.

(4)

حكاه عنه ابن قدامة في "المغني"(5/ 101) والفتح (3/ 411).

(5)

أحمد في المسند (4/ 55) وأبو داود رقم (1814) والترمذي رقم (829) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (2753) وابن ماجه رقم (2922).

قلت: وأخرجه الحميدي رقم (853) والدارمي (2/ 34) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (2153) وابن الجارود في المنتقى رقم (434) وابن خزيمة رقم (2625) و (2627) والطحاوي في شرح مشكل الآثار" رقم (5781) و (5783) وابن حبان رقم (3802) والطبراني في المعجم الكبير رقم (5173) و (6627) و (6628) والدارقطني في السنن (2/ 238) والحاكم (1/ 450) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 42).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(6)

في المسند (4/ 56) بسند ضعيف، محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن. والمطلب بن عبد الله بن حنطب لا يعرف له سماع عن أحد من الصحابة.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 224) وقال: رواه أحمد، وفيه ابن إسحاق وهو ثقة ولكنه مدلس.

ولكن الحديث حسن، والله أعلم.

ص: 141

تَلْبِيَتِهِ سألَ الله عز وجل رِضْوانَهُ وَالجَنَّة، وَاسْتَعاذَ بِرَحْمَتِهِ مِن النَّارِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ

(1)

وَالدَّارَقُطْنِيُّ

(2)

. [ضعيف]

53/ 1863 - (وَعَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قالَ: كانَ يُسْتَحَبُّ للرَّجُلِ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ أنْ يُصَلِّيَ عَلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

(3)

. [ضعيف]

54/ 1864 - (وَعَنِ الفَضْلِ بْنِ العَبَّاسِ قالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم منْ جُمْعٍ إلى مِنًى، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. رَوَاهُ الجَمَاعَةُ

(4)

. [صحيح]

وَعَنْ عَطاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: يَرْفَعُ الحَدِيثَ: إنَّهُ كانَ يُمْسِكُ عَنِ التَّلْبِيَةِ فِي العُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الحَجَرَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ

(5)

. [موقوف صحيح]

55/ 1865 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يُلَبِّي المُعْتَمِرُ حتَّى يَسْتَلِمَ الحَجَرَ". رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(6)

. [ضعيف]

حديث السائب بن خلاد أخرجه أيضًا مالك في الموطأ

(7)

والشافعي

(8)

عنه

(1)

في المسند (رقم 797 - ترتيب).

(2)

في سننه (2/ 238 رقم 11).

في سنده صالح بن محمد بن زائدة المدني ضعيف وقد انفرد به.

فالحديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

في سننه (2/ 238 رقم 11) بسند ضعيف.

(4)

أحمد في المسند (1/ 210 - 212) والبخاري رقم (1670) ومسلم رقم (267/ 1281) وأبو داود رقم (1815) والترمذي رقم (918)، والنسائي رقم (3080) وابن ماجه رقم (3040).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(5)

في سننه رقم (919) وقال: حديث ابن عباس حسن صحيح.

وقال الألباني رحمه الله: "الصحيح موقوف على ابن عباس".

(6)

في سننه رقم (1817).

قال أبو داود: رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمام عن عطاء عن ابن عباس موقوفًا.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، وانظر: الإرواء رقم (1099).

(7)

في الموطأ (1/ 334 رقم 34).

(8)

في المسند (رقم 794 - ترتيب).

ص: 142

وابن حبان

(1)

والحاكم

(2)

والبيهقي

(3)

وصححوه.

وأخرج نحوه الحاكم

(4)

عن أبي هريرة مرفوعًا.

وأحمد

(5)

من حديث ابن عباس.

وأخرج ابن أبي شيبة

(6)

عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم حتى تبحّ أصواتهم".

وأخرج الترمذي

(7)

وابن ماجه

(8)

والحاكم

(9)

من حديث أبي بكر الصديق: "أفضل الحجّ العجّ والثجّ"، واستغربه الترمذي

(10)

.

وحكى الدارقطني

(11)

الاختلاف فيه.

وأشار الترمذي

(12)

إلى نحوه من حديث جابر.

ووصله أبو القاسم في الترغيب والترهيب

(13)

، وراويه متروك وهو إسحاق بن

(1)

في صحيحه رقم (3802) وقد تقدم.

(2)

في المستدرك (1/ 450) وقد تقدم.

(3)

في السنن الكبرى (5/ 42) وقد تقدم.

(4)

في المستدرك (1/ 450) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(5)

في المسند (1/ 321).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 224) وقال: "فيه جعفر بن عياش وهو من تابعي أهل المدينة، وبقية رجاله رجال الصحيح".

(6)

في الجزء المفقود ص 4311.

(7)

في سننه رقم (827).

(8)

في سننه رقم (2924).

(9)

في المستدرك (1/ 451).

قلت: وأخرجه أبو بكر المروزي في "مسند أبي بكر" رقم (25) والبزار في مسنده رقم (71) وابن خزيمة رقم (2631) والدارقطني في العلل (1/ 279) وأبو يعلى رقم (117) والبيهقي (5/ 42) من طرق.

قال الترمذي: حديث أبي بكر حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي فُديك عن الضحاك بن عثمان. ومحمد بن المنكدر لم يسمع من عبد الرحمن بن يربوع؛

".

وخلاصة القول: أن من سنده ضعيف لكن الحديث صحيح، والله أعلم.

(10)

في السنن (3/ 190).

(11)

في "العلل"(1/ 279).

(12)

في سننه (3/ 190).

(13)

كما في "نصب الراية" للزيلعي (3/ 35) من حديث إسماعيل بن عياش، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعًا نحوه - أي نحو حديث =

ص: 143

أبي فروة. وروى ابن المقري في مسند أبي حنيفة

(1)

عن ابن مسعود نحوه.

وأخرجه أبو يعلى

(2)

.

وحديث خزيمة في إسناده صالح بن محمد بن أبي زائدة وهو مدني ضعيف

(3)

، وفيه أيضًا إبراهيم بن أبي يحيى

(4)

، ولكنه قد تابعه عليه عبد الله بن عبيد الله الأموي، وأخرجه البيهقي

(5)

والدارقطني

(6)

.

وحديث ابن عباس الأوّل في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى

(7)

، وفيه مقال.

وحديثه الثاني قال المنذري

(8)

: أخرجه الترمذي وقال: صحيح، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (7). وقد تكلم فيه جماعة من [الأئمة]

(9)

، انتهى كلام المنذري.

وليس في الترمذي إلا الحديث الأول الذي عزاه إليه المصنف، وهو والذي بعده حديث واحد، ولكنه لما اختلف لفظهما جعلهما المصنف حديثين.

قوله: (أن آمر أصحابي .. ) إلخ. استدلّ به على استحباب رفع الصوت للرجل بالتلبية بحيث لا يضر نفسه، وبه قال الجمهور

(10)

قال ابن رسلان: وخرج

= ابن مسعود الآتي - وإسحاق هذا متفق على تضعيفه أيضًا، فلا يحتج بحديث ابن عياش عن الحجازين، وإسحاق مدني. والله أعلم". اهـ.

(1)

مسند الإمام أبي حنيفة تأليف: الإمام أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ص 213.

قلت: وأخرجه أبو يعلى في المسند رقم (5086) من طريق أبي أسامة، به. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 224):"وفيه رجل ضعيف".

والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.

ولفظه: "أفضل الحج العج والثج"، فأما العج فالتلبية، وأما الثج فنحر البدن.

(2)

في المسند رقم (5086) وقد تقدم آنفًا.

(3)

انظر: الكامل (4/ 1376) والمجروحين (1/ 367) والميزان (2/ 299).

(4)

ضعيف انظر: "الكامل"(1/ 219) والمجروحين (1/ 105).

(5)

في السنن الكبرى (5/ 46).

(6)

في سننه (2/ 238 رقم 11) وقد تقدم.

(7)

قال البيهقي في السنن الكبرى عنه (2/ 355): لا يفرح بما يتفرد به.

انظر: الجرح والتعديل (7/ 322) والتقريب (2/ 184).

(8)

في مختصر السنن (2/ 343).

(9)

في المخطوط (أ): (الأمة).

(10)

المغني (5/ 60).

ص: 144

بقوله: "أصحابي" النساء فإن المرأة لا تجهر بها بل تقتصر على إسماع نفسها.

قال الروياني

(1)

: فإن رفعت صوتها لم يحرم لأنه ليس بعورة على المصحح بل يكون مكروهًا، وكذا قال أبو الطيب

(2)

وابن الرفعة.

وذهب داود

(3)

إلى أن رفع الصوت واجب وهو ظاهر قوله: "فأمرني أن آمر أصحابي"، لا سيما وأفعال الحجّ وأقواله بيان لمجمل واجب هو قول الله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}

(4)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:"خذوا عني مناسككم"

(5)

.

قوله: (حتى رمى جمرة العقبة)، فيه دليل على أن التلبية تستمر إلى رمي جمرة العقبة، وإليه ذهب الجمهور

(6)

.

وقالت طائفة: يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر

(7)

، لكن يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة.

وقالت طائفة: يقطعها إذا راح إلى الموقف، رواه ابن المنذر

(8)

وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة

(9)

، وسعد بن أبي وقاص

(1)

في بحر المذهب (5/ 96).

(2)

أبو الطيب الصعلوكي: هو سهل بن محمد بن سليمان بن موسى الصعلوكي.

وهو من كبار أصحابنا - أي الشافعية - أصحاب الوجوه. توفي سنة (404 هـ).

[طبقات ابن السبكي (4/ 393) وتهذيب الأسماء (1/ 238) وشذرات الذهب (3/ 172)].

(3)

المحلى (7/ 93).

(4)

سورة آل عمران: الآية (97).

(5)

وهو حديث صحيح.

أخرجه مسلم رقم (310/ 1297) وأبو داود رقم (1970) والنسائي رقم (3062) من حديث جابر بن عبد الله.

(6)

"المغني"(5/ 297).

(7)

أخرج مالك في "الموطأ"(1/ 338) رقم (46) عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم. حتى يطوف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم يلبي حتى يغدو من مِنًى إلى عرفة، فإذا غدا ترك التلبية. وكان يترك التلبية في العمرة، إذا دخل الحرم".

وهو أثر صحيح.

(8)

كما في "الفتح"(3/ 533).

(9)

أخرج مالك في الموطأ (1/ 338) رقم (45) عن القاسم، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها كانت تترك التلبية إذا رجعت إلى الموقف.

وهو أثر صحيح.

ص: 145

وعليّ

(1)

، وبه قال مالك

(2)

، وقيده بزوال الشمس يوم عرفة، وهو قول الأوزاعي (3) والليث (3). وعن الحسن البصري

(3)

مثله لكن قال: "إذا صلى الغداة يوم عرفة".

واختلف الأولون هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي؟ فذهب جمهورهم

(4)

إلى الأول وإلى الثاني أحمد

(5)

وبعض أصحاب الشافعي

(6)

.

ويدل لهم ما [روى]

(7)

ابن خزيمة

(8)

من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال: "أفضت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ويكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة".

قال ابن خزيمة

(9)

: هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى، وأن المراد حتى رمى جمرة العقبة: أي أتم رميها. اهـ.

والأمر كما قال ابن خزيمة، فإن هذه زيادة مقبولة خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد وقبولها متفق عليه كما تقرر في الأصول

(10)

.

قوله: (حتى يستلم الحجر) ظاهره أنه يلبي في حال دخوله المسجد وبعد رؤية البيت وفي حال مشيه حتى يشرع في الاستلام، ويستثنى منه الأوقات التي فيها دعاء مخصوص.

(1)

أخرج مالك في "الموطأ"(1/ 338 رقم 44) عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أنَّ علي بن أبي طالب كان يلبي في الحج، حتى إذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطع التلبية. وهو أثر ضعيف.

قال يحيى، قال مالك: وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا.

(2)

الاستذكار" (11/ 158 رقم 15808)، وانظر قول مالك في التعليقة السابقة.

(3)

الاستذكار" (11/ 581 رقم 15806) وفتح الباري (3/ 533).

(4)

"الفتح"(3/ 533).

(5)

المغني (5/ 297).

(6)

المجموع (8/ 178).

(7)

في المخطوط (ب): (رواه).

(8)

في صحيحه رقم (2887) بسند صحيح.

(9)

في صحيحه (4/ 282 - 283).

(10)

انظر: البحر المحيط (4/ 336 - 338).

ص: 146

وقد ذهب إلى ما دلّ عليه الحديث من ترك التلبية عند الشروع في الاستلام أبو حنيفة

(1)

والشافعي في الجديد وقال في القديم: يلبي ولكنه يخفض صوته وهو قول ابن عباس وأحمد

(2)

.

[الباب الحادي عشر] باب ما جاءَ في فسخ الحج إلى العمرة

56/ 1866 - (عَنْ جابِرٍ قالَ: أهْلَلْنا بالحَجّ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أمَرَنا أنْ نَحِلَّ ونَجْعَلَها عُمْرَةً، فكَبُرَ ذلكَ عَلَيْنا وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنا، فَقالَ:"يا أيُّها النَّاسُ أحِلُّوا فَلَوْلا الهَدْيُ مَعِي فَعَلْتُ كما فَعَلْتُمْ"، قالَ: فأحْلَلْنا حتَّى وَطِئْنا النِّساءَ وَفَعَلْنا كما يَفْعَلُ الحَلالُ، حتَّى إذَا كانَ يَوْمَ التَّرْوَيةِ وَجَعَلْنا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أهْلَلْنا بالحَجّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

(1)

شرح فتح القدير (3/ 5).

(2)

قال ابن رشد الحفيد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" بتحقيقي (2/ 258 - 259):

• وأما متى يقطع المحرم التلبية:

فإنهم اختلفوا في ذلك، فروى مالك أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كان يقطع التلبية إذا زاغت الشمس من يوم عرفة.

وقال مالك: وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا.

وقال ابن شهاب: كان الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يقطعون التلبية عند زوال الشمس من يوم عرفة.

قال أبو عمر بن عبد البر: واختلف في ذلك عن عثمان وعائشة.

وقال جمهور فقهاء الأمصار وأهل الحديث أبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وداود وابن أبي ليلى، وأبو عبيد، والطبري، والحسن بن حيي: إن المحرم لا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة لما ثبت: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة"[(البخاري رقم (1543، 1544) ومسلم رقم (267/ 1281)].

إلا أنهم اختلفوا متى يقطعها، فقال قوم: إذا رماها بأسرها لما روي عن ابن عباس: "أن الفضل بن عباس كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لبى حتى رمى جمرة العقبة، وقطع التلبية في آخر حصاة" -[ابن خزيمة رقم (2887) بسند صحيح]-.

وقال قوم: بل يقطعها في أول جمرة يلقيها روي ذلك عن ابن مسعود.

وروي في وقت قطع التلبية أقاويل غير هذه إلا أن هذين القولين هما المشهوران". اهـ.

(3)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 302) والبخاري رقم (1651) ومسلم رقم (142/ 1216).

ص: 147

وفي رِوَايَةٍ: أهْلَلْنا مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالحَجّ خالِصًا لا يُخالِطُهُ شَيْء، فَقَدِمْنا مَكَّةَ لأرْبَعِ لَيالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحَجَّةِ، فَطُفْنا وَسَعَيْنا، ثُمَّ أمَرَنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نُحِلَّ وَقالَ:"لَوْلا هَدْيي لحَلَلْتُ"، ثُمَّ قامَ سُرَاقَةُ بْنُ مالِكٍ فَقالَ: يا رَسُولَ الله أرأيت مُتْعَتُنا هَذهِ لعامنا هَذَا أمْ للأبَد؟ فَقالَ: "بَلْ هِيَ للأبَد". رَوَاهُ البُخارِيُّ

(1)

وأبُو دَاوُدَ

(2)

وَلمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ

(3)

. [صحيح]

57/ 1867 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ قالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَصْرُخُ بالحَجّ صُرَاخًا؛ فَلَمَّا قَدِمْنا مَكَّةَ أمَرَنا أنْ نَجْعَلَها عُمْرَةً إلَّا مَنْ ساقَ الهَدْيَ؛ فَلَمَّا كانَ يَوْمُ التَّرْوِيةِ وَرُحْنا إلى مِنًى أهْلَلْنا بالحَجّ. رَوَاهُ أحْمَد

(4)

وَمُسْلِم

(5)

. [صحيح]

58/ 1868 - (وَعَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ قالَتْ: خَرَجْنا مُحْرِمِينَ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَيُقِمْ على إحْرَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ"، فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلَلْتُ، وكانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحْلِلْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(6)

وَابْنُ مَاجَهْ

(7)

. [صحيح]

ولمُسْلِمٍ

(8)

في رِوَايَةٍ: قَدِمْنا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مُهِلِّينَ بالحَجّ). [صحيح]

قوله: (وجعلنا مكة بظهر) أي جعلناها وراء أظهرنا، وذلك عند إرادتهم الذهاب إلى منى.

(1)

في صحيحه رقم (2505، 2506).

(2)

في سننه رقم (1787).

(3)

في صحيحه رقم (141/ 1216).

(4)

في المسند (3/ 5).

(5)

في صحيحه رقم (211/ 1247).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (2795) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 195) والبيهقي (5/ 31) وابن حبان رقم (3793) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(6)

في صحيحه رقم (191/ 1236).

(7)

في سننه رقم (2983)، وهو حديث صحيح.

(8)

في صحيحه رقم (192/ 1236).

ص: 148

قوله: (لا يخالطه شيء) يعني من العمرة ولا القران ولا غيرهما.

قوله: (من ذي الحجة) بكسر الحاء على الأفصح.

قوله: (أرأيت متعتنا هذه)، أي أخبرني عن فسخنا الحجّ إلى عمرتنا هذه التي تمتعنا فيها بالجماع والطيب واللبس.

قوله: (لعامنا هذا)، أي مخصوصة به لا تجوز في غيره، أم للأبد: أي جميع الأعصار.

وقد استدلّ بهذه الأحاديث وبما يأتي بعدها مما ذكره المصنف من قال: إنه يجوز فسخ الحجّ إلى العمرة لكل أحد.

وبه قال أحمد

(1)

وطائفة من أهل الظاهر

(2)

.

وقال مالك

(3)

وأبو حنيفة

(4)

والشافعي

(5)

.

قال النووي

(6)

وجمهور العلماء من السلف والخلف: إن فسخ الحج إلى العمرة هو مختصّ بالصحابة في تلك السنة لا يجوز بعدها، قالوا: وإنما أمروا به في تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحجّ.

واستدلوا بحديث أبي ذر

(7)

وحديث الحارث بن بلال

(8)

عن أبيه وسيأتيان ويأتي الجواب عنهما.

قالوا: ومعنى قوله: "للأبد" جواز الاعتمار في أشهر الحجّ أو القران فهما جائزان إلى يوم القيامة.

وأما فسخ الحجّ إلى العمرة فمختص بتلك السنة.

وقد عارض المجوِّزون للفسخ ما احتج به المانعون بأحاديث كثيرة عن أربعة عشر من الصحابة قد ذكر المصنف في هذا الباب منها أحاديث عشرة منهم:

(1)

المغني (5/ 251 - 252).

(2)

المحلى (7/ 99).

(3)

التمهيد (8/ 176 - 177).

(4)

اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (1/ 453 - 454).

(5)

حلية العلماء (3/ 268).

(6)

في "المجموع"(7/ 162).

(7)

سيأتي برقم (68/ 1878) من كتابنا هذا.

(8)

سيأتي برقم (67/ 1877) من كتابنا هذا.

ص: 149

وهم: جابر

(1)

، وسراقة بن مالك

(2)

، وأبو سعيد

(3)

، وأسماء

(4)

، وعائشة

(5)

، وابن عباس

(6)

، وأنس

(7)

، وابن عمر

(8)

، والربيع بن سبرة

(9)

، والبراء

(10)

.

وأربعة لم يذكر أحاديثهم وهم: حفصة

(11)

وعليّ

(12)

وفاطمة

(13)

بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو موسى

(14)

.

قال في الهدي

(15)

: "وروى ذلك عن هؤلاء الصحابة طوائف من كبار التابعين، حتى صار منقولًا عنهم نقلًا يرفع الشكّ، ويوجب اليقين، ولا يُمكن أحدًا أن ينكره أو يقول لم يقع، وهو مذهبُ أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومذهبُ حَبْر [الأمة]

(16)

وبحرها ابن عباس وأصحابه، ومذهب أبي موسى الأشعري، ومذهب إمام أهل السنة والحديث أحمد بن حنبل

(17)

، وأهل الحديث معه، ومذهب عبد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة ومذهب أهل الظاهر"

(18)

. انتهى.

واعلم أن هذه الأحاديث قاضية بجواز الفسخ، وقول أبي ذر لا يصلح

(1)

تقدم برقم (56/ 1866) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (56/ 1866) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (57/ 1867) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (58/ 1868) من كتابنا هذا.

(5)

سيأتي برقم (59/ 1869) من كتابنا هذا.

(6)

سيأتي برقم (60/ 1870) من كتابنا هذا.

(7)

سيأتي برقم (63/ 1873) من كتابنا هذا.

(8)

سيأتي برقم (64/ 1874) من كتابنا هذا.

(9)

سيأتي برقم (65/ 1875) من كتابنا هذا.

(10)

سيأتي برقم (66/ 1876) من كتابنا هذا.

(11)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (179/ 1229) من حديث حفصة.

(12)

أخرجه البخاري رقم (1558) ومسلم رقم (1250).

(13)

أخرجه أبو داود رقم (1797) والنسائي (5/ 144) وهو حديث صحيح.

(14)

أخرجه البخاري رقم (1559) من حديث أبي موسى الأشعري.

(15)

في "زاد المعاد"(2/ 174).

(16)

في المخطوط (ب)(البرية) والمثبت من المخطوط (أ) وزاد المعاد.

(17)

المغني (5/ 252 - 254).

(18)

المحلى (7/ 99).

ص: 150

للاحتجاج به على أنها مختصة بتلك السنة وبذلك الركب، وغاية ما فيه أنه قول صاحبي فيما هو مسرح للاجتهاد فلا يكون حجة على أحد على فرض أنه لم يعارضه غيره، فكيف إذا عارضه رأي غيره من الصحابة: كابن عباس فإنه أخرج عنه مسلم

(1)

أنه كان يقول: "لا يطوف بالبيت حاجّ إلا حَلَّ".

وأخرج عنه عبد الرزاق

(2)

أنه قال: "مَنْ جاءَ مُهِلًّا بالحجِّ فإنَّ الطوافَ بالبيتِ يُصَيِّرُه إلى عُمْرة شاءَ أم أَبَى، فقيل له: إنَّ الناسَ يُنْكِرونَ ذلِكَ عليكَ، فقال: هي سُنَّةُ نَبِيِّهِمْ وإنْ رَغِمُوا

(3)

، وكأبي موسى فإنه كان يفتي بجواز الفسخ في خلافة عمر كما في صحيح البخاري

(4)

، على أن قول أبي ذر معارض بصريح السنة كما تقدم في جوابه صلى الله عليه وسلم لسراقة بقوله: للأبد لما سأله عن متعتهم تلك بخصوصها مشيرًا إليها بقوله: "مُتعتنا هذه"، فليس في المقام متمسك بيد المانعين يعتد به ويصلح لنصبه في مقابلة هذه السنة المتواترة.

وأما حديث الحارث بن بلال عن أبيه فسيأتي

(5)

أنه غير صالح للتمسك به على فرض انفراده، فكيف إذا وقع معارضًا لأحاديث أربعة عشر صحابيًا كلها صحيحة، وقد أبعد من قال: إنها منسوخة لأن دعوى النسخ [تحتاج]

(6)

إلى نصوص صحيحة متأخرة عن هذه النصوص، وأما مجرد الدعوى فأمر لا يعجز عنه أحد.

وأما ما رواه البزار

(7)

عن عمر أنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل لنا المتعة ثم حرمها علينا"، فقال ابن القيم

(8)

: إن هذا الحديث لا سند [له]

(9)

ولا متن. أما سندُه فمما لا تقومُ به حُجة عند أهلِ الحديث. وأما متنه، فإن المراد بالمتعة فيه مُتعة النساء.

(1)

في صحيحه رقم (208/ 1245).

(2)

كما في زاد المعاد (2/ 173 - 174) بسند صحيح.

(3)

تنبيه: حرفت هذه الكلمة إلى [زعموا] في كل طبعات نيل الأوطار.

وما أثبتناه موافقًا للمخطوط (أ)، (ب) ولرواية عبد الرزاق.

(4)

رقم (1795).

(5)

برقم (67/ 1877) من كتابنا هذا. -

(6)

في المخطوط (ب): (محتاج).

(7)

كما في "زاد المعاد"(2/ 175).

(8)

في كتابه: "زاد المعاد"(2/ 175).

(9)

زيادة من المخطوط (ب).

ص: 151

ثم استدلّ على أن المراد ذلك بإجماع الأمة على أن متعة الحجّ غير محرمة، وبقول عمر: لو حججت لتمتعت كما ذكره الأثرم في سننه

(1)

، وبقول عمر لما سئل:"هل نهي عن مُتعة الحجّ؟ فقال: لا، أَبَعْدَ كِتاب الله؟ "، أخرجه عنه عبد الرزاق

(2)

، وبقوله صلى الله عليه وسلم

(3)

: "بل للأبد" فإنه قطع لتوهم ورود النسخ عليها.

واستدلّ على النسخ بما أخرجه أبو داود

(4)

: "أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر بن الخطاب فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحجّ".

وهو من رواية سعيد بن المسيب عن الرجل المذكور وهو لم يسمع من عمر.

وقال أبو سليمان الخطابي

(5)

: في إسناد هذا الحديث مقال.

وقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته. وجوز ذلك إجماع أهل العلم، ولم يذكر فيه خلافًا. انتهى.

إذا تقرر لك هذا علمت أن هذه السنة عامة لجميع الأمة، وسيأتي في آخر هذا الباب بقية متمسكات الطائفتين.

وقد اختلف هل الفسخ على جهة الوجوب أو الجواز! فمال بعض إلى أنه واجب.

قال ابن القيم في الهدي

(6)

بعد [أن]

(7)

ذكر حديث البراء الآتي

(8)

(1)

كما في "زاد المعاد"(2/ 175).

(2)

كما في "زاد المعاد"(2/ 175).

(3)

تقدم تخريجه برقم (1866) من كتابنا هذا.

(4)

في سننه رقم (1793).

قال المنذري: سعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر.

وهو حديث ضعيف.

(5)

في معالم السنن (2/ 390 - مع السنن).

(6)

(2/ 170).

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

برقم (66/ 1876) من كتابنا هذا.

ص: 152

وغضبه صلى الله عليه وسلم لما لم يفعلوا ما أمرهم به من الفسخ ونحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحجّ لرأينا فرضًا علينا فسخه إلى عمرة تفاديًا من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعًا لأمره.

فوالله ما نسخ هذا في حياته [ولا بعده]

(1)

، ولا صحّ حرف واحد يعارضه ولا خصّ به أصحابه دون من بعدهم، بل أجرى الله على لسان سراقة

(2)

أن سأله هل ذلك مختصّ بهم؟ فأجابه بأن ذاك كائن لأبد الأبد، فما ندري ما يقدم على هذه الأحاديث، وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالفه. انتهى.

والظاهر أن الوجوب رأي ابن عباس لقوله فيما تقدم: إن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى.

59/ 1869 - (وَعَنِ الأسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قالَتْ: خَرَجْنا مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلا نَرَى إلا أنَّهُ الحَجُّ: فَلَمَّا قَدِمْنا تَطَوَّفْنا بالبَيْتِ، وأمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ ساقَ الهَدْيَ أنْ يَحِلَّ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ ساقَ، وَنِساؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فأحْلَلْنَ، قالَتْ عائِشَةُ: فَحِضْتُ فَلَمْ أطُفْ بالبَيْتِ، وَذَكَرَتْ قِصَّتَها. مُتَّفَقٌ عَلَيْه

(3)

. [صحيح]

60/ 1870 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: كانُوا يَرَوْنَ العُمْرَةَ في أشْهُرِ الحَجّ مِنْ أفْجَرِ الفُجُورِ في الأرْضِ وَيَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفَرْ، ويقُولُونَ: إذَا بَرأ الدَّبَرْ، وَعَفا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ العُمْرَةُ لمَنِ اعْتَمَرْ، فَقَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلّينَ بالحَجّ، فأمَرَهُمْ أنْ يَجْعَلُوها عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذلكَ عِنْدَهُمْ فَقالُوا: يا رَسُولَ الله أيُّ الحلّ؟ قال: "حلٌّ كُلُّهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

. [صحيح]

61/ 1871 - (وَعَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِها، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ هَدْيٌ فَلْيُحْلِلْ الحِلَّ كُلَّهُ، فإنَّ العُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ في الحَجّ إلى

(1)

في المخطوط (ب): (ولا بعد موته).

(2)

تقدم برقم (1866) من كتابنا هذا.

(3)

أحمد في المسند (6/ 122) والبخاري رقم (1561) ومسلم رقم (128/ 1211).

(4)

أحمد في المسند (1/ 252) والبخاري رقم (1564) ومسلم رقم (198/ 1240).

ص: 153

يَوْمِ القِيامَةِ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

وَأبُو دَاوُدَ

(3)

وَالنَّسائيُّ

(4)

. [صحيح]

62/ 1872 - (وَعَنْهُ أيْضًا: أنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الحَجّ، فَقالَ: أهَلَّ المُهاجِرُونَ وَالأنْصَارُ وأزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَدَاع وَأهْلَلْنا؛ فَلَمَّا قَدِمْنا مَكَّةَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلُوا إهْلالَكُمْ بالحَجّ عُمْرَةً إلّا مَنْ قَلَّدَ الهَدْي"، فَطُفْنا بالبَيْتِ وَبالصَّفا وَالمَرْوَةِ، وأتَيْنا النِّساءَ وَلَبِسْنا الثِّيابَ، وَقالَ:"مَنْ قَلَّدَ الهَدْي فإنَّهُ لا يَحِلُّ لَهُ حتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ"، ثُمَّ أمَرَنا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أنْ نُهِلَّ بالحَجّ وَإذا فَرَغْنا مِنَ المَنَاسِكِ جِئْنا طُفْنا بالبَيْتِ وَبالصَّفا وَالمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنا وَعَلَيْنا الهَدْيُ كما قالَ تَعالى:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}

(5)

إلى أمْصَارِكُمْ. رَوَاهُ البُخارِيُّ

(6)

. [صحيح]

قوله: (ولا نرى إلا أنه الحجّ)، في لفظ لمسلم

(7)

: "ولا نذكر إلا الحجّ".

(1)

في المسند (1/ 236 - 237).

(2)

في صحيحه رقم (203/ 1242).

(3)

في سننه رقم (1790).

(4)

في سننه رقم (2815).

قال أبو داود: "هذا منكر إنما هو قول ابن عباس". اهـ.

وقال المنذري في "المختصر"(2/ 314 - 315): "وفيما قاله أبو داود نظر؛ وذلك أنه قد رواه الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، وعثمان بن أبي شيبة، عن محمد بن جعفر عن شعبة مرفوعًا.

ورواه أيضًا يزيد بن هارون، ومعاذ بن معاذ العَنْبري، وأبو داود الطيالسي، وعمرو بن مرزوق، عن شعبة مرفوعًا، وتقصير من يقصر به من الرواة لا يؤثر فيما أثبته الحفاظ، والله أعلم". اهـ.

وقال ابن القيم في "تهذيب السنن"(2/ 315 - 316): "والتعليل الذي تقدم لأبي داود في قوله: هذا حديث منكر. إنما هو لحديث عطاء هذا، عن ابن عباس يرفعه: "إذا أهل الرجل بالحج"، فإن هذا قول ابن عباس الثابت بلا ريب، رواه عنه أبو الشعثاء، وعطاء، وأنس بن سليم، وغيرهم من كلامه، فانقلب على الناسخ، فنقله إلى حديث مجاهد عن ابن عباس، وهو إلى جانبه، وهو حديث صحيح لا مطعن فيه ولا علة، ولا يعلل أبو داود مثله، ولا من هو دون أبي داود، وقد اتفق الأئمة الأثبات على رفعه، والمنذري رحمه الله رأى ذلك في السنن، فنقله كما وجده، والأمر كما ذكرناه. والله أعلم". اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(5)

سورة البقرة: الآية (196).

(6)

في صحيحه رقم (1572).

(7)

في صحيحه رقم (125/ 1211).

ص: 154

وظاهر هذا أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا محرمين بالحجّ، وقد تقدم قولها

(1)

: "فمنا من أهلّ بعمرة، ومنا من أهل بالحجّ والعمرة، ومنا من أهلّ بالحجّ".

فيحتمل أنها ذكرت ما كانوا يعتادونه من ترك الاعتمار في أشهر الحجّ، فخرجوا لا يعرفون إلا الحجّ، ثم بيّن لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم وجوه الإِحرام، وجوّز لهم الاعتمار في أشهر الحجّ.

قوله: (ونساؤه لم يسقن) أي الهدي.

قوله: (وذكرت قصتها) وهي كما في البخاري

(2)

وغيره

(3)

: "فلما كانت ليلة الحصبة قلت: يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة [وأرجع

(4)

أنا] بحجة؟ قال: وما طفتِ ليالي قدمنا مكة؟ قلت: لا، قال: فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فأهلّي بعمرة ثم موعدك كذا وكذا، فقالت صفية: ما أراني إلا حابستهم، قال: عَقْرَى حَلْقَى، أو ما طفت يوم النحر؟ قالت: قلت: بلى، قال: لا بأس انفري، قالت عائشة: فلقيني النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها".

قوله: (من أفجر الفجور)، هذا من أباطيلهم المستندة إلى غير أصل كسائر أخواتها.

قوله: (ويجعلون المحرّم صفر) قال في الفتح

(5)

: كذا هو في جميع الأصول من الصحيحين.

قال النووي

(6)

: كان ينبغي أن يكتب بالألف ولكن على تقدير حذفها لا بدّ من قراءته منصوبًا لأنه مصروف بلا خلاف، يعني والمشهور في اللغة الربيعية كتابة المنصوب بغير الألف فلا يلزم من كتابته بغير ألف أن لا يصرف فيقرأ

(1)

تقدم تخريجه برقم (1838) من كتابنا هذا.

(2)

في صحيحه رقم (1561).

(3)

كمسلم رقم (128/ 1211).

(4)

في المخطوط (ب): (وأنا).

(5)

(3/ 426).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 225).

ص: 155

بالألف، وسبقه عياض

(1)

إلى نفي الخلاف فيه، لكن في المحكم

(2)

[كان]

(3)

أبو عبيدة [لا يصرفه]

(4)

، فقيل: لا يمنع الصرف حتى يجتمع علتان فما هما؟ قال: المعرفة والساعة، وفسره المظفري

(5)

بأن مراده بالساعة الزمان، والأزمنة ساعات، والساعات مؤنثة. انتهى.

وإنما جعلوا المحرّم صفرًا لما كانوا عليه من النسيء في الجاهلية، فكانوا يسمون المحرّم صفرًا ويحلونه، ويؤخرون تحريم المحرّم لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة فيضيق عليهم فيها ما يعتادون من المقاتلة والغارة والنهب، فضلَّلهم الله عز وجل في ذلك فقال:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا}

(6)

.

قوله: (إذا برأ الدَّبَر)

(7)

بفتح الدال المهملة والموحدة: أي ما كان يحصل بظهور الإِبل من الحمل عليها ومشقة السفر فإنه كان يبرأ عند انصرافهم من الحجّ.

قوله: (وعفا الأثر)، أي اندرس أثر الإِبل وغيرها في سيرها ويحتمل أثر الدبر المذكور

(8)

، وهذه الألفاظ تقرأ ساكنة الراء لإِرادة السجع.

ووجه تعليق جواز الاعتمار بانسلاخ صفر مع كونه ليس من أشهر الحجّ أنهم لما جعلوا المحرّم صفرًا وكانوا لا يستقرّون ببلادهم في الغالب ويبرأ دبر إبلهم إلا عند انسلاخه ألحقوه بأشهر الحجّ على طريق التبعية، وجعلوا أوّل أشهر الاعتمار شهر المحرّم الذي هو في الأصل صفر، والعمرة عندهم في غير أشهر الحجّ.

(1)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 318).

(2)

لابن سيده (8/ 307).

(3)

في المخطوط (ب): قال.

(4)

في المخطوط (ب): (لا نصرفه).

(5)

في "الفتح"(3/ 426): (وفسره المطرزي).

(6)

سورة التوبة: الآية (37).

(7)

قال ابن الأثير في "النهاية (2/ 97): "إذا برأ الدَّبَرُ وعفا الأثر. الدَّبَرُ بالتحريك: الجرح الذي يكون في ظهر البعير، يقال: دَبر يَدبَر دَبَرًا. وقيل: هو أن يقرح خفّ البعير

". اهـ.

(8)

القاموس المحيط ص 1693.

ص: 156

قوله: (قال حلّ كله) أي الحلّ الذي يجوز معه كل محظورات الإِحرام حتى الوطء للنساء.

قوله: (هذه عمرة استمتعنا بها)، هذا من متمسكات من قال: إن حجه صلى الله عليه وسلم كان تمتعًا وتأوّله من ذهب إلى خلافه بأنه أراد به من تمتع من أصحابه كما يقول الرجل الرئيس في قومه: فعلنا كذا وهو لم يباشر ذلك، وقد تقدم الكلام على حجه صلى الله عليه وسلم.

قوله: (فإن العمرة قد دخلت في الحجّ إلى يوم القيامة)، قيل: معناه سقط فعلها بالدخول في الحج، وهو على قول من لا يرى العمرة واجبة.

وأما من يرى أنها واجبة فقال النووي

(1)

: قال أصحابنا وغيرهم: فيه تفسيران:

(أحدهما): معناه دخلت أفعال العمرة في أفعال الحجّ إذا جمع بينهما بالقران.

(والثاني): معناه لا بأس بالعمرة في أشهر الحجّ.

قال الترمذي

(2)

: هكذا قال الشافعي

(3)

وأحمد

(4)

وإسحاق.

وهذه الأحاديث من أدلة القائلين بالفسخ، وقد تقدم البحث في ذلك.

63/ 1873 - (وَعَنْ أنَسٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم باتَ بِذِي الحُلَيْفَةِ حتَّى أصْبَحَ، ثُمَّ أهَلَّ بِحَجّ وَعُمْرَةٍ وأهَلَّ النَّاسُ بِهِما؛ فَلَمَّا قَدِمْنا أمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حتَّى كانَ يَومُ التَّرْوِيةِ أهَلُّوا بالحَجّ، قالَ: وَنَحَر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ بَدَناتٍ بِيَدهِ قِيامًا وَذَبَحَ بالمُدْيَةِ كَبْشَيْنِ أمْلَحَيْن. رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَالبُخارِيُّ

(6)

وأبُو دَاوُدَ

(7)

. [صحيح]

64/ 1874 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وأصْحابُهُ

(1)

المجموع شرح المهذب (7/ 165).

(2)

في السنن (3/ 186).

(3)

المجموع شرح المهذب (7/ 165).

(4)

المغني (5/ 252).

(5)

في المسند (3/ 268).

(6)

في صحيحه رقم (1551).

(7)

في سننه رقم (1796) و (2793).

وهو حديث صحيح.

ص: 157

مُهِلِّينَ بالحَجّ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ شَاءَ أنْ يَجْعَلَها عُمْرَةً إلَّا مَنْ كانَ مَعَهُ الهَدْيُ"، قالُوا: يا رَسُولَ الله أيَرُوحُ أحَدُنا إلى مِنًى وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا؟ قالَ: "نعَمْ وَسَطَعَتِ المَجامِرُ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

. [صحيح]

حديث ابن عمر هذا قال في مجمع الزوائد

(2)

: رجال أحمد رجال الصحيح وهو في الصحيح باختصار، وهو من أحاديث الفسخ التي قال ابن القيم

(3)

كلها صحاح، وهو أحد الأحاديث التي قال أحمد بن حنبل

(4)

: إن عنده في الفسخ أحد عشر حديثًا صحاحًا.

قوله: (بات بذي الحليفة حتى أصبح)، فيه استحباب المبيت بميقات الإِحرام.

قوله: (وأهلَّ الناس بهما)، فيه استحباب أن تكون تلبية الناس بعد تلبية كبير القوم، ولفظ أبي داود

(5)

: " [ثم]

(6)

أهلّ الناس بهما".

قوله: (فحلوا)، أي أمر من فسخ الحجّ إلى العمرة ممن كان معه أن يحلّ من عمرته.

قوله: (يوم التروية)، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة كما تقدم.

قوله: (قيامًا)، فيه استحباب نحر الإِبل قائمة.

قوله: (وذبح بالمدية كبشين)، فيه مشروعية الأضحية، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى، ويأتي إن شاء الله تفسير الأملح.

قوله: (وذكره يقطر منيًا)، فيه إشارة إلى قرب العهد بوطء النساء.

(1)

في المسند (2/ 28) بسند صحيح.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 233) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

(2)

(3/ 233).

(3)

في زاد المعاد (2/ 167).

(4)

قال أحمد بن حنبل: "عندي ثمانيةَ عشرَ حديثًا صحاحًا جيادًا، كلها في فسخ الحج

" المغني لابن قدامة (5/ 253).

(5)

في سننه رقم (1796) وقد تقدم.

(6)

كذا في المخطوط (أ، ب) في سنن أبي داود (و).

ص: 158

وفيه دليل على جواز استعمال الكلام في المبالغة.

قوله: (وسطعت المجامر) في رواية لابن أبي شيبة

(1)

عن أسماء بنت أبي بكر ما لفظه: "جئنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجًا فجعلناها عمرة، فحللنا الإِحلال كله حتى سطعت المجامر

(2)

بين الرجال والنساء".

والمراد: أنهم تبخروا، والبخور نوع من أنواع الطيب.

65/ 1875 - (وَعَنِ الرَّبِيع بْنِ سَبُرَةَ عَنْ أبِيهِ قالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حتَّى إذَا كانَ بعُسْفانَ قالَ لَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مالِكٍ المُدْلجِيُّ: يا رَسُولَ الله اقْضِ لنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كأنَّمَا وُلِدُوا اليَوْمَ، فَقَالَ:"إِنَّ الله عز وجل قَدْ أدْخَلَ عَلَيْكُمْ في حَجِّكُمْ عُمْرَةً، فإذا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفا وَالمَرْوةِ فَقَدْ حَلَّ إلَّا مَنْ كانَ مَعَهُ هَدْيٌ". رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(3)

. [صحيح]

66/ 1876 - (وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحَابُهُ، قالَ: فأحْرَمْنا بالحَجّ، فَلَمَّا قَدِمْنا مَكَّةَ قَالَ:"اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً"، قالَ: فَقالَ النَّاسُ: يا رَسُولَ الله قَدْ أحْرَمْنا بالحَجّ كَيْفَ نَجْعَلُها عُمْرَةً؟ قالَ: "انْظُرُوا ما آمُرُكُمْ بِهِ فافْعَلُوا"، فَرَدُّوا عَلَيْهِ القَوْلَ فَغَضِبَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حتَّى دَخَلَ على عائِشَةَ وَهُوَ غَضْبانُ، فَرَأتِ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَقالَتْ: مَنْ أغْضَبَكَ أغْضَبَهُ الله؟ قالَ: "وَما لي لا أغْضَبُ وأنا آمُرُ بالأمْرِ فَلا أُتَّبَعُ؟ ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ

(5)

. [ضعيف]

(1)

في المصنف (4/ 103).

(2)

النهاية (1/ 293).

(3)

في سننه رقم (1801)، وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (4/ 286).

(5)

في سننه رقم (2982).

قلت: وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (189) وأبو يعلى رقم (1672) وأبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 162) من طرق عن أبي بكر بن عياش، حدثنا أبو إسحاق، عن البراء بن عازب.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 233) ونسبه لأبي يعلى، وفاته أن ينسبه لأحمد، وقال: رجاله رجال الصحيح.

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 24): هذا إسناد رجاله ثقات إلا أن فيه أبا إسحاق. =

ص: 159

الحديث الأوّل سكت عنه أبو داود

(1)

والمنذري

(2)

ورجاله رجال الصحيح.

والحديث الثاني أخرجه أيضًا أبو يعلى

(3)

ورجاله رجال الصحيح، كما قال في مجمع الزوائد

(4)

، وهو من الأحاديث في الفسخ التي صححها أحمد

(5)

وابن القيم

(6)

.

قوله: (بعسفان) قرية بين مكة والمدينة على نحو مرحلتين من مكة

(7)

. قال في الموطأ: بين مكة وعسفان أربع برد.

قوله: (اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم)، أي أعلمنا علم قوم كأنما وجدوا الآن.

وفي رواية لأبي داود: "كأنما وفدوا اليوم، أي كأنما وردوا عليك الآن".

قوله: (إلا من كان معه هدي)، يعني فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله.

قوله: (فغضب)، استدلّ به من قال بوجوب الفسخ، لأن الأمر لو كان أمر ندب لكان المأمور مخيرًا بين فعله وتركه، ولما كان يغضب

رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مخالفته، لأنه لا يغضب إلا لانتهاك حرمة من حرمات الدين لا لمجرد مخالفة ما أرشد إليه على جهة الندب، ولا سيما وقد قالوا له:"قد أحرمنا بالحجّ كيف نجعلها عمرة؟ فقال لهم: انظروا ما آمركم به فافعلوا"، فإن ظاهر هذا أن ذلك أمر حتم، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لو كان أمره ذلك لبيان الأفضل أو لقصد الترخيص لهم لأبان لهم بعد هذه المراجعة أن ما أمرتكم به هو الأفضل، أو قال لهم: إني أردت الترخيص لكم والتخفيف عنكلم.

67/ 1877 - (وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن عَنِ الحَارِثِ بْنِ بِلالٍ عَنْ أبِيهِ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله، فَسْخُ الحَجّ لنَا خاصَّةً أمْ للنَّاسِ عامَّةً؟ قالَ:"بَلْ لَنَا خَاصَّةً".

= وخلاصة القول: أن حديث البراء بن عازب ضعيف، والله أعلم.

(1)

في سننه (2/ 396).

(2)

في المختصر (2/ 325).

(3)

في مسنده رقم (1672) وقد تقدم.

(4)

(3/ 233).

(5)

كما في المغني (5/ 253).

(6)

في زاد المعاد (2/ 169 - 170).

(7)

النهاية لابن الأثير (3/ 237).

ص: 160

رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ

(1)

، وَهُوَ بِلالُ بْنُ الحارِثِ المُزَنيُّ). [ضعيف منكر]

68/ 1878 - (وَعَنْ سُلَيْمِ بْنِ الأسْوَدِ أن أبا ذَرّ كانَ يَقُولُ فِيمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَها بِعُمْرَةٍ: لَمْ يَكُنْ ذلكَ إلَّا للرَّكْبِ الَّذِينَ كانُوا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(2)

. [صحيح موقوف شاذ]

وَلمُسْلِمٍ

(3)

وَالنَّسائيّ

(4)

وَابْنِ ماجَهْ

(5)

عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبي ذَرّ قالَ: كانَتِ المُتْعَةُ فِي الحَجّ لأصْحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خاصَّة. [صحيح موقوف]

قالَ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ

(6)

: حَدِيثُ بِلالٍ بن الحارِثِ عِنْدِي لَيْسَ يَثْبُتُ، وَلا أقُولُ بِهِ، وَلا يُعْرَفُ هَذَا الرَّجُلُ يَعْنِي الحارِثَ بْنَ بِلالٍ.

وَقالَ: أرأيْتَ لَوْ عُرِفَ الحارِثُ بْنُ بِلالٍ إلَّا أن أحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أصْحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرَوْنَ ما يَرَوْنَ مِنَ الفَسْخِ، أيْنَ يَقَعُ الحارِثُ بْنُ بِلالٍ مِنْهُمْ؟.

وَقال فِي رِوَايَةِ أبي دَاوُدَ

(7)

: لَيْسَ يَصِحُّ حَدِيثٌ في أن الفَسْخَ كانَ لَهُمْ

(1)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 469) وأبو داود رقم (1808) والنسائي رقم (2808) وابن ماجه رقم (2984).

قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (1111) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 194) والدارقطني في السنن (2/ 241) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 41).

إسناده ضعيف.

قال الذهبي في الميزان (1/ 432 رقم الترجمة 1610): "الحارث بن بلال بن الحارث، عن أبيه في "فسخ الحج لهم خاصة" رواه عنه ربيعة الرأي - ربيعة بن أبي عبد الرحمن - وحده، وعنه الدراوردي - عبد العزيز بن محمد -.

قال أحمد بن حنبل: لا أقول به، وليس إسناده بالمعروف. اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف منكر، والله أعلم.

(2)

في سننه رقم (1807) وهو صحيح موقوف شاذ.

(3)

في صحيحه رقم (160/ 1224).

(4)

في سننه رقم (2810).

(5)

في سننه رقم (2985).

وهو صحيح موقوف.

(6)

انظر: "الميزان" للذهبي (1/ 432) والمغني (5/ 254)، وزاد المعاد (2/ 178).

(7)

في سننه رقم (1808)، وهو حديث ضعيف.

ص: 161

خاصَّةً، وَهَذَا أبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ يُفْتِي بِهِ في خِلافَةِ أبي بَكْرٍ وَشَطْرًا مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ.

قُلْتُ: وَيَشْهَدُ لما قَالَهُ قوله في حَدِيثِ جابِرٍ

(1)

: "بَلْ هِيَ للأبَدِ". وَحَدِيثُ أبي ذَرّ

(2)

مَوْقُوفٌ، وَقَدْ خالَفَهُ أبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُما).

أما حديث بلال بن الحارث ففيه ما نقله المصنف عن أحمد.

وقال المنذري

(3)

: إن الحارث شبه المجهول.

وقال الحافظ

(4)

: الحارث بن بلال من ثقات التابعين.

وقال ابن القيم

(5)

: نحن نشهَدُ باللهِ أن حديث بلال بن الحارث هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلط عليه.

قال

(6)

: ثم كيف يكون هذا ثابتًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عباس يُفتي بخلافه ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاصّ والعامّ، وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافِرون ولا يقول له رجل واحد منهم: هذا كان مختصًا بنا ليس لغيرنا. انتهى.

وقد روى عن عثمان

(7)

مثل قول أبي ذر في اختصاص ذلك بالصحابة، ولكنهما جميعًا مخالفان للمروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن ذلك للأبد بمحض الرأي، قد حُمل ما قالاه على محامل:

(1)

تقدم برقم (1866) من كتابنا هذا.

(2)

صحيح موقوف شاذ تقدم قريبًا.

(3)

في "المختصر"(2/ 331).

(4)

قال الحافظ في "التقريب" رقم (1013) الحارث بن بلال بن الحارث المزني، مدني: مقبول من الثالثة. (د س ق).

وقال المحرران: بل: مجهول، تفرد بالرواية عنه ربيعة بن أبي عبد الرحمن، ولم يوثقه أحد. وحديثه الواحد الذي أخرجه أبو داود رقم (1808) والنسائي (5/ 179) وابن ماجه رقم (2984) وأحمد (3/ 469) في فسخ الحج: ضعيف. قال الإمام أحمد: لا أقول به، وليس إسناده بالمعروف.

(5)

في "زاد المعاد"(2/ 179).

(6)

أي ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد"(2/ 179).

(7)

أخرجه مسلم رقم (159/ 1223) وأبو عوانة (2/ 338 رقم 3351).

ص: 162

(أحدها): أنهما أرادا اختصاص وجوب ذلك بالصحابة، وهو قول ابن تيمية حفيد المصنف، لا مجرّد الجواز والاستحباب فهو للأمة إلى يوم القيامة.

(وثانيها): أنه ليس لأحد بعد الصحابة أن يبتدئ حجًا قارنًا أو مفردًا بلا هدي يحتاج معه إلى الفسخ، ولكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو التمتع لمن لم يسق الهدي والقران لمن ساقه، وليس لأحد بعدهم أن يحرم بحجة مفردة ثم يفسخها ويجعلها متعة، وإنما ذلك خاص بالصحابة، وهذان المحملان يعارضان ما حمل المانعون كلامهما عليه من أن المراد أن الجواز مختص بالصحابة إذا لم يكن منهما مرادًا لهم وهما راجحان عليه، وأقل الأحوال أن يكونا مساويين له فتسقط معارضة الأحاديث الصحيحة به.

وأما ما في صحيح مسلم

(1)

عن أبي ذرّ من أن المتعة في الحجّ كانت لهم خاصة فيردّه إجماع المسلمين على جوازها إلى يوم القيامة، فإن أراد بذلك متعة الفسخ ففيه تلك الاحتمالات.

ومن جملة ما احتجّ به المانعون من الفسخ أن مثل ما قاله عثمان وأبو ذرّ لا يقال بالرأي.

ويجاب بأن هذا من مواطن الاجتهاد، ومما للرأي فيه مدخل، على أنه قد ثبت في الصحيحين

(2)

عن عمران بن حصين أنه قال: "تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال رجل برأيه ما شاء"، فهذا تصريح من عمران أن المنع من التمتع بالعمرة إلى الحجّ من بعض الصحابة إنما هو من محض الرأي، فكما أن المنع من التمتع على العموم من قبيل الرأي كذلك دعوى اختصاص التمتع الخاصّ أعني الفسخ بجماعة مخصوصة.

ومن جملة ما تمسك به المانعون من الفسخ حديث عائشة المتقدم

(3)

حيث قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فمنا من أهلّ

(1)

في صحيحه رقم (160/ 1224) وقد تقدم.

(2)

البخاري رقم (1571) ومسلم رقم (170/ 1226).

(3)

برقم (1838) من كتابنا هذا.

ص: 163

بعمرة، ومنا من أهلّ بحجّ حتى قدمنا مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحرم بعمرة ولم يهد فليحل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحلّ حتى ينحر هديه، ومن أهلّ بحجّ فليتم حجه"، وهذا لفظ مسلم

(1)

، وظاهره أنه لم يأمر من حجّ مفردًا بالفسخ بل أمره بإتمام حجه.

وأجيب عن ذلك بأن هذا الحديث غلط فيه عبد الملك بن شعيب وأبوه شعيب أو جده الليث أو شيخه عقيل، فإن الحديث رواه مالك ومعمر والناس عن الزهري عنها، وبينوا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى أن يحلّ.

وقد خالف عبد الملك جماعة من الحفاظ فرووه على خلاف ما رواهُ.

قال في الهدي

(2)

بعد أن ساق الروايات المخالفة لرواية عبد الملك: فإن كان محفوظًا، يعني حديث عبد الملك فيتعين أن يكون قبل الأمر بالإِحلال وجعله عمرة، ويكون هذا أمرًا زائدًا قد طرأ على الأمر بالإِتمام كما طرأ على التخيير بين الإِفراد والتمتع والقران، ويتعين هذا ولا بدّ، وإذا كان هذا ناسخًا للأمر بالفسخ والأمر بالفسخ ناسخًا للإِذن في الإِفراد فهذا مُحال قطعًا، فإنه بعد أن أمرهم بالحلّ لم يأمرهم بنقيضه والبقاء على الإِحرام الأوّل وهذا باطل قطعًا، فيتعين إن كان محفوظًا أن يكون قبل الأمر لهم بالفسخ لا يجوز غير هذا البتة. انتهى.

ومن متمسكاتهم ما في لفظ لمسلم

(3)

من حديث عائشة أنها قالت: " [فأما من أهلّ بعمرة فحلّ]

(4)

، وأما من أهلّ بحجّ أو جمع بين الحجّ والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر".

وأجيب بأن هذا من حديث أبي الأسود عن عروة عنها، وقد أنكره عليه الحفاظ.

(1)

في صحيحه رقم (118/ 1211).

(2)

"زاد المعاد"(2/ 186 - 187).

(3)

في صحيحه رقم (118/ 1211).

(4)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 164

قال أحمد بن حنبل بعد أن ساقه: أيش في هذا الحديث من العجب؟ هذا خطأ، فقلت له: الزهري عن عروة عن عائشة بخلافه، قال: نعم وهشام بن عروة، وقد أنكره ابن حزم، وأنكر حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة بنحوه عند مسلم وقال: لا خفاء في نكرة حديث أبي الأسود ووهنه وبطلانه.

والعجب كيف جاز على من رواه.

قال: وأسلم الوجوه للحديثين المذكورين عن عائشة أن [تخرج]

(1)

روايتهما على أن المراد بقولها: إن الذين أهلُّوا بحجّ أو بحج وعمرة [لم]

(2)

يحلوا، إنها عنت بذلك من كان معه الهدي لأن الزهري قد خالفهما وهو أحفظ منهما، وكذلك خالفهما غيره ممن له مزيد اختصاص بعائشة، ثم إن حديثيهما موقوفان غير مسندين؛ لأنهما إنما ذكرا عنها فعل من فعل ما ذكرت دون أن يذكرا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن لا يحلوا، ولا حجة في أحد دون النبيّ صلى الله عليه وسلم فلو صحّ ما ذكراه، وقد صحّ أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم من لا هدي معه بالفسخ، فتمادى المأمورون بذلك ولم يحلوا لكانوا عصاة لله، وقد أعاذهم الله من ذلك وبرأهم منه، قال: فثبت يقينًا أن حديث أبي الأسود ويحيى إنما عنى فيه من كان معه هدي، وهكذا جاءت الأحاديث الصحاح بأنه صلى الله عليه وسلم أمر من معه الهدي بأن يجمع حجًا مع العمرة ثم لا يحلّ حتى يحلّ منهما جميعًا.

ومن جملة ما تمسك به المانعون من الفسخ أنه إذا اختلف الصحابة ومن بعدهم في جواز الفسخ فالاحتياط يقتضي المنع منه صيانة للعبادة.

وأجيب بأن الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين السنة، فإذا ثبت فالاحتياط هو اتباعها وترك ما خالفها، فإن الاحتياط نوعان: احتياط للخروج من خلاف العلماء، واحتياط للخروج من خلاف السنة ولا يخفى رجحان الثاني على الأول.

(1)

في المخطوط (ب): (يخرج).

(2)

في المخطوط (ب): (ولم).

ص: 165

قال في الهدي

(1)

: وأيضًا فإن الاحتياط ممتنع، فإن للناس في الفسخ ثلاثة أقوال على ثلاثة أنواع:

(أحدها): أنه محرم.

(الثاني): أنه واجب وهو قول جماعة من السلف والخلف.

(الثالث): أنه مستحبّ، فليس الاحتياط بالخروج من خلاف من حرّمه أولى بالاحتياط من الخروج من خلاف من أوجبه؛ [وإذا]

(2)

تعذر الاحتياط بالخروج من الخلاف تعين الاحتياط بالخروج من خلال السنة. انتهى.

ومن متمسكاتهم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج لمخالفة الجاهلية.

وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتمر قبل ذلك ثلاث عمر في أشهر الحجّ كما سلف، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن لهم جواز الاعتمار عند الميقات فقال:"من شاء أن يهل بعمرة فليفعل" الحديث في الصحيحين

(3)

، فقد علموا جوازها بهذا القول قبل الأمر بالفسخ، ولو سلم أن الأمر بالفسخ لتلك العلة لكان أفضل لأجلها فيحصل المطلوب، لأن ما فعله صلى الله عليه وسلم في المناسك لمخالفة أهل الشرك مشروع إلى يوم القيامة، ولا سيما وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إن عمرة الفسخ للأبد" كما تقدم

(4)

.

وقد أطال ابن القيم في الهدي

(5)

الكلام على الفسخ، ورجح وجوبه وبيَّن بطلان ما احتج به المانعون منه.

فمن أحب الوقوف على جميع ذيول هذه المسألة فليراجعه.

(1)

زاد المعاد (2/ 196).

(2)

في المخطوط (ب): (فإذا).

(3)

البخاري رقم (1783) ومسلم رقم (114/ 1211).

(4)

برقم (1866) من كتابنا هذا.

(5)

زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 166 - 206).

فهو مفيد وجيد.

ص: 166

وإذا كان الموقع في مثل هذا المضيق هو إفراد الحجّ، فالحازم المتحري لدينه الواقف عند مشتبهات الشريعة ينبغي له أن يجعل حجه من الابتداء تمتعًا أو قرانًا فرارًا مما هو مظنة البأس إلى ما لا بأس به، فإن وقع في ذلك فالسنة أحقّ بالاتباع (وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل)

(1)

.

* * *

(1)

مثل يضرب في الاستغناء عن الأشياء الصغيرة إذا وجد ما هو أكبر منها وأعظم نفعًا.

ونهر مَعْقِل: في البصرة، وقد احتفره مَعْقِلْ بنُ يسار في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فنسب إليه.

[الأمثال اليمنية (1/ 95)].

وقد تقدم شرح هذا المثل بأطول من ذلك.

ص: 167

[ثالثًا]: أبواب ما يجتنبه المحرم وما يباح له

[الباب الأول] باب ما يجتنبه من اللباس

1/ 1879 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ما يَلْبَسُ المُحْرِمُ؟ قالَ:"لَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ الْقَمِيصَ، ولَا الْعِمَامَةَ، ولَا الْبُرْنُسَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ، وَلَا زَعْفَرَانٌ، وَلَا الْخُفّيْنِ إلَّا أنْ لا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُما حتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ منَ الْكَعْبَيْنِ". رَوَاهُ الجَمَاعةُ

(1)

. [صحيح]

وفي روايَةٍ لأحمدَ

(2)

قالَ: سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ على هذَا المِنْبَرِ وَذَكَرَ مَعْنَاهُ. [إسناده صحيح]

وفي روايَةٍ للدَّارقُطني

(3)

أن رَجُلًا نَادَى في المَسْجِدِ: ماذَا يَتْرُكُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيابِ؟). [صحيح]

قوله: (ما يلبس المحرم؟ قال: لا يلبس) إلخ.

قال النووي

(4)

: قال العلماء هذا الجواب من بديع الكلام، لأن ما لا يلبس منحصر فحصل التصريح به، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال: لا يلبس كذا أي ويلبس ما سواه.

قال البيضاوي

(5)

: سئل عما يلبس فأجاب: بما ليس يلبس ليدل بالالتزام

(1)

أحمد في المسند (2/ 4) والبخاري رقم (1542) ومسلم رقم (1/ 1177) وأبو داود رقم (1824) والترمذي رقم (833) والنسائي رقم (2667) وابن ماجه رقم (2929).

(2)

في المسند (2/ 41) بسند صحيح.

(3)

في سننه (2/ 230 رقم 63) سنده صحيح، والحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم.

(4)

في شرحه لصحيح مسلم رقم (8/ 73).

(5)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 402).

ص: 168

من طريق المفهوم

(1)

على ما يجوز، إنما عدلَ عن الجواب لأنه أخصر. وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإِحرام المحتاج إلى بيانه، إذ الجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب وكان اللائق السؤال عما لا يلبس.

وقال غيره: هذا يُشْبِهُ الأسلوب الحكيم

(2)

، ويقرب منه قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ}

(3)

إلخ، فعدل عن جنس المنفق وهو المسؤول عنه إلى جنس المنفق عليه لأنه الأهم.

قال ابن دقيق العيد

(4)

: يستفاد منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل به المقصود كيف كان ولو بتغيير أو زيادة، ولا يشترط المطابقة

(5)

. انتهى.

وهذا كله مبني على الرواية التي فيها السؤال عن اللبس، وأما على رواية الدارقطني

(6)

المذكورة فليس من الأسلوب الحكيم.

(1)

المفهوم هو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، أي يكون حكمًا لغير المذكور وحالًا من أحواله.

[إرشاد الفحول ص 587 بتحقيقي، وتيسير التحرير (1/ 91)].

(2)

وهو عند علماء البلاغة صَرْف كلام المتكلم أو سؤال السائل عن المراد منه، وحمله على ما هو الأولى بالقصد، أو إجابته على ما هو الأولى بالقصد، وهو قسمان:

1 -

حمل كلام المتكلم على غير ما يريد به، تنبيهًا على أنَّهُ الأولى بالقصد. مثاله: قال تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [الأنفال: 19].

• أي إن تدعو الله بأن ينصركم على الرسول والذين آمنوا معه، فقد جاءكم النصر ولكن على غير ما تطلبون، لقد جاءكم نصر الله لرسوله والذين آمنوا معه عليكم.

• فجاء قبول ظاهر دُعائهم بالنصر ولكن بعد حمله على غير ما طلبوا فيه، لقد طلبوا مجيء النصر فجاءهم النصر للمؤمنين عليهم.

2 -

إجابة السائل بغير ما يطلب من سؤال لتنبيهه على أنَّه الأمر الأهم الذي كان ينبغي أن يسأل عنه.

مثاله: قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ

} [البقرة: 215].

[البلاغة العربية (1/ 501 - 503)، وجواهر البلاغة ص 312، والإتقان للسيوطي (1/ 626).

(3)

سورة البقرة: الآية (215).

(4)

في إحكام الأحكام (3/ 10).

(5)

انظر: تفصيل ذلك في "الإتقان"(1/ 626 - 630).

(6)

في سننه (2/ 230 رقم 63) سنده صحيح والحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم.

ص: 169

وقد رواها كذلك أبو عوانة

(1)

قال في الفتح

(2)

وهي شاذة.

وأخرجه أحمد

(3)

وأبو عوانة

(4)

وابن حبان

(5)

في صحيحيهما بلفظ: "أن رجلًا قال: يا رسول الله ما يجتنب المحرم من الثياب؟ ".

وأخرجه أيضًا أحمد

(6)

بلفظ: "ما يترك"، وقد أجمعوا على أن هذا مختص بالرجل فلا تلحق به المرأة.

قال ابن المنذر

(7)

: أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ذلك وإنما تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس، وسيأتي الكلام على ذلك.

وقوله: (لا يلبس) بالرفع على الخبر الذي في معنى النهي، وروي بالجزم على النهي.

قال عياض

(8)

: أجمع المسلمون على أن ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم، وقد نبه بالقميص [والسراويل]

(9)

على كل مخيط وبالعمائم والبرانس على غيره، وبالخفاف على كل ساتر.

(1)

كما في "الفتح"(3/ 402).

وقال الحافظ: "رواه أبو عوانة من طريق ابن جريج عن نافع بلفظ: "ما يترك المحرم" وهي شاذة، والاختلاف فيها على ابن جريج لا على نافع". اهـ.

(2)

(3/ 402).

(3)

في المسند (2/ 34).

عن ابن عمر، أن رجلًا نادى، فقال: يا رسولَ الله، ما يجتنبُ المحرمُ من الثياب؟ فقال: لا يلبس السراويل، ولا القميص، ولا البرنُس، ولا العِمامة، ولا ثوبًا مسَّه زعفرانٌ، ولا وَرْسٌ، وليُحرم أحدُكم في إزار ورداءٍ ونعلين، فإن لم يجد نعلين، فليلبس خفين وليقطعها حتى يكونا أسفلَ من العقبين".

(4)

كما في "الفتح"(3/ 402).

(5)

في صحيحه رقم (3784).

وهو حديث صحيح دون قوله: "من العقبين" فشاذ.

(6)

في المسند (2/ 8) وهو حديث صحيح.

(7)

في كتابه الإجماع ص 57 رقم (151، 154).

(8)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 161).

(9)

زيادة من المخطوط (ب).

ص: 170

قوله: (ولا ثوبًا مسه ورس ولا زعفران)، الورس بفتح الواو وسكون الراء [بعدها]

(1)

مهملة نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به.

قال ابن العربي

(2)

: ليس الورس من الطيب ولكنه نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملايمة الشم، فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب.

وظاهر قوله: مسه، تحريم ما صبغ كله أو بعضه، ولكنه لا بد عند الجمهور

(3)

من أن يكون للمصبوغ رائحة، فإن ذهبت جاز لبسه خلافًا لمالك.

قوله: (إلا أن لا يجد النعلين) في لفظ للبخاري

(4)

زيادة حسنة بها يرتبط ذكر النعلين بما قبلهما وهي: "وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين".

وفيه دليل على أن واجد النعلين لا يلبس الخفين المقطوعين، وهو قول الجمهور

(5)

.

وعن بعض الشافعية جوازه، والمراد بالوجدان: القدرة على التحصيل.

قوله: (فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين) هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، وقد تقدم الخلاف في ذلك.

وظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد النعلين، وعن الحنفية

(6)

تجب، وتعقب بأنها لو كانت واجبة لبيّنها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وقت الحاجة وتأخير البيان عنه لا يجوز

(7)

.

واستدل به على أن القطع شرط لجواز لبس الخفين خلافًا للمشهور عن

(1)

في المخطوط (ب): (بعدهما).

(2)

في عارضة الأحوذي (4/ 54).

(3)

المغني (5/ 142 - 143).

(4)

بل أخرج الرواية أحمد في المسند (2/ 34) بسند صحيح.

وانظر: فتح الباري (3/ 402).

(5)

المجموع شرح المهذب (7/ 265، 273).

(6)

بدائع الصنائع (2/ 183، 186، 187).

(7)

تقدم بيانه أكثر من مرة.

ص: 171

أحمد

(1)

فإنه أجاز لبسهما من غير قطع لإِطلاق حديث ابن عباس الآتي

(2)

.

وأجاب عنه الجمهور بان حمل المطلق على المقيد واجب وهو من القائلين به، وقد تقدم التنبيه على هذا في باب ما يصنع من أراد الإِحرام، ويأتي تمام الكلام عليه في شرح حديث ابن عباس.

2/ 1880 - (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ المُحْرِمةُ، وَلَا تَلبَسُ الْقُفَّازينِ". رَوَاهُ أحمَدُ

(3)

والْبُخَاري

(4)

والنَّسائيُّ

(5)

والتِّرْمذيُّ وصحَّحهُ

(6)

. [صحيح]

وفي روايَةٍ قالَ: سَمعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَنهى النِّساءَ في الإِحْرَامِ عَنِ الْقُفَّازينِ والنِّقَابِ، وما مَسَّ الْوَرْسُ والزَّعْفَرَانُ مِنَ الثِّيابِ. رواهُ أَحمَدُ

(7)

وأبُو دَاودَ

(8)

وَزَادَ: ولْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ ما أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مُعَصْفَرًا، أَوْ خَزًا، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ قَمِيصًا. [حسن]

الزيادة التي ذكرها أبو داود (8) أخرجها أيضًا الحاكم

(9)

والبيهقي

(10)

.

قوله: (لا تنتقب المرأة) نقل البيهقي

(11)

عن الحاكم عن أبي علي الحافظ أن قوله: لا تنتقب، من قول ابن عمر أُدرج في الخبر.

(1)

المغني (5/ 120).

(2)

برقم (4/ 1882) من كتابنا هذا.

(3)

في المسند (2/ 119).

(4)

في صحيحه رقم (1838).

(5)

في سننه رقم (2667).

(6)

في سننه رقم (833) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (2/ 22، 32).

(8)

في سننه رقم (1827).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(9)

في المستدرك (1/ 486) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(10)

في السنن الكبرى (5/ 47).

(11)

في السنن الكبرى (5/ 47): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: قال أبو على الحافظ: "لا تنتقب المرأة" من قول ابن عمر، وقد أدرج في الحديث.

ص: 172

وقال صاحب الإِمام

(1)

: هذا يحتاج إلى دليل.

وقد حكى ابن المنذر الخلاف هل هو من قول ابن عمر أو من حديثه.

وقد رواه مالك في الموطأ

(2)

عن نافع عن ابن عمر موقوفًا وله طرق في البخاري موصولة ومعلَّقة، والانتقاب لبس غطاء للوجه فيه نقبان على العينين تنظر المرأة منهما.

وقال في الفتح

(3)

: النقاب: الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر.

قوله: (ولا تلبس القفازين) بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاي، ما تلبسه المرأة في يديها فيغطي أصابعها وكفها عند معاناة الشيء كغزل [ونحوه]

(4)

وهو لليد كالخف للرِّجل.

قوله: (وما مس الورس) إلخ. تقدم الكلام عليه في شرح الحديث الذي قبله.

قوله: (ولتلبس بعد ذلك ما أحبت) إلخ. ظاهره جواز لبس ما عدا ما اشتمل عليه الحديث من غير فرق بين المخيط وغيره والمصبوغ وغيره.

(1)

حكاه عنه الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 26) وقال الشيخ: وهذا يحتاج إلى دليل، فإنه خلاف الظاهر، وكأنه نظر إلى الاختلاف في رفعه ووقفه فإن بعضهم رواه موقوفًا، وهذا غير قادح، فإنه يمكن أن يفتي الراوي بما يرويه، ومع ذلك فهنا قرينة مخالفة لذلك دالة على عكسه، وهي وجهان:

(أحدهما): أنه ورد إفراد النهي عن النقاب من رواية نافع عن ابن عمر، مجردًا عن الاشتراك مع غيره، أخرجه أبو داود عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام قال: المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين. انتهى.

(الثاني): أنه جاء النهي عن النقاب والقفازين مبدأ بهما في صدر الحديث، وهذا أيضًا يمنع الإدراج، أخرجه أبو داود أيضًا بالإسناد المذكور أن النبي عليه السلام نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، ومساس الورس والزعفران من الثياب، وتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرًا أو خزًا أو سراويل، أو حليًا، أو قميصًا.

قال المنذري: ورجاله رجال الصحيحين ما خلا ابن إسحاق، والله أعلم". اهـ.

(2)

في الموطأ (1/ 324 - 325 رقم 8).

قلت: وأخرجه البخاري رقم (1542) ومسلم رقم (1177).

(3)

(4/ 53).

(4)

في المخطوط (ب): (أو نحوه).

ص: 173

وقد خالف مالك

(1)

في المعصفر فقال بكراهته، ومنع منه أبو حنيفة

(2)

ومحمد وشبَّهاه بالمُوَرَّس والمزعفر، والحديث يرد ذلك.

واختلف أيضًا العلماء في لبس النقاب فمنعه الجمهور

(3)

وأجازته الحنفية

(4)

، وهو رواية عند الشافعية

(5)

والمالكية، وهو مردود بنص الحديث.

قال في الفتح

(6)

: ولم يختلفوا في منعها من ستر وجهها وكفيها بما سوى النقاب والقفازين.

قوله: (أو حُلِيًّا) بفتح الحاء وإسكان اللام وبضم الحاء مع كسر اللام وتشديد الياء لغتان قرئ بهما في السبع

(7)

، وهو ما يتحلى به المرأة من جلجل وسوار، وتتزين به من ذهب أو فضة أو غير ذلك.

3/ 1881 - (وعَن جابر قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، ومَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فلْيَلْبَسْ سَرَاويلَ". رَوَاهُ أحمَدُ

(8)

ومُسلمٌ

(9)

. [صحيح]

(1)

عيون المجالس (2/ 785)، والمدونة (1/ 295).

(2)

البناية في شرح الهداية (4/ 62).

(3)

المغني (5/ 154).

(4)

البناية في شرح الهداية (4/ 57 - 59).

(5)

المجموع شرح المهذب (7/ 276).

(6)

(4/ 54).

(7)

حُلِيِّهِم: - قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم والحسن وأبو جعفر وشيبة "حُلِيِّهِمْ" بضم الحاء جمع حَلْي، وأصل: حُلِيّ: حُلْوِي، اجتمعت الواو والياء وسبقت الواو بالسكون فقلبت ياء وأدغمت في الياء وكسرت اللام لأجل الياء.

- وقرأ حمزة والكسائي وهبيرة عن حفص عن عاصم وابن محيصن وعبد الله بن مسعود ويحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف والأعمش "حِلِيِّهِمْ" بكسر الحاء اتباعًا لحركة اللام.

قال الطوسي: "

كره الخروج من الضمة إلى الكسرة، وأجراه مجرى "قِسِيّ" جمع قوس.

- وقرأ يعقوب الحضرمي "حَلْيهِم" بفتح الحاء وسكون اللام، وتخفيف الياء، وهو مفرد يُراد به الجنس، أو اسم جمع.

وذكر ابن الجزري أنه انفرد فارس بن أحمد عن يعقوب بضم الهاء، وقال: لم يرو ذلك غيره: "حُلِيِّهُم" ثم ذكر في موضع آخر من النشر أنها قراءة فارس عن رويس.

[معجم القراءات، تأليف: د. عبد اللطيف الخطيب (3/ 162 - 163)].

(8)

في المسند (3/ 323).

(9)

في صحيحه رقم (5/ 1179).

وهو حديث صحيح.

ص: 174

4/ 1882 - (وعَن ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُب بعَرَفاتٍ: "مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاويلَ، ومَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَينِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

وَفي روايَةٍ عَنْ عَمْرو بْنِ دِينارٍ أَنَّ أَبَا الشَّعْثاء أخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطبُ يَقُولُ: "مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا وَوَجَدَ سَرَاوِيلَ فلْيَلْبَسْها، ومَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَوَجَدَ خُفَّيْنِ فلْيَلْبَسْهُما"، قُلتُ: ولَمْ يَقُلْ: لِيَقْطَعْهُمَا؟ قالَ: لَا. رَواهُ أَحمدُ

(2)

. [صحيح]

وهذا بظَاهِرِهِ ناسِخٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عمَرَ بِقطعِ الخُفَّيْنِ لأنَّهُ قاله بعَرَفاتٍ في وقْتِ الحَاجَةِ، وَحدِيثُ ابْنِ عُمَرَ كانَ بالمَدِينَةِ كما سبَقَ في روايَةِ أحمَدَ

(3)

والدَّارقُطني)

(4)

.

قوله: (فليلبس خفين) تمسك بهذا الإِطلاق أحمد

(5)

فأجاز للمحرم لبس الخف والسراويل للذي لا يجد النعلين والإِزار على حالهما، واشترط الجمهور

(6)

قطع الخف وفتق السراويل وتلزمه الفدية عندهم إذا لبس شيئًا منهما على حاله لقوله في حديث ابن عمر المتقدم

(7)

: "فليقطعهما"، فيحمل المطلق على المقيد ويلحق النظير بالنظير.

قال ابن قدامة

(8)

: الأولى قطعهما عملًا بالحديث الصحيح وخروجًا من الخلاف.

قال في الفتح

(9)

: والأصح عند الشافعية

(10)

والأكثر جواز لبس السراويل بغير فتق كقول أحمد

(11)

واشترط الفتق محمد بن الحسن وإمام الحرمين وطائفة.

(1)

أحمد في المسند (1/ 215) والبخاري رقم (5804، 5853) ومسلم رقم (4/ 1178).

(2)

في المسند (1/ 228) بسند صحيح.

(3)

و

(4)

تقدم تخريجه برقم (1879) من كتابنا هذا.

(5)

المغني (5/ 120).

(6)

المغني (5/ 120 - 121).

(7)

برقم (1879) من كتابنا هذا.

(8)

في المغني (5/ 122).

(9)

(4/ 58).

(10)

المجموع شرح المهذب (7/ 264).

(11)

المغني (5/ 120).

ص: 175

وعن أبي حنيفة

(1)

منع السراويل للمحرم مطلقًا ومثله عن مالك

(2)

.

والحديثان المذكوران في الباب يردان عليهما، ومن أجاز لبس السراويل على حاله قيده بأن لا يكون على حالة لو فتقه لكان إزارًا لأنه في تلك الحال يكون واجدًا للإِزار كما قال الحافظ

(3)

.

وقد أجاب الحنابلة على الحديث الذي احتج به الجمهور على وجوب القطع بأجوبة.

(منها) دعوى النسخ كما ذكر المصنف لأن حديث ابن عمر كان بالمدينة قبل الإِحرام وحديث ابن عباس كان بعرفات كما حكى ذلك الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري.

وأجاب الشافعي في الأم

(4)

عن هذا فقال: كلاهما صادق حافظ، وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن تكون عَزَبت عنه أو شك فيها أو قالها فلم ينقلها عنه بعض رواته. اهـ.

وسلك بعضهم طريقة الترجيح بين الحديثين، قال ابن الجوزي

(5)

: حديث ابن عمر اختلف في وقفه ورفعه، وحديث ابن عباس لم يختلف في رفعه.

ورُد بأنه لم يختلف على ابن عمر في رفع الأمر بالقطع إلا في رواية شاذة.

وعورض بأنه اختلف في حديث ابن عباس فرواه ابن أبي شيبة

(6)

بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا.

قال الحافظ

(7)

: ولا يرتاب أحد من المحدثين أن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن عباس لأن حديث ابن عمر جاء بإسناد وصف بكونه أصح الأسانيد واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفاظ منهم نافع وسالم بخلاف حديث

(1)

البناية في شرح الهداية (4/ 54).

(2)

عيون المجالس (2/ 800).

(3)

في "الفتح"(3/ 403).

(4)

في "الأم"(3/ 368).

(5)

في التحقيق في مسائل الخلاف (6/ 124).

(6)

في المصنف (4/ 101).

(7)

في "الفتح"(3/ 403).

ص: 176

ابن عباس فلم يأت مرفوعًا إلا من رواية جابر بن زيد عنه حتى قال الأصيلي

(1)

: إنه شيخ مصري لا يعرف، كذا قال، وهو شيخ معروف موصوف بالفقه عند الأئمة.

واستدل بعضهم بقياس الخف على السراويل في ترك القطع.

ورد بأنه مصادم للنص فهو فاسد الاعتبار، واحتج بعضهم بقول عطاء: إن القطع فساد والله لا يحب الفساد، ورُد بأن الفساد إنما يكون فيما نهى عنه الشارع لا فيما أذن فيه بل أوجبه.

وقال ابن الجوزي

(2)

: يحمل الأمر بالقطع على الإِباحة لا على الاشتراط عملًا بالحديثين، ولا يخفى أنه متكلف والحق أنه لا تعارض بين مطلق ومقيد لإِمكان الجمع بينهما [بحمل]

(3)

المطلق على المقيد، والجمع ما أمكن هو الواجب فلا يصار إلى الترجيح، ولو جاز المصير إلى الترجيح لأمكن ترجيح المطلق بأنه ثابت من حديث ابن عباس

(4)

وجابر

(5)

كما في الباب، ورواية اثنينِ أرجح من رواية واحد.

5/ 1883 - (وعَنْ عائشة قالَتْ: كانَ الرُّكبانُ يَمُرُّونَ بِنَا ونَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مُحْرِماتٌ، فإِذَا حاذَوا بنَا أسْدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَها مِنْ رَأسِهَا على وَجْهِهَا، فإِذَا جَاوَزُونا كَشَفْنَاهُ. رَواهُ أحمدُ

(6)

وأبُو دَاودَ

(7)

وابْنُ ماجَهْ

(8)

. [حسن لغيره]

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 403).

(2)

في "التحقيق"(6/ 124 - 125).

(3)

في المخطوط (ب): (فحمل).

(4)

تقدم برقم (1882) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (1881) من كتابنا هذا.

(6)

في المسند (6/ 30).

(7)

في سننه رقم (1833).

(8)

في سننه رقم (2935).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (2691) وإسحاق بن راهويه في مسنده رقم (1189) وابن الجارود في المنتقى رقم (418) والدارقطني (2/ 294) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 48) وابن أبي شيبة في الجزء المفقود ص 307 وابن عدي في الكامل (7/ 2597) من طرق.

وإسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد القرشي، وانظر: المختصر (2/ 354).

وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره بالشواهد التي سيذكرها الشوكاني في الكلام على هذا الحديث (ص 178).

ص: 177

6/ 1884 - (وعَنْ سَالِمٍ أَنَّ عبْدَ الله، يعني ابْنَ عُمَرَ كانَ يَقْطَعُ الْخُفّيْنِ لِلْمَرأةِ المُحْرِمةِ، ثمَّ حدَّثتهُ حَدِيثَ صَفيَّةَ بنْتِ أِبي عُبَيْدٍ أن عائشةَ حدَّثَتْها أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ قَدْ رَخَّص لِلنِّساءِ في الخُفَّيْنِ فَتَرَكَ ذَلِكَ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(1)

. [حسن]

الحديث الأول أخرجه ابن خزيمة

(2)

وقال: في القلب من يزيد بن أبي زياد

(3)

.

ولكن ورد من وجه آخر

(4)

ثم أخرج من طريق فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وهي جدتها نحوه وصححه الحاكم

(5)

، قال المنذري: قد اختار جماعة العمل بظاهر هذا الحديث.

وذكر الخطابي

(6)

أن الشافعي علق القول فيه يعني على صحته، ويزيد بن أبي زياد (3) المذكور قد أخرج له مسلم، وفي الخلاصة عن الذهبي أنه صدوق، وقد أعلّ الحديث أيضًا بأنه من رواية مجاهد عن عائشة وقد ذكر يحيى بن سعيد القطان وابن معين بأنه لم [يسمع]

(7)

منها.

وقال أبو حاتم الرازي

(8)

: مجاهد عن عائشة مرسل، وقد احتج البخاري ومسلم في صحيحيهما بأحاديث من رواية مجاهد عن عائشة.

(1)

في سننه رقم (1831).

قال المنذري في "المختصر"(2/ 353): في إسناده محمد بن إسحاق، قلت: قد صرح بالتحديث هنا.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(2)

في صحيحه رقم (2691) وقد تقدم.

(3)

قال الحافظ في "التقريب" رقم (7717): يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم، الكوفي: ضعيف كَبِرَ فتغيَّر وصار يتلقن وكان شيعيًا من الخامسة. (خت م 4).

(4)

أخرجه ابن خزيمة في صحيحه رقم (2690) بسند صحيح.

(5)

في المستدرك (1/ 454) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني في الإرواء (4/ 212).

(6)

في معالم السنن (2/ 411 - مع السنن).

(7)

في المخطوط (ب): (يستمع).

(8)

في كتابه المراسيل (ص 203 رقم 747).

ص: 178

والحديث الثاني في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال مشهور قد قدمنا ذكره في أول هذا الشرح، ولكنه لم يعنعن [هاهنا]

(1)

.

قوله: (فإذا حاذوا بنا)، في نسخ للمصنف هكذا فإذا حاذوا بنا. ولفظ أبي داود

(2)

: فإذا جازوا بنا بالزاي مكان الذال، وفي التلخيص

(3)

وغيره: فإذا حاذونا.

قوله: (جلبابها) أي ملحفتها.

قوله: (من رأسها) تمسك به أحمد

(4)

فقال: إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق رأسها، واستدل بهذا الحديث على أنه يجوز للمرأة إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبًا منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها لأن المرأة تحتاج إلى ستر وجهها فلم يحرم عليها ستره مطلقًا كالعورة لكن إذا سدلت يكون الثوب متجافيًا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة هكذا قال أصحاب الشافعي

(5)

وغيرهم. وظاهر الحديث خلافه لأن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان التجافي شرطًا لبيّنه صلى الله عليه وسلم

(6)

.

قوله: (كان يقطع الخفين للمرأة) لعموم حديث ابن عمر المتقدم

(7)

، فإن ظاهره شمول الرجل والمرأة لولا هذا الحديث والإِجماع المتقدم.

قوله: (فترك ذلك) يعني رجع عن فتواه. وفيه دليل على أنه يجوز للمرأة أن تلبس الخفين بغير قطع.

[الباب الثاني] باب ما يصنع من أحرم في قميص

7/ 1885 - (عَنْ يَعْلى بْنِ أُميَّةَ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جاءَهُ رَجُلٌ مُتَضَمّخٌ بِطيبٍ، فقالَ: يا رسُولَ الله كَيْفَ تَرَى في رَجُلٍ أحْرَمَ في جُبَّةٍ بعْدَما تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَنَظَرَ

(1)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (أ).

(2)

في سننه رقم (1833).

(3)

التلخيص الحبير (2/ 518).

(4)

المغني (5/ 154 - 155).

(5)

حلية العلماء (3/ 286) والمجموع (7/ 276).

(6)

والخلاصة أن للمرأة أن تسدل من ثيابها على وجهها من فوق رأسها إذا خشيت أن يراها الرجال، ولا يلزمها بذلك كفارة، وإن لامس الخمار وجهها ولكن لا تتبرفع ولا تنتقب. والله أعلم.

(7)

برقم (1879) من كتابنا هذا.

ص: 179

إليهِ النبي صلى الله عليه وسلم سَاعةً فَجاءَهُ الْوَحْيُ ثمَّ سُرِّيَ عنْهُ، فقالَ:"أيْنَ الَّذِي سألَنِي عَنِ العُمْرةِ آنِفًا"، فالْتُمِسَ الرَّجلُ فَجيءَ بِهِ، فقالَ:"أمَّا الطّيبُ الَّذِي بكَ فاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّات، وَأمَّا الجُبَّةُ فانْزِعْها ثمَّ اصْنَعْ في العُمْرةِ كُلَّ ما تَصْنَعُ في حَجِّكَ". مُتَّفقٌ

(1)

علَيْهِ. [صحيح]

وفي روَايَةٍ لَهُمْ

(2)

: وَهْوَ مُتَضَمِّخٌ بالْخُلُوقِ. [صحيح]

وفي روَايَةٍ لأبي داوُدَ

(3)

: فقالَ لهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اخلَعْ جُبَّتَكَ"، فَخَلَعَهَا مِنْ رَأسِهِ). [صحيح دون قوله "من رأسه" فإنه منكر]

قوله: (جاءه رجل) ذكر ابن فتحون

(4)

عن تفسير الطرطوشي

(5)

أن اسمه عطاء بن منية، فيكون أخا يعلى بن أمية لأنه يقال له يعلى بن منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية، وهي أمه، وقيل: جدته.

وقال ابن الملقن

(6)

: يجوز أن يكون هذا الرجل عمرو بن سواد، وذكر الطحاوي

(7)

أن الرجل هو يعلى بن أمية الراوي.

قوله: (ثم سُرِّي عنه) بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة أي كشف عنه

(8)

.

قوله: (الذي بك) هو أعم من أن يكون بثوبه أو ببدنه، ولكن ظاهر قوله:"وأما الجبة .. إلخ" أنه أراد الطيب الكائن في البدن.

(1)

أحمد في المسند (4/ 222) والبخاري رقم (1536) ومسلم رقم (8/ 1180).

(2)

أي لأحمد (4/ 224) والبخاري رقم (4329، 4985) ومسلم رقم (7/ 1180).

(3)

في سننه رقم (1820).

وهو حديث صحيح دون قوله "من رأسه" فإنه منكر.

(4)

في "الذيل على الاستيعاب" ابن فتحون، أبو بكر، محمد بن أبي القاسم الأندلسي، ت (519 هـ).

[معجم المصنفات (ص 196 رقم 550)]. وانظر: "الفتح"(3/ 394).

(5)

تفسير الطرطوشي: (أبو بكر، محمد بن الوليد بن خلف بن سليمان الفِهْري، ت 520 هـ).

[معجم المصنفات (ص 131 رقم 310)].

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 394).

(7)

في شرح معاني الآثار (2/ 126).

(8)

النهاية (2/ 364).

ص: 180

قوله: (ثم اصنع في العمرة كل ما تصنع في حجك)، فيه دليل على أنهم كانوا يعرفون أعمال الحج.

قال ابن العربي

(1)

: كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإِحرام إذا حجوا، وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد.

وقال ابن المنيِّر

(2)

: قوله: (واصنع) معناه اترك، لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل.

وأما قول ابن بطال

(3)

: أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ففيه نظر، لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده.

وقال النووي

(4)

كما قال ابن بطال وزاد: ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج.

وقال الباجي

(5)

: المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية، كذا قال، ولا وجه لهذا الحصر لأنه قد ثبت عند مسلم

(6)

والنسائي

(7)

في هذا الحديث بلفظ: "ما كنت صانعًا في حجك؟ فقال: أنزع عني هذه الثياب واغسل عني هذا الخلوق، فقال: ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عمرتك".

قال الإِسماعيلي

(8)

: ليس في حديث الباب أن الخلوق كان على الثوب، وإنما فيه أن الرجل كان متضمخًا، وقوله:"اغسل الطيب الذي بك"، يوضح أن

(1)

في عارضة الأحوذي (4/ 60).

(2)

حكاه عنه في "الفتح"(3/ 394).

(3)

في شرحه لصحيح البخاري (4/ 206).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 78).

(5)

في "المنتقى"(2/ 196).

(6)

في صحيحه رقم (7/ 1180).

(7)

في سننه رقم (2709).

وهو حديث صحيح.

(8)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 395).

ص: 181

الطيب لم يكن على ثوبه وإنما كان على بدنه، ولو كان على الجبة لكان في نزعها كفاية من جهة الإِحرام.

واستدل بحديث الباب على منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن، وهو قول مالك

(1)

ومحمد بن الحسن

(2)

.

وأجاب الجمهور

(3)

عنه بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة وهي في سنة ثمان بلا خلاف.

وقد ثبت عن عائشة

(4)

أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها عند إحرامهما، وكان ذلك في حجة الوداع وهي سنة عشر بلا خلاف.

وإنما يؤخذ بالأمر الآخر فالآخر وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران، وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقًا مُحرمًا وغير محرم.

وقد أجاب المصنِّف بهذا كما سيأتي.

وقد تقدَّم الكلام على ما يجوز من الطيب للمحرم وما لا يجوز في باب ما يصنع من أراد الإِحرام.

وقد استدل بهذا الحديث على أن المحرم ينزع ما عليه من المخيط من قميص أو غيره ولا يلزمه عند الجمهور تمزيقه ولا شقه.

وقال النخعي والشعبي: لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيًا لرأسه، أخرجه ابن أبي شيبة

(5)

عنهما وعن علي نحوه وكذا عن الحسن وأبى قلابة.

ورواية أبي داود

(6)

المذكورة في الباب ترد عليهم.

(1)

المنتقى للباجي (2/ 196) وعيون المجالس (2/ 797).

(2)

في كتابه "الأصل"(2/ 398).

(3)

المجموع شرح المهذب (7/ 286 - 287).

(4)

أخرجه أحمد (6/ 162) والبخاري رقم (1539) ومسلم رقم (31/ 1189).

(5)

ابن أبي شيبة في الجزء المفقود ص 323.

(6)

في سننه رقم (1820).

قلت: وقوله "من رأسه" منكرة كما تقدم.

ص: 182

واستدل بالحديث أيضًا على أن من أصاب طيبًا في إحرامه ناسيًا أو جاهلًا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه

(1)

.

ولهذا قال المصنف

(2)

رحمه الله: وظاهره أن اللبس جَهْلًا لا يوجب الفِدْيةَ، وقد احتج به من منع من استدامة الطيب، وإنما وجهه أنه أمره بغسله، لكراهة التزعفر للرجل لا لكونه محرمًا متطيبًا. انتهى.

وقال مالك

(3)

: إن طال ذلك عليه لزمه دم، وعن أبي حنيفة

(4)

وأحمد

(5)

في رواية: يجب مطلقًا.

[الباب الثالث] باب تَظَلُّل المُحرِم من الحرِّ أو غيره والنهي عن تَغْطيةِ الرأس

8/ 1886 - (عَنْ أُمّ الحصَيْنِ قالَتْ: حَجَجْنَا مَعَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الوَدَاعِ فَرَأيْتُ أُسَامَةَ وَبلَالًا وَأَحَدُهُما آخِذٌ بِخِطامِ ناقَةِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، والآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الحَرِّ حتَّى رمى جَمْرَةَ العقَبَةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: حَجَجْنَا معَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الوَدَاعِ، فَرَأَيْتهُ حين رمى جَمْرَةَ العَقَبَةِ وانْصَرَفَ وَهوَ على رَاحِلَتِهِ وَمعَهُ بلَالٌ وأُسامةُ أَحَدُهُما يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ على رأسِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يُظِلُّهُ مِنَ الشَّمْسِ. رَوَاهُما أحمَدُ

(6)

ومُسْلِمٌ

(7)

. [صحيح]

9/ 1887 - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجلًا أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهوَ محْرِمٌ فمَاتَ،

(1)

المجموع شرح المهذب (7/ 293).

(2)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(2/ 242).

(3)

المنتقى للباجي (2/ 196)، وعيون المجالس (2/ 797).

(4)

المبسوط للسرخسي (2/ 126).

(5)

المغني (5/ 143).

(6)

في المسند (6/ 402).

(7)

في صحيحه رقم (311، 312/ 1298).

وهو حديث صحيح.

ص: 183

فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْهِ وَلا تُخَمِّروا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ، فإِنهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا". رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

ومُسْلِمٌ

(2)

والنَّسائيُّ

(3)

وَابْنُ ماجَه

(4)

. [صحيح]

قوله: (يستره من الحر). [وكذا]

(5)

.

قوله: (يظله من الشمس)، فيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره من محمل وغيره وإلى ذلك ذهب الجمهور

(6)

.

وقال مالك

(7)

وأحمد

(8)

: لا يجوز. والحديث يرد عليهما.

وأجاب عنه بعض أصحاب مالك بأن هذا المقدار لا يكاد يدوم فهو كما أجاز مالك للمحرم أن يستظل بيده فإن فعل لزمته الفدية عند مالك

(9)

وأحمد

(10)

.

وأجمعوا على أنه لو قعد تحت خيمة أو سقف جاز.

وقد احتج لمالك وأحمد على منع التظلل بما رواه البيهقي

(11)

بإسناد صحيح عن ابن عمر: "أنه أبصر رجلًا على بعيره وهو محرم وقد استظل بينه وبين الشمس فقال: أضح لمن أحرمت له".

وبما أخرجه البيهقي

(12)

أيضًا بإسناد ضعيف عن جابر مرفوعًا: "ما من محرم يضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه".

وقوله: أضح بالضاد المعجمة، وكذا يضحى، والمراد: أبرز للضحى، قال الله تعالى:{وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}

(13)

.

(1)

في المسند (5/ 211).

(2)

في صحيحه رقم (98/ 1206).

(3)

في سننه رقم (2854، 2855).

(4)

في سننه رقم (3084).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المخطوط (ب): (وكذلك).

(6)

المغني (5/ 129) والمجموع شرح المهذب (7/ 377).

(7)

التسهيل (3/ 926 - 927).

(8)

المغني (5/ 129).

(9)

التسهيل (3/ 926 - 927).

(10)

المغني (5/ 130).

(11)

في السنن الكبرى (5/ 70) بسند صحيح.

(12)

في السنن الكبرى (5/ 70) بسند ضعيف.

(13)

سورة طه: الآية (119).

ص: 184

ويجاب بأن قول ابن عمر لا حجة فيه، وبأن حديث جابر مع كونه ضعيفًا لا يدل على المطلوب، وهو المنع من التظلل ووجوب الكشف لأن غاية ما فيه أنه أفضل، على أنه يبعد منه صلى الله عليه وسلم أن يفعل المفضول ويدع الأفضل في مقام التبليغ.

قوله: (اغسلوه بماء وسدر)، قد تقدم الكلام على هذا في كتاب الجنائز

(1)

وساقه المصنف ههنا للاستدلال به على أنه لا يجوز للمحرم تغطية رأسه ووجهه لأن التعليل بقوله: "فإنه يبعث ملبيًا" يدل على أن العلة: الإِحرام.

قال النووي

(2)

: أما تخمير الرأس في حق المحرم الحي فمجمع على تحريمه.

وأما وجهه فقال مالك

(3)

وأبو حنيفة

(4)

: هو كرأسه.

وقال الشافعي

(5)

والجمهور

(6)

: لا إحرام في وجهه وله تغطيته وإنما يجب كشف الوجه في حق المرأة والحديث حجة عليهم.

وهكذا الكلام في المحرم الميت لا يجوز تغطية رأسه عند الشافعي

(7)

وأحمد

(8)

وإسحاق وموافقيهم.

وكذلك لا يجوز أن يلبس المخيط لظاهر قوله: فإنه يبعث ملبيًا، وخالف في ذلك مالك والأوزاعي وأبو حنيفة

(9)

فقالوا: يجوز تغطية رأسه وإلباسه المخيط والحديث يرد عليهم.

وأما تغطية وجه من مات محرمًا فيجوز عند من قال بتحريم تغطية رأسه، وتأولوا هذا الحديث على أن النهي عن تغطية وجهه ليس لكونه وجهًا إنما ذلك صيانة للرأس فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه.

وهذا تأويل لا يلجئ إليه مُلجئ، والكلام على بقية أطراف الحديث قد تقدم في الجنائز.

(1)

عند الحديث (1399) من كتابنا هذا.

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 128).

(3)

التسهيل (3/ 932).

(4)

البناية في شرح الهداية (4/ 57).

(5)

في الأم (3/ 370) والمجموع (7/ 265).

(6)

المجموع (7/ 265) والمغني (5/ 151).

(7)

في الأم (3/ 370).

(8)

المغني (5/ 150 - 151).

(9)

البناية في شرح الهداية (4/ 58).

ص: 185

[الباب الرابع] باب المحرم يتقلد بالسيف للحاجة

10/ 1888 - (عَنِ البَرَاءِ قالَ: اعتَمَر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في ذِي القَعْدَةِ، فأبى أهلُ مكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مكَّة حتَّى قاضَاهُمْ لا يُدْخِلُ مكَّةَ سِلاحًا إِلَّا فِي القِرَابِ

(1)

. [صحيح]

11/ 1889 - (عَنِ ابْنِ عُمرَ أَنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فحالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بيْنَهُ وبَيْنَ البَيْتِ، فَنَحرَ هَدْيَهُ، وحلَقَ رأْسهُ بالحُدَيْبِيَةِ وقاضَاهُمْ على أنْ يعْتَمِرَ العَامَ المُقْبِلَ، ولَا يَحْملَ سلاحًا علَيْهِمْ إلا سُيُوفًا، ولا يُقِيم إلَّا ما أَحَبُّوا، فاعْتمَرَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كما كانَ صالحهُمْ؛ فَلَمَّا أنْ أَقامَ بِهَا ثَلاثَة أَيَّامٍ أَمَرُوهُ أنْ يَخْرُجَ فخَرَجَ. رَواهُما أَحْمَدُ

(2)

والْبُخاريُّ

(3)

. [صحيح]

وهْوَ دَليلٌ على أَنَّ للْمُحْصَرِ نَحْرَ هَدْيِهِ حيْثُ أُحْصِر).

قوله: (إلا في القِراب) بكسر القاف، هو وعاء

(4)

يجعل فيه راكب البعير سيفه مغمدًا ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته ويعلقه في الرحل.

وإنما وقعت المقاضاة بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم على أن يكون سلاح النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه في القرابات لوجهين ذكرهما أهل العلم.

(الأول) أن لا يظهر منه حال دخوله دخول المغالبين القاهرين لهم.

(والثاني) أنها إذا عرضت فتنة أو غيرها يكون في الاستعداد للقتال بالسلاح صعوبة، قاله أبو إسحاق السبيعي.

(1)

أحمد في المسند (4/ 298) والبخاري رقم (4251).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (938) وأبو عوانة (4/ 238) وابن حبان رقم (4873) والبيهقي في السنن الصغير رقم (2909) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (2/ 124).

(3)

في صحيحه رقم (2701) و (4252).

وهو حديث صحيح.

(4)

النهاية لابن الأثير (4/ 34).

ص: 186

وفي الحديثين دليل على جواز حمل السلاح بمكة للعذر والضرورة، لكن بشرط أن يكون في القراب كما فعله صلى الله عليه وسلم.

فيخصص بهذين الحديثين عموم حديث جابر عند مسلم

(1)

قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح".

فيكون هذا النهي فيما عدا من حمله للحاجة والضرورة، وإلى هذا ذهب الجماهير

(2)

من أهل العلم.

قال القاضي عياض

(3)

: هذا محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولا حاجة، فإن كانت حاجة جاز.

قال

(4)

: وهذا مذهب الشافعي

(5)

ومالك وعطاء.

قال (4): وكرهه الحسن البصري تمسكًا بهذا الحديث، يعني حديث النهي.

قال: وشذّ عكرمة

(6)

فقال: إذا احتاج إليه حمله وعليه الفدية، ولعله أراد إذا كان محرمًا ولبس المغفر أو الدرع ونحوهما فلا يكون مخالفًا للجماعة. انتهى.

والحق ما ذهب إليه الجمهور لأن فيه الجمع بين الأحاديث، وهكذا يخصص بحديثي الباب عموم قول ابن عمر المتقدم في كتاب العيد

(7)

: وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم فيكون مراده لم يكن السلاح يدخل الحرم لغير حاجة إلا للحاجة، فإنه قد دخل به صلى الله عليه وسلم غير مرة كما في دخوله يوم الفتح هو وأصحابه، ودخوله صلى الله عليه وسلم للعمرة كما في حديثي الباب اللذين أحدهما من رواية ابن عمر.

(1)

في صحيحه رقم (449/ 1356).

(2)

المغني (5/ 128).

(3)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 476).

(4)

أي القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 476).

(5)

في الأم (3/ 376).

(6)

أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 58 رقم الباب 17 - مع الفتح) معلقًا.

وقال الحافظ في الفتح: ولم أقف على أثر عكرمة هذا موصولًا.

(7)

عند الحديث رقم (1272) من كتابنا هذا.

ص: 187

[الباب الخامس] باب منع المحرم من ابتداء الطيب دون استدامته

12/ 1890 - (في حَديثِ ابْن عُمَرَ: ولا ثوْبٌ مَسَّهُ وَرْسٌ ولا زَعْفَرَان

(1)

.

وقالَ في المُحْرِمِ الَّذي ماتَ: لا تُحَنِّطوهُ)

(2)

.

13/ 1891 - (وعَنْ عائِشةَ قالتْ: كأنِّي أَنْظُرُ إلى وَبيصِ الطِّيبِ في مَفْرقِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَيَّامٍ وهْوَ مُحْرِمٌ. مُتَّفقٌ عليهِ

(3)

. [صحيح]

ولمُسْلمٍ

(4)

والنَّسائيِّ

(5)

وأَبي داوُدَ

(6)

: كأنِّي أَنْظُرُ إلى وَبيصِ المِسْكِ في مَفْرَقِ رسُول الله صلى الله عليه وسلم وهْوَ مُحْرِمٌ). [صحيح]

14/ 1892 - (وعَنْ عائِشةَ قالَتْ: كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى مَكَّةَ فنُضَمِّدُ جِباهَنا بالسُّكِ المُطَيَّبِ عِنْدَ الإِحْرام، فإِذا عَرِقَتْ إِحْدَانا سالَ على وَجْهِها فَيَراهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا ينْهانا. رواهُ أَبُو دَاوُد

(7)

. [صحيح]

15/ 1893 - (وعَنْ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ادَّهَنَ بِزَيْتٍ غيْرِ مُقَتَّتٍ وهْوَ مُحْرِمٌ. رَواهُ أَحمدُ

(8)

وابْنُ ماجَهْ

(9)

والترْمِذيُّ

(10)

، وقالَ: هذَا

(1)

تقدم برقم (1879) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (1399) من كتابنا هذا.

(3)

أحمد في المسند (6/ 124) والبخاري رقم (1538) ومسلم رقم (39/ 1190).

(4)

في صحيحه رقم (15/ 1190).

(5)

في سننه رقم (2695).

(6)

في سننه رقم (1746).

وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه رقم (1830). وهو حديث صحيح.

(8)

في المسند (2/ 29).

(9)

في سننه رقم (3083).

(10)

في سننه (962).

إسناده ضعيف لضعف فرقد السَّبَخي. قال عنه الحافظ في "التقريب" رقم (5384): صدوق عابد، لكنه ليِّن الحديث كثير الخطأ.

وقال المحرران: بل ضعيف، فقد ضعفه أيوب السختياني، ويحيى بن سعيد القطان، وعلي بن المديني، والبخاري، والنسائي، وأبو حاتم، ويعقوب، وابن شيبة، وابن سعد، وأبو زرعة الرازي، وابن حبان، والبزار، والدارقطني، وأحمد بن حنبل، وأبو أحمد الحاكم، واختلف فيه قول ابن معين، فضعفه مرّة ووثقه أخرى.

ص: 188

حَديثٌ غَريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ فَرْقَدٍ السَبخِي عَنْ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ يحيى بْنُ سَعِيدٍ في فَرْقَدٍ، وقَدْ رَوَى عَنهُ النَّاسُ). [إسناده ضعيف]

حديث ابن عمر تقدم

(1)

في باب ما يجتنبه المحرم من اللباس.

قوله: (لا تحنطوه)، تقدم

(2)

في باب تطييب بدن الميت من كتاب الجنائز.

وحديث عائشة الثاني سكت عنه أبو داود

(3)

والمنذري

(4)

وإسناده رواته ثقات إلا الحسين بن الجنيد شيخ أبي داود، وقد قال النسائي

(5)

: لا بأس به. وقال ابن حبان في الثقات

(6)

: مستقيم الأمر فيما يروي.

وحديث ابن عمر في إسناده المقال الذي أشار إليه الترمذي

(7)

، ومن عدا فرقدًا فهم ثقات.

قوله: (كأني أنظر إلى وبيص الطيب)، قد تقدم الكلام على هذا تفسيرًا وحكمًا في باب ما يصنع من أراد الإِحرام، وجزمنا هنالك بأن الحق أنه يحرم على المحرم ابتداء الطيب لا استمراره.

قوله: (فنضمد) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم المكسورة، أي: نلطخ

(8)

.

قوله: (بالسك) بضم السين المهملة وتشديد الكاف، وهو نوع من الطيب معروف

(9)

.

قوله: (فإذا عرِقت) بكسر الراء.

قوله: (ولا ينهانا)، سكوته صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز لأنه لا يسكت على باطل.

قوله: (غير مقتت)، قال في القاموس

(10)

: زيت مقتت طبخ فيه الرياحين،

(1)

تقدم رقم (1879) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (1399) من كتابنا هذا.

(3)

في السنن (2/ 414).

(4)

في المختصر (2/ 353).

(5)

انظر: "منهج الإمام أبي عبد الرحمن النسائي في الجرح والتعديل وجمع أقواله في الرجال" تأليف د. قاسم علي سعد (2/ 601 - 602 رقم 319).

(6)

الثقات لابن حبان (8/ 193).

وخلاصة قول الفقال: أن الحسين بن الجنيد ثقة صحيح الحديث.

(7)

في السنن (3/ 295).

(8)

النهاية (3/ 99).

(9)

النهاية (2/ 385).

(10)

القاموس المحيط ص 202.

ص: 189

أو خلط بأدهان طيبة، وفيه دليل على جواز الادهان بالزيت الذي لم يخلط بشيء من الطيب.

وقد قال ابن المنذر

(1)

: أنه أجمع العلماء على أنه يجوز للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن والشيرج وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سوى رأسه ولحيته، قال: وأجمعوا على أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه، وفرَّقوا بين الطيب والزيت في هذا.

وقد تقدم مثل هذا النقل عن ابن المنذر، والكلام على هذا الباب قد مر فلا نعيده.

[الباب السادس] باب النهي عن أخذ الشعر إلا لعذر وبيان فديته

16/ 1894 - (عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قالَ: كان بي أَذًى مِنْ رَأُسي فَحُمِلْت إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم والْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ على وَجْهي، فقالَ:"ما كُنْتُ أَرَى أَنَّ الجَهْدَ قدْ بَلغَ مِنْكَ ما أَرَى، أتجدُ شاةً؟ "، قُلْتُ: لا، فَنَزَلتِ الآيَةُ:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}

(2)

، قالَ:"هُوَ صَوْمُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ أَوْ إِطْعامُ سِتَّةِ مَسَاكينَ نِصْفَ صَاع طَعامًا لِكلّ مِسْكِين". متَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

وَفي روايَةٍ: أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ فقالَ: "كأنَّ هَوَامَّ رَأْسِكَ تُؤْذيكَ؟ "، فَقُلتُ: أَجَلْ، قالَ:"فاحْلِفْهُ وَاذْبَحْ شَاةً، أوْ صُمْ ثَلَاثةَ أَيَّام، أَوْ تَصَدَّقْ بِثَلَاثة آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ بينَ سِتَّةِ مساكينَ". رَواه أَحمَدُ

(4)

ومُسْلِمٌ

(5)

وأَبُو داوُد

(6)

. [صحيح]

(1)

في كتابه الإجماع (ص 61 رقم 164)، ورقم (165).

ونقله الحافظ ابن حجر في "الفتح"(3/ 406) وزاد (ولحيته).

ونقل ابن قدامة في المغني (5/ 149) عن ابن المنذر قوله: أجمعَ عوامُّ أهلِ العلم، على أنَّ للمحرم أن يَدْهُنَ بدنه بالشحم والزيت والسمن" اهـ.

(2)

سورة البقرة: الآية (196).

(3)

أحمد في المسند (4/ 242) والبخاري رقم (1816) ومسلم رقم (85/ 1201).

(4)

في المسند (4/ 242).

(5)

في صحيحه رقم (80/ 1201).

(6)

في سننه رقم (1856).

وهو حديث صحيح.

ص: 190

ولِأبي داوُدَ

(1)

في رِوايَةٍ: فَدَعاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ لي: "احْلقْ رأسَكَ وصُمْ ثَلاثةَ أيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَساكينَ فَرَقًا منْ زَبيب أوِ انْسكْ شاةً"، فَحَلَقْتُ رَأسِي ثمَّ نَسَكْتُ). [حسن، وذكر الزبيب منكر، والمحفوظ: التمر]

قوله: (ما كنت أُرى أن الجَهد) بضم الهمزة، أي: أظنّ، والجَهد بالفتح: المشقة.

قال النووي

(2)

: والضم لغة في المشقة أيضًا، وكذا حكاه القاضي عياض

(3)

عن ابن دريد.

وقال صاحب المغني: بالضم الطاقة، وبالفتح الكلفة

(4)

، فيتعين الفتح هنا.

قوله: (قد بلغ منك ما أرى) بفتح الهمزة من الرؤية.

قوله: (نصف صاع) في رواية عن شعبة نصف صاع [من](5) طعام، وفي أخرى عن [ابن]

(5)

أبي ليلى نصف صاع من زبيب.

وفي رواية أيضًا عن شعبة: نصف صاع حنطة.

قال ابن حزم

(6)

: لا بد من ترجيح إحدى هذه الروايات لأنها قصة واحدة في مقام واحد في حق رجل واحد.

قال في الفتح

(7)

: المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث: "نصف صاع من طعام"، والاختلاف عليه في كونه تمر أو حنطة لعله من تصرف الرواة، وأما الزبيب فلم أره إلا في رواية الحَكَم.

وقد أخرجه أبو داود

(8)

وفي [إسناده]

(9)

محمد بن إسحاق وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف، والمحفوظ رواية التمر، وقد وقع الجزم بها

(1)

في سننه رقم (1860).

وهو حديث حسن، لكن ذكر الزبيب منكر، والمحفوظ: التمر.

(2)

لم أقف عليه.

(3)

في "مشارق الأنوار"(1/ 161).

(4)

كتاب "العين"(ص 160).

(5)

زيادة في المخطوط (ب).

(6)

في المحلى (7/ 210 - 211).

(7)

(4/ 17).

(8)

في سننه رقم (1860) وقد تقدم.

(9)

في المخطوط (أ): إسنادها.

ص: 191

عند مسلم

(1)

وغيره من طريق أبي قلابة كما وقع في الباب حيث قال: "أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين"، ولم يختلف على أبي قلابة.

وكذا أخرجه الطبراني

(2)

من طريق الشعبي عن كعب.

وأحمد

(3)

من طريق سليمان بن قَرْم عن ابن الأصبهاني.

ومن طريق شعبة وداود عن الشعبي عن كعب

(4)

.

وكذا في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني

(5)

.

وعرف بذلك قوة قول من قال: لا فرق في ذلك بين التمرة والحنطة، وأن الواجب ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع.

قوله: (هوامّ رأسك) الهوام

(6)

بتشديد الميم جمع هامة، وهي ما يدب من الأحناش، والمراد بها ما يلازم جسد الإِنسان غالبًا إذا طال عهده بالتنظيف، وقد وقع في كثير من الروايات أنها القمل.

قوله: (فِرْقًا)

(7)

الفِرْق ثلاثة آصع كما وقع عند الطبراني من طريق يحيى بن آدم عن ابن عيينة فقال فيه: قال سفيان: والفرق ثلاثة آصع.

وفيه إشعار بأن تفسير الفرق مدرج لكنه مقتضى الروايات الأُخر كما في رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني عند أحمد (3) بلفظ: "لكل مسكين نصف صاع".

وفي رواية يحيى بن جعدة عند أحمد (4) أيضًا: "أو أطعم ستة مساكين مدين".

(1)

في صحيحه رقم (84/ 1201).

(2)

في المعجم الكبير (ج 19 رقم 243).

(3)

في المسند (4/ 243) بسند ضعيف، لضعف سليمان بن قرم وسوء حفظه.

والحديث صحيح دون قوله: "لقد أصابك بلاء ونحن لا نشعر".

(4)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 243) بسند منقطع، الشعبي لم يسمع من كعب بن عجرة.

لكن الحديث صحيح.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1858) والطبري في تفسيره رقم (3334، 3335 - شاكر) والطبراني في المعجم الكبير (ج 19 رقم 245 - 249). والدارقطني (2/ 299) من طرق.

(5)

في المعجم الكبير (ج 19 رقم 211) إسناده ضعيف ولكن الحديث صحيح.

(6)

النهاية لابن الأثير (5/ 283) والغريبين (6/ 1950).

(7)

القاموس المحيط (ص 1183).

ص: 192

قوله: (أو انسك شاة) لا خلاف بين العلماء أن النسك المذكور في الآية هو شاة لكنه يعكر عليه ما أخرجه أبو داود

(1)

عن كعب: "أنه أصابه أَذى فحلق رأسه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدي - بقرة".

وفي رواية للطبراني

(2)

: "فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفتدي فافتدى ببقرة".

وكذا لعبد بن حميد

(3)

وسعيد بن منصور

(4)

.

قال الحافظ

(5)

: وقد عارض هذه الروايات ما هو أصح منها من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة.

وروى سعيد بن منصور

(6)

وعبد بن حميد

(7)

عن أبي هريرة: "أن كعبًا ذبح شاة لأذى كان أصابه"، وهذا أصوب من الذي قبله

(8)

.

واعتمد ابن بطال

(9)

على رواية نافع عن سليمان بن يسار [قال]

(10)

: أخذ كعب بأرفع الكفارات ولم يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر به من ذبح الشاة بل وافق وزاد.

وتعقبه الحافظ

(11)

بأن الحديث الدال على الزيادة لم يثبت.

(1)

في سننه رقم (1859).

وهو حديث ضعيف.

(2)

في المعجم الكبير (ج 19 رقم 210) بسند صحيح.

(3)

في مسنده (2/ 310 رقم 709، 710).

(4)

في سننه (2/ 734 رقم 291).

بسند صحيح.

(5)

في "الفتح"(4/ 18).

(6)

في سننه (3/ 748 رقم 297) بسند ضعيف لجهالة محمد بن خالد القرشي، ومتنه منكر لمخالفته الأحاديث الصحيحة، التي تذكر أن كعبًا لم يجد ما يذبحه، فكيف يقال: إن كعب بن عجرة ذبح شاة في الأذى الذي أصابه.

(7)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(4/ 18).

(8)

يقصد المؤلف: الحديث السابق وفيه أن الذي ذبحه كعب في فدية الأذى: بقرة، كما لا يعني أن المؤلف صحح حديث أبي هريرة هذا، وإنما ذكر أنه أصوب من ذكر البقرة.

(9)

في شرحه لصحيح البخاري (4/ 474).

(10)

في المخطوط (ب): (فقال).

(11)

في الفتح (4/ 18).

ص: 193

[الباب السابع] باب ما جاء في الحجامة وغسل الرأس للمحرم

17/ 1895 - (عَنْ عَبدِ الله بْن بُحَيْنَةَ قال: احْتَجَمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ محْرِمٌ بِلِحى جَمَلٍ منْ طَريق مَكَّةَ في وَسَطِ رَأسِهِ. مُتَّفَق عليهِ

(1)

. [صحيح]

18/ 1896 - (وَعن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرمٌ. مُتَّفَقٌ عليهِ

(2)

.

وللبُخاريِّ

(3)

: احْتَجَمَ في رَأسِهِ وَهْوَ مُحْرمٌ مِنْ وَجَعٍ كانَ بهِ بماءٍ يُقالُ لهُ: لِحَى الجَمَلِ). [صحيح]

19/ 1897 - (وعَنْ عبدِ الله بْن حُنَيْنٍ أَنَّ ابْنَ عبَّاسٍ والمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفا بالأبْواءِ، فقالَ ابْنُ عبَّاسٍ: يَغْسِلُ المُحْرمُ رَأسَهُ، وقالَ المِسْوَرُ: لا يَغْسِلُ المُحْرِم رَأسَهُ؛ قالَ: فأرْسَلَنِي ابن عبَّاسٍ إلى أَبي أَيُّوبَ الأنْصاريِّ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بينَ القَرْنَيْنِ، وهُوَ يَسْتُرُ بثَوْبٍ فَسَلَّمْتُ عَليهِ، فقالَ: مَنْ هذا؟ فَقُلْتُ: أَنا عبدُ الله بن حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ ابْنُ عبَّاسٍ يَسْأَلُكَ: كيْفَ كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ وهوَ مُحْرِمٌ، قالَ: فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ على الثَّوْبِ فَطَأطَأهُ حتَّى بَدا لي رَأسُهُ، ثم قال لإِنْسانٍ يَصُبُّ عليهِ الماءَ: اصْبُبْ، فَصَبَّ على رَأسِهِ ثمَّ حَرَّك رَأسَهُ بِيَدَيْهِ فأقْبَلَ بِهِما وأَدْبَرَ فقالَ: هَكَذا رَأَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ. رَواهُ الجَماعَةُ إلّا التِّرمذِيَّ

(4)

. [صحيح]

قوله: (وهو محرم) زاد في رواية للبخاري

(5)

بعد قوله: محرم لفظ صائم.

(1)

أحمد في المسند (5/ 345) والبخاري رقم (1836) ومسلم رقم (88/ 1203).

(2)

أحمد في المسند (1/ 215) والبخاري رقم (1835) ومسلم رقم (87/ 1202).

(3)

في صحيحه رقم (5700).

(4)

أحمد في المسند (5/ 418، 421)، والبخاري رقم (1840) ومسلم رقم (91/ 1205) وأبو داود رقم (1840) والنسائي رقم (2665) وابن ماجه رقم (2934).

وهو حديث صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (1938).

ص: 194

قوله: (بلحى جمل) بفتح اللام وحكي كسرها وسكون المهملة وفتح الجيم والميم موضع بطريق مكة كما وقع مبينًا في الرواية الثانية

(1)

.

وذكر البكري في معجمه

(2)

أنه الموضع الذي يقال له بئر جمل، وقال غيره: هو عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا.

ووهم من ظن أن المراد به لحى الجمل، الحيوان المعروف وأنه كان آلة الحجم.

وجزم الحازمي

(3)

وغيره بأن ذلك كان في حجة الوداع.

قوله: (في وسط) بفتح المهملة، أي متوسطه وهو ما فوق اليافوخ فيما بين أعلى القرنين.

قال الليث (3): كانت هذه الحجامة في فاس الرأس.

قال النووي

(4)

: إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام، وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور

(5)

وكرهها مالك

(6)

.

وعن الحسن فيها الفدية وإن لم يقطع شعرًا، فإن كان لضرورة جاز قطع الشعر وتجب الفدية، وخص أهل الظاهر

(7)

الفدية بشعر الرأس.

وقال الداوودي

(8)

: إذا أمكن مسك المحاجم بغير حلق لم يجز الحلق.

واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد وربط الجرح والدمَّل وقطع العرق وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهي المحرم عنه من تناول الطِّيب وقطع الشَّعر ولا فدية عليه في شيء من ذلك.

قوله: (بالأبواء) أي وهما نازلان بها، وفي رواية بالعرج، بفتح أوّله وإسكان ثانيه قرية جامعة قريبة من الأبواء.

(1)

البخاري في صحيحه رقم (5698).

(2)

في معجم ما استعجم (1/ 393، 955).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 51).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 123).

(5)

المغني (5/ 126 - 127).

(6)

التسهيل (3/ 930).

(7)

المحلى لابن حزم (8/ 257 مسألة 874).

(8)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 51).

ص: 195

قوله: (بين القرنين) أي قَرْني البئر.

قوله: (أرسلني إليك ابن عباس .. ) إلخ. قال ابن عبد البر

(1)

: الظاهر أن ابن عباس كان عنده في ذلك نص من النبي صلى الله عليه وسلم أخذه عن أبي أيوب أو عن غيره ولهذا قال عبد الله بن حنين لأبي أيوب: يسألك كيف كان يغسل رأسه، ولم يقل: هل كان يغسل رأسه أو لا على حسب ما وقع فيه اختلاف المسور وابن عباس.

قوله: (فطأطأه) أي أزاله عن رأسه.

وفي رواية للبخاري

(2)

: "جمع ثيابه إلى صدره حتى نظرت إليه".

قوله: (لإنسان)، قال الحافظ

(3)

: لم أقف على اسمه.

قوله: (فقال هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل)، زاد في رواية للبخاري

(4)

: فرجعت إليهما فأخبرتهما، فقال المسور لابن عباس: لا أماريك أبدًا، أي: لا أجادلك.

والحديث يدل على جواز الاغتسال للمحرم وتغطية الرأس باليد حاله.

قال ابن المنذر

(5)

: أجمعوا على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة.

واختلفوا فيما عدا ذلك، وروى مالك في الموطأ

(6)

عن نافع أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام.

وروي عن مالك

(7)

أنه كره للمحرم أن يغطي رأسه في الماء.

وللحديث فوائد ليس هذا موضع ذكرها.

(1)

في الاستذكار (11/ 18 رقم 15198).

(2)

قال الحافظ في "الفتح"(4/ 56): وفي رواية ابن عيينة: "جمع ثيابه إلى صدره حتى نظرت إليه"، وفي رواية ابن جريج:"حتى رأيت رأسه ووجهه".

(3)

في "الفتح"(4/ 56).

(4)

قال الحافظ في "الفتح"(4/ 56): زاد ابن عيينة: "فرجعت إليهما فأخبرتهما، فقال المسور لابن عباس: لا أماريك أبدًا" أي: لا أجادلك.

وأصل المراء استخراج ما عند الإنسان، يقال: أمرى فلان فلانًا إذا استخرج ما عنده، قاله ابن الأنباري، وأطلق ذلك على المجادلة لأن كلا المتجادلين يستخرج ما عند الآخر من الحجة. اهـ.

(5)

في كتابه الإجماع (ص 60 رقم 162).

(6)

في الموطأ (1/ 324 رقم 7) بسند صحيح.

(7)

التسهيل (3/ 931).

ص: 196

[الباب الثامن] باب ما جاء في نكاح المحرم وحكم وطئه

20/ 1898 - (عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يَنْكِحُ المُحْرِمُ، ولَا يُنْكِحُ؛ ولَا يخْطُبُ". رَواهُ الجَمَاعة إِلَّا البُخارِيَّ

(1)

ولَيْس للتِّرمذِيِّ فيه: "ولا يَخْطُبُ"). [صحيح]

21/ 1899 - (وعَن ابْن عُمَر أَنَّهُ سُئلَ عَنِ امْرَأَةٍ أَرادَ أَنْ يَتَزَوجها رَجُلٌ وَهُوَ خارجٌ مِنْ مكَّةَ فأرَادَ أَن يَعْتَمِرَ أوْ يَحُجَّ، فقالَ: لَا تَتَزوَّجْها وأَنْتَ مُحْرمٌ، نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْهُ. رَوَاه أَحمَدُ

(2)

. [صحيح لغيره]

22/ 1900 - (وعَنْ أَبي غَطَفانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُما يَعْني رَجُلًا تَزَوَّجَ وهُوَ مُحْرِمٌ. رواهُ مالِكٌ في الْموَطَّأِ

(3)

والدَّارقطنيُّ)

(4)

.

23/ 1901 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. رَوَاهُ الجَمَاعةُ

(5)

. [صحيح]

(1)

أحمد (1/ 57) ومسلم رقم (41/ 1409) وأبو داود رقم (1841)، والنسائي رقم (2842، 2843)، وابن ماجه رقم (1966) والترمذي رقم (840).

قلت: وأخرجه البزار رقم (361) وا بن خزيمة رقم (2649) وابن الجارود رقم (444) والطحاوي (2/ 268) وابن حبان رقم (4123) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 65) من طرق.

(2)

في المسند (2/ 115) بسند ضعيف، لضعف أيوب بن عتبة، وهو اليمامي.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 268) وقال: رواه أحمد، وفيه أيوب بن عتبة، وهو ضعيف، وقد وثق.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(3)

في الموطأ (1/ 349 رقم 71).

(4)

في سننه (3/ 260 رقم 56).

(5)

أحمد في المسند (1/ 221) والبخاري رقم (5114) ومسلم رقم (46/ 1410) والترمذي رقم (844) والنسائي رقم (2840) وأبو داود رقم (1844) وابن ماجه رقم (1965).

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (2393) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 269) والحميدي رقم (503) والبيهقي (7/ 210) من طرق.

وهو حديث صحيح.

ص: 197

وللبُخَارِيِّ

(1)

: تَزَوَّجَ النبيُّ مَيْمُونةَ وَهُوَ مُحْرمٌ وَبَنَى بِها وَهُوَ حَلَالٌ وماتَتْ بِسَرف). [صحيح]

24/ 1902 - (وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ الأصَمِّ عَنْ مَيْمُونةَ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا حَلالًا وبَنَى بِها حلَالًا وماتَتْ بسَرِفَ فَدَفَنَّاها في الظُّلَةِ الَّتي بَنَى بِها فِيها. رَوَاهُ أحمَدُ

(2)

والتِّرْمذِيُّ

(3)

.

وروَاهُ مُسلِمٌ

(4)

وابْنُ ماجَهْ

(5)

. ولَفْظُهُما: تَزَوَّجَها وَهُوَ حَلَالٌ، قالَ: وكانَتْ خالَتِي وَخالةَ ابْنِ عبَّاسٍ.

وأَبُو دَاوُدَ

(6)

ولَفْظُهُ قالَتْ: تَزَوَّجنِي ونَحْنُ حلَالَانِ بِسَرفَ). [صحيح]

25/ 1903 - (وعَنْ أَبِي رَافعٍ أَنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونةَ حَلَالًا وبَنَى بِها حَلَالًا وَكنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُما، رَواهُ أحمَدُ

(7)

والتِّرمذِيُّ

(8)

ورِوايَةُ صاحِبِ القِصَّةِ والسَّفِيرِ فِيها أَوْلى لأَنَّهُ أَخْبَرُ وأَعْرَفُ بها. [حسن]

(1)

في صحيحه رقم (4258).

(2)

في المسند (6/ 333).

(3)

في سننه رقم (845) وقال: هذا حديث غريب.

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (7105) والدولابي في "الكنى"(2/ 83) وابن حبان رقم (4134) والدارقطني في سننه (3/ 261 - 262) والحاكم (4/ 31) والبيهقي (7/ 211).

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(4)

في صحيحه رقم (48/ 1411).

(5)

في سننه رقم (1964).

قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 270) وفي مشكل الآثار رقم (5802) وابن حبان رقم (4136) والطبراني في الكبير (ج 23 رقم 1059) و (ج 24 رقم 45) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 66) وفي السنن الصغير رقم (1567) و (2505) وفي "المعرفة"(رقم 9744).

وهو حديث صحيح.

(6)

في سننه رقم (1843)، وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (6/ 392 - 393).

(8)

في سننه رقم (841) وقال: هذا حديث حسن.

قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 270) وفي مشكل الآثار رقم (580) وابن حبان رقم (4130) و (4135) والطبراني في الكبير رقم (915) والدارقطني =

ص: 198

وَرَوى أبو دَاود

(1)

أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قالَ: وَهِمَ ابْنُ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: تَزَوَّجَ مَيمُونةَ وَهُوَ مُحْرمٌ). [صحيح مقطوع]

حديث ابن عمر في إسناده أيوب بن عتبة

(2)

، وهو ضعيف وقد وثق.

وحديث أبي رافع قال الترمذي

(3)

: حديث حسن ولا نعلم أحدًا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة.

قال: وروى مالك بن أنس عن ربيعة عن سليمان بن يسار: "أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال". رواه مالك

(4)

مرسلًا. وقول سعيد بن المسيب أخرجه أبو داود (1) وسكت عنه هو والمنذري

(5)

وفي إسناده رجل مجهول.

قوله: (لا ينكح المحرم ولا ينكح) الأول بفتح الياء وكسر الكاف أي لا يتزوج لنفسه، والثاني بضم الياء وكسر الكاف أي لا يزوج امرأة بولاية ولا وكالة في مدة الإِحرام.

قال العسكري: ومن فتح الكاف من الثاني فقد صحف.

قوله: (ولا يخطب) أي لا يخطب المرأة وهو طلب زواجها وقيل: لا يكون خطيبًا في النكاح بين يدي العقد والظاهر الأول.

قوله: (تزوج ميمونة وهو محرم)، أجيب عن هذا بأنه مخالف لرواية أكثر الصحابة ولم يروه كذلك إلا ابن عباس كما قال عياض

(6)

ولكنه متعقب بأنه قد

= في السنن (3/ 262) وأبي نعيم في الحلية (3/ 264) والبيهقي في دلائل النبوة (4/ 336) وفي السنن الكبرى (5/ 66) و (7/ 211) وابن عبد البر في "التمهيد"(3/ 152) ط: ابن تيمية. والبغوي في شرح السنة رقم (1982).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(1)

في سننه رقم (1845) وهو صحيح مقطوع.

(2)

أيوب بن عتبة اليمامي، أبو يحيى القاضي، من بني قيس بن ثَعْلَبة: ضعيف، من السادسة .. (ق).

"التقريب" رقم الترجمة (619).

(3)

في السنن (3/ 200).

(4)

في الموطأ (1/ 348 رقم 69) مرسلًا.

(5)

في المختصر (2/ 359).

(6)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 552).

ص: 199

صح من رواية عائشة وأبي هريرة نحوه كما صرح بذلك في الفتح

(1)

.

وأجيب ثانيًا: بأنه تزوجها في أرض الحرم وهو حلال، فأطلق ابن عباس على من في الحرم أنه محرم وهو بعيد.

وأجيب ثالثًا: بالمعارضة برواية ميمونة

(2)

نفسها وهي صاحبة القصة، وكذلك برواية أبي رافع

(3)

وهو السفير، وهما أخبر بذلك كما قال المصنف وغيره.

ولكنه يعارض هذا المرجح أن ابن عباس روايته مثبتة وهي أولى من النافية.

ويجاب بأن رواية مَيمونة (2)، وأبي رافع (3) أيضًا مثبتة لوقوع عقد النِّكاح والنبيّ صلى الله عليه وسلم حلال.

وأجيب رابعًا: بأن غاية حديث ابن عباس أنه حكاية فعل وهي لا تعارض صريح القول، أعني النهي عن أن يَنْكِحَ المُحرم أو يُنْكِحَ، ولكن هذا إنما يصار إليه عند تعذّر [الجمع]

(4)

وهو ممكن ههنا على فرض أن رواية ابن عباس أرجح من رواية غيره، وذلك بأن يجعل فعله صلى الله عليه وسلم مخصِّصًا له من عموم ذلك القول كما تقرر [ذلك]

(5)

في الأصول

(6)

إذا فرض تأخر الفعل عن القول.

فإن فُرِضَ تقدُّمه ففيه الخلاف المشهور في الأصول

(7)

في جواز تخصيص العامّ المتأخر بالخاصّ المتقدِّم كما هو المذهب الحقّ، أو جعل العامّ المتأخر ناسخًا كما ذهب إليه البعض.

إذا تقرّر هذا فالحق أنه يَحْرم أن يتزوّج المحرِمُ أو يزوّج غيره كما ذهب إليه الجمهور

(8)

،

(1)

(4/ 52).

(2)

تقدم برقم (24/ 1902) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (25/ 1903) من كتابنا هذا.

(4)

في المخطوط (ب): (الجميع).

(5)

زيادة من المخطوط (ب).

(6)

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 536) بتحقيقي.

(7)

البحر المحيط (3/ 408 - 409) وتيسير التحرير (1/ 361).

(8)

قال النووي في "المجموع"(7/ 302): "فرع في مذاهب العلماء في نكاح المحرم:

قد ذكرنا أن مذهبنا - أي الشافعية - أنه لا يصح تزوج المحرم ولا تزويجه، وبه قال =

ص: 200

وقال عطاء وعكرمة وأهل الكوفة

(1)

: يجوز للمحرم أن يتزوّج كما يجوز له أن يشتري الجارية للوطء.

وتُعقِّب بأنه قياس في مقابلة النص، وهو فاسد الاعتبار.

وظاهر النهي عدم الفرق بين من يزوج غيره بالولاية الخاصة أو العامة كالسلطان والقاضي.

وقال بعض الشافعية

(2)

والإِمام يحيى

(3)

: إنه يجوز أن يُزوِّج المحرم بالولاية العامة، وهو تخصيص لعموم النص بلا مخصِّص.

قوله: (بسرف) بفتح المهملة وكسر الراء موضع معروف.

قوله: (في الظلة) بضم الظاء وتشديد اللام: كلّ ما أظلّ من الشمس

(4)

.

قوله: (التي بنى بها فيها)، أي التي زفت إليه فيها

(5)

.

= جماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وهو مذهب عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن بشار، والزهري، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وداود، وغيرهم.

وقال الحاكم والثوري وأبو حنيفة: يجوز أن يتزوج ويزوج، واحتجوا بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "تزوج ميمونة وهو محرم"، رواه البخاري، ومسلم، وبالقياس على استدامة النكاح على الخلع والرجعة، والشهادة على النكاح، وشراء الجارية، وتزويج السلطان في إحرامه.

واحتج أصحابنا بحديث عثمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا ينكح المحرم ولا ينكح"، رواه مسلم.

• وانظر نقاش الإمام النووي للأدلة (7/ 302 - 304)، ولولا الطول لنقلته لك.

(1)

قال ابن عبد البر في الاستذكار (263/ 11 رقم 16285): "وقال أبو حنيفة وأصحابه، وسفيان الثوري: لا بأسَ أن ينْكَحَ المحرم وأن يُنْكح.

16286 -

وهو قول القاسم بن محمد، وإبراهيم النخعي

16289 -

قال عبد الرزاق: وقال الثوري: لا يلتفتُ إلى أهل المدينة، حُجَّةُ الكوفيين في جواز نكاح المحرم حديث ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم.

16290 -

رواه عن ابن عباس جماعة من أصحابه: منهم: عطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وجابر بن زيد أبو الشعثاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير" اهـ.

(2)

المجموع (7/ 297).

(3)

البحر الزخار (2/ 310).

(4)

القاموس المحيط ص 1329.

(5)

القاموس المحيط ص 1632.

ص: 201

قوله: (وهم ابن عباس)، هذا هو أحد الأجوبة التي أجاب بها الجمهور عن حديث ابن عباس.

26/ 1904 - (وَعَنْ عُمَر وَعليٍّ وأَبي هرَيرَةَ أَنَّهُم سُئِلُوا عَنْ رجُلٍ أَصَابَ أَهْلهُ وَهْوَ محْرِمٌ بالحَجّ، فقالُوا: يَنْفذانِ لِوَجْهِهما حتَّى يَقْضِيا حَجَّهُما، ثمَّ علَيْهِما حَجٌّ قابلٌ والْهَدْيُ، قالَ عَليٌّ: فإِذَا أهَلَّا بالْحَجّ مِنْ عامٍ قابِل تَفَرَّقا حتَّى يَقْضيَا حَجَّهُما

(1)

. [إسناده منقطع]

(1)

في الموطأ (1/ 381 - 382 رقم 151).

• وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 167) من طريق ابن بكير عن مالك، وهو بلاغ.

• وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 167) عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عطاء عن عمر بن الخطاب أنه قال في محرم بحجة أصاب امرأته، وهي محرمة: يقضيان حجهما، وعليهما الحج من قابل من حيث كانا أحرما، ويتفرقان حتى يتمَّا حجهما.

قال: وهذا منقطع بين عطاء وعمر.

• وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف الجزء المفقود (ص 136) حدثنا ابن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر. قال: سالت مجاهدًا عن المحرم يواقع امرأته، فقال: كان ذلك على عهد عمر بن الخطاب. فقال: يقضيان حجهما، ثم يرجعان حلالين، فإذا كان من قابل حجَّا وأهديا، وتفرقا من المكان الذي أصابها.

• وأخرج الدارقطني في سننه (3/ 50 - 51 رقم 209) عن عبيد الله بن عمر، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، قال: أتى رجل عبد الله بن عمرو فسأله عن محرم وقع بامرأته، فأشار له إلى عبد الله بن عمر، فلم يعرفه الرجل، قال: فذهبت معه، فسأله عن محرم وقع بامرأته، قال: بطل حجه، قال: فيقعد؟ قال: لا، بل يخرج مع الناس، فيصنع ما يصنعون، فإذا أدركه قابل حجَّ وأهدى، فرجعا إلى عبد الله بن عمرو، فأخبراه، فأرسلنا إلى ابن عباس. قال شعيب: فذهبت معه إلى ابن عباس، فقال له مثل ما قال ابن عمر، فرجعا إلى عبد الله بن عمرو فأخبراه بما قال ابن عباس، ثم قال له الرجل: ما تقول أنت؟ قال: أقول مثل ما قالا.

وعن الدارقطني أخرجه الحاكم (2/ 65)، وعن الحاكم أخرجه البيهقي في "المعرفة" (7/ 362 رقم 10342) وقال البيهقي في المعرفة:(7/ 362 رقم 10343): إسناده صحيح، وفيه دلالة على صحة سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، ومن ابن عباس.

وقال الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 127) عقبه: وقال الشيخ في "الإمام" رجاله كلهم ثقات مشهورون.

• وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" الجزء المفقود ص 136: حدثنا حفص عن أشعث =

ص: 202

27/ 1905 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رجُلٍ وَقَعَ بأهْلهِ وهُوَ بِمِنَى قبلَ أنْ يُفيضَ فأمَرَهُ أَنْ ينْحرَ بدَنَةً، والجَمِيعُ لِمالِك في المُوطَّأ)

(1)

. [إسناده ضعيف]

أثر عمر وعلي [عليه السلام]

(2)

وأبي هريرة هو في الموطأ (1) كما قال المصنف، ولكنه ذكره بلاغًا عنهم، وأسنده البيهقي

(3)

من حديث عطاء عن عمر وفيه إرسال، ورواه سعيد بن منصور عن مجاهد عن عمر وهو منقطع.

= عن الحكم عن علي، قال: على كل واحد منهما بدنة، فإذا حجَّا من قبل تفرقا من المكان الذي أصابها.

قلت: وهذا مرسل عن علي لأنه عن الحكم عن علي، والحكم لم يدرك عليًا.

(1)

في الموطأ (1/ 384 رقم 155).

قلت: أبو الزبير - محمد بن مسلم بن تدرس - المكي، صدوق إلا أنه يدلس، وعطاء بن أبي رباح: ثقة فقيه فاضل إلا أنه كثير الإرسال.

• ولكن يشهد لهذه الرواية من جهة المعنى ما أخرجه مالك في الموطأ: (1/ 384 رقم 156) عن ابن عباس، قال: الذي يصيبُ أهلَهُ قبلَ أن يُفِيضَ، يعتمر ويهدي.

وإسناده صحيح.

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

• تنبيه: الصلاة والسلام على غير الأنبياء تبعًا واستقلالًا، أما على سبيل التبعية فهي جائزة بالإجماع، كما في صيغ الصلاة الإبراهيمية.

وإنما الخلاف على سبيل الانفراد، فهذا فيه نزاع على قولين:

فالجمهور منهم الثلاثة: على عدم الجواز. واختلف المانعون، هل المنع على التحريم، أو الكراهة التنزيهية، أو خلاف الأولى؟

وذهب أحمد وأكثر أصحابه إلى أنه لا بأس بذلك.

قال النووي بعد ذكر الخلاف: والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه، لأن شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم

إلخ.

ومعنى هذا التصحيح أن الحكم بالكراهة حادث لحدوث بدعة التشيُّع، وإلّا فالأصل الجواز، ولهذا قال ابن كثير بعده:

قلت: وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب أن يفرد علي رضي الله عنه، بأن يقال عليه السلام، من دون سائر الصحابة، أو كرّم الله وجهه؛ هذا وإن كان معناه صحيحًا لكن ينبغي أن يسوَّى بين الصحابة في ذلك، فإنَّ هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه رضي الله عنهم أجمعين.

وما ذهب إليه النووي وابن كثير هو اختيار ابن القيم رحمهم الله تعالى. [معجم المناهي اللفظية. بقلم الشيخ الدكتور بكر أبو زيد ص 349 - 350 بتصرف].

(3)

في السنن الكبرى (5/ 167) بسند منقطع وقد تقدم.

ص: 203

وأخرجه ابن أبي شيبة

(1)

أيضًا عنه.

وعن علي [عليه السلام]

(2)

وهو منقطع أيضًا بين الحكم وبينه

(3)

.

وأثر ابن عباس رواه البيهقي

(4)

من طريق أَبي بشر عن رجل من بني عبد الدار عنه، وفيه أن أبا بشر قال: لقيت سعيد بن جبير فذكرت ذلك له فقال: هكذاكان ابن عباس يقول.

وفي الباب عن ابن عمر عند أحمد

(5)

أنه سئل عن رجل وامرأة حاجين وقع قبل الإِفاضة فقال: ليحجا قابلًا.

وعن ابن عمرو بن العاص عند الدارقطني

(6)

والحاكم

(7)

والبيهقي

(8)

نحو قول ابن عمر.

وقد روي نحو هذه الآثار مرفوعًا عند أبي داود في المراسيل

(9)

من طريق

(1)

في الجزء المفقود ص 136.

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في الجزء المفقود ص 136 بسند منقطع لأن الحكم لم يدرك عليًا.

(4)

في السنن الكبرى (5/ 168).

(5)

كما في "نصب الراية"(3/ 126).

(6)

في سننه (3/ 50 - 51 رقم 209)، وقد تقدم.

(7)

في المستدرك (2/ 65)، وقد تقدم.

(8)

في المعرفة (7/ 362 رقم 10342) وقد تقدم. بسند صحيح.

(9)

رقم (140).

قلت: في إسناده يزيد بن نعيم، مقبول. ولم يتابع.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 166) وقال: هذا منقطع، وهو يزيد بن نعيم الأسلمي بلا شك.

ونقل الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 125): عن ابن القطان أنه قال: هذا حديث لا يصح. فإن زيد بن نعيم مجهول، ويزيد بن نعيم بن هزال ثقة، وشك أبو توبة ولا يعلم عمن هو منهما ولا عمن حدثهم به معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير فهو لا يصح" اهـ.

قلت: زيدُ بن نُعيم، صوابه: يزيد. قاله الحافظ في التقريب بإثر رقم (2157) وترجم الحافظ له في "التقريب" رقم (7787): يزيد بن نعيم بن هَزَّال الأسلمي. مقبول: من الخامسة، وروايته عن جده مرسلة. (م د س).

وفي "تهذيب التهذيب"(1/ 671) "زيد بن نعيم. أو يزيد. روى حديثه يحيى بن أبي كثير عنه أن رجلًا من جُذام جامع امرأته وهما محرمان. الحديث. هكذا شكَّ أبو توبة في اسمه. =

ص: 204

يزيد بن نعيم أن رجلًا من جذام جامع امرأته وهما محرمان فسألا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اقضيا نسكًا واهديا هديًا".

قال الحافظ

(1)

: رجاله ثقات مع إرساله.

ورواه ابن وهب في موطئه

(2)

من طريق سعيد بن المسيب مرسلًا.

وأثر علي [عليه السلام]

(3)

المذكور في الباب في التفرق أخرج نحوه البيهقي

(4)

عن ابن عباس موقوفًا.

وروى ابن وهب في موطئه

(5)

عن سعيد بن المسيب مرفوعًا مرسلًا نحوه وفيه ابن لهيعة، وهو عند أبي داود في المراسيل

(6)

بسند معضل.

قوله: (حتى يقضيا حجَّهما)، استدلَّ به من قال إنه يجب المضيّ في فاسد الحجِّ وهم الأكثر. وقال داود: لا يجب كالصلاة

(7)

.

قوله: (ثم عليهما حج قابل)، استدل به من قال إنه يجب قضاء الحج الذي فسد وهم الجمهور.

قوله: (والهدي)، تمسك به من قال أن كفارة الوطء شاة لأنها أقل ما يصدق عليه الهدي، وهو مروي عن أبي حنيفة

(8)

والناصر

(9)

.

ويدل على ما قالاه قوله صلى الله عليه وسلم: "واهديا هديًا"، كما في مرسل أبي داود

(10)

المذكور.

= وقد روى يحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم بن هَزَّال غير هذا الحديث من غير شك".

ومما تقدم يدل على أنهما واحد، والله أعلم.

وانظر: "الدراية في تخريج أحاديث الهداية"(2/ 40) والمحلى (7/ 190) وبيان الوهم والإيهام لابن القطان (2/ 191 - 192 رقم 171).

(1)

في "التلخيص"(2/ 539).

(2)

كما في "التلخيص"(2/ 539) مرسلًا.

(3)

زيادة من المخطوط (ب).

(4)

في السنن الكبرى (5/ 167).

(5)

كما في "نصب الراية"(3/ 125 - 126) والدراية (2/ 40)، وهو ضعيف لضعف ابن لهيعة.

(6)

كما في "التلخيص"(2/ 539).

(7)

انظر تفصيل ذلك في المغني (5/ 205 - 207).

(8)

البناية في شرح الهداية (4/ 273).

(9)

البحر الزخار (2/ 323).

(10)

رقم (140) كما تقدم.

ص: 205

وذهب الجمهور

(1)

إلى أنها تجب بدنة على الزوج وبدنة على الزوجة وتجب بدنة الزوجة على الزوج إذا كانت مكرهة لا مطاوعة.

وقال أبو حنيفة

(2)

ومحمد: على الزوج مطلقًا.

وقال الشافعي في أحد قوليه

(3)

: عليهما هدي واحد لظاهر الخبر والأثر.

وقال الإِمام يحيى

(4)

: بَدَنَةُ المرأة عليها إذ لم يفصل الدليل.

قوله: (تفرقا حتى يقضيا حجهما). فيه دليل على مشروعية التفرق.

وقد حكى ذلك في البحر

(5)

عن علي وابن عباس وعثمان والعترة وأكثر الفقهاء.

واختلفوا هل هو واجب أم لا، فذهب أكثر العترة

(6)

وعطاء ومالك والشافعي في أحد قوليه إلى الوجوب.

وذهب الإِمام يحيى والشافعي في أحد قوليه إلى الندب

(7)

.

وقال أبو حنيفة

(8)

: لا يجب ولا يندب.

واعلم أنه ليس في الباب من المرفوع [ما تقوم]

(9)

به الحجة، والموقوف ليس بحجة، فمن لم يقبل المرسل ولا رأى حجية أقوال الصحابة فهو في سعة عن التزام هذه الأحكام، وله في ذلك سلف صالح كداود الظاهري.

[الباب التاسع] باب تحريم قتل الصيد وضمانه بنظيره

قال الله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} الآية

(10)

.

28/ 1906 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في الضَّبُعِ يصِيبُهُ

(1)

المجموع (7/ 399).

(2)

البناية في شرح الهداية (4/ 273).

(3)

المجموع شرح المهذب (7/ 396).

(4)

البحر الزخار (2/ 324).

(5)

(2/ 324).

(6)

البحر الزخار (2/ 325).

(7)

المجموع (7/ 406).

(8)

البناية في شرح الهداية (4/ 275).

(9)

في المخطوط (ب): (ما يقوم).

(10)

سورة المائدة: الآية (95).

ص: 206

المُحْرِمُ كَبْشًا وَجعَلَهُ منَ الصيْد. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(1)

وابْنُ مَاجَهْ)

(2)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا بقية أهل السنن

(3)

وابن حبان

(4)

وأحمد

(5)

والحاكم في المستدرك

(6)

.

قال الترمذي (7): سألت عنه البخاري فصححه، وكذا صححه عبد الحق

(7)

وقد أُعل بالوقوف.

وقال البيهقي

(8)

: هو حديث جيد تقوم به الحجة، ورواه عن جابر عن عمر وقال: لا أراه إلا رفعه.

ورواه الشافعي

(9)

موقوفًا وصحح وقفه من هذا الوجه الدارقطني.

ورواه من وجه آخر هو

(10)

والحاكم

(11)

مرفوعًا.

وفي الباب عن ابن عباس عند الدارقطني

(12)

والبيهقي

(13)

.

قال البيهقي: روي موقوفًا عن ابن عباس، والآية الكريمة أصل أصيل في وجوب الجزاء على من قتل صيدًا وهو محرم ويكون الجزاء مماثلًا للمقتول.

(1)

في سننه رقم (3801).

(2)

في سننه رقم (3085).

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 318، 322) والترمذي رقم (851) والنسائي (7/ 200) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 164) والدارمي (2/ 74) والدارقطني (2/ 246) وابن الجارود رقم (438) والبغوي في شرح السنة رقم (1992) والحاكم (1/ 453) وابن حبان رقم (3965) من طرق.

قال: الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وانظر: إرواء الغليل رقم (1050)، والخلاصة: أن حديث جابر حديث صحيح، والله أعلم.

(3)

الترمذي رقم (851) والنسائي (7/ 200) وقد تقدم.

(4)

في صحيحه رقم (3965) وقد تقدم.

(5)

في المسند (3/ 318، 322) وقد تقدم.

(6)

في المستدرك (1/ 453) وقد تقدم.

(7)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(2/ 529 - 530).

(8)

في السنن الكبرى (5/ 183).

(9)

في الأم (3/ 494).

(10)

أي الدارقطني في سننه رقم (2/ 245 رقم 42، 43).

(11)

في المستدرك (2/ 453) وقال: صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(12)

في سننه (2/ 245 رقم 44).

(13)

في السنن الكبرى (5/ 183).

ص: 207

ويرجع في ذلك إلى حكم عدلين كما ذهب إليه مالك

(1)

، وهو ظاهر الآية.

وقيل: إنه لا يرجع إلى حكم العَدْلَين إلا فيما لا مِثْلَ له، وأما فيما له مِثْلٌ فيُرجَعُ فيه إلى ما حكم به السلف، وإلَّا يحكم فيه السلف رجع إلى ما حكم به عدلان.

واختلفوا في أي شيء تعتبر المماثلة؟ فقيل: في الشكل أو الفعل.

وقيل: في القيمة.

والحديث يدل على أن الضبع صيدٌ وأن فيه كبشًا.

29/ 1907 - (وَعَنْ مُحمدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقالَ: إِنِّي أَجْرَيْتُ أنا وَصَاحِبٌ لي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إلى ثَغْرَةِ ثَنِيَّةٍ فأصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى؟ فقالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ بِجَنْبِهِ: تَعَالَ حَتَّى نَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ، قَالَ: فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهْوَ يَقُولُ: هذَا أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ حتَّى دَعَا رَجُلًا فَحَكَمَ مَعَهُ فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ الرَّجُلِ فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ: هَلْ تَقْرَأ سُورَةَ الْمَائِدَةِ؟ فَقَالَ: لا، فَقَالَ: هلْ تَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي حَكَمَ مَعِي؟ فَقَالَ: لا، فقالَ: لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ تَقْرأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ لأوْجَعْتُكَ ضَرْبًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الله عز وجل يَقُولُ في كِتَابِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}

(2)

، وَهذَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْف. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي المُوطّإ)

(3)

. [بسند ضعيف منقطع]

30/ 1908 - (وعَنْ جَابِرٍ أَنّ عُمَرَ قَضَى فِي الضَّبعِ بكَبْشٍ، وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ، وفي الأرْنَبِ بِعَنَاقٍ، وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ، رَوَاهُ مَالِك فِي المُوَطّإِ)

(4)

. [إسناده منقطع]

31/ 1909 - (وَعَنِ الأجلَحِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ

(1)

التسهيل (3/ 954 - 955).

(2)

سورة المائدة: الآية (95).

(3)

في الموطأ (4/ 411 - 415 رقم 231) بسند ضعيف منقطع لأن محمد بن سيرين لم يدرك عمر، والرجل الذي بينه وبين عمر مجهول.

(4)

في الموطأ (1/ 414 رقم 230) مرسلًا عن أبي الزبير وهو محمد بن مسلم تدرس المكي، وهو صدوق، إلا أنه يدلس.

وإسناده منقطع لأن أبا الزبير لم يدرك عمرًا.

ص: 208

النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "فِي الضَّبُعِ إِذَا أَصَابهُ المُحْرِمُ كَبْشٌ، وَفِي الظّبْي شَاةٌ، وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَفي اليَرْبُوعِ جَفْرَة"، قَالَ: والجَفْرَةُ: الَّتِي قَدْ أَرْتَعَتْ. رَوَاهُ الدّارقُطْنِيُّ

(1)

.

قالَ ابْنُ مَعِينٍ

(2)

: الأجْلَحُ ثِقَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيّ

(3)

: صَدُوقٌ، وقالَ أَبُو حَاتِمٍ

(4)

: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ).

الأثر الأول رواه مالك في الموطأ

(5)

عن عبد الملك بن قُريب عن محمد بن سيرين، وعبد الملك بن قريب هو الأصمعي، وهو ثقة.

والأثر الثاني لم يذكر مالك في الموطأ (5) قوله عن جابر بل رواه عن أبي الزبير أن عمر بن الخطاب قضى في الضبع، إلخ.

وأخرجه أيضًا الشافعي

(6)

بسند صحيح عن عمر.

وأخرج البيهقي

(7)

عن ابن عباس أنه قضى في الأرنب بعناق.

وروى عنه الشافعي

(8)

من طريق الضحاك أنه قضى في الأرنب بشاة.

وأخرج البيهقي

(9)

عن ابن مسعود أنه قضى في اليربوع بجفرة ورواه الشافعي

(10)

عنه من طريق مجاهد.

وروى أبو يعلى

(11)

عن عمر وقال: لا أراه إلا رفعه، أنه حكم في الضبع بشاة وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع جفرة وفي الظبي كبش.

(1)

في سننه (2/ 246 - 247 رقم 49).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "تهذيب التهذيب"(1/ 98).

(3)

في "الكامل"(1/ 419): "وأجلح بن عبد الله له أحاديث صالحة غير ما ذكرته، يروي عنه الكوفيون وغيرهم ولم أجد له شيئًا منكرًا مجاوز الحد لا إسنادًا ولا متنًا وهو أرجو ألا بأس به إلّا أنه يعد من شيعة الكوفة، وهو عندي مستقيم الحديث صدوق) اهـ.

(4)

في الجرح والتعديل (1/ 1/ 346) و (4/ 163/2).

(5)

في الموطأ (1/ 414 - 415 رقم 231) وقد تقدم.

(6)

في الأم (3/ 494).

(7)

في السنن الكبرى (5/ 184).

(8)

في الأم (3/ 496 رقم 1248) وانظر ما قاله البيهقي في المعرفة (7/ 410 رقم 10524 - 10527).

(9)

في السنن الكبرى (5/ 184).

(10)

في الأم (3/ 498 رقم 1252).

(11)

في المسند (رقم 203).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 228) وقال: فيه الأجلح الكندي وفيه كلام، وقد وثق.

ص: 209

وأخرج ابن أبي شيبة

(1)

عن عمر أنه قضى في الأرنب ببقرة.

وروى إبراهيم الحربي في الغريب

(2)

عن ابن عباس أنه قضى في اليربوع بحمل، والحمل: ولد الضأن الذكر.

وحديث جابر أخرجه أيضًا البيهقي

(3)

وأبو يعلى

(4)

، وقالا: عن جابر عن عمر رفعه.

وأما الدارقطني

(5)

فرواه من طريق إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر يرفعه. وكذلك الحاكم

(6)

.

ورواه الشافعي

(7)

عن مالك عن أبي الزبير موقوفًا على جابر وصحح وقفه الدارقطني

(8)

من هذا الوجه كما سلف في أول الباب.

قوله: (فحكما عليه بعنز)، قد وافقهما على ذلك علي [عليه السلام]

(9)

وعثمان وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت وابن الزبير.

وكذلك وافقوا عمر في إيجاب عناق في الأرنب وجفرة في اليربوع كما حكى ذلك المهدي في البحر

(10)

عنهم، وهو موافق لما في حديث جابر

(11)

المرفوع المذكور في الباب إلا في الظبي فإنه أوجب فيه شاة ولكنها قد تطلق الشاة على المعز.

قال في القاموس

(12)

: الشاة: الواحدة من الغنم للذكر والأنثى أو يكون من الضأن والمعز والظباء والبقر والنعام وحمر الوحش، انتهى.

قوله: (جفرة) الجفرة بفتح الجيم هي الأنثى من ولد الضأن التي بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها

(13)

.

(1)

في المصنف (4/ 76).

(2)

لم أقف عليه في غريب الحربي، والله أعلم.

(3)

في السنن الكبرى (5/ 184).

(4)

في المسند رقم (203).

(5)

في سننه (2/ 245 رقم 42).

(6)

في المستدرك (1/ 453) وقال: صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(7)

في الأم (3/ 497).

(8)

في سننه (2/ 246 رقم 49).

(9)

زيادة من المخطوط (ب).

(10)

البحر الزخار (2/ 327).

(11)

تقدم رقم (1906) من كتابنا هذا.

(12)

القاموس المحيط ص 1611.

(13)

القاموس المحيط ص 467.

ص: 210

والعنز بفتح المهملة وسكون النون بعدها زاي: الأنثى من المعز

(1)

[و]

(2)

الجمع أَعْنُز وعُنْوزٌ وعِنَازٌ.

[الباب العاشر] باب منع المحرم من أكل لحم الصيد إلا إذا لم يصد لأجله ولا أعان عليه

32/ 1910 - (عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامةَ أَنَّهُ أَهْدَى إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًا وَهْوَ بالأبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا رَأَى ما فِي وَجْهِهِ قَالَ: "إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَليْكَ إِلَّا أنَّا حُرُمٌ"، متَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

.

ولأحمَد

(4)

وَمُسْلِمٍ

(5)

: لَحْمَ حِمَارِ وَحْشٍ). [صحيح]

33/ 1911 - (وَعَنْ زيدِ بْنِ أَرْقَمَ وَقالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَذْكِرُهُ: كَيْفَ أَخْبَرْتَنِي عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ أُهْدِيَ إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَرَامٌ، فَقَالَ: أُهْدِيَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صيدٍ فَردَّهُ وَقَالَ: "إِنَّا لَا نأْكلُهُ إِنَّا حرمٌ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(6)

وَمُسْلِمٌ

(7)

وَأَبُو دَاود

(8)

والنَّسائيُّ

(9)

. [صحيح]

قوله: (حمارًا وحشيًا)، هكذا رواية مالك

(10)

ولم [تختلف]

(11)

عنه الرواة

(1)

القاموس المحيط ص 666.

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

أحمد في المسند (4/ 37 - 38) والبخاري رقم (1825) ومسلم رقم (50/ 1193).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (849) والنسائي (5/ 184) وابن ماجه رقم (3090) والبيهقي (5/ 191).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (4/ 37 - 38).

(5)

في صحيحه رقم (52/ 1193).

(6)

في المسند (4/ 367).

(7)

في صحيحه رقم (55/ 1195).

(8)

في سننه رقم (1850).

(9)

في سننه رقم (2821).

وهو حديث صحيح.

(10)

في الموطأ (1/ 353 رقم 83).

(11)

في المخطوط (ب): (يختلف).

ص: 211

في ذلك وتابعه على ذلك عامة الرواة عن الزهري وخالفهم ابن عيينة فقال: لحم حمار وحش، كما وقع في الرواية الأخيرة، وبين الحميدي

(1)

أنه كان يقول: حمار وحش، ثم صار يقول لحم حمار وحش، فدل على اضطرابه فيه.

قال في الفتح

(2)

: وقد توبع على قوله: "لحم حمار وحش"، من أوجه فيها مقال، ثم ساقها، ولكنه يقوي ما رواه ابن عيينة حديث ابن عباس المذكور في الباب

(3)

.

وقد أخرج مسلم

(4)

من وجه آخر عن ابن عباس أن الذي أهداه الصعب بن جثامة لحم حمار.

وأخرجه مسلم

(5)

أيضًا من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد فقال تارة حمار وحش وتارة شق حمار.

قوله: (بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد جبل من أعمال الفُرُع

(6)

بضم الفاء والراء بعدها مهملة.

قيل: سمي بالأبواء لوبائه.

وقيل: لأن السيول تتبوّؤه، أي: تحله.

قوله: (أو بودّان)

(7)

شك من الراوي، وهو بفتح الواو وتشديد الدال آخره نون موضع بقرب الجحفة.

قوله: (فرده) اتفقت الروايات كلها على أنه ردّه عليه كما قال الحافظ

(8)

(1)

في المسند (2/ 344 رقم 783).

(2)

(4/ 32).

(3)

برقم (33/ 1911) من كتابنا هذا.

(4)

في صحيحه برقم (50 - 52/ 1193).

(5)

في صحيحه برقم (53، 54/ 1194).

(6)

النهاية لابن الأثير (1/ 20).

(7)

النهاية لابن الأثير (5/ 169).

• وقال في معجم البلدان (5/ 365): "وَدَّان: بالفتح كأنَّه فعلان من الود وهو المحبة.

ثلاثة مواضع:

(أحدها): بين مكة والمدينة قرية جامعة من نواحي الفُرع، بينها وبين هَرْشي ستة أميال، وبينها وبين الأبواء نحو من ثمانية أميال قريبة من الجحفة

" اهـ.

(8)

في "الفتح"(4/ 32).

ص: 212

إلّا ما رواهُ ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم.

قال البيهقي

(1)

: إن كان هذا محفوظًا حَمل على أنه رد الحي وقبل اللحم.

قال الحافظ

(2)

: وفي هذا الجمع نظر، فإن الطرق كلها محفوظة، فلعله رده حيًا لكونه صِيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقبله أخرى حيث لم يُصد لأجله.

وقد قال الشافعي في الأم

(3)

: إن كان الصعبُ أهدى له حمارًا حيًّا، فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حيًا، وإن كان أهدِي له لحمًا فَقد يحتملُ أن يكون قد علم أنه صيد له، انتهى.

ويحتمل أن يكون القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية في وقت آخر وهو وقت رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.

قال القرطبي

(4)

: يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحًا ثم قطع منه عضوًا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقدَّمه له، فمن قال: أهْدَى حمارًا أراد بتمامه مذبوحًا لَا حيًا، ومن قال: لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم؛ ويحتمل أن يكون من قال: حمارًا، أطلق وأراد بعضه مجازًا.

ويحتمل أنه أهداه له حيًا فلما رده عليه [و]

(5)

ذكاه وأتاه بعضو منه ظانًا أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته، فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل، والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات.

قوله: (إنا لم نرده عليك) قال في الفتح

(6)

: قال القاضي عياض

(7)

: ضبطناه في الروايات بفتح الدال، وأبى ذلك المحققون من أهل العربية وقالوا:

(1)

في السنن الكبرى (5/ 193).

(2)

في "الفتح"(4/ 32).

(3)

لم أقف عليه في الأم، وقد أورده البيهقي في "المعرفة"(7/ 430 رقم 10585).

(4)

في "المفهم"(3/ 279).

(5)

زيادة من المخطوط (ب).

(6)

(4/ 33).

(7)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 198).

ص: 213

الصواب أنه بضم الدال، لأن المضاعف من المجزوم يراعى فيه الواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها، قال وليس الفتح بغلط بل ذكره ثعلب (1) في الفصيح، نعم تعقبوه عليه بأنه ضعيف وأجازوا فيه الكسر وهو أضعف الأوجه، وهي لغة حكاها الأخفش

(1)

عن بني عقيل، وإذا وليه ضمير المؤنث نحو ردها فالفتح لازم اتفاقًا، كذا قال النووي

(2)

.

ووقع في رواية الكشميهني

(3)

: لم نردده، بفك الإدغام وضم الأولى وسكون الثانية ولا إشكال فيه.

قوله: (إلا أنا حرم)، زاد النسائي

(4)

: "لا نأكل الصيد"، وفي حديث ابن عباس

(5)

: "إنا لا نأكله إنا حرم".

وقد استدل بهذا من قال بتحريم الأكل من لحم الصيد على المحرم مطلقًا لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرمًا، فدل على أنه سبب الامتناع خاصة وهو قول علي [عليه السلام]

(6)

وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق

(7)

والهادوية

(8)

.

واستدلوا أيضًا بعموم قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} {مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}

(9)

، ولكنه يعارض ذلك حديث طلحة

(10)

وحديث البهزي

(11)

وحديث أبي قتادة

(12)

وستأتي هذه الأحاديث.

وقال الكوفيون وطائفة من السلف

(13)

إنه يجوز للمحرم أكل لحم الصيد

(1)

انظر: شرح كافية ابن الحاجب (4/ 136).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (4/ 108).

(3)

ذكره الحافظ في الفتح (4/ 33).

(4)

في سننه رقم (2821)، وهو حديث صحيح.

(5)

تقدم برقم (1911) من كتابنا هذا.

(6)

زيادة من المخطوط (ب).

(7)

انظر: المجموع (7/ 345).

(8)

البحر الزخار (2/ 311).

(9)

زيادة من المخطوط (ب).

• والآية من سورة المائدة رقم (96).

(10)

سيأتي برقم (1913) من كتابنا هذا.

(11)

سيأتي برقم (1914) من كتابنا هذا.

(12)

سيأتي برقم (1915) من كتابنا هذا.

(13)

وهم: عمر بن الخطاب، وأبو هريرة، والزبير بن العوام، وكعب، ومجاهد، وعطاء =

ص: 214

مطلقًا، وتمسكوا بالأحاديث التي ستأتي، وكلا المذهبين يستلزم إطراح بعض الأحاديث الصحيحة بلا موجب.

والحق ما ذهب إليه الجمهور

(1)

من الجمع بين الأحاديث المختلفة فقالوا: أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدي منه للمُحرم، وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم.

قالوا: والسبب في الاقتصار على الإحرام عند الاعتذار للصعب أن الصيد لا يحرم على المرء إذا صيد له إلا إذا كان محرمًا فاقتصر على تبيين الشرط الأصلي وسكت عما عداه فلم يدل على نفيه، ويؤيد هذا الجمع حديث جابر الآتي

(2)

.

34/ 1912 - (وَعَنْ عَلِيٍّ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِبَيْضِ النَّعَامِ فقالَ: "إِنَّا قَوْمٌ حُرُمٌ أطْعِمُوهُ أَهْلَ الحِلِّ". رَوَاهُ أَحْمَدُ"

(3)

. [حسن لغيره]

35/ 1913 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ التَّيْميِّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي طَلْحَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ طَلْحَةَ وَنَحْنُ حُرُمٌ فأهْدِيَ لَنَا طَيْرٌ وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ، فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ، وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ فَلَمْ يأْكُلْ؛ فلمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَفَّقَ مَنْ أَكَلَهُ، وَقَالَ: أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. رواهُ أحمدُ

(4)

ومُسْلِمٌ

(5)

وَالنَّسَائِيُّ

(6)

. [صحيح]

= في رواية، وسعيد بن جبير، يرون للمحرم أكل الصيد على كل حال إذا اصطاده الحلالُ، صيد من أجله أو لم يُصد.

وبه قال الكوفيون.

[الاستذكار (11/ 303 رقم 16499 و 16500)].

(1)

المغني (5/ 135 - 136).

(2)

برقم (1917) من كتابنا هذا.

(3)

في المسند (1/ 104) بسند ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان، وهو حديث حسن لغيره.

(4)

في المسند (1/ 161، 162).

(5)

في صحيحه رقم (65/ 1197).

(6)

في سننه رقم (2817).

قلت: وأخرجه البزار رقم (931) وأبو يعلى رقم (630) وابن خزيمة رقم (2638) والدارقطني في "العلل"(4/ 216 - 217).

وهو حديث صحيح.

ص: 215

حديث عليّ أخرجه أيضًا البزار

(1)

وفي إسناده علي بن زيد وفيه كلام [وقد]

(2)

وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح، وهو حديث طويل هذا طرف منه.

قوله: (أطعموه أهل الحل)، لا بد من تقييد هذا الإطلاق بما سلف من اعتبار القصد بأن ذلك للمحرم، فيحمل هذا على أنه أخذ البيض قاصدًا بأن ذلك لأجل المحرمين جمعًا بين الأدلة.

وكذلك لا بد من تقييد حديث طلحة بأن لا يكون من أهدى لهم الطير صاده لأجلهم.

وقد اختلف فيما يلزم المحرم إذا أصاب بيضة نعام؛ فقال أبو حنيفة

(3)

وأصحابه والشافعي

(4)

: إنه يجب فيها القيمة. [وقال]

(5)

مالك في رواية عنه: قيمة عُشْرِ [بَدَنة]

(6)

.

وقال الشافعي في رواية

(7)

عنه: قيمة عشر النعامة.

وقال الهادي

(8)

: يجب فيها صوم يوم.

واستدل من قال بأن الواجب القيمة بما أخرجه عبد الرزاق

(9)

والدارقطني

(10)

والبيهقي

(11)

من حديث كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بيض نعامة أصابه محرم [بقيمته]

(12)

، وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى، وشيخه حسين بن عبد الله وهما ضعيفان

(13)

.

(1)

في المسند رقم (100 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 229) وقال: فيه علي بن زيد، وفيه كلام كثير، وقد وثق".

(2)

في المخطوط (ب): (قد).

(3)

البناية في شرح الهداية (4/ 327).

(4)

في الأم (3/ 491).

(5)

في المخطوط (أ): (قال).

(6)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(7)

الأم (3/ 490).

(8)

البحر الزخار (2/ 314).

(9)

في المصنف رقم (8302).

(10)

في سننه (2/ 247 رقم 53).

(11)

في السنن الكبرى (5/ 208).

وهو حديث ضعيف.

(12)

في المخطوط (ب): (بقيمة).

(13)

تقدم الكلام عليهما.

ص: 216

وأخرجه ابن ماجه

(1)

والدارقطني

(2)

من حديث [أبي]

(3)

المُهَزَّم

(4)

، وهو أضعف منهما.

واستدل الهادي بما أخرجه الشافعي

(5)

وأبو داود

(6)

والدارقطني

(7)

والبيهقي

(8)

من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم في بيض النعام في كل بيضة صيام يوم.

قال عبد الحق

(9)

: لا يسند من وجه صحيح وفي إسناد أبي داود رجلٌ لم يُسَمّ.

وأخرج نحوه الدارقطني

(10)

من حديث أبي هريرة، وهو من طريق ابن جريج عن أبي الزناد ولم يسمع منه كما قال أبو حاتم

(11)

والدارقطني.

[قوله: (ابن عبد الله التيمي) كذا، فينسخ المنتقى، والصواب: ابن عبيد الله مصغرًا]

(12)

.

قوله: (وَفَّقَ من كله) أي صوَّبه، كذا في شرح مسلم

(13)

: ويحتمل أن يكون معناه دعا له بالتوفيق.

(1)

في سننه رقم (3086). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 39): "هذا إسناد ضعيف، علي بن عبد العزيز مجهول، وأبو المهزم: ضعيف واسمه: يزيد بن سفيان.

(2)

في سننه (2/ 250 رقم (64).

وهو حديث ضعيف.

(3)

في المخطوط (ب): (ابن) وهو خطأ.

(4)

يزيد بن سفيان: أبو المُهَزَّم. متروك الحديث قاله النسائي.

التاريخ الكبير (8/ 339) والمجروحين (3/ 99) والجرح والتعديل (9/ 269)، والميزان (4/ 426) والتقريب (2/ 478).

(5)

في الأم (3/ 490 رقم 1233).

(6)

في المراسيل رقم (138) وقال أبو داود: أسند هذا الحديث، هذا - أي المرسل - هو الصحيح. قلت: وفي إسناده الراوي عن عائشة لم يسم.

(7)

في سننه (2/ 249 رقم 63).

(8)

في السنن الكبرى (5/ 207).

(9)

في "الأحكام الوسطى"(2/ 331).

(10)

في السنن (2/ 249 رقم 60).

(11)

في "العلل"(1/ 270 رقم 794).

وانظر: العلل للدارقطني (10/ 312 س 2049).

(12)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(13)

في شرح النووي لصحيح مسلم (8/ 113).

ص: 217

36/ 1914 - (وعَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَهْزٍ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا في بَعْض وَادِي الرَّوْحَاءِ وَجَدَ النَّاسُ حِمَارَ وَحْشٍ عَقِيرًا فَذَكَرُوهُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: "أَقِرُّوهُ حَتَّى يأْتي صاحبُهُ"، فأتَى الْبَهْزِيُّ وكانَ صَاحِبَهُ، فقالَ: يا رسُولَ الله شأْنَكُمْ هذَا الحِمَارَ، فَأَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبَا بكرٍ فَقَسَّمَهُ في الرِّفاقِ وهُمْ مُحْرِمُون، ثُمَّ مَرَرْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بالْأُثَايَةِ إِذَا نَحْنُ بِظَبْيٍ حَاقِفٍ فِي ظِلٍّ فِيهِ سَهْم، فأمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ حَتَّى يُخْبِرَ النَّاسَ عَنْهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

وَالنَّسَائِيُّ

(2)

وَمَالِك فِي الْمُوَطإِ)

(3)

. [صحيح]

الحديث صححه ابن خزيمة

(4)

وغيره كما قال في الفتح

(5)

.

قوله: (أقروه) أي اتركوه.

قوله: (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر) إلخ، ينبغي أن يقيد هذا الإطلاق بأن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن البهزي لم يصده لأجلهم بقرينة حال أو مقال للجمع بين الأدلة كما تقدم.

قوله: (في الرفاق) جمع رفقة.

قوله: (بالأُثاية) بضم الهمزة وكسرها بعدها ثاء مثلثة وبعد الألف تحتية: موضع بين الحرمين فيه مسجد نبوي أو بئر دون العرج

(6)

.

(1)

في المسند (3/ 452).

(2)

في سننه رقم (2818).

(3)

في الموطأ (1/ 351 رقم 79).

قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (1382) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 172) والطبراني في الكبير رقم (5283) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 188).

(4)

في صحيحه رقم (2638).

والخلاصة: أن الحديث صحيح على وهم في إسناده، فقد جعل من حديث رجل من بهز، والصحيح أنه لعمير بن سلمة الضمري، عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بينهما أحد، والبهزي إنما كان صائدًا، كما في مسند أحمد (3/ 418).

(5)

(4/ 33).

(6)

معجم ما استعجم (1/ 106).

ص: 218

قال في القاموس

(1)

: هو بضم الهمزة ويثلث.

قوله: (حاقف) قال في القاموس

(2)

: [الحاقف]

(3)

: الرابض في حقف من الرمل أو يكون منطويًا كالحقف وقد انحنى وتثنى في نومه وهو بين الحقوق انتهى.

قوله: (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلخ، إنما لم يأذن لمن معه بأكله لأمرين أحدهما أنه حي وهو لا يجوز للمحرم ذبح الصيد الحي.

(الثاني) أن صاحبه الذي رماه قد صار أحق به فلا يجوز أكله إلا بإذنه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في حمار البهزي: (أقروه حتى يأتي صاحبه).

وفيه دليل على أنه يشرع للرئيس إذا رأى صيدًا لا يقدر على حفظ نفسه بالهرب إما لضعف فيه أو لجناية أصابته أن يأمر من يحفظه من أصحابه.

37/ 1915 - (وعَنْ أَبي قَتَادَةَ قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا جالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في منْزِل في طَرِيقِ مكَّةَ ورسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أمامَنَا، والْقَوْمُ مُحْرِمُونَ، وأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ عامَ الْحُدَيْبِيَّةَ، فأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًا، وأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِف نَعْلِي فَلَمْ يُؤْذِنُونِي، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، فَالْتَفَتُّ فأبْصَرْتُهُ فَقُمْتُ إِلى الْفَرَسِ فأسْرَجْتُهُ ثُمَّ رَكِبْتُ وَنسيتُ السَّوْطَ، والرُّمْحَ فقلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ والرُّمْحَ، قَالُوا: والله لا نُعينُكَ عَليهِ، فَغَضبْتُ فَنَزَلْتُ فَأخَذْتُهُمَا، ثمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ على الحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يأْكُلُونَهُ، ثمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إيَّاهُ وَهُمْ حُرُم، فَرُحنا وَخَبأتُ العَضُدَ مَعِي، فأدْرَكْنا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَسألْنَاهُ عنْ ذَلِكَ فقالَ:"هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ "، فقلْتُ: نَعَمْ، فنَاوَلْتُهُ الْعَضدَ فأكَلَها وَهْوَ مُحْرم. مُتَّفَقٌ عَليْهِ

(4)

، ولَفْظُهُ للْبُخَارِيِّ. [صحيح]

وَلَهُمْ

(5)

فِي رِوَايَةٍ: "هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهِ". [صحيح]

(1)

القاموس المحيط ص 1624.

(2)

القاموس المحيط ص 1035.

(3)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(4)

أحمد في المسند (5/ 301) والبخاري رقم (1824) ومسلم رقم (59/ 1196).

(5)

أحمد في المسند (5/ 302) والبخاري رقم (1823) ومسلم رقم (56/ 1196).

ص: 219

ولمُسْلِمٍ

(1)

: "هَلْ أَشارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ؟ "، [قَالُوا]

(2)

: لَا، قَالَ:"فَكُلُوهُ".

وللْبُخاريِّ

(3)

: قالَ: "مِنْكُمْ أحَدٌ أَمَرَهُ أنْ يَحْملَ عَلَيْها أوْ أشَارَ إِلَيْها؟ "، قالُوا: لَا، قالَ:"فَكلُوا ما بَقِيَ مِنْ لَحْمها"). [صحيح]

قوله: (أمامنا) بفتح الهمزة.

قوله: (عام الحديبية)، هذا هو الصواب.

ووقع في رواية للبخاري (3) أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حاجًا وهو غلط كما قال الإِسماعيلي

(4)

، فإن القصة كانت في العمرة.

وقال الحافظ

(5)

: لا غلط في ذلك بل هو من المجاز الشائع. وأيضًا فالحج في الأصل: القصد للبيت فكأنه قال: خرج قاصدًا للبيت، ولهذا يقال للعمرة: الحج الأصغر.

قوله: (والله لا نعينك)، زاد أبو عوانة:"إنا محرمون".

وفيه دليل على أنهم قد كانوا علموا أَنه يحرم على المحرم الإِعانة على قتل الصيد.

قوله: (وخبأت) في رواية للبخاري (3): "فحملنا ما بقي من لحم الأتان".

قوله: (فكلوه) صيغة الأمر هنا للإِباحة لا للوجوب، لأنها وقعت جوابًا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب فوقعت على مقتضى السؤال.

قوله: (قال منكم أحد أمره .. ) إلخ، في رواية للبخاري

(6)

[قال]

(7)

: أمنكم بزيادة الهمزة، ولفظ مسلم

(8)

: "هل منكم أحد أمره".

فيه دليل على أن مجرد الأمر من المحرم للصائد بأن يحمل على الصيد والإِشارة منه مما يوجب عدم الحل لمشاركته للصائد.

قوله: (أن يحمل عليها أو أشار إليها) الضمير راجع إلى الأتان لأنه لا يطلق إلا على الأنثى وهي مذكورة في رواية البخاري (3) ولفظه: فرأينا حمر وحش

(1)

في صحيحه رقم (64/ 1196).

(2)

في المخطوط (ب): (فقالوا).

(3)

في صحيحه رقم (1824).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 29).

(5)

في "الفتح"(4/ 29).

(6)

كما في "فتح الباري"(4/ 30).

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

في صحيحه رقم (60/ 1196).

ص: 220

فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانًا فنزلنا فأكلنا من لحمها ثم قلنا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها، قال: منكم أحد أمره .. إلخ، والروايات متفقة على إفراد الحمار [بالرواية]

(1)

، وأفادت هذه الرواية أن الحمار من جملة حمر، وأن المقتول كان أتانًا أي أنثى لقوله: فعقر منها أتانًا.

والحديث فيه فوائد منها أنه يحل للمحرم لحم ما يصيده الحلال إذا لم يكن صاده لأجله ولم يقع منه إعانة له، وقد تقدم الخلاف في ذلك.

(ومنها) أن مجرد محبة المحرم أن يقع من الحلال الصيد فيأكل منه غير قادحة في إحرامه ولا في حل الأكل منه.

(ومنها) أن عقر الصيد ذكاته، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

(ومنها) جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبالقرب منه

(2)

.

38/ 1916 - (وعَنْ أبي قَتَادَةَ قالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيةِ فأحْرَمَ أَصحابي وَلَمْ أحْرِمْ، فرَأَيْتُ حِمَارًا فَحَمَلْتُ عَليهِ فاصْطَدْتهُ، فَذَكرْتُ شأنَهُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَذَكَرْتُ أنِّي لَمْ أَكُنْ أحْرَمْتُ، وأَنِّي إنَّما اصْطَدْتهُ لَكَ، فأمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَهُ فأكَلُوا، وَلَمْ يأكُلْ منْهُ حِينَ أخْبَرْتهُ أنِّي اصْطَدْتهُ لهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(3)

وابْنُ ماجَهْ

(4)

بإِسنادٍ جَيِّدٍ. [صحيح دون قوله: "إنما اصطدته لك"، وقوله: "ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له"، فهي رواية شاذة]

(1)

في المخطوط (ب): بالرؤية.

(2)

قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي"(4/ 81): "دليل على جواز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في القرب لا في المجلس ودون وجود نص".

وانظر لهده المسألة: "إرشاد الفحول"(ص 838) بتحقيقي، والبحر المحيط (6/ 220).

(3)

في المسند (5/ 304).

(4)

في سننه رقم (3093).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (2642) والدارقطني في سننه (2/ 291) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 190).

وهو حديث صحيح دون قوله: "إنما اصطدته لك"، ودون قوله:"ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له".

فقد تفرد بهما معمر عن يحيى بن أبي كثير، فهي رواية شاذة.

وانظر: إرواء الغليل (4/ 214 - 215).

ص: 221

قالَ أبُو بكْرِ النَّيسَابُورِيُّ: قَوْلهُ: إنِّي اصْطَدْتُه لَكَ وأَنَّه لَمْ يأكُلْ منْه، لا أعْلَم أحَدًا قالهُ في هذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ مَعمرَ)

(1)

.

الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني

(2)

والبيهقي

(3)

وابن خزيمة

(4)

، وقد قال بمثل مقالة النيسابوري التي ذكرها المصنف ابن خزيمة والدارقطني والجوزقي.

قال ابن خزيمة

(5)

: إن كانت هذه الزيادة محفوظة أحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أكل من لحم ذلك الحمار من قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله، فلما علم امتنع.

وفيه نظر، لأنه لو كان حرامًا عليه صلى الله عليه وسلم ما أقره الله تعالى على الأكل [منه]

(6)

حتى يعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله.

ويحتمل أن يكون ذلك لبيان الجواز وأن الذي يحرم على المحرم إنما هو الذي يعلم أنه صِيد من أجله، وأما إذا أُتي بلحم لا يدري ألحم صيد أم لا وهل صيد لأجله أم لا، [فحمله]

(7)

على أصل الإِباحة فلا يكون حرامًا عليه عند الأكل، ولكنه يبعد هذا ما تقدم من أنه لم يبق إلا العضد.

وقال البيهقي

(8)

: هذه الزيادة غريبة يعني قوله: إني اصطدته لك، قال: والذي في الصحيحين

(9)

أنه أكل منه.

وقال النووي

(10)

في شرح المهذب: يحتمل أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قصتان.

(1)

قال ابن خزيمة في صحيحه (4/ 181): "قال أبو بكر: هذه الزيادة: إنما اصطدته لك.

وقوله: لم يأكل منه حين أخبرته، إني اصطدته لك، لا أعلم أحدًا ذكره في خبر أبي قتادة غير معمر في هذا الإسناد.

وقال البيهقي (5/ 190): "هذه لفظة غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه.

(2)

في سننه (2/ 291) وقد تقدم.

(3)

في السنن الكبرى (5/ 190) وقد تقدم.

(4)

في صحيحه رقم (2642) وقد تقدم.

(5)

في صحيحه (4/ 181).

(6)

زيادة من المخطوط (أ).

(7)

في المخطوط (أ): (فحله).

(8)

في السنن الكبرى (5/ 190).

(9)

البخاري رقم (2854) ومسلم رقم (63/ 1196).

(10)

المجموع شرح المهذب (7/ 346).

ص: 222

قال ابن حزم

(1)

: لا يشك أحد بأن أبا قتادة لم يصد الحمار إلا لنفسه ولأصحابه وهم محرمون فلم يمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم من أكله وكأنه يقول بأنه يحل صيد الحلال للمحرم مطلقًا وهو أحد الأقوال السابقة.

وقال ابن عبد البر

(2)

: كان اصطياد أبي قتادة الحمار لنفسه لا لأصحابه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجَّه أبا قتادة على طريق البحر مخافة العدوّ، فلذلك لم يكن محرمًا عند اجتماعه بأصحابه لأن مخرجهم لم يكن واحدًا.

قال الأثرم

(3)

: كنت أسمع أصحاب الحديث يتعجبون من هذا الحديث ويقولون كيف جاز لأبي قتادة مجاوزة الميقات بلا إحرام ولا يدرون ما وجهه حتى رأيته مفسرًا في حديث عياض عن أبي سعيد

(4)

قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرمنا، فلما كان مكان كذا وكذا إذا نحن بأبي قتادة كان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في شيء قد سماه، فذكر حديث الحمار الوحشي. انتهى.

والحديث من جملة أدلة الجمهور القائلين بأنه يحرم صيد الحلال على المحرم إذا صاده لأجله ويحل له إذا لم يصده لأجله، ولهذا لما أَخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه صاده لأجله لم يأكل منه وأَمر أصحابه بالأكل.

39/ 1917 - (وعَنْ جابِرٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "صَيْدُ البَرِّ لكُمْ حَلَال وأَنْتُم حُرُم ما لَمْ تَصيدُوهُ أوْ يُصَد لكُمْ"، رَوَاه الخَمسةُ إلَّا ابْنَ ماجَهْ

(5)

. [ضعيف]

(1)

في المحلى (7/ 254).

(2)

في "التمهيد"(8/ 204).

(3)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(2/ 528).

(4)

وهو حديث صحيح.

أخرجه ابن حبان رقم (984 - موارد) وفي إسناده محمد بن عثمان العقيلي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (9/ 98) وقال: يغرب.

وقد تابعه إسماعيل بن بشر بن منصور السليمي عند البزار (رقم 1101 - كشف).

وعياش بن الوليد عند الطحاوي (2/ 173) كلاهما عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن عبيد الله بن عمر، عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد، به. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 230) وقال: رواه البزار ورجاله ثقات.

(5)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 362) وأبو داود رقم (1851) والترمذي رقم (846) والنسائي رقم (2827). =

ص: 223

وقالَ الشافِعيُّ

(1)

: هذَا أحسَنُ حَدِيثٍ روِيَ في هذَا البَابِ وَأَقْيَسُ).

الحديث أخرجه أيضًا ابن خزيمة

(2)

وابن حبان

(3)

والحاكم

(4)

والدارقطني

(5)

والبيهقي

(6)

، وهو من رواية عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب عن مولاه المطلب عن جابر، وعمرو مختلف فيه مع كونه من رجال الصحيحين، ومولاه قال الترمذي

(7)

: لا يعرف له سماع من جابر، وقال في موضع آخر: قال محمد: لا أعرف له سماعًا من أحد من الصحابة إلا قوله حدثني من شهد خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد رواه الشافعي

(8)

عن عمرو عن رجل من الأنصار عن جابر.

ورواه الطبراني

(9)

عن عمرو عن المطلب عن أبي موسى وفي إسناده

= قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (2641) وابن حبان رقم (3971) والحاكم (1/ 452) وابن الجارود رقم (437) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 171) والدارقطني (2/ 290 رقم 245) والبيهقي (5/ 190) والشافعي رقم (839 - ترتيب) والبغوي في شرح السنة (7/ 263 - 264).

وابن عبد البر في "التمهيد"(9/ 62) وفي الاستذكار (11/ 277 رقم 16340) والبيهقي في "المعرفة"(7/ 429 رقم 10579).

من طرق عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن المطلب، عن جابر.

قلت: وفي إسناده المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب المخزومي، وهو صدوق كثير التدليس والإرسال.

وقال الترمذي: حديث جابر حديث مفسر، والمطلب لا تعرف له سماعًا من جابر.

وقال النسائي: عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث وإن كان قد روى عنه مالك.

وأعلَّه المارديني في "الجوهر النقي"(5/ 191) بأربع علل

، وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(2/ 526).

(2)

في صحيحه رقم (2641) وقد تقدم.

(3)

في صحيحه رقم (3971) وقد تقدم.

(4)

في المستدرك (1/ 452) وقد تقدم.

(5)

في سننه (2/ 290 رقم 245) وقد تقدم.

(6)

في السنن الكبرى (5/ 190) وقد تقدم.

(7)

في السنن (3/ 204).

(8)

في المسند (رقم 839 - ترتيب) وقد تقدم.

(9)

في المعجم الكبير (3/ 231 - مجمع الزوائد)، وقال: فيه يوسف بن خالد السمتي، وهو ضعيف.

ص: 224

يوسف بن خالد السمتي وهو متروك

(1)

.

ورواه الخطيب

(2)

عن مالك عن نافع عن ابن عمر، وفي إسناده عثمان بن خالد [المخزومي]

(3)

وهو ضعيف جدًّا.

هذا الحديث صزيح في التفرقة بين أن يصيده المحرم أو يصيده غيره له، وبين أن لا يصيده المحرم ولا يصاد له، بل يصيده الحلال لنفسه ويطعمه المحرم، ومقيد لبقية الأحاديث المطلقة كحديث الصعب

(4)

وطلحة

(5)

وأبي قتادة

(6)

ومخصص لعموم الآية المتقدمة.

[الباب الحادي عشر] باب صيد الحرم وشجره

40/ 1918 - (عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "إنَّ هذَا الْبَلَدَ حَرامٌ لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُخْتَلَى خلاهُ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلا تُلْتَقَطُ لُقْطَتُهُ إلَّا لمعَرِّف"، فقالَ العبَّاسُ إلَّا الإِذْخِرَ فإِنَّهُ لا بُدَّ لهُمْ مِنْهُ فإنَّه لِلْقُيونِ والْبيُوتِ، فقالَ:"إلَّا الاذْخِرَ"

(7)

. [صحيح]

41/ 1919 - (وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا فَتَحَ مَكَّةَ قالَ: "لا يُنَفَّرُ صَيْدُها وَلا يُخْتَلَى شَوْكها، وَلا تَحِلُّ ساقِطَتُها إلَّا لمُنْشِدٍ"، فقالَ الْعبَّاسُ: إلَّا الإِذْخِرَ فإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقبورِنا وبيُوتِنا، فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إلَّا الإِذْخِرَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما

(8)

.

(1)

انظر: المجروحين (3/ 131) والميزان (4/ 463) والتقريب (2/ 380).

(2)

كما في "التلخيص"(2/ 527).

قلت: وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(5/ 176) في ترجمة عثمان بن خالد العثماني.

وهو حديث ضعيف.

(3)

كذا في المخطوط (أ) و (ب): والصواب (العثماني) كما في الكامل (5/ 175) والميزان (3/ 32).

(4)

تقدم برقم (1915) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (1913) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم برقم (1916) من كتابنا هذا.

(7)

أحمد في المسند (1/ 259) والبخاري رقم (1587) ومسلم رقم (445/ 1353).

(8)

أحمد في المسند (2/ 238) والبخاري رقم (2434) ومسلم رقم (447/ 1355).

ص: 225

وفي لَفظٍ لَهُمْ

(1)

: لا يُعْضَدُ شَجَرُها، بَدَلَ قَوْلِهِ: لا يُخْتَلَى شَوْكُها). [صحيح]

قوله: (لا يعضد شوكه) بضم أوله وسكون المهملة وفتح الضاد المعجمة أي لا يقطع.

وفي رواية للبخاري

(2)

: "ولا يعضد بها شجرة".

قال القرطبي

(3)

: خص الفقهاء الشجر المنهي عنه بما ينبته الله تعالى من غير صنيع آدمي، فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه فالجمهور

(4)

على الجواز.

وقال الشافعي

(5)

: في الجميع الجزاء ورجحه ابن قدامة

(6)

.

واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول.

فقال مالك

(7)

: لا جزاء فيه بل يأثم. وقال عطاء: يستغفر.

وقال أبو حنيفة

(8)

: يؤخذ بقيمته هدي.

وقال الشافعي

(9)

: في العظيمة بقرة وفيما دونها شاة.

قال ابن العربي: اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم إلا أن الشافعي

(10)

أجاز قطع السواك من فروع الشجرة، كذا نقله أبو ثور عنه، وأجاز أيضًا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها، وبهذا قال عطاء ومجاهد

(11)

وغيرهما، وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذي بطبعه فأشبه الفواسق، ومنعه الجمهور لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما في حديثي الباب، والقياس مصادم لهذا النص فهو فاسد الاعتبار وهو أيضًا قياس غير صحيح لقيام الفارق، فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر.

(1)

أحمد في المسند (2/ 238) والبخاري رقم (112) ومسلم رقم (448/ 1355).

(2)

في صحيحه رقم (1349).

(3)

في المفهم (3/ 471).

(4)

المغني (5/ 185 - 186).

(5)

في الأم (3/ 538).

(6)

في المغني (5/ 186).

(7)

الاستذكار (13/ 316، 317 رقم 19003، 19005)، وعيون المجالس (2/ 880 - 881).

(8)

البناية في شرح الهداية (4/ 357).

(9)

الأم (3/ 538).

(10)

المجموع (7/ 453).

(11)

المغني (5/ 186).

ص: 226

قال ابن قدامة

(1)

: ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقطع من الشجر من غير صنيع الآدمي ولا بما يسقط من الورق، نص عليه أحمد ولا [نعلم]

(2)

فيه خلافًا، انتهى.

قوله: ([لا]

(3)

يختلى خلاه)، الخلا بالخاء المعجمة مقصور، وذكر ابن التين

(4)

أنه وقع في رواية القابسي بالمد وهو الرطب من النبات، واختلاؤه: قطعه واحتشاشه.

واستدل به على تحريم رعيه لكونه أشد من الاحتشاش وبه قال مالك

(5)

والكوفيون (6) واختاره الطبري

(6)

، [وتخصيص]

(7)

التحريم بالرطب إشارة إلى جواز رعي اليابس وجواز اختلائه، وهو أصح الوجهين للشافعية لأن [النبت]

(8)

اليابس كالصيد الميت.

قال ابن قدامة

(9)

: لكن في استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس [من الحشيش]

(10)

.

ويدل عليه أن في بعض طرق حديث أبي

(11)

هريرة: "ولا يُحتشُّ حشيشُها".

قال: وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم من بقل وزرع ومشموم فلا بأس برعيه واختلائه.

قوله: (ولا ينفَّرُ صيده) بضم أوّله وتشديد الفاء المفتوحة، قيل: هو كناية عن الاصطياد، وقيل: على ظاهره.

[قال]

(12)

النووي

(13)

: يحرم التَّنفير وهو الإزعاج عن موضعه فإن نفَّره عصى، تلف أو لا، وإن تَلِفَ في نفاره قبل سكونه: ضمن وإلا فلا.

(1)

في المغني (5/ 186 - 187).

(2)

في المخطوط (ب): (يعلم).

(3)

في المخطوط (أ): (ولا).

(4)

حكاه الحافظ في "الفتح"(4/ 48).

(5)

التسهيل (3/ 958).

(6)

حكاه الحافظ في "الفتح"(4/ 48).

(7)

في المخطوط (ب): (فتخصيص).

(8)

زيادة من المخطوط (ب).

(9)

في المغني (5/ 187).

(10)

زيادة من المخطوط (ب).

(11)

قاله الحافظ في "الفتح"(4/ 48).

(12)

في المخطوط (ب): (وقال).

(13)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 126).

ص: 227

قال

(1)

: قال العلماء: يستفاد من النهي عن التنفير تحريم الإتلاف بالأولى.

قوله: (ولا تلتقط لقطته إلا لمعرّف)، وكذلك قوله في الحديث الثاني:"ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد"، يأتي الكلام على هذا في اللقطة إن شاء الله تعالى.

قوله: (إلا الاذخر)

(2)

بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة أيضًا.

قال في الفتح

(3)

: نبت معروف عند [أهل مكة]

(4)

طَيِّبُ الرّيح له أصل مندفن، وقضبان دقاق ينبت في السهل والحزن، وأهل مكة يسقفون به البيوت بين الخشب ويسدون به الخلل بين اللبنات في القبور.

ويجوز في قوله: (إلا الاذخر) الرفع على البدل مما قبله، والنصب على الاستثناء.

واستدل به على جواز الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم وعلى جواز الفصل بين المستثنى والمستثنى منه، والكلام في ذلك معروف في الأصول

(5)

.

واستدل به أيضًا على جواز النسخ قبل الفعل، وهو ليس بواضح كما قال الحافظ

(6)

.

قوله: (فإنه للقيون) جمع قين وهو الحدَّاد.

قوله: (لقبورنا وبيوتنا) قد سلف بيان الانتفاع به في القبور والبيوت.

42/ 1920 - (وعَنْ عطاءٍ أن غُلامًا مِنْ قُريْش قتل حمامةً مِنْ حمامِ مَكةَ، فأمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يُفْدِيَ عنهُ بِشاةٍ. رَوَاهُ الشَّافِعيُّ)

(7)

. [أثر صحيح]

(1)

أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (9/ 126).

(2)

انظر: النهاية، لابن الأثير (1/ 33).

(3)

(4/ 49).

(4)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(5)

انظر: إرشاد الفحول ص 495 - 496 بتحقيقي.

(6)

في "الفتح"(4/ 49).

(7)

أخرجه الشافعي في الأم (3/ 503) وفي المسند (رقم: 863 - ترتيب). وهو أثر صحيح.

ص: 228

الأثر أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة

(1)

والبيهقي

(2)

من طرق.

وفي الباب عن جماعة من الصحابة منهم علي [عليه السلام]

(3)

عند الشافعي

(4)

، وابن عمر عند ابن أبي شيبة

(5)

، وعن عمر وعثمان عند الشافعي

(6)

وابن أبي شيبة

(7)

فهؤلاء قضى كل وحد منهم بشاة في الحمامة.

وقد روي مثل ذلك عن جماعة من التابعين كعاصم بن عمر رواه عنه الشافعي

(8)

والبيهقي

(9)

، وسعيد بن المسيب رواه عنه البيهقي

(10)

.

وعن نافع بن عبد الحارث رواه عنه الشافعي

(11)

.

وروى عن مالك أنه قال: في حمام الحرم الجزاء وفي حمام الحل القيمة.

[الباب الثاني عشر] باب ما يقتل من الدواب في الحرم والإِحرام

43/ 1921 - (عَنْ عائِشَة قالَت: أَمرَ رسُولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ خَمْسِ فواسِقَ في الْحِلِّ وَالحَرَمِ: الغُرابِ والحِدَأَةِ والْعَقْرَب، والفأرةِ، والْكلْبِ العقورِ. مُتَّفقٌ عليه)

(12)

. [صحيح]

44/ 1922 - (وعَنْ ابْنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "خمسٌ مِنَ الدَّوابِّ ليسَ على المُحْرِمِ في قَتْلِهِنَّ جُناحٌ: الغُرابُ والحدأةُ، والعَقْربُ، والفَأرَةُ، والكَلْبُ العَقورُ". روَاهُ الجَمَاعَةُ إلّا الترْمِذِيَّ

(13)

[صحيح]

(1)

في الجزء المفقود ص 155.

(2)

في السنن الكبرى (5/ 205).

(3)

زيادة من المخطوط (ب) وقد تقدم الكلام عليها.

(4)

في الأم (3/ 503) وعند عبد الرزاق في المصنف (4/ 418 رقم 8285).

(5)

في الجزء المفقود ص 155.

(6)

في المسند (رقم 861 - ترتيب) وفي الأم (3/ 502 - 503 رقم 1261).

(7)

في الجزء المفقود (ص 156).

(8)

أشار إليها الشافعي في الأم (3/ 504).

(9)

في السنن الكبرى (5/ 206).

(10)

في السنن الكبرى (5/ 206).

(11)

الأم (3/ 503).

(12)

أحمد في المسند (6/ 97 - 98) والبخاري رقم (1829) ومسلم رقم (98/ 1166).

(13)

أحمد في المسند (2/ 3)، (2/ 54) والبخاري رقم (1828) ومسلم رقم (76/ 1199) =

ص: 229

وفي لفظٍ: "خمْسٌ لا جُناحَ على منْ قتلهُنَّ في الحَرَمِ والإحْرامِ: الفَأرَةُ، والعَقْرَبُ، والغُرَابُ، والحُدَيَّا، والكَلْبُ العقورُ". رَواهُ أحمَدُ

(1)

ومُسْلِمٌ

(2)

والنَّسائيُّ)

(3)

. [صحيح]

45/ 1923 - (وَعَنْ ابْنِ مَسْعودٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّةٍ بِمِنًى. رَوَاهُ مُسلمٌ)

(4)

. [صحيح]

46/ 1924 - (وعَن ابْنِ عُمَرَ وسُئِلَ: ما يَقْتُلُ الرَّجُلُ مِنَ الدوَابِّ وهْو مُحْرِمٌ؟ فقالَ: حَدَّثَتْنِي إحْدَى نِسْوَةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ كانَ يَأمُرُ بِقَتْلِ الكَلْبِ العَقورِ، والفَأرَةِ، والعَقرَبِ، والحِدَأَةِ، والغُرابِ، والحَيَّةِ. رَواهُ مُسْلِمٌ

(5)

. [صحيح]

47/ 1925 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاس عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "خَمْسٌ كلُّهُنَّ فاسِقَةً يَقْتُلُهُنَّ المُحْرِمُ ويُقتَلْنَ في الحَرَمِ: الفَأرَةُ، والعَقْرَبُ، والحَيَّةُ والكَلْبُ العَقورُ، والغُرابُ"، رَواهُ أحمدُ)

(6)

. [صحيح لغيره]

حديث ابن عباس أورده في التلخيص

(7)

وسكت عنه.

وأخرجه أيضًا البزار

(8)

والطبراني في الكبير

(9)

والأوسط وفي إسناده ليث بن أبي سليم

(10)

، وهو ثقة ولكنه مدلس.

= وأبو داود رقم (1846) والنسائي رقم (2830) وابن ماجه رقم (3088) وهو حديث صحيح.

(1)

في المسند (2/ 52).

(2)

في صحيحه رقم (79/ 1199).

(3)

في السنن رقم (2832).

وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (138/ 2235).

(5)

في صحيحه رقم (79/ 1200).

(6)

في المسند (1/ 257) بسند ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم. ولكن الحديث صحح لغيره، والله أعلم.

(7)

(2/ 524).

(8)

في المسند (رقم 1097 - كشف).

(9)

(ج 11 رقم 10959) و (ج 11 رقم 11582).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 228 - 229) وقال: "رواه أحمد وأبو يعلى - رقم (2428 و 2693) - وجعل بدل الحية، الحدأة. والبزار والطبراني في الكبير، والأوسط ببعضه، وفيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس" اهـ.

(10)

انظر ترجمته في: المجروحين (2/ 231 - 234) والميزان (3/ 420).

ص: 230

قوله: (خمس) ذكر الخمس يفيد بمفهومه نفي هذا الحكم عن غيرها ولكنه ليس بحجة عند الأكثر، وعلى تقدير اعتباره فيمكن أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم أولًا ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس [تشترك]

(1)

معها في ذلك الحكم.

فقد ورد زيادة الحية وهي سادسة كما في حديث ابن عمر

(2)

، وحديث ابن مسعود

(3)

، وحديث ابن عباس

(4)

المذكورة في الباب.

وزاد أبو داود

(5)

من حديث أبي سعيد: السبع العادي.

وزاد ابن خزيمة

(6)

وابن المنذر من حديث أبي هريرة: الذئب والنمر، فصارت تسعًا.

قال في الفتح

(7)

: لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور.

قال: ووقع ذكر الذئب في حديث مرسل أخرجه ابن أبي شيبة

(8)

وسعيد بن منصور وأبو داود

(9)

من طريق سعيد بن المسيب قال: قال صلى الله عليه وسلم: "يقتل المحرم الحية والذئب"، ورجاله ثقات.

(1)

في المخطوط (ب): يشترك.

(2)

تقدم برقم (1924) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (1923) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (1925) من كتابنا هذا.

(5)

في سننه رقم (1848) من حديث أبي سعيد الخدري.

وفي سنده يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي وهو ضعيف، كبر فتغيَّر فصار يتلقَّن وباقي رجاله ثقات.

وقال الألباني رحمه الله: ضعيف، وقوله:"يرمي الغراب ولا يقتله" منكر. انظر: "إرواء الغليل" رقم (1036).

(6)

في صحيحه رقم (2666) و (2667)، وهو حديث صحيح لغيره قاله الألباني.

(7)

(4/ 36).

(8)

في المصنف (4/ 55).

(9)

في المراسيل رقم (137).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (8384) والبيهقي (5/ 210) من طرق عن عبد الرحمن بن حرملة أنه سمع ابن المسيب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس يقتلهن المحرم: العقرب، والحية، والغراب، والكلب، والذئب"، ورجاله ثقات.

ص: 231

وأخرج أحمد

(1)

من طريق حجَّاجُ بنُ أرطاة عن وَبَرة عن ابن عمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب للمحرم. وحجاج ضعيف وقد خولف.

وروي موقوفًا كما أخرجه ابن أبي شيبة

(2)

.

قوله: (خمس فواسق) قال النووي

(3)

هو بإضافة خمس لا تنوينه، وجوَّز ابن دقيق العيد

(4)

الوجهين وأشار إلى ترجيح الثاني.

قال النووي

(5)

: تسميته هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة، فإن أصل الفسق لغة: الخروج، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن [قشرتها]

(6)

، فوصفت بذلك لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله أو حل أكله أو خروجها بالإيذاءِ والإفساد.

قوله: (في الحل والحرم)، ورد في لفظ عند مسلم

(7)

أمر وعند أبي عوانة

(8)

ليقتل المحرم. وظاهر الأمر الوجوب. ويحتمل الندب والإباحة.

وقد روى البزار

(9)

من حديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل العقرب والفأرة والحية والحدأة، وهذا الأمر ورد بعد نهي المحرم عن القتل وفي الأمر الوارد بعد النهي خلاف معروف في الأصول: هل يفيد الوجوب أو لا؟.

وفي لفظ لمسلم "أذن"، وفي لفظ لأبي داود

(10)

: "قتلهن حلال للمحرم".

قوله: (الغراب) هذا الإطلاق مقيد بما عند مسلم

(11)

من حديث عائشة بلفظ "الأبقع"، وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض.

(1)

في المسند (2/ 30) وهو حديث حسن. والحجاج بن أرطاة، وإن كان مدلسًا وروى بالعنعنة، فقد صرح بالتحديث عند الدارقطني في إحدى روايتيه.

(2)

في المصنف (4/ 55).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 115).

(4)

في إحكام الأحكام (3/ 32).

(5)

في شرحه لصحح مسلم (8/ 114).

(6)

في المخطوط (أ)، (قشرها).

(7)

في صحيحه رقم (70/ 1198).

(8)

في مسند أبي عوانة (2/ 412 رقم 3636).

(9)

في المسند رقم (1096 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 229) وقال: "وفيه يوسف بن نافع، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يجرحه، ولم يوثقه، وذكره ابن حبان في الثقات".

(10)

في سننه رقم (1847).

(11)

في صحيحه رقم (67/ 1198).

ص: 232

ولا عذر لمن قال بحمل المطلق على المقيد من هذا، وقد اعتذر ابن بطال

(1)

وابن عبد البر

(2)

عن قبول هذه الزيادة بأنها لا تصح لأنها من رواية قتادة وهو مدلس.

وتعقب ذلك الحافظ

(3)

بأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم، وهذه الزيادة من رواية شعبة، بل صرّح النسائي بسماع قتادة.

واعتذر ابن قدامة

(4)

عن هذه الزيادة بأن الروايات المطلقة أصح، وهو اعتذار فاسد، لأن الترجيح فرع التعارض ولا تعارض بين مطلق ومقيد ولا بين مزيد وزيادة غير منافية.

قال في الفتح

(5)

: وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ويقال له: غراب الزرع، وأفتوا بجواز أكله، فبقي ما عداه من الغربان ملحقًا بالأبقع، انتهى.

قال ابن المنذر

(6)

: أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الإِحرام إلا عطاء. قال الخطابي: لم يتابع أَحد عطاء على هذا.

قوله: (والحدأة) بكسر الحاء المهملة وفتح الدال بعدها همزة بغير مد على وزن عنبة، وحكى صاحب المحكم

(7)

فيه المد.

قوله: (والعقرب) قال في الفتح

(8)

: هذا اللفظ للذكر والأنثى، وقد يقال: عقربة وعقرباء، وليس منها العقربان بل هي دويبة طويلة كثيرة القوائم.

قال ابن المنذر

(9)

: لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب.

قوله: (والفأرة) بهمزة ساكنة ويجوز فيها التسهيل، قال في الفتح

(10)

: ولم

(1)

في شرحه لصحيح البخاري (4/ 493).

(2)

في التمهيد (8/ 237).

(3)

في "الفتح"(4/ 38).

(4)

المغني (5/ 175).

(5)

(4/ 38).

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 38).

(7)

المحكم والمحيط الأعظم (3/ 406).

(8)

في الفتح (4/ 39).

(9)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 39).

(10)

(4/ 39).

ص: 233

يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم إلا ما حكي عن إبراهيم النخعي فإنه قال: فيها جزاء إذا قتلها المحرم، أخرجه عنه ابن المنذر وقال: هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم.

قوله: (والكلب العقور)، اختلف في المراد بالكلب العقور [هنا]

(1)

.

فروى سعيد بن منصور عن أبي هريرة بإسناد حسن كما قال الحافظ

(2)

إنه الأسد، وعن زيد بن أسلم أنه قال: وأي كلب أعقر من الحية؟ وقال زفر: المراد به هنا الذئب خاصة.

وقال في الموطأ

(3)

: كل ما عقر النَّاس وعدَا عليهم، وأخافَهُم مثل الأسَد والنَّمِر والفهد والذئب فهو عقور.

وكذا نقل أبو عبيد

(4)

عن سفيان وهو قول الجمهور. وقال أبو حنيفة

(5)

: المراد به هنا الكلب خاصة ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب.

احتج الجمهور بقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}

(6)

فاشتقها من اسم الكلب، وبقوله صلى الله عليه وسلم:"اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك" فقتله الأسد. أخرجه الحاكم

(7)

بإسناد حسن.

وغاية ما في ذلك جواز الإطلاق [لا أن]

(8)

اسم الكلب هنا متناول لكل ما يجوز إطلاقه عليه وهو محل النزاع.

فإن قيل: اللام في الكلب تفيد العموم قلنا: بعد تسليم ذلك لا يتم إلا إذا كان إطلاق الكلب على كل واحد منها حقيقة وهو ممنوع والسند أنه لا يتبادر عند إطلاق لفظ الكلب إلا الحيوان المعروف والتبادر علامة الحقيقة وعدمه علامة المجاز، والجمع بين الحقيقة والمجاز لا يجوز، نعم إلحاق ما عقر

(1)

زيادة من المخطوط (ب).

(2)

في "الفتح"(4/ 39).

(3)

(1/ 357 رقم 91).

(4)

في الغريبين (4/ 1309).

(5)

البناية في شرح الهداية (4/ 337).

(6)

سورة المائدة: الآية (4).

(7)

في المستدرك (2/ 539) وقال الحاكم: صحح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح.

(8)

في المخطوط (ب): (لأن).

ص: 234

من السباع بالكلب العقور بجامع العقر صحيح، وأما أنه داخل تحت لفظ الكلب فلا.

قوله: (من الدوابّ) بتشديد الباء الموحدة جمع دابة، وهي ما دَبَّ من الحيوان من غير فرق بين الطير وغيره، ومن أخرج الطير من الدواب فهذا الحديث من جملة ما يُرد به عليه.

قوله: (والحديا) بضم أوله وتشديد الياء التحتانية مقصورًا وهي لغة حجازية؛ قال قاسم بن ثابت: الوجه [فيه]

(1)

الهمزة وكأنه سهّل ثم أدغم.

قوله: (والحية) قال نافع لما قيل له: فالحية؟ قال: لا يختلف فيها. وفي رواية: ومن يشك فيها؟.

وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة عن الحكم وحماد أنهما قالا: لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب، والأحاديث ترد عليهما.

وعند المالكية

(2)

خلاف في قتل صغار الحيات والعقارب التي لا تؤذي.

[الباب الثالث عشر] باب تفضيلِ مكَّةَ علي سائِرِ البِلَادِ

48/ 1926 - (عَنْ عَبْدِ الله بْن عَدِيِّ بْنِ الحَمْراءِ أَنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقولُ وهو واقِفٌ بالحَزَوَّرَةِ في سوقِ مَكَّةَ: "والله إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ الله وَأَحَبُّ أرضِ الله إلى الله، ولَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنكِ ما خَرَجْتُ". رَوَاهُ أحمَدُ

(3)

وابْنُ ماجهْ

(4)

والتِّرمِذِيُّ وصَحَّحَهُ)

(5)

. [صحيح]

(1)

زيادة من المخطوط (ب).

(2)

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (8/ 230).

(3)

في المسند (4/ 305).

(4)

في سننه رقم (3108).

(5)

في سننه رقم (3925) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

قلت: وأخرجه الدارمي رقم (2552) وابن حبان رقم (3708) والحاكم (3/ 7) وغيرهم.

وهو حديث صحيح.

ص: 235

49/ 1927 - (وعن ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِمَكَّةَ: "ما أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إليَّ، ولَوْلا أن قَوْمِي أَخْرَجُوني مِنكِ ما سَكَنْتُ غَيْرَكِ". رَوَاهُ الترمِذيُّ وصَحَّحَهُ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (بالحزوّرة) بفتح الحاء المهملة والزاي وفتح الواو المشددة بعدها راء ثم هاء، هي الرابية الصغيرة، وفي القاموس

(2)

: الحَزْوَرَةُ كقَسورةٍ: الناقةُ [المقبلة]

(3)

المذلَّلَةُ، والرابيةُ الصغيرةُ. اهـ.

قوله: (إنك لخير أرض الله)، فيه دليل على أن مكة خير أرض الله على الإطلاق وأحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك استدل من قال: إنها أفضل من المدينة.

قال القاضي عياض

(4)

: إن موضع قبره صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض، وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض.

واختلفوا في أفضلهما ما عدا موضع قبره صلى الله عليه وسلم، فقال أهل مكة والكوفة والشافعي وابن وهب وابن حبيب المالكيان: إن مكة أفضل، وإليه مال الجمهور وذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى أن المدينة أفضل

(5)

.

(1)

في سننه رقم (3926)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

(2)

القاموس المحيط ص 479.

(3)

كذا في المخطوط (أ) و (ب). وفي القاموس المحيط (المُقَتَّلَةُ).

(4)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 511).

(5)

انظر: شرح مسلم للنووي (9/ 163 - 164).

• قال الزرقاني في شرحه لموطأ مالك (4/ 235 - 236): (وقد اختلف السلف أيُّ البلدين أفضل؟ فذهب الأكثر إلى تفضيل مكة وبه قال الشافعي، وابن وهب، ومطرف، وابن حبيب، واختاره ابن عبد البر، وابن رشد، وابن عرفة.

وذهب عمر وجماعة وأكثر أهل المدينة، ومالك وأصحابه سوى من ذكر إلى تفضيل المدينة، واختاره بعض الشافعية.

والأدلة كثيرة من الجانبين حتى قال الإمام ابن أبي جمرة بتساوي البلدين، والسيوطي في "الحجج المبينة": المختار الوقف عن التفضيل لتعارض الأدلة، بل الذي تميل إليه النفس تفضيل المدينة، ثم قال:"وإذا تأمل ذو البصيرة لم يجد فضلًا أعطيته مكة إلا وأعطيت المدينة نظيره وأعلى منه، وجزم في "خصائصه" بأن المختار تفضيل المدينة، ومحل =

ص: 236

واستدل الأولون بحديث عبد الله بن عدي المذكور في الباب. وقد أخرجه أيضًا ابن خزيمة

(1)

وابن حبان

(2)

وغيرهم.

قال ابن عبد البر

(3)

: هذا نص في محل الخلاف فلا ينبغي العدول عنه،

= الخلاف ما عدا البقعة التي ضمت أعضاءه صلى الله عليه وسلم فهي أفضل إجماعًا من جميع بقاع الأرض والسماوات كما حكاه عياض وغيره، ويليها الكعبة فهي أفضل من بقية المدينة اتفاقًا كما قال الشريف السمهودي: وإليه يومئ كلام عمر بن الخطاب" اهـ.

• وانظر: "فضائل المدينة المنورة" للدكتور خليل إبراهيم ملا خاطر (1/ 171 - 176) وزاد المعاد (1/ 47 - 54).

• والخلاصة ما قاله ابن تيمية في "الفتاوى"(27/ 36 - 38): "

مكة أفضل لما ثبت عن عبد الله بن عدي بن الحمراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمكة وهو اقف بالحزورة: "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت"، قال الترمذي: حديث صحيح.

وفي رواية: "إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله".

فقد ثبت أنها خير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله وإلى رسوله، وهذا صريح في فضلها.

وأما الحديث الذي يُروى: "أخرجتني من أحب البقاع إليّ فأسكني أحب البقاع إليك" فهذا حديث موضوع كذب لم يروه أحد من أهل العلم، والله أعلم" اهـ.

".... وأما التربة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا أعلم أحدًا من الناس قال أنها أفضل من المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو المسجد الأقصى، إلا القاضي عياض، فذكر ذلك إجماعًا، وهو قول لم يسبقه إليه أحد فيما علمناه، ولا حجة عليه، بل بدن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من المساجد.

وأما ما فيه خلق أو ما فيه دفن فلا يلزم إذا كان هو أفضل أن يكون ما منه خلق أفضل؛ فإن أحدًا لا يقول: إن بدن عبد الله أبيه أفضل من أبدان الأنبياء، فإن الله يخرج الحي من الميت، والميت من الحي. ونوح نبي كريم، وابنه المغرق كافر، وإبراهيم خليل الرحمن وأبوه آزر كافر.

والنصوص الدالة على تفضيل المساجد مطلقة لم يستثن منها قبور الأنبياء، ولا قبور الصالحين؛ ولو كان ما ذكره حقًّا لكان مدفن كل نبي بل وكل صالح أفضل من المساجد التي هي بيوت الله، فيكون بيوت المخلوقين أفضل من بيوت الخالق التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وهذا قول مبتدع في الدين مخالف لأصول الإسلام" اهـ.

(1)

لم أقف عليه في صحيح ابن خزيمة المطبوع.

(2)

في صحيحه رقم (3708) وقد تقدم.

(3)

انظر: "التمهيد"(2/ 288 - 290) و (6/ 18) ط: مكتبة ابن تيمية.

ص: 237

وقد ادعى القاضي عياض

(1)

الاتفاق على استثناء البقعة التي قُبر فيها صلى الله عليه وسلم وعلى أنها أفضل البقاع.

قيل: لأنه قد روي أن المرء يدفن في البقعة التي أخذ منها ترابه عندما يخلق كما روى ذلك ابن عبد البر في تمهيده

(2)

من طريق عطاء الخراساني

(3)

موقوفًا.

ويجاب عن هذا بأن أفضلية البقعة التي خلق منها صلى الله عليه وسلم إنما كان بطريق الاستنباط ونصبه في مقابلة النص الصريح الصحيح غير لائق، على أنه معارض بما رواه الزبير بن بكار أن جبريل أخذ التراب الذي منه خلق صلى الله عليه وسلم من تراب الكعبة فالبقعة التي خلق منها [صلى الله عليه وسلم]

(4)

من بقاع مكة وهذا لا يقصر عن الصلاحية لمعارضة ذلك الموقوف لا سيما وفي إسناده عطاء الخراساني، نعم إن صح الاتفاق الذي حكاه عياض

(5)

كان هو الحجة عند من يرى أن الإجماع حجة.

وقد استدل القائلون بأفضلية المدينة بأدلة منها حديث: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة" كما في البخاري وغيره

(6)

، مع قوله صلى الله عليه وسلم:

(1)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 511).

(2)

(6/ 257 - 258) ط: الفاروق الحديثة.

(3)

انظر ترجمته في: الميزان (3/ 73 - 75) والتاريخ الكبير (6/ 474) والضعفاء الصغير للبخاري رقم (278) والمجروحين (2/ 130) والكاشف (2/ 233) والتقريب (2/ 123).

فقد قال ابن حجر: صدوق يهم كثيرًا ويرسل ويدلِّس.

(4)

زيادة من المخطوط (ب).

(5)

قلت: لم يصح الاتفاق هذا كما أوضحه ابن تيمية قبل قليل.

(6)

• أخرج أحمد في المسند (3/ 64) وأبو يعلى رقم (1341) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 70) وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 92) والخطيب في "تاريخ بغداد"(4/ 403). من حديث أبي سعيد الخدري بسند ضعيف، لأن أبا بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، روايته عن جد أبيه منقطعة.

ولفظه: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة".

• وأخرج الطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (2874) والطبراني في المعجم الكبير (ج 12 رقم 13156) وفي الأوسط رقم (610) والعقيلي (4/ 73) من طرق عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة". =

ص: 238

"موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها"

(1)

، وهذا أيضًا مع كونه لا ينتهض لمعارضة ذلك الحديث المصرح بالأفضلية هو أخص من الدعوى، لأن غاية ما فيه أن ذلك الموضع بخصوصه من المدينة فاضل وأنه غير محل النزاع.

وقد أجاب ابن حزم

(2)

عن هذا الحديث بأن قوله: إنها من الجنة، مجاز إذ

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد": (4/ 9) وقال: ورجاله ثقات.

• وأخرج الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2872) وابن حبان رقم (3749) عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة

"، وهو حديث حسن، والله أعلم.

• وأخرج أحمد في المسند (2/ 236) والبخاري رقم (7335) وابن عبد البر (2/ 286 - تيمية).

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة

" اهـ. وهو حديث صحيح، والله أعلم.

- قال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(7/ 323 - 324): "وفي هذا الحديث معنى يجب أن يُوقف عليه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة"، على ما في أكثر هذه الآثار، وعلى ما في سواه منها: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"، فكان تصحيحهما يجبُ به أن يكون بيتُه هو قبره، ويكونَ ذلك علامة من علامات النبوة جليلة المقدار، لأنَّ الله عز وجل قد أخفَى على كُلِّ نفس سواه صلى الله عليه وسلم الأرض التي يموت فيها بقوله جلَّ وعز في كتابه: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] فأعلمه عز وجل الموضعَ الذي فيه يموت، والموضع الذي فيه قبرُه، حتى عَلِمَ ذلك في حياته، وحتى أعلمه من أعلمه من أمته، فهذه منزلةٌ لا منزلةَ فوقَها، زادَه الله شرفًا وخيرًا، والله عز وجل نسألُه التوفيق" اهـ ..

• وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة" ص 84: "والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"، هذا هو الثابت في "الصحيح"، ولكن بعضهم رواه بالمعنى فقال: "قبري" وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر بعدُ صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا لم يحتجَّ بهذا أحد من الصحابة، إنما تنازعوا في موضع دفنه، ولو كان هذا عندهم لكان نصًا في محل النزاع، ولكن دفن في حجرة عائشة في الموضع الذي مات فيه، بأبي هو وأمي صلوات الله عليه وسلامه" اهـ.

(1)

وهو حديث صحيح.

أخرجه الترمذي رقم (3013) و (3292) وأحمد (2/ 438) وابن أبي شيبة في المصنف (13/ 101 - 102) وهناد في "الزهد" رقم (113) وابن حبان رقم (7417) والحاكم (2/ 299) وأبو نعيم في صفة الجنة رقم (53) والبيهقي في شعب الإيمان رقم (389) والبغوي في شرح السنة رقم (4372) من طرق.

(2)

في المحلى (7/ 283).

ص: 239

لو كانت حقيقة لكانت كما وصف الله الجنة: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى}

(1)

، وإنما المراد أن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة كما يقال في اليوم الطيب: هذا من أيام الجنة، وكما قال صلى الله عليه وسلم:"الجنة تحت ظلال السيوف"

(2)

.

قال: ثم لو ثبت أنه على الحقيقة لما كان الفضل إلا لتلك البقعة خاصة.

فإن قيل: أن ما قرب منها أفضل مما بعد لزمهم أن يقولوا: إن الجحفة أفضل من مكة ولا قائل به.

ومن جملة أدلة القائلين بأفضلية مكة على المدينة حديث ابن الزبير عند أحمد

(3)

وعبد بن حميد

(4)

وابن زنجويه وابن خزيمة والطحاوي

(5)

والطبراني

(6)

والبيهقي

(7)

وابن حبان

(8)

وصححه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمائة صلاة"، وقد روي من طريق خمسة عشر من الصحابة

(9)

.

(1)

سورة طه: الآية (118).

(2)

أخرجه البخاري رقم (2818) ومسلم رقم (20/ 1742).

(3)

في المسند (4/ 5).

(4)

كما في المنتخب رقم (521).

(5)

في "شرح مشكل الآثار" رقم (597، 598).

(6)

في الكبير كما في مجمع الزوائد (4/ 4 - 5).

(7)

في السنن الكبرى (5/ 246) وفي شعب الإيمان رقم (4141) و 4142).

(8)

في صحيحه رقم (1620).

قلت: وأخرجه البزار رقم (425 - كشف) والفاكهي في أخبار مكة رقم (1183) وابن عدي في الكامل (2/ 817) وابن عبد البر في التمهيد (6/ 24 - 25 - تيمية) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(9)

منهم: • سعد بن أبي وقاص عند أحمد في المسند (1/ 184).

• وابن عمر: عند أحمد في المسند (2/ 29).

• وأبو هريرة: عند أحمد في المسند (2/ 239).

• وأبي سعيد: عند أحمد في المسند (3/ 77).

• وجابر: عند أحمد في المسند (3/ 343).

• وجبير بن مطعم: عند أحمد في المسند (4/ 80). =

ص: 240

ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن أفضلية المسجد لأفضلية الحل الذي هو فيه.

ومن جملة ما استدلوا به حديث: "اللهم إنهم أخرجوني من أحب البلاد إليَّ فأسكني في أحب البلاد إليك"، أخرجه الحاكم في المستدرك

(1)

.

ويجاب بأن النزاع في الأفضل لا فيما هو أحب، والمحبة لا تستلزم الأفضلية، والاستنباط لا يقاوم النص.

واعلم أن الاشتغال ببيان الفاضل من هذين الموضعين الشريفين كالاشتغال ببيان الأفضل من القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم والكل من فضول الكلام [التي لا تتعلق]

(2)

به فائدة غير الجدال والخصام.

وقد أفضى النزاع في ذلك وأشباهه إلى فتن وتلفيق حجج واهية كاستدلال المهلب

(3)

على أفضلية المدينة بأنها هي التي أدخلت مكة وغيرها من القرى في الإسلام فصار الجميع في صحائف أهلها وبأنها تنفي الخبث كما ثبت في الحديث الصحيح

(4)

.

وأجيب عن الأول بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة، فالفضل ثابت للفريقين ولا يلزم من ذلك تفضيل [إحدى]

(5)

البقعتين.

وعن الثاني بأن ذلك إنما هو في خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ}

(6)

، والمنافق خبيث بلا شك، وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة،

= • وعائشة: عند أحمد في المسند (2/ 277 - 278).

• وميمونة: عند أحمد في المسند (6/ 333).

(1)

في المستدرك (3/ 3) وقال: "رواته مدنيون من بيت أبي سعيد المقبري"، وتعقبه الذهبي بقوله:"لكنه موضوع، فقد ثبت أن أحب البلاد إلى الله مكة. وسعد ليس بثقة" اهـ.

(2)

في المخطوط (ب): (الذي لا يتعلق).

(3)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 88).

(4)

أخرجه أحمد (3/ 292)، والبخاري رقم (7211) ومسلم رقم (1383). من حديث جابر.

(5)

في المخطوط (أ)، (ب):(أحد) والصواب ما أثبتناه.

(6)

سورة التوبة: الآية (101).

ص: 241

ثم عليّ [عليه السلام]

(1)

وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من أطيب الخلق، فدل على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت، على أنه إنما يدل ذلك على أنها فضيلة لا أنها فاضلة.

[الباب الرابع عشر] باب حرم المدينة وتحريم صيده وشجره

50/ 1928 - (عَنْ عَليٍّ عليه السلام قالَ: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْمَدِينةُ حَرَم ما بَيْنَ عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ". مُخْتصَرٌ مِنْ حَدِيثٌ مُتَّفَقٍ عَلَيهِ)

(2)

. [صحيح]

51/ 1929 - (وفي حَدِيثِ عَليٍّ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في المَدينَةِ: "لا يُخْتَلى خَلاها ولا يُنَفَّرُ صَيْدُها، وَلا تُلْتَقَطُ لُقَطتُها إلَّا لِمَنْ أشادَ بها، وَلا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أن يَحْمِلَ فِيها السِّلاحَ لِقِتالٍ، وَلا يَصلُحُ أن تُقْطَعَ فِيها شَجَرَةٌ إلا أنْ يَعلِفَ رَجُلٌ بَعيرَهُ". رَوَاهُ أحمدُ

(3)

وأبو دَاوُدَ)

(4)

. [صحيح لغيره]

52/ 1930 - (وَعَنْ عبَّادِ بْنِ تَميمٍ عَنْ عمّهِ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا وإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينة كما حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(5)

[صحيح]

53/ 1931 - (وَعَنْ أبي هرَيْرَةَ قالَ: حَرَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ما بَيْنَ لابَتَي الْمَدِينةِ وَجَعَلَ اثْنَي عَشَرَ ميلًا حَوْلَ الْمَدِينةِ حِمًى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(6)

. [صحيح]

(1)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب) وتقدم التعليق عليه.

(2)

أحمد في المسند (1/ 126) والبخاري رقم (3179) ومسلم رقم (467/ 1370) واللفظ له.

(3)

في المسند (1/ 119).

(4)

في السنن رقم (2035).

وهو حديث صحيح لغيره.

(5)

أحمد في المسند (4/ 40) والبخاري رقم (2129) ومسلم رقم (455/ 1360).

قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (4797) وفي شرح معاني الآثار (4/ 192) والبيهقي (5/ 197) وعبد بن حميد في المنتخب رقم (518).

وهو حديث صحيح.

(6)

أحمد في المسند (2/ 487) والبخاري رقم (1873) ومسلم رقم (471/ 1372).

ص: 242

54/ 1932 - (وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ في الْمَدِينةِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُحَرِّمُ شَجَرَها أنْ يُخْبَطَ أَوْ يُعْضَدَ. رَوَاهُ أحمَد)

(1)

. [صحيح لغيره]

55/ 1933 - (وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَشْرَفَ على الْمَدِينَةِ، فقالَ:"اللَّهُمَّ إني أُحَرِّمُ ما بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ ما حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ في مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ"، مُتَّفَقٌ عَلَيه

(2)

. [صحيح]

ولِلْبُخَارِيَّ

(3)

عنْهُ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الْمَدِينَةُ حَرَم مِنْ كَذَا إلى كَذَا لَا يقْطَعُ شَجَرُها وَلَا يُحْدَثُ فِيها حَدَث، مَنْ أَحْدَثَ فيها حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله والْمَلَائِكَةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ". [صحيح]

ولمُسْلِمٍ

(4)

عَنْ عاصِمٍ الأَحْوَلِ قالَ: سألتُ أَنَسًا: أَحَرَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ؟ قالَ: نَعَم هِيَ حَرَامٌ وَلَا يُخْتَلى خَلَاها فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعنَةُ الله والمَلَائِكَةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ). [صحيح]

56/ 1934 - (وعَن أبي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرامٌ ما بَيْنَ مَأْزِمَيْها أَنْ لَا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُحْمَلَ فِيها سِلَاحٌ، ولَا يُخْبَطَ فيها شَجَرٌ إلَّا لِعَلْفٍ"

(5)

. [صحيح]

57/ 1935 - (وعَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرّمَ مَكَّةَ

(1)

في المسند (2/ 256) بسند ضعيف. لضعف حبيب الهذلي، ولم يوثقه إلا ابن حبان (4/ 143).

ولكن الحديث صحيح لغيره.

فقد أخرج أحمد في المسند (3/ 23) وأبو يعلى رقم (998) من حديث أبي سعيد قال: "حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة أن يُعْضَدَ شجرُها أو يُخْبَطَ".

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (3/ 159) والبخاري رقم (2889) ومسلم رقم (462/ 1365).

(3)

في صحيحه رقم (1867).

(4)

في صحيحه رقم (464/ 1367).

(5)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (475/ 1374).

ص: 243

وإنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ ما بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا يُقْطَعُ عِضاهُها وَلَا يُصادُ صيدُها"

(1)

. رَواهُما مسُلمٌ). [صحيح]

58/ 1936 - (وعَنْ جابِرٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ في المَدِينَةِ: "حَرَامٌ ما بَينَ حَرَّتَيهَا وَحِمَاهَا كُلِّها لَا يُقطَعُ شَجَرُهَا إلَّا أن يُعلَفَ مِنهَا". رَوَاهُ أحمدُ)

(2)

.

[صحيح لغيره]

حديث علي الثاني رجاله رجال الصحيح، وأصله في الصحيحين

(3)

.

وحديث جابر الآخر

(4)

في إسناده ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه كلام معروف.

قوله: (ما بين عَيْرٍ إلى ثَوْر)، أما عَيْر فهو بفتح العين المهملة وإسكان التحتية، وأما ثَوْر فهو بفتح المثلثة وسكون الواو بعدها راء، ومن الرواة من كنى عنه بكذا، ومنهم من ترك مكانه بياضًا لأنهم اعتقدوا أن ذكره هنا خطأ.

قال المازري

(5)

: قال بعض العلماء: ثور هنا وهم من الراوي، وإنما ثور بمكة قال: والصحيح إلى أحد.

قال القاضي

(6)

: كذا قال أبو عبيد

(7)

: أصل الحديث من عير إلى أُحد انتهى.

(1)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (458/ 1362).

(2)

في المسند (3/ 336) و (3/ 393) بسند ضعيف لضعف ابن لهيعة، ولكن الحديث صحيح لغيره.

(3)

البخاري رقم (1870) ومسلم رقم (467/ 1370).

(4)

تقدم برقم (58/ 936) من كتابنا هذا.

(5)

في "المعلم بفوائد مسلم"(2/ 78).

(6)

عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(4/ 489).

(7)

في غريب الحديث (1/ 315 - 316) قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في طبعته على صحيح مسلم نقلًا عن الفيروزآبادي في قاموسه: تصحيف أبي عبيد لهذا الحديث خطأ.

وأثبت لفظة ثور أنه في المدينة وهو جبل صغير خلف أحد.

وقال الشيخ عبد الباقي: وقع بسبب هذا الخطا ثلاثة من كبار المؤلفين: أبو عبيد البكري، وابن الأثير، وياقوت في معجمه، ورد عليهم، وكذا ابن حجر في الفتح. انظر: صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي (2/ 995).

ص: 244

قال النووي

(1)

: وكذا قال أبو بكر الحازمي الحافظ وغيره من الأئمة أن أصله من عير إلى أحد.

قال

(2)

: قلت: ويحتمل أن ثورًا كان اسمًا لجبل هناك إما أحد وإما غيره فخفي اسمه، وقال مصعب الزبيري ليس بالمدينة عير ولا ثور.

قال عياض

(3)

: لا معنى لإنكار عير بالمدينة فإنه معروف، وكذا قال جماعة من أهل اللغة.

قال ابن قدامة

(4)

: يحتمل أن يكون المراد مقدار ما بين عَيْر وثَوْر لا أنهما بعينيهما في المدينة، أو سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجبلين اللذين بطرفي المدينة عيرًا وثورًا ارتجالًا، وسبقه إلى الأوّل أبو عبيد على ما حكاه ابن الأثير

(5)

عنه.

وقال المحب الطبري في الأحكام

(6)

: قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحًا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور وتواردوا على ذلك.

قال: فعلمنا أن ذكر ثور المذكور في الحديث الصحيح صحيح وإن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه، وهذه فائدة جليلة، انتهى.

وقد ذكر مثل هذا الكلام في القاموس

(7)

، وقال أبو بكر بن حسين المراغي نزيل المدينة في مختصره لأخبار المدينة: إن خَلَف أهل المدينة ينقلون عن سَلَفِهم أن خَلْفَ أُحُدٍ من جهة الشمال جبلًا صغيرًا إلى الحمرة بتدوير يسمى ثورًا، قال: وقد تحققته بالمشاهدة.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 143).

(2)

أي النووي في المرجع السابق (9/ 143).

(3)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 489).

(4)

في المغني (5/ 191).

(5)

في النهاية في غريب الحديث (3/ 328).

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 82).

(7)

في القاموس المحيط ص 459.

ص: 245

قوله: (لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تُلْتَقَط لُقَطَتُها)، قد تقدم تفسير هذه الألفاظ والكلام عليها في باب صيد الحرم وشجره.

قوله: (إلا لمن أشاد بها)، أي رفع صوته بتعريفها أَبَدًا لا سَنَةً كما في غيرها ولعله يأتي في اللُّقَطَةِ بسط الكلام على لقطة مكة والمدينة وغيرهما.

قوله: (ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال)، قال ابن رسلان: هذا محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولا حاجة، فإن كانت حاجة جاز.

قوله: (ولا يصلح أن يقطع فيها شجرة)، استدلَّ بهذا وبما في الأحاديث المذكورة في الباب من تحريم شجرها وخبطه وعضده وتحريم صيدها وتنفيره الشافعي

(1)

ومالك

(2)

وأحمد

(3)

والهادي

(4)

وجمهور أهل العلم

(5)

على أن للمدينة حرمًا كحرم مكة يحرم صيدُه وشجرُه.

[قال]

(6)

الشافعي (7) ومالك

(7)

: فإن قتل صيدًا أو قطع شجرًا فلا ضمان لأنه ليس بمحل للنسك فأشبه الحمى.

وقال ابن أبي ذئب (8) وابن أبي ليلى

(8)

: يجب فيه الجزاء كحرم مكة وبه

(1)

المجموع شرح المهذب (7/ 473).

(2)

عيون المجالس (2/ 890).

(3)

المغني (5/ 190).

(4)

البحر الزخار (2/ 319).

(5)

المجموع (7/ 473 - 477) والمغني (5/ 190 - 193).

(6)

في المخطوط (ب): (وقال).

(7)

قال القاضي عبد الوهاب في "عيون المجالس"(2/ 890 - 891): "مسألة: ولا جزاء على من قتل صيد المدينة، وهو مكروه عندنا". انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 501 مسألة 830).

وأبو حنيفة رحمه الله لا يكرهه - المبسوط (4/ 105).

واختلف قول الشافعي رحمه الله في الجزاء فيه، ففي أحد قوليه: لا جزاء فيه. وهذا القول هو الجديد، وهو مذهب الحنابلة. انظر: روضة الطالبين (3/ 169) والإنصاف (3/ 559). والآخر: يؤخذ سلب القاتل. وهذا القول هو القديم. انظر: روضة الطالبين (3/ 169). ولم يختلف قوله إنه محرم وهذا أيضًا مذهب الحنابلة. انظر: روضة الطالبين (3/ 168) والإنصاف (3/ 559) " اهـ.

(8)

ذكر ذلك ابن قدامة في المغني (5/ 192) وقال: وهو قول الشافعي في القديم وابن المنذر.

ص: 246

قال بعض المالكية: وهو ظاهر قوله: كما حرم إبراهيم مكة.

وذهب أبو حنيفة

(1)

وزيد بن علي والناصر إلى أن حرم المدينة ليس بحرم على الحقيقة ولا تثبت له الأحكام من تحريم قتل الصيد وقطع الشجر.

والأحاديث ترد عليهم.

واستدلوا بحديث: "يا أبا عمير ما فعل النغير"

(2)

.

وأجيب عنه بأن ذلك كان قبل تحريم المدينة [أو أنه]

(3)

من صيد الحل.

قوله: (إلا أن يعلف رجل بعيره)، فيه دليل على جواز أخذ الأشجار للعلف لا لغيره فإنه لا يحل كما سلف.

قوله: (ما بين لابتي المدينة)، قال أهل اللغة

(4)

: اللَّابتان: الحرَّتان، واحدتها: لابة بتخفيف الموحدة وهي الحرة، والحرة: الحجارة السود، وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما.

قوله: (وجعل اثني عشر ميلًا) إلخ، لفظ مسلم

(5)

عن أبي هريرة قال: "حَرَّمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما بينَ لابتي المدينَةِ. قال أبو هريرة: فلو وجدتُ الظّباءَ ما بينَ لابتيها ما ذعرتها، وجعل اثني عشر ميلًا حول المدينة حمى"، انتهى.

والضمير في قوله (جعل) راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما يدل على ذلك اللفظ الذي ذكره المصنف.

ويدل عليه أيضًا ما عند أبي داود

(6)

من حديث عدي بن زيد الجذامي قال:

(1)

المبسوط للسرخسي (4/ 105).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 119) والبخاري رقم (6203) ومسلم رقم (2150).

(3)

في المخطوط (ب): (وأنه).

(4)

النهاية (4/ 274) والقاموس المحيط ص 173.

(5)

في صحيحه رقم (472/ 1372).

(6)

في سننه رقم (2036).

قال المنذري في "المختصر"(2/ 445): "في إسناده: سليمان بن كنانة، سئل عنه أبو حاتم الرازي؟ فقال: لا أعرفه. ولم يذكره البخاري في تاريخه.

وفي إسناده أيضًا عبد الله بن أبي سفيان، وهو في معنى المجهول" اهـ.

وخلاصة القول: أن حديث عدي بن زيد حديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 247

حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بَرِيدًا بَرِيدًا، وهذا مثل ما في الصحيحين لأن البريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال.

وهذان الحديثان فيهما التصريح بمقدار حرم المدينة.

قوله: (إن يخبط أو يعضد) الخبط ضرب الشجر ليسقط ورقه والعضد القطع كما تقدم، زاد أبو داود

(1)

في هذا الحديث إلا ما يساق به الجمل.

قوله: (ما بين جبليها) قد ادّعى بعض الحنفية أن الحديث مضطرب لأنه وقع التحديد في بعض الروايات بالحرتين وفي بعضها باللابتين وفي بعضها بالجبلين وفي بعضها بعير وثور كما تقدم، وفي بعضها بالمأزمين كما سيأتي.

قال في الفتح

(2)

: وتعقب بأن الجمع [بينها]

(3)

واضح، وبمثل هذا لا ترد الأحاديث الصحيحة، فإن الجمع لو تعذر أمكن الترجيح، ولا شك أن [رواية]

(4)

ما بين لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها، ورواية جبليها لا تنافيها، فيكون عند كل لابة جبل، أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال، وجبليها من جهة الشرق والغرب، وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر، والمأزم قد يطلق على الجبل نفسه كما سيأتي.

قوله: (اللهم بارك لهم في مدّهم وصاعهم)، قال عياض

(5)

: البركة هنا بمعنى النماء والزيادة.

وقال النووي

(6)

: الظاهر أن المراد البركة في نفس الكيل من المدينة بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها.

قوله: (من كذا إلى كذا) جاء هكذا مبهمًا في روايات البخاري

(7)

كلها فقيل: إن البخاري أبهمه عمدًا لما وقع عنده أنه وهم، ووقع عند مسلم

(8)

إلى

(1)

تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (6).

(2)

الفتح (4/ 83).

(3)

في المخطوط (ب): (بينهما).

(4)

زيادة في المخطوط (ب).

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 488).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 142).

(7)

في صحيحه رقم (1867).

(8)

في صحيحه رقم (467/ 1370).

ص: 248

ثور، فالمراد بهذا المبهم من عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ، وقد تقدم الكلام على ذلك.

قوله: (من أحدث فيها حدثًا) أي عمل بخلاف السنة كمن ابتدع بها بدعة، زاد مسلم

(1)

وأبو داود

(2)

في هذا الحديث: "أو آوى محدثًا".

قوله: (فعليه لعنة الله) إلخ، أي اللعنة المستقرّة من الله على الكفار، وأضيف إلى الله على سبيل التخصيص، والمراد بلعنة الملائكة والناس المبالغة في الإبعاد عن رحمة الله.

وقيل: [إن]

(3)

المراد باللعن هنا: العذاب الذي يستحقه على ذنبه في أول الأمر وليس هو كلعن الكافر.

واستدل بهذا على أن الحدث في المدينة من الكبائر.

قوله: (ما بين مأزِميها) قال النووي

(4)

: المأزم بهمزة بعد الميم وكسر الزاي وهو الجبل، وقيل

(5)

: المضيق بين جبلين ونحوه، والأول هو الصواب هنا ومعناه ما بين جبليها، انتهى.

قوله: (أن لا يهراق فيها دم)، فيه دليل على تحريم إراقة الدماء [بالمدينة]

(6)

لغير ضرورة.

قوله: (إلا لِعَلْف) هو بإسكان اللام مصدر علفت

(7)

. وأما العَلَف بفتح اللام فهو اسم للحشيش والتبن والشعير ونحوها. وفيه جواز أخذ أوراق الشجر للعلف لا خبط الأغصان وقطعها فإنه حرام.

(1)

في صحيحه رقم (467/ 1370).

(2)

في سننه رقم (2034).

وهو حديث صحيح.

(3)

ما بين الخاصرتين سقطت من المخطوط (ب).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 147).

(5)

قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط ص 1390: "المأزمان: مضيقٌ بين جَمْع وعرفة، وآخر بين مكة ومنًى" اهـ.

(6)

في المخطوط (ب): (في المدينة).

(7)

انظر: لسان العرب (9/ 255 - 256).

ص: 249

قوله: (عضاهها) العضاه بالقصر وكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة: كل شجر فيه شوك واحدتها عضاهة وعضهة

(1)

.

قوله: (وحماها كلها) فيه دليل على أن حكم حمى المدينة حكمها في تحريم صيده وشجره، وقد تقدم بيان مقدار الحمى أنه من كل ناحية من نواحي المدينة بريد.

59/ 1937 - (وعَنْ عامِرِ بْنِ سَعدٍ عَنْ أَبيهِ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي أُحَرِّمُ ما بَيْنَ لَابَتَي المَدِينَةِ أنْ يُقطَعَ عِضاهُها أوْ يقْتَلَ صَيْدُها")

(2)

. [صحيح]

60/ 1938 - (وعَنْ عامِر بْنِ سَعْدٍ أن سَعْدًا رَكِبَ إلى قَصْرِهِ بالعَقِيقِ فَوَجَدَ عَبدًا يَقطَعُ شَجَرًا أَوْ يُخْبِطُهُ فَسَلَبَهُ فَلمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جاءَهُ أَهلُ العَبدِ فَكَلَّمُوهُ أن يَرُدّ على غُلَامِهِم أو عَلَيهِمْ ما أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِم، فقالَ: مَعَاذَ الله أن أَرُدّ شيئًا نَفَّلَنيهِ رسُول الله صلى الله عليه وسلم وأَبى أن يَرُدّ عَليهِم

(3)

. رَوَاهُما أحمَدُ ومُسلمٌ). [صحيح]

61/ 1939 - (وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أبي عبْدِ الله قالَ: رَأيتُ سَعْدَ بْنَ أبي وقّاصٍ أخَذَ رجُلًا يَصِيدُ في حَرَمِ المَدِينَةِ الّذِي حَرّمَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَلبهُ ثِيَابَهُ فَجَاءَ مَوَاليهِ فقالَ: إنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حَرّمَ هذا الحَرَمَ وقالَ: "مَن رأيتُمُوهُ يَصِيدُ فِيهِ شَيئًا فَلَكُمْ سَلَبُهُ"، فَلَا أَرُدُّ علَيكُم طُعمَةً أطْعمَنِيهَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إنْ شِئْتُم أُعْطِيَكُمْ ثَمَنَهُ [أعْطَيتُكُم]

(4)

، رَوَاهُ أحمدُ

(5)

، وأبُو دَاوُدَ

(6)

وقالَ فِيهِ:

(1)

لسان العرب (7/ 190).

(2)

أحمد في المسند (1/ 181) ومسلم في صحيحه رقم (459/ 1363).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (14/ 198) وعبد بن حميد رقم (153) والبيهقي (5/ 197) وغيرهم.

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (1/ 168) ومسلم رقم (461/ 1364).

قلت: وأخرجه الدورقي في مسند سعد رقم (32) والبزار رقم (1102) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 191) والبيهقي (5/ 199) وغيرهم وهو حديث صحيح.

(4)

ما بين الخاصرتين سقطت من المخطوط (ب).

(5)

في المسند (1/ 170).

(6)

في سننه رقم (2037). =

ص: 250

من [أخَذَ]

(1)

أحَدًا يَصيدُ فِيهِ فَلْيسلُبْهُ ثِيَابَهُ). [صحيح دون قوله: يصيد فمنكر]

الحديث الأول قد تقدم الكلام عليه.

والحديث الثالث أخرجه أيضًا الحاكم

(2)

وصححه وفي إسناده سليمان بن أبي عبد الله المذكور. قال أبو حاتم

(3)

: ليس بمشهور ولكن يعتبر بحديثه. قال الذهبي

(4)

: تابعي وُثق، وقد وهم البزار

(5)

فقال: لا نعلم روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا سعد ولا عنه إلا عامر، وهذا يرد عليه، وقد أخرجه أيضًا أبو داود

(6)

عن مولى لسعد عنه، ووهم أيضًا الحاكم

(7)

فقال في حديث سعد: إن الشيخين لم يخرّجاه وهو في مسلم

(8)

كما عرفت.

قوله: (فسلبه) أي أخذ ما عليه من الثياب.

قوله: (نفلنيه) أي أعطانيه، قال في القاموس

(9)

: نفَلَهُ النفل ونفَّله وأنفَلهُ أعطاه إياه، وقال أيضًا:[والنفل]

(10)

محركة: الغنيمة والهبة.

قوله: (طعمة) بضم الطاء وكسرها

(11)

، ومعنى الطعمة الأكلة، وأما الكسر فجهة الكسب وهيئته.

قوله: (فليسلبه ثيابه)، هذا ظاهر في أنها تؤخذ ثيابه جميعها.

= قلت: وأخرجه البيهقي (5/ 199 - 200) والدورقي في مسند سعد رقم (122) وأبو يعلى رقم (806) والطحاوي (4/ 191).

وهو حديث صحيح، لكن قوله (يصيد) منكر والمحفوظ "يقطعون".

(1)

في المخطوط (ب): (وجد).

(2)

في المستدرك (1/ 486) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(3)

في الجرح والتعديل (4/ 127 رقم الترجمة 549).

(4)

في الميزان (2/ 212 رقم الترجمة 3485) ولكنه قال: (تابعي) فقط. وقال الذهبي في "الكاشف"(1/ 317 رقم الترجمة 2127): (وثق) فقط.

(5)

في البحر الزخار المعروف بمسند البزار (3/ 311 رقم 1102).

(6)

في سننه رقم (2038) وهو حديث صحيح.

(7)

في المستدرك (1/ 486 - 487) وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(8)

في صحيحه رقم (1364).

(9)

القاموس المحيط ص 1374.

(10)

في المخطوط (ب): (النفل).

(11)

القاموس المحيط ص 1462.

ص: 251

وقال الماوردي

(1)

: يبقي له ما يستر عورته، وصححه النووي

(2)

واختاره جماعة من أصحاب الشافعي.

وبقصة سعد هذه احتج من قال: إن من صاد من حرم المدينة أو قطع من شجرها أخذ سلبه، وهو قول الشافعي في القديم

(3)

.

قال النووي

(4)

: وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة، انتهى.

وقد حكى ابن قدامة

(5)

عن أحمد في إحدى الروايتين القول به قال وروي ذلك عن ابن أبي ذئب وابن المنذر، انتهى.

وهذا يرد على القاضي عياض

(6)

حيث قال: ولم يقل به أحد بعد الصحابة إلا الشافعي في قوله القديم، وقد اختلف في السلب فقيل: إنه لمن سلبه.

وقيل: لمساكين المدينة.

وقيل: لبيت المال، وظاهر الأدلة أنه للسالب وأنه طعمة لكل من وجد فيه أحدًا يصيد أو يأخذ من شجره.

[الباب الخامس عشر] باب ما جاء في صيد وج

62/ 1940 - (عَن محمّدِ بن عبدِ الله بن شَيْبَانَ عَن أبِيهِ عَن عُروَةَ بن الزُّبَيرِ عَنِ الزُّبَيرِ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنّ صَيدَ وَجٍّ وَعِضاهَهُ حَرمٌ محَرّمٌ لله عز وجل". رَواهُ أحمَدُ

(7)

وأَبُو دَاودَ

(8)

والبُخاريُّ في تَاريخهِ

(9)

، ولَفظُهُ: إنّ صَيدَ وَجٍّ حَرامٌ. قالَ البُخاريُّ (9): ولَا يُتَابَعُ عَلَيهِ). [ضعيف]

(1)

في كتاب الحج من الحاوي الكبير (2/ 1043).

(2)

في المجموع (4/ 480).

(3)

المجموع شرح المهذب (4/ 473).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 139).

(5)

في المغني (5/ 192).

(6)

في إكمال المعلم (4/ 485).

(7)

في المسند (1/ 165).

(8)

في سننه رقم (2032).

(9)

في "التاريخ الكبير"(1/ 140) في ترجمة محمد بن عبد الله بن إنسان.

قلت: وأخرجه الحميدي رقم (63) والعقيلي (4/ 93) والشاشي رقم (48) والبيهقي (5/ 200). =

ص: 252

الحديث سكت عنه أبو داود، وحسنه المنذري، وسكت عنه عبد الحق أيضًا. وتعقب بما نقل عن البخاري

(1)

أنه لم يصح، وكذا قال الأزدي، وذكر الذهبي أن الشافعي صححه، وذكر الخلال أن أحمد ضعفه.

وقال ابن حبان

(2)

: محمد بن عبد الله المذكور كان يخطئ، ومقتضاه تضعيف الحديث فإنه ليس له غيره، فإن كان أخطأ فيه فهو ضعيف.

وقال العقيلي

(3)

: لا يتابع إلا من جهة تقاربه في الضعف.

وقال النووي في شرح المهذب

(4)

: إسناده ضعيف، قال: وقال البخاري: لا يصح، وذكر الخلال في العلل أن أحمد ضعفه.

قوله: (ابن شيبان) هكذا في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب، والصواب ابن إنسان كما في سنن أبي داود

(5)

وتاريخ البخاري

(6)

، وكذا قال ابن حبان (2) والذهبي

(7)

والخزرجي في الخلاصة

(8)

.

قال الذهبي في ترجمة محمد بن عبد الله بن شيبان (9): هذا صوابه ابن إنسان، وقال في ترجمة عبد الله بن إنسان

(9)

: له حديث في صيد وج: قال: ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث.

= وقال المنذري في "المختصر"(2/ 442): "في إسناده: محمد بن عبد الله ابن إنسان الطائفي وأبوه، فأما محمد: فسئل عنه أبو حاتم الرازي:

- الجرح والتعديل (7/ 294) - فقال: ليس بالقوي وفي حديثه نظر. وذكره البخاري في "تاريخه الكبير" - (1/ 140) - وذكر له هذا الحديث، وقال: لم يتابع عليه.

وذكر أباه - في التاريخ الكبير (5/ 45) - وأشار إلى هذا الحديث، وقال: لم يصح حديثه.

وقال البُستي: عبد الله بن إنسان روى عنه ابنه محمد ولم يصح حديثه" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

في تاريخه (1/ 140).

(2)

في "الثقات"(9/ 33).

(3)

في الضعفاء الكبير (4/ 93).

(4)

(7/ 473).

(5)

في سننه رقم (2032).

(6)

تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (9).

(7)

في الميزان (3/ 591 رقم الترجمة 7735).

(8)

خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لصفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي. رقم الترجمة (6349) بتحقيقي. أعانني الله على طبعه ونشره.

(9)

في الميزان (6/ 213 رقم الترجمة 7797/ 7645) ط: دار الكتب العلمية.

ص: 253

قوله: (وجّ) بفتح الواو وتشديد الجيم، قال ابن رسلان: هو أرض بالطائف عند أهل اللغة

(1)

.

وقال أصحابنا: هو واد بالطائف، وقيل: كل الطائف، انتهى.

وقال الحازمي في المؤتلف والمختلف في الأماكن

(2)

: وج اسم لحصون الطائف، وقيل: لواحد منها، وإنما اشتبه وَجَّ بِوَحٍّ بالحاء المهملة وهي ناحية [بعُمان]

(3)

.

قوله: (وعضاهه) بكسر العين كما سلف.

قال الجوهري

(4)

: العضاه كل شجر يعظم وله شوك.

قوله: (حرم) بفتح الحاء والراء الحرام كقولهم: زمن وزمان.

قوله: (محرم لله تعالى) تأكيد للحرمة.

والحديث يدل على تحريم صيد وج وشجره، وقد ذهب إلى كراهته الشافعي

(5)

والإمام يحيى

(6)

.

قال الشافعي (5) في الإملاء: أكره صيد وج.

قال في البحر

(7)

بعد أن ذكر هذا الحديث: إن صح فالقياس التحريم لكن منع [منه]

(8)

الإجماع، انتهى.

وفي دعوى الإجماع نظر، فإنه قد جزم جمهور أصحاب الشافعي

(9)

بالتحريم وقالوا: أن مراد الشافعي بالكراهة كراهة التحريم.

قال ابن رسلان في شرح السنن بعد أن ذكر قول الشافعي في الإملاء:

(1)

لسان العرب (2/ 397).

(2)

ذكره له الذهبي في سير أعلام النبلاء (21/ 168 - 169) ولم أقف عليه.

(3)

تحرفت هذه الكلمة في كل طبعات النيل المطبوعة التي وقفت عليها إلى: (نعمان) والصواب ما أثبتناه من المخطوط (أ) و (ب) ومعجم البلدان (5/ 363).

(4)

في الصحاح (6/ 2240).

(5)

المجموع (7/ 476).

(6)

البحر الزخار (2/ 320).

(7)

(2/ 320).

(8)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(9)

المجموع (7/ 476).

ص: 254

وللأصحاب فيه طريقان: (أصحهما) وهو الذي أورده الجمهور القطع بتحريمه قالوا: ومراد الشافعي بالكراهة كراهة التحريم، ثم قال: وفيه طريقان أصحهما وهو قول الجمهور يعني من أصحاب الشافعي أنه يأثم فيؤدبه الحاكم على فعله ولا يلزمه شيء لأن الأصل عدم الضمان إلا فيما ورد به الشرع ولم يرد في هذا شيء.

(والطريق الثاني) حكمه في الضمان حكم المدينة وشجرها، وفي وجوب الضمان فيه خلاف

(1)

، انتهى.

وقد قدمنا الخلاف في ضمان صيد المدينة وشجرها.

قال الخطابي

(2)

: ولستُ أعلم لتحريمه معنى إلا أن يكون ذلك على سبيل الحمى لنوع من منافع المسلمين، وقد يحتمل أن ذلك التحريم إنما كان في وقت معلوم إلى مدة محصورة ثم نسخ.

قال أبو داود في السنن

(3)

: وكان ذلك يعني تحريم وَجّ قبل نزوله صلى الله عليه وسلم الطائف وحصاره ثقيفًا، انتهى.

والظاهر من الحديث تأبيد التحريم، ومن ادعى النسخ فعليه الدليل لأن الأصل عدمه.

وأما ضمان صيده وشجره على حد ضمان صيد الحرم المكي فموقوف على ورود دليل يدل على ذلك لأن الأصل براءة الذمة ولا ملازمة بين التحريم والضمان.

* * *

(1)

انظر: المغني (5/ 194) والمجموع (7/ 476).

(2)

في معالم السنن (2/ 528 - مع السنن).

(3)

(2/ 528).

ص: 255

[رابعًا]: أبواب دخول مكة وما يتعلق به

[الباب الأول] باب من أين يدخل إليها

1/ 1941 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ مَكّةَ دَخلَ مِنَ الثّنيَّةِ الْعُليَا الَّتي بالْبَطْحاءِ، وإِذَا خرَجَ خَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى. رَواهُ الجَمَاعَةُ إلّا التِّرْمِذِيّ)

(1)

. [صحيح]

2/ 1942 - (وعَنْ عائشةَ أنّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا جاءَ مَكّةَ دَخلَ مِنْ أعْلَاهَا وَخَرَجَ مِنْ أسْفَلِها. وفي روايَةٍ: دَخَلَ عامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَاءَ الّتي بأعْلَى مَكّةَ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِما)

(2)

. [صحيح]

وَرَوَى الثَّانِيَ أَبُو داودَ

(3)

: وَزَادَ: وَدَخَلَ في الْعُمْرَةِ مِنْ كُدًى). [صحيح]

قوله: (من الثنية العليا) الثنية كل عقبة في طريق أو جبل فإنها تسمى ثنية وهذه الثنية المعروفة بالثنية العليا هي التي ينزل منها إلى باب المعلى مقبرة أهل مكة، وهي التي يقال لها الحَجون بفتح المهملة وضم الجيم، وكانت صعبة المرتقى فسهَّلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي

(4)

، ثم سهَّلها كلها سلطان مصر الملك المؤيد.

قوله: (من الثنية السفلى) هي عند باب الشبيكة بقرب شعب الشاميين من ناحية قعيقعان، وعليها باب بني في القرن السابع.

(1)

أحمد في المسند (2/ 21) والبخاري رقم (1575) ومسلم رقم (223/ 1257) وأبو داود رقم (1866) والنسائي رقم (2865) وابن ماجه رقم (2940).

(2)

أحمد في المسند (6/ 40، 58) والبخاري رقم (1577، 1578) ومسلم رقم (224، 225/ 1258).

(3)

في سننه رقم (1868)، وهو حديث صحيح.

(4)

في أخبار مكة: (2/ 286).

ص: 256

قوله: (من كَداء) بفتح الكاف والمد، قال أبو عبيدة: لا تصرف وهي الثنية العليا المتقدّم ذكرها.

قوله: (ودخل في العمرةْ من كُدى) بضم الكاف والقصر وهي الثنية السفلى المتقدم ذكرها.

قال عياض

(1)

والقرطبي

(2)

وغيرهما

(3)

: اختلف في ضبط كداء وكدى فالأكثر على أن العليا بالفتح والمد والسفلى بالقصر والضم، وقيل: بالعكس.

قال النووي

(4)

: وهو غلط، قالوا: واختلف في المعنى الذي لأجله خالف صلى الله عليه وسلم بين طريقيه.

فقيل: ليتبرك به وذكروا شيئًا مما تقدم في العيد. وقد تقدم بسطه هنالك وبعضه لا يتأتى اعتباره هنا.

وقيل: الحكمة في ذلك المناسبة بجهة العلو عند الدخول

(5)

لما فيه من تعظيم المكان وعكسه الإشارة إلى فراقه.

وقيل: لأن إبراهيم لما دخل مكة دخل منها.

وقيل: لأنه صلى الله عليه وسلم خرج منها مختفيًا في الهجرة، فأراد أن يدخلها ظافرًا غالبًا.

وقيل: لأن من جاء من تلك الجهة كان مستقبلًا للبيت ويحتمل أن يكون ذلك لكونه دخل منها يوم الفتح فاستمر على ذلك.

[الباب الثاني] باب رفع اليدين إذا رأى البيت وما يقال عند ذلك

3/ 1943 - (عَن جابِرٍ وسُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَرَى البَيتَ يَرفَعُ يَدَيهِ فقالَ: قدَ حَجَجنا مَعَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَلم يَكُن يَفْعَلُهُ. رَواهُ أبُو داوُد

(6)

والنَّسائيُّ

(7)

والترمِذِيُّ)

(8)

. [ضعيف]

(1)

في إكمال المعلم (4/ 335 - 336).

(2)

في المفهم (3/ 371).

(3)

كابن الأثير في النهاية (4/ 155 - 156).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 3 - 4).

(5)

وفي "المفهم"(3/ 371 - 372) فوائد أخرى.

(6)

في سننه رقم (1870).

(7)

في سننه رقم (2895).

(8)

في سننه رقم (855) وقال: "رفع اليدين عند رؤية البيت إنما نعرفه من حديث شعبة عن =

ص: 257

4/ 1944 - (وعَنِ ابن جُرَيجٍ قالَ: حُدِّثتُ عَن مُقَسِّمٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ عَن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "تُرْفَعُ الأيْدِي في الصَّلاةِ، وإذا رأى البَيْتَ، وعَلى الصَّفا والمَرْوةِ، وعَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وبِجَمْعٍ، وعندَ الجَمْرَتَيْنِ، وعلى الميِّتِ"

(1)

. [ضعيف]

5/ 1945 - (وعَنِ ابْنِ جُرَيجٍ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البَيْت رَفع يَدَيْهِ وقال: "اللَّهُمَّ زِدْ هذَا البَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وتَكْرِيمًا ومَهابَةً، وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وكَرَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ واعْتَمَرَهُ تَشريفًا وتَعْظيمًا وتَكْرِيمًا وبِرًا"

(2)

. رَواهُما الشَّافِعِيُّ في مُسْنَدِهِ". [ضعيف]

حديث جابر قال الترمذي

(3)

إنما نعرفه من حديث شعبة.

وذكر الخطابي

(4)

أن سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه ضعفوا حديث جابر هذا لأن في إسناده مهاجر بن عكرمة المكي وهو مجهول عندهم.

وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا البيهقي

(5)

من حديث سفيان الثوري عن

= أبي قزعة، وأبو قزعة اسمه سويد بن حُجير" اهـ.

• وذكر الخطابي أن سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق ضعفوا حديث جابر - كما في معالم السنن (2/ 437 - مع السنن).

وخلاصة القول: أن الحديث، ضعيف، والله أعلم.

(1)

أخرجه الشافعي في مسنده رقم (875 - ترتيب).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 72 - 73) والبغوي في شرح السنة رقم (1897) وقال: هذا حديث منقطع.

وقال البيهقي: "ورواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس، وعن نافع، عن ابن عمر مرة موقوفًا عليهما، ومرة مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، دون ذكر الميت" اهـ.

• أما رفع اليدين عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الصفا يدعو وهو ينظر إلى البيت كما في صحيح مسلم باب فتح مكة رقم (84/ 1780) من حديث أبي هريرة.

(2)

أخرجه الشافعي في المسند رقم (874 - ترتيب) وهو معضل.

قلت: وأخرج البيهقي في السنن الكبرى (5/ 73) من حديث الثوري عن أبي سعيد - وهو محمد بن سعيد المصلوب، وهو كذاب - عن مكحول مرسلًا نحوه.

(3)

في السنن (1/ 213).

(4)

في معالم السنن (2/ 437 - مع السنن).

(5)

في السنن الكبرى (5/ 72 - 73).

ص: 258

أبي سعيد الشامي عن مكحول به مرسلًا، وأبو سعيد هذا هو المصلوب وهو كذاب.

ورواه الأزرقي في تاريخ مكة

(1)

من حديث مكحول أيضًا بزيادة: مهابة وبرًّا في الموضعين، وكذا ذكره الغزالي في الوسيط

(2)

. وتعقبه الرافعي

(3)

بأن البر لا يتصور من البيت.

وأجاب النووي بأن معناه: أكثِر برّ زائريه. ورواه سعيد بن منصور في السنن [له]

(4)

من طريق برد بن سنان، سمعت ابن قسامة يقول: إذا رأيت البيت فقل: اللهم زد. فذكره مثله.

ورواه الطبراني

(5)

في مسند حذيفة بن أسيد مرفوعًا وفي إسناده عاصم [الكُوْزِي]

(6)

وهو كذاب.

وحديث ابن جريج هو معضل فيما بين ابن جريج والنبي صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده سعيد بن سالم [القداح]

(7)

وفيه مقال.

(1)

(2/ 21) بنحوه.

(2)

الوسيط في المذهب للغزالي (2/ 638 - 639).

وقال ابن الصلاح في شرح مشكل الوسيط (2/ 639 - هامش رقم 3): وقوله: اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة

إلخ. رواه الشافعي رضي الله عنه عن ابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو منقطع معضل" اهـ.

وخلاصة القول: أنه ضعيف، والله أعلم.

(3)

ذكر ذلك الحافظ في "التلخيص"(2/ 462).

(4)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(5)

في المعجم الكبير (ج 3 رقم 3053) والأوسط رقم (6132).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 238) وقال: "وفيه عاصم بن سليمان الكوزي وهو متروك".

(6)

في المخطوط (أ) و (ب): (الكوري) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من مصادر تخريج الحديث وتراجم الرجال.

انظر: الميزان (2/ 350)، واللسان (3/ 218) والمجروحين (2/ 126).

وخلاصة القول: أن حديث حذيفة بن أسيد هذا حديث موضوع، والله أعلم.

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 259

قال الشافعي

(1)

بعد أن أورده: ليس في رفع اليدين عند رؤية البيت شيء فلا أكرهه ولا أستحبه.

قال البيهقي: فكأنه لم يعتمد على الحديث لانقطاعه.

والحاصل أنه ليس في الباب ما يدل على مشروعية رفع اليدين عند [رؤية]

(2)

البيت وهو حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل.

وأما الدعاء عند رؤية البيت، فقد رويت فيه أخبار وآثار منها ما في الباب.

ومنها ما أخرجه ابن المغلس أن عمر كان إذا نظر إلى البيت قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحيِّنا ربنا بالسلام

(3)

.

ورواه سعيد بن منصور في السنن

(4)

عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد ولم يذكر عمر.

ورواه الحاكم عن عمر أيضًا، وكذلك رواه البيهقي

(5)

عنه.

[الباب الثالث] باب طواف القدوم والرمل والاضطباع فيه

6/ 1946 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبَيْتِ الطَّواف

(1)

بل قال الشافعي في الأم (3/ 423) بعد أن أورده: "فاستحب للرجل إذا رأى البيت أن يقول ما حكيت، وما قال مِنْ حَسَنٍ أجزأه إن شاء الله تعالى" اهـ.

وقال النووي في "المجموع"(8/ 11): قال الشافعي في الإملاء: لا أكرهه ولا أستحبه، ولكن إن رفع كان حسنًا".

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 73) من طريق إبراهيم بن طريف، عن حميد بن يعقوب سمع سعيد بن المسيب يقول: سمعت من عمر رضي الله عنه كلمة ما بقي أحد من الناس سمعها غيري سمعته يقول إذا رأى البيت: فذكره. قلت: إسناده ضعيف.

(4)

عزاه إليه ابن كثير في "إرشاد الفقيه"(1/ 331) وقال: وفي هذا إثباتُ سماع سعيد من عمر، والمشهور عدمُ سماعه منه.

وقال النووي في "المجموع"(8/ 11): "وأما الأثر المذكور عن عمر رضي الله عنه فرواه البيهقي وليس إسناده بقوي".

(5)

في السنن الكبرى (5/ 73) من طريق الحاكم.

ص: 260

الأوّلَ خَبَّ ثَلاثًا، ومَشى أرْبَعًا، وكان يَسْعى بِبطْنِ المَسيل إذا طافَ بينَ الصَّفا والمَرْوَةِ

(1)

. [صحيح]

وفي رِوايَةٍ

(2)

: رَمَلَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الحِجْرِ إلى الحِجْرِ ثَلاثًا، ومَشى

أرْبَعًا. [صحيح]

وفي رِوايَة

(3)

: رأيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف في الحَجِّ والعُمْرَةِ أوَّلَ ما يَقْدُمُ فإنَّهُ يَسْعى ثَلاثَةَ أطْوافٍ بالبَيْتِ وَيمْشي أرْبَعَةً. مُتَّفَقٌ عَلَيهِنَّ). [صحيح]

قوله: (الطواف الأوّل)، فيه دليل على أن الرمل إنما يشرع في طواف القدوم لأنه الطواف الأول.

قال أصحاب الشافعي

(4)

: ولا يستحب الرمل إلا في طواف واحد في حج أو عمرة.

أما إذا طاف في غير حج أو عمرة فلا رَمَلَ.

قال النووي

(5)

: بلا خلاف، ولا يشرع أيضًا في كل طوافات الحجّ بل إنما يشرع في واحدٍ منها، وفيه قولان مشهوران للشافعي

(6)

.

(أصحهما): طوافٌ تعقبه سعي، ويتصور ذلك في طواف القدوم، وفي طواف الإفاضة، ولا يتصوّر في طواف الوداع.

(والقول الثاني): أنه لا يشرع إلا في [طواف]

(7)

القدوم، وسواء أراد السعي بعده أم لا، ويشرع في طواف العمرة إذ ليس فيها إلا طواف واحد.

قوله: (خبّ ثلاثًا ومشى أربعًا) الخَبَب

(8)

بفتح المعجمة والموحدة بعدها موحدة أخرى: هو إسراع المشي مع تقارب الخطا، وهو كالرَّمَل.

(1)

أحمد في المسند (2/ 30، 98) والبخاري رقم (1617، 1644) ومسلم رقم (230/ 1261).

(2)

أحمد في المسند (2/ 40، 59، 71) والبخاري رقم (1617) ومسلم رقم (233/ 1262).

(3)

أحمد في المسند (2/ 30) والبخاري رقم (1616) ومسلم رقم (231/ 1261).

(4)

المجموع شرح المهذب (8/ 57 - 58).

(5)

في المجموع (8/ 58).

(6)

المجموع (8/ 57 - 58).

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

النهاية (2/ 3).

ص: 261

وفيه دليل على مشروعية الرمل في الطواف الأول وهو الذي عليه الجمهور

(1)

، قالوا: هو سنة.

وقال ابن عباس

(2)

: ليس هو بسنة، من شاء رمل ومن شاء لم يرمل.

وفيه أيضًا دليل على أن السنة أن يرمل في الثلاثة الأول ويمشى على عادته في الأربعة الباقية.

قوله: (وكان يسعى) إلخ، سيأتي الكلام على السعي.

قوله: (من الحجر إلى الحجر)، فيه دليل على أنه يرمل في ثلاثة أشواط كاملة.

قال في الفتح

(3)

: ولا يشرع تدارك الرمل فلو تركه في الثلاثة لم يقضه في الأربعة لأن هيئتها السكينة ولا تتغير، وكذا قالت الهادوية

(4)

.

قال: ويختص بالرجال فلا رمل على النساء، ويختص بطواف يتعقبه سعي على المشهور، ولا فرق في استحبابه بين ماش وراكب، ولا دم بتركه عند الجمهور

(5)

.

واختلف في ذلك المالكية، وقد روي عن مالك

(6)

أن عليه دمًا ولا دليل على ذلك.

واعلم أنه قد اختلف في وجوب طواف القدوم فذهبت العترة

(7)

ومالك

(8)

وأبو ثور

(9)

وبعض أصحاب الشافعي

(10)

إلى أنه فرض.

(1)

المغني (5/ 220 - 222) والمجموع (8/ 58) والاستذكار (12/ 126 - 127 رقم 17064 - 17066).

(2)

قال ابن عبد البر في الاستذكار (11/ 272 - 128 رقم 17067 - 17072): (وقال آخرون: ليس الرَّمَلُ بسنةٍ، ومن شاء فعله ومن شاء لم يفعله.

رُوي ذلك عن جماعة من التابعين منهم: عطاء، وطاووس، ومجاهد، والحسن، وسالم، والقاسم، وسعيد بن جبير.

وهو الأشهر عن ابن عباس

".

(3)

(3/ 472).

(4)

البحر الزخار (2/ 353).

(5)

المغني (5/ 222).

(6)

التسهيل (3/ 880).

(7)

البحر الزخار (2/ 345).

(8)

التسهيل (3/ 879).

(9)

فقه الإمام أبي ثور ص 358.

(10)

البيان للعمراني (4/ 273).

ص: 262

لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}

(1)

، ولفعله صلى الله عليه وسلم وقوله:"خذوا عني مناسككم"

(2)

.

وقال أبو حنيفة

(3)

: إنه سنة، وقال الشافعي

(4)

: [هو]

(5)

كتحية المسجد، قالا: لأنه ليس فيه إلا فعله صلى الله عليه وسلم وهو لا يدل على الوجوب.

وأما الاستدلال على الوجوب بالآية فقال شارح البحر

(6)

: إنها لا تدل على طواف القدوم لأنها في طواف الزيارة إجماعًا.

والحق الوجوب، لأن فعله صلى الله عليه وسلم مبين لمجملٍ واجب هو قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [مَنِ اسْتَطَاعَ]

(7)

}، وقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا [عني]

(8)

مناسككم" (2)، وقوله: "حجوا كما رأيتموني أحج"

(9)

، وهذا الدليل يستلزم وجوب كل فعل فعله صلى الله عليه وسلم في حجه إلا ما خصه دليل؛ فمن ادعى عدم وجوب شيء من أفعاله في الحج فعليه الدليل على ذلك، وهذه كلية فعليك بملاحظتها في جميع الأبحاث التي ستمرّ بك.

7/ 1947 - (وعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طاف مُضْطبعًا وعَليهِ بُرْدٌ. رَواهُ ابْنُ ماجَهْ

(10)

، والترْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ

(11)

، وأبُو دَاوُدَ

(12)

وقال: بِبُرْدٍ لهُ أخْضَرَ، وأحْمَدُ

(13)

(1)

سورة الحج: الآية (29).

(2)

تقدم تخريجه فهو عند أحمد (3/ 318) ومسلم رقم (1297).

(3)

البناية في شرح الهداية (4/ 81).

(4)

المجموع (8/ 16).

(5)

في المخطوط (ب): (إنه).

(6)

انظر: السيل الجرار (2/ 146 - 147) بتحقيقي.

(7)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب). والآية (97) من سورة آل عمران.

(8)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(9)

لم أقف على من أخرجه بهذا اللفظ، والله أعلم.

(10)

في سننه رقم (2954).

(11)

في سننه رقم (859)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(12)

في سننه رقم (1883).

(13)

في المسند (4/ 222).

قلت: وأخرجه الدارمي رقم (1885) والفاكهي في أخبار مكة رقم (322) وابن أبي شيبة (4/ 124) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 79) وفي معرفة السنن والآثار رقم (9855).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

ص: 263

ولَفْظُهُ: لَمَّا قَدِمَ مَكّةَ طافَ بالبَيْتِ وهْوَ مضْطَبعٌ بِبُرْدٍ لهُ حَضْرميٍّ). [حسن]

8/ 1948 - (وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصْحَابَهُ اعْتَمروا منْ جِعْرانَةَ فَرَمَلوا بالبَيْتِ وَجعَلوا أرْدِيَتَهُمْ تَحتَ آباطِهِمْ، ثمَّ قَذَفوها على عواتِقِهِمُ اليُسْرَى. رَوَاهُ أحمَدُ

(1)

وأَبُو داوُدَ)

(2)

. [صحيح]

حديث يعلى بن أمية صححه الترمذي

(3)

كما [ذكره]

(4)

المصنف، وسكت عنه أبو داود

(5)

والمنذري

(6)

.

وحديث ابن عباس أخرج نحوه الطبراني

(7)

، وسكت عنه أيضًا أبو داود

(8)

والمنذري

(9)

والحافظ في التلخيص

(10)

ورجاله رجال الصحيح، وقد صحح حديث الاضطباع النووي في شرح مسلم

(11)

.

قوله: (مضطبعًا) هو افتعال من الضبع [بإسكان]

(12)

الباء الموحدة، وهو العضد، وهو أن يدخل إزاره تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه على منكبه الأيسر ويكون منكبه الأيمن مكشوفًا، كذا في شرح مسلم للنووي

(13)

وشرح البخاري للحافظ

(14)

، وهذه الهيئة هي المذكورة في حديث ابن عباس المذكور.

والحكمة في فعله أنه يعين على إسراع المشي، وقد ذهب إلى استحبابه الجمهور

(15)

سوى مالك، قاله ابن المنذر

(16)

.

(1)

في المسند (1/ 306).

(2)

في سننه رقم (1890).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(3)

في السنن (3/ 214).

(4)

في المخطوط (ب): (ذكره).

(5)

في سننه (2/ 444).

(6)

في المختصر (2/ 378).

(7)

في المعجم الكبير (ج 10 رقم 10630).

(8)

في السنن (2/ 448).

(9)

في المختصر (2/ 378).

(10)

(2/ 475).

(11)

وفي "المجموع" أيضًا (8/ 25).

(12)

في المخطوط (ب): (بسكون).

(13)

(8/ 175).

(14)

في فتح الباري (3/ 472).

وانظر: "النهاية"(3/ 73).

(15)

المغني (5/ 216 - 217).

(16)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 472).

ص: 264

قال أصحاب الشافعي

(1)

: وإنما يستحب الاضطباع في طواف يسن فيه الرمل.

قوله: (بِبُردٍ له حضرمي)، لفظ أبي داود

(2)

: ببرد أخضر.

قوله: (تحت آباطهم)، قال ابن رسلان: المراد أن يجعله تحت عاتقه الأيمن.

قوله: (ثم قذفوها)، أي طرحوا طرفيها.

قوله: (على عواتقهم)، العاتق: المنكب

(3)

.

9/ 1949 - (وَعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: قَدِمَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ فقال المُشرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فأمَرَهُمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ الثلَاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا ما بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أنْ يأمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ كُلَّها إلَّا الإبقاءَ عَلَيْهِمْ"، مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(4)

[صحح]

10/ 1950 - (وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: رَمَلَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّته وفي عُمَرِهِ كُلِّهَا وأبُو بَكْرِ وَعُمَرُ والخُلَفاءُ. رواهُ أحمَدُ)

(5)

. [إسناده صحيح]

11/ 1951 - (وعَنْ عُمرَ قالَ: فِيما الرَّمَلَانُ الآنَ والْكَشْفُ عَن المَناكِبِ وقَدْ أَطَّأ اللهُ الإسلام وَنَفى الكفْرَ وَأهْلَهُ؟ ومَعَ ذلِكَ لا نَدَع شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ على عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. رواهُ أحمدُ

(6)

وأبُو دَاوُدَ

(7)

وابْنُ ماجَهْ)

(8)

. [صحيح لغيره]

(1)

المجموع (8/ 26).

(2)

في سننه رقم (1883).

(3)

قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط (ص 1171): موضع الرداء من المنكب، أو ما بين المنكب والعنق.

(4)

أحمد في المسند (1/ 290) والبخاري رقم (1602) ومسلم رقم (240/ 1266).

(5)

في المسند (1/ 225) بسند صحيح.

(6)

في المسند (1/ 45).

(7)

في سننه رقم (1887).

(8)

في سننه رقم (2952).

قلت: وأخرجه البزار رقم (268) وأبو يعلى رقم (188) وابن خزيمة رقم (2708) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 182) والحاكم في المستدرك (1/ 454) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 79) من طرق.

وهو حديث صحيح لغيره.

ص: 265

12/ 1952 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرْمُلْ في السَّبْعِ الذِي أَفاضَ فيهِ. رواهُ أبُو دَاودَ

(1)

وابْنُ ماجَهْ)

(2)

. [صحيح]

حديث ابن عباس الثاني أخرجه أحمد

(3)

من طريق أبى معاوية، عن ابن جريج، عن عطاء، عنه، وذكره في التلخيص

(4)

، وسكت عنه.

وأثر عمر أخرجه أيضًا لبزار

(5)

والحاكم

(6)

والبيهقي

(7)

وأصله في البخاري

(8)

بلفظ: "ما لنا وللرمل إنما كنا راءينا المشركين وقد أهلكهم الله تعالى"، ثم قال: شيء صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه. وعزاه البيهقي إليه ومراده أصله.

وحديث ابن عباس الثالث أخرجه أيضًا لنسائي

(9)

والحاكم

(10)

.

قوله: (يقدم) بفتح الدال، هاما بضم الدال فمعناه يتقدم.

قوله: (وهمتهم) بتخفيف الهاء، وقد يستعمل رباعيًا، قال الفراء

(11)

: يقال: وهذه الله وأوهنه، ومعنى هَنَتهم: أضعفتهم.

قوله: (حمى يثرب) هو اسم المدينة في الجاهلية، وسُمِّيت في الإسلام المدينة

(12)

وطَيْبة

(13)

وطابة

(14)

.

(1)

في سننه رقم (2001).

(2)

في سننه رقم (3060).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (1/ 225) بسند صحيح وقد تقدم.

(4)

التلخيص الحبير" (2/ 477).

(5)

في المسند رقم (268) وقد تقدم.

(6)

في المستدرك (1/ 454) وقد تقدم.

(7)

في السنن الكبرى (5/ 79) وقد تقدم.

(8)

في صحيحه رقم (1605).

(9)

في السنن الكبرى (4/ 218 رقم 4156).

(10)

في المستدرك (1/ 475) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(11)

انظر: لسان العرب (13/ 453) والنهاية (5/ 234).

(12)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (7211) ومسلم رقم (489/ 1383) عن جابر بن عبد الله مرفوعًا بلفظ: "إنما المدينة كالكير، تنفي خبثها وينصع طيبها".

(13)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (4589) ومسلم رقم (490/ 1384) عن زيد بن ثابت مرفوعًا بلفظ: "إنها طيبة - يعني المدينة - وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة".

(14)

أخرج مسلم في صحيحه رقم (491/ 1385) عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى سمى المدينة طابة".

ص: 266

قوله: (الأشواط) بفتح الهمزة وسكون المعجمة جمع شوط وهو الجري مرة إلى الغاية، والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة، وهذا دليل على جواز تسمية الطواف شوطًا. وقال مجاهد

(1)

والشعبيُّ: إنه يكره تسميته شوطًا والحديث يرد عليهما

(2)

.

قوله: (إلا الإبقاء) بكسر الهمزة وبالموحدة والقاف: الرفق والشفقة وهو بالرفع على أنه فاعل لم يمنعه ويجوز النصب.

وفي الحديث جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار إرهابًا لهم ولا يعد ذلك من الرياء المذموم.

وفيه جواز المعاريض بالفعل كما [تجوز]

(3)

بالقول.

قال في الفتح

(4)

: وربما كانت بالفعل أولى.

قوله: (وفي عمره كلها)، فيه دليل على مشروعية الرمل في طواف العمرة.

قوله: (فيما الرملان) بإثبات ألف ما الاستفهامية وهي لغة والأكثر يحذفونها والرملان مصدر رمل.

قوله: (والكشف عن المناكب) هو الاضطباع.

قوله: (أطَّأ) أصله وطَّأ فأبدلت الواو همزة كما في وقَّت وأقَّت ومعناه مهَّد وثبَّت

(5)

.

(1)

أخرج الشافعي في الأم (3/ 448 رقم 1173) عن مجاهد: أنه كان يكره أن يقول: شوط، دور، للطواف، ولكن يقول: طواف طوافين.

• قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأكره من ذلك ما كره مجاهد، لأن الله عز وجل قال:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] فسمى طوافًا، لأن الله تعالى سمى جِمَاعه طوافًا.

(2)

تقدم الحديث برقم (1949) من كتابنا هذا.

وقال الإمام النووي عقب هذا الحديث في "المجموع"(8/ 78): "وهذا الذي استعمله ابن عباس مقدم على قول مجاهد: ثم إن الكراهة إنما تثبت بنهي الشرع، ولم يثبت في تسميته شوطًا نهي، فالمختار أنه لا يكره، والله أعلم" اهـ.

(3)

في المخطوط (ب): (يجوز).

(4)

"الفتح"(3/ 472).

(5)

النهاية (5/ 201).

وقال الخطابي في معالم السنن (2/ 447 - مع السنن)"أطأ الله الإسلام، إنما هو وطأ الله الإسلام أي ثبته وأرساه، والواو قد تبدل همزة" اهـ.

ص: 267

قوله: (ومع ذلك لا ندع شيئًا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، زاد الإسماعيلي في آخره: ثم رمل.

وحاصله أن عمر كان قد همّ بترك الرمل في الطواف لأنه عرف سببه وقد انقضى؛ فهمّ أن يتركه لفقد سببه ثم رجع عن ذلك لاحتمال أن يكون له حكمة ما اطلع عليها فرأى أن الاتباع أولى.

ويؤيد مشروعية الرمل على الإطلاق ما ثبت في حديث ابن عباس أنهم رملوا في حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نفى الله في ذلك الوقت الكفر وأهله عن مكة.

والرمل في حجة الوداع ثابت أيضًا في حديث جابر الطويل عند مسلم

(1)

وغيره

(2)

.

[الباب الرابع] باب ما جاء في استلام الحجر الأسود وتقبيله وما يقال حينئذٍ

13/ 1953 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي هذا الْحَجَرُ يَوْمَ القِيَامَةِ لهُ عَيْنَان يُبْصِرُ بهما، وَلسانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمهُ بِحَقٍّ". رَوَاه أحمَدُ

(3)

وابْنُ ماجَهْ

(4)

والتِّرمذِيُّ)

(5)

. [صحيح]

14/ 1954 - (وعَنْ عُمَر أنَّهُ كانَ يُقَبِّلُ الحَجرَ وَيَقُولُ: إنِّي لأعلَمُ أنَكَ

(1)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

(2)

كأبي داود رقم (1905) وابن ماجه رقم (3074).

(3)

في المسند (1/ 247، 266، 291، 307، 371).

(4)

في سننه رقم (2944).

(5)

في سننه رقم (961) وقال: هذا حديث حسن.

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (2735) وابن حبان رقم (3712) وأبو نعيم في الحلية (6/ 243) من طرق.

ولفظه عند ابن خزيمة وابن حبان: "ليبعثنَّ الله هذا الرُّكن".

وهو حديث صحيح.

ص: 268

حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ ما قَبَّلْتُكَ. رَوَاهُ الجَماعَةُ)

(1)

. [صحيح]

15/ 1955 - (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ وسُئل عَنِ اسْتِلَام الحَجَرِ فقالَ: رَأيْت رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمهُ وَيُقَبِّلُهُ. رَواهُ البخاريُّ)

(2)

. [صحيح]

16/ 1956 - (وعَنْ نافعٍ قال: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ اسْتَلَمَ الحَجَرَ بِيدِهِ، ثمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وقَالَ: ما تَرَكْتهُ مُنْذُ رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَفْعلهُ. مُتَّفق عليهِ)

(3)

. [صحيح]

حديث ابن عباس صححه ابن خزيمة

(4)

وابن حبان

(5)

والحاكم

(6)

وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم

(7)

.

قوله: (لا تضرّ ولا تنفع)، أخرج الحاكم

(8)

من حديث أبي سعيد أن عمر لما قال هذا قال له علي بن أبي طالب [عليه السلام]

(9)

: إنه يضر وينفع، وذكر أن الله تعالى لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر، قال: وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي يوم القيامة وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد".

وفي إسناده أبو هارون العبدي

(10)

وهو ضعيف جدًّا، ولكنه يشد عضده حديث ابن عباس المتقدم.

(1)

أحمد في المسند (1/ 16 - 17، 26، 46) والبخاري رقم (1597) ومسلم رقم (251/ 1270) وأبو داود رقم (1873) والترمذي رقم (860) والنسائي رقم (2937) وابن ماجه رقم (2943) وهو حديث صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (1611).

(3)

أحمد في المسند (2/ 108) والبخاري رقم (1606) ومسلم رقم (246/ 1268).

وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (2735) وقد تقدم.

(5)

في صحيحه رقم (3712) وقد تقدم.

(6)

و

(7)

في المستدرك (1/ 457) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد صحيح.

(8)

في المستدرك (1/ 457 - 458) وقد نبه الحاكم على ضعف أبي هارون حيث قال في نهاية الحديث الذي قبله: "وقد روي لهذا الحديث شاهد مفسّر، غير أنه ليس من شرط الشيخين، فإنهما لم يحتجا بأبي هارون بن جوين العبدي".

وقال الذهبي: أبو هارون العبدي ساقط.

(9)

ما بين الخاصرتين زيادة من (ب) وقد تقدم التنبيه عليها.

(10)

هو عُمارة بن جُوَين [ت، ق] أبو هارون العبدي. تابعي لين بمرَّةٍ. =

ص: 269

قال الطبري

(1)

: إنما قال عمر ذلك لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم[لا لأن الحجر يضر وينفع]

(2)

بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان.

قوله: (ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلخ، فيه استحباب تقبيل الحجر الأسود، وإليه ذهب الجمهور

(3)

من الصحابة والتابعين وسائر العلماء.

وحكى ابن المنذر

(4)

عن عمر بن الخطاب وابن عباس وطاوس والشافعي وأحمد أنه يستحب بعد تقبيل الحجر السجود عليه بالجبهة وبه قال الجمهور.

= كذبه حماد بن زيد، وقال أحمد: ليس بشيء. وقال ابن معين: ضعيف. لا يصدق في حديثه. وقال النسائي: متروك الحديث

الميزان (3/ 173 - 174 رقم 6018).

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 462 - 463).

(2)

في المخطوط (ب): (لا أن الحجر تضر وتنفع).

(3)

قال النووي في "المجموع"(8/ 79 - 80): "أجمع المسلمون على استحباب استلام الحجر الأسود، ويستحب عندنا - أي الشافعية - مع ذلك تقبيله والسجود عليه بوضع الجبهة كما سبق بيانه.

فإن عجز عن تقبيله قبل اليد بعده، وممن قال بتقبيل اليد ابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وسعيد بن جبير، وعطاء، وعروة، وأيوب السختياني، والثوري، وأحمد، وإسحاق، حكاه عنهم ابن المنذر، قال: وقال القاسم بن محمد ومالك يضع يده على فيه من غير تقبيل، قال ابن المنذر وبالأول أقول، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعلوه، وتبعهم جملة الناس عليه. ورويناه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما السجود على الحجر الأسود فحكاه ابن المنذر، عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، وطاوس، والشافعي وأحمد؛ وقال ابن المنذر وبه أقول.

وقد روينا فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال مالك: هو بدعة. واعترض القاضي عياض المالكي بشذوذ مالك عن الجمهور في المسألتين. فقال: جمهور العلماء على أنه يستحب تقبيل اليد إلا مالكًا في أحد قوليه، والقاسم بن محمد فقالا: لا يقبلها. قال: وقال جميعهم: يسجد عليه إلا مالكًا وحده فقال: بدعة" اهـ.

(4)

انظر التعليقة المتقدمة.

ص: 270

وروي عن مالك

(1)

أنه بدعة واعترض القاضي عياض

(2)

بشذوذ مالك في ذلك.

وقد أخرج الشافعي

(3)

والبيهقي

(4)

عن ابن عباس موقوفًا: "أنه كان يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه".

ورواه الحاكم

(5)

والبيهقي

(6)

من حديثه مرفوعًا.

ورواه أبو داود الطيالسي

(7)

والدارمي

(8)

وابن خزيمة

(9)

وأبو بكر البزار

(10)

وأبو علي بن السكن والبيهقي

(11)

من حديث جعفر بن عبد الله الحميدي. وقيل: المخزومي بإسناد متصل بابن عباس أنه رأى عمر يقبله ويسجد عليه ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا، وهذا لفظ الحاكم.

قال الحافظ

(12)

: قال العقيلي: في حديثه هذا يعني جعفر بن عبد الله وهم واضطراب.

(1)

التهذيب في اختصار المدونة، لأبي سعيد البراذِعي (1/ 520).

(2)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 344).

(3)

أخرجه الشافعي في الأم (3/ 429 رقم 1135) وفي المسند رقم (882 - ترتيب).

(4)

في السنن الكبرى (5/ 74).

قلت: وأخرجه الدارمي رقم (1907) والبزار رقم (215) وابن خزيمة رقم (2714) والحاكم (1/ 455) من طريق أبي عاصم، عن جعفر بن عبد الله، به بنحوه.

وقال الحاكم (1/ 455): صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وأخرجه العقيلي في "الضعفاء"(1/ 183) من طريق بشر بن السري، قال: حدثنا جعفر بن عبد الله بن عثمان الحميدي، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل الحجر ثم سجد عليه. وهذا مرسل صحيح.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(5)

في المستدرك (1/ 455) وقد تقدم.

(6)

في السنن الكبرى (5/ 74) وقد تقدم.

(7)

في المسند رقم (28 - هجر).

(8)

في مسنده رقم (1907 - الداراني) وقد تقدم.

(9)

في صحيحه رقم (2714) وقد تقدم.

(10)

في مسنده رقم (215) وقد تقدم.

(11)

في السنن الكبرى (5/ 74) وقد تقدم.

(12)

في التلخيص الحبير (2/ 471) والعبارة هي: "والبيهقي من حديث جعفر بن عبد الله، قال ابن السكن: رجل من بني حميد من قريش حميدي. وقال البزار: مخزومي. وقال =

ص: 271

قوله: (يستلمه ويقبله)، فيه دليل على أنه يستحب الجمع بين استلام الحجر وتقبيله، والاستلام: المسح باليد والتقبيل لها كما في حديث ابن عمر الآخر والتقبيل يكون بالفم فقط.

17/ 1957 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: طَافَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حَجّةِ الوَدَاعِ على بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ. مُتّفقٌ عَليهِ

(1)

. [صحيح]

وفي لفْظٍ: طَافَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم على بَعِيرٍ كُلّما أتَى على الرُّكْنِ أَشَارَ إليهِ بشَيْءٍ في يَدِهِ وكبّر. رَوَاهُ أحمَدُ

(2)

والبُخاريُّ)

(3)

. [صحيح]

18/ 1958 - (وعَنْ أبي الطُّفَيْلِ عامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ قالَ: رَأيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ بالْبَيْتِ ويَسْتَلِمُ الحَجَرَ بِمِحْجَنٍ معَهُ ويُقَبِّلُ المِحْجَنَ. رَوَاهُ مُسْلمٌ

(4)

وأبُو دَاودَ

(5)

وابْنُ ماجَهْ)

(6)

. [صحيح]

19/ 1959 - (وعَنْ عمَرَ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لهُ: "يَا عمَرُ إنّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ على الحَجَرِ فَتُؤْذِي الضّعِيفَ إنْ وجَدْتَ خَلْوَةً فاسْتَلِمْهُ وإلّا فاسْتَقْبِلْهُ وَهلِّلْ وكبِّرْ". رَوَاهُ أحمَدُ)

(7)

[حسن]

= الحاكم: هو ابن الحكم، عن محمد بن عباد بن جعفر قال: رأيت محمد بن جعفر قبَّل الحجر وسجد عليه، ثم قال: رأيت خالك ابن عباس يقبله ويسجد عليه، وقال ابن عباس: رأيت عمر بن الخطاب يقبله ويسجد عليه، ثم قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا"، هو لفظ الحاكم.

ووهم - أي الحاكم - في قوله: إن جعفر بن عبد الله هو ابن الحكم، فقد نصَّ العقيلي على أنه غيره، وقال في هذا: في حديثه وهم واضطراب" اهـ.

(1)

أحمد في المسند (1/ 305) والبخاري رقم (1607) ومسلم رقم (253/ 1272).

(2)

في المسند (1/ 264).

(3)

في صحيحه رقم (1632).

(4)

في صحيحه رقم (257/ 1275).

(5)

في السنن رقم (1879).

(6)

في السنن رقم (2949).

قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (464) والبيهقي (5/ 100 - 101)، وأحمد في المسند (5/ 454).

وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (1/ 28). =

ص: 272

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 241) وقال: "رواه أحمد وفيه راوٍ لم يسم".

ثم ذكر الطريق الآخر: عن أبي يعفور العبدي

ثم قال: ذكر نحوه مرسلًا، فإن هذا أبا يعفور الصغير ولم يدرك الصحابة، والله أعلم.

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 80) - لكن وقع فيه "أبو يعقوب" وهو وهم ولعله من المطبعة. وكلاهما من طريق سفيان، به.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 80) أيضًا من طريق سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه، به.

وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (3/ 183) من حديث عبد الرحمن بن عوف، وعزاه لرزين، وعزاه في كنز العمال (5/ 176) لأحمد والعدني والبيهقي والديلمي عن عمر، وعزاه (5/ 58) للبغوي أيضًا عن شيخ من خزاعة ولم يذكر الديلمي وذكر الثلاثة الآخرين اهـ.

وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على المسند (1/ 190): إسناده ضعيف لإبهام الشيخ الذي روى عنه أبو يعفور" اهـ.

وقال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في تعليقه على جامع الأصول (3/ 183): وقد رواه الشافعي في مسنده

ورواه أيضًا أحمد في مسنده

وفي إسناده رجل مجهول وهو الذي روى عنه أبو يعفور العبدي" اهـ.

• وقد رد الدكتور إبراهيم ملا خاطر في تحقيقه على "السنن" للشافعي (2/ 137) على الهيثمي ومتابعيه الشيخين أحمد شاكر وعبد القادر الأرنؤوط في عدم معرفتهم الراوي. هو عبد الرحمن بن عبد الحارث الخزاعي، يقال له صحبة كما قال ابن شاهين، فإن ثبتت فلا كلام، والا فقد روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو يعفور الكبير، وهو من أولاد الصحابة.

- أما قول الهيثمي رحمه الله "عن أبي يعفور العبدي: إن هذا أبا يعفور الصغير. فهذا غريب من مثله. إذ يعفور الصغير ليس عبديًا حتى يختلط بأبي يعفور الكبير.

وهو كما قال في "التهذيب"(6/ 225) عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس بن أبي صفية الثعلبي العامري البكائي، ويقال: البكالي، ويقال: السلمي. بينما أبو يعفور الكبير: هو واقد - أو وقدان العبدي، فافترقا. والكبير أقدم من الصغير والله أعلم.

- وما قاله الشيخ عبد القادر الأرنؤوط: رواه الشافعي في مسنده

"، قلت: هذا وهم، فالشافعي لم يذكر هذا الحديث في مسنده، وإنما رواه في السنن - رقم (492) - وقد وضع الشيخ البنا رحمه الله إشارة السنن أمام هذا الحديث، فلم يتنبه الشيخ عبد القادر لذلك، وإن كان الشيخ البنا رحمه الله، أسقط قول سفيان من الأعلى، وجعله في الحاشية، ولم يشر إلى أن ذلك كان في السنن، والله أعلم.

علمًا أن ابن التركماني في الجوهر النقي (5/ 80) ذكر ذلك عن نسخة السنن، والله أعلم" اهـ. وقال الشيخ شعيب وإخوانه في مسند أحمد (1/ 321 رقم التعليقة (3): =

ص: 273

حديث عمر في إسناده راو لم يسم.

قوله: (بمحجن) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم بعدها نون، هو عصا محنية الرأس، والحجن: الاعوجاج وبذلك سمي الحجون، والاستلام افتعال من السلام بالفتح، أي: التحية، قاله الأزهري

(1)

.

وقيل: من السلام بالكسر، أي: الحجارة، والمعنى: أنه يومي بعصاه إلى الركن حتى يصيبه.

قوله: (وكبر) فيه دليل على استحباب التكبير حال استلام الركن.

قوله: (ويقبل المحجن)، في رواية ابن عمر المتقدِّمة أنه استلم الحجر بيده ثم قبَّل يده وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.

ولسعيد بن منصور من طريق عطاء قال: رأيت أبا سعيد وأبا هريرة وابن عمر وجابرًا إذا استلموا الحجر قبَّلوا أيديهم، قيل: وابن عباس؟ قال: وابن عباس، أحسبه قال كثيرًا.

قال في الفتح

(2)

: وبهذا قال الجمهور: إن السنة أن يستلم الركن ويقبل يده فإن لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء في يده وقبَّل ذلك الشيء، فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك

(3)

.

وعن مالك

(4)

في رواية: لا يقبِّل يده، وبه قال القاسم بن محمد بن أبي بكر.

وفي رواية عند المالكية

(5)

: يضع يده على فمه من غير تقبيل.

= إن حديث عمر حديث حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير الشيخ بمكة وقد سماه سفيان بن عيينة في السنن المأثورة رقم (492) عبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث، وهو من أولاد الصحابة، وأبوه ولي مكة لعمر بن الخطاب، والحديث مرسل، والمرسل - كما قال الذهبي في الموقظة ص 39 - إذا صح إلى تابعي كبير، فهو حجة عند خلق من الفقهاء".

(1)

في تهذيب اللغة (4/ 152 - 153).

(2)

في "الفتح"(3/ 473).

(3)

المغني (5/ 225، 227، 228).

(4)

التهذيب في اختصار المدونة (1/ 519).

(5)

انظر: الاستذكار (12/ 155/ 17157).

ص: 274

وقد استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر وكذلك تقبيل المحجن جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره، وقد نقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيل قبره فلم ير به بأسًا، واستبعد بعض أصحابه صحة ذلك ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين، كذا في الفتح

(1)

.

(1)

(3/ 475).

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في الحاشية ما نصه: " (1) الأحكام التي تنسب إلى الدين لا بد من ثبوتها في نصوص الدين، وكل ما لم يكن عليه الأمر في زمن التشريع وفي نصوص التشريع فهو مردود على من يزعمه.

وتقدم قول الشافعي ولكنا نتبع السنة فعلًا أو تركًا، وهو مقتضى قول أمير المؤمنين عمر فيما خاطب به الحجر الأسود برقم (1597) و (1610) هذه هي النصوص.

وسيأتي قول الحافظ عن ابن عمر في جوابه لمن سأله عن استلام الحجر: "أمر إذا سمع الحديث أن يأخذ به ويتقي الرأي"، والخروج عن هذه الطريقة تغيير الدين وخروج به إلى غير ما أراد الله" اهـ.

• واعلم أن التمسح بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم باليد أو غيرها - على أي وجه كان - أو تقبيله رجاء الخير والبركة، مظهر من مظاهر البدع عند بعض الزوار.

وقد نص على كراهة ذلك الفعل، وعلى النهي عنه جماعة من العلماء:

قال الغزالي في "إحيائه"(1/ 271): "فإن المس والتقبيل للمشاهد عادة النصارى واليهود" اهـ.

وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(27/ 79): أما ما يروى عن بعض العلماء أنه فعل ذلك أو أجازه ففيه نظر.

وقال الإمام النووي في "الإيضاح في مناسك الحج والعمرة"(ص 456): "الثامنة: لا يجوزُ أن يُطاف بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ويكره إلصاقُ البطن والظهر بجدارِ القبر، قاله الحليميُّ وغيره، ويُكره مسحهُ باليد وتقبيلُهُ بل الأدَبُ أن يبعُدَ منه كما يبعُدُ منه لو حضَرَ في حياته صلى الله عليه وسلم، هذا هو الصواب وهو الذي قالَهُ العلماءُ وأطبقوا عليه، وينبغي أن لا يُغتَّر بكثير من العوامّ في مخالفتِهِم ذلكَ فإن الاقتداء والعمل إنما يكونُ بأقوالِ العلماء، ولا يُلتفت إلى محدثاتُ العوامِ وجهالاتهم، ولقد أحسَنَ السيدُ الجليل أبو علي الفضيلُ ابن عياض رحمه الله تعالى في قولِهِ ما معناه: اتبع طرق الهدى ولا يضرُّكَ قِلّةُ السالكين، وإياكَ وطرُقَ الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين، ومن خطرَ بباله أنَّ المسحَ باليدِ ونحوه أبلغُ في البركة فهو من جهالته وغفلتِهِ، لأنَّ البركة إنما هي فيما وافقَ الشرع وأقوالَ العلماءِ، وكيف يبتغي الفضل في مخالفة الصواب" اهـ.

والخلاصة: أن ما رآه الحافظ ابن حجر رحمه الله وغفر له - من قياس الصالحين على =

ص: 275

قوله: (قال له يا عمر إنك رجل قوي) إلخ، فيه دليل على أنه لا يجوز لمن كان له فضل قوة أن يضايق الناس إذا اجتمعوا على الحجر لما يتسبب عن ذلك من أذية الضعفاء والإضرار بهم، ولكنه يستلمه خاليًا إن تمكن وإلا اكتفى بالإشارة والتهليل والتكبير مستقبلًا له.

وقد روى الفاكهي

(1)

من طرق عن ابن عباس كراهة المزاحمة وقال: لا يُؤْذِي ولا يُؤذَى.

[الباب الخامس] باب استلام الركن اليماني مع الركن الأسود دون الآخرين

20/ 1960 - (عن ابْنِ عمَرَ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إن مَسْح الرُّكْنِ الْيَمانِيِّ - والرُّكْن الأسْودِ يَحُط الخَطَايَا حَطًّا". رواهُ أحمَدُ

(2)

والنَّسائيُّ)

(3)

. [صحيح]

= الرسول صلى الله عليه وسلم في جواز التبرك بذواتهم وآثارهم غير صحيح، وأن هذا النوع من التبرك ممنوع، لأنه يخالف إجماع السلف الصالح.

انظر منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني في العقيدة من خلال كتابه "فتح الباري"(2/ 1022 - 1030). وكتاب "التبرك" ص 327 - 340.

• أما بالنسبة لتقبيل المصحف: فإنه لا يعلم دليل على مشروعية تقبيل القرآن الكريم، وقد أنزل للتلاوة والتدبير والتعظيم والعمل به.

انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب الشيخ: أحمد بن عبد الرزاق الدرويش (4/ 152 - 153) ط: دار المؤيد.

(1)

في أخبار مكة في قديم وحديثه" (1/ 130 رقم 133) بسند حسن ولفظه: "لا تُؤذِ ولا تُؤذ".

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (5/ 36 رقم 8908) عن ابن جريج به بنحوه.

وأخرجه البيهقي (5/ 81) والأزرقي (1/ 334) من طريق سعيد بن سالم عن ابن جريج بنحوه.

(2)

في المسند (2/ 89، 95).

(3)

في سننه رقم (2919).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (8877) ومن طريقه أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب" رقم (831) والطبراني في المعجم الكبير رقم (13438) وهو حديث صحيح.

ص: 276

21/ 1961 - (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: لَمْ أَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَمَس مِنَ الأرْكانِ إلَّا الْيَمانِيَيْنِ. رَواهُ الجَمَاعة إلَّا التّرمذِيّ

(1)

لكِنْ لَهُ مَعْناهُ مِنْ روايَةِ ابْنِ عبَّاسٍ)

(2)

. [صحيح]

22/ 1962 - (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ لا يَدَعُ أنْ يَسْتَلِمَ الحَجَرَ والرُّكْنَ الْيَمانِيَّ في كُلِّ طَوَافِهِ. رَواهُ أحمَدُ

(3)

وأَبُو دَاوُدَ)

(4)

[حسن]

23/ 1963 - (وَعَن ابْنِ عبَّاس قالَ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُقَبلُ الرُّكْنَ اليَمَانِيَّ ويضَعُ خَدَّهُ عليْهِ. رَواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)

(5)

. [إسناده ضعيف]

24/ 1964 - (وعَن ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا اسْتَلَم الرُّكْنَ اليَمانِيَّ قَبَّلَهُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ في تارِيخِهِ)

(6)

. [إسناده ضعيف]

(1)

أحمد في المسند (2/ 120) والبخاري رقم (1609) ومسلم رقم (242/ 1267) وأبو داود رقم (1874) والنسائي (5/ 232).

والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 183) وابن حبان رقم (3827) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 76) والبغوي في شرح السنة رقم (1902) من طرق عن ليث، عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه، به.

وأخرجه بنحوه مسلم رقم (243/ 1267) والنسائي (5/ 232) وابن ماجه رقم (2946) وابن خزيمة رقم (2725) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 183) من طريق يونس، عن ابن شهاب، به.

بلفظ: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من أركان البيت إلا الركن الأسود. والذي يليه من نحو دور الجمحيين".

وهو حديث صحيح.

(2)

أخرجه الترمذي في سننه رقم (858) من حديث ابن عباس.

قال الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح.

(3)

في المسند (2/ 18).

(4)

في سننه رقم (1876).

قلت: وأخرجه النسائي (5/ 231) وابن خزيمة رقم (2723) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 183) والبيهقي (5/ 76، 80) والحاكم في المستدرك (1/ 456) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

قلت: الحديث حسن، والله أعلم.

(5)

في سننه رقم (2/ 290 رقم 242). وفيه عبد الله بن مسلم بن هُرْمز: ضعيف [الكاشف (2/ 116 رقم الترجمة 3025) والتقريب رقم الترجمة (3616)].

(6)

في التاريخ الكبير (1/ 289، 290). =

ص: 277

حديث ابن عمر الأول في إسناده عطاء بن السائب وهو ثقة ولكنه اختلط

(1)

.

وحديثه الثالث في إسناده عبد العزيز بن أبي روّاد

(2)

وفيه مقال، قال يحيى بن سليم الطائفي كان يرى الإرجاء، وقال يحيى القطان: هو ثقة لا يترك لرأي أخطأ فيه، وقال ابن المبارك: كان يتكلم ودموعه تسيل، ووثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال ابن عدي

(3)

: في أحاديثه ما لا يتابع عليه.

وحديث ابن عباس الذي فيه أنه كان صلى الله عليه وسلم يقبل الركن اليماني واضع خده عليه، رواه أبو يعلى

(4)

وفي إسناده عبد الله بن مسلم بن هرمز وهو ضعيف.

قوله: (إلا اليمانيين) بتخفيف الياء على المشهور، لأن الألف عوض عن ياء النسبة، فلو شددت كان جمعًا بين العوض والمعوض وجوّزه سيبويه.

وإنما اقتصر صلى الله عليه وسلم على استلام اليمانيين لما ثبت في الصحيحين

(5)

من قول ابن عمر إنهما على قواعد إبراهيم دون الشاميين، ولهذا كان ابن الزبير بعد

= قلت: وأخرجه أبو يعلى في مسنده رقم (278/ 2605).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 241) وقال: وفيه عبد الله بن سلم بن هُرْمز وهو ضعيف".

(1)

قال الحافظ ابن حجر في التقريب رقم الترجمة (4592): صدوق اختلط.

(2)

قال عنه الحافظ في التقريب رقم الترجمة (4096): صدوق عابدٌ ربما وهم، ورمي بالإرجاء

وقال المحرران: بل ثقة. وثقه يحيى بن سعيد القطان على سْدته في انتقاء الرجال، ويحيى بن معين، وأبو حاتم الرازي، وأبو عبد الله الحاكم، والذهبي في "الكاشف" وغيرهم.

وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أحمد: صالح الحديث.

أما بعض من ليَّن أمره مثل الدارقطني، وابن حبان، والعقيلي، فإنما كان ذلك - والله أعلم - بسبب ما اتهم به من الإرجاء، وهي علة غير قادحة في وثاقته. ورحم الله يحيى بن سعيد القطان الذي كان عارفًا بهذا الأمر فقال: ثقة في الحديث، ليس ينبغي أن يُترك حديثه لرأي أخطأ فيه.

(3)

في الكامل (5/ 1928 - 1929).

(4)

في مسنده رقم (278/ 2605) وقد تقدم.

(5)

البخاري رقم (1609) ومسلم رقم (242/ 1267).

ص: 278

عمارته للكعبة على قواعد إبراهيم يستلم الأركان كلها [كما]

(1)

روى ذلك عنه الأزرقي في كتاب

(2)

مكة.

فعلى هذا يكون للركن الأول من الأركان الأربعة فضيلتان كونه الحجر الأسود وكونه على قواعد إبراهيم وللثاني الثانية فقط وليس للآخرين أعني الشاميين شيء منهما، فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ولا يقبل الآخران ولا يستلمان على رأي الجمهور.

وروى ابن المنذر

(3)

وغيره استلام الأركان جميعًا عن جابر

(4)

وأنس، والحسن والحسين

(5)

، من الصحابة وعن سويد بن غفلة من التابعين.

وقد أخرج البخاري

(6)

ومسلم

(7)

أن عبيد بن جريج قال لابن عمر: رأيتك تصنع أربعًا لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها فذكر منها: ورأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين.

وفيه دليل على أن الذين رآهم عبيد كانوا لا يقتصرون في الاستلام على الركنين اليمانيين.

قوله: (ويضع خده عليه) فيه مشروعية وضع الخد على الركن اليماني وتقبيله.

وقد ذهب إلى استحباب تقبيل الركن اليماني بعض أهل العلم كما قال

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

في أخبار مكة للأزرقي (1/ 210). وأخرجه أيضًا الفاكهي في أخبار مكة (1/ 153 رقم 193) بإسناد صحيح.

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 474).

(4)

أخرج الفاكهي في أخبار مكة (1/ 154 رقم 195) عنه وإسناده حسن.

(5)

أخرج الفاكهي في أخبار مكة (1/ 152 - 153 رقم 191) عنهما.

• وأخرج الفاكهي في أخبار مكة (1/ 152 رقم 190) عن معاوية رضي الله عنه وإسناده صحيح.

• وأخرج الفاكهي في أخبار مكة (1/ 153 رقم 192) عن عبد الرحمن بن عوف وإسناده حسن.

(6)

في صحيحه رقم (166).

(7)

في صحيحه رقم (25/ 1187).

ص: 279

صاحب الفتح

(1)

تمسكًا بما ذكره المصنف من حديث ابن عباس عند البخاري في التاريخ

(2)

والدارقطني

(3)

.

ولكن الثابت في الصحيحين

(4)

وغيرهما

(5)

من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلمه فقط، نعم ليس في اقتصار ابن عمر على التسليم ما ينفي التقبيل، فإن صح ما روي عن ابن عباس تعيَّن العمل به.

[الباب السادس] باب الطائف يجعل البيت عن يساره ويخرج في طوافه عن الحجر

25/ 1965 - (عَنْ جابِرٍ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أتَى الحَجَرَ فاسْتَلَمَهُ، ثمَّ مَشى عَلى يَمِينِهِ فَرَمَل ثَلاثًا ومَشى أرْبَعًا. رَوَاه مُسلِمٌ

(6)

والنَّسائيُّ)

(7)

. [صحيح]

26/ 1966 - (وعَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: سَألْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الحِجْرِ أَمِنَ البَيْتِ هُوَ؟ قالَ: "نَعَمْ"، قُلتُ: فَما لَهُمْ لمْ يُدْخِلوهُ في البَيْتِ؟ قالَ: "إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ"، قالَتْ: فمَا شَأنُ بابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قالَ: "فَعَلَ ذلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شاؤوا وَيَمنَعوا مَنْ شاؤوا، ولوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَديثُ عَهْدٍ بِالجَاهِلِيَّةِ فأخافُ أنْ تُنْكِرَ قُلوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الحِجْرَ في البَيْتِ، وأنْ ألصِقَ بَابَهُ بِالأرْضِ". مُتَّفق عَليهِ

(8)

. [صحيح]

وَفي روايةٍ قالَتْ: كُنْتُ أُحِبُّ أنْ أَدْخُلَ البيتَ أُصَلِّي فيهِ، فأخَذَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم

(1)

(3/ 474).

(2)

في التاريخ الكبير (1/ 289، 290) وقد تقدم.

(3)

في السنن (2/ 290 رقم 242) وقد تقدم.

(4)

البخاري في صحيحه رقم (1609) ومسلم في صحيحه رقم (242/ 1267).

(5)

كأبي داود في سننه رقم (1874).

(6)

في صحيحه رقم (150/ 1218).

(7)

في سننه رقم (2939).

وهو حديث صحيح.

(8)

البخاري رقم (1584) ومسلم رقم (400/ 1333) وبنحوه أحمد في المسند (6/ 57، 102، 239).

ص: 280

بِيَدِي فأدْخَلَني الحِجْرَ فقالَ لي: "صَلِّي في الحِجْرِ إِذا أَرَدْتِ دُخولَ البَيْتِ فإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنَ البَيْتِ، وَلَكِنْ قَوْمُكِ اسْتَقْصَروا حينَ بَنوا الكَعْبَةَ فأخْرَجوهُ مِنَ البَيْتِ". رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ ماجَهْ وَصَحَّحَهُ التّرمِذِيُّ

(1)

[حسن]

وَفِيهِ إثْباتُ التَّنفُّل في الْكَعْبَةِ).

قوله: (أتى الحَجَر فاستلمه) إلخ، فيه دليل على أنه يستحب أن يكون ابتداء الطواف من الحجر الأسود بعد استلامه.

وحكى في البحر

(2)

عن الشافعي

(3)

والإمام يحيى أن ابتداء الطواف من الحجر الأسود فرض.

قوله: (ثم مشى على يمينه) استدل به على مشروعية مشي الطائف بعد استلام الحجر على يمينه جاعلًا البيت عن يساره.

وقد ذهب إلى أن هذه الكيفية شرط لصحة الطواف الأكثر قالوا: فلو عكس لم يجزه، قال في البحر

(4)

: ولا خلاف إلا عن محمد بن داود الأصفهاني وأنكر عليه وهمُّوا بقتله، انتهى.

ولا يخفاك أن الحكم على بعض أفعاله صلى الله عليه وسلم في الحج بالوجوب لأنها بيان لمجمل واجب وعلى بعضها بعده تحكم محض لفقد دليل يدل على الفرق بينها.

قوله: (أمن البيت هو؟ قال: نعم)، هذا ظاهر بأن الحجر كله من البيت، ويدل على ذلك أيضًا قوله في الرواية الثانية:"فإنما هو قطعة من البيت"، وبذلك كان يفتي ابن عباس، فأخرج عبد الرزاق

(5)

عنه أنه قال: لو وليت من البيت ما ولي ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت.

ولكن ما ورد من الروايات القاضية بأنه كله من البيت مقيد بروايات

(1)

أحمد في المسند (6/ 92) وأبو داود رقم (2028) والترمذي رقم (876) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (2912).

وهو حديث حسن.

(2)

البحر الزخار (2/ 347).

(3)

الأم (3/ 425 - 426).

(4)

(2/ 347).

(5)

في المصنف رقم (9157).

ص: 281

صحيحة منها عند مسلم

(1)

من حديث عائشة بلفظ: "حتى أزيد فيه من الحجر"

(2)

.

وله من وجه آخر عنها مرفوعًا بلفظ: "فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأريك ما تركوا منه"، فأراها قريبًا من سبعة أذرع.

وله

(3)

أيضًا عنها مرفوعًا بلفظ: "وزدت فيها من الحجر سبعة أذرع".

وفي رواية للبخاري

(4)

عن عروة: "أن ذلك مقدار ستة أذرع"، ولسفيان بن عيينة في جامعه أن ابن الزبير زاد ستة أذرع، وله أيضًا عنه أنه زاد ستة أذرع وشبرًا، وهذا ذكره الشافعي في عدد من لقيهم من أهل العلم من قريش كما أخرجه البيهقي في المعرفة

(5)

عنه.

وقد اجتمع من الروايات ما يدل على أن الزيادة فوق ستة أذرع ودون سبعة.

وأما ما رواه مسلم

(6)

عن عطاء عن عائشة مرفوعًا بلفظ: "لكنت أدخل فيها من الحجر خمسة أذرع" فقال في الفتح

(7)

: هي شاذة، والروايات السابقة أرجح لما فيها من الزيادة عن الثقات الحفاظ.

قال الحافظ

(8)

: ثم ظهر لي لرواية عطاء وجه وهو أنه أريد بها ما عدا الفرجة التي بين الركن والحجر [فتجتمع]

(9)

مع الروايات الأخرى فإن الذي عدا الفرجة أربعة أذرع وشيء.

ولهذا وقع عند الفاكهي

(10)

من حديث أبي عمرو بن عدي بن الحمراء أن

(1)

في صحيحه رقم (404/ 1333).

(2)

أي لمسلم في صحيحه رقم (403/ 1333).

(3)

أي لمسلم في صحيحه رقم (401/ 1333) وفيه: "ستة أذرع".

(4)

في صحيحه رقم (1586).

(5)

في معرفة السنن والآثار (7/ 239 رقم 9923).

وانظر: "الأم"(3/ 450 رقم 1178).

(6)

في صحيحه رقم (402/ 1333)

(7)

(3/ 443).

(8)

في "الفتح"(3/ 443).

(9)

في المخطوط (ب): (فيجمع).

(10)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 443).

ص: 282

النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة في هذه القصة: "ولأدخلت فيها من الحجر أربعة أذرع"، فيحمل هذا على إلغاء الكسر، [ورواية]

(1)

عطاء على جبره ويحصل الجمع بين الروايات كلها بذلك.

قوله: (إن قومك) أي [قريشًا]

(2)

.

قوله: (قصرت بهم النفقة) بتشديد الصاد، أي النفقة الطيبة التي أخرجوها لذلك كما جزم به الأزرقي

(3)

وغيره.

ويوضحه ما ذكره ابن إسحاق في السيرة عن أبي وهب المخزومي أنه قال لقريش: لا تدخلوا فيه من كسبكم إلا طيبًا ولا تدخلوا فيه مهر بغيّ ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس.

قوله: (ليدخلوا من شاءوا)، زاد مسلم

(4)

: "فكان الرجل إذا أراد أن يدخلها يدعونه ليرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط".

قوله: (حديث عهد) في لفظ للبخاري

(5)

: "حديثُ عهدهم" بتنوين حديث.

قوله: (بالجاهلية) في رواية للبخاري

(6)

: "بجاهلية"، وفي أخرى له

(7)

: "بكفر". ولأبي

(8)

عوانة "بشرك".

قوله: (فأخاف أن تنكر قلوبهم) في رواية للبخاري (8): "تنفر".

ونقل ابن بطال

(9)

عن بعض علمائهم أن النفرة التي خشيها [رسول الله]

(10)

صلى الله عليه وسلم أن ينسبوه إلى الفخر دونهم، وجواب لولا محذوف.

وقد رواه مسلم

(11)

بلفظ: "فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الحجر".

(1)

في المخطوط (ب): (وفى رواية).

(2)

في المخطوط (أ) و (ب): قريش. والصواب ما أثبتناه.

(3)

في أخبار مكة (1/ 206، 211).

(4)

في صحيحه رقم (403/ 1333).

(5)

في صحيحه رقم (1584).

(6)

في صحيحه رقم (1586).

(7)

أي للبخاري في صحيحه رقم (1585).

(8)

انظر: فتح الباري (3/ 444).

(9)

في شرحه لصحيح البخاري (1/ 205).

(10)

ما بين الخاصرتين زيادة من: المخطوط (ب).

(11)

في صحيحه رقم (405/ 1333).

ص: 283

ورواه الإسماعيلي

(1)

بلفظ: "لنظرت فأدخلت".

وفيه دليل على أنه يجوز للعالم ترك التعريف ببعض أمور الشريعة إذا خشي نفرة قلوب العامة عن ذلك.

[الباب السابع] باب الطهارة والسترة للطواف

(2)

27/ 1967 - (وفي حَدِيثِ أبِي بَكْرِ الصِّدِّيق عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يَطوفُ بالبَيتِ عُرْيانٌ")

(3)

. [صحيح]

28/ 1968 - (وعَنْ عائِشَةَ إنَّ أَوَّلَ شَيء بَدَأَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأ ثمَّ طَافَ بالبَيتِ. مُتَّفَقٌ عليْهِما)

(4)

. [صحيح]

29/ 1969 - (وعَنْ عائِشةَ عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ: "الحَائِضُ تَقْضِي المَناسِكَ كُلَّها، إلّا الطَّواف". رَواهُ أحمَدُ

(5)

.

وهْوَ دَلِيلٌ على جَوازِ السَّعْي مَعَ الحَدَثِ). [صحيح]

30/ 1970 - (وعَنْ عائِشَةَ أَنّها قالَتْ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لا نَذْكُرُ إلا الحَجَّ حَتّى جِئْنَا سَرِف فَطَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَليَّ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكي، فقالَ:"ما لَكِ لَعَلّكِ نَفِسْتِ؟ "، فَقالَتْ: نَعَمْ، قَالَ:"هذَا شيءٌ كتَبَهُ الله عز وجل على بَناتِ آدَمَ، افْعَلِي ما يَفْعلُ الحَاجُّ غيرَ أَنْ لا تَطُوفِي بالبَيْتِ حَتى تَطَّهَري"، مُتّفَقٌ عَلَيهِ

(6)

. [صحيح]

(1)

فتح الباري (3/ 444).

(2)

في صفة الطواف الكاملة: انظر: "المجموع"(8/ 17 - 18). والمغني (5/ 229 - 230).

(3)

أحمد في المسند (1/ 3) والبخاري رقم (1622) ومسلم رقم (435/ 1347).

(4)

البخاري رقم (1614) و (1615) ومسلم رقم (190/ 1235).

(5)

في المسند (6/ 137) بسند ضعيف لضعف جابر وهو ابن يزيد الجُعفي. ولكن الحديث صحيح.

قلت: وأخرجه إسحاق بن راهويه رقم (1529) والترمذي رقم (945).

(6)

أحمد في المسند (6/ 273) والبخاري رقم (305) ومسلم رقم (120/ 1211).

ص: 284

ولمُسلِم

(1)

في رِوايَةٍ: "فاقْضي ما يَقْضي الحَاجُّ غيرَ أنْ لَا تَطُوفي بالبَيتِ حَتَّى تَغْتَسِلي"). [صحيح]

حديث عائشة الثاني أخرجه باللفظ المذكور ابن أبي شيبة

(2)

بإسناد صحيح من حديث ابن عمر.

وأخرج نحوه الطبراني

(3)

عنه بإسناد فيه متروك.

وقد تقدم نحوه

(4)

من حديث ابن عباس في باب ما يصنع من أراد الإحرام.

قوله: (لا يطوف بالبيت عريان)، فيه دليل على أنه يجب [ستر]

(5)

العورة في حال الطواف.

وقد اختلف هل الستر شرط لصحة الطواف أو لا؟ فذهب الجمهور

(6)

إلى أنه شرط وذهبت الحنفية

(7)

والهادوية

(8)

إلى أنه ليس بشرط، فمن طاف عريانًا عند الحنفية أعاد ما دام بمكة، فإن خرج لزمه دم.

وذكر ابن إسحاق

(9)

في سبب طواف الجاهلية كذلك أن قريشًا ابتدعت قبل الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا في ثياب أحدهم فإن لم يجد طاف عريانًا فإن خالف فطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ ثم لم ينتفع بها فجاء الإسلام [بهدم]

(10)

ذلك.

قوله: [(توضأ ثم طاف)]

(11)

لما كان هذا الفعل بيانًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم"

(12)

، صلح للاستدلال به على الوجوب، والخلاف في كون الطهارة شرطًا أو غير شرط كالخلاف في الستر.

(1)

في صحيحه رقم (119/ 1211).

(2)

في الجزء المفقود (ص 324، 329).

(3)

لم أقف عليه.

(4)

تقدم برقم (1828) من كتابنا هذا.

(5)

في المخطوط (ب): (ستره).

(6)

المجموع (8/ 25).

(7)

المبسوط للسرخسي (4/ 39).

(8)

البحر الزخار (2/ 347).

(9)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 483).

(10)

في المخطوط (ب): (فهدم).

(11)

في المخطوط (ب): (ثم توضأ).

(12)

وهو حديث صحيح تقدم أكثر من مرة.

ص: 285

قوله: (تقضي المناسك كلها)، أي تفعل المناسك كلها.

وفيه دليل على الحائض تسعى. ويؤيده قوله في حديث عائشة المذكور في الباب

(1)

: "افعلي ما يفعل الحاج" إلخ.

ولكنه قد زاد ابن أبي شيبة

(2)

من حديث ابن عمر الذي أشرنا إليه بعد قوله: "إلا الطواف" ما لفظه: "وبين الصفا والمروة".

وكذلك زاد هذه الزيادة الطبراني

(3)

من حديثه، وقد قال الحافظ

(4)

: إن إسناد ابن أبي شيبة صحيح.

وقد ذهب الجمهور

(5)

إلى أن الطهارة غير واجبة ولا شرط في السعي ولم [يحكه]

(6)

ابن المنذر القول بالوجوب إلا عن الحسن البصري.

قال في الفتح

(7)

: وقد حكى المجد بن تيمية من الحنابلة - يعني المصنف - رواية عندهم مثله.

قوله: (نفست) بفتح النون وكسر الفاء: الحيض، وبضم النون وفتحها: الولادة، والطمث: الحيض أيضًا.

قوله: (حتى تطهري) بفتح التاء والطاء المهملة وتشديد الهاء أيضًا، وهو على حذف أحد التاءين وأصله [حتى]

(8)

تتطهري، والمراد بالطهارة الغسل كما [وقع]

(9)

في رواية مسلم

(10)

المذكورة في الباب.

والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها، وتغتسل والنهي يقتضي الفساد

(11)

المرادف للبطلان فيكون طواف الحائض باطلًا، [وفي

(1)

برقم (30/ 1970) من كتابنا هذا.

(2)

في الجزء المفقود (ص 324، 329).

(3)

لم أقف عليه.

(4)

في "الفتح"(3/ 505).

(5)

المجموع (8/ 20) والمغني (5/ 222 رقم المسألة 616).

(6)

في المخطوط (ب): (يحك).

(7)

(3/ 497).

(8)

زيادة من المخطوط (ب).

(9)

زيادة من المخطوط (أ).

(10)

في صحيحه رقم (119/ 1211) وقد تقدم في الحديث رقم (1970) من كتابنا هذا.

(11)

انظر: البحر المحيط (2/ 439 - 440) وتيسير التحرير (1/ 376).

ص: 286

معنى الحائض والمحدث]

(1)

وهو قول الجمهور

(2)

، وذهب جمع من الكوفيين

(3)

إلى أن الطهارة غير شرط.

وروي عن عطاء

(4)

إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدًا ثم حاضت أجزأ عنها.

[الباب الثامن] باب ذكر الله في الطواف

31/ 1971 - (عَنْ عبدِ الله بْن السَّائِبِ قال: سَمِعْتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ بينَ الرُّكْنِ اليَمانِي والحِجْرِ: "رَبّنا آتِنا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ". رَواهُ أحمَدُ

(5)

وأَبُو داودَ

(6)

وقال: بينَ الرُّكنَيْنِ). [حسن]

32/ 1972 - (وعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "وكِّلَ بِهِ - يَعْنِي الرُّكْنَ اليَمَانيَّ - سَبْعونَ مَلَكًا، فمَنْ قالَ: اللهُمَّ إنّي أسألُك العَفْوَ والعَافِيَةَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقنا عَذابَ النّارِ. قالوا: آمِينَ")

(7)

. [ضعيف]

(1)

زيادة من المخطوط (ب).

(2)

قال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 389): "وقد أجمع العلماء مع اختلاف أعصارهم على الاستدلال بالنواهي على أن المنهيَّ عنه ليس من الشرع وأنه باطلٌ لا يصح، هذا هو المراد بكون النهي مقتضيًا للفساد" اهـ.

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 555).

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في الجزء المفقود ص 187.

(5)

في المسند (3/ 411).

(6)

في سننه رقم (1892).

قلت: وأخرجه الشافعي في مسنده رقم (898 - ترتيب) وابن خزيمة رقم (2721) والحاكم (1/ 455) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 84) وفي الشعب رقم (4045) والبغوي في شرح السنة رقم (1915) من طرق.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. قلت: يحيى بن عبيد ووالده لم يخرج لهما مسلم.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(7)

أخرجه ابن ماجه في السنن رقم (2957). =

ص: 287

33/ 1973 - (وعَنْ أبي هُرَيرَةَ أَنّهُ سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ طافَ بالْبَيْتِ سَبْعًا وَلَا يَتَكَلَّم إلّا بِسُبْحانَ الله والحَمْدُ لله، ولَا إلهَ إلّا الله، والله أكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلّا بالله، مُحِيَتْ عَنهُ عَشرُ سَيِّئاتٍ، وَكُتِبَ لهُ عَشْرُ حَسناتٍ، وَرُفِعَ لهُ بِهَا عَشْرُ دَرَجاتٍ"

(1)

، رَوَاهُما ابْنُ ماجَهْ). [ضعيف]

34/ 1974 - (وعَنْ عائِشةَ قالتْ: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّما جُعِلَ الطَّوافُ بالبَيْتِ وبالصّفا والمَرْوة وَرَمْي الجِمَارِ لإقَامَةِ ذِكْرِ الله تَعالى". رَواهُ أحْمَدُ

(2)

وأَبُو دَاوُد

(3)

والترمذِيُّ

(4)

وصَحَّحَهُ ولَفظهُ: "إِنّما جعِلَ رمْيُ الجمَارِ والسّعيُ بيْنَ الصّفا والمَرْوةِ لإقامةِ ذِكْرِ الله تعالى"). [ضعيف]

حديث عبد الله بن السائب أخرجه أيضًا النسائي

(5)

، وصححه ابن حبان

(6)

والحاكم

(7)

.

= قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 19): "هذا إسناد ضعيف حميد بن أبي سوية - قال فيه ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة. وقال الذهبي: مجهول.

وقال المزي في الأطراف: هكذا وقع عند ابن ماجه، حميد بن أبي سوية، والصحيح: حميد بن أبي سويد

" اهـ.

وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

في السنن رقم (2957) وهو حديث ضعيف، انظر ما قبله.

(2)

في المسند (6/ 64).

(3)

في السنن رقم (1888).

(4)

في السنن رقم (902) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه الدارمي رقم (1895) والفاكهي رقم (1422) وابن الجارود في "المنتقى رقم (457) وابن خزيمة رقم (2738) و (2882) و (2970) وابن عدي في الكامل (4/ 1635) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 145) من طرق عن عبيد الله بن أبي زياد - وهو القداح - ذكره البخاري في "الضعفاء الصغير" رقم (214) والتاريخ الكبير (5/ 382) والميزان (3/ 8).

وخلاصة القول: أن حديث عائشة حديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

في السنن الكبرى (4/ 129 رقم 3920).

(6)

في صحيحه رقم (3826).

(7)

في المستدرك (1/ 455) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

قلت: يحيى بن عبيد ووالده لم يخرج لهما مسلم. وقد تقدم.

ص: 288

وحديث أبي هريرة الأول في إسناده إسماعيل بن عياش

(1)

وفيه مقال، وفي إسناده أيضًا هشام بن عمار

(2)

وهو ثقة تغير بأخرة.

والحديث قد ذكره الحافظ في التلخيص

(3)

.

وحديثه الثاني ساقه ابن ماجه هو وحديثه الأول المذكور هنا بإسناد واحد وفيه إسماعيل بن عياش (1) وهشام بن عمار (2) وقد ذكره [الحافظ](3) في التلخيص

(4)

أيضًا وقال: إسناده ضعيف.

وحديث عائشة سكت عنه أبو داود

(5)

وذكر المنذري

(6)

أن الترمذي

(7)

قال: إنه حديث حسن صحيح.

وفي الباب عن ابن عباس عند ابن ماجه

(8)

والحاكم

(9)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء بين الركنين: "اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف عليّ كل غائبة لي بخير".

وعن أبي هريرة عند البزار

(10)

غير ما ذكره المصنف: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك، والنفاق والشقاق، وسوء الأخلاق".

وعن عبد الله بن السائب حديث آخر عند ابن عساكر

(11)

من طريق ابن ناجية بسند له ضعيف: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ابتداء طوافه: "بسم الله والله

(1)

إسماعيل بن عياش بن سُليم العنسيُّ، أبو عُتبة الحِمْصيُّ: صدوق في روايته عن أهل بلده، مُخلِّطِ في غيرهم. [التقريب رقم الترجمة (473)].

(2)

هشام بن عمّار بن نُصَير السلمي الدمشقي الخطيب: صدوق مقرئٌ، كَبِرَ فصار يتلقن فحديثه القديمُ أصح

[التقريب رقم الترجمة (7303)].

(3)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(4)

التلخيص الحبير (2/ 472).

(5)

في السنن (2/ 447).

(6)

في مختصر السنن (2/ 380).

(7)

في السنن (3/ 246).

(8)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 473) ولم أقف عليه في السنن.

(9)

في المستدرك (1/ 510) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(10)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 473) وقال الحافظ: لكن لم يقيده بما عند الركن ولا بالطواف.

(11)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 472).

ص: 289

أكبر، اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعًا لسنة نبيك محمد".

قال الحافظ

(1)

: لم أجده هكذا، وقد ذكره صاحب "المهذب"

(2)

من حديث جابر، وقد بيض له المنذري والنووي.

ورواه الشافعي

(3)

عن ابن أبي نجيح. قال: أخبرت "أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم[قال]

(4)

: يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا؟ قال: "قولوا: بسم الله والله أكبر إيمانًا بالله وتصديقًا لما جاء به محمد".

قال في التلخيص

(5)

: وهو في الأم (3) عن سعيد بن سالم عن ابن جريج.

وفي الباب أيضًا عن ابن عمر

(6)

من حديثه: كان إذا استلم الحجر قال: "بسم الله والله أكبر"، وسنده صحيح.

وروى العقيلي

(7)

أيضًا من حديثه [أيضًا]

(8)

: "كان إذا أراد أن يستلم يقول: اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك واتباعًا لسنة نبيك ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يستلمه"، ورواه الواقدي

(9)

في المغازي مرفوعًا.

وعن علي عند البيهقي

(10)

والطبراني

(11)

من طريق الحارث الأعور: "أنه كان إذا مر بالحجر الأسود فرأى عليه زحامًا استقبله وكبر ثم قال: اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك واتباعًا لسنة نبيك".

(1)

في "التلخيص"(2/ 472).

(2)

النووي في "المجموع شرح المهذب"(8/ 48) وقال: رواه البيهقي وضعفه.

(3)

في "الأم"(3/ 427 رقم 1133).

(4)

في المخطوط (ب): (قالوا).

(5)

(2/ 472).

(6)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 79).

(7)

في "الضعفاء الكبير"(4/ 136) في ترجمة محمد بن مهاجر.

(8)

زيادة من المخطوط (ب).

(9)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 472).

(10)

في السنن الكبرى (5/ 79).

(11)

في الأوسط رقم (492).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 240) وقال: وفيه الحارث وهو ضعيف وقد وثق.

ص: 290

وعن عمر عند أحمد وقد تقدم

(1)

في باب ما جاء في استلام الحجر.

وأحاديث الباب تدل على مشروعية الدعاء بما اشتملت عليه في الطواف.

وقد حكى في البحر

(2)

عن الأكثر أنه لا دم على من ترك مسنونًا.

وعن الحسن البصري والثوري وابن الماجشون

(3)

أنه يلزم.

[الباب التاسع] باب الطواف راكبًا لعذر

35/ 1975 - (عَنْ أُمِّ سَلمةَ أَنَّها قَدِمَتْ وَهْيَ مَرِيضَةٌ فَذَكَرَتْ ذلِكَ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: "طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ". رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا التِّرمذِيّ)

(4)

. [صحيح]

36/ 1976 - (وعَنْ جابِرٍ قَالَ: طَافَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بالبَيْتِ وبالصَّفَا والمَرْوةِ في حَجَّةِ الوَدَاعِ على رَاحِلَتِهِ يَسْتَلمُ الحَجَرَ بمِحْجَنهِ لأنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَليُشْرِفَ وَيَسألُوهُ فإِنَّ النّاسَ غَشَوْهُ. رَوَاهُ أحمَدُ

(5)

ومُسلِمٌ

(6)

وأَبُو دَاود

(7)

والنَّسائيُّ)

(8)

. [صحيح]

37/ 1977 - (وعَنْ عائشة قالَتْ: طَافَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حَجّةِ الوَدَاعِ على بعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كَرَاهِيَة أنْ يَصْرِف عنْهُ النَّاسَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

(9)

. [صحيح]

38/ 1978 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أَنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ مَكَّةَ وهْوَ يَشْتَكِي فَطَافَ على رَاحِلَتِهِ كُلَما أَتَى على الرُّكْنِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ، فَلما فَرَغَ مِنْ طوافه أَنَاخَ

(1)

برقم (1954) من كتابنا هذا.

(2)

البحر الزخار (2/ 352).

(3)

شرح مسلم للنووي (9/ 10) والبحر الزخار (2/ 352).

(4)

أحمد في المسند (6/ 290) والبخاري رقم (1619) ومسلم رقم (258/ 1276) وأبو داود رقم (1882) والنسائي رقم (2925) وابن ماجه رقم (2961) وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (3/ 317).

(6)

في صحيحه رقم (254/ 1273).

(7)

في سننه رقم (1880).

(8)

في سننه رقم (2975).

وهو حديث صحيح.

(9)

في صحيحه رقم (256/ 1274).

ص: 291

فَصلّى ركعَتْينِ. رَوَاهُ أحمدُ

(1)

وأبو داوُدَ)

(2)

. [ضعيف]

39/ 1979 - (وعَنْ أبي الطُّفَيلِ قالَ: قُلتُ لابْنِ عبَّاسٍ: أخْبِرْني عَنِ الطَّواف بيْنَ الصَّفا والمرْوةِ رَاكِبًا أَسُنَّةٌ هُو فإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أنهُ سنَّةٌ؟ قال: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قلْتُ: وما قوْلُكَ: صَدَقُوا وكَذَبُوا؟ قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كثُر عَليهِ النّاسُ يقُولُونَ هذَا محمّدٌ، هذا محمَّدٌ حتّى خَرَجَ العَواتِقُ مِنَ البيُوت، قال: وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَا يُضْرَبُ النّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فلمّا كثُروا عليهِ رَكِبَ والمَشْيُ والسّعْيُ أفْضلُ. رواهُ أحمدُ

(3)

ومُسْلم)

(4)

. [صحيح]

حديث ابن عباس الأول في إسناده يزيد بن أبي زياد

(5)

ولا يحتج به، وقال البيهقي

(6)

: في حديث يزيد بن أبي زياد لفظة لم يوافق عليها وهي قوله: (وهو يشتكي).

وقد أنكره الشافعي

(7)

وقال: لا أعلمه اشتكى في تلك الحجة.

قوله: (طوفي من وراء الناس)، هذا يقتضي منع طواف الراكب في المطاف.

قال في الفتح

(8)

: لا دليل في طوافه صلى الله عليه وسلم راكبًا على جواز الطواف راكبًا

(1)

في المسند (1/ 304).

(2)

في سننه رقم (1881).

وقال المنذري في "المختصر"(2/ 377): "في إسناده يزيد بن أبي زياد، ولا يحتج به، وقال البيهقي: وفي حديث يزيد بن أبي زياد لفظة لم يوافَق عليها، وهي قوله: "وهو يشتكي" اهـ. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف.

(3)

في المسند (1/ 369).

(4)

في صحيحه رقم (237/ 1264).

وهو حديث صحيح.

(5)

وهو متروك.

انظر: "الكامل"(7/ 2729) والميزان (4/ 425) والتقريب (2/ 364).

(6)

ذكرها الحافظ المنذري في "المختصر"(2/ 377).

وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس حديث ضعيف، والله أعلم.

(7)

انظر: "الأم"(3/ 442).

(8)

(3/ 490).

ص: 292

بغير عذر، وكلام الفقهاء يقتضي الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيهًا.

قال

(1)

: والذي يترجح المنع لأن طوافه صلى الله عليه وسلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يُحَوَّط المسجد فإذا حُوِّطَ امتنع داخله إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما قبله فإنه كان لا يحرم التلويث كما في السعي.

قوله: (لأن يراه الناس) إلخ، فيه بيان العلة التي لأجلها طاف صلى الله عليه وسلم راكبًا وكذلك قول عائشة: كراهية أن يصرف الناس عنه.

وفي رواية لمسلم

(2)

: "كراهية أن يضرب" بالباء الموحدة.

قال النووي

(3)

: وكلاهما صحيح. [وكذلك]

(4)

قول ابن عباس: وهو يشتكي، وقد ترجم عليه البخاري

(5)

فقال: باب المريض يطوف راكبًا وكأنه أشار إلى هذا الحديث.

وكذلك قول ابن عباس في حديثه الآخر: فلما كثروا عليه، فإن هذه الألفاظ كلها مصرحة بأن طوافه صلى الله عليه وسلم كان لعذر فلا يلحق به من لا عذر له.

وقد استدل أصحاب مالك

(6)

وأحمد

(7)

بطوافه صلى الله عليه وسلم راكبًا على طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه قالوا: لأنه لا يؤمن ذلك من البعير ولو كان نجسًا لما عرض المسجد له.

ويردّ ذلك بوجوه: أما أوّلًا فلأنه لم يكن إذ ذاك قد حوط المسجد كما تقدم.

وأما ثانيًا فلأنه ليس من لازم الطواف على البعير أن يبول.

وأما ثالثًا فلأنه يطهر منه المسجد كما أنه صلى الله عليه وسلم أقرّ إدخال الصبيان الأطفال المسجد مع أنه لا يؤمن بولهم.

(1)

أي الحافظ ابن حجر في "الفتح"(3/ 490).

(2)

في صحيحه رقم (256/ 1274).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 19).

(4)

في المخطوط (ب): (وكذا).

(5)

في صحيحه رقم (3/ 490 رقم الباب 74 - مع الفتح).

(6)

المنتقى للباجي (2/ 295).

(7)

انظر: المغني (5/ 250) والإنصاف (4/ 12 و 13).

ص: 293

وأما رابعًا فلأنه يحتمل أن تكون راحلته عصمت من التلويث حينئذٍ كرامة له.

قوله: (صدقوا وكذبوا) إلخ، لفظ أبي داود

(1)

: "قال: صدقوا وكذبوا قلت: ما صدقوا وكذبوا؟ قال: صدقوا قد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على بعير، وكذبوا ليست بسنة".

وحديث ابن عباس هذا يدل على جواز الطواف بين الصفا والمروة للراكب لعذر.

قال ابن رسلان في شرح السنن بعد أن ذكر حديث ابن عباس هذا ما لفظه: وهذا الذي قاله ابن عباس مجمع عليه، انتهى.

يعني نفي كون الطواف بصفة الركوب سنة بل الطواف من الماشي أفضل.

[الباب العاشر] باب ركعتي الطواف والقراءة فيهما واستلام الركن بعدهما

رَواهُما ابْنُ عُمَرَ

(2)

وابْنُ عبَّاسٍ

(3)

وَقَدْ سَبَقَ.

40/ 1980 - (وعَنْ جابرٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا انْتهى إلى مَقَامِ إبْرَاهِيم قَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}

(4)

، فَصَلَّى ركْعَتَيْنِ فَقَرَأَ: فاتِحَةَ الْكِتابِ، وقُلْ يا أَيُّها الكافِرُونَ، وقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ، ثمَّ عادَ إلى الرُّكْن فاسْتَلَمَهُ، ثمَّ خَرَجَ إلى الصَّفا. رَواهُ أَحْمدُ

(5)

ومُسْلِمٌ

(6)

والنَّسائيُّ

(7)

وهذا لَفْظُهُ [صحيح]

وَقِيلَ للزُّهْرِيِّ: إنَّ عَطاءً يقُولُ: تُجْزِي المَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَي الطَّوافِ، فقالَ:

(1)

في سننه رقم (1885) وهو حديث صحيح.

(2)

تقدم برقم (1956)، (1962) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (1953)، (1963)، (1964) من كتابنا هذا.

(4)

سورة البقرة: الآية (125).

(5)

في المسند (2/ 218).

(6)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

(7)

في سننه رقم (2963).

وهو حديث صحيح.

ص: 294

السُّنَّةُ أفْضلُ، لَمْ يَطُفِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَسْبُوعًا إلَّا صَلى رَكْعَتَيْنِ. أَخْرَجَهُ الْبُخاريُّ)

(1)

.

حديث ابن عمر

(2)

الذي أشار إليه المصنف تقدم في باب استلام الركن اليماني، وكذلك تقدم في باب ما جاء في استلام الحجر.

وحديث ابن عباس

(3)

المشار إليه تقدم في مواضع منها باب استلام الحجر وكذلك [في]

(4)

باب استلام الركن اليماني وفي باب الطواف راكبًا.

قوله: (واتخذوا) في الروايات بكسر الخاء على الأمر، وهي إحدى القراءتين

(5)

والأخرى بالفتح على الخبر والأمر دال على الوجوب.

قال في الفتح

(6)

: لكن انعقد الإجماع على جواز الصلاة إلى [جميع جهات]

(7)

الكعبة فدل على عدم التخصيص، وهذا بناء على أن المراد بمقام إبراهيم الذي فيه أثر قدميه وهو موجود الآن، وقال مجاهد

(8)

: المراد بمقام إبراهيم الحرم كله والأول أصح.

(1)

في صحيحه رقم (3/ 484 رقم الباب 69 - مع الفتح) معلقًا.

وقال الحافظ في "الفتح": "ووصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري بتمامه.

وأراد الزهري أن يستدل على أن المكتوبة لا تجزئ عن ركعتي الطواف بما ذكره من أنه صلى الله عليه وسلم لم يطف أسبوعًا قط إلا صلى ركعتين.

وفي الاستدلال بذلك نظر، لأن قوله:"إلا صلى ركعتين" أعم من أن يكون نفلًا أو فرضًا. لأن الصبح ركعتان فيدخل في ذلك، لكن الحيثية مرعية والزهري لا يخفى عليه هذا القدر فلم يرد بقوله:"إلا صلى ركعتين" أي من غير المكتوبة" اهـ.

(2)

تقدم برقم (1956)، (1962) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (1953)، (1963)، (1964) من كتابنا هذا.

(4)

زيادة من المخطوط (ب).

(5)

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر وابن محيصن وشبل والأعرج والأعمش والجحدري وابن وثاب وأصحاب ابن مسعود: (واتَّخِذُوا) بكسر الخاء على الأمر.

وقرأ نافع وابن عامر والحسن: (واتَّخَذُوا) بفتح الخاء، جعلوه فعلًا ماضيًا.

انظر: النشر (2/ 222) ومعجم القراءات (1/ 189 - 190).

(6)

فتح الباري (1/ 499).

(7)

في المخطوط (ب): (جهات جميع).

(8)

أخرجه الطبري في "جامع البيان"(1/ ج 1/ 536).

وقال ابن جرير الطبري في "جامع البيان"(1/ ج 1/ 537): "وأولى هذه الأقوال بالصواب =

ص: 295

قوله: (فقرأ فاتحة الكتاب) إلخ، فيه استحباب القراءة بهاتين السورتين مع فاتحة الكتاب واستلام الركن بعد الفراغ.

وقد اختلف في وجوب هاتين الركعتين، فذهب أبو حنيفة

(1)

وهو مروي عن الشافعي في أحد قوليه

(2)

: إلى أنهما واجبتان وبه قال الهادي والقاسم

(3)

.

واستدلُّوا بالآية المذكورة.

وأجيب عن ذلك بأن الأمر فيها إنما هو باتخاذ المصلى لا بالصلاة، وقد قال الحسن البصري وغيره: إن قوله: مصلى أي قبلة، وقال مجاهد

(4)

: أي مدعى يدعى عنده.

قال الحافظ

(5)

: ولا يصح حمله على مكان الصلاة لأنه لا يصلى فيه بل عنده.

قال

(6)

: ويترجح قول الحسن بأنه جار على المعنى الشرعي.

واستدلُّوا ثانيًا بالأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد فراغه من الطواف ولازم ذلك من جملتها ما ذكره المصنف في الباب.

قالوا: وهي بيان مجمل واجب فيكون ما اشتملت عليه واجبًا.

= عندنا ما قاله القائلون إن مقام إبراهيم: هو المقام المعروف بهذا الاسم، الذي هو في المسجد الحرام.

لما روينا آنفًا عن عمر بن الخطاب، ولما حدثنا يوسف بن سليمان، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل، قال: ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال: استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن، فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، فجعل المقام بينه وبين البيت فصلى ركعتين.

فهذان الخبران ينبئان أن الله تعالى ذكره، إنما عنى بمقام إبراهيم، الذي أمرنا الله باتخاذه مصلى هو الذي وصفنا، ولو لم يكن على صحة ما اخترنا في تأويل ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكان الواجب فيه القول ما قلنا. وذلك أن الكلام محمول معناه على ظاهره المعروف دون باطنه المجهول، حثى يأتي ما يدل على خلاف ذلك مما يجب التسليم له" اهـ.

(1)

البناية في شرح الهداية (4/ 79).

(2)

المجموع شرح المهذب (8/ 67).

(3)

البحر الزخار (2/ 349).

(4)

تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (8).

(5)

في "الفتح"(1/ 499).

(6)

أي الحافظ في "الفتح"(1/ 499).

ص: 296

وقال مالك

(1)

والشافعي

(2)

في أحد قوليه والناصر

(3)

: إنهما سنة لما تقدم في الصلاة من حديث ضمام بن ثعلبة لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أخبره بالصلوات الخمس: هل عليّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوّع

(4)

.

وقد أسلفنا في الصلاة الجواب عن هذا الدليل.

قوله: (إلا صلى ركعتين) استدل به من قال أنها لا تجزئ المكتوبة عن ركعتي الطواف، وتعقب بأن قوله صلى الله عليه وسلم

(5)

(إلا صلى ركعتين) أعم من أن يكون ذلك نفلًا أو فرضًا لأن الصبح ركعتان.

[الباب الحادي عشر] باب السعي بين الصفا والمروة

41/ 1981 - (عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبي تِجْرَاةَ قالَتْ: رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَطُوف بيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ والنَّاسُ بيْنَ يَدَيْهِ وَهْوَ وَرَاءَهُمْ وَهُوَ يَسْعى حتَّى أرَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ شِدَّةِ السَّعْي تَدُورُ بِهِ إزَارُهُ وَهْوَ يَقُولُ: "اسْعَوا فإنَّ الله كتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ")

(6)

. [صحيح لغيره]

(1)

المنتقى للباجي (2/ 288).

(2)

المجموع شرح المهذب (8/ 68).

(3)

البحر الزخار (2/ 349).

(4)

أخرجه أحمد (1/ 162) والبخاري رقم (46) ومسلم رقم (8/ 11).

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 421). والشافعي في الأم (3/ 544 رقم 143) والمسند رقم (907 - ترتيب) ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير (ج 24 رقم 573) وابن عدي في الكامل (4/ 1456) والدارقطني في السنن (2/ 256) وفي المؤتلف والمختلف (1/ 316 - 317) وأبو نعيم في الحلية (9/ 158 - 159) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 98) وفي معرفة السنن والآثار (7/ 251 - 252) وفي السنن الصغير (2/ 182) والبغوي في شرح السنة رقم (1921) وغيرهم عن عبد الله بن المؤمَّل، عن عمر بن عبد الرحمن - وهو ابن محيصن أحد القراء المكيين - عن عطاء بن أبي رباح، عن صفيَّة بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبي تجراة، به.

وإسناده ضعيف لضعف عبد الله بن المؤمل.

لكن للحديث طريق أخرى، فقد أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 97) والدارقطني =

ص: 297

42/ 1982 - (وعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنَّ امْرَأَةً أَخَبَرتْها أَنَّها سَمِعَتَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بيْنَ الصَّفا والْمَرْوَةِ يقُولُ: "كتِبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيُ فاسْعَوا"

(1)

، رَواهُما أَحمَدُ). [حسن]

الحديث الأول أخرجه الشافعي

(2)

أيضًا، وغيره، من حديث صفية بنت شيبة عن حبيبة، فلعل المرأة المبهمة في حديث صفية هي حبيبة.

وفي إسناده عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف.

وله طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة

(3)

والطبراني

(4)

عن ابن عباس.

قال في الفتح

(5)

: وإذا انضمت إلى الأولى قويت.

قال

(6)

: واختلف على صفية بنت شيبة في اسم الصحابية التي أخبرتها به؛

= في السنن (2/ 255) من طريق معروف بن مشكان، أخبرني منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية، قالت: أخبرتني نسوة من بني عبد الدار اللاتي أدركن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلن، بنحوه.

قال المحدث الألباني رحمه الله في الإرواء رقم (1072): وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات معروفون، غير ابن مشكان هذا

ولم يذكر فيه صاحب "الجرح والتعديل" فيه جرحًا ولا تعديلًا، وكذا صاحب "التهذيب" لكن شهرته هذه مع رواية الثقات عنه تغني عن نقل في توثيقه، ولذلك قال الحافظ في "التقريب":"صدوق". ولهذا صحح إسناده الحافظان المزي وابن عبد الهادي فقال الثاني في "تنقيح التحقيق"(2/ 116/ 1): "قال شيخنا: والحديث صحيح الإسناد، ومنصور بن عبد الرحمن هو ثقة مخرج له في "الصحيحين"

" اهـ.

وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 498): وله - أي للحديث - طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة مختصره رقم (2764) وعند الطبراني في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11437) عن ابن عباس كالأولى، وإذا انضمت إلى الأولى قويت.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بشاهده وطرقه، والله أعلم.

(1)

في المسند (6/ 437) وإسناده ضعيف لجهالة موسى بن عبيد فلم يوثقه غير ابن حبان (5/ 403).

ولكن الحديث حسن، والله أعلم.

(2)

في المسند رقم (907 - ترتيب) وقد تقدم.

(3)

في صحيحه رقم (2764) وقد تقدم.

(4)

في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11437) وقد تقدم.

(5)

(3/ 498).

(6)

أي الحافظ في "الفتح"(3/ 498).

ص: 298

ويجوز أن تكون أخذته عن جماعة، فقد وقع عند الدارقطني

(1)

عنها: أخبرتني نسوة من بني عبد الدار فلا يضره الاختلاف.

وحديث صفية بنت شيبة قال في "مجمع الزوائد"

(2)

: في إسناده موسى بن عبيدة وهو ضعيف، والعمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم:"خذوا عني مناسككم"

(3)

.

قوله: (تجراة) قال في الفتح

(4)

: بكسر المثناة وسكون الجيم بعدها راء ثم ألف ساكنة ثم هاء وهي إحدى نساء بني عبد الدار.

قوله: (تدور به إزاره)، في لفظ آخر:"وإن مئزره ليدور من شدة السعي"

(5)

والضمير في قوله: به، يرجع إلى الركبتين، أي: تدور إزاره بركبتيه.

قوله: (فإن الله كتب عليكم السعي) استدل به من قال بأن السعي فرض وهم الجمهور. وعند الحنفية

(6)

أنه واجب يجبر بالدم، وحكاه في البحر

(7)

عن العترة وبه قال الثوري

(8)

في الناسي خلاف العامد، وبه قال عطاء

(9)

، وعنه

(10)

أنه سنة لا يجب بتركه شيء، وبه قال أنس فيما نقله عنه ابن المنذر.

واختلف عن أحمد

(11)

كهذه الأقوال الثلاثة.

وقد أغرب الطحاوي فقال: قد أجمع العلماء على أنه لو حج ولم يطف بالصفا والمروة أن حجه قد تمّ وعليه دم.

(1)

في السنن (2/ 255).

(2)

(3/ 274).

وقال الحافظ ابن حجر في "تعجيل المنفعة"(2/ 290 - 291): "قلت: اسم أبيه: (عبيد) وليس فيه هاء. قال البخاري: روى واصل عنه، قال: قدمت على عمر بن عبد العزيز، وروى أيضًا عنه: القاسم بن مهران، وبنحوه ذكره ابن أبي حاتم - الجرح والتعديل (4/ 448) - " اهـ.

وانظر: "الجرح والتعديل"(8/ 151) والتاريخ الكبير (7/ 291) والثقات (5/ 403).

(3)

وهو حديث صحيح تقدم مرارًا.

(4)

(3/ 498).

(5)

أخرجه الدارقطني (2/ 256 رقم 87).

(6)

البناية في شرح الهداية (4/ 87).

(7)

البحر الزخار (2/ 356).

(8)

حكاه عنه ابن عبد البر في "الاستذكار"(12/ 202 رقم 17351).

(9)

حكاه عنه ابن عبد البر في "الاستذكار"(12/ 206 رقم 17374).

(10)

أي عن عطاء أيضًا حكاه ابن عبد البر في "الاستذكار"(12/ 206 رقم 17373).

(11)

المغني (5/ 238 - 239).

ص: 299

والذي حكاه صاحب الفتح

(1)

وغيره عن الجمهور أنه ركن لا يجبر بالدم ولا يتم الحج بدونه.

وأغرب ابن العربي فحكى أن السعي ركن في العمرة بالإجماع، وإنما الخلاف في الحج.

وأغرب أيضًا المهدي في البحر

(2)

فحكى الإجماع على الوجوب.

قال ابن المنذر

(3)

: إن ثبت يعني حديث حبيبة فهو حجة في الوجوب

(4)

.

قال في الفتح

(5)

: العمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عنّي مناسككم"

(6)

.

قلت: وأظهر من هذا في الدلالة على الوجوب حديث مسلم

(7)

: "ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة".

43/ 1983 - (وعنْ أبي هُريْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لمّا فرغ مِنْ طوافه أَتَى الصَّفا فَعَلا عَليهِ حتَّى نَظَرَ إلى البَيْتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يحْمَدُ الله ويَدْعُو ما شاءَ أنْ يَدْعُوَ. رواهُ مُسْلمٌ

(8)

وأبُو داوُدَ)

(9)

. [صحيح]

44/ 1984 - (وعَنْ جابِرٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم طاف وسَعى، رَمَلَ ثَلاثًا، وَمشى أَرْبعًا، ثمَّ قَرَأ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}

(10)

، فَصلَّى سَجْدَتَيْنِ، وَجعَلَ المَقامَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الكَعبَةِ، ثمَّ اسْتلمَ الركْنَ، ثمَّ خَرَجَ فقالَ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}

(11)

. فابْدَأوا بَما بَدَأَ الله بِهِ". رَوَاهُ النَّسائيُّ

(12)

.

وفي حَديثِ جابِرٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (11)، "أَبْدَأ بِما بدأ الله به"، فَبَدأ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رأى الْبَيْتَ

(1)

(3/ 498).

(2)

البحر الزخار (2/ 355).

(3)

حكاه عنه الإمام النووي في "المجموع"(8/ 104).

(4)

قلت: فقد ثبت حديث حبيبة كما تقدم، ولله الحمد.

(5)

(3/ 498).

(6)

وهو حديث صحيح تقدم مرارًا.

(7)

في صحيحه رقم (259/ 1277).

(8)

في صحيحه رقم (84/ 1780).

(9)

في سننه رقم (1872).

وهو حديث صحيح.

(10)

سورة البقرة: الآية (125).

(11)

سورة البقرة: الآية (158).

(12)

في سننه رقم (2939)، وهو حديث صحيح.

ص: 300

فاسْتَقْبَلَ الْقِبلةَ فَوحَّدَ الله وَكبَّره، وقَالَ:"لا إلهَ إلَّا الله وحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، له المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ، وهو على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إلهَ إلَّا الله وحْدَهُ، أنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنصر عبْده، وهَزَمَ الأحْزابَ وَحْدَهُ"، ثمَّ دعَا بَيْنَ ذلِكَ فقالَ مِثْلَ هذا ثلاث مرَّاتٍ، ثمَّ نزل إلى المَروةِ حتّى انْصبَّتْ قدماهُ في بطْنِ الوادِي حتَّى إذَا صَعِدْنا مَشى حتَّى أتَى المرْوَةَ فَفعلَ على المروة كما فعل على الصَّفا. رواهُ مُسلمٌ

(1)

وكذلِكَ أحمَدُ

(2)

والنَّسائيُّ

(3)

بِمعْناهُ). [صحيح]

قوله: (فعلا عليه) استدلَّ به من قال بأن صعود الصفا واجبٌ، وهو أبو حفص بن الوكيل

(4)

من أصحاب الشافعي. وخالفه غيره من الشافعية وغيرهم فقالوا: هو سنة.

وقد تقدّم أن فعله صلى الله عليه وسلم بيان لمجمل واجب.

قوله: (فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء)، فيه استحباب الحمد والدعاء على الصفا.

قوله: (طاف وسعى ورمل ثلاثًا)، فيه دليل على أنه يستحب أن يرمل في ثلاثة أشواط ويمشي في الباقي.

قوله: (واتخِذوا) الآية، وقد تقدم أن الروايات بكسر الخاء وهي إحدى القراءتين.

(1)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

(2)

في المسند (3/ 320).

(3)

في السنن رقم (2944).

وهو حديث صحيح.

(4)

قال النووي في "المجموع"(8/ 94): " .... ولنا وجه أنه يجب الصعود على الصفا والمروة قدرًا يسيرًا ولا يصح سعيه إلا بذلك ليستيقن قطع جميع المسافة، كما يلزمه غسل جزء من الرأس إذا غسل الوجه ليستيقن إكمال الوجه.

حكاه صاحب المصنف والأصحاب عن أبي حفص بن الوكيل من أصحابنا، واتفقوا على تضعيفه.

والصواب أنه لا يجب الصعود، وهو نص الشافعي وبه قطع الأصحاب للحديث الصحيح السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى راكبًا، ومعلوم أن الراكب لا يصعد".

ص: 301

قوله: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) قال الجوهري

(1)

: الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علمًا لطاعة الله.

قوله: (فابدءوا بما بدأ الله به) بصيغة الأمر في رواية النسائي

(2)

وصححه ابن حزم

(3)

والنووي في شرح مسلم

(4)

وله طرق عند الدارقطني

(5)

.

ورواه مسلم

(6)

بلفظ: "أبدْأ" بصيغة الخبر كما في الرواية المذكورة في الباب.

ورواه أحمد

(7)

ومالك

(8)

وابن الجارود

(9)

وأبو داود

(10)

والترمذي

(11)

وابن ماجه

(12)

وابن حبان

(13)

والنسائي

(14)

أيضًا نبدأ بالنون.

قال أبو الفتح القشيري

(15)

: مخرج الحديث عندهم واحد وقد اجتمع مالك وسفيان

(16)

ويحيى بن سعيد القطان على رواية نبدأ بالنون التي للجمع.

قال الحافظ

(17)

: وهم أحفظ من الباقين.

وقد ذهب الجمهور

(18)

إلى أن البداءة بالصفا والختم بالمروة شرط.

وقال عطاء

(19)

: يجزي الجاهل العكس.

(1)

في الصحاح (2/ 698).

(2)

في سننه رقم (2939) وهو حديث صحيح.

(3)

في المحلى (2/ 48، 161).

(4)

(8/ 177) وفي المجموع (8/ 89).

(5)

في السنن (2/ 254 رقم 78، 79، 80، 81).

(6)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

(7)

في المسند (3/ 388).

(8)

في الموطأ (1/ 372).

(9)

في "المنتقى" رقم (469).

(10)

في السنن رقم (1905).

(11)

في السنن الرقم (856).

(12)

في السنن رقم (3074).

(13)

في صحيحه قم (3944).

(14)

في السنن (5/ 239).

وهو حديث صحيح.

(15)

ذكره الحافظ في التلخيص (2/ 478).

(16)

قال الألباني رحمه الله في "الإرواء"(4/ 319): "المتبادر من (سفيان) عند الإطلاق إنما هو الثوري، لجلالته وعلو طبقته، وليس هو المراد هنا؛ بل هو (سفيان بن عيينة) - كما سبق - وأما الثوري فهو المخالف لرواية الجماعة" اهـ.

(17)

في "التلخيص"(2/ 478).

(18)

انظر: "المغني"(5/ 237).

(19)

ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار"(12/ 201 رقم 17443).

ص: 302

وذهب الأكثر إلى أن من الصفا إلى المروة شوط ومنها إليه شوط آخر.

وقال الصيرفي

(1)

وابن خيران

(2)

وابن جرير

(3)

: بل من الصفا إلى الصفا شوط

(4)

، ويدل على الأول ما في حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم فرغ من آخر سعيه بالمروة.

قوله: (لما دنا من الصفا قرأ) إلخ، فيه دليل على أنها تستحب قراءة هذه الآية عند الدنوّ من الصفا وأنه يستحب صعود الصفا واستقبال القبلة والتوحيد والتكبير والتهليل وتكرير الدعاء والذكر بين ذلك ثلاث مرات.

وقال جماعة من أصحاب الشافعي

(5)

: يكرر الذكر ثلاثًا والدعاء مرتين فقط. قال النووي

(6)

والصواب الأول.

(1)

هو الإمام الكبير أبو بكر، محمد بن عبد الله، الصيرفيّ. أحد كبار أصحابنا المتقدمين أصحاب الوجوه. تفقه على إمام المذهب ابن سريج. وكان من أعلم الناس بالأصول بعد الإمام الشافعي كما قال أبو بكر القفال. كما كان ذا نبوغ في النظر والقياس.

وله مصنفات عديدة منها: - شرح رسالة الشافعي في الأصول.

- كتاب في الإجماع. توفي عام (330 هـ).

[طبقات ابن السبكي (3/ 186) شذرات الذهب (2/ 325) الوافي بالوفيات (3/ 346) تاريخ بغداد (5/ 449) والاجتهاد. وطبقات مجتهدي الشافعية" ص 139].

(2)

هو الإمام أبو علي، الحسين بن صالح بن خيران. أحد عمداء أصحابنا أصحاب الوجوه؛ جالس ابن سريج في العلم، وأدرك مشايخه، وكان يعيب عليه توليه القضاء.

عرض القضاء على ابن خيران في بغداد في خلافة (المقتدر) فأباه، فحبس في بيته بضعة عشر يومًا فصبر على ذلك وأصر على امتناعه حتى أُعفي من تلك المهمة. وفاته: سنة (320 هـ).

[طبقات ابن السبكي (3/ 271) وتاريخ بغداد (8/ 53) وشذرات الذهب (2/ 287) والاجتهاد وطبقات مجتهدي الشافعية ص 135 - 136].

(3)

هو الإمام المجتهد أبو جعفر، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري.

أخذ فقه الشافعي عن الربيع المرادي، والحسن الزعفراني.

قال ابن سريج: محمد بن جرير الطبري فقيه العالم.

وقال ابن خزيمة: ما أعلمُ على أديم الأرض أعلم من ابن جرير.

وله مصنفات عدة. منها: "جامع البيان عن تأويل أي القرآن". ومنها: "تاريخ الرسل والملوك. وغيرهما

[طبقات ابن السبكي (3/ 120) وتاريخ بغداد (2/ 162) وشذرات الذهب (2/ 260) والوافي بالوفيات (2/ 284) والاجتهاد وطبقات مجتهدي الشافعية ص 73 - 76].

(4)

المجموع (8/ 96) وتعقبهم النووي بقوله: وهذا غلط ظاهر.

(5)

المجموع (8/ 93) وشرح مسلم للنووي (9/ 177).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 177).

ص: 303

قوله: (وهزم الأحزاب وحده) معناه هزمهم بغير قتال من الآدميين ولا سبب من جهتهم، والمراد بالأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وكان الخندق في شوال سنة أربع من الهجرة وقيل: سنة خمس.

قوله: (حتى انصبَّت قدماهُ في بطن الوادي)، هكذا في جميع نسخ مسلم كما [نقله]

(1)

القاضي

(2)

. قال: وفيه إسقاط لفظة لا بد منها وهي حتى انصبت قدماه رمل في بطن الوادي، فسقطت لفظة "رمل" ولا بد منها، وقد ثبتت هذه اللفظة في غير رواية مسلم، وكذا ذكرها الحميدي في الجمع بين الصحيحين

(3)

، وفي الموطأ

(4)

: "حتى انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى خرج منه"، وهو بمعنى رمل.

قال النووي

(5)

: وقد وقع في بعض نسخ صحيح مسلم

(6)

: حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، كما وقع في الموطأ (4) وغيره.

وفي هذا الحديث استحباب السعي في بطن الوادي حتى يصعد ثم يمشي باقي المسافة إلى المروة على عادة مشيه، وهذا السعي مستحب في كل مرة من المرات السبع في هذا الموضع، والمشي مستحب فيما قبل الوادي وبعده، ولو مشى في الجميع أو سعى في الجميع أجزأه وفاتته الفضيلة، وبه قال الشافعي

(7)

ومن وافقه.

وقال مالك

(8)

فيمن ترك السعي الشديد في موضعه تجب عليه الإعادة، وله رواية أخرى موافقة لقول الشافعي.

قوله: (إذا صعِدنا) بكسر العين.

قوله: (ففعل على المروة كما فعل على الصفا)، فيه دليل على أنه يستحب عليها ما يستحب على الصفا من الذكر والدعاء والصعود.

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 272).

(3)

الجمع بين الصحيحين، للإمام محمد بن فتوح الحميدي (2/ 374).

(4)

(1/ 374 - 375 رقم 131).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 178).

(6)

برقم (147/ 1218).

(7)

المجموع (8/ 101). والأم (3/ 543).

(8)

المنتقى للباجي (2/ 305).

ص: 304

[الباب الثاني عشر] باب النهي عن التَّحلُّل بعدَ السَّعي إلَّا للمتمتِّع إذا لم يَسُقْ هديًا وبيان متى يتوجَّه المتمتعُ إلى منى، ومتى يُحْرِمُ بالحجّ

45/ 1985 - (عَنْ عَائِشةَ قالتْ: خرَجْنا مع رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بالْحَجِّ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بالْعُمْرَةِ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بالْحَجِّ والعُمْرةِ، وَأهَلَّ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بالْحَجّ، فأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بالْعُمرَةِ فَأَحَلُّوا حِينَ طَافُوا بالبَيْتِ وبِالصَّفا والمروةِ، وأما مَنْ أهَلَّ بالْحَجِّ، أَوْ بالحَجِّ والعُمْرَةِ فَلَمْ يُحِلُّوا [إلى]

(1)

يَوْمِ النَّحْرِ)

(2)

. [صحيح]

46/ 1986 - (وعَنْ جابِرٍ أنَّهُ حَجّ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ساقَ الْبُدْنَ مَعَهُ وقَدْ أَهَلُّوا بالحَجِّ مُفْردًا، فقالَ لهُمْ:"أَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ بِطَواف البَيْتِ وبيْنَ الصَّفا والمَرْوةِ وَقَصِّرُوا، ثمَّ أَقِيمُوا حَلَالًا حتّى إذَا كانَ يَوْمُ التَّرْوِيةِ فأهِلُّوا بالحَجِّ واجْعلُوا التي قَدِمْتُمْ بِها مُتْعَةً"، فقالوا: كَيْفَ نَجْعَلُها مُتْعَةً وقَدْ سَمَّيْنا الحَجَّ، فقالَ:"افْعَلُوا ما أَمَرْتُكُمْ ولكن لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ" فَفَعلُوا

(3)

. مُتَّفَقٌ عليْهِما. [صحيح]

وَهُوَ دَلِيل على جَوازِ الفَسْخِ وعلى وجُوبِ السّعْي وأَخذِ الشّعْرِ لِلتّحَلُّل في العُمْرَةِ).

47/ 1987 - (وعَنْ جابِرٍ قالَ: أَمَرَنَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لمَا أَحْللْنا أَنْ نُحْرِمَ إِذَا تَوَجّهْنا إلى مِنى فأهْلَلْنا مِنَ الأبْطَحِ. رَواهُ مسُلْمٌ)

(4)

. [صحيح]

قوله: (وأهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) قد تقدم استدلال من استدل بهذا على أن حجه صلى الله عليه وسلم كان إفرادًا، وتقدم الجواب عن ذلك.

(1)

في المخطوط (ب): (إلا).

(2)

أحمد في المسند (6/ 36) والبخاري رقم (1562) ومسلم رقم (118/ 1211).

(3)

أحمد في المسند (3/ 366) والبخاري رقم (1568) ومسلم رقم (143/ 1216).

(4)

في صحيحه رقم (139/ 1214).

ص: 305

قوله: (فأحلوا حين طافوا البيت)، فيه دليل لمذهب الجمهور

(1)

أن المعتمر لا يحل حتى يطوف ويسعى.

قال ابن بطال

(2)

: لا أعلم خلافًا بين أئمة الفتوى أن المعتمر لا يحل حتى يطوف ويسعى إلا ما شذ به ابن عباس فقال: يحل من العمرة بالطواف، ووافقه ابن راهويه

(3)

.

ونقل القاضي عياض

(4)

عن بعض أهل العلم أن بعض الناس ذهب إلى أن المعتمر إذا دخل الحرم حل وإن لم يطف ولم يسع، وله أن يفعل كل ما حرم على المحرم ويكون الطواف والسعي في حقه كالرمي والْمَبِيت في [حق]

(5)

الحاج وهذا من شذوذ المذاهب وغريبها.

وغفل القطب الحلبي (3) فقال: فيمن استلم الركن في ابتداء الطواف وأحل حينئذٍ أنه لا يحصل له التحلل بالإجماع.

قوله: (أحلوا من إحرامكم)، أي: اجعلوا حجكم عمرة وتحللوا منها بالطواف والسعي.

قوله: (وقصروا) أمرهم بالتقصير لأنهم يهلُّون بعد قليل بالحج، فأخَّر الحلق له لأن بين دخولهم وبين يوم التروية أربعة أيام فقط.

قوله: (متعة) أي: اجعلوا الحجَّة المفردة التي أهللتم بها عمرة تحللوا منها فتصيروا متمتعين، فأطلق على العمرة أنها متعة مجازًا والعلاقة بينهما ظاهرة.

وفي رواية لمسلم

(6)

: "فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحلَّ ونجعلها عمرة".

ونحوه في رواية الباقر عن جابر.

وفي الحديث الطويل عند مسلم

(7)

.

(1)

المجموع شرح المهذب (7/ 180).

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (4/ 447).

(3)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 616).

(4)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 316).

(5)

في المخطوط (ب): (حج).

(6)

في صحيحه رقم (144/ 1216).

(7)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

ص: 306

قوله: فقال (افعلوا ما أمرتكم) فيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من لطفه بأصحابه وحلمه عنهم.

قوله: (لا يحلُّ منِّي حرام) بكسر الحاء من (يحلّ) والمعنى لا يحل ما حرم عليّ.

ووقع في مسلم

(1)

لا يحل مني حرامًا بالنصب على المفعولية وعلى هذا فيقرأ يحل بضم أوله والفاعل محذوف تقديره لا يحل طول المكث أو نحو ذلك مني شيئًا حرامًا حتى يبلغ الهدي محلَّه، أي: إذا نحرته يوم منى.

واستدل به على أن من اعتمر فساق هديًا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر.

ومثله ما في البخاري

(2)

من حديث عائشة بلفظ: "من أحرم بعمرةٍ فأهدى فلا يحلّ حتى ينحر".

وتأوّل ذلك المالكية

(3)

والشافعية

(4)

على أن معناه ومن أحرم بعمرةٍ فأهدى فأهلّ بالحجّ، فلا يحل حتى ينحر هديه ولا يخفى ما فيه من التعسف.

قوله: (أن نُحْرِم إذا توجَّهنا إلى منى) فيه دليل على أن من حل من إحرامه يحرم بالحج إذا توجَّهَ إلى منى.

48/ 1988 - (وعَنْ مُعَاوَيةَ قالَ: قَصّرْتُ مِنْ رأْسِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عند المروة بِمِشْقَصٍ. مُتَفقٌ عَلِيْهِ

(5)

.

ولَفْظُ أحمَدَ

(6)

: أخَذْتُ مِنْ أَطْرافِ شَعْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أَيَّامِ العَشْرِ بِمِشْقَصٍ وَهَوَ مُحْرِمٌ). [صحيح]

قوله: (قصَّرت) أي: أخذت من شعر رأسه، وهو يشعر بأن ذلك كان في

(1)

في صحيحه رقم (141/ 1216).

(2)

في صحيحه رقم (1562).

(3)

"الإشراف على نكت مسائل الخلاف"، للقاضي عبد الوهاب (1/ 222).

(4)

المجموع شرح المهذب (7/ 180).

(5)

أحمد في المسند (4/ 92) والبخارى رقم (1730) ومسلم رقم (209/ 1246).

(6)

أحمد في المسند (4/ 92).

ص: 307

نسكٍ: إما في حجّ أو عمرةٍ، وقد ثبت أنه حلق في حجَّته فتعين أن يكون في عمرة ولا سيما وقد روى مسلم

(1)

أن ذلك كان في المروة.

وهذا يحتمل أن يكون في عمرة القضية أو الجِعْرانة، ولكن قوله في الرواية الأخرى

(2)

: في أيام العشر يدل على أن ذلك كان في حجة الوداع لأنه لم يحج غيرها، وفيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله كما تقدم في الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرها.

وقد بالغ النووي

(3)

في الرد على من زعم ذلك كان في حجة الوداع فقال: هذا الحديث محمولٌ على أن معاوية قصّر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجِعْرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع كان قارنًا، وثبت أنه حلق بمنى وفرّق أبو طلحة

(4)

شعره بين الناس

(5)

.

فلا يصح حمل تقصير معاوية على حجة الوداع.

(1)

في صحيحه رقم (210/ 1246).

(2)

أحمد في المسند (4/ 92).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 231 - 232).

(4)

هو زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري أبو طلحة المدني، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد النقباء، كان زوج أم سليم أم أنس بن مالك، توفي بالمدينة سنة (34 هـ)، وقيل غير ذلك.

[أسد الغابة رقم (1843) والإصابة رقم (2912) والاستيعاب. رقم (855)].

(5)

أخرج مسلم في صحيحه رقم (326/ 1305) عن أنس بن مالك قال: لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة، ونحر نسكه وحَلَق، ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر، فقال "احلِقْ" فحلقه، فأعطاه أبا طلحة. فقال:"أقسِمْه بين الناس".

وفي هذا الحديث ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بشعر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أقرهم على ذلك.

ولم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالتبرك بغيره من الصحابة رضي الله عنهم أو غيرهم سواء بذواتهم أو بآثارهم، أو أرشد إلى شيء من ذلك.

وكذا فلم ينقل حصول هذا النوع من التبرك من قبل الصحابة رضي الله عنهم بغيره صلى الله عليه وسلم لا في حياته صلى الله عليه وسلم ولا بعد مماته صلى الله عليه وسلم.

ولم يفعله الصحابة مع السابقين منهم إلى الإسلام وفضلائهم مثلًا، ومنهم الخلفاء الراشدون - وهم أفضل الصحابة - وبقية العشرة المبشرين بالجنة، وغيرهم.

[الاعتصام للشاطبي (2/ 286 - 287) والتبرك (ص 261 - 268)].

ص: 308

ولا يصح حمله أيضًا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع لأن معاوية لم يكن حينئذٍ مسلمًا إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان على الصحيح المشهور.

ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا لأن هذا غلط فاحش، فقد تظافرت الأحاديث في مسلم

(1)

وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم "قيل له: ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال: "إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر".

قال الحافظ

(2)

متعقبًا لقوله: [لأنه]

(3)

لا يصح حمله على عمرة القضاء ما لفظه: قلت: يمكن الجمع بينهما بأن كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح.

وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق

(4)

في ترجمة معاوية تصريحًا بأنه

أسلم [بين]

(5)

الحديبية والقضية وأنه كان يخفي إسلامه خوفًا من أبويه ولا يعارضه قول سعد المتقدم: فعلناها - يعني العمرة - وهذا - يعني معاوية - كافر [بالعُرُش]

(6)

؛ لأنه أخبر بما استصحبه من حاله ولم يطلع على إسلامه لكونه كان يخفيه.

ولا ينافيه أيضًا ما رواه الحاكم في الأكليل

(7)

أن الذي حلق رأس النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

في صحيحه رقم (176، 177، 178، 179/ 1229).

(2)

في "الفتح"(3/ 566).

(3)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(4)

تاريخ مدينة دمشق (59/ 55): "وروي عنه - أي معاوية - أنه قال: أسلمتُ يوم القضية، وكتمت إسلامي خوفًا من أبي".

• وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام"(41 - 60 هـ) ص 308: "أسلم قبل أبيه في عُمرة القضاء، وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه".

• وقال ابن الأثير في "أسد الغابة"(5/ 201 رقم الترجمة 4984): "أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه هند، في الفتح، وكان معاوية يقول: إنه أسلم عام القضية، وإنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمًا وكتم إسلامه من أبيه وأمه" اهـ.

(5)

في المخطوط (ب): (زمن).

(6)

في المخطوط (أ): (بالعروش).

(7)

الإكليل: الحاكم. محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه النيسابوري ت (405 هـ).

معجم المصنفات (ص 74 رقم 121).

• ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 566).

ص: 309

في عمرته التي اعتمرها من الجعرانة أبو هند عبد بني بياضة لأنه يمكن الجمع بأن يكون معاوية قصر عنه أولًا وكان الحلاق غائبًا في بعض حاجاته ثم حضر فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق لأنه أفضل ففعل، ولا يعكر على كون ذلك في عمرة الجعرانة إلا رواية أحمد

(1)

المذكورة في الباب أن ذلك كان في أيام العشر إلا أنها كما قال ابن القيم

(2)

: معلولة أو وهم من معاوية. وقد قال قيس بن سعد: راويها عن عطاء عن ابن عباس عنه، والناس ينكرون هذا على معاوية.

قال ابن القيم (2): وصدق قيس، فنحن نحلف بالله أن هذا ما كان في العشر قط.

وقال في الفتح

(3)

: إنها شاذة. قال: وأظن بعض رواتها حدّث بها بالمعنى فوقع له ذلك اهـ.

وأيضًا قد ترك ابن الجوزي في جامع المسانيد

(4)

رواية أحمد هذه، وقد ذكر أنه لم يترك فيه من مسند أحمد إلا ما لم يصح.

وقال بعضهم: يحتمل أن يكون في قول معاوية قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذف تقديره قصرت أنا شعري عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتعقب بأنه يرد ذلك قوله في رواية أحمد (1): قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة.

وقال ابن حزم: يحتمل أن يكون معاوية قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شعر لم يكن الحلاق استوفاه يوم النحر.

وتعقبه صاحب الهدي

(5)

بأن [الحالق]

(6)

لا يبقي شعرًا يقصر منه ولا سيما وقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم شعره بين أصحابه الشعرة والشعرتين.

وقد وافق النووي

(7)

على ترجيح كون ذلك في عمرة الجعرانة المحب الطبري وابن القيم

(8)

.

(1)

في المسند (4/ 92).

(2)

في زاد المعاد (2/ 130).

(3)

(3/ 566).

(4)

لم يطبع حتى الآن فيما أعلم. ولدي (3) أجزاء منه مخطوطة.

(5)

في زاد المعاد (2/ 129).

(6)

في المخطوط (ب): (الحلاق).

(7)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 232).

(8)

في زاد المعاد (3/ 129 - 130).

ص: 310

قال الحافظ

(1)

: وفيه نظر، لأنه جاء أنه حلق في الجعرانة. ويجاب عنه بأن الجمع ممكن كما سلف.

قوله: (بمشقص) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح القاف وآخره صاد مهملة.

قال القزاز

(2)

: هو نصل عريض يرمى به الوحش.

وقال صاحب المحكم

(3)

: هو الطويل من النصال وليس بعريض، وكذا قال أبو عبيد

(4)

.

49/ 1989 - (وعن ابْن عُمَرَ أَنَّهُ كانَ يُحِبُّ إذا اسْتَطاعَ أَنْ يُصلِّيَ الظُّهْر بِمِنَى [مِنْ]

(5)

يَوْم التَّرْويَةِ وذلِكَ أَنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صلَّى الظُّهْر بمنى رَوَاهُ أحمَدُ)

(6)

. [صحيح لغيره]

50/ 1990 - (وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: صَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الظُّهْر يَوْمَ التَّرْوِيةِ والفَجْرَ يَوْمَ عَرَفَة بِمِنَى. رَوَاهُ أحمدُ

(7)

وأَبُو دَاوُد

(8)

وابْنُ ماجَهْ

(9)

، ولأحمدَ

(10)

في رِوايَةٍ: قالَ: صلَّى النبيَّ صلى الله عليه وسلم بِمِنَى خَمْسَ صلواتٍ). [صحيح]

51/ 1991 - (وعَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ قالَ: سألْتُ أَنَسًا فقُلْتُ: أخْبرْنِي بشَيءٍ عَقَلْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قالَ: بِمِنَى، قُلْتُ: فأيْنَ صلَّى العَصْرَ يَوْمَ النَفْرِ؟ قالَ: بالأبطحِ، ثمّ قال: افْعَلْ كما يَفْعلُ أُمَرَاؤكَ.

(1)

في "الفتح"(2/ 566).

(2)

حكاه الحافظ في "الفتح"(3/ 566).

(3)

في المحكم الأعظم، لابن سيده (6/ 151).

(4)

في "غريب الحديث"(2/ 257).

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

في المسند (2/ 129) بسند حسن، وهو حديث صحيح لغيره.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 250) وقال: رجاله ثقات.

(7)

في المسند (1/ 255).

(8)

في السنن رقم (1911).

(9)

في سننه رقم (3004).

وهو حديث صحيح.

(10)

في المسند (1/ 297) بسند صحيح.

ص: 311

متَّفَقٌ عَليهِ)

(1)

. [صحيح]

حديث ابن عمر أخرجه أيضًا في الموطأ

(2)

لكن موقوفًا على ابن عمر.

وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا الترمذي

(3)

والحاكم

(4)

.

وأخرج ابن خزيمة

(5)

والحاكم

(6)

عن ابن الزبير قال: من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما بعدها والفجر بمنى ثم يغدون إلى عرفة.

قوله: [من]

(7)

(يوم التروية)

(8)

بفتح المثناة وسكون الراء وكسر الواو وتخفيف التحتانية، وإنما سمي بذلك لأنهم كانوا يروون إبلهم فيه ويتروون من الماء، لأن تلك الأماكن لم يكن فيها إذ ذاك آبار ولا عيون، وأما الآن فقد كثرت جدًّا واستغنوا عن حمل الماء.

قوله: (يوم النفر)

(9)

بفتح النون وسكون الفاء. والأبطح

(10)

البطحاء التي بين مكة ومنى، وهي ما انبطح من الوادي واتسع، وهي التي يقال لها المحصب والمعرّس. وحدّها ما بين الجبلين إلى المقبرة.

قوله: (افعل كما يفعل أمراؤك)، لما بيَّن له المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم خشي عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع

(1)

أحمد (3/ 100) والبخاري رقم (1653) ومسلم رقم (336/ 1309).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1912) والترمذي رقم (964) والنسائي (5/ 249) وابن الجارود رقم (494) وابن خزيمة رقم (958) و (2796) والبيهقي (5/ 112) والبغوي في شرح السنة رقم (1923).

وهو حديث صحيح.

(2)

(1/ 400 رقم 195).

(3)

في سننه رقم (879) وقال: إسماعيل بن مسلم قد تكلموا فيه من قبل حفظه.

(4)

في المستدرك (1/ 461) وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(5)

في صحيحه رقم (2800) و (2801).

(6)

في المستدرك (1/ 461) وقال: على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

النهاية (2/ 280).

(9)

القاموس المحيط ص 625.

(10)

انظر: النهاية (1/ 134 - 135).

ص: 312

الجماعة فأمره بأن يفعل كما يفعل أمراؤه إذ كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين فأشار إلى أن الذي يفعلونه جائز [وأن]

(1)

الاتباع أفضل.

وأحاديث الباب تدل على أن السنة أن يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى وهو قول الجمهور

(2)

. وروى الثوري

(3)

في جامعه: عن عمرو بن دينار، قال: (رأيت ابن الزبير صلى الظهر يوم التروية بمكة وقد تقدم عنه أن السنة أن يصليها بمنى. فلعله صلى بمكة للضرورة أو لبيان الجواز.

وروى ابن المنذر

(4)

من طريق ابن عباس قال: إذا زاغت الشمس فليرح إلى منى.

قال ابن المنذر

(5)

أيضًا بعد أن ذكر حديث ابن الزبير السابق: قال به علماء الأمصار: قال: ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئًا.

ثم روى عن عائشة أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه.

قال أيضًا: والخروج إلى منى في كل وقت مباح إلا أن الحسن وعطاء قالا: لا بأس أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين وكرهه مالك

(6)

، وكره الإقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي إلا إن أدركه وقت الجمعة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج

(7)

.

(1)

في المخطوط (ب): (وإن كان).

(2)

المغني (5/ 324) والمجموع (8/ 122).

(3)

موسوعة فقه الإمام سفيان الثوري ص 329 - 330.

(4)

المجموع (8/ 122) والمغني (5/ 262).

(5)

حكاه الحافظ في "الفتح"(3/ 509).

(6)

انظر: "تهذيب المدونة"(1/ 539).

(7)

قال النووي في "المجموع"(8/ 122): "قد ذكرنا أن مذهبنا أن السنة أن يصلي الظهر يوم التروية بمنى. وبه قال جمهور العلماء، منهم: الثوري ومالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور.

قال ابن المنذر: وقال ابن عباس: إذا زاغت الشمس فليخرج إلى منى، قال وصلى ابن الزبير الظهر بمكة يوم التروية، وتأخرت عائشة يوم التروية حتى ذهب ثلث الليل. قال: وأجمعوا على أن من ترك المبيت بمنى ليلة عرفة لا شيء عليه. قال: وأجمعوا على أنه ينزل من منى حيث شاء، والله أعلم" اهـ.

ص: 313

وفي الحديث الآخر أيضًا متابعة أولي الأمر والاحتراز عن مخالفة الجماعة.

52/ 1992 - (وفي حَدِيثِ جابِرٍ قَالَ: لَمَّا كانَ يَوْمُ التَّرْويَةِ تَوَجَّهُوا إلى مِنَى فأهلُّوا بالحَجِّ ورَكِبَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فصلّى بها الظُّهْرَ والعَصْرَ والْمَغْرِبَ والعِشَاءَ والفَجْرَ. ثمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حتَّى طَلَعتِ الشَمْسُ وأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ تُضْرَبُ لهُ بنَمِرَةَ، فَسارَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ولَا تَشكُّ قُرَيْشٌ أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعرِ الحَرَامِ كما كانَت قُرَيْشٌ تَصنعُ في الجَاهِليَّةِ، فأجازَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى أَتَى عَرَفَةَ فوجد القُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لهُ بِنَمِرَة، فَنزلَ بِها حتّى إذا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بالْقَصْوَا فَرُحِلتْ لهُ، فأتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخطَبَ النَّاسَ، وقالَ: "إن دِماءَكُمْ وأمْوالَكُمْ حَرامٌ عليْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا في شَهْرَكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هذا"، مُخْتصرٌ مِنْ مُسْلمِ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (لما كان يوم التروية) إلخ، قد تقدم الكلام على هذا.

قوله: (وركب) إلخ قال النووي

(2)

: فيه بيان سنن أحدها أن الركوب في تلك المواضع أفضل من المشي، كما أنه في حملة الطريق أفضل من المشي، هذا هو الصحيح في الصورتين أن الركوب أفضل، وللشافعي

(3)

قول آخر ضعيف أن المشي أفضل، وقال بعض أصحاب الشافعي: الأفضل في جملة الحج الركوب إلا في مواطن المناسك وهي مكة ومنى ومزدلفة وعرفات والتردد بينها.

السنة الثانية: أن يصلي بمنى هذه الصلوات الخمس.

السنة الثالثة: أن يبيت بمنى هذه الليلة وهي ليلة التاسع من ذي الحجة، وهذا المبيت سنة ليس بركن ولا واجب، فلو تركه فلا دم عليه بالإجماع، انتهى.

قوله: (ثم مكث قليلًا) إلخ، فيه دليل على أن السنة أن لا يخرجوا من منى حتى تطلع الشمس

(4)

وهذا متفق عليه.

(1)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 180).

(3)

انظر: "المجموع"(7/ 74).

(4)

المجموع شرح المهذب (8/ 112). والمغني (5/ 262 - 263).

ص: 314

قوله: (وأمر بقبة) فيه استحباب النزول بنمرة إذا ذهبوا من منى لأن السنة أن لا يدخلوا عرفات إلا بعد زوال الشمس وبعد صلاتي الظهر والعصر جميعًا، فإذا زالت الشمس سار بهم الإمام إلى مسجد إبراهيم وخطب بهم خطبتين خفيفتين [وتخفف]

(1)

الثانية جدا، فإذا فرغ منهما صلَّى بهم الظهر العصر جامعا، فإذا فرغوا من الصلاة ساروا إلى الموقف.

قوله: (بِنَمِرَة) بفتح النون وكسر الميم ويجوز إسكان الميم وهي موضع بجنب عرفات وليس من عرفات.

قوله: (ولا تشك قريش) إلخ، يعني أن قريشًا كانت تقف في الجاهلية بالمشعر الحرام وهو جبل المزدلفة يقال لها قزح فظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم سيوافقهم.

قوله: (فأجاز أي جاوز المزدلفة ولم يقف بها بل توجه إلى عرفات).

قوله: (أمر بالقصوا) بفتح القاف والقصر ويجوز المد، قال ابن الأعرابي

(2)

: القصو [التي]

(3)

قطع أذنها، والجدع [أكبر]

(4)

منه.

وقال أبو عبيد

(5)

: القصوا المقطوعة الأذن عرضا وهو اسم لناقته صلى الله عليه وسلم.

قوله: (فرحلت) بتخفيف الحاء المهملة، أي جعل عليها الرحل.

قوله: (بطن الوادي) هو وادي عُرَنة بضم العين وفتح الراء بعدها نون.

قوله: (فخطب) إلخ، فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة في هذا الموضع، وهو سنة باتفاق جماهير العلماء، وخالف في ذلك المالكية

(6)

.

قوله: (إن دماءكم) إلخ، قد تقدم شرح هذا في باب استحباب الخطبة يوم النحر من أبواب العيد.

(1)

في المخطوط (ب): (ويخفف).

(2)

ذكره النووي في شرح مسلم (8/ 173).

(3)

في المخطوط (ب): (الذي).

(4)

في المخطوط (ب): (أكثر).

(5)

في غريب الحديث (2/ 208).

(6)

عيون المجالس (2/ 845).

ص: 315

[الباب الثالث عشر] باب المسير من منى إلى عرفة والوقوف بها وأحكامه

53/ 1993 - (عَنْ مُحمَّد بْنِ أبي بَكْرِ بْن عوْف قال: سألْت أنَسًا ونَحْنُ غادِيانِ مِنْ منى إلى عرفاتٍ عن التّلْبيةِ كيْف كُنْتُمْ تَصْنعون مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: كانَ يُلَبِّي المُلَبِّي فلا يُنكرْ عليه، ويُكبّرُ المُكَبّرُ فلا يُنكِرُ عليهِ. مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(1)

. [صحيح]

54/ 1994 - (وعن ابْنِ عُمر قال: غَدَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ مِنى حينَ صلَّى الصُّبْحَ في صبيحَةِ يَوْمِ عَرَفة حتَّى أتى عرفة فَنَزَلَ بِنَمِرة وهِي مَنزِلُ الإِمامِ الَّذِي يَنْزِلُ بِهِ بِعَرَفَةَ، حتى إذا كانَ عِنْدَ صَلاةِ الظُّهْرِ راحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُهَجّرًا فجمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ ثمّ خَطب النَّاس، ثمَّ راحَ فوَقَفَ على المَوْقِفِ مِنْ عَرَفَة، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وأبُو دَاودَ)

(3)

. [حسن]

55/ 1995 - (وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضرّسِ بْنِ أوْسِ بْنِ حارِثَةَ بْنِ لَام الطَّائِيِّ قالَ: أتَيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بالمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرجَ إلى الصَّلاةِ، فقُلْتُ: يا رَسُولَ الله إنّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طيِّئٍ أَكْللْتُ راحلتي وأتْعَبْتُ نَفسِي، واللهِ ما تَرَكْتُ مِنْ حَبَلٍ إلَّا وقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لي مِنْ حَجٍّ؟ فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ شهِدَ صَلاتَنَا هذِهِ ووَقَفَ مَعَنَا حتى نَدفَعَ وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نهارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وقَضى تَفَثهُ". رَواهُ الخَمْسَةُ

(4)

، وصَحَّحَهُ التّرْمذِيُّ. [صحيح]

(1)

أحمد (3/ 110، 240) والبخاري رقم (1659) ومسلم رقم (274، 275/ 1285).

(2)

في المسند (2/ 129).

(3)

في سننه رقم (1913).

وهو حديث حسن.

(4)

أحمد في المسند (4/ 15، 261، 262) وأبو داود رقم (1950) والترمذي رقم (891) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (3039) وابن ماجه رقم (3016).

قلت: وأخرجه الحميدي رقم (900) والدارمي (2/ 59) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (2491) وابن خزيمة رقم (2820) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (4690) وفي شرح معاني الآثار (2/ 207 - 208) والطبراني في معجم الكبير =

ص: 316

وهُوَ حُجَّةٌ في أن نهارَ عَرَفَةَ كُلَّهُ وَقْتٌ لِلْوقوفِ).

حديث ابن عمر في إسناده محمد بن إسحاق، وفيه كلام معروف قد تقدم، ولكنه قد صرح هنا بالتحديث وبقية رجال إسناده ثقات.

وحديث عروة بن مضرس أخرجه أيضًا ابن حبان

(1)

والحاكم

(2)

والدارقطني

(3)

وصححه الحاكم والدارقطني، والقاضي أبو بكر بن العربي على شرطهما.

قو: (ونحن غاديان)، أي: ذاهبان غدوة.

قوله: (كيف كنتم تصنعون)، أي: من الذكر.

وفي رواية لمسلم

(4)

: "ما يقول في التلبية في هذا اليوم".

قو: (فلا يُنْكَر عليه) بضم أوّله على البناء للمجهول.

وفي رواية للبخاري

(5)

: "لا يعيب أحدنا على صاحبه".

والحديث يدلّ على التخيير بين التكبير والتلبية لتقريره صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك

(6)

.

قوله: (غدا) بالغين المعجمة، أي: سار غدوة.

قوله: (حين صلى الصبح) ظاهره أنه توجه من منى حين صلى الصبح بها ولكن قد تقدم في حديث جابر

(7)

المذكور في الباب الذي قبل هذا أنه كان بعد طلوع الشمس.

قوله: (وهي منزل الإمام) إلخ، قال ابن الحجاج المالكي: وهذا الموضع يقال له: الأراك.

= (ج 17 رقم 385، 386، 387، 389، 390، 391، 392، والدارقطني (2/ 239) والحاكم (1/ 463) والبيهقي (5/ 173) وابن حبان رقم (3850) من طرق

وهو حديث صحيح.

(1)

في صحيحه رقم (3850) وقد تقدم.

(2)

في المستدرك (1/ 463) وقد تقدم.

(3)

في السنن (2/ 239) وقد تقدم.

(4)

في صحيحه رقم (275/ 1285).

(5)

قال الحافظ في "الفتح"(3/ 510): "في رواية موسى بن عقبة: "لا يعيب أحدنا على صاحبه".

(6)

المغني (5/ 277) والمجموع (8/ 113).

(7)

تقدم برقم (1992) من كتابنا هذا.

ص: 317

قال الماوردي

(1)

: يستحب أن ينزل بنمرة حيث نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عند الصخرة الساقطة بأصل الجبل على يمين الذاهب إلى عرفات.

قوله: (راح) أي بعد زوال الشمس.

قوله: (مهجِّرا) بتشديد الجيم المكسورة، قال الجوهري

(2)

: التهجير والتهجر: السير في الهاجرة، والهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحر، والتَّوجُّهُ وقتَ الهاجِرة في ذلك اليوم سنة لما يلزم من تعجيل الصلاة ذلك اليوم.

وقد أشار البخاري إلى هذا الحديث في صحيحه

(3)

فقال: باب التهجير بالرواح يوم عرفة، أي من نمرة.

قوله: (فجمع بين الظهر والعصر): قال ابن المنذر

(4)

؛ أجمع أهل العلم على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة وكذلك من صلى مع الإمام.

وذكر أصحاب الشافعي

(5)

أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخًا إلحاقًا له بالقصر.

قال

(6)

: وليس بصحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جمع فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر فقال:"أتموا فإنا سفر"

(7)

ولو حُرِّم الجمع لَبينه لهم، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة

(8)

.

قال (6): ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف

(9)

في الجمع بعرفة والمزدلفة بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره.

(1)

ذكره النووي في المجموع (8/ 113).

(2)

في "الصحاح"(2/ 851).

(3)

(3/ 511 رقم الباب 87 - مع الفتح).

(4)

حكاه ابن قدامة في المغني (5/ 264 - 265).

(5)

المجموع شرح المهذب (8/ 115).

(6)

أي ابن المنذر كما حكاه عنه ابن قدامة في المغني (5/ 265).

(7)

أخرجه أبو داود رقم (1229) والترمذي رقم (545) والبزار في المسند رقم (3608) وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 450) والطبراني في المعجم الكبير (ج 18 رقم 514) وأحمد (4/ 430، 431، 432، 440). من حديث عمران بن الحصين.

وهو حديث ضعيف.

(8)

إرشاد الفحول ص 574 - 576 بتحقيقي والبحر المحيط (3/ 294).

(9)

المغني (5/ 265) والمجموع (8/ 715).

ص: 318

قوله: (ثم خطب الناس)، فيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم خطب بعد الصلاة.

قوله: (ابن مُضَرِّس)

(1)

بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة ثم سين مهملة.

قوله: (ابن لام) هو بوزن [حام]

(2)

.

قوله: (من جبلي طيء) هما جبل سلمى وجبل أجا، قاله المنذري.

وطيّء بفتح الطاء وتشديد الياء بعدها همزة.

قوله: (أكللت)، أي: أعييت

(3)

.

قوله: (من حبل) بفتح الحاء المهملة وإسكان الموحدة، أحد جبال الرمل، وهو ما اجتمع واستطال وارتفع، قاله الجوهري

(4)

.

قوله: (صلاتنا هذه) يعني صلاة الفجر.

قوله: (ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه) تمسك بهذا أحمد بن حنبل

(5)

فقال: وقت الوقوف لا يختص بما بعد الزوال بل وقته ما بين طلوع الفجر يوم عرفة وطلوعه يوم العيد لأن لفظ الليل والنهار مطلقان.

وأجاب الجمهور

(6)

عن الحديث بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال بدليل أنه صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله فكأنهم جعلوا هذا الفعل مقيدًا لذلك المطلق ولا يخفى ما فيه.

قوله: (وقضى تفثه) قيل: المراد به أنه أتى بما عليه من المناسك، والمشهور أن التفث ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر أو حلقه وحلق العانة ونتف الإبط وغيره من خصال الفطرة ويدخل في ضمن ذلك نحر البدن وقضاء جميع المناسك لأنَّه لا يقضي التفث إلا بعد ذلك، وأصل التفث: الوسخ والقذر.

(1)

عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام "الطائي"، له صحبة، يعد في الكوفيين، روى عنه شعبة. الاستيعاب رقم (1824)].

(2)

في المخطوط (ب): (جان).

(3)

القاموس المحيط ص 1361.

(4)

في الصحاح (4/ 1665).

(5)

المغني (5/ 273 - 274).

(6)

المجموع (8/ 127 - 128) والمغني (5/ 273 - 274).

ص: 319

56/ 1996 - (وعَنْ عبدِ الرّحمنِ بْنِ يَعْمُرَ أن ناسًا مِنْ أَهلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وهُوَ واقِفٌ بِعَرَفَةَ فَسألوهُ فأمَرَ مُنادِيًا [يُنادِي]

(1)

: الحَجُّ عَرَفةُ، مَنْ جاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قبْل طُلوعِ الفَجْرِ فقَدْ أَدْرَكَ أيّام مِنَى ثَلاثَةُ أيَّام فمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلِيْهِ، ومَنْ تَأخَّرَ فَلَا إثمَ عَلَيْهِ، وأرْدَفَ رَجُلًا يُنادِي بِهِنَّ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ)

(2)

. [صحيح]

57/ 1997 - (وعَنْ جابِرٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "نحَرْتُ ها هُنا ومِنَى كُلُّها مَنْحَرٌ فانْحرُوا في رِحالِكُمْ؛ ووقفْتُ ها هُنا، وعرفَةُ كُلُّها مَوْقِفٌ، ووقفْتُ ها هُنا وجَمْعٌ كُلُّها مَوْقِفٌ". رَوَاهُ أحمدُ

(3)

ومُسلمٌ

(4)

، وأبو دَاوُدَ

(5)

. [صحيح]

ولابْنِ ماجَهْ

(6)

وأحمَدَ

(7)

أيْضًا نَحْوُهُ وفيهِ: كُلُّ فِجاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ ومَنْحَرٌ). [حسن]

حديث عبد الرحمن بن يعمر أخرجه أيضًا ابن حبان

(8)

والحاكم

(9)

والدارقطني

(10)

والبيهقي

(11)

.

قوله: (فسألوه)، أي: قالوا: كيف حج من لم يدرك يوم عرفة، كما بؤَب عليه البخاري

(12)

.

قوله: (الحج عرفة)، أي: الحج الصحيح حج من أدرك يوم عرفة.

(1)

في المخطوط (ب): (فنادى).

(2)

أحمد في المسند (4/ 309) وأبو داود رقم (1949) والترمذي رقم (889) وسكت عنه والنسائي رقم (3044) وابن ماجه رقم (3015).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (3892) والحاكم (2/ 278) وقال: صحيح ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي والدارقطني (2/ 241) والبيهقي (5/ 173) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 210) وفي "مشكل الآثار" رقم (3369) والطيالسي رقم (309، 1310) وعبد بن حميد في "المنتخب رقم (310) والبخاري في التاريخ الكبير (5/ 243) وغيرهم من طرق. وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (3/ 321).

(4)

في صحيحه رقم (149/ 1218).

(5)

في السنن رقم (1907).

(6)

في سننه رقم (3048).

(7)

في المسند (3/ 326).

(8)

في صحيحه رقم (3892) وقد تقدم.

(9)

في المستدرك (2/ 278) وقد تقدم.

(10)

في السنن (2/ 241) وقد تقدم.

(11)

في السنن الكبرى (5/ 173) وقد تقدم.

(12)

في صحيحه (3/ 515 رقم الباب 91 - مع الفتح).

ص: 320

قال الترمذي

(1)

: قال سفيان الثوري: والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن من لم يقف بعرفات قبل الفجر فقد فاته الحج، ولا يجزئ عنه إن جاء بعد طلوع الفجر ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل، وهو قول أحمد

(2)

والشافعي

(3)

وغيرهما

(4)

.

قوله: (من جاء ليلة جمع) أي: ليلة المبيت بالمزدلفة، وظاهره أنه يكفي الوقوف في جزء من أرض عرفة ولو في لحظةٍ لطيفةٍ في هذا الوقت، وبه قال الجمهور

(5)

: وحكى النووي

(6)

قولًا أنه لا يكفي الوقوف ليلًا، ومن اقتصر عليه فقد فاته الحج، والأحاديث الصحيحة ترده.

قوله: (أيام منى) مرفوع على الابتداء وخبره قوله: ثلاثة أيام وهي الأيام المعدودات وأيام التشريق وأيام رمي الجمار وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر، وليس يوم النحر منها لإجماع الناس على أنه لا يجوز النفر يوم ثاني النحر ولو كان يوم النحر من الثلاث لجاز أن ينفر من شاء في ثانيه.

قوله: (فمن تعجل في يومين)، أي: من أيام التشريق، فنفر في اليوم الثاني منها فلا إثم عليه في تعجيله، ومن تأخر عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث فلا إثم عليه في تأخيره.

وقيل: المعنى: ومن تأخر عن الثالث إلى الرابع ولم ينفر مع العامة فلا إثم عليه، والتخيير [ههنا وقع]

(7)

بين الفاضل والأفضل؛ لأن المتأخر أفضل.

فإن قيل: إنما يخاف الإثم المتعجل فما بال المتأخر الذي أتى بالأفضل ألحق به؟ فالجواب أن المراد من عمل بالرخصة وتعجَّل فلا إثم عليه في العمل بالرخصة، ومن ترك الرخصة وتأخر فلا إثم عليه في ترك الرخصة.

(1)

في السنن (3/ 238).

(2)

المغني (5/ 267).

(3)

المجموع (8/ 129).

(4)

انظر: البناية في شرح الهداية، للعيني (4/ 95).

(5)

المجموع (8/ 141).

(6)

في المجموع (8/ 128) واعتبره النووي وجهًا شاذًّا ضعيفًا.

(7)

في المخطوط (ب): (وقع هاهنا).

ص: 321

وذهب بعضهم إلى أن المراد وضع الإثم عن المتعجل دون المتأخر، ولكن ذكرا معًا والمراد أحدهما.

قوله: (ينادي بهن)، أي: بهذه الكلمات.

قوله: (نحرت هاهنا ومنى كلها منحر)، يعني كل بقعة منها يصح النحر فيها، وهو متفق عليه.

لكن الأفضل النحر في المكان الذي نحر فيه صلى الله عليه وسلم، كذا قال الشافعي

(1)

، ومنحر النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الأولى التي [تلي]

(2)

مسجد منى، كذا قال ابن التين

(3)

. وحدّ منى من وادي محسر إلى العقبة.

قوله: (في رحالكم) المراد بالرحال المنازل.

قال أهل اللغة

(4)

: رحل الرجل: منزله، سواء كان من حجر أم مدر أو شعر أو وبر.

قوله: (ووقفت هاهنا) يعني عند الصخرات، وعرفة كلها موقف يصح الوقوف فيها.

وقد أجمع العلماء

(5)

على أن من وقف في أي جزء كان من عرفات صح وقوفه. ولها أربعة حدود: حد إلى جادة طريق المشرق.

والثاني: إلى حافات الجبل الذي وراء أرضها.

والثالث: إلى البساتين [التي]

(6)

تلي [قرنيها]

(7)

على يسار مستقبل الكعبة.

والرابع: وادي عُرَنَة، بضم العين وبالنون، وليست هي ولا نَمِرَة من عرفات ولا من الحرم.

قوله: (وجَمْعٌ كلها موقف) جمع بإسكان الميم: هي المزدلفة كما تقدَّم.

وفيه دليل على أنها كلها موقف كما أن عرفات كلها موقف.

(1)

المجموع (8/ 131).

(2)

في المخطوط (ب): (يلي).

(3)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 552).

(4)

القاموس المحيط ص 1298.

(5)

المجموع (8/ 131).

(6)

في المخطوط (ب): (الذي).

(7)

في المخطوط (ب): (قرنيهما).

ص: 322

قوله: (وكل فجاج مكة طريق) الفجاج بكسر الفاء: جمع فج، وهو الطريق الواسعة، والمراد أنها طريق من سائر الجهات والأقطار التي يقصدها الناس للزيارة والإتيان إليها من كل طريق واسع، وهذا متفق عليه.

ولكن الأفضل الدخول إليها من الثنية العليا التي دخل منها النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وهذه الزيادة رواها أبو داود

(1)

كما رواها أحمد

(2)

وابن ماجه

(3)

.

58/ 1998 - (وعَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ قالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بِعَرفَاتٍ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو، فَمَالَتْ بِهِ ناقَتُهُ فَسَقَطَ خِطامُها، فَتَناوَلَ الخِطامَ بإحْدَى يَدَيْهِ وهْوَ رَافعٌ يَدَهُ الأُخْرَى. رَوَاهُ النَّسائيُّ)

(4)

. [إسناده صحيح]

59/ 1999 - (وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: كانَ أكْثَرُ دُعاءِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ: لَا إلَهَ إلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ بِيَدِهِ الخَيْرُ وهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

والتِّرْمِذِيُّ

(6)

، وَلَفْظُهُ: أَنَّ

(1)

في سننه رقم (2324) من حديث أبي هريرة. وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (3/ 326).

(3)

في سننه رقم (3048).

وهو حديث حسن.

(4)

في سننه رقم (3011) بسند صحيح.

(5)

في المسند (2/ 210).

(6)

في سننه رقم (3585).

قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وحمّاد بن أبي حميد: هو محمد بن أبي حميد، وهو إبراهيم الأنصاري المدني، وليس بالقوي عند أهل الحديث.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 252) وقال: رواه أحمد، ورجاله موثقون".

وله شاهد من حديث علي رضي الله عنه عند الطبراني في الدعاء رقم (874) وفي إسناده قيس بن الربيع، وحديثه يصلح للمتابعات والشواهد.

وآخر موقوف من حديث ابن عمر عند الطبراني في الدعاء رقم (878) بسند صحيح.

وثالث مرسل من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز، أخرجه مالك في الموطأ (1/ 422 رقم 246) ومن طريقه عبد الرزاق في المصنف رقم (8125) عن زياد بن أبي زياد ميسرة المخزومي المدني، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، وهو مرسل صحيح.

وقد وصله ابن عدي في "الكامل"(4/ 1600) والبيهقي في شعب الإيمان رقم (4072) =

ص: 323

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "خَيْرُ الدُّعاءِ دُعاءِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ ما قُلْتُ أنَا والنَّبيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وهُو على كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ"). [حسن لغيره]

حديث أسامة إسناده في سنن النَّسَائِي

(1)

هكذا: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم عن هشيم، حدثنا عبد الملك عن عطاء قال: قال أسامة: فذكره وهؤلاء كلهم رجال الصحيح وعبد الملك هو ابن عبد العزيز المعروف بابن جريج.

وحديث عمرو بن شعيب في إسناده حماد بن أبي حميد وهو ضعيف

(2)

.

وفي الباب عن ابن عمر بنحوه عند العقيلي في الضعفاء

(3)

، وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف، وقال البخاري

(4)

: منكر الحديث.

وعن علي [عليه السلام]

(5)

عند الطبراني

(6)

في المناسك بنحوه. وفي إسناده قيس بن الربيع

(7)

.

وأخرجه البيهقي

(8)

عنه بزيادة: "اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورا، اللهم اشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري"، وفي إسناده موسى بن عبيدة

= من طريق عبد الرحمن بن يحيى، عن مالك بن أنس، عن سمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

قال ابن عدي هذا منكر عن مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، لا يرويه عنه غير عبد الرحمن بن يحيى هذا، وعبد الرحمن غير معروف.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.

(1)

في سننه رقم (3011) بسند صحيح.

(2)

قاله الحافظ في "التقريب" رقم الترجمة (5836).

(3)

في "الضعفاء الكبير"(3/ 462) في ترجمة فرج بن فضالة الحمصي.

(4)

في "التاريخ الكبير"(4/ 1/ 134) والضعفاء الصغير رقم (300).

(5)

زيادة من المخطوط (ب) وقد تقدم الكلام عليه.

(6)

في "الدعاء" رقم (874) وفي إسناده قيس بن الربيع وحديثه يصلح للمتابعات والشواهد.

(7)

قال الحافظ في "التقريب"(رقم الترجمة: 5573): "قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي صدوق، تغيَّر لما كَبِرَ وأدخل عليه ابنُه ما ليس من حديثه فحدَّث به

وقال المحرران: بل ضعيف يعتبر به في الشواهد والمتابعات

(8)

في السنن الكبرى (5/ 117). بسند ضعيف منقطع.

ص: 324

الربذي وهو ضعيف

(1)

، وتفرد به عن أخيه عبد الله عن علي.

قال البيهقي

(2)

: ولم يدرك عبد الله عليًّا.

وعن طلحة بن عبد الله بن كريز بفتح الكاف وآخره زاي عند مالك في الموطأ

(3)

مرسلًا، ورواه البيهقي

(4)

عن مالك موصولا وضعفه، وكذا ابن عبد البر في التمهيد

(5)

.

قوله: (فرفع يديه)، فيه دليل على أن عرفة من المواطن التي يشرع فيها رفع اليدين عند الدعاء، فيخصص به عموم حديث أنس المتقدم

(6)

في صلاة الاستسقاء.

قوله: (وهو رافع يده الأخرى)، فيه دليل على أن رفع إحدى اليدين عند الدعاء إذا منع من رفع الأخرى عذر لا بأس به.

قوله: (دعاء يوم عرفة) رجح المزي جر "دعاء" ليكون قوله: "لا إله إلا الله" خبرًا لـ "خير الدعاء" ولـ "خير ما قلت أنا والنبيون".

ويؤيده ما وقع في الموطأ

(7)

من حديث طلحة بلفظ: "أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله".

وما وقع عند العقيلي

(8)

من حديث ابن عمر بلفظ: "أفضل دعائي ودعاء الأنبياء قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله".

وأحاديث الباب تدل على مشروعية الاستكثار من هذا الدعاء يوم عرفة وأنَّه خير ما يقال في ذلك اليوم.

(1)

انظر ترجمته في: المجروحين (2/ 234) والجرح والتعديل (8/ 151) والميزان (4/ 213) والتقريب (2/ 286) والخلاصة ص 391.

(2)

في السنن الكبرى (5/ 117).

(3)

في الموطأ (1/ 422 رقم 246) وهو مرسل صحيح.

(4)

في السنن الكبرى (5/ 117) وقال: هذا مرسل، وقد روي عن مالك بإسناد آخر موصولًا، ووصله ضعيف.

(5)

في "التمهيد"(6/ 38 - تيمية).

(6)

تقدم برقم (1351) من كتابنا هذا،

(7)

في الموطأ (1/ 422 رقم 246) وقد تقدم.

(8)

في الضعفاء الكبير (3/ 462) وقد تقدم.

ص: 325

60/ 2000 - (وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عبْدِ الله أن عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ جاءَ إلى الحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ يَوْمَ عَرَفَة حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَأَنَا مَعَهُ، فقالَ: الرَّوَاحَ إنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّة، فقالَ: هذِهِ السَّاعَةَ؟ قالَ: نَعَمْ؛ قالَ سالِمٌ: فَقُلْتُ لِلْحَجَّاجِ: إنْ كُنْتَ تُرِيدُ تُصيبُ السُّنَّةَ فاقْصِرِ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلِ الصَّلاةَ، فقالَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ: صَدَقَ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ

(1)

وَالنَّسائيُّ)

(2)

. [صحيح]

61/ 2001 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: رَاحَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المَوْقِفِ بِعَرَفَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ الخُطْبَةَ الأولى، ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ، ثُمَّ أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، فَفَرَغَ مِنَ الخُطْبَةِ وَبِلالٌ مِنَ الأذَانِ، ثُمَّ أقَامَ بِلَالٌ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقامَ فَصَلَّى العصْرَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ)

(3)

. [إسناده ضعيف جدًّا]

حديث جابر أخرجه أيضًا البيهقي

(4)

وقال: تفرد به إبراهيم عن أبي يحيى

(5)

.

وفي حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم

(6)

ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم خطب ثم أذن بلال ليس فيه ذكر أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية وهو أصح.

ويترجح بأمر معقول هو أن المؤذن قد أمر بالإنصات للخطبة، فكيف يؤذن ولا يستمع الخطبة.

قال المحب الطبري: وذكر الملا في سيرته أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من خطبته أذن بلال وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ بلال من الأذان تكلم بكلمات ثم أناخ راحلته وأقام بلال الصلاة، وهذا أولى مما ذكره الشافعي إذ لا يفوت به سماع الخطبة من المؤذن.

(1)

في صحيحه رقم (1663).

(2)

في سننه رقم (3005).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (رقم 911 - ترتيب) بسند ضعيف جدا.

(4)

في السنن الكبرى (5/ 114) وقال: "تفرد بهذا التفصيل إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى".

وهو ضعيف. وقد وثقه الشافعي.

انظر: تاريخ يحيى بن معين (3/ 95) والمجروحين (1/ 105) والكامل (1/ 219).

(5)

انظر التعليقة السابقة.

(6)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

ص: 326

قوله: (فاقصر [الخطبة]

(1)

إلخ)

قال ابن عبد البر

(2)

: هذا الحديث يدخل عندهم في المسند؛ لأن المراد بالسنة

(3)

سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطلقت ما لم تضف إلى صاحبها، كسنة العمرين، انتهى.

والكلام على ذلك مستوفى في الأصول

(4)

.

وقد تقدم حديث ابن عمر

(5)

: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يروح عند صلاة الظهر".

وقدمنا أن ظاهره يخالف حديث جابر الطويل عند مسلم

(6)

أن توجهه صلى الله عليه وسلم من نمرة كان حين زاغت الشمس، والمصنف رحمه الله تعالى اختصر هذه القصة الواقعة بين ابن عمر والحجاج وهي في البخاري

(7)

أطول من هذا المقدار، وكذلك في سنن النَّسَائِي

(8)

.

[الباب الرابع عشر] باب الدَّفْعِ إلى مُزْدَلِفَةَ ثُمَّ منها إلى منى وما يتعلَّق بذلك

62/ 2002 - (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيد أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عَرَفَاتٍ كانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فإِذَا وَجَدَ فَجْوَة نَصَّ. مُتَّفَق عَلَيْهِ).

(9)

[صحيح]

63/ 2003 - (وَعَنِ الفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وكانَ رديف النبي صلى الله عليه وسلم أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ في عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَغَدَاةِ جَمْع للنَّاسِ حين دفعوا: "عليكم السَّكِينَةَ"، وَهُوَ كافّ ناقَتَهُ حتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا وَهُوَ مِنْ منًى وقال:"عليكم بحصى الخَذْفِ الَّذَي يُرْمَى بِهِ الجَمَرَةُ". رَواهُ أحمدُ

(10)

ومُسْلم)

(11)

. [صحيح]

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

في التمهيد (9/ 143 - الفاروق).

(3)

إرشاد الفحول ص 233 والبحر المحيط (4/ 448).

(4)

إرشاد الفحول ص 234 والبحر المحيط (4/ 379).

(5)

تقدم برقم (1994) من كتابنا هذا.

(6)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

(7)

في صحيحه رقم (1660، 1663).

(8)

برقم (2746، 3005).

(9)

أحمد في المسند (5/ 210) والبخاري رقم (1666) ومسلم رقم (283/ 1286).

(10)

في المسند (1/ 210).

(11)

في صحيحه رقم (268/ 1282).

وهو حديث صحيح.

ص: 327

64/ 2004 - (وفِي حَدِيثِ جابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أتى المُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِها المَغْرِبَ وَالعِشاءَ بأذَانٍ وَاحِدٍ وإقامَتَيْنِ ولَمْ يُسَبِّحْ بَينَهُما شَيْئا، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ فَصَلَّى الفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بأذَانٍ وَإِقامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَا حَتَّى أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَدَعا الله وكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الوُسْطَى الَّتي تَخْرُجُ على الجَمْرةِ الكُبْرَى، حتَّى أتى الجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَات يُكَبِّرُ مع كلِّ حَصَاةٍ مِنْها حَصَى الخَذْفِ رَمَى مِنْ بَطْنِ الوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إلى الْمَنْحَرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (العَنَق) بفتح المهملة والنون، وهو السير الذي بين الإبطاء والإسراع.

وفي المشارق

(2)

: أنه سير سهل في سرعة.

وقال القزاز

(3)

: هو سير سريع، وفي القاموس

(4)

: هو الخطو الفسيح، وانتصب العنق على المصدر المؤكد للفظ الفعل.

قوله: (فجوة)

(5)

بفتح الفاء وسكون الجيم: المكان المتسع.

قوله: (نَصّ)

(6)

بفتح النون وتشديد [الصاد]

(7)

المهمل: أي أسرع.

قال ابن عبد البر

(8)

: في الحديث كيفية السير في الدفع من عرفة إلى مزدلفة لأجل الاستعجال للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة فيجمع بين المصلحتين من الوقار والسكينة عند الزحمة، ومن الإسراع عند عدم الزحام.

قوله: (وهو كاف ناقته) إلخ، هذا محمول على حال الزحام دون غيره بدليل حديث أسامة

(9)

المتقدم، وكذلك يحمل حديث ابن عباس عن أسامة عند

(1)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

(2)

مشارق الأنوار (2/ 92).

(3)

حكاه الحافظ في "الفتح"(8/ 513).

(4)

القاموس المحيط ص 1178.

(5)

القاموس المحيط ص 257.

(6)

قال أبو عبيد في "غريب الحديث"(3/ 178): "النص: التحريك حتى يستخرج من الناقة أقصى سيرها.

والنص أصله منتهى الأشياء وغايتها ومبلغ أقصاها.

(7)

زيادة من المخطوط (ب).

(8)

في التمهيد (9/ 101 - الفاروق).

(9)

برقم (2002) من كتابنا هذا.

ص: 328

أبي داود

(1)

وغيره: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه حين أفاض من عرفة وقال: أيها الناس عليكم بالسكينة إن البر ليس بالإيجاف، قال: فما رأيت ناقته رافعة يدها حتى أتى جمعًا، وقد حمله على مثل ما ذكر ابن خزيمة

(2)

.

قوله: (الخذف) بخاء معجمة مفتوحة وذال معجمة ساكنة ثم فاء.

قال العلماء

(3)

: حصى الخذف كقدر حبة الباقلا.

قوله: (فصلى بها المغرب والعشاء) استدل به على جمع التأخير بمزدلفة.

قال في الفتح

(4)

: وهو إجماع لكنه عند الشافعية

(5)

وطائفة بسبب السفر انتهى. وقد قدمنا الجواب عن هذا.

قوله: (ولم يسبح بينهما) أي لم ينتفل.

وقد نقل ابن المنذر الإجماع

(6)

على ترك التطوع بين الصلاتين بالمزدلفة قال: لأنهم اتفقوا على أن السنة الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، ومن تنفل بينهما لم يصح أنه جمع، انتهى.

ويشكل على ذلك ما في البخاري

(7)

عن ابن مسعود أنه صلى بعد المغرب ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى ثم صلى العشاء.

قوله: (القصوا) قد تقدم ضبطها.

قوله: (فاستقبل القبلة) إلخ، فيه استحباب استقبال القبلة

(8)

بالمشعر الحرام والدعاء والتكبير والتهليل والتوحيد والوقوف به إلى الإسفار والدفع منه قبل طلوع الشمس.

وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم مجاهد وقتادة والزهري والثوري إلى

(1)

في سننه رقم (1920) وهو حديث صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (2844) بسند صحيح.

(3)

حكاه النووي في شرح مسلم (8/ 191).

(4)

(3/ 522).

(5)

المجموع (8/ 151 - 152).

(6)

في كتابه "الإجماع"(ص 65 رقم 190).

(7)

في صحيحه رقم (1675).

(8)

المغني (5/ 282، 283).

ص: 329

أن من لم يقف بالمشعر فقد ضيَّع نسكًا وعليه دم، وهو قول أبي حنيفة

(1)

وأحمد

(2)

وإسحاق وأبي ثور.

وروي عن عطاء والأوزاعي أنه لا دم عليه، وإنما هو منزل من شاء نزل [به]

(3)

ومن شاء لم ينزل به.

وذهب ابن بنت الشافعي (4) وابن خزيمة (4) إلى أن الوقوف به ركن لا يتم الحج إلا به، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه

(4)

.

وروي عن علقمة والنخعي واحتج الطحاوي

(5)

بأن الله عز وجل لم يذكر الوقوف وإنما قال: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}

(6)

.

وقد أجمعوا على أن من وقف بها بغير ذكر أن حجه تام، فإذا كان الذكر المذكور في القرآن ليس من تمام الحج فالموطن الذي يكون فيه الذكر أحرى [أن]

(7)

لا يكون فرضًا.

قوله: (حتى أسفر جدًّا) بكسر الجيم: أي إسفارا بليغًا، وهذا يرد على مالك

(8)

وما ذهب إليه من أن الدفع قبل الإسفار.

قوله: (مُحَسِّر) إلخ بكسر السين المهملة قبلها حاء مهملة وليس هو من مزدلفة ولا منى بل هو مسيل بينهما.

وقيل: إنه من منى، وفيه دليل على أنه يستحب لمن بلغ وادي محسَّر إن كان راكبًا أن يحرك دابته وإن كان ماشيًا أسرع في مشيه

(9)

.

قوله: (فرماها) إلخ سيأتي الكلام على الرمي.

(1)

البناية في شرح الهداية (4/ 124) وبدائع الصنائع (2/ 135).

(2)

المغني (5/ 284) والإنصاف (4/ 59 - 65).

(3)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(4)

المجموع شرح المهذب (8/ 152 - 153) وروضة الطالبين (3/ 99).

(5)

في شرح معاني الآثار (2/ 208 - 209).

(6)

سورة البقرة: الآية (198).

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

تهذيب المدونة (1/ 546).

(9)

المغني (5/ 287) والمجموع (8/ 164).

ص: 330

65/ 2005 - (وَعَنْ عُمَرَ قال: كانَ أهْلُ الجَاهِليّة لا يُفِيضُون مِنْ جَمْعٍ حتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَقُولُونَ: أشْرقْ ثبيْرُ، فخالَفَهُمُ النَّبي صلى الله عليه وسلم فأفاضَ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ. رَوَاهُ الجَماعَةُ إلّا مُسْلِمًا

(1)

، لكِنْ في رواية أحْمد

(2)

وابْنِ ماجهْ

(3)

: أشرِقْ ثبِيْرُ كَيْما نُغِيرُ). [صحيح]

قوله: (لا يُفيضون) بضم أوله، أي: من المزدلفة.

قوله: (أشرق) بفتح الهمزة فعل أمر من الإشراق، أي: ادخل في الشروق، وظن بعضهم أنه ثلاثي فضبطه بكسر الهمزة من شرق وليس بواضح، والمعنى لتطلع عليك الشمس.

قوله: (ثبير)

(4)

بفتح المثلثة وكسر الموحدة وسكون التحتية بعدها راء مهملة، وهو جبل معروف بمكة وهو أعظم جبالها.

قوله: (فأفاض قبل طلوع الشمس) الإفاضة الدفعة كما قال الأصمعي

(5)

.

ولفظ أبي داود

(6)

: فدفع قبل طلوع الشمس.

قوله: (كيما نغير) قال الطبري

(7)

: معناه كيما ندفع، وهو من قولهم: أغار الفرس إذا أسرع، والحديث فيه مشروعية الدفع من الموقف بالمزدلفة قبل طلوع الشمس عند الإسفار، وقد نقل [الطبري]

(8)

الإجماع على أن من لم يقف [فيها]

(9)

حتى طلعت [الشمس]

(10)

فاته الوقوف.

(1)

أحمد في المسند (1/ 42) والبخاري رقم (1684) وأبو داود رقم (1938) والترمذي رقم (896) والنسائي رقم (3047) وابن ماجه رقم (3022) وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (1/ 42) وقد تقدم.

(3)

في السنن رقم (3022) وقد تقدم.

(4)

النهاية (1/ 207). ومعجم البلدان (2/ 73 - 74).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 532).

وانظر: "الصحاح"(3/ 1099) والغريبين (5/ 1486).

(6)

في السنن رقم (1938) وقد تقدم.

(7)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 532).

(8)

في المخطوط (ب): (الطبراني).

(9)

في المخطوط (ب): (فيها).

(10)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 331

قال ابن المنذر: وكان الشافعي

(1)

وجمهور أهل العلم يقولون بظاهر هذا الحديث وما ورد في معناه.

وكان مالك

(2)

يرى أن يدفع قبل الإسفار، وهو مردود بالنصوص.

66/ 2006 - (وَعَنْ عائِشَة قالَتْ: كانتْ سَوْدَةُ امْرَأةً ضَخْمَةً ثَبِطَةً، فاسْتَأذَنَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، فأذِنَ لَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)

(3)

. [صحيح]

67/ 2007 - (وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: أَنا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةِ في ضَعَفَةِ أَهْلِهِ. رَوَاهُ الجَمَاعَةُ)

(4)

. [صحيح]

68/ 2008 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِضَعَفَةِ النَّاسِ مِنَ المُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ)

(5)

. [صحيح]

69/ 2009 - (وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْضَعَ في وادِي مُحَسِّرٍ وأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الخَذْفِ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرمِذِيُّ)

(6)

. [صحيح]

قوله: (ثَبِطَة)

(7)

بفتح المثلثة وكسر الموحدة بعدها مهملة خفيفة، أي: بطيئة الحركة لعظم جسمها.

قوله: (في ضَعَفَةِ أهله)، الضعفة

(8)

بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة جمع ضعيف، وهم النساء والصبيان والخدم.

(1)

الأم (3/ 548).

(2)

تهذيب المدونة (1/ 546).

(3)

أحمد في المسند (6/ 94، 133) والبخاري رقم (1680) ومسلم رقم (294/ 1290).

(4)

أحمد في المسند (1/ 221) والبخاري رقم (1678) ومسلم رقم (301/ 1293) وأبو داود رقم (1939) والترمذي رقم (892) والنسائي رقم (3033) وابن ماجه رقم (3025).

(5)

في المسند (2/ 33) بسند صحيح.

قلت: وأخرجه النَّسَائِي في السنن الكبرى (4/ 168 رقم 4023).

وأخرجه بنحوه مطولًا البخاري رقم (1676) ومسلم رقم (304/ 1295).

(6)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 391) وأبو داود رقم (1944)، والترمذي رقم (897) والنسائي رقم (3054) وابن ماجه رقم (3028).

وهو حديث صحيح.

(7)

النهاية (1/ 207).

(8)

القاموس المحيط ص 1072.

ص: 332

قوله: (أوضع)

(1)

أي أسْرَعَ بالسير بإبله، يقال: وضع البعير وأوضعه راكبه، أي: أسرع به السير.

قوله: (بمثل حصى الخذف) تقدم ضبطه وتفسيره.

وحديث عائشة

(2)

وابن عباس

(3)

وابن عمر

(4)

فيها دليل على جواز الإفاضة قبل طلوع الشمس

(5)

، وفي بقية جزء من الليل لمن كان من الضعفة.

وحديث جابر

(6)

يدل على أنه يشرع الإسراع بالمشي في وادي محسر

(7)

.

قال الأزرقي

(8)

: وهو خمسمائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعًا وإنما شرع الإسراع فيه لأن العرب كانوا يقفون فيه ويذكرون مفاخر آبائهم فاستحب الشارع مخالفتهم.

وحكى الرافعي وجهًا ضعيفًا أنه لا يستحب الإسراع للماشي.

[الباب الخامس عشر] باب رمي جمرة العقبة يوم النحر وأحكامه

70/ 2010 - (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: رَمَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحَى وَأَمَّا بَعْدُ فإذا زَالَتِ الشَّمْسُ. أخْرَجَهُ الجَماعَةُ)

(9)

. [صحيح]

71/ 2011 - (وَعَنْ جابِرٍ قال: رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي الْجمْرَةَ على راحِلَتِهِ

(1)

القاموس المحيط ص 997 والصحاح (3/ 1300).

(2)

تقدم برقم (2006) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (2007) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (2008) من كتابنا هذا.

(5)

المجموع (8/ 156) والمغني (5/ 284 - 285).

(6)

تقدم برقم (2009) من كتابنا هذا.

(7)

المجموع (8/ 160) والمغني (5/ 287).

(8)

في أخبار مكة (2/ 189 - 190).

(9)

أحمد في المسند (3/ 312، 319، 399) والبخاري (3/ 579 - مع الفتح) معلقا.

ومسلم رقم (313/ 1299) وأبو داود رقم (1971) والترمذي رقم (894) والنسائي رقم (3063) وابن ماجه رقم (3053).

ص: 333

يَوْمَ النَّحْرِ وَيقُولُ: "لِتَأخُذُوا عَنّي مَناسِككُمْ فإنّي لا أَدْرِي لَعلِّي لا أحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هذِهِ". رَوَاهُ أحمدُ

(1)

ومُسْلِمٌ

(2)

والنَّسائيُّ)

(3)

. [صحيح]

72/ 2012 - (وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهْ انْتَهى إلى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنَى عَنْ يَمِينِهِ وَرَمَى بِسَبْعٍ وقالَ: هكَذَا رمى الذِي أُنْزِلَتْ عَليهِ سُورةُ البَقَرَةِ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ

(4)

. [صحيح]

ولمُسْلِمٍ

(5)

في روايَةٍ: جَمْرَةَ الْعَقَبةِ. [صحيح]

وفي روايَةٍ لأحمَدَ

(6)

: أنَّهُ انْتَهى إلى جَمْرَةِ الْعَقَبةِ فَرَماهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَياتٍ وَهُوَ راكِبٌ يُكَبِّرُ مَعَ كُلّ حَصَاةٍ، وقالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورا وَذَنْبًا مَغْفُورًا، ثمَّ قالَ: ها هُنا كانَ يَقُومُ الذِي أُنْزِلَتْ عَليهِ سُورَةُ البَقَرَةِ). [صحيح. دون قوله: "اللهم اجعله حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا"].

قوله: (الجمرة) يعني جمرة العقبة.

قوله: (يوم النحر ضحى) لا خلاف أن هذا الوقت هو الأحسن لرميها واختلف فيمن رماها قبل الفجر، فقال الشافعي

(7)

: يجوز تقديمه من نصف الليل وبه قال عطاء

(8)

وطاوس والشعبي.

وقالت الحنفية

(9)

وأحمد

(10)

وإسحاق

(11)

والجمهور

(12)

: إنه لا يرمي جمرة

(1)

في المسند (1/ 303، 318، 332، 337).

(2)

في صحيحه رقم (310/ 1297).

(3)

في سننه رقم (3062).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (1/ 374، 408، 415، 422، 436)، والبخاري رقم (1749) ومسلم رقم (307، 309/ 1296).

(5)

في صحيحه رقم (305/ 1296).

(6)

في المسند (1/ 427).

(7)

الأم (3/ 553).

(8)

حكاه عنه ابن قدامة في "المغني"(5/ 295).

(9)

البناية في شرح الهداية (4/ 127).

(10)

المغني (5/ 294).

(11)

حكاه النووي عنه في "المجموع"(8/ 177).

(12)

المغني (5/ 295).

ص: 334

العقبة إلا بعد طلوع الشمس، ومن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جاز، وإن رماها قبل الفجر أعاد.

وحكى المهدي في البحر

(1)

عن العترة والشافعي أن وقت الرمي من ضحى يوم النحر.

واستدلَّ القائلون بأن وقت الرمي من وقت الضحى بحديث الباب وبحديث ابن عباس الآتي

(2)

: قالوا: وإذا كان من رخص له النبي صلى الله عليه وسلم منعه أن يرمي قبل طلوع الشمس، فمن لم يرخص له أولى، واحتج المجوِّزون للرمي [من]

(3)

قبل طلوع الفجر بحديث أسماء الآتي

(4)

؛ ولكنه مختص بالنساء كما سيأتي، ولا حاجة إلى الجمع بينه وبين حديث ابن عباس بحمل حديث ابن عباس (2) على الندب كما ذكره صاحب الفتح

(5)

.

قال ابن المنذر

(6)

: [إن]

(7)

السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر لأن فاعله مخالف للسنة، ومن رماها حينئذٍ فلا إعادة عليه إذ لا أعلم أحدًا قال: لا يجزئه، انتهى.

والأدلة تدل على أن وقت الرمي من بعد طلوع الشمس لمن كان لا رخصة له، ومن كان له رخصة كالنساء وغيرهنّ من الضعفة جاز قبل ذلك ولكنه لا يجزئ في أول ليلة النحر إجماعًا وسيأتي بقية الكلام على هذا.

واعلم أنه قد قيل: إن الرمي واجب بالإجماع كما حكى ذلك في البحر

(8)

واقتصر صاحب الفتح

(9)

على حكاية الوجوب عن الجمهور.

وقال

(10)

: إنه عند المالكية سنة وحكى عنهم أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه، وحكى ابن جرير عن عائشة وغيرها أن الرمي إنما شرع حفظًا للتكبير فإن تركه وكبر أجزأه.

(1)

البحر الزخار (2/ 339).

(2)

برقم (2013) من كتابنا هذا.

(3)

زيادة من المخطوط (ب).

(4)

برقم (2015) من كتابنا هذا.

(5)

(3/ 529).

(6)

حكاه عنه النووي في "المجموع"(8/ 177).

(7)

زيادة من المخطوط (ب).

(8)

البحر الزخار (2/ 338).

(9)

(3/ 579).

(10)

أي الحافظ في "الفتح"(3/ 579).

ص: 335

والحق أنه واجب لما قدمنا من [أن]

(1)

أفعاله صلى الله عليه وسلم بيان لمجمل واجب وهو قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}

(2)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:"خذوا عني مناسككم"

(3)

.

قوله: (على راحلته) استدل به على أن رمي الراكب لجمرة العقبة أفضل من رمي الراجل وبه قالت الشافعية

(4)

والحنفية

(5)

والناصر والإمام يحيى

(6)

.

وقال الهادي والقاسم

(7)

: إن رمي الراجل أفضل. وأجابوا عن الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم كان راكبا لعذر الازدحام.

قوله: (لتأخذوا) بكسر اللام، قال النووي

(8)

: هي لام الأمر، ومعناه خذوا مناسككم.

قال

(9)

: وهكذا وقع في رواية غير مسلم وتقدير الحديث أن هذه الأمور التي أَتيت بها في حَجَّتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته والمعنى: اقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس.

قال النووي

(10)

وغيره: هذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة:"صلوا كما رأيتموني أصلي"

(11)

.

قال القرطبي

(12)

: ويلزم من هذين الأصلين أن الأصل في أفعال الصلاة والحج الوجوب إلا ما خرج بدليل كما ذهب إليه أهل الظاهر وحكي عن الشافعي انتهى.

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

سورة آل عمران: الآية (97).

(3)

تقدم مرارًا وهو حديث صحيح.

(4)

المجموع (8/ 178).

(5)

حاشية ابن عابدين (3/ 481) والبناية في شرح الهداية (4/ 156 - 157).

(6)

البحر الزخار (2/ 341).

(7)

البحر الزخار (2/ 340).

(8)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 45).

(9)

أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (9/ 45).

(10)

في شرحه لصحيح مسلم (5/ 49).

(11)

تقدم تخريجه برقم (663) من كتابنا هذا.

(12)

في "المفهم"(3/ 399 - 400).

ص: 336

وقد قدمنا في الصلاة أن مرجع واجباتها إلى حديث المسيء فلا يجب غير ما اشتمل عليه إلا بدليل يخصه.

وقدمنا أن أفعال الحج وأقواله، الظاهر فيها الوجوب إلا ما خرج بدليل كما قالت الظاهرية، وهو الحق.

قال القرطبي

(1)

: روايتنا لهذا الحديث بلام الجر المفتوحة والنون التي هي مع الألف ضمير، أي يقول لنا: خذوا [عني]

(2)

مناسككم، فيكون قوله (لنا) صلة للقول، قال: وهو الأفصح، وقد روي لتأخذوا بكسر اللام للأمر وبالتاء المثناة من فوق، وهي لغة شاذة قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:(فَبِذلِكَ فَلْتَفْرَحُوا)

(3)

انتهى.

والأولى أن يقال: إنها قليلة لا شاذة، لورودها في كتاب الله تعالى وفي كلام نبيه صلى الله عليه وسلم وفي كلام فصحاء العرب، وقد قرأ بها عثمان بن عفان، وأبيّ، وأنس، والحسن، وأبو رجاء، وابن هرمز، وابن سيرين، وأبو جعفر المدني والسلمي، وقتادة، والجحدري، وهلال بن يساف، والأعمش، وعمرو بن فائد، والعباس بن الفضل الأنصاري

(4)

.

(1)

في "المفهم"(3/ 399).

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

سورة يونس: الآية (58).

(4)

قال الدكتور عبد اللطيف الخطيب في "معجم القراءات"(3/ 573 - 576):

• قراءة الجمهور "فَلْيَفْرَحُوا" بالياء أمرًا للغائب، وهي رواية عن ابن عامر.

• وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم، وعثمان بن عفان، وأبو عبد الرحمن السلمي، وقتادة، وعاصم الجحدري، وهلال بن يساف، وزيد بن ثابت، وأُبيّ بن كعب، وأنس بن مالك، والحسن البصري، وأبو رجاء العطاردي، وابن هرمز، ومحمد بن سيرين، ويعقوب الحضرمي، وسليمان الأعمش، وعمرو بن فائد، والعباس بن الفضل الأنصاري، ورويس، والمطوعي، وأبو التياح الضبعي، وعلقمة بن قيس، وأبو جعفر بخلاف عنه، وأبو مجلز، وأبو العالية، ومعاذ القارئ، وأبو المتوكل، والكسائي في رواية زكريا بن وردان، وابن عامر، وابن جبير عن الكسائي:"فَلْتَفْرَحُوا" بالتاء أمرًا للمخاطب، وهو لغة لبعض العرب، وهذه القراءة وإن كانت شاذة فقد ورد مثلها في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"لتأخذوا مصافّكم"، ولهذا ذكر الرواة أنها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشهاب: =

ص: 337

قال صاحب اللوامح

(1)

: وقد جاء عن يعقوب كذلك، قال ابن [عطية]

(2)

: وقرأ بها ابن القعقاع، وابن عامر، وهي قراءة جماعة من المسلمين كثيرة وما نقله ابن عطية عن ابن عامر هو خلاف قراءته المشهورة.

قوله: (لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)، فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته صلى الله عليه وسلم، ولهذا سميت حجة الوداع.

قوله: (إلى الجمرة الكبرى) هي جمرة العقبة.

قوله: (فجعل البيت عن يساره)، فيه أنه يستحب لمن وقف عند الجمرة أن يجعل مكة عن يساره

(3)

.

قوله: (ومنى عن يمينه)، فيه أنه يستحب أن يجعل منى على جهة يمينه ويستقبل الجمرة بوجهه.

قوله: (ورمى بسبع) فيه دليل على أن رمي الجمرة يكون بسبع حصيات

(4)

وهو يرد قول [ابن]

(5)

عمر: ما أبالي رميت الجمرة بست أو بسبع، وسيأتي في باب المبيت بمنى متمسك لقوله:

= "قوله - أي البيضاوي -: وعن يعقوب "فلتفرحوا" بالتاء على الأصل المرفوض، أي وروي أنه قرأ فلتفرحوا بلام الأمر وتاء الخطاب على أصل أمر المخاطب المتروك فيه، فإن أصل صيغة الأمر باللام، فحذفت مع تاء المضارعة، واجتلبت همزة الوصل للتوصل إلى الابتداء بالساكن، فإذا أُتي بأمر المخاطب فقد استعمل الأصل المتروك فيه، وهذا أحد قولين للنحاة فيه، وقيل إنها صيغة أصلية.

وفي حواشي الكشاف عن المصنف أن هذه القراءة إنما قرئ بها لأنها أدَلّ على الأمر بالفرح، وأشد إيذانًا بأن الفرح بفضل الله ورحمته مما ينبغي التوصية مشافهة به؛ وبهذا الاعتبار انقلب ما ليس فصيحا فصيحًا

" اهـ.

وانظر ما قاله ابن جني، والفراء، والأخفش

" اهـ.

(1)

كذا ورد في المخطوط (أ) و (ب) وفي "فتح الباري"(9/ 32)(اللوائح) لأبي الفضل الرازي. وفي معجم المصنفات للأخ أبي عبيدة وأبي حذيفة (ص 341 رقم 1083).

(2)

في المخطوط (ب): (علّية).

(3)

المجموع (8/ 169).

(4)

المغني (5/ 330) والبناية في شرح الهداية (4/ 129).

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 338

وروي عن مجاهد

(1)

أنه لا شيء على من رمى بست، وعن طاوس

(2)

يتصدق بشيء.

وعن مالك

(3)

والأوزاعي

(4)

: من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم.

وعن الشافعية

(5)

: في ترك حصاة مدّ، وفي ترك حصاتين مدّان، وفي [ثلاثة]

(6)

فأكثر دم.

وعن الحنفية

(7)

إن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع وإلا قدم.

قوله: (سورة البقرة) خصها بالذكر لأن معظم أحكام الحج فيها.

قوله: (يكبر مع كل حصاة) فيه استحباب التكبير مع كل حصاة.

وقد استدل بهذا على اشتراط رمي الجمرات بواحدةٍ بعد واحدة

(8)

من الحصى؛ لأن التكبير مع كل حصاة يدل على ذلك.

وروي عن عطاء أنه يجزئ ويكبر لكل حصاة تكبيرة.

وقال الأصم

(9)

: يجزئ مطلقًا.

وقال الحسن البصري

(10)

: يجزئ الجاهل فقط.

(1)

ذكره ابن قدامة في المغني (5/ 330) وابن عبد البر في الاستذكار (13/ 224) رقم (18664).

(2)

ذكره ابن عبد البر في الاستذكار (13/ 224 رقم 18665).

(3)

المنتقى للباجي (3/ 53) وتهذيب المدونة (1/ 548).

(4)

ذكره ابن عبد البر في الاستذكار (13/ 223 رقم 18659).

(5)

الأم (3/ 558) والمجموع (8/ 208).

(6)

في المخطوط (ب): (ثلاث).

(7)

القاعدة عند الحنفية: أن المتروك من الحصى إذا كان الأقل فيجب لكل حصاة صدقة، وإذا كان المتروك هو الأكثر وجب الدم. والقليل: ثلاث حصيات في يوم النحر، وعشر في كل يوم من أيام التشريق، والكثير ما زاد على ذلك.

بدائع الصنائع (2/ 138، 139) وتبيين الحقائق (2/ 62) واللباب في شرح الكتاب (1/ 210).

(8)

المجموع (8/ 170).

(9)

البحر الزخار (2/ 343).

(10)

موسوعة فقه الحسن البصري (1/ 329).

ص: 339

وقال الناصر

(1)

والحنفية

(2)

والشافعية

(3)

: يجزئ عن واحدة مطلقًا.

وقالت الهادوية

(4)

: لا يجزئ بل يستأنف.

قوله: (وقال اللهم) إلخ، فيه استحباب هذا الدعاء مع التكبير.

قال في الفتح

(5)

: وأجمعوا على أن من لم يكبر لا شيء عليه، انتهى.

73/ 2013 - (وعَن ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: قدَّمنَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أُغَيْلِمَةَ بَنِي عبْدِ الْمُطَّلِبِ على حُمُرَاتٍ لَنَا مِنْ جَمْعٍ، فَجَعلَ يلْطَحُ أفْخاذَنَا وَيَقُولُ:"أُبيْنِيَّ لَا تَرْمُوا حتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ". رَواهُ الخَمْسة

(6)

وصحَّحهُ التِّرمِذِيُّ ولَفظُهُ: قَدَّمَ ضَعَفَةَ أُهْلِهِ وقالَ: "لَا تَرْمُوا الْجَمْرَة حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ"). [صحيح]

74/ 2014 - (وعَنْ عائِشةَ قالَتْ: أَرْسلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَت الْجَمْرَةَ قَبْلَ الفَجْرِ، ثمَّ مَضَتْ فأفاضَتْ، وكانَ ذلِكَ الْيَوْمَ الذِي يَكونُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم تَعْنِي عنْدَها. رَواهُ أَبُو دَاوُدَ)

(7)

. [ضعيف]

75/ 2015 - (وعَنْ عبْدِ الله مَوْلى أسْمَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّها نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَقامَتْ تُصَلِّي فَصلَّتْ ساعَةً ثمَّ قالَتْ: يَا بُنَيّ هَلْ غابَ القَمَرُ؟ قلْتُ: لَا، فصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قالَتْ: يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ القمَرُ؟ قُلْتُ: لَا، فَصلَّتْ سَاعةً ثمّ قالَتْ: يا بُنَيّ هَلْ غابَ القَمَرُ؟ قلْتُ: نَعَمْ، قالَتْ: فارْتَحلُوا فارتَحلْنا وَمَضَيْنا حتّى رَمَتِ الْجَمْرَةَ، ثمّ رَجَعَتْ فَصلّتِ الصُّبْحَ في مَنْزِلِها، فقلْتُ لَهَا: يا

(1)

البحر الزخار (2/ 343).

(2)

البناية في شرح الهداية (4/ 133).

(3)

المجموع شرح المهذب (8/ 176).

(4)

البحر الزخار (2/ 342).

(5)

(3/ 582).

(6)

أحمد في المسند (1/ 234) وأبو داود رقم (1940) والترمذي رقم (893) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (3064) وابن ماجه رقم (3025).

قلت: وأخرجه الحميدي رقم (365) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 217) وفي شرح المشكل (4/ 384) وابن حبان رقم (3869) والطبراني في المعجم الكبير رقم (12699) و (12703) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 131 - 132) والبغوي في شرح السنة رقم (1943) من طرق. وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه رقم (1942) وهو حديث ضعيف.

ص: 340

هَنْتَاهُ ما أُرَانَا إلّا قَدْ غَلّسْنا، قالَتْ: يا بُنَيّ إنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِلظُّعُنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

76/ 2016 - (وعَن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ به مع أَهلِهِ إلَى مِنَى يَوْمَ النّحْرِ فَرَمَوا الْجَمْرَةَ مَعَ الفَجْرِ. رَوَاهُ أحمَدُ)

(2)

. [ضعيف]

حديث ابن عباس الأول أخرجه أيضًا الطحاوي

(3)

، وابن حبان

(4)

وصححه، وحسنه الحافظ في الفتح

(5)

وله طرق، وحديث عائشة أخرجه أيضًا الحاكم

(6)

والبيهقي

(7)

ورجاله رجال الصحيح.

وحديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضًا النَّسَائِي

(8)

والطحاوي

(9)

ولفظه: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأمرني أن أرمي مع الفجر"، وهو في الصحيحين

(10)

بلفظ: "كنت فيمن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى".

(1)

أحمد في المسند (6/ 347) والبخاري رقم (1679) ومسلم رقم (297/ 1291).

(2)

في المسند (1/ 352) بسند ضعيف لضعف شعبة بن دينار الهاشمي مولى ابن عباس.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 258) وقال: "وفيه شعبة مولى ابن عباس وثقه أحمد وغيره وفيه كلام".

• قال أحمد: شعبة مولى ابن عباس: ما به بأس. وقال مالك: ليس بثقة، وقال يحيى: لا يكتب حديثه، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث.

التاريخ الكبير (4/ 243) والمجروحين (1/ 361) والجرح والتعديل (4/ 367) والميزان (2/ 274) والتقريب (1/ 351) والخلاصة ص 166.

• وأخرج حديث ابن عباس الطيالسي رقم (2729) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 215) والطبراني في الكبير رقم (12220) وابن عدي في الكامل (4/ 1340) من طرق عن ابن أبي ذئب عن شعبة عن ابن عباس، به.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

في شرح معاني الآثار (2/ 217) وفي شرح المشكل (4/ 384) وقد تقدم.

(4)

في صحيحه رقم (3869) وقد تقدم.

(5)

فتح الباري (3/ 528).

(6)

في المستدرك (1/ 469) وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(7)

في السنن الكبرى (5/ 133).

(8)

في المجتبى (5/ 266) وفي السنن الكبرى (4/ 175 رقم 4041).

(9)

في شرح معاني الآثار (2/ 215) وقد تقدم.

(10)

البخاري رقم (1678) ومسلم برقم (300/ 1293).

ص: 341

قوله: (أغيلمة) منصوب على الاختصاص أو على [الندب]

(1)

، قال في النهاية

(2)

: تصغير أغلمة بسكون وكسر اللام جمع غلام وهو جائز في القياس، ولم يرد في جمع غلام أغلمة، وإنما ورد غِلمة بكسر الغين، والمراد بالأغيلمة الصبيان ولذلك صغرهم.

قوله: (على حُمُرَاتٌ)

(3)

بضم الحاء المهملة والميم جمع لحمر، وحُمُرٌ: جمع لحمار.

قوله: (فجعل يلطح) بفتح الياء التحتية والطاء المهملة وبعدها حاء مهملة.

قال الجوهري

(4)

: اللطح الضرب اللين على الظهر ببطن الكف اهـ. وإنما فعل ذلك ملاطفة لهم.

قوله: (أُبَيْنِيَّ) بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وسكون ياء التصغير وبعدها نون مكسورة ثم ياء النسب المشددة، كذا قال ابن رسلان في شرح السنن.

وقال في النهاية

(5)

: الأبيني بوزن الأعيمي تصغير الأبنا بوزن الأعمى، وهو جمع ابن.

قوله: (حتى تطلع الشمس) استدلّ بهذا من قال: إن وقت رمي جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس

(6)

. وقد تقدَّم الكلام على ذلك، وأما وقت رمي غيرها فسيأتي في باب المبيت بمنى.

قوله: (قبل الفجر) هذا مختصٌّ بالنِّساء كما أسلفنا فلا يصلح للتمسك به على جواز الرمي لغيرهنّ من هذا الوقت لورود الأدلةِ القاضية بخلاف ذلك، كما تقدَّم، ولكنه يجوز لمن بُعِثَ معهن من الضَّعَفَةِ كالعبيد، والصبيان أن يرمي في وقت رميهن؛ كما في حديث أسماء

(7)

، وحديث ابن عباس الآخر

(8)

.

(1)

في المخطوط (ب): (البدل).

(2)

لابن الأثير (3/ 382).

(3)

القاموس المحيط ص 484.

(4)

الصحاح (1/ 401).

(5)

لابن الأثير (1/ 17) ولفظه: "وقد اختلف في صيغتها ومعناها: فقيل إنه تصغير أبنى، كأعمى، وأُعَيْمَى وهو اسم مفرد يدل على الجمع.

وقيل: إنَّ ابنًا يُجمع على أبْنَا مقصورًا وممدودًا" اهـ.

(6)

المجموع (8/ 168).

(7)

تقدم برقم (2015) من كتابنا هذا.

(8)

تقدم برقم (2016) من كتابنا هذا.

ص: 342

قوله: (فأفاضت) أي ذهبت لطواف الإفاضة ثم رجعت إلى منى.

قوله: (تعني) هو من تفسير أبي داود.

قوله: (عندها) يعني عند أم سلمة أي في نوبتها من القَسْم.

قوله: (فارتحلوا) في رواية مسلم

(1)

: فارحل بي.

قوله: (ياهَنَتاه)

(2)

بفتح الهاء والنون وقد تسكن النون بعدها مثناة فوقية وآخرها هاء ساكنة، هذا اللفظ كناية عن شي لا يذكره باسمه وهو بمعنى يا هذه.

قوله: (ما أُرانا) بضم الهمزة بمعنى الظن.

وفي رواية مسلم

(3)

: لقد غلَّسنا بالجزم.

وفي رواية الموطأ

(4)

: "لقد جئنا بغلس".

وفي رواية أبي داود

(5)

: "إنا رمينا الجمرة بليل وغلَّسْنا".

قوله: (أذن للظعن) بضم الظاء المعجمة جمع ظعينة، وهي المرأة في الهَوْدَج، ثم أطلق على المرأة مطلقًا.

وفي هذا الحديث دليلٌ على أنه يجوز للنِّساء الرمي لجمرة العقبة في النصف الأخير من الليل. وقد تقدَّم الخلاف في ذلك.

واستدلَّ به على إسقاط المرور بالمشعر [عن]

(6)

الظعينة، ولا دلالة [فيه]

(7)

على ذلك [لأن]

(8)

غاية ما فيه السكوت عن المرور بالمشعر.

وقد ثبت في البخاري

(9)

وغيره

(10)

عن ابن عمر أنه كان يقدم ضعفةَ أهله

(11)

فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل ثم يقدمون منى لصلاة الفجر ويرمون.

قوله: (مع الفجر) فيه دليل على أنه يجوز للنساء ومن معهن من الضعفة الرمي وقت الفجر كما تقدَّم.

(1)

في صحيحه رقم (297/ 1291).

(2)

النهاية لابن الأثير (5/ 279).

(3)

في صحيحه رقم (297/ 1291).

(4)

(1/ 391 رقم 172).

(5)

في سننه رقم (1943).

(6)

في المخطوط (ب): (من).

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

في المخطوط (ب): (لا).

(9)

في صحيحه رقم (1676).

(10)

كمسلم في صحيحه رقم (304/ 1295).

(11)

المجموع (8/ 156).

ص: 343

[الباب السادس عشر] باب النحر والحلاق والتقصير وما يباح عندهما

77/ 2017 - (عَنْ أَنَس أَنّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم أَتى مِنى فأتى الْجَمْرَة فَرماها ثمّ أتى منْزِلهُ بِمنَى وَنَحَر، ثمَّ قال لِلْحَلَّاق:"خُذْ"، وأشارَ إلى جانِبِهِ الأيْمَنِ ثمَّ الأيْسَرِ ثم جَعلَ يُعطِيهِ النّاسَ. رَواهُ أحمَدُ

(1)

ومُسلِمٌ

(2)

وأبُو دَاود)

(3)

. [صحيح]

78/ 2018 - (وعَنْ أبي هُرَيرَةَ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اغْفرْ للْمُحَلِّقِينَ"، قالُوا: يا رسُولَ الله وللْمُقصِّرِينَ، قال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ للمُحَلَقِينَ"، قالوا: يا رَسُولَ الله وللْمُقَصِّرينَ، قالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُحَلِّفِينَ"، قالُوا: يا رَسُولَ الله وللْمُقَصِّرِينَ، قالَ: "وللْمُقَصِّرينَ". مُتَّفَقٌ عَليْه)

(4)

. [صحيح]

قوله: (إلى جانبه الأيمن) فيه استحباب البداءة في حلق الرأس بالشقّ الأيمن من رأس المحلوق وهو مذهب الجمهور

(5)

.

وقال أبو حنيفة

(6)

: يبدأ بجانبه الأيسر لأنَّه على يمين الحالق، والحديث يردُّ عليه، والظاهر: أن هذا الخلاف يأتي في قص الشارب.

قوله: (ثم جعل يعطيه الناس) فيه مشروعية التبرك بشعر أهل الفضل ونحوه

(7)

وفيه دليل على طهارة شعر الآدمي، وبه قال الجمهور. وقد تقدم الكلام على ذلك في أبواب الطهارة

(8)

.

(1)

في المسند (1/ 113، 208، 214).

(2)

في صحيحه رقم (323/ 1305).

(3)

في سننه رقم (1981).

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (2/ 151) والبخاري رقم (1728) ومسلم رقم (320/ 1302).

(5)

المجموع شرح المهذب (8/ 188، 194).

(6)

البناية في شرح الهداية (4/ 139) والمجموع (8/ 194).

(7)

إن ما قاله الشوكاني رحمه الله وغفر له، من قياس الصالحين على الرسول صلى الله عليه وسلم في جواز التبرك بذواتهم وآثارهم غير صحيح. وأن هذا النوع من التبرك ممنوع؛ لأنَّه يخالف إجماع السلف الصالح. ["التبرك" ص 327 - 340].

(8)

من كتابنا هذا "نيل الأوطار"(1/ 268).

ص: 344

قوله: (اللهم اغفر للمحلِّقين) لفظ أبي داود

(1)

: "ارحم"، وكذا في رواية البخاري

(2)

.

وفيه دليل على الترحم على الحي وعدم اختصاصه بالميت.

قوله: (وللمقصِّرين) هو عطف على محذوف تقديره قل: وللمقصِّرين ويسمى عطف التلقين.

والحديث يدل على أن الحلق أفضل من التقصير لتكريره صلى الله عليه وسلم الدعاء للمحلقين وترك الدعاء للمقصرين في المرة الأولى والثانية مع سؤالهم [له]

(3)

ذلك.

وظاهر صيغة المحلقين أنه يشرع حلق جميع الرأس لأنَّه الذي تقتضيه الصيغة إذ لا يقال لمن حلق بعض رأسه: أنه حلقه إلا مجازًا.

وقد قال بوجوب حلق الجميع: أحمد

(4)

ومالك

(5)

واستحبه الكوفيون

(6)

والشافعي

(7)

ويجزئ البعض عندهم.

واختلفوا في مقداره؛ فعن الحنفية

(8)

الربع إلا أن أبا يوسف قال: النصف.

وعن الشافعي

(9)

أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات، وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة، وهكذا الخلاف في التقصير.

وقد اختلف أهل العلم في الحلق هل هو نسك أو تحليل محظور، فذهب إلى الأول الجمهور

(10)

وإلى الثاني عطاء

(11)

وأبو يوسف

(12)

[ورواية]

(13)

(1)

في السنن رقم (1979).

(2)

في صحيحه رقم (1727). كلاهما من حديث ابن عمر.

(3)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(4)

المغني (5/ 305).

(5)

عيون المجالس (2/ 841).

(6)

المجموع (8/ 188، 194).

(7)

المجموع (8/ 188).

(8)

البناية في شرح الهداية (4/ 138).

(9)

المجموع (8/ 187).

(10)

المجموع (8/ 189، 191) والمغني (5/ 304).

(11)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 561).

(12)

المبسوط للسرخسي (4/ 71).

(13)

في المخطوط (ب): (وفي رواية).

ص: 345

عن أحمد

(1)

وبعض المالكية

(2)

والشافعي

(3)

في رواية عنه ضعيفة، وخرجه أبو طالب للهادي والقاسم

(4)

.

وقد اختلف أيضًا في الوقت الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول:

فقيل: إنه كان يوم الحديبية.

وقيل: في حجة الوداع.

وقد دلت على الأول أحاديث، وعلى الثاني أحاديث أخر.

وقيل: إنه كان في الموضعين، أشار إلى ذلك النووي

(5)

وبه قال ابن دقيق العيد

(6)

.

قال الحافظ

(7)

: وهو المتعين لتظافر الروايات بذلك في الموضعين، وهذا هو الراجح لأن الروايات القاضية بأن ذلك كان في الحديبية لا ينافي الروايات القاضية بأن ذلك كان في حجة الوداع، وكذلك العكس فيتوجه العمل بها [جميعًا]

(8)

والجزم بما دلت عليه.

وقد أطال صاحب الفتح

(9)

الكلام في تعيين [وقت]

(10)

هذا القول فمن أحب الإحاطة بجميع ذيول هذا البحث فليرجع إليه.

79/ 2019 - (وعَنِ ابْنِ عُمرَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَبّدَ رَأسهُ وَأَهْدَى؛ فلمَّا قدِمَ مكَّةَ أَمَرَ نِسَاءَهُ أنْ يَحْلِلْنَ، قلْنَ: ما لَكَ أَنْتَ لَمْ تَحلَّ؟ قالَ: "إنّي قَلَّدْتُ هَدْيي ولَبَّدْتُ رَأسِي فَلَا أَحُل حتَّى أَحلَّ مِنْ حَجَّتي، وأحْلِقَ رَأْسِي". رَواهُ أحمَدُ

(11)

. [صحيح]

(1)

المغني (5/ 304).

(2)

المنتقى للباجي (3/ 31 - 32).

(3)

المجموع (8/ 189).

(4)

البحر الزخار (2/ 345).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 50 - 51).

(6)

في إحكام الأحكام (3/ 83 - 84).

(7)

في "الفتح"(3/ 564).

(8)

في المخطوط (أ): (جميعها).

(9)

الحافظ ابن حجر (3/ 562 - 564).

(10)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(11)

في المسند (2/ 124).

قلت: وأخرجه البخاري رقم (4398) ومسلم رقم (179/ 1229) وهو حديث صحيح.

ص: 346

وهُوَ دَليلٌ على وُجوبِ الْحَلْقِ).

80/ 2020 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ على النِّساءِ الحَلْقُ إِنَّما على النِّساءِ التَّقْصِيرُ". رَوَاهُ أبُو داوُدَ

(1)

والدَّارَقُطْنِيُّ)

(2)

. [صحيح لغيره]

حديث ابن عمر هو في البخاري

(3)

عنه عن حفصة، ولكن ليس فيه: وأحلق رأسي.

وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا الطبراني

(4)

وقد قوى إسناده البخاري في التاريخ

(5)

، وأبو حاتم في العلل

(6)

، وحسنه الحافظ

(7)

، وأعله ابن القطان

(8)

ورد عليه ابن الموَّاق

(9)

فأصاب.

وقد استدل بحديث ابن عمر على أنه يتعين الحلق على من لبَّد رأسه، وبه قال الجمهور كما نقله ابن بطال

(10)

.

وقالت الحنفية

(11)

: لا يتعين بل إن شاء قصر.

قال في الفتح

(12)

: وهذا قول الشافعي في الجديد، قال: وليس للأول دليل صريح، انتهى.

(1)

في السنن رقم (1984) و (1985).

(2)

في السنن (2/ 271 رقم 165 و 166).

قلت: وأخرجه الدارمي رقم (1946) والبيهقي (5/ 104) والبخاري في التاريخ الكبير (6/ 46) وقوى إسناده الطبراني في الكبير (ج 12 رقم 13018) من طرق.

وهو حديث صحيح لغيره.

(3)

في صحيحه رقم (1566).

قلت: وأخرجه مسلم رقم (176/ 1229) وأبو داود رقم (1806).

(4)

في المعجم الكبير (ج 12 رقم 13018) وقد تقدم.

(5)

في التاريخ الكبير (6/ 46) وقد تقدم.

(6)

في "العلل رقم (834).

(7)

في "التلخيص الحبير"(2/ 498) و"الفتح"(3/ 565).

(8)

في "الوهم والإيهام"(4/ 290 رقم 1838).

(9)

ابن الموَّاق: عبد الله بن المواق المغربي ت (798 هـ).

وانظر: نصب الراية (3/ 96) والدراية (2/ 32).

(10)

في شرحه لصحيح البخاري (4/ 400).

(11)

المبسوط للسرخسي (4/ 72).

(12)

(3/ 564).

ص: 347

ولا يخفى أن الحديث الذي ذكره المصنف دليل صريح، ويؤيده أن الحلق معلوم من حاله صلى الله عليه وسلم في حجه كما في صحيح البخاري

(1)

عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق في حجته".

قوله: (ليس على النساء الحلق) إلخ.

فيه دليل على أن المشروع في حقهن التقصير.

وقد حكى الحافظ

(2)

الإجماع على ذلك، قال جمهور الشافعية

(3)

: فإن حلقت أجزأها، وقال القاضي أبو الطيب والقاضي حسين: لا يجوز، وقد أخرج الترمذي من حديث علي

(4)

(1)

في صحيحه رقم (1726).

(2)

في "الفتح"(3/ 565).

(3)

المجموع (8/ 189).

(4)

في سننه رقم (914): وقال: "فيه اضطراب، ورُويَ هذا الحديث عن حماد بن سلمة عن قتادة عن عائشة".

قلت: وأخرجه النَّسَائِي رقم (5049) وتمام في فوائده رقم (1411).

قال عبد الحق في أحكامه الصغرى (2/ 815): "هذا يرويه: همام بن يحيى، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي، وخالفه هشام الدستوائي وحماد بن سلمة، فروياه عن قتادة مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم " اهـ.

ورواية قتادة عن عائشة مرسلة كما قال أبو حاتم.

وقال الحافظ في "الدراية"(2/ 32 رقم 483) عقب حديث علي: "ورواته موثقون، إلا أنه اختلف في وصله وإرساله" اهـ.

وأخرجه البزار (رقم 1137 - كشف) وابن عدي في "الكامل"(6/ 2371) من حديث عائشة.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 263) وقال: "وفيه معلى بن عبد الرحمن وقد اعترف بالوضع، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به" اهـ.

قال الألباني رحمه الله متعقبًا على ابن عدي في "الضعيفة"(2/ 124): "هذا رجاء ضائع بعد اعترافه بالوضع

" اهـ.

وأخرجه البزار (رقم 1136 - كشف) من حديث عثمان.

قال الحافظ في "الدراية"(2/ 32): "إسناده ضعيف".

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 263) وقال: "وفيه روح بن عطاء وهو ضعيف".

ووهب بن عمير، أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(9/ 24) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلا. وقد تفرد عنه عطاء كما قال البزار، فهو مجهول. =

ص: 348

[عليه السلام]

(1)

نهى أن تحلق المرأة رأسها.

81/ 2021 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا رَمَيْتُمُ الجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيءٍ إلا النِّساءَ"، فقال رجُلٌ: والطِّيبُ؛ فقالَ ابْنُ عبَّاسٍ: أمَّا أَنَا فقَدْ رَأيتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُضَمِّخُ رأسَهُ بالْمِسْكِ، أفَطِيبٌ ذلِكَ أمْ لَا؟ رَواهُ أحمَدُ)

(2)

. [صحيح لغيره]

82/ 2022 - (وعَنْ عائشة قالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أنْ يُحْرِمَ، ويَوْمَ النّحْرِ قَبْلَ أنْ يَطُوفَ بالبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

.

وللنّسائِيِّ

(4)

: طَيَّبْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لِحَرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، ولحِلِّهِ بَعْدَ ما رَمى جَمْرَةَ العَقَبَةِ قَبلَ أنْ يَطُوفَ بالبيْتِ). [صحيح]

حديث ابن عباس أخرجه أيضًا أبو داود

(5)

والنسائي

(6)

وابن ماجه

(7)

من حديث الحسن العُرَنِيِّ عنه.

قال في البدر المنير: إسناده حسن كما قاله المنذري

(8)

إلا أن يحيى بن

= وعبد الله بن يوسف الثقفي لم يعرفه الألباني كما في "الضعيفة"(2/ 125).

وخلاصة القول: أن حديث علي ضعيف لا يتقوى بهذه الشواهد الشديدة الضعف.

• وانظر حكم حلق رأس المرأة باختلاف الداعي إلى الحلق (1/ 467 - 468) من كتابنا هذا "نيل الأوطار".

(1)

زيادة من المخطوط (ب) وتقدم التعليق على هذه العبارة.

(2)

في المسند (1/ 234) بسند رجاله ثقات إلا أنه منقطع بين الحسن العرني وبين ابن عباس.

لكن لهذا الحديث شاهد من حديث عائشة عند أحمد (6/ 244) بسند صحيح. ولفظه: "قالت: طيبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذَرِيرةٍ لحَجَّةِ الوداع للحِلِّ والإحرام: حين أحرمَ، وحين رمى جمرة العقبةِ يوم النحر قبل أن يطوفَ بالبيت".

والخلاصة: أن حديث ابن عباس حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(3)

أحمد في المسند (6/ 186) والبخاري رقم (1539) ومسلم رقم (46/ 1191).

(4)

في سننه رقم (2687) وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (1940).

(6)

في سننه رقم (3084).

(7)

في سننه رقم (3041).

(8)

في "المختصر"(2/ 404) ولفظه: "وأخرجه النَّسَائِي وابن ماجه، والحسن العرني: بَجَلي كوفي ثقة، احتج به مسلم، واستشهد به البخاري، غير أن حديثه عن ابن عباس منقطع. =

ص: 349

معين وغيره قالوا: [يقال]

(1)

: إن الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس.

وفي الباب عن عائشة غير حديث الباب عند أحمد

(2)

وأبي داود

(3)

والدارقطني

(4)

والبيهقي

(5)

مرفوعًا بلفظ: "إِذَا رَمَيْتُمْ [وحلقتم]

(6)

فَقَدْ حَل لكُمْ الطيب والثياب وكُلَّ شيءٍ إلا النساءَ".

وفي إسناده الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف

(7)

.

وعن أم سلمة عند أبي داود

(8)

والحاكم

(9)

والبيهقي

(10)

[بنحوه]

(11)

، وفي إسناده محمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث.

قوله: (فقد حل لكم كل شيء إلّا النساء)، استدلت به العترة

(12)

والحنفية

(13)

والشافعية

(14)

على أنه يحل بالرمي لجمرة العقبة كل محظور من محظورات الإحرام إلا الوطء للنساء فإنه لا يحل به بالإجماع.

قال مالك

(15)

: والطيب.

وروي نحوه عن عمر

(16)

وابن عمر وغيرهما.

وقال الليث: إلا النساء والصيد، وأحاديث الباب ترد عليهم.

= قال الإمام أحمد بن حنبل: الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس شيئًا، وقال يحيى بن معين: إنه لم يسمع من ابن عباس" اهـ.

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

في المسند (6/ 143).

(3)

في سننه رقم (1978).

(4)

في السنن (2/ 276 رقم 187).

(5)

في السنن الكبرى (5/ 136).

(6)

زيادة من مصادر الحديث.

(7)

انظر لترجمته: الميزان (1/ 458) والتقريب (1/ 152) والخلاصة ص 72.

(8)

في سننه رقم (1999).

(9)

في المستدرك (1/ 489 - 490).

(10)

في السنن الكبرى (5/ 137).

وهو حديث حسن.

(11)

في المخطوط (ب): (نحوه).

(12)

البحر الزخار (2/ 415).

(13)

البناية في شرح الهداية (4/ 140).

(14)

المجموع شرح المهذب (8/ 203 - 204).

(15)

تهذيب المدونة (1/ 550).

(16)

الاستذكار (13/ 227 رقم 18670) والموطأ (1/ 410 رقم 221).

ص: 350

وقد استدل المانعون من الطيب بعد الرمي بما أخرجه الحاكم

(1)

عن ابن الزبير أنه قال: إذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت، وقال: إن ذلك من سنة الحج.

وبما أخرجه النَّسَائِي

(2)

عن ابن عمر أنه قال: إذا رمى وحلق حل له كل شيء إلا النساء والطيب.

ولا يخفى أن هذين الأثرين لا يصلحان لمعارضة أحاديث الباب، وعلى فرض أن الأول منهما مرفوع فهو أيضًا لا يعتد به بجنب الأحاديث المذكورة ولا سيما وهي مثبتة لحل الطيب.

قوله: (أفطيب ذلك أم لا) هذا استفهام تقرير لأن السامع لا بُدَّ أن يقول: نعم وقد ثبت أن المسك أبي الطيب كما سلف.

قوله: (قبل أن يحرم) قد تقدم الكلام على هذا مبسوطًا.

قوله: (ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت)، أي لأجل إحلاله مِن إحرامه قبل أن يطوف طواف الإفاضة وذلك بعد أن رمى جمرة العقبة كما وقع في الرواية الأخرى.

[الباب السابع عشر] باب الإفاضة من منى للطواف يوم النحر

83/ 2023 - (عَن ابْنِ عمر أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَفاضَ يوْمَ النَّحْرِ ثمَّ رجع فصلَّى الظُّهْرَ بِمِنَى. متَّفقٌ عَلَيْهِ)

(3)

. [صحيح]

(1)

في المستدرك (1/ 461) وقال: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (2800) والبيهقي (5/ 122).

وهو موقوف صحيح.

(2)

في السنن رقم (3084) بسند منقطع وقد تقدم.

(3)

أحمد في المسند (2/ 34) والبخاري رقم (1732) موقوفًا ومسلم رقم (335/ 1308).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1998) والنسائي في الكبرى (4/ 218) رقم (4154) وابن الجارود رقم (486) وابن خزيمة رقم (2941) وابن حبان رقم (3882) والحاكم (1/ 475) =

ص: 351

84/ 2024 - (وفي حَديثِ جابِر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ إلى المَنْحَر فَنَحَرَ، ثمَّ رَكِبَ فَأفاضَ إلى البيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهرَ. مُخْتَصَرٌ مِنْ مُسْلِم)

(1)

. [صحيح]

قوله: (أفاض) أي: طاف بالبيت.

وفيه دليل على أنه يستحب فعل طواف الإفاضة يوم النحر أول النهار.

قال النووي

(2)

: وقد أجمع العلماء: أن هذا الطَّواف - وهو طواف الإفاضة - ركن من أركان الحجّ لا يصحّ الحجّ إلا به؛ واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي، والنَّحر، والحلق، فإن أخَّره عنه؛ وفعله في أيام التشريق أجزأ، ولا دم عليه بالإجماع، فإن أخَّره إلى بعد أيام التشريق، وأتى به بعدها أجزأه، ولا شيء عليه عند الجمهور

(3)

.

وقال أبو حنيفة

(4)

ومالك

(5)

: إذا تطاول لزم معه دم، انتهى. وكذا حكى الإجماع على فرضية طواف الزيارة وإنه لا يجبره الدم وأن وقته من يوم النحر الإمام المهدي في البحر

(6)

.

وطواف الإفاضة وهو المأمور به في قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}

(7)

، وهو الذي يقال له: طواف الزيارة.

قوله: (فصلى الظهر بمنى)، وقوله في الحديث الآخر:"فصلى بمكة الظهر" ظاهر هذا التنافي، وقد جمع النووي

(8)

بأنه صلى الله عليه وسلم أفاض قبل الزَّوال وطاف، وصلى الظهر بمكة في أول النهار ثم رجع إلى منى [وصلى]

(9)

بها الظهر مرة أخرى إمامًا بأصحابه كما صلى بهم في بطن نخل مرتين، مرة بطائفة ومرة بأخرى، فروى ابن عمر صلاته بمنى وجابر صلاته بمكة وهما صادقان.

= والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 144) وفي "المعرفة" رقم (10171).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

قلت: قد أخرجه مسلم كما تقدم.

(1)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 58).

(3)

انظر: المغني (5/ 311 - 313).

(4)

البناية في شرح الهداية (4/ 146).

(5)

تهذيب المدونة (1/ 30 - 5).

(6)

البحر الزخار (2/ 357).

(7)

سورة الحج: الآية (29).

(8)

المجموع (8/ 200).

(9)

في المخطوط (ب): (فصلى).

ص: 352

وذكر ابن المنذر

(1)

نحوه، ويمكن الجمع بأن يقال: إنه صلى بمكة ثم رجع إلى منى فوجد أصحابه يصلون الظهر، فدخل معهم متنفلًا لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك لمن وجد جماعة يصلون وقد صلى.

[الباب الثامن عشر] باب ما جاء في تقديم النحر والحلق والرمي والإفاضة بعضها على بعض

85/ 2025 - (عَنْ عبدِ الله بْنِ عَمْرو قالَ: سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وأَتاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ وَهْوَ واقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، فقالَ: يا رَسُولَ الله، حلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أُرْمِيَ؟ قالَ:"ارْمِ وَلا حَرَجَ " وأتاهُ آخرُ فقال إني ذبحتُ قبل أن أرمي؟ قال: "ارمي ولا حرج"، [وَأَتَى]

(2)

آخَرُ فقالَ: إنِّي أَفَضْتُ إلى البَيْتِ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ؟ فقالَ: "ارْمِ وَلا حَرج"

(3)

.

وَفي روايةٍ عَنهُ: أَنَّهُ شَهِدَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ، فقامَ إلَيْهِ رَجُل فَقَالَ: كُنْتُ أحْسَبُ أن كَذا قَبْلَ كَذا، ثمَّ قامَ آخَرُ فقالَ: كُنْتُ أحْسَبُ أَنَّ كَذا قَبْلَ كَذا، حَلَقت قَبلَ أنْ أنْحرَ، نَحْرَتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ، وأشْباهُ ذلِكَ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"افْعَلْ وَلا حَرَجَ"، لَهُنَّ كُلّهِنَّ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئذٍ عَنْ شيءٍ إلَّا قالَ:"افْعَلْ وَلا حَرَجَ"

(4)

. مُتَّفَقٌ عَلَيهِما. [صحيح]

ولمُسْلِم في روايَةٍ

(5)

: فَمَا سَمِعْتُهُ يُسْألُ يَومَئِذٍ عَنْ أمر مِمَّا يَنْسى المَرْءُ أو يَجْهَلُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الأمْورِ قَبَل بَعْضٍ وَأشباهِها، إلَّا قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"افعَلَوا وَلا حَرَجَ"). [صحيح]

86/ 2026 - (وعَنْ عَليّ قالَ: جَاءَ رَجلٌ فقالَ: يا رسُولَ الله، حَلَقْتُ

(1)

حكاه عنه النووي في المجموع (8/ 200).

(2)

في المخطوط (ب): (وأتاه).

(3)

أحمد في المسند (2/ 159، 160، 192، 210، 217) والبخاري رقم (1736) ومسلم رقم (333/ 1306).

(4)

أحمد في المسند (2/ 202) والبخاري رقم (1737) ومسلم رقم (330/ 1306).

(5)

رقم (328/ 1306).

ص: 353

قبل أنْ أنحَرَ؟ قالَ: "انحَر ولا حَرَجَ". ثُمَّ أتاهُ آخَرُ فقالَ: يَا رَسُولَ الله، إنِّي أفَضتُ قَبل أنْ أحْلِقَ، قالَ:"احْلِقْ أو قَصِّرْ وَلا حَرَجَ". رَواهُ أحمَدُ

(1)

. [حسن]

وَفِي لَفْظٍ: قالَ: إنِّي أفَضْتُ قَبلَ أن أحلِقَ. قالَ: "احلِقْ أو قَصِّرْ وَلا حَرَجَ"، قالَ: وجاءَ آخَرُ فقالَ: يا رَسُولَ الله، إنّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أن أرْمِيَ؟ قالَ:"ارْمِ وَلا حَرَجَ". رَواهُ التِّرْمِذِيُّ وصحَّحهُ)

(2)

. [حسن]

87/ 2027 - (وَعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قيلَ لهُ في الذَّبْحِ والحَلقِ والرَّمْيِ والتَّقْدِيمِ والتّأخِيرِ: فقالَ: "لا حَرَجَ". مُتَّفَق عليهِ

(3)

. [صحيح]

وفي رِوايَةٍ: سألَهُ رَجُلٌ فقالَ: حَلَقتُ قَبلَ أن أذْبَحَ؟ قالَ: "اذْبَحْ وَلا حَرَجَ"، وقالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ ما أمْسَيتُ؟ فقالَ: "افْعَلْ وَلا حَرَجَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ

(4)

وأبُو دَاوُدَ

(5)

وابْنُ ماجَهْ

(6)

، والنَّسائيُّ

(7)

. [صحيح]

وفي رِوايَةٍ قالَ: قالَ رَجُلٌ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: زُرْتُ قبلَ أن أرْمِيَ؟ قالَ: "لا حَرَجَ"، قالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ؟ قالَ: "لا حَرَجَ"، قالَ: ذَبَحْتُ قَبلَ أن أَرْمِيَ؟ قالَ: "لا حَرَجَ". رَواهُ البُخاريُّ)

(8)

. [صحيح]

قوله: (في يوم النحر) في رواية للبخاري

(9)

: أن ذلك كان في حجة الوداع.

(1)

في المسند (1/ 76) بسند حسن.

(2)

في سننه رقم (885) وقال: حديث علي هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن عياش".

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (312) و (544) وابن خزيمة رقم (2837) و (2889) والطحاوي في "مشكل الآثار"(2/ 72 - 73) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 122).

وخلاصة القول: أن حديث علي حديث حسن، والله أعلم.

(3)

أحمد في المسند (1/ 258) والبخاري رقم (1734) ومسلم رقم (334/ 1307).

(4)

في صحيحه رقم (1735).

(5)

في سننه رقم (1983).

(6)

في سننه رقم (3050).

(7)

في سننه رقم (3067).

وهو حديث صحيح.

(8)

في صحيحه رقم (1722).

(9)

في صحيحه رقم (1736).

ص: 354

وفي أخرى

(1)

له يخطب يوم النحر كما في الباب.

وفي أخرى له

(2)

أيضًا على راحلته.

قال القاضي عياض

(3)

: جمع بعضهم بين هذه الروايات بأنه موقف واحد على أن معنى خطب أنه علَّم الناس لا أنها خطبة من خطب الحج المشروعة.

قال

(4)

: ويحتمل أن يكون ذلك في موطنين.

(أحدهما) على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب.

(والثاني) يوم النحر بعد صلاة الظهر، وذلك وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلِّم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم.

وصوّب النووي

(5)

هذا الاحتمال الثاني.

فإن قيل: لا منافاة بين هذا الذي صوبه وبين ما قبله فإنه ليس في شيء من طرق الأحاديث بيان الوقت الذي خطب فيه الناس.

فيجاب بأن في رواية حديث ابن عباس التي ذكرها المصنف: رميت بعد ما أمسيت، وهي تدل على أن هذه القصة كانت بعد الزوال لأن المساء إنما يطلق على ما بعد الزوال، وكأن السائل علم أن السنة للحاج أن يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحى فلما أخرها إلى بعد الزوال سأل عن ذلك.

والحاصل أنه قد اجتمع من الروايات أن ذلك كان في حجة الوداع يوم النحر بعد الزوال عند الجمرة.

والرجل المذكور في هذه الأحاديث قال الحافظ في الفتح

(6)

: لم نقف بعد البحث الشديد على اسم أحد ممن سال في هذه القصة.

قوله: (حلقتُ قبل أن أرمي)، في هذه الرواية قدَّم السؤال عن الحلق قبل

(1)

أي للبخاري في صحيحه رقم (1735).

(2)

أي للبخاري في صحيحه رقم (1738).

(3)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 391).

(4)

أي القاضي عياض في إكمال المعلم (4/ 391).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 57).

(6)

الفتح (3/ 570).

ص: 355

الرمي، وفي الرواية الثانية قدم السؤال عن الحلق قبل النحر، وكذلك في حديث عليّ.

وفي الرواية الأخرى منه قدَّم الإفاضة قبل الحلق، وفي الرواية الثالثة منه قدَّم الذبح قبل الرمي، وفي رواية ابن عباس قدم الحلق قبل الذبح، وفي الرواية الأخرى [منه]

(1)

قدم الزيارة قبل الرمي.

والأحاديث المذكورة في الباب تدل على جواز تقديم بعض الأمور المذكورة فيها على بعض وهي الرمي والحلق والتقصير والنحر وطواف الإفاضة، وهو إجماع كما قال ابن قدامة في المغني

(2)

.

قال في الفتح

(3)

: إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع.

قال القرطبي

(4)

: روي عن ابن عباس ولم يثبت عنه أنه من قدم شيئًا على شيء فعليه دم، وبه قال سعيد بن جبير وقتادة والحسن والنخعي وأصحاب الرأي.

وتعقبه الحافظ

(5)

بأن نسبة ذلك إلى النخعي وأصحاب الرأي فيها نظر وقال: إنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع وإنما أوجبوا الدم لأنَّ العلماء قد أجمعوا على أنها مترتبة أولها رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة ولم يخالف في ذلك أحد ألا [أن]

(6)

ابن جهم المالكي

(7)

استثنى القارن فقال: لا يحلق حتى يطوف.

ورد عليه النووي

(8)

بالإجماع، فالمراد بإيجابهم الدم على من قدم شيئًا على شيء يعنون من الأشياء المذكورة في هذا الترتيب المجمع عليه بأن فعل ما يخالفه. وقد روي إيجاب الدم عن الهادي والقاسم

(9)

.

وذهب جمهور العلماء

(10)

من الفقهاء وأصحاب الحديث إلى الجواز وعدم

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

المغني لابن قدامة (5/ 323).

(3)

(3/ 571).

(4)

في المفهم (3/ 408).

(5)

(3/ 571).

(6)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(7)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 571) وابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (3/ 77).

(8)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 53، 55).

(9)

البحر الزخار (2/ 345).

(10)

المغني (5/ 320 - 323).

ص: 356

وجوب الدم قالوا: لأن قوله صلى الله عليه وسلم (ولا حرج) يقتضي رفع الإثم والفدية معًا؛ لأن المراد بنفي الحرج نفي الضيق وإيجاب أحدهما فيه ضيق، وأيضا لو كان الدم واجبًا لبيَّنه صلى الله عليه وسلم؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وبهذا يندفع ما قاله الطحاوي

(1)

من أن الرخصة مختصة بمن كان جاهلًا أو ناسيًا لا من كان عامدا فعليه الفدية.

قال الطبري

(2)

: لم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجزئ لأمره بالإعادة؛ لأن الجهل والنسيان لا يضعان غير إثم الحكم الذي يلزمه في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فإنه لا يأثم بتركه ناسيًا أو جاهلًا لكن يجب عليه الإعادة.

قال

(3)

: والعجب ممن يحمل قوله: (ولا حرجٍ) على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض، فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج، انتهى.

وذهب بعضهم إلى تخصيص الرخصة بالناسي والجاهل دون العامد، واستدل على ذلك بقوله في حديث ابن عمرو

(4)

: فما سمعته يومئذٍ يسئل عن أمر ينسى أو يجهل، إلخ، وبقوله في رواية للشيخين

(5)

من حديثه: "أن رجلا قال له صلى الله عليه وسلم: أشعر فنحرت قبد أن أرمي فقال: ارم ولا حرج".

وذهب أحمد

(6)

إلى التخصيص المذكور كما حكى ذلك عنه الأثرم.

وقد قوى ذلك ابن دقيق العيد

(7)

فقال: ما قاله أحمد قويّ من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج بقوله: "خذوا عني مناسككم"

(8)

.

(1)

في شرح معاني الآثار (2/ 237).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 571).

(3)

أي الطبري كما في المرجع السابق.

(4)

تقدم برقم (2025) من كتابنا هذا.

(5)

البخاري رقم (1734) ومسلم رقم (334/ 1307).

(6)

المغني (5/ 322).

(7)

في إحكام الأحكام (3/ 79).

(8)

وهو حديث صحيح تقدم مرارًا.

ص: 357

وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل: لم أشعر، فيختص هذا الحكم بهذه الحالة وتبقى صورة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج.

وأيضًا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرًا لم يجز إطراحه، ولا شك أن عدم الشعور مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يجوز إطراحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه.

وأما التمسك بقول الراوي: فما سئل عن شيء إلخ، لإشعاره بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى، فجوابه: أن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل، والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه فلا يبقى حجة في حال العمد كذا في الفتح

(1)

.

ولا يخفاك أن السؤال له صلى الله عليه وسلم وقع من جماعة كما في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي

(2)

وغيره كان الأعراب يسألونه.

ولفظ حديثه عند أبي داود

(3)

قال: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجًّا فكان الناس يأتونه، فمن قائل: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو قدَّمت شيئًا أو أخَّرت شيئًا، فكان يقول: "لا حرج لا حرج"، ويدل على تعدد السائلين قول ابن عمرو

(4)

في حديثه المذكور في الباب: وأتاه آخر فقال: إني أفضت إلخ. وقول عليّ

(5)

في حديثه المذكور: وأتاه آخر وكذلك.

قوله: (وجاء آخر) وتعليق سؤال بعضهم بعدم الشعور لا يستلزم تعليق سؤال غيره به حتى يقال: إنه يختص الحكم بحالة عدم الشعور، ولا يجوز إطراحها بإلحاق العمد بها، وبهذا يعلم أن التعويل في التخصيص على وصف عدم الشعور المذكور في سؤال بعض السائلين غير مفيد للمطلوب.

نعم إخبار ابن عمرو عن أعم العام وهو قوله: "فما سئل يومئذٍ عن شيء"

(1)

(3/ 572).

(2)

في شرح معاني الآثار (2/ 238).

(3)

في سننه رقم (2015)، وهو حديث صحيح.

(4)

تقدم برقم (2025) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (2026) من كتابنا هذا.

ص: 358

مخصص بأخباره مرة أخرى عن أخص منه مطلقًا وهو قوله: فما سمعته يومئذٍ يسئل عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل، ولكن عند من جوَّز التخصيص بمثل هذا المفهوم.

قوله: (رميت بعد ما أمسيت)، فيه دليل على أن من رمى بعد دخول وقت المساء وهو الزوال صح رميه ولا حرج عليه في ذلك.

[الباب التاسع عشر] باب استحباب الخطبة يوم النحر

88/ 2028 - (عَنِ الْهِرْمَاسِ بْنِ زِيادٍ قالَ: رأيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ الناس على ناقَتِهِ الْعَضْباءِ يَوْمَ الأضْحَى بِمنَى. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وأبُو داوُدَ)

(2)

. [حسن]

89/ 2029 - (وَعَنْ أبي أُمامَةَ قالَ: سَمِعْتُ خُطْبَةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِمنَى يَوْمَ النَّحْرِ. رَوَاهُ أبو دَاوُد)

(3)

. [صحيح]

90/ 2030 - (وعَنْ عَبدِ الرّحمنِ بْنِ مُعاذٍ التَّيميِّ قالَ: خَطَبَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونَحْنُ بِمنَى فَفُتِحَتْ أسْمَاعُنا حَتّى كُنَّا نَسْمَعُ ما يَقُولُ ونَحْنُ في مَنازِلنا، فَطَفِقَ يُعَلِّمهُمْ مناسِكَهُمْ حتّى بَلَغ الْجِمارَ، فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ السَّبّابَتَيْنِ، ثمّ قالَ:"بِحَصى الْخَذفِ"، ثمّ أمَرَ الْمُهَاجِرِينَ فَنَزَلُوا في مُقَدَّمِ المَسْجِدِ، وَأمرَ الأنْصارَ فَنَزَلُوا مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ نَزَلَ النّاسُ بَعْدَ ذلِكَ. رَواهُ أبو داود

(4)

والنَّسائيُّ

(5)

بِمَعْناهُ). [صحيح]

(1)

في المسند (3/ 485).

(2)

في سننه رقم (1954).

قلت: وأخرجه النَّسَائِي في السنن الكبرى (4080) وابن خزيمة رقم (2953) وابن حبان رقم (3875) وابن سعد في الطبقات (5/ 553) والبخاري في التاريخ الكبير (8/ 246) والبيهقي (5/ 140) من طرق

وهو حديث حسن.

(3)

في سننه رقم (1955).

وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (1957).

(5)

في سننه رقم (2996).

وهو حديث صحيح.

ص: 359

91/ 2031 - (وعَنْ أبي بَكْرَةَ قالَ: خَطَبَنَا النبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ فقالَ: "أتدْرُونَ أَيُّ يَوْمِ هذَا؟ "، قلْنَا: الله ورسُولُهُ أعْلَمُ، فَسكَتَ حَتى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسمِهِ، قالَ:"ألَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قُلْنا: بَلَى، قالَ:"أيُّ شَهْرٍ هذَا؟ "، قُلْنا: الله وَرسُولُه أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتى ظَنَنَّا أنهُ سَيُسمِّيهِ بغْيرِ اسمِهِ، فقالَ:"ألَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى، قالَ:"أَيُّ بلَدٍ هذَا؟ "، قُلْنَا: الله ورسُولهُ أَعْلَمُ، فسَكَت حتى ظنَنَّا أَنهُ سَيُسمِّيهِ بِغَيْرِ اسمِهِ، قالَ:"أَليْسَتِ البلْدَةَ؟ "، قُلنَا: بَلَى، قالَ:"فإنَّ دِماءَكُمْ وأَمْوالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا، في شهرِكُمْ هذَا، في بلَدِكُمْ هَذَا إلَى يَوْمِ تَلْقوْنَ رَبكُمْ، ألَا هَلْ بَلَّغتُ؟ "، قَالُوا: نعَمْ، قالَ:"اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ، فرُبَّ مُبلَّغِ أوْعى مِنْ سَامع، فَلَا تَرْجعُوا بعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ". رَوَاهُ أحمَدُ

(1)

والبُخاريُّ)

(2)

. [صحيح]

الأحاديث المذكورة في هذا الباب قد قدمها المصنف رحمه الله تعالى في كتاب العيدين

(3)

بألفاظها المذكورة هاهنا من دون زيادة ولا نقصان ولم تجر له عادة بمثل هذا، وقد شرحناها هنالك وذكرنا ما في الباب من الأحاديث التي لم يذكرها.

وسنذكر هاهنا فوائد لم نتعرض لذكرها هنالك [تتعلق]

(4)

بألفاظ هذه الأحاديث، فقوله:"العضباء" هي مقطوعة الأذن

(5)

.

قال الأصمعي

(6)

: كل قطع في الأذن جدع، فإن جاوز الربع فهي عضباء.

وقال أبو عبيد

(7)

: إن العضباء التي قطع نصف أذنها فما فوق.

(1)

في المسند (5/ 37، 39، 45).

(2)

في صحيحه رقم (1741).

وهو حديث صحيح.

(3)

تقدم في الباب العاشر عند الحديث رقم (1300) و (1301) و (1302) من كتابنا هذا.

(4)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(5)

النهاية (3/ 251).

(6)

حكاه عنه الأزهري في "تهذيب اللغة"(1/ 385).

(7)

في غريب الحديث (2/ 207).

ص: 360

وقال الخليل

(1)

: هي مشقوقة الأذن.

قال الحربي: الحديث يدل على أن العضباء اسم لها، وإن كانت عضباء الأذن فقد جعل اسمها هذا

(2)

.

قوله: (يوم الأضحى بمنى) وهذه هي الخطبة الثالثة بعد صلاة الظهر فعلها ليعلم الناس بها المبيت والرمي في أيام التشريق وغير ذلك مما بين أيديهم

(3)

.

قوله: (فَفُتِحت) بفتح الفاء الثانية وكسر الفوقية بعدها، أي: اتَّسع سَمْعُ أسماعنا وقوي؛ من قولهم: قارورة فُتُح، بضم الفاء والتاء أي واسعة الرأس، قال الكسائي

(4)

: ليس لها صمام ولا غلاف، وهكذا صارت أسماعهم لما سمعوا صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من بركات صوته إذا سمعه المؤمن قوي سمعه واتسع مسلكه حتى صار يسمع الصوت من الأماكن البعيدة ويسمع الأصوات الخفية.

قوله: (ونحن في منازلنا) فيه دليل على أنهم لم يذهبوا لسماع الخطبة بل وقفوا في رحالهم وهم يسمعونها، ولعل هذا كان فيمن له عذر منعه عن الحضور لاستماعها وهو اللائق بحال الصحابة رضي الله عنهم.

قوله: (فطفق يعلمهم) هذا انتقال من التكلم إلى الغيبة وهو أسلوب من أساليب البلاغة مستحسن

(5)

.

(1)

في كتابه "العين" ص 648.

(2)

قال الحميدي في "تفسير غريب ما في الصحيحين" ص 332: "العضباء المكسورة القرن، وقد عضبت تعضبت وأعضبتها أنا، وقد يكون العضب في الأذن قطعَها، وأما ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فإنها كانت تسمى "العضباء" وليس من هذا، إنما ذاك اسم لها سميت به. والعضب: السيف القاطع، والعضب القطع نفسه أيضًا، فلعلها سميت باشتقاق من هذا لسرعتها وقطعها الأرض في سيرها" اهـ.

(3)

المجموع شرح المهذب (8/ 195 - 196).

(4)

ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة"(4/ 448).

(5)

وهو الالتفات - من البديع -: هو نقل الكلام من أسلوب إلى آخر، من التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى آخر منها بعد التعبير بالأول وهذا هو المشهور. وفوائده تطرية الكلام، وصيانه السمع عن الضجر والملل لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد، ويختص كل موضع بنكت ولطائف باختلاف محله.

[انظر: "معترك الأقران" (1/ 286)].

ص: 361

قوله: (حتى بلغ الجمار) يعني المكان الذي ترمى فيه الجمار، والجمار هي الحصى الصغار التي يرمى بها الجمرات.

قوله: (فوضع أصبعيه السبابتين)، زاد في نسخة لأبي داود في "أذنيه"، وإنما فعل ذلك ليكون أجمع لصوته في إسماع خطبته، ولهذا كان بلال يضع أصبعيه في صماخي أذنيه في الأذان، وعلى هذا ففي الكلام تقديم وتأخير، وتقديره فوضع أصبعيه السبابتين في أذنيه حتى بلغ الجمار.

قوله: (ثم قال) يحتمل أن يكون المراد بالقول القول النفسي كما قال تعالى: {وَيَقُولُونَ في أَنفُسِهِمْ}

(1)

، ويكون المراد به هنا النية للرمي.

قال أبو حيان

(2)

: وتراكيب القول الست

(3)

تدل على معنى الخفة والسرعة، فلهذا عبر هنا بالقول.

قوله: (بحصى الخذف) قد قدمنا في كتاب العيدين أنه بالخاء والذال المعجمتين.

قال الأزهري

(4)

: حصى الخذف صغار مثل النوى يرمى بها بين أصبعين.

(1)

سورة المجادلة: الآية (8).

(2)

في كتابه "البحر المحيط"(8/ 22) عند شرحه لقوله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور: 15].

(3)

قال الإمام الشوكاني رحمه الله في الرسالة (201) ضمن "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني"(12/ 6033 - 6034).

[تقلبات: ق ول]: ومنه تركيب: (ق ول، ق ل و، وق ل، ول ق، ل ق و، ل وق)، فالمعنى الجامع لهذه التراكيب: وهو الخفوق والحركة. فالقول: يخف به الفم واللسان، وهو ضد السكون. والقِلْو: بكسر القاف وسكون اللام: حمار الوحش، وفيه خفة وإسراعٌ، ومنه قَلَوْتُ الشيءَ لأنَّه إذا قُلي خفَّ وجَفَّ. والوَقِل محركًا الوَعِل لحركته وخِفته.

وولَقَّ يلق: إذا أسرع وقوي وقرئ: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور: 15]. أي تسرعونه.

واللُّوقةُ الزُّبْدُ لخفته وإسراع حركتهِ. واللِّقْوةُ بكسر اللام وسكون القاف من أسماء العُقاب لسرعة طيرانِه، ويقال للناقة السريعةِ اللِّقاحِ: لِقْوة؛ لأنها أسَرعَتْ إلى ماء الفحلِ فقَبِلَتْهُ ولم تَنْبُ نُبُوَّ العَاقرِ" اهـ.

(4)

في تهذيب اللغة (7/ 328).

ص: 362

قال الشافعي

(1)

: حصى الخذف أصغر من الأنملة طولًا وعرضًا، ومنهم من قال بقدر الباقلا.

وقال النووي

(2)

: بقدر النواة، وكل هذه المقادير متقاربة لأن الخذف بالمعجمتين لا يكون إلا بالصغير.

قوله: (في مقدم المسجد)، أي مسجد الخيف الذي بمنى، ولعل المراد بالمقدم الجهة.

قوله: (ثم نزل الناس) برفع الناس على أنه فاعل، وفي نسخة من سنن أبي داود

(3)

: "ثم نزَّل الناس"، بتشديد الزاي ونصب الناس.

وقد قدمنا شرح حديث أبي بكرة في كتاب العيدين مستكملًا.

[الباب العشرون] اكتفاء القارن لنسكيه بطواف واحد وسعي واحد

92/ 2032 - (عن ابْنِ عُمَرَ قال: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "منْ قَرنَ بَيْنَ حَجِّهِ وعُمْرَتِهِ أجْزَأَهُ لَهُمَا طَوافٌ واحِدٌ". رواهُ أحمَدُ

(4)

وابْنُ ماجهْ

(5)

.

وفي لفْظٍ: "منْ أحْرَمَ بالْحَجِّ والعُمْرَةِ أَجزأَهُ طَوَاف واحِدٌ وسعْيٌ واحِدٌ منْهُما حتى يَحِلَّ منْهُما جَميعًا". رَواهُ التّرمِذِيّ

(6)

وقال: هذا حَدِيث حسَن غَريبٌ. [صحيح]

وفِيهِ دليلٌ على وجُوبِ السَّعْي وَوُقُوف التَّحَلُّلِ عليهِ).

(1)

في الأم (3/ 560).

(2)

في المجموع (8/ 171).

(3)

في سننه رقم (1957) وقد تقدم.

(4)

في المسند (2/ 67).

(5)

في سننه رقم (2975).

(6)

في السنن رقم (948) وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب تفرد به الدراوردي، وقد رواه غير واحد عن عبيد الله بن عمر ولم يرفعوه، وهو أصح" اهـ.

قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (460) وابن خزيمة رقم (2745) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 197) وابن حبان رقم (3915) و (3916) والدارقطني (2/ 257) والبيهقي (5/ 107).

وهو حديث صحيح.

ص: 363

93/ 2033 - (وعَنْ عُرْوَة عَنْ عائِشةَ قالتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حَجّةِ الوَدَاعِ فأهْلَلْنَا بعُمرَةٍ، ثمَّ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ كان مَعَهُ هَدْي فلْيُهِلَّ بالحجِّ مع العُمرَةِ ثمّ لَا يحِلَّ حتَّى يَحِلَّ مِنْهُما جميعًا"، فَقدِمْتُ وأَنَا حائضٌ ولمْ أَطُف بالْبَيْتِ ولا بَيْنَ الصَّفا والْمَرْوةِ، فَشَكَوْتُ ذلِكَ إليهِ، فقالَ:"انْقُضِي رأسَكِ وامتَشِطي، وأَهِلِّي بالحَجِّ، وَدَعي العُمرَةَ"، قالَتْ: فَفَعَلْتُ، فلمّا قَضيْنَا الحَجَّ أَرْسَلَنِي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أبي بَكْرٍ إلى التَّنْعِيمِ فاعتَمَرْتُ، فقالَ:"هذِهِ مَكانُ عُمْرَتِكِ"؛ قالَتْ: فَطافَ الذِينَ كانُوا أهلُّوا بالْعُمْرَةِ بالبَيْتِ وبَيْنَ الصَّفا والْمَرْوةِ، ثمّ حَلُّوا، ثمّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بعْدَ أن رَجَعُوا مِنْ مِنَى لِحَجّهِمْ، وَأَمَّا الذِينَ [جَمَعُوا]

(1)

الْحَجَّ والعُمْرَةَ فإنَّما طَافوا طَوَافًا وَاحدًا. مُتَّفق عَليهِ)

(2)

. [صحيح]

94/ 2034 - (وعَنْ طاوُسٍ عَنْ عائشةَ أنَّها أهلَّت بالعُمْرَةِ فقدِمَت ولَم تَطُفْ بالبَيتِ حِينَ حاضَتْ فنَسَكَتِ المَناسِكَ كُلَّها وقَدْ أهلّت بالحَجِّ، فقالَ لَها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النّفْرِ:"يسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وعُمْرَتِك"، فأبت، فبعث بها مع عبْدِ الرَّحمنِ إلى التَّنعيمِ، فاعَتَمرت بعدَ الحَجِّ". رَواهُ أحمَدُ

(3)

ومُسلمٌ)

(4)

. [صحيح]

95/ 2035 - (وعَن مُجاهدٍ عَنْ عائِشَةَ أَنَّها حاضَت بِسَرِفَ، فَتطَهَّرت بِعَرفةَ، فقالَ لَهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"يُجزِي عَنكِ طَوَافُكِ بالصَّفا والمَرْوةِ عَن حَجِّكِ وعُمْرَتِكِ". رَوَاهُ مُسْلمٌ

(5)

. [صحيح]

وَفِيهِ تَنبيهٌ على وُجُوبِ السَّعْيِ).

حديث ابن عمر أخرجه أيضًا سعيد بن منصور

(6)

مرفوعًا بلفظ: "من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد".

(1)

في المخطوط (ب): (أجمعوا).

(2)

أحمد في المسند (6/ 177) والبخاري رقم (1556) ومسلم رقم (111/ 1211).

(3)

في المسند (6/ 124) بسند صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (132/ 1211).

وهو حديث صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (133/ 1211).

(6)

كما في "الفتح"(3/ 494).

ص: 364

وأعلَّه الطحاوي

(1)

بأن الدراوردي أخطأ فيه، وأن الصواب أنه موقوف، وتمسك في تخطئته بما رواه أيوب والليث وموسى بن عقبة وغير واحد عن نافع نحو سياق ما في الباب من أن ذلك وقع لابن عمر وأنَّه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، [لا أنه]

(2)

روى هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال في الفتح

(3)

: وهو تعليل مردوب، فالدراوردي صدوق، وليس ما وراه مخالفا لما رواه غيره فلا مانع من أن يكون الحديث عن نافع على الوجهين.

وفي الباب عن جابر عند مسلم

(4)

وأبي داود

(5)

بلفظ: "لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا".

وأخرج عبد الرزاق

(6)

عن طاوس بإسناد صحيح أنه حلف ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجته وعمرته إلا طوافًا واحدًا.

وأخرج البخاري

(7)

عن ابن عمر أنه طاف لحجته وعمرته طوافا واحدا بعد أن قال: إنه سيفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرج

(8)

عنه من وجه آخر أنه رأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، يعني الذي [طافه]

(9)

يوم النحر للإفاضة.

وقال: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الأدلة تمسك من قال: إنه يكفي القارن لحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد، وهو مالك

(10)

والشافعي

(11)

وإسحق وداود، وهو محكي عن ابن عمر وجابر وعائشة، كذا قال النووي

(12)

.

(1)

في شرح معاني الآثار (2/ 197).

(2)

في المخطوط (ب): (لأنه) والمثبت من (أ) وهو موافق لما في الفتح.

(3)

(3/ 495).

(4)

في صحيحه رقم (140/ 1215).

(5)

في سننه رقم (1895).

وهو حديث صحيح.

(6)

في المصنف رقم (9014) بسند صحيح.

(7)

في صحيحه رقم (1639).

(8)

أي البخاري في صحيحه رقم (1640).

(9)

في المخطوط (أ): (طاف).

(10)

تهذيب المدونة (1/ 524).

(11)

المجموع شرح المهذب (8/ 241).

(12)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 141).

ص: 365

وقال زيد بن علي وأبو حنيفة

(1)

وأصحابه والهادي والناصر

(2)

.

قال النووي

(3)

: وهو محكي عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، والشعبي، والنخعي، أنه يلزم القارن طوافان وسعيان.

وأجابوا عن أحاديث الباب بأجوبة متعسفة:

(منها) ما سلف عن الطحاوي

(4)

على حديث ابن عمر.

(ومنها) جوابه عن حديث عائشة بأنها أرادت بقولها: جمعوا بين الحج والعمرة جمع متعة لا جمع قران، وهذا مما يتعجب منه، فإن حديث عائشة مصرح بفصل من تمتع ممن قرن، وما يفعله كل واحد منهما كما في حديث الباب

(5)

المذكور، فإنها قالت: فطاف الذين كانوا أهلُّوا بالعمرة ثم قالت: وأما الذين جمعوا إلخ.

واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما أخرجه عبد الرزاق

(6)

والدارقطني

(7)

وغيرهما عن علي أنه جمع بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ

(8)

: وطرقه ضعيفة.

وكذا روى نحوه

(9)

من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف.

(1)

البناية في شرح الهداية (4/ 193 - 194).

(2)

البحر الزخار (2/ 378).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (8/ 141).

(4)

في شرح معاني الآثار (2/ 197).

(5)

تقدم برقم (2033) من كتابنا هذا.

(6)

كما في "الفتح"(3/ 495).

(7)

في سننه (2/ 263 رقم 135) وقال: الحسن بن عمارة متروك الحديث.

وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 495): وطرقه عن علي عند عبد الرزاق والدارقطني وغيرهما ضعيفة.

(8)

في "الفتح"(3/ 495).

(9)

أي الدارقطني في سننه (2/ 264 رقم 132).

قال الدارقطني: أبو بردة هذا هو عمرو بن يزيد ضعيف، ومن دونه في الإسناد ضعفاء.

قلت: فيه عمرو بن يزيد أبو بردة: متروك كما في "التقريب"(2/ 81).

وعبد العزيز بن أبان: متروك، وكذبه ابن معين:"التقريب"(1/ 508).

وجعفر بن محمد بن مروان: قال الدارقطنى: لا يحتج بحديثه "الميزان"(2/ 147).

وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 495): حديث ابن مسعود إسناده ضعيف.

ص: 366

ومن حديث ابن عمر

(1)

بإسناد فيه الحسن بن عمارة وهو متروك.

قال ابن حزم

(2)

لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة في ذلك شيء أصلا.

وتعقبه في الفتح

(3)

بأنه قد روى الطحاوي

(4)

وغيره مرفوعًا عن علي وابن مسعود ذلك بأسانيد لا بأس بها، انتهى.

فينبغي أن يصار إلى الجمع كما قال البيهقي: إن ثبتت الرواية أنه طاف طوافين فيحمل على طواف القدوم وطواف الإفاضة.

وأما السعي مرتين فلم يثبت، انتهى. على أنه يضعف ما روي عن علي ما في الفتح

(5)

من أنه قد روى آل بيته عنه مثل الجماعة.

قال جعفر بن محمد الصادق عن أبيه: إنه كان يحفظ عن علي: "للقارن طوافًا واحدًا" خلاف ما يقول أهل العراق، ومما يضعف ما روى عنه من تكرار الطواف أن أمثل طرقه عنه رواية عبد الرحمن بن أذينة عنه، وقد ذكر فيها أنه يمنع من ابتداء الإهلال بالحج بأن يدخل عليه عمرة، وأن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين، والذين احتجوا بحديثه لا يقولون بامتناع إدخال العمرة على الحج، فإن كان الطريق صحيحة عندهم لزمهم العمل بما دلت عليه وإلا فلا حجة فيها.

ويضعف أيضًا ما روي عن ابن عمر من تكرار الطواف أنه قد ثبت عنه في الصحيحين

(6)

وغيرهما من طرق كثيرة الاكتفاء بطواف واحد.

وقد احتج أبو ثور

(7)

على الاكتفاء بطواف واحد للقارن بحُجَّة نظرية فقال:

(1)

أخرجه الدارقطني في السنن (2/ 258 رقم 99)، وقال الدارقطني: لم يروه عن الحكم غير الحسن بن عمارة وهو متروك.

وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 495): وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك.

(2)

في "المحلى"(7/ 176).

(3)

في "الفتح"(3/ 495).

(4)

في شرح معاني الآثار (2/ 205).

(5)

(3/ 495 - 496).

(6)

بل أخرجه مسلم رقم (203/ 1241) وأبو داود رقم (1790) والترمذي رقم (932).

(7)

فقه الإمام أبي ثور ص 364.

ص: 367

قد أجزنا جميعًا للحج والعمرة معًا سفرًا واحدًا وإحرامًا واحدًا وتلبية واحدة، فكذلك يجزي عنهما طواف واحد وسعي واحد، حكى هذا عنه ابن المنذر.

ومن جملة ما يحتج به على أنه يكفي لهما طواف واحد حديث: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"، وهو صحيح

(1)

.

وقد تقدم، وذلك لأنها بعد دخولها فيه لا تحتاج إلى عمل آخر غير عمله، والسنة الصحيحة الصريحة أحق بالاتباع فلا يلتفت إلى ما خالفها.

قوله: (وامتشطي) فيه دليل على أنه لا يكره الامتشاط للمحرم، وقيل: إنه مكروه.

قال النووي

(2)

: وقد تأوّل العلماء فعل عائشة هذا على أنها كانت معذورة بأن كان برأسها أذى فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عجرة الحلق للأذى.

وقيل: ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الامتشاط بالمشط بل تسريح الشعر بالأصابع عند الغسل للإحرام بالحج لا سيما إن كانت لبدت رأسها كما هو السنة وكما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح غسلها إلا بإيصال الماء إلى جميع شعرها ويلزم من هذا نقضه.

قوله: (يسعك إلخ) المراد بالوسع هنا الإجزاء كما في الرواية الأخرى.

[الباب الحادي والعشرون] باب المبيت بمنى ليال منى ورمي الجمار في أيامها

96/ 2036 - (عَنْ عَائِشَةَ قالتْ: أفاضَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن آخِرِ يَومٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثمّ رَجَعَ إلى منَى، فَمَكَثَ بِهَا ليَالِيَ أيَّامِ التَّشريقِ يَرْمي الجَمرةَ إذَا زَالَتِ الشمس كُل جَمْرَةٍ بسَبْعِ حَصيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُل حصَاةٍ، ويَقِفُ عِنْدَ الأولى

(1)

أخرجه مسلم رقم (203/ 1241) وأبو داود رقم (1790) والترمذي رقم (932).

(2)

في شرحه لصحيحه مسلم (8/ 140).

ص: 368

وَعِنْدَ الثَّانِيةِ فيُطيلُ القِيامَ وَيَتَضرَّعْ وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ لَا يَقِفُ عنْدَها. رَوَاهُ أحمَدُ

(1)

وَأَبُو دَاودَ)

(2)

. [حسن]

97/ 2037 - (وعَنِ ابْن عبَّاسٍ قالَ: اسْتَأْذَنَ العَبَّاسُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنَى مِنْ أَجْلِ سقَايَتِه فَأَذِنَ لَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح لغيره]

ولَهم

(4)

مِثلُهُ. مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ) [صحيح]

98/ 2038 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قال: رَمَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الجِمَارَ حِينَ زَالتِ الشَّمْسُ. روَاهُ أحمَدُ

(5)

وابْنُ ماجهْ

(6)

والترْمِذِيُّ)

(7)

. [حسن]

99/ 2039 - (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: كُنَّا نَتَحَيَّنُ فإذَا زالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنا. رَوَاهُ البُخاريُّ

(8)

وأَبُو دَاوُدَ)

(9)

. [صحيح]

(1)

في المسند (6/ 90).

(2)

في سننه رقم (1973).

قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (492) وأبو يعلى رقم (4744) وابن خزيمة رقم (2956) و (2971) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (3514) والدارقطني (2/ 274) وابن حبان رقم (3868) والحاكم (1/ 477 - 478) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 148) من طرق.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

قلت: كما سبق لم يحتج مسلم بابن إسحاق، إنما أخرج له في المتابعات.

وخلاصة القول: أن حديث عائشة حديث حسن، والله أعلم.

(3)

لم يخرج (أحمد والبخاري ومسلم) هذا من حديث ابن عباس. بل أخرجه ابن ماجه رقم (3066) بسند ضعيف، ولكنه حديث صحيح لغيره.

(4)

أي لأحمد في المسند (2/ 19) والبخاري رقم (1634) ومسلم رقم (346/ 1315).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1959) والنسائي في الكبرى رقم (4163) وابن حبان رقم (3890) و (3891) وابن الجارود رقم (490) والبيهقي (5/ 153) والبغوي في شرح السنة رقم (1969) وغيرهم من طرق.

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (1/ 248).

(6)

في سننه رقم (3054).

(7)

في سننه رقم (898) وقال الترمذي: حديث حسن وهو كما قال.

(8)

في صحيحه رقم (1746).

(9)

في سننه رقم (1972).

وهو حديث صحيح.

ص: 369

100/ 2040 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا رَمَى الجِمَارَ مشى إلَيْها ذَاهبًا وَرَاجِعًا. رَواهُ الترمذِيُّ وَصَحَّحَهُ

(1)

.

وفي لفْظٍ عنْهُ: أنهُ كانَ يَرْمِي الجمْرَةَ يَوْمَ النَّحرِ رَاكبًا وَسائِرَ ذلِكَ ماشِيًا ويُخْبِرُهُمْ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَفْعَل ذلِكَ. رَواهُ أحمَدُ)

(2)

. [صحيح]

حديث عائشة أخرجه أيضًا ابن حبان

(3)

والحاكم

(4)

.

وحديث ابن عباس الثاني حسنه الترمذي

(5)

.

وأخرج نحوه مسلم في صحيحه

(6)

من حديث جابر.

ويؤيده حديث ابن عمر المذكور في الباب عند البخاري

(7)

.

وحديث ابن عمر الثاني باللفظ الآخر أخرج نحوه أبو داود

(8)

عنه بلفظ: "أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيًا ذاهبًا وراجعًا"، ويخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. وقد أخرج الترمذي

(9)

نحوه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "إنه كان يمشي إلى الجمار".

قوله: (فمكث بها ليالي أيام التشريق)، هذا من جملة ما استدل به الجمهور على أن المبيت بمنى واجب وأنَّه من جملة مناسك الحج

(10)

.

ومن أدلتهم على ذلك حديث ابن عباس

(11)

المذكور في إذنه صلى الله عليه وسلم للعباس.

(1)

في سننه رقم (900)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

في المسند (2/ 114).

قلت: وأخرجه بنحوه أبو داود رقم (1969) والبيهقي (5/ 131).

وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (3857) وقد تقدم.

(4)

في المستدرك (1/ 477 - 478) وقد تقدم.

(5)

في السنن (3/ 245).

(6)

في صحيحه رقم (314/ 1299).

(7)

في صحيحه رقم (1746).

(8)

في سننه رقم (1969)، وهو حديث صحيح وقد تقدم.

(9)

في سننه رقم (899) وقال: هذا حديث حسن وهو كما قال.

(10)

المغني (5/ 324 - 325).

(11)

تقدم برقم (2037) من كتابنا هذا.

ص: 370

ومنه ما أخرجه أحمد

(1)

وأصحاب السنن

(2)

وابن حبان

(3)

والحاكم

(4)

عن عاصم بن عدي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يتركوا المبيت بمنى" وسيأتي

(5)

.

والتعبير بالرخصة: يقتضي أن مقابلها عزيمة، وأن الإذن وقع للعلة المذكورة، وإذا لم توجد أو ما في معناها لم يحصل.

وقد اختلف في وجوب الدم لتركه، فقيل: يجب عن كل ليلةٍ دم، روي ذلك عن المالكية

(6)

.

وقيل: صدقة بدرهم.

وقيل: إطعام.

وعن الثلاث دم، هكذا روي عن الشافعي

(7)

، وهو رواية عن أحمد

(8)

، والمشهور عنه (8) وعن الحنفية

(9)

لا شيء عليه.

قوله: (يكبر مع كل حصاة) حكى الماوردي

(10)

عن الشافعي أن صفته؛ الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

(1)

في المسند (5/ 450) بسند صحيح.

(2)

أبو داود رقم (1975) والترمذي رقم (955) والنسائي رقم (3069) وابن ماجه رقم (3037).

(3)

في صحيحه رقم (3888).

(4)

في المستدرك (1/ 478).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (2975)، و (2979) والطبراني في الكبير (ج 17 رقم 453) والبيهقي (5/ 150) وابن عبد البر في "التمهيد"(17/ 253، 256 - تيمية) والبغوي في شرح السنة رقم (1970). والبخاري في التاريخ الكبير (6/ 477).

وهو حديث صحيح.

(5)

برقم (2042) من كتابنا هذا.

(6)

المنتقى للباجي (3/ 45) وتهذيب المدونة (1/ 539).

(7)

الأم (3/ 562) والمجموع (8/ 223).

(8)

المغني (5/ 325 - 326).

(9)

البناية في شرح الهداية (4/ 157).

(10)

حكاه عنه النووي في المجموع (8/ 170).

ص: 371

قوله: (ويقف عند الأولى) إلخ، فيه استحباب الوقوف عند الجمرة الأولى، والثانية - وهي الوسطى - والتضرع عندها وترك القيام عند الثالثة - وهي جمرة العقبة -.

قوله: (استأذن العباس) إلخ، قيل: إن جواز ترك المبيت يختص بالعباس.

وقيل: يدخل معه بنو هاشم.

وقيل: كل من احتاج إلى السقاية وهو جمود يرده حديث عاصم بن عدي الآتي

(1)

.

وقيل: يجوز الترك لكل من له عذر يشابه الأعذار التي رخص لأهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول الجمهور ..

وقيل: يختص بأهل السقاية ورعاة الإبل، وبه قال أحمد

(2)

واختاره ابن المنذر.

قوله: (حين زالت الشمس)، وكذا قوله في حديث عائشة

(3)

: "إذا زالت الشمس"، وقوله في حديث ابن عمر

(4)

: "فإذا زالت الشمس رمينا".

هذه الروايات تدل على أنه لا يجزئ رمي الجمار في غير يوم الأضحى قبل زوال الشمس بل وقته بعد زوالها كما في البخاري

(5)

وغيره

(6)

من حديث جابر أنه (صلى الله عليه وسلم رمى يوم النحر ضحى ورمى بعد ذلك بعد الزوال).

وإلى هذا ذهب الجمهور

(7)

وخالف في ذلك عطاء وطاوس فقالا: يجوز الرمي قبل الزوال مطلقًا.

(1)

برقم (2042) من كتابنا هذا.

(2)

المغني (5/ 324).

(3)

رقم (96/ 2036) من كتابنا هذا.

(4)

رقم (99/ 2039) من كتابنا هذا.

(5)

في صحيحه رقم (3/ 579 رقم الباب 134 - مع الفتح) معلقًا.

وقال الحافظ في "الفتح": وصله مسلم وابن خزيمة وابن حبان من طريق ابن جريج.

(6)

كأحمد في المسند (3/ 312 - 313) ومسلم رقم (314/ 1299) والنسائي رقم (3063) والترمذي رقم (894) وابن ماجه رقم (3053) وابن خزيمة رقم (2968) وابن حبان رقم (3886) والدارقطني (2/ 275) من طرق

وهو حديث صحيح.

(7)

المغني (5/ 328) والمجموع (8/ 218).

ص: 372

ورخص الحنفية

(1)

في الرمي يوم النفر قبل الزوال.

وقال إسحاق: إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزيه، والأحاديث المذكورة ترد على الجميع

(2)

.

قوله: (نتحين) نتفعل من الحين وهو الزمان، أي نراقب الوقت المطلوب.

قوله: (مشى إليها) أجمعوا على أن إتيان الجمار ماشيًا وراكبًا جائز لكن اختلفوا في الأفضل، وقد تقدم الخلاف في ذلك في رمي جمرة العقبة وفي غيرها.

قال الجمهور: المستحب المشي وذهب البعض إلى استحباب الركوب يوم النحر والمشي في غيره والذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الركوب لرمي جمرة العقبة يوم النحر والمشي بعد ذلك مطلقًا

(3)

.

101/ 2041 - (وعَنْ سَالِمٍ عن ابْنِ عُمَرَ أنهُ كانَ يَرْمِي الْجَمرةَ الدُّنْيا بِسَبعِ

(1)

البناية في شرح الهداية (4/ 150، 155).

(2)

قال النووي في "المجموع"(8/ 177): "فرع: مذهبنا جواز رمي جمرة العقبة بعد نصف ليلة النحر، والأفضل فعله بعد ارتفاع الشمس، وبه قال عطاء، وأحمد، وهو مذهب أسماء بنت أبي بكر، وابن أبي مليكة، وعكرمة بن خالد.

وقال مالك وأبو حنيفة وإسحاق: لا يجوز إلا بعد طلوع الشمس واحتج لهم بحديث ابن عباس السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرهم أن لا يرموا إلا بعد طلوع الشمس"، وهو حديث صحيح كما سبق.

واحتج، أصحابنا بحديث أم سلمة وغيره من الأحاديث الصحيحة السابقة في مسألة تعجيل دفع الضعفة من مزدلفة إلى منى.

وأما حديث ابن عباس فمحمول على الأفضل جمعًا بين الأحاديث.

قال ابن المنذر: أجمعوا على أن من رمى جمرة العقبة يوم النحر بعد طلوع الشمس أجزأه" اهـ.

(3)

قال النووي في "المجموع"(8/ 178 - 179): "فرع: مذهبنا أنه يستحب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، إن كان دخل منى راكبًا، ويرمي في أيام التشريق ماشيًا إلا يوم النفر فراكبًا، وبه قال مالك، قال ابن المنذر: وكان ابن عمر، وابن الزبير، وسالم يرمون مشاة، واستحبه أحمد وإسحاق، وكره جابر الركوب إلى شيء من الجمار إلا لضرورة، قال: وأجمعوا على أن الرمي يجزئه على أي حال رماه إذا وقع في المرمى، دليلنا الأحاديث الصحيحة السابقة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "رمى جمرة العقبة يوم النحر راكبًا"، والله أعلم" اهـ.

ص: 373

حصَيَاتٍ يُكَبّرُ مع كُلِّ حصاةٍ، ثُمَّ يتقدّم فيُسْهِلُ فيقُومُ مُسْتقْبل القِبلة طويلًا ويَدْعُو وَيرفعُ يَدَيْهِ، ثُمّ يرْمِي الوُسْطَى، ثمَّ يأخُذُ ذاتَ الشِّمَالِ فيُسْهِلُ فيقُومُ مُستَقبلَ القِبَلةِ، ثُمّ يَدْعُو وَيرْفَعُ يَديْهِ ويقُومُ طَوِيلًا، ثُمّ يرْمِي [الجَمْرة]

(1)

ذاتَ الْعَقَبةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي: ولَا يقِفُ عِندَها، ثُمّ ينْصَرِفُ ويَقُولُ: هَكَذا رأيتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يفعله. رَوَاهُ أحمدُ

(2)

والْبُخاريُّ)

(3)

. [صحيح]

102/ 2042 - (وعَنْ عاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رَخَصَ لِرُعاءِ الإبِلِ في البَيْتوتَةِ عَنْ مِنَى يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرمُونَ الْغَداةَ ومِنْ بَعْدِ الغَدِ لِيَوْمَيْنِ، ثمَّ يَرمُونَ يَوْمَ النَفْرِ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ

(4)

وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وفِي رِوايَةٍ: رَخَّصَ لِلرِّعاءِ أنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعوا يَوْمًا. رَوَاهُ أَبُو دَاودَ

(5)

والنَّسائيُّ)

(6)

. [صحيح]

103/ 2043 - (وعَنْ سَعْدِ بْنِ مالِكٍ قالَ: رَجَعْنا في الحَجَّةِ مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبَعْضُنا يقولُ: رَمَيْتُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وبَعْضُنا يَقُولُ: رَمَيْتُ بِسِتِّ حَصَيَاتٍ، وَلَمْ يَعِبْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. رَوَاهُ أحمَدُ

(7)

والنَّسائيُّ)

(8)

. [ضعيف]

(1)

في المخطوط (ب): (جمرة).

(2)

في المسند (2/ 152).

(3)

في صحيحه رقم (1751).

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد (5/ 450) وأبو داود رقم (1975) والترمذي رقم (955) والنسائي رقم (3069) وابن ماجه رقم (3037).

(5)

في سننه رقم (1976).

(6)

في سننه رقم (3068).

وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (1/ 168).

(8)

في سننه رقم (3077).

قلت: وأخرجه الدورقي في مسند سعد بن أبي وقاص رقم (133) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 149).

إسناده ضعيف لأن مجاهدًا لم يدرك سعدًا كما قال أبو حاتم الرازي في "المراسيل" ص 205. =

ص: 374

حديث عاصم بن عدي أخرجه أيضًا مالك

(1)

والشافعي

(2)

وابن حبان

(3)

والحاكم

(4)

.

وفي الباب عن ابن عمرو بن العاص عند الدارقطني

(5)

بإسناد ضعيف ولفظه: "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للرعاء أن يرموا بالليل وأية ساعة شاءوا من النهار".

وعن ابن عمر عند البزار

(6)

والحاكم

(7)

والبيهقي

(8)

بإسناد حسن.

وحديث سعد بن مالك سياقه في سنن النَّسَائِي

(9)

، هكذا أخبرني يحيى بن

= وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي"(5/ 149 - 150) قال ابن القطان: لا أعلم لمجاهد سماعًا من سعد، وقال الطحاوي في "أحكام القرآن": حديث منقطع لا يُبت أهلُ الإسناد مثله، وذكر ابن جرير في "التهذيب": أنه لم يستمر العملُ به؛ لأنَّه لم يصحّ لاختلافِ الرواة عن أبي نجيح فيه.

فقد رواه الحجاج بن أرطاة عنه عن مجاهد عن سعد أن اختلاف رميهم كان بالزيادة على السبع لا بالنقصان عنها، وهو أولى بالصواب وإن كان من رواية الحجاج، لموافقة ما تظاهر به الأخبار من وجوب الرمي بسبعٍ، ولأنَّ سعدًا لم يذكر أن ذلك كان عن أمره عليه السلام وفعله، ولأنه ولو صحَّ فهو منسوخ للنقل المستفيض بوجوب السبع" اهـ.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف الإسناد، والله أعلم.

(1)

في الموطأ (1/ 408 رقم 218).

(2)

في الأم (3/ 562).

(3)

في صحيحه رقم (3888).

(4)

في المستدرك (1/ 478).

(5)

في سننه رقم (2/ 276 رقم 184) بسند ضعيف.

قال الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 86): "قال ابن القطان في كتابه: وإبراهيم بن يزيد هذا: إن كان هو الخوزي فهو ضعيف، وإن كان غيره فلا يدري من هو؟ وبكر بن بكار: قال ابن معين: ليس بالقوي" اهـ.

(6)

في المسند رقم (1139 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 260) وقال: رواه البزار وفيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد وثق".

(7)

في المستدرك (1/ 478) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(8)

في السنن الكبرى (5/ 151).

قلت: مسلم بن خالد الزنجي المكي الفقيه، قال عنه البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وضعفه أبو داود والنسائي.

التاريخ الكبير (7/ 260) والجرح والتعديل (8/ 183) والميزان (4/ 102).

(9)

في سننه رقم (3077) فيه انقطاع لأن مجاهدًا لم يدرك سعدًا كما تقدم.

ص: 375

موسى البلخي، حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح، قال مجاهد: قال سعد: فذكره ورجاله رجال الصحيح.

وقد أخرج نحوه النَّسَائِي

(1)

من حديث ابن عباس.

وأخرج أبو داود

(2)

عن ابن عباس: "أنه سئل عن أمر الجمار فقال: ما أدري رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو [بسبع]

(3)

".

قوله: (الجمرة الدنيا) بضم الدال وبكسرها أي القريبة إلى جهة مسجد الخيف وهي أولى الجمرات التي ترمى ثاني يوم النحر.

قوله: (فيسهل) بضم التحتية وسكون المهملة، أي يقصد السهل من الأرض وهو المكان المستوي الذي لا ارتفاع فيه.

قوله: (ويرفع يديه) فيه استحباب رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة

(4)

.

وروي عن مالك

(5)

أنه مكروه.

قال ابن المنذر

(6)

: لا أعلم أحدًا أنكر رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة إلا ما حكي عن مالك.

قوله: (ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال)، أي يمشي إلى جهة الشمال وفي رواية للبخاري:"ثم ينحدر ذات الشمال مما يلي الوادي"

(7)

.

(1)

في سننه رقم (3078)، وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (1977)، وهو حديث صحيح.

(3)

في المخطوط (ب): سبع.

(4)

انظر: المغني (5/ 327 - 328).

(5)

تهذيب المدونة (1/ 554).

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 583). وذكر الحافظ أن ابن المنير رد كلام ابن المنذر بقوله: "إن الرفع لو كان هنا سنة ثابتة ما خفي عن أهل المدينة" اهـ.

وتعقب الحافظ رد ابن المنير بقوله: وغفل رحمه الله تعالى عن أن الذي رواه من أعلم أهل المدينة من الصحابة في زمانه، وابنه سالم أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة، والراوي عنه ابن شهاب عالم المدينة ثم الشام في زمانه، فمَن علماء المدينة إن لم يكونوا هؤلاء؟ والله المستعان" اهـ.

(7)

البخاري في صحيحه رقم (1753).

ص: 376

قوله: (ويقوم طويلًا) فيه مشروعية القيام عند الجمرتين وتركه عند جمرة العقبة ومشروعية الدعاء عندهما.

قال ابن قدامة

(1)

: لا نعلم لما تضمنه حديث ابن عمر هذا مخالفًا إلا ما روي عن مالك من ترك رفع اليدين عند الدعاء.

قوله: (ويدعوا يومًا) أي يجوز لهم أن يرموا اليوم الأول من أيام التشريق ويذهبوا إلى إبلهم فيبيتوا عندها ويدعوا يوم النفر الأول ثم يأتوا في اليوم الثالث، فيرموا ما فاتهم في اليوم الثاني مع رمي اليوم الثالث.

وفيه تفسير ثان وهو أنهم [يرمون]

(2)

جمرة العقبة ويدعون رمي ذلك اليوم ويذهبون، ثم يأتون في اليوم الثاني من التشريق فيرمون ما فاتهم ثم يرمون عن ذلك اليوم كما تقدم وكلاهما جائز وإنما رخص للرعاءِ لأن عليهم رعي الإبل وحفظها لتشاغل الناس بنسكهم عنها، ولا يمكنهم الجمع بين رعيها وبين الرمي والمبيت فيجوز لهم ترك المبيت للعذر والرمي على الصفة المذكورة.

وقد تقدم الخلاف في إلحاق بقية المعذورين بهم في أول الباب.

قوله: (ولم يعب بعضهم على بعض) استدل به من قال: إنه يجوز الاقتصار على أقل من سبع حصيات

(3)

.

وقد تقدم ذكر القائلين بذلك في باب رمي جمرة العقبة، ولكن هذا الحديث لا يكون دليلًا بمجرد ترك إنكار الصحابة على بعضهم [بعضًا]

(4)

إلا أن يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على شيء من ذلك وقرره.

[الباب الثاني والعشرون] باب الخطبة أوسط أيام التشريق

104/ 2044 - (عَنْ سَرَّاءَ ابنة نَبْهانَ قالَتْ: خَطَبَنَا رسُولُ اللهْ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الرُّؤوسِ، فقالَ:"أيُّ يَومٍ هذا؟ "، قُلْنا: الله ورَسُولهُ أعلَمُ، قالَ: "أَليْسَ أَوْسَطَ

(1)

في المغني (5/ 327).

(2)

في المخطوط (ب): (يرموا).

(3)

انظر: المغني (5/ 330) والأم (3/ 556).

(4)

في المخطوط (أ): (بعضها).

ص: 377

أيَّامِ التَّشريقِ". رَواهُ أَبُو دَاودَ

(1)

، وقالَ: وكَذلِكَ قالَ عَمُّ أبِي حُرةَ الرَّقاشِي: إنَّهُ خَطَبَ أوسَطَ أيّامِ التّشريقِ). [ضعيف]

105/ 2045 - (وَعَنْ ابْنِ أبي نَجِيحٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ رَجُلَينِ مِن بَنِي بَكْرٍ قالا: رَأيْنا رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بَيْنَ أَوسَطِ أيّامِ التّشرِيقِ ونَحنُ عِندَ راحِلَتِهِ وَهِيَ خُطْبَةُ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الّتي خَطَبَ بِمنَى. رَواهُ أبو دَاوُدَ)

(2)

. [صحيح]

106/ 2046 - (وعَنْ أَبِي نَضرَةَ قالَ: حَدّثَني مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشريقِ فقالَ: "يا أيُّهَا النَّاسُ ألا إنّ رَبّكُمْ واحِدٌ وإنَّ أباكُمْ واحِدٌ، ألَا لا فَضْلَ لِعَرَبيّ على عَجَميّ، ولا لِعَجَمِيّ على عَرَبِيّ، وَلا لأحمَرَ على أسْوَدَ، وَلا لأسْوَدَ على أحمَرَ إلا بِالتّقْوَى أبَلّغْتُ"؟ قالوا: بَلّغَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، رَوَاهُ أحمَدُ)

(3)

. [إسناده صحيح]

حديث سرَّاء بنت نبهان سكت عنه أبو داود

(4)

والمنذري

(5)

.

وقال في مجمع الزوائد

(6)

: رجاله ثقات.

وحديث الرجلين من بني بكر سكت عنه أيضًا أبو داود

(7)

والمنذري

(8)

والحافظ في التلخيص

(9)

ورجاله رجال الصحيح.

وحديث أبي نضرة قال مجمع الزوائد

(10)

: رجاله رجال الصحيح.

قوله: (سرَّاء) بفتح السين المهملة وتشديد الراء والمد.

وقيل: القصر بنت نبهان الغنوية صحابية لها حديث واحد، قاله صاحب التقريب

(11)

.

(1)

في سننه رقم (1953) وهو حديث ضعيف.

(2)

في سننه رقم (1952) وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند رقم (5/ 411) بسند صحيح.

(4)

في سننه (2/ 488).

(5)

في "المختصر"(2/ 411).

(6)

(3/ 273) وقد قال: "قلت: روى أبو داود طرفًا منه - رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات".

(7)

في السنن (2/ 488).

(8)

في المختصر (2/ 410).

(9)

في "التلخيص الحبير"(2/ 483).

(10)

(3/ 266).

(11)

رقم الترجمة (8605).

قلت: وانظر الاستيعاب رقم الترجمة (3409) والإصابة رقم الترجمة (1129).

ص: 378

قوله: (يوم الرؤوس) بضم الراء والهمزة بعدها، وهو اليوم الثاني من أيام التشريق سمي بذلك لأنهم كانوا يأكلون فيه رؤوس الأضاحي.

قوله: (أي يوم هذا)، سأل عنه وهو عالم به [لتكون]

(1)

الخطبة أوقع في قلوبهم وأثبت.

قوله: (الله ورسوله أعلم) هذا من حسن الأدب في الجواب للأكابر والاعتراف بالجهل، ولعلهم قالوا ذلك لأنهم ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه كما وقع في حديث أبي بكرة المتقدم

(2)

.

قوله: (عم أبي حرة) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء واسم أبي حرة حنيفة. وقيل: حكيم [وقيل: جُذيم]

(3)

والرقاشي بفتح الراء وتخفيف القاف وبعد الألف شين معجمة.

قوله: (أوسط أيام التشريق) هو اليوم الثاني من أيام التشريق.

قوله: (ألا إن ربكم واحد) إلخ، هذه مقدمة لنفي فضل البعض على البعض بالحسب والنسب كما كان في زمن الجاهلية لأنَّه إذا كان الرب واحدًا وأبو الكل واحدًا لم يبق لدعوى الفضل بغير التقوى موجب. وفي هذا الحديث حصر الفضل في التقوى ونفيه عن غيرها وأنَّه لا فضل لعربي على عجمي ولا [لأسود]

(4)

على أحمر إلا بها.

ولكنه قد ثبت في الصحيح

(5)

أن "الناس معادن كمعادن الذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"، ففيه إثبات الخيار في الجاهلية ولا تقوى هناك، وجعلهم الخيار في الإسلام بشرط الفقه في الدين، وليس مجرد الفقه في الدين سببًا لكونهم خيارًا في الإسلام، وإلا لما كان لاعتبار كونهم خيارًا في الجاهلية معنى، ولكان كل فقيه في الدين من الخيار وإن لم يكن من الخيار في الجاهلية، وليس أيضًا سبب كونهم خيار في الإسلام مجرد التقوى وإلا لما كان لذكر كونهم خيارًا في الجاهلية معنى، ولكان كل متق من الخيار من غير نظر إلى كونه من خيار الجاهلية.

(1)

في المخطوط (ب): (ليكون).

(2)

برقم (2031) من كتابنا هذا.

(3)

زيادة من المخطوط (ب).

(4)

في المخطوط (ب): (أسود).

(5)

في صحيح مسلم رقم (160/ 2638).

ص: 379

فلا شك أن هذا الحديث يدل على أن لشرافة الأنساب وكرم النِّجار مدخلًا في كون أهلها خيارًا. وخيار القوم: أفاضلهم وإن لم يكن لذلك مدخل باعتبار أمر الدين والجزاء الأخرويّ، فينبغي أن يحمل حديث الباب على الفضل الآخروي.

وأحاديث الباب تدل على مشروعية الخطبة في أَوْسَط أيام التشريق.

وقد قدمنا في كتاب العيدين

(1)

أنها من الخطب المستحبة في الحج وبينا هنالك كم يستحب من الخطب في الحج.

[الباب الثالث والعشرون] باب نزول المحصب إذا نفر من منى

107/ 2047 - (عَنْ أَنَس أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى الظُّهْرَ والْعَصْرَ والْمَغْرِبَ والعِشاءَ، ثمّ رَقَدَ رَقْدة بالْمُحصَّبِ، ثمَّ رَكِبَ إلى الْبيْت فطافَ بِهِ. رَوَاهُ البُخاريُّ)

(2)

. [صحيح]

108/ 2048 - (وعنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ والمَغرِبَ والْعِشاءَ بالْبَطْحاءِ، ثمَّ هَجَعَ هَجْعَةً، ثمَّ دَخلَ مكَّةَ وكانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعلهُ. رَوَاهُ أَحمدُ

(3)

وأبُو داوُدَ

(4)

والبُخاريُّ

(5)

بِمَعْناهُ). [صحيح]

109/ 2049 - (وعَنِ الزُّهْرِيّ عنْ سالمِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ وابْنَ عُمَرَ كانُوا يَنْزِلُون الأبْطَحَ قالَ الزُّهْرِيُّ: وَأخْبَرَنِي عُرْوةُ عَنْ عائِشَةَ أَنَّها لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذلِكَ وقالتْ: إنَّما نَزَلهُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لأنهُ كانَ منزِلًا أسمحَ لِخُرُوجِهِ. رَواهُ مُسلِمٌ)

(6)

. [صحيح]

(1)

تقدم (7/ 89 - 95) من كتابنا هذا.

(2)

في صحيحه رقم (1756).

(3)

في المسند (2/ 100).

(4)

في سننه رقم (2013).

(5)

في صحيحه رقم (1768).

وهو حديث صحيح.

(6)

في صحيحه رقم (340/ 1311).

ص: 380

110/ 2050 - (وعَنْ عائِشةَ قَالَتْ: نُزُول الأبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ إنْما نَزَلهُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم لأنَّهُ كانَ أَسمح لِخُرُوجهِ إذا خرج)

(1)

. [صحيح]

111/ 2051 - (وعَن ابْنِ عبَّاس قال: التَّحْصيبُ لَيْس بشْيءٍ إنّما هُو مَنْزِلٌ نَزَلهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. مُتَّفقٌ عَلَيْهِما)

(2)

. [صحيح]

قوله: (بالمحصَّب)

(3)

بمهملتين وموحدة على وزن محمد: وهو اسم لمكانٍ متَّسع بين جبلين، وهو إلى منى أقرب من مكة، سمي بذلك لكثرة ما به من الحصا من جرّ السيولِ، ويسمى بالأبطح وخَيْف بني كنانة

(4)

.

قوله: (ثم هجع هجعةً) أي اضطجع ونام يسيرًا.

قوله: (أسمح لخروجه) أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي البطيء والمقتدر، ويكون مبيتهم وقيامهم [في السحر]

(5)

ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة.

قوله: (ليس التحصيب بشيء)، أي من المناسك التي يلزم فعلها.

وقد نقل ابن المنذر الخلاف في استحباب نزول المحصب مع الاتفاق على أنه ليس من المناسك.

وقد روى أحمد

(6)

عن عائشة أنها قالت: "والله ما نزلها يعني الحصبة إلا من أجلي".

وروى مسلم

(7)

وأبو داود

(8)

وغيرهما عن أبي رافع قال: "لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى، ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل"، انتهى.

(1)

أحمد في المسند (6/ 41) والبخاري رقم (1765) ومسلم رقم (339/ 1311).

(2)

أحمد في المسند (1/ 221) والبخاري رقم (1766) ومسلم رقم (341/ 1312).

(3)

قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 393): " ....... المحصَّب: موضع الجمار بمنًى، سُمِّيا بذلك للحصى الذي فيهما. ويقال: لموضع الجمار أيضًا حِصاب، بكسر الحاء" اهـ.

(4)

القاموس المحيط ص. 100.

(5)

في المخطوط (ب): (بالسحر).

(6)

في المسند (6/ 245) بسند ضعيف.

(7)

في صحيحه رقم (342/ 1313).

(8)

في سننه رقم (2009).

وهو حديث صحيح.

ص: 381

ولا شك أن النزول مستحب لتقريره صلى الله عليه وسلم على ذلك وفعله.

وقد فعله الخلفاء بعده كما رواه مسلم

(1)

عن ابن عمر.

ومما يدل على استحباب التحصيب ما أخرجه البخاري

(2)

ومسلم

(3)

وأبو داود

(4)

والنسائي

(5)

وابن ماجه

(6)

من حديث أسامة بن زيد "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريشًا على الكفر"، يعني المحصب، وذلك أن بني كنانة حالفت [قريشًا]

(7)

على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يؤووهم ولا يبايعوهم.

قال الزهري

(8)

: والخيف الوادي

(9)

.

وأخرج البخاري

(10)

ومسلم

(11)

وأبو داود

(12)

والنسائي

(13)

من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين أراد أن ينفر من منى: "نحن نازلون غدًا"، فذكر نحوه.

(1)

في صحيحه رقم (337/ 1310).

(2)

في صحيحه رقم (3058).

(3)

في صحيحه رقم (1351).

(4)

في سننه رقم (2010).

(5)

لم أقف عليه عند النَّسَائِي.

(6)

في سننه رقم (2942).

وهو حديث صحيح.

(7)

في المخطوط (ب): (قريش).

(8)

في إثر الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (3058).

(9)

قال الأزهري في "تهذيب اللغة"(7/ 592): "

والخَيْفُ: ما ارتفع من مجرى السَّيْل وانحدرَ عن غِلَظِ الجبلِ. ومنه قيل: مسجدُ "الخيف" بمنى لأنَّه بُني في خَيْفِ الجبل" اهـ.

• وقال صاحب لسان العرب (9/ 102): "الخيف: ما ارتفع عن موضع مجرى السيل، ومسيل الماء، وانحدر من غلظ الجبل".

• وقال ابن سيده في "المحكم"(5/ 269): الخيف: ما ارتفع عن موضع السيل وانحدر عن غلظ الجبل، وخيف مكة، موضعٌ فيها، سمي بذلك لانحداره عن الغلظ وارتفاعه عن السيل.

(10)

في صحيحه رقم (1590).

(11)

في صحيحه رقم (343/ 1314).

(12)

في سننه رقم (2011).

(13)

في سننه الكبرى (4/ 228 رقم 4188).

وهو حديث صحيح.

ص: 382

وحكى النووي

(1)

عن القاضي عياض

(2)

أنه مستحب عند جميع العلماء.

قال في الفتح

(3)

: والحاصل أن من نفى أنه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء، ومن أثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم لا الالتزام بذلك، ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث أنس وابن عمر.

[الباب الرابع والعشرون] باب ما جاء في دخول الكعبة والتبرك بها

112/ 2052 - (عَنْ عائِشةَ قالتْ: خَرَجَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِي وَهْوَ قَرِيرُ العَيْنِ طَيِّب النَّفْسِ، ثمّ رَجَعَ إليَّ وَهْوَ حَزِينٌ، فَقُلْتُ لَهُ، فَقالَ: "إنّي دَخَلْتُ الكَعْبَةَ وَوَدِدْتُ أَنّي لَمْ أَكُنْ فَعلْتُ، إنّي أَخافُ أَنْ أَكُونَ أتَعَبْتُ أمَّتِي مِنْ بَعْدِي" رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَا النَسائيّ وصَحَّحَهُ الترْمِذِيُّ)

(4)

. [حسن لغيره]

113/ 2053 - (وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم البَيْتَ فَجَلَسَ فحَمِدَ الله وأثْنَى عَليهِ وكَبّرَ وهَلَّلَ، ثُمّ قامَ إلَى ما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ البَيتِ،

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 59).

(2)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 393).

(3)

(3/ 591).

(4)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 137) وأبو داود رقم (2029) والترمذي رقم (873) وابن ماجه رقم (3064).

قلت: وأخرجه إسحاق بن راهويه رقم (1241) وابن خزيمة رقم (3014) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (5790) والحاكم في المستدرك (1/ 479) وفي "معرفة علوم الحديث" ص 98 والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 159) من طرق عن إسماعيل بن عبد الملك عن ابن أبي مُليكة، عن عائشة، به.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال أيضًا في "معرفة علوم الحديث": هذا حديث تفرّد به أهل مكة، وليس في رواته إلا مكي.

قلت: وفيه إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصُّفَيْراء؛ بالمهملة والفاء، مصغر: صدوق كثير الوهم [التقريب: رقم الترجمة (465)] فهو ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.

ص: 383

فَوَضَعَ صَدْرَهُ عَليهِ وَخَدَّهُ ويَدَيْهِ، ثُمَّ هَلَّلَ وكَبّر ودَعا، ثُمَّ فَعَلَ ذلِكَ بالأرْكانِ كُلِّها، ثُمَّ خَرَجَ فأقْبَلَ على القِبْلَةِ وَهْوَ على البَاب، فقال: " [هذِهِ القِبْلَةُ]

(1)

، هذِهِ القِبْلَةُ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثةً. رَوَاهُ أحمدُ

(2)

والنَّسائِيُّ)

(3)

. [صحيح]

114/ 2054 - (وَعَنْ عبْدِ الرّحمنِ بْنِ صفْوَانَ قالَ: لَما فَتَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَكَّة انْطَلَقْتُ فَوافَقْتُهُ قَدْ خَرَجَ مِنَ الكَعْبَةِ وأَصحابُهُ قَدِ اسْتلمُوا البَيتَ مِنَ البَابِ إلى الحطِيمِ، وقَدْ وضعوا خدُودَهمْ على البَيْتِ ورسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وسْطَهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(4)

وأَبُو دَاودَ)

(5)

. [ضعيف]

115/ 2055 - (وعَنْ إسماعيلَ بْنِ أَبِي خالِدٍ قالَ: قلْتُ لعَبدِ الله بْنِ أَبي أوْفى؛ دَخَلَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم البَيْتَ في عُمْرَتِهِ؟ قالَ: لَا: مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)

(6)

. [صحيح]

حديث عائشة أخرجه أيضًا وصححه ابن خزيمة

(7)

والحاكم

(8)

.

وحديث أسامة رجاله رجال الصحيح وأصله في صحيح مسلم

(9)

بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في البيت ولكنه كبر في نواحيه".

وحديث عبد الرحمن بن صفوان في إسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

في المسند (5/ 209).

(3)

في سننه رقم (2914).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (3/ 431).

(5)

في سننه رقم (1898).

إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد، وهو القرشي الهاشمي.

وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(5/ 247): عبد الرحمن بن صفوان، أو صفوان بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قاله يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد ولا يصح.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(6)

أحمد في المسند (4/ 355) والبخاري رقم (1600) ومسلم رقم (397/ 1332).

(7)

في صحيحه رقم (3014).

(8)

في المستدرك (1/ 479) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(9)

في صحيحه رقم (395/ 1330).

ص: 384

بحديثه. وقد ذكر الدارقطني أن يزيد بن أبي زياد تفرد به عن مجاهد ولكنه ذكر الذهبي أنه صدوق من ذوي الحفظ، وذكر في الخلاصة

(1)

أنه كان من الأئمة الكبار. وقد تقدم الكلام فيه في غير موضع.

قوله: (ووددت أني لم أكن فعلت) فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة في غير عام الفتح لأن عائشة لم تكن معه فيه إنما كانت معه في غيره.

وقد جزم جمع من أهل العلم أنه لم يدخل إلا في عام الفتح، وهذا الحديث يرد عليهم.

وقد تقرر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل البيت في عمرته كما في حديث ابن أبي أوفى المذكور في الباب

(2)

، فتعين أن يكون دَخَله في حجته، وبذلك جزم البيهقي

(3)

.

وقد أجاب البعض عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد رجوعه من غزوة الفتح وهو بعيد جدًّا.

وفيه أيضًا دليل على أن دخول الكعبة ليس من مناسك الحج وهو مذهب الجمهور، وحكى القرطبي

(4)

عن بعض العلماء أن دخولها من المناسك.

وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن دخولها مستحب.

ويدل على ذلك ما أخرج ابن خزيمة

(5)

والبيهقي

(6)

من حديث ابن عباس من دخل البيت دخل في جنة وخرج مغفورًا له وفي إسناده عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف

(7)

.

(1)

رقم الترجمة (8127) بتحقيقي على مخطوط.

(2)

برقم (115/ 2055) من كتابنا هذا.

(3)

قال البيهقي في السنن الكبرى (5/ 159): "وهذا يكون في حجته، وحديث ابن أبي أوفى في عمرته فلا يكون أحدهما مخالفًا للآخر" اهـ.

(4)

في "المفهم"(3/ 429).

(5)

في صحيحه رقم (3013).

(6)

في السنن الكبرى (5/ 158) وقال: "تفرد به عبد الله بن المؤمل وليس بقوي".

(7)

انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (5/ 175) والكامل (4/ 1454). والمجروحين (2/ 33) والميزان (2/ 510) والتقريب (1/ 454)].

ص: 385

ومحل استحبابه ما لم يؤذ أحدًا بدخوله ويدل على الاستحباب أيضًا حديث أسامة

(1)

وعبد الرحمن بن صفوان

(2)

المذكوران في الباب.

قوله: (وخده ويديه) فيه استحباب وضع الخد والصدر على البيت وهو ما بين الركن والباب، ويقال له: الملتزم كما روى الطبراني

(3)

عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال: الملتزم ما بين الركن والباب.

وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان

(4)

من طريق أبي الزبير عن ابن عباس مرفوعًا، ورواه عبد الرزاق

(5)

بإسناد [أصح منه]

(6)

موقوفًا وسمي بذلك لأن الناس يلتزمونه.

قوله: (ثم فعل ذلك بالأركان كلها)، فيه دليل على مشروعية وضع الصدر والخد على جميع الأركان مع التهليل والتكبير والدعاء.

قوله: (من الباب إلى الحطيم)، هذا تفسير للمكان الذي استلموه من البيت، والحطيم هو: ما بين الركن والباب كما ذكره محب الدين الطبري وغيره.

وقال مالك في المدونة: الحطيم ما بين الباب إلى المقام.

وقال ابن حبيب: هو ما بين الحجر الأسود إلى الباب إلى المقام.

وقيل: هو الشاذروان.

وقيل: هو الحجر الأسود كما يشعر به سياق هذا الحديث؛ وسمي حطيمًا لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالأيمان.

ويستجاب فيه الدعاء للمظلوم على الظالم، وقل من حلف هنالك كاذبًا إلا عجلت له العقوبة.

وفي كتب الحنفية

(7)

أن الحطيم هو: الموضع الذي فيه الميزاب.

(1)

تقدم برقم (2053) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (2054) من كتابنا هذا.

(3)

في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11808).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 293) وقال: فيه جابر الجعفي وهو ضعيف، وقد وثق".

(4)

في الشعب رقم (4060) بسند ضعيف لضعف إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري.

(5)

في المصنف رقم (9057) موقوفًا.

(6)

في المخطوط (أ): (صح عنه).

(7)

البناية في شرح الهداية (4/ 73 - 74).

ص: 386

قوله: (وسطهم) قال الجوهري

(1)

: تقول جلست وسْط القوم بالتسكين لأنَّه ظرف، وجلست وسَط الدار بالفتح لأنَّه اسم.

قال: وكل وسط يصلح فيه "بين" فهو وسط بالإسكان وإن لم يصلح [فيه]

(2)

"بين" فهو وسط بالفتح.

قال الأزهري

(3)

كل ما يبين بعضه من بعض كوسط الصف والقلادة والسبحة وحلقة الناس فهو بالإسكان، وما كان منضمًا لا يبين بعضه من بعض كالساحة والدار والراحة فهو وسط بالفتح.

قال: وقد أجازوا في المفتوح الإسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح.

قوله: (أدخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت في عمرته) بهمزة الاستفهام.

قال النووي

(4)

: قال العلماء: سبب ترك دخوله ما كان في البيت من الأصنام والصور ولم يكن المشركون يتركونه ليغيرها، فلما كان في الفتح أمر بإزالة الصور، ثم دخلها يعني كما ثبت في حديث ابن عباس عند البخاري

(5)

وغيره

(6)

.

ويحتمل أن يكون دخوله البيت لم يقع في الشرط، فلو أراد دخوله لمنعوه كما منعوه من الإقامة بمكة فوق ثلاث.

[الباب الخامس والعشرون] باب ما جاء في ماء زمزم

116/ 2056 - (عَنْ جَابِرٍ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ماءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ". رَوَاهُ أحمدُ

(7)

وابْنُ ماجَهْ)

(8)

. [صحيح]

(1)

في الصحاح (3/ 1167).

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

في تهذيب اللغة (13/ 29).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 88).

(5)

في صحيحه رقم (1601).

(6)

كأبي داود رقم (2027) وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (3/ 357، 372).

(8)

في سننه رقم (3062).

قلت: وأخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 303) والبيهقي (5/ 148) والخطيب =

ص: 387

117/ 2057 - (وعَنْ عائِشَةَ أَنَّها كانَتْ تَحْمِلُ مِنْ ماءِ زَمْزَمَ وَتُخْبِرُ أَنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَحملهُ. رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ

(1)

وقال: حَدِيث حَسَنٌ غَرِيبٌ) [صحيح]

118/ 2058 - (وعَنِ ابْنِ عباسٍ أَنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم جاءَ إلى السِّقَايَةِ فاستَسْقَى، فقالَ العبَّاسُ: يا فَضْلُ اذْهَبْ إلى أُمِّكَ فأْتِ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِشَرَابِ مِنْ عِنْدِها، فقال: "اسْقِني"، فقال: يا رسُولَ الله، إنَّهُمْ يَجْعلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ، قالَ: "اسْقِني"، فشَرِبَ ثُمَّ أَتَى زَمَزَمَ وهُمْ يَسْتَقُونَ وَيعْمَلُونَ فِيها، فقالَ: "اعْملُوا فإنَّكُمْ على عَملٍ صَالحٍ"، ثمَّ قالَ: "لَوْلَا أنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أضَعَ الْحَبْلَ" يعْنِي على عاتقِهِ، وأشارَ إلى عاتقِهِ. رَواهُ البُخاريُّ)

(2)

. [صحيح]

119/ 2059 - (وعَنِ ابْنِ عباس أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إن آيةَ ما بيْنَنَا وبيْنَ الْمُنافِقِينَ لَا يَتَضلَّعُونَ مِنْ ماءِ زَمْزَمَ"، رَوَاهُ ابْنُ ماجهْ)

(3)

. [ضعيف]

= في "تاريخ بغداد"(3/ 179) والأزرقي في أخبار مكة (2/ 52) وابن عدي في "الكامل (4/ 1455) وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 37) من طرق.

قال البيهقي: "تفرد به عبد الله بن المؤمل"، وقال العقيلى:"لا يتابع عليه". وقال الألباني في "الإرواء"(4/ 320): "قلت: لكن الظاهر أنه لم يتفرد به". ثم ذكر له طرق أخرى وحكم عليه في الإرواء رقم (1123) بالصحة.

(1)

في سننه رقم (963).

وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وانظر: "الصحيحة" رقم (883).

(2)

في صحيحه رقم (1635).

(3)

في سننه رقم (3061).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 34 رقم 1063/ 3061): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه الدارقطني في سننه، والحاكم في المستدرك من طريق عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عباس، ورواه البيهقي في سننه الكبرى عن الحاكم" اهـ.

وتعقبه الألباني في "الإرواء"(4/ 328): "قلت: فهذا التصحيح إنما يستقيم في طريق ابن أبي مليكة، لو لم تكن مضطربة ومخالفة للطريق الراجحة التي مدارها على أبي الثورين هذا، أما وهي مضطربة مرجوحة فلا

". وانظر بقية ما قاله المحدث الألباني رحمه الله.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 388

120/ 2060 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاس قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ماءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لهُ، إنْ شَرِبتَهُ تَسْتَشفِي بِهِ شَفَاك الله، وإنْ شَرِبتَهُ يُشبِعْكَ أشْبَعَكَ الله بِهِ، وإنْ شَرِبْتهُ لقَطْعِ ظَمَئِكَ قَطَعَهُ الله، وَهي هَزْمةُ جبْرِيلَ وسُقْيا [الله]

(1)

إسماعيلَ"، رَوَاه الدّارقُطْنيُّ)

(2)

. [موضوع]

حديث جابر أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة

(3)

، والبيهقي

(4)

، والدارقطني

(5)

، والحاكم

(6)

، وصححه المنذري

(7)

والدمياطي وحسنه الحافظ

(8)

وفي إسناده عبد الله بن المؤمل. وقد تفرد به كما قال البيهقي، وهو ضعيف وأعله ابن القطان به.

وقد رواه البيهقي

(9)

من طريق أخرى عن جابر، وفيها سويد بن سعيد وهو ضعيف جدًّا وإن كان مسلم قد أخرج له فإنما أخرج له في المتابعات.

قال الحافظ

(10)

: وأيضًا فكان أخذه عنه قبل أن يعمى ويفسد حديثه، وكذلك أمر أحمد بن حنبل ابنه بالأخذ عنه كان قبل عماه، ولما عمي صار يلقن فيتلقن. وقال يحيى بن معين: لو كان لي فرس ورمح لغزوت سويدًا، من شدة ما كان يذكر له عنه من المناكير.

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

في سننه (2/ 289 رقم 238).

قلت: وقد ذكر الذهبي في "الميزان"(3/ 185 رقم الترجمة 6071) هذا الحديث، في ترجمة عمر بن الحسن شيخ الدارقطني في هذا الحديث.

ثم قال الذهبي: "فآفة هذا هو عمر - بن الحسن -، فلقد أثم الدارقطني بسكوته عنه، فإنه بهذا لإسناد باطل، ما رواه ابن عيينة قط؛ بل المعروف حديث عبد الله بن المؤمل، عن أبي الزبير، عن جابر مختصرًا" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث موضوع، والله أعلم.

(3)

في المصنف (7/ 453).

(4)

في السنن الكبرى (5/ 148).

(5)

في السنن (2/ 289).

(6)

في المستدرك (1/ 473).

(7)

في "الترغيب والترهيب"(2/ 167 - 168 رقم 1757).

(8)

في "التلخيص"(2/ 510).

(9)

في "شعب الإيمان" رقم (4128) وهو حديث حسن لغيره.

(10)

في "التلخيص"(2/ 510).

ص: 389

وأخرجه الطبراني

(1)

من طريق ثالثة.

وحديث عائشة أخرجه البيهقي

(2)

والحاكم وصححه

(3)

.

وحديث ابن عباس الأول أخرجه أيضًا الدارقطني

(4)

والحاكم

(5)

من طريق ابن أبي مليكة قال: "جاء رجل إلى ابن عباس فقال: من أين جئت؟ قال: شربت من ماء زمزم. قال ابن عباس: أشربت منها كما ينبغي؟ قال: وكيف ذاك يا ابن عباس؟ قال: إذا شربت منها فاستقبل القبلة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثًا وتضلع منها، فإذا فرغت فاحمد الله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم).

وحديثه الثاني أخرجه أيضًا الحاكم

(6)

وزاد الدارقطني

(7)

على ما ذكره المصنف: "وإن شربته مستعيذًا أعاذك الله، قال: فكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال: اللهم إني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا وشفاء من كل داء".

وهذا الحديث هو من طريق محمد بن سعيد الجارودي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس.

قال في التلخيص

(8)

: والجارودي صدوق إلا أن روايته شاذة، فقد رواه

(1)

في المعجم الأوسط رقم (3815).

(2)

في السنن الكبرى (5/ 202).

(3)

في المستدرك (1/ 485) وسكت عنه، وتعقبه الذهبي فقال:"خلاد بن يزيد. قال البخاري: لا يتابع على حديثه".

(4)

في سننه رقم (2/ 388 رقم 235).

(5)

في المستدرك (1/ 372).

قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، إن كان عثمان بن الأسود سمع من ابن عباس" اهـ.

وتعقبه الذهبي فقال: "لا والله ما لحقه، توفي عام خمسين ومائة وأكبر مشيخته سعيد بن جبير".

وهو حديث ضعيف.

(6)

في المستدرك (1/ 473) وقال: صحيح الإسناد إن سلم من الجارودي، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(7)

في سننه (2/ 288 رقم 237) بسند ضعيف لضعف حفص بن عمر العدني.

(8)

(2/ 511).

ص: 390

حفاظ أصحاب ابن عيينة كالحميدي وابن أبي عمر وغيرهما عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد من قول ابن عباس.

ومما يقوي الرفع ما أخرجه الدينوري في "المجالسة"

(1)

قال: كنا عند ابن عيينة فجاء رجل فقال: يا أبا محمد الحديث الذي حدثتنا به عن ماء زمزم صحيح؟ قال: نعم، قال: فإني شربته الآن لتحدّثني مائة حديث قال: اجلس فحدثه مائة حديث.

وفي الباب عن أبي ذر مرفوعًا عند أبي داود الطيالسي في مسنده

(2)

قال: "زمزم مباركة إنها طعام طعم وشفاء سقم"، وهو بهذا اللفظ في صحيح مسلم

(3)

.

وعن جابر غير حديث الباب عند مسلم

(4)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب منه".

قوله: (ماء زمزم لما شرب له) فيه دليل على أن ماء زمزم ينفع الشارب لأي أمر شربه لأجله سواءان من أمور الدنيا أو الآخرة لأن ما في قوله: لما شرب له من صيغ العموم.

قوله: (كان يحمله) فيه دليل على أنه لا بأس بحمل ماء زمزم إلى المواطن الخارجة عن مكة.

قوله: (لولا أن تغلبوا) وذلك بأن يظن الناس أن النزع سنة فينزع كل رجل لنفسه فيغلب أهل السقاية عليها.

وفي الحديث استحباب الشرب من ماء زمزم وما قيل من أن الشرب جبلي فلا يدل على الاستحباب إذ لا تأسي في الجبلي مدفوع بأن القصد إلى ذلك المحل والأمر بالنزع وإعطاء أسامة الفضلة ليشربها من غير أن يستدعي الماء كما في صحيح مسلم مما يدل على أن الشرب للفضيلة لا للحاجة.

(1)

المجالسة وجواهر العلم، تصنيف أبي بكر أحمد بن مروان بن محمد الدينوري القاضي المالكي. خرَّج أحاديثه وآثاره، ووثق نصوصه وعلق عليه الشيخ أبو عبيدة: مشهور بن حسن آل سلمان (2/ 342 رقم 559).

(2)

في المسند رقم (457): وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (132/ 2473).

(4)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

ص: 391

قوله: (لا يتضلعون) أي لا يروون من ماء زمزم، قال في القاموس

(1)

: وتضلع امتلأ شبعًا أو ريًا حتى بلغ الماء أضلاعه، انتهى.

قوله: (هزمة) بالزاي أي حفرة جبريل لأنَّه ضربها برجله فنبع الماء.

قال في القاموس

(2)

: هزمه يهزمه: غمزه بيده فصارت فيه حفرة ثم قال: والهزائم: البئار الكبيرة الغزر الماء.

قوله: (وسقيا إسماعيل)، أي أظهره الله ليسقي به إسماعيل في أول الأمر.

[الباب السادس والعشرون] باب طواف الوداع

121/ 2061 - (عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: كانَ النَّاسُ يَنْصرِفُونَ في كُلِّ وجْهٍ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لَا يَنْفِرْ أحَدٌ حتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بالبَيْتِ". رَوَاهُ أحمَدُ

(3)

ومُسْلم

(4)

وأَبُو دَاوُدَ

(5)

وابْنُ ماجَهْ

(6)

. [صحيح]

وفي رِوايَةٍ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يكُونَ آخِرُ عَهْدِهمْ بالبَيْتِ، إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المَرْأَةِ الحَائِضِ. مُتَّفَق عَلَيْهِ)

(7)

. [صحيح]

122/ 2062 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رخصَ لِلْحائِضِ أنْ تصْدُرَ قَبْلَ أَنْ تطوفَ بالبَيْتِ إِذَا كانَتْ قَدْ طَافَتْ في الإفاضَةِ. رَواهُ أحمَدُ)

(8)

. [صحيح]

(1)

القاموس المحيط ص 959.

(2)

القاموس المحيط ص 1510.

(3)

في المسند (1/ 222).

(4)

في صحيحه رقم (379/ 1327).

(5)

في سننه رقم (2002).

(6)

في سننه رقم (3070).

وهو حديث صحيح.

(7)

أحمد في المسند (1/ 226) والبخاري رقم (1760) ومسلم رقم (380/ 1328).

(8)

في المسند (1/ 370) بسند صحيح على شرط الشيخين.

قلت: وأخرجه البخاري رقم (329) و (1760) وابن حبان رقم (3898) والبيهقي (5/ 163) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 235) من طريق وهيب بن خالد، عن عبد الله بن طاووس، عن طاووس، عن ابن عباس وفي روايتهم زيادة: قال طاووس: وسمعت ابن عمر يقول: إنها لا تنفر، ثم سمعته يقول بعد: إن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّصَ لهنَّ.

وهو حديث صحيح.

ص: 392

123/ 2063 - (وَعَنْ عائِشَةَ قالَتْ: حاضتْ صَفِيَّةُ بِنتُ حُيَيٍّ بعْد ما أَفاضتْ قالَتْ: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: "أحابِسَتُنا هِيَ"؟ قُلتُ: يا رسُولَ الله إنَّها قَدْ أفاضَتْ وَطَافَتْ بالبَيْتِ ثمَّ حاضَتْ بَعدَ الإفاضَةِ، قالَ: "فَلتَنْفُرْ إذَنْ". مُتَّفَق عَليهِ)

(1)

.

قوله: (لا ينفر أحد) إلخ، فيه دليل على وجوب طواف الوداع.

قال النووي

(2)

: وهو قول أكثر العلماء ويلزم بتركه دم.

وقال مالك

(3)

وداود وابن المنذر: هو سنة لا شيء في تركه.

قال الحافظ

(4)

: والذي رأيته لابن المنذر في الأوسط أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شيء، انتهى.

وقد اجتمع في طواف الوداع أمره صلى الله عليه وسلم به ونهيه عن تركه وفعله الذي هو بيان للمجمل الواجب ولا شك أن ذلك يفيد الوجوب.

قوله: (أمر الناس) بالبناء على ما لم يسم فاعله وكذا قوله: خفف.

قوله: (إذا كانت قد طافت طواف الإفاضة)، قال ابن المنذر: قال عامَّةِ الفقهاء بالأمصار: ليس على الحائض التي أفاضت طواف وداع

(5)

.

وروِّينا عن عمر بن

(6)

الخطاب،

(1)

أحمد في المسند (6/ 38) والبخاري رقم (1757) ومسلم رقم (382/ 1211).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 79).

(3)

تهذيب المدونة (1/ 530).

(4)

في "الفتح"(3/ 585).

(5)

المغني (5/ 341).

(6)

كان عمر أولًا يعتبر طواف الوداع واجبا، ويقول: ليكن آخر عهدك بالبيت، وليكن آخر عهدكم بالبيت الحجر، ويقول: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت، فإنَّ آخر النسك الطواف بالبيت؛ وكان يردّ من خرج من مكة ولم يكن آخر عهده بالبيت - أي لم يطف طواف الوداع - فرد رجلًا من الظهران إلى مكة ليكون آخر عهده بالبيت؛ وكان يأمر المرأة إذا حاضت أن تنتظر حتى تطهر من حيضتها فتطوف طواف الوداع، ولم يكن يرخص لها بالذهاب قبل ذلك

ثم بلغ عمر بعد ذلك حديث غير ما صنع فترك صنيعه الأول "المحلى 7/ 170] ولعل الحديث الذي بلغه ما رواه البخاري رقم (1771) ومسلم رقم (382/ 1211 رقم الباب 67) عن عائشة قالت: حاضت صفية بعدما أفاضت - أي طافت طواف الإفاضة - قالت =

ص: 393

وابن عمر

(1)

، وزيد بن ثابت

(2)

أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضًا لطواف الوداع، فكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة، إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها.

قال: وقد ثبت رجوع ابن عمر (1) وزيد بن ثابت (2) عن ذلك، وبقي عمر

(3)

فخالفناه لثبوت حديث عائشة.

وروى ابن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد: كان الصحابة يقولون إذا أفاضت قبل أن تحيض فقد فرغت، إلا عمر (3).

وقد روى أحمد

(4)

وأبو داود

(5)

والنسائي

(6)

والطحاوي

(7)

عن عمر أنه قال: ليكن آخر عهدها بالبيت.

= عائشة، فذكرت حيضتها لرسول الله، فقال رسول الله: أحابستنا هي؟ قلت: يا رسول الله إنها قد أفاضت وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة، فقال رسول الله: فلتنفر

فإن خلاصة قول عمر هو: إن طواف الوداع واجب لا يجوز لأحد تركه، إلا المرأة الحائض التي كان حيضها بعد أداء طواف الإفاضة، فإن طواف الإفاضة يقوم مقامه، أما إن كان حيضها قبل أدائها طواف الإفاضة فإنها لا تسافر حتى تطوف بالبيت" اهـ.

[موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص 332 - 333. والبيان للعمراني (4/ 368 - 369)].

(1)

أما ابن عمر فقد رويَ عنه أنه رجع.

وأخرج خبر رجوع ابن عمر عن فثواه البخاري رقم (1761) والبيهقي (5/ 163) بلفظ:

"إنها لا تنفر، ثم سمعته يقول بعدُ: إن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّصُ لهنَّ"

(2)

أما زيد بن ثابت فقد رويَ عنه أنه رجع أيضًا.

وأخرج خبر زيد بن ثابت في فتواه البخاري رقم (1759) وقصة رجوعه: مسلم رقم (381/ 1328) والبيهقي (5/ 163) في الحج ولفظه: "كنت مع ابن عباس إذ قال زيد بن ثابت: تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت، فقال له ابن عباس: أمَّا لا

فسل فلانة الأنصارية، هل أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فرجع زيد بن ثابت إلى ابن عباس يضحك، وهو يقول: ما أراك إلا قد صدقت" اهـ.

(3)

قلت: وقد ثبت رجوع عمر رضي الله عنه قبل تعليقتين، ولله الحمدُ والمنة.

(4)

في المسند (3/ 416 - 417).

(5)

في سننه رقم (2004).

(6)

لم أقف عليه عند النَّسَائِي.

(7)

في شرح معاني الآثار (2/ 232).

وهو حديث صحيح إلا أنه منسوخ.

ص: 394

وفي رواية كذلك حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واستدل الطحاوي

(1)

بحديث عائشة

(2)

على نسخ حديث عمر

(3)

في حق الحائض.

وكذلك استدل على نسخه بحديث أم سليم عند أبي داود الطيالسي

(4)

أنها قالت: حِضْتُّ بعدَ مَا طُفْتُ بالبيت فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنْفِرَ، وحاضَتْ صفيَّةُ فقالت لها عائشةُ: حَبَسْتنا فأمرَها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنفِرَ.

ورواه سعيد بن منصور في كتاب المناسك وإسحاق في مسنده

(5)

والطحاوي

(6)

وأصله في البخاري

(7)

.

ويؤيد ذلك ما أخرجه النَّسَائِي

(8)

والترمذي

(9)

وصححه الحاكم

(10)

عن ابن عمر قال: "من حج فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض رخص لهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

قوله: (فلتنفر إذن) أي فلا حبس علينا حينئذٍ لأنها قد أفاضت فلا مانع من التوجه، والذي يجب عليها قد فعلته.

وفي رواية للبخاري

(11)

: "فلا بأس انفري"، وفي رواية له (12):"اخرجي"، وفي رواية

(12)

: "فلتنفر"، ومعانيها متقاربة، والمراد بها الرحيل من منى إلى جهة المدينة.

(1)

في شرح معاني الآثار (2/ 232 - 235).

(2)

تقدم برقم (2063) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم آنفًا.

(4)

في المسند رقم (1651) وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند رقم (2163).

(6)

في شرح معاني الآثار (2/ 233).

(7)

في صحيحه رقم (1758)، (1759).

(8)

في السنن الكبرى (4/ 226 رقم 4182).

(9)

في سننه رقم (944) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(10)

في المستدرك (1/ 469 - 470) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (3001) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 235) والطبراني في الكبير رقم (13393) وابن حبان رقم (3899) من طرق.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(11)

في صحيحه رقم (1762).

(12)

أي للبخاري في صحيحه رقم (1762).

ص: 395

واستدل بقوله: (أحابستنا) على أن أمير الحاج يلزمه أن يؤخر الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة.

وتعقب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد بتأخير الرحيل إكرام صفية كما احتبس بالناس على عقد عائشة.

وأما ما أخرجه البزار

(1)

من حديث جابر [والثقفي]

(2)

في فوائده من حديث أبي هريرة

(3)

مرفوعًا: "أميران وليسا بأميرين: من تبع جنازة فليس له أن ينصرف حتى تدفن أو يأذن أهلها، والمرأة تحج أو تعتمر مع قوم فتحيض قبل طواف الركن فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم، ففي إسناد كل واحد منها ضعيف شديد الضعف كما قال الحافظ

(4)

.

[الباب السابع والعشرون] باب ما يقول إذا قدم من حج أو غيره

124/ 2064 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أوْ حَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ على كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأرْضِ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يقولُ: "لا إلهَ إلَّا الله وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلِّ شيء قَدِيرٌ، آيِبُونَ تائِبُونَ عابدُونَ سَاجدُونَ لِرَبِّنا حامدُونَ، صَدَقَ الله وعْدَه، ونصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحزَابَ وَحدَهُ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(5)

. [صحيح]

(1)

في المسند رقم (1144 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 281) وقال: رواه البزار وقال: لا نعلمه بهذا اللفظ من وجه أحسن من هذا.

وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 590) إسناده ضعيف شديد الضعف.

(2)

كذا في المخطوط (أ) و (ب). وفي "الفتح"(البيهقي). وفوائد البيهقي حديثية. معجم المصنفات ص 318 رقم 988.

(3)

عزاه الحافظ في "الفتح"(3/ 590) للبيهقي في فوائده وقال: إسناده ضعيف شديد الضعف.

(4)

في الفتح (3/ 590).

(5)

أحمد في المسند (2/ 5) والبخاري رقم (1797) ومسلم رقم (428/ 1344).

ص: 396

قوله: (شرف) هو المكان العالي كما في القاموس

(1)

وغيره

(2)

.

وفي رواية لمسلم

(3)

: "أن إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر".

قوله: (آيبون) أي راجعون وهو وما بعده إخبار لمبتدأ مقدر، أي نحن آيبون، إلخ.

قوله: (صدق الله وعده) أي في إظهار الدين وكون العاقبة للمتقين وغير ذلك مما وعد به سبحانه، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)}

(4)

.

قوله: (وهزم الأحزاب وحده) أي من غير قتال من الآدميين، والمراد بالأحزاب الذين اجتمعوا يوم الخندق وتحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم فأرسل الله عليهم ريحًا وجنودًا، وهذا هو المشهور أن المراد بالأحزاب أحزاب يوم الخندق.

قال القاضي عياض

(5)

: ويحتمل أن المراد أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن.

والحديث فيه استحباب التكبير والتهليل والدعاء المذكور عند كل شرف من الأرض يعلوه الراجع إلى وطنه من حج أو عمرة أو غزو.

[الباب الثامن والعشرون] باب الفوات والإحصار

125/ 2065 - (عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ الحَجَّاجِ بْن عَمْرٍو قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ وعَليهِ حَجَّةٌ أُخْرَى"؛ قال: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لابْنِ عَبَّاسٍ وأبي هُرَيْرَةَ، فقالا: صَدَقَ. رَوَاهُ الخَمَسَة

(6)

. [صحيح لغيره]

(1)

القاموس المحيط ص 1064.

(2)

كالنهاية لابن الأثير (2/ 462).

(3)

في صحيحه قم (428/ 1344).

الفدفد: الموضع الذي فيه غِلَظ وارتفاع وجمعه فدافد. النهاية (3/ 420).

(4)

سورة آل عمران: الآية (9).

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 454 - 455).

(6)

أحمد في المسند (3/ 450) وأبو داود رقم (1862) والترمذي رقم (940) والنسائي رقم (2860) وابن ماجه رقم (3077). =

ص: 397

وفِي رِوايَةٍ لِأبي داوُدَ

(1)

وابْنِ ماجَهْ

(2)

: "مَنْ عَرَجَ أَوْ كُسِرَ أَوْ مَرِضَ". فَذَكَرَ مَعْناهُ. [صحيح]

وَفِي رِوايَةٍ ذَكَرَها أحمَدُ في رِوايَةِ المَرْوَزيِّ: "مَنْ حُبِسَ بِكَسْرٍ أَوْ مَرَضٍ").

126/ 2066 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كانَ يقولُ: أَلَيْسَ حسْبُكُمْ سُنَّة رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إنْ حُبِسَ أحَدُكُمْ عَنِ الحَجِّ طافَ بِالبَيْتِ وبِالصَّفا والمَرْوَةِ، ثمَّ يَحِلُّ مِنْ كُلِّ شَيء، حَتَّى يَحُجَّ عامًا قابِلًا فيُهْدِي أَوْ يَصومَ إنْ لَمْ يَجِدْ هدْيًا. رواهُ البُخاري

(3)

والنَّسائيُّ)

(4)

. [صحيح]

127/ 2067 - (وعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَنَّهُ أَمَرَ أَبَا أَيُّوبَ صاحِبَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وهَبَّارَ بْنَ الأَسْودِ حِينَ فاتَهُما الحجُّ فأتَيا يَوْم النَّحْر أَنْ يَحِلَّا بِعُمْرَةٍ، ثمَّ يَرْجِعا حَلالًا ثمَّ يَحُجَّا عامًا قابلًا وَيُهْدِيا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّام في الحَجِّ وسَبْعَةٍ إذا رَجَعَ إلى أَهْلِهِ)

(5)

.

128/ 2068 - (وعَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ أَنَّ ابْنَ حُزَابَةَ المَخْزومِيَّ صُرعَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهْوَ مُحرم بِالحَجِّ، فَسَألَ عَلى الماءِ الذِي كانَ عَليهِ، فَوَجَدَ

= قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 482 - 483) والطبراني في الكبير (ج 3 رقم 3211) والدارمي رقم (1936) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي.

قلت: في إسناده يحيى بن أبي كثير وهو ثقة لكنه يدلس ويرسل. ولكن للحديث شاهد فهو به صحيح] والله أعلم.

(1)

في السنن رقم (1863).

(2)

في السنن رقم (3078).

وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (1810).

(4)

في سننه رقم (2769، 2770).

وهو حديث صحيح.

(5)

مالك في الموطأ (1/ 362 - 363 رقم 103) بلاغًا.

ص: 398

عَبدَ الله بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ الله بْنَ الزُّبَيْرِ وَمَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ فَذَكَرَ لَهُمْ الَّذِي عَرَضَ لَهُ وَكُلُّهُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَدَاوى بِما لا بُدَّ مِنْهُ وَيَفتَدِيَ، فإذَا صَحَّ اعْتَمَرَ فَحَلَّ مِنْ إحْرامِهِ ثمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قابِلًا وَيُهْدِيَ)

(1)

. [إسناده صحيح]

129/ 2069 - (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قال: مَنْ حُبِسَ دونَ البَيْتِ بِمَرَضٍ فإِنَّهُ لا يَحِلُّ حتَّى يَطوفَ بِالبَيْتِ

(2)

. وهذ الثَّلاثَةُ لِمَالِكِ في المُوَطَّإ) [إسناده صحيح]

130/ 2070 - (وعَنِ ابْنِ عَباسٍ قالَ: لا حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ. رَوَاهُ الشَّافِعي في مُسْنَدِهِ)

(3)

. [إسناده صحيح]

حديث الحجاج بن عمرو سكت عنه أبو داود

(4)

والمنذري

(5)

وحسنه الترمذي

(6)

.

وأخرجه أيضًا ابن خزيمة

(7)

والحاكم

(8)

والبيهقي

(9)

.

وأثر عمر بن الخطاب أخرجه أيضًا البيهقي

(10)

.

وأخرج (11) عن عمر أنه أمر من فاته الحج أن يهل بعمرة وعليه الحج من قابل.

وأخرج (11) أيضًا عن زيد بن ثابت مثله.

وأخرج

(11)

نحوه عن عمر من طريق أخرى.

والأثر الذي رواه سليمان بن يسار رواه مالك

(12)

عن يحيى بن سعيد عنه، ولكن سليمان بن يسار لم يدرك القصة.

(1)

مالك في الموطأ (1/ 362 - 363 رقم 103)، وإسناده صحيح.

(2)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 361 رقم 103)، وإسناده صحيح.

(3)

في المسند (رقم 983 - ترتيب) إسناد صحيح.

(4)

في السنن (2/ 434).

(5)

في المختصر (2/ 368).

(6)

في سننه رقم (3/ 277).

(7)

لم أقف عليه في الجزء المطبوع.

(8)

في المستدرك (1/ 470) و (1/ 482 - 483) وقد تقدم.

(9)

في السنن الكبرى (5/ 220).

(10)

في السنن الكبرى (5/ 174).

(11)

أي البيهقي في السنن الكبرى (5/ 175).

(12)

في الموطأ (1/ 362 رقم 103) وقد تقدم.

ص: 399

وأثر ابن عمر رواه مالك في الموطأ

(1)

من طريق ابن شهاب عن سالم عنه.

وأثر ابن عباس صحح الحافظ

(2)

إسناده.

قوله: (من كسر) بضم الكاف وكسر السين.

قوله: (أو عرج) بفتح المهملة والراء: أي أصابه شيء في رجله وليس بخلقة، فإذا كان خلقة قيل: عرج بكسر الراء.

قوله: (فقد حل) تمسك بظاهر هذا أبو ثور وداود فقالا: إنه يحل في مكانه بنفس الكسر والعرج.

وأجمع بقية العلماء على أنه يحل من كسر أو عرج، ولكن اختلفوا فيما به يحل وعلام يحمل هذا الحديث، فقال أصحاب الشافعي

(3)

: إنه يحمل على ما إذا شرط التحلل به، فإذا وجد الشرط صار حلالًا ولا يلزم الدم.

وقال مالك

(4)

وغيره

(5)

: يحل بالطواف بالبيت لا يحله غيره، ومن خالفه من الكوفيين يقول: يحل بالنية والذبح والحلق، وسيأتي الكلام على ذلك.

قوله: (أو مرض) الإحصار لا يختص بالأعذار المذكورة بل كل عذر حكمه حكمها، كإعواز النفقة والضلال في الطريق وبقاء السفينة في البحر، وبهذا قال كثير من الصحابة.

وقال النخعي والكوفيون: الحصرُ بالكسر والمرض والخوف.

وقال آخرون منهم مالك

(6)

والشافعي

(7)

وأحمد

(8)

: لا حصر إلا بالعدو، وتمسكوا بقول ابن عباس المذكور في الباب.

وحكى ابن جرير

(9)

قولًا أنه لا حصر بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

في الموطأ (1/ 361 رقم 103) وقد تقدم.

(2)

في التلخيص (2/ 548).

(3)

المجموع شرح المهذب (8/ 301 - 304).

(4)

عيون المجالس (2/ 893).

(5)

كأحمد في المغني (5/ 195 - 196).

(6)

عيون المجالس (2/ 893).

(7)

الأم (3/ 569).

(8)

المغني (5/ 195 - 196).

(9)

في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 214 - 215).

ص: 400

والسبب في هذا الاختلاف أنهم اختلفوا في تفسير الإحصار.

فالمشهور عن أكثر أهل اللغة منهم الأخفش

(1)

والكسائي

(2)

والفراء

(3)

وأبو عبيد

(4)

، وأبو عبيدة

(5)

وابن السكيت

(6)

وثعلب (5) وابن قتيبة

(7)

وغيرهم

(8)

أن الإحصار إنما يكون بالمرض، وأما بالعدو فهو الحصر.

وقال بعضهم: إن أحصر وحصر بمعنى واحد.

قوله: (سنة نبيكم) قال عياض

(9)

: ضبطناه سنة بالنصب على الاختصاص وعلى إضمار فعل: أي تمسكوا وشبهه وخبر حسبكم طاف بالبيت ويصح الرفع على أن سنة خبر حسبكم أو الفاعل وحسبكم بمعنى الفعل ويكون ما بعدهما تفسيرًا للسنة.

وقال السهيلي

(10)

: من نصب سنة فهو بإضمار الأمر كأنه قال: الزموا سنة نبيكم.

قوله: (طاف بالبيت)، أي: إذا أمكنه ذلك، ووقع في رواية عبد الرزاق: إن حبس أحدًا منكم حابس عن البيت فذا وصل طاف.

قوله: (حتى يحجّ عامًا قابلًا)، استدل به على وجوب الحج من القابل على من أحصر، وسيأتي الخلاف فيه.

قوله: (فيهدي) فيه دليل على وجوب الهدي على المحصر، ولكن الإحصار الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقع في العمرة، فقاس العلماء الحج على ذلك، وهو من الإلحاق بنفي الفارق

(11)

.

(1)

في معاني القرآن (1/ 355).

(2)

ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة"(4/ 231).

(3)

في معاني القرآن (1/ 117 - 118).

(4)

انظر: الغريبين (2/ 452 - 453).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 4).

(6)

ذكره الأزهري في تهذيب اللغة (4/ 233).

(7)

في تفسير غريب القرآن (ص 78) وفي أدب الكاتب (ص 358).

(8)

كابن الأثير في النهاية (1/ 395) وابن منظور في اللسان (4/ 194 - 195).

(9)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 4).

(10)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 9).

(11)

انظر: "سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام"(4/ 259 - 260) بتحقيقي.

ص: 401

وإلى وجوب الهدي ذهب الجمهور

(1)

، وهو ظاهر الأحاديث الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك في الحديبية

(2)

.

ويدل عليه قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}

(3)

.

وذكر الشافعي

(4)

أنه لا خلاف في ذلك في تفسير الآية، وخالف في ذلك مالك

(5)

فقال: إنه لا يجب الهدي على المحصر، وعوّل على قياس الإحصار على الخروج من الصوم للعذر، والتمسك بمثل هذا القياس في مقابل ما يخالفه من القرآن والسنة من الغرائب التي يتعجب من وقوع مثلها من أكابر العلماء.

قوله: (ابن حزابة) بضم الحاء المهملة وبعدها زاي ثم بعد الألف موحدة.

قوله: (فسأل على الماء) هكذا في بعض نسخ هذا الكتاب، وفي بعضها: عن الماء، وفي نسخة صحيحة من الموطأ

(6)

: على الماء، ونسخ بعن.

قوله: (فوجد) هذه اللفظة ثابتة في نسخة من هذا الكتاب وهي ثابتة في الموطأ. وقد استدل بالآثار المذكورة في الباب على وجوب الهدي، وأن الإحصار لا يكون إلا بالخوف من العدوّ، وقد تقدم البحث عن ذلك وعلى وجوب القضاء وسيأتي.

[الباب التاسع والعشرون] باب تحلل المحصر عن العُمْرَةِ بالنَّحْرِ ثم الحَلْقِ حيثُ حُصِرَ مِنْ حلّ أو حَرَمٍ، وأَنَّهُ لَا قضاءَ عليه

131/ 2071 - (عَنْ المِسْوَرِ وَمَرْوانَ في حَدِيثِ عُمْرَةِ الحُدَيْبِيَةِ والصُّلْحِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتابِ قالَ لأصحابِهِ: "قُوموا فانْحَروا ثمَّ احْلِقوا".

(1)

المجموع (7/ 487) و (8/ 293).

والمغني (5/ 196، 198، 199).

(2)

البخاري رقم (1694، 1695) وأبو داود رقم (1856).

(3)

سورة البقرة: الآية (196).

(4)

الأم (3/ 408 - 409).

(5)

تهذيب المدونة (1/ 580 - 583).

(6)

في الموطأ (1/ 361 رقم 103).

ص: 402

رَوَاهُ أحمدُ

(1)

والبُخارِيُّ

(2)

وأَبُو داودَ

(3)

. [صحيح]

وَللْبُخارِيّ

(4)

عَنِ المِسْوَرِ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وأَمَرَ أَصْحابهُ بِذلِكَ). [صحيح]

132/ 2072 - (وعَنِ المِسْوَرِ ومَرْوَانَ قالا: قَلَّدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْهَدْيَ وأشْعَرَهُ بِذي الحُلَيْفَةِ، وأَحْرَمَ مِنها بِالعُمْرَةِ، وَحَلَقَ بِالحُدَيْبِيَّةِ في عُمْرَتِهِ، وَأَمَرَ أَصْحابَهُ بِذلِكَ، ونَحَرَ بِالحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، وأَمَرَ أصْحَابَهُ بِذلِكَ. رَواهُ أحمَدُ)

(5)

. [صحيح]

133/ 2073 - (وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: إِنَّما الْبَدَلُ عَلى مَنْ نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلَذُّذِ، فأما مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ أَوْ غَيْرُ ذلِكَ فإِنَّهُ يَحِلُّ وَلا يَرْجِعُ، وإِنْ كانَ مَعَهُ هَدْيٌ وهْوَ مُحصرٌ نَحَرَهُ إنْ كان لا يَسْتَطِيعُ [أَنْ]

(6)

يَبْعَثَ بِهِ، وإِنِ استَطاعَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ محِلَّهُ. أَخرَجَهُ البُّخارِيُّ

(7)

.

[وقَال]

(8)

مالِكٌ وغَيْرُهُ: يَنحرُ هَدْيَهُ وَيَحْلِقُ في أَيِّ مَوْضِعٍ كانَ، وَلا قَضاءَ عليْهِ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَهُ بالحُدَيْبِيَّةِ نَحَرُوا وحَلَقُوا وحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيءٍ قَبْلَ الطَّوافِ وقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الهَدْيُ إلى البَيْتِ، ثُمَّ لمْ يَذْرُوا أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَحَدًا أَنْ

(1)

في المسند (4/ 331).

(2)

في صحيحه رقم (2731).

(3)

في سننه رقم (2765).

وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (1811).

(5)

في المسند (4/ 327) بسند صحيح على شرط الشيخين.

وأخرجه البخاري مختصرًا رقم (1811).

(6)

سقطت من المخطوط (أ) و (ب) وأثبتها من الحديث.

(7)

أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 10 رقم الباب 4 - مع الفتح) معلقًا.

وقال الحافظ في "الفتح"(4/ 11): "وهذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في تفسيره عن روح - ابن عبادة - بهذا الإسناد، وهو موقوف على ابن عباس".

(8)

في المخطوط (أ): (قال: وقال).

ص: 403

يَقْضُوا شَيْئًا، وَلا يَعُودُوا لَهُ، والحُدَيْبِيَّةُ خارجَ الحَرَمِ. كُلُّ هذا كَلامُ البُخارِيِّ في صَحيحِهِ)

(1)

.

قوله: (فانحروا ثم احلقوا)، فيه دليلٌ على أن المحصر يُقدم النحر على الحلق، ولا يعارضه هذا ما وقع في رواية للبخاري

(2)

: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حلق وجامع نساءه ونحر هديه".

لأن العطف بالواو إنما هو لمطلق الجمع ولا يدل على الترتيب.

فمن قدم الحلق على النحر فروى ابن أبي شيبة

(3)

عن علقمة أن عليه دمًا، وعن ابن عباس مثله.

والظاهر عدم وجوب الدم لعدم الدليل.

قوله: (إنما البدل) إلخ بفتح الباء الموحدة والمهملة: أي القضاء لما أحصر فيه من حج أو عمرة، وهذا قول الجمهور كما في الفتح

(4)

.

وقال في البحر

(5)

: إن على المحصر القضاء إجماعًا في الفرض، العترة وأبو حنيفة

(6)

وأصحابه وكذا في النفل، انتهى.

وعن أحمد

(7)

روايتان.

واحتج الموجبون للقضاء بحديث الحجاج بن عمرو

(8)

السالف وهو نص في محل النزاع، وبحديث ابن عمر

(9)

المتقدم لقوله فيه: حتى يحج عامًا قابلًا فيهدي بعد قوله: حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما تقدم من الآثار.

وقال الذين لم يوجبوا القضاء: لم يذكر الله تعالى القضاء، ولو كان واجبًا لذكره، وهذا ضعيف لأن عدم الذكر لا يستلزم العدم.

قالوا: ثانيًا قول ابن عباس: يدل على عدم الوجوب.

(1)

(4/ 10 - 11).

(2)

في صحيحه رقم (1809).

(3)

في الجزء المفقود ص 416، 417.

(4)

(4/ 11).

(5)

البحر الزخار (2/ 390).

(6)

المغني (5/ 200).

(7)

تقدم برقم (2069) من كتابنا هذا.

(8)

البناية في شرح الهداية (4/ 406).

(9)

تقدم برقم (2065) من كتابنا هذا.

ص: 404

ويجاب بان قول الصحابي ليس بحجة إذا انفرد، فكيف إذا عارض المرفوع؟.

قالوا: ثالثًا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا ممن أحصر معه في الحديبية بأن يقضي ولو لزمهم القضاء لأمرهم.

قال الشافعي

(1)

: إنما سميت عمرة القضاء والقضية للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، لا على أنه أوجب عليهم قضاء تلك العمرة، وهذا هو الدليل الذي ينبغي التعويل عليه.

ولكنه يعارضه ما رواه الواقدي في المغازي

(2)

من طريق الزهري، ومن طريق أبي معشر وغيرهما قالوا: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا فلم يتخلف منهم إلا من قتل بخيبر أو مات، وخرج جماعة معه معتمرين ممن لم يشهد الحديبية فكانت عدتهم ألفين.

قال في الفتح

(3)

: ويمكن الجمع بين هذا إن صح وبين الذي قبله بأن الأمر كان على طريق الاستحباب؛ لأن الشافعي جازم بان جماعة تخلفوا لغير عذر.

وقد روى الواقدي (2) أيضًا من حديث ابن عمر قال: لم تكن هذه العمرة قضاء، ولكن كان شرطًا على قريش أن يعتمر المسلمون من قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه، انتهى.

ويمكن أن يقال: إن ترك أمره صلى الله عليه وسلم لا ينتهض لمعارضة ما تقدم مما يدل على وجوب القضاء؛ لأن ترك الأمر ربما كان لعلمهم بوجوب القضاء على من أحصر بدليل آخر كحديث الحجاج بن عمر

(4)

لأن حكم الحج والعمرة واحد.

بقى هاهنا شيء هو أن قوله: (وعليه الحج من قابل)، وقوله:(وعليه حجة أخرى) يمكن أن يكون المراد [به]

(5)

تأدية الحج المفروض أو ما كان يريد أداءه

(1)

في الأم (3/ 401).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 12).

وانظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 73).

(3)

(4/ 12).

(4)

تقدم برقم (2565) من كتابنا هذا.

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 405

في عام الإحصار، لا أنه القضاء المصطلح عليه لأنَّه لم يسبق ما يوجبه، بل غاية ما هناك أنه منعه عن تأدية ما أراد فعله مانع فعليه فعله، ولا يسقط بمجرد عروض المانع وتعيين العام القابل يدل على أن ذلك على الفور.

قوله: (بالتلذذ) بمعجمتين وهو الجماع.

قوله: (فأما من حبسه عدو) هكذا في نسخ الكتاب عدو بفتح العين المهملة وضم الدال المهملة أيضًا والواو، وهي رواية أبي ذر في صحيح البخاري، ورواه الأكثر بضم العين وسكون الذال المعجمة والراء مكان الواو المحصر.

قوله: (نحره) قد وقع الخلاف بين الصحابة فمن بعدهم في محل نحر الهدي للمحصر، فقال الجمهور

(1)

: يذبح المحصر الهدي حيث يحل سواء كان في الحل أو الحرم.

وقال أبو حنيفة

(2)

: لا يذبحه إلا في الحرم، وبه قال جماعة من أهل البيت

(3)

منهم الهادي.

وفصَّل آخرون كما قال ابن عباس: قال في الفتح

(4)

: وهو المعتمد.

قال: وسبب اختلافهم في ذلك اختلافهم هل نحر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية في الحل أو في الحرم؟ وكان عطاء يقول: لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم، ووافقه ابن إسحاق، وقال غيره من أهل المغازي: إنما نحر في الحل.

فائدة: لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى في كتابه هذا زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الموطن الذي يحسن ذكرها فيه كتاب الجنائز، ولكنها لما كانت تفعل في سفر الحج في الغالب ذكرها جماعة من أهل العلم في كتاب الحج فأحببنا ذكرها هاهنا تكميلًا للفائدة.

(1)

المغني (5/ 198).

(2)

البناية في شرح الهداية (4/ 403).

(3)

البحر الزخار (2/ 394).

(4)

(4/ 11).

ص: 406

‌[أقوال أهل العلم في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

-]:

وقد اختلفت فيها أقوال أهل العلم، فذهب الجمهور إلى أنها مندوبة

(1)

، وذهب بعض المالكية

(2)

وبعض الظاهرية إلى أنها واجبة.

وقالت الحنفية

(3)

: إنها قريبة من الواجبات.

وذهب ابن تيمية الحنبلي حفيد المصنف [رحمه الله]

(4)

المعروف بشيخ الإسلام إلى أنها غير مشروعة

(5)

، وتبعه على ذلك بعض الحنابلة، وروي ذلك

(1)

التبيان للعمراني (4/ 377 - 379).

والمجموع للنووي (8/ 252 - 253)، والمغني (5/ 465 - 468).

(2)

"التسهيل"(3/ 975 - 976).

(3)

الاختيار لتعليل المختار (1/ 236 - 240).

(4)

زيادة من المخطوط (ب).

(5)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(27/ 252 - 255): "والمقصود هنا: أن السفر إلى غير المساجد الثلاثة من قبر، وأثر نبي، ومسجد غير ذلك: ليس بواجب ولا مستحب بالنص والإجماع.

والسفر إلى مسجد نبينا مستحب بالنص والإجماع.

فهذا هو الذي أجمع عليه الصحابة والتابعون ومن بعدهم من المجتهدين، ولله الحمد.

والمجيب قد ذكر استحباب هذا بالنص والإجماع، فكلام المجيب يبين أنه متبع للصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء المجتهدين، وأنهم منزهون عن تقرير الحرام، أو خرق الإجماع، منزهون أن يجمعوا على ضلالة، أو يسلكوا طريق العماية والجهالة.

وهذا المعترض وأشباهه من الجهال سووا بين هذا السفر الذي ثبت استحبابه بنص الرسول وإجماع أمته، وبين السفر الذي ثبت أنه ليس مستحبًا بنص الرسول وإجماع أمته.

وقاسوا هذا بهذا، والمجيب إنما ذكر القولين في النوع الثاني: في الذي لا يسافر إلا لقصد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وذكر أن الذي يسافر إلى مسجد الرسول وزيارته الشرعية يستحب السفر إليه بالنص والإجماع. فحكوا عن المجيب أنه ينهى عن زيارة قبر الرسول والسفر إليه، ويحرم ذلك، ويحرم قصر الصلاة فيه، بحيث جعلوه ينهى عما يفعله الحجاج من السفر إلى مسجده، وأن من سافر إلى هناك لا يقصر الصلاة، وهذا كله افتراء وبهتان.

وذلك أنه لا حجة لهم على السفر إلى سائر قبور الأنبياء إلا السفر إلى نبينا.

فلما كان السفر إلى ذلك المكان مشروعًا في الجملة قاسوا عليه السفر إلى سائر القبور، فضلُّوا وأضلُّوا، وخالفوا كتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين. وضلوا من وجوه كثيرة: =

ص: 407

عن مالك والجويني والقاضي عياض

(1)

كما سيأتي.

احتج القائلون بأنها مندوبة بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ}

(2)

الآية.

ووجه الاستدلال بها أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره بعد موته كما في حديث: "الأنبياء أحياء في قبورهم"

(3)

= (منها): أنه ليس في الأرض قبر نبي معلوم بالتواتر والإجماع إلا قبر نبينا وما سواه ففيه نزاع.

(ومنها): أن الذين استحبوا السفر إلى زيارة قبر نبينا مرادهم السفر إلى مسجده. وهذا مشروع بالإجماع، ولو قصد المسافر إليه فهو إنما يصل إلى المسجد، والمسجد منتهى سفره؛ لا يصل إلى القبر؛ بخلاف غيره فإنه يصل إلى القبر؛ إلا أن يكون متوغلًا في الجهل والضلال. فيظن أن مسجده إنما شرع السفر إليه لأجل القبر، وأنَّه لذلك كانت الصلاة فيه بألف صلاة، وأنَّه لولا القبر لم يكن له فضيلة على غيره، أو يظن أن المسجد بني أو جعل تبعًا للقبر، كما تبنى المساجد على قبر الأنبياء والصالحين، ويظن أن الصلاة في المسجد تبع، والمقصود هو القبر، كما يظن المسافرون إلى قبور الأنبياء والصالحين غير قبر نبينا.

وكما أن الذي يذهب إلى الجمعة يصلي إذا دخل تحية المسجد ركعتين، ولكن هو إنما جاء لأجل الجمعة، لا لأجل ركعتي التحية، فمن ظن هذا في مسجد نبينا صلى الله عليه وسلم فهو من أضل الناس وأجهلهم بدين الإسلام، وأجهلهم بأحوال الرسول وأصحابه، وسيرته، وأقواله وأفعاله، وهذا محتاج إلى أن يتعلم ما جهله من دين الإسلام حتى يدخل في الإسلام، ولا يأخذ بعض الإسلام ويترك بعضه، فإن مسجده أمس على التقوى من السنة الأولى من الهجرة، وهو أفضل مسجد على وجه الأرض إلا المسجد الحرام. وقيل: هو أفضل مطلقًا.

فهل يقول عاقل أن مساجد المسلمين - مساجد الجوامع التي يصلى فيها الجمعة وغيرها - فضيلتها واستحباب قصدها للصلاة فيها لأجل قبر عندها.

فإذا لم يجز أن يقال هذا في مثل هذه المساجد، فكيف يقال فيما هو خير منها كلها وأفضلها

" اهـ.

(1)

قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(27/ 233): "أن هذا قول أكثر المتقدمين: كمالك، وأكثر أصحابه، والجويني أبي محمد، وغيره من أصحاب الشافعي، وأكثر متقدمي أصحاب أحمد

" اهـ.

(2)

سورة النساء: الآية (64).

(3)

وهو حديث حسن.

أخرجه أبو يعلى في المسند رقم (3425) والبزار في المسند رقم (2339 - كشف) =

ص: 408

وقد صححه البيهقي وألَّف في ذلك

(1)

جزءًا.

قال الأستاذ أبو منصور البغدادي: قال المتكلمون المحققون من أصحابنا: إن نبينا صلى الله عليه وسلم حي بعد وفاته

(2)

، انتهى.

ويؤيد ذلك ما ثبت أن الشهداءَ أحياء يرزقون في قبورهم والنبي صلى الله عليه وسلم منهم، وإذا ثبت أنه حي في قبره كان المجيء إليه بعد الموت كالمجيء إليه قبله.

ولكنه قد ورد أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم فوق ثلاث.

وروي فوق أربعين، فإن صح ذلك قدح في الاستدلال بالآية.

ويعارض القول بدوام حياتهم في قبورهم ما سيأتي من أنه صلى الله عليه وسلم ترد عليه روحه عند التسليم عليه

(3)

.

= وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 44) والبيهقي في "حياة الأنبياء" رقم (2).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 211) وقال: "رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى ثقات".

وأورده الحافظ في "المطالب العالية" برقم (3446). والسيوطي في الجامع الصغير ورمز لحسنه رقم (3089).

وأورده الألباني رحمه الله في "الصحيحة"(2/ 189): وقال: هذا إسناد جيد كلهم ثقات

غير الأزرق هذا قال الحافظ في "التقريب": صدوق يغرب.

والأزرق توبع، كما أخرج أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 83).

فالحديث حسن بهذه المتابعة والله أعلم.

ولمزيد من المعرفة عن هذا الحديث انظر: "الصحيحة" رقم (621).

(1)

واسمه: "حياة الأنبياء صلوات الله عليهم بعد وفاتهم" حققه وعلق عليه الدكتور أحمد بن عطية الغامدي. ط: مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة.

(2)

قال الألباني رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - في "الصحيحة"(2/ 190):

".... ثم اعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هي حياة برزخية، ليست من حياة الدنيا في شيء، ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها؛ ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا.

هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد: الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء، كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء أن حياته صلى الله عليه وسلم في قبره حياة حقيقية! قال: يأكل ويشرب ويجامع نساءه! وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى" اهـ.

(3)

أخرج أحمد في المسند (2/ 527) وأبو داود رقم (2041) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 245) =

ص: 409

نعم حديث: "من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي"

(1)

، الذي سيأتي إن صح فهو الحجة في المقام.

واستدلوا ثانيًا بقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ}

(2)

الآية.

= عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما من أحدٍ يُسَلِّم عليَّ، إلَّا ردَّ الله عز وجل إليَّ روحي حتى أرُدَّ عليه السلام".

وهو حديث حسن.

(1)

أخرجه الدارقطني (2/ 278 رقم 192) والبيهقي (5/ 246) وقال: تفرد به حفص وهو ضعيف، وابن عدي في الكامل (2/ 382) من حديث ابن عمر.

قلت: حفص بن سليمان الكوفي، تركه أحمد وأبو حاتم والنسائي في رواية. وقال البخاري ومسلم: تركوه. وقال النَّسَائِي في رواية: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه.

وقال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة.

[التاريخ الكبير (1/ 2/ 363) والجرح والتعديل (3/ 173) والكامل: (2/ 788) والمجروحين (1/ 255) والميزان (1/ 558 - 559)].

وأخرجه الطبراني في الأوسط أيضًا رقم (287) وفي الكبير (ج 12 رقم 13496) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 2) وقال: وفيه عائشة بنت يونس، ولم أجد من ترجمها.

• "قلت: ذكرها ابن حبان في الثقات (8/ 528) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مجهولة. وقال عن حديثها: باطل - الرد على الأخنائي ص 144.

وذكرها ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي" ص 73 وقال: مجهولة. لم تشتهر من حالها عند أهل العلم ما يوجب قبول روايتها، ولا يعرف لها ذكر في غير هذا الحديث".

[الفرائد على مجمع الزوائد (ص 383 - 484)].

• قال الحافظ في "التلخيص الحبير"(2/ 508): "وهذان الطريقان ضعيفان. أما حفص: فهو ابن سليمان، ضعيف الحديث، وإن كان أحمد قال فيه: صالح. وأما رواية الطبراني ففيها من لا يعرف" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث باطل، والله أعلم.

(2)

سورة النساء، الآية (100) وتمامها:{ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} . انظر: روح المعاني للألوسي (5/ 129).

وقال ابن كثير في تفسيره (4/ 231): أي: ومن خرج من منزله بنية الهجرة، فمات في أثناء الطريق؛ فقد حصل له من الله ثواب من هاجر. كما ثبت في الصحيحين -[البخاري رقم (1) ومسلم رقم (1907) - إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

ص: 410

والهجرة إليه في حياته الوصول إلى حضرته كذلك الوصول بعد موته، ولكنه لا يخفى أن الوصول إلى حضرته في حياته فيه فوائد لا توجد في الوصول إلى حضرته بعد موته منها النظر إلى ذاته الشريفة وتعلم أحكام الشريعة منه والجهاد بين يديه وغير ذلك.

واستدلوا ثالثًا بالأحاديث الواردة في ذلك منها الأحاديث الواردة في مشروعية زيارة القبور على العموم والنبي صلى الله عليه وسلم داخل في ذلك دخولًا أوّليًا

(1)

، وقد تقدم ذكرها في الجنائز.

وكذلك الأحاديث الثابتة من فعله صلى الله عليه وسلم في زيارتها.

(ومنها) أحاديث خاصة بزيارة قبره الشريف [صلى الله عليه وسلم]

(2)

أخرج الدارقطني

(3)

عن رجل من آل حاطب عن حاطب قال: قال: "من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي"، وفي إسناده الرجل المجهول.

وعن ابن عمر عند الدارقطني

(4)

أيضًا قال: قال: فذكر نحوه. ورواه أبو يعلى في مسنده

(5)

، وابن عدي في كامله

(6)

وفي إسناده حفص بن أبي داود وهو ضعيف الحديث

(7)

.

وقال أحمد

(8)

فيه: إنه صالح.

وعن عائشة عند الطبراني في الأوسط

(9)

عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

(1)

هذا لمن كان في المدينة المنورة، أو جاء إليها لزيارة المسجد النبوي، أو لعمل آخر فله زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقبر غيره ممن دفن في المدينة.

أما أن يشد الرحال لزيارة القبر فهذا غير مشروع كما تقدم.

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

في سننه (2/ 278 رقم 193) وفيه رجل مجهول. قاله الحافظ في "التلخيص"(2/ 508).

وهو حديث ضعيف جدا.

(4)

في سننه (2/ 278 رقم 192) وفد تقدم آنفًا. وهو حديث باطل.

(5)

لم أقف عليه.

(6)

في الكامل (2/ 382) وقد تقدم آنفًا.

(7)

انظر ترجمته في: الميزان (1/ 558 - 559) والمجروحين (1/ 255) وغيرها مما تقدم آنفًا.

(8)

تاريخ بغداد (8/ 186 - 187).

(9)

في الأوسط رقم (287) وفي الكبير (ج 12 رقم 13496) وقد تقدم آنفًا. وهو حديث باطل.

ص: 411

قال الحافظ

(1)

: وفي طريقه من لا يعرف.

وعن ابن عباس عند العقيلي

(2)

مثله وفي إسناده فضالة بن سعد المازني وهو ضعيف

(3)

.

وعن ابن عمر حديث آخر عند الدارقطني

(4)

بلفظ: "من زار قبري وجبت له شفاعتي"، وفي إسناده موسى بن هلال العبدي

(5)

.

قال أبو حاتم

(6)

: مجهول، أي العدالة.

ورواه ابن خزيمة في صحيحه

(7)

من طريقه.

وقال

(8)

: إن صح الخبر فإن في القلب من إسناده.

وأخرجه أيضًا البيهقي

(9)

، وقال العقيلي

(10)

: لا يصح حديث موسى ولا يتابع عليه ولا يصح في هذا الباب شيء.

(1)

في "التلخيص"(2/ 508).

(2)

في "الضعفاء الكبير"(3/ 457) في ترجمة فضالة بن سعيد بن زميل المأربي.

(3)

انظر: الميزان (3/ 348) والضعفاء الكبير (3/ 457).

(4)

في سننه (2/ 278 رقم 194) بسند ضعيف.

(5)

موسى بن هلال العبدي أبو عمران البصري. قال أبو حاتم: مجهول.

وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.

[الميزان (4/ 225 - 226 رقم الترجمة 8937)].

(6)

الجرح والتعديل (8/ 166).

(7)

قال الذهبي في الميزان (4/ 226): "رواه ابن خزيمة في مختصر المختصر، عن محمد بن إسماعيل الأحمس، عنه.

وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة" رقم الحديث (1125): وهو في صحيح ابن خزيمة وأشار إلى تضعيفه".

وقال الحافظ في "التلخيص"(2/ 508): "ورواه ابن خزيمة في صحيحه من طريقه، وقال: إن صح الخبر فإن في القلب من إسناده، ثم رجح أنه من رواية عبد الله بن عمر العمري المكبر الضعيف، لا المصغر الثقة، وصرح بأن الثقة لا يروي هذا الخبر المنكر" اهـ.

(8)

أي ابن خزيمة كما تقدم.

(9)

في السنن الكبرى (5/ 246).

(10)

في الضعفاء الكبير (4/ 170) في ترجمة موسى بن هلال.

ص: 412

وقال أحمد: لا بأس به، وأيضًا قد تابعه عليه مسلمة بن سالم. كما رواه الطبراني

(1)

من طريقه

(2)

.

وموسى بن هلال المذكور رواه عن عبيد الله بن عمر عن نافع وهو ثقة من رجال الصحيح.

وجزم الضياء المقدسي والبيهقي وابن عدي وابن عساكر بأن موسى رواه عن [عبيد الله]

(3)

بن عمر المكبر وهو ضعيف ولكنه قد وثقه ابن عدي. وقال ابن معين: لا بأس به. وروى له مسلم مقرونًا بآخر.

وقد صحح هذا الحديث ابن السكن وعبد الحق وتقي الدين السبكي.

وعن ابن عمر عند ابن عدي

(4)

والدارقطني

(5)

وابن حبان

(6)

في ترجمة النعمان بلفظ: "من حج ولم يزرني فقد جفاني".

وفي إسناده النعمان بن شبل

(7)

وهو ضعيف جدًّا، ووثقه عمران بن موسى.

وقال الدارقطني: الطعن في هذا الحديث على ابن النعمان لا عليه.

ورواه أيضًا البزار

(8)

وفي إسناده إبراهيم الغفاري وهو ضعيف.

ورواه البيهقي

(9)

عن عمر، قال: وإسناده مجهول.

(1)

في المعجم الكبير (ج 12) رقم (13149) وفي الأوسط رقم (4546).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 2) وقال: وفيه مسلمة بن سالم وهو ضعيف.

(2)

أي من طريق مسلم - مسلمة - بن سالم الجهني. قال أبو داود: ليس بثقة [الميزان (4/ 104) رقم الترجمة (8488)].

(3)

في المخطوط (ب): (عبد الله) وهو خطأ.

(4)

في "الكامل"(2/ 382).

(5)

في سننه (2/ 278 رقم 194).

(6)

في "المجروحين"(3/ 73).

(7)

قال الذهبي في "الميزان"(4/ 265 رقم 9095): النعمان بن شِبْل الباهلي. بصري.

قال موسى بن هارون: كان متهمًا. وقال ابن حبان: يأتي بالطامات.

ثم أورد الحديث وحكم عليه بالوضع.

وانظر: "الكامل"(7/ 2480).

(8)

في المسند (رقم 1198 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 2) وقال: فيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري، وهو ضعيف".

(9)

في السنن الكبرى (5/ 245) وإسناده مجهول.

ص: 413

وعن أنس عند ابن أبي الدنيا

(1)

بلفظ: "من زارني بالمدينة محتسبًا كنت له شفيعًا وشهيدًا يوم القيامة"، وفي إسناده سليمان بن [يزيد]

(2)

الكعبي ضعفه ابن حبان

(3)

والدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات

(4)

.

وعن عمر عند أبي داود الطيالسي

(5)

بنحوه، وفي إسناده مجهول.

وعن عبد الله بن مسعود عند أبي الفتح الأزدي

(6)

بلفظ: "من حج حجة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى في بيت المقدس لم يسأله الله فيما افترض عليه".

وعن أبي هريرة

(7)

بنحو حديث حاطب المتقدم.

وعن ابن عباس عند العقيلي

(8)

بنحوه.

وعنه في مسند الفردوس

(9)

بلفظ: "من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان".

وعن علي بن أبي طالب عند ابن عساكر: "من زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان

(1)

كما في "الدر المنثور"(1/ 237 - دار المعرفة).

(2)

في المخطوط (أ): (زيد) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من (ب) ومراجع الترجمة.

(3)

انظر: الميزان (2/ 228 رقم الترجمة 3524).

(4)

الثقات (6/ 395).

(5)

في المسند رقم (65) وفي إسناده مجهول وهو الراوي عن عمر.

وهو حديث ضعيف.

انظر: الضعفاء الكبير للعقيلي (4/ 362) واللآلئ للسيوطي (2/ 129) إرواء الغليل (4/ 333).

(6)

عزاه ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(2/ 175 رقم 22) إلى أبي الفتح الأزدي في الجزء الثاني من فوائده من حديث ابن مسعود؛ وفيه بدر بن عبد الله المصيصي، قال الذهبي في الميزان: هذا باطل وآفته بدر.

(7)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 245).

(8)

في "الضعفاء الكبير"(3/ 457) وقد تقدم.

(9)

ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (رقم 12370) وقال المحدث الألباني رحمه الله في كتابه "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة" ص 108:

"وهذا موضوع، آفتة أسيد بن زيد الجمال الكوفي، قال ابن معين: كذاب. سمعته يحدث بأحاديث كذب، ومع ذلك فليس فيه ذكر القبر مطلقًا" اهـ.

ص: 414

في جواره"، وفي إسناده عبد الملك بن هارون بن عنترة وفيه

(1)

مقال.

قال الحافظ

(2)

: وأصح ما ورد في ذلك ما رواه أحمد

(3)

وأبو داود

(4)

عن أبي هريرة مرفوعًا: "ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام"، وبهذا الحديث صدَّر البيهقي الباب

(5)

.

ولكن ليس فيه ما يدل على اعتبار كون المسلم عليه على قبره، بل ظاهره أعم من ذلك.

وقال الحافظ

(6)

أيضًا: أكثر متون هذه الأحاديث موضوعة.

وقد رويت زيارته صلى الله عليه وسلم عن جماعة من الصحابة.

(منهم) بلال عند ابن عساكر بسند جيد.

وابن عمر عند مالك في الموطأ

(7)

.

[وأبو]

(8)

أيوب عند أحمد

(9)

.

وأنس ذكره عياض في الشفاء

(10)

.

(1)

عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه.

قال الدارقطني: ضعيفان. وقال أحمد: عبد الملك ضعيف. وقال يحيى: كذاب، وقال أبو حاتم: متروك، ذاهب الحديث. وقال ابن حبان: يضع الحديث وهو الذي يقال له: عبد الملك بن أبي عمرو.

[التاريخ الكبير (5/ 436) والمجروحين (2/ 133) والجرح والتعديل (5/ 374) والميزان (2/ 666) والمغني (2/ 409)].

• تنبيه: في كل طبعات النيل تحرف (عبد الملك بن هارون بن عنترة) إلى (عبد الملك بن هارون بن عنبرة) وهو خطأ. وما أثبتناه من مصادر الترجمة.

(2)

في "التلخيص"(2/ 509).

(3)

في المسند (2/ 527).

(4)

في سننه رقم (2041).

وهو حديث حسن وقد تقدم ص 409 - 410.

(5)

في السنن الكبرى (5/ 245).

(6)

انظر: "التلخيص"(2/ 509).

(7)

الموطأ (1/ 166 رقم 68).

(8)

في المخطوط (ب): (وأبي).

(9)

في المسند (5/ 422) بسند ضعيف لجهالة داود بن أبي صالح، وكثير بن زيد مختلف فيه، وفي متنه نكارة.

(10)

في الشفاء (2/ 666 - 668).

ص: 415

وعمر عند البزار

(1)

، وعلي عند الدارقطني

(2)

، وغير هؤلاء.

ولكنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لذلك إلا عن بلال؛ لأنَّه روي عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بداريَّا يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورني. روى ذلك ابن عساكر (*).

واستدل القائلون بالوجوب بحديث: "من حج ولم يزرني فقد جفاني"، وقد تقدم

(3)

.

قالوا: والجفاء للنبي صلى الله عليه وسلم محرّم، فتجب الزيارة لئلا يقع في المحرم.

وأجاب عن ذلك الجمهور بأن الجفاء يقال على ترك المندوب كما في ترك البر والصلة، وعلى غلظ الطبع كما في حديث:"من بدا فقد جفا"

(4)

، وأيضًا الحديث على انفراده مما لا تقوم به الحجة لما سلف.

واحتج من قال بأنها غير [مشروعة]

(5)

بحديث: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"، وهو في الصحيح

(6)

. وقد تقدم.

(1)

في المسند رقم (1198 - كشف).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 2) وقال: فيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري وهو ضعيف.

(2)

لم أقف عليه في سنن الدارقطني.

(*) ذكره ابن منظور في "مختصر تاريخ دمشق"(5/ 265).

(3)

تقدم وهو موضوع. وهو عند ابن حبان في المجروحين (3/ 73) والكامل (7/ 2480).

(4)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 371) والبزار رقم (1618 - كشف) والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (339) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 101).

من طريق محمد بن الصباح الدولابي، عن إسماعيل بن زكريا، عن الحسن بن الحكم النخعي، عن عديّ بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بَدا جَفَا، ومن اتغَ الصيد غَفَلَ، ومن أتَى أبواب السلطان افتتن، وما ازدادَ عبدٌ من السلطان قربًا إلا ازداد من الله بُعدًا".

وأخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 233) وابن عدي في الكامل (1/ 312) ومن طريقه البيهقي في الشعب رقم (9403) من طريق أبي الربيع الزهراني، عن إسماعيل بن زكريا به.

وهو حديث ضعيف للاضطراب في إسناده، وكذلك لتفرد الحسن بن الحكم به.

(5)

في المخطوط (أ): (مشروعية).

(6)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 278) والبخاري رقم (1189) ومسلم رقم (511/ 1397). =

ص: 416

وحديث: "لا تتخذوا قبري عيدًا". رواه عبد الرزاق

(1)

.

قال النووي

(2)

في شرح مسلم: اختلف العلماء في شد الرحل لغير الثلاثة كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة، فذهب الشيخ أبو محمد الجويني إلى حرمته، وأشار عياض إلى اختياره، والصحيح عند أصحابنا أنه لا يحرم ولا يكره، قالوا: والمراد أن الفضيلة الثابتة إنما هي شد الرحل إلى هذه الثلاثة خاصة، انتهى.

وقد أجاب الجمهور عن حديث شد الرحل بأن القصر فيه إضافي باعتبار المساجد لا حقيقي.

قالوا: والدليل على ذلك أنه قد ثبت بإسناد حسن في بعض ألفاظ الحديث "لا ينبغي للمطي أن يُشَدَّ رحالها إلى مسجد تُبتغى فيه الصلاة غير مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى"

(3)

.

= • وانظر الرسالة المسماة (مسألة: عقدت للكلام على الحديث الصحيح: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"). تأليف: محمد بن إسماعيل الأمير. في المجلد الرابع من كتاب "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي.

(1)

في المصنف رقم (2726).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (3/ 345) عن ابن عجلان، عن سهل، عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب أنه قال: ورأى رجلًا وقف على البيت الذي فيه قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له ويصلى عليه، فقال حسن للرجل: لا تفعل فمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا بيتي عيدًا

" وهو مرسل. وسهل ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 249) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

• وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أحمد (2/ 367) وأبو داود رقم (2042) مرفوعًا: "لا تتخذوا قبري عيدًا

"، وهو حديث حسن.

• وله شاهد آخر أخرجه إسماعيل الجهضمي في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " رقم (20) وأبو يعلى في المسند رقم (209/ 469).

وخلاصة القول: أن الحديث بهذه الطرق صحيح، والله أعلم.

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 168).

(3)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 64) بسند ضعيف لضعف شهر بن حوشب.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 3) وقال: هو في الصحيح بنحوه، وإنما أخرجته لغرابة لفظه، ورواه أحمد، وشهر فيه كلام، وحديثه حسن.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

ص: 417

فالزيارة وغيرها خارجة عن النهي.

وأجابوا ثانيًا بالإجماع على جواز شد الرحال للتجارة وسائر مطالب الدنيا، وعلى وجوبه إلى عرفة للوقوف، وإلى منى للمناسك التي فيها، وإلى مزدلفة، وإلى الجهاد، والهجرة من دار الكفر، وعلى استحبابه لطلب العلم.

وأجابوا عن حديث: "لا تتخذوا قبري عيدًا"

(1)

، بأنه يدل على الحث على كثرة الزيارة لا على منعها، وأنَّه لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيدين.

ويؤيده قوله: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا"

(2)

، أي لا تتركوا الصلاة فيها كذا قال الحافظ المنذري.

وقال السبكي: معناه أنه لا تتخذوا لها وقتًا مخصوصًا لا تكون الزيارة إلا فيه، أو لا تتخذوه كالعيد في العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع للهو وغيره كما يفعل في الأعياد، بل لا يؤتى إلا للزيارة والدعاء والسلام والصلاة ثم ينصرف عنه.

وأجيب عما روي عن مالك من القول بكراهة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم بأنه إنما قال بكراهة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم قطعًا للذريعة.

وقيل: إنما كره إطلاق لفظ الزيارة لأنّ الزيارة من شاء فعلها ومن شاء تركها، وزيارة قبره من السنن الواجبة، كذا قال عبد الحق.

واحتج أيضًا من قال بالمشروعية بأنه لم يزل دأب المسلمين القاصدين للحج [في]

(3)

جميع الأزمان على تباين الديار واختلاف المذاهب الوصول إلى

(1)

تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (1).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 284، 337، 378) ومسلم رقم (212/ 780) وأبو داود رقم (2542) والترمذي رقم (2877).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(3)

في المخطوط (ب): (من).

ص: 418

المدينة المشرفة لقصد زيارته، ويعدون ذلك من أفضل الأعمال، ولم ينقل أن أحدًا أنكر ذلك عليهم فكان إجماعًا

(1)

.

(1)

قال العلامة الحافظ: محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، في كتابه "الصّارم المنكي في الرد على السبكي" ص 18 - 22:

"فإني وقفت على الكتاب الذي ألفه بعض قضاة الشافعية في الرد على شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية في مسألة شد الرحال وإعمال المطيّ إلى القبور، وذكر أنه كان قد سمَّاه: "شن الغارة على من أنكر سفر الزيارة"، ثم زعم أنه اختار أن يسميه: "شفاء السقام في زيارة خير الأنام".

فوجدت كتابه مشتملًا على تصحيح الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتقوية الآثار الواهية والمكذوبة، وعلى تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة، والآثار القوية المقبولة، أو تحريفها عن مواضعها، وصرفها عن ظاهرها، بالتأويلات المستنكرة المردودة، ورأيت مؤلف هذا الكتاب المذكور رجلًا مماريًا معجبًا برأيه، متبعًا لهواه، ذاهبًا في كثير مما يعتقده إلى الأقوال الشاذة، والآراء الساقطة، صائرًا في أشياء مما يعتمده إلى الشبه المخيلة، والحجج الداحضة، وربما خرق الإجماع في مواضع لم يسبق إليها ولم يوافقه أحد من الأئمة عليها، وهو في الجملة لون عجيب وبناء غريب، تارة يسلك فيما ينصره ويقويه مسلك المجتهدين فيكون مخطئًا في ذلك الاجتهاد، ومرة يزعم فيما يقوله ويدعيه أنه من جملة المقلدين، فيكون من قلده مخطئًا في ذلك الاعتقاد.

نسأل الله سبحانه أن يلهمنا رشدنا، ويرزقنا الهداية والسداد.

هذا مع أنه إن ذكر حديثًا مرفوعًا أو أثرًا موقوفًا، وهو غير ثابت قبله إذا كان موافقًا لهواه، وإن كان ثابتًا رده إما بتأويل أو غيره إذا كان مخالفًا لهواهٍ، وإن نقل عن بعض الأئمة الأعلام كمالك أو غيره ما يوافق رأيه قبله، وإن كان مطعونًا فيه غير صحيح عنه، وإن كان مما يخالف رأيه، رده ولم يقبله، وإن كان صحيحًا ثابتًا عنه.

وإن حكى شيئًا مما يتعلق بالكلام على الحديث وأحوال الرواة عن أحد من أئمة الجرح والتعديل، كالإمام أحمد بن حنبل، وأبي حاتم الرازي، وأبي حاتم بن حبان البستي، وأبي جعفر العقيلي، وأبي أحمد بن عدي، وأبي عبد الله الحاكم صاحب المستدرك، وأبي بكر البيهقي وغيرهم من الحفاظ، وكان مخالفًا لما ذهب إليه لم يقبل قوله ورده عليه وناقشه فيه، وإن كان ذلك الإمام قد أصاب في ذلك القول ووافقه غيره من الأئمة عليه، وإن كان موافقًا لما صار إليه تلقاه بالقبول واحتج به واعتمد عليه، وإن كان ذلك الإمام قد خولف في ذلك القول ولم يتابعه غيره من الأئمة عليه.

وهذا هو عين الجور والظلم وعدم القيام بالقسط، نسأل الله التوفيق ونعوذ به من الخذلان، واتباع الهوى.

هذا مع أنه حمله إعجابه برأيه وغلبة اتباع هواه على أن نسب سوء الفهم والغلط في النقل إلى جماعة من العلماء الأعلام المعتمد عليهم في حكاية مذاهب الفقهاء =

ص: 419

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= واختلافهم، وتحقيق معرفة الأحكام، حتى زعم أن ما نقله الشيخ أبو زكريا النووي في شرح مسلم عن الشيخ أبي محمد الجويني من النهي عن شد الرحال وإعمال المطيّ إلى غير المساجد الثلاثة كالذهاب إلى قبور الأنبياء والصالحين وإلى المواضع الفاضلة، ونحو ذلك هو مما غلط فيه على الشيخ أبي محمد، وأن ذلك وقع منه على سبيل السهو والغفلة.

قال ولو قاله هو - يعني الشيخ أبا محمد أو غيره - ممن يقبل كلامه الغلط لحكمنا بغلطه وأنَّه لم يفهم مقصود الحديث.

فانظر إلى كلام هذا المعترض المتضمن لرد النقل الصحيح بالرأي الفاسد، وأجمع بينه وبين ما حكاه عن شيخ الإسلام من الافتراء العظيم والإفك المبين، والكذب الصراح. وهو ما نقله عنه من أنه جعل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور سائر الأنبياء عليهم السلام معصية بالإجماع مقطوعًا بها، هكذا ذكر هذا المعترض عن بعض قضاة الشافعية عن الشيخ أنه قال هذا القول الذي لا يشك عاقل من أصحابه، وغير أصحابه أنه كذب مفترى لم يقله قط، ولا يوجد في شيء من كتبه، ولا دل كلامه عليه بل كتبه كلها ومناسكه وفتاويه وأقواله وأفعاله تشهد ببطلان هذا النقل عنه، ومن له أدنى علم وبصيرة يقطع بأن هذا مفتعل مختلف على الشيخ وأنَّه لم يقله قط

فلما وقفت على هذا الكتاب المذكور أحببت أن أنبه على بعض ما وقع فيه من الأمور المنكرة، والأشياء المردودة، وخلط الحق بالباطل لئلا يفترّ بذلك بعض من يقف عليه ممن لا خبرة له بحقائق الدين مع أن كثيرًا مما فيه من الوهم والخطأ، يعرفه خلق من المبتدئين في العلم بأدنى تأمل ولله الحمد

" اهـ.

• وقال الألباني رحمه الله في كتابه: "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة" ص 105: "وقد تتبع - أي ابن عبد الهادي في كتابه "الصارم المنكي في الرد على السبكي" - فيه أحاديث السبكي في الزيارة حديثًا حديثًا وبين عللها، وأقوال أئمة الحديث فيها من ص 29 - 246 وفصَّل فيها تفصيلًا لا يدع أي شك في قلب أحد من المنصفين بضعفها، وعدم ثبوت شيء منها إطلاقًا، وأنَّه ليس فيها ما يقوي بعضه بعضًا لشدة ضعفها واضطراب أسانيدها، وتضارب ألفاظها" اهـ.

ص: 420

[خامسًا]: أبواب الهدايا والضحايا

[الباب الأول] باب في إشعار البدن وتقليد الهدي كله

1/ 2074 - (عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أَنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثمَّ دَعا نَاقَتَهُ فأشْعَرها في صَفْحَةِ سَنَامِها الأيمَنِ وَسلتَ الدَّمَ عَنْها وَقَلَّدَها نَعْلَيْنِ، ثمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فلمَّا اسْتَوَتْ بِهِ على الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بالحَجِّ. رَوَاهُ أحمَدُ

(1)

ومُسْلِمٌ

(2)

وأَبُو دَاوُدَ

(3)

والنَّسَائِيُّ)

(4)

. [صحيح]

2/ 2075 - (وعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَة ومَرْوَانَ قالَا: خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَدِينَةِ في بِضْعِ عَشرَةَ مائةٍ مِنْ أصْحابِهِ حتَّى إذَا كانُوا بِذِي الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الهَدْيَ وَأشْعَرَهُ وأحْرَمَ بالعُمْرَةِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

والبُخارِيُّ

(6)

وأَبُو دَاوُدَ)

(7)

. [صحيح]

3/ 2076 - (وعَنْ عائشَةَ قالَتْ: فَتَلتُ قَلَائدَ بُدْنِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ أشعَرَها وقَلَّدَها، ثمَّ بَعَثَ بِها إلى البَيتِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيءٌ كانَ لهُ حِلًّا. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)

(8)

. [صحيح]

4/ 2077 - (وعَنْ عائشَةَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَهْدَى مَرَّةً إلى البَيْتِ غَنَمًا فَقَلَّدَها. رَواهُ الجَمَاعَةُ)

(9)

. [صحيح]

(1)

في المسند (1/ 216).

(2)

في صحيحه رقم (205/ 1243).

(3)

في سننه رقم (1752).

(4)

في سننه رقم (2791).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (4/ 323).

(6)

في صحيحه رقم (1694).

(7)

في سننه رقم (1754).

وهو حديث صحيح.

(8)

أحمد في المسند (6/ 78) والبخاري رقم (1699) ومسلم رقم (362/ 1321).

(9)

أحمد في المسند (6/ 42) والبخاري رقم (1701) ومسلم رقم (367/ 1321) وأبو داود =

ص: 421

قوله: (فأشعرها)، الإشعار

(1)

: هو أن يكشط جلد البدنة حتى يسيل دم ثم يسلته، فيكون ذلك علامةً على كونها هديًا، ويكون ذلك في صفحة سنامها الأيمن.

وقد ذهب إلى مشروعيته الجمهور من السلف والخلف

(2)

.

وروى الطحاوي عن أبي حنيفة

(3)

كراهته والأحاديث ترد عليه. وقد خالف الناس في ذلك حتى خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد.

واحتج على الكراهة بأنه من المثلة.

وأجاب الخطابي

(4)

بمنع كونه منها، بل هو باب آخر كالكي وشق أذن الحيوان [فيصيرُ]

(5)

علامةً وغير ذلك من الوسمِ، وكالختان والحجامة، انتهى. على أنه لو كان من المثلة لكان ما فيه من الأحاديث مخصصًا له من عموم النهي عنها.

وقد روى الترمذي

(6)

عن النخعي أنه قال بكراهية الإشعار. وبهذا يتعقب على الخطابي وابن حزم

(7)

في جزمهما بأنه لم يقل بالكراهة أحد غير أبي حنيفة.

قوله: (وقلدها نعلين) فيه دليل على مشروعية تقليد الهدي، وبه قال الجمهور.

= رقم (1755) والترمذي رقم (909) والنسائي رقم (2787) وابن ماجه رقم (3096).

وهو حديث صحيح.

(1)

النهاية لابن الأثير (2/ 479).

(2)

قال النووي في "المجموع"(8/ 323): "فرع: قد ذكرنا أن مذهبنا - أي الشافعية - استحباب الإشعار والتقليد في الإبل والبقر، وبه قال جماهير العلماء من السلف والخلف. وهو مذهب مالك وأحمد، وأبي يوسف، ومحمد، وداود، قال الخطابي: قال جميع العلماء: الإشعار سنة. ولم ينكره أحد غير أبي حنيفة، وقال أبو حنيفة: الإشعار بدعة، ونقل العبدري عنه أنه قال: هو حرام لأنَّه تعذيب للحيون ومثلة، وقد نهى الشرع عنهما اهـ.

(3)

البناية في شرح الهداية (4/ 222).

(4)

في معالم السنن (2/ 362 - 363).

(5)

في المخطوط (ب): (ليصير).

(6)

في السنن (3/ 250).

(7)

المحلى (7/ 111).

ص: 422

قال ابن المنذر

(1)

: أنكر مالك (2) وأصحاب الرأي

(2)

التقليد [للغنم]

(3)

، زاد غيره وكأنه لم يبلغهم الحديث، انتهى.

واحتجّوا على عدم المشروعية: بأنها تضعف عن التقليد، وهي حُجَّة أوهى من [بيوت]

(4)

العنكبوت، فإن مجرَّد تعليق القلادة مما لا يضعف به الهدي.

وأيضًا: إن فرض ضعفها عن بعض القلائد قلدت بما لا يضعفها.

وأيضًا: قد وردت السنة بالإشعار وهو لا يترك لكونه مظنة للضعف، فكيف يترك ما ليس بمظنة لذلك مع ورود السنة به.

قيل: الحكمة في تقليد الهدي النعل: أن فيه إشارة إلى السفر والجد فيه.

وقال ابن المنير

(5)

: الحكمة فيه أن العرب تعد النعل مركوبة لكونها تقي صاحبها، وتحمل عنه وَعْرَ الطريق، فكأن الذي أهدى خرج عن مركوبه لله تعالى - حيوانًا وغيره - كما خرج حين أحرم عن ملبوسه ومن ثم استُحِبَّ تقليد نعلين لا واحدة، وقد اشترط الثوري

(6)

ذلك.

وقال غيره: تجزئ الواحدة.

وقال آخرون: [لا تتعين]

(7)

النعل بل كل ما قام مقامها أجزأ.

قوله: (فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، زاد البخاري

(8)

في رواية: "من عِهن كان عندي"، وفيه رد على من كره القلائد من الأوبار واختار أن [تكون]

(9)

من نبات الأرض، وهو منقول عن ربيعة ومالك، وقد ترجم البخاري

(10)

على هذا الحديث: باب القلائد من العهن وهو الصوف.

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 323).

(2)

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(12/ 265 رقم 17563): "فقال مالك، وأبو حنيفة: لا تقلَّدُ الغنم" اهـ.

(3)

ما بين الخاصتين سقط من المخطوط (ب).

(4)

في المخطوط (ب): (بيت).

(5)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 549).

(6)

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(12/ 265 رقم 17561):

"وقال الثوري: يُقلَّد نعلين، وفم القِرْبة يجزي" اهـ.

(7)

في المخطوط (ب): (لا يتعين).

(8)

في صحيحه رقم (1705).

(9)

في المخطوط (ب): (يكون).

(10)

في صحيحه رقم (3/ 548 رقم الباب 111 - مع الفتح).

ص: 423

قوله: (ثم بعث بها إلى البيت) المهدي له حالان: إما أن يقصد النسك ويسوق الهدي معه فيكون التقليد والإشعار عند الإحرام.

وإما أن يبعث بها ويقيم فيكونان عند البعث بها من المكان الذي هو مقيم به كما في هذا الحديث ولا يحرم عليه بعد البعث بها ما يحرم على المحرم لقولها: فما حرم عليه شيء كان له [حلًّا]

(1)

.

قوله: (غنمًا فقلدها) فيه دليل على جواز أن يكون الهدي من الغنم وهو يرد على الحنفية ومن وافقهم أن الهدي لا يجزئ من الغنم، ويرد على مالك ومن وافقه حيث قال: إن الغنم لا تقلد.

[الباب الثاني] باب النهي عن إبدال الهدي المعين

5/ 2078 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: أَهْدَى عمَرُ نَجِيبًا فَأُعطِيَ عطِيَ بِها ثَلَاثمائَة دِينارٍ فأَتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ الله إنِّي أَهْدَيْتُ نَجِيبًا فأُعطِيتُ بها ثَلاثمَائةِ دِينارٍ فأبِيعُها وَأشْتَرِي بثَمَنها بُدْنًا، قالَ:"لَا انْحَرْها إيَّاها". رَوَاهُ أحمَدُ

(2)

وأَبُو دَاوُدَ

(3)

والبُخاريُّ في تاريخِهِ)

(4)

. [ضعيف]

الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان

(5)

وابن خزيمة

(6)

في صحيحيهما.

قوله: (نجيبًا) النجيب، والنجيبة الناقة والجمع نجائب

(7)

. وفي النهاية

(8)

: النجيب: الفاضل من كل حيوان.

(1)

في المخطوط (ب): (حلال).

(2)

في المسند (2/ 145).

(3)

في سننه رقم (1756).

(4)

في تاريخه (2/ 1/ 230).

(5)

لم أقف عليه في صحيحه؟.

(6)

في صحيحه رقم (2911).

قال البخاري في "التاريخ الكبير (2/ 230): لا يُعرف لجهم سماع من سالم، وقال الذهبي في "الميزان" (1/ 426 رقم 1582): فيه جهالة.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(7)

القاموس المحيط ص 174.

(8)

لابن الأثير (5/ 17).

ص: 424

[والحديث يدل على أنه لا يجوز بيع الهدي لإبدال مثله أو أفضل]

(1)

.

[ثم قال: وقد تكرر في الحديث ذكر النجيب من الإبل مفردًا ومجموعًا، وهو القوي منها الخفيف السريع اهـ]

(2)

.

وقد جوَّزت الهادوية

(3)

ذلك.

وأجاب صاحب البحر

(4)

عن حديث الباب بأنه حكاية فعل لا يُعلم وجهها، فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم رأى نجيبه أفضل، ولا يخفى أن رد السنن الفعلية بمثل هذا يستلزم رد أكثر أفعاله، ويستلزم رد ما لا يعلم وجهه من أقواله، فيفضي ذلك إلى رد أكثر السنة، وذلك باطل مخالف للآيات القرآنية القاضية باتباع الرسول والتأسي به والأخذ بما أتى به لأنها لم تفرق بين ما عُلم وجهه وما جُهل، فمن ادعى اعتبار العلم فعليه الدليل على أن هذه المقالة قد صارت عصى يتوكأ بها من رام صيانة مذهبه إذا خالف الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم وإن كان له وجه أوضح من الشمس.

ثم إنهم يحتجون بأفعاله إذا وافقت المذاهب ولا يقيدون الاحتجاج بمثل هذا القيد، وما أكثر هذا الصنع في تصرفاتهم لمن تتبع، فليأخُذ المنصف من ذلك حذره فإن المعذرة الباردة في طرح سنة صحيحة مما لا تنفق عند الله، ولا سيما إذا كان ذلك القصد الذب عن محض الرأي.

وأما الاحتجاج على الجواز بإشراكه صلى الله عليه وسلم عليًا في هديه وتصرفه عن العمرة إلى الإحصار فخارج عن محل النزاع؛ لأن ذلك تصرف لا يخرج العين عن كونها هديًا، ولا يبطل به الحق الذي قد تعلق بها للمصرف.

وأيضًا صحة الاحتجاج بالإشراك متوقفة على معرفة أنه صلى الله عليه وسلم ساق جميع الهدي الذي أشركَ عليًا فيه عن نفسه وهو ممنوع، والسند أنه لم يقلد ويشعر من ذلك الهدي الذي وقع فيه الإشراك إلا ناقة واحدة.

(1)

ما بين الخاصرتين وردت بعد الفقرة (2) في المخطوط (ب).

(2)

ما بين الخاصرتين وردت قبل الفقرة (1) في المخطوط (ب).

(3)

البحر الزخار (2/ 375).

(4)

البحر الزخار (2/ 376).

ص: 425

وأيضًا ثبت أنه كان يسوق عن أهله جميعًا وعلي منهم.

نعم إن صح ما ادعاه صاحب ضوء النهار

(1)

من الإجماع على جواز إبدال الأدون بأفضل كان حجة عند من يرى حجية الإجماع على جواز مجرد الإبدال بالأفضل، ولكنه ينبغي أن يبحث عن صحة ذلك، فإن الشافعي وبعض الحنفية قد احتجوا بالحديث على المنع من مطلق التصرف ولو كان للإبدال بأفضل كما حكاه صاحب البحر

(2)

.

وأما دعوى أن الواحدة النجيبة أظهر في تعظيم الشعائر من غيرها وإن كان كثيرًا فممنوع، والسند ظاهر.

[الباب الثالث] باب إن البدنة من الإبل والبقر عن سبع شياه وبالعكس

6/ 2079 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أتاهُ رَجُلٌ فقال: إنَّ عليَّ بَدنَةً وأَنا مُوسِرٌ ولَا أَجدُها فأشْترِيها، فأمَرَهُ صلى الله عليه وسلم أنْ يَبْتاع سبْع شِياهٍ فَيَذْبَحُهُنَّ. رَوَاهُ أحمَدُ

(3)

وابْنُ ماجَهْ)

(4)

. [ضعيف]

7/ 2080 - (وعَنْ جابِرٍ قال: أَمَرَنَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ نشْتَرِكَ في الإبلِ والبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ منَّا في بَدَنَةٍ. مُتفقٌ عَلَيْهِ

(5)

. [صحيح]

وفِي لفْظٍ: قالَ لَنا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اشْتَرِكُوا في الإبِلِ والبَقَرِ كُلُّ سَبْعةٍ في بَدَنَةٍ". رَوَاهُ البُرْقانِي على شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ.

(1)

ضوء النهار (2/ 623).

(2)

البحر الزخار (2/ 374).

(3)

في المسند (1/ 312).

(4)

في سننه رقم (3136).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 52): "هذا إسناد رجاله رجال الصحيح وفيه مقال: عطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس قاله الإمام أحمد

" اهـ.

وحكم عليه الألباني في "الإرواء" رقم (1062) بالضعف.

(5)

أحمد في المسند (3/ 292، 388) ومسلم رقم (138/ 1213) ولم يعزه صاحب تحفة الأشراف (2/ 301) إلا لمسلم.

ص: 426

وفي روايَةٍ قال: اشْترَكْنَا معَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحَجِ والعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ منَّا في بَدَنَةٍ، فقال رَجُلٌ لجَابِرٍ: أَيَشتَرِكُ في البَقَرِ ما يَشْتَرِكُ في الجَزُورِ؟ فقالَ: ما هي إلَّا مِنَ البُدْنِ. رواهُ مُسْلمٌ)

(1)

. [صحيح]

8/ 2081 - (وعَنْ حُذَيفَةَ قال: شَرَّكَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَجّتِهِ بيْنَ المُسْلِمِينَ في البَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ. رَواهُ أحمدُ)

(2)

. [صحيح لغيره]

9/ 2082 - (وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: كُنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سفَرٍ فحَضِرَ الأضْحَى فَذَبَحْنا البَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ والبعِيرَ عَنْ عَشَرَةٍ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلا أَبَا دَاوُدَ)

(3)

. [صحيح]

حديث ابن عباس الأول سياق إسناده في سنن ابن ماجه

(4)

هكذا: "حدثنا محمد بن معمر، حدثنا محمد بن بكر البرساني قال: أخبرنا ابن جريج قال: قال عطاء الخراساني عن ابن عباس"، فذكره.

ورجاله رجال الصحيح ولكن عطاء لم يسمع من ابن عباس

(5)

.

ويشهد لصحته ما في صحيح مسلم

(6)

من حديث جابر "قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة".

وهو يشهد أيضًا لحديث حذيفة المذكور، وقد أورده الحافظ في التلخيص

(7)

وسكت عنه، وقال في مجمع الزوائد

(8)

: رواه أحمد ورجاله ثقات.

(1)

في صحيحه رقم (353/ 1318).

(2)

في المسند (5/ 406) بسند حسن، وهو حديث صحيح لغيره.

(3)

أحمد في المسند (1/ 275) والترمذي رقم (905) وقال: هذا حديث حسن غريب والنسائي رقم (4392) وابن ماجه رقم (3131).

وهو حديث صحيح.

(4)

رقم (3136) وقد تقدم.

(5)

كما في مصباح الزجاجة (3/ 52) وقد تقدم.

(6)

رقم (30/ 1318).

(7)

(4/ 257).

(8)

(3/ 226).

ص: 427

وحديث ابن عباس الثاني حسَّنه الترمذي

(1)

.

ويشهد له ما في الصحيحين

(2)

من حديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير.

قوله: (سبع شياه)، وكذا قوله:"كل سبعة منا في بدنة".

استدل به من قال: عدل البدنة سبع شياه، وهو قول الجمهور

(3)

، وادعى الطحاوي وابن رشد

(4)

أنه إجماع.

ويجاب عنهما بأن الخلاف في ذلك مشهور، حكاه الترمذي في سننه

(5)

عن إسحاق بن راهويه. وكذا في الفتح وقال: هو إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب وإليه ذهب ابن خزيمة واحتج له في صحيحه

(6)

وقواه.

واحتج له ابن حزم

(7)

بحديث رافع المتقدم (2)، وحكاه في البحر

(8)

عن العترة وزفر.

واحتجوا بحديث ابن عباس الثاني المذكور في الباب.

ويجاب عنه بأنه خارج عن محل النزاع لأنَّه في الأضحية.

فإن قالوا: يقاس الهدي عليها.

(1)

في السنن (3/ 249).

(2)

البخاري رقم (3075) ومسلم رقم (21/ 1968).

(3)

قال النووي في "المجموع"(8/ 371): "فرع: يجوز أن يشترك سبعة في بدنة أو بقرة للتضحية، سواء كانوا كلهم أهل بيت واحد أو متفرقين، أو بعضهم يريد اللحم فيجزئ عن المتقرب، وسواء كان أضحية منذورة أو تطوعًا، هذا مذهبنا - أي الشافعية - وبه قال أحمد وداود وجماهير العلماء، إلا أن داود جوزه في التطوع دون الواجب. وبه قال بعض أصحاب مالك.

وقال أبو حنيفة: إن كانوا كلهم متفرقين جاز.

وقال مالك: لا يجوز الاشتراك مطلقًا كما لا يجوز في الشاة الواحدة" اهـ. وانظر: المغني (5/ 459).

(4)

انظر: بداية المجتهد (2/ 442 - 443) بتحقيقي.

(5)

في السنن (3/ 248).

(6)

رقم (2902) بسند صحيح.

(7)

المحلى (7/ 381 رقم المسألة 984).

(8)

البحر الزخار (2/ 373).

ص: 428

قلنا: هو قياس فاسد الاعتبار لمصادمته النصوص.

واحتجوا أيضًا بحديث رافع

(1)

، ويجاب عنه أيضًا بمثل هذا الجواب؛ لأن ذلك التعديل كان في القسمة وهي غير محل النزاع، ويؤيد كون البدنة عن سبعة فقط أمره صلى الله عليه وسلم لمن لم يجد البدنة أن يشتري سبعًا فقط، ولو كانت تعدل عشرًا لأمره بإخراج عشر لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

وظاهر أحاديث الباب جواز الاشتراك في الهدي وهو قول الجمهور من غير فرق بين أن يكون المشتركون مفترضين أو متطوعين، أو بعضهم مفترضًا وبعضهم متنفلًا أو مريدًا للحم.

وقال أبو حنيفة

(2)

: يشترط في الاشتراك أن يكونوا كلهم متقربين، ومثله عن زفر

(3)

بزيادة أن تكون أسبابهم واحدة.

وعن الهادوية

(4)

بشرط أن يكونوا مفترضين، وعن داود وبعض المالكية

(5)

: يجوز في هدي التطوّع دون الواجب.

وعن مالك

(6)

لا يجوز مطلقًا.

وروي عن ابن عمر نحو ذلك، ولكنه روى عنه أحمد ما يدل على الرجوع.

(1)

البخاري رقم (3075) ومسلم رقم (21/ 1968).

(2)

الاختيار لتعليل المختار (2/ 493 - 494) والمبسوط (12/ 11 - 12).

(3)

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(12/ 319 رقم 17839): "وقال زفر: لا يجزئ حتى تكون الجهةُ الموجبة للهدي عليهم واحدةً، فإما جزاءُ صيدٍ كُلّهِ، وإما تطوع كله، فإن اختلف لم يجزه".

(4)

في البحر الزخار (2/ 373).

(5)

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(12/ 319 رقم 17842): "قال أبو عمر: ذكر ابن وهب، عن مالك في موطئه قال: إنما العمرة التي يتطوع الناس بها، فإن ذلك يجوز فيها الاشتراك في الهدي.

وأما كل هدي واجب في عمرةٍ أو ما أشبهها فإنه لا يجوز الاشتراك فيه.

قال: وإنما اشتركوا يوم الحديبية؛ لأنهم كانوا معتمرين تطوعًا

" اهـ.

(6)

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(12/ 320 رقم 17844): "وقال ابن القاسم: لا يشترك في الهدي الواجب ولا في التطوع عند مالك" اهـ.

وانظر: "عيون المجالس"(2/ 903).

ص: 429

قوله: (ما هي إلا من البدن) يعني البقرة.

فيه دليل على أنه يطلق على البقر أنها من البدن.

وفي النهاية

(1)

: البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة، وهي بالإبل أشبه.

وفي القاموس

(2)

: والبدنة محركة من الإبل والبقر.

وفي الفتح

(3)

: إن أصل البدن من الإبل وألحقت بها البقر شرعًا.

وحكى في البحر

(4)

عن الهادي والشافعي والمؤيد بالله أن البدنة تختص بالإبل. وعن أبي حنيفة وأصحابه والناصر أنها تطلق على البقر، وعن بعض أصحاب الشافعي أنها تطلق على الشاة.

قال

(5)

: ولا وجه له، وحكي فيه أيضًا أن البقرة عن سبعة والشاة عن واحد إجماعا.

قوله: (والبعير عن عشرة) فيه دليل على أن البدنة تجزئ في الأضحية عن عشرة. وسيأتي الكلام على ذلك.

[الباب الرابع] باب ركوب الهدي

10/ 2083 - (عَنْ أَنَسٍ قالَ: رأى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَسوقُ البَدَنَةَ فقالَ: "ارْكَبْها"، فقالَ: إنها بَدَنَةٌ، قالَ: "ارْكَبْها"، قالَ: إنَّها بَدَنَةٌ، قال: "ارْكَبْها، ثلاثًا. متَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(6)

. [صحيح]

وَلَهمْ

(7)

مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ). [صحيح]

(1)

لابن الأثير (1/ 108).

(2)

القاموس المحيط ص 1522.

(3)

(3/ 536).

(4)

البحر الزخار (2/ 373).

(5)

أي صاحب البحر الزخار (2/ 373).

(6)

أحمد في المسند (3/ 170، 173، 231، 251، 275، 291) والبخاري رقم (1690) ومسلم (رقم 373/ 1323).

(7)

أي لأحمد في المسند (2/ 254، 481، 487) والبخاري رقم (1706) ومسلم رقم (371، 372/ 1322).

ص: 430

11/ 2084 - (وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى رَجُلًا يَسوقُ بَدَنَةً قَدْ أجْهَدَهُ المَشيُ، فقال:"اركَبْهَا"، قالَ: إنَّها بَدَنَةٌ، قالَ:"اركَبْها وإنْ كانتْ بَدَنَةً". رَوَاهُ أحمَدُ

(1)

والنَّسائيُّ)

(2)

. [صحيح]

12/ 2085 - (وعَنْ جابِرِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الهَدْي فقالَ: سَمِعتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "ارْكبْها بِالمَعْرُوفِ إذا أُلجئْتَ إليها، حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا". رَوَاهُ أحمَدُ

(3)

ومسلم

(4)

وأبو دَاوُدَ

(5)

والنَّسائي)

(6)

. [صحيح]

13/ 2086 - (وعَنْ عليٍّ أَنَّهُ سُئِلَ: يَرْكَبُ الرَّجُلُ هَدْيَهُ فقَالَ: لا بَأْسَ بِهِ قَدْ كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَمُرّ بالرِّجالِ يَمْشونَ فَيَأمُرُهُمْ بِرِكوبِ هَدْيِهِ، قالَ: لَا تَتَّبِعُونَ شَيْئًا أفضَلَ مِنْ سُنَّةِ نَبِيّكُمْ صلى الله عليه وسلم، رواهُ أحمَدُ)

(7)

. [حسن لغيره]

حديث أنس الثاني أخرجه أيضًا الجوزقي من طريق حميد عن ثابت عن أنس، وأبو يعلى

(8)

من طريق الحسن عن أنس وزاد: "حافيًا"، وهو عند

(1)

في المسند (3/ 106 - 107).

(2)

في سننه رقم (2801).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (3/ 317، 324).

(4)

في صحيحه رقم (375، 376/ 1324).

(5)

في سننه رقم (1761).

(6)

في سننه رقم (2802).

وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (1/ 121) إسناده ضعيف لجهالة محمد بن عبيد الله.

محمد بن عبيد الله: هو محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع.

وأبوه: عبيد الله بن علي بن أبي رافع.

وعمه: عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي، أفاده الخطيبُ البغدادي في "إيضاح الملتبس" فيما نقله عنه ابن حجر في "أطراف المسند" (4/ 459 رقم الحديث 6357) تحقيق: د. زهير بن ناصر الناصر.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.

(8)

في المسند رقم (2763) بسند ضعيف.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 227) وقال: فيه إسماعيل بن مسلم المكي، وهو مع ضعفه يكتب حديثه". =

ص: 431

النَّسَائِي

(1)

من طريق [شعبة]

(2)

عن قتادة عن أنس، وضعَّف هذه الطرق الحافظ في الفتح

(3)

.

وحديث علي، قال في الفتح

(4)

أيضًا: إسناده صالح، وقال في "مجمع الزوائد"

(5)

: في إسناده محمد بن عبيد الله بن أبي رافع وثقه ابن حبان

(6)

وضعفه جماعة

(7)

.

وحديث أبي هريرة

(8)

الذي أشار إليه المصنف لفظه لفظ حديث أنس، ولكنه زاد في آخره:"اركبها ويلك".

قوله: (رأى رجلًا). قال الحافظ

(9)

: لم أقف على اسمه بعد طول البحث.

قوله: (يسوق بدنة) في رواية لمسلم

(10)

: مقلدة، وكذا في رواية للبخاري.

وله

(11)

أيضًا من طريق أبي هريرة: "فلقد رأيته راكبها يساير النبي صلى الله عليه وسلم والنعل في عنقها".

قوله: (أنها بدنة) أراد أنها بدنة مهداة إلى البيت الحرام ولو كان مراده الإخبار عن كونها بدنة لم يكن الجواب مفيدًا لأن كونها من الإبل معلوم، فالظاهر أن الرجل ظن أنه خفي على النبي صلى الله عليه وسلم كونها هديًا فقال: إنها بدنة.

قال في الفتح

(12)

: والحق أنه لم يخف ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم لكونها كانت مقلدة. ولهذا قال لما زاد في مراجعته: ويلك.

= قلت: وفيه سويد بن سعيد وهو ضعيف، وعنعنة الحسن. إلا أن الحديث صحيح كما تقدم.

(1)

في سننه رقم (2800) وهو حديث صحيح.

(2)

كذا في المخطوط (أ) و (ب) وهو عند النَّسَائِي (سعيد).

(3)

(3/ 537).

(4)

(3/ 537).

(5)

(3/ 227).

(6)

في "الثقات"(7/ 400).

(7)

كالبخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 171 رقم 512).

(8)

تقدم إثر الحديث رقم (10/ 2083) من كتابنا هذا.

(9)

في "الفتح"(3/ 537).

(10)

في صحيحه رقم (000/ 1322).

(11)

أي البخاري في صحيحه رقم (1706).

(12)

(3/ 538).

ص: 432

وأحاديث الباب تدل على جواز ركوب الهدي من غير فرق بين ما كان منه واجبًا أو تطوّعًا لتركه صلى الله عليه وسلم للاستفصال، وبه قال عروة بن الزبير، ونسبه ابن المنذر إلى أحمد وإسحاق، وبه قال أهل الظاهر، وجزم به النووي

(1)

وجماعة من أصحاب الشافعي كالقفال والماوردي

(2)

.

وحكى ابن عبد البر

(3)

عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء كراهة ركوبه لغير حاجة.

وحكاه الترمذي

(4)

أيضًا عن أحمد وإسحاق [والشافعي]

(5)

، وقيد الجواز بعض الحنفية

(6)

بالاضطرار، ونقله ابن أبي شيبة عن الشعبي.

وحكى ابن المنذر عن الشافعي

(7)

أنه يركب إذا اضطر ركوبًا غير فادح.

وحكى ابن العربي

(8)

عن مالك أنه يركب للضرورة فإذا استراح نزل يعني إذا انتهت ضرورته.

والدليل على اعتبار الضرورة ما في حديث جابر

(9)

المذكور في الباب من قوله صلى الله عليه وسلم: "اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها".

(1)

قال النووي في "المجموع"(8/ 334): "فرع: في مذاهب العلماء في ركوب الهدي المنذور: ذكرنا أن مذهبنا - أي الشافعية - جوازه للمحتاج دون غيره على ظاهر النص:

وبه قال ابن المنذر، وهو رواية عن مالك، وقال عروة بن الزبير، ومالك، وأحمد، وإسحاق: له ركوبه من غير حاجة بحيث لا يضره، وبه قال أهل الظاهر.

وقال أبو حنيفة: لا يركبه إلا إن لم يجد منه بدا، وحكى القاضي عن بعض العلماء أنه أوجب ركوبها لمطلق الأمر ولمخالفة ما كانت الجاهلية عليه من إهمال السائبة والبحيرة والوصيلة والحام

" اهـ. وانظر: "البناية في شرح الهداية (4/ 455).

(2)

كتاب الحج من الحاوي للماوردي (2/ 1145).

(3)

في الاستذكار (12/ 254 رقم 17530).

والتمهيد (9/ 86 - 87 - الفاروق).

(4)

في السنن (3/ 254).

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

البناية في شرح الهداية (4/ 455) والاختيار لتعليل المختار (1/ 235).

(7)

في الأم (3/ 564).

(8)

في "عارضة الأحوذي"(4/ 139).

(9)

تقدم برقم (12/ 2085) من كتابنا هذا.

ص: 433

ونقل ابن العربي

(1)

عن أبي حنيفة أنه لا يجوز ركوب الهدي مطلقًا.

وكذا نقله المهدي في البحر

(2)

عنه ولكن نقل عنه الطحاوي

(3)

الجواز مع الحاجة ويضمن ما نقص منها بالركوب، والطحاوي أقعد بمعرفة مذهب إمامه، وقد وافق أبا حنيفة الشافعي على ضمان النقص في الهدي الواجب.

ونقل ابن عبد البر

(4)

عن بعض أهل الظاهر وجوب الركوب تمسكًا بظاهر الأمر ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة والسائبة.

ورده بأن الذين ساقوا الهدي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا كثيرًا ولم يأمر أحدًا منهم بذلك، انتهى.

وتعقبه الحافظ

(5)

بحديث علي

(6)

. المذكور في الباب قال: وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح، رواه أبو داود في المراسيل

(7)

عن عطاء قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالهدية إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها أو يركبها غير منهكها".

واختلف من أجاز الركوب هل يجوز أن يحمل عليها متاعه؟ فمنعه مالك

(8)

وأجازه الجمهور

(9)

، وهل يحمل عليها غيره؟ أجازه الجمهور أيضًا على التفصيل المتقدم، ونقل عياض

(10)

الإجماع على أنه لا يؤجرها.

واختلفوا أيضًا في اللبن إذا احتلب منه شيئًا، فعند العترة

(11)

والشافعية

(12)

والحنفية

(13)

يتصدق به، فإن أكله تصدق بثمنه.

(1)

في "عارضة الأحوذي"(4/ 139).

(2)

البحر الزخار (2/ 374).

(3)

في شرح معاني الآثار (2/ 161).

(4)

في الاستذكار (12/ 254) والتمهيد (9/ 86 - 87 - الفاروق).

(5)

في "الفتح"(3/ 538).

(6)

تقدم برقم (13/ 2086) من كتابنا هذا.

(7)

برقم (153) بسند صحيح.

(8)

انظر: الاستذكار (12/ 254) والتمهيد (9/ 87) وتهذيب المدونة (1/ 574).

(9)

المغني (5/ 442).

(10)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 410).

(11)

البحر الزخار (2/ 374).

(12)

في الأم (3/ 564 - 565).

(13)

البناية في شرح الهداية (4/ 456).

ص: 434

وقال مالك

(1)

: لا يشرب من لبنه، فإن شرب لم يغرم.

[الباب الخامس] باب الهدي يعطب قبل المحل

14/ 2087 - (عَنْ أَبي قَبيصَةَ ذُؤيْبِ بْنِ حَلْحَلَةَ قالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ مَعَهُ بالْبُدْنِ ثمّ يقُولُ: "إنْ عَطِب مِنْها شَيءٌ فَخَشِيتَ علَيْهَا مَوْتًا فانْحَرْها ثمَّ اغمِسْ نَعْلَها في دَمها ثمّ اضْرِبْ بهِ صَفْحَتَها، وَلَا تَطْعَمْها أَنْتَ، وَلَا أحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفقَتِكَ". رَوَاهُ أحمَدُ

(2)

ومُسْلِمٌ

(3)

وابْنُ ماجه)

(4)

. [صحيح]

15/ 2088 - (وعَنْ ناجِيَةَ الْخُزَاعِيِّ وكانَ صاحِبَ بُدْنِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أصْنَعُ بِما عَطِبَ مِنَ البُدْنِ؟ قالَ: "انْحَرْهُ واغمِسْ نَعْلَهُ في دَمِهِ واضْرِب صَفْحتَهُ وَخَلِّ بيْنَ النَّاس وبَيْنَهُ فَلْيأكُلُوهُ". رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيّ)

(5)

. [صحيح]

16/ 2089 - (وعَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوةَ عَنْ أبِيهِ أَنَّ صاحِبَ هَدْي رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: يا رَسُولَ الله كَيْفَ أَصنَعُ بِما عَطِبَ مِنَ الهَدْيِ؟ فقالَ: "كُلُّ بَدَنَةٍ عَطِبَتْ مِنَ الْهَدْي فانْحَرْها ثمَّ ألقِ قَلَائِدَها في دَمِهَا ثمّ خَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَها يأكُلُوها". رواهُ مالِكٌ في المُوطإ عنْهُ)

(6)

. [صحيح]

(1)

الاستذكار (12/ 254) والتمهيد (9/ 87) وتهذيب المدونة (1/ 574).

(2)

في المسند (4/ 225).

(3)

في صحيحه رقم (378/ 1326).

(4)

في السنن رقم (3105).

وهو حديث صحيح.

(5)

أحمد في المسند (4/ 334) وأبو داود رقم (1762) والترمذي رقم (910) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (3106).

وهو حديث صحيح.

(6)

في الموطأ (1/ 380 رقم 148).

قال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في "جامع الأصول"(3/ 371) رقم التعليقة (1): وهو مرسل صورة، لكنه محمول على الوصل؛ لأن عروة ثبت سماعه من ناجية" اهـ.

وقد وصله أبو داود والترمذي وغيرهما عن ناجية كما تقدم. وهو حديث صحيح، والله أعلم.

ص: 435

حديث ناجية قال الترمذي

(1)

: "حسن صحيح".

قال

(2)

: والعمل على هذا عند أهل العلم. في هدي التطوّع إذا عطب لا يأكل هو ولا أحد من أهل رفقته ويخلى بينه وبين الناس يأكلونه، وقد أجزأ عنه، وهو قول الشافعي

(3)

وأحمد

(4)

وإسحاق

(5)

وقالوا: إن أكل منه شيئًا غرم بقدر ما أكل منه" اهـ.

قوله: (ثم اغمس نعلها إلخ)، إنما يفعل ذلك لأجل يعلم من مرّ به أنَّهُ هدى فيأكله.

قوله: (من أهل رفقتك)، قال النووي

(6)

: وفي المراد بالرفقة وجهان لأصحابنا.

(أحدهما): أنهم الذين يخالطون المهدي في الأكل وغيره دون باقي القافلة.

(والثاني): وهو الأصح الذي يقتضيه ظاهر نص الشافعي وجمهور أصحابه أن المراد بالرفقة جميع القافلة؛ لأن السبب الذي منعت به الرفقة هو خوف تعطيبهم إياه وهذا موجود في جميع القافلة.

فإن قيلَ: إذا لم تجوّزوا لأهل القافلة أكله وقلتم بتركه في البرية كان طعمة للسباع وهذا إضاعة مال.

قلنا: ليس فيه إضاعة بل العادة الغالبة أن سكان البوادي يتتبعون منازل الحجيج لالتقاط ساقطة ونحو ذلك. وقد تأتي قافلة في إثر قافلة، والرفقة بضم الراء وكسرها لغتان مشهورتان.

قوله: (وخل بين الناس وبينه)، هذا مقيد بمن عدا المالك والرفقة كما في الحديث الأول.

قوله: (إن صاحب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو ناجية الخزاعي المذكور سابقًا.

(1)

في السنن (3/ 253).

(2)

أي الترمذي في المرجع السابق.

(3)

الأم (3/ 565).

(4)

المغني (5/ 434 - 435).

(5)

الاستذكار (12/ 283 رقم 17657).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 77) والمجموع (8/ 336 - 337).

ص: 436

وظاهر أحاديث الباب أن الهدي إذا عطب جاز نحره والتخلية بينه وبين الناس يأكلونه غير الرفقة قطعًا للذريعة، وهي أن يتوصل بعضهم إلى نحره قبل أوانه.

والظاهر عدم الفرق بين هدي التطوع والفرض، وخصصه من تقدم بهدي التطوع، ولعل الوجه في ذلك أن الهدي الذي هو السبب هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعث به وهو هدي تطوع.

قال النووي

(1)

: ولا يجوز للأغنياء الأكل منه مطلقًا؛ لأن الهدي مستحق للمساكين فلا يجوز لغيرهم اهـ.

وقد اختلفت الروايات في مقدار البدن التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي رواية من حديث ابن عباس عند مسلم

(2)

أنها ست عشرة بدنة.

وفي رواية أخرى

(3)

أنها ثماني عشرة.

ويمكن الجمع بتعدد القصة أو يصار إلى ترجيح الرواية المشتملة على الزيادة إن كانت القصة واحدة.

[الباب السادس] باب الأكل من دم التمتع والقران والتطوع

17/ 2090 - (في [صِفةِ حدِيثِ]

(4)

جابر: حجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ثمَّ انْصرَفَ إلى المَنْحر فنحر ثلاثًا وَستِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثمَّ أعْطَى عَليًّا فَنَحَرَ ما غَبَرَ وأشْرَكَهُ في هَدْيهِ، ثمّ أمر مِنْ كُلّ بدَنةٍ بِبضْعةٍ فَجُعِلَتْ في قِدْرٍ فطُبِخَتْ، فأكَلا مِنْ لحمِها وَشربَا مِنْ مَرَقِها. رَواهُ أحمَدُ

(5)

ومُسْلمٌ)

(6)

. [صحيح]

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 77).

(2)

في صحيحه رقم (377/ 1325).

(3)

للإمام مسلم في صحيحه رقم (000/ 1325).

(4)

في المخطوط (أ)، (ب):[حديث صفة] والأولى ما أثبتناه.

(5)

في المسند (3/ 323 - 321).

(6)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

وهو حديث صحيح.

ص: 437

18/ 2091 - (وعَنْ جابِرٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَجَّ ثَلاثَ حِجَجٍ: حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُهاجِرَ، وَحجَّةً بعْدَ ما هاجَرَ وَمَعَها عُمْرَةٌ، فَساقَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ بَدَنَةً، وجاءَ عَليٌّ مِنَ اليمَنِ بِبَقِيَّتِها فِيها جَمَلٌ لأبي لَهَبٍ في أنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ فَنَحَرَها، وأَمَرَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فطُبِختْ وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِها. رَوَاهُ التَّرمِذِيُّ

(1)

وابْنُ ماجَهْ

(2)

، وقالَ: فِيهِ جَمَلٌ لأبي جَهْلٍ). [صحيح]

19/ 2092 - (وعَنْ عائِشةَ رضي الله عنها قالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ وَلَا نُرَى إلا الحَجَّ، فَلَمَّا دَنَوْنا مِنْ مكَّةَ أمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يكُنْ معَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وسَعَى بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ أنْ يَحلَّ، قالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْنا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: ما هذَا؟ فقيلَ: نَحَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أزْواجِهِ. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

وَهْوَ دَلِيلٌ على الأكْلِ مِنْ دَمِ الْقِرَانِ لأنَّ عائِشَةَ كانَتْ قارِنَةً).

حديث جابر الثاني رواه الترمذي

(4)

من طريق عبد الله بن أبي زياد الكوفي عن زيد بن [حبان]

(5)

عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر.

وقال: هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد بن [حبان](5).

ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله بن [أبي]

(6)

زياد.

(1)

في سننه رقم (815) وقال: هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلَّا من حديث زيد بن حباب.

(2)

في سننه رقم (3076).

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (6/ 273) والبخاري رقم (1709) ومسلم رقم (125/ 1211).

(4)

في السنن (3/ 179).

(5)

كذا في المخطوط (أ)، (ب)، والصواب (حباب) كما في "سنن الترمذي" و"تهذيب التهذيب"(1/ 661).

(6)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 438

قال: وسألت محمدًا عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورأيته لا يعد هذا الحديث محفوظًا.

وقال: إنما يروى عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد [مرسلًا]

(1)

.

ثم قال

(2)

: حدثنا إسحاق بن منصُور، حدثنا حبانُ بن هلالٍ، حدثنا همامٌ، حدثنا قتادةُ قال:"قلتُ لأنسٍ: كم حجَّ النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالَ: حَجة واحِدَةٌ واعتمرَ أربع عُمَرَ".

ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وحبَّانُ بن هلال، هو أبو حبيب البصري، وثقه يحيى بن سعيد القطان.

قوله: (فنحر ثلاثًا وستين بدنة بيده) في مسند أحمد

(3)

وسنن أبي داود

(4)

: "أنه صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثين بيده وأمر عليًا فنحر سائرها"، وقد قدمنا الترجيح بين الروايتين.

قوله: (وأشركه) ظاهره أنه أشركه في نفس الهدي.

قال القاضي عياض

(5)

: وعندي أنه لم يكن شريكًا حقيقة بل أعطاه قدرًا يذبحه.

قال

(6)

: والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر البدن التي جاءت معه من المدينة وكانت ثلاثًا وستين كما جاء في رواية الترمذي

(7)

وأعطى عليا البدن التي جاءت معه من اليمن وهي تمام المائة.

قوله: (ببضعة) بفتح الباء لا غير، وهي القطعة من اللحم

(8)

.

(1)

في المخطوط (أ): (مرسل).

(2)

أي الترمذي في سننه (3/ 179 - 180 رقم 815 م).

(3)

في المسند (1/ 159 - 160) بسند ضعيف.

(4)

في سننه رقم (1764).

وهو حديث منكر.

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 286).

(6)

أي القاضي عياض في المرجع السابق.

(7)

في سننه رقم (815) وقد تقدم.

(8)

القاموس المحيط ص 909.

ص: 439

قوله: (بُرَة)

(1)

بضم الباء وفتح الراء مخففة وهي حلقة تجعل في أنف البعير.

قوله: (ولا نرى إلا الحج) بضم النون أي نظن.

قوله: (بلحم بقر).

قد استدل بهذه الأحاديث على أنه يجوز الأكل للمهدي من الهدي الذي يسوقه.

قال النووي

(2)

: وأجمع العلماء على أن الأكل من هدي التطوع [وأضحيته]

(3)

سنة، انتهى.

والظاهر أنه يجوز الأكل من الهدي من غير فرق بين ما كان منه تطوعًا وما كان فرضا لعموم قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا}

(4)

ولم يُفَصِّل.

والتمسك بالقياس على الزكاة في عدم جواز الأكل من الهدي الواجب لا ينتهض لتخصيص هذا العموم لأن شرع الزكاة لمواساة الفقراء فَصَرْفُها إلى المالك إخراج لها عن موضوعها، وليس شرع الدماء كذلك؛ لأنها إما لجبر نقص أو لمجرد التبرع فلا قياس مع الفارق فلا تخصيص.

قوله: (لأن عائشة [كانت]

(5)

قارنة)، قد اختلف فيما أحرمت به عائشة أولًا؛ فقيل: إنها عمرة مفردة لما ثبت عنها في الصحيح

(6)

أنها قالت: "فكنت ممن أهلَّ بعمرة".

وقيل: إنها أحرمت بالحج أولًا وكانت مفردة لما ثبت عنها في الصحيح

(7)

"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى إلا أنه الحج".

(1)

النهاية (1/ 122) قال ابن الأثير: وأصلها بَرْوَة، مثل فَرْوة، وتجمع على بُرَّى وبُرَات، وبُرِينَ بضم الباء.

(2)

في "المجموع"(8/ 396).

(3)

في المخطوط (ب): (أوضحيته).

(4)

سورة الحج: الآية (28).

(5)

ما بين الخاصرتين سقطت من المخطوط (ب).

(6)

البخاري رقم (1786) ومسلم رقم (117/ 1211) وأحمد (6/ 119).

(7)

البخاري رقم (1561) ومسلم رقم (128/ 1211).

ص: 440

وثبت عنها في حديث آخر

(1)

: "لبينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج".

وقد أطال ابن القيم

(2)

الكلام على هذا وبيَّن الراجح من القولين.

ودليل من قال: إنها كانت قارنة الحديث المتقدم

(3)

"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك".

وإلى هذا ذهب الجمهور والكوفيون إلى أنها كانت غير قارنة لما ثبت في الصحيحين

(4)

. "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: وأهلِّي بالحج ودعي العمرة".

وأجاب الجمهور بأنها لم ترفض العمرة لما في صحيح مسلم

(5)

عن جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها بعد أن أمرها أن تهل بالحج ففعلت ووقفت المواقف كلّها حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة".

وكذلك قوله: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك"، وقد قدمنا تأويل قوله: دعي العمرة".

وقد استدل بقول عائشة

(6)

المذكور: "نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه"، أن البقرة تجزئ عن أكثر من سبعة.

وقد ثبت في رواية "أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه بقرة"، أخرجها النَّسَائِي

(7)

وأبو داود

(8)

وغيرهما

(9)

، وكذا في صحيح مسلم

(10)

.

والظاهر أنه لم يتخلف أحد من زوجاته يومئذٍ وهن تسع، ولكن لا يخفى

(1)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 219) والبخاري رقم (1560) و (1788) ومسلم رقم (121/ 1211) وأبو داود رقم 17821). وهو حديث صحيح.

(2)

زاد المعاد (2/ 159).

وانظر: حجة الوداع (ص 315 - 323).

(3)

تقدم برقم (2034) من كتابنا هذا.

(4)

البخاري رقم (1556) ومسلم رقم (111/ 1211).

(5)

في صحيحه رقم (136/ 1213).

(6)

تقدم برقم (2080) من كتابنا هذا.

(7)

في سننه رقم (290).

(8)

في سننه رقم (1782).

(9)

كابن ماجه في سننه رقم (2963).

وهو حديث صحيح.

(10)

في صحيحه رقم (119/ 1211).

ص: 441

أن مجرد هذا الظاهر [لا تُعارَض]

(1)

به الأحاديث الصريحة الصحيحة السالفة المجمع على مدلولها.

[الباب السابع] باب أن من بعث بهدي لم يحرم عليه شيء بذلك

20/ 2093 - (عَنْ عائِشةَ قالتْ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُهْدِي مِنَ المَدِينةِ فأفْتِلُ قَلائِدَ هَدْيهِ ثمَّ لَا يَجْتنِبُ شَيئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ المُحْرِمُ. رَواهُ الجَماعَةُ

(2)

. [صحيح]

وفي رِوايَةِ أنَّ زِيادَ بن أبي سُفْيانَ كَتَبَ إلى عائشةَ أَنَّ عبدَ الله بْنَ عبَّاسٍ قالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَليهِ ما يَحْرُمُ على الحَاجّ حَتى يَنحَرَ هَدْيهُ، فقالتْ عائشةُ: لَيْسَ كما قالَ ابْنُ عبَّاسٍ: أنا فَتَلْتُ قَلائدَ هَدْي رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِي ثمَّ قَلَّدها بِيَدِهِ ثمَّ بَحَثَ بِها مَعَ أبي، فلَمْ يَحْرُمْ على رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم شَيءٌ أحلَّهُ الله لهُ حتى نَحَرَ الْهَدْي. أخْرجَاهُ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (أن زياد بن أبي سفيان)

(4)

، وقع التحديث بهذا في زمن بني أمية،

(1)

في المخطوط (ب): (لا يعارض).

(2)

أحمد في المسند (6/ 36) والبخاري رقم (1698) ومسلم رقم (359/ 1321) وأبو داود رقم (1758) والترمذي رقم (909) والنسائي رقم (2793) وابن ماجه رقم (3094).

وهو حديث صحيح.

(3)

البخاري رقم (1700) ومسلم رقم (369/ 1321).

وهو حديث صحيح.

(4)

زياد بن أبي سفيان، ويقال: زياد بن أبيه، وزياد بن أمّه، وزياد ابن سُمية؛ وكان يقال له قبل الاستلحاق زياد بن عُبيد الثقفي، وأمه سمية جارية الحارث بن كلدة.

وكان رجلًا عاقلًا في دنياه، داهية خطيبًا، له قدرٌ وجلالة عند أهل الدنيا

وقال العجليُّ: تابعي، ولم يكن يُتهمَ بالكذب.

استكتبه أبو موسى، واستعمله على شيء من البصرة، فأقره عمر رضي الله عنه، ثم صار مع علي رضي الله عنه، فاستعمله على فارس، فلم يزل معه إلى أن قُتِلَ علي رضي الله عنه، وانخلع الحسنُ لمعاوية، فاستلحقه معاوية رضي الله عنه وولاه العراقين جمعها له. ولم يزل كذلك إلى أن توفي بالكوفة

["الاستيعاب (2/ 99) والإصابة (2/ 527) وأسد الغابة (2/ 336) وسير أعلام النبلاء (3/ 494 - 495)].

ص: 442

وأما بعده فما كان يقال له إلا زياد ابن أبيه. وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له: زياد بن عبيد وكانت أمه سمية مولاة الحارث بن كلدة الثقفي وهي تحت عبيد المذكور فولدت زيادًا على فراشه فكان ينسب إليه، فلما كان في أيام معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زيادًا وَلده فاستلحقه معاوية بذلك وخالف الحديث الصحيح:"أن الولد للفراش وللعاهر الحجر"

(1)

، وذلك لغرض دنيوي.

وقد أنكر هذه الواقعة على معاوية من أنكرها حتى قيلت فيها الأشعار، منها قول القائل

(2)

:

ألا أَبلغْ معاويةَ بنَ حرب

مُغَلغَلةً من الرجُل اليماني

أتغضبُ أن يقال أبوك عَفٌّ

وتَرْضى أن يُقال أبُوك زاني

وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته إلى أبي سفيان، وما وقع من أهل العلم في زمان بني أمية فإنما هو تقية. وذكر أهل الأمهات نسبته إلى أبي سفيان في كتبهم مع كونهم لم يُؤلفوها إلا بعد انقراض عصر بني أمية محافظة منهم على الألفاظ التي وقعت من الرواة في ذلك الزمان كما هو دأبهم.

وقد وقع في صحيح مسلم

(3)

ابن زياد مكان زياد، وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه، والصواب زياد. وكذا قال النووي

(4)

: وجميع من تكلم على صحيح مسلم.

قوله: (بيدي) فيه دفع التجوز بأن يظن أن الفتل وقع بإذنها لو قالت فتلت فقط.

(1)

وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد في المسند (1/ 59) والبخاري رقم (2745) ومسلم رقم (36/ 1457) وأبو داود رقم (2273، 2274) والترمذي رقم (1157) والنسائي رقم (3482، 3483، 3484) وابن ماجه رقم (2006).

(2)

أورد الأبيات عبد القادر بن عمر البغدادي في خزانة الأدب (4/ 324) والأصفهاني في "الأغاني"(18/ 193 - 194) ونسبها إلى ابن مفرِّغ.

وأوردها ابن عبد ربه في "العقد الفريد"(6/ 143) ونسبها إلى عبد الرحمن بن حسان بن ثابت.

(3)

في صحيحه رقم (369/ 1321).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 73).

ص: 443

قوله: (مع أبي) بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة يعني أبا بكر الصديق، واستفيد من ذلك أن وقت البعث كان في سنة تسع عام حجة أبي بكر بالناس.

وقد استُدِلَّ بالحديثين على أنه لا يحرم على من بعث بهدي شيء من الأمور التي تحل له، وبه قال الجمهور.

قال [ابن عبد البر]

(1)

: خالف ابن عباس

(2)

في هذا جميع الفقهاء.

وتعقب بأنه قد قال بمقالته جماعة من الصحابة كابن عمر رواه عنه ابن أبي شيبة

(3)

وابن المنذر، وقيس بن سعد رواه عنه سعيد بن منصور

(4)

وابن المنذر أيضًا، وعلي وعمر رواه عنهما ابن أبي شيبة

(5)

وابن المنذر أيضًا.

ومن غير الصحابة النخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون كما قال ابن

(6)

المنذر، ونقل الخطابي

(7)

عن أصحاب الرأي مثل قول ابن عباس: وهو خطأ عنهم كما قال الحافظ

(8)

- وإلى مثل قول ابن عباس ذهبت الهادوية

(9)

، وليس في

(1)

كذا في المخطوط (أ) وفي المخطوط (ب): (ابن التين) وكذلك في "الفتح"(3/ 546).

(2)

أما أثر ابن عباس فقد أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف رقم (12721 - دار التاج الدار السنية).

عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه رأى ابن عباس وهو أمير على البصرة في زمن علي متجردًا على منبر البصرة فسأل الناس عنه، فقالوا: إنه أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد، فلقيت ابن الزبير فذكرت له ذلك فقال: بدعة ورب الكعبة".

وهو أثر صحيح.

(3)

في المصنف رقم (12720 - دار التاج) وابن المنذر كما في "الفتح"(3/ 546) عن نافع أن ابن عمر كان إذا بعث بالهدي يمسك عما يمسك عنه المحرم غير أنه لا يلبي".

وهو أثر صحيح.

(4)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(3/ 546).

(5)

في المصنف رقم (12719 - دار التاج) بسند ضعيف.

وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 546) وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن علي بن الحسين عن عمر وعلي أنهما قالا في الرجل يرسل ببدنته: أنه يمسك عما يمسك عنه المحرم"، وهذا منقطع.

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 546).

(7)

في معالم السنن (2/ 366 - مع السنن).

(8)

في "الفتح"(3/ 546).

(9)

البحر الزخار (2/ 374).

ص: 444

قول ابن عباس: ولا قول غيره من الصحابة حجة، ولا سيما إذا عارض الثابت عنه صلى الله عليه وسلم؛ نعم احتجوا بما أخرجه أحمد

(1)

والطحاوي

(2)

والبزار

(3)

من حديث جابر قال: "كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقدّ قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال: إني أمرت ببُدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا، فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي".

قال في الفتح

(4)

: وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده.

ويجاب عنه بأنه قال في "مجمع الزوائد"

(5)

بعد أن ذكره: رجال أحمد ثقات، وذكره

(6)

من طريق أخرى. وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

وإنما قال هكذا: لأن أحمد رواه عن عبد الرحمن بن عطاء أنه سمع ابني جابر يحدثان عن أبيهما فذكره. وعبد الرحمن وثقه النَّسَائِي

(7)

وقواه أبو حاتم

(8)

. وقال البخاري

(9)

: فيه نظر.

وبهذا يرد على المقبلي حيث قال: إن هذا الحديث أخرجه ابن النجار وغالب أحاديثه الضعف والظاهر أنه لا أصل لهذا الحديث، انتهى.

وقد أخرج النَّسَائِي

(10)

من حديث جابر أنهم كانوا إذا كانوا حاضرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعث الهدي فمن شاء أحرم ومن شاء ترك.

(1)

في المسند (3/ 294)، (3/ 400).

(2)

في شرح معاني الآثار (2/ 264).

(3)

في المسند رقم (1107 - كشف) وتحرف فيه "ابني جابر" إلى "أبي جابر"، وأورده الهيثمي في "المجمع" (3/ 227) وقال: رواه أحمد والبزار باختصار ورجال أحمد ثقات".

وخلاصة القول: أن إسناده ضعيف كما قال الحافظ.

(4)

(3/ 546).

(5)

(3/ 227).

(6)

أي الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 227). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

(7)

حكاه عنه الذهبي في "الميزان"(2/ 579 - رقم الترجمة 4919).

(8)

في الجرح والتعديل (5/ 269).

(9)

في "الضعفاء الصغير" رقم الترجمة (206).

قلت: وانظر: "التاريخ الكبير"(5/ 336) والكاشف (2/ 157) والتقريب رقم الترجمة (3953).

وخلاصة القول فيه: أنه ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد.

(10)

في سننه رقم (2792) بسند صحيح.

ص: 445

هكذا في "جامع الأصول"

(1)

وبه يحصل الجمع بين الأحاديث.

[الباب الثامن] باب الحث على الأضحية

21/ 2094 - (عَنْ عائِشَةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ما عمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَملًا أحَبَّ إلى الله مِنْ هِراقَةِ دَمٍ وإنهُ لتَأتي يَوْمَ القِيامَةِ بقُرونِها وأظْلَافِها وأشْعَارِها وأنَّ الدَّمَ لَيقَعُ مِنَ الله عز وجل بِمَكانٍ قَبلَ أَنْ يَقَعَ على الأرْضِ فَطِيبُوا بِها نَفْسًا". رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(2)

والترمِذِيُّ

(3)

وقالَ: هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ). [ضعيف]

22/ 2095 - (وعَنْ زَيدِ بْنِ أَرْقَمَ قالَ: قُلْتُ: أَوْ قالُوا: يا رسُولَ الله ما هَذِهِ الأضَاحِي؟ قالَ: "سُنَّةُ أبيكُمْ إبْرَاهيمَ"، قالُوا: ما لَنا منْها؟ قالَ: "بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ"، قالُوا: فالصُّوفُ؟ قالَ: "بكُلِّ شَعْرَةٍ مِنَ الصُّوفِ حَسَنَةٌ". رَواهُ أحمَدُ

(4)

وابْنُ ماجَهْ)

(5)

. [ضعيف جدًّا]

23/ 2096 - (وعَنْ أبي هُرَيرَةَ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجَدَ سَعَةً فلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصلَّانا". رَواهُ أحمَدُ

(6)

وابْنُ ماجَهْ)

(7)

. [حسن]

(1)

(3/ 380 رقم 1697).

(2)

في سننه رقم (3126).

(3)

في سننه رقم (1493) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام بن عروة إلا من هذا الوجه.

وهو حديث ضعيف.

(4)

في المسند (4/ 368).

(5)

في سننه رقم (3127).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 51): "هذا إسناد فيه أبو داود واسمه نفيع بن الحارث، وهو متروك.

وهو حديث ضعيف جدًّا.

(6)

في المسند (2/ 321).

(7)

في سننه رقم (3123).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 50): "هذا إسناد فيه مقال: عبد الله بن عياش، وإن روى له مسلم فإنما روى له في المتابعات والشواهد، فقد ضعفه أبو داود =

ص: 446

24/ 2097 - (وعَنْ ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما أُنفِقَتِ الورِقُ في شَيْءٍ أفْضلَ مِنْ نَحيرَةٍ في يَوْمِ عيدٍ". رَوَاهُ الدَّارقطنيُّ)

(1)

. [ضعيف]

حديث عائشة رواه الترمذي

(2)

عن أبي عمرو مسلم بن عمرو الحذاء المديني، عن عبد الله بن نافع الصائغ، عن ابن المثنى، عن هشام بن عروة، عن أبيه عنها.

وقال

(3)

بعد أن ذكر أن هذا الحديث حسن غريب: إنه لا يعرف من حديث هشام بن عروة إلا من هذا الوجه.

وحديث زيد بن أرقم أخرجه أيضًا الترمذي

(4)

فقال: ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأضحية: "لصاحبها بكل شعرة حسنة"، ويروى "بقرونها" انتهى.

وحديث أبي هريرة صححه الحاكم

(5)

.

قال الحافظ في بلوغ المرام

(6)

: لكن رجح الأئمة غيره وقفه.

وقال في الفتح

(7)

: رجاله ثقات، لكن [اختلف]

(8)

في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب. قاله الطحاوي وغيره.

= والنسائي، وقال أبو حاتم: وقال ابن يونس: منكر الحديث وذكره ابن حبان في الثقات" اهـ. وانظر: "تخريج أحاديث مشكلة الفقر" رقم (102) للألباني رحمه الله.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(1)

في سننه رقم (4/ 282 رقم 43).

قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير (ج 11 رقم 10894) وابن حبان في المجروحين (1/ 101) وابن عدي في "الكامل"(1/ 227) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 261).

من طريق إبراهيم بن يزيد الخوزي، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، به.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 20) وقال: أخرجه الطبراني في الكبير، وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو ضعيف.

وحكم عليه الألباني رحمه الله في "ضعيف الترغيب"(1/ 339 رقم 678/ 8) بأنه ضعيف جدًّا.

(2)

في السنن (4/ 83).

(3)

أي الترمذي في المرجع السابق.

(4)

في السنن (4/ 83 رقم 1493).

(5)

في المستدرك (4/ 231 - 232) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(6)

رقم الحديث (3/ 1268) بتحقيقي.

(7)

(10/ 3).

(8)

في المخطوط (ب): (اختلفوا) والمثبت من (أ) والفتح.

ص: 447

وفي الباب عن أبي سعيد عند

(1)

الحاكم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: قومي إلى ضحيتك فاشهديها فإنه بأوَّلِ قطرةٍ منها يغفر لك ما [قد]

(2)

سلف من ذنوبك" وفي إسناده عطية

(3)

.

وقال ابن أبي حاتم في العلل

(4)

عن أبيه: إنه حديث منكر.

وعن عمران بن حصين عند

(5)

الحاكم أيضًا مثل حديث أبي سعيد، وفي إسناده أبو حمزة الثمالي

(6)

وهو ضعيف جدًّا.

وعن علي عند الحاكم

(7)

أيضًا والبيهقي

(8)

مثله، وفي إسناده عمرو بن خالد الواسطي

(9)

وهو متروك.

وعن علي أيضًا من طريق أبي داود النخعي عن عبد الله بن حسن عن أبيه عن جده عند الطبراني

(10)

بلفظ: "من ضحى طيِّبة بها نفسه محتسبًا بأضحيته

(1)

في المستدرك (4/ 222) وسكت عنه. وقال الذهبي: "عطية واهٍ".

قلت: وأخرجه البزار في مسنده رقم (1202 - كشف) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 17) رواه البزار وفيه عطية بن قيس، وفيه كلام كثير وقد وثق. وتعقبه "الأعظمي" بقوله:"الصواب عطية بن سعد، فإن عطية بن قيس ليس فيه".

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(3)

وهو عطية بن سعد العوفي ضعيف، التاريخ الكبير (8/ 7) والمجروحين (2/ 176) والجرح والتعديل (6/ 382) والميزان (3/ 79).

(4)

في العلل (2/ 37 - 38).

(5)

في المستدرك (4/ 222) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: "أبو حمزة ضعيف جدًّا. وإسماعيل ليس بذاك".

(6)

هو ثابت بن أبي صفية الثُمالي، واسم أبيه دينار، وقيل: سعيد كوفي: ضعيفٌ رافضي

التقريب رقم (818).

(7)

في المستدرك (4/ 237) وسكت عنه هو والذهبي.

(8)

في السنن الكبرى (9/ 283).

(9)

عمرو بن خالد القرشي، مولى بني هاشم، كوفي تحول إلى واسط.

روى عباس عن يحيى قال: كذاب غير ثقة، وقال البخاري: منكر الحديث.

[التاريخ الكبير (6/ 328) والجرح والتعديل (6/ 230) والميزان (3/ 257) والكاشف (2/ 383) والمغني (2/ 483) والتقريب (2/ 69)].

(10)

في المعجم الكبير (ج 3 رقم 2736). =

ص: 448

كانت له حجابًا من النار"، وأبو داود النخعي

(1)

كذاب. قال أحمد: كان يضع الحديث.

قوله: (ما هذه الأضاحي) هي جمع أضحية.

قال الجوهري

(2)

: قال الأصمعي: فيها أربع لغات: أَضْحِيَّةٌ وإِضْحِيَّةٌ بضم الهمزة وكسرها، وجمعها أَضَاحِيُّ بتشديد الياء وتخفيفها، واللغة الثالثة ضَحِيَّةٌ وجمعها [أضاحي]، والرابعة أَضْحَاةٌ بفتح الهمزة والجمع أَضْحىً كأرْطَاة وأرْطىً وبها سمي يوم الأضْحَى.

قال القاضي

(3)

: وقيل: سميت بذلك لأنها تفعل في الضحى وهو ارتفاع النهار.

قال النووي

(4)

: وفي الأضحى لغتان: التذكير لغة قيس، والتأنيث لغة تميم.

قوله: (فلا يقربن مصلانا) هذا الحديث من جملة ما استدل به القائلون بوجوب الضحية، وسيأتي الكلام على ذلك.

وأحاديث الباب تدل على مشروعية الضحية ولا خلاف في ذلك كما في البحر

(5)

.

وأنها أحب الأعمال إلى الله يوم النحر.

وأنها تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها ويقع دمها بمكان من القبول قبل أن يقع على الأرض.

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 17) وقال: فيه سليمان بن عمرو النخعي وهو كذاب".

(1)

سليمان بن عمرو النخعي، أبو داود، قال البخاري: معروف بالكذب سمعت قتيبة يقوله عن أحمد بن حنبل، كان يضع الحديث. وكان قدريًا.

"التاريخ الكبير"(4/ 28) والمجروحين (1/ 333) والجرح والتعديل (4/ 132) والميزان (2/ 216) والمغني (1/ 282)].

(2)

في "الصحاح"(6/ 2407). وفيه (ضَحَايَا) بدل (أضاحي).

(3)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 399).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 109).

(5)

البحر الزخار (4/ 315).

ص: 449

وأنها سنة إبراهيم لقوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)}

(1)

.

وأن للمضحي بكل شعرة من شعرات أضحيته حسنة.

وأنَّه يكره لمن كان ذا سعة تركها وأن الدراهم لم تنفق في عمل صالح أفضل من الأضحية، ولكن إذا وقعت لقصد التسنن وتجردت عن المقاصد الفاسدة وكانت على الوجه المطابق للحكمة في شرعها وسيأتي.

[الباب التاسع] باب ما احتج به في عدم وجوبها بتضحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمته

25/ 2098 - (عَنْ جَابِرٍ قالَ: صلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عِيدَ الأضْحَى، فلما انْصرَفَ أُتِيَ بكَبْشٍ فَذَبَحَهُ، فقالَ:"بِسْم الله والله أكْبَرُ، اللَّهُمَّ هذَا عنِّي وعَمَّنْ لمْ يُضَحِّ منْ أُمَّتي". رَواهُ أحمَدُ

(2)

وأبُو داوُدَ

(3)

والترْمِذِيُّ)

(4)

. [صحيح]

26/ 2099 - (وعَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ عَنْ أبِي رَافِعٍ أنْ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا ضَحّى اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فإِذَا صلَّى وخَطَبَ النَّاس أُتِيَ بأحَدِهما وهُوَ قائِمٌ في مُصلَّاهُ فَذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ بالمُدْيَةِ ثُمَّ يقولُ:"اللَّهُمَّ هذا عَنْ أُمتِي جَمِيعًا مَنْ شَهِدَ لَكَ بالتّوْحِيدِ وشَهدَ لِيَ بالْبَلَاغِ"، ثمَّ يُؤتَى بالآخرِ فَيَذْبَحَهُ بِنَفْسِهِ، ويقُولُ:"هذَا عَنْ محمَّدٍ وآل محمَّدٍ"، فَيُطْعِمُهُما جَمِيعًا المَساكِينَ وَيَأكُلُ هُوَ

(1)

سورة الصافات: الآية (107).

(2)

في المسند (3/ 362).

(3)

في السنن رقم (2810).

(4)

في السنن رقم (1521) وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه

والمطلب بن عبد الله بن حنطب، يقال: إنه لم يسمع من جابر" اهـ.

وقال أبو حاتم الرازي: "وجابر يشبه أن يكون أدركه" [الجرح والتعديل (8/ 359 رقم 1644). وقال أيضًا في "المراسيل" ص 210): "ولم يسمع من جابر، ولا من زيد بن ثابت، ولا من عمران بن حصين".

قلت: ورواية الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 177 - 178) ترد ذلك لأنَّه صرح بالتحديث عنده.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

ص: 450

وأَهْلُهُ منْهُما فَمَكَثْنا سنِينَ لَيْسَ رجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُضَحِّي قَدْ كفاهُ الله المَؤونَةَ برسُولِ الله صلى الله عليه وسلم والْغُرْمَ. رَوَاهُ أحمَدُ)

(1)

. [إسناده ضعيف]

الحديث الأول قال الترمذي

(2)

: هذا حديث غريب من هذا الوجه وقال

(3)

: المطلب بن عبد الله بن حنطب، يقال: إنه لم يسمع من جابر.

وقال أبو حاتم الرازي

(4)

: يشبه أن يكون أدركه.

والحديث الثاني سكت عنه الحافظ في التلخيص

(5)

.

وأخرجه أيضًا الطبراني في الكبير

(6)

والبزار

(7)

. قال في مجمع الزوائد

(8)

: وإسناد أحمد والبزار حسن

(9)

.

وأخرج نحوه أحمد

(10)

أيضًا وابن ماجه

(11)

والحاكم

(12)

والبيهقي

(13)

من حديث أبي هريرة، وسيأتي في باب التضحية بالخصي.

(1)

في المسند (6/ 391 - 392) بسند ضعيف.

(2)

في سننه (4/ 100).

(3)

أي الترمذي في المرجع السابق.

(4)

في الجرح والتعديل (8/ 359 رقم الترجمة 1644) وقد تقدم.

(5)

"التلخيص الحبير"(4/ 250).

(6)

في المعجم الكبير (ج 1 رقم 923).

(7)

في المسند رقم (1208 - كشف).

قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 391) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: زهير ذو مناكير، وابن عقيل ليس بالقوي.

تنبيه: تحرف (زهير) في كلام الذهبي في المطبوع إلى (سهيل).

(8)

(4/ 22).

(9)

بل هو ضعيف لانقطاعه، علي بن الحسين لم يدرك أبا رافع، ولضعف عبد الله بن محمد: وهو ابن عقيل بن أبي طالب.

(10)

في المسند (6/ 220).

(11)

في سننه رقم (3122).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 49): "هذا إسناد حسن. عبد الله بن محمد مختلف فيه".

(12)

في المستدرك (4/ 227 - 228).

(13)

والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 273).

وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

ص: 451

قوله: (أملحين) الأملح هو الأبيض الخالص، قاله ابن الأعرابي (1). وقال الأصمعي (1): هو الأبيض المشوب بشيء من السواد، وقال أبو حاتم: هو الذي يخالط بياضه حمرة، وقيل: هو الأسود الذي يعلوه حمرة. وقال الكسائي

(1)

: هو الذي فيه بياض وسواد والبياض أكثر.

وقال الخطابي

(2)

: هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود.

قوله: (أقرنين) قال النووي (3): أي لكل واحد منهما قرنان حسنان.

وفيه دليل على استحباب التضحية بالأملح الأقرن.

قال النووي

(3)

: وأجمع العلماء على جواز التضحية بالأجم، وهو الذي لم يخلق الله له قرنين، وأما المكسور فسيأتي الكلام فيه.

والحديثان يدلان على أنه يجوز للرجل أن يضحي عنه وعن أتباعه وأهله ويشركهم معه في الثواب، وبه قال الجمهور

(4)

.

وكرهه الثوري

(5)

وأبو حنيفة

(6)

وأصحابه والحديثان يردان عليهم.

وقد أخرج مسلم

(7)

من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد"، وسيأتي

(8)

في باب الذبح بالمصلى.

وأخرج أيضًا ابن ماجه

(9)

والترمذي

(10)

وصححه من حديث أبي أيوب أن الرجل كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي

(11)

في باب الاجتزاء بالشاة.

وقد تمسك بحديثي الباب وما ورد في معناهما من قال: إن الأضحية غير

(1)

حكاه عنهم الأزهري في "تهذيب اللغة"(5/ 101 - 102).

(2)

في أعلام الحديث (2/ 846).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 120).

(4)

المغني (13/ 360) والبناية في شرح الهداية (11/ 4 - 6).

(5)

في موسوعة فقه سفيان الثوري ص 167.

(6)

البناية في شرح الهداية (11/ 13).

(7)

في صحيحه رقم (19/ 1967).

(8)

برقم (2122) من كتابنا هذا.

(9)

في سننه رقم (3147).

(10)

في سننه رقم (1505) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(11)

برقم (2119) من كتابنا هذا. وهو حديث صحيح.

ص: 452

واجبة بل سنة وهم الجمهور

(1)

.

قال النووي

(2)

: وممن قال بهذا: أبو بكر

(3)

وعمر (3) وبلال

(4)

وأبو مسعود البدري

(5)

وسعيد بن المسيب

(6)

وعلقمة والأسود وعطاء

(7)

ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وابن المنذر وداود وغيرهم، انتهى.

وحكاه في البحر

(8)

أيضًا عمن ذكر من الصحابة وعن ابن مسعود

(9)

وابن عباس

(10)

وحكاه أيضًا عن العترة والشافعي

(11)

وأبي يوسف ومحمد.

(1)

قال النووي في "المجموع"(8/ 354 - 355): "فرع: في مذاهب العلماء في الأضحية: ذكرنا أن مذهبنا أنها سنة مؤكدة في حق الموسر ولا تجب عليه، وبهذا قال أكثر العلماء.

وممن قال به أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وبلال، وأبو مسعود البدري، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وعلقمة، والأسود، ومالك، وأحمد، وأبو يوسف، إسحاق، وأبو ثور، والمزني، وداود، وابن المنذر.

وقال ربيعة، والليث بن سعد، وأبو حنيفة، والأوزاعي، واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى.

وقال محمد بن الحسن: هي واجبة على المقيم بالأمصار.

والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصابًا" اهـ.

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 110).

وانظر: "عيون المجالس" للقاضي عبد الوهاب (2/ 929 - 930).

(3)

أخرج عبد الرزاق في المصنف رقم (8139) وابن حزم في المحلى (7/ 358).

عن أبي سُريحة - حذيفة بن أسيد الغفاري صحابي - قال: رأيت أبا بكر وعمر وما يضحيان" - كراهة أن يقتدى بهما.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح، كذا في "مجمع الزوائد"(4/ 18).

(4)

أخرج أثره عبد الرزاق في المصنف رقم (8156) وابن حزم في المحلى (7/ 358) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور.

(5)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (8149) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 265).

عن أبي وائل قال: قال أبو مسعود الأنصاري: إني لأدع الأضحى، وإني لموسِر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم عليَّ.

(6)

أخرج أثره عبد الرزاق في المصنف رقم (8135).

(7)

أخرج أثره عبد الرزاق في المصنف رقم (8134).

(8)

البحر الزخار (4/ 311).

(9)

موسوعة فقه عبد الله بن مسعود لـ (قلعه جي) ص 93.

(10)

أخرج أثره عبد الرزاق في المصنف رقم (8146) وابن حزم في المحلى (7/ 358) والبيهقي (9/ 265).

(11)

قال الشافعي في "الأم"(3/ 577): "أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله: الضحايا سنة =

ص: 453

وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة

(1)

والليث وبعض المالكية: إنها واجبة على الموسر.

وحكاه في البحر

(2)

عن مالك.

وقال النخعي: واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى.

وقال محمد بن الحسن: واجبة على المقيم بالأمصار.

والمشهور عن أبي حنيفة أنه قال: إنما نوجبها على مقيم يملك نصابًا، كذا قال النووي

(3)

.

قال ابن حزم

(4)

: لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة وصح أنها غير واجبة عن الجمهور ولا خلاف في كونها من شرائع الدين.

ووجه دلالة الحديثين وما في معناهما على عدم الوجوب أن الظاهر أن تضحيته صلى الله عليه وسلم عن أمته وعن أهله تجزئ كل من لم يضح سواء كان متمكنًا من الأضحية أو غير متمكن.

ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حديث: "على أهل كل بيت أضحية"، وسيأتي

(5)

في باب ما جاء في الفرع والعتيرة [ما]

(6)

يدل على وجوبها على أهل كل بيت يجدونها [فيكون]

(7)

قرينة على أن تضحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غير

= لا أحب تركها، ومن ضحى فأقل ما يجزيه الثَّنِيّ من المعز والإبل والبقر ولا يجزئ جَذَع من الضأن وحدها.

ولو زعمنا أن الضحايا واجبة ما أجزأ أهل البيت أن يضحوا إلا عن كل إنسان بشاة، أو عن كل سبعة بجزور، ولكنها لما كانت غير فرض كان الرجل إذا ضحى في بيته كانت قد وقعت ثمَّ اسم ضحية ولم تُعَطَّل، وكان من ترك ذلك من أهله لم يترك فرضًا" اهـ.

(1)

قال عبد الله بن محمود بن مودود الموصللي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار": (2/ 491): "قال: (وهي واجبة على كل مسلم حر مقيم موسر)، أما الوجوب فمذهب أصحابنا - أي الحنفية - وروي عن أبي يوسف أنها سنة. وذكر الطحاوي أنها واجبة عند أبي حنيفة سنة عندهما، واختاره رضي الدين النيسابوري

" اهـ.

(2)

البحر الزخار (4/ 311).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 110).

(4)

في "المحلى"(7/ 355).

(5)

برقم (2152) من كتابنا هذا.

(6)

ما بين الخاصرتين زيادة يقتضيها السياق.

(7)

في المخطوط (ب): (فتكون).

ص: 454

الواجدين من أمته ولو سلم الظهور المدعى فلا دلالة [له]

(1)

على عدم الوجوب لأن محل النزاع من لم يضح عن نفسه ولا ضحى عنه غيره فلا يكون عدم وجوبها على من كان في عصره من الأمة مستلزمًا لعدم وجوبها على من كان في غير عصره منهم.

فإن قيل: هذا يستلزم أن تجزئ الشاة الواحدة عن جميع الأمة.

قلنا: هذه مسئلة أخرى خارجة عن محل النزاع سيأتي بيانها.

ومن أدلة القائلين بعدم الوجوب ما أخرجه أحمد

(2)

عن ابن عباس مرفوعًا: "أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها، وأمرت بالأضحى ولم تكتب عليكم".

وأخرجه أيضًا البزار

(3)

وابن عدي

(4)

والحاكم

(5)

عنه بلفظ: "ثلاث هنَّ عليَّ فرائض ولكم تطوع: النحر، والوتر، وركعتا الضحى".

وأخرجه أيضًا أبو يعلى

(6)

عنه بلفظ: "كتب عليّ النحر ولم يكتب عليكم وأمرت بصلاة الضحى ولم تُؤْمَرُوا بها".

ويجاب عنه بأن في إسناد أحمد وأبا يعلى جابر الجعفي

(7)

وهو ضعيف جدًّا، وفي إسناد البزار وابن عديّ والحاكم [ابن جناب]

(8)

الكلبي

(9)

.

وقد صرّح الحافظ

(10)

بأن الحديث ضعيف من جميع طرقه.

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

في المسند (1/ 317) بسند ضعيف لضعف جابر بن يزيد الجعفي.

(3)

في المسند رقم (2433 - كشف).

(4)

في "الكامل"(7/ 213).

(5)

في المستدرك (1/ 300) وسكت عليه الحاكم. وقال الذهبي: غريب منكر، ويحيى - ابن أبي حية أبو جناب - ضعفه النَّسَائِي و"الدارقطني" اهـ. وهو حديث ضعيف.

(6)

لم أقف عليه عند أبي يعلى.

(7)

انظر ترجمته في: "الميزان"(2/ 379) والمجروحين (1/ 208) والخلاصة ص 59.

(8)

كذا في المخطوط (أ)، (ب)، والصواب أبو جناب كما يأتي في مصادر الترجمة.

(9)

هو يحيى بن أبي حيَّة، أبو جناب الكلبي. قال الدارقطني: ضعيف. وقال أبو زرعة: صدوق يدلس، وقال الفلاس: متروك.

التاريخ الكبير (8/ 267) والمجروحين (3/ 111) والجرح والتعديل (9/ 138) والكاشف (3/ 223) والمغني (2/ 733) والميزان (4/ 371) والتقريب (2/ 346).

(10)

في "التلخيص الحبير"(2/ 38 - 39). وانظر: الفتح (10/ 4).

ص: 455

وقد أخرجه الدارقطني

(1)

بلفظ: "ثلاث هن عليَّ فريضة وهن لكم تطوّع: الوتر، [وركعتا]

(2)

الفجر، وركعتا الضحى".

وأخرجه البزار

(3)

بلفظ: "أمرت بركعتي الفجر والوتر وليس عليكم". ورواه الدارقطني

(4)

أيضًا وابن شاهين في ناسخه

(5)

عن أنس مرفوعًا: "أمرت بالوتر والأضحى ولم يعزم عليّ"، وفي إسناده عبد الله بن مُحَرَّر

(6)

وهو متروك.

واستدلوا أيضًا بما أخرجه البيهقي

(7)

عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يظنّ من رآهما أنها واجبة.

وكذلك أخرج

(8)

عن ابن عباس وبلال وأبي مسعود وابن عمر، ولا حجة في شيء من ذلك.

واستدلّ من قال بالوجوب بقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}

(9)

والأمر للوجوب.

وأجيب بأن المراد تخصيص الربّ بالنحر له لا للأصنام فالأمر متوجه إلى ذلك لأنَّه القيد الذي يتوجه إليه الكلام، ولا شكّ في وجوب تخصيص الله

(1)

في سننه (2/ 21 رقم 1) وفيه أبو خباب.

(2)

في المخطوط (ب): (ركعتي).

(3)

في المسند (رقم 2434 - كشف) بسند ضعيف لضعف جابر الجعفي.

(4)

في سننه (2/ 21 رقم 2).

(5)

رقم (202).

قلت: وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" رقم (771).

وابن عدي في الكامل (4/ 1452)، وأورد الذهبي في الميزان (2/ 500) هذا الحديث وعدَّه من بلايا: عبد الله بن المحرَّر.

(6)

عبد الله بن مُحَرَّر، قال البخاري: منكر الحديث. وقال الدارقطني وجماعة: متروك.

المجروحين (2/ 22) والكاشف (2/ 110) والمغني (1/ 356) والميزان (2/ 500).

• تنبيه: في كل طبعات "نيل الأوطار". تحرف "عبد الله بن مُحَرَّر" إلى "عبد الله بن محرز"، وهو خطأ.

(7)

في السنن الكبرى (9/ 264 - 265).

(8)

أي البيهقي في السنن الكبرى (9/ 265 - 266) وقد تقدم تخريج هذه الآثار آنفًا.

(9)

سورة الكوثر: الآية (2).

ص: 456

بالصلاة والنحر، على أنه قد روي أن المراد بالنحر وضع اليدين حال الصلاة على الصدر

(1)

كما سلف في الصلاة.

واستدلوا أيضًا بحديث: "من وجد سعة فلم يضحّ فلا يقربن مصلانا"، وقد تقدم

(2)

.

ووجه الاستدلال به أنه لما نهى من كان ذا سعة عن قربان المصلى إذا لم يضح، دلّ على أنه قد ترك واجبًا، فكأنه لا فائدة في التقرّب مع ترك هذا الواجب.

قال في الفتح

(3)

: وليس صريحًا في الإيجاب.

واستدلوا أيضًا بحديث مخنف بن سليم أنه صلى الله عليه وسلم قال بعرفات: "يا أيها الناس على أهل كلّ بيت أضحية في كل عام وعتيرة"، أخرجه أبو داود

(4)

وأحمد

(5)

وابن ماجه

(6)

والترمذي

(7)

وحسنه، وسيأتي

(8)

ما عليه من الكلام.

وأجيب عنه بأنه منسوخ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا فرع ولا عتيرة"

(9)

، ولا يخفى أن نسخ العتيرة على فرض صحته لا يستلزم نسخ الأضحية.

(1)

أخرج الطبري في "جامع البيان"(15/ ج 30/ 326) عن علي رضي الله عنه، قال في قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ، قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده الأيسر، ثم وضعهما على صدره.

وقال ابن كثير في تفسيره (14/ 481). قيل: المراد بقوله: {وَانْحَرْ} وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت النحر، يروى هذا عن علي ولا يصح وعن الشعبي مثله.

وقال بعد ذكره الأقوال في هذه الآية: قال كل هذه الأقوال غريبة جدًّا، والصحيح القول الأول: أن المراد بالنحر ذبح المناسك وبهذا كان رسول الله يصلي يوم العيد ثم ينحر نسكه ويقول: "من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له". [أخرجه البخاري رقم (955) ومسلم رقم (1961)].

(2)

برقم (2096) من كتابنا هذا.

(3)

(10/ 4).

(4)

في سننه رقم (2788).

(5)

في المسند (5/ 214).

(6)

في سننه رقم (3125).

(7)

في سننه رقم (1518) وقال: هذا حديث حسن غريب.

(8)

برقم (2152) من كتابنا هذا. وهو حديث حسن لغيره.

(9)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 229) والبخاري رقم (5473) ومسلم رقم (38/ 1976).

ص: 457

واستدلوا أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى، ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله"، وهو متفق عليه

(1)

من حديث جندب بن سفيان البجلي.

وبما روي من حديث جابر

(2)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان ذبح قبل الصلاة فليعد"، وسيأتي هو

(3)

وحديث جندب

(4)

في باب بيان وقت الذبح، والأمر ظاهر في الوجوب ولم يأت من قال بعدم الوجوب بما يصلح للصرف كما عرفت.

نعم حديث أمّ سلمة الآتي

(5)

قريبًا ربما كان صالحًا للصرف لقوله: "وأراد أحدكم أن يضحي"؛ لأن التفويض إلى الإرادة يشعر بعدم الوجوب.

[الباب العاشر] باب ما يجتنبه في العشر من أراد التضحية

27/ 2100 - (عَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا رأيْتُمْ هِلالَ ذِي الحِجَّةِ وَأَرَادَ أحَدُكُمْ أنْ يُضَحِّي فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وأظْفارِهِ". رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخَارِيَّ

(6)

. [صحيح] ولَفْظُ أبي دَاوُدَ

(7)

وهُوَ لِمُسلِمٍ

(8)

وَالنَّسائيِّ

(9)

أيضًا: "مَنْ كانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فإذَا أهَلّ هِلالُ ذِي الحِجَّةِ فَلا يَأخُذَنّ مِنْ شَعْرِهِ وأظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ"). [صحيح]

قوله: (ذِبْحٌ) بكسر الذال: أيُّ حيوان يريد ذبحه، فهو فعل بمعنى: مفعول

(1)

أحمد في المسند (4/ 312) والبخاري رقم (985) ومسلم رقم (1960).

(2)

أحمد في المسند (3/ 294) ومسلم رقم (14/ 1964).

(3)

أي حديث جابر برقم (2128) من كتابنا هذا.

(4)

يأتي برقم (2127) من كتابنا هذا.

(5)

برقم (2100) من كتابنا هذا.

(6)

أحمد في المسند (6/ 289) ومسلم رقم (41، 42/ 1977) وأبو داود رقم (2791) والترمذي رقم (1523) والنسائي رقم (4361) وابن ماجه رقم (3149). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه رقم (2791).

(8)

في صحيحه رقم (2/ 1977).

(9)

في سننه رقم (4364).

ص: 458

كحمل بمعنى محمول، ومنه قوله تعالى:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)}

(1)

.

الحديث استدل به على مشروعية ترك أخذ الشعر والأظفار بعد دخول عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي.

وقد اختلف العلماء في ذلك

(2)

؛ فذهب سعيد بن المسيب، وربيعة، وأحمد، وإسحاق، وداود وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية.

وقال الشافعي

(3)

وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام.

وحكى الإمام المهدي في البحر

(4)

عن الإِمام يحيى والهادوية والشافعي

(5)

أن ترك الحلق والتقصير لمن أراد التضحية مستحب.

وقال أبو حنيفة

(6)

: لا يكره، والحديث يرد عليه.

وقال مالك

(7)

في رواية: لا يكره، وفي رواية: يكره، وفي رواية: يحرم في التطوع دون الواجب.

واحتج من قال بالتحريم بحديث الباب

(8)

لأن النهي ظاهر في ذلك.

واحتج الشافعي بحديث عائشة المتقدم

(9)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث بهديه ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر هديه"، فجعل هذا الحديث مقتضيًا

(1)

سورة الصافات: الآية (107).

(2)

انظر "البيان" للعمراني (4/ 437 - 438). والمجموع شرح المهذب (8/ 363 - 364) وعيون المجالس (2/ 931).

(3)

قال النووي في "المجموع"(8/ 362): "هذا هو المذهب - أي الشافعي - أنه مكروه كراهة تنزيه.

(4)

البحر الزخار (4/ 317).

(5)

قال النووي في "المجموع"(8/ 362): "وأما قول المصنف - أي الشيرازي في المهذب - والشيخ أبي حامد، والدارمي، والعبدري، ومن وافقهم أن المستحب تركه، ولم يقولوا: إنه مكروه فشاذ ضعيف مخالف لنص هذا الحديث - أي حديث أم سلمة المتقدم - " اهـ.

(6)

انظر: شرح معاني الآثار (4/ 181 - 182).

(7)

عيون المجالس (2/ 931).

(8)

رقم (27/ 2100) من كتابنا هذا.

(9)

برقم (20/ 2930) من كتابنا هذا.

ص: 459

لحمل حديث الباب على كراهة التنزيه، ولا يخفى أن حديث الباب أخص منه مطلقًا فيبنى العام على الخاص ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم، ولكن على من أراد التضحية. قال أصحاب الشافعي

(1)

: والمراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهي عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذه بنورة أو غير ذلك من شعور بدنه.

قال إبراهيم المروزي

(2)

وغيره من أصحاب الشافعي: حكم أجزاء البدن كلها حكم الشعر والظفر.

ودليله ما ثبت في رواية لمسلم

(3)

: "فلا يمسنَّ من شعره وبشره شيئًا".

والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار.

وقيل: للتشبه بالمحرم، حكى هذين الوجهين النووي

(4)

وحكى عن أصحاب الشافعي أن الوجه الثاني غلط لأنَّه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم.

[الباب الحادي عشر] باب السن الذي يجزئ في الأضحية وما لا يجزئ

28/ 2101 - (عَنْ جابرٍ قال: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضأنِ". رَواهُ الجَمَاعَةُ إلَّا البُخاريَّ والتِّرمذيَّ)

(5)

. [ضعيف]

(1)

ذكره النووي في "المجموع"(8/ 363).

(2)

حكاه عنه النووي في "المجموع"(8/ 363) وفي شرحه لصحيح مسلم (13/ 139).

(3)

في صحيحه رقم (41/ 1977).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 139).

(5)

أحمد في المسند (3/ 312) ومسلم رقم (13/ 1963) وأبو داود رقم (2797) والنسائي رقم (4378) وابن ماجه رقم (3141).

قال الحافظ في "الفتح": إنه حديث صحيح.

وقال الألباني في "الضعيفة"(1/ 161): "ثم بدا لي أني كنت واهمًا في ذلك؛ تبعًا للحافظ، وأن هذا الحديث الذي صححه هو وأخرجه مسلم كان الأحرى به أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة، لا أن تتأول به الأحاديث الصحيحة، ذلك لأن أبا الزبير هذا =

ص: 460

29/ 2102 - (وعَنِ البَرَاءِ بْنِ عازِبِ قالَ: ضَحَّى خالٌ لِي يُقالُ لهُ: أَبُو بُرْدَةَ قَبلَ الصَّلَاةِ، فقالَ لهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "شاتُكَ، شَاةُ لَحمٍ"، فقالَ: يا رسُولَ الله إنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنَ المَعِزِ، قالَ: "اذْبَحْها وَلَا تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ"، ثمَّ قالَ: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، ومَنْ ذَبَح بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُه وأَصَابَ سَنَّةَ الْمُسْلِمِينَ". مُتَّفَق عَلَيهِ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (إلا مسنة)، قال العلماء

(2)

: المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل

= مدلس، وقد عنعنه، ومن المقرر في "علم المصطلح" أن المدلس لا يُحتَج بحديثه إذا لم يصرح بالتحديث، وهذا هو الذي صنعه أبو الزبير هنا، فعنعن، ولم يصرح، ولذلك انتقد المحققون من أهل العلم أحاديث يرويها أبو الزبير بهذا الإسناد، أخرجها مسلم، اللهم إلا ما كان من رواية الليث بن سعد عنه، فإنه لم يرو عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث. فقال الحافظ الذهبي في ترجمة أبي الزبير - واسمه محمد بن مسلم بن تدُرس - بعد أن ذكر فيه طعن بعض الأئمة بما لا يقدح في عدالته:

"وأما أبو محمد بن حزم، فإنه يردُّ من حديثه ما يقول فيه "عن جابر" ونحوه؛ لأنَّه عندهم ممن يدلس، فإذا قال: "سمعت"، "وأخبرنا"؛ احتج به، ويحتج به ابن حزم إذا قال: "عن" مما رواه عنه الليث بن سعد خاصة، وذلك لأن سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا الليث قال: جئت أبا الزبير، فدفع إليَّ كتابين، فانقلبت بهما، ثم قلت في نفسي: لو أنني عاودته، فسألته أسَمِعَ هذا من جابر؟ فسألته فقال: منه ما سمعت، ومنه ما حدثت به، فقلت: أعلم لي على ما سمعت منه، فأعلم لي على هذا الذي عندي".

ثم قال الذهبي:

"وفي صحيح مسلم عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع من جابر، ولا هي من طريق الليث عنه، ففي القلب منه شيء".

وقال الحافظ في ترجمته من "التقريب": صدوق إلا أنه يدلس.

وأورده في المرتبة الثالثة من كتابه "طبقات المدلسين" ص 15.

وجملة القول: أن كل حديث يرويه أبو الزبير عن جابر أو غيره بصيغة (عن) ونحوها.

وليس من رواية الليث بن سعد عنه. فينبغي التوقف عن الاحتجاج به، حتى يتبين سماعه أو نجد ما يشهد له ويعتضد به.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

أحمد في المسند (4/ 302) والبخاري رقم (5556) ومسلم رقم (4/ 1961).

(2)

قال النووي في "المجموع"(8/ 366): "فرع: في مذاهب العلماء في سن الأضحية: نقل جماعة إجماع العلماء عن التضحية لا تصح إلا بالإبل أو البقر أو الغنم، فلا يجزئ شيء من الحيوان غير ذلك. =

ص: 461

والبقر والغنم فما فوقها، [و]

(1)

هذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع ولا يجزئ إلا إذا عسر على المضحي وجود المسنة.

وقد قال ابن عمر والزهري: إنه لا يجزئ الجذع من الضأن ولا من غيره مطلقًا.

قال النووي

(2)

: ومذهب العلماء كافة أنه يجزئ سواء وجد غيره أم لا، وحملوا هذا الحديث على الاستحباب والأفضل، تقديره يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة فإن عجزتم فجذعة ضأن، وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزئ بحال.

وقد أجمعت الأمة على أنه ليس على ظاهره لأن الجمهور يجوِّزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه، وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه، فيتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب كذا قال النووي، ولا يخفى أن قوله:"لا تذبحوا" نهي عن التضحية بما عدا المسنة مما دونها وذبح الجذعة مقيد بتعسر المسنة فلا يجزئ مع عدمه ولا بد من مقتضى للتأويل المذكور.

وحديث أبي هريرة وما بعده من الأحاديث المذكورة في هذا الباب تصلح لجعلها قرينة مقتضية للتأويل فيتعين المصير إليه لذلك.

قوله: (جذعة من الضأن)، الجذع من الضأن ما له سنة تامة، هذا هو

= وحكى ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه يجوز أن يُضحى ببقر الوحش عن سبعة، وبالظبا عن واحد، وبه قال داود في بقرة الوحش.

وأجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني، ولا من الضأن إلا الجذع، وأنَّه يجزئ هذه المذكورات إلا ما حكاه العبدري وجماعة من أصحابنا عن الزهري أنه قال: لا يجزئ الجذع من الضأن.

وعن الأوزاعي أنه يجزئ الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن.

وحكى صاحب البيان عن ابن عمر كالزهري، وعن عطاء كالأوزاعي، هكذا نقل هؤلاء.

ونقل القاضي عياض الإجماع أنه يجزئ الجذع من الضأن، وأنَّه لا يجزئ جذع المعز" اهـ.

وانظر: "المغني"(13/ 367).

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 117).

ص: 462

الأشهر عن أهل اللغة

(1)

وجمهور أهل العلم

(2)

من غيرهم.

وقيل: ما له ستة أشهر. وقيل: سبعة. وقيل: ثمانية. وقيل: عشرة. وقيل: إن كان متولدًا بين شاتين فستة أشهر، وإن كان برين هرمين فثمانية.

قوله: (شاتك شاة لحم)، أي ليست أضحية ولا ثواب فيها بل هو لحم لك تنتفع به.

قوله: (إن عندي داجنًا، إلخ) الداجن ما يعلف في البيت من الغنم والمعز.

وفي رواية لمسلم

(3)

: "إن عندي جذعًا"، وفيه دليل على أن جذعة المعز لا تجزئ في الأضحية. قال النووي

(4)

: وهذا متفق عليه.

قوله: (من ذبح قبل الصلاة)، يأتي شرح هذا إن شاء الله في باب بيان وقت الذبح.

30/ 2103 - (وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقولُ: "نِعْمَ - أَوْ نِعْمَتِ - الأضْحِيةُ الْجَذَع مِنَ الضَّأنِ". رَوَاهُ أحمَدُ

(5)

والتِّرمذِيُّ)

(6)

. [حسن لغيره]

(1)

النهاية (1/ 250).

قال الحربي: "إنما يُجزئ الجَذَعُ في الأضاحي؛ لأنَّه يَنْزُو فيلْقِح، فإذا كان من المِعزَى لم يُلْقِح حتى يصير ثَنِيا، وولد المِعْزَى أوِل سنة: جَدْي، والأنثى: عَناقٌ، فإذا أتى عليها الحول فالذكر تَيسٌ، والأنثى عَنْزٌ، ثم جَذع في السنة الثانية، ثم ثَنِيٌّ، ثم ربَاع" اهـ.

[الغريبين في القرآن والحديث (1/ 325)].

(2)

قاله النووي في شرحه لصحيح مسلم (13/ 112).

(3)

في صحيحه رقم (4/ 1961).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 113).

(5)

في المسند (4/ 444 - 445).

(6)

في سننه رقم (1499) قال الترمذي: حديث غريب.

قلت: وأخرجه إسحاق بن راهويه رقم (307) والبيهقي (9/ 271) بسند ضعيف لجهالة كدام بن عبد الرحمن السلمي، وأبي كباش.

وانظر بقية الكلام عليه في "الضعيفة" رقم (64).

وقال الألباني رحمه الله في "الضعيفة"(1/ 165): "وختامًا أقول: نستطيع أن نستخلص مما سبق من التحقيق، أن حديث هلال - رقم (65) - وكذا الذي قبله - رقم (64) - وإن كان ضعيف المبنى، فهو صحيح المعنى، يشهد له حديث عقبة - ابن عامر - ومجاشع - ابن سليم -، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت؛ لما أوردتهما في هذه "السلسلة" - أي الضعيفة - ولأوردت بديلهما حديث جابر هذا - الذي تقدم برقم (28/ 2101) من كتابنا هذا - ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، ولله في خلقه شؤون" اهـ. =

ص: 463

31/ 2104 - (وعَنْ أَمِّ بِلَالٍ بِنْتِ هِلالٍ عَنْ أبِيها أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "يجُوزُ الْجَذَعُ مِنَ الضأنِ أُضْحِيّةً، رَواهُ أحمدُ

(1)

وابْنُ ماجهْ)

(2)

. [حسن لغيره]

32/ 2105 - (وعَنْ مُجاشِعِ بْنِ سُلَيْمٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقُولُ: "إنَّ الجَذَعَ يُوفِي مِما تُوفِي مِنْهُ الثَّنِيَّةُ". رَواهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

وابْنُ ماجَهْ)

(4)

. [صحيح]

33/ 2106 - (وعَنْ عُقْبةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: ضَحَّيْنا مع رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بالجَذَعِ مِنَ الضأنِ. رَواهُ النَّسائيّ)

(5)

. [صحيح]

34/ 2107 - (وعَنْ عقبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: قَسَمَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أصحابِه ضَحايا فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعةٌ، فقُلْتُ: يا رسُولَ الله أصَابَنِي جَذَعٌ؟ فقالَ: "ضَحِّ بِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

.

وفي رِوايَةٍ لِلْجماعَةِ إلا أَبَا دَاوُدَ

(7)

أَنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أعْطَاهُ غَنَمًا يقْسِمُها على صَحَابَتِهِ ضَحايَا، فبَقِيَ عَتُودٌ فَذَكَرَهُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:"ضَحِّ بِهِ أنْتَ"، قُلْتُ: والعَتُودُ مِنْ وَلدِ المَعَزِ ما رَعى وَقَوِيَ وأتَى عَليهِ حَوْلٌ). [صحيح]

حديث أبي هريرة رواه الترمذي

(8)

من طريق يوسفُ بنُ عيسى عن وكيع عن عثمان بن واقد عن كِدَام بن عبد الرحمن عن أبي كِبَاشٍ قال: "جلبت غنمًا

= وخلاصة القول: أن الحديث حديث حسن لغيره، والله أعلم.

(1)

في المسند (6/ 368).

(2)

في سننه رقم (3139).

بسند فيه امرأة مجهولة، ولكنه حديث حسن لغيره، وانظر ما تقدم.

(3)

في سننه رقم (2799).

(4)

في سننه رقم (3140).

وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (4382)، وهو حديث صحيح.

(6)

أحمد في المسند (4/ 156) والبخاري رقم (5547) ومسلم رقم (16/ 1965).

(7)

أحمد في المسند (4/ 149) والبخاري رقم (5555) ومسلم رقم (15/ 1965) والترمذي رقم (1500) والنسائي رقم (4379) وابن ماجه رقم (3138).

(8)

في السنن رقم (1499) وقد تقدم.

ص: 464

جذعانًا إلى المدينة فكسدتْ عليّ فلقيت أيا هريرة فسألته فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث.

وقال

(1)

: غريب. وقد رُوي موقوفًا

(2)

وذكره الحافظ في التلخيص

(3)

ولم يزد على هذا.

ويشهد له حديث عبادة بن الصامت عند أبي داود

(4)

وابن ماجه

(5)

والحاكم

(6)

والبيهقي

(7)

مرفوعًا بلفظ: "خير الضحية الكبش الأقرن".

وأخرجه أيضًا الترمذي

(8)

وزاد: "وخير الكفن الحلة".

وأخرجه بنحو اللفظ الأول أيضًا ابن ماجه

(9)

والبيهقي

(10)

من حديث أبي أمامة، وفي إسناده عفير بن معدان

(11)

وهو ضعيف.

قال الترمذي

(12)

: وفي الباب عن أم بلال بنت هلال عن أبيها

(13)

،

(1)

الترمذي في السنن (4/ 88).

(2)

قاله الترمذي عن البخاري في "العلل"(2/ 646).

(3)

(4/ 252).

(4)

في سننه رقم (3156).

(5)

في سننه رقم (1473).

(6)

في المستدرك (4/ 228) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

ووافقه الذهبي.

(7)

في السنن الكبرى (9/ 273).

وهو حديث ضعيف.

(8)

في سننه رقم (1517) وقال: هذا حديث غريب، وعُفير بنُ معدان يضعف في الحديث.

وهو حديث ضعيف.

(9)

في السنن رقم (3130).

(10)

في السنن الكبرى (9/ 273).

وهو حديث ضعيف.

(11)

عفير بن معدان، أبو عائذ الحضرمي، ويقال: اليحصبي المؤذن. قال أحمد: منكر الحديث ضعيف. وقال يحيى: ليس بشيء. وقال أبو داود: شيخ صالح ضعيف الحديث.

[التاريخ الكبير (6/ 319) والمجروحين (2/ 198) والجرح والتعديل (7/ 36) والمغني (2/ 436) والميزان (3/ 83)].

(12)

في السنن (4/ 87).

(13)

تقدم برقم (2104) من كتابنا هذا.

ص: 465

وجابر

(1)

، وعقبة بن عامر

(2)

، ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى.

وحديث أم بلال أخرجه أيضًا ابن جرير الطبري والبيهقي

(3)

وأشار إليه الترمذي كما سلف ورجال إسناده كلهم بعضهم ثقة وبعضهم صدوق وبعضهم مقبول.

وحديث مجاشع بن سليم

(4)

في إسناده عاصم بن كليب. قال ابن المديني: لا يحتج به إذا انفرد. وقال الإمام أحمد: لا بأس به، وقال أبو حاتم الرازي

(5)

: صالح، وأخرج له مسلم.

وحديث عقبة الأول أخرجه أيضًا ابن وهب وذكره الحافظ في التلخيص

(6)

وسكت عنه ورجال إسناده ثقات.

قوله: (نعمت الأضحية الجذع من الضأن)، فيه دليل على أن التضحية بالضأن أفضل، وبه قال مالك

(7)

، وعلل ذلك بأنها أطيب لحمًا.

وذهب الجمهور

(8)

إلى أن أفضل الأنواع للمنفرد البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز.

واحتجوا بأن البدنة تجزئ عن سبعة أو عشرة على الخلاف، والبقرة تجزئ

(1)

تقدم برقم (2101) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (2106) من كتابنا هذا.

(3)

في السنن الكبرى (9/ 271).

(4)

تقدم برقم (2105) من كتابنا هذا.

(5)

في الجرح والتعديل (3/ 1/ 349 - 350).

وانظر: "التاريخ الكبير"(3/ 2/ 487) والميزان (2/ 356).

(6)

"التلخيص الحبير"(4/ 253).

(7)

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(15/ 136 رقم 21313): "قال أبو عمر: أما الكبش الأقرن الفحل فهو أفضلُ الضحايا عند مالك، وأكثر أهل العلم" اهـ.

(8)

قال النووي في "المجموع"(8/ 370 - 371): "فرع في مذاهب العلماء: مذهبنا أن أفضل التضحية بالبدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وداود.

وقال مالك: أفضلها الغنم ثم البقر ثم الإبل، قال: والضأن أفضل من المعز، وإناثها أفضل من فحول المعز، وفحول الضأن خير من إناث المعز. وإناث المعز خير من الإبل والبقر

" اهـ.

وانظر: "المغني"(13/ 366) وعيون المجالس (2/ 932).

والبناية في شرح الهداية (11/ 151 - 152).

ص: 466

عن سبعة. وأما الشاة فلا تجزئ إلا عن واحد بالاتفاق وما كان يجزئ عن الجماعة إذا ضحى به الواحد كان أفضل مما يجزئ عن الواحد فقط، هكذا حكى النووي

(1)

الاتفاق على أن الشاة لا تجزئ إلا عنها واحد.

وحكى المهدي في البحر

(2)

عن الهادي والقاسم أنها تجيء عن ثلاثة.

واحتج لهما بتضحيته صلى الله عليه وسلم بالشاة عن محمد. وآل محمد، وأورد عليه أنه يلزم أن تجزئ عن أكثر من ثلاثة. وأجاب بأنه منع من ذلك الإجماع.

وحكى الترمذي

(3)

في سننه عن بعض أهل العلم أنها تجزئ الشاة عن أهل البيت وقال: وهو قول أحمد وإسحاق، واختلف أصحاب مالك فيما بعد الغنم فقيل: الإبل أفضل، وقيل: البقر وهو الأشهر عندهم.

قوله: (يوفي إلخ) أي يجزيء كما تجزئ الثنية.

قوله: (عتود) بفتح المهملة وضم الفوقية وسكون الواو. وقد فسره أهل اللغة بما فسَّره به المصنف كما نقله النووي

(4)

عنهم.

قال الجوهري

(5)

: وخيره ما بلغ سنة، وجمعه أعتدةٌ وعَدَّانٌ بإدغام التاء في الدال.

قال البيهقي

(6)

وغيره من أصحاب الشافعي وغيرهم: كانت هذه رخصة لعقبة بن عامر كما كان مثلها رخصة لأبي بردة بن نيار في الحديث المتقدم.

ثم روى

(7)

ذلك بإسناد صحيح عن عقبة قال: "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم غنمًا أقسمها ضحايا بين أصحابي فبقي عتود منها فقال: ضحّ بها أنت ولا رخصة لأحد فيها بعدك".

قال

(8)

: وعلى هذا يحمل أيضًا ما روية، عن زيد بن خالد قال: "قسم

(1)

في المجموع (8/ 369 - 370).

(2)

البحر الزخار (4/ 314).

(3)

في السنن (4/ 91).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 118).

(5)

في "الصحاح"(2/ 505).

(6)

في السنن الكبرى (9/ 270).

(7)

أي البيهقي في السنن الكبرى (9/ 270).

(8)

أي البيهقي في السنن الكبرى (9/ 270).

ص: 467

رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه غنمًا فأعطاني عتودًا جذعًا فقال: ضحّ به، فقلت: إنه جذع من المعز أضحي به؟ قال: نعم ضحّ به فضحيت به".

وقد أخرج هذا الحديث أيضًا أبو داود

(1)

بإسناد حسن وليس فيه من المعز، والتأويل الذي قاله البيهقي وغيره متعين، وإلى المنع من التضحية بالجذع من المعز ذهب الجمهور

(2)

.

وعن عطاء والأوزاعي تجوز مطلقًا وهو وجه لبعض الشافعية حكاه الرافعي

(3)

.

وقال النووي

(4)

: هو شاذ أو غلط. وأغرب عياض

(5)

فحكى الإجماع على عدم الإجزاء.

وأحاديث الباب تدل على أنها تجوز التضحية بالجذع من الضأن كما ذهب إليه الجمهور فيرد بها على ابن عمر والزهري حيث قالا: إنه لا يجزئ. وقد تقدم الكلام في ذلك.

[الباب الثاني عشر] باب ما لا يضحى به لعيبه وما يكره ويستحب

35/ 2108 - (عَنْ عَلِيّ قالَ: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُضَحَّى بأعْضَبِ القَرْنِ والأُذُنِ، قالَ قَتادةُ: فذَكَرْتُ ذلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّب، فقالَ: الْعَضْبُ النِّصْفُ فأكثَرُ مِنْ ذلِكَ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ

(6)

وصحَّحهُ التِّرْمِذِيُّ، لكِنِ ابْنُ ماجَهْ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ قَتادَةَ إلى آخِرِهِ). [ضعيف]

(1)

في سننه رقم (2798) بسند حسن.

(2)

المغني (13/ 367 - 368).

(3)

المجموع شرح المهذب (8/ 365).

(4)

في "المجموع"(8/ 365).

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 408).

(6)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 129) وأبو داود رقم (2805) والترمذي رقم (1504) والنسائي رقم (4377) وابن ماجه رقم (3145).

قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 224) والبيهقي (9/ 275) والطيالسي رقم (97) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. =

ص: 468

36/ 2109 - (وعَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قال: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ في الأضَاحِي؛ الْعَوْرَاءُ البَيِّنُ عَوَرُها، والمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُها، والعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ضَلَعُها، والكَسِيرةُ الَّتي لَا تُنْقِي". رَوَاهُ الخَمْسَةُ وصحَّحهُ التِّرمذِي)

(1)

. [صحيح]

37/ 2110 - (وَرَوى يَزِيدُ ذُو مِصْرَ قالَ: أتَيْتُ عتْبَةَ بْنَ عبْدٍ السُّلَميَّ، فقُلْتُ: يَا أَبَا الوَلِيدِ إِنِّي خَرَجْتُ ألْتَمِسُ الضَّحايا، فلَمْ أَجِدْ شَيْئًا يُعْجِبُني غَيْرَ ثَرْماءَ فَمَا تقُولُ؟ قالَ: أَلَا جِئتَني أُضَحِّي بِها، قالَ: سُبْحان الله تَجُوزُ عَنْكَ وَلَا تَجُوزُ عَنِّي؟ قالَ: نَعَمْ إِنَّكَ تَشُكُّ ولَا أُشُكُّ إنما نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ المُصْفَرَةِ والمُسْتأصَلَةِ والبَخْقاءِ والْمشيَّعَةِ والكَسْرَاءِ، فالمُصْفَرَةُ التي تُسْتأصلُ أُذُنُها حتى يَبْدُوَ صِمَاخُها، والمُسْتأصَلَةُ التي ذَهَبَ قَرْنُها مِنْ أصْلِهِ، والبَخْقاءُ التي تُبْخَقُ عَيْنُها، والْمُشَيَّعةُ التي لا تتْبَع الغَنَمَ عَجْفًا وضَعْفًا، والكَسْرَاءُ التي لَا تُنْقِي. رَوَاهُ

= وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

وأورد الألباني طرقًا أخرى للحديث في "إرواء الغليل" رقم (1149) ثم قال رحمه الله: "وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح. وذكر القرن فيه منكر عندي لتفرد جُرَيّ به مع مخالفته لما رواه حجية عن علي أنه لا بأس به.

والطريق الأخرى لا غناء فيها لشدة ضعفها بسبب الجعفي، والله أعلم" اهـ.

(1)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 301) وأبو داود رقم (2802) والترمذي رقم (1497) والنسائي رقم (4369) وابن ماجه رقم (3144).

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 76 - 77) والطيالسي (1/ 230 رقم 2010 - منحة المعبود) وابن خزيمة رقم (2912) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 168) والحاكم (1/ 467 - 468) والبيهقي (5/ 242) و (9/ 274) من طريق شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن، عن عبيد بن فيروز عن البراء به.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وقال الحاكم: حديث صحيح ولم يخرجاه، لقلة روايات سليمان بن عبد الرحمن، وقد أظهر عليّ بن المديني فضائله، وإتقانه. ووافقه الذهبي.

قلت: سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى ثقة، كما قال ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، والعجلي. وقال ابن المديني في "العلل": لم يسمع من عبيد بن فيروز.

قلت: وقد صرَّح سليمان بسماعه من عبيد في رواية شعبة.

ولذلك قال أحمد: ما أحسن حديثه في الضحايا. [انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر (4/ 182 - 183 رقم 355)].

ص: 469

أحمَدُ

(1)

وَأَبُو دَاودَ

(2)

والبُخارِيُّ في تاريخِهِ

(3)

، وَيزِيدُ ذُو مِصْرَ بكَسْرِ المِيمِ وبالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ السَّاكِنةِ). [ضعيف]

حديث عليّ صححه الترمذي كما ذكر المصنف، وسكت عنه أبو داود

(4)

والمنذري

(5)

.

وحديث البراء أخرجه أيضًا ابن حبان

(6)

والحاكم

(7)

والبيهقي

(8)

، وصححه النووي

(9)

.

وادعى الحاكم

(10)

في كتاب الضحايا أن مسلمًا أخرجه وأنَّه مما أخذ عليه لأنَّه من رواية سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز، وقد اختلف الناقلون عنه فيه، انتهى.

وهذا خطأ منه، فإن مسلمًا لم يخرّجه في صحيحه. وقد ذكره

(11)

على الصواب في أواخر كتاب الحج فقال: صحيح ولم يخرّجاه.

وحديث عتبة بن عبد السلمي أخرجه أيضًا الحاكم

(12)

وسكت عنه أبو داود

(13)

والمنذري

(14)

.

(1)

في المسند (4/ 185).

(2)

في سننه رقم (2803).

(3)

في تاريخه الكبير (8/ 330 - 331).

قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 225) والبيهقي (9/ 275) والطبراني في المعجم الكبير (ج 17 رقم 314) من طرق.

وهو حديث ضعيف.

(4)

في السنن (3/ 235).

(5)

في المختصر (6/ 104).

(6)

في صحيحه رقم (1046 - موارد).

(7)

في المستدرك (1/ 467 - 468) وقد تقدم.

(8)

في السنن الكبرى (9/ 274) وقد تقدم.

(9)

في المجموع شرح المهذب (8/ 372).

(10)

في المستدرك (4/ 223).

(11)

أي الحاكم في المستدرك (1/ 467 - 468).

(12)

في المستدرك (4/ 225).

(13)

في سننه (3/ 237).

(14)

في المختصر (4/ 107).

ص: 470

قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب القرن) إلخ.

فيه دليل على أنها لا تجزئ التضحية بأعضب القرن والأذن، وهو ما ذهب نصف قرنه أو أذنه.

وذهب أبو حنيفة

(1)

والشافعي

(2)

والجمهور

(3)

إلى أنها تجزئ التضحية بمكسور القرن مطلقًا، وكرهه مالك

(4)

إذا كان يدمي وجعله عيبًا.

وقال في البحر

(5)

: إن أعضب القرن المنهي عنه هو الذي كسر قرنه أو عضب من أصله حتى يرى الدماغ لا دون ذلك فيكره فقط ولا يعتبر الثلث فيه بخلاف الأذن.

وفي القاموس

(6)

: إن العضباء: الشاة المكسورة القرن الداخل، فالظاهر: أن مكسورة القرن لا تجوز التضحية بها؛ إلا أن يكون الذاهب من القرن مقدارًا يسيرًا بحيث لا يقال لها: عضباء لأجله، أو دكون دون النصف إن صحّ التقدير بالنصف المرويّ عن سعيد بن المسيب لُغويّ أو شرعيّ، ولا يلزم تقييد هذا الحديث بما في حديث عتبة من النهي عن المستأصلة وهي ذاهبة القرن من أصله؛ لأن المستأصلة عضباء وزيادة.

وكذلك لا تجزئ التضحية بأعضب الأذن وهو ما صدق عليه اسم العضب لغةً أو شرعًا، ولكن تفسير المصْفَرة المذكورة في حديث عتبة بالتي تستأصل أذنها، كما ذكره المصنف ومثله ذكر صاحب النهاية

(7)

: يدلّ على أن عضب الأذن المانع من الإجزاء هو ذلك لا دونه، وهذا بعد ثبوت اتحاد مدلول عضباء الأذن، والمصْفَرة، والظاهر: أنهما مختلفان فلا تجزئ عضباء الأُذن: وهي ذاهبة نصف الأذن، أو مشقوقتها أو التي جاوز القطع ربعها على حسب الخلاف فيها بين أهل اللغة، ولا المصفرة وهي ذاهبة جميع الأذن لأنها عضباء وزيادة.

وقد قيل: إن المصْفَرة هي المهزولة، حكى ذلك صاحب النهاية (7) واقتصر عليه صاحب التلخيص

(8)

.

(1)

البناية في شرح الهداية (11/ 43).

(2)

المجموع شرح المهذب (8/ 376).

(3)

المغني (13/ 37 رقم المسألة 1753) والمجموع (8/ 376).

(4)

عيون المجالس (2/ 935 - 936).

(5)

البحر الزخار (3/ 314).

(6)

القاموس المحيط ص 148.

(7)

النهاية لابن الأثير (3/ 36).

(8)

التلخيص الحبير (4/ 256).

ص: 471

ووجه التفسير الأوّل: أن صماخها صار صفرًا من الأذن.

ووجه الثاني: أنها صارت صفرًا من السمن أي خالية منه.

قوله: (أربع لا تجوز) إلخ، فيه دليل على أن متبينة العور والعرج والمرض لا يجوز التضحية بها لا ما كان من ذلك يسيرًا غير بيِّن، وكذلك الكسير التي لا تُنقي بضم التاء الفوقية وإسكان النون وكسر القاف، أي التي لا نقي لها بكسر النون وإسكان القاف، وهو المخ، وفي رواية الترمذي

(1)

والنسائي

(2)

: والعجفاء بدل الكسير.

قال النووي

(3)

: وأجمعوا على أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهي المرض والعجف والعور والعرج البينات لا تجزئ التضحية بها. وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل وشبهه، انتهى.

قوله: (عن المصفرة) بضم الميم وإسكان الصاد المهملة وفتح الفاء، وقد تقدم تفسيرها.

قوله: (والبخقاء) بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة بعدها قاف.

قال في النهاية

(4)

: البخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة.

وفي القاموس

(5)

البَخَقُ محركة: أقبح العور وأكثره غمضًا أو أن لا يلتقي شفر عينه على حدقته، بخق كفرح وكنصر، والعين البخقاء والباخقة والبخيق والبخيقة: العوراء، ورجل بخيق كأمير وباخق العين ومبخوقها: أبخق، وبخق عينه كمنع عورها وأبخقها: فقأها، والعين ندرت، انتهى.

قوله: (والمشيعة) قال في القاموس

(6)

: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشيعة في الأضاحي بالفتح أي التي [لا]

(7)

تحتاج إلى من يشيعها أي يتبعها الغنم لضعفها، وبالكسر وهي التي تشيع الغنم أي تتبعها لعجفها، انتهى.

(1)

في سننه رقم (1497) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

في سننه رقم (4369).

وهو حديث صحيح وقد تقدم برقم (36/ 2109) من كتابنا هذا.

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 120).

(4)

في النهاية لابن الأثير (1/ 103).

(5)

القاموس المحيط ص 1118.

(6)

القاموس المحيط ص 950.

(7)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

ص: 472

وهذه الأحاديث تدل على أنه لا يجزئ في الأضحية ما كان فيه أحد العيوب المذكورة، ومن ادعى أنه يجزئ مطلقًا أو يجزئ مع الكراهة احتاج إلى إقامة دليل يصرف النهي عن معناه الحقيقي وهو التحريم المستلزم لعدم الإجزاء ولا سيما بعد التصريح في حديث البراء

(1)

بعدم الجواز.

38/ 2111 - (وعَنْ أبي سَعِيدٍ قالَ: اشتَرَيْتُ كَبْشًا أضَحي بهِ فَعَدا الذِّئْبُ فأخَذَ الأَلْية قالَ: فسألْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: "ضَحِّ بِهِ". رَوَاهُ أحمدُ

(2)

. [ضعيف]

وهْوَ دَلِيل على أن العَيْبَ الحَادِثَ بَعدَ التَّعْيِينِ لَا يَضُرُّ).

39/ 2112 - (وعَنْ عَلِيّ قالَ: أمَرَنَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نَسْتَشْرِفَ العَيْنَ والأُذُنَ، وأَنْ لَا نُضَحِّي بِمُقابَلَةٍ ولا مُدابَرَةٍ وَلَا شَرْقاءَ وَلَا خَرْقاءَ. رَواهُ الخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرمِذِيّ)

(3)

. [صحيح]

(1)

تقدم برقم (2109) من كتابنا هذا.

(2)

في المسند (3/ 32).

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (3146) وابن حبان في الثقات (5/ 366) والبيهقي (9/ 289) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 169) من طرق.

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 54): "هذا إسناد ضعيف فيه جابر بن يزيد الجعفي وهو ضعيف وقد اتهم

" اهـ.

قلت: وجهالة محمد بن قَرَظَة الأنصاري، فقد تفرد جابر بالرواية عنه.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

أحمد في المسند (1/ 108، 149) وأبو داود رقم (2804) والترمذي رقم (1498) والنسائي رقم (4374) وابن ماجه رقم (3142).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (5920) والحاكم في المستدرك (4/ 224) وصححه ووافقه الذهبي. والبيهقي (9/ 275) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 169).

قال الألباني رحمه الله في الإرواء (4/ 363 - 364) تعقيبًا على تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي بقوله: "فيه نظر، فمن أبا إسحاق وهو عمرو بن عبد الله السبيعي كان اختلط، ثم هو مدلس وقد عنعنه، وروى الحاكم من طريق قيس بن الربيع، قال: قلت لأبي إسحاق سمعته من شريح؟ قال: حدثني ابن أشوع عنه.

قلت: وابن أشوع اسمه سعيد بن عمرو، وهو ثقة من رجال الشيخين، فإذا صح أنه هو الواسطة بين أبي إسحاق وشريح، فقد زالت شبهة التدليس، وبقيت علة الاختلاط. =

ص: 473

40/ 2113 - (وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قالَ: كُنَّا نُسَمِّنُ الأضْحِيةَ بالْمَدِينَةِ وكانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ. أخْرَجَهُ البُخاريُّ)

(1)

.

41/ 2114 - (وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "دَمُ عَفْرَاءَ أحَبُّ إلى الله مِنْ دَمِ سَوْدَاويْنِ"، رَواهُ أحمَدُ

(2)

. والْعفْراءُ التي بيَاضُها لَيْسَ بنَاصِعٍ). [إسناده ضعيف]

42/ 2115 - (وعَن أبي سَعِيدٍ قال: ضَحّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بكَبْشٍ أقْرَنٍ فحِيلٍ يأكُلُ في سَوَادٍ وَيمْشِي في سَوَادٍ [وينْظُرُ في سَوَادٍ]

(3)

. رواهُ الخمسة إلَّا أحمدُ وصَحَّحَهُ التِّرمذيُّ)

(4)

. [صحيح]

= وله طرق أخرى عن علي رضي الله عنه، أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند"(1/ 132).

وجملة القول: أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح، وذكر القرن فيه منكر عندي لتفرد جُرَيّ بن كلب به، مع مخالفته لما رواه حجية بن عدي عن علي .... " اهـ.

(1)

أخرجه البخاري (10/ 9 رقم 5552) معلقًا.

(2)

في المسند (2/ 417). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 18) وقال: "فيه أبو ثغال، قال البخاري: فيه نظر".

قلت: أبو ثغال: واسمه ثمامة بن وائل بن حصين الشاعر.

قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان - كما في "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 52): مجهول.

وانظر: "الضعفاء الكبير"(1/ 177).

وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(1/ 587) في ترجمة رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حُويطب، قاضي المدينة، قال: في حديثه عن أبي هريرة عندي نظر، والظاهر أنه مقطوع.

قلت: وأخرج الحديث الحاكم (4/ 227) والبيهقي (9/ 273).

• وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 197 - 198) عن أبي هريرة موقوفًا بسند ضعيف لجهالة سلمى بن عتاب.

• وأخرج الطبراني في المعجم الكبير (ج 25 رقم 9) عن كبيرة بنت سفيان وكانت قد أدركت الجاهلية، وكانت من المبايعات، قالت: قلت يا رسول الله إني قد وأدت أربع بنين في الجاهلية، قال: اعتقي أربع رقبات، فأعتقت: أبا سعيد، وابناه ميسرة وجبيرًا وأم ميسر. قالت: وقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين".

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 18) وقال: رواه الطبراني في الكبير وفيه محمد بن سليمان بن مسمول وهو ضعيف".

(3)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(4)

أبو داود رقم (2796) والترمذي رقم (1496) والنسائي في المجتبى رقم (4390) =

ص: 474

حديث أبي سعيد الأول أخرجه أيضًا ابن ماجه

(1)

والبيهقي

(2)

، وفي إسناده جابر الجعفي

(3)

وهو ضعيف جدًّا، وفيه أيضًا محمد بن قرظة بفتح القاف والراء.

قال في التلخيص

(4)

: غير معروف. وقال في التقريب

(5)

: مجهول.

وقد قيل: إنه وثقه ابن حبان

(6)

. ويقال: إذ لم يسمع من أبي سعيد.

قال البيهقي

(7)

: ورواه حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن عطية عن أبي سعيد: "أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شاة قطع ذنبها يضحي بها قال: ضح بها". والحجاج ضعيف.

وحديث عليّ أخرجه أيضًا البزار

(8)

وابن حبان

(9)

والحاكم

(10)

والبيهقي

(11)

، وأعله الدارقطني

(12)

.

وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا الحاكم

(13)

والبيهقي

(14)

.

ورواه الطبراني في الكبير

(15)

من حديث ابن عباس بلفظ: "دم الشاة

= وفي الكبرى رقم (4464) وابن ماجه رقم (3128).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وهو حديث صحيح.

(1)

في سننه رقم (3146).

(2)

في السنن الكبرى (9/ 289).

(3)

تقدم مرارًا.

(4)

التلخيص الحبير (4/ 263).

(5)

رقم الترجمة (6241).

(6)

في "الثقات"(5/ 365).

(7)

في السنن الكبرى (9/ 289).

(8)

في المسند (2/ 321 - 322 رقم 753، 754).

(9)

في صحيحه رقم (5920).

(10)

في المستدرك (1/ 468)، (4/ 224 - 225، 225).

(11)

في السنن الكبرى (9/ 275).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (1/ 95، 105، 125، 152) والدارمي (2/ 77) والنسائي (7/ 217) وابن ماجه رقم (3143) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 170) وابن خزيمة رقم (2914)، (2915) وأبو يعلى رقم (333) والطيالسي رقم (160) من طرق.

(12)

في "العلل (3/ 237 - 239 س 380).

(13)

في المستدرك (4/ 227).

(14)

في السنن الكبرى (9/ 273).

(15)

في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11201).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 66): فيه حمزة النصيبي وهو متروك.

ص: 475

البيضاء عند الله أزكى من دم السوداوين"، وفيه حمزة النصيبي

(1)

قد اتهم بوضع الحديث.

ورواه الطبراني

(2)

أيضًا وأبو نعيم

(3)

من حديث كبيرة بنت سفيان نحو الأول.

ورواه البيهقي

(4)

موقوفًا على أبي هريرة، ونقل عن البخاري أن رفعه لا يصح.

وحديث أبي سعيد الثاني صححه ابن حبان

(5)

[أيضًا]

(6)

وهو على شرط مسلم، قاله صاحب الاقتراح.

وأخرج مسلم

(7)

من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد [ويبرك في سواد]

(8)

فأتي به ليضحي به، فقال:"يا عائشة هلُمي المدية"، ثم قال:"اشحذيها بحجر، ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه" الحديث.

قوله: (فقال ضح به) فيه دليل على أن ذهاب الألية ليس عيبًا في الضحية من غير فرق بين أن يكون ذلك بعد التعيين أو قبله كما يدل على ذلك رواية البيهقي التي ذكرناها، وقالت الهادوية (9) والإمام يحيى

(9)

: إن ذهاب الألية عيب،

(1)

حمزة النصيبي، قال ابن معين: لا يساوي فلسًا. وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه موضوع.

[التاريخ الكبير" (3/ 53) المجروحين (1/ 269) والجرح والتعديل (3/ 210) الكاشف (1/ 190) والمغني (1/ 192) والميزان (1/ 606) والتقريب (1/ 199)].

(2)

في المعجم الكبير (ج 25 رقم 9).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد (4/ 18) وقال: فيه محمد بن سليمان بن مسمول وهو ضعيف.

(3)

في حلية الأولياء (7/ 122).

(4)

في السنن الكبرى (9/ 273).

(5)

في صحيحه رقم (2902) بسند صحيح.

(6)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(7)

في صحيحه رقم (19/ 1967).

(8)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(9)

البحر الزخار (4/ 313).

ص: 476

وتمسكوا بالقياس على ذهاب الأذن والقرن وهو فاسد الاعتبار.

قوله: (أن نستشرف العين والأذن) أي نشرف عليهما ونتأملهما كي لا يقع فيهما نقص وعيب.

وقيل: إن ذلك مأخوذ من الشرف بضم الشين، وهو خيار المال، أي أمرنا أن نتخيرهما.

وقال الشافعي معناه أن نضحي بواسع العينين طويل الأذنين.

قوله: (بمقابلة) بفتح الموحدة. قال في القاموس

(1)

: هي شاة قطعت أذنها من قدام وتركت معلقة، ومثله في النهاية

(2)

إلا أنه لم يقيد بقدام.

قوله: (ولا مدابرة) بفتح الموحدة أيضًا هي التي قطعت أذنها من جانب، وفي القاموس

(3)

ما لفظه وهو مقابل ومدابر محض من أبويه وأصله من الإقبالة والإدبارة وهو شق في الأذن ثم يفتل بذلك؛ فإن أقبل به فهو إقبالة، وإن أدبر به [فهو إدبارة]

(4)

والجلدة المعلقة من الأذن هي الإقبالة والإدبارة كأنها زنمة، والشاة مدابرة ومقابلة، وقد دابرها وقابلها، انتهى.

قوله: (ولا شرقاء) هي مشقوقة الأذن طولًا كما في القاموس

(5)

.

قوله: (ولا خرقاء) قال في النهاية

(6)

: الرقاء التي في أذنها خرقٌ مستدير.

قوله: (كنا نسمِّن) إلخ فيه استحباب تسمين الأضحية لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.

وحكى القاضي عياض

(7)

عن بعض أصحاب مالك كراهة ذلك لئلا يتشبه باليهود.

(1)

القاموس المحيط ص 1351: قال: "قطِعَتْ من أذنها قِطعةٌ وتُرِكتْ معلقةٌ من قُدُمٍ".

(2)

النهاية لابن الأثير (4/ 8): قال: هي التي يُقطع من طرف أذنها شيء ثم يترك معلقًا كأنه زَنمة واسم تلك السِّمة القبلة والإقبالة.

(3)

القاموس المحيط ص 499، والنهاية (2/ 98).

(4)

في المخطوط (ب): (فإدبارة).

(5)

القاموس المحيط ص 1158.

(6)

في غريب الحديث لابن الأثير (2/ 26).

(7)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 408).

ص: 477

قال النووي

(1)

: وهذا قول باطل.

قوله: (دم عفراء) إلخ، فيه استحباب التضحية بالأعفر من الأنعام، وأنَّه أحب إلى الله من أسودين. والعفراء على ما في القاموس

(2)

: البيضاء. قال أيضًا: والأعفر من الظباء ما يعلو بياضه حُمْرة وأقرانه بيض [أو]

(3)

الأبيض، ليس بالشديد البياض، انتهى.

وحكى في البحر

(4)

عن الإمام يحيى أنه قال: الأفضل الأبيض ثم الأعفر ثم الأملح، والأسمن الأطيب إجماعًا لقوله تعالى:{وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرِ اللَّهِ}

(5)

، وما غلا لنفاسته أفضل مما رخص، انتهى.

قوله: (بكبش أقرن) قد تقدم الكلام على ذلك.

قوله: (فحيل) فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بالفحيل كما ضحى بالخصيّ.

قوله: (يأكل في سواد) إلخ، معناه أن فمه أسود وقوائمه وحول عينيه.

وفيه دليل على أنها تستحب التضحية بما كان على هذه الصفة.

[الباب الثالث عشر] باب التضحية بالخصي

43/ 2116 - (عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قالَ: ضحَّى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ موْجُوأَيْنِ خَصيَّيْنِ)

(6)

. [إسناده ضعيف منقطع]

44/ 2117 - (وعَنْ عائِشةَ قالَتْ: ضَحَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بكَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ عظِيمَيْن أَملَحَيْن أقْرَنَيْنِ مَوْجُوأيْنِ. رَوَاهُما أحمَدُ)

(7)

. [إسناده ضعيف]

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 118).

(2)

القاموس المحيط ص 568.

(3)

في المخطوط (أ) و (ب): (و) والمثبت من القاموس المحيط.

(4)

البحر الزخار (4/ 322).

(5)

سورة الحج: الآية (32).

(6)

في المسند (6/ 8)، (6/ 392) بسند ضعيف منقطع لضعف شريك بن عبد الله النخعي ولضعف عبد الله بن محمد وهو ابن عقيل بن أبي طالب، وعلي بن الحسين وهو ابن علي بن أبي طالب لم يدرك أبا رفع.

(7)

في المسند (6/ 136) بسند فيه ضعف لاضطراب عبد الله بن محمد وهو ابن عقيل بن أبي طالب - فيه.

ص: 478

45/ 2118 - (وعَنْ أبي سَلَمَةَ عَنْ عائِشةَ وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ إذا أَرَادَ أَنْ يُضَحي اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَينِ سَمِينَينِ أَقْرَنَيْن أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوأَيْنِ فَذَبَحَ أَحَدَهُما عَنْ أُمَّته لِمَنْ شَهِدَ بِالتوْحِيدِ، وشَهِدَ لَهُ بِالبَلاغِ، وَذَبَحَ الآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)

(1)

. [صحيح لغيره]

حديث أبي رافع أخرجه أيضًا الحاكم

(2)

. قال في مجمع الزوائد

(3)

: وإسناده حسن.

وحديث عائشة أخرجه أيضًا ابن ماجه (1) والبيهقي

(4)

والحاكم

(5)

من حديثها وحديث أبي هريرة، ومدار طرقه كلها على عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه مقال.

وفي إسناد حديث أبي هريرة وعائشة عيسى بن عبد الرحمن بن فروة

(6)

وهو ضعيف.

وفي الباب عن جابر عند الحاكم

(7)

من طريق ابن عقيل.

وله شاهد من حديث جابر أيضًا من طريق أخرى عند أبي داود

(8)

والبيهقي

(9)

.

(1)

في سننه رقم (3122).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 49): هذا إسناد حسن عبد الله بن محمد مختلف فيه.

وهو حديث صحيح لغيره.

(2)

في المستدرك (4/ 229) وسكت عنه هو والذهبي.

(3)

في "مجمع الزوائد"(4/ 21).

(4)

في السنن الكبرى (9/ 273).

(5)

في المستدرك (4/ 227 - 228).

(6)

عيسى بن عبد الرحمن بن فروة، وقيل: ابن سَبْرة، الأنصاري، أبو عبادة الزرقي: متروك. التقريب رقم (5306).

قلت: لا يوجد عيسى هذا في إسناد حديث أبي هريرة وعائشة رقم (45/ 2118) من كتابنا هذا.

(7)

في المستدرك (4/ 229) وسكت عنه هو والذهبي.

(8)

في سننه رقم (2795).

(9)

في السنن الكبرى (9/ 273).

قلت: وأخرجه عبد بن حميد رقم (1146) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 177).

وهو حديث ضعيف.

ص: 479

وعن أبي الدرداء عند أحمد

(1)

والطبراني

(2)

.

قوله: (أملحين) قد تقدم تفسير الأملح والأقرن، والموجوء منزوع الأنثيين كما ذكره الجوهري

(3)

وغيره

(4)

.

وقيل: هو المشقوق عرق الأنثيين [والخصيتان]

(5)

بحالهما.

قوله: (سمينين) فيه استحباب التضحية بالسمين.

واستدل بأحاديث الباب على استحباب التضحية بالأقرن الأملح.

وقد حكى النووي

(6)

الاتفاق على ذلك وتقدم حديث

(7)

: "دم عفراء أحب عند الله من دم سوداوين" وتقدم أن الأملح خالص البياض أو المشوب بحمرة، والأعفر كذلك.

وتقدم أن مسلوب القرن لا تجوز التضحية به.

واستدل بأحاديث الباب على استحباب التضحية بالموجوء، وبه قالت الهادوية

(8)

.

والظاهر أنه لا مقتضى للاستحباب؛ لأنَّه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم التضحية بالفحيل كما مر في حديث أبي سعيد

(9)

، فيكون الكل سواء.

واستدل بحديث أبي هريرة على أنها تجزئ الشاة عن العدد الكثير، وسيأتي الخلاف في ذلك.

(1)

في المسند (5/ 196) بسند ضعيف. الحجاج بن أرطاة مدلس وقد عنعن وابن نعيمان - واسمه يعلى - في عداد المجهولين.

(2)

لم أقف عليه عند الطبراني في المعاجم الثلاثة.

(3)

في "الصحاح"(1/ 80) قال: موجوء: والوِجاءُ: بالكسر والمدّ: رضُّ عروق البيضتين حتى تنفضخ فيكون شبيهًا بالخِصَاء.

(4)

كالقاموس المحيط ص 70: قال: موجوء ووجيءٍ دُقَّ عروق خصييه بين حجرين، ولم يخرجهما، أو هو رَضَّهما حتى تَنْفَضِخَا.

(5)

في المخطوط (ب): (والخصيان).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 120).

(7)

تقدم برقم (2114) من كتابنا هذا.

(8)

في البحر الزخار (4/ 321).

(9)

تقدم برقم (2115) من كتابنا هذا.

ص: 480

[الباب الرابع عشر] باب الاجتزاء بالشاة لأهل البيت الواحد

46/ 2119 - (عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ قالَ: سألْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأنْصارِيَّ: كَيْفَ كانَتِ الضَّحايا فِيكُمْ على عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالَ: كانَ الرَّجُلُ في عَهْدِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأكُلُونَ ويُطْعِمون حَتَّى تَباهى النَّاسُ فصارَ كما تَرَى. رَواهُ ابْنُ ماجَهُ

(1)

والترْمِذِي وصَحَّحَهُ)

(2)

. [صحيح]

47/ 2120 - (وعَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أبِي سُرَيْحَةَ قال: حَمَلَنِي أهْلِي على الجَفاءِ بعْدَ ما عَلِمْتُ مِنَ السُّنَةِ، كانَ أَهْلُ البَيْتِ يُضَحُّونَ بِالشَّاةِ والشَّاتَينِ والآنَ يُبَخِّلُنا جِيرانُنا. رَوَاهُ ابْن ماجَهْ)

(3)

. [صحيح]

الحديث الأول: أخرجه أيضًا مالك في الموطأ

(4)

. وأخرجه الترمذي (2) من طريق يحيى بن موسى عن أبي بكر الحنفي عن الضحاك بن عثمان عن عمارة بن عبد الله قال: سمعت عطاء بن يسار يقول: سألت أبا أيوب فذكره. وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وعمارة بن عبد الله هو مديني، وقد رواه عنه مالك بن أنس.

والعمل على هذا عند بعض أهل العلم

(5)

، وهو قول أحمد وإسحاق.

(1)

في سننه رقم (3147).

(2)

في سننه رقم (1505) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 486 رقم 10) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 268) وانظر: الإرواء رقم (1142).

وهو حديث صحيح.

(3)

في سننه رقم (3148).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 55): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وهو حديث صحيح.

(4)

(2/ 486 رقم 10) وقد تقدم.

(5)

المجموع (8/ 369 - 370) والمغني (13/ 365).

ص: 481

واحتجا بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش فقال: "هذا عمن لم يضح من أمتي".

وقال بعض أهل العلم: لا تجزئ الشاة إلا عن نفس واحدة، وهو قول عبد الله بن المبارك وغيره من أهل العلم، انتهى.

وحديث أبي سريحة إسناده في سنن ابن ماجه

(1)

إسناد صحيح.

قوله: (يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته)، فيه دليل على أن الشاة تجزئ عن أهل البيت

(2)

لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم، والظاهر اطلاعه فلا ينكر عليهم.

ويدل على ذلك أيضًا حديث: "على كل أهل بيت في كل عام أضحية"، وسيأتي

(3)

في باب ما جاء في الفرع والعتيرة، وبه قال من تقدم ذكره.

وقال الهادي

(4)

والقاسم (4): تجزئ الشاة عن ثلاثة.

وقيل: تجزئ عن واحد فقط، وبه قال من سلف.

وقد زعم النووي

(5)

أنه متفق عليه، وهو غلط.

وقد وافقه على دعوى الإجماع ابن رشد

(6)

.

وكذلك زعم المهدي في البحر

(7)

أنه لا قائل بأن الشاة تجزئ عن أكثر من ثلاثة وهو أيضًا غلط.

(1)

في السنن رقم (3148) وقد تقدم برقم (2120) من كتابنا هذا.

(2)

قال ابن قدامة في المغني (13/ 365): "فصل: ولا بأس أن يذبح الرجل عن أهل بيته شاة واحدة، أو بقرة، أو بدنة، نص عليه أحمد، وبه قال مالك، والليث والأوزاعي وإسحاق. وروى ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة

وكره ذلك الثوري، وأبو حنيفة؛ لأن الشاة لا تجزئ عن أكثر من واحد، فإذا اشترك فيها اثنان، لم تجز عنهما، كالأجنبيين

" اهـ.

وانظر: المجموع شرح المهذب (8/ 369 - 370).

(3)

برقم (2152) من كتابنا هذا.

(4)

البحر الزخار (4/ 314).

(5)

في المجموع شرح المهذب (8/ 369).

(6)

في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" لابن رشد الحفيد (2/ 442 - 443) بتحقيقي.

(7)

البحر الزخار (4/ 314).

ص: 482

والحق أنها تجزئ عن أهل البيت وإن كانوا مائة نفس أو أكثر كما قضيت بذلك السنة

(1)

.

ولعل متمسك من قال: إنها تجزئ عن واحد فقط القياس على الهدي وهو فاسد الاعتبار.

وأما من قال: إنها تجزئ عن ثلاثة فقط، فقد استدل لهم صاحب البحر بقوله صلى الله عليه وسلم:"عن محمد وآل محمد"

(2)

، ثم قال: ولا قائل بأكثر من الثلاثة فاقتصر عليهم، انتهى.

ولا يخفاك أن الحديث حجة عليه لا له وأن نفي القائل بأكثر من الثلاثة ممنوع والسند ما سلف.

وقد اختلف في البدنة، فقالت الشافعية

(3)

والحنفية

(4)

والجمهور

(5)

: إنها تجزئ عن سبعة.

وقالت العترة

(6)

وإسحاق بن راهويه

(7)

وابن خزيمة: إنها تجزئ عن عشرة.

وهذا هو الحق هنا لحديث ابن عباس المتقدم

(8)

في باب: إن البدنة من الإبل والبقر عن سبع شياه، والأول هو الحق في الهدي للأحاديث المتقدمة هنالك.

وأما البقرة فتجزئ عن سبعة فقط اتفاقًا في الهدي والأضحية.

قوله: (فصار كما ترى) في نسخة من هذا الكتاب: فصاروا كما ترى.

ولفظ الترمذي

(9)

: "فصارت كما ترى".

(1)

تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (2).

(2)

أخرجه أحمد (6/ 391 - 392) بسند ضعيف.

(3)

المجموع شرح المهذب (8/ 371).

(4)

البناية في شرح الهداية (11/ 13 - 20).

(5)

المجموع (8/ 371) والمغني (13/ 343).

(6)

البحر الزخار (4/ 314).

(7)

انظر: المغني (13/ 364).

(8)

برقم (2079) من كتابنا هذا.

(9)

في سننه رقم (1505) وقد تقدم برقم (2119) من كتابنا هذا.

ص: 483

[الباب الخامس عشر] باب الذبح بالمصلى والتسمية والتكبير على الذبح والمباشرة له

48/ 2121 - (عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ كانَ يَذْبَحُ ويَنْحَرُ بِالمُصَلَّى. رَواهُ البُخاريُّ

(1)

والنّسائيُّ

(2)

وابْنُ ماجهْ

(3)

وأَبُو داوُدَ)

(4)

. [صحيح]

49/ 2122 - (وعَنْ عائِشَةَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ في لسَوادٍ وَيَبْرُكُ في سَوادٍ ويَنْظُرُ في سَوادٍ، فأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ فقالَ لَهَا:"يَا عائِشَةُ هَلُمِّي المَدْيَةَ"، ثمَّ قالَ:"اشْحَذِيها على حَجَرٍ" فَفَعَلَتْ، ثمَّ أَخَذَها وأَخَذَ الكَبْشَ فَأضْجَعَهُ، ثمَّ ذَبَحَهُ، ثمَّ قالَ:"بِسْمِ الله، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أمّةِ مُحَمَّدٍ"، ثمَّ ضَحَّى. رَوَاهُ أحمدُ

(5)

ومُسِلِمٌ

(6)

وأَبُو دَاوُدَ)

(7)

. [صحيح]

50/ 2123 - (وعَنْ أنَس قالَ: ضَحَّى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَين [أَمْلَحَينِ أقْرَنَينِ]

(8)

فَرَأَيْتُهُ واضِعًا قَدَمه على صِفاحِهِما يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُما بِيَدِهِ. رَوَاهُ الجَمَاعَةُ)

(9)

. [صحيح]

(1)

في صحيحه رقم (5552).

(2)

في السنن رقم (4366).

(3)

في السنن رقم (3161).

(4)

في السنن رقم (2811).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (6/ 78).

(6)

في صحيحه رقم (19/ 1967).

(7)

في السنن رقم (2792).

قلت: وأخرجه أبو عوانة (5/ 208) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 267) وفي السنن الصغير رقم (1803) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 176) وابن حبان رقم (1915).

وهو حديث صحيح.

(8)

في المخطوط (أ) و (ب)[أقرنين أملحين] والمثبت من مصادر التخريج.

(9)

أحمد (3/ 279) والبخاري رقم (5565) ومسلم رقم (18/ 1966) وأبو داود رقم (2794) والترمذي رقم (1494) والنسائي رقم (4387) وابن ماجه رقم (3120).

وهو حديث صحيح.

ص: 484

51/ 2124 - (وعَنْ جابِرٍ قالَ: ضَحَّى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عيدٍ بِكَبْشَينِ، فقالَ حِينَ وَجَّهَهُما: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمواتِ والأرْضَ حَنيفًا ومَا أنا مِنَ المُشْرِكِينَ، إنَّ صَلاتي ونُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لله رَبِّ العالمِينَ لَا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأمَّتِهِ". رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)

(1)

. [ضعيف]

حديث جابر أخرجه أيضًا أبو داود

(2)

والبيهقي

(3)

وفي إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال تقدم، وفي إسناده أيضًا أبو عياش. قال في التلخيص

(4)

: لا يعرف.

قوله: (كان يذبح وينحر بالمصلى) فيه استحباب أن يكون الذبح والنحر بالمصلى وهو الجبانة، والحكمة في ذلك أن يكون بمرأى من الفقراء فيصيبون من لحم الأضحية.

قوله: (يطأ في سواد) إلخ، أي بطنه وقوائمه وما حول عينيه سواد كما تقدم.

قوله: (هلمي المدية) أي هاتيها، والمدية بضم الميم وكسرها وفتحها وهي السكين

(5)

.

قوله: (اشحذيها) بالشين المعجمة والحاء المهملة المفتوحة وبالذال المعجمة، أي: حدِّديها

(6)

.

وفيه استحباب إحسان الذبح وكراهة التعذيب، كان يذبح بما في حده ضعف.

قوله: (وأخذ الكبش) إلخ، هذا الكلام فيه تقديم وتأخير وتقديره: فأضجعه ثم أخذ في ذبحه قائلًا: بسم الله، إلخ، مضحيًا [به]

(7)

.

(1)

في السنن رقم (3121).

(2)

في سننه رقم (2795).

(3)

في السنن الكبرى (9/ 273).

وهو حديث ضعيف.

(4)

(4/ 262).

(5)

النهاية (4/ 310).

(6)

النهاية (2/ 449).

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 485

وفيه استحباب إضجاع الغنم في الذبح، وأنها لا تذبح قائمة ولا باركة بل مضجعة لأنَّه أرفق بها، وبهذا جاءت الأحاديث وأجمع عليه المسلمون كما قال النووي

(1)

.

واتفق العلماء على أن إضجاعها يكون على جانبها الأيسر حكى ذلك النووي (1) أيضًا لأنَّه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار.

وفيه استحباب قول المضحي: بسم الله وكذلك تستحب التسمية في سائر الذبائح وهو مجمع عليه، ولكن وقع الخلاف في وجوبها.

قوله: (ويكبر) فيه دليل على استحباب التكبير مع التسمية فيقول: بسم الله والله أكبر. والصفحة جانب العنق، وإنما فعل ذلك ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تؤذيه.

قال النووي

(2)

: وهذا أصح من الحديث الذي جاء بالنهي عن ذلك.

قوله: (فذبحهما بيده) فيه استحباب تولي الإنسان ذبح أضحيته بنفسه فإن استناب قال النووي

(3)

: جاز بلا خلاف وإن استناب كتابيًا كره كراهة تنزيه وأجزأه ووقعت التضحية عن الموكل، هذا مذهبنا ومذهب العلماء

(4)

كافة إلا مالكًا

(5)

في إحدى الروايتين عنه فإنه لم يجوزها، ويجوز أن يستنيب صبيًا وامرأة حائضًا لكن يكره توكيل الصبي، وفي كراهة توكيل الحائض وجهان، انتهى.

ومذهب الهادوية

(6)

اشتراط أن يكون الذابح مسلمًا فلا تحل عندهم ذبيحة الكافر، ولا يجوز توكيله بالذبح.

قوله: (فقال حين وجههما: وجهت) إلخ، فيه استحباب تلاوة هذه الآية عند توجيه الذبيحة للذبح. وقد تقدم ذكرها في دعاء الاستفتاح في الصلاة.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 122).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 121).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 120 - 121).

(4)

روضة الطالبين (3/ 200).

(5)

عيون المجالس (2/ 937).

(6)

البحر الزخار (4/ 304).

ص: 486

[الباب السادس عشر] باب نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى

52/ 2125 - (قالَ الله تَعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}

(1)

. قال البُخاريُّ

(2)

: قال ابْنُ عبَّاسٍ: صَوافَّ: قِيامًا.

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنْهُ أَتَى عَلى رَجُلٍ قَدْ أناخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُها، فقالَ: ابْعَثها قِيامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(3)

. [صحيح]

53/ 2126 - (وعَنْ عبدِ الرَّحمنِ بْنِ سابِطٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصْحابَهُ كانُوا يَنْحَرون البَدَنَةَ مَعْقولة الْيُسْرَى قائِمَةً على ما بَقي مِنْ قَوَائِمها رَواهُ أبُو دَاودَ

(4)

وهْوَ مُرْسَلٌ). [صحيح]

حديث عبد الرحمن بن سابط هو في سنن أبي داود من حديث جابر بن عبد الله، فلا إرسال وهكذا ذكره الحافظ في الفتح

(5)

من حديث جابر وعزاه إلى أبي داود. وقد سكت عنه هو

(6)

والمنذري

(7)

، ورجاله رجال الصحيح.

وتفسير ابن عباس الذي ذكره البخاري

(8)

معلقًا، قد وصله سعيد بن منصور وعبد بن حميد.

قوله: (صوافَّ) بالتشديد جمع صافةً، أي: مصطفة في قيامها

(9)

.

(1)

سورة الحج: الآية (36).

(2)

في صحيحه (3/ 554 رقم الباب 119 - مع الفتح) معلقًا.

وقال الحافظ: أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة، وأخرجه عبد بن حميد عن أبي نعيم عنه.

(3)

أحمد في المسند (2/ 139) والبخاري رقم (1713) ومسلم رقم (358/ 1320).

(4)

في سننه رقم (1767) وهو حديث صحيح. فلا إرسال كما قال الحافظ والشوكاني.

(5)

(3/ 553).

(6)

هو أبو داود في سننه (2/ 371).

(7)

في "مختصر السنن"(2/ 296).

(8)

في صحيحه رقم (3/ 554 رقم الباب 119 - مع الفتح) معلقًا وقد تقدم.

(9)

انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" للراغب الأصفهاني (ص 486).

ص: 487

ووقع في مستدرك الحاكم

(1)

من وجه آخر عن ابن عباس في قوله: صواف صوافن

(2)

أي قيامًا على ثلاث قوائم معقولة، وهي قراءة ابن مسعود

(3)

؛ والصوافن جمع صافنة وهي التي رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب.

قوله: (ابعثها) أي أثرها، يقال: بعثت الناقة أي أثرتها

(4)

.

قوله: (قيامًا) مصدر بمعنى قائمة، ووقع في رواية الإسماعيلي

(5)

: انحرها قائمة.

قوله: (مقيدة) أي معقولة الرِّجل قائمة على ما بقي من قوائمها كما في الحديث الآخر.

قوله: (سنة محمد) بنصب سنة بعامل مضمر كالاختصاص، أو التقدير: متبعًا سنة محمد ويجوز الرفع. وفي رواية الحربي (5): فإنه سنة محمد.

وفي هذا الحديث والذي بعده استحباب نحر الإبل على الصفة المذكورة.

وعن الحنفية

(6)

يستوي نحرها قائمة وباركة في الفضيلة.

وفي الباب عن أنس عند البخاري

(7)

أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بيده سبع بدن قيامًا.

(1)

في المستدرك (2/ 389) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(2)

قال الخليل في كتاب العين (ص 523): "الصّفون: أن تصفن الدابةُ وتقوم على ثلاث قوائم وترفع قائمة عن الأرض، أو ينال سُنْبُلُها الأرض لتستريح بذلك وأكثر ما يصفنُ الخيل.

و (صوافّ): قد صفت قدميها. و (صوافي) في الياء يريد خالصة لله.

(3)

معجم القراءات (6/ 115 - 116). وجامع البيان (10/ ج 17/ 165 - 166).

والمحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها. لأبي الفتح عثمان بن جني (2/ 81). وتفسير ابن كثير (10/ 64 - 65).

(4)

القاموس المحيط ص 211.

(5)

حكاها عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 553).

(6)

المبسوط للسرخسي (12/ 17) والبناية في شرح الهداية (11/ 50 - 51).

(7)

في صحيحه رقم (1712).

ص: 488

[الباب السابع عشر] باب بيان وقت الذبح

54/ 2127 - (عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيانَ البَجَلِيِّ أَنَّه صَلَّى مع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أضْحَى، قالَ: فانْصَرَفَ فإِذَا هُوَ باللَّحْمِ وَذَبَائِحُ الأضْحَى تُعْرَفُ، فَعَرَفَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنَّها ذُبِحتْ قَبْلَ أنْ يُصَلِّيَ، فقالَ: "مَنْ كانَ ذَبَحَ قَبْلَ أن يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَح مَكَانَها أُخرَى، ومَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ حَتَّى صَلَّيْنا فَلْيَذْبَح باسْمِ الله"، مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(1)

. [صحيح]

55/ 2128 - (وعَنْ جابِرٍ قالَ: صلَّى بِنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ بِالمَدِينَةِ، فتقدَّمَ رِجالٌ فَنَحَرُوا وَظَنُّوا أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَحَرَ، فأمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ كانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أنْ يُعيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ وَلَا يَنْحَرُوا حتَّى يَنْحَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

ومُسْلِمٌ)

(3)

. [صحيح]

56/ 2129 - (وعَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ: "مَنْ كانَ ذَبَحَ قبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ". مُتَّفقٌ عَليهِ

(4)

. [صحيح]

ولِلبُخاريِّ

(5)

: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فإِنَّما يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، ومَنْ ذَبَحَ بعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وأَصَابَ سُنة الْمُسلِمينَ"). [صحيح]

وفي الباب عن البراء عند الجماعة

(6)

كلهم بلفظ: "من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء"، وقد تقدم بنحو هذا اللفظ.

(1)

أحمد في المسند (4/ 312) والبخاري رقم (5562) ومسلم رقم (1/ 1960).

(2)

في المسند (3/ 294).

(3)

في صحيحه رقم (14/ 1964).

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (13/ 113) والبخاري رقم (5561) ومسلم (10/ 1962).

(5)

في صحيحه رقم (5546).

(6)

أحمد في المسند (4/ 313) والبخاري رقم (5545) ومسلم رقم (4/ 1961) والترمذي رقم (1508) والنسائي رقم (4395) وابن ماجه رقم (3154) وهو حديث صحيح.

ص: 489

قوله: (من ذبح قبل أن نصلي)، في مسلم

(1)

: "قبل أن يصلي" أو "نصلي"، الأولى بالياء التحتية، والثانية بالنون، وهو شك من الراوي.

ورواية النون موافقة لقوله في أول الحديث إنها ذبحت قبل أن يصلي، فإن المراد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وموافقة أيضًا لقوله في آخر الحديث: ومن لم يكن ذبح حتى صلينا.

وهذا يدل على أن وقت الأضحية بعد صلاة الإمام

(2)

لا بعد صلاة غيره، فيكون المراد بقوله في حديث أنس

(3)

: "من كان ذبح قبل الصلاة"، الصلاة المعهودة، وهي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاة الأئمة بعد انقضاء عصر النبوّة.

ويؤيد هذا ما أخرجه الطحاوي

(4)

من حديث جابر وصححه ابن حبان

(5)

أن

(1)

في صحيحه رقم (1/ 1960).

(2)

قال النووي في "المجموع"(8/ 359 - 360): "فرع في مذاهب العلماء في وقت الأضحية:

مذهبنا - أي الشافعية - أنه وقتها إذا طلعت الشمس يوم النحر ثم مضى قدر صلاة العيد وخطبتين كما سبق، فإذا ذبح بعد هذا الوقت أجزأه، سواء صلى الإمام أم لا، وسواء صلى المضحي أم لا، وسواء كان من أهل الأمصار أو من أهل القرى أو البوادي أو المسافرين، وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا.

هذا مذهبنا وبه قال داود وابن المنذر وغيرهما.

وقال عطاء وأبو حنيفة: يدخل وقتها في حق أهل الأمصار إذا صلى الإمام وخطب، فمن ذبح قبل ذلك لم يجزه، قال: وأما أهل القرى والبوادي فوقتها في حقهم إذا طلع الفجر الثاني.

وقال مالك: لا يجوز ذبحها إلا بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه.

وقال أحمد: لا يجوز قبل صلاة الإمام ويجوز بعدها قبل ذبح الإمام، وسواء عنده أهل القرى والأمصار.

ونحوه عن الحسن البصري والأوزاعي وإسحاق بن راهويه.

وقال الثوري: يجوز ذبحها بعد صلاة الإمام قبل خطبته، وفي حال خطبته.

قال ابن المنذر: وأجمعوا على أنها لا يصح ذبحها قبل طلوع الفجر يوم النحر" اهـ.

وانظر: المبسوط للسرخسي (12/ 10) والبناية في شرح الهداية (11/ 26 - 27) والمغني (13/ 384 - 385) وعيون المجالس (2/ 946، 951 - 952) وشرح معاني الآثار (4/ 171 - 172) والمحلى (7/ 373 - 375).

(3)

تقدم برقم (2129) من كتابنا هذا.

(4)

في شرح معاني الآثار (4/ 172).

(5)

في صحيحه رقم (5909). =

ص: 490

رجلًا ذبح قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى أن يذبح أحد قبل الصلاة.

وظاهر قوله في حديث جابر

(1)

: فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر إلخ، أن الاعتبار بنحر الإمام وأنَّه لا يدخل وقت التضحية إلا بعد نحره، ومن فعل قبل ذلك أعاد كما هو صريح الحديث.

ويجمع بين الحديثين بأن وقت النحر يكون لمجموع صلاة الإمام ونحره.

وقد ذهب إلى هذا مالك

(2)

فقال: لا يجوز ذبحها قبل صلاة الإمام وخطبته وذبحه.

وقال أحمد

(3)

: لا يجوز قبل صلاة الإمام، ويجوز بعدها قبل ذبح الإِمام: وسواء عنده أهل القرى والأمصار، ونحوه عن [الحسن و]

(4)

الأوزاعي إسحاق

(5)

.

وقال [الثوري]

(6)

: يجوز بعد صلاة الإِمام قبل خطبته وفي أثنائها.

وقال الشافعي

(7)

وداود

(8)

وآخرون: إن وقت التضحية من طلوع الشمس، فإذا طلعت ومضى قدر صلاة العيد وخطبته أجزأ الذبح بعد ذلك سواء صلى الإِمام أم لا، وسواء صلى المضحي أم لا، وسواء كان من أهل القرى والبوادي، أو من أهل الأمصار أو من المسافرين.

وقال أبو حنيفة

(9)

: يدخل وقتها في حق أهل القرى والبوادي إذا طلع

= قلت: وأخرجه أحمد في المسند (3/ 364) وأبو يعلى رقم (1779). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 24) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(1)

تقدم برقم (2128) من كتابنا هذا.

(2)

التسهيل (2/ 1025 - 1026).

(3)

المغني (13/ 384 - 385).

(4)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(5)

حكاه عنهم النووي في المجموع (8/ 359 - 360) والمغني (13/ 384).

(6)

في المخطوط (ب): "النووي وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من المخطوط (أ) و"المجموع" (8/ 359 - 360) وموسوعة فقه الإمام سفيان الثوري ص 167.

(7)

في "الأم"(3/ 581) والمجموع (8/ 357 - 358).

(8)

المحلى (7/ 373).

(9)

المبسوط للسرخسي (12/ 10).

ص: 491

الفجر ولا يدخل في حق أهل الأمصار حتى يصلي الإِمام ويخطب، فإن ذبح قبل ذلك لم يجزه.

وقالت الهادوية

(1)

: إن وقتها يدخل بعد صلاة المضحي سواء صلى الإِمام أم لا، فإذا لم يصلي المضحي وكانت الصلاة واجبة عليه كان وقتها من الزوال، وإن كانت الصلاة غير واجبة عليه لعذر من الأعذار، أو كان ممن لا تلزمه صلاة العيد، فوقتها من فجر النحر، ولا يخفى أن مذهب مالك

(2)

هو الموافق لأحاديث الباب، وبقية هذه المذاهب بعضها مردود بجميع أحاديث الباب، وبعضها يرد عليه بعضها.

قال ابن المنذر

(3)

: وأجمعوا على أنها لا تجوز التضحية قبل طلوع الفجر، وأما إذا لم يكن ثمّ إمام فالظاهر أنه يعتبر لكل مضح بصلاته.

وقال ربيعة فيمن لا إمام له: إن ذبح قبل طلوع الشمس لا تجزئه وبعد طلوعها تجزئه، وأما آخر وقت التضحية فسيأتي بيانه.

وقد تأول أحاديث الباب من لم يعتبر صلاة الإِمام وذبحه بأن المراد بها الزجر عن التعجيل الذي يؤدي إلى فعلها قبل وقتها وبأنه لم يكن في عصره صلى الله عليه وسلم من يصلي قبل صلاته، فالتعليق بصلاته في هذه الأحاديث ليس المراد به إلا التعليق بصلاة المضحي نفسه، لكنها لما كانت تقع صلاتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم غير متقدمة ولا متأخرة وقع التعليق بصلاته صلى الله عليه وسلم بخلاف العصر الذي بعد عصره فإنها تصلى صلاة العيد في المصر الواحد جماعات متعددة ولا يخفى بُعد هذا؛ فإنه لم يثبت أن أهل المدينة ومن حولهم كانوا لا يصلون العيد إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصلح [للتمسك]

(4)

لمن جوز الذبح من طلوع الشمس أو من طلوع الفجر ما ورد من أن يوم النحر يوم ذبح لأنَّه كالعام.

وأحاديث الباب خاصة، فيبنى العام على الخاص.

قوله: (فليذبح باسم الله) الجار والمجرور متعلق بمحذوف، أي: قائلًا باسم الله.

(1)

البحر الزخار (4/ 315).

(2)

التسهيل (2/ 1025 - 1026).

(3)

في كتابه الإجماع (ص 68 رقم 216).

(4)

في المخطوط (ب): (للمتمسكة).

ص: 492

57/ 2130 - (وعَنْ سُلَيمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "كُل أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبح". رَواهُ أحمَدُ

(1)

وهْوَ للدَّارقُطْني

(2)

مِنْ حدِيثِ سُلَيمانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَمْرو بْنِ دِينارٍ وعَنْ نافِع بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ جُبَيْرٍ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم نَحوُهُ). [صحيح بشواهده]

حديث جبير بن مطعم أخرجه ابن حبان في صحيحه

(3)

والبيهقي

(4)

، وذكر الاختلاف في إسناده.

ورواه ابن عدي

(5)

من حديث أبي هريرة، وفي إسناده معاوية بن يحيى

(1)

في المسند (4/ 82) من طريق أبي المغيرة عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم، به

قلت: وأخرجه البزار رقم (1126 - كشف) وابن حبان رقم (3854) وابن عدي في الكامل (3/ 1118) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 295 - 296) وفي "معرفة السنن والآثار" رقم (19114) وابن حزم في المحلى (7/ 188).

من طريق أبي نصر التمار عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، عن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن جبير بن مطعم، به.

إسناده ضعيف، سليمان بن موسى - وهو الأموي المعروف بالأشدق - لم يدرك جبير.

وعبد الرحمن بن أبي حسين لم يوثقه غير ابن حبان.

(2)

في السنن (4/ 284 رقم 49) ومن طريقه البيهقي (9/ 296) من طريق أبي مُعَيْد حفص بن غيلان، عن سليمان بن موسى، أن عمرو بن دينار حدثه عن جبير بن مطعم.

وعمرو بن دينار لم يدرك جبير بن مطعم، والصواب في هذا الحديث أنه من رواية سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم، وسليمان لم يدرك جبير بن مطعم؛ فالحديث مرسل.

• وللحديث شاهد من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة رقم (2816) والحاكم في المستدرك (1/ 462) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (1194) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 115) بسند صحيح.

• وله شاهد آخر من حديث علي بن أبي طالب بنحوه عند الترمذي رقم (885) وأبي يعلى رقم (312، 544) وابن خزيمة برقم (2837) و (2889) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 72 - 73) والبيهقي (5/ 122) بسند حسن.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بشواهده، والله أعلم.

(3)

في صحيحه رقم (3854) وقد تقدم.

(4)

في السنن الكبرى (9/ 295 - 296) وقد تقدم.

(5)

في الكامل (6/ 400).

ص: 493

الصدفي وهو ضعيف

(1)

.

وذكره ابن أبي حاتم

(2)

من حديث أبي سعيد، وذكر عن أبيه أنه موضوع.

قال ابن القيم في الهدي

(3)

: إن حديث جبير بن مطعم منقطع لا يثبت وصله.

ويجاب عنه بأن ابن حبان

(4)

وصله، وذكره في صحيحه كما سلف.

وقد استدل بالحديث على أن أيام التشريق كلها أيام ذبح، وهي يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وقد تقدم الخلاف فيها في كتاب العيدين

(5)

.

وكذلك روي في الهدي

(6)

عن عليّ أنه قال: أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده، وكذا حكاه النووي عنه في شرح مسلم

(7)

، وحكاه أيضًا عن جبير بن مطعم وابن عباس وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام ومكحول والشافعي

(8)

وداود الظاهري

(9)

.

وحكاه صاحب الهدي

(10)

عن عطاء والأوزاعي وابن المنذر.

ثم قال: وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح"

(11)

، وروي من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع.

ومن حديث أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر

(12)

قال يعقوب بن سفيان: أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون، انتهى.

(1)

قال الدارقطني وغيره: ضعيف. وقال البخار: أحاديثه مناكير كلها من حفظه.

التاريخ الكبير (7/ 336) والمجروحين (3/ 3) والجرح والتعديل (8/ 383) والميزان (4/ 138) والتقريب (2/ 261).

(2)

في "العلل"(2/ 38) رقم (1594).

(3)

في زاد المعاد (2/ 290).

(4)

في صحيحه رقم (3854) وقد تقدم.

(5)

في كتاب العيدين عند الحديث رقم (1309) من كتابنا هذا.

(6)

في زاد المعاد (2/ 291).

(7)

(13/ 111).

(8)

الأم (3/ 581).

(9)

المحلى (7/ 373).

(10)

في زاد المعاد (2/ 291).

(11)

انظر تخريج الحديث المتقدم برقم (57/ 2130) من كتابنا هذا.

(12)

أخرجه أبو داود في سننه رقم (1937) بسند حسن. =

ص: 494

وقال أبو حنيفة

(1)

ومالك

(2)

وأحمد

(3)

: إن وقت الذبح يوم النحر ويومان بعده.

قال النووي

(4)

: وروي هذا عن عمر بن الخطاب وعليّ وابن عمر وأنس.

وحكى ابن القيم

(5)

عن أحمد أنه قال: هو قول غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه الأثرم

(6)

عن ابن عباس، وكذا حكاه عنه في البحر

(7)

، وإليه ذهبت الهادوية والناصر.

وقال ابن سيرين: إن وقته يوم النحر خاصة.

وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيد: إن وقته يوم النحر فقط لأهل الأمصار وأيام التشريق لأهل القرى.

وحكى القاضي عياض

(8)

عن بعض العلماء أن وقته في جميع ذي الحجة، فهذه خمسة مذاهب أرجحها المذهب الأول للأحاديث المذكورة في الباب وهي يقوي بعضها بعضًا.

وقد أجاب عن ذلك صاحب البحر

(9)

بجواب في غاية السقوط فقال: قلنا: لم يعمل به - يعني حديث جبير - أحد من الصحابة، وقد عرفت أنه قول جماعة من الصحابة، على أن مجرد ترك الصحابة للعمل به من غير تصريح منهم بعدم الجواز لا يعد قادحًا.

= وعلَّق المحققان لـ "زاد المعاد"(2/ 291 رقم التعليقة 1) على هذا الحديث:

"هذا وهم من المؤلف رحمه الله، فإنه ليس من حديث جابر ما يشهد لقوله في حديث جبير بن مطعم: "كل أيام التشريق ذبح"، ولفظه عند أبي داود رقم (1937): "كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل المزدلفة موقف، وكل فجاج مكة طريق ومنحر" .... " اهـ.

(1)

المبسوط للسرخسي (12/ 10).

(2)

التهذيب في اختصار المدونة (2/ 35 - 36).

(3)

المغني (13/ 1387).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 113).

(5)

زاد المعاد (2/ 292).

(6)

ذكره ابن قدامة في المغني (13/ 387).

(7)

البحر الزخار (4/ 316).

(8)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 401).

(9)

البحر الزخار (4/ 316).

ص: 495

وأشَف ما جاء به من منع من الذبح في اليوم الرابع الحديث الآتي

(1)

في النهي عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، قالوا: فيه دليل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط، [لأنه لا يجوز الذبح في وقت لا يجوز فيه الأكل، ونسخ تحريم الأكل لا يستلزم نسخ وقت الذبح]

(2)

.

وقد أجاب عنه ابن القيم

(3)

بأنه لا يدل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط؛ لأن الحديث دليل على نهي الذابح أن يؤخر شيئًا فوق ثلاثة أيام من يوم ذبحه، فلو أخر الذبح إلى اليوم الثالث لجاز له الادخار ما بينه وبين ثلاثة أيام.

وسيأتي بقية الكلام على الحديث ووقع الخلاف في جواز التضحية في ليالي أيام الذبح؛ فقال أبو حنيفة

(4)

والشافعي

(5)

وأحمد

(6)

وإسحاق وأبو ثور والجمهور: إنه يجوز مع كراهة.

وقال مالك

(7)

في المشهور عنه وعامة أصحابه ورواية عن أحمد

(8)

: إنه لا يجزئ بل يكون شاة لحم.

ولا يخفى أن القول بعدم الإجزاء وبالكراهة يحتاج إلى دليل، ومجرد ذكر الأيام في حديث الباب وإن دل على إخراج الليالي بمفهوم اللقب لكن التعبير بالأيام عن مجموع الأيام والليالي، والعكس مشهور متداول بين أهل اللغة لا يكاد يتبادر غيره عند الإطلاق.

وأما ما أخرجه الطبراني

(9)

عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح ليلًا، ففي إسناده سليمان بن سلمة الخبايري

(10)

وهو متروك، وذكره

(1)

برقم (58/ 2131) من كتابنا هذا.

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

في زاد المعاد (2/ 290).

(4)

البناية في شرح الهداية (11/ 32).

(5)

المجموع شرح المهذب (8/ 358).

(6)

المغني (13/ 387).

(7)

التهذيب في اختصار المدونة (2/ 43).

(8)

المغنى (13/ 387).

(9)

في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11458).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 26) وقال: فيه سليمان بن أبي سلمة الخبائري وهو متروك.

(10)

قال أبو حاتم: متروك، وانظر ترجمته في: التاريخ الكبير (4/ 19) والجرح والتعديل (4/ 121) والمغني (1/ 280) والميزان (2/ 209).

ص: 496

عبد الحق

(1)

من حديث عطاء بن يسار مرسلًا وفيه مبشر بن عبيد وهو أيضًا متروك.

وفي البيهقي

(2)

عن الحسن: نهى عن جذاذ الليل وحصاده والأضحى بالليل، وهو وإن كانت الصيغة [مقتضية]

(3)

للرفع مرسل.

[الباب الثامن عشر] باب الأكل والإطعام من الأضحية وجواز ادخار لحمها ونسخ النهي عنه

58/ 2131 - (عَنْ عائِشةَ قالتْ: دَفَّ أَهْلُ أَبْياتٍ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ حَضْرَةَ الأضْحى زَمانَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: "ادَّخِرُوا ثَلَاثًا ثمَّ تَصَدَّقُوا بِما بَقِيَ"، فلمَّا كانَ بعْدَ ذلِكَ قالُوا: يا رسُولَ الله، إنَّ النَّاسَ يتَّخِذُونَ الأسْقِيَةَ مِنْ ضَحاياهُمْ، ويَجْمِلُونَ فِيها الْوَدَكَ، قالَ: "وما ذَاكَ؟ "، قالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تؤكَلَ لحُومُ الأضَاحِي بعْدَ ثَلاثٍ، فقالَ: "إنَّما نَهَيْتُكُمْ مِنْ أجْلِ الدَّافَةِ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وتَصَدَّقُوا". مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(4)

. [صحيح]

59/ 2132 - (وعَنْ جابِر قالَ: كُنَّا لَا نأْكُلُ مِنْ لحُومِ بُدْنِنا فَوْقَ ثلَاث مِنًى فرَخَّصَ لنا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: "كُلُوا وتَزَوَّدُوا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(5)

. [صحيح]

وفِي لفظ: كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الأضَاحِي على عَهْدِ رسُول الله صلى الله عليه وسلم إلى المَدِينةِ: أَخْرَجاهُ

(6)

. [صحيح]

(1)

في الأحكام الوسطى (7/ 106) وقال: مبشر متروك الحديث.

وقال ابن القطان في "الوهم والإيهام"(3/ 249 رقم 986): وذكر من المراسيل، عن بقية، عن مبشر بن عبيد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذبح بالليل".

وهو مرسل ضعيف جدًّا، والله أعلم.

(2)

في السنن الكبرى (9/ 290).

(3)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(4)

أحمد في المسند (6/ 51) والبخاري رقم (5570) ومسلم رقم (28/ 1971).

(5)

أحمد في المسند (3/ 317) والبخاري رقم (1719) ومسلم رقم (30/ 1972).

(6)

أي البخاري رقم (5567) ومسلم رقم (32/ 1972).

ص: 497

وفي لفْظٍ: "أَنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ. ثمَّ قالَ بَعْدُ: "كُلُوا وتَزَوَّدُوا وادّخِرُوا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

والنَّسائيُّ)

(2)

. [صحيح]

60/ 2133 - (وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ضحّى منْكُمْ فَلا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثالِثةٍ وفي بَيْتِهِ منْهُ شَيءٌ"، فلمَّا كانَ [في العَامِ المُقْبِل]

(3)

قالُوا: يا رسُول الله: نَفعَلُ كما فَعلْنا في عام الماضِي؟ قالَ: "كُلُوا وَأطْعِمُوا وادّخِرُوا فإِنّ ذلِكَ العَامَ كانَ بالنَّاسِ جَهْدٌ فأردْتُ أَنْ تُعينُوا فيها"، مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)

(4)

. [صحيح]

61/ 2134 - (وعَنْ ثَوْبانَ قالَ: ذَبَحَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أُضحِيتَهُ ثمّ قالَ: "يا ثَوْبَانُ أَصْلِحْ لِي لَحْم هذِهِ"، فلمْ [أزَلْ]

(5)

أُطْعِمُهُ منْهُ حتى قَدِمَ المَدِينَةَ. رَوَاهُ أحمَدُ

(6)

ومُسْلِمٌ)

(7)

. [صحيح]

62/ 2135 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "يا أهْلَ المَدِينَةِ لا تَأْكُلُوا لُحُومَ الأضَاحِي فَوْقَ ثَلاثةِ أيَّامٍ"، فَشَكَوْا إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنَّ لَهُمْ عِيالًا وَحَشَمًا وَخَدَمًا، فَقالَ: "كُلُوا وأطْعِمُوا واحْبِسُوا وَادَّخِرُوا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

(8)

. [صحيح]

63/ 2136 - (وعَنْ بُرَيْدَةَ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لحُومِ الأضاحِي فَوْقَ ثَلاثةٍ لِيَتَّسِعَ ذَوُو الطّوْلِ على مَنْ لَا طَوْلَ لهُ، فكُلُوا ما بَدَا لَكُمْ وأطْعِمُوا وادّخِرُوا". رَوَاهُ أحمَدُ

(9)

ومُسلمٌ

(10)

والتِّرمذيُّ وصَحَّحَهُ)

(11)

. [صحيح]

(1)

في صحيحه رقم (29/ 1972).

(2)

في سننه رقم (4426).

(3)

في المخطوط (ب): (العام القابل).

(4)

البخاري رقم (5569) ومسلم رقم (34/ 1974).

(5)

في المخطوط (ب): (أزال).

(6)

في المسند (5/ 277).

(7)

في صحيحه رقم (35/ 1975).

(8)

في صحيحه رقم (33/ 1973).

(9)

في المسند (5/ 76).

(10)

في صحيحه رقم (37/ 1977).

(11)

في سننه رقم (1510) وقال: حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

ص: 498

وفي الباب عن نبيشة الهذلي عند أحمد

(1)

وأبي داود

(2)

وزاد بعد قوله: (وادخروا) وائتجروا أي اطلبوا الأجر بالصدقة.

قوله: (دفّ) بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء أي جاء.

قال أهل اللغة

(3)

: الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جميعًا سيرًا خفيفًا، ودافة الأعراب من يريد منهم المصر، والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة.

قوله: (حضرة) بفتح الحاء وضمها وكسرها والضاد ساكنة فيها كلها وحكي فتحها وهو ضعيف

(4)

، وإنا [تفتح]

(5)

إذا حذفت الهاء فيقال: بحضر فلان، كذا قال النووي

(6)

.

قوله: (ويجملون) بفتح الياء وسكون الجيم مع كسر الميم وضمها، ويقال بضم الياء مع كسر الميم، يقال: جملت الدهن أجمله بكسر الميم وأجمله بضمها جملًا، وأجملته أجمله إجمالًا، أي: أذبته.

قوله: (بعد ثلاث) قال القاضي عياض

(7)

: يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث من يوم ذبح الأضحية وإن ذبحت بعد يوم النحر، ويحتمل أن يكون من يوم النحر وإن تأخر الذبح عنه.

قال

(8)

: وهذا أظهر، ورجح ابن القيم

(9)

الأول. وهذا الخلاف لا يتعلق به فائدة عند من قال بالنسخ إلا باعتبار ما سلف من الاحتجاج بذلك على أن يوم الرابع ليس من أيام الذبح.

(1)

في المسند (5/ 75 - 76).

(2)

في سننه رقم (2813).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(3)

النهاية (2/ 124) والفائق (2/ 430) وغريب الحديث لأبي عبيد (3/ 390).

(4)

انظر: القاموس المحيط ص 481.

(5)

في المخطوط (ب): (يفتح).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 130).

(7)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 424).

(8)

أي القاضي عياض في المرجع السابق.

(9)

زاد المعاد (2/ 290).

ص: 499

قوله: (إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا) إلخ، هذا وما بعده تصريح بالنسخ لتحريم أكل لحوم الأضاحي بعد الثلاث وادخارها، وإليه ذهب الجماهير

(1)

من علماء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم.

وحكى النووي

(2)

عن علي وابن عمر أنهما قالا: يحرم الإمساك للحوم الأضاحي بعد ثلاث وأن حكم التحريم باق.

وحكاه الحازمي في الاعتبار

(3)

عن علي أيضًا والزبير، وعبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر، ولعلهم لم يعلموا بالناسخ ومن علم حجَّة على من لم يعلم، وقد أجمع على جواز الأكل والادخار بعد الثلاث من بعد عصر المخالفين في ذلك، ولا أعلم أحدًا بعدهم ذهب إلى ما ذهبوا إليه.

قوله: (كلوا) استدل بهذا الأمر ونحوه من الأوامر المذكورة في الباب من قال بوجوب الأكل من الأضحية. وقد حكاه النووي

(4)

عن بعض السلف وأبي الطيب بن سلمة من أصحاب الشافعي.

ويؤيده قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا}

(5)

وحمل الجمهور هذه الأوامر على الندب والإباحة لورودها بعد الحظر وهو عند جماعة للإباحة.

وحكى النووي

(6)

عن الجمهور أنه للوجوب، والكلام في ذلك مبسوط في الأصول

(7)

.

قوله: (وأطعموا) وفي حديث عائشة

(8)

: "وتصدقوا".

فيه دليل على وجوب التصدق من الأضحية، وبه قالت الشافعية

(9)

إذا كانت أضحية تطوع، قالوا: والواجب ما يقع عليه اسم الإطعام والصدقة ويستحب أن يكون بمعظمها.

(1)

المغني (13/ 381).

(2)

في شرح لصحيح مسلم (13/ 129).

(3)

ص 383 - 387.

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 131).

(5)

سورة الحج: الآية (36).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 132).

(7)

إرشاد الفحول (ص 345 - 347) بتحقيقي، ونهاية السول (2/ 19).

(8)

تقدم برقم (2131) من كتابنا هذا.

(9)

المجموع شرح المهذب (8/ 396).

ص: 500

قالوا: وأدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث.

وفي قول لهم: يأكل النصف ويتصدق بالنصف.

ولهم وجه أنه لا يجب التصدق بشيء.

وقال القاسم بن إبراهيم

(1)

: إنه يتصدق بالبعض غير مقدر.

قال في البحر (1): وفي جواز أكلها جميعها وجهان [عن]

(2)

الإِمام يحيى أصحهما: لا يجوز، إذ يبطل به القربة وهي المقصود، وقيل: يجوز، والقربة تعلقت بإهراق الدم فإن فعل لم يضمن شيئًا عند الجميع إذ لا دليل.

قلت: وفي كلام الإِمام يحيى نظر مع القول بأنها سنة، انتهى.

قوله: (فأردت أن تعينوا فيها) بالعين المهملة من الإِعانة، هذا لفظ البخاري

(3)

، ولفظ مسلم

(4)

: "أن [يفشو]

(5)

فيهم" بالفاء والشين المعجمة أي يشيع لحم الأضاحي في الناس وينتفع به المحتاجون.

قال القاضي عياض في شرح مسلم

(6)

: [الذي في مسلم]

(7)

أشبه، وقال في المشارق

(8)

: كلاهما صحيح والذي في البخاري

(9)

أوجه.

والجهد هنا بفتح الجيم وهو المشقة والفاقة

(10)

.

قوله: (أصلح لي لحم هذه) إلخ، فيه تصريح بجواز ادّخار لحم الأضحية فوق ثلاث وجواز التزود منه، وأن التزود منه في الأسفار لا يقدح في التوكل ولا يخرج المتزود عنه وأن الأضحية مشروعة للمسافر كما تشرع للمقيم، وبه قال الجمهور

(11)

.

(1)

البحر الزخار (4/ 318).

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

في صحيحه رقم (5569).

(4)

في صحيحه رقم (34/ 1974).

(5)

في المخطوط (ب): (تفشوا) والمثبت من (أ) وصحيح مسلم.

(6)

أي في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 428).

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

مشارق الأنوار (2/ 262).

(9)

في صحيحه رقم (5569).

(10)

القاموس المحيط ص 351.

(11)

المجموع شرح المهذب (8/ 352).

ص: 501

وقال النخعي

(1)

وأبو حنيفة

(2)

: لا ضحية على المسافر.

قال النووي

(3)

: وروي هذا عن علي رضي الله عنه.

وقال مالك

(4)

وجماعة: لا تشرع للمسافر بمنى ومكة، والحديث يرد عليهم.

قوله: (حشمًا) قال أهل اللغة

(5)

: الحشم بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة، هم اللائذون بالإنسان يخدمون ويقومون بأموره.

وقال الجوهري

(6)

: هم خدم الرجل ومن يغضب له، سموا بذلك لأنهم يغضبون له، والحشمة الغضب ويطلق على الاستحياء، ومنه قولهم: فلان لا يحتشم أي لا يستحي، ويقال: حشمته وأحشمته إذا أغضبته وإذا أخجلته فاستحى لخجله.

قال النووي

(7)

: وكأن الحشم أعم من الخدم، فلهذا جمع بينهما في هذا الحديث، وهو من باب ذكر الخاص بعد العام.

وفي القاموس

(8)

الحشمة بالكسر: الحياء والانقباض احْتَشَمَ منه وعنه وحَشَمَهُ وأحْشَمَهُ أخْجَلَهُ، وأن يجلِسَ إليكَ الرجلُ فتؤذْيهِ وتُسمِعُهُ ما يَكْرَهُ، ويضمُّ حَشَمُهُ يَحْشُمُهُ ويحشِمُهُ وكفرِحَ غضِبَ وكسمعه أغضبه كأحشمه وحشمه. وحشمة الرجل وحشمه محركتين، وأحشامه خاصته الذين يغضبون له، والحشم محركة للواحد والجمع وهو العيال والقرابة أيضًا، انتهى.

قوله: (فكلوا ما بدا لكم) فيه دليل على عدم تقدير الأكل بمقدار، وأن للرجل أن يأكل من أضحيته ما شاء وإن كثر ما لم يستغرق، بقرينة قوله:(وأطعموا).

(1)

حكاه عنه النووي في شرح مسلم (13/ 134).

(2)

البناية في شرح الهداية (11/ 23).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 134).

(4)

التهذيب في اختصار المدونة (2/ 42).

(5)

النهاية لابن الأثير (1/ 391).

(6)

في الصحاح (5/ 1900).

(7)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 133).

(8)

القاموس المحيط ص 1414.

ص: 502

[الباب التاسع عشر] باب الصدقة بالجلود والجلال والنهي عن بيعها

64/ 2137 - (عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طالِبٍ قالَ: أَمَرَنِي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أقومَ عَلى بُدْنِهِ وأَن أَتَصَدَّقَ بِلُحومِها وَجُلودِهَا وأجِلَّتِها وأنْ لا أُعْطِيَ الجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا، وقالَ: "نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

65/ 2138 - (وعَنْ أبِي سَعِيدٍ أنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمانِ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قامَ فقالَ: "إنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ أَنْ لَا تَأْكُلُوا لُحُومَ الأضاحِي فَوْقَ ثَلَاثَةِ أيّامٍ لِيَسَعَكُمْ، وإنِّي أُحِلُّهُ لَكُمْ فَكُلوا ما شِئْتُمْ وَلا تَبيعوا لُحُومَ الهَدْيِ والأضاحِي وَكلوَا وَتَصَدَّقُوا واسْتَمْتِعوا بِجلودِها وَلَا تَبيعُوها، وإنْ أطْعَمْتُمْ مِنْ لُحُومِها شَيْئًا فَكُلوا أنَّى شِئتُم". رَواهُ أحمدُ)

(2)

. [إسناده ضعيف]

حديث قتادة ذكره صاحب الفتح

(3)

ولم يتعقبه مع جري عادته بتعقب ما فيه ضعف.

وقال في مجمع الزوائد

(4)

: إنه مرسل صحيح الإسناد، انتهى.

قوله: (أن أقوم على بدنه)، أي عند نحرها للاحتفاظ بها، ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك، أي على مصالحها في علفها ورعيها وسقيها وغير ذلك.

ولم يقع في هذه الرواية عدد البُدن، ووقع في رواية أخرى للبخاري

(5)

وغيره

(6)

أنها مائة بدنة. وقد تقدم ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثين بدنة كما في

(1)

أحمد في المسند (1/ 123) والبخاري رقم (1716) ومسلم رقم (348/ 1317).

(2)

في المسند (4/ 15).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 26) وقال: رواه أحمد، وفي إسناد جابر راوٍ لم يسمَّ، وابن جريج غالب روايته عن التابعين.

(3)

الحافظ ابن حجر في "الفتح"(10/ 25).

(4)

(4/ 26).

(5)

في صحيحه رقم (1718).

(6)

كابن ماجه رقم (3076)، وهو حديث صحيح.

ص: 503

رواية أبي داود

(1)

، أو ثلاثًا وستين كما في رواية مسلم

(2)

وهي الأصح.

قوله: (وأجلتها) جمع جلال بضم الجيم وتخفيف اللام، وهو ما يطرح على ظهر البعير من ساء ونحوه، ويجمع أيضًا على جلال بكسر الجيم.

قوله: (وأن لا أعطي الجازر منها شيئًا) فيه دليل على أنه لا يعطى الجازر شيئًا البتة، وليس ذلك المراد بل المراد أنه يعطى لأجل الجزارة لا لغير ذلك، وقد بيَّن النَّسَائِي

(3)

ذلك في روايته من طريق شعيب بن إسحاق عن ابن جريج. قال ابن خزيمة: والمراد أنه يقسمها كلها على المساكين إلا ما أمره به من أن يأخذ من كل بدنة بضعة كما في حديث جابر الطويل عند مسلم

(4)

.

والحديث يدل على أنه لا يجوز إعطاء الجازر من لحم الهدي الذي نحره على وجه الأجرة.

قال القرطبي

(5)

: ولم يرخص في إعطاء الجازر منها لأجل أجرته إلا الحسن البصري

(6)

وعبد الله بن عبيد بن عمير، انتهى.

وقد روي عن ابن خزيمة والبغوي

(7)

أنه يجوز إعطاؤه منها إذا كان فقيرًا بعد توفير أجرته من غيرها، وقال غيرهما: إن القياس ذلك لولا إطلاق الشارع المنع، وظاهره عدم جواز الصدقة والهدية كمالا تجوز الأجرة وذلك لأنها قد تقع مسامحة من الجازر في الأجرة لأجل ما يعطاه من اللحم على وجه الصدقة أو الهدية.

وقد استدل به على منع بيع الجلد والجلال.

قال القرطبي

(8)

: فيه دليل على أن جلود الهدي وجلالها لا تباع لعطفهما على اللحم وإعطائهما حكمه.

وقد اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذلك الجلود والجلال.

(1)

في سننه رقم (1764) وهو حديث منكر.

(2)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

(3)

في السنن الكبرى (4/ 211 رقم 4130).

(4)

في صحيحه رقم (147/ 1218).

(5)

في "المفهم"(3/ 416).

(6)

ذكره عنه ابن قدامة في المغني (13/ 381).

(7)

في شرح السنة (7/ 188).

(8)

في "المفهم"(3/ 416).

ص: 504

وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وهو وجه عند الشافعية

(1)

قالوا: ويصرف ثمنه مصرف الأضحية.

قوله: (ما شئتم) فيه إطلاق المقدار الذي يأكله المضحي من أضحيته وتفويضه إلى مشيئته.

قوله: (ولا تبيعوا لحوم [الهدي و]

(2)

الأضاحي)، فيه دليل على منع بيع لحوم الأضاحي وظاهره التحريم. وقد بين الشارع وجوه الانتفاع في الأضحية من الأكل والتصدق والادخار والائتجار.

قوله: (واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها)، فيه رد على الأوزاعي ومن معه، وفيه أيضًا الإذن بالانتفاع بها بغير البيع.

وقد روي عن محمد بن الحسن أن له أن يشتري بمسكها غربالًا أو غيرها من آلة البيت لا شيئًا من المأكول.

وقال الثوري

(3)

: لا يبيعه ولكن يجعله سقاء وشنًّا في البيت، وهو ظاهر الحديث.

(1)

قال النووي في المجموع (8/ 398): "فرع: ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز بيع جلد الأضحية ولا غيره من أجزائها لا بما ينتفع به في البيت ولا بغيره.

وبه قال عطاء، والنخعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، هكذا حكاه عنهم ابن المنذر.

ثم حكى عن ابن عمر وأحمد وإسحاق، أنه لا بأس أن يبيع جلده هدية ويتصدق بثمنه.

قال: ورخص في بيعه أبو ثور.

وقال النخعي والأوزاعي: لا بأس أن يشتري به الغربال والمنخل والفأس والميزان ونحوها.

قال: وكان الحسن وعبد الله بن عمر لا يريان بأسًا أن يعطى الجزار جلدها، وهذا غلط منابذ للسنة.

وحكى أصحابنا - أي الشافعية - عن أبي حنيفة أنه يجوز بيع الأضحية قبل ذبحها، وبيع ما شاء منها بعد ذبحها ويتصدق بثمنه.

قالوا: وإن باع جلدها بآلة البيت جاز الانتفاع بها، دليلنا حديث علي رضي الله عنه.

والله أعلم" اهـ.

وانظر: "المغني" لابن قدامة (13/ 382).

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(3)

موسوعة فقه سفيان الثوري ص 168.

ص: 505

قوله: (وإن أطعمتم) إلخ، فيه دليل على أنه يجوز لمن أطعمه غيره من لحم الأضحية أن يأكل كيف شاء وإن كان غنيًا.

[الباب العشرون] باب من أذن في انتهاب أضحيته

66/ 2139 - (عَنْ عبدِ الله بْنِ قُرْط أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَعْظَمُ الأَيَّامِ عِنْدَ الله يَوْمُ النَّحْرِ، ثمَّ يَوْمُ القَرِّ"، وَقُرِّبَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم خَمْسُ بَدَناتٍ أَوْ سِتٌّ يَنْحَرُهنَّ فَطَفِقْنَ تَزْدَلِفْنَ إلَيْهِ أَيَّتَهنَّ يَبْدَأُ بِها، فَلَمَّا وَجَبَتْ جُنوبها قالَ كَلِمَةً خَفِيَّةً لَمْ أفْهَمْها، فَسَألْتُ بَعْضَ مَنْ يَلِيَني: ما قالَ؟ قالوا: قالَ: "مَنْ شاءَ اقْتَطَعَ". رَوَاهُ أحمدُ

(1)

وأَبُو دَاوُدَ

(2)

. [صحيح]

وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَخَّصَ في نِثَارِ العَروسِ وَنَحْوِهِ).

الحديث أخرجه أيضًا النَّسَائِي

(3)

وابن حبان في صحيحه

(4)

، وسكت عنه أبو داود

(5)

والمنذري

(6)

.

قوله: (ابن قرط) بضم القاف وآخره طاء مهملة.

قوله: (يوم النحر) هو يوم الحج الأكبر على الصحيح عند الشافعية ومالك وأحمد لما في البخاري

(7)

أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات. وقال: هذا يوم الحج الأكبر.

(1)

في المسند (4/ 350).

(2)

في سننه رقم (1765).

(3)

في السنن الكبرى (4/ 192 رقم 4083).

(4)

في صحيحه رقم (2811).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه رقم (2866) و (2917) وابن قانع في "معجم الصحابة (2/ 103 - 104، 104) والحاكم في المستدرك (4/ 221) والبخاري في التاريخ الكبير (5/ 34 - 35) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 50) وفي شرح مشكل الآثار رقم (1319) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 237، 241) من طرق. مختصرًا ومطولًا.

قال الحاكم: هذا صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

هو حديث صحيح، والله أعلم.

(5)

في السنن (370).

(6)

في المختصر (2/ 296).

(7)

في صحيحه رقم (1742).

ص: 506

وفي الحديث دلالة على أنه أفضل أيام السنة، ولكنه يعارض حديث:"خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة".

وقد تقدم في أبواب الجمعة

(1)

وتقدم الجمع.

ويعارضه أيضًا ما أخرجه ابن حبان في صحيحه

(2)

عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فلم ير يوم أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة".

وقد ذهبت الشافعية إلى أنه أفضل من يوم النحر. ولا يخفى أن حديث الباب ليس فيه إلا أن يوم النحر أعظم، وكونه أعظم وإن كان مستلزمًا لكونه أفضل، لكنه ليس كالتصريح بالأفضلية كما في حديث جابر، إذ لا شك أن الدلالة المطابقية أقوى من الالتزامية، فإن أمكن الجمع بحمل أعظمية يوم النحر على غير الأفضلية فذاك وإلا يمكن، فدلالة حديث جابر على أفضلية يوم عرفة أقوى من دلالة حديث عبد الله بن قرط على أفضلية يوم النحر.

قوله: (ثم يوم القر)

(3)

بفتح القاف وتشديد الراء، وهو اليوم الذي يلي يوم النحر سمي بذلك لأن الناس يقرون فيه بمنى.

وقد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر فاستراحوا، ومعنى قروا: استقروا، ويسمى يوم النفر الأول ويوم الأكارع.

(1)

عند الحديث رقم (1196) من كتابنا هذا.

(2)

في صحيحه رقم (3853) وهو حديث ضعيف.

انظر: "الضعيفة" رقم (679) والإرواء (3/ 400).

وقد صح منه جملة النزول والمباهاة من حديث عائشة عند مسلم في صحيحه رقم (1348) والنسائي (5/ 251 - 252) وابن ماجه رقم (3014) بلفظ: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ " اهـ.

وانظر: "الصحيحة" رقم (2551) وضعيف الموارد رقم (120/ 1006).

(3)

النهاية لابن الأثير (4/ 37).

ص: 507

قوله: (تزدلفن)

(1)

أي تقتربن، وأصل الدال تاء ثم أبدلت منها، ومنه المزدلفة لاقترابها إلى عرفات، ومنه قوله تعالى:{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)}

(2)

وفي هذه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تسارع إليه الدواب التي لا تعقل لإراقة دمها تبركًا به، فيا لله العجب من هذا النوع الإنساني، كيف يكون هذا النوع البهيمي أهدى من أكثره وأعرف؟ تَقْرُب إليه هذه العُجم لإزهاق أرواحها وفري أوداجها، وتتنافس في ذلك وتتسابق إليه مع كونها لا ترجو جنة ولا تخاف نارًا، ويبعد ذلك الناطق العاقل عنه مع كونه ينال بالقرب منه النعيم الآجل والعاجل ولا يصيبه ضرر في نفس ولا مال، حتى قال القائل مظهرًا لشدة حرصه على قتل المصطفى: أين محمد

(3)

لا نجوت إن نجا، وأراق الآخر دمه وكسر ثنيته

(4)

، فانظر إلى هذا التفاوت الذي يضحك منه إبليس، ولأمر ما كان الكافر شر الدواب عند الله.

قوله: (فلما وجبت جنوبها)

(5)

أي: سقطت إلى الأرض جنوبها، والوجوب: السقوط.

قوله: (من شاء اقتطع) أي من شاء أن يقتطع منها فليقتطع، هذا محل الحجة على جواز انتهاب الهدي والأضحية.

(1)

القاموس المحيط ص 1055، وتفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي (77/ 34).

(2)

سورة الشعراء: الآية (90).

(3)

قاله أبي بن خلف كما في "السيرة النبوية" لابن هشام (3/ 121 - 122).

(4)

أخرج البخاري رقم (4075) ومسلم رقم (1790) وأحمد في المسند (5/ 330، 534) وابن ماجه رقم (3464).

من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال:"حين سئل عن جرح الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد - جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم، وكان علي بن أبي طالب يسكب عليها بالمجن، فلما رأت فاطمة الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة من حصير فأحرقته حتى صار رمادًا ثم ألصقته بالجرح، فاستمسك الدم"، واللفظ لمسلم.

(5)

الفائق في غريب الحديث (4/ 43).

وغريب الحديث للهروي (2/ 211).

ص: 508

واستدل به على جواز انتهاب نثار العروس كما ذكره المصنف.

ومن جملة من استدل به البغوي

(1)

. ووجه الدلالة قياس انتهاب النثار على انتهاب الأضحية.

وقد رويت في النثار وانتهابه أحاديث لا يصح منها شيء

(2)

، وليس هذا محل ذكرها.

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كراهة انتهاب النثار، وروي ذلك عن ابن مسعود

(3)

وإبراهيم النخعي

(4)

وعكرمة

(5)

، وتمسكوا بما ورد في النهي [عن النُّهْبَى]

(6)

، وهو يعم كل ما صدق عليه أنه انتهاب، ولا يخرج منه إلا ما خصّ بمخصص صالح

(7)

.

(1)

في شرح السنة (7/ 200).

(2)

قال البيهقي في السنن الكبرى (7/ 287): "وقد روىَ في الرخصة فيه أحاديث كلها ضعيفة" اهـ.

وقال أيضًا (7/ 288): "ولا يثبت في هذا شيء" اهـ.

(3)

موسوعة ابن مسعود ص 480.

(4)

موسوعة إبراهيم النخعي (1/ 307).

(5)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (10/ 208).

(6)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(7)

إلى الأخ القارئ أهم البدع المستحدثة في كتاب الحج ليحذر منها:

(أولًا) السفر للحج والإحرام:

1 -

التلفظ بالنية "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 50)"مجموع الفتاوى"(22/ 222، 223)(26/ 105 - 107).

2 -

ازدحام الرجال بالنساء عند الدخول للقطار، وذلك عند السفر للحج "السنن والمبتدعات" الشقيري (163).

3 -

منع الصبيان من الحج "شرح مسلم" النووي (9/ 99).

4 -

السفر من غير زاد؛ لتصحيح دعوى التوكل "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 48)"تلبيس إبليس" ابن الجوزي (145).

5 -

مؤاخاة المرأة للرجل الأجنبي، ليصير بزعمها محرمًا لها، ثم تعامله كما تعامل محارمها "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 49). =

ص: 509

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 6 - عقد الرجل على المرأة المتزوجة إذا عزمت على الحج وليس معها محرم، ويعقد عليها ليكون معها كمحرم "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 48)"السنن والمبتدعات" الشقيري (167).

7 -

سفر المرأة مع عصبة من النساء الثقات - بزعمهن - بدون محرم، ومثله أن يكون مع إحداهن محرم، فيزعمن أنه محرم عليهن جميعًا! "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 49).

8 -

السفر وحده، أنسًا بالله تعالى، كما يزعم بعض الصوفية "مناسك الحج والعمرة"(ص 48).

9 -

التكبير والتهليل بدل التلبية: "مناسك الحج العمرة" الألباني ص (50).

10 -

الحج صامتًا لا يتكلم "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 50).

11 -

الإحرام قبل الميقات المرجع السابق.

(ثانيًا): الطواف

1 -

قول الطائف: "إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك" الألباني (ص 50).

2 -

بدء المحرم إذا دخل المسجد الحرام بتحية المسجد قبل طواف القدوم "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 51)"المسجد في الإسلام" خير الدين وانلي (315).

3 -

رفع اليدين عند استلام الحجر كما يرفع للصلاة: "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 51) زاد المعاد" (1/ 313).

4 -

قوله: "نويت بطوافي هذا الأسبوع كذا وكذا"، "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 51).

5 -

المزاحمة على تقبيله ومسابقة الإمام بالتسليم في الصلاة لتقبيله، "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 51).

6 -

قولهم عند استلام الحجر: (اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك)، "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 51).

7 -

وضع اليمنى على اليسرى حال الطواف (المرجع السابق).

8 -

وفي الأشواط الأربعة الباقية: "رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم" المرجع السابق (ص 52).

9 -

القول قبالة باب الكعبة: اللهم إن البيت بيتك، والحرم حرمك والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار، مشيرًا إلى مقام إبراهيم عليه السلام" المرجع السابق (ص 51 - 52).

10 -

القول عند استلام الحجر: "اللهم إيمانًا بك وتصديقا بكتابك"، المرجع السابق (ص 51).

11 -

الدعاء تحت الميزاب (اللهم أظلني في ظلِّك يوم لا ظل إلا ظلك"، المرجع السابق (ص 52). =

ص: 510

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 12 - الغسل للطواف.

13 -

التبرُّك بالمطر النازل من ميزاب الرحمة من الكعبة.

14 -

قصد الطواف تحت المطر بزعم أن من فعل ذلك غُفر له ما سلف.

15 -

تقبيل الركنين الشاميين والمقام واستلامها "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 52)"الاقتضاء" ابن تيمية (204).

16 -

تقبيل الركن اليماني. المدخل لابن الحاج (4/ 224).

17 -

استباحتهم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام، ومقاومتهم للمصلي الذي يدفعهم "مناسك الحج والعمرة"(ص 59).

18 -

التزام قراءة القرآن في الطواف "الاعتصام" للشاطبي (2/ 23).

(ثالثًا): الكعبة:

1 -

التمسح: بحيطان الكعبة والمقام، "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 52).

2 -

كتابة أسمائهم على عمدان حيطان الكعبة.

3 -

الخروج من المسجد الحرام بعد طواف الوداع على القهقرى "الاختيارات العلمية" ابن تيمية (70).

4 -

كسوة مقام إبراهيم، والمحمل والاحتفال بكسوة الكعبة "مناسك الحج والعمرة"(ص 59).

5 -

التبرك بـ "العروة الوثقى" وهو موضع عال من جدار البيت المقابل لباب البيت، تزعم العامة أن من ناله بيده فقد استمسك بالعروة الوثقى "مناسك الحج والعمرة"(ص 52).

(رابعًا): زمزم:

1 -

اغتسال البعض من زمزم.

2 -

اعتقادهم أنه لا يجتمع ماء زمزم ونار جهنم في جوف عبد أبدًا.

3 -

ما ذكر في بعض كتب الفقه: أنه يتنفس في شرحب ماء زمزم مرات ويرجع بصره في كل مرة، وينظر إلى البيت.

4 -

إفراغ الحاج سؤره من ماء زمزم في البئر وقوله: "اللهم إني أسألك رزقًا واسعًا، وعلمًا نافعًا، وشفاء من كل داء""مناسك الحج والعمرة"(ص 53).

(خامسًا): السعي

1 -

تكرار السعي في الحج أو العمرة.

2 -

ترك المتمتع السعي بعد طواف الإفاضة.

3 -

قولهم: "إن من توضأ فأحسن الوضوء، ومشى بين الصفا والمروة كتب الله بكل قدم سبعين".

4 -

استمرارهم في السعي بين الصفا والمروة، وقد أقيمت الصلاة حتى تفوتهم صلاة الجماعة. =

ص: 511

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 5 - التزام دعاء معين إذا أتى منى، كالذي في "الإحياء": اللهم هذه منى فامنن بما مننت على أوليائك وأهل طاعتك".

6 -

القول في السعي: "رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم اللهم اجعله حجًا مبرورًا - أو عمرة مبرورة - وذنبًا مغفورًا الله أكبر ثلاثًا".

7 -

السعي أربعة عشر شوطًا بحيث يختم على الصفا.

8 -

الصعود على الصفا حتى يلتصق بالجدار.

9 -

صلاة ركعتين بعد الفراغ من السعي "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 53).

القواعد النورانية" ابن تيمية (101).

(سادسًا): عرفة:

1 -

افتتان العوام بجبل عرفات حتى جعلوه أصلًا في الوقوف. "الأمر بالاتباع" السيوطي (ص 257).

2 -

الاغتسال ليوم عرفة.

3 -

ما يفعله بعضهم عند الوقوف بعرفة من استقبال البيت الحرام بوجهه ويبسط يده كهيئة الداعي - ثم يلبي ثلاثًا، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيى ويميت، بيده الخير". "الفوائد المجموعة" الشوكاني (109).

4 -

اعتقادهم أنه ما من عبد ولا أمة دعا الله ليلة عرفات بهذه الدعوات، وهي عشرة كلمات، ألف مرة، لم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه، إلا قطيعة رحم أو مأثمًا، سبحان الذي في السماء عرشه

" "الفوائد المجموعة" (105).

5 -

الرواح إلى عرفات قبل دخول وقت الوقوف بانتصاف يوم عرفة.

6 -

الرحيل من منى إلى عرفة ليلًا.

7 -

بدعة الوقوف على جبل عرفات في اليوم الثامن ساعة من الزمن احتياطًا خشية الغلط في الهلال.

8 -

الدعاء ليلة عرفة بعشر كلمات ألف مرة: "سبحان الذي في السماء عرشه، سبحان الذي في الأرض موطئه، سبحان الذي في البحر سبيله"، "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 54).

9 -

رحيلهم في اليوم الثامن من مكة إلى عرفة رحلة واحدة، المرجع السابق.

10 -

الإبضاع "الإسراع" وقت الدفع من عرفة إلى مزدلفة، المرجع السابق.

11 -

الصعود إلى جبل الرحمة في عرفات، المرجع السابق.

12 -

دخول القبة التي على جبل الرحمة، ويسمونها "قبة آدم" والصلاة فيها والطواف بها كطوافهم بالبيت، المرجع السابق.

13 -

السكوت على عرفة وترك الدعاء.

14 -

اعتقاد أن الله تعالى ينزل عشية عرفة على جمل أو بُراق يصافح الركبان ويعانق المشاة. =

ص: 512

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 15 - خطبة الإمام في عرفة خطبتين يفصل بينهما بجلسة كما في الجمعة.

16 -

الأذان للظهر والعصر في عرفة قبل أن ينتهي الخطيب من خطبته.

17 -

صلاة الظهر والعصر قبل الخطبة.

18 -

قول الإمام لأهل مكة بعد فراغه من الصلاة في عرفة: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر.

19 -

التطوع بين صلاة الظهر والعصر في عرفة.

20 -

ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة عرفة يوم الجمعة تعدل اثنين وسبعين حجة.

21 -

الإيقاد بمنى بدعة.

22 -

الوقوف على غير عرفة.

23 -

الاعتقاد أن الأصل هو الوقوف بجبل عرفات. "الإبداع في مضار الابتداع" الشيخ علي محفوظ (ص 305).

(سابعًا): مزدلفة:

1 -

الإيضاع (الإسراع) وقت الدفع من عرفة إلى مزدلفة.

2 -

الوقوف بالمزدلفة بدون بيات.

3 -

استحباب نزول الراكب ليدخل مزدلفة ماشيًا توقيرًا للحرم.

4 -

التزام الدعاء بقوله إذا بلغ مزدلفة: "اللهم إن هذه مزدلفة جمعت فيها ألسنة مختلفة - نسألك حوائج

إلخ".

5 -

ترك المبادرة إلى صلاة المغرب فور النزول في مزدلفة، والانشغال عن ذلك بلقط الحصى.

6 -

صلاة سنة المغرب بين الصلاتين أو جمعها إلى سنة العشاء والوتر بعد الفريضتين.

7 -

التزام الدعاء إذا انتهى إلى المشعر الحرام بقوله: اللهم بحق المشعر الحرام، والبيت الحرام، والشهر الحرام، والركن والمقام، أبلغ روح محمد صلى الله عليه وسلم منا التحية والسلام، وأدخلنا دار السلام، يا ذا الجلال والإكرام"، "مناسك الحج والعمرة" الألباني (ص 56).

8 -

الرغبة عن ذبح الواجب من الهدي إلى التصدق بثمنه، بزعم أن لحمه يذهب في التراب لكثرته، ولا يستفيد منه إلا القليل.

9 -

ذبح بعضهم هدي التمتع بمكة قبل يوم النحر، المرجع السابق.

(ثامنًا): التحلل:

1 -

الاقتصار على حلق ربع الرأس.

2 -

البدء بالحلق بيسار رأس المحلوق.

3 -

الدعاء عند الحلق بقوله: "الحمد لله على ما هدانا، وأنعم علينا، اللهم هذه ناصيتي بيدك فتقبل مني

".

4 -

قول الغزالي في "الإحياء": والسنة أن يستقبل القبلة في الحلق.

5 -

زيادة الوقيد ليلة النحر وبالمشعر الحرام. =

ص: 513

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 6 - إحياء هذه الليلة "مناسك الحج والعمرة"(ص 57).

(تاسعًا): رمي الجمرات:

1 -

الغسل لرمي الجمار.

2 -

قول الباجوري: ويسن أخذ الحصى الذي يرميه يوم النحر من المزدلفة وهي سبع، والباقي من الجمرات تؤخذ من وادي محسّر.

3 -

الطواف بالمساجد التي عند الجمرات.

4 -

غسل الحصيات قبل الرمي.

5 -

التسبيح أو غيره من الذكر مكان التكبير.

6 -

الزيادة على التكبير وقولهم: "رغمًا للشيطان وحزبه، اللهم اجعل حجي مبرورًا، وسعيي مشكورًا، وذنبي مغفورًا، اللهم إيمانًا بكتابك، واتباعًا لسنة نبيك".

7 -

قول بعض المتأخرين: "ويسن أن يقول مع كل حصاة عند الرمي: "بسم الله، والله أكبر، صدق الله وعده

إلى قوله: ولو كره الكافرون".

8 -

تحديد موقف الرامي: أن يكون بينه وبين المرمى خمسة أذرع وصاعدًا.

9 -

رمي الجمرات بالنعال وغيرها.

10 -

استحباب صلاة العيد بمنى يوم النحر.

11 -

الخروج من مكة لعمرة تطوع.

12 -

الخروج من المسجد الحرام بعد طواف الوداع على القهقرى، "مناسك الحج والعمرة"(ص 59).

انظر: "معجم البدع" رائد بن صبري بن أبي عكفة، دار العاصمة (ص 172 - ص 197).

ص: 514

[سادسًا]: [أبواب]

(1)

العقيقة وسنة الولادة

[الباب الأول] العقيقة للمولود وتسميته، حلق رأسه والتصدق بوزن شعره ذهبًا أو فضة، والأذان في أذنيه

1/ 2140 - (عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عامِرٍ الضَّبِّيِّ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَعَ الغُلَامِ عَقيقَةٌ، فَأهْرِيقوا عَنْهُ دَمًا وأَمِيطُوا عَنْهُ الأذَى". رَواهُ الجَماعَةُ إلَّا مُسْلِمًا)

(2)

. [صحيح]

2/ 2141 - (وَعَنْ سَمُرَةَ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ غُلامٍ رَهِينَةٌ بِعَقيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سابِعِهِ، وَيُسَمَّى فيهِ ويُحلَقُ رَأسهُ". رَوَاهُ الخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرمذيُّ)

(3)

. [صحيح]

3/ 2142 - (وعَنْ عائِشَةَ قالَت: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عَنِ الغُلامِ شَاتانِ

(1)

في المخطوط (أ) و (ب)(كتاب) وأبدلتها بـ (أبواب) لضرورة التبويب.

(2)

أحمد في المسند (4/ 214) والبخاري رقم (5472) وأبو داود رقم (2839) والترمذي رقم (1515) والنسائي رقم (4214) وابن ماجه رقم (3164).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(3)

أحمد (5/ 7 - 8، 12، 17 - 18، 22) وأبو داود رقم (2837) و (2838) والترمذي رقم (1522) والنسائي رقم (4220) وابن ماجه رقم (3165).

قلت: وأخرجه ابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 307 - تيمية) والطيالسي رقم (909) والطحاوي في المشكل (1/ 453) وابن الجارود رقم (910) وأبو نعيم في الحلية (6/ 191) والدارمي (2/ 81) والبيهقي (9/ 299) والطبراني في الكبير (ج 7 رقم 6827 - 6832) والحاكم (4/ 237) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

وقد روى البخاري والنسائي عن الحسن أنه سمع هذا الحديث من سمرة، فانتفت شبهة تدليسه. انظر: صحيح البخاري (9/ 590 - مع الفتح) وسنن النَّسَائِي (7/ 166).

وهو حديث صحيح.

ص: 515

مُكافأتانِ، وعَنِ الجَارِيَةِ شَاةٌ". رَوَاهُ أحمَدُ

(1)

والتِّرمذِيُّ وصَحَّحَهُ

(2)

.

وفي لَفْظٍ: أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نَعقَّ عَنِ الجَارِيَةِ شاة وَعَنِ الغُلامِ شاتَينِ. رَواهُ أحمدُ

(3)

وابْنُ ماجَهْ)

(4)

. [صحيح]

4/ 2143 - (وعَنِ أُمّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ أَنَّها سَألَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الْعَقِيقَةِ فقالَ: "نَعَمْ عَنِ الغلامِ شاتانِ وعَنِ الأنثى واحِدَةٌ وَلَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرانًا كنَّ أَوْ إناثًا". رَواهُ أحمَدُ

(5)

والتِّرمذيُّ وَصَحَّحَهُ)

(6)

. [صحيح]

(1)

في المسند (6/ 31).

(2)

في سننه رقم (1513) وقال: حديث عائشة حديث حسن صحيح.

(3)

في المسند (6/ 158).

(4)

في سننه رقم (3163).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (6/ 381، 422).

(6)

في سننه رقم (1516) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (2835) والنسائي (7/ 165) وابن ماجه رقم (3162) وابن حبان رقم (1059 - الموارد) وابن سعد في "الطبقات"(4/ 294 - 295) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (7953) و (7954) والطحاوي في المشكل (1/ 457) وابن عبد البر في التمهيد (4/ 314 - 315 - تيمية) وابن حزم في المحلى (6/ 235) والحاكم (4/ 237) والبيهقي (9/ 301) وفي خطأ من أخطأ على الشافعي (ص 283 - 284) من طريق سباع بن ثابت عن أم كرز

فذكرته.

ومن هذا الوجه: أخرجه الطيالسي رقم (1634) والحميدي (1/ 166 رقم 345) والبغوي في شرح السنة (11/ 265).

• وله طرق عنها منها:

أخرجه أبو داود رقم (2834) والنسائي (7/ 165) والدارمي (2/ 81) وابن حبان رقم (1060 - الموارد) وأحمد في المسند (6/ 381، 422) والحميدي (1/ 167 رقم 346) وابن حزم في المحلى (6/ 235) وعبد الرزاق في المصنف رقم (7953) والبيهقي (9/ 310).

من طريق حبيبة بنت ميسرة عنها، وحبيبة هذه مجهولة الحال، وحديثها حسن في الشواهد.

ولمزيد من المعرفة لطرق هذا الحديث انظر: "إرواء الغليل"(390 - 393)، وهو حديث صحيح.

ص: 516

حديث سمرة أخرجه أيضًا البيهقي

(1)

والحاكم

(2)

وصححه عبد الحق

(3)

، وهو من رواية الحسن عن سمرة، والحسن مدلس لكنه روى البخاري في صحيحه

(4)

من طريق الحسن أنه سمع حديث العقيقة من سمرة، قال الحافظ

(5)

: كأنه عنى هذا. وقد تقدم قول من قال: إنه لم يسمع منه غيره.

وحديث عائشة أخرجه أيضًا ابن حبان

(6)

والبيهقي

(7)

.

وحديث أم كرز أخرجه أيضًا النَّسَائِي

(8)

وابن حبان

(9)

والحاكم

(10)

والدارقطنى

(11)

.

قال في التلخيص

(12)

: وله طرق عند الأربعة

(13)

والبيهقي

(14)

.

قوله: (مع الغلام عقيقة) العقيقة الذبيحة التي تذبح للمولود، والعق في الأصل: الشق والقطع

(15)

.

وسبب تسميتها بذلك أنه يشق حلقها بالذبح، وقد يطلق اسم العقيقة على شعر المولود، وجعله الزمخشري

(16)

الأصل والشاة مشتقة منه.

قوله: (فأهريقوا عنه دمًا) تمسك بهذا وببقية الأحاديث القائلون بأنها واجبة وهم الظاهرية

(17)

والحسن البصري

(18)

.

(1)

في السنن الكبرى (9/ 299) وقد تقدم.

(2)

في المستدرك (4/ 237) وقد تقدم.

(3)

في "الأحكام الصغرى"(2/ 784).

(4)

(9/ 590 - مع الفتح).

(5)

في "التلخيص الحبير"(4/ 268).

(6)

في صحيحه رقم (5310).

(7)

في السنن الكبرى (9/ 301).

(8)

في سننه (7/ 165) وقد تقدم.

(9)

في صحيحه رقم (1059 - الموارد) وقد تقدم.

(10)

في المستدرك (4/ 237) وقد تقدم.

(11)

لم أقف عليه في السنن.

(12)

(4/ 268 - 269).

(13)

أبو داود رقم (2834) والترمذي رقم (1516) والنسائي (7/ 165) وابن ماجه رقم (3162) وقد تقدم.

(14)

في السنن الكبرى (9/ 300، 301).

(15)

النهاية (3/ 276).

(16)

في أساس البلاة (2/ 133).

(17)

في "المحلى"(7/ 523).

(18)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (13/ 394).

ص: 517

وذهب الجمهور من العترة

(1)

وغيرهم إلى أنها سنة.

وذهب أبو حنيفة

(2)

إلى أنها ليست فرضًا ولا سنة، وقيل: إنها عنده تطوع.

احتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل"، وسيأتي

(3)

، وذلك يقتضي عدم الوجوب لتفويضه إلى الاختيار فيكون قرينة صارفة للأوامر ونحوها عن الوجوب إلى الندب. وبهذا الحديث احتج أبو حنيفة على عدم الوجوب والسنية ولكنه لا يخفى أنه لا منافاة بين التفويض إلى الاختيار وبين كون الفعل الذي وقع فيه التفويض سنة.

وذهب محمد بن الحسن

(4)

إلى أن العقيقة كانت في الجاهلية وصدر الإسلام فنسخت بالأضحية، وتمسك بما سيأتي ويأتي الجواب عنه.

وحكى صاحب البحر

(5)

عن أبي حنيفة أن العقيقة [كانت]

(6)

جاهلية محاها الإسلام، وهذا إن صح عنه حُمل على أنها لم تبلغه الأحاديث الواردة في ذلك.

قوله: (وأميطوا عنه الأذى)، المراد: احلقوا عنه شعر رأسه كما في الحديث الذي بعده

(7)

. ووقع عند أبي داود

(8)

عن ابن سيرين أنه قال: إن لم يكن الأذى حلق الرأس وإلا فلا أدري ما هو.

وأخرج الطحاوي

(9)

عنه أيضًا قال: لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى، وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس.

وأخرجه أبو داود

(10)

بإسناد صحيح عن الحسن كذلك. ووقع في حديث

(1)

البحر الزخار (4/ 323).

(2)

اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 648).

(3)

برقم (2144) من كتابنا هذا.

(4)

بدائع الصنائع (5/ 69).

(5)

البحر الزخار (4/ 323).

(6)

زيادة من المخطوط (ب).

(7)

تقدم برقم (2141) من كتابنا هذا.

(8)

كما في "فتح الباري"(9/ 593) من طريق سعيد بن أبي عروبة، وابن عون عن محمد بن سيرين قال: فذكره.

(9)

كما في "فتح الباري"(9/ 593) من طريق يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال: فذكره.

(10)

في سننه رقم (2840) وهو صحيح مقطوع.

ص: 518

عائشة عند الحاكم بلفظ: "وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى"، قال في الفتح

(1)

: ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس، فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس.

ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب ويماط عنه أقذاره. رواه أبو الشيخ

(2)

.

قوله: (كل غلام رهينة بعقيقته) قال الخطابي

(3)

: اختلف الناس في معنى هذا، فذهب أحمد بن

(4)

حنبل إلى أن معناه أنه إذا مات وهو طفل ولم يعق عنه لم يشفع لأبويه.

وقيل: المعنى: أن العقيقة لازمة لا بد منها، فشبه لزومها للمولود بلزوم الرهن للمرهون في يد المرتهن.

وقيل: إنه مرهون بالعقيقة، بمعنى أنه لا يسمى ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها، وبه صرح صاحب المشارق

(5)

والنهاية

(6)

.

قوله: (يذبح عنه يوم سابعه) بضم الياء من قوله: يذبح، وبناء الفعل للمجهول.

وفيه دليل على أنه يصح أن يتولى ذلك الأجنبي كما يصح أن يتولاه القريب عن قريبه والشخص عن نفسه.

(1)

(9/ 593).

(2)

كما في "فتح الباري"(9/ 593).

قلت: وأخرج الترمذي في السنن رقم (2832) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه، ووضع الأذى عنه، والعق". قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وهو حديث حسن.

(3)

في معالم السنن (3/ 259 - مع السنن).

(4)

انظر ما ذكر ابن قيم الجوزية في كتابه "تحفة المودود بأحكام المولود" ص 61 بتحقيقي.

ط: مكتبة ابن تيمية - القاهرة.

عن الإمام أحمد بن حنبل وغيره.

(5)

مشارق الأنوار للقاضي عياض (2/ 100).

(6)

لابن الأثير (2/ 285).

ص: 519

وفيه أيضًا دليل على أن وقت العقيقة سابع الولادة، وأنها تفوت بعده وتسقط إن مات قبله.

وبذلك قال مالك

(1)

: وحكى عنه ابن وهب أنه قال: إن فات السابع الأول فالثاني. ونقل الترمذي

(2)

عن أهل العلم أنهم يستحبون أن تذبح العقيقة في السابع، فإن لم يمكن ففي الرابع عشر، فإن لم يمكن فيوم أحد وعشرين.

وتعقبه الحافظ

(3)

بأنه لم ينقل ذلك صريحًا إلا عن أبي عبد الله البوشنجي

(4)

ونقله صالح بن أحمد عن أبيه.

ويدل على ذلك ما أخرجه البيهقي

(5)

عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العقيقة تذبح لسبع ولأربع عشرة ولإحدى وعشرين"، وعند الحنابلة

(6)

في اعتبار الأسابيع بعد ذلك روايات. وعند الشافعية

(7)

أن ذكر السابع للاختيار لا للتعيين.

ونقل الرافعي أنه يدخل وقتها بالولادة. وقال الشافعي: إن معناه أنها لا تؤخر عن السابع اختيارًا، فإن تأخرت إلى البلوغ سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه، لكن إن أراد هو أن يعق عن نفسه فعل.

ونقل صاحب البحر

(8)

عن الإِمام يحيى أنها لا تجزئ قبل السابع ولا بعده إجماعًا، ودعوى الإجماع مجازفة لما عرفت من الخلاف المذكور.

قوله: (ويسمى فيه) في رواية يُدْمَى. وقد قال أبو داود

(9)

: إنها وهم من همام.

(1)

التسهيل (3/ 1037).

(2)

في السنن (4/ 101).

(3)

في "فتح الباري"(9/ 594).

(4)

قال النووي في "المجموع"(8/ 411): "قال أبو عبد الله البوشنجي من أئمة أصحابنا إن لم تذبح في السابع ذبحت في الرابع عشر، وإلا ففي الحادي والعشرين، ثم هكذا في الأسابيع" اهـ.

(5)

في السنن الكبرى (9/ 303).

(6)

المغني (13/ 396).

(7)

المجموع (8/ 411 - 412).

(8)

البحر الزخار (4/ 324).

(9)

في السنن (3/ 260).

ص: 520

وقال ابن عبد البر

(1)

: هذا الذي تفرد به همام إن كان حفظه فهو منسوخ.

وقد سئل قتادة

(2)

عن معنى قوله: يدمى فقال: إذا ذبحت العقيقة أُخذت منها صوفة واستقبلت بها أوداجها ثم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل عن رأسه مثل الخيط ثم يعلق ثم يغسل رأسه بعد ويحلق.

وقد كره الجمهور

(3)

التدمية، واستدلوا على ذلك بما أخرجه ابن حبان في صحيحه

(4)

عن عائشة "قالت: كانوا في الجاهليةِ إذا عَقُّوا عن الصبيِّ خضبوا قطنةً بدمِ العقيقة فإذا حلقوا رأسَ المولود وضعوها على رأسمهِ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا مكانَ الدَّمِ خَلوقًا"، زاد أبو الشيخ: "ونهى أن يمس رأس المولود بدم".

وأخرج ابن ماجه

(5)

عن يزيد بن عبد الله المزني "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم".

(1)

في "التمهيد"(10/ 400 - الفاروق).

(2)

سنن أبو داود (3/ 259).

(3)

• قال ابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 318 - تيمية): "ولا أعلم أحدًا من أهل العلم، قال: يُدمَّى رأس الصبي، إلا الحسن وقتادة؛ فإنما قالا: يُطلى رأس الصبي بدم العقيقة، وأنكر ذلك سائر أهل العلم وكرهوه

".

• وقال ابن قدامة في "المغني"(13/ 398): "فصل: ويُكره أن يلطخ رأسُه بدم. كرِهَ ذلك أحمد، والزهري، ومالك، والشافعي، وابن المنذر. وحُكى عن الحسن وقتادة أنه مستحب

" اهـ.

وانظر: "المجموع"(8/ 431).

(4)

في صحيحه رقم (5308).

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (4521) والبزار رقم (1239 - كشف) والبيهقي (9/ 303) بسند صحيح.

• والخلوق: طِيب مركبٌ يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، تغلب عليه الحمرة والصفرة. (النهاية: 2/ 71).

(5)

في سننه رقم (3166).

ومن هذا الوجه أخرجه الطحاوي في "المشكل"(1/ 460) والطبراني في الأوسط رقم (333) وفي الكبير أيضًا كما في "مجمع الزوائد"(4/ 85) وقال: رجاله ثقات. لكن يقع عنده في "السند"(عن أبيه).

قال الألباني في "إرواء الغليل"(4/ 389): "لكن يزيد بن عبدٍ - المزني - هذا لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يروِ عنه غير أيوب بن موسى القرشي؛ فهو مجهول العين، وقول الحافظ في "التقريب" "مجهول الحال": تسامح" اهـ.

وهو حديث صحيح.

ص: 521

وهذا مرسل لأن يزيد لا صحبة له، وقد وصله البزار من هذه الطريق وقال: عن أبيه، ومع هذا فقد قيل: إنه عن أبيه مرسل، وسيأتي حديث بريدة الأسلمي

(1)

.

ونقل ابن حزم

(2)

عن ابن عمر وعطاء استحباب التدمية، وحكاه في البحر

(3)

عن الحسن البصري وقتادة.

وفي قوله: ويسمى دليل على استحباب التسمية في اليوم السابع، وحمل ذلك بعضهم على التسمية عند الذبح. واستدل لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة

(4)

من طريق همام عن قتادة قال: يسمى على المولود كما يسمى على الأضحية بسم الله عقيقة فلان.

ومن طريق سعيد عن قتادة نحوه

(5)

وزاد: "اللهم منك ولك عقيقة فلان بسم الله والله أكبر"، ولا يخفى بُعده؛ لأن قوله: ويسمى فيه مشعر بأن المراد تسمية المولود في ذلك اليوم، ولو كان المراد ما ذكره ذلك البعض لقال: ويسمي عليها.

قوله: (مكافئتان) قال النووي

(6)

: بكسر الفاء بعدها همزة، هكذا صوابه عند أهل اللغة

(7)

، والمحدثون يقولونه بفتح الفاء.

قال أبو داود في سننه

(8)

: أي مستويتان أو متقاربتان. وكذا قال أحمد

(9)

.

قال الخطابي

(10)

: والمراد التكافؤ في السن، فلا تكون إحداهما مسنة والأخرى غير مسنة.

وقيل: معناه أن يذبح إحداهما مقابلة للأخرى، وفي هذا الحديث

(11)

(1)

برقم (2146) من كتابنا هذا.

(2)

في المحلى (7/ 523).

(3)

البحر الزخار (4/ 325).

(4)

في "المصنف"(8/ 56).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(8/ 57).

(6)

في المجموع (8/ 408 - 409).

(7)

كالجوهري في "الصحاح"(1/ 68).

(8)

في السنن (3/ 257).

(9)

المغني (13/ 396).

(10)

في معالم السنن (3/ 257).

(11)

تقدم برقم (2142) من كتابنا هذا.

ص: 522

وحديث أم كرز

(1)

المذكور بعده، وكذلك حديث بريدة

(2)

، وابن عباس

(3)

، وأبي

(4)

رافع، وسيأتي دليل على أن المشروع في العقيقة شاتان عن الذكر وبه قال الشافعي

(5)

، وأحمد

(6)

وأبو ثور

(7)

وداود

(8)

والإِمام يحيى

(9)

وحكاه للمذهب.

وحكاه في الفتح

(10)

عن الجمهور.

وقال مالك

(11)

: إنها شاة عن الذكر والأنثى، قال في البحر: وهو المذهب.

واستدل على ذلك بحديث بريدة الآتي

(12)

بلفظ: "كنا نذبح شاة" إلخ، وبحديث ابن عباس

(13)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا".

ويجاب عن ذلك بأن أحاديث الشاتين مشتملة على الزيادة، فهي من هذه الحيثية أولى بالقبول.

وأما حديث ابن عباس (13) فسيأتي أيضًا في رواية [منه]

(14)

أنه عق عن كل واحد بكبشين.

وأيضًا القول أرجح من الفعل. وقيل: إن في اقتصاره صلى الله عليه وسلم على شاة دليلًا على أن الشاتين مستحبة فقط وليست بمتعينة، والشاة جائزة غير مستحبة.

وقيل: إنه لم يتيسر إلا شاة، وأما الأنثى فالمشروع في العقيقة عنها شاة واحدة إجماعًا كما في البحر

(15)

.

قوله: (ولا يضركم ذكرانًا كن أو إناثًا)، فيه دليل على أنه لا فرق بين ذكور الغنم وإناثها.

(1)

تقدم برقم (2143) من كتابنا هذا.

(2)

يأتي برقم (2146) من كتابنا هذا.

(3)

يأتي برقم (2147) من كتابنا هذا.

(4)

يأتي برقم (2148) من كتابنا هذا.

(5)

في "المجموع"(8/ 409).

(6)

في المغني (13/ 395 - 396).

(7)

فقه الإمام أبي ثور ص 404.

(8)

المحلى (7/ 523).

(9)

البحر الزخار (4/ 323).

(10)

الفتح (9/ 592).

(11)

التسهيل (3/ 1036) والبيان والتحصيل (3/ 396).

(12)

الآتي برقم (2146) من كتابنا هذا.

(13)

الآتي برقم (2147) من كتابنا هذا.

(14)

في المخطوط (ب): (عنه).

(15)

البحر الزخار (4/ 332).

ص: 523

5/ 2144 - (وعَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ العَقيقَةِ، فقالَ:"لا أحِبُّ العُقُوق"، وكَأَنَّهُ كَرِهَ الاسْمَ، فقالوا: يا رَسُولَ الله إنَّما نَسألُكَ عَنْ أَحَدِنا يُولَدُ لَهُ، قالَ:"مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلَيَفْعَلْ عَنِ الغُلَامِ شاتانِ مُكافأتانِ وعَنِ الجَارِيَةِ شاةٌ". رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

وأَبُو دَاوُدَ

(2)

والنَّسائيُّ)

(3)

. [صحيح]

6/ 2145 - (وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ المَوْلودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الأذَى عنهُ والْعَقِّ. رَواهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

وقالَ: حَديث حَسَنٌ غَريبٌ). [حسن]

7/ 2146 - (وعَنْ بُرَيْدَةَ الأسْلَمِيِّ قالَ: كُنّا في الجَاهِلِيَّةِ إذا وُلدَ لأحدِنا غلامٌ ذَبَحَ شاةً وَلَطَخَ رَأَسَهُ بِدَمِها، فَلَمَّا جاءَ الله بالإِسْلام كُنَّا نَذَبَحُ شاةً ونحْلِقُ رَأسَهُ ونُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرانٍ. رَوَاهُ أَبُو داوُدَ)

(5)

.

8/ 2147 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَقَّ عَنِ الحَسَنِ والحُسَيْنِ

(1)

في المسند (2/ 182، 194).

(2)

في سننه رقم (2842).

(3)

في سننه رقم (4212).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (7961) والطحاوي في "المشكل"(1/ 461 - 462) والحاكم (4/ 238) وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 317 - تيمية) والبيهقي (9/ 300 - 312).

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

• وله شاهد عن رجل من بني ضمرة عن أبيه؛ أنه قال: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال:"لا أحب العقوق"، وكأنه إنما كَرِه الاسم، وقال:"من وُلد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده؛ فليفعل".

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 500 رقم 1) والطحاوي في "المشكل"(1/ 462) وسنده حسن في الشواهد.

(4)

في سننه رقم (2832) وقال: حديث حسن غريب.

وهو حديث حسن.

(5)

في سننه رقم (2843) بسند حسن.

ص: 524

كَبْشًا كَبْشًا. رَواهُ أَبُو دَاودَ

(1)

والنَّسائِيُّ

(2)

وقالَ: بِكَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ). [صحيح]

حديث عمرو بن شعيب الأول سكت عنه أبو داود

(3)

. وقال المنذري

(4)

: في إسناده عمرو بن شعيب، وفيه مقال، يعني في روايته عن أبيه عن جده، وقد سلف بيان ذلك.

وحديثه الثاني أخرجه الحاكم

(5)

.

وحديث بريدة أخرجه أيضًا أحمد

(6)

والنسائي

(7)

.

قال في التلخيص

(8)

: وإسناده صحيح انتهى، وفيه نظر لأن في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال

(9)

.

وقد أخرج نحو حديث بريدة هذا ابن حبان وصححه

(10)

، وابن السكن وصححه

(11)

من حديث عائشة.

(1)

في سننه رقم (2841).

(2)

في سننه رقم (4219).

قلت: وأخرج حديث ابن عباس: ابن الجارود رقم (911) وعبد الرزاق في المصنف (4/ 330) والطبراني في الكبير (ج 11/ رقم 11838) والطحاوي في "المشكل"(1/ 456 - 457) والبيهقي (9/ 299، 302) والخطيب في التاريخ (10/ 151) وأبو نعيم في الحلية (7/ 116) وفي أخبار أصبهان (2/ 151) من طرق.

• وله شاهد من حديث بريدة رضي الله عنه: أخرجه النَّسَائِي (7/ 164) وأحمد (5/ 355، 361) وأبو نعيم في "أخبار أصبهان"(1/ 236).

• وشاهد آخر من حديث أنس رضي الله عنه: أخرجه الطحاوي في "المشكل"(1/ 456) وابن حبان رقم (1061 - الموارد)، وعزاه الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 58) للطبراني في "الأوسط". وقال: رجاله رجال الصحيح.

• وهناك شواهد أخرى ذكرتها في "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" كتاب العقيقة.

وهو حديث صحيح.

(3)

في السنن (3/ 263).

(4)

في "المختصر"(4/ 130).

(5)

في المستدرك (4/ 237) وسكت عنه، وقال الذهبي: سوار ضعيف.

(6)

في المسند (5/ 355، 361).

(7)

في سننه رقم (4213).

(8)

(4/ 270).

(9)

علي بن الحسين بن واقد المروزي: صدوق يهم من العاشرة. التقريب رقم (4717).

(10)

في صحيحه رقم (5308).

(11)

كما في "التلخيص"(4/ 270).

ص: 525

والطبراني في الصغير

(1)

من حديث أنس.

والبيهقي

(2)

من حديث فاطمة.

والترمذي

(3)

والحاكم

(4)

من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

والبيهقي

(5)

من حديث عليّ.

وحديث ابن عباس صححه عبد الحق

(6)

وابن دقيق العيد

(7)

. وأخرج نحوه ابن حبان

(8)

والحاكم

(9)

والبيهقي

(10)

من حديث عائشة بزيادة يوم السابع وسمَّاهما وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى.

قوله: (وكأنه كره الاسم) وذلك لأن العقيقة التي هي الذبيحة والعقوق للأمهات مشتقان من العق الذي هو الشق والقطع، فقوله صلى الله عليه وسلم:"لا أحب العقوق" بعد سؤاله عن العقيقة للإشارة إلى كراهة اسم العقيقة لما كانت هي والعقوق يرجعان إلى أصل واحد.

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "من أحب منكم أن ينسك"، إرشادًا منه إلى مشروعية تحويل العقيقة إلى النسيكة، وما وقع منه صلى الله عليه وسلم من قوله:"مع الغلام عقيقته، وكل غلام مرتهن بعقيقته، ورهينة بعقيقته"، فمن البيان للمخاطبين بما يعرفونه؛ لأن ذلك اللفظ هو المتعارف عند العرب، ويمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وسلم تكلم بذلك لبيان الجواز، وهو لا ينافي الكراهة التي أشعر بها قوله (لا أحب العقوق).

(1)

الطبراني في الصغير (1/ 150 - رقم 229 - الروض الداني).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 58): وقال: فيه مسعدة بن اليسع وهو كذاب.

ولفظه: "من ولد له غلام فليعق عنه من الإبل والبقر والغنم".

(2)

في السنن الكبرى (9/ 304).

(3)

في السنن رقم (2832) وقال: حديث حسن غريب.

(4)

في المستدرك (4/ 237) وسكت عنه، وقال الذهبي: سوار ضعيف.

(5)

في السنن الكبرى (9/ 304).

(6)

في "الإحكام الوسطى"(4/ 141 - ط الرشد).

(7)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(4/ 269).

(8)

في صحيحه رقم (5308).

(9)

في المستدرك (4/ 237) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(10)

في السنن الكبرى (9/ 303 - 304).

ص: 526

قوله: (من أحب منكم)، قد قدمنا أن التفويض إلى المحبة يقتضي رفع الوجب وصرف ما أشعر به إلى الندب.

قوله: (مكافأتان) قد تقدم ضبطه وتفسيره.

قوله: (أمر بتسمية المولود) إلخ، فيه مشروعية التسمية في اليوم السابع والرد على حمل التسمية في حديث سمرة السابق

(1)

على التسمية عند الذبح. وفيه أيضًا مشروعية وضع الأذى عنه وذبح العقيقة في ذلك اليوم.

قوله: (فلما جاء الله بالإسلام) إلخ، فيه دليل على أن تلطيخ رأس المولود بالدم من عمل الجاهلية وأنَّه منسوخ كما تقدم.

وأصرح منه في الدلالة على النسخ حديث عائشة عند ابن حبان

(2)

وابن السكن وصححاه

(3)

كما تقدم بلفظ: "فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا مكان الدم خلوقًا".

قوله: (ونلطخه بزعفران) فيه دليل على استحباب تلطيخ رأس الصبي بالزعفران أو غيره من الخلوق كما في حديث عائشة المذكور.

قوله: (عق عن الحسن والحسين)، فيه دليل على أنها تصح العقيقة من غير الأب مع وجوده وعدم امتناعه، وهو يرد ما ذهبت إليه الحنابلة

(4)

من أنه يتعين الأب إلا أن يموت أو يمتنع.

وروي عن الشافعي

(5)

أن العقيقة تلزم من تلزمه النفقة.

ويجوز أن يعق الإنسان عن نفسه إن صح ما أخرجه البيهقي

(6)

عن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد البعثة"، ولكنه قال: إنه منكر، وفيه عبد الله بن محرّر بمهملات وهو ضعيف جدًّا كما قال الحافظ

(7)

، وقال عبد الرزاق

(8)

: إنما تكلموا فيه لأجل هذا الحديث.

(1)

تقدم برقم (2141) من كتابنا هذا.

(2)

في صحيحه رقم (5308).

(3)

كما في "التلخيص"(4/ 270).

(4)

المغني (13/ 396 - 398).

(5)

المجموع (8/ 412 - 413).

(6)

في السنن الكبرى (9/ 300) وقال: إنه منكر.

(7)

في "التلخيص الحبير"(4/ 269).

(8)

في "المصنف"(4/ 329 رقم 7960) وقال: إنما تركوا عبد الله بن محرر بسبب هذا الحديث كما في "تحفة المودود" ص 104 بتحقيقي.

ص: 527

قال البيهقي

(1)

: وروي من وجه آخر عن قتادة عن أنس وليس بشيء.

وأخرجه أبو الشيخ

(2)

من وجه آخر عن أنس.

وأخرجه أيضًا ابن أيمن في مصنفه

(3)

.

والخلال

(4)

من طريق عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أبيه و [به]

(5)

.

وقال النووي في شرح المهذب

(6)

: هذا حديث باطل.

وأخرجه أيضًا الطبري والضياء من طرق فيها ضعف

(7)

.

وقد احتج بحديث أنس هذا من قال: إنها تجوز العقيقة عن الكبير.

وقد حكاه ابن رشد

(8)

عن بعض أهل العلم.

9/ 2148 - (وعَنْ أَبي رَافِعٍ أَنَّ حَسَنَ بْنَ عَلَيّ لمَّا وُلدَ أرَادَتْ أمُّهُ فاطِمَةُ أَنْ تَعُقَّ عنهُ بكَبْشَيْنِ، فقالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَعُقِّي عنْهُ ولكِنِ احْلِقِي شَعْرَ رَأْسِهِ فَتَصَدَّقِي

(1)

في السنن الكبرى (9/ 300).

ثم أضاف النووي في المجموع (8/ 412): وهو حديث باطل وعبد الله بن محرر ضعيف متفق على ضعفه، قال الحافظ: هو متروك. وانظر ترجمته في: التاريخ الكبير (3/ 1/ 212) والجرح والتعديل (5/ 176) والمجروحين (1/ 22) والميزان (2/ 500) والتقريب (1/ 445).

(2)

في الأضاحي كما في "التلخيص"(4/ 269).

(3)

كما في "التلخيص"(4/ 269).

(4)

كما في "التلخيص"(4/ 269).

وقال النووي في "المجموع"(8/ 412): هذا حديث باطل.

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

(8/ 412).

(7)

وأخرج الطبراني في الأوسط رقم (994) والبزار في المسند (رقم 1237 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 59) وقال: رجال الطبراني رجال الصحيح خلا الهيثم بن جميل وهو ثقة، وشيخ الطبراني أحمد بن مسعود الخياط المقدسي ليس هو في الميزان".

قلت: وفي سنده عبد الله بن المحرر وهو متروك.

(8)

في بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 504) بتحقيقي.

ص: 528

بِوَزْنهِ مِنَ الْوَرِقِ"؛ ثمَّ وُلِدَ حُسَيْنٌ فَصَنَعَتْ مِثْلَ ذلِكَ. رَوَاهُ أحمدُ)

(1)

. [حسن]

10/ 2149 - (وعَنْ أَبي رَافِعٍ قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَذَّنَ في أُذُنِ الْحُسَيْنِ حِينَ وَلَدَتْهُ فاطِمةُ بالصّلاةِ. رَوَاهُ أحمَدُ

(2)

.

وكذلِكَ أَبُو دَاوُدَ

(3)

والتِّرْمِذِيُّ وصححَهُ

(4)

وقالَا: الْحَسَنِ). [حسن]

11/ 2150 - (وعَنْ أنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ غُلَامًا، قالَ: فقالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْفَظْهُ حتى تَأْتِي بِهِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأَتَاهُ بِهِ وَأَرْسَلَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ، فأخَذَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَضَغَها، ثمَّ أخَذَها مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ وحَنَّكَهُ بِهِ، وسَمَّاهُ عبْدَ الله)

(5)

. [صحيح]

12/ 2151 - (وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قالَ: أُتِيَ بالمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسِيدٍ إِلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم حينَ وُلدَ فَوَضَعَهُ على فَخِذِهِ وأَبُو أُسِيدٍ جالِسٌ، فلَهي النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فأمَرَ أَبُو أُسِيْدٍ بابْنِهِ فاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِهِ، فاسْتَفاقَ النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالَ: "أَيْنَ الصَّبيُّ؟ "، فقالَ أَبُو أُسِيْدٍ: قَلَبْناهُ يا رَسُولَ الله، قالَ: "ما اسمُهُ؟ "، قالَ: فُلانٌ، قالَ: "وَلكِنِ اسمُهُ الْمُنْذِرُ"، فَسَماهُ يَوْمَئذٍ الْمُنْذِرَ. مُتَّفَق عَلَيْهِمَا)

(6)

. [صحيح]

(1)

في المسند (6/ 392) بسند ضعيف لضعف عبد الله بن محمد بن عقيل.

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (8/ 235) والطبراني في الكبير رقم (917) والبيهقي (8/ 304) من طرق.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 57) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير.

وهو حديث حسن.

(2)

في المسند (6/ 9، 391) بسند ضعيف لضعف عاصم بن عبيد الله.

(3)

في السنن رقم (5105).

(4)

في السنن رقم (1514) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه عبد الرزاق رقم (7986) والطبراني في الكبير رقم (931) والحاكم (3/ 179) والبيهقي (9/ 305) وفي "الشعب" رقم (8618) من طرق.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: عاصم ضعيف - وله شواهد في الشعب، وانظر: الإرواء (4/ 400 رقم 1173)، وهو حديث حسن بشواهده.

(5)

في المسند (3/ 175) والبخاري رقم (5470) ومسلم رقم (23/ 2144).

(6)

البخاري رقم (6191) ومسلم رقم (29/ 2149).

ص: 529

حديث أبي رافع الأول أخرجه أيضًا البيهقي

(1)

، وفي إسناده ابن عقيل وفيه مقال، وقال البيهقي: إنه تفرد به.

ويشهد له ما أخرجه مالك

(2)

وأبو داود في المراسيل

(3)

، والبيهقي

(4)

من حديث جعفر بن محمد، زاد البيهقي عن أبيه عن جده:"أن فاطمة وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم، فتصدقت بوزنه فضة".

وأخرجه الترمذي

(5)

والحاكم

(6)

من حديث محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن عليّ قال: "عقّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن شاة، وقال: يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة، فوزناه فكان وزنه درهمًا أو بعض درهم".

وروى الحاكم

(7)

من حديث علي قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال: زني شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة، وأعطى القابلة رجل العقيقة"، ورواه أبو داود في سننه

(8)

من طريق حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلًا.

وحديث أبي رافع الثاني أخرجه أيضًا الحاكم

(9)

والبيهقي

(10)

، ورواه أبو

(1)

في السنن الكبرى (9/ 304).

(2)

في الموطأ (2/ 501 رقم 2).

(3)

رقم (380).

قلت: وأخرجه البيهقي (9/ 304) وعبد الرزاق رقم (7973) وزاد: قالت: وكان أبي يفعل ذلك. وإسناده صحيح.

(4)

في السنن الكبرى كما تقدم.

(5)

في سننه رقم (1519) وقال: هذا حديث حسن غريب.

(6)

في المستدرك (4/ 237).

وهو حديث حسن.

(7)

في المستدرك (3/ 179) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله: غير صحيح.

(8)

أبو داود في المراسيل رقم (379) بسند صحيح.

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 302) من طريق أبي داود.

(9)

في المستدرك (3/ 179) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي: عاصم ضعيف.

(10)

في السنن الكبرى (9/ 305).

ص: 530

نعيم

(1)

والطبراني

(2)

من حديثه بلفظ: "أذَّن في أُذن الحسن والحسين"، ومداره على عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف. قال البخاري

(3)

: منكر الحديث.

وأخرج ابن السني

(4)

من حديث الحسين بن علي مرفوعًا بلفظ: "من ولد له مولود فأذن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان"، وأم الصبيان هي التابعة من الجن، هكذا أورد الحديث في التلخيص

(5)

ولم يتكلم عليه.

قوله: (لا تعقي عنه)، قيل: يحمل هذا على أنه قد كان صلى الله عليه وسلم عق عنه، وهذا متعين لما قدمنا في رواية الترمذي

(6)

والحاكم

(7)

عن علي.

قوله: (من الورق).

(1)

لم أقف عليه.

(2)

في المعجم الكبير (ج 1 رقم 926).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 59 - 60) وقال: فيه حماد بن شعيب، وهو ضعيف جدًّا".

(3)

التاريخ الكبير (6/ 478).

(4)

في عمل اليوم والليل رقم (623).

وفيه: جبارة بن المغلس: (ضعيف) الميزان (1/ 387).

ويحيى بن العلاء: (رُمي بالوضع) الميزان (4/ 397 - 398).

ومروان بن سالم: (ضعيف) الميزان (4/ 90 - 91).

وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 59) لأبي يعلى. وقال: فيه مروان بن سالم الغفاري وهو متروك.

وتعقبه العلامة المناوي في "فيض القدير"(6/ 238) بقوله: "تعصيبه الجناية برأسه وحده يؤذِن بأنه ليس فيه مما يُحمل عليه سواه، والأمر بخلافه، ففيه "يحيى بن العلاء البجلي الرازي". قال الذهبي في "الضعفاء والمتروكين": قال أحمد: كذَّاب وضَّاع. وقال في "الميزان" قال أحمد: كذاب يضع، ثم أورد له أخبارًا هذا منها" اهـ.

وانظر لمزيد من الكلام على هذا الحديث "الضعيفة" للألباني رقم (321).

• وأم الصبيان: هي الريح التي تعرض للصبيان، فربما غُشي عليهم، وقيل: هي التابعة من الجن. فاله ابن الأثير في "النهاية"(1/ 68).

(5)

(4/ 273).

(6)

في سننه رقم (1519) وقال: هذا حديث حسن غريب.

(7)

في المستدرك (4/ 237). وهو حديث حسن.

ص: 531

قال في التلخيص

(1)

: الروايات كلها متفقة على التصدّق بالفضة وليس في شيء منها ذكر الذهب.

وقال الرافعي

(2)

: إنه يتصدّق بوزن شعره ذهبًا وإن لم يفعل ففضة.

وقال المهدي في البحر

(3)

: إنه يتصدّق بوزن شعره ذهبًا أو فضة.

ويدل على ذلك ما أخرجه الطبراني في الأوسط

(4)

عن ابن عباس قال: "سبعة من السنة في الصبي يوم السابع: يسمى ويختن ويماط عنه الأذى وتثقب أذنه ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ بدم عقيقته ويتصدق بوزن شعره ذهبًا أو فضة"، وفي إسناده رواد بن الجراح وهو ضعيف

(5)

، وبقية رجاله ثقات، وفي لفظه ما ينكر وهو ثقب الأذن والتلطيخ بدم العقيقة.

قوله: (أذن في أُذن الحسين

إلخ)، فيه استحباب التأذين في أذن الصبي عند ولادته.

وحكى في البحر

(6)

استحباب ذلك عن الحسن البصري

(7)

، واحتج على الإقامة في اليسرى بفعل عمر بن عبد العزيز

(8)

.

قال

(9)

: وهو توقيف، وقد روى ذلك ابن المنذر عنه أنه كان إذا ولد له ولد أذّن في أُذنه اليمنى وأقام في أُذنه اليسرى.

(1)

(4/ 273).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(4/ 272).

(3)

البحر الزخار (4/ 324).

(4)

في الأوسط رقم (558).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد (4/ 59) وقال: ورجاله ثقات.

قلت: إسناده ضعيف لضعف رواد بن الجراح.

(5)

رواد بن الجراح أبو عصام العسقلاني، ويقال: يزيد.

قال البخاري: كان قد اختلط لا يكاد أن يقوم حديثه

التاريخ الكبير (3/ 336) والجرح والتعديل (3/ 524) والميزان (2/ 55).

(6)

(4/ 326).

(7)

موسوعة فقه الحسن البصري (1/ 77).

(8)

ذكره النووي في "المجموع"(8/ 424) عنه.

(9)

أي المهدي في البحر الزخار (4/ 326).

ص: 532

قال الحافظ

(1)

: لم أره عنه مسندًا انتهى. وقد قدمنا نحو هذا مرفوعًا.

قوله: (فمضغها) أي لاكها في فيه.

قوله: (وحنكه) بفتح المهملة بعدها نون مشددة.

والتحنيك: أن يمضغ المحنك التمر أو نحوه حتَّى يصير مائعًا بحيث يبتلع ثم يفتح فمّ المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها في جوفه.

قال النووي

(2)

: اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر، فإن تعذر فما في معناه أو قريب منه من الحلو.

قال

(3)

: ويستحبّ أن يكون من الصالحين، وممن يتبرك به رجلًا كان أو امرأة، فإن لم يكن حاضرًا عند المولود حمل إليه.

وفيه استحباب التسمية بعبد الله.

قال النووي

(4)

: وإبراهيم وسائر الأنبياء والصالحين.

قال في البحر

(5)

: وعبد الرحمن واستحباب تفويض التسمية إلى أهل الصلاح.

قوله: (أسيد) بفتح الهمزة على المشهور. وحكى عياض

(6)

عن أحمد الضم، وكذا عن عبد الرحمن ووكيع.

قوله: (فلهى) روي بفتح الهاء وكسرها مع الياء والأولى لغة طيئ، والثانية

(1)

في "اتلخيص"(4/ 273).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 122 - 123).

(3)

أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (14/ 123).

(4)

قال النووي في "المجموع"(8/ 417): "فرع: مذهبنا - أي الشافعية - ومذهب الجمهور جواز التسمية بأسماء الأنبياء والملائكة صلوات الله عليهم أجمعين.

ولم ينقل فيه خلاف إلا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كره التسمية بأسماء الملائكة.

وعن مالك كراهة التسمية بجبريل وياسين.

دليلنا تسمية النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم، وسمى خلائق من أصحابه بأسماء الأنبياء في حياته وبعده، مع الأحاديث التي ذكرناها. ولم يثبت نهي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكره" اهـ.

(5)

البحر الزخار (4/ 327).

(6)

في مشارق الأنوار (1/ 60).

ص: 533

لغة الأكثرين؛ ومعناه اشتغل بذلك الشيء، قاله أهل الغريب

(1)

والشراح.

قوله: (فاستفاق) أي فرغ من ذلك الاشتغال

(2)

.

قوله: (قلبناه)، أي رددناه وصرفناه

(3)

.

وفي الحديث استحباب التسمية بالمنذر.

فائدة: قد وقع الخلاف في أبحاث تتعلق بالعقيقة.

(الأول): هل يجزئ فيها غير الغنم أم لا؟ فقيل: لا يجزئ. وقد نقله ابن المنذر

(4)

عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.

وقال البوشنجي: لا نص للشافعي

(5)

في ذلك، وعندي لا يجزئ غيرها انتهى. ولعلَّ وجه ذلك ذكرها في الأحاديث دون غيرها، ولا يخفى أن مجرد ذكرها لا ينفي إجزاء غيرها.

[واختلف]

(6)

قول مالك

(7)

في الإجزاء، وأما الأفضل عنده فالكبش مثل الأضحية كما تقدم، والجمهور على إجزاء البقر والغنم.

ويدل عليه ما عند الطبراني

(8)

وأبي الشيخ

(9)

من حديث أنس مرفوعًا بلفظ: "يعق عنه من الإبل والبقر والغنم"، ونص أحمد على أنها تشترط بدنة أو بقرة كاملة.

(1)

النهاية لابن الأثير (4/ 282 - 283).

(2)

النهاية لابن الأثير (3/ 481).

(3)

النهاية لابن الأثير (4/ 97).

(4)

حكاه عنه النووي في "المجموع"(8/ 431).

(5)

قال النووي في "المجموع"(8/ 431): "فرع: مذهبنا جواز العقيقة بما تجوز به الأضحية من الإبل والبقر والغنم، وبه قال أن بن مالك، ومالك بن أنس.

وحكى ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: لا يجزئ إلا الغنم" اهـ.

(6)

في "المخطوط"(أ): (واخلف).

(7)

التسهيل (3/ 1036) والاستذكار (10/ 380).

(8)

في الصغير (رقم 229 - الروض الداني).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 58) وقال: فيه مسعدة بن اليسع وهو كذاب.

(9)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(9/ 593).

ص: 534

وذكر الرافعي أنه يجوز اشتراك سبعة من الإبل والبقر كما في الأضحية، ولعلّ من جوز اشتراك عشرة هناك يجوِّزه هنا.

(الثاني): هل يشترط فيها ما يشترط في الأضحية، وفيه وجهان للشافعية

(1)

. وقد استدل بإطلاق الشاتين على عدم الاشتراط وهو الحق، لكن لا لهذا الإطلاق، بل لعدم ورود ما يدل هاهنا على تلك الشروط والعيوب المذكورة في الأضحية، وهي أحكام شرعية لا تثبت بدون دليل.

وقال المهدي في البحر

(2)

: مسئلة الإِمام يحيى: ويجزئ عنها ما يجزئ أضحية بدنة أو بقرة أو شاة، وسنها وصفتها، والجامع التقرب بإراقة الدم انتهى.

ولا يخفى أنه يلزم على مقتضى هذا القياس أن تثبت أحكام الأضحية في كل دم متقرّب به، ودماء الولائم كلها مندوبة عند المستدل بذلك القياس، والمندوب متقرّب به، فيلزم أن يعتبر فيها أحكام الأضحية.

بل روي عن الشافعي

(3)

في أحد قوليه أن وليمة العرس واجبة.

وذهب أهل الظاهر

(4)

إلى وجوب كثير من الولائم، ولا أعرف قائلًا يقول: بأنه يشترط في ذبائح شيء من هذه الولائم ما يشترط في الأضحية، فقد استلزم هذا القياس ما لم يقل به أحد، وما استلزم الباطل باطل.

(الثالث): في مبدأ وقت ذبح العقيقة.

وقد اختلف أصحاب مالك

(5)

[في ذلك]

(6)

فقيل: وقتها وقت الضحايا؛ وقد تقدم الخلاف فيه هل هو من بعد الفجر أو من طلوع الشمس أو من وقت الضحى أو غير ذلك

(7)

؟.

وقيل: إنها تجزئ في الليل.

(1)

المجموع (8/ 431).

(2)

البحر الزخار (4/ 324).

(3)

المجموع (18/ 77).

(4)

المحلى (9/ 450).

(5)

التسهيل (3/ 1037) وبداية المجتهد (2/ 505) بتحقيقي.

(6)

زيادة من المخطوط (أ).

(7)

انظر: المجموع (8/ 359 - 360).

ص: 535

وقيل: لا على حسب الخلاف السابق في الأضحية.

وقيل: تجزئ في كل وقت، وهو الظاهر لما عرفت من عدم الدليل، على أنه يعتبر فيها ما يعتبر في الأضحية.

[الباب الثاني] باب ما جاء في الفرع والعتيرة ونسخهما

13/ 2152 - (عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ قالَ: كُنَا وُقُوفًا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفات، فَسَمِعْتهُ يَقُول:"يا أَيُّهَا النَّاسُ على كُلّ أَهْلِ بَيْتٍ في كُل عامِ أضْحِية وعَتِيرة، هَلْ تَدْرُونَ ما العَتِيرةُ؟ هِيَ التي تُسَمُّونها الرَّجِبِيةَ". رَوَاهُ أحمَدُ

(1)

وابْنُ مَاجَهْ

(2)

والترْمذِيُّ

(3)

، وقالَ: هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ). [حسن لغيره]

14/ 2153 - (وعَنْ أبي رُزينَ العُقَيليِّ أَنَّهُ قالَ: يا رسُولَ الله إنْ كُنَّا نَذْبَحُ في رَجَبٍ ذبائِحَ فنأكُلُ مِنها ونُطْعِمُ مِنْ جاءَنا، فقال [لهُ]

(4)

: "لا بأسَ بِذلِكَ")

(5)

. [صحيح]

(1)

في المسند (4/ 215).

(2)

في سننه رقم (3125).

(3)

في السنن رقم (1518) وقال: هذا حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (2788) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (2318) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (1059).

وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 91) والطبراني في الكبير (ج 2 رقم 738) والبيهقي (9/ 312 - 313) والبغوي في شرح السنة رقم (1128) من طرق.

قال عبد الحق في الأحكام الوسطى (7/ 94) إسناده ضعيف.

وتعقبه ابن القطان في "الوهم والإيهام"(3/ 577 - 578):

"وصدق، ولكنه لم يبين علته، وهي الجهل بحال عامر هذا فإنه لا يعرف إلا بهذا، يرويه عنه ابن عون، وقد رواه أيضًا عنه ابنه حبيب بن مخنف وهو مجهول أيضًا كأبيه" اهـ.

وقال محققه: وهذا خطأ، فأبوه صحابي معروف.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.

(4)

زيادة من المخطوط (أ).

(5)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 12 - 13) والنسائي رقم (4231).

وهو حديث صحيح.

ص: 536

15/ 2154 - (وعَنِ الحَارِثِ بْنِ عمْرو أنهُ لَقِيَ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّة الوَدَاعِ، قالَ: فقالَ رَجُلٌ: يا رسُول الله الْفَرَائِعُ والعَتائِرُ، فقال:"منْ شاءَ فَرَعَ، ومَنْ شَاءَ لَمْ يَفْرَعْ، ومَنْ شَاءَ عَتَرَ، ومَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ، في الغَنَمِ أُضْحِيَةٌ"، رواهُما أحمَدُ

(1)

والنَّسائيُّ)

(2)

. [ضعيف]

16/ 2155 - (وعَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ قالَ: قال رجُلٌ: يا رسُولَ الله، إِنَّا كُنَّا نَعْترُ عَتِيرَةً في الجَاهِلِيَّةِ في رَجَبٍ فَمَا تَأمُرُنا؟ قالَ: "اذْبَحُوا لله في أيِّ شَهْرٍ كانَ وَبِرُّوا الله عز وجل وأطْعِمُوا"، قالَ: فقالَ رجُلٌ آخَرُ: يا رسُول الله، إنَّا كُنَّا نَفْرَعُ فَرَعًا في الجَاهِلِيَّةِ فَمَا تأمُرنا؟ قالَ: فقالَ رَسُولُ اللهّ صلى الله عليه وسلم: "في كُلِّ سائِمةٍ مِنَ الغَنَمِ فَرَعٌ تَغْذوهُ غَنَمُكَ، حتى إذَا اسْتحْملَ ذبحْتَهُ فتصدّقْتَ بلحْمِهِ على ابْنِ السّبيل فإنَّ ذلِكَ هوَ خَيْرٌ". رَواهُ الخَمسَةُ إلّا التّرمذيّ)

(3)

. [صحيح]

حديث مِخْنِف أخرجه أيضًا أبو داود

(4)

والنسائي

(5)

، وفي إسناده أبو رملة واسمه عامر.

قال الخطابي

(6)

: هو مجهول والحديث ضعيف المخرج.

وقال أبو بكر المعافري: حديث مخنف بن سليم ضعيف لا يحتج به.

وحديث أبي رزين [العقيلي]

(7)

أخرجه أيضًا البيهقي

(8)

وأبو داود

(9)

وصححه ابن حبان

(10)

بلفظ: "أنه قال: يا رسول الله إنا كنا نذبح في الجاهلية

(1)

في المسند (3/ 485).

(2)

في سننه رقم (4226).

وهو حديث ضعيف.

(3)

أحمد في المسند (5/ 76) وأبو داود رقم (2830) والنسائي رقم (4231) وابن ماجه رقم (3167).

وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (2788) وقد تقدم.

(5)

في سننه رقم (4224).

(6)

في معالم السنن (3/ 226 - مع السنن).

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

في السنن الكبرى (2/ 319).

(9)

في سننه رقم (2830).

(10)

في صحيحه رقم (5891).

ص: 537

ذبائح في رجب، فنأكل منها ونطعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس بذلك".

وحديث الحارث بن عمرو أخرجه أيضًا البيهقي

(1)

والحاكم وصححه

(2)

.

وحديث نبيشة صححه ابن المنذر

(3)

.

وقال النووي

(4)

: أسانيده صحيحة.

وفي الباب عن عائشة عند أبي داود

(5)

والحاكم

(6)

والبيهقي

(7)

. قال النووي

(8)

: بإسناد صحيح قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة من كل خمسين واحدة"، وفي رواية:"من كل خمسين شاة شاة".

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود

(9)

قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفرع فقال: الفرع حق، وأن تتركوه حتى يكون بكرًا أو ابن مخاض أو ابن لبون، فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه فيلزق لحمه بوبره وتكفأ إناءك وتُوَلِّهَ ناقتك"، يعني إن ذبحه يذهب لبن الناقة ويفجعها.

قوله: (في كل عام أضحية)، هذا من جملة الأدلة التي تمسك بها من قال بوجوب الأضحية. وقد تقدم الكلام على ذلك.

قوله: (وعتيرة) بفتح العين المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية بعدها راء، وهي ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب

(10)

ويسمونها الرجبية كما وقع في الحديث المذكور.

قال النووي

(11)

: اتفق العلماء على تفسير العتيرة بهذا.

(1)

في السنن الكبرى (9/ 312).

(2)

في المستدرك (4/ 232) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

(3)

كما في "المجموع"(8/ 426).

(4)

في المجموع (8/ 426).

(5)

في سننه رقم (2833).

(6)

في المستدرك (4/ 236) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

(7)

في السنن الكبرى (9/ 312).

وهو حديث صحيح.

(8)

في المجموع (8/ 426).

(9)

في السنن رقم (2842) وهو حديث حسن.

(10)

النهاية (3/ 178) وتهذيب اللغة (2/ 262).

(11)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 136).

ص: 538

قوله: (الفرائع)

(1)

جمع فرع بفتح الفاء والراء ثم عين مهملة، ويقال: فيه الفرعة بالهاء: هو أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولا يملكونه رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها، هكذا فسَّره أهل اللغة

(2)

وجماعة من أهل العلم منهم الشافعي

(3)

وأصحابه.

وقيل: هو أول النتاج للإبل، وهكذا جاء تفسيره في البخاري

(4)

ومسلم

(5)

وسنن أبي داود

(6)

والترمذي

(7)

، وقالوا: كانوا يذبحونه لآلهتهم.

فالقول الأول: باعتبار أول نتاج الدابة على انفرادها.

والثاني: باعتبار نتاج الجميع وإن لم يكن أول ما تنتجه أمه.

وقيل: هو أول النتاج لمن بلغت إبله مائة يذبحونه.

قال شمر

(8)

: قال أبو مالك: كان الرجل إذا بلغت إبله مائة قدم بكرًا فنحره لصنمه ويسمونه فرعًا.

قوله: (حتى إذا استحمل)، في رواية لأبي داود

(9)

عن نصر بن علي: "استحمل للحجيج"، أي إذا قدر الفرع على أن يحمله من أراد الحج تصدقت بلحمه على ابن السبيل.

وأحاديث الباب يدل بعضها على وجوب العتيرة والفرع، وهو حديث مخنف

(10)

، وحديث نبيشة

(11)

وحديث عائشة

(12)

وحديث عمرو بن شعيب

(13)

.

(1)

النهاية (3/ 435).

(2)

الصحاح للجوهري (3/ 1257) وتهذيب اللغة (2/ 354).

(3)

المجموع (8/ 425).

(4)

في صحيحه رقم (5473).

(5)

في صحيحه رقم (38/ 1976) مع شرح النووي (13/ 136).

(6)

في السنن (3/ 256 رقم 2832).

(7)

في السنن (4/ 21 - 22 رقم 1512).

(8)

حكاه عنه الأزهري في تهذيب اللغة (2/ 355).

(9)

في سننه رقم (2830).

(10)

تقدم برقم (2152) من كتابنا هذا.

(11)

تقدم برقم (2155) من كتابنا هذا.

(12)

تقدم خلال شرح الحديث (2152) من كتابنا هذا.

(13)

تقدم خلال شرح الحديث (2152) من كتابنا هذا.

ص: 539

وبعضها يدل على مجرد الجواز من غير وجوب، وهو حديث الحارث بن عمرو

(1)

وأبي رزين

(2)

، فيكون هذان الحديثان كالقرينة الصارفة للأحاديث المقتضية للوجوب إلى الندب.

وقد اختلف في الجمع بين الأحاديث المذكورة والأحاديث الآتية القاضية بالمنع من الفرع والعتيرة.

فقيل: إنه يجمع بينها بحمل هذه الأحاديث على الندب وحمل الأحاديث الآتية على عدم الوجوب، ذكر ذلك جماعة منهم الشافعي

(3)

والبيهقي

(4)

وغيرهما فيكون المراد بقوله: لا فرع ولا عتيرة أي لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة، وهذا لا بد منه مع عدم العلم بالتاريخ لأن المصير إلى الترجيح مع إمكان الجمع لا يجوز كما تقرر في موضعه

(5)

.

وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذه الأحاديث منسوخة بالأحاديث الآتية.

وادعى القاضي عياض

(6)

أن جماهير العلماء على ذلك، ولكنه لا يجوز الجزم به إلا بعد ثبوت أنها متأخرة ولم يثبت.

17/ 2156 - (وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا فَرَعَ ولا عتيرَةَ"، والفَرَعُ أوَّلُ النَّتاجِ كان ينْتجُ لَهُمْ فيذبحُونهُ، والعَتيرَةُ في رجَبٍ. مُتَّفقٌ عَليهِ

(7)

. [صحيح]

وفي لفْظٍ: "لَا عتيرَة في الإسلام ولَا فَرَعَ". رَوَاهُ أحمَدُ

(8)

.

وفي لَفظٍ: أنه نهى عن الفَرعِ والعَتِيرَةِ. رَواهُ أحمَدُ

(9)

والنَّسائيُّ)

(10)

. [صحيح]

(1)

تقدم برقم (2154) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (2153) من كتابنا هذا.

(3)

المجموع (8/ 428).

(4)

في معرفة السنن والآثار (14/ 75).

(5)

البحر المحيط (6/ 134) وإرشاد الفحول (ص 889 - 890) بتحقيقي.

(6)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 430).

(7)

أحمد في المسند (2/ 490) والبخاري رقم (5473) ومسلم رقم (38/ 1976).

(8)

في المسند (2/ 229) إسناده صحيح.

(9)

في المسند (2/ 409).

(10)

في سننه رقم (4223).

وهو حديث صحيح.

ص: 540

18/ 2157 - (وعَنِ ابْن عُمَرَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا فَرَعَ، وَلَا عَتِيرَةَ". رواهُ أحمَدُ)

(1)

. [صحيح]

حديث ابن عمر متنه متن حديث أبي هريرة المتفق عليه

(2)

، فهو شاهد لصحته ولم يذكره في مجمع الزوائد

(3)

، بل ذكر

(4)

حديث ابن عمر الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العتيرة: "هي حق"، وفي بعض نسخ المتن رواه ابن ماجه (1) مكان قوله: رواه أحمد.

قوله: (لا فرع ولا عتيرة)، قد تقرر أن النكرة الواقعة في سياق النفي

(5)

تعم فيشعر ذلك بنفي كل فرع وكل عتيرة، والخبر محذوف.

وقد تقرر في الأصول أن المقتضى

(6)

لا عموم له فيقدر واحد وهو ألصقها بالمقام.

وقد تقدم أن المحذوف هو لفظ واجب وواجبة، ولكن إنما حسن المصير

(1)

أورده البنا في زوائد الباب (الفتح الرباني)(13/ 119) وعزاه لابن ماجه - رقم 3169 - وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 59): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات

" اهـ.

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (2/ 490) والبخاري رقم (5473) ومسلم رقم (38/ 1976).

(3)

(4/ 29).

(4)

أي الهيثمي في "مجمع الزوائد (4/ 29) وقال رواه الطبراني في الأوسط - (رقم: 6230) - " ولم يتكلم على المسند.

قلت: رجاله رجال الصحيح، عدا شيخ الطبراني وهو ثقة.

(5)

راجع: إرشاد الفحول (ص 443 - 448) والبحر المحيط (3/ 157).

(6)

المقتضي: بكسر الضاد هو اللفظُ الطالبُ للإضمار، بمعنى أن اللفظ لا يستقيم إلا بإضمار شيء، وهناك مضمرات متعددة فهل تُقدَّر جميعُها أو يُكتفى بواحدٍ منها، وذلك التقدير هو المقتضى بفتح الضاد، وقد ذكروا لذلك أمثلة مثلُ قولِه تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم:"رفع عن أمتي الخَطأُ والنسيان"، وهو حديث صحيح.

فإن هذا الكلام لا يستقيم بلا تقدير لوقوعهما من الأمة، فقدروا في ذلك تقديرات مختلفة كالعقوبة والحساب والضمان ونحو ذلك.

وذهب الجمهورُ إلى أنه لا عمومَ له بل يُقَدَّر منها ما دلّ الدليلُ على إرادته، فإن لم يُدلَّ دليل على إرادة واحدٍ منها بعينه كان مُجْملًا بينها، وبتقدير الواحدِ منها الذي قام الدليلُ على أنه المرادُ يحصُل المقصودُ وتندفِعُ الحاجةُ، فكان ذكرُ ما عداه مُستغنًى عنه.

وأيضًا قد تَقرر أنه يجب التوقفُ فيما تقتضيه الضَّرورةُ على قدر الحاجة، وهذا هو الحق" اهـ.

["إرشاد الفحول" للشوكاني ص 447 - 450. وانظر: تيسير التحرير (1/ 242) وأصول السرخسي (1/ 248) ومختصر ابن الحاجب (2/ 115)].

ص: 541

إلى أن المحذوف هو ذلك الحرص على الجمع بين الأحاديث، ولولا ذلك لكان المناسب تقدير ثابت في الإسلام أو مشروع أو حلال كما يرشد إلى ذلك التصريح بالنهي في الرواية الأخرى.

وقد استدل بحديثي الباب من قال بأن الفرع والعتيرة منسوخان، وهم من تقدم ذكره.

وقد عرفت أن النسخ لا يتم إلا بعد معرفة تأخر تاريخ ما قيل: إنه ناسخ

(1)

، فأعدل الأقوال الجمع بين الأحاديث بما سلف.

ولا يعكر على ذلك رواية النهي؛ لأن معنى النهي

(2)

الحقيقي وإن كان هو التحريم لكن إذا وجدت قرينة أخرجته عن ذلك.

ويمكن أن يجعل النهي موجهًا إلى ما كانوا يذبحونه لأصنامهم فيكون على حقيقته ويكون غير متناول لما ذبح من الفرع والعتيرة لغير ذلك مما فيه وجه قربة.

وقد قيل: إن المراد بالنفي المذكور نفي مساواتهما للأضحية في الثواب أو تأكد الاستحباب.

وقد استدل الشافعي

(3)

بما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اذبحوا لله في أي شهر كان"، كما تقدم في حديث نبيشة

(4)

على مشروعية الذبح في كل شهر إن أمكن. قال في سنن حرملة

(5)

: إنها إن تيسرت كل شهر كان حسنًا.

[وإلى هنا انتهى النصف الأول من نيل الأوطار بقلم جامعه السائل لمغفرة الملك الغفار، محمد بن علي بن محمد الشوكاني لطف الله به، حامدًا لله ومصليًا

(1)

وهذا شرط من شروط النسخ.

انظر: إرشاد الفحول ص 613، والبحر المحيط (4/ 78).

(2)

تيسير التحرير (1/ 375) والبرهان (1/ 283) وإرشاد الفحول ص 384 - 385.

(3)

المجموع (8/ 428).

(4)

تقدم برقم (2155) من كتابنا هذا.

(5)

حكاه النووي في "المجموع"(8/ 428) عنه.

وكذلك الحافظ في "التلخيص"(4/ 273).

ص: 542

على رسوله وآله وصحبه، راجيًا من المتطول بالإعانة على البعض أن يعين على البقية.

وكان البلوغ إلى هذه الغاية في يوم عاشوراء، من شهر المحرم سنة ثمان ومائتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام]

(1)

.

[وإلى هنا انتهى النصف الأول من نيل الأوطار تأليف مولانا العلامة محمد بن علي بن محمد الشوكاني، أطال الله تعالى بأيام عمره وجزاه عن المسلمين خيرًا بحوله وطوله إنه سميع الدعاء. وكان الفراغ من زبره نهار السبت في شهر شعبان سنة 1224 من الهجرة، على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم آمين]

(2)

.

تمَّ ولله الحمد والمنة الجزء التاسع

من

"نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار"

ويليه الجزء العاشر منه

وأوله

الكتاب السابع: البيوع

(1)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (أ).

(2)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

ص: 543