المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌ ‌ ‌القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ذكرُه: {وَاعْبُدُوا - تفسير الطبري جامع البيان - ت التركي - جـ ٧

[ابن جرير الطبري]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ذكرُه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} .

يعنى بذلك جلّ ثناؤُه: وذِلُّوا للَّهِ بالطاعةِ، واخضَعوا له بها، وأفرِدوه بالربوبيةِ، وأخلِصوا له الخُضوعَ والذُّلَّةَ، بالانتهاءِ إلى أمرِه، والانْزجارِ عن نَهْيِه، ولا تجعَلوا له في الربوبيةِ والعبادةِ شَرِيكًا تُعَظِّمونه تَعْظيمَكم إياه.

{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} . يقولُ: وأمَركم بالوالدين إحسانًا، يعنى بِرًّا بهما. ولذلك نصب الإحسانَ؛ لأنه أمْرٌ منه جلّ ثناؤُه بلُزومِ الإحسانِ إلى الوالدين على وَجْهِ الإغراءِ. وقد قال بعضُهم: معناه: واستَوصُوا بالوالدين إحسانًا. وهو قريبُ المعنى مما قلناه.

وأما قوله: {وَبِذِي الْقُرْبَى} . فإنه يعنى: وأمر أيضًا بذى القُرْبى -وهم ذَوو قَرابةِ أحدِنا مِن قِبَل أبيه أو أمِّه، ممن قَرُبَت منه قرابتُه برَحِمِه مِن أحدِ الطرفَين- إحسانًا بصِلَةِ رحمِه.

وأما قولُه: {وَالْيَتَامَى} . فإنهم جمعُ يتيمٍ، وهو الطفلُ الذي قد مات والدُه وهَلَك.

{وَالْمَسَاكِينِ} . وهم جمعُ مسكينٍ، وهو الذي قد رَكِبه ذُلُّ الفاقةِ والحاجةِ، فتَمَسْكَن لذلك.

يقولُ تعالى ذكرُه: استوصُوا بهؤلاء إحسانًا إليهم، وتَعَطَّفوا عليهم، والزَموا

ص: 5

وَصِيَّتى في الإحسانِ إليهم

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} .

اختلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: والجارِ ذى القَرابةِ والرَّحِمِ منك.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ بنِ أبى طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} . يعنى: الذي بينَك وبينه قَرابةٌ

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} : يعنى ذا الرَّحِمِ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ وابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} . قال: جارُك هو ذو قَرابتِك

(3)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن إسرائيلَ، عن جابرٍ، عن عِكْرمةَ ومجاهدٍ في قولِه:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} . قالا: القَرابةُ

(4)

.

(1)

في ص: "إليكم".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 948 (5296)، والبيهقي في الشعب (9524) كلاهما من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر 2/ 158 إلى المصنف وابن المنذر.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 159، وأخرجه ابن المبارك في كتاب البر والصلة (215) عن معمر به.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 948 عقب أثر (5296) معلقا عن عكرمة ومجاهد.

ص: 6

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: ثنا هُشَيمٌ، عن جُوَيبرٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} . قال: جارُك الذي بينَك وبينَه قَرابةٌ

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} : جارُك ذو القَرابةِ.

حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} : إذا كان له جارٌ له رَحِمٌ، فله حَقَّان اثنان: حَقٌّ القَرابةِ، وحَقُّ الجارِ.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} . قال: الجارُ ذو القُرْبى: ذو قَرابتِك.

وقال آخرون: بل هو جارُ ذى قَرابتِك.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا عبد الرحمنِ، قال: ثنا جَريرٌ، عن لَيْثٍ، عن مَيمونِ بنِ مِهْرانَ في قولِه:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} . قال: الرجلُ يَتوسَّلُ إليك بجِوارِ ذى قَرابتِك.

قال أبو جعفر: وهذا القولُ قولٌ مُخالِفٌ المعروفَ مِن كلامِ العربِ، وذلك أن الموصوفَ بأنه ذو القَرابةِ في قولِه:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} . الجارُ دونَ غيرِه، فجَعَله قائلُ هذه المقالةِ جارَ ذى القَرابةِ، ولو كان معنى الكلامِ كما قال مَيمونُ بنُ مِهْرانَ، لقيل: وجارِ ذى القُرْبى. ولم يُقَل: والجارِ ذى القُرْبى. فكان يكونُ

(1)

ابن أبي حاتم، الموضع السابق، معلقا.

ص: 7

حينَئذ -إذا أُضِيف الجارُ إلى ذى القَرابةِ- الوصيةُ

(1)

بين

(2)

جارِ ذى القَرابةِ دونَ الجارِ ذى القُرْبي، وأما {وَالْجَارِ} بالألفِ واللامِ، فغيرُ جائزٌ أن يكونَ {ذِي الْقُرْبَى} إلا مِن صفةِ الجارِ.

وإذا كان ذلك كذلك، كانت الوصيةُ مِن اللَّهِ في قولِه:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} . ببرٍّ

(2)

الجارِ ذى القُرْبى، دونَ جارِ ذى القَرابةِ، وكان بَيِّنًا خطأُ ما قال ميمونُ بنُ مِهْرَانَ في ذلك.

وقال آخرون: معنى ذلك: والجارِ ذى القُرْبى منكم بالإسلامِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمارةَ الأسديُّ، قال: ثنا عُبَيدُ اللَّهِ بنُ موسى، قال: ثنا شيبانُ

(3)

، عن أبي إسحاقَ، عن نَوْفٍ الشَّامِيِّ:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} : المسلمُ

(4)

. وهذا أيضًا مما لا معنى له، وذلك أن تأويلَ كتابِ اللَّهِ تبارك وتعالى غيرُ جائزٍ صَرْفُه إلا إلى الأغلبِ من كلامِ العربِ الذين نزَل بلسانِهم القرآنُ المعروفِ فيهم، دونَ الأنكرِ الذى لا تتعارَفُه، إلا أن يقومَ بخلافِ ذلك حُجَّةٌ يجبُ التسليمُ لها.

وإذ كان ذلك كذلك، وكان معلومًا أن المُتعارَفَ مِن كلامِ العربِ، إذا قيل: فلانٌ ذو قَرابةِ. إنما يعنى به أنه قريبُ الرَّحِمِ منه دونَ القُرْبِ بالدِّينِ - كان صَرْفُه إلى

(1)

في م: "والوصية".

(2)

في النسخ: "بين". والصواب ما أثبت.

(3)

في النسخ: (سفيان). وسيأتى في ص 10، 12/ 193، وهو كذلك في تفسير ابن أبي حاتم.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 948 (5298) معلقًا عن عبيد الله بن موسى عن شيبان عنه به.

ص: 8

القَرابةِ بالرحمِ، أولى مِن صَرْفِه إلى القُرْبِ بالدينِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} .

اختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: والجارِ البعيدِ الذي لا قَرابةَ بينَك وبينَه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني مُعاويةُ، عن عليٍّ بنِ أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ:{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} : الذى ليس بينَك وبينَه قَرابةٌ

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ:{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} : يعنى الجارَ مِن قومٍ جُنُبٍ.

حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَالْجَارِ لْجُنُبِ} : الذى ليس بينَهما قرابةٌ وهو جائزٌ، فله حَقٌّ الجوارِ.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} : الجارُ الغريبُ يكونُ في القومِ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ وابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} : جارُكَ مِن قومٍ آخرين

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 948 (5299)، والبيهقي في الشعب (9524) من طريق أبي صالح به، وهو جزء من الأثر السابق تخريجه ص 6.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 948 عقب الأثر (5299) من طريق عمرو بن حماد عن أسباط به.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 159، وأخرجه ابن المبارك في كتاب البر والصلة 5/ 2 عن معمر به.

ص: 9

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} : جارُك لا قَرابةَ بينَك وبينَه، البعيدُ في النَّسَبِ وهو جارٌ.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن إسرائيلَ، عن جابرٍ، عن عِكْرمةَ ومُجاهدٍ في قولِه:{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} . قال: المُجانِبُ.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} : الذى ليس بينَك وبينَه رَحِمٌ

(1)

ولا قَرابةٌ.

حدَّثني يحيى بنُ أبى طالبٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: أخبَرنا جُوَيبرٌ، عن الضحاك:{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} . قال: مِن قومِ آخَرين

(2)

.

وقال آخرون: هو الجارُ المُشْرِكُ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عُمارة الأسدِيُّ، قال: ثنا عُبَيدُ اللَّهِ بنُ موسى، قال: ثنا شَيْبانُ، عن أبي إسحاقَ، عن نَوْفٍ الشاميِّ:{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} . قال: اليَهوديُّ والنَّصْرانيُّ

(3)

.

وأولى القولَين في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: معنى الجُنُبِ في هذا الموضعِ: الغريبُ البعيدُ، مسلمًا كان أو مُشْرِكًا، يَهوديًّا كان أو نصرانيًّا، لِما

(1)

في م: "وجه".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 948 عقب أثر (5299) معلقًا.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 949 (5301). معلقًا عن عبيد اللَّه بن موسى به.

ص: 10

بَيَّنَّا قبلُ مِن أن {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} ، هو الجارُ ذو القَرابةِ والرَّحِمِ.

والواجبُ أن يكونَ الجارُ ذو الجَنابةِ، الجارَ البعيدَ؛ ليكون ذلك وصيةً بجميعِ أصنافِ الجيرانِ، قريبِهم وبعيدِهم.

وبعدُ، فإن الجُنُبَ في كلامِ العربِ البعيدُ، كما قال أعشى بني قيسٍ

(1)

:

أَتيتُ حُرَيْثًا زائرًا عن جَنابَةٍ

فكان حُرَيْثٌ في عَطائيَ جامِدا

يعنى بقولِه: عن جَنابةٍ. عن بُعْدِ وغُرْبةٍ. ومنه قيل: اجتَنَب فلانٌ فلانًا. إذا بَعُدَ منه وتَجَنَّبه. [وجنّبه خيرَه]

(2)

: إذا منَعه إياه. ومنه قيل للجَنُبِ: جُنُبٌ. لاعتزالِه الصلاةَ حتى يَغْتَسِلَ.

فمعنى ذلك: والجارِ المُجانِبِ للقَرابةِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} .

اختَلف أهلُ التأويلِ في المَعْنِيِّ بذلك؛ فقال بعضُهم: هو رَفيقُ الرجلِ في سَفرِه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبد اللَّه بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليِّ بنِ أبى طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : الرفيقُ

(3)

.

حدَّثنا ابنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا يحيى وعبدُ الرحمنِ، قالا: ثنا سُفيانُ، عن

(1)

ديوانه ص 65.

(2)

في م: "فيره".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 949 (5303)، والبيهقي في الشعب (9524) كلاهما من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 159 إلى ابن المنذر.

ص: 11

أبى بكيرٍ

(1)

، قال: سمِعتُ سعيدَ بنَ جُبَيرٍ، يقولُ:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : الرفيقُ في السَّفَرِ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ وابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : صَاحِبُك في السَّفَرِ

(3)

.

حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : وهو الرفيقُ في السَّفَرِ

(4)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : الرفيقُ في السفرِ، منزلُه منزلُك

(5)

، وطعامُه طعامُك، ومسيرُه مسيرُك

(6)

.

حدَّثنا سفيانُ، قال: ثنا أبي، عن إسرائيلَ، عن جابرٍ، عن عكرمةَ ومجاهدٍ:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : قالا: الرفيقُ في السفرِ

(7)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شَرِيكٌ، عن جابرٍ، عن عامرٍ، عن

(1)

في م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بكر". وانظر تهذيب الكمال 27/ 375.

(2)

تفسير سفيان الثورى ص 95 (217)، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 949 (5307) من طريق أبي نعيم عن سفيان به.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 159، وأخرجه ابن المبارك في كتاب البر والصلة (215) عن معمر به.

(4)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 949 عقب أثر (5304) عن قتادة معلقًا، وكذلك البيهقي في الشعب 7/ 73.

(5)

بعده في س: "وقوله قولك".

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 949 (5305) من طريق أبي حذيفة به.

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 949 (5304) من طريق إسرائيل به.

ص: 12

عليٍّ وعبدِ اللَّهِ، قالا:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : الرفيقُ الصالحُ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ، قال: أخبرَنى سُلَيْمٌ، عن مجاهدٍ، قال:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : رفيقُك في السفرِ الذي يأتيك ويدُه مع يدِك

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سُوَيْدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ قراءةً على ابنِ جريجٍ، قال: أخبَرني سُلَيْمٌ أنه سمِع مجاهدًا يقولُ: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} . فذكَر مثلَه.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : الصاحبُ في السفرِ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو ابنُ

(2)

دُكَيْنٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي بُكَيْرٍ

(3)

، عن سعيدِ بنِ حُبيرٍ:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : الرفيقُ الصالحُ

(4)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن أبي بُكَيْرٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ مثلَه

(5)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عَمْرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هُشَيْمٌ، عن جُويبرٍ، عن الضحَّاكِ في قولِه:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} . قال: الرفيقُ في السفرِ.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 949 (5300) من طريق ابن جريج به.

(2)

في م: "أبو". وانظر تهذيب الكمال 23/ 197.

(3)

في س، ت 1، ت 2:"بكر". وتقدم التعليق عليه.

(4)

تنظر الصفحة السابقة حاشية (2).

(5)

تفسير عبد الرزاق 1/ 160.

ص: 13

حدَّثني يحيى بنُ أبي طالبٍ، قال: ثنا يزيد، قال: أخبَرنا جُوييرٌ، عن الضحَّاكِ مثلَه.

وقال آخَرون: بل هو امرأةُ الرجلِ التي تكونُ معَه إلى جنبِه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن جابرٍ، عن عامرٍ أو القاسمُ، عن عليٍّ وعبد اللَّه رضي الله عنهما:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} . قالا: هي المرأةُ

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عَمرُو بنُ عونٍ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، عن بعضِ أصحابِه، عن جابرٍ، عن عليٍّ وعبدِ اللَّهِ مثلَه.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : يعنى الذى معك في منزلِك

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن هلالٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ليلى أنه قال في هذه الآيةِ:{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} . قال: هي المرأةُ

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 949 (5302) من طريق وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر-وحده- به، وأخرجه الطبراني (9037) من طريق الفريابي عن سفيان عن جابر عن القاسم أو عامر عن ابن مسعود -وحده- به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 159 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

عزاه السيوطي في الدر 2/ 159 إلى المصنف.

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العيال (477) من طريق شعبة به.

ص: 14

حدَّثنا ابنُ بشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبى الهيثمِ، عن: إبراهيمَ: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} . قال: المرأةُ

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: قال الثوريُّ، قال أبو الهيثمِ، عن إبراهيمَ: هي المرأةُ

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو نُعَيْمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبى الهيثمِ، عن إبراهيمَ مثلَه

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا أبو معاويةَ، عن محمدِ بنِ سُوقَةَ، عن أبي الهيثمِ، عن إبراهيمَ مثلَه

(3)

.

حدَّثني عمرُو بنُ يَبْدَقَ، قال: ثنا مروانُ بنُ معاويةَ، عن محمدِ بنِ سُوقةَ، عن أبي الهيثمِ، عن إبراهيمَ مثلَه

(3)

.

وقال آخَرون: هو الذي يَلْزَمُك ويَصْحَبُك رجاءَ نفعِك.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : الملازم. وقال أيضًا: رفيقُك الذي يُرافِقُك.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : الذي يَلْصَقُ بك وهو إلى جنبِك، ويكونُ معَك إلى جنبِك رجاءَ

(1)

تفسير سفيان الثوري ص 95 عن أبى الهيثم قوله.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 160.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (634 - تفسير)، وابن أبي الدنيا في كتاب العيال (476) من طريق ابن المبارك عن محمد بن سوقة به.

ص: 15

خيرِك ونفعِك.

والصوابُ مِن القولِ في تأويلِ ذلك عندى أن معنى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : الصاحبُ إلى الجنبِ، كما يقال: فلانٌ بجنبِ فلانٍ وإلى جنبِه. وهو مِن قولِهم: جنَب فلانٌ فلانًا فهو يَجْنُبه جنبًا. إذا كان لجنبِه، ومن ذلك: جنَب الخيلَ: إذا قاد بعضَها إلى جنبِ بعضٍ. وقد يَدْخُلُ في هذا الرفيقُ في السفرِ، والمرأةُ، والمنقطعُ إلى الرجلِ الذى يُلازِمُه رجاءَ نفعِه؛ لأن كلَّهم بجنبِ الذي هو معه، وقريبٌ منه، وقد أوْصَى اللَّهُ تعالى بجميعِهم لوجوبِ حقٍّ الصاحبِ على المصحوبِ.

وقد حدَّثنا سهلُ بنُ موسى الرازيُّ، قال: ثنا ابنُ أَبي فُدَيْكِ، عن فلانِ بنِ عبدِ اللَّهِ، عن الثقةِ عندَه أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان معَه رجلٌ مِن أصحابِه، وهما على راحلتينِ، فدخَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم في غيضةِ طرفاءٍ

(1)

، فقطَع قَصيلينِ

(2)

أحدُهما مُعْوَجٌّ، والآخرُ معتدِلٌ، فخرَج بهما فأعطى صاحبَه المعتدلَ وأخَذ لنفسِه المعوجَّ، فقال الرجلُ: يا رسولَ اللَّهِ، بأبي أنت وأمى، أنت أحقُّ بالمعتدلِ منى، فقال: "كلَّا، يا فلانُ، إن كلَّ صاحبٍ يَصْحَبُ صاحبًا مسئولٌ عن صحابتِه ولو ساعةً مِن

(1)

الطرفاء: شجر، وهى أربعة أصناف، منها الأثل، وقال أبو حنيفة: الطرفاء من العِضاه، وهُدْبُه مثل هُدْب الأثل، وليس له خشب، وإنما يخرج عِصيًّا سمحة في السماء. الواحدة طرفاءة، وطرفة محركة. التاج (ط ر ف).

(2)

في م، ت 1، ت 2، ت 3:"فصيلين". وفي س: "فصلين". وفى الدر المنثور: "نصلين".

والقصيل: ما اقتصل من الزرع أخضر -أي قطع- والجمع قصلان. يريد أنه اقتطع عصوين لسَوْق الراحلتين. والله أعلم.

أما النصل وإن كان بعض معانيه متعلقا بالنبات فإنه ليس مما يصلح ههنا ولا مما يقتضيه السياق. وانظر اللسان (ق ص ل، ن ص ل).

ص: 16

نهارٍ"

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سويدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن حَيْوَةَ، قال: ثنى شُرَحْبيلُ بنُ شَريكٍ، عن أبي عبدِ الرحمنِ الحُبُلِّيِّ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إن خيرَ الأصحابِ عندَ اللَّهِ تبارك وتعالى خيرُهم لصاحبِه، وخيرَ الجيرانِ عندَ اللَّهِ خيرُهم لجارِه"

(2)

.

وإن كان الصاحب بالجنب محتملًا

(3)

معناه ما ذكَرْناه مِن أن يكونَ داخلًا فيه كلُّ مَن جنب رجلًا بصُحْبةٍ في سفرٍ، أو بنكاحٍ، أو انقطاعٍ إليه واتصالٍ به، ولم يكن اللَّه جلّ ثناؤُه خصَّ بعضَهم مما احْتَمله ظاهرُ التنزيلِ -فالصوابُ أن يقالَ: جميعُهم معنيُّون بذلك، وبكلِّهم قد أوْصَى اللَّهُ بالإحسانِ إليه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَابْنِ السَّبِيلِ} .

اخْتَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: ابنُ السبيلِ هو المسافرُ الذي يَجْتازُ مارًّا.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ وابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَابْنِ السَّبِيلِ} : الذي يَمُرُّ عليك وهو مسافرٌ

(4)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر 2/ 159 إلى المصنف.

(2)

أخرجه الترمذى (1944)، وابن خزيمة (2539)، كلاهما من طريق ابن المبارك به، وأخرجه أحمد 11/ 126 (6566)، والبخارى في الأدب المفرد (115) وغيرهما من طرق عن حيوة به.

(3)

سقط من: م. وفى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"متصلًا".

(4)

تقدم تخريجه في 3/ 83.

ص: 17

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سُوَيْدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن مَعْمَرٍ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ وقتادة مثلَه

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ في قولِه:{وَابْنِ السَّبِيلِ} . قال: هو المارُّ عليك وإن كان في الأصلِ غنيًّا

(2)

.

وقال آخَرون: هو الضيفُ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال حدَّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَابْنِ السَّبِيلِ} . قال: الضيفُ له حقٌّ في السفرِ والحضرِ.

حدَّثنا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَابْنِ السَّبِيلِ} . وهو الضيفُ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عَمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هُشَيْمٌ، عن جُويبرٍ، عن الضحَّاكِ:{وَابْنِ السَّبِيلِ} . قال: الضيفُ.

حدَّثنا يحيى بنُ أبي طالبٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: أخبَرنا جُويبرٍ، عن الضحَّاكِ مثلَه.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أن ابنَ السبيلِ هو صاحبُ الطريقِ. والسبيلُ هي الطريقُ، وابنُه: صاحبُه الضاربُ فيه. فله الحقُّ على مَن مرَّ به محتاجًا منقطعًا به- إذا كان سفرُه في غيرِ معصيةِ اللَّهِ- أن يُعينه إن احتاج إلى معونةٍ، ويُضَيَّفَه إن احتاج

(1)

تقدم تخريجه في 3/ 83.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 950 عقب الأثر (5310) من طريق ابن أبي جعفر به.

ص: 18

إلى ضيافةٍ، وأن يَحْمِلَه إن احتاج إلى حُمْلانٍ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} .

يعنى بذلك جلّ ثناؤه: والذين ملَكْتموهم مِن أرِقَّائِكم. فأضاف المِلْكَ إلى اليميِن؛ كما يقالُ: تكلَّم فوك، ومشَت رجلُك، وبطَشت يدُك. بمعنى: تكلَّمْتَ، ومشَيْتَ، وبطَشْتَ. غيرَ أن ما وُصِف به كلُّ عضوٍ مِن ذلك، فإنما أَضِيفَ إليه ما وُصِف به، لأنه بذلك يكونُ فى المتعارَفِ في الناسِ، دونَ سائرِ جوارح الجسدِ، فكان معلومًا -بوصفِ ذلك العضوِ بما وُصِف به مِن ذلك المعنى- المرادُ مِن الكلامِ، فكذلك قولُه:{وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} . لأن مماليكَ أحدِنا تحتَ يَدَيْه

(1)

، إنما [تَطْعَمُ ما تُناوِلُه أيمانُنا وتكتسى ما تَكْسُوه وتَصْرِفُه]

(2)

فيما أحبَّ صرفَه فيه بها، فأُضِيف ملكُهم إلى الأيمانِ لذلك.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} : ما خوَّلك اللهُ، كلُّ هذا أوصى اللهُ به

(3)

.

وإنما يعنى مجاهدٌ بقولِه: كلُّ هذا أوصى اللهُ به. الوالدين وذا القربى واليتامى والمساكينَ والجارَ ذا القُرْبَى، والجارَ الجُنُبَ، والصاحبَ بالجنبِ، وابنَ السبيلِ، فأوصى ربُّنا جل ثناؤه بجميع هؤلاء عبادَه؛ إحسانًا إليهم، وأمَر خلقه بالمحافظةِ على

(1)

في م: "يده".

(2)

فى م: "نطعم .... ونكسى .... ونصرفه".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 3/ 950 (5311) من طريق أبي حذيفة به، وعزاه السيوطي أيضًا في الدر المنثور 2/ 159 إلى ابن المنذر.

ص: 19

ـوصيتِه فيهم، فحقٌّ على عبادِه حفظُ وصيةِ اللهِ فيهم، ثم حفظُ وصيةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم. القولُ في تأويلِ قولِه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)} .

يعنى بقولِه جلّ ثناؤه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا} : إن اللهَ لا يُحِبُّ مَن كان ذا خُيَلاء. والمختالُ: المفتَعِلُ، مِن قولِك: خال الرجلُ فهو يَخُولُ خَوْلًا وخَالاً. ومنه قولُ الشاعرِ

(1)

:

فإن كُنتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنا

وإن كنتَ للخالِ فَاذْهَبْ فَخَلْ

ومنه قولُ العجَّاجِ

(2)

:

والخالُ ثوبٌ من ثيابِ الجُهَّالْ

وأمَّا الفخورُ: فهو المُفْتَخِرُ على عبادِ اللهِ بما أنْعَم اللهُ عليه مِن آلائِه، وبسَط له مِن فضلِه، ولا يَحْمَدُه على ما آتاه مِن طَوْلِه، ولكنه به مختالٌ مُسْتَكْبِرٌ، وعلى غيرِه به مستطيلٌ مفتخِرٌ.

كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} . قال: متكبرًا فخورًا. قال: يَعُدُّ ما أَعْطَى، وهو لا يَشْكُرُ اللهَ

(3)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسيُن، قال: ثنا محمدُ بنُ كَثِيرٍ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ

(1)

البيت في مجاز القرآن 1/ 127 منسوبًا للعبدى أنس بن مساحق. وفى الحماسة لأبى تمام 1/ 143 منسوبا لرجل من بني نبهان -هو حريث بن عناب بن مطر- وفي اللسان (خ س ل)، وقوله: فخل. أى: اختل، وروى البيت: فاذهب فخُل، بضم الخاء؛ لأن فعله خال يخول. ينظر مجاز القرآن واللسان.

(2)

مجاز القرآن 1/ 127، واللسان (خ ى ل).

(3)

تفسير مجاهد ص 542، وعزاه السيوطى فى الدر 2/ 161 إلى المصنف.

ص: 20

واقدٍ أبى رجاءٍ الهَرَوىِّ، قال: لا تَجِدُه

(1)

سَيِّئَ المَلَكَةِ إلا وجَدْتَه مختالاً فخورًا. وتلا: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} . ولا عاقًّا إلا وجَدْتَه جبَّارً اشقيًّا. وتلا: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}

(2)

[مريم: 32].

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} .

يعنى بذلك جلّ ثناؤه: إن اللَّهَ لا يُحِبُّ المختالَ الفخورَ، الذي يَبْخَلُ وَيَأْمُرُ الناسَ بالبخلِ، فـ {الَّذِينَ} يَحْتَمِلُ أن يكونَ فى موضعِ رفعٍ ردًّا على ما فى قولِه:{فَخُورًا} مِن ذكرٍ

(3)

، ويَحْتَمِلُ أن يكونَ نصبًا على النعتِ لـ "مَن".

والبخلُ فى كلامِ العربِ: منعُ الرجلِ سائلَه ما لديه وعندَه مِن

(4)

فضلٍ عنه.

كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ، عن ابنِ طاوسٍ عن أبيه فى قولِه:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} . قال: البخلُ أن يَبْخَلَ الإنسانُ بما في يديه، والشُّحُّ: أن يَشحَّ على ما في أيدى الناسِ. قال: يُحِبُّ أن يكونَ له ما في أيدى الناس بالحلِّ والحرامِ، لا يَقْنَعُ

(5)

.

واختلفت القَرَأَةُ فى قراءةِ قولِه: {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} ؛ فقرَأتْه عامَّةُ قرأةِ أهلِ الكوفةِ: (بالبَخَلِ) بفتحِ الباءِ والخاءِ، وقرَأتْه عامَّةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ

(1)

في م والدر المنثور وتفسير ابن كثير: "تجد".

(2)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 162 إلى المصنف. وذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 265 عن المصنف.

(3)

فى م: "ذم".

(4)

كذا في النسخ، ولعل صوابها و "ما"، وينظر تعليق الشيخ شاكر عليها.

(5)

أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره 3/ 951 (5318) من طريق ابن جريج به. إلى قوله: "يديه"، وأخرجه المزى فى تهذيب الكمال 3/ 364 معلقا عن ابن جريج به.

ص: 21

وبعضُ البصريين بضمِّ الباء: {بِالْبُخْلِ}

(1)

. وهما لغتان فصيحتان بمعنًى واحدٍ، وقراءتان معروفتان، غيرُ مختلفتَى المعنى، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فهو مصيبٌ في قراءتِه.

وقد قيل: إن اللهَ جل ثناؤه عنَى بقولِه: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} . الذين كتَموا اسمَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم الله وصفتَه من اليهودِ، ولم يُبَيِّنوه للناسِ، وهم يَجِدُونه مكتوبًا عندهم في التوراةِ والإنجيلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حّدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا المُعْتَمِرُ بن سليمانَ، عن أبيه، عن الحَضْرَمىِّ:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} . قال: فهم اليهودُ، بِخلوا بما عندَهم مِن العلمِ وكتَموا ذلك

(2)

.

حدَّثنى محمدُ بنُ عَمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبى نَجيحٍ، عن مجاهدٍ فى قولِ اللهِ:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} . إلى قولِه: {وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا} . ما بين ذلك في يهودَ

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبى نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} . وهم أعداءُ اللهِ أهلُ الكتابِ، بخِلوا بحقِّ اللهِ

(1)

قرأ حمزة والكسائي بفتحتين وقرأ الباقون بضم الباء وإسكان الخاء، ومثله فى الحديد. الكشف 1/ 389.

(2)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 162 إلى المصنف.

(3)

تفسير مجاهد ص 276، بنحوه، ومن طريقه أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره 3/ 953 (5328)، وعزاه السيوطى أيضًا فى الدر 2/ 162 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 22

عليهم، وكتَموا الإسلامَ ومحمدًا صلى الله عليه وسلم، وهم يَجِدُونه مكتوبًا عندهم في التوراةِ والإنجيلِ

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّىِّ: أمَّا {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} ، فهم اليهودُ، {وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}: اسمَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، [وأما]

(2)

{يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} : يَبْخَلون باسمِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ويَأْمُرُ بعضُهم بعضًا بكتمانِه

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ مسلمٍ الرازىُّ: قال: ثنى أبو جعفرٍ الرازىُّ، قال: ثنا يحيى، [عن عارمٍ]

(4)

، عن أشعثَ، عن جعفرٍ، عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ فى قولِه:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} . قال: هذا للعلمِ، [ليس للدنيا منه شيءٌ]

(5)

.

حدَّثنى يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ قال: قال ابنُ زيدٍ فى قولِه: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} . قال]

(6)

: هؤلاء يهودُ، وقرَأ:{وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} . قال: يَبْخَلون بما آتاهم اللهُ مِن الرزقِ، ويَكْتُمون ما آتاهم اللهُ مِن الكتبِ، إذا سُئلوا عن الشئِ وما أَنْزَل اللهُ كتَموه. وقرَأ:{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [النساء: 53].

(1)

أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره 3/ 952، 953 (5321، 5326) من طريق يزيد بن زريع به، وعزاه السيوطى أيضًا في الدر المنثور 2/ 162 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

في م: "أو". .

(3)

أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره 3/ 952 (5320) من طريق ابن المفضل به مختصرًا.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بن تمام". والذى يروى عنه أبو جعفر الرازي هو يحيى بن مسلم البكاء. وانظر تهذيب الكمال 31/ 533، 534.

(5)

أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره 3/ 951 (5316) من طريق أشعث به.

(6)

سقط من: ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 23

مِن بخلِهم

(1)

.

حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، عن محمدٍ بنِ أبى محمدٍ، عن عكرمةَ أو عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: كان كَرْدَمُ بنُ زيدٍ -حليفُ كعبِ بنِ الأشرفِ- وأسامةُ بنُ حَبيبٍ ونافِعُ بْنُ أَبِى نافعٍ، وبَحْرِيٌّ بنُ عَمرٍو، وحُيَىُّ بنُ أَخْطَبَ، ورفاعةُ بنُ زيدِ بنِ التابوتِ، يأتون رجالاً مِن الأنصارِ -وكانوا يُخالِطُونهم، يَتَنصَّحون لهم- مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فيقولون لهم: لا تُنْفِقوا أموالكم، فإِنَّا نَخْشَى عليكم الفقرَ فى ذَهابِها، ولا تُسارِعوا في النفقةِ، فإنكم لا تَدْرُون ما يكونُ. فأنْزَل اللهُ فيهم:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} . أى مِن النبوَّةِ التي فيها تصديقُ ما جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم. {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} . إلى قولِه: {وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا}

(2)

.

فتأويلُ الآيةِ على التأويلِ الأولِ: واللهُ لا يُحِبُّ ذَوِى الخُيَلاءِ والفخرِ الذين يَبْخَلُون بتبيينِ ما أمَرهم اللهُ بتبيينِه للناسِ مِن اسمِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ونعتِه وصفتِه التي أنْزَلها في كتبِه على أنبيائِه، وهم به عالمون، ويَأْمُرون الناسَ الذين يَعْلَمون ذلك، مثلَ علمِهم [بكتمانِه مَنْ]

(3)

أَمَرهم اللهُ بتبيينِه له، ويَكْتُمون ما آتاهم اللهُ مِن علمِ ذلك ومعرفتِه مَن حرَّم اللهُ عليه كتمانَه إيَّاه.

وأمَّا على تأويلِ ابنِ عباسٍ وابنِ زيدٍ: إن اللهَ لا يُحِبُّ مَن كان مُختالًا فخورًا،

(1)

انظر تبيان الطوسى 3/ 196.

(2)

أخرجه ابن إسحاق كما في الدر المنثور 2/ 162، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 953 (5327) من طريق سلمة به، مختصرا وعزاه السيوطى أيضًا في الدر المنثور 2/ 162 إلى ابن المنذر.

(3)

في م: "بكتمان ما".

ص: 24

الذين يَبْخَلون على الناسِ بفضلِ ما رزَقهم اللهُ مِن أموالِهم. ثم سائرُ تأويلِهما وتأويلِ غيرِهما سواءٌ.

وأَوْلَى الأقوالِ بالصوابِ فى ذلك ما قاله الذين قالوا: إن اللهَ وصَف هؤلاءِ القومَ الذين وصَف صفتَهم في هذه الآيةِ بالبخلِ، بتعريفِ مَن جهِل أمرَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أنه حقٌّ، وأن محمدًا للهِ نبىٌّ مبعوثٌ، وغيَر ذلك من الحقِّ الذي كان اللهُ تعالى ذكرُه قد بيَّنه فيما أوْحَى إلى أنبيائِه مِن كتبِه، فبخِل بتبيينِه للناسِ هؤلاء، وأمَروا مَن كانت حالُه حالَهم في معرفتِهم به أن يَكْتُموه مَن جهِل ذلك، ولا يُبَيِّنوه للناسِ.

وإنما قلنا: هذا القولُ أَوْلَى بتأويلِ الآيةِ؛ لأن اللهَ جل ثناؤه وصَفهم بأنهم يَأْمُرون الناسَ بالبخلِ، ولم يَبْلُغْنَا عن أُمَّةٍ مِن الأممِ أنها كانت تَأْمُرُ الناسَ بالبخلِ دِيانةً ولا تَخَلُّقًا، بل ترَى ذلك قبيحًا، ويُذَمُّ فاعلُه، ولا يُمْتَدَحُ؛ وإن هي تخلَّقت بالبخلِ واسْتَعْمَلته في أنفسِها، فالسخاءُ والجودُ تَعُدُّه مِن مكارمِ الأفعالِ، وتَحُثُّ عليه، ولذلك قلنا: إن بخلَهم الذى وصَفهم اللهُ به، إنما كان بخلاً بالعلمِ الذي كان اللهُ آتاهموه، فبخِلوا بتبيينِه للناسِ، وكتَموه دونَ البخلِ بالأموالِ، إلا أن يكونَ معنى ذلك: الذين يَبْخَلون بأموالِهم التى يُنْفِقُونها في حقوقِ اللهِ وسبلِه، ويَأْمُرون الناسَ مِن أهلِ الإسلامِ بتركِ النفقةِ في ذلك، فيكونُ بخلُهم بأموالِهم وأمرِهم الناسَ بالبخلِ، فهذا المعنى على ما ذكَرْنا مِن الروايةِ عن ابنِ عباسٍ، فيكونُ لذلك وجةٌ مفهومٌ في وصفِهم بالبخلِ، وأمرِهم به.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37)} .

يعنى بذلك جل ثناؤُه: {وَأَعْتَدْنَا} : وجعَلْنا للجاحدينَ نعمةَ اللهِ التى أنْعَم بها عليهم مِن المعرفةِ بنبوَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، المكذَّبين به بعدَ علمِهم به، الكاتمين نَعْتَه

ص: 25

وصفتَه مَن أمَرهم اللهُ ببيانِه له مِن الناسِ، {عَذَابًا مُهِينًا} يعنى: العقابَ المُذِلَّ مَن عُذِّب بخلودِه فيه، عتادًا له فى آخرتِه إذا قدِم على ربِّه، وآخَذه بما سلَف منه مِن جحودِه فرضَ اللهِ الذى فرَض عليه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} .

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وأعتَدْنا للكافرين باللهِ مِن اليهودِ، الذين وصَف اللهُ صفتَهم عذابًا مُهِينًا، {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ} . و {وَالَّذِينَ} في موضعِ خفضٍ عَطْفاً على الكافرين.

وقولُه: {رِئَاءَ النَّاسِ} . يعنى: يُنفِقُه مراءاةَ الناسِ في غيرِ طاعةِ اللهِ أو غيرِ سبيلِه، ولكن في سبيلِ الشيطانِ، {وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}. يقولُ: ولا يُصَدِّقون بوحْدانيَّةِ اللهِ، ولا بالمعادِ

(1)

إليه يومَ القيامةِ -الذي فيه جزاءُ الأعمالِ- أنه كائنٌ، وقد قال مجاهدٌ: إن هذا مِن صفةِ اليهودِ. وهو صفةُ أهلِ النفاقِ الذين كانوا أهلَ شركٍ، فأظْهَروا الإسلامَ تقيَّةٌ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم و أهلِ الإيمانِ به، وهم على كفرِهم مقيمون، أشبهُ منهم بصفةِ اليهودِ؛ لأن اليهودَ كانت تُوَحِّدُ اللهَ، وتُصَدِّقُ بالبعثِ والمَعَادِ، وإنما كان كفرُها تكذيبَها بنبوَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

وبعدُ؛ ففى فصلِ اللهِ بينَ صفةِ الذين لا يُؤْمِنون باللهِ ولا باليومِ الآخِرِ، وصفةِ الفريقِ الآخَرِ الذين وصَفهم في الآيةِ قبلَها وأخبر أن لهم عذابًا مُهِينًا، بالواوِ الفاصلةِ بينَهم - ما يُنْبِئُ عن أنهما صفتانِ مِن نوعيْن مِن الناسِ مختلفَي المعاني، وإن كان

(1)

فى م: "بالميعاد".

ص: 26

جميعُهم أهلَ كفرٍ باللهِ، ولو كانت الصفتان كلتاهما صفةَ نوعٍ مِن الناسِ لقيل إن شاء اللهُ: وأعْتَدنا للكافرين عذابًا مُهينًا، الذين يُنفِقون أموالَهم رئاءَ الناسِ. ولكن فصَل بينَهم بالواوِ لما وصَفْنا.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن دخولَ الواوِ غيرُ مُسْتَنْكَرٍ فى عطفِ صفةٍ على صفةٍ لموصوفٍ واحدٍ فى كلامِ [العربِ. قيل: ذلك]

(1)

وإن كان كذلك، فإن الأفصحَ في كلامِ العربِ إذا أُرِيد ذلك، تركُ إدخالِ الواوِ، وإذا أُرِيد بالثانى وصفٌ آخرُ غيرُ الأَوَّلِ، إدخالُ

(2)

الواوِ، وتوجيهُ كلامِ اللهِ إلى الأفصحِ الأشهرِ مِن كلامِ مَن نزَل بلسانِه كتابُه أَوْلَى بنا مِن توجيهِه إلى الأنكرِ مِن كلامِهم.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)} .

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ومَن يَكُنِ الشيطانُ له خليلاً وصاحبًا، يَعْمَلُ بطاعتِه ويَتَّبِعُ أمرَه، ويَتْرُكُ أمرَ اللَّهِ، فى إنفاقِه مالَه رئاءَ الناسِ في غيرِ طاعتِه وجُحودِه وحْدانيَّةَ اللهِ والبعثَ بعدَ المماتِ - {فَسَاءَ قَرِينًا}. يقولُ: فساء الشيطانُ قرينًا، وإنما نُصِب القرينُ؛ لأن فى "ساء" ذكرًا مِن الشيطانِ، كما قال جلَّ ثناؤُه:{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50]. وكذلك تَفْعَلُ العربُ في "ساء" ونظائرِها. ومنه قولُ عَدِيٍّ بنِ زيدٍ

(3)

:

عن المرءِ لا تَسْأَلْ وأبْصِرُ

(4)

قرينَه

[فإنَّ القَرينَ]

(5)

بالمُقارَنِ مُقْتَدِ

(6)

(1)

في ص: "من الفريفان ذلك".

(2)

فى م، ت 2، ت 3:"أدخل".

(3)

البيت في بهجة المجالس 1/ 703، وفصل المقال ص 164، ومجموعة المعاني ص 14.

(4)

فى م، ومصادر التخريج:"وسل عن".

(5)

في م، ومصادر التخريج:"فكل قرين".

(6)

فى م، وفصل المقال:"يقتدى".

ص: 27

يُرِيدُ بالقرينِ الصاحبَ والصديقَ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)} .

يعنى بذلك جل ثناؤُه: أىُّ شيءٍ على هؤلاء الذين يُنْفِقُون أموالَهم رِئَاءَ الناسِ، ولا يُؤمِنون باللهِ ولا باليومِ الآخرِ {لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} لو صدَّقوا بأن اللَّهَ واحدٌ لا شريكَ له، وأخْلَصوا له التوحيدَ، وأيْقَنوا بالبعثِ بعدَ المماتِ، وصدَّقوا بأن اللهَ مجازيهم بأعمالِهم يومَ القيامةِ، {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ}. يقولُ: وأدَّوْا زكاةَ أموالِهم التى رزَقهم اللهُ، وأعطاهموها طيبةً بها أنفسُهم، ولم يُنفِقوها رئاءَ الناسِ، التماسَ الذِّكْرِ والفخرِ عندَ أهلِ الكفرِ باللهِ، والمحمدةِ بالباطلِ عندَ الناسِ، {وَكَانَ اللَّهُ} بهؤلاء الذين وصَف صفتَهم أنهم يُنفِقون أموالهَم رِئَاءَ الناسِ نفاقاً، وهم باللهِ واليومِ الآخرِ مكذِّبون {عَلِيمًا}. يقولُ: ذا علمٍ بهم وبأعمالِهم وما يَقْصِدون ويُرِيدُون بإنفاقِهم، وما يُنفقون مِن أموالِهم، وأنهم يُرِيدُون بذلك الرياءَ والسُّمعةَ والمحمدةَ في الناسِ، وهو حافظٌ عليهم أعمالَهم، لا يَخْفَى عليه شيءٌ منها حتى يُجَازِيَهم بها جزاءَهم عندَ

(1)

مَعادِهم إليه.

‌القولُ (*) في تأويلِ قولِه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} .

قال أبو جعفر، رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وماذا عليهم لو آمَنوا باللهِ واليومِ الآخرِ، وأنفَقوا مما رزَقهم الله، فإن اللهَ لا يَبْخَسُ أحدًا مِن خلقِه أنْفَق في سبيلِه

(1)

فى م: "عنا".

(*) من هنا بداية الجزء الثانى عشر من مخطوطة جامعة القرويين المسماة بالأصل، وسيجد القارئ أرقام صفحاتها بين معقوفين.

ص: 28

مما رزَقه مِن ثوابِ نفقتِه في الدنيا، ولا مِن أجرِها يومَ القيامةِ {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [يعنى: ميزانَ ذرةٍ]

(1)

أي ما يَزِنُها ويكونُ على قدرِ ثقلِها في الوزنِ، ولكنه يُجازيه به، ويُثيبُه عليه.

كما حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ أنه تلا هذه الآيةَ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} . قال: لأن تَفْضُلَ حسناتى [سيئاتي بِمثقالِ]

(2)

ذرَّةٍ أحبُّ إليَّ مِن الدنيا وما فيها

(3)

.

حدَّثنا بِشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: كان بعضُ أهلِ العلمِ يقولُ: لأن تَفْضُل حسناتى على سيئاتي ما يَزِنُ ذرةً أحبُّ إليَّ مِن أن تكونَ لى الدنيا جميعًا.

وأمَّا الذرَّةُ، فإنه ذُكِر عن ابن عباسٍ أنه قال فيها، كما حدَّثني إسحاقُ بنُ وهبٍ الواسطيُّ، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا شَبيبُ بنُ بِشرٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} . قال: رأسُ نملةٍ حمراءَ

(4)

.

[حدَّثني محمدُ بنُ سنانٍ القَزّازُ، قال: ثنا أبو عاصم، قال: حدثنا ابن بِشرٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} : حمراءَ.

قال أبو جعفرٍ]

(5)

: قال لى إسحاقُ بنُ وهبٍ: قال يزيدُ بنُ هارونَ: زعَموا أن

(1)

ليست في: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في م، ت 2، ت 3:"ما يزن".

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 160، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 163 إلى المصنف وعبد بن حميد.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 162 إلى المصنف وعبد بن حميد، وسيأتي عند المصنف في تفسير سورة الزلزلة.

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 29

هذه الذرَّةَ

(1)

الحمراءَ ليس لها وزنٌ

(2)

.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك صحَّت الأخبارُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

[ذكرُ مَن قال ذلك]

(3)

حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى ومحمدُ بنُ بشّارٍ، قالا: ثنا أبو داودَ، قال: ثنا عمرانُ، عن قتادةَ، عن أنسٍ، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا يَظْلِمُ المؤمنَ حسنةً، يُثابُ عليها الرزقَ في الدنيا، ويُجْزَى بها في الآخرةِ، وأمَّا الكافرُ فيَطْعَمُ بها في الدنيا، فإذا كان يومُ القيامةِ لمْ تكن له

(4)

حسنةٌ"

(5)

.

حدَّثنا موسى بنُ عبدِ الرحمنِ المَسْروقيُّ، قال: ثنا جعفرُ بنُ عَوْنٍ، قال: ثنا هشامُ بنُ سعدٍ، قال: أخبَرنا زيدُ بنُ أسلمَ، عن عطاءِ بن يسارٍ، [عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، قال: قال رسولُ اللهِ: صلى الله عليه وسلم]

(6)

"والذي نفسي بيدِه، ما أحدُكم بأشدَّ مناشدةً في الحقِّ يَرَاهُ مُصِيبًا له مِن المؤمنين في إخوانِهم إذا رأَوْا أن قد خلَصوا مِن النارِ، يقولون: أي ربَّنا، إخوانُنا كانوا يُصَلُّون معَنا ويَصُومون معَنا ويَحُجُّون معَنا ويُجاهِدُون معَنا، قد أخَذَتْهم النارُ، فيقولُ اللهُ لهم: اذْهَبوا فمَن عرَفْتُم صورتَه فأَخْرِجوه، ويُحَرِّمُ صُوَرَهم

(7)

(1)

سقط من: الأصل، وفى ص، ت 1:"الدود"، وفى م، ت 2، ت 3، س:"الدودة". والمثبت من تفسير القرطبي.

(2)

ذكره القرطبي في تفسيره 5/ 195 عن يزيد بن هارون.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

في الأصل: "لهم".

(5)

أخرجه أبو داود الطيالسي (2123) عن عمران القطان به، وابن المبارك في الزهد (327)، وأحمد 19/ 266، 285 (12237، 12264)، 3/ 283 (ميمنية) والبخارى في خلق أفعال العباد (340)، ومسلم (2808)، وابن حبان (377)، والبغوى في شرح السنة 14/ 310 (4118) وغيرهم من طرق عن قتادة به.

(6)

سقط من: ص، م.

(7)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"صورتهم".

ص: 30

على النارِ، فيَجِدون الرجلَ قد أخَذَتْه النارُ إلى [قدَمَيه وإلى]

(1)

أنصَافِ ساقَيْه وإلى ركبتَيْه وإلى حَقْوَيْه

(2)

، فيُخرِجون منها بشرًا كثيرًا، ثم يَعُودون فيَتَكَلَّمون، فيقولُ: اذْهَبُوا فَمَن

(3)

وجَدْتُم في قلبِه مثقالَ قيراطِ

(4)

خيرٍ فأَخْرِجُوه. فيُخْرِجُون منها بشرًا كثيرًا، ثم يَعُودون فيَتَكَلَّمون [فيقولُ: اذهبوا فمَن وجدتم في قلبِه مثقالَ نصفِ قيراطِ خيرٍ فأخرجوه. فيُخْرِجون منها بشرًا كثيرًا، ثم يعودون فيتكلمون]

(5)

"فَلا يَزالُ يقولُ ذلك لهم حتى يقولَ: اذْهَبوا، فمَن وجَدْتُم في قلبِه مثقالَ ذرةٍ فأَخْرجوه". فكان أبو سعيدٍ إذا حدَّث بهذا الحديثِ، قال: إن لم تُصَدِّقوا فاقرءوا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} . "فيقولون: ربَّنا لم نَذَرْ فيها خيرًا"

(6)

.

[حدَّثنا العباسُ بنُ الوليدِ، قال: أخبرنا أبى، قال: حدَّثنا الأوزاعِيُّ، قال: حدَّثني مَن سمِع زيدَ بنَ أسلمَ يُحدِّثُ عن عطاءِ بن يَسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بنحوِه، إلا أنه قال: "فيقولُ اللهُ - في المرةِ الثانيةِ -: أخرجوا مَن وجدتُم في قلبِه مثقالَ دينارٍ مِن خيرٍ"، وفى الثالثةِ: "نصفِ دينارٍ"، وفى الرابعةِ: "مثقالَ حبةٍ مِن خَردَلٍ". وسائرُ الحديثِ نحوَه]

(7)

.

(1)

سقط من: ص، م، ت 2، ت 3، س.

(2)

الحَقو: مشد الإزار. الصحاح (ح ق و).

(3)

في م، ت 2، ت 3، س:"لمن".

(4)

في مصادر التخريج: "دينار". والقيراط: جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عُشره في أكثر البلاد. النهاية 4/ 42. وانظر التاج (ق ر ط).

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(6)

أخرجه مسلم (183/ 303) وغيره من طريق جعفر بن عون به، وأخرجه الطيالسي (2293 - طبعتنا) وأحمد 18/ 394 (11898) والبخارى (4581) ومسلم (183/ 302) والترمذى (2598) والنسائي (5025) وابن ماجه (60) وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 954 (5331) وغيرهم من طرق عن زيد بن أسلم به، وعزاه السيوطي أيضًا في الدر المنثور 2/ 163 إلى عبد بن حميد.

(7)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 31

حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بن عبدِ الحكمِ، قال: حدثنا أبي وشعيبُ بنُ الليثِ، عن الليثِ، عن خالدِ بن يزيدَ، عن ابن

(1)

أبى هلالٍ، عن زيدِ بن أَسْلَمَ، عن عطاءِ بن يَسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بنحوِه

(2)

.

وقال آخَرون في ذلك بما حدَّثني به المُثَنَّى، قال: ثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا صدقةُ بنُ أبى سهلٍ، قال: ثنا أبو عمرٍو، عن زاذانَ، قال: أتيتُ ابنَ مسعودٍ، فقال: إذا كان يومُ القيامةِ جمَع اللهُ الأَوَّلينَ والآخرين، ثم نادَى منادٍ مِن عندِ اللَّهِ: ألا مَن كان

(3)

يَطْلُبُ مَظْلِمةً فَلْيَجِئْ إلى حقِّه فَلْيَأْخُذْه. قال: فيَفْرَحُ واللَّهِ المَرَّءُ

(4)

أَن يدورَ

(5)

له الحقُّ على والدِه، أو ولدِه، أو زوجتِه، [أو أختِه]

(6)

فيَأْخُذَه منه، وإن كان صغيرًا، ومصداقُ ذلك في كتابِ اللهِ:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]. فيقالُ له: آتِ هؤلاء حقوقَهم. أي: أعطِ هؤلاءِ حقوقَهم. فيقولُ: يا

(7)

[ربِّ، مِن أين وقد ذهَبتِ الدنيا؟ فيقولُ اللهُ لملائكتِه: أي ملائكتي، انْظُروا في أعمالِه الصالحةِ، فأَعْطُوهم منها. فإن بقِي مثقالُ ذرَّةٍ مِن حسنةٍ، قالت الملائكةُ: يا ربَّنا - وهو أعلمُ بذلك منها - أعطيْنا كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، وبقِى له مثقالُ ذرَّةٍ مِن حسنةٍ. [فيقولُ للملائكةِ]

(8)

: ضعِّفوها لعبدى، وأدْخِلوه بفضلِ رحمتى الجنةَ. ومصداقُ ذلك في كتابِ اللهِ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} . أي الجنةَ

(1)

سقط من: الأصل. وانظر تهذيب الكمال 11/ 94.

(2)

أخرجه البخارى (4919، 7439) ومسلم (183/ 302) وغيرهما من طرق عن الليث به.

(3)

لسيت في: الأصل.

(4)

في ص، م، ت 2، ت 3:"الصبي".

(5)

في ص، م، ت 2، ت 3:"يذوب".

(6)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(7)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"أي".

(8)

في الأصل: "فتقول الملائكة".

ص: 32

يُعطيها. وإن فنِيتْ حسناتُه وبقِيتْ سيِّئاتُه، قالت الملائكةُ - وهو أعلمُ بذلك -: إلهَنا، فنِيت حسناتُه، وبَقِيت سيِّئاتُه، وبقِى طالبون كثيرٌ؟ فيقولُ اللَّهُ: ضَعُوا

(1)

عليها مِن أوزارِهم واكْتُبوا له كتابًا إلى النارِ. قال صدقةُ: أو: صكًّا إلى جهنمَ. شَكَّ صدقةُ أيَّهما قال

(2)

.

حُدِّثْتُ عن محمدِ بن عُبيد، عن هارونَ بن عنترةَ

(3)

، عن عبدِ اللَّهِ بن السائبِ، قال: سمِعتُ زاذانَ يقولُ: قال عبدُ اللهِ بنُ مسعود: يُؤْخَذُ بيدِ العبدِ والأَمَةِ يومَ القيامةِ، فيُنادي منادٍ على رءوسِ الأوَّليَن والآخرين: هذا فلانُ بنُ فلانٍ، مَن كان له حقٌّ فليأتِ إلى حقِّه. فَتَفْرَحُ المرأةُ أن يَذُوبَ

(4)

لها الحَقُّ على أبيها

(5)

، أو على أخيها، أو على زوجِها [ثم قرَأ ابن مسعودٍ]

(6)

: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]. فيَغْفِرُ اللَّهُ مِن حقِّه ما شاء، ولا يَغْفِرُ مِن حقوقِ الناسِ شيئًا، فيَنْصِبُ

(7)

للناسِ فيقولُ: [أتُوا إلى الناسِ حقوقهم]

(8)

فيقولُ: ربِّ، فنِيت الدنيا، مِن أين

(9)

أُوتِيهم حقوقَهم؟ فيقولُ: خُذوا مِن أعمالِه الصالحةِ، فأَعْطُوا كلَّ ذى حقٍّ حقَّه بقدرِ طَلِبَتِه

(10)

. فإن كان وليًّا للهِ، ففضَل له مثقالُ ذرَّةٍ ضاعفها له حتى يُدْخِلَه بها الجنةَ، ثم قرَأ علينا:

(1)

في الأصل: "أضعفوا"، وفى ص، ت 1، ت 2، ت 3:"ضعفوا".

(2)

تنظر الحاشية (4) من الصفحة التالية.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"عتيرة". وانظر تهذيب الكمال 30/ 100.

(4)

في مصدر التخريج: "يدور". ومعنى يذوب: أي يجب. النهاية 2/ 171.

(5)

بعده في م، ت 1، ت 2، ت 3:"أو على ابنها".

(6)

سقط من الأصل.

(7)

في الأصل: "فينصت".

(8)

في ص، ت 1:"ائتوا إلى حقوقكم".

(9)

في الأصل: "أن".

(10)

في ص: "ظلمته"، وفى م، ت 2، ت 3:"مظلمته".

ص: 33

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} ، [قال: أدخِلوه

(1)

الجنةَ]

(2)

. وإن كان عبدًا شقيًّا قال الملَكُ: ربِّ، فنِيت حسناتُه، وبقِى طالبون

(3)

كثيرٌ. فيقولُ: خُذوا مِن سيئاتِهم، فأَضِيفوها إلى سيئاتِه، ثم صُكُّوا له صَكًّا إلى النارِ

(4)

.

قال أبو جعفرٍ: فتأويلُ الآيةِ على تأويلِ عبدِ اللهِ هذا: إن الله لا يَظْلِمُ عبدًا وجَب له مثقالُ ذرّةٍ قِبَلَ عبدٍ له آخرَ في معادِه ويومَ لقائِه فما فوقه، فَيَتْرُكَه عليه فلا يَأْخُذَه للمظلومِ مِن ظاِلمِه، ولكنه يَأْخُذُه منه له، ويَأْخُذُ مِن كُلِّ ظالمٍ للمظلومِ

(5)

تَبِعَتَه قِبَلَه، {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا}. يقولُ: وإن تُوجَدْ

(6)

له حسنةٌ [بعدَ ذلك]

(7)

يُضَاعِفُها، بمعنى: يُضَاعِفُ له ثوابَها وأجرَها، {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}. يقولُ: ويُعْطِه مِن عندِه أجرًا عظيمًا، والأجرُ العظيمُ الجنةُ، على ما قاله عبدُ اللهِ.

ولكلا التأويلينِ وجهٌ مفهومٌ، أعنى التأويلَ الذي قاله ابن مسعودٍ، والذي قاله قتادةُ، وإنما اخترنا التأويلَ الأولَ لموافقتِه الأثرَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مع دلالةِ ظاهرِ التنزيلِ على صحَّتِه، إذ كان في سياقِ الآيةِ التي قبلَها، التي حثَّ اللهُ جلَّ ثناؤُه فيها على النفقةِ في طاعتِه، وذمَّ النفقةَ في طاعةِ الشيطانِ. ثم وصَل

(8)

ذلك بما وعَد المُنفقينَ

(9)

في طاعتِه بقولِه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً

(1)

في ص: "ادخلوا".

(2)

سقط من: م، ت 2، ت 3.

(3)

في الأصل: "مطالبون".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 954 (5335) من طريق هارون بن عنترة عن عبد الله بن السائب عن زاذان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 163 إلى عبد بن حميد.

(5)

في ص، م:"لكل مظلوم".

(6)

في الأصل: "وجد".

(7)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(8)

في الأصل: "فصل".

(9)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"المنافقين".

ص: 34

يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}.

واخْتَلفت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} ؛ فقرَأ ذلك عامَّةُ قَرَأَةِ أهلِ

(1)

العراقِ: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً} بنصبِ الحسنةِ، بمعنى: وإن تكُ زِنَةُ الذرَّةِ حسنةً يُضَاعِفُها. وقرَأ ذلك عامَّةُ قَرَأَةِ أهلِ

(2)

المدينةِ: (وَإِنْ تَكُ حسنةٌ) برفعِ الحسنةِ، بمعنى: وإن تُوجَدْ حسنةٌ

(3)

، على ما ذكَرتُ عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ مِن تأويلِ ذلك.

وأمَّا قولُه: {يُضَاعِفْهَا} ، فإنه جاء بالألفِ، ولم يقلْ:"يُضَعِّفْها". لأنه أُرِيد به - في قولِ بعضِ أهلِ العربيةِ -: يُضَاعِفُها أضعافًا كثيرةً؛ ولو أُرِيد به في قولِه: يُضَعِّف ذلك ضِعْفين لقيلَ: "يُضَعِّفْها" بالتشديدِ

(4)

.

ثم اخْتَلف أهلُ التأويلِ في الذين وعَدهم اللهُ بهذه الآيةِ ما وعَدهم فيها؛ فقال بعضُهم: هم جميعُ أهلِ الإيمانِ باللهِ وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم.

واعتلُّوا في ذلك بما حدَّثنا به الفضلُ بنُ الصَّبَّاحِ، قال: ثنا يزيدُ بنُ هارونَ، عن مُبارَكِ بن فَضَالةَ، عن عليّ بن زيدٍ، عن أبي عثمانَ النَّهْدَيِّ، قال: لقِيتُ أبا هريرةَ فقلتُ له: إنه بلَغنى أنك تقولُ: إن الحسنةَ لتُضَاعَفُ ألفَ ألفِ حسنةٍ! قال: وما أعْجَبَك من ذلك؟ فواللهِ، لقد سمِعتُه - يعنى النبيَّ صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "إن الله

(1)

سقط من: ص، م، ت 2، ت 3، س.

(2)

سقط من: ص، م، ت 2، ت 3.

(3)

قرأ بالنصب أبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي، وقرأ بالرفع نافع وابن كثير. السبعة لابن مجاهد ص 233، وحجة القراءات ص 203.

(4)

لم يشر المصنف إلى أن (يضعِّفْها) بالتشديد قراءة معتبرة عند أهل الأداء، وهى قراءة ابن كثير وابن عامر. وقراءة الباقين؛ وهم نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي بالألف. حجة القراءات 203.

ص: 35

لَيُضَاعِفُ الحسنةَ ألفَىْ

(1)

ألفِ حسَنةٍ"

(2)

.

وقال آخرون: بل ذلك للمهاجرين

(3)

خاصَّةً دونَ أهلِ البوادى والأعرابِ.

واعتلُّوا في ذلك بما حدَّثنا به محمدُ بنُ هارونَ أبو نَشيطٍ، قال: ثنا يحيى بنُ أبي بُكَيْرٍ، قال: ثنا فُضَيْلُ بنُ مرزوقٍ، عن عطيةَ العوفيِّ، عن عبدِ اللَّهِ بن عمرَ، قال: نزَلت هذه الآيةُ في الأعرابِ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]. قال: فقال رجلٌ: فما للمهاجرين؟ قال: ما هو أعظمُ مِن ذلك: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} . وإذا قال اللهُ لشيءٍ: عظيمٌ. فهو عظيمٌ

(4)

.

قال أبو جعفرٍ: وأَوْلَى القولينِ في ذلك بالصوابِ، قولُ مَن قال: عنَى بهذه الآيةِ المهاجرين دونَ الأعرابِ، وذلك أنه غيرُ جائزٍ أن يكونَ في أخبارِ اللهِ أو أخبارِ رسولِه صلى الله عليه وسلم شيءٌ يَدْفَعُ بعضُه بعضًا، فإذا كان صحيحًا وعدُ اللَّهِ مَن جاء مِن عبادِه المؤمنين بالحسنةِ مِن الجزاءِ عشرَ أمثالِها، ومَن جاء بالحسنةِ منهم أن يُضاعِفَها له، وكان الخبران اللذان ذكَرْناهما عنه صلى الله عليه وسلم صحيحين - كان غيرَ جائزٍ إلا أن يكونَ أحدُهما مُجْمَلًا، والآخَرُ مُفَسَّرًا، إذ كانت أخبارُه صلى الله عليه وسلم يُصَدِّقُ بعضُها بعضًا. وإذ كان ذلك كذلك، صحَّ أن خبَر أبى هريرةَ معناه أن الحسنةَ لتُضَاعَفُ للمهاجرين مِن أهلِ الإيمانِ ألفَىْ ألفِ حسنةٍ، وللأعرابِ منهم عشرَ أمثالِها، على ما

(1)

في الأصل: "ألف".

(2)

أخرجه أحمد 13/ 327 (7945) عن يزيد بن هارون به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 163 إلى المصنف. وإسناده ضعيف؛ لضعف على بن زيد.

(3)

في ص، م:"المهاجرون".

(4)

أخرجه سعيد بن منصور (636 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 955 (5338، 5339)، 5/ 1432 (8168) من طريق فضيل بن مرزوق به، وعزاه السيوطي أيضًا في الدر المنثور 2/ 162 إلى ابن المنذر والطبراني.

ص: 36

رُوى عن

(1)

ابن عمرَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وأن قولَه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} . [يعنى: مَن جاء بالحسنةِ مِن أعرابِ المؤمنين فله عشرُ أمثالِها]

(2)

، ومَن جاء بالحسنةِ مِن مهاجريهم يُضَاعَفْ له، ويُؤْتِهُ اللَّهُ مِن لَدُنْه أَجرًا [عظيمًا.

وأما قولُه: {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} ]

(3)

. فإنه يعنى: ويُعْطِه مِن عندِه أجرًا عظيمًا. يعنى: عِوَضًا من حسنتِه عظيمًا، وذلك العوضُ العظيمُ الجنةُ.

كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا صدقةُ بنُ أبى سهلٍ، قال: ثنا أبو عَمروٍ، عن زاذانَ، عن ابن مسعودٍ:{وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} ، أي: الجنةَ يُعطيها

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ، قال: أخبرَنى عبَّادُ بنُ أبى صالحٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ في قولِه:{وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} . قال: الأجرُ العظيمُ الجنةُ

(5)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} . قال: {أَجْرًا عَظِيمًا} . الجنةَ

(6)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3.

(2)

سقط من: الأصل، ت 1.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(4)

في ص، م:"يعطها". والأثر تقدم تخريجه ص 33.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 955 عقب الأثر (5337) معلقا. وذكره أبو حيان في البحر المحيط 3/ 252.

(6)

ذكره أبو حيان في البحر المحيط 2/ 252.

ص: 37

وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)}.

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه، إن الله لا يَظْلِمُ عبادَه مثقالَ ذرَّةٍ، فكيف بهم {إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} ، يعنى بمَن يَشْهَدُ عليها بأعمالِها وتصديقِها رُسُلَها

(1)

أو تكذيبِها إيَّاها

(2)

، {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} ، يقولُ: وَجِئْنَا بك يا محمدُ {عَلَى هَؤُلَاءِ} : أي على أُمَّتِك {شَهِيدًا} ، [يقولُ: شاهدًا]

(3)

.

كما حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} . قال: إن النبيِّين يَأْتُون يومَ القيامةِ، منهم مَن أَسْلَم معَه مِن قومِه الواحدُ، والاثنان، والعشرةُ، وأقلُّ وأكثرُ مِن ذلك، حتى يأتىَ

(4)

لوطٌ، لم يُؤْمِنْ معَه إلا ابنَتاه

(5)

، فيقالُ لهم: هل بلَّغْتُم ما أُرسِلْتُم به؟ فيقولون: نعم. فيقالُ لهم: مَن يَشْهَدُ لكم؟ فيقولون: أُمَّةً محمدٍ. [فتُدعى أمهُ محمدٍ]

(6)

، فيقالُ لهم: أَتَشْهَدون أن الرُّسُلَ أوْدَعوا عندَكم شهادةً، فيمَ تَشْهَدون؟ فيقولون: ربَّنا نَشْهَدُ أَنهم قد بلَّغوا كما شهِدوا في الدنيا بالتبليغِ. فيقالُ: مَن يَشْهَدُ على ذلك؟ فيقولون: محمدٌ. فيُدْعَى محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فيَشْهَدُ أن أُمَّتَه قد صدَقوا، وأن الرسلَ قد بلَّغوا، فذلك قولُه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

سقط من ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

في م، ت 2، ت 3:"يؤتى بقوم".

(5)

في الأصل: "ابناه".

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"صلى الله عليه وسلم".

ص: 38

شَهِيدًا} [البقرة: 143].

حدَّثنا القاسمُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجَّاجٌ، قال: قال ابن جُريجٍ قولَه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} . قال: رسولُها، يَشْهَدُ عليها أن قد أبْلَغهم ما أرْسَله اللهُ به إليهم، {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}. قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أتَى عليها فاضت عيناه

(1)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا الحسينُ

(2)

، عن يزيدَ النحويِّ، عن عكرمةَ في قولِه:{وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 3]. قال: الشاهدُ محمدٌ، والمشهودُ يومُ الجمعةِ، فذلك قولُه:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}

(3)

.

حدَّثني عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ الزُّهْريُّ، قال: ثنا سفيانُ، عن المسعوديِّ، عن جعفرِ بن عَمرِو بن حُرَيْثٍ، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} . قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "شَهِيدًا عَلَيْهِم مَا دُمْتُ فِيهِم، فَلَمَّا

(4)

تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم [وأنتَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ]

(5)

".

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 163، 164 إلى المصنف وابن المنذر.

(2)

في م، ت 1، ت 2، ت 3:"الحسن". وانظر تهذيب الكمال 23/ 32، 6/ 491.

(3)

تفسير عبد الرزاق 2/ 361، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 6/ 332 إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر بنحوه، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 956 (5342) من طريق شبيب عن عكرمة موصولًا عن ابن عباس دون ذكر الجمعة.

(4)

في الأصل: "فإذا".

(5)

سقط من: الأصل. والأثر أخرجه الحميدى (102) من طريق سفيان به، ومسلم (800/ 248)، من طريق جعفر بن عمرو به بنحوه، وذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 269 نقلا عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 164 إلى المصنف.

ص: 39

حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا إبراهيمُ بنُ أبى الوزيرِ

(1)

، قال: ثنا سفيانُ بن عُيَيْنَةَ، عن المسعوديِّ، عن القاسمِ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لابنِ مسعودٍ:"اقْرَأْ عليَّ". قال: أَقْرَأُ عليك، وعليك أُنزِلَ؟ قال:"إِنِّي أُحِبُّ أَن أَسْمَعَه مِن غيرِى". فقرَأ ابن مسعودٍ [النساءَ، حتى بلَغ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}. قال: قال: اسْتَعبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وكفَّ ابن مسعودٍ]

(2)

.

قال المسعوديُّ: فحدَّثنى جعفرُ بنُ عَمرِو بن حُرَيْثٍ، عن أبيه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم -قال: "شَهِيدًا عَلَيْهِم

(3)

ما دُمْتُ فِيهِم، فإذَا تَوَفَّيتَنِي كُنتَ أنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم، وأنتَ على كلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)} .

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: يومَ نَجَئُ مِن كلِّ أُمَّةٍ بشهيدٍ، ونجيءُ بك على أمتِك يا محمدُ شهيدًا، {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}. يقولُ: يَتَمَنَّى الذين جحَدوا وحدانيَّةَ اللهِ، {وَعَصَوُا} رسولَه، {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ} .

واخْتَلفتِ القَرَأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأته عامَّةُ قرأةِ أهلِ الحجازِ ومكةَ والمدينةِ: (لَوْ تَسَّوَّى بهم الأرضُ) بتشديدِ السينِ والواوِ وفتحِ التاءِ، بمعنى: لو تَتَسَوَّى بهم الأرضُ، ثم أُدْغِمت التاءُ الثانية في السينِ، يُرادُ به

(5)

: أنهم يَوَدُّون لو صاروا ترابًا،

(1)

في الأصل: "الزبير". وهو تحريف. انظر تهذيب الكمال 2/ 157.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"عليكم".

(4)

أخرجه الحميدى (101) عن سفيان به، وانظر الحديث السابق.

(5)

في الأصل: "بهم".

ص: 40

فكانوا سواءً هم والأرضُ.

وقرَأ ذلك آخرون: (لَوْ تَسَوَّى بهمُ الأرضُ). بفتحِ التاءِ وتخفيفِ السيِن، [وهى قراءةُ عامَّةِ قرَأَةِ أهلِ الكوفةِ بالمعنى الأوَّلِ، غيرَ أنهم ترَكوا تشديدَ السينِ]

(1)

، واعتلُّوا بأن العربَ لا تكادُ تَجْمَعُ بينَ تشديديْنِ في حرفٍ واحدٍ.

وقرَأ ذلك آخرون: {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ} . بمعنى: لو سوَّاهم

(2)

اللهُ والأرضَ، فصاروا ترابًا مثلَها بتصييرِه إيَّاهم، كما يَفْعَلُ ذلك بمَن ذكَر أنه يَفْعَلُه به مِن البهائمِ

(3)

.

وكلُّ هذه القراءاتِ متقارباتُ المعانى

(4)

، فبأيِّ ذلك قرَأ القارئُ فمصيبٌ؛ لأن مَن تمنَّى منهم أن يكونَ يومئذٍ ترابًا، إنما يَتَمَنَّى أن يكونَ كذلك بتكوينِ اللهِ إيَّاه كذلك، وكذلك من تمنَّى منهم

(5)

أن يكونَ اللهُ جعَله كذلك، فقد تمنَّى أن يكونَ ترابًا. غيرَ

(6)

أن الأمرَ وإن كان كذلك، فأعجبُ القراءةِ إليَّ في ذلك:(لَوْ تَسَوَّى بهم الأرضُ). بفتحِ التاءِ وتخفيفِ السينِ؛ كراهيةَ الجمعِ بينَ تشديدينِ في حرفٍ واحدٍ، وللتوفيقِ في المعنى بيَن ذلك، وبيَن قولِه: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

في الأصل: "سوى بهم".

(3)

أما القراءة بتشديد السين والواو وفتح التاء فهى قراءة نافع وابن عامر، وأما القراءة بتخفيف السين وفتح التاء فهي قراءة حمزة والكسائي، وأما القراءة بتخفيف السين وتشديد الواو وضم التاء فهي قراءة ابن كثير وأبى عمرو وعاصم. السبعة لابن مجاهد ص 234، وحجة القراءات ص 203، 204.

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"المعنى".

(5)

ليست في: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(6)

في م، ت 2، ت 3:"على".

ص: 41

تُرَابًا} [النبأ: 40]. فأخْبَر اللهُ عنهم، أنهم يَتَمَنَّوْن

(1)

أن يَكونوا

(2)

كانوا ترابًا، ولم يُخْبِرْ عنهم أنهم قالوا: يا ليتنى كنتُ ترابًا. فكذلك قولُه: (لو تَسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ) فيُسَوَّوْا

(3)

هم؛ وهى أعجبُ إليَّ ليوافقَ ذلك المعنى الذي [أخْبَر عنهم]

(4)

بقولِه: {يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} .

وأمَّا قولُه: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثً} . فإن أهلَ التأويلِ تأوَّلوه بمعنى: ولا تَكْتُمُ الله جوارِحُهم حديثًا وإن جحَدَتْ

(5)

أفواهُهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا حكَّامٌ، قال: ثنا عَمرٌو، عن مُطَرِّفٍ، عن المِنهالِ ابن

(6)

عَمرٍو، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، قال: أتى رجلٌ إلى ابن عباسٍ، فقال: سمِعتُ الله يقولُ: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]. وقال في آيةٍ أخرى: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} . فقال ابن عباسٍ: أمَّا قولُه: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فإنهم لمَّا رَأَوْا أنه لا يَدْخُلُ الجنةَ إلا أهلُ الإسلامِ، قالوا: تعالَوْا فَلْنَجْحَدْ. فقالوا: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . فختَم اللهُ على أفواهِهم، وتكلَّمت أيديهم وأرجلُهم، فلا يكتمونَ الله حديثًا

(7)

.

(1)

في الأصل: "يشتهون".

(2)

سقط من: م.

(3)

في الأصل: "فتح التاء على معنى أنهم تمنوا أن يكونوا يصيرون ترابا كالأرض فتسوا".

(4)

في الأصل: "أخبرهم".

(5)

بعده في ص، م:"ذلك".

(6)

في الأصل: "عن".

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 957، 4/ 1274 (5348، 7180)، والحاكم 2/ 306 من طريق عمرو به، وأخرجه البخارى 8/ 555، 556 (فتح)، والطبراني في الكبير 10/ 300 (10594)، والبيهقى في الأسماء والصفات 2/ 245 (809) من طريق المنهال بن عمرو به مطولا، وذكره ابن كثير في تفسيره =

ص: 42

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا مَعْمَرٌ، عن رجلٍ، عن المنهالِ بن عمرٍو، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، قال: جاء رجلٌ إلى ابن عباسٍ، فقال: أشياءُ تَخْتَلِفُ عليَّ في القرآنِ. فقال: ما هو؟ أشكٌّ في القرآنِ؟ قال: ليس بالشكِّ، ولكنه اختلافٌ. قال: فهاتِ ما اخْتَلف عليك مِن ذلك. قال: أَسْمَعُ الله يقولُ: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . وقال: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} . فقد كتَموا. فقال ابن عباسٍ: أمَّا قولُه: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . فإنهم لمَّا رَأَوْا يومَ القيامةِ أن الله يَغْفِرُ لأهلِ الإسلامِ ويَغْفِرُ الذنوبَ ولا يَغْفِرُ شَرْكًا، ولا يَتَعاظَمُه ذنبٌ أن يَغْفِرَه - جحَد المشركون، فقالوا:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . رجاءَ أن يَغْفِرَ لهم، فختَم على أفواهِهم وتكلَّمت أيديهم وأرجلُهم بما كانوا يَعْمَلون، فعندَ ذلك:{يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنا جُويبِرٌ

(2)

، عن الضحَّاكِ، أن نافعَ بنَ الأزرقِ أتَى ابنَ عباسٍ فقال: يا ابنَ عباسٍ، قولَ اللهِ:{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} . وقوله: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} ؟ فقال له ابن عباسٍ: إني أَحْسَبُك قُمْتَ مِن عندِ أصحابِك، فقلتَ: أُلْقِى على ابن عباسٍ متشابهَ القرآنِ. فإذا رجَعْتَ إليهم، فأخبِرْهم أن الله جامعُ الناسِ يومَ القيامةِ في بَقيعٍ واحدٍ، فيقولُ المشركون:

= 2/ 270 نقلا عن المصنف، وعزاه السيوطي أيضًا في الدر المنثور 2/ 164 إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه.

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 160.

(2)

في الأصل: "جرير"، وفى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"الزبير". والمثبت من تفسير ابن كثير والدر المنثور. وانظر تهذيب الكمال 13/ 291، 5/ 167.

ص: 43

إن اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِن أحدٍ شيئًا إلا ممَّن وحَّده. فيقولون: تَعَالَوْا نَقُل

(1)

. فَيَسْأَلُهم، فيقولون:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . قال: فيَخْتِمُ اللَّهُ على أفواهِهم، ويَسْتَنْطِقُ جوارحَهم، فتَشْهَدُ عليهم جوارحُهم أنهم كانوا مشركين، فعند ذلك تَمَنَّوْا لو أن الأرضَ سُوِّيت بهم، ولا يَكْتَمون الله حديثًا

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: حدثني أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} . يعنى: أن تُسَوَّى

(3)

الأرضُ بالجبالِ [والأرضُ]

(4)

عليهم

(5)

.

فتأويلُ الآيةِ على هذا القولِ الذي حكَيْناه عن ابن عباسٍ: يومَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَروا وعَصَوا الرسولَ لو تُسَوَّى بهِمُ الأرضُ [ولم يَكتُموا]

(6)

الله حديثًا. [كأنهم تَمَنَّوْا أنهم سُوُّوا معَ الأرضِ، وأنهم لم يكونوا كتَموا الله حديثًا]

(7)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: يومئذٍ لا يَكْتُمون الله حديثًا، ويَوَدُّون لو تُسَوَّى

(1)

في م، س:"نجحد". وفى ت 1، ت 2، ت 3:"فصل".

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 270 نقلا عن المصنف. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 164/ 2 إلى المصنف عن جويبر عن الضحاك. و "نقل""من""القول"، يراد به الكذب أو التعريض به. ينظر ما قاله الشيخ محمود شاكر في تفسير الطبرى 8/ 374 حاشية (2).

(3)

في الأصل، ت 1:"تستوى".

(4)

سقط من: م.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 957 (5346) عن محمد بن سعد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 164 إلى المصنف.

(6)

في م، ت 2، ت 3:"ولا يكتمون".

(7)

في الأصل: "ويودون لو تسوى بهم الأرض".

ص: 44

بهم الأرضُ

(1)

، وليس بُمنْكتمٍ

(2)

عن اللهِ شيءٌ من حدِيثِهم؛ لعلمه جلَّ ذكرُه بجميعِ حديثِهم وأمرِهم، [وإن هم كتَموه]

(3)

بألسنتِهم فجحَدوه، لا يَخْفَى عليه شيءٌ منه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} .

قال أبو جعفر، رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسولَه، {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} . لا تُصَلُّوا {وَأَنْتُمْ سُكَارَى} . وهو جمعُ سَكْرَانَ، حتى تعلموا ما تقرَءون في صلاتِكم، وتقولون فيها، ممَّا أمَركم اللهُ، [جلَّ ثناؤُه]

(4)

، أو ندَبكم إلى قِبلِه فيها، مما نهاكم عنه وزجَركم.

ثم اخْتَلف أهلُ التأويلِ في السُّكْرِ الذي عناه اللهُ بقولِه: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} ؛ فقال بعضُهم: عنى بذلك السُّكْرَ

(5)

مِن الشرابِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ بشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ

(6)

، قال: ثنا سفيانُ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن أبي عبدِ الرحمنِ عن عليٍّ، أنه كان هو وعبدُ الرحمنِ ورجلٌ آخرُ شرِبوا الخمرَ، فصلَّى بهم عبدُ الرحمنِ، فقرَأ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}

(1)

بعده في الأصل: "وقال آخرون: معناه يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض".

(2)

في الأصل: "يمكنهم".

(3)

في ص، ت 1:"فإن هم كتموه". وفى م، ت 2، ت 3، س:"فإنهم إن كتموه".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"به".

(5)

في الأصل: "السكران".

(6)

في الأصل: "عبد الرزاق". والتصويب من مصادر التخريج، وانظر تهذيب الكمال 17/ 430، 24/ 511.

ص: 45

فخلَط فيها، فنزَلت:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجَّاجُ بنُ المِنْهَالِ، قال: ثنا حَمَّادٌ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن [عبدِ اللهِ]

(2)

بن حبيبٍ، أن

(3)

عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ صنَع طعامًا وشرابًا، فدعا نفرًا مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأكَلوا وشرِبوا حتى ثِملوا

(4)

، فقدَّموا عليًّا يُصَلِّي بهم المغربَ، فقرَأ: قل يا أيُّها الكافرون، أَعْبُدُ ما تَعْبُدُون، وأنتم عابدون ما أَعْبُدُ، وأنا عابدٌ ما عبَدْتُم، لكم دينُكم ولى دينِ. فَأَنْزَل اللهُ تبارك وتعالى هذه الآيةَ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (1).

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبى، أبيه، عن ابن عباسٍ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} . وذلك أن رجالًا كانوا يأتون الصلاةَ وهم سُكَارى]

(5)

قبل أن تُحَرَّمَ الحمرُ، فقال اللهُ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآيةَ

(6)

.

(1)

تفسير سفيان الثورى ص 96 (221)، وأخرجه النسائي في الكبرى كما في التحفة 7/ 402 (10175) من طريق ابن مهدى عن سفيان به، وأخرجه أبو داود في سننه (3671)، والحاكم 2/ 307، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص 338 من طرق عن سفيان به، وأخرجه عبد بن حميد (82)، والترمذى (3026)، والبزار في مسنده (598)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 958 (5352) من طرق عن عطاء به، وعزاه السيوطي أيضًا في الدر المنثور 2/ 164، 165 إلى ابن المنذر. وفى بعض الروايات:"فتقدم رجل" وفي بعضها: "فقدموا عليًا".

(2)

في الأصل: "عبد الرحمن". وانظر تهذيب الكمال 14/ 408.

(3)

في الأصل: "بن".

(4)

الثَّمَل: السُّكر والنَّشوة، وقد ثَمِل الرجل فهو ثَمِلٌ، أخذ فيه الشراب فهو نَشْوان. تاج العروس (ث م ل).

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(6)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 272 نقلا عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 165 إلى المصنف.

ص: 46

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مُغِيرة، عن أبي رَزينٍ في قولِه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} . قال: نزَل هذا وهم يَشْرَبون الخمرَ، قال: وكان هذا قبلَ أن يَنزِلَ تحريُم الخمرِ

(1)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مغيرةَ، عن أبي رَزينٍ، قال: كانوا يَشْرَبون [الخمرَ

(2)

بعدَ]

(3)

ما أُنْزِلت التي في البقرةِ، [وبعدَ]

(4)

التي في النساءِ، فلما أُنْزِلت التي في المائدةِ ترَكوها.

حدَّثني محمدُ بنُ عَمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثنا عيسى، عن ابن أبي نجَيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} . قال: نُهُوا أن يُصَلُّوا وهم سكارى، ثم نسَخها تحريمُ الخمرِ

(5)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابن أبي نجَيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزَّاقِ، قال: أخبرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} . قال: كانوا يَجْتَنِبون السُّكْرَ عندَ حضورِ الصلواتِ، ثم نُسِخ [في تحريمِ]

(6)

الخمرِ

(7)

.

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 272.

(2)

سقط من: م.

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3.

(4)

في الأصل: "بعد".

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 165 إلى المصنف وعبد بن حميد.

(6)

في ص، م، ت 2، ت 3:"بتحريم". وفى ت 1: "تحريم".

(7)

تفسير عبد الرزاق 1/ 163.

ص: 47

[حدَّثنا ابن حمُيدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مغيرةَ، عن أبي وائلٍ وأبى رَزينٍ وإبراهيمَ في قولِه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}. {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]. وقولِه: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67]. قالوا: كان هذا قبلَ أن يَنزِلَ تحريمُ الخمرِ.

[حدثنا ابن حُميدٍ، قال: حدثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن أبي عبدِ الرحمنِ، قال: كان عليٌّ في نَفَرٍ مِن أصحابِ النبيِّ، عليه السلام، في بيتِ عبدِ الرحمنِ بن عوفٍ، فطعِموا، فأتاهم بخمرٍ فشرِبوا منها، وذلك قبل أن تُحرَّمَ الخَمرُ، فحضَرتِ الصلاةُ، فقدَّموا عليًّا، فقرَأ بهم: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}. فلم يقرأها كما ينبغى، فأنزل اللهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}]

(1)

.

وقال آخَرون: معنى ذلك: لا تَقْرَبوا الصلاةَ وأنتم سُكارى من النومِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سلمةَ بن نُبَيْطٍ، عن الضحَّاكِ:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} . قال: سكرَ النومِ

(2)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ حازمٍ الغِفاريُّ، قال: ثنا أبو نُعيمٍ، قال: ثنا سلمةُ بنُ نُبَيطٍ، عن الضحَّاكِ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} . قال:

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، والأثر تقدم تخريجه ص 46 حاشية (1).

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 959 (5356)، وابن عبد البر في التمهيد 22/ 118 من طريق وكيع به، وعزاه السيوطي أيضًا في الدر المنثور 2/ 165 إلى عبد بن حميد والفريابي وابن المنذر.

ص: 48

لم يَعْنِ بها سكرَ الخمرِ، وإنما عنَى بها سكرَ النومِ.

قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بتأويلِ الآية، تأويلُ من قال: ذلك نهيٌ من اللهِ المؤمنين عن أن يقرَبوا الصلاةَ وهم سكارى من الشراب قبلَ تحريمِ الخمرِ؛ للأخبارِ المتظاهرةِ عن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بأن ذلك كذلك

(1)

، وأن هذه الآيةَ نزَلت فيمن ذُكِرت أنها نزَلت فيه.

فإن قال لنا قائلٌ: وكيف يكونُ ذلك معناه، والسكرانُ في حالِ زوالِ عقلِه، نظيرُ المجنونِ في حال زوالِ عقلِه، وأنت ممن تُحِيلُ تكليفَ المجانين لفقدِهم الفهمَ، بما يُؤْمَرُ ويُنْهَى؟ قيل له: إن السكرانَ لو كان في معنى المجنونِ لكان غيرَ جائزٍ أمرُه ونهيُه، ولكنَّ السكرانَ هو الذي يَفْهَمُ ما يَأْتِي وما يَذَرُ، غيرَ أن الشرابَ قد أَثْقَل لسانَه، [وأجزاءَ جسمِه وأخدَرَها]

(2)

، حتى عجَز عن إقامةِ قراءتِه في صلاتِه وحدودِها

(3)

الواجبة عليه فيها من غيرِ زوالِ عقلِه، فهو بما أُمِر به ونُهِى عنه عارفٌ فَهِمٌ، وعن أداءِ بعضِه عاجزٌ بخَدَرِ جسمِه من الشرابِ؛ فأما من صار إلى حدٍّ لا يَعْقِلُ ما يأتى ويَذَرُ، فذلك مُنْتَقِلٌ من السُّكْرِ إلى الخَبَلِ [ومعدودٌ في المجانينِ]

(4)

المجانين، وليس ذلك الذي خُوطِب

(5)

بقولِه: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} . لأنَّ ذلك مجنونٌ، وإنما خُوطِب به السكرانُ، والسكرانُ

(6)

ما وصَفْنا صفتَه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤُه: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} .

(1)

بعده في ص، م:"نهى من الله".

(2)

في م، ت 2، ت 3:"وأخرجه وأخدره".

(3)

في الأصل: "حدوده".

(4)

في الأصل، ت 1:"معاني"، وفي ص:"ومعافى".

(5)

في الأصل: "خاطب".

(6)

في الأصل: "السكر".

ص: 49

اخْتَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: لا تَقْرَبوا الصلاةَ وأنتم سُكارى حتى تَعْلَموا ما تقولون، ولا تَقْرَبوها وأنتم جُنُبٌ إلا عابري سبيلٍ، يعنى: إلا أن تكونوا مجتازى طريقٍ، أي

(1)

: مسافرين، حتى تَغْتَسِلوا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ بشَّارٍ ومحمدُ بنُ المثنى، قالا

(2)

: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن قتادةَ، عن أبي مِجْلَزٍ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . قال: المسافرُ. وقال ابن

(3)

المُثَنَّى: في السفرِ

(4)

.

وحدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . يقولُ: لا تَقْرَبوا الصلاةَ وأنتم جنبٌ، إذا وجَدْتُم الماءَ، فإن لم تَجِدوا الماءَ، فقد أحْلَلْتُ لكم أن تَمْسَحوا بالأرضِ

(5)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن المنهالِ، عن عبَّادِ بن عبدِ اللهِ، أو عن زِرٍّ، عن عليٍّ رضي الله عنه:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} .

(1)

في الأصل: "أو".

(2)

في م: "قال".

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (12908) من طريق روح عن شعبة به، وابن أبي شيبة 1/ 157، وابن المنذر في الأوسط 2/ 108 (635)، والطبراني (12907) من طرق عن قتادة به، وعزاه السيوطي أيضًا في الدر المنثور 2/ 165 إلى عبد بن حميد.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 165 إلى المصنف وعبد بن حميد.

ص: 50

قال: إلا أن تكونوا

(1)

مسافرين فلا تَجدوا الماءَ فتَيَمَّموا

(2)

.

حدَّثنا ابن بشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن سالمٍ الأفطسِ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ في قولِه:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . قال: المسافرُ

(3)

.

[حدَّثنا ابن بشَّارٍ، قال: حدَّثنا حمّادُ بنُ سلمةَ، عن قيسِ بن سعدٍ، عن مجاهدٍ بمثلِه]

(4)

.

حدَّثنا ابن بشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا هشامٌ، عن قتادةَ، عن أبي مِجْلَزٍ، عن ابن عباسٍ بمثلِه

(5)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا هارونُ بنُ المغيرةِ، عن عَنْبَسَةَ، عن ابن أبي ليلى، عن المِنْهَالِ بن

(6)

عَمرٍو، عن

(7)

عبَّادِ بن عبدِ اللهِ، عن عليٍّ، رضي الله عنه، قال: نزَلت في السفرِ: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . وعابرُ السبيلِ: المسافرُ إذا لم يَجِدِ الماءَ تَيَمَّم (2).

(1)

في الأصل: "يكون".

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 157 من طريق ابن أبي ليلى به، وأخرجه ابن المنذر في الأوسط 2/ 108 (634)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 960 (5360) من طريق ابن أبي ليلى عن المنهال عن زر - وحده - به، وأخرجه أيضًا ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 959 (5359)، والبيهقى 1/ 216 من طريق المنهال عن زر - وحده - به. وعزاه السيوطي أيضًا في الدر المنثور 2/ 165 إلى الفريابي وعبد بن حميد.

(3)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 960 عقب الأثر (5360) معلقًا.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، والأثر أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 1/ 413 (1615) عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 165، إلى عبد بن حميد.

(5)

تقدم تخريجه في الصفحة السابقة حاشية (4).

(6)

في الأصل: "عن".

(7)

في الأصل: "بن".

ص: 51

حدَّثنا ابن حُميدٍ

(1)

، قال: ثنا هارونُ، عن ابن مجاهدٍ، عن أبيه:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . قال: المسافرُ إذا لم يَجِدِ الماء فإنه يَتَيَمَّمُ [ويدخُلُ ويصلِّى]

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ، [وعن]

(3)

ابن أبي نَجيحٍ عن مجاهدٍ في قولِه: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . قالا

(4)

: هو الرجلُ

(5)

يكونُ في السفرِ فتُصِيبُه الجنابةُ فيتَيَمَّم ويُصَلِّي

(6)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . قال: مسافرين لا يَجِدون الماءَ فيَتَيَمَّمون صعيدًا طيبًا، حتى

(7)

يَجِدوا الماءَ فيَغْتَسِلوا

(8)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهدٍ في قولِه:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . قال: مُسافِرين لا يَجِدون ماءً.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن مِسْعَرٍ، عن بُكَيْرِ بن الأَخْنَسِ، عن الحسنِ بن مسلمٍ في قولِه:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . قال: إلا أن يَكونوا

(1)

في م، ت 2، ت 3:"المثنى"، وفى ت 1 بياض مكانها. وانظر تهذيب الكمال 30/ 110.

(2)

في ص: "ويدخله فيصلي"، وفى م:"فيصلي"، سقط من: ت 1. والأثر أخرجه البغوي في تفسيره 2/ 220 بإسناده إلى ابن أبي نجيح عن مجاهد بنحوه.

(3)

في الأصل، م:"عن".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"قال".

(5)

بعده في الأصل: "عبد الرحمن".

(6)

تفسير عبد الرزاق 1/ 163.

(7)

في ص: "كى"، وفى ت 1، ت 2، ت 3:"في".

(8)

تقدم تخريجه في حاشية (2 - 2) بنحوه. وانظر الصفحة السابقة.

ص: 52

مسافِرِين، فلم

(1)

يَجِدوا ماءً فيَتَيَمَّموا

(2)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا حَكَّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن الحكمِ:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . قال: المسافرُ تُصيبُه الجنَابةُ، فلا يَجِدُ ماءً، فيتَيَمَّمُ

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سُوَيْدُ بنُ نصرٍ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبارَكِ، عن سفيانَ، عن سالمِ الأفْطَسِ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، وعن منصورٍ، عن الحَكَم في قولِه:{إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} . قالا

(4)

: المسافرُ الجُنُبُ لا يَجِدُ الماءَ، فيَتَيَمَّمُ فيُصَلِّي (2).

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو نُعَيْمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن سالمٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} : إلا أن يكونَ مُسافِرًا

(5)

.

حدَّثنا المثنى، قال: ثنا أبو نُعيمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن الحكمِ بنحوه (3).

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجُ، عن ابن جُرَيجٍ، عن عبدِ اللهِ بن كثيرٍ، قال: كنا نَسْمَعُ أنه في السفرِ

(6)

.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبَرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَلَا

(1)

في ص، م، ت 2، ت 3:"تلا".

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 157 عن وكيع به.

(3)

ذكره الطوسي في التبيان 3/ 206، والقرطبي في تفسيره 5/ 206، وأبو حيان في البحر المحيط 3/ 257، وابن كثير في تفسيره 2/ 274.

(4)

في الأصل: "قال".

(5)

ذكره البغوي في تفسيره 2/ 220.

(6)

ذكره الطوسى في التبيان 3/ 206، وابن كثير في تفسيره 2/ 274.

ص: 53

جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}. هو المسافرُ الذي لا يَجِدُ الماءَ، فلا بدَّ له مِن أَن يَتَيَمَّمَ ويُصَلِّيَ [فهو يَتَيَمَّمُ ويُصَلِّي

(1)

]

(2)

. قال: كان أبي يقولُ ذلك

(3)

.

وقال آخَرون: معنى ذلك: لا تَقْرَبوا المُصَلَّى للصلاةِ وأنتم سُكارَى حتى تَعْلَموا ما تقولون، ولا تَقْرَبوه جُنُبًا حتى تَغْتَسِلوا إلا عابرى سبيلٍ، يعني: إلا مُجْتازِين فيه للخروجِ منه.

فقال أهلُ هذه المَقالةِ: أُقيمَت الصلاةُ مُقامَ المُصَلَّى والمسجدِ، إذ كانت صلاةُ المسلمين المكتوبةُ

(4)

في مساجدهم أيَّامَئذٍ لا يَتَخَلَّفون عن التجميعِ

(5)

فيها، فكان في النهيِ عن أن يَقْرَبوا الصلاةَ كفايةٌ عن ذكرِ المساجدِ والمُصَلَّى الذي يُصَلُّون فيه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أَخْبَرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عن عبد الكريم الجَزَريِّ، عن أبي عُبيدةَ بن عبدِ اللهِ، عن أبيه في قولِه:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . قال: هو المَمَرُّ

(6)

في المسجدِ

(7)

.

(1)

سقط من: ت 1.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في ص، م:"هذا". والأثر ذكره الطوسى في التبيان 3/ 206 عن ابن زيد، وابن كثير في تفسيره 2/ 274 عن زيد بن أسلم بنحوه.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2.

(5)

في م، ت 2، ت 3:"التجمع".

(6)

في تفسير عبد الرزاق: "المار". والمثبت موافق لإحدى نسختيه.

(7)

تفسير عبد الرزاق 1/ 163، وأخرجه ابن المنذر في الأوسط 2/ 107 (633)، والبيهقى 2/ 443 من طريق عبد الرزاق به.

ص: 54

حدَّثنا أحمدُ بنُ حازمٍ، قال: ثنا عبيدُ اللهِ بنُ موسى، عن أبي جعفرٍ الرازيِّ، عن زيدِ بن أَسْلَمَ، عن ابن يَسَارٍ، عن ابن عباسٍ:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . قال: لا تَقْرَبِ

(1)

المسجدَ إلا أن يكونَ طريقُك فيه، فثَمُرُ مَارًّا [ولا]

(2)

تَجْلِسَ

(3)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا مُعاذُ بنُ هشامٍ، قال: ثنا أبي، عن قَتادةَ، عن سعيدٍ في الجُنُبِ: يَمُرُّ في المسجدِ مُجْتازًا، وهو قائمٌ، لا يَجْلِسُ، وليس بمُتَوَضِّئِ. وتلا هذه الآية:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}

(4)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا هارونُ، عن نَهْشَلٍ، عن الضَّحَّاك عن ابن عباسٍ، قال: لا بأسَ للحائضِ والجُنُبِ أن يَمُرَّا في المسجدِ ما لم يَجْلِسا فيه

(5)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا أبو الزبيرِ، [عن جابرٍ]

(6)

، قال: كان أحدُنا يَمُرُّ في المسجدِ [وهو جُنبٌ، مُجْتازًا]

(7)

.

(1)

في الأصل: "تقول".

(2)

في الأصل، ت 1:"لا".

(3)

أخرجه ابن المنذر في الأوسط 2/ 106 (632)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 960 (5361)، والبيهقى 2/ 443، وفي معرفة السنن والآثار 2/ 257 (1287) من طريق أبي جعفر به، وعزاه السيوطي أيضًا في الدر المنثور 2/ 166 إلى عبد بن حميد.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 146 من طريق قتادة به، وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 960 عقب الأثر (5361) معلقًا.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 166 إلى المصنف.

(6)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(7)

سقط من: الأصل. والأثر أخرجه سعيد بن منصور في سننه (645 - تفسير)، وابن أبي شيبة 1/ 146، وابن المنذر في الأوسط 2/ 106 (631)، والبيهقى 2/ 443 من طريق هشيم به.

ص: 55

[حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عن سعيدٍ، عن قَتادةَ، عن الحسنِ في قولِه: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}. قال: الجنبُ يَمُرُّ في المسجدِ]

(1)

، ولا يَقْعُدُ فيه.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا أبو أحمدَ، وحدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو نُعَيْمٍ، قالا جميعًا: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ في قولِه:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . قال: إذا لم يَجِدْ طريقًا إلا في

(2)

المسجدِ، يَمُرُّ فيه

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو غَسَّانَ مالكُ بنُ إسماعيلَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ في هذه الآيةِ:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . قال: لا بأسَ أن يَمُرَّ الجنبُ في المسجدِ إذا لم يَكُنْ له طريقٌ غيرُه

(3)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ مثلَه

(3)

.

حدَّثني المثنى، [قال: حدثني الحِمَّانيُّ]

(4)

قال: ثنا شَرِيكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ قال: الجُنُبُ يَمُرُّ في المسجدِ ولا يَجْلِسُ فيه، ثم قرَأ:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}

(5)

.

[حدَّثني المثنى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شَريكٌ، عن عبدِ الكريمِ، عن أبي عبيدَة مثلَه]

(6)

.

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 146 عن جرير عن منصور به.

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 146 عن شريك به، ووقع فيه سعد بدلا من سعيد.

(6)

سقط من: الأصل، والأثر أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 146 عن شريك به.

ص: 56

حدَّثني المثنى، [قال: ثنا الحمانيُّ]

(1)

، قال: ثنا شَريكٌ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ مثلَه

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شَريكٌ، عن الحسنِ بن

(3)

عُبيدِ اللهِ، عن أبي الضُّحَى مثلَه

(4)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا هارونُ، عن إسماعيلَ، عن الحسنِ، قال: لا بأسَ للحائضِ والجنبِ أن يَمُرَّا في المسجدِ ولا يَقْعُدا فيه

(5)

:

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا هارونُ، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عن الزهريِّ، قال: رُخِّص للجنبِ أن يَمُرُّ في المسجدِ

(6)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني الليثُ، قال: ثنى يزيدُ بنُ أبي حَبيبٍ عن قولِ اللهِ: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} : أن رجالًا من الأنصارِ كانت أبوابُهم في المسجدِ فكانت

(7)

تُصِيبُهم جَنابةٌ، ولا ماءَ عندَهم، فيُريدون الماءَ ولا يَجِدون مَمرًّا إلا في المسجدِ، فأنْزَل اللهُ:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}

(8)

.

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 146 عن شريك عن سماك به.

(3)

في الأصل، ت 1:"عن". وانظر تهذيب الكمال 6/ 199.

(4)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 960 عقب الأثر (5361) معلقًا.

(5)

أخرجه البغوي في تفسيره 2/ 220 بإسناده إلى الحسن.

(6)

ذكره البغوي في تفسيره 2/ 220 عن الزهري معلقًا.

(7)

سقط من: الأصل.

(8)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 273 نقلًا عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 166 إلى المصنف.

ص: 57

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سُوَيْدُ بن نصرٍ، قال: أَخْبَرنا ابن المُباركِ، عن شعبةَ

(1)

، عن حمادٍ، عن إبراهيمَ:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . قال: لا يَجْتازُ في المسجدِ إلَّا ألا يَجِدَ طريقًا غيرَه.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا هارونُ، عن ابن مُجاهدٍ، عن أبيه، قال: لا يَمُرُّ الجنُب في المسجدِ يَتَّخِذُه طريقًا.

وأولى القولين بتأويلِ ذلك، تأويلُ من تأوَّله:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . إلا مُجْتازِى

(2)

طريقٍ فيه. وذلك أنه قد بيَّن حكمَ المسافرِ إذا عَدِم الماءَ وهو جُنبٌ في قولِه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} . فكان معلومًا بذلك أن

(3)

قولَه: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} . لو كان مَعْنِيًّا به المسافرُ، لم يَكُن لإعادةِ ذكرِه في قولِه:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} . معنًى مفهومٌ، وقد مضَى ذكرُ حُكْمِه قبلَ ذلك.

وإذ كان ذلك كذلك، فتأويلُ الآيةِ: يا أيُّها الذين آمنوا لا تَقْرَبُوا المساجدَ للصلاةِ مُصَلِّين فيها، وأنتم سكارَى حتى تَعْلَموا ما تَقولون، ولا تَقْرَبوها أيضًا جُنبًا حتى تَغْتَسِلوا، إلا عابرى سبيلٍ.

والعابرُ السبيلَ المُجْتازُه

(4)

مَرًّا وقَطْعًا، يقالُ منه: عبَرْتُ الطريقَ، فأنا أَعْبُرُه

(1)

في الأصل: "سعيد". وانظر تهذيب الكمال 11/ 479.

(2)

في الأصل: "مجتاز في".

(3)

في الأصل "إلى".

(4)

في الأصل: "المجتاز".

ص: 58

عَبْرًا وعُبورًا. ومنه قيل: عبرَ فلانٌ النهرَ. إذا قطَعه وجازه، ومنه قيل للناقةِ القويةِ على الأسْفارِ

(1)

: هي عُبْرُ أسفارٍ، [وعِبْرُ أسفارٍ]

(2)

. لقوتِها على قَطْعِ

(3)

الأسْفارِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} .

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يعنى بقولِه جلَّ ثناؤُه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} مِن جُرحٍ أو جُدَرِيٍّ، وأنتم جنبٌ. كما حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ

(4)

، قال: ثنا أبو المُنَبِّهِ

(5)

الفضلُ بنُ سُلَيْمٍ، عن الضحاكِ، عن ابن مسعودٍ قولَه:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} . قال: المريضُ الذي قد أُرْخِص له في التَّيَمُّمِ هو الكسيرُ والجَريحُ، فإذا أصابَت الجَنابةُ الكَسيرَ اغْتَسَل [ولم يَحُلَّ جَبائرَه]

(6)

، والجَريحُ لا يَحُلُّ جراحتَه إلا جِراحةً لا يَخْشَى عليها

(7)

.

حدَّثنا تَميمُ

(8)

بن المُنْتَصِرِ، قال: ثنا إسحاقُ بنُ يُوسُفَ، عن شَريكٍ، عن إسماعيلَ السُّدِّيِّ، عن أبي مالكٍ قال في هذه الآيةِ:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} . قال: هي للمريضِ الذي به الجِراحةُ التي يَخافُ منها أن يَغْتَسِلُ

(9)

، فرُخِّص له في التَّيمُّمِ.

(1)

بعده في م، ت 2، ت 3:"لقوتها".

(2)

سقط من: م، ت 2، ت 3.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(4)

في الأصل: "وضاح". وقد تقدم مرارًا.

(5)

في ت 1: "المنية".

(6)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ت 3.

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 166 إلى المصنف.

(8)

في الأصل: "نعيم". وانظر تهذيب الكمال 4/ 334.

(9)

بعده في ص، م:"فلا يغتسل".

ص: 59

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} . والمرضُ: هو الجِراحُ، والجِراحةُ التي يُتَخَوَّفُ [عليه من]

(1)

الماءِ، إن أصابه ضَرَّ صاحبَه، فذلك يَتَيَمَّمُ صَعِيدًا طَيِّبًا

(2)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا ابن أَبي عَدِيٍّ، عن سعيدٍ، عن قَتادةَ، عن عزرةَ

(3)

، عن سعيدِ بن جبيرٍ في قولِه:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} . قال: إذا كان به جُروحٌ أو قُروحٌ يَتَيَمَّمُ

(4)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا حَكَّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} . قال: مِن القُروحِ تكونُ في الذِّراعَيْن

(5)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: حدَّثنا هارونُ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} . قال: القروحُ في الذِّراعَيْن

(5)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا هارونُ، عن عمرٍو، عن جُوَيْبِرٍ، عن الضَّحَّاكِ، قال: صاحبُ الجِراحةِ التي يُتَخَوَّفُ عليه

(6)

يَتَيَمَّمُ. ثم قرَأ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ}

(7)

.

(1)

في ص، ت 1، ت 2:"عليه منه"، وفى م، ت 3:"عليها من".

(2)

ذكره الطوسي في التبيان 3/ 207.

(3)

في النسخ "عروة" والصواب "عزرة" وقد تقدم مرارًا.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 101 عن عبدة بن سليمان عن سعيد به، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (637 - تفسير) من طريق سعيد عن قتادة قال: قلنا لسعيد بن جبير، وانظر تفسير مجاهد ص 301.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 101 من طريق حماد عن إبراهيم به.

(6)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"منها".

(7)

ذكره الطوسى في التبيان 3/ 207 عن الضحاك.

ص: 60

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهدٍ:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} . والمرضُ أن يُصِيبَ الرجلَ [الجَرْحُ والقُروحُ والجُدَرِيُّ]

(1)

، فيخافَ على نفسِه من بردِ الماءِ وأذاه، يَتَيَمَّمُ بالصَّعِيدِ، كما يَتَيَمَّمُ المسافرُ الذي لا يَجِدُ الماءَ

(2)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا مُعاذُ بنُ هشامٍ، قال: ثنى أبي، عن قَتادةَ، عن عاصمٍ - يعنى الأحْوَلَ - عن الشعبيِّ، أنه سُئِل عن

(3)

المَجْدورِ تُصيبُه الجَنابةُ؟ قال: ذهَب فُرْسانُ هذه الآيةِ

(4)

.

[حدَّثني ابن المثنى، قال: حدَّثني عمرُو بن أبي سَلمةَ، عن سعيدٍ بن

(5)

عبدِ العزيزِ أن عطاءً الخُراسانِيِّ، قال في الرجلِ تكونُ به الجائفةُ والمَأْمومَةُ

(6)

والجُدَرِيُّ، أنهم يَتيمَّمون، ثم تلا هذه الآيةَ:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} . فذَكرتُ ذلك للزهريِّ فلم يَعرفْه]

(7)

(8)

.

وقال آخَرون في ذلك بما حدَّثني به يونُسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ}

{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً

(1)

في ص، ت 1:"الجرح والقرح والجدري"، وفى م، ت 2، ت 3:"الجرح أو القرح أو الجدرى".

(2)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (863) من طريق ابن أبي نجيح به.

(3)

بعده في ص: "قوله".

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 101 من طريق أشعث عن الشعبي به.

(5)

بعده في الأصل: "أبي". والمثبت من مصدر التخريج. وانظر تهذيب الكمال 10/ 539.

(6)

الجائفة: الطعنة التي تبلغ الجوف، والمأمومة: الشَّجَّة التي تبلغ أم الدماغ حتى يبقى بينها وبين الدماغ جلد رقيق. اللسان (ج و ف)، (أ م م).

(7)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(8)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 961 (5364) من طريق سعيد به.

ص: 61

فَتَيَمَّمُوا}. قال: المريضُ الذي لا يَجِدُ أحدًا يَأْتِيه بالماءِ، ولا يَقْدِرُ عليه، وليس له خادِمٌ ولا عَوْنٌ، فإذا لم يَسْتَطِعْ أن يَتَنَاوَلَ الماءَ، وليس عندَه مَن يَأْتِيه به، ولا يَحْبو إليه - تيَمَّم وصلَّى إذا حانَتْه

(1)

الصلاةُ. قال: هذا كلُّه قولُ أَبِي، إذا كان لا يَسْتَطيعُ أن يَتَناوَلَ الماءَ، وليس عندَه مَن يَأْتيه به، فلا يَتْرُكِ الصلاةَ، [وهو أعْذَرُ]

(2)

مِن المسافرِ

(3)

.

فتأويلُ الآيةِ إذن: وإن كنتم جَرْحَى أو بكم قُروحٌ أو كَسْرٌ أو عِلَّةٌ، لا تَقْدِرون معها على الاغتِسالِ من الجَنابةِ، وأنتم مُقيمون غيرُ مسافرين، فتيمَّموا صَعيدًا طيبًا.

وأما قولُه: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} . فإنه يعنى: أو إن كنتم مُسافرين، وأنتم أَصِحَّاءُ جُنُبٌ، فتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طيِّبًا

(4)

.

وكذلك تأويلُ قولِه: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} يقولُ: وإن

(5)

جاء أحدٌ منكم مِن الغائطِ، قد قضَى حاجتَه، وهو مسافرٌ صحيحٌ، فلْيَتَيَمَّمْ صَعيدًا طيبًا أيضًا

(6)

. والغائطُ: ما اتَّسَع مِن الأوْدِيةِ وتصَوَّب، وجُعِل كِنايةَ عن قَضاءِ حاجةِ الإنسانِ؛ لأن العربَ كانت تَخْتارُ قَضاءَ حاجتِها في الغِيطانِ، فكثُر ذلك منها، حتى غلَب ذلك عليهم، فقيل لكلِّ من قضَى حاجتَه، التي كانت تُقْضَى في الغِيطان حيث قضاها مِن الأرضِ: مُتَغَوِّطٌ. و

(6)

جاء فلانٌ مِن الغائطٍ. يعني: قضَى

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"حلت".

(2)

في الأصل: "وهذا أعذر".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 166 إلى المصنف.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"أو".

(6)

سقط من: م، ت 2، ت 3.

ص: 62

حاجتَه التي كانت تُقْضَى في الغيطانِ

(1)

مِن الأرضِ.

وذُكِرَ عن مُجاهِدٍ أنه قال في الغائطِ: الوادى.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهدٍ:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} . قال: إن

(2)

الغائطَ الوادي

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قوله جل ثناؤُه: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} .

قال أبو جعفرٍ: يعنى تعالى ذكرُه بقولِه ذلك: أو باشَرْتُم النساءَ بأبدانِكم

(4)

.

ثم اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في اللَّمْسِ الذي عناه اللهُ جلَّ ثناؤُه بقولِه: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} ؛ فقال بعضُهم: عنَى بذلك الجِماعَ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا حُميدُ بنُ مَسْعَدةَ، قال: ثنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: ذكَروا اللَّمْسَ، فقال ناسٌ من المَوالى: ليس بالجماعِ. وقال ناسٌ مِن العربِ: اللَّمْسُ الجماعُ. قال: فأَتَيْتُ ابنَ عباسٍ، فقلتُ: إنّ ناسًا مِن الموالى والعربِ اخْتَلَفوا في اللمسِ، فقالت الموالي: ليس الجماعَ. وقالت العربُ: الجماعُ. قال: مِن أيِّ الفريقَيْن كنتَ؟ قلتُ: [كنتُ من]

(5)

الموالي. قال:

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"الغائط".

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 961 (5366) من طريق أبي حذيفة به.

(4)

في ص، م، ت 2، ت 3:"بأيديكم".

(5)

في الأصل: "مع".

ص: 63

غُلِب فريقُ المَوالى؛ إن المسَّ و

(1)

اللَّمسَ والمُباشَرةَ الجِماعُ، ولكنَّ الله يَكْنِى ما شاء بما شاء

(2)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي بِشرٍ

(3)

، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ مثلَه (2).

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ، قال: سمِعْتُ سعيدَ بنَ جبيرٍ يُحدِّث عن ابن عباسٍ، أنه قال:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} . قال: هو الجماعُ

(4)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا وهبُ بنُ جَريرٍ، قال: ثنا أبي، عن قتادةَ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: اختَلفتُ أنا وعطاءٌ وعبيدُ بنُ عميرٍ في قولِه: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} . فقال عبيدُ بنُ عميرٍ: هو الجماعٌ. وقلتُ أنا وعطاءٌ: هو اللَّمْسُ. قال: فدخَلْنا على ابن عباسٍ، فسأَلْناه، فقال: غُلِب فريقُ المَوالى وأصابَت العربُ، هو الجِماعُ، ولكنَّ الله يَعِفُّ ويَكْنِى

(5)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبدُ الأعلى، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن عِكرمةَ وسعيدِ بن جبيرٍ وعطاءِ بن أبي رَباحٍ وعُبيدِ بن عُميرٍ، اخْتَلَفوا فِي المُلامَسةِ، فقال

(1)

سقط من: م.

(2)

أخرجه البيهقى 1/ 125 من طريق وهب بن جرير عن شعبة به، وسعيد بن منصور في سننه (640، 641 - تفسير)، وابن أبي شيبة 1/ 166 من طريق أبي بشر به، وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 166، وابن المنذر في الأوسط 1/ 116 (908) من طرق عن سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 166 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"قيس". وأبو بشر هو جعفر بن إياس وهو ابن أبي وحشية. وانظر تهذيب الكمال 5/ 5.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 166، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 961 (5367) عن وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 166 إلى ابن المنذر، وانظر الأثر السابق.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (506) عن معمر عن قتادة به في مصنفه.

ص: 64

سعيدُ بنُ جُبيرٍ وعطاءٌ: المُلامَسةُ ما دونَ الجِماعِ. وقال عُبيدٌ: هو النِّكاحُ. فخرَج عليهم ابن عباس، فسأَلوه، فقال: أخطَأ المَوْلَيَان، وأصاب العربيُّ، الملامسةُ النكاحُ، ولكنَّ الله يَكْنِى ويَعِفُّ.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ بشرٍ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، قال: اجْتَمَع سعيدُ بنُ جبيرٍ وعطاءٌ وعبيدُ بنُ عميرٍ، فذكَر نحوَه.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ عَثْمةَ، قال: ثنا سعيدُ بنُ بَشيرٍ، عن قتادةَ، قال: قال سعيدُ بنُ جُبيرٍ وعطاءٌ في اللِّماسِ

(1)

: الغَمْرُ باليد. وقال عُبيدُ بنُ عُميرٍ: الجِماعُ. فخرَج عليهم ابن عباسٍ فقال: أخْطَأ المَوْلَيانِ، وأصاب العربيُّ، ولكنَّه يَعِفُّ ويَكْنِى.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ ويعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال:[حدَّثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ، قال: حدَّثنا خالدٌ الحذاءُ، عن عكرمة، قال]

(2)

: قال ابن عباسٍ: اللمسُ الجماعُ

(3)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ وعبدُ الوَهَّابِ، عن خالدٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ مثلَه.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، قال: ثنا أبو بشرٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: اللمسُ والمَسُّ والمُباشَرَةُ: الجماعُ، ولكنَّ الله يَكْنِى بما شاء

(4)

.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"التماس".

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(3)

أخرجه ابن المنذر في الأوسط 1/ 116 (7) من طريق عاصم الأحوال عن عكرمة به، وعبد بن حميد، كما في الفتح 8/ 272 من طريق عكرمة به.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (641 - تفسير)، وابن أبي شيبة في المصنف 1/ 167، والبيهقى 7/ 424، 425 كلهم من طريق هشيم به، وتقدم في حاشية (2) في الصفحة السابقة.

ص: 65

حدَّثنا عبدُ الحميدِ بنُ بَيانٍ، قال: ثنا إسحاقُ الأزْرقُ، عن سفيانَ، عن عاصمٍ الأحْولِ، عن بكرِ بن عبدِ اللهِ، عن

(1)

ابن عباسٍ، قال: المُلامَسةُ الجِماعُ، ولكنَّ الله كَريمٌ يَكْنِي عما شاء

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بن عبدِ الحَكَمِ، قال: ثنا أيوبُ بنُ سُوَيْدٍ، عن سفيانَ، عن عاصمٍ، عن بكرِ بن عبدِ اللهِ، عن ابن عباسٍ مثلَه.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عن داودَ، عن جعفرِ بن أبى وَحْشِيَّةَ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، قال: اخْتَلَفت العربُ والمَوالِي في المُلامَسةِ على بابِ ابن عباسٍ، فقالت العربُ: الجماعُ. وقالت المَوالِي: باليدِ. قال: فخرج ابن عباسٍ، فقال: غُلِب فريق الموالى، الملامسةُ: الجِماعُ

(3)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبدُ الوهَّابِ، قال: ثنا داودُ، عن رجلٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ قال: كنا على بابِ ابن عباسٍ. فذكَر نحوَه.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا يزيدُ بنُ هارونَ، قال: حدَّثنا داودُ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: قعَد قومٌ على بابِ ابن عباسٍ. فذكَر نحوَه.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} . والملامَسةُ هو النكاحُ

(4)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا ابن نُمَيْرٍ، عن الأعمشِ، عن عبدِ الملكِ بن مَيْسَرةَ،

(1)

سقط من: م.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 908 (5066) من طريق سفيان به نحوه، وأخرجه عبد الرزاق كما في الفتح 8/ 272 من طريق بكر به.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 166 من طريق داود به، وتقدم في ص 64 حاشية (2).

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 912 (5091) من طريق عبد الله بن صالح به نحوه، وعلقه البخاري 8/ 271.

ص: 66

عن سعيدِ بن جُبيرٍ، قال: اجْتَمَعَت المَوالى والعربُ في المسجدِ وابنُ عباسٍ في الصُّفَّةِ، فاجْتَمَعَت الموالى على [أن اللمسَ ما]

(1)

دونَ الجماعِ، واجْتَمَعَت العربُ على أنه الجِماعٌ، فقال ابن عباسٍ: من أيِّ الفريقَيْن أنت؟ قلتُ: مِن الموالى. قال: غُلِبَت الموالي

(2)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن أبي إسحاقَ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: اللمسُ الجماعُ

(3)

.

وبه عن سفيانَ، عن عاصمٍ، عن بكرٍ، عن ابن عباسٍ مثلَه

(4)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا حفصٌ، عن الأعمشِ، عن حَبيبٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: هو الجماعُ

(5)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا مالكٌ، عن زُهَيْرٍ، عن خُصيفٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ مثلَه

(6)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا حفصٌ، عن داودَ، عن جعفرِ بن إياسٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} . قال: الجِماعُ

(7)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن أشعثَ، عن الشعبيِّ، عن

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"أنه اللمس".

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 166 من طريق الأعمش به نحوه.

(3)

تقدم تخريجه ص 64 حاشية (4).

(4)

تقدم تخريجه في الصفحة السابقة حاشية (2).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 166 عن حفص به.

(6)

تقدم تخريجه ص 65 حاشية (4).

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 166 من طريق حفص به.

ص: 67

عليٍّ رضي الله عنه، قال: الجِماعُ

(1)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا عبدُ الأعلى، عن يونُسَ، عن الحسنِ، قال: الجماعُ

(2)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا مالكٌ [عن زُهَيرٍ]

(3)

، عن خُصيفٍ، قال: سأَلْتُ مجاهدًا، فقال ذلك

(4)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ والحسنِ، قالا: غِشْيانُ النساءِ

(5)

.

وقال آخَرون: عنَى اللهُ بذلك كلَّ لمسٍ، بيدٍ كان أو بغيرِها مِن أعْضاءِ جسدِ الإنسانِ، وأَوْجَبوا الوضوءَ على

(6)

مَن مسَّ بشَيْءٍ

(7)

من جسدِه شيئًا مِن جسدِها مُفْضِيًا إليه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 166 من طريق أشعث عن الشعبي عن أصحاب على عن علي، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 166 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 166 من طريق عبد الأعلى به.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، وقد تقدم مرارًا.

(4)

أخرجه البغوي 2/ 222 بإسناده عن مجاهد.

(5)

أخرجه البغوي 2/ 222 بإسناده عن قتادة والحسن.

(6)

بعده في الأصل: "كل".

(7)

في الأصل: "شيء".

ص: 68

مُخارِقٍ، عن طارقِ بن شِهابٍ، عن عبدِ الله، أنه قال شيئًا هذا معناه: الملامسةُ ما دونَ الجِماعِ

(1)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن منصورٍ، عن هِلالٍ، عن أبي عُبيدةَ، عن عبدِ اللهِ، أو عن أبي عُبيدةَ - منصورٌ الذي شكَّ - قال: القُبلةُ مِن اللَّمس

(2)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن مُخارِقٍ، عن طارقٍ، عن عبدِ اللهِ، قال: اللمسُ ما دونَ الجِماعِ (1).

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن شعبةَ، عن المغيرةِ، عن إبراهيمَ، قال: قال ابن مسعودٍ: اللمسُ ما دونَ الجماعِ

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سُفيانَ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، عن أبي عُبيدةَ، عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ، قال: القُبْلَةُ مِن اللَّمْسِ

(4)

.

حدَّثنا أبو السائبِ، قال: ثنا أبو مُعاويةَ، وحدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا ابن

(1)

أخرجه مسدد كما في المطالب 1/ 471، 472 (140)، وابن المنذر في الأوسط 1/ 118 (12)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 161 (5368)، والبيهقى 1/ 124، من طريق شعبة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 166 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"المس"، والأثر أخرجه الدارقطنى 1/ 145 من طريق شعبة به.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 166 عن وكيع عن سفيان عن مغيرة به، والطبراني (9229) من طريق حماد عن إبراهيم به.

(4)

أخرجه الدارقطني 1/ 145 من طرق سفيان الثورى به، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 1/ 133 (500)، وسعيد بن منصور في سننه (639 - تفسير)، والطبراني (9227) من طريق سفيان بن عيينة به، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 1/ 133 (499)، وابن أبي شيبة 1/ 45، وابن المنذر في الأوسط 1/ 117، 118 (11)، (14)، والدارقطنى 18/ 145، والبيهقى 1/ 124 من طرق عن الأعمش به.

ص: 69

فُضَيْل، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، عن أبي عُبيدةَ، عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ، قال: القُبْلَةُ من اللَّمْسِ، وفيها الوضوءُ

(1)

.

حدَّثنا تَميمُ بنُ المُنْتَصرِ، قال: أَخْبَرَنا إسحاقُ، عن شَريكٍ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، عن أبي عُبيدةَ، عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ مثلَه.

حدَّثنا أحمدُ بنُ عَبْدةَ الضَّبِّيُّ، قال: أخْبرَنا سُلَيمُ بنُ أَخْضَرَ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عن محمدٍ، قال: سأَلْتُ عَبيدةَ عن قولِه: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} . قال: فأشار بيدِه هكذا. وحكاه سُلَيْمٌ، وأراناه أبو عبدِ اللهِ

(2)

، فضمَّ أصابِعَه

(3)

.

حدَّثني يعقوبُ وابنُ وَكيعٍ قالا: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن سَلَمَةَ بن عَلْقَمَةَ، عن محمدٍ، قال: سأَلْتُ عَبيدةَ، عن قولِه:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} . فقال بيدِه، فظننتُ ما عنَى، فلم أَسْأَلْه

(4)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن ابن عَوْنٍ، قال: ذكَروا عندَ محمدٍ مَسَّ الفرجِ، وأَظُنُّهم ذكَروا ما قال ابن عمرَ في ذلك، فقال محمدٌ: قلتُ لعَبيدةَ: قولَه: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} . فقال بيدِه. فقال ابن عونٍ بيدِه، كأنه يتناوَل شيئًا يَقْبِضُ عليه

(5)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، قال: أخبرَنا خالدٌ، عن محمدٍ، قال: قال

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 166 عن ابن فضيل به.

(2)

هو أحمد بن عبدة الضبّى.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 166 عن وكيع، عن ابن عون به.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (643 - تفسير)، وابن أبي شيبة 1/ 163، 166 عن ابن علية به، بزيادة ذكر ابن عمر كما في الأثر الآتي.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 163 من طريق محمد بن سيرين به.

ص: 70

عَبيدةُ: اللمسُ باليدِ

(1)

.

[حدَّثني يعقوبُ]

(2)

، قال: ثنا ابن عُليةَ، عن هشامٍ، عن محمدٍ، قال: سأَلْتُ عَبيدةَ عن هذه الآيةِ: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} . فقال بيدِه، وضمَّ أصابعَه، حتى عرَفْتُ الذي أراد.

حدَّثني يونُسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: أخبرَنى عبدُ

(3)

اللهِ بنُ عمرَ، عن نافعٍ، أن عبدَ اللهِ بنَ عمرَ كان يَتَوَضَّأُ مِن قُبْلِةِ المرأةِ، ويَرَى فيها الوضوءَ، ويقولُ: هي مِن اللِّماسِ

(4)

.

حدَّثنا عبدُ الحميدِ بنُ بَيانِ، قال: أَخْبَرَنا محمدُ بنُ يزيدَ، عن إسماعيلَ، عن عامرٍ، قال: المُلامَسةُ ما دونَ الجماعِ

(5)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا مُحِلُّ بنُ مُحْرِزٍ، عن إبراهيمَ، قال: اللمسُ مِن شهوةٍ يَنْقُضُ الوضوءَ

(6)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، قال: أخبرنا شُعبةُ، عن الحكمِ وحمادٍ، أنهما قالا: اللمسُ ما دونَ الجِماعِ

(7)

.

(1)

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 1/ 134 (504)، وفي التفسير 1/ 184 من طريق أيوب عن ابن سيرين به.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(3)

في م: "عبيد الله"، وانظر تهذيب الكمال 16/ 278.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (497)، والدارقطنى 12/ 145 من طريق عبد الله بن عمر العمرى به. وأخرجه الدارقطني 1/ 145 من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر به، وابن أبي شيبة 1/ 45 ومن طريقه الدارقطني 1/ 145 من طريق عبيد الله بن عمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر. وهو في الموطأ 1/ 43 (64)، وعند الشافعي وابن المنذر والبيهقي وغيرهم.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 166 من طريق إسماعيل به.

(6)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف 1/ 133 (501) من طريق محل به.

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 45، 46 من طريق شعبة بنحوه.

ص: 71

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبدُ الأعلى، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن عطاءٍ قال: المُلامَسةُ ما دونَ الجِماعِ

(1)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا حفصٌ، عن أشعثَ، عن الشعبيِّ، عن أصحابِ عبدِ اللهِ، عن عبدِ اللهِ، قال

(2)

: ما دونَ الجماعِ

(3)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا جَريرٌ، عن بَيانٍ، عن عامرٍ، عن عبدِ اللهِ، قال: الملامسةُ ما دونَ الجماعِ

(4)

.

[حدَّثنا ابن وكيعٍ]

(5)

قال: ثنا جَرِيرٌ، عن مُغيرةَ، عن إبراهيمَ، عن عبدِ اللهِ مثلَه

(6)

.

[حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن أبيه، عن منصور، عن إبراهيمَ، عن عبدِ اللهِ مثلَه]

(5)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن مُغيرةَ، عن إبراهيمَ، عن عبدِ اللهِ مثلَه

(6)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ بشرٍ، عن سعيدٍ، عن أبي مَعْشَرٍ، عن إبراهيمَ، قال: قال عبدُ اللهِ: المُلامَسةُ ما دونَ الجماعِ. ثم قرَأ: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} .

(1)

تقدم تخريجه ص 64، 65 حاشية (5).

(2)

بعده في م: "الملامسة".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 166 من طريق حفص به.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (638 - تفسير)، والطبراني (9228) من طريق بيان به.

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 166 من طريق سفيان عن مغيرة به. وتقدم تخريجه ص 69 حاشية (3).

ص: 72

[حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدَّثنا ابن بشرٍ، عن زكريا، قال عامرٌ: المُلامسةُ ما دونَ الجماعِ]

(1)

(2)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا جَريرٌ، عن هشامٍ، عن ابن سِيرينَ، قال: سأَلْتُ عَبيدَة عن: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} . فقال بيدِه هكذا، فعرَفْتُ ما يَعْنى

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن أبيه وحسنِ بن صالحٍ، عن منصورٍ، عن هلال بن يسافٍ، عن أبي عُبيدةَ، قال: القبلةُ مِن اللمسِ

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا مالكُ بنُ إسماعيلَ، عن زُهَيْرٍ، عن خُصَيفٍ، عن أبي عُبيدةَ: القُبلةُ والشيءُ

(5)

.

قال أبو جعفرٍ: وأولى القولَيْن في ذلك بالصوابِ قولُ من قال: عنَى اللهُ بقولِه: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} : الجماعَ دونَ غيرِه من معاني اللمسِ؛ لصحةِ الخبرِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعضَ نسائِه، ثم صلَّى ولم يَتَوَضَّأُ.

حدَّثني بذلك إسماعيلُ بن موسى السُّديُّ، قال: أَخْبَرَنا أبو بكرِ بنُ عَيَّاشٍ، عن الأعمشِ، عن حَبيبِ بن أبي ثابتٍ، عن عروةَ، عن عائشةَ، قالت: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ، ثم يُقَبِّلُ، ثم يُصَلِّي ولا يَتَوَضَّأُ

(5)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن الأعمشِ، عن حَبيبٍ، عن عروةَ، عن عائشةَ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قبل بعضَ نسائِه، ثم خرَج إلى الصلاةِ ولم يَتَوَضَّأُ. قلتُ: مَن

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(2)

تقدم تخريجه ص 71 حاشية (6).

(3)

تقدم نحوه عن عبيدة ص 70.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 166 من طريق وكيع عن الحسن به. وتقدم تخريجه ص 69 حاشية (2).

(5)

أخرجه الدارقطني 1/ 138 من طريق إسماعيل بن موسى به.

ص: 73

هي إلا أنتِ. فضحِكَت

(1)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا حفصُ بنُ غِياثٍ، عن حجاجٍ، عن عمرِو بن شعيبٍ، عن زَيْنبَ السَّهْميةِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يُقَبِّلُ، ثم يُصَلِّي ولا يَتَوَضَّأُ

(2)

.

حدَّثنا أبو زيدٍ عمرُ بنُ شَبَّةَ، قال: ثنا شِهابُ

(3)

بنُ عبادٍ، قال: ثنا مِنْدَلٌ، عن ليثٍ، عن عطاءٍ، عن عائشةَ، وعن أبي رَوْقٍ، عن إبراهيمَ التَّيْميِّ، عن عائشةَ، قالت: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنالُ منى القُبْلَة بعدَ الوُضوءِ، ثم لا يُعيدُ الوُضوءَ

(4)

.

حدَّثنا سعيدُ بنُ يحيى الأُمَويُّ، قال: ثنى أبي، قال: ثنا يزيدُ بنُ سِنانٍ، عن عبدِ الرحمنِ الأوْزاعيِّ، عن يحيى بن أبى كَثيرٍ، عن أبي سَلَمَةَ، عن أُمِّ سَلَمَةَ، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يُقَبِّلُها وهو صائمٌ، ثم لا يُفْطِرُ، ولا يُحْدِثُ وُضوءًا

(5)

.

ففى صحةِ الخبرِ فيما ذكَرْنا عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّلالةُ الواضحةُ على أن اللَّمْسَ في هذا الموضعِ لَمْسُ الجِماعِ، لا جَميعُ معاني اللَّمْسِ، كما قال الشاعرُ

(6)

:

وهُنَّ يَمْشين بنا هَمِيسَا

إنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَميسَا

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 44، وأحمد 6/ 210 (ميمنية)، وأبو داود (179)، وابن ماجه (502)، والترمذى (86) عن وكيع به، وابن المنذر في الأوسط 1/ 128 (15)، والدارقطنى 1/ 137، 138 (15).

(2)

أخرجه أحمد 6/ 62 (ميمنية)، وابن ماجه (503)، من طريق حجاج عن عمرو بن شعيب عن زينب عن عائشة به، وذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 279 نقلًا عن المصنف.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"سهاد".

(4)

أخرجه الدارقطني 1/ 137، 142 من طريق عطاء عن عائشة به، وأخرجه عبد الرزاق (511)، وابن أبي شيبة 1/ 45، وأحمد 6/ 210 (ميمنية)، وأبو داود (178)، والنسائى (170)، والدارقطني 1/ 139، 140 (20) من طريق أبى روق به.

(5)

أخرجه الطبراني في الأوسط (3805) من طريق سعيد بن يحيى به، وذكره الهيثمي في المجمع 1/ 247 وقال: وفيه يزيد بن سنان ضعفه أحمد

وبقية رجاله موثقون.

(6)

تقدم في 3/ 459.

ص: 74

يعنى بذلك: نَنِكْ لِماسًا

(1)

.

وذُكر أن هذه الآيةَ نزَلَت في قومٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أصابَتْهم جَنابةٌ وهم جراحٌ

(2)

.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سُوَيْدُ بن نصر، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عن محمدِ بن جابرٍ، عن حمادٍ، عن إبراهيمَ، في المريضِ لا يَسْتَطيعُ الغُسْلَ مِن الجَنابةِ أو الحائضِ، قال: يُجْزِئُهم التَّيممُ. [وقال: أصابَ]

(3)

أصحابَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِراحةٌ، ففشَتْ فيهم، ثم ابْتُلُوا بالجَنابةِ، فشكَوْا ذلك إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فنزَلَت:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} الآية كلّها

(4)

.

وقال آخَرون: بل نزَلَت في قومٍ مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَعْوَزَهم الماءُ، فلم يَجِدُوه في سَفرٍ لهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن عبدِ الأعْلَى، قال: ثنا المُعْتَمِرُ بن سليمان، قال: سَمِعْتُ عُبيدَ اللهِ بنَ عمرَ، عن عبدِ الرحمنِ بن القاسمِ، عن عائشةَ، أنها قالت: كنتُ في مَسيرٍ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بذاتِ الجَيْشِ

(5)

، ضَلَّ عِقْدى، فَأَخْبَرْتُ بذلك

(1)

في الأصل: "لمسا". هذا ولم نجد فيما اطلعنا عليه من المراجع أن اللميس هي المرأة الناعمة الملمس، وأنها علم على النساء، كما تقدم في 3/ 446.

(2)

كذا في النسخ، ولم نجد فيما اطلعنا عليه من المراجع هذا الجمع. فلعل السياق: وفيهم جراح.

(3)

في م: "ونال".

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 101 من طريق حماد به بنحوه.

(5)

ذات الجيش: وادٍ قرب المدينة. التاج (ج ى ش).

ص: 75

النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأمَر بالْتماسِه، فالْتُمِس فلم يُوجَدْ، فأناخ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأناخ الناسُ، فباتوا ليلتَهم تلك، فقال الناسُ: حبَسَت عائشةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم. قالت: فجاء إليَّ أبو بكرٍ، ورأسُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حِجْرِى وهو نائمٌ، فجعَل يَهْمِرُني ويَقْرُصُنى ويَقولُ: مِن: أجلِ عِقْدِك حبَسْتِ [النبيَّ صلى الله عليه وسلم]

(1)

! قالت: فلا أَتَحَرَّكُ مَخافةَ أن يَسْتَيْقِظَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وقد أَوْجَعَنى فلا أَدْرِى كيف أَصْنَعُ، فلمَّا رآني لا أُحيرُ

(2)

إليه انْطَلَق؛ فلمَّا اسْتَيْقَظَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأراد الصلاةُ فلم يَجِدْ ماءً، قالت: فأَنْزَلَ اللهُ تعالى آيةَ التَّيممِ. قالت: فقال ابن حُضَيْرٍ: ما هذا بأوَّلِ بَرَكتِكم يا آل أبي بكرٍ

(3)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابن عُليةَ، عن أيوبَ، عن ابن أبي مُلَيْكةَ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان في سفرٍ، ففقدت عائشةُ قِلادةً لها، فأمَر الناسَ بالنُّزولِ، فنزَلوا وليس معهم ماءٌ، فأَتى أبو بكرٍ على عائشةَ، فقال لها: شَقَقْتِ على الناسِ. وقال أيوبُ بيدِه، يَصِفُ أنه قرَصَها، قال: ونزَلَت آيةُ التَّيمُّمِ، ووُجِدَت القِلادةُ في مُناخِ البَعيرِ، فقال الناسُ: ما رأَيْنا قطُّ امرأةً أعْظَمَ بَركةً منها

(4)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الهِلاليُّ، قال: ثني عِمْرانُ بنُ محمدٍ الحَدَّادُ، قال: ثنى الربيعُ بنُ بدرٍ، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن رجلٍ منا مِن بَلَعْرَجِ

(5)

، يقال له: الأسْلَعُ. قال: كنتُ أَخْدِمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأَرْحَلُ له، فقال لى ذاتَ ليلةٍ:"يا أَسْلَعُ، قُمْ فارْحَلْ لى". قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أصابَتْنَى جَنابةٌ. فسكَتَ ساعةً، ثم دعاني،

(1)

في الأصل: "الناس".

(2)

لا أحير إليه: لا أرد إليه جوابا. اللسان (ح و ر).

(3)

سيأتي من طريق عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة بنحوه في ص 78، ولعله قد سقط لفظة:"عن أبيه" من هذا الإسناد.

(4)

سيأتي من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة في ص 79.

(5)

بلعرج: هي قبيلة بني قبيلة بني الأعرج.

ص: 76

وأتاه جبريلُ عليه السلام بآيةِ الصَّعيدِ، ووصَف لنا ضرْبَتَيْن

(1)

.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبَرَنا ابن وهبٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ خالدٍ، قال: حدثنا الربيعُ بنُ بدرٍ، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن رجلٍ منا، يقالُ له: الأَسْلَعُ. قال: كنتُ أَخْدِمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم. فذكَر مثلَه، إلا أنه قال: فسكَتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيئًا - أو قال: ساعةً. الشكُّ مِن عمرٍو - قال: وأتاه جبريلُ عليه السلام بآيةِ الصَّعيدِ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"قُمْ يا أَسْلَعُ فَتَيَمَّمُ". قال: فتَيَمَّمْتُ، ثم رَحَلْتُ له، قال: فسِرْنا حتى مرَرْنا بماءٍ، فقال:"يا أَسْلَعُ، مَسَّ - أو: أمِسَّ - هذا جِلْدَك". قال: وأَرانى التَّيَمُّمَ، كما أراه أبوه؛ ضَرْبةً للوجهِ، وضَرْبةً لليدين و

(2)

المِرْفقَيْن

(3)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا حفصُ بنُ بُغيلٍ

(4)

، قال: ثنا زُهَيْرُ بنُ مُعاويةَ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ عثمانَ بن خُثَيْمٍ، قال: ثنى عبدُ اللهِ بنُ عُبِيدِ اللهِ بن أبي مُلَيْكَةَ، أنه حدَّثه ذَكْوانُ أبو عمرٍو حاجبُ عائشةَ، أن ابنَ عباسٍ دخَل عليها في مرضِها، فقال: أَبْشِرِى، كنتِ أَحَبَّ نساءِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولم يَكُنْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ إلا طَيِّبًا، وسقَطَت قِلادَتُك ليلةَ الأَبْوَاءِ

(5)

، فَأَصْبَح رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَلْتَقِطُها، حتى أصْبَح في المَنْزِلِ، فأصْبَح الناسُ ليس معهم ماءٌ، فأنْزَل اللهُ:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ، فكان ذلك من سببِك، وما أذِن اللهُ لهذه

(1)

أخرجه الدارقطني 1/ 179، والبيهقى 1/ 208، والطبراني (876) من طريق الربيع بن بدر به. وهو في تفسير مجاهد ص 301 من طريق آدم عن الربيع بن بدر به.

(2)

في م: "إلى".

(3)

أخرجه الطبراني (875) من طريق عمرو بن خالد به.

(4)

في النسخ: "نفيل". وهو تحريف، والمثبت هو الصواب. وانظر تهذيب الكمال 7/ 5، وتبصير المنتبه 1/ 97.

(5)

الأبواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلى المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا. معجم البلدان 1/ 100.

ص: 77

الأُمَّةِ مِن الرُّخْصَةِ

(1)

.

حدَّثنا سفيانُ بنُ وَكيعٍ، قال: ثنا ابن نُمَيْرٍ، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشةَ، أنها اسْتعَارَت مِن أسماءَ قِلادةً، فهَلَكَت، فبعَث رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رِجالًا في طلبِها، فوجَدوها، وأدْرَكَتهم الصلاةُ وليس معهم ماءٌ، فصلَّوْا بغيرِ وُضوءٍ. فشكَوْا ذلك إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأنْزَل اللهُ آيةَ التَّيممِ، فقال أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ لعائشةَ: جزاكِ اللهُ خيرًا، فواللهِ ما نزَل بكِ أمرٌ تَكْرَهينه إلا جعَل اللهُ لكِ وللمسلمين فيه خيرًا

(2)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بن وهبٍ، قال: ثنى عمى عبدُ اللهِ بنُ وهبٍ، قال: أَخْبَرَني عمرُو بنُ الحارثِ، أن عبدَ الرحمنِ بنَ القاسمِ، حدَّثه عن أبيه، عن عائشةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: سقَطَت قِلادةٌ لى بالبَيْداءِ، ونحن داخِلون إلى المدينةِ، فأناخ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونزَل، فبينا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حِجْرى راقدٌ، أقْبَل أبي، فلكَزَنى لكْزةً

(3)

، ثم قال: حبِسْتِ الناسَ [في قِلادةٍ! فقالت عائشةُ: فَبِيَ الموتُ؛ لِمكان رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم منى وقد أوجعَنى]

(4)

، ثم إن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَيْقَظ وحضَرَت الصبحُ، فالتُمِس ماءٌ

(5)

، فلم يُوجَدْ، ونزَلَت:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآيةَ [المائدة: 6]. قال: أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ: لقد بارَك اللهُ

(1)

أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 75، والدارمي في الرد على الجهمية ص 22 من طريق زهير به، وأحمد 4/ 298، 300 (2496، 3262) من طريق ابن خثيم به.

(2)

أخرجه أحمد 6/ 57 (ميمنية)، والبخارى (336)، من طريق ابن نمير به.

وأخرجه البخارى (3774، 4583، 5882)، ومسلم (367/ 109)، وأبو داود (317)، والنسائي (322)، وابن ماجه (568) من طرق عن هشام به.

(3)

اللَّكز: هو الضرب بجُمْع الكف في جميع الجسد. وقيل: هو الوجء في الصدر. تاج العروس (ل ك ز).

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(5)

في م: "الماء".

ص: 78

للناس فيكم يا آل أبي بكر، ما أنتم إلا بركةٌ

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ شَبِيبٍ، قال: ثنا ابن عُيَيْنَةَ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ عثمانَ بن خُثَيْمٍ، عن عبدِ اللهِ بن أبى مُلَيْكَةَ، قال: دخلَ ابن عباسٍ على عائشةَ، فقال: كنتِ أعْظمَ المسلمين بركةً على المسلمين، سقَطَت قِلادتُكَ بالأَبْواءِ، فَأَنْزَل اللهُ فيك آيةَ التيممِ

(2)

.

[حدَّثني سعيدُ بنُ الربيعِ الرازيُّ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن هشامِ بن

(3)

عُروة، عن أبيه، قال: سقَطت قِلادةٌ لها ليلةَ بالأبْواءِ، فأرسَل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من رجلَين، فأدركَتْهما الصلاةُ، ولم يكنْ معهما ماءٌ، فلم يَدْرِيا كيف يَصنعان، فأنزَل اللهُ التيممَ، فقال لها أُسيدُ بنُ حُضَيرٍ: جزاكِ اللهُ خيرًا، فما نزَل بك أمرٌ تَكرهينه إلا جعَل اللَّهُ لكِ منه مَخرجا، وجعَل للمسلمين فيه خيرًا

(4)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: حدثنا ابن أبى عديٍّ، قال: حدَّثنا أبو عامرٍ، عن ابن أبي مُلَيكةَ، عن عائشةَ، قالت: كنا في مَسيرٍ ففقدتُ قِلادتي فالتمستُها، فجاء أبو بكرٍ، فقال: حبَستِ الناسَ وقد حضَرت الصلاةُ وليس ماءٌ! فقلتُ: أبي، فقدتُ قِلادَتى، فقال: قبَّحَها اللهُ مِن قِلادَةٍ. فأناخَ، وأناخ الناسُ، ونزَلت آيةُ التُّيمُّمِ، فتيمَّم الناسُ وصَلُّوا الغَداةَ. قال ابن أبى مُلَيكَةَ: إنها كانت مباركةً]

(5)

(6)

.

(1)

أخرجه البخاري (4608، 6845) من طريق ابن وهب به. وأخرجه مالك ومن طريقه أحمد 6/ 179 (ميمنية)، والبخارى (334، 3672، 5250)، ومسلم (367)، والنسائى (309) وغيرهم عن عبد الرحمن بن القاسم به.

(2)

أخرجه الحاكم 4/ 8، 9 من طريق ابن عيينة به، وأخرجه أحمد 3/ 389 (1905)، وابن حبان (7108)، وأبو نعيم 2/ 45 من طرق عن ابن خثيم به.

(3)

في الأصل: "عن". وهو خطأ.

(4)

أخرجه الحميدى (165) عن سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة به.

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(6)

تقدم من طريق عروة والقاسم عن عائشة في ص 78.

ص: 79

واخْتَلَفت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} ؛ فقرَأ ذلك عامَّةُ قرَأةِ أهلِ المدينةِ وبعضُ البصريين والكوفيين {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} ، بمعنى: أو لَمَسْتُم نساءَكم ولمَسْنَكم.

وقرَأ ذلك عامةُ قرِأة الكوفيين: (أوْ لَمَسْتُمُ النِّساء) بمعنى: أو لَمَسْتُم أنتم أيُّها الرجالُ نساءَكم

(1)

.

وهما قراءتان مُتَقارِبتا المعنى؛ لأنه لا يَكونُ الرجلُ لامِسًا امرأتَه إلا وهى لامِستُه، فاللَّمْسُ في ذلك يَدلُّ على معنى اللِّماس، واللِّماسُ على معنى اللمسِ مِن كلِّ واحدٍ منهما صاحبَه، فبأيِّ القراءتين قرَأ ذلك القارئُ فمُصيبٌ؛ لاتفاقِ معنَيَيهْما.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} .

قال أبو جعفرٍ: يعني بقولِه جلَّ ثناؤُه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} : أو لمَسْتُم النساءَ، فطلَبْتُم الماءَ لتَتَطَهَّرُوا به، فلم تَجِدوه بثمنٍ ولا غيرِ ثمنٍ {فَتَيَمَّمُوا}. يقولُ: فتعَمَّدوا. وهو "تفَعَّلوا" مِن قوِل القائلِ: تيَمَّمْتُ كذا - إِذا قصَدْتَه وتَعَمَّدْتَه - فأنا أَتَيَمَّمُه. وقد يقال منه: يمَّمَه فلانٌ فهو يُتَمِّمُه، وأمَّمْتُه

(2)

أنا وأمَمْتُه خفيفةً، وتَيَمَّمْتُ وتأمَّمْتُ، ولم يُسمَع فيها يَمَمْتُ خَفيفةً، ومنه قولُ أغْشَى بني ثعلبةَ

(3)

:

تَيَمَّمْتُ قَيْسًا وكم دونَه

من الأرضِ من مَهْمَةٍ ذى شَزَنْ

يعني بقوله: تيمَّمت: تعَمَّدْتُ وقصَدْتُ.

وقد ذُكِر أنها في قراءةِ عبدِ اللَّهِ: (فأُمُّوا صَعِيدًا)

(4)

.

(1)

قراءة: (لمستم) بغير ألف هي قراءة حمزة والكسائي، وقراءة:{لَامَسْتُمُ} بألف هي قراءة الباقين. ينظر السبعة في القراءات ص 234 وحجة القراءات ص 204، 205.

(2)

في م: "وأيممته".

(3)

تقدم تخريجه في 4/ 698.

(4)

هي شاذة لم ترد عن أحد من العشرة.

ص: 80

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عَبْدانُ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ المبارك، قال: سمِعْتُ سفيانَ يقولُ في قولِه: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} . قال: تَحَرَّوْا؛ تعَمَّدوا

(1)

صَعيدًا طيِّبًا

(2)

.

وأما الصَّعيدُ، فإن أهلَ التأويلِ اخْتَلَفوا فيه؛ فقال بعضُهم: هو الأرضُ الملساءُ التي لا نَباتَ فيها ولا غَرَاسَ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{صَعِيدًا طَيِّبًا} . قال: [الصعيدُ الأرضُ]

(3)

التي ليس فيها شجرٌ ولا نباتٌ

(4)

.

وقال آخرون: بل هو الأرضُ المستويةُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا يونُسُ، قال: أخْبَرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: الصعيدُ المُسْتَوِى.

وقال آخَرون: بل الصعيدُ الترابُ.

(1)

في م: "وتعمدوا".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 962 (5372) من طريق ابن المبارك به، وعزاه السيوطي في الدر المنشور 2/ 161 إلى ابن المنذر.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 167 إلى المصنف.

ص: 81

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا الحكمُ بنُ بشرٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ قيسٍ المُلَائيُّ، قال: الصعيدُ الترابُ

(1)

.

وقال آخَرون: الصعيدُ وجهُ الأرضِ.

وقال آخَرون: بل هو وجهُ الأرضِ ذاتِ الغُبارِ والترابِ.

وأولى ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: هو وجهُ الأرضِ الخاليةِ مِن الغُروسِ والنباتِ والبناء، المُسْتَوِيةِ. ومنه قولُ ذِى الرُّمَّةِ

(2)

.

كأنَّه بالضُّحَى تَرْمِي الصَّعيد به

دَبَّابةٌ في عِظامِ الرأْسِ خُرْطُومُ

(3)

يعنى: تَضْرِبُ به وجهَ الأَرضِ.

وأما قولُه: {طَيِّبًا} فإنه يعنى به: طاهرًا مِن الأقذارِ والنَّجاساتِ.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في معنى قولِه: {طَيِّبًا} ، فقال بعضُهم: حلالًا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدانُ

(4)

، قال: أخْبرَنا ابن المبارَكِ، قال: سمِعْتُ سفيان يقولُ في قولِه: {صَعِيدًا طَيِّبًا} . قال

(5)

: حَلالًا

(6)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 167 إلى المصنف.

(2)

ديوانه 1/ 389.

(3)

يصف ولد ظبي، يقول: كأنه مِن وسنه ونُعاسه ضربت به الأرضَ الخمر وهى الدبابة. والخرطوم: الخمر السريعة الإسكار. انظر شرح الديوان، واللسان (خرطم).

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"عبد الرزاق". وانظر تهذيب الكمال 15/ 276.

(5)

بعده في النسخ: "قال بعضهم".

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 963 (5376) من طريق مهران عن سفيان به.

ص: 82

وقال بعضُهم بما حدَّثني عبدُ اللهِ، قال: ثنا عبْدانُ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ المباركِ، عن ابن جُرَيجٍ قراءةً، قال: قلتُ لعطاءٍ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} . قال: أطيبُ

(1)

ما حولَك. قلتُ: مكانٌ [جُرُزٌ غيرُ بَطِحٍ]

(2)

، أَيُجْزِئُ عنى؟ قال: نعم

(3)

.

ومعنى الكلامِ: فإن لم تَجِدوا ماءً أيُّها الناسُ، وكنتُم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم مِن الغائطِ أو لامستُمُ النساءِ، فأرَدْتُم أن تُصَلُّوا {فَتَيَمَّمُوا}. يقولُ: فتعَمَّدوا وجهَ الأرضِ الطاهرَ، و {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم} .

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم} .

قال أبو جعفرٍ: يعنى تعالى ذكرُه بذلك: فامْسَحوا منه بوجوهِكم وأيديكم.

ولكنه تركَ ذكْرَ "منه" اكْتِفاء بدَلالةِ الكلامِ عليه

والمسحُ منه بالوجهِ أن يَضْرِبَ المُتَيمِّمُ بيديه على وجهِ الأرضِ الطاهرِ، أو ما قام مَقامَه، فيَمْسَحَ بما علقِ مِن الغبارِ وجهَه، فإن كان الذي علقِ به مِن الغُبارِ كثيرًا، فنفَخ عن يديه أو نفَضَهما فجائزٌ، وإن لم يَعْلَقُ بيديه مِن الغُبارِ شيءٌ وقد ضرَب بيديه أو إحداهما الصعيدَ، ثم مسَح بهما أو بها وجهَه، أجْزَأه ذلك؛ لإجماعِ جميعِ الحُجَّةِ على أن المتيمِّمَ لو ضرَب بيديه الصعيدَ، وهو أرضُ رَمْلٍ فلم يَعْلَقْ بيديه منها شيءٌ فتيَمَّم به، أن ذلك مُجْزِئُه، لم يُخالف ذلك مَن يَجوزُ

(1)

في الأصل، م، ت 1، ت 2، ت 3:"الطيب".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"جرد غير بطح"، وفى م:"جرد غير أبطح". ومكان جرز، أي: لا ينبت. والبَطِح بمعنى الأَبْطَح: وهو مسيل واسع فيه دقاق الحصى. اللسان (ج ر ز، ب ط ح).

(3)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف 1/ 211 (815) من طريق ابن جريج به مختصرًا.

ص: 83

أَن يُعْتَدُّ خِلافًا

(1)

، فلمَّا كان ذلك إجماعًا منهم كان معلومًا أن الذي يُراد به مِن ضَرْبِ الصَّعيدِ باليدين مباشرةُ الصَّعيدِ بهما بالمعنى الذي أمَر اللهُ بمباشرتِه بهما، لا لأخذ تُرابٍ منه.

وأمَّا المسحُ باليدين، فإن أهلَ التأويلِ اخْتَلَفوا في الحدِّ الذي أمرَ اللهُ بمسِحه مِن اليدين.

فقال بعضُهم: حدُّ ذلك الكفَّانِ إلى الزَّنْدَين، وليس على المُتَيمِّمُ مسحُ ما وراءَ ذلك مِن الساعدَيْن.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني أبو السائبِ سَلْمُ بن جُنادةُ، قال: ثنا ابن إدريسَ، عن حُصَيْنٍ، عن أبي مالكٍ، قال: تيَمَّم عمَّارٌ، فضرَب بيديه الترابَ ضربةً واحدةً، ثم مسَح يديه

(2)

واحدةً على الأخرى، ثم مسَح وجهَه، ثم ضرَب بيديه أُخرى، فجعَل يَلْوِى يدَه على الأخرى، ولم يَمْسَحِ الذِّراعَ

(3)

.

حدَّثني أبو السائبِ، قال: ثنا ابن إدريسَ، عن ابن أبي خالدٍ، قال: رأَيْتُ الشَّعْبيَّ وصَف لنا التيممَ، فضرَب بيديه إلى الأرضِ ضربةً، ثم نفَضَهما، ومسَح وجهَه، ثم ضرَب أخرى، فجعَل يَلْوِى كفَّيه إحداهما على الأخرى، ولم يَذْكُرْ أنه مسَح الذِّراعَ

(4)

.

(1)

في م: "بخلافه".

(2)

في م، ت 1، ت 2، ت 3:"بيديه".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 159 من طريق ابن إدريس به نحوه، وابن المنذر في الأوسط 2/ 52 (547)، والدارقطني 1/ 184 من طريق حصين به.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 159 عن ابن إدريس، وعبد الرزاق في المصنف 1/ 213 (826) مِن طريق =

ص: 84

حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: ثنا أبو الأحْوَصِ، عن حُصَيْنٍ، عن أبي مالكٍ، قال: وضَع عمار بن ياسر كفيه في التراب، ثم رفعهما، فنفَخَهما، فمسَح وجهَه وكفَّيْه، ثم قال: هكذا التيممُ

(1)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا أبو تُميْلَةَ، قال: ثنا سَلَّامٌ مولى حفصٍ، قال: سمِعْتُ عكرمةَ يقولُ: التيممُ ضربتان؛ ضربةٌ للوجهِ، وضربةٌ للكفَّيْن.

حدَّثنا عليُّ بنُ سهلٍ، قال: ثنا الوليدُ بنُ مسلمٍ، عن الأوزاعيِّ، و

(2)

سعيدٍ وابنِ جابرٍ، أن مَكْحولًا كان يقولُ: التيممُ ضربةٌ للوجهِ والكفين إلى الكوع. ويَتَأَوَّلُ مَكْحولٌ القرآنُ في ذلك: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]، وقوله في التيمم {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43، المائدة: 6]، ولم يَسْتَثْنِ فيه كما اسْتَثْنَى في الوضوء إلى المرافق، قال مَكْحولٌ: قال اللهُ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]. فإنما تُقْطَعُ يد السارق مِن مَفْصِلِ الكُوعِ

(3)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بن عبدِ الحكمِ، قال: ثنا بشرُ بنُ بكرٍ التِّنِّيسيُّ، عن ابن جابرٍ، أنه رأَى مَكْحولًا يَتَيَمَّمُ؛ يَضْرِبُ

(4)

بيديه على الصَّعيدَ، ثم يَمْسَحُ بهما

= ابن أبي خالد به.

(1)

تقدم في الصفحة السابقة، وأخرجه ابن المنذر في الأوسط 2/ 52 (546) من طريق أبي الأحوص به.

(2)

في ص: "وعن"، وفى م، ت 1، ت 2، ت 3:"عن". وانظر تهذيب الكمال 17/ 307، 28/ 464.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 159 من طريق معتمر بن برد عن مكحول بنحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 167 إلى المصنف.

(4)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3:"فضرب".

ص: 85

وجهه وكفيه بواحدةٍ

(1)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن داودَ، عن الشعبيِّ أنه قال: التيمُّمُ ضربةٌ للوجهِ والكفَّيْن

(2)

.

وعلةُ مِن قال هذه المقالةَ مِن الأثَرِ ما حدَّثنا به أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا عَبْدةُ ومحمدُ بنُ بشرٍ، عن ابن أبي عَروبةَ، عن قتادةَ، عن سعيدِ بن عبدِ الرحمنِ بن أَبْزَى، عن أبيه، عن عمارِ بن ياسرٍ، أنه سأَل رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن التيممِ، فقال: "مَرَّةً بالكفين و

(3)

الوجهِ"

(4)

.

وفي حديثِ ابن

(5)

بشرٍ: أن عمارًا سأَل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن التيممِ.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا عُبيدُ

(6)

بنُ سعيدٍ القُرشيُّ، عن شعبةَ، عن الحكمِ، عن ابن أبْزَى، قال: جاء رجلٌ إلى عمرَ، فقال: إنى أجْنَبْتُ، فلم أَجِدِ الماء

(7)

، فقال له عمارٌ: أَمَا تَذْكُرُ أنَّا كنا

(8)

في مسيرٍ على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأَجْنَبْتُ أنا وأنت، فأمَّا أنت فلم تُصَلِّ، وأمَّا أنا فتمَعَّكْتُ

(9)

في الترابِ وصلَّيْتُ، فأُتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فذكَرْتُ ذلك له، فقال:"إنما كان يَكْفِيك". وضرَب بكفِّيه الأرضَ،

(1)

انظر الأثر السابق.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 158 عن ابن علية به نحوه.

(3)

في م: "على".

(4)

أخرجه أبو داود (327)، والترمذى (144)، والنسائى في الكبرى (306)، وابن خزيمة (267)، والبيهقى 1/ 210 من طريق ابن أبي عروبة به، وأخرجه أحمد 30/ 254 (18319) وغيره من طريق قتادة به.

(5)

في الأصل: "أبي".

(6)

في م: "عبيدة". وانظر تهذيب الكمال 19/ 209.

(7)

بعده في م: "فقال عمر: لا تصل". وكذا عند مسلم، والمثبت موافق لما في البخارى. وقال ابن حجر في الفتح 1/ 443: "هذه الرواية اختصر فيها جواب عمر، وليس ذلك مِن المصنف، فقد أخرجه البيهقي من طريق آدم أيضًا بدونها.

(8)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(9)

الدمعك: التمرغ والتقلب في التراب. اللسان (م ع ك).

ص: 86

ونفَخ فيهما، ومسَح وجهَه وكفيه مرةً واحدةً

(1)

؟

وقالوا: أمَر اللهُ في التَّيمُّمِ بمسِح الوجهِ واليدينِ، فما مسِح مِن وجهِه ويديه في التيمُّمِ أجْزَاه، إلا أن يمْنَعَ مِن ذلك ما يَجِبُ التَّسليمُ له مِن أصلٍ أو قياسٍ.

وقال آخَرون: حدُّ المسحِ الذي أمَر اللهُ به في التيممِ أن يَمْسَحَ جميعَ الوجهِ واليدين إلى المرفقين.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا عمرانُ بن موسى القَزَّازُ، قال: ثنا عبدُ الوارثِ بنُ سعيدٍ، قال: ثنا أيوبُ، عن نافعٍ، أن ابنَ عمرَ تَيَمَّم بِمِرْبَدِ النَّعَمِ

(2)

، فضربَ ضربةٌ فمسَح وجهَه، وضرَب ضربةً [فمسَح يديه]

(3)

إلى المرفقين

(4)

.

حدَّثنا ابن عبدِ الأعلى، قال: ثنا المعتمرُ، قال: سَمِعْتُ عُبيدَ اللَّهِ، عن نافعٍ، عن عبدِ اللهِ، أنه قال: التيممُ مَسْحتانِ، يَضْرِبُ الرجلُ بيديه الأرضَ، يَمْسَحُ بهما وجهَه، ثم يَضْرِبُ بهما مرةً أخرى، فيَمْسَحُ يديه إلى المرفقين

(5)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى، عن

(6)

عُبيدِ اللهِ، قال: أخْبرَنى نافعٍ، عن ابن

(1)

علقه البخاري عقب حديث (339)، ووصله مسلم (368/ 113)، وابن الجارود (125)، وأبو عوانة 1/ 307 من طرق عن شعبة عن الحكم عن سعيدِ بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار به، وأخرجه الطيالسى (673 - طبعتنا)، وأحمد 30/ 275 (18332)، والبخارى (338 - 343)، ومسلم (368/ 112، 113)، وغيرهم من طرق عن شعبة عن الحكم عن زر بن عبد الله، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه به.

(2)

مِرْبَد النَّعَم: موضع على ميلين مِن المدينة، والمربد: كل شيء حبست فيه الإبل. معجم البلدان 4/ 484.

(3)

سقط مِن: الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 158 من طريق أيوب به.

(5)

أخرجه ابن المنذر في الأوسط 2/ 48 (538)، والدارقطني في سننه 1/ 180، والبيهقى 1/ 207 من طريق عبيد الله به بنحوه.

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"بن".

ص: 87

عمرَ في التيممِ، قال: ضربةٌ للوجهِ، وضربةٌ للكفين إلى المرفقين

(1)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ وأبو السائبِ، قالا: ثنا ابن إدريسَ، عن عُبيدِ اللهِ، عن نافعٍ، عن ابن عمرَ قال: كان يقولُ في المسِح في التيممِ إلى المرفقين

(2)

.

حدَّثنا حميدُ بنُ مَسْعَدةَ، قال: ثنا بشرُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا ابن عونٍ، قال: سأَلْتُ الحسنَ عن التيممِ، فضربَ بيديه على الأرضِ، فمسَح بهما وجهَه، وضرَب بيديه، فمسَح بهما ذراعيه ظاهرهما وباطنَهما

(3)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبدُ الوهَّابِ، قال: ثنا داودُ، عن عامرٍ، أنه قال في هذه الآيةِ:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. وقال في هذه الآيةِ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. قال: أمرَ أن يُمسَحَ في التيممِ ما أمَر أن يُغْسَلَ في الوضوءِ، وأبْطَل ما أمَر أن يُمسَحَ في الوضوءِ؛ الرأسُ والرَّجْلان

(4)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، وحدَّثنا ابن المثنى، قال: ثني محمدُ بنُ أبي عديٍّ جميعًا، عن داودَ، عن الشعْبيِّ في التيممِ، قال: ضربةٌ للوجهِ واليَدينِ

(5)

إلى المرفقين

(6)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن مُغيرةً، عن الشعْبيِّ، قال: أمَر بالتيممِ

(1)

أخرجه الدارقطنى 1/ 180، والبيهقى 1/ 207 من طريق يحيى بن سعيد به.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف 1/ 212 (819)، والدارقطني 1/ 181 (18) من طريق نافع به. وانظر حاشية (5) في الصفحة السابقة.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 158 من طريق حبيب بن الشهيد عن الحسن به.

(4)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف 1/ 212 (821)، وابن أبي شيبة في المصنف 1/ 158 كلاهما من طريق داود به بنحوه.

(5)

في م: "ضربة لليدين".

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 158 عن ابن علية به.

ص: 88

فيما أمَر بالغَسْلِ

(1)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُليةَ، عن أيوبَ، قال: سأَلْتُ سالمَ بنَ عبدِ الله عن التيممِ، فضربَ بيديه على الأرضِ ضربةً، فمسَح بهما وجهَه، ثم ضرب بيديه على الأرضِ ضربةً أخرى، فمسَح بهما يديه إلى المرفقين

(2)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُلَيةَ، قال: وأخبرنا حَبيبُ بنُ الشَّهيدِ، عن الحسنِ، أنه سُئِل عن التيممِ فقال: ضربةٌ يَمسَحُ بها وجهَه، ثم ضربةٌ أخرى يَمْسَحُ بها يديه إلى المرفقين

(3)

.

وعلَّةُ مِن قال هذه المَقالةَ أن التيممَ بدلٌ مِن الوضوءِ، فعلى المُتيمِّمِ أن يَبْلُغَ بالترابِ مِن وجهَه ويديه ما كان عليه أن يَبْلُغَه بالماءِ منهما في الوضوءِ.

واعْتَلُّوا مِن الأثَرِ بما

(4)

حدَّثني به موسى بنُ سهلٍ الرَّمْليُّ، قال: ثنا نُعَيْم بنُ حمادٍ، قال: ثنا خارجةُ بنُ مُصْعبٍ، عن عبدِ اللهِ بن عَطاءٍ، عن موسى بن عُقبَةَ، عن الأعْرجِ، عن أبي جُهَيْمٍ، قال: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَبولُ، فسلَّمْتُ عليه، فلم يَرُدَّ عليَّ، [فلما فرَغ]

(5)

قام إلى حائطٍ، فضربَ بيديه عليه، فمسَح بهما وجهَه، ثم ضرَب بيديه على الحائطِ، فمسَح بهما يديه إلى المرفقين، ثم ردَّ عليَّ السلامَ

(6)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 159، والدارقطنى 18/ 184 من طريق جرير به.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 158 من طريق ابن علية به.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 158 من طريق ابن علية به.

(4)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3:"ما".

(5)

في الأصل: "حتى فرغ ثم".

(6)

أخرجه الدارقطنى 1/ 177 من طريق أبي معاذ النحوى عن خارجة به، والشافعي في مسنده 1/ 131، 132، والبيهقى 1/ 205 من طريق أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية عن الأعرج به، ووقع فيه عندهم أن الذي ألقى السلام هو أبو جهيم نفسه، وأن النبي - صلى الله عليه وسل - مسح وجهه وذراعيه، ولفظة:"ذراعيه" منكرة من حديث أبي جهيم، وأبو الحويرث ضعيف، وخارجة بن مصعب متروك، والأعرج لم يسمعه من أبي جهيم، والحديث أخرجه البخاري (337)، وأبو داود (310)، والنسائي (274)، وابن خزيمة (274)، وغيرهم =

ص: 89

وقال آخَرون: الحدُّ الذي أمَرَ اللَّهُ أَن يُبْلَغَ بالترابِ إليه في التيممِ الآباطُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني أحمدُ بنُ عبدِ الرحيمِ البَرْقيُّ، قال: ثنا عمرُو بنُ أَبي سَلَمَةَ التَّنِّيسيُّ، عن الأوْزاعيِّ، عن الزهريِّ، قال: التيممُ إلى الآباطِ

(1)

.

وعلةُ مَن قال ذلك أن اللَّهَ جَلَّ ثناؤُه أمَر بمسحِ اليدِ في التيممِ، كما أمَر بمسح الوجهِ، وقد أجْمَعوا أن عليه أن يَمْسَحَ جميعَ الوجهِ، فكذلك عليه أن [يمسحَ]

(2)

جميعَ اليدِ، ومِن طرفِ الكفِّ إلى الإبِطِ يدٌ.

واعْتَلُّوا مِن الخبرِ بما حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا صَيْفيُّ بنُ رِبْعيٍّ، عن ابن أبي ذئبٍ، عن الزهريِّ، عن عُبيدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ، عن أبي اليَقْظانِ، قال: كنا مع رسولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم فهلَك عِقْدٌ لعائشةَ، فأقام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حتى أضاء الصبحُ، فتغَيَّظ أبو بكرٍ على عائشةَ، فنزَلَت عليه الرُّخْصةُ؛ المسحُ بالصَّعيد، فدخَل أبو بكرٍ فقال لها: إنك لمُبارَكَةٌ، نزَل فيك رُخصةٌ. فضرَبْنا بأيدينا ضربةً لوجوهِنا

(3)

وضربةً بأيدينا إلى المنَاكبِ والآباطِ

(4)

.

قال أبو جعفرٍ: والصوابُ مِن القولِ في ذلك أن الحدَّ الذي لا يُجْزِئُ المُتَيممَ أن يُقصِّرَ عنه في مَسْحِه بالترابِ مِن يديه، الكفَّان إلى الزَّنْدَيْن؛ لإجماعِ الجميعِ على أن التَّقْصيرَ عن ذلك غيرُ جائزٍ، ثم هو فيما جاوَز ذلك مُخَيَّرٌ إن شاء بلَغ بمسحِه

= من طريق جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن عمير مولى ابن عباس عن أبي الجهيم به، وانظر الفتح 1/ 444، 445، وسنن البيهقى 1/ 205.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 167 إلى المصنف.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(3)

في م، ت 1، ت 2، ت 3:"لوجهنا".

(4)

أخرجه الطيالسي (672) - طبعتنا)، وأحمد 4/ 320 (الميمنية) من طريق ابن أبي ذئب به، وإسناده منقطع؛ عبيد الله بن عبد الله لم يسمع من عمار.

ص: 90

المرْفَقَيْن، وإن شاء الآباطَ.

والعلةُ التي مِن أجلِها جعَلْناه مُخَيَّرًا فيما جاوَز الكفين أن اللَّهَ لم يَحُدَّ في مسحِ ذلك بالترابِ في التيممِ حدًّا لا يَجُوزُ التَّقْصيرُ عنه، فما مسَح المُتَيمِّمُ مِن يديه أجْزَأَه، إلا ما أُجْمِع عليه، أو قامَت الحُجَّةُ بأنه لا يُجْزِئُه التَّقْصيرُ عنه

(1)

، وقد أجْمَع الجميعُ على أن التَّقْصيرَ عن الكفَّيْن غيرُ مُجْزِئ، فخرَج ذلك بالسُّنَّةِ، وما عدا ذلك فمُخْتَلَفٌ فيه، وإذ كان مختلفًا فيه، وكان الماسحُ بكفيه داخلًا في عمومِ الآيةِ كان خارجًا مما لزِمه مِن فرضِ ذلك.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في الجُنُبِ، هل هو ممَّن دخَل في رُخصةِ التيممِ إذا لم يَجِد الماء أم لا؟

فقال جماعةُ

(2)

أهلِ التأويلِ مِن الصحابِة والتابعين ومن بعدَهم مِن الخالِفين: حُكْمُ الجنبِ فيما لزِمه مِن التيممِ إذا لم يَجِدِ الماءِ حُكْمُ مَن جَاء مِن الغائطِ وسائرِ مَن أحْدَث ممَّن جُعِل التيممُ له طُهورًا لصلاتِه. وقد ذكَرْتُ قولَ بعضِ مَن تأوَّل قولَ اللَّهِ: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} : أو جامعْتُموهن، وتركنا ذكرَ الباقين؛ لكثرةِ مِن قال ذلك.

واعتلَّ قائلو هذه المَقالةِ بأن للجنبِ التَّيَمُّمَ إذا لم يَجِدِ الماءَ في سفرِه بإجماعِ الحُجَّةِ على ذلك؛ نقْلًا عن نبيِّها صلى الله عليه وسلم، الذي يَقْطَعُ العُذْرَ، ويُزِيلُ الشَّكَّ.

وقال جماعةٌ مِن المُتَقَدِّمين: لا يُجْزِئُ الجنبَ غيرُ الاغْتِسالِ بالماءِ، وليس له أن يُصَلِّي بالتَّيممِ، والتَّيممُ لا يُطَهِّرُه. قالوا: وإنما جُعِل التيممُ رُخصةً لغيرِ الجنبِ، وتأَوَّلوا قولَ اللَّهِ جلَّ ثناؤُه:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} . قالوا:

(1)

سقط من: الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3.

(2)

بعده في م: "من".

ص: 91

وقد نهَى اللهُ الجنبَ أن يَقْرَبَ مُصَلَّى المسلمين إلا مُجْتازًا فيه حتى يَغْتَسِل، ولم يُرخِّصْ له في التَّيممِ. قالوا: وتأويلُ قولِه: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} : أو لامَسْتُموهن باليدِ دونَ الفرجِ ودونَ الجماعِ. قالوا: فلم نَجِدِ الله رخَّص للجنبِ في التيممِ، بل أمره بالغُسْلِ، وأَلّا يَقْرَبَ الصَّلاةَ إلا مُغْتَسِلًا. قالوا: فالتُّيممُ لا يُطَهِّرُه لصلاتِه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ وأبو السائبِ، قالا: ثنا أبو معاويةَ، عن الأعْمشِ، عن شَقِيقٍ، قال: كنتُ مع عبدِ اللهِ بن مسعودٍ وأبي موسى الأشْعَريِّ، فقال أبو موسى: يا أبا عبدِ الرحمنِ، أرأَيْت رجلًا أجْنَب، فلم يَجِدِ الماءِ شهرًا أيَتَيَمَّمُ؟ فقال عبدُ اللهِ: لا يَتَيَمَّمُ، وإن لم يَجِدِ الماءِ شهرًا. فقال أبو موسى: فكيف تَصْنَعون بهذه الآيةِ في سورةِ المائدةِ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فقال عبدُ اللهِ: إِن رُخِّص لهم في هذا لأَوْشَكوا إذا بَرَد عليهم الماءُ أن يَتَيَمَّموا بالصَّعيدِ. فقال له أبو موسى: إنما كرِهْتُم هذا لهذا؟ قال: نعم. قال أبو موسى: ألم تَسْمَعْ قول عمارٍ لعمرَ: بَعَثْنى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ فأَجْنَبْتُ، فلم أَجِدَ الماءَ، فتَمَرَّغْتُ في الصَّعيدِ، كما تمرَّغُ الدَّابَّةُ؟ قال: فذكَرْتُ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"إنما يَكْفيك أن تَصْنَعَ هكذا". وضرَب بكفَّيْه ضربةً واحدةً، ومسَح بهما وجهَه، ومسَح كفَّيْه. فقال عبدُ اللهِ: ألم تَرَ عمرَ لم يَقْنَعْ لقولِ عمارٍ

(1)

!.

حدَّثنا ابن بشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سُفيانُ، عن سَلمةَ، عن أبي

(1)

أخرجه النسائي (319)، وفى الكبرى (308) عن أبي كريب محمد بن العلاء - وحده - به، وأحمد 30/ 269 (18328)، والبخارى (347)، ومسلم (368/ 110)، وأبو داود (321)، وابن خزيمة (270) وغيرهم من طريق أبي معاوية به.

ص: 92

مالكٍ، وعن عبدِ اللهِ بن عبدِ الرحمنِ بن أَبْزَى، [عن عبدِ الرحمنِ بن أبزى]

(1)

، قال: كنا عندَ عمرَ بن الخطابِ، فأتاه رجلٌ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنَّا نَمكُثُ الشهرَ والشهرَيْن لا نَجِدُ الماءَ. فقال عمرُ: أمَّا أنا فلو لم أَجِدِ الماءَ لم أَكُنْ لِأُصَلِّيَ حتى أَجِدَ الماءَ. فقال عمارُ بنُ ياسرٍ: أَتَذْكُرُ يا أميرَ المؤمنين حيثُ كنتَ

(2)

بمكانِ كذا وكذا، ونحن نَرْعَى الإبلَ، فتَعْلَمُ أَنَّا أَجْنَبنا؟ قال: نعم. فأمَّا

(3)

أنا فتَمَرَّغْتُ في الترابِ، فاتَيْنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فضَحِك وقال:"إن كان الصَّعيدُ لَكافِيك". وضرَب بكفِّيه الأرضَ، ثم نفَخ فيهما، ثم مسَح وجهَه وبعضَ ذراعيه؟ فقال: اتَّقِ الله يا عمارُ. فقال: يا أمير المؤمنين، إن شئتَ لم أَذْكُرْه. فقال: لا، ولكن نُوَلِّيك مِن ذلك ما توَلَّيْتَ

(4)

. حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن الحكمِ، قال: سألتُ

(5)

إبراهيمَ في دُكَّانِ مسلمٍ الأعورِ، فقلتُ: أَرأَيْتَ إن لم نَجِدِ الماءَ وأنت جنبٌ؟ قال: لا أُصَلِّى

(6)

.

قال أبو جعفرٍ: والصوابُ مِن القولِ في ذلك: أن الجنبَ ممَّن أمَره اللهُ جلَّ ثناؤُه بالتيممِ، إذا لم يَجِدِ الماءَ، والصلاةِ بقولِه:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} . وقد بيَّنَّا أن معنى المُلامَسةِ في هذا الموضعِ الجماعُ ثَمَّ، بنقلِ الحُجَّةِ التي لا يَجوزُ الخطأُ فيما نقَلَته مُجْمِعةً عليه، ولا السهْوُ ولا

(1)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(2)

في م: "كتا".

(3)

في الأصل: "قال: أما".

(4)

أخرجه النسائي في الكبرى (302) عن ابن بشار به، وأخرجه أحمد 4/ 319 (الميمنية) من طريق عبد الرحمن بن مهدي به.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"سمعت".

(6)

ذكره الطوسى في التبيان 3/ 208 عن إبراهيم بنحوه.

ص: 93

التَّواطُؤُ والتشاعُرُ

(1)

، بأن حكمَ الجنبِ في ذلك حكمُ سائرِ مَن أَحْدَث فلزمه التَّطهُّرُ لصلاتِه مع ما قد رُوِى في ذلك عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن الأخبارِ التي قد ذكَرْنا بعضَها وترَكْنا ذكْرَ كثيرٍ منها؛ استغناءً بما ذكَرْنا منها عما لم نَذْكُرْ، وكراهةً منا إطالةَ الكتابِ باسْتِقْصاءِ جميعِه.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} ، و

(2)

هل ذلك أمرٌ مِن اللهِ بالتَّيممِ كلَّما لزِمه طلبُ الماءِ، أم ذلك أمْرٌ منه بالتيممِ كلما لزِمه الطلبُ وهو مُحْدِثٌ حدثًا يَجِبُ عليه منه الوضوءُ بالماءِ، لو كان للماءِ واجدًا؟

فقال بعضُهم: ذلك أمرٌ مِن اللهِ بالتيممِ كلما لزِمه فرضُ الطلبِ بعدَ الطلبِ، مُحْدثًا كان أو غيرَ مُحْدِثٍ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، عن الحجاجِ، عن أبي إسحاقَ، عن الحارثِ، عن عليٍّ رضي الله عنه، أنه كان يَقولُ: التيممُ لكلِّ صلاةٍ

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سُوَيْدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المباركِ، قال: حدَّثنا هُشَيمٌ، قال: حدَّثنا حجاجٌ، عن أبي إسحاقَ، عن الحارثِ، عن عليٍّ مثلَه.

(1)

في م: "التضافر". والتشاعر: التواطؤ، مِن قولهم:"شعر" أي "علم".

(2)

سقط من: م.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 160، والدارقطني في سنته 1/ 184، والبيهقى 1/ 221 من طريق هشيم به.

ص: 94

حدَّثني عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عَبْدانُ، قال: حدَّثنا ابن المُباركِ، قال: أخبرنا عبدُ الوارثِ، قال: أخبرنا عامرٌ الأحْوَلُ، عن نافعٍ أنه حدثه عن ابن عمرَ مثلَ ذلك

(1)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا جابرُ بنُ نُوحٍ، قال: حدَّثنا مُجالدٌ، عن الشعبيِّ، قال: لا يُصَلِّي بالتيممِ إلا صلاةً واحدةً

(2)

.

حدَّثنا المثنى، قال: ثنا سُوَيْدٌ، قال: أخْبرَنا ابن المُباركِ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، قال: يَتَيَمَّمُ لكلِّ صلاة، ويَتَأوَّلُ هذه الآيةِ:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}

(3)

.

[حدَّثنا المثنى، قال: حدَّثنا سُوَيدٌ]

(4)

، قال: أخْبرَنا ابن المُباركِ [عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ، قال: يَتيممُ الذي لا يجدُ الماءَ لكلِّ صلاةٍ

(5)

.

حدَّثني عليُّ بنُ سهلٍ] (4)، قال: ثنا الفِرْيابيُّ، عن الأوزاعيِّ، عن يحيى بن سعيدٍ وعبدِ الكريمِ و

(6)

رَبيعةَ بن أبى عبدِ الرحمنِ، قالوا: التيممُ لكلِّ صلاةٍ.

حدَّثني محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا أبو داودَ، قال: ثنا عِمْرانُ القَطَّانُ، عن قتادةَ، عن النخعيِّ، قال: يَتَيَمَّمُ لكلِّ صلاةٍ

(7)

.

وقال آخَرون: بل ذلك أمرٌ مِن اللهِ بالتيممِ بعدَ طلبِ الماءِ مَن لزِمه فرضُ الطلبِ

(1)

أخرجه البيهقى 1/ 221 من طريق ابن المبارك به، والدارقطني في سننه 1/ 184 من طريق عبد الوارث به.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 160 من طريق مجاهد عن عامر به.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 160 من طريق سعيد به بنحوه.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(5)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف 1/ 215 (833)، والدارقطنى 1/ 184، والبيهقى 1/ 221 من طريق عمر به بنحوه.

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"بن". وانظر تهذيب الكمال 9/ 123، 17/ 307.

(7)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف 1/ 125 (832) من طريق إبراهيم النخعى به.

ص: 95

إذا كان مُحْدِثًا، فأمَّا مِن لم يَكُنْ أحْدَث بعدَ تطهُّرِه بالترابِ، فلزِمه فرضُ الطلبِ، فليس عليه تَجْديدُ تَيمُّمِه، وله أن يُصَلِّي بتيميه الأولِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا حميدُ بنُ مَسْعَدةَ، قال: ثنا سُفيانُ بنُ حَبيبٍ، عن يونُسَ، عن الحسنِ، قال: التيممُ بمنزلةِ الوضوءِ

(1)

.

حدَّثنا إسماعيلُ بنُ موسى السُّديُّ، قال: أخبرنا عمرُ بنُ شاكرٍ، عن الحسنِ، قال: يُصَلِّي المُتَيمِّمُ بتيممِه ما لم يُحْدِثُ، فإن وجد الماء فلْيَتَوَضَّأُ

(1)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا ابن إدريسَ، قال: أَخْبَرَنا هِشامٌ، عن الحسنِ، قال: كان الرجلُ يُصَلِّي الصَّلواتِ كلَّها بوُضوءٍ واحدٍ ما لم يُحْدِثُ، وكذلك المُتَيمِّمُ

(2)

(1)

.

[حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا ابن إدريسَ، قال: أخْبَرنا هشامٌ، عن الحسنِ، قال: كان الرجلُ يُصَلِّي الصَّلواتِ كلَّها بوضوءٍ واحدٍ

(1)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا أبو داودَ، قال: ثنا أبي، عن قتادةَ، عن الحسنِ، قال: يُصَلِّي الصَّلواتِ بالتيممِ ما لم يُحدِث]

(3)

(4)

.

حدَّثنا حميدُ بنُ مَسْعَدةَ، قال: ثنا سُفيانُ بنُ حَبيبٍ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 160 من طريق يونس به، وعبد الرزاق في المصنف 1/ 215، 216 (835، 836) عن الحسن بنحوه.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"التيمم".

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

كذا جاء هذا الأثر في ص، ت 1، وفى ت 2، ت: ثنا أبي قتادة، ولعل الصواب: ثنا ابن بشار، ثنا معاذ بن هشام، ثنا أبي عن قتادةَ عن الحسن، وقد سبق مرارًا.

ص: 96

عَطاءٍ، قال: التيممُ بمنزلةِ الوضوءِ

(1)

.

قال أبو جعفرٍ: وأوْلى القولين في ذلك عندنا بالصوابِ قولُ مَن قال: يَتَيَمَّمُ المُصَلِّى لكلِّ صلاةٍ لزِمه طلبُ الماء للتَّطهُّرِ لها فرضًا؛ لأن الله تعالى ذكرُه أمَر كلَّ قائمٍ إلى الصلاةِ بالتطهُّرِ بالماءِ، فإن لم يَجِدِ الماءَ فالتيممُ، ثم أَخْرَجَ القائمَ إلى الصلاةِ - مِن كان قد تقدَّم قيامَه إليها الوضوءُ بالماءِ - سنةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إلا أن يَكونَ قد أحْدَث حَدَثًا يَنقُضُ طَهارتَه، فيَسْقَطَ فرضُ الوضوءِ منه بالسنة، وأما القائمُ إليها وقد تقَدَّم قيامَه إليها التيممُ لصلاةٍ قبلَها، ففرضُ التيممِ له لازمٌ بظاهرِ التَّنْزيلِ بعدَ طلبِه الماءَ إذا أعْوَزَه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)} .

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: إن الله لم يَزَلْ عَفُوًّا عن ذنوبِ عبادِه، بتَرْكِه العقوبةَ على كثيرٍ منها ما لم يُشْرِكوا به، كما عفا لكم

(2)

أيُّها المؤمنون عن قيامِكم إلى الصلاةِ التي فرَضَها عليكم في مساجدِكم، وأنتم سُكارَى. {غَفُورًا} يقولُ: ولم يَزَلْ يَسْتُرُ ذنوبهَم بتركِه مُعاجَلتَهم العذابَ على خَطاياهم، كما ستَر عليكم أيُّها المؤمنون بتركِه مُعاجَلتَكم على صلاتِكم في مساجدِكم سُكارى، يقولُ: فلا تَعودُوا لمثلِها فيَنالَكم بعَوْدِكم لما قد نهَيْتُكم عنه مِن ذلك عقوبةٌ

(3)

مُنَكِّلةٌ

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} .

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 160 من طريق ابن جريج به نحوه، ومن طريق المثنى بن الصباح عن عطاء نحوه.

(2)

في م: "عنكم".

(3)

سقط من: ص، م.

(4)

المراد: عقوبة تجعلهم عبرة ونكالًا لغيرهم. ينظر اللسان (ن ك ل).

ص: 97

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: اخْتَلَف أهلِ التأويلِ في معنى قولِه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ} فقال قومٌ: معناه ألم تُخْبَرْ

(1)

؟

وقال آخَرون: معناه ألم تَعْلَمْ؟

والصوابُ مِن القولِ في ذلك: ألم تَرَ بقلبِك

(2)

يا محمدُ علمًا إلى الذين أُوتُوا نَصيبًا، وذلك أن الخبرَ والعلمَ لا يَجْلِبان رُؤْيةً

(3)

، ولكنه رُؤيةُ القلبِ بالعلمِ بذلك

(4)

كما قلنا فيه.

وأما تأويلِ قولِه: {إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} . فإنه يعنى: إلى الذين أعْطُوا حَظًّا مِن كتاب الله، فعلموه.

وذُكِر أن الله جلَّ ثناؤُه عنى بذلك طائفةً مِن اليهودِ؛ الذين كانوا حَوالَىْ مُهاجَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} : فهم أعداءُ اللهِ اليهودُ، اشْتَرَوُا الضَّلالة.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: حدَّثنا حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن عِكْرمة:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} إلى قولِه: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ

(1)

في الأصل: "تخبره".

(2)

في ص: "يعلمك".

(3)

في الأصل، ص:"إلى".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"لذلك".

ص: 98

عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 44 - 46] قال: نزَلت في رفاعةَ بن زيدِ بن السائبِ اليهوديِّ

(1)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا يونسُ بنُ بُكَيرٍ، عن ابن

(2)

إسحاقَ، قال: ثنى محمدُ بنُ أبي محمدٍ مولى زيدِ بن ثابتٍ، قال: ثني سعيدُ بنُ جبيرٍ أو عِكْرمةُ، عن ابن عباسٍ، قال: كان رفاعةُ بنُ زيدِ بن التابوتِ مِن عُظمائهم - يعنى مِن عُظماء اليهودِ - إذا كَلَّم رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَوَى لسانَه وقال: راعِنا سمعَك يا محمدُ حتى نَفْهَمَك. ثم طعَن في الإسلامِ وعابَه، فأنزَل اللهُ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ} إلى قوله: {فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}

(3)

. [النساء: 44 - 46].

حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابن

(4)

إسحاقَ بإسنادِه، عن ابن عباسٍ مثلَه

(5)

.

‌القول في تأويلِ قولِه: {يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى جلّ ثناؤُه بقوله: {يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ} : اليهودَ الذين أُوتوا نصيبًا مِن الكتابِ، يَخْتارون الضلالةِ؛ وذلك الأخْذُ على غيرِ طريقِ الحقِّ، ورُكوبُ غيرِ سبيلِ الرُّشْدِ والصوابِ، على

(6)

العلمِ منهم بقصْدِ السبيلِ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 168 إلى المصنف وابن المنذر.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س" أبي".

(3)

أخرجه البيهقى في دلائل النبوة 2/ 533، 534 من طريق يونس به، وذكره ابن هشام في السيرة النبوية 1/ 560، 562 عن ابن إسحاق.

(4)

في الأصل، م:"أبي".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 963 (5381) من طريق سلمة به.

(6)

في م: "مع".

ص: 99

ومنهج الحقِّ، وإنما عنَى الله جلَّ ثناؤُه بوَصْفهم باشترائِهم الضلالةَ مُقامَهم على التكذيبِ لمحمدٍ

(1)

صلى الله عليه وسلم، وتَرْكَهم الإيمانَ به، وهم عالمِون أن سبيلَ الحقِّ الإيمانُ به وتَصْديقُه بما قد وَجَدوا مِن صفتِه في كتبِهم التي عندَهم.

وأمَّا قولُه: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} . فإنه

(2)

يعنى بذلك: ويريدُ هؤلاء اليهودُ الذين وصفهم جلَّ ثناؤُه بأنهم أوتوا نصيبًا مِن الكتابِ أن تَضِلُّوا أنتم يا معشرَ أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم المُصَدِّقِين به. {أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} يقولُ: أن تَزولوا عن قَصْدِ الطريقِ ومَحَجَّةِ الحقِّ، فتُكذِّبوا بمحمد وتكونوا ضُلَّالًا مثلَهم.

وهذا مِن اللهِ جلَّ ثناؤُه تَحذيرٌ منه عبادَه المؤمنين أن يَسْتَنصِحوا أحدًا مِن أعداءِ الإسلامِ في شيءٍ مِن أمرِ دينِهم، أو أن يسمَعوا شيئًا مِن طَعْنِهم في الحقِّ.

ثم أخبرَ اللهُ جلَّ ثناؤُه عن عَداوةِ هؤلاءِ اليهودِ الذين نهىَ المؤمنين أن يَسْتَنصحوهم في دينِهم بأمرِهم

(3)

إياهم، فقال جلَّ ثناؤُه:{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} . يعنى بذلك تعالى ذكرُه: واللهُ أعلمُ منكم بعداوةِ هؤلاءِ اليهودِ لكم أيُّها المؤمنون. يقولُ: فانتَهُوا إلى طاعتي فيما

(4)

نَهيتُكم عنه مِن استنصاحِهم في دينِكم، فإنى أعلمُ بما هم عليه لكم مِن الغشِّ والعداوةِ والحسدِ، وأنهم إنما يَبْغونكم الغَوائلَ، ويطلُبون أن تَضِلُّوا عن مَحَجَّةِ الحَقِّ، فتَهْلِكُوا.

وأمَّا قولُه: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} . فإنه يقولُ

(5)

: فباللهِ أيُّها

(1)

في م، ص، ت 1، ت 2، س:"محمد".

(2)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

في ص، ت 1:"مما"، وفى م، ت 2، ت 3، س:"عما".

(5)

في الأصل: "يعنى بقوله".

ص: 100

المؤمنون فثِقُوا، وعليه فتوَكَّلوا، وإليه فارغَبوا دونَ غيرِه

(1)

يَكْفِكم

(2)

مَهَمَّكم، ويَنْصُرُكم على أعدائِكم؛ {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا} يقولُ: وكفاكم وحسْبُكم باللهِ ربَّكُم وَلِيًّا يَلِيكم ويلى أمورَكم بالحياطةِ لكم، والحراسةِ مِن أن يَسْتفِزَّكم أعداؤُكم عن دينِكم، أو يَصُدُّوكم عن اتِّباعِ نبيِّكم؛ {وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} يقولُ: وحَسْبُكم أيضًا باللهِ ناصرًا لكم على أعدائِكم وأعداءِ دينِكم، وعلى مَن بَغاكم الغَوائل، وبَغَى دينَكم العوَجَ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: ولقولِه تعالى ذكره: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} وَجْهان مِن التأويلِ:

أحدُهما: أن يكونَ معناه: ألم تَرَ إلى الذين أُوتوا نَصيبًا مِن الكتابِ مِن الذين هادوا يُحَرِّفون الكَلِمَ. فيكونَ قولُه: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} . مِن صلةِ {الَّذِينَ} . وإلى هذا القولِ كانت عامَّةُ أهلِ العربيةِ مِن أهلِ الكوفة يُوَجِّهون قولَه: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ} .

والآخَرُ منهما: أن يكونَ معناه: مِن الذين هادوا مَن يُحَرِّفُ الكَلِمَ عن مَواضعِه. فتكونَ "مِن" محذوفةً من الكلامِ؛ اكتفاءً بدلالةِ قولِه: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} . عليها.

وذلك أن "مِن" لو ذُكرت في الكلام كانت بعضًا لـ" مِن"،

(1)

في ص، ت 1:"غيركم".

(2)

في الأصل: "يكفيكم".

ص: 101

فاكتُفِى بدَلالةٍ "مِن" عليها. والعربُ [تَفْعَلُ ذلك إذا ابْتدأت بـ "مِنْ" في مبتدأ الكلامِ]

(1)

، تقولُ:[مِنَّا يقولُ ذلك، ومِنَّا لا يقولُه]

(2)

. بمعنى: مِنَّا مَن يقولُ ذلك، ومِنَّا مَن لا يقولُه. فتحذفُ "مَن" اكتفاءً بدلالةِ "مِن" عليه، كما قال ذو الرُّمَّة

(3)

:

فَظَلُّوا ومنهم

(4)

دَمْعُه سابِقٌ

(5)

له

وآخَرُ يَثْني

(6)

دَمْعَةَ العَيْنِ بالمهلِ

(7)

يعني: ومنهم مَن دَمْعُه. وكما قال اللهُ تبارك وتعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 164]. وإلى هذا المعنى كانت عامةُ أهلِ العربيةِ مِن أهل البصرةِ يُوجهون تأويلَ قولِه: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ} . غير أنهم كانوا يقولون: المُضْمَرُ في ذلك القومُ

(8)

، كأن معناه عندَهم: مِن الذين هادوا قومٌ يُحَرِّفون الكَلِمَ، ويقولون: نظيرُ قولِ النابغةِ

(9)

:

كأنك مِن جِمالِ بنى أُقَيْشٍ

يُقَعْقَعُ خَلْفٌ رِجْلَيهِ بِشَنِّ

يعني: كأنك جَمَلٌ مِن جِمالِ بني أُقَيْشٍ.

فأمَّا [نحويو الكوفيين]

(10)

فيُنْكِرون [أن يكونَ]

(11)

المُضْمَرُ مع "مِن" إلا

(1)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، ص.

(2)

في ص: "ذلك ومثالا بقوله"، وفى م:"منا من يقول ذلك، ومنا لا يقوله".

(3)

شرح ديوان ذي الرمة 1/ 141.

(4)

بعده في ص، ت 1:"من".

(5)

في الأصل: "سائق".

(6)

في م: "يذرى". ويثني: يصرف. اللسان (ث ن ي).

(7)

في ص، ت 1:"بالهمل". وبالمهل: بالسكينة والتؤدة والرفق. اللسان (م هـ ل).

(8)

في الأصل: "القول".

(9)

تقدم في 1/ 179.

(10)

في الأصل: "تحرير الكوفيين". وفي م: "نحويو الكوفة".

(11)

سقط من: الأصل.

ص: 102

"مَن" أو ما أشبَهها

(1)

.

والقولُ الذي هو أَولى بالصوابِ عندى في ذلك قولُ مَن قال: قولُه: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} مِن صِلة: {الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} ؛ لأن الخبرَين جميعًا والصِّفَتَين مِن صفة نوعٍ واحدٍ مِن الناسِ، وهم اليهودُ الذين وَصَف اللهُ جلَّ ثناؤُه صِفَتَهم في قولِه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} . وبذلك جاء تأويلُ أهلِ التأويلِ، فلا حاجةَ بالكلامِ - إذ كان الأمرُ كذلك - إلى أن يكونَ فيه متروكٌ.

وأما تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} . فإنه يقولُ: يُبَدِّلون معناها ويُغَيِّرونها عن تأويلِها

(2)

والكَلِمُ جماعُ كلمةٍ، وكان مجاهدٌ يقولُ: عَنَى بالكلم التوراةَ.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} : تَبْدِيلُ اليهودِ التوراة

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

(3)

.

وأمَّا قولُه: {عَنْ مَوَاضِعِهِ} . فإنه يعنى: عن أماكنِه ووجوهِه التي هي وجوهُه.

(1)

معاني القرآن للفراء 1/ 271.

(2)

في ص، م:"تأويله".

(3)

تفسير مجاهد ص 282، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 965 (5389). وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 168 إلى عبد بن حميد وابن المنذر، مطولًا. وستأتي بقيته.

ص: 103

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: مِن الذين هادوا يقولون: سِمعنا يا محمدُ قولَك، وعَصينا أمرَك.

كما حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا حَكَّامٌ، عن عَنْبسةً، عنبسة، [عن محمدِ]

(1)

بن عبدِ الرحمنِ، عن القاسمِ بن أبي بَزَّةَ، عن مجاهدٍ في قولِه:{سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} . قال: قالت اليهودُ: سَمِعنا ما تقولُ، ولا نُطِيعُك.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، [قال: حدَّثنا]

(2)

عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثني يونسُ، قال: أخْبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} . قالوا: [سَمِعنا، ونحن لا نُطِيعُك]

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} .

الله قال أبو جعفرٍ رحمه وهذا خبرٌ مِن اللهِ عز وجل عن اليهودِ الذين كانوا حَوالَىْ

(5)

مُهاجَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في عصره، أنهم كانوا يَسُبُّون رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

سقط من: الأصل. وعنبسة هو ابن سعيد الرازي، يروى عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.

(2)

في ص، م:"عن".

(3)

تفسير مجاهد ص 282، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 965 (5392)، وهو بقية الأثر المتقدم.

(4)

في ص، م:"قد سمعنا ولكن لا نطيعك". والأثر ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 284 عن ابن زيد.

(5)

في الأصل: "خرجوا إلى".

ص: 104

ويُؤْذونه بالقَبيحِ مِن القولَ، ويقولون له: اسمَعْ منا غيرَ مُسْمَعٍ، كقولِ القائلِ للرجلِ يَسُبه: اسمَعْ، لا أسمَعَك

(1)

اللهُ.

كما حدَّثني يونسُ، قال: أخْبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} . قال: هذا قولُ أهلِ الكتابِ يهودَ - كهيئةِ ما [تقولُ للإنسانِ]

(2)

: اسمَعْ لا سَمِعتَ - أذًى لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وشَتْمًا له واستهزاءً به

(3)

.

حُدِّثتُ عن المِنْجابِ، قال: ثنا بِشْرُ بنُ عُمارةَ، عن أبي رَوْقٍ، عن الضَّحاكِ، عن ابن عباسٍ:{وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} . قال: يقولون

(4)

لك: واسمَعْ لا سَمِعتَ

(5)

.

وقد رُوِى عن مجاهدٍ والحسنِ، أنهما كانا يَتأوَّلان ذلك بمعنى: واسمَعْ غيرَ مقبولٍ منك. ولو كان ذلك معناه لقيل: واسمَعْ غير مسموعٍ. ولكن معناه: واسمَعْ لا تَسمَعْ. ولذلك قال اللهُ جلَّ وعز: {لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} . فوصَفهم بتَحريفِ الكلامِ بألسنتهم، والطَّعْنِ في الدين بسَب النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وأما القولُ الذي ذكرتُه عن مجاهدٍ [والحسنِ فحدثنا ابن حُميدٍ، قال: حدَّثنا حكَّامٌ، عن عنبسةَ، عن محمدِ بن عبدِ الرحمن، عن القاسمِ بن أبي بَزَّةَ، عن مجاهدٍ]

(6)

:

(1)

في الأصل: "سمعك".

(2)

في ص، م:"يقول الإنسان".

(3)

سقط مِن: م. وانظر التبيان 3/ 213.

(4)

في الأصل: "يقول".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 965، 966 (5393، 5394)، والطبراني في الكبير (12059) من طريق المنجاب به.

(6)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

ص: 105

{وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} . يقولُ: غير مقبولٍ ما تقولُ

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ:{وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} . قال: غيرَ مُسْتَمِعٍ.

قال ابن جُريج، عن القاسمِ بن أبى بَزَّةَ، عن مجاهدٍ:{وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} : غيرَ مقبولٍ ما تقولُ.

حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا مَعْمَرٌ، عن الحسنِ في قولِه:{وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} . قال: كما تقولُ: اسمَعْ غَيرَ مَسْموعٍ منك

(3)

.

وحدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ، قال: كان ناسٌ منهم يقولون: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} . كقولك: اسمَعْ غيرَ صاغرٍ

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} .

(1)

بعده في ص، م:"فهو كما".

(2)

تفسير مجاهد ص 282 ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 966 (5395)، وتقدم أوله في ص 103.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 163، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 966 (5396) عن الحسنِ بن يحيى به.

(4)

في م: "صاغ". وقوله: اسمع غير صاغر أي لا أصغرك الله. وقال الأزهرى والراغب: رُوى أن أهل الكتاب كانوا يقولون ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، يوهمونه أنهم يعظمونه ويدعون له، وهم يدعون عليه. انظر التاج (س م ع).

والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 966 (5397) عن أبي زرعة عن عمرو بن حماد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 168 إلى ابن المنذر، بزيادة.

ص: 106

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بقوله جلَّ ثناؤُه: {وَرَاعِنَا} : وراعنا سمعك؛ افهَمْ عَنَّا وأفهِمْنا.

وقد بيَّنَّا تأويلَ ذلك في سورةِ البقرةِ بأدلته بما فيه الكفايةُ عن إعادتِه

(1)

.

ثم أخبرَ اللهُ جلَّ ثناؤُه عنهم أنهم يقولون ذلك لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلم {لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ} . يعنى: تَحْريكًا منهم ألسنتَهم

(2)

بتَحريفٍ منهم لمعناه إلى المكروهِ مِن مَعْنَيَيه، واستخفافًا منهم بحقِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم {وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} .

كما حدَّثني الحسنُ

(3)

بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا مَعْمَرٌ، قال: قال قتادةُ: كانت اليهودُ يقولون للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: راعِنا سمعَك، يَسْتهزئون بذلك، فكانت في

(4)

اليهودِ قبيحةً، فقال اللهُ جلَّ ثناؤُه:{وَرَاعِنَا} سمعَك، {لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ} والليُّ: تَحْريكُهم ألسنتَهم بذلك، {وَطَعْنًا فِي الدِّينِ}

(5)

.

حُدِّثتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عُبَيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ} : كان الرجلُ مِن المشركين يقولُ: أَرْعِنى سمعَك. يَلْوى بذلك لسانَه، يعني: يُحَرِّفُ معناه.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن

(1)

تقدم في 2/ 373.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بألسنتهم".

(3)

في الأصل: "الحسين".

(4)

سقط من: م.

(5)

تفسير عبد الرزاق 1/ 163. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 168 إلى ابن المنذر. وينظر ما تقدم في 2/ 375.

ص: 107

أبيه، عن ابن عباسٍ:{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} ، إلى:{وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} : فإنهم كانوا يَسْتَهزئون، ويلوون ألسنتَهم برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ويطعَنون في الدينِ.

حدَّثني يونسُ، قال: أخْبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ: {وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} . قال: راعِنا طعنَهم في الدينِ، ولَيَّهم بألسنتهم ليُبْطِلوه ويُكَذِّبوه. قال: والرَّاعِنُ: الخطأُ مِن الكلام.

حُدِّثتُ عن المِنْجابِ

(1)

، قال: ثنا بَشْرٌ، قال: ثنا أبو رَوْقٍ، عن الضحاكِ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ} . قال: تَحريفًا بالكذب

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ولو أن هؤلاءِ اليهودَ الذين وَصَف الله صِفَتَهم، قالوا للنبيِّ عليه السلام: سَمِعنا يا محمدُ قولك، وأطَعنا أمرَك، وقَبلنا ما جئتَنا به مِن عندِ ربِّك، واسمَعْ منا، وانظُرْنا ما نقولُ، وانتَظِرْنا نفهَمْ عنك ما تقولُ لنا {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ}. يقولُ: لكان ذلك خيرًا لهم عندَ اللَّهِ وأقومَ، يقولُ: وأعدلَ وأصوبَ في القولِ، وهو مِن الاستقامة مِن قولِ اللهِ جلَّ ثناؤُه:{وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6]. بمعنى: وأصوبُ قِيلًا.

كما حدَّثني يونسُ، قال: أخْبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه:

(1)

في الأصل: "المنهال".

(2)

في الأصل: "بالكتاب".

والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 967 (5401) عن أبي زرعة عن المنجاب به.

ص: 108

{وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} . قال: يقولون: اسمَعْ مِنَّا، فإِنَّا قد سمعنا وأطَعنا، وانْظُرْنا، فلا تَعْجَلْ علينا.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا أبو تُميْلةَ، عن أبي حمزةَ، عن جابرٍ، [عن عِكْرمَة ومجاهدٍ]

(1)

قولَه: {وَانْظُرْنَا} . قال: اسمَعْ مِنَّا.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ:{وَانْظُرْنَا} . قال: أفهِمْنا.

حدثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن

(2)

ابن أبي نَجيحٍ عن مجاهدٍ: {وَانْظُرْنَا} . قال: أفهِمْنا

(3)

.

[حدَّثني المثنَّى، قال: حدَّثنا أبو حُذيفةَ، قال: حدَّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله]

(4)

.

قال أبو جعفرٍ: وهذا القولُ الذي قاله مجاهدٌ وعِكْرِمةُ مِن تَوْجيههما معنى: {وَانْظُرْنَا} . إلى: اسمَعْ مِنَّا، وتَوْجِيهِ مجاهدٍ ذلك إلى: أفهِمْنا. ما لا يُعرَفُ في كلامِ العربِ، إلا أن يكونَ أراد بذلك من تَوْجيهه إلى: أفهِمْنا، انتظرْنا نَفهَمْ ما تقولُ. أو: انتظِرْنا نَقُلْ حتى تَسمَعَ مِنَّا. فيكونَ ذلك معنًى مفهومًا، وإن كان غيرَ تأويلِ الكلمةِ ولا تفسيرٍ لها ولا يُعرَفُ:"انظُرْنا" في كلامِ العربِ، إلا بمعنى انتظِرْنا

(1)

في الأصل: "عن مجاهد عن عكرمة".

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

تفسير مجاهد ص 283، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 968 (5407)، وأخرجه أيضًا في 3/ 968 (540) من طريق مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح به، بزيادة: لا تعجل علينا سوف نتبعك إن شاء الله، وتقدم أوله في ص 103.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2 ت 3.

ص: 109

وانظُرْ إلينا. فأما انظُرْنا

(1)

[بمعنى انتظِرْنا]

(2)

، فمنه قولُ الحُطَيئةِ

(3)

:

[وقَدْ نَظَرْتُكُمُ أعشاءَ صادرةٍ

للخِمْسِ طال بها حَوْزِى وتَنْساسِي]

(4)

وأما "انظُرْنا" بمعنى، انظُرْ إلينا، فمنه قولُ عبدِ اللهِ بن قيسِ الرُّقيَّاتِ

(5)

:

ظاهراتُ الجَمالِ والحُسْنِ يَنظُرْ

نَ كما يَنْظُرُ الأَراكَ الظِّباءُ

[بمعنى كما يَنظُرُ]

(6)

إلى الأَرَاكِ الظِّبَاءُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى تعالى ذكرُه بذلك: ولكنَّ الله تبارك وتعالى أخْرَى هؤلاء اليهودَ، الذين وَصَف صفتَهم في هذه الآيةِ، فأقصَاهم وأبعدَهم مِن الرُّشْدِ [واتِّباعِ]

(7)

الحقِّ، {بِكُفْرِهِمْ} يعني: بجحودِهم نُبوَّة نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وما جاءهم به مِن عندِ ربِّهم مِن الهُدَى والبيناتِ. {فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}. يقولُ: فلا يصدِّقون بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وما جاءهم به مِن عندِ ربِّهم، ولا يَقرُّون بنبوَّته {إِلَّا قَلِيلًا} يقولُ: لا يُصَدِّقون بالحقِّ الذي جئتَهم به يا محمدُ إلا إيمانًا قليلًا.

(1)

في الأصل: "انظر".

(2)

سقط مِن: ص، وفي الأصل:"فالمعنى انتظر".

(3)

تقدم في 2/ 384.

(4)

في الأصل:

"وقد نظرتكم اننا صادرة

للخمس طال بها مسحى وتيناس"

وفى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:

"وقد نظرتكم لو أن درتكم

يومًا يجيء بها مسحى وإبساسي"

والمثبت مِن مصدر التخريج ومما تقدم.

(5)

ديوانه ص 88.

(6)

في ص: "بمعنى ينظرن"، وفي الأصل:"ينظر".

(7)

في الأصل: "باتباع".

ص: 110

كما حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} . قال: لا يؤمنون هم إلا قليلًا

(1)

.

وقد بَيَّنَّا وَجْهَ ذلك بعلَلِه في سورةِ "البقرةِ"

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعني جل ثناؤُه بقولِه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} : اليهودَ مِن بني إسرائيلَ الذين كانوا حَوالَيْ مُهاجَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال اللهُ لهم: يا أيُّها الذين أُنزِل إليهم الكتاب فأُعْطُوا العلمَ به، {آمِنُوا} يقولُ: صدِّقوا، {بِمَا نَزَّلْنَا}

(3)

[يعني: بما أنزلنا]

(4)

إلى محمدٍ مِن الفُرْقانِ، {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ}. يعنى: مُحقِّقًا للذى معكم مِن التوراةِ التي أنزَلتُها إلى موسى بن عِمْرانَ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} .

واختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: طَمْسُه إياه مَحْوُه آثارَها حتى تصيرَ كالأقْفَاءِ.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن نَطْمِسَ أبصارها، فنُصَيِّرَها عُمْيًا، ولكنَّ الخبرَ خَرج بذِكْرِ الوَجْهِ، والمرادُ به بصرُه، {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا}: فنجعلَ

(5)

أبصارَها مِن قبَلِ أقْفائِها.

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 164.

(2)

1/ 408، 409.

(3)

في الأصل، م:"أنزلنا".

(4)

سقط من: ص، م.

(5)

في الأصل: "فيجعل".

ص: 111

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنا عمى، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا} . إلى قولِه: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا} . وطَمْسُها أن تُعْمَى، {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا}. يقولُ: أن نجعلَ وجوهَهم مِن قِبَلِ أقفِيتِهم، فيَمْشون القَهْقَرى، ونجعَلَ لأحدِهم عينَين في قَفاه

(1)

.

حدَّثني أبو العالية إسماعيلُ بنُ الهيثمِ العَبْديُّ، قال: ثنا أبو قُتَيبةَ، عن فُضَيلِ بن مَرْزُوقٍ، عن عطيةَ العَوْفيِّ في قولِه:{مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} . قال: نجعَلَها في أقفائِها، فتَمْشي على أعقابِها القَهْقَرَى

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عُمارةَ الأسْديُّ، قال: ثنا عُبَيدُ اللهِ بن موسى، قال: ثنا فُضَيلُ بنُ مَرْزُوقٍ، عن عطيةَ بنحوِه، إلا أنه قال: طَمْسُها أن يَرُدُّها في

(3)

أقفائِها (2).

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} . قال: نُحوِّل وجوهَها قِبَلَ ظهورها

(4)

.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: مِن قبل أن نُعْمِيَ قومًا عن الحقِّ، فَنَرُدَّها

(5)

على أدبارِها في الضلالةِ والكفرِ.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 968، 969 (5412، 5415) عن محمد بن سعد به. وانظر مسائل نافع بن الأزرق ص 198.

(2)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 969 عقب الأثر (5415) معلقًا.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"على".

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 163.

(5)

في الأصل: "فيردها".

ص: 112

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} : فنَرُدَّها [عن الصِّراطِ]

(1)

الحقِّ، {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} . قال

(2)

: في الضلالِة

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا} : عن

(4)

صِراطِ الحَقِّ، {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا}: في الضلالِة.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سُويدٌ، قال: أخبرَنا ابن المُباركِ قراءةً عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: قال

(5)

مَعْمَرٌ، و

(6)

قال: الحسنُ: {نَطْمِسَ وُجُوهًا} . يقولُ: نَطْمِسَها عن الحقِّ، {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا}: على ضَلالتِها

(7)

.

حدَّثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} إلى قولِه: {كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ

(1)

في الأصل: "على الصراط عن".

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

تفسير مجاهد ص 283، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 696 (5414، 5416)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 196 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(4)

في الأصل: "على".

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"أخبرنا".

(6)

سقط من: ص.

(7)

تفسير عبد الرزاق 1/ 163، 164. وستأتي بقيته في ص 120.

ص: 113

السَّبْتِ}. قال: نَزَلت في مالكِ بن الصَّيفِ، ورِفاعةَ بن زيدِ بن التابوتِ، مِن بنى قَيْنُقاعَ، أمَّا:{أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} . يقولُ: فنُعْمِيَها عن الحقِّ، ونُرْجِعَها كفارًا

(1)

.

حُدِّثت عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخبرَنا عُبَيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} : يعنى أن نَرُدَّهم عن الهدى والبَصيرةِ، فقد رَدَّهم على أدبارِهم، فكَفَروا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وما جاء به

(2)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: مِن قبلِ أن نَمْحُوَ آثارَهم مِن وجوهِهم التي هم بها، وناحيتِهم التي هم بها نُزولٌ

(3)

، فنَرُدُّها على أدبارِها مِن حيثُ جاءوا

(4)

منه بَدِيًّا

(5)

مِن الشامِ.

‌ذكر مِن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: حدَّثنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} . قال: كان أبي يقولُ: إلى الشام

(6)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 968، 969 (5410، 5417) مِن طريق أحمد بن مفضل به بزيادة: ويجعلهم قردة.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 169 إلى ابن المنذر نحوه.

(3)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(4)

في الأصل: "جاء".

(5)

في الأصل: "فديا"، وفى م:"بدءا". والبديّ - بالتشديد -: الأول. والمعنى: في أول أمرهم. ينظر اللسان (ب دو).

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 169 إلى المصنف وابن أبي حاتم عن ابن زيد، بزيادة: أي رجعت =

ص: 114

وقال آخرون

(1)

: بل معنى ذلك: مِن قَبْلِ أن نَطْمِسَ وجوهًا فَنَمْحُو آثارَها ونُسَوِّيَها، {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا}: بأن نجعلَ الوجوهَ مَنابِتَ للشَّعَرِ، كما وجوهُ القِرَدةِ مَنابِتُ للشَّعَرِ؛ لأن شُعورَ بنى آدمَ في أدبارِ وجوهِهم، فقالوا: إذا أنْبَتَ الشُّعورَ في وجوهِهم، فقد رَدَّها على أدبارِها، بتَصْييرِه إيَّاها كالأقفاءِ وأدبارِ الوجوهِ

(2)

.

قال أبو جعفرٍ: وأَولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مِن قال: معنى قولِه: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا} : مِن قبل أن نَطْمِسَ أبصارَها، ونَمْحُو آثارَها، فنُسَوِّيها كالأقْفاءِ، {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا}: فنَجْعلَ أبصارَها في أدبارِها.

يعنى بذلك: فنَجعَلَ الوجوهَ في أدبارِ الوجوهِ، فيكونُ معناه: فنُحوِّلَ الوجوهَ أقْفاءِ، والأقفاءَ وجوهًا، فيَمْشوا

(3)

القَهْقَرَى. كما قال ابن عباسٍ وعطيةُ ومَن قال ذلك.

وإنما قُلنا ذلك أولى بالصوابِ؛ لأن الله جلَّ ثناؤه خاطَب بهذه الآيةِ اليهودَ الذين وَصَف صفتَهم بقولِه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ} . ثم حَذَّرهم تعالى ذكرُه بقولِه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} . الآيةَ بأسَه وسَطُوتَه، وتَعْجيلَ عِقابِه لهم، إن هم لم يُؤْمِنوا بما أمَرهم بالإيمانِ به، ولا شَكّ

= إلى الشام من حيث جاءت ردوا إليه. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 969 (5418) عن يونس بن عبد الأعلى به، مثله، دون ذكر زيد بن أسلم.

(1)

معاني القرآن للقراء 1/ 272.

(2)

بعده في الأصل: "ذكر من قال ذلك".

(3)

في ص، م:"فيمشون".

ص: 115

أنهم كانوا لمَّا أمَرهم بالإيمانِ به يومَئذٍ كفارًا.

وإذ كان ذلك كذلك، فبيِّنٌ فسادُ قولِ مَن قال: تأويلُ ذلك: [من قبلِ]

(1)

أن نُعْمِيها عن الحقِّ فنَرُدَّها في الضلالةِ، [وما]

(2)

وَجْهُ رَدِّ مَن هو في الضلالِة فيها؟ وإنما يُرَدُّ في الشيءِ مِن كان خارجًا منه، فأما مَن هو فيه، فلا وَجْهَ لأَنْ يقالَ: يَرُدُّه فيه.

وإذ كان ذلك كذلك، وكان صحيحًا أن الله جلَّ ثناؤه قد تَهَدَّد الذين ذكَرهم في هذه الآيةِ، بِرَدِّه وجوهَهم على أدبارِهم، كان بَيِّنًا فسادُ تأويلِ مَن قال: معنى ذلك: يُهَدِّدُهم بِرَدِّهم في ضَلالتِهم.

فأما الذين قالوا: معنى ذلك: مِن قبلِ أن نجعَلَ الوجوهَ مَنابِتَ للشَّعَرِ، كَهَيْئةِ وجوهِ القِرَدةِ، فقولٌ لقولِ أهلِ التأويلِ مُخالفٌ، وكَفَى بخُروجِه عن قولِ أهلِ العلمِ مِن الصحابةِ والتابعين، فمَن بعدهم مِن الخالِفين، على خطِئه شاهدًا.

وأما قولُ مَن قال: معناه: مِن قبل أن نَطْمِسَ وجوهَهم التي هم فيها، فنَرُدُّهم إلى الشامِ مِن مساكنِهم بالحجازِ ونَجْدٍ، فإنه وإن كان قولًا له وَجْهٌ، فممَّا

(3)

يدلُّ عليه ظاهرُ التنزيلِ بعيدٌ، وذلك أن المعروفَ مِن الوجوهِ في كلامِ العربِ [إذا هي ذُكرت مطلقةً غيرَ موصولةٍ بما

(4)

يَدُلُّ على أنها عُنى بها غيرُ الوجوهِ التي هي خلافُ الأقفاءِ، أنه مرادٌ بها]

(5)

التي هي خلافُ الأقفاءِ، وكتابُ الله جلَّ ثناؤُه يُوَجَّهُ

(6)

تأويلُه إلى

(1)

سقط من: ص، م.

(2)

في ص، م:"فما".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"كما".

(4)

في الأصل: "ما"، وما أثبتناه موافق لسياق الكلام.

(5)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(6)

في الأصل: "موجه".

ص: 116

الأغلب في كلامِ مَن نَزَل بلسانه، حتى [يأتىَ ما]

(1)

يَدُلُّ على أنه مَعْنِيٌّ به غيرُ ذلك مِن الوجوهِ التي

(2)

يجِبُ التسليمُ له.

وأما الطَّمْسُ: فهو العُفُوُّ والدُّثورُ في استواءٍ، ومنه يقالُ: طُمِسَتْ أَعلامُ الطريقِ تَطْمِسُ طُمُوسًا. إذا دَثَرَتْ وعفَت

(3)

، فانْدقَّت

(4)

واستَوتْ بالأرضِ، كما قال كعبُ بنُ زُهَيرٍ

(5)

:

مِن كُلِّ نَضَّاخَةِ

(6)

الذِّفْرَى إِذا عَرَقَت

عُرْضَتُها طَامِسُ الأعلامِ مَجْهولُ

يعني بطامِس

(7)

الأعلامِ: دائِرَ الأعلامِ مُنْدَقَّها

(8)

، ومِن ذلك قيل للأعمى الذي قد تَعَفَّى غَرُّ

(9)

ما بينَ جَفْنَى عَيْنَيه فدُثِر: أعمى مَطْموسٌ وطَمِيسٌ. كما قال اللهُ جلَّ ثناؤه: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} [يس: 66].

قال أبو جعفرٍ: [الغَرُّ: الشَّقُّ]

(10)

الذي بينَ الجَفْنَيْنِ

(11)

.

فإن قال قائلٌ: فإن كان الأمرُ كما وَصَفتَ مِن تأويلِ الآية، فهل كان ما تَوَعَّدهم به؟

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(2)

بعده في م: "ذكرت دليل".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"تعفت".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"فاندفنت".

(5)

تقدم في 4/ 11.

(6)

في الأصل، ص، ت 1:"نضاحة". وينظر ما تقدم في 4/ 11.

(7)

في الأصل: "بقوله طامس"، وفي ص، ت 2:"طامس".

(8)

في ص، م:"مندفنها".

(9)

سقط من: الأصل، م، ت 1، ت 3.

(10)

في الأصل: "العرا الشق"، وفي م:"العراسق".

(11)

في م: "الخفين".

ص: 117

قيل: لا

(1)

، لم يكن؛ لأنه آمَن منهم جماعةٌ؛ منهم عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ، وثَعْلَبَةُ بنُ سَعْيَةَ

(2)

، وأُسَيْدُ

(3)

بنُ سَعْيَةَ

(2)

، وأَسَدُ بنُ عُبَيدٍ، ومُخَيْرِيقٌ

(4)

، وجماعةٌ غيرُهم، فدفَع عنهم بإيمانِهم.

ومما يُبَيِّنُ عن أن هذه الآيةَ نزَلَت في اليهودِ الذين ذَكَرنا صفتَهم، ما حدَّثنا به أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا يونسُ بنُ بُكَيرٍ، وحدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ جميعًا، عن ابن إسحاقَ، قال: ثنى محمدُ بنُ أبى محمدٍ، مولى زيدِ بن ثابتٍ، قال: ثنى سعيدُ بنُ جُبَيرٍ، أو

(5)

عِكْرمةُ، عن ابن عباسٍ، قال: كَلَّم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رؤساءَ مِن أحبارِ يهودَ؛ منهم عبدُ اللهِ بن صُوريَا، وكعبُ بنُ أسدٍ

(6)

، فقال لهم:"يا معشرَ يهودَ، اتَّقُوا الله وأسْلِموا، فواللهِ إنكم لتَعْلَمون أن الذي جِئْتُكم به لحَقٌّ". فقالوا: ما نَعْرِفُ ذلك يا محمدُ. وجَحَدُوا ما عَرَفوا، وأصَرُّوا على الكفرِ، فأنزَل اللهُ فيهم:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا} . إلى آخرِ الآيةِ

(7)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا جابرُ بنُ نوحٍ، عن عيسى بن المُغِيرةِ، قال:

(1)

سقط مِن: م.

(2)

في الأصل، ص:"شعبة". وينظر سيرة ابن هشام 2/ 238، والبداية والنهاية 6/ 81.

(3)

في ص، م:"أسد". وينظر البداية والنهاية الموضع السابق.

(4)

في الأصل: "محيريز"، وفى ص، م:"مخيرق". وينظر سيرة ابن هشام 1/ 514، والبداية والنهاية 5/ 6، 8، 416، 417.

(5)

في الأصل: "و".

(6)

في الأصل: "أسيد". وينظر سيرة ابن هشام، 1/ 515، والبداية والنهاية 5/ 7، 551، 552.

(7)

أخرجه ابن إسحاق، كما في الدر المنثور 2/ 168، وأخرجه البيهقى في الدلائل 2/ 533 من طريق يونس بن بكير به. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 968 (5411) من طريق سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة، من قوله. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 168 إلى ابن المنذر.

ص: 118

تَذاكَرْنا عندَ إبراهيمَ إسلامَ كعبٍ، فقال: أسلَم كعبٌ في زمنِ عمَر، أقبَل وهو يريدُ بيتَ المَقْدسِ، فمَرَّ على المدينة، فخَرَج إليه عمرُ، فقال: يا كعبُ؛ أسِلمْ. قال: ألَسْتُم تَقْرَءون في كتابِكم: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5]. وأنا قد حَمَلتُ التوراة. قال: فتَرَكه، ثم خَرَج حتَّى انتَهى إلى حِمْصَ. قال: فسَمِع رجلًا مِن أهلِها حزينا، وهو يقولُ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا}. الآية. فقال كعبٌ: يا ربِّ آمَنْتُ، يا ربِّ أَسْلَمْتُ. مخافةَ أن تُصِيبَه هذه

(1)

الآيةُ، ثم رجع فأتَى أهلَه باليمن، ثم جاء بهم مسلمين

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى جلّ ثناؤُه بقولِه: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ} : أو نَلْعَنَكم، فنُخْزِيَكم، ونجعلكم قردةً، [{كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ} يقول: كما أَخْزَيْنا الذين اعتدَوا في السبتِ مِن أسلافِكم. قيل ذلك]

(3)

على وَجْهِ الخطابِ في قولِه: {آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} . كما قال عز وجل: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس:22].

وقد يحتملُ أن يكونَ معناه: مِن قَبْل أن نَطْمِسَ وجوهًا، فنَرُدُّها على أدبارِها، أو نَلْعَنَ أصحابَ الوجوه، فجعل الهاءَ والميمَ في قولِه:{أَوْ نَلْعَنَهُمْ} . مِن ذكرِ

(1)

سقط من: م.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 285 عن المصنف. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 168 إلى المصنف. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 969 (5413) من وجه آخر بلفظ آخر.

(3)

في الأصل: "وقال: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ} فرجع إلى الخبر عن الغائب. وقد مضى الكلام قبل ذلك".

ص: 119

أصحابِ الوجوهِ، إذ كان في الكلامِ دَلالةٌ على ذلك.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشْرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} إلى قولِه: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ} . أي: نُحوِّلَهم قِرَدةً

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا مَعْمَرٌ، عن الحسنِ:{أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ} . يقولُ: أو نجعَلَهم قِرَدةً

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ} : أو نَجَعَلَهم قِرَدةً

(3)

.

حدَّثني يونسُ، قال: حدَّثنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ} : [قال: هم يهودُ جميعًا، نَلْعَنُ هؤلاء، كما لَعَنَّا الذين لَعَنَّا منهم مِن أصحابِ السبتِ]

(4)

.

وأما قولُه: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} . فإنه يعنى: وكان جميعُ ما أمَر اللهُ جلَّ ثناؤُه أن يكونَ كائنًا مخلوقًا موجودًا، لا يمتنعُ عليه خلقُ شيءٍ شَاء خَلْقَه.

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 163 عن معمر عن قتادة.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 164، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 970 (5419) عن الحسن بن يحيى به. وتقدم أوله في ص 113.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 970 عقب الأثر (2419) من طريق أسباط به.

(4)

سقط مِن: الأصل.

ص: 120

والأمرُ في هذا الموضعِ المأمورُ، سُمِّى أمرَ اللهِ جلَّ ثناؤُه؛ لأنه عن أمرِه كان وبأمرِه. والمعنى: وكان ما أمَر اللهُ به مفعولًا.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلّ ثناؤُه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} . و {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

(1)

: فإن الله لا يغفرُ الشِّرْكَ به والكفرَ، {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}: الشركِ، {لِمَنْ يَشَاءُ}: مِن أهلِ الذنوب والآثامِ.

فإذا كان ذلك معنى الكلامِ، فإن

(2)

قولَه: {أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} . في موضعِ نصبٍ بوقوعِ {يَغْفِرُ}

(3)

عليها، وإن شئتَ قلتَ

(4)

بفَقْدِ الخافضِ الذي كان يَخْفِضُها لو كان ظاهرًا. وذلك أن يُوجَّه معناه إلى: إن الله لا يَغْفِرُ أَن

(5)

يُشْرَكَ به، على تأويلِ الجَزاءٍ، كأنه قيل: إن الله [لا يغفرُ]

(6)

ذَنْبًا مع شِرْكٍ أو عن شِرْكٍ به.

وعلى هذا التأويلِ، يَتَوجَّه أن [تكونَ "أن" في موضعِ خَفْضٍ]

(7)

في قولِ بعضِ أهلِ العربيةِ

(8)

.

(1)

بعده في الأصل: "أي".

(2)

بعده في الأصل: "من".

(3)

في الأصل: "فغفر".

(4)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"بأن".

(6)

سقط من: الأصل.

(7)

في الأصل: "يكون في مع خفض".

(8)

معاني القرآن للفراء 1/ 272.

ص: 121

وذُكر أن هذه الآيةَ نَزَلَت في سببِ

(1)

أقوامٍ ارْتابوا في أمرِ المشركين حينَ

(2)

نَزَلَت: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

‌ذكرُ الخبر بذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ، قال: ثنى مُجَبَّرٌ

(3)

، عن عبدِ اللهِ بن عمرَ، أنه قال: لمَّا نزَلت: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} . الآية. قام رجلٌ، فقال: والشِّرْكُ يا نبيَّ اللهِ. فكَرِه ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} إلى قولِه: {فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}

(4)

.

حُدِّثت عن عَمَّارٍ [بن الحسنِ]

(5)

، قال: ثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ في قولِه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} . قال: أخبرَنى مُجَبَّرٌ (3)، عن عبدِ اللهِ بن عمرَ، أنه قال: لما نَزَلَت هذه الآيةُ: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية. قام رجلٌ فقال: والشِّرْكُ يا نبيَّ اللهِ. فكره ذلك النبيُّ عليه السلام، فقال:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} .

حدَّثني محمدُ بنُ خلفٍ العَسْقَلانيُّ، قال: ثنا آدمُ، قال: ثنا الهيثمُ بنُ حَمَّادٍ

(6)

،

(1)

سقط من: م. وفى ص، ت 2:"سب".

(2)

في الأصل: "حتى".

(3)

في الأصل، ت 1، ت 2، ت 3:"مخبر"، وفى م:"محبر". وغير منقوطة في ص. والمثبت من مصدر التخريج. وينظر المؤتلف والمختلف للدارقطني 4/ 2013.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 970 (5422) من طريق ابن أبي جعفر به. وينظر الحلية 3/ 226.

(5)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ت 3، وفى ص:"ابن الحسين".

(6)

كذا في النسخ، وتفسير ابن كثير عن المصنف. والصواب جَمَّاز. ينظر المؤتلف والمختلف للدارقطني 2/ 741.

ص: 122

قال: ثنا بكرُ بنُ عبدِ اللهِ المُزَنيُّ، عن ابن عمرَ، قال: كُنَّا معشرَ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لا نَشُكُّ في قاتلِ المؤمنِ

(1)

، وآكِلِ مالِ اليتيم، وشاهدِ الزورِ، وقاطعِ الرَّحِمِ، حتى نَزَلَت هذه الآيةُ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فأمسَكْنا عن الشهادِة

(2)

.

وقد أبانَت هذه الآيةُ أن كلَّ صاحبِ كبيرةٍ ففى مَشِيئةِ اللهِ، إن شاء عفا عنه ذنبه، وإن شاء عاقَبه عليه ما لم تكُنْ كبيرتُه

(3)

شِرْكًا باللهِ تبارك وتعالى.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ومَن يُشْرِكْ باللهِ في عبادتِه غيرَه مِن خَلْقِه، {فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} ، يقولُ: فقد اختَلَق إثمًا عظيما، وإنما جعَله عز ذكرُه مُفْتَرِيًا؛ لأنه قال زُورًا وإفكًا بجُحودِه وحدانيةَ اللهِ، وإقرارِه بأن للهِ عز وجل شَريكًا مِن خلقِه أو

(4)

صاحبةً أو ولدًا. فقائلُ ذلك مُفْتَرٍ، وكذلك كلُّ كاذبٍ فهو مُفْتَرٍ في كذبِه مُخْتَلِقٌ له.

(1)

في ص، م:"النفس".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 971 (5426) من طريق الهيثم، عن سلام بن أبي مطيع، عن بكر به. وذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 290 عن ابن أبي حاتم، وقال: ورواه ابن جرير مِن حديث الهيثم به، فالله أعلم.

وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 971 (5427)، والطبراني في الأوسط في تفسيره (3021) من طريق آخر عن بكر به. وأخرجه البزار (3254 - كشف)، وأبو يعلى (5813)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 970 (5421)، وابن عدى 2/ 825 من طريقين عن نافع، عن ابن عمرَ. وقال الهيثمي في المجمع 10/ 211 رواه البزار، وإسناده جيد. وعزاه ابن كثير إلى ابن مردويه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 169 إلى ابن الضريس وابن المنذر، قال: بسند صحيح.

(3)

في م: "كبيرة".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"و".

ص: 123

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} .

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يعنى بذلك تعالى ذكرُه: ألم تَرَ يا محمدُ بقلْبِك الذين يُزَكُّون أنفسَهم مِن اليهودِ فيُبَرِّئُونها مِن الذنوبِ، ويُطَهِّرونها.

واختَلف أهلُ التأويلِ في المعنى الذي كانت اليهودُ تُزَكِّي به أنفسَها؛ فقال بعضُهم: كانت تَزْكِيتُهم أنفسَهم قولَهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18].

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشْرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} : وهم أعداءُ اللَّهِ اليهودُ، زَكَّوا أنفسَهم بأمرٍ لم يَبْلُغوه، فقالوا:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} . وقالوا: لا ذنوبَ لنا

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا مَعْمَرٌ، عن الحسنَ في قولِه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} . قال: هم اليهودُ والنصارى، قالوا:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} . وقالوا: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}

(2)

[البقرة: 111].

وحدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا أبو تُمَيلةَ، عن عُبَيدِ بن سُليمانَ، عن الضحاكِ، قال: قالت اليهودُ: ليست لنا ذنوبٌ إلا كذُنوبِ أولادِنا يومَ

(1)

ذكره البغوي في تفسيره 2/ 233، وابن كثير في تفسيره 2/ 281 عن قتادة.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 164، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 972 (5431) عن الحسن بن يحيى به.

ص: 124

يُولَدون، فإن كانت لهم ذنوبٌ، فإن لنا ذنوبًا، فإنما نحن مِثْلُهم. قال اللهُ جلَّ ثناؤُه:{انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا}

(1)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} . قال: قال أهلُ الكتابِ: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} . وقالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} . وقالوا: نحن على الذي يُحِبُّ الله. فقال الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} . حينَ زعَموا أنهم يَدْخُلون الجنةَ، وأنهم أبناءُ اللَّهِ وأحباؤه وأهل طاعتِه

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} : نَزَلَت في اليهودِ، [قالت

(3)

اليهودُ]

(4)

: إنا نُعَلِّمُ أبناءَنا التوراةَ صِغارًا، فلا تكونُ لهم ذنوبٌ، وذنوبُنا مثلُ ذنوبِ أبنائِنا، ما عَمِلنا بالنهارِ كُفِّر عنا بالليلِ

(5)

.

وقال آخرون: بل كانت تَزْكيتُهم أنفسَهم، تَقْديمَهم أطفالَهم لإمامتِهم في صلاتِهم، زعمًا منهم أنهم لا ذنوبَ لهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} . قال: يهودُ كانوا يُقَدِّمون صِبْيانَهم في

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 972 (5432) من طريق آخر عن الضحاك.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 291 عن ابن زيد.

(3)

في ص: "وقالت".

(4)

في م: "قالوا".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 972 عقب الأثر (5430) من طريق أسباط به.

ص: 125

الصلاةِ فَيَؤمُّونهم، يَزْعُمون أنهم لا ذنوبَ لهم، فتلك التَّزْكيةُ

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن الأعرجِ، عن مجاهدٍ، قال: كانوا يُقَدِّمون الصِّبْيانَ أمامَهم في الدعاءِ والصلاةِ، يَؤمُّونهم، ويزعُمون أنهم لا ذنوبَ لهم، فتلك تَزْكيةٌ. قال ابن جُرَيجٍ: هم اليهودُ والنصارى.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سُفيانَ، عن حُصَينٍ، عن أبي مالكٍ في قولِه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} . قال: نَزَلَت في اليهودِ كانوا يُقَدِّمون صِبْيانَهم، يقولون: ليست لهم ذنوبٌ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن [أبي مَكِينٍ]

(3)

، عن عِكْرمةَ في قولِه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} . قال: كان أهلُ الكتابِ يُقَدِّمون الغِلمانَ الذين لم يَبْلُغوا الحِنْثَ

(4)

يُصَلُّون بهم، يقولون: ليس لهم ذنوبٌ. فأنزَل اللهُ جلَّ ثناؤُه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} الآية

(5)

.

(1)

تفسير مجاهد ص 283. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 170 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 170 إلى المصنف. وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 972 عقب الأثر (5430) معلقًا.

(3)

في الأصل: "أبي مسكين". وينظر تهذيب الكمال 30/ 50.

(4)

يقال: بلغ الغلام الحنثَ، أي الإدراك والبلوغ، وهو مجاز. وقيل: إذا بلغ مبلغا جرى عليه القلم بالطاعة والمعصية. وقيل: الحنث الحُلُمُ. تاج العروس (ح ن ث).

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 170 إلى المصنف، وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 972 عقب الأثر (5430) معلقا. وأخرج ابن أبي حاتم 3/ 972 (5430) نحوه من طريق آخر عن عكرمة عن ابن عباس.

ص: 126

وقال آخرون: بل تزكيتُهم أنفسَهم كانت قولَهم: إن أبناءَنا يَسْتَشْفِعون

(1)

لنا ويُزَكُّوننا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} : وذلك أن اليهودَ قالوا: إن أبناءَنا

(2)

تُوفُّوا وهم لنا قُرْبةٌ عند الله، ويَسْتَشْفِعون لنا

(1)

ويُزَكُّوننا. فقال اللهُ جلَّ ثناؤُه لمحمدٍ عليه السلام: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} إلى: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}

(3)

.

وقال آخرون: بل ذلك كان منهم تزكيةً مِن بعضِهم لبعضٍ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يحيى بنُ إبراهيمَ المَسْعوديُّ، قال: ثنا أبي، عن أبيه، [عن جدِّه]

(4)

، عن الأعمشِ، عن قيسِ بن مسلمٍ، عن طارقِ بن شهابٍ، قال: قال عبدُ اللهِ: إن الرجلَ ليَغْدو بدينِه، [ثم يَرْجِعُ]

(5)

وما معه منه شيءٌ، يَلْقَى الرجلَ ليس يَملِكُ له نفعًا ولا ضرًّا، فيقولُ: واللهِ إنك [لذيْتَ وذَيْتَ]

(6)

. فلعلَّه

(7)

أن

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"سيشفعون".

(2)

بعده في م، ت 1، ت 2، ت 3:"قد".

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 292 عن المصنف مِن طريق العوفى به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 170 إلى المصنف.

(4)

سقط من: ص، م. وينظر تهذيب الكمال 18/ 417.

(5)

سقط من: الأصل.

(6)

ذيت وذيت: من ألفاظ الكنايات، يقولون: كان مِن الأمر ذيت وذيت. أي كيت وكيت. التاج (ذ ى ت).

(7)

في م: "ويجعله"، وفى ت 1، ت 2، ت 3:"ولعله".

ص: 127

يَرجِعَ، ولم يَحْلَ

(1)

مِن حاجتهِ بشيءٍ، وقد أسْخَط الله عليه، ثم قرَأ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} . الآية

(2)

.

قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوالِ بالصوابِ قولُ مَن قال: معنى تَزْكية القومِ الذين وَصَفهم اللهُ بأنهم يُزَكُّون أنفسَهم: وَصْفُهم إياها بأنها لا ذنوبَ لها ولا خَطايا، وأنهم لله جلَّ ثناؤُه أبناءٌ وأحباءُ، كما أخبرَ اللهُ جلَّ ثناؤُه عنهم أنهم كانوا يقولونه؛ لأن ذلك هو أظهرُ مَعانيه، لإخبارِ اللهِ عنهم أنهم

(3)

إنما كانوا يُزَكُّون أنفسَهم دونَ غيرِها.

وأما الذين قالوا: معنى ذلك، تَقْديمُهم أطفالهَم للصلاةِ، فتأويلٌ لا تُدْرَكُ صحتُه إلا بخبرٍ حُجَّةٍ يُوجِبُ العلم.

وأما قولُه جلَّ ثناؤُه: {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} . فإنه تكذيبٌ مِن الله عز وجل المُزَكِّين أنفسَهم مِن اليهودِ والنصارى، المُبَرِّئيها مِن الذنوبِ. يقولُ اللهُ لهم: ما الأمرُ كما زعَمتم؛ أنه لا ذنوب لكم ولا خَطايا، وأنكم بُرَآءُ مما يَكْرَهُه اللهُ، ولكنكم أهلُ فِرْيةٍ وكذبٍ على اللهِ، وليس المُزكَّى مَن زَكَّى نفسَه، ولكنه الذي يُزَكِّيه الله، واللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ مِن خلقِه، [فيطهِّرُه ويبرِّئُه]

(4)

مِن الذنوبِ؛ بتَوفيقه لاجْتِنابِ ما يَكْرَهُه مِن مَعاصيه إلى ما يَرْضاه مِن طاعِته.

(1)

حَلى منه بخير وحلا: أصاب منه خيرًا. قال ابن بري: وقولهم: لم يحل بطائل، أي لم يظفر ولم يستفد منها كبير فائدة، ولا يُتكلَّم به إلا مع الجحد. اللسان (ح ل و).

(2)

سقط من الأصل.

والأثر أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (824)، والخلال في السنة (1487، 1549، 1550)، والحاكم 4/ 437 من طريق قيس به.

(3)

في م: "أنها".

(4)

في الأصل: "بتطهيره وتبرئته".

ص: 128

وإنما قلنا: إن ذلك كذلك؛ لقوله جلّ ثناؤُه: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} . فأخبَر

(1)

أنهم يَفْتَرون على اللهِ الكذبَ بدَعْواهم أنهم أبناءُ اللهِ وأحباؤُه، وأن اللهُ جلَّ ثناؤُه قد طَهَّرهم مِن الذنوبِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ولا يَظْلِمُ اللَّهُ هؤلاء الذين أخبرَ عنهم أنهم يُزَكُّون أنفسَهم ولا غيرَهم مِن خلقه، فيُبْخَسَهم - في تَرْكه تَزْكيتَهم وتَزْكيةَ مَن تَرَكَ تَزْكيتَه، وفى تَزْكِيةِ مَن زَكَّى مِن خلقه - شيئًا مِن حقوقِهم، ولا يَضَعُ شيئًا في غيرِ موضعهِ، ولكنه يُزَكِّي مَن يَشَاءُ مِن خَلقِه، فيُوَفِّقُه، ويَخذُلُ مَن يشاءُ مِن أهل مَعاصِيه، كلُّ ذلك إليه وبيدِه، وهو في كلِّ ذلك غيرُ ظالمٍ أحدًا، ممن زَكَّاه أو لم يُزَكِّه، فَتِيلًا.

واختَلف أهلُ التأويلِ في معنى الفَتِيلِ؛ فقال بعضُهم: هو ما خَرَجَ مِن بين الإصْبَعَين والكَفَّين مِن الوَسَخِ، إذا فَتَلْتَ إحداهما بالأخرى.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني سليمانُ بنُ عبدِ الجبارِ، [قال: حدَّثنا محمدُ بنُ الصَّلْتِ]

(2)

، قال: ثنا أبو كُدَينةَ، عن قابوسَ [بن أبي ظَبْيانَ]

(3)

، عن أبيه، عن ابن عباسٍ، قال: الفَتِيلُ: ما خَرَج مِن بين إصْبَعَيكَ

(4)

.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"وأخبر".

(2)

سقط مِن ص، م، ت 1، ت 2، ت 3 وينظر تهذيب الكمال 25/ 397.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، 2، ت 3. وينظر تهذيب الكمال 23/ 327.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 171 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 129

حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا حَكّام، عن عَنْبَسةَ، عن أبي إسحاقَ الهَمْدَانيِّ، عن التِّميميِّ

(1)

، قال: سألتُ ابنَ عباسٍ عن قولِه: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} . قال: ما فَتَلْتَ بينَ إصْبَعَيك.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن يزيدَ

(2)

بن دِرْهمٍ أبى العلاءِ، قال: سَمِعتُ أبا العالية، عن ابن عباسٍ:{وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} . قال: الفَتِيلُ: هو الذي يخرُجُ مِن بين إِصْبَعَى الرجلِ.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} . قال

(3)

: الفَتِيلُ: هو أن تَدْلُكَ

(4)

إصْبَعَيكَ، فما خرَج منهما

(5)

فهو ذلك.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشَيمٌ، قال: أخبرَنا حُصَينٌ، عن أبي مالكٍ في قولِه:{وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} . قال: الفَتِيلُ: الوَسَخُ الذي يَخْرُجُ مِن بين الكَفِّين

(6)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ، قال: الفَتِيلُ ما فَتَلْتَ به يَدَيك، فَخَرَجَ وَسَخٌ

(7)

.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2 ت 3:"التيمي" وهو تحريف. وهو أربدة التميمي. ينظر تهذيب الكمال 2/ 310.

(2)

في م "زيد". وينظر الجرح والتعديل 9/ 260.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"و".

(4)

بعده في م، ت 1، ت 2، ت 3:"بين".

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2 ت:3 "بينهما".

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 972 عقب الأثر (5434) معلقًا.

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 972 عقب الأثر (5434) معلقًا من طريق أسباط به.

ص: 130

حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} . قال: ما تَدْلُكُه في يَدَيك، فيَخْرُجُ

(1)

بينَهما

(2)

.

وأناسٌ يقولون: هو

(3)

الذي يكونُ في شَقِّ

(4)

النَّوَاةِ

(5)

.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: حدَّثني عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليٍّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ قولَه:{فَتِيلًا} . قال: الذي في شَقِّ

(6)

النواة

(7)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن طَلْحةَ بنَ عمرٍو

(8)

، عن عطاءٍ، قال: الفَتِيلُ: الذي في بَطْنِ النواة

(9)

.

حدَّثني يونسُ، قال: حدَّثنا ابن وهب، قال: ثني طلحةُ بنُ عمرٍو، أنه سمِع عطاءَ بنَ أبي رباحٍ يقولُ. فذكَر مثلَه

(9)

.

(1)

في الأصل، ت 1، ت 2، ت 3:"فخرج".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 972 (5434) من طريق منصور به. وعزاه السيوطي أيضًا في الدر المنثور 2/ 171 إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد.

(3)

سقط من: ص، م.

(4)

في م: "بطن".

(5)

بعده في الأصل، ص، ت 1، ت 2،:"وقال آخرون الفتيل الذي في شق النواة"، وبيِّنٌ أنه تكرار.

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"بطن".

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 973 (5435) من طريق عبد الله بن صالح به. وينظر مسائل نافع بن الأزرق ص 128، والدر المنثور 2/ 171.

(8)

في الأصل: "عمر". وينظر تهذيب الكمال 13/ 427.

(9)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 973 (5436) من طريق وكيع به. وطلحة متروك.

ص: 131

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاج، قال: قال ابن جُرَيج: أخبرَني عبدُ اللهِ بنُ كثيرٍ، أنه سمِع مجاهدًا يقولُ: الفَتِيلُ: الذي في شَقِّ النّوَاةِ

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا يحيى

(2)

بنُ سعيدٍ، قال: ثنا سفيانُ بنُ سعيدٍ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ قال: الفتيلُ في النواةِ.

حدَّثنا الحسنُ

(3)

بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ، في قولِه:{وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} . قال: الفَتِيلُ الذي في شَقِّ النَّوَاةِ

(4)

.

حُدِّثت عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سَمِعتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: ثنا عُبَيدُ بنُ سُليمانَ، قال: سَمِعتُ الضَّحاكَ يقولُ: الفَتيلُ: شَقُّ النَّوَاةِ

(5)

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: الفَتِيلُ: الذي في بَطْن النَّوَاةِ.

حدَّثني يحيى بنُ أبى طالبٍ، قال: أخبرَنا يزيد، قال: حدَّثنا جُوَيبرٌ، عن الضَّحاكِ، قال: الفَتِيلُ: الذي يكونُ في شَقِّ النَّوَاةِ.

حدَّثنا المُثَنَّى

(6)

، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} : فَتِيلُ النَّوَاةِ: شَقُّها

(7)

.

(1)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 973 عقب الأثر (5436) معلقًا بلفظ: بطن النواة.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"محمد".

(3)

في الأصل: "الحسين"، وتقدم كثيرًا.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 164، 382.

(5)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 973 عقب الأثر (5436) معلقًا.

(6)

في الأصل: "ابن المثنى". وتقدم كثيرا.

(7)

سقط مِن ص، م، ت 1، ت 2، ت 3. والأثر في تفسير مجاهد ص 283.

ص: 132

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا أبو عامرٍ، قال: ثنا قُرَّةُ، عن عَطِيةَ، قال: الفَتِيلُ: الذي في بَطْنِ النَّوَاةِ

(1)

.

قال أبو جعفرٍ: وأصلُ الفَتِيلِ: المفتولُ، صُرِف عن

(2)

"مفعول" إلى "فعيل"، كما قيل: صَريعٌ ودَهِينٌ. مِن مَصْروعٍ ومَدْهونٍ.

وإذ كان ذلك كذلك، فكان اللهُ جلَّ ثناؤُه إنما قصَد بقولِه:{وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} . الخبرَ عن أنه لا يظلِمُ عبادَه أقلَّ الأشياءِ التي لا خَطَرَ لها، فكيف بما له خَطَرٌ، [وكان]

(3)

الوَسَخُ الذي يخرجُ مِن بين إصْبَعَى الرجل، أو مِن بين كَفَّيْهِ إِذا فَتَل إحداهما على الأخرى، كالذى هو في شَقِّ النواةِ وبَطْنِها، وما أشْبَه ذلك مِن الأشياءِ التي هي مَفْتولةٌ، مما لا خطرَ له ولا قيمةَ، فواجبٌ أن يكونَ كلُّ ذلك داخلًا في معنى الفَتيلِ، إلا أن

(4)

يُخرج شيئًا مِن ذلك ما يجبُ التسليمُ له مما دلَّ عليه ظاهرُ التنزيلِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا} .

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يعنى بذلك عز ذكرُه: انظُرْ يا محمدُ كيف يَفْتَرى هؤلاء الذين يُزَكُّون أنفسَهم مِن أهلِ الكتابِ، القائلون: نحن أبناء اللهِ وأحباؤُه، وإنه لن يَدخُلَ الجنةَ إلا مِن كان هودًا أو نصارى، الزاعِمون أنه لا ذنوبَ لهم، الكَذِبَ والزُّورَ مِن القولِ، فيَختَلِقونه على اللَّهِ، {وَكَفَى بِهِ}. يقولُ: وحَسْبُهم بقِيلهم ذلك الكذبَ والزورَ على اللهِ جلَّ {إِثْمًا} ، لهم

(5)

(1)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 973 عقب الأثر (5436) معلقًا.

(2)

في ص، م، ت 2، ت 3:"من".

(3)

في الأصل: "فكان".

(4)

سقط من: الأصل.

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

ص: 133

{مُبِينًا} . يعنى أنه يُبَيِّنُ كذبَهم السامعيه، ويُوضِّحُ لهم أنهم أَفَكَةٌ فَجَرَةٌ.

كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} . قال: هم اليهودُ والنصارى، {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} . [بقيلهم ذلك]

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ألم تَرَ بقلبِك يا محمدُ إلى الذين أُعْطوا {نَصِيبًا}

(2)

: حَظًّا مِن كتاب اللَّهِ، فَعَلِموه، {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} يعنى يُصَدِّقون بالجِبْتِ والطاغوتِ، ويَكْفُرون باللَّهِ، وهم يَعْلَمون أن الإيمانَ بهما، باللهِ

(2)

كُفْرٌ، والتصديقَ بهما شِرْكٌ.

ثم اختَلف أهلُ التأويلِ في معنى الجِبْتِ والطاغوتِ؛ فقال بعضُهم: هما صَنَمان كان المشركون يعبُدُونهما مِن دونِ اللهِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا مَعْمَرٌ، قال: أخبرَنا أيوب، عن عِكْرمةَ أنه قال: الجِبْتُ والطاغوتُ صَنَمان

(3)

.

وقال آخرون: الجِبْتُ الأصنام، والطاغوتُ تَراجِمةُ الأصنام.

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3.

(2)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 165.

ص: 134

‌ذكر مِن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} : الجبْتُ الأصنامُ، والطاغوتُ الذين يكونون بينَ يدَى

(1)

الأصنام، يُعبِّرون عنها الكذبَ؛ ليُضِلُّوا الناسَ، وزَعَم رجالٌ أن الجبْتَ الكاهِنُ، والطاغوتَ رجلٌ مِن اليهودِ يُدْعَى كعب بن الأشرف، كان سَيِّدَ اليهودِ

(2)

.

وقال آخرون: الجِبْتُ: السِّحْرُ، والطاغوتُ الشيطانُ.

‌ذكر مِن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا محمدُ بنُ أبي عَدِيٍّ، عن شُعْبَةَ، عن أبي إسحاقَ، عن [حَسَّانَ بن فائدٍ]

(3)

، قال: قال عمرُ: الجِبْتُ: السحرُ، والطاغوتُ الشيطانُ

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سُفيانَ، عن أبي إسحاقَ، عن حَسَّانَ بن فائدٍ العَبْسيِّ، عن عمرَ مثلَه

(5)

.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"أيدى".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 975 (5446، 5451) عن محمد بن سعد به، إلى قوله: ليضلوا الناس.

(3)

في الأصل: "حسان بن قائد"، وفى ص:"حيان بن قائد". وفي ت 1، ت 2، ت 3:"حبان بن فائد". وتقدم في 4/ 556.

(4)

تفسير مجاهد ص 284 من طريق أبي إسحاق به.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 2/ 495، 3/ 974، 975 (2618، 5443، 5449) من طريق وكيع به. وينظر ما تقدم في 4/ 556.

ص: 135

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشَيمٌ، قال: أخبرَنا عبدُ الملكِ، عمَّن حدَّثه، عن مجاهدٍ، قال: الجِبْتُ السحرُ، والطاغوتُ الشيطانُ

(1)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: حدَّثنا هُشَيمٌ، قال: أخبرَنا زكريا، عن الشعبيِّ، قال: الجِبْتُ السحرُ، والطاغوتُ الشيطانُ

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} . قال: الجبْتُ السحرُ، والطاغوتُ

(3)

الشيطانُ في صورةِ إنسانٍ يَتَحاكمون إليه، وهو صاحبُ أمرهم

(4)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن عبدُ الملكِ، عن قيسٍ، عن مجاهدٍ، قال: الجبْتُ السحرُ، والطاغوتُ الشيطانُ و

(5)

الكاهنُ.

وقال آخرون: الجِبْتُ الساحرُ، والطاغوتُ الشيطانُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: أخبرَنا ابن زيدٍ، قال: كان أبي يقولُ: الجِبْتُ الساحرُ، والطاغوتُ الشيطانُ.

(1)

ذكره البغوي في تفسيره 2/ 234 عن مجاهد. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 172 إلى المصنف وعبد بن حميد، بلفظ: الجبت: الساحر، والطاغوت: الشيطان. وينظر ما تقدم في 4/ 556.

(2)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 974، 975 عقب الأثر (5449،5443) معلقًا. وينظر ما تقدم في 4/ 556.

(3)

بعده في الأصل: "من".

(4)

تفسير مجاهد ص 284، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 2/ 495، 3/ 976 (2621، 5455).

(5)

في الأصل: "في".

ص: 136

وقال آخرون: الجِبْتُ الساحرُ، والطاغوتُ الكاهنُ.

‌ذكر مِن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي بِشْرٍ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ في هذه الآيةِ:{بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} . قال: الجِبْتُ الساحرُ بلسانِ الحبشة، والطاغوتُ الكاهنُ

(1)

.

حدَّثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الوهابِ

(2)

، قال: ثنا داودُ، عن رُفَيعٍ، قال: الجِبْتُ الساحرُ، والطاغوتُ الكاهنُ

(3)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: حدَّثنا عبدُ الأعلى، قال: ثنا داودُ، عن أبي العاليةِ أنه قال: الطاغوتُ الساحرُ، والجبْتُ الكاهنُ

(4)

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عَوْنٍ، قال: حدَّثنا هُشَيمٌ، عن داودَ، عن أبي العاليةِ في قولِه:{بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} . قال: أحدُهما السحْرُ، والآخَرُ الشيطانُ

(5)

.

وقال آخرون: الجِبْتُ الشيطانُ، والطاغوتُ الكاهنُ.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 172 إلى المصنف. وصحح إسناده الحافظ في الفتح 8/ 252. وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 974، 976 عقب الأثر (5443، 5453) معلقًا بلفظ: الجبت السحر.

(2)

في م، ت 1، ت 2، ت 3:"الأعلى".

(3)

تفسير مجاهد ص 284 من طريق داود به، بلفظ: والطاغوت الكافر.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 172 إلى المصنف. وقد ذكره المصنف في 4/ 561 عن ابن المثنى به وقال: قد خولف عبد الأعلى في هذه الرواية ثم ذكر رواية عبد الوهاب السابقة.

(5)

ينظر تفسير ابن أبي حاتم 3/ 974، 975 (5443، 5449)، وتفسير ابن كثير 2/ 293.

ص: 137

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}

(1)

: كُنَّا نُحدَّثُ أن الجبْتَ شيطانٌ، والطاغوتُ الكاهنُ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ مثلَه

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيّ، قال: الجبْتُ الشيطانُ، والطاغوتُ الكاهنُ

(3)

.

[حدَّثني محمدُ بنُ عوفٍ، قال: حدَّثنا أبو اليمان، قال: حدَّثنا صفوانُ بنُ عمرٍو، عن رِشْدِينَ بن سعدٍ، عن عِكْرمةَ، عن أبي بردةَ، أنه كان كاهنًا في الجاهلية، فتنافَر

(4)

إليه ناسٌ ممن أسلم، فأنزل اللهُ عز وجل:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} إلى آخرِ الآية]

(5)

(6)

.

(1)

بعده في الأصل: "الكاهن".

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 164. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 172 إلى عبد بن حميد. وتقدم في 4/ 557 بهذا الإسناد بلفظ: الطاغوت الشيطان.

(3)

ذكر ابن أبي حاتم أوله في تفسيره 3/ 974 عقب الأثر (5444) معلقًا من قول أبي مالك، وأخرج باقيه في 3/ 976 (5453) من طريق السدى عن أبي مالك من قوله. وينظر ما تقدم في 4/ 557.

(4)

تنافر: تخاصم.

(5)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 991 (5547) عن محمد بن عوف، عن أبي اليمان، عن صفوان، عن عكرمة، عن ابن عباس، في سبب نزول:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} .

وأخرجه الطبراني في الكبير (12045) من طريق أبى اليمان به، مثل رواية ابن أبي حاتم. وهكذا ذكره الحافظ في الإصابة 7/ 38، وجود إسناده، والسيوطى في الدر المنثور 2/ 178: وصحح إسناده.

ص: 138

وقال آخرون: الجِبْتُ الكاهنُ، والطاغوتُ الشيطانُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سُفيانَ، عن رجلٍ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، قال: الجبْتُ الكاهنُ، والطاغوتُ الشيطانُ

(1)

.

[وقال آخرون: الجبتُ الكاهنُ، والطاغوتُ الساحرُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك]

(2)

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا حَمَّادُ بنُ مَسْعَدةَ، قال: ثنا عوفٌ، عن محمدٍ، قال في الجبْتِ والطاغوتِ. قال: الجبْتُ الكاهنُ، والآخَرُ الساحرُ

(3)

.

[حدَّثني ابن البرقيِّ، قال: حدَّثنا عمرو بنُ أبي سلمةَ، عن سعيدِ بن عبدِ العزيزِ عن الجبتِ، قال: قال مكحولٌ: الكاهن]

(4)

.

وقال آخرون: الجِبْتُ حُيَيُّ بنُ أَخْطَبَ، والطاغوتُ كعبُ بن الأشرفِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الله، قال: ثنى معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} . الطاغوتُ كعبُ بن الأشرف،

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"الساحر".

والأثر ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 975 عقب الأثر (5449،5447) معلقا.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(3)

ذكره البغوي في تفسيره 2/ 234 معلقا.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3. والأثر ذكره البغوي في تفسيره 2/ 234 معلقا.

ص: 139

والجبْتُ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا أبو زُهَيرٍ، عن جُوَيبرٍ، عن الضحاكِ، قال: الجِبْتُ حُيَيُّ بنُ أَخْطَبَ، والطاغوتُ كعبُ بنُ الأشرف

(2)

.

حدَّثني يحيى بنُ أبى طالبٍ، قال: أخبرنا يزيدُ، قال: أخبرنا جُوَيبرٌ، عن الضحاكِ في قوله:{بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} . قال: الجِبْتُ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، والطاغوتُ كعبُ بنُ الأشرفِ.

وقال آخرون: الجِبْتُ كعبُ بن الأشرفِ، والطاغوتُ الشيطانُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: الجِبْتُ كعبُ بنُ الأشرفِ، والطاغوتُ الشيطانُ كان في صورة إنسانٍ

(3)

.

والصوابُ من القول في تأويل قوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} . أن يقالَ: يُصَدِّقون بمعبودَين مِن دونِ اللهِ، فَيَعبُدُونهما من دون الله، ويَتَّخذونهما إلهين؛ وذلك أن الجبت والطاغوت اسمان لكلِّ مُعَظَّمٍ بعبادةٍ مِن دونِ اللَّهِ أو طاعةٍ أو خضوعٍ له، كائنًا [ما كان ذلك]

(4)

المُعَظَّمُ؛ مِن حَجَرٍ أو إنسانٍ أو شيطانٍ.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 975 (5450) من طريق عبد الله بن صالح به، في تفسير الطاغوت. وعلق باقيه عقب الأثر (5446). وأخرج عن ابن عباس 3/ 974 (5445) من طريق عبد الله بن صالح به، بلفظ: الجبت الشرك.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 172 إلى المصنف. وتقدم في 4/ 556 عن الضحاك بهذا الإسناد بلفظ: الطاغوت الشيطان.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 172 إلى المصنف وابن أبي حاتم من طريق ليث به. وهو عند ابن أبي حاتم 3/ 975 (5448) من طريق ليث به في تفسير الجبت. وتقدم باقيه عن مجاهد.

(4)

في الأصل: "من ذلك كان".

ص: 140

وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الأصنامُ التي كانت

(1)

الجاهليةُ تَعْبُدُها، كانت مُعَظَّمةً بالعبادةِ مِن دونِ اللهِ، فقد كانت جُبُوتًا وطواغيت. وكذلك الشياطينُ التي كانت الكفارُ تُطِيعُها في معصيةِ الله، وكذلك الساحرُ والكاهنُ اللذان كان مقبولًا منهما ما قالا في أهل الشرك بالله. وكذلك حُيَيُّ بنُ أَخطبَ وكعبُ بن الأشرف؛ لأنهما كانا مُطاعَين في أهلِ مِلَّتِهما من اليهود في معصية الله والكفر به وبرسوله، فكانا جبتيَن طاغوتين

(2)

.

وقد بيَّنتُ الأصلَ الذي منه قيل للطاغوت: طاغوتٌ. بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع

(3)

.

‌القولُ في تأويل قوله جل ثناؤُه: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جل ثناؤُه: ويقولون للذين جحَدوا وحدانية الله ورسالة رسولِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: {هَؤُلَاءِ} يعنى بذلك: هؤلاء

(4)

الذين وصفهم الله بالكفر، {أَهْدَى}. يعنى: أقوم وأعدلَ، {مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [يعنى: من الذين]

(5)

صَدَّقوا الله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به نبيُّهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم، {سَبِيلًا}. يعنى: طريقًا.

وإنما ذلك مَثَلٌ، ومعنى الكلامِ أن الله جل ثناؤُه وَصَف الذين أُوتوا نصيبًا مِن

(1)

بعده في الأصل: "في".

(2)

في م: "وطاغوتين".

(3)

ينظر ما تقدم في 4/ 558، 559.

(4)

بعده في الأصل: "يعنى".

(5)

في الأصل: "أي".

ص: 141

الكتابِ من اليهود، بتَعظيمهم غير الله بالعبادة والإذعان له بالطاعة، في الكفر بالله ورسوله ومعصيتهما، وأنهم قالوا: إن أهلَ الكفر باللهِ أولى بالحقِّ من أَهلِ الإيمان به، وإن دينَ أهل التكذيب لله جلَّ ثناؤُه ولرسوله عليه السلام، أعدلُ وأصوبُ من دينِ أهل التصديق لله ولرسوله.

وذُكر أن ذلك من صفة كعبِ بن الأشرفِ وأنه قائلُ ذلك.

‌ذكرُ الآثار الواردة بما قلنا

حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا ابن أبى عَدِيٍّ، عن داودَ، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: لمَّا قدِم كعبُ بن الأشرفِ مكةَ، قالت له قريشٌ: أنت خيرُ

(1)

أهلِ المدينة وسيدُهم؟ قال: نعم. قالوا: ألَا تَرَى إلى هذا الصُّنبورِ

(2)

المُنبتِرِ مِن قومه، يَزْعُمُ أنه خيرٌ منَّا، ونحن أهلُ الحَجيج وأهلُ السَّدَانة

(3)

وأهلُ السِّقاية؟ قال: أنتم خيرٌ منه. قال: فأنزِلَت: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]. وأُنزِلَت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} . إلى قوله: {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}

(4)

.

(1)

كذا في النسخ ومصادر التخريج، وفى اللسان والتاج (ب ت ر):"حبر". بالحاء المهملة والباء الموحدة بعدها.

(2)

الصنبور: الرجل الفرد الضعيف الذليل، بلا أهل ولا عقب ولا ناصر، أرادوا أنه أبتر لا عقب له ولا أخ، فإذا مات انقطع ذكره. ينظر التاج:(ص ن ب ر).

(3)

سدانة الكعبة: خدمتها وتولى أمرها، وفتح بابها وإغلاقه. النهاية 2/ 355.

(4)

أخرجه أحمد - كما في تفسير ابن كثير 2/ 295، والدر المنثور 2/ 171 - والنسائى في الكبرى (11707)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 973 (5440) - تعليقا - من طريق ابن أبي عدى به.

وأخرجه البزار (2293 - كشف) من طريق داود به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 171، 6/ 403 إلى ابن المنذر وابن مردويه.

ورواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، واختلف عليه، كما سيأتي في الأثر بعده.

ص: 142

حدَّثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، قال: ثنا داودُ، عن عِكرمةَ في هذه الآية:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} . ثم ذكَر نحوه

(1)

.

حدَّثني إسحاق بنُ شاهينٍ، قال: حدَّثنا خالدٌ الواسطيُّ، عن داود، عن عكرمة، قال: قَدِم كعبُ بن الأشرفِ مكةَ، فقال له المشركون: احكُم بينَنا وبيَن هذا الصُّنبور الأبتر، فأنتَ سيدُنا وسيدُ قومِك. فقال كعبٌ: أنتم والله خيرٌ منه. فأنزل الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} . إلى آخر الآية.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: حدَّثنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، قال: أخبرني أيوبُ، عن عكرمةَ، أن كعبَ بن الأشرف انطلَق إلى المشركين من كفارِ قريشٍ، فاستَجاشَهم

(2)

على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، [وأمرهم]

(3)

أن يَغْزوه، وقال: إنا معكم نُقاتله. فقالوا: إنكم أهلُ كتابٍ، وهو صاحبُ كتابٍ، ولا نأمَنٌ أن يكونَ هذا مَكْرًا منكم، فإن أردت أن تخرُجَ معك، فاسجُد لهذين الصَّنمَين، وآمن بهما. ففَعَل، ثم قالوا: نحن أهدى أم محمدٌ، فنحن نَنْحَرُ الكَوْماء

(4)

، ونَسْقى اللبن علي الماءِ، ونَصِلُ الرَّحِمَ، ونَقْرِى الضَّيْفَ، ونطوفُ بهذا البيت، ومحمدٌ قَطَع رَحِمَه،

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (648 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 974 (5441) من طريق ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، مرسلًا.

وأخرجه الطبراني في الكبير 11/ 251 (11645)، والبيهقى في الدلائل 3/ 193، 194 من طريق ابن عيينة عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس. المجمع 7/ 6.

(2)

أي: طلب منهم جيشا. اللسان (ج ى ش).

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

ناقة كوماء: عظيمة السنام طويلته. اللسان (ك و م).

ص: 143

وخَرَج من بلده؟ قال: بل أنتم خيرٌ وأهدَى. فنزلت فيه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا}

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ، قال: لمَّا كان من أمرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم واليهود من

(2)

النَّضير ما كان، حين أتاهم يستعِينُهم

(3)

في دية العامِريَّين، فهَمُّوا به وبأصحابه، فأطَلع الله رسوله على ما هَمُّوا به من ذلك، ورجع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هرب

(4)

كعبُ بنُ الأشرف حتى

(5)

أتَى مكةَ، فعاهَدهم

(6)

على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو سُفيانَ: يا أبا سعيدٍ

(7)

، إنكم قومٌ تَقْرءُون الكتاب، وتَعْلَمون، ونحن قومٌ لا نَعلَمُ، فأخبرنا؛ دينُنا خيرٌ أم دينُ محمدٍ؟ قال كعبٌ: اعرِضُوا عليَّ دينكم. فقال أبو سُفيانَ: نحن قومٌ نَنحَرُ الكَوْماءَ، ونسقى الحَجيج الماءَ، ونَقْرِى الضيفَ، ونَعْمُرُ بيت ربِّنا، ونعبدُ آلهتنا التي كان يَعبُدُ آباؤنا، ومحمدٌ يأمُرُنا أن نَترُكَ هذا ونَتَّبِعُه. قال: دينُكم خيرٌ من دينِ محمدٍ، فاثبُتُوا عليه، ألا ترون أن محمدًا يزعم أنه بُعث بالتَّواضع، وهو يَنكِحُ من النساء ما شاء، وما نَعلَمُ مُلْكًا أعظم مِن مُلْكِ النساءِ. فذلك حين يقول جلَّ ثناؤه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 164، 165.

(2)

في م: "بنى".

(3)

في الأصل: "يستغيثهم".

(4)

سقط من: س، وفى الأصل:"و"، وفى م:"فهرب".

(5)

في الأصل: "حين".

(6)

في الأصل: "فعادهم".

(7)

في ص، م، ت 1:"سعد".

ص: 144

أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا}

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: نزلت في كعبِ بن الأشرف وكفار قريشٍ، أنه

(2)

قال: كفارُ قريشٍ أهدى من محمدٍ، قال ابن جُريجٍ: قِدم كعبُ بنُ الأشرف، فجاءته قريشٌ فسألته عن محمدٍ، فصغَّر أمره ويسَّره، وأخبرهم أنه ضالٌّ. قال: ثم قالوا له: نَنشُدُك الله، أنحن أهْدَى أم هو؟ فإنك قد علمت أنّا نَنحَرُ الكُومَ، ونَسقى الحجيج، ونَعْمُرُ البيتَ، ونُطعِمُ ما هَبَّت الريحُ. قال: أنتم أهْدَى

(3)

.

[حدَّثنا ابن بشَّار، قال: حدَّثنا ابن أبى عَدِيٍّ، قال: أنبأنا داودُ بن أبى هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: لمَّا قدِم كعبِّ بن الأشرف بمكة أتوه فقالوا له: نحن أهلُ السَّقاية والسدانة، وأنت سيِّدُ أهل المدينة، فنحن خيرٌ أم هذا الصُّنبورُ المبتَّرُ من قومه، يَزْعُمُ أنه خيرٌ منا؟ قال: بل أنتم خيرٌ منه. قال: فنزلت: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} ونزلت عليه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} إلى قوله: {نَصِيرًا}]

(4)

.

وقال آخرون: بل هذه الصفةُ صفةُ جماعةٍ من اليهود؛ منهم

(5)

حيَيُّ بنُ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 171 إلى المصنف وعبد بن حميد عن السدي عن أبي مالك. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 976، 977 (5457) من طريق إسرائيل عن السدى، عن أبي مالك، بنحوه.

(2)

سقط من: م.

(3)

عزاه في الدر 2/ 171، 172 إلى المصنف دون قول ابن جريج.

وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 977 (5458) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 973، 974 (5440) - معلقا - وابن حبان (6572) من طريق ابن بشار به.

(5)

في الأصل: "فيهم".

ص: 145

أخطبَ، وهم الذين قالوا للمشركين ما أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوا لهم.

‌ذكرُ الأخبار بذلك عمَّن قاله

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابن إسحاقَ

(1)

قال: حدَّثني محمدُ بنُ أبى محمدٍ، عن عِكرمةَ، أو عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: كان الذين حَزَّبوا الأحزابَ من قريشٍ وغَطَفانَ وبنى قُرَيظةَ، حُيَيُّ بْنُ أَخطبَ، وَسَلَّامُ بنُ أَبى الحُقَيقِ [أبو رافعٍ]

(2)

، والربيعُ [بنُ الربيعِ]

(3)

بن أبى الحُقَيقِ، وأبو عمَّارٍ

(4)

، ووَحْوَحُ بنُ عامرٍ، وهَوْذَةُ بنُ قَيسٍ؛ فأما وَحْوَحٌ، وأبو عمَّارٍ

(4)

، وهَوْذَةُ؛ فمِن بني وائلٍ، وكان سائرُهم مِن بنى النَّضِيرٍ، فلما قَدِموا على قريشٍ، قالوا: هؤلاء أحبارُ يهودَ، وأهلُ العلم بالكُتُبِ الأُولِ، فسَلوهم: أدينُكم خيرٌ أم دينُ محمدٍ؟ فسألوهم، فقالوا: بل دينُكم خيرٌ مِن دينِه، وأنتم أهدَى منه وممن اتَّبعه. فأنزَلَ اللَّهُ فيهم:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} . إلى قولِه: {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا}

(5)

.

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ في قوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} الآية. قال: ذُكرِ لنا أن هذه الآية أُنزِلَت في كعبِ بن الأشرفِ، وحُيَيِّ بن أخطبَ، [ورجُلَيْن]

(6)

مِن

(1)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"عمن قاله".

(2)

في م، والدر المنثور، ونسختين من سيرة ابن هشام:"وأبو رافع".

(3)

سقط من: م.

(4)

في م: "عامر".

(5)

سيرة ابن هشام 1/ 561، 562، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 172 إلى المصنف وابن إسحاق. وذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 295 عن ابن إسحاق به.

(6)

كذا في النسخ، وفى مصادر التخريج:"رجلين".

ص: 146

اليهودِ من بني النضيرِ، لَقِيا قريشًا بموْسمٍ، فقال لهم المشركون: أنحن أهدَى أم محمدٌ وأصحابُه، فإنّا أهلُ السِّدَانِةِ والسِّقايةِ وأهلُ الحَرَمِ؟ فقالا: لا، بل أنتم

(1)

أهدَى مِن محمدٍ وأصحابِه. وهما يَعْلَمان أنهما كاذبان، إنما حَمَلهما على ذلك حَسَدٌ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه

(2)

.

وقال آخرون: بل هذه صفةُ حُيَيِّ بن أخطبَ وحدَه، وإيّاه عَنَى بقولِه:{وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} .

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخْبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} إلى آخرِ الآيةِ. قال: جاء حُيَيُّ بنُ أخطبَ إلى المشركين، فقالوا: يا حُيَيُّ، إنكم أصحابُ كُتبٍ، فنحن خيرٌ أم محمدٌ وأصحابُه؟ فقال: نحن وأنتم خيرٌ منهم. فذلك قولُه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} إلى قولِه: {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} .

وأَولى الأقوالِ في ذلك بالصحةِ، قولُ مَن قال: إن ذلك خبرٌ مِن الله جلّ ثناؤه عن جماعةٍ مِن أهلِ الكتابِ من اليهودِ. وجائزٌ أن تكونَ

(3)

الجماعةَ الذين سَمَّاهم ابن عباسٍ في الخبرِ الذي رَواه محمدُ بنُ أبى محمدٍ، عن عِكْرمةَ، أو عن سعيدِ بن جبيرٍ، [وجائزٌ أن يكونَ كان]

(4)

حُيَيًّا وآخَرَ معَه، إما كَعْبًا وإما غيرَه.

(1)

سقط من: م.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 977 (5459) من طريق يزيد به مختصرا.

وأخرجه الواحدى في أسباب النزول ص 115 من طريق روح، عن سعيد به بأطول منه.

وعزاه السيوطي في الدر المنثور 1/ 172 إلى عبد بن حميد وابن المنذر. وستأتي بقيته في الصفحة التالية.

(3)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"كانت".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"أن يكون".

ص: 147

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعني تعالى ذكرُه بقولِه: {أُولَئِكَ} : هؤلاء الذين وَصَف صفتَهم أنهم أُوتُوا نَصيبًا مِن الكتابِ وهم يؤمنون بالجبْتِ والطاغوتِ، هم {الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ}. يقولُ: أخزاهم الله فأبَعدهم مِن رحمتِه بإيمانِهم بالجِبْتِ والطاغوتِ، وكُفْرِهم بالله ورسولِه، عنادًا منهم لله ولرسولِه، وبقولهِم للذين كفَروا:{هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} - {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ} . يقولُ: ومَن يُخْزِه الله فيُبْعِدْه من رحمتِه، {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}. يقولُ: فلن تَجِدَ له يا محمدُ ناصرًا ينصُرُه من عقوبةِ الله ولعنتِه التي تَحِلُّ به، فيَدْفَعَ ذلك عنه.

كما حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: قال كعبُ بن الأشرفِ وحُيَيُّ بنُ أَخطبَ ما قالا، يعنى

(1)

قولهما: {هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} ، وهما يَعْلَمان أنهما كاذبان، فأنزَل الله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} .

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)} .

يعني جلّ ثناؤه بقولِه: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ} : أم لهم حظٌّ مِن المُلْكِ.

يقولُ: ليس لهم حَظٌّ مِن المُلْكِ.

كما حدَّثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ} . يقولُ: لو كان لهم نصيبٌ مِن

(1)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"من".

ص: 148

المُلْكِ، إذن لم يُؤتوا محمدًا نَقِيرًا

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، قال: قال ابن جُرَيجٍ: قال الله: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ} . قال: فليس لهم، [فلو كان لهم]

(2)

نصيبٌ مِن المُلْكِ [لم يؤتوا الناسَ نقيرًا. يقولُ]

(3)

: ولو كان لهم نصيبٌ وحَظٌّ مِن المُلْكِ، لم يكونوا إذن يُعْطُون

(4)

الناسَ نَقيرًا مِن بُخْلِهم

(5)

.

واختَلف أهلُ التأويلِ فى معنى "النَّقِير"، فقال بعضُهم: هو النقطةُ التي في ظَهْرِ النواةِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنى عبدُ الله، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{نَقِيرًا} . يقولُ: النقطةُ التي في ظَهْرِ النواةِ

(6)

.

حدَّثني سليمانُ بنُ

(7)

عبدِ الجبارِ، قال: ثنا محمدُ بنُ الصَّلْتِ، قال: ثنا أبو كُدَينةَ، عن قابوسٍ، عن أبيه، عن ابن عباسٍ، قال: النقيرُ الذي في ظَهْرِ النواةِ

(8)

.

حدَّثني جعفرُ بنُ محمدٍ الكوفيُّ الدُّوريُّ

(9)

، قال: ثنا عُبَيدُ اللهِ، عن إسرائيلَ،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 977 (5460، 5462) من طريق أحمد بن مفضل به.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

في م: "فإذا لا يؤتون الناس نقيرا".

(4)

في الأصل: "يعطوا".

(5)

تفسير ابن أبي حاتم 3/ 977 (5461)، والتبيان 3/ 227.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 977 (5463) من طريق عبد الله بن صالح به. وعزاه السيوطي أيضا في الدر المنثور 2/ 171، 172 إلى عبد بن حميد وابن المنذر. وينظر مسائل نافع ص 131.

(7)

في الأصل: "عن".

(8)

في الأصل: "القطمير".

(9)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"المروزى". وقد تقدم في 1/ 508، وما سيأتي في تفسير الآية 172 من هذه السورة باسم البزورى.

ص: 149

عن خُصيفٍ، عن عِكْرمةَ، عن ابن عباسٍ، قال: النَّقِيرُ وَسَطُ النواةِ

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} . قال النَّقِيرُ نَقِيرُ النواةِ، وَسَطُها.

[حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبرَنا عبد الرزاقِ، قال: أخْبرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ في قولِه: {نَقِيرًا}. قال: النقيرُ الذي في وَسَطِ النواةِ من ظهرِها]

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ قولَه:{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} . يقولُ: لو كان لهم نَصيبٌ مِن المُلْكِ، إذن لم يُؤتوا محمدًا نَفِيرًا، والنَّقِيرُ النُّكْتةُ التي في وَسَطِ النواةِ

(3)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخْبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: ثنى طلحةُ بنُ عمرٍو، أنه سَمِع عطاءَ بنَ أبى رباحٍ، يقولُ: النقيرُ الذي في ظَهْرِ النواةِ

(4)

.

[حدَّثني يونسُ، قال: أخْبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: النقيرُ: الذي في ظهرِ النواةِ]

(5)

.

حدَّثني يحيى بنُ أبى طالبٍ، قال: أخْبرَنا يزيدُ، قال: أخْبرَنا جُوَيبرٌ، عن

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (650 - تفسير) من طريق خصيف به، بلفظ: شق النواة.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

والأثر في تفسير عبد الرزاق 1/ 165.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 977 عقب الأثر (5463) من طريق أسباط به، بلفظ: ظهر النواة.

(4)

ينظر التبيان 3/ 227.

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت، س.

ص: 150

الضحاكِ، قال: النَّقِيرُ النُّقَيْرَةُ

(1)

التي تكونُ في ظهْرِ النواةِ

(2)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشَيمٌ، قال: حدَّثنا حُصَينٌ، عن أبي مالكٍ، قال: النقيرُ الذي في ظَهْرِ النواةِ

(3)

.

وقال آخرون: بل

(4)

النَّقِيرُ الحَبَّةُ التي تكونُ في وَسَطِ النواةِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{نَقِيرًا} . قال: النَّقِيرُ حبةُ النواةِ التي في وَسَطِها

(5)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} . قال: النقيرُ حبةُ النواةِ التي في وَسَطِها.

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، قال: ثنا سفيانُ بنُ سعيدٍ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، قال: النَّقِيرُ في النَّواة

(6)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال ثنا الحسينُ، قال: ثنا حَجَّاجٌ، قال: قال ابن جُرَيجٍ: أخبَرنى عبدُ الله بنُ كثيرٍ، أنه سَمِع مجاهدًا يقولُ: النَّقِيرُ نَقِيرُ النواةِ التي

(7)

في بطنها (4) وَسَطَها.

(1)

في ص، م:"النقرة".

(2)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 977 عقب الأثر (5463) معلقا.

(3)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 977 عقب الأثر (5463) معلقا، وأخرجه في 3/ 978 (5364) من طريق السدى عن أبي مالك، بلفظ: الذي في وسط النواة.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

تفسير مجاهد ص 284.

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"النوى".

(7)

في م: "الذي".

ص: 151

حُدِّثتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخْبرَنا عُبَيدُ بنُ سليمانَ، قال: سَمِعتُ الضحاكَ بنَ مُزاحِمٍ يقولُ: النَّقِيرُ نَقِيرُ النواةِ الأبيضُ

(1)

الذي يكونُ في وسطِ النواةِ.

وقال آخرون: معنى ذلك: نَقْرُ الرجلِ الشيءَ بطَرَفِ إبهامِه

(2)

.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن [يزيدَ بن]

(3)

دِرهمٍ أبى العلاءِ، قال: سمِعتُ أبا العالية، [عن ابن عباسٍ: النقيرُ نقرُ الرجلِ إِصْبَعَيْه كما يَنْقُرُ الدرهمَ. قال أبو العاليةِ]

(4)

: ووَضَع ابن عباسٍ طَرَفَ الإبهامِ على باطنِ

(5)

السَّبَّابةِ، ثم رفَعَهما وقال: هذا النَّقِيرُ

(6)

.

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أن يقالَ: إن الله جل ثناؤُه وَصَف هؤلاء الفِرْقةَ مِن أهلِ الكتابِ بالبُخْلِ باليسيرِ مِن الشيءِ الذي لا خطَرَ له، ولو كانوا مُلُوكًا وأهلَ قُدْرةٍ على الأشياءِ الجليلةِ الأقدارِ، فإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بمعنى النَّقِيرِ أن يكونَ أصغرَ ما يكونُ مِن النُّقَر. وإذا كان ذلك أولى به، فالنُّقْرَةُ التي هي

(6)

في ظَهْرِ النواةِ مِن صِغارِ النُّقَرِ، وقد يَدخُلُ في ذلك كلُّ ما شاكَلها مِن النُّقَرِ.

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

نفى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"أصابعه".

(3)

في ص: "ابن رد بن"، وفى ت 1، ت 2، ت 3:"ابن رزين"، وغير واضح في س، وتقدم في ص 130.

(4)

سقط من ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ظهر".

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 173 إلى المصنف وابن المنذر. وينظر التبيان 3/ 227، وتفسير البغوي 2/ 236.

ص: 152

ورُفِع قولُه: {يُؤْتُونَ النَّاسَ} . ولم يُنصَبْ بـ "إذن"، ومِن حُكْمِها أن تَنصِبَ الأفعالَ المُستقبَلةَ إذا ابتُدئَ بها الكلامُ؛ لأن معها فاءً، ومِن حُكْمِها إذا دخَل فيها بعضُ حروفِ العطفِ أن تُوَجَّهَ إلى الابتداءِ بها مَرَّةً، وإلى النَّقْلِ عنها إلى غيرِها أخرى، وهذا المَوضِعُ مما أُرِيدَ بالفاءِ فيه النقلُ عن "إذن" إلى ما بعدَها، وأن يكونَ معنى الكلامِ: أم لهم نصيبٌ [من المُلْكِ]

(1)

فلا يُؤتون الناسَ نَقِيرًا إذن.

‌القولُ في تأويلِ قولهِ جلَّ ثناؤُه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} .

[قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يقولُ جلّ ثناؤُه]

(2)

: أم يًحسُدُ هؤلاء الذين أُوتوا نَصيبًا مِن الكتابِ من اليهودِ.

كما حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} . قال: يهودُ

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ مثلَه

(4)

.

وأمَّا قولُه: {النَّاسَ} . فإن أهلَ التأويلِ اختَلَفوا في من عَنَى اللَّهُ جل ثناؤه

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يعني بقوله جل ثناؤه أم يحسدون الناس".

(3)

في م: "اليهود".

والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 978 (5465) من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 173 إلى عبد بن حميد وابن المنذر. وسيأتي بطوله في ص 159.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 173 إلى المصنف. وستأتي بقيته في ص 156.

ص: 153

به؛ فقال بعضُهم: عَنَى الله بذلك محمدًا صلى الله عليه وسلم خاصةً.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرو [بنُ عونٍ]

(1)

، قال: أخْبرَنا هُشَيمٌ، عن خالدٍ، عن عِكْرمةَ في قولِه:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} . قال: الناسُ في هذا الموضعِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خاصةً

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنى أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} : يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم

(3)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ مثلَه

(3)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} . قال: الناسُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم

(4)

حُدِّثتُ عن الحسينِ، قال: سمِعتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: أخْبرَنا عُبَيدٌ، قال: سمِعتُ الضَّحَّاكَ يقولُ. فذكَر نحوَه (3).

وقال آخرون: بل عَنَى الله جلَّ ثناؤُه به العربَ.

(1)

في ص، م:"قال: ثنا أسباط". وينظر تهذيب الكمال 22/ 177.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 978 (5469) من طريق عمرو بن رافع، عن هشيم به، بلفظه. ومن طريق أبى معمر القطيعي، عن هشيم بلفظ: محمد وأصحابه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 173 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

ينظر التبيان 3/ 227.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 173 إلى المصنف.

ص: 154

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} : أولئك اليهودُ، حَسَدوا هذا الحيَّ من العربِ على ما آتاهم الله مِن فضلِه

(1)

.

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أن يقالَ: إن الله جلَّ ثناؤُه عاتَب اليهودَ الذين وَصَف صِفَتَهم في هذه الآياتِ، فقال لهم [مُوَبِّخًا لهم]

(2)

- في قِيلِهم للمشركين مِن عَبَدةِ الأوثانِ: أنتم

(3)

أهدَى مِن محمدٍ وأصحابِه سَبيلًا

(4)

. على علمٍ منهم بأنَّهم في قِيلِهم ما قالوا مِن ذلك كَذَبَةٌ -: أيَحسُدُون

(5)

محمدًا وأصحابَه على ما آتاهم الله مِن فضلِه.

وإنما قلنا: ذلك أولى بالصوابِ؛ لأن ما قبلَ قولِه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} . مضَى بذمِّ القائِلين من اليهودِ للذين كفَروا: {هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} . فإلحاقُ قولِه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} . بذَمِّهم

(6)

على ذلك، وتَقْريظِ

(7)

الذين آمَنوا الذين

(8)

قيل فيهم ما قيل - أشبَهُ وأَولى، ما لم تأتِ دَلالةٌ على انصرافِ معناه عن معنى ذلك.

(1)

ينظر التبيان 3/ 227.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"إنهم".

(4)

سقط من: الأصل.

(5)

في م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"أم يحسدون".

(6)

في ص، ت 1، س:"فذمهم".

(7)

التقريظ: مدح الإنسان وهو حى. اللسان (قرظ).

(8)

في الأصل: "للذين".

ص: 155

واختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ الفَضْلِ الذي أخبرَ اللَّهُ أَنه آتَى الذين ذكَرهم في قولِه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ؛ فقال بعضُهم: ذلك الفضلُ هو النُّبُوَّةُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} : حَسَدوا هذا الحيَّ مِن العربِ على ما آتاهم الله [مِن فضلِه]

(1)

؛ بَعَث الله منهم نَبِيًّا، فحَسَدوهم على ذلك

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، قال: قال ابن جُرَيجٍ: {عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} . قال: النُّبُوَّةُ

(3)

.

وقال آخرون: بل ذلك الفَضْلُ الذي ذَكَر الله أنه آتَاهُمُوه، هو إباحتُه ما أباحَ لنَبِيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم مِن النساءِ؛ أن

(4)

يَنكِحَ منهنّ ما شاء بغيرِ عَدَدٍ. قالوا: وإنما يعنى بالناسِ محمدًا صلى الله عليه وسلم. على ما ذَكَرتُ قبلُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآيةَ: وذلك أن أهلَ الكتابِ قالوا: زَعَم محمدٌ أنه أُوتى ما أُوتى في تَواضُعٍ، وله

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

تقدم أوله في ص 153.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 173 إلى المصنف.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 156

تِسْعُ نسوةٍ، ليس هَمَّه إلا النكاحَ، فأيُّ مُلكِ أفضلُ مِن هذا؟ فقال الله جل ثناؤه:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}

(1)

.

[حدَّثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}]

(2)

قال: يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يَنكِحَ ما شاء مِن النساءِ

(3)

.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ، قال: سمِعتُ [أبا مُعاذٍ يقولُ: أخْبرَنا عبيدٌ، قال: سمِعتُ]

(4)

الضحاكَ يقولُ في قولِه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} : وذلك أن اليهودَ قالوا: ما شأنُ محمدٍ أُعْطِى النبوةَ كما يَزِعُمُ، وهو جائعٌ عارٍ، وليس له هَمٌ إلا نكاحَ النساءِ؟ فحسَدوه على تزويجِ الأزواجِ، وأحلَّ الله لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم أن يَنكِحَ منهن ما شاء أن يَنكِحَ

(5)

.

وأولى التأويلَين في ذلك بالصوابِ قولُ قتادةَ وابنِ جُرَيجٍ الذي ذكَرناه قبلُ، أن معنى الفَضْلِ في هذا الموضعِ، النُّبُوةُ التي فَضَّل الله بها محمدًا صلى الله عليه وسلم، وشَرَّف بها العربَ، إذ آتاها رجلًا منهم

(6)

دونَ غيرِهم؛ لِما ذكَرنا قبلُ مِن أن دَلالةَ ظاهرِ هذه الآيةِ تَدُلُّ على أنها تَقْرِيظٌ

(7)

للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه؛ على ما قد بَيَّنَّا قبلُ، وليس النكاحُ وتَزْويجُ النساءِ - وإن كان مِن فَضْلِ اللهِ جلّ ثناؤه الذي آتاه عبادَه -

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 978 (5470) عن محمد بن سعد به.

(2)

سقط من: الأصل، س.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 979 عقب الأثر (5470) من طريق أسباط به.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 979 عقب الأثر (5470) معلقًا. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 173 إلى المصنف.

(6)

في الأصل: "منها".

(7)

في الأصل: "تقريض". وهما بمعنى. ينظر التاج (ق ر ض).

ص: 157

بتقْريظٍ

(1)

لهم ومدحٍ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جل ثناؤُه: أم يَحسُدُ

(2)

هؤلاء اليهودُ، الذين وَصَف صفتَهم في هذه الآياتِ، الناسَ

(3)

على ما آتاهم الله مِن فضلِه، مِن أجلِ أنهم ليسوا منهم؟ فكيف لا يحسُدُون آلَ إبراهيم، فقد آتيَناهم الكتابَ

(4)

.

ويعنى بقولِه: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ} : فقد أعطَينا آلَ إبراهيمَ. يعنى أهلَه وتُبَّاعَه

(5)

على دينِه {الْكِتَابَ} . يعني: كتابَ الله الذي أوحاه إليهم، وذلك كصُحُفِ إبراهيمَ وموسى والزبورِ، وسائرِ ما آتاهم من الكُتُبِ.

وأما الحكمةُ: فما أُوحِي إليهم مما لم يكنْ كتابًا مَقْروءًا.

{وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} . [واختَلف]

(6)

أهلُ التأويلِ في معنى المُلْكِ العظيمِ الذي عنى الله في هذه الآيةِ؛ فقال بعضُهم: هو النُّبُوةُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا [محمدُ بنُ عمرٍو]

(7)

، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ الله جل ثناؤُه:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} . قال: هم يهودُ، {عَلَى

(1)

في الأصل: "بتقريض".

(2)

في الأصل: "يحسد الناس"، وفى ت 1، ت 2 ت 3، س:"يحسدون".

(3)

في الأصل: "للناس".

(4)

في م: "بالكتاب".

(5)

في م: "أتباعه".

(6)

في الأصل: "فاختلف".

(7)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"المثنى".

ص: 158

مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}. وليسوا منهم، {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا}. قال: النبوةُ

(1)

.

وقال آخرون: بل ذلك تحليلُ النساءِ. قالوا: وإنما عَنَى الله جل ثناؤُه بذلك: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} محمدًا، على ما أحلَّ الله له مِن النساءِ، فقد أحلَّ اللَّهُ مثلَ الذي أحَلَّه له

(2)

منهن، لداودَ وسليمانَ وغيرِهما

(3)

من الأنبياءِ، فكيف لم يَحسُدُوهم على ذلك وحَسَدوا محمدًا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ} : سليمانَ وداودَ، {وَالْحِكْمَةَ}. يعنى: النُّبُوةَ، {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} . في النساءِ، فما بالُه حَلَّ لأولئك وهم أنبياءُ، أن يَنكِحَ داودُ تِسْعًا وتسعين امرأةً، ويَنكِحَ سليمانُ مائةً، ولا يَحِلُّ لمحمدٍ أن يَنكِحَ كما نَكَحوا

(4)

؟

وقال آخرون: بل معنى قولِه: {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} : الذي أُوتِى

(5)

سليمانُ بنُ داودَ.

(1)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله، إلا أنه قال: {مُلْكًا}: النبوة".

والأثر في تفسير مجاهد ص 284، وتقدم طرف منه في ص 153، وستأتي بقيته في ص 161.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"غيرهم".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 979، 980 (5472، 5477، 5480) من طريق أحمد بن مفضل به.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"آتي".

ص: 159

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} : يعنى ملكَ سليمانَ

(1)

.

وقال آخرون: بل كانوا أُيِّدوا بالملائكةِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني أحمدُ بنُ حازمٍ الغفاريُّ، قال: ثنا أبو نعيمٍ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن همامٍ بنِ الحارثِ:{وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} . قال: أُيِّدوا بالملائكةِ والجنودِ

(2)

.

[حدَّثني أحمدُ بنُ عثمانَ بن حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ، قال: ثنا شُرَيْحُ بنُ مَسْلَمةَ، قال: حدَّثنا إبراهيمُ بنُ يوسفَ بن أبى إسحاقَ، عن أبيه، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ الرحمن بن يزيدَ، عن أبي مسلمٍ في قولِه: {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا}. قال: أُيِّدوا بالملائكةِ]

(3)

(4)

.

وأولى هذه الأقوالِ بتأويلِ

(5)

قولِه: {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} . القولُ الذي

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 980 (5479) عن محمد بن سعد به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 980 عقب الأثر (5481) معلقا عن إسرائيل به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 173 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

سقط من: ص، م.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 980 (5481) عن أحمد بن عثمان به. وقال ابن أبي حاتم: اختلفت الروايات عن أبي إسحاق؛ فروى أشعث بن سوار، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد قوله. ورُوي عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن همام بن الحارث هذا التفسير.

(5)

بعده في م: "الآية وهي".

ص: 160

رُوِى عن ابن عباسٍ أنه قال: يَعْنى مُلْكَ سليمانَ؛ لأن ذلك هو المعروفُ في كلامِ العربِ، دونَ الذي قال [من قال]

(1)

: إنه مُلْكُ النُّبَّوةِ. ودونَ قولِ مَن قال: إنه تحليلُ النساءِ والمِلْكُ عليهنَّ؛ لأن كلامَ الله جل ثناؤه الذي خُوطِبت به العربُ غيرُ جائزٍ توجيهُه إلا إلى المعروفِ المستعمَلِ فيهم مِن معانيه، إلا أن تَأْتِيَ دَلالَةٌ أَو تَقُومَ حُجَّةٌ على أن ذلك بخلافِ ذلك، يَجِبُ التسليمُ لها.

‌القولُ في تأويلِ قولهِ جلَّ ثناؤُه: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤه: فمِن الذين أُوتُوا الكتابَ من يهودِ بني إسرائيلَ الذين قال لهم جلَّ ثناؤُه: {آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} - {مَنْ آمَنَ بِهِ} . يَقُولُ: مَن صدَّق بما أنْزَلنا على محمدٍ صلى الله عليه وسلم مصدِّقًا لما معهم، {وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ}. يقولُ: ومنهم مَن أعرَض عن التصديقِ به.

كما حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثني عيسى، وحدَّثنى المثنى، قال: حدَّثنا أبو حذيفةَ، قال: حدَّثنا شبلٌ، جميعًا عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ} . قال: بما

(2)

أُنْزِل على محمدٍ مِن يهودَ، {وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ}

(3)

.

(1)

سقط من: م.

(2)

في الأصل: "ما".

(3)

تفسير مجاهد ص 284، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 981 (5484)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 173 إلى عبد بن حميد وابن المنذر، وتقدم أوله في ص 153، 158، 159.

ص: 161

وفى هذه الآيةِ دَلالةٌ على أن الذين صَدُّوا عما أنزَل الله على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، من يهودِ بني إسرائيلَ الذين كانوا حوالَىْ مُهاجرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إنما رُفِع عنهم وعبدُ اللهُ الذي تَوَعَّدَهم به في قولِه:{آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} . في الدنيا، وأُخِّرت عقوبتُهم إلى يومِ القيامةِ؛ لإيمانِ مَن آمَن منهم، [وأن الوعيدَ لهم مِن اللهِ بتعجيلِ]

(1)

العقوبةِ في الدنيا إنما كان على مُقامِ جميعِهم على الكفرِ بما أنزَل اللهُ على نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فلما آمَن بعضُهم خرَجوا مِن الوعيدِ الذي توعَّده في عاجلِ الدنيا، وأخِّرت عقوبةُ المقيمين على التكذيبِ إلى الآخرةِ، فقال لهم: كفاكم بجهنمَ سعيرًا.

ويَعْنى بقولِه: {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} : وحسبُكم أيُّها المكذِّبون بما أنْزَلْتُ على محمدٍ نبيِّى ورسولى {بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} . يَعْنى: بنارٍ جَهَنَّمَ تُسْعَرُ عليكم. أي: تُوقَدُ عليكم.

وقيل: {سَعِيرًا} . وأصلُه "مَسْعُورا"، من: سُعِرتْ تُسْعَرُ فهي مَسْعُورةٌ، كما قال الله جلَّ ثناؤه:{وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير: 12]. ولكنها صُرِفت إلى فَعيلٍ، كما قيل: كفٌّ خَضِيبٌ ولحيةٌ دَهِينٌ. بمعنى: مَخْضُبةٌ ومَدْهونةٌ.

والسعيرُ الوَقودُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} .

(1)

في الأصل: "وإن الوعيد من الله لم يتعجل".

ص: 162

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: وهذا وعيدٌ مِن اللهِ للذين أقاموا على تكذيبِهم بما أنزَل الله على محمدٍ مِن يهودِ بنى إسرائيلَ وغيرِهم مِن سائِر الكفّارِ [به و]

(1)

برسولِه. يقُولُ الله لهم: إن الذين جحَدوا ما أَنْزَلْتُ

(2)

على رسولى محمدٍ صلى الله عليه وسلم مِن آياتى. يَعْنى: مِن آياتِ تنزيلِه، ووَحْى كتابِه، وهى [دَلالتُه وحُجَّتُه]

(3)

على صدقِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فلم يُصَدِّقوا به مِن يهودِ بني إسرائيل وغيرِهم من سائرِ أهلِ الكفرِ به، {سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا}. يقولُ: سوف تُنْضِجُهم في نارٍ يُصْلَون فيها، أي: يُشْوَوْن فيها، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ}. [يَقُولُ: كلَّما انْشَوَتُ بها جُلودُهم]

(4)

فاحْتَرَقت، {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا}. يَعْنى: غيرَ الجلودِ التي قد نضِجت فانْشَوَت.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن الأعمشِ، عن ثُوَيرٍ

(5)

، عن ابن عمرَ:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} . قال: إذا احْتَرَقَت جُلودُهم بَدَّلناهم جُلودًا بيضًا أمثالَ القراطيسِ

(6)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} . يَقُولُ: كُلَّما احْتَرَقت جُلودُهم بدَّلْناهم جلودًا غيرَها.

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في ص، ت 2،، س:"أنزل".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"دلالاته وحججه".

(4)

سقط من: الأصل.

(5)

غير منقوطة في ت 1، وفى الأصل، ص:"نويرة"، وفى م:"نويرا"، وفى ت 2:"توير"، وفى س:"ثورا". وينظر تهذيب الكمال 4/ 429.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 982 (5492، 5494) من طريق جرير به.

ص: 163

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبى جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ في قولِه:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} قال: سمِعنا أنه مكتوبٌ في الكتابِ الأوّلِ أن

(1)

جلدَ أحدِهم أربعون ذراعًا، [وسِنَّه سبعون ذراعًا]

(2)

، وبَطْنَه لو وُضِع فيه جبلٌ لوَسِعه

(3)

، فإذا أكَلت النارُ جُلودَهم بُدِّلوا جُلودًا غيرَها

(4)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سُويدُ بنُ نصرٍ، قال: أخْبرَنا ابن المباركِ، قال: بَلَغني عن الحسنِ: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} ، قال: تُنْضِجُهم

(5)

في اليومِ سبعين ألفَ مرَّةٍ

(6)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا أبو عُبَيدةَ الحدادُ، عن هشامِ بن حسانَ، عن الحسنِ قولَه:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} . قال: تُنْضِجُ النارُ كلَّ يومٍ سبعين ألفَ جلدٍ. قال

(7)

: وغلظُ جلدِ الكافرِ أربعون ذراعًا، فالله

(8)

أعلمُ بأيِّ ذراعٍ

(9)

.

[وإن سأَلنا]

(10)

سائلٌ فقال: وما معنى قوِله جلَّ ثناؤُه: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3.

(2)

في الأصل: "وستة وتسعون ذراعًا".

(3)

في الأصل، ت 1، ت 2، ت 3:"وسعه".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 982 (5495) من طريق ابن أبي جعفر به.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ننضجهم".

(6)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (329 - زوائد نعيم بن حماد) عن رجل، عن الحسن.

(7)

سقط من: م.

(8)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"والله".

(9)

أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 163، وإسحاق بن راهويه في مسنده - كما في تخريج أحاديث الكشاف 1/ 328. وابن أبي الدنيا في صفة النار (116، 117، 245، 262)، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ص 269، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 983 (5496) من طرق عن هشام. به. وعند ابن أبي شيبة: عن الحسن بلغنى.

(10)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فإن سأل".

ص: 164

بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا}؟ وهل يَجُوزُ أن يُبَدَّلُوا جُلُودًا غيرَ جُلودِهم التي كانَت لهم في الدنيا فيعذَّبوا فيها؟ فإن جاز ذلك عندَك، فأجِزْ أَن يُبَدَّلُوا أجسامًا وأرواحًا غيرَ أجسامِهم وأرواحِهم التي كانت لهم في الدنيا فتُعذَّبَ، فإِن أَجَزْت ذلك لزِمك أن يكونَ المعذَّبون في الآخرةِ بالنارِ غيرَ الذين أوْعَدَهم الله العقابَ على كفرِهم به ومعصيتِهم إياه، وأن يَكُونَ الكفارُ قد ارتفَع عنهم العذابُ!

قيل: إن الناسَ اختلَفوا في معنى ذلك؛ فقال بعضُهم: العذابُ إنما يَصِلُ إلى الإنسانِ الذي هو غيرُ

(1)

الجلدِ واللحم، وإنما يُحْرَقُ الجلدُ ليَصِلَ إلى الإنسانِ ألمُ العذابِ، فأما الجلدُ واللحمُ فلا يَأْلَمان. قالوا: فسواءٌ أُعِيدَ على الكافرِ جلدُه الذي كان له في الدنيا أو جلدٌ غيرُه، إذ كانَت الجلودُ غيرَ آلمةٍ ولا معذَّبةٍ، وإنما الآلِمةُ المعذَّبةُ النفسُ التي تُحِسُّ الألمَ، ويَصِلُ إليها الوجَعُ. قالوا: وإذ كان ذلك كذلك، فغيرُ مستحيلٍ أن يُخْلَقَ لكلِّ كافرٍ في النارِ في كلِّ لحظةٍ وساعةٍ مِن الجلودِ ما لا يُحْصَى عددُه، ويُحْرَقُ ذلك عليه

(2)

، ليَصِلَ إلى نفِسه ألمُ العذابِ، إذ كانت الجلودُ لا تألمُ.

وقال آخرون: بل الجلودُ تَأْلمُ، واللحمُ وسائرُ أجزاءِ جِرْمِ ابن

(3)

آدمَ، وإذا أُحْرِق جلدُه أو غيرُه من أجزاءِ جسدِه، وصل ألمُ ذلك إلى جميعِه. قالوا: ومعنى قولِه: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} : بدَّلناهم جُلودًا غيرَ مُحْتَرِقةٍ، وذلك أنها تُعادُ جديدةً، والأُولى كانَت قد احتَرَقت فأُعِيدَت غيرَ محترقةٍ، فلذلك قيل {غَيْرَهَا} ؛ لأنها غيرُ الجلودِ التي كانَت لهم في الدنيا التي عصَوُا الله وهي لهم.

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

من هنا إلى قوله: {ظِلًّا ظَلِيلًا} ، في ص 167، خرم في الأصل.

(3)

في م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بنى".

ص: 165

قالوا: وذلك نظيرُ قولِ العربِ للصائغِ - إذا اسْتَصَاغَتْه خاتَمًا مِن خَاتَمٍ مصوغٍ، بتحويلِه عن صِياغتِه التي هو

(1)

بها إلى صياغةٍ أُخرى -: صُغْ لى مِن هذا الخاتمِ خاتَمًا غيرَه. فيَكْسِرُه ويَصوغُه

(2)

له منه خاتَمًا غيرَه، والخاتمُ المصوغُ بالصياغةِ

(3)

الثانيةِ هو الأوّلُ، ولكنه لما أُعيدَ بعدَ كسرِه خاتَمًا قيل: هو غيرُه. قالوا: فكذلك معنى قولِه: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} . لما احْتَرَقت الجلودُ ثم أُعِيدَت جديدًا

(4)

بعدَ الاحتراقِ قيل: هي غيرُها. على ذلك المعنى.

وقال آخرون: معنى ذلك: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} . سرابيلُهم، بدَّلناهم سرابيلَ مَن قَطِرانٍ غيرَها، فجُعِلَت السَّرابيلُ القَطِرانُ لهم جُلودًا، كما يُقالُ للشيءِ الخاصِّ بالإنسانِ: هو جِلدةُ ما بينَ عيْنَيه ووجهِه؛ لخُصوصِه به. قالوا: فكذلك سرابيلُ القَطِران التي قال الله في كتابِه: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم: 50]. لما صارَت لهم لباسًا لا تُفارقُ أجسامَهم جُعِلت لهم جلودًا، فقيل: كلما اشتعَل القَطِرانُ في أجسامِهم واحترَق، بُدِّلوا سرابيلَ من قَطِرانٍ آخَرَ. قالوا: وأما جلودُ أهلِ الكفرِ مِن أهلِ النارِ فإنها لا تحترقُ

(5)

؛ لأن في احتراقِها إلى حالِ إعادتِها فناءَها، وفى فنائِها راحتُها. قالوا: وقد أخبرَ الله تعالى ذكرُه [عنها أنهم لا يموتون]

(6)

ولا يُخَفَّفُ عنهم مِن عذابِها، قالوا: وجلودُ الكفارِ أحدُ أجزاءِ

(7)

أجسامِهم، ولو جاز أن يَحْتَرِقَ منها شيءٌ فيَفْنَى ثم يُعادَ بعد الفناءِ في النارِ،

(1)

في م: "هي".

(2)

في م: "يصوغ".

(3)

في ص، ت 1:"والصياغة".

(4)

في م: "جديدة".

(5)

في م: "تحرق".

(6)

في ص: "عنها أنها لا تموت"، وفى ت 1، ت 2، ت 3، س:"أنها لا تموت".

(7)

سقط من ص، ت 1، س.

ص: 166

جاز ذلك في جميعِ أجزائِها، وإذا جاز ذلك وجَب أن يَكُونَ جائزًا عليهم الفناءُ، ثم الإعادةُ والموتُ، ثم الإحياءُ، وقد أخبرَ الله عنهم أنهم لا يَمُوتون. قالوا: وفى خبرِه عنهم أنهم لا يَمُوتون دليلٌ واضحٌ أنه لا يَمُوتُ شيءٌ مِن أجزاءِ أجسامِهم، والجلودُ أحدُ تلك الأجزاءِ.

وأما معنى قولِه: {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} فإنه يقولُ: فعَلنا ذلك بهم ليَجِدُوا ألمَ العذابِ وكَرْبَه وشِدَّتَه، بما كانوا في الدنيا يُكَذِّبون آياتِ اللهِ ويَجْحَدُونها.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} .

يقولُ: إن الله لم يَزَلْ عزيزًا في انتقامِه ممن انتقَم منه مِن خلقِه، لا يَقْدِرُ على الامتناعِ منه أحدٌ أراده بضرٍّ، ولا الانتصارِ منه أحدٌ أحلَّ به عقوبةً، حكيمًا في تدبيرِه وقضائِه.

‌القولُ في تأويلِ قولهِ جل ثناؤُه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)}

(1)

.

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى بقولِه جلَّ ثناؤُه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} : والذين آمَنوا بالله ورسولِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وصدَّقوا بما أنزَل الله على محمدٍ مصدِّقًا لما معهم؛ من يهودِ بنى إسرائيلَ وسائرِ الأممِ غيرِهم، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}. يَقُولُ: وأدَّوْا ما أمَرهم الله به مِن فرائضِه، واجْتَنَبوا ما حرَّم الله عليهم مِن معاصيه، وذلك هو الصالحُ مِن أعمالِهم، {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}. يقول: سوف يُدْخِلُهم الله يومَ القيامةِ جناتٍ، يَعْنى بساتينَ، {تَجْرِي

(1)

إلى هنا ينتهى الخرم الذي بدأ في ص 165.

ص: 167

مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}. يقولُ: تَجْرِى مِن تحتِ تلك الجناتِ الأنهارُ، {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}. يقولُ: باقين فيها أبدًا بغيرِ نهايةٍ ولا انقطاعٍ، دائمًا ذلك لهم فيها أبدًا، {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ}. يقولُ: لهم في تلك الجناتِ التي وصَف صفتَها {أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} . يَعْنى: بريئاتٌ مِن الأدناسِ والرِّيَبِ والحيضِ والغائطِ والبولِ والحبَلِ

(1)

والبُصاقِ، وسائرِ ما يَكونُ في نساءِ أهلِ الدنيا.

وقد ذكَرنا ما في ذلك مِن الآثار فيما مضَى قبلُ فأغنَى ذلك عن إعادتِها

(2)

.

وأما قولُه: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} . فإنه يقولُ: ونُدْخِلُهم ظِلَّا كَنِينًا. كما قال جلَّ ثناؤُه: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30].

وكما حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، وحدَّثنا ابن المثنَّى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قالا جميعًا: ثنا شعبةُ، قال: سمِعت أبا الضحاكِ يُحدِّثُ عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إن في الجنةِ لشجرةً يَسيرُ الراكبُ في ظلِّها مائةَ عامٍ لا يَقْطَعُها؛ شجرةُ الخُلدِ"

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: اختلَف أهلُ التأويلُ فيمن عُنِى بهذه الآيةِ؛ فقال بعضُهم: عُنِى بها ولاةُ أمورِ المسلمينِ.

(1)

في الأصل: "الحمل".

(2)

ينظر تقدم في 419 - 422.

(3)

حديث صحيح دون قوله: "شجرة الخلد". وسيأتي تخريجه في تفسير الآية 30 من سورة الواقعة.

ص: 168

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا موسى بنُ عبدِ الرحمنِ المسروقيُّ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن أبي مكينٍ

(1)

، عن زيدِ بن أَسْلَمَ، قال: نزَلت هذه الآيةُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}

(2)

. في وُلاةِ الأمرِ

(3)

.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا ابن إدريسَ، قال: ثنا ليثٌ، عن شهرِ بن حَوْشَبٍ، قال: نزَلت في الأمراءِ خاصةً {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}

(4)

.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا ابن إدريسَ، قال: ثنا إسماعيلُ، عن مصعبِ بن سعدٍ، قال: قال عليٌّ كلماتٍ أصاب فيهنّ: حقٌّ على الإمامِ أن يَحْكُم بما أنزَل اللهُ، وأن يُؤَدِّيَ الأمانةَ، وإذا فعَل ذلك، فحقٌّ على الناسِ أن يَسْمَعُوا وأن يُطِيعُوا، وأن يُجيبُوا إذا دُعوا

(5)

.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا جابرُ بنُ نوحٍ، قال: ثنا إسماعيلُ، عن مصعبِ بن سعدٍ، عن عليٍّ بنحوِه.

(1)

في الأصل "بكر". وينظر تهذيب الكمال 30/ 50.

(2)

بعده في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"قال نزلت".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 986 (986) من طريق أبي أسامة به. وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 222، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 986 (5523) من طريق أبي مكينٍ به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 175 إلى ابن المنذر.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 986 (5521) من طريق ابن إدريس به.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (651 - تفسير)، وابن أبي شيبة 12/ 213، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 986 (5520) من طريق إسماعيل بن أبي خالد به، بلفظه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 175 إلى الفريابي وابن المنذر.

ص: 169

حدَّثني محمدُ بنُ عُبَيدٍ المحاربيُّ، قال: ثنا موسى بنُ عميرٍ، عن مكحولٍ في قولِ اللهِ:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: هم أهلُ الآيةِ التي قبلها: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} . إلى آخرِ الآيةِ

(1)

.

حدَّثني يونسُ، قال: حدَّثنا ابن وهبٍ، قال: أخبَرنا ابن زيدٍ، قال:[قال أبي: هم]

(2)

الوُلاةُ، أمَرهم أن يُؤَدُّوا الأماناتِ إلى أهلِها

(3)

وقال آخرونَ: أمَر السلطانَ بذلك؛ أن يَعِظُوا النساءَ

(4)

.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} : يَعْنِي السلطانَ، [يَعِظون النساءَ]

(5)

.

وقال آخَرون: الذي خوطِب بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم في مفاتيحِ الكعبةِ، أُمِر بردِّها على عثمانَ بن طلحةَ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ قولَه:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} . قال: نزَلت في

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 176 إلى المصنف.

(2)

في الأصل: "إبراهيم".

(3)

تقدم في الصفحة السابقة حاشية 3.

(4)

في م: "الناس".

(5)

في م: "يعطون الناس". والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 986 (5518) من طريق عبد الله بن صالح به.

ص: 170

عثمانَ [بن طلحةَ]

(1)

بن أبي طلحةَ، قبَض منه النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِفتاحِ

(2)

الكعبةِ، ودخَل به

(3)

البيتَ يومَ الفتحِ، فخرَج وهو يَتْلُو هذه الآيةَ، فدَعا عثمانَ فدفَع إليه المِفتاحَ. قال: وقال عمرُ بنُ الخطابِ لما خرَج رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم [مِن الكعبةِ]

(4)

وهو يَتْلُو هذه الآيةَ: فِداه أبي وأمى، ما سمِعتُه يَتْلُوها قبلَ

(5)

ذلك

(6)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا الزَّنْجيُّ بنُ خالدٍ، عن الزهريِّ، قال: دفَعه إليه وقال: "أعينُوه"

(7)

.

وأوَلى هذه الأقوالِ بالصوابِ في ذلك عندى قولُ مِن قال: هو خطابٌ مِن اللهِ جلَّ ثناؤُه ولاةَ أمورِ المسلمين بأداءِ الأمانةِ إلى مَن وَلُوا أَمْرَه فِي فَيْئِهم وحقوقِهم، وما ائْتُمِنوا عليه مِن أمورِهم، وبالعدلِ بينَهم في القضيةِ، والقَسْمِ بينَهم بالسويةِ، يَدُلُّ على ذلك ما وعَظ به الرعيةَ في قولِه:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . فأمَرهم اللهُ بطاعتِهم، وأوْصَى الراعىَ برعيِّتِه، وأوْصَى الرعيةِ بالطاعةِ.

كما حدَّثني يونسُ، قال: حدَّثنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: قال أبي: هم السلاطينُ. وقرَأ ابن زيدٍ: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ

(1)

سقط من: الأصل، س.

(2)

في ص، م:"مفاتيح".

(3)

في م: "بها"

(4)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بعد".

(6)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 299 عن المصنف. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 174 إلى المصنف وابن المنذر.

(7)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"عينوه". ونص في اللسان (ع و ن) على أن الثلاثي: عان يعون. وإن لم ينطق به ويستعمل فإنه في حكم المنطوق به والمستعمل.

والأثر ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 992 عن المصنف.

ص: 171

مِمَّنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26]. [وإنما نقولُ: هم العلماء الذين يَطَيفون

(1)

على السلطانِ]

(2)

، ألا تَرَى أنه أمرهم فبدأ بهم؛ بالولاةِ فقال:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} . [والأماناتُ هي]

(3)

الفَيْءُ الذي اسْتَأْمنهم على جمعِه وقَسمِه، والصَّدَقَاتُ التي اسْتَأْمَنهم على جَمْعِها وقِسْمتِها، {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} الآية كلها. فأمَر بهذا الولاةَ، ثم أقبَل علينا نحن فقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} .

وأما الذي قال ابن جريجٍ مِن أن هذه الآية نزَلت في عثمانَ بن طلحةَ، فإنه جائزٌ أن تَكُونَ نزَلت فيه وأُرِيدَ به كلُّ مُؤتَمنٍ على أمانةٍ، فدخَل فيه وُلاةُ أمورِ المسلمينِ وكلُّ مُؤْتَمَنٍ على أمانةٍ في دينٍ أو دنيا، ولذلك قال مَن قال: عُنى به قضاءُ الدَّيْنِ وردُّ حقوقِ الناسِ.

كالذي حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمِّي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} : فإنه لم يُرخِّصْ لمُوسرٍ ولا مُعْسرٍ أن يُمسكها

(4)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} . عن الحسنِ أن نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقُولُ: "أد الأمانةَ إلى مِن ائْتَمنك، ولا تَخُنْ مِن خانكَ"

(5)

.

(1)

في الأصل: "يطعمون".

(2)

سقط من: م.

(3)

سقط مِن: الأصل، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 175 إلى المصنف.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 175 إلى المصنف. وروى من حديث أبي هريرة وأنس وغيرهما، =

ص: 172

فتأويلُ الآيةِ إذن، إذ كان الأمرُ على ما وصَفنا: إن اللهَ يَأْمُرُكم يا معشرَ وُلاةِ أمورِ المسلمين

(1)

أن تُؤَدُّوا ما ائْتَمَنكم عليه رَعِيَّتُكُم مِن فَيْئِهم وحُقُوقِهم وأموالِهم وصَدَقاتهم إليهم

(2)

، على ما أمَركم اللهُ بأداءِ كلِّ شيءٍ مِن ذلك إلى مَن هو له، بعدَ أن تصيرَ في أيديكم، لا تَظْلِموها أهلَها، ولا تَسْتأثِروا بشيءٍ منها، ولا تَضَعوا شيئًا منها في غيرِ موضعِه

(3)

، ولا تَأْخُذُوها إلا ممَّن أذِن اللهِ لكم بأخذِها منه، قبلَ أن تَصيرَ في أيديكم، ويَأْمُرُكم إذا حَكَمتم بين رعِيَّتِكم أن تَحْكُموا بينَهم بالعدلِ والإنصافِ، وذلك حكمُ اللهِ الذي أنزَله في كتابه، وبَيَّنَه على لسانِ رسولِه، لا تَعْدُوا ذلك فتَجُورُوا عليهم

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: إن الله - يا معشرَ ولاةِ أمورِ المسلمين - نِعْمَ الشيءُ يَعِظُكم به، ونِعْمَت العِظةُ يَعِظُكم بها، في أمْرِه إياكم أن تُؤدُّوا الأماناتِ إلى أهلها، وأن تَحْكُموا بينَ الناسِ بالعدلِ، و {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}. يقولُ: إن الله لم يَزَلْ سميعًا بما تَقُولون وتَنْطِقُون، وهو سميعٌ لذلك منكم

= وهو حديث ضعيف. قال الشافعي: هذا الحديث ليس بثابت. وقال أحمد: حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح. وقال ابن الجوزى: لا يصح من جميع طرقه. وينظر سنن البيهقى 10/ 271، والعلل المتناهية 2/ 102، 103، والتلخيص 3/ 97 وعون المعبود 3/ 313، 314، والإرواء 5/ 381، والسلسلة الصحيحة (423).

(1)

في الأصل: "الناس".

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في الأصل: "موضعها".

(4)

في الأصل: "عليكم".

ص: 173

إذا حكَمتم بينَ الناسِ، ولِمَا

(1)

تُحاوِرونَهم

(2)

به [وتنطِقون]

(3)

، {بَصِيرًا} بما تفعلون فيما ائْتُمِنْتم

(4)

عليه مِن حقوق رعيَّتِكم وأموالِهم، وما تَقْضُون به

(5)

بينَهم مِن أحكامِكم، بعدلٍ تَحكمون أو جورٍ، لا يَخْفى عليه شيءٌ مِن ذلك، حافظٌ ذلك كلَّه عليكم

(6)

، حتى يُجَازِى مُحسِنَكم بإحسانِه، ومُسيئكم بإساءته، أو يَعْفُو بفضله.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤُه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: يا أيُّها الذين آمَنوا أطِيعوا اللهِ ربَّكم فيما أمرَكم به وفيما نهاكم عنه، وأطِيعوا رسولَه محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن في طاعتِكم إياه لربِّكم طاعةً، وذلكم أنكم تُطِيعونه لأمرِ اللهِ إياكم بطاعتِه.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن الأعمشِ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَن أطاعَنى فقد أطاع الله، ومَن أطاع أميرى

(7)

فقد أطاعَنى، ومن عَصاني فقد عصَى الله، ومَن عَصا أميرِى

(7)

فقد عَصاني"

(8)

.

(1)

في م: "لم".

(2)

في الأصل: "تجاوزونهم"، وفي م:"تجاوزوهم".

(3)

سقط من: م.

(4)

في م: "ائتمنكم".

(5)

في الأصل: "له".

(6)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(7)

في الأصل: "أمرى".

(8)

أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 212، وأحمد 12/ 405 (7434) 16/ 106 (10089)، وابن ماجه (2859)، وغيرهم مِن طرق عن الأعمش به وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 166، والبخاري (7137)، ومسلم (1835)، وغيرهم من طرق عن أبي هريرة. وينظر مسند الطيالسي (2554).

ص: 174

واختلَف أهلُ التأويلِ في معنى قولِه: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ؛ فقال بعضُهم: ذلك أمرٌ مِن اللهِ جلَّ ثناؤُه باتباعِ سنتِه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عَوْنٍ، قال: ثنا هُشَيمٌ، عن عبدِ الملكِ، عن عطاءٍ في قولِه:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} . قال: طاعةُ الرسولِ اتباعُ سنتِه.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبيد، عن عبدِ الملكِ، عن عطاءٍ قولَه:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} . قال: طاعةُ الرسولِ اتباعُ الكتابِ والسنةِ

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سويدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، عن عبدِ الملكِ، عن عطاءٍ مثلَه

(2)

.

وقال آخرون: ذلك أمرٌ مِن اللهِ بطاعةِ الرسولِ في حياته.

‌ذكر مِن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} : إن كان حيًّا.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أن يُقالَ: هو أمرٌ مِن الله تعالى بطاعةِ رسولِه في

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 987 (5528) من طريق يعلى به. وأخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه (100 - 103) مِن طريق عبد الملك به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 176 إلى عبد بن حميد. وستأتي بقيته في ص 180، 181.

(2)

أخرجه الطحاوى في المشكل 4/ 184 (1524)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1417) من طريق ابن المبارك به.

ص: 175

حياتِه فيما أمَر ونهَى، وبعدَ وفاتِه باتباعِ سنتِه؛ وذلك أن الله عمَّ بالأمرِ بطاعتِهِ ولم يَخْصُصْ ذلك

(1)

في حالٍ دونَ حالٍ، فهو على العمومِ حتى يخصَّ ذلك ما يَجِبُ التسليمُ له.

واختلَف أهلُ التأويلِ في أُولى الأمِر الذين أمَر اللهُ عبادَه بطاعتِهم في هذه الآية؛ فقال بعضُهم: هم الأمراءُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني أبو السائبِ، قال: ثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ في قولِه:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: هم الأمراء

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ الصَّبَاحِ البزارُ، قال: ثنا حجاجُ بنُ محمدٍ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبَرني يَعْلى بنُ مسلمٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ أنه قال {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}: نزَلت في رجلٍ بعَثه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على سريةٍ

(3)

.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"بذلك".

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (652 - تفسير) والطحاوى في المشكل 4/ 186، 187 (1525)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 988 (5532) من طريق أبي معاوية به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 212 - 214، والخلال في السنة (48)، والطحاوى 4/ 186 (1525)، وابن أبي حاتم 3/ 988 (5530) من طريق الأعمش به، وصحح إسناده الحافظ في الفتح 8/ 254، وعزاه السيوطي أيضا في الدر المنثور 2/ 176 إلى عبد بن حميد وابن المنذر، وينظر الفقيه والمتفقه (92).

(3)

أخرجه أحمد 5/ 229 (3124)، والبخارى (4584)، ومسلم (1834)، وأبو داود (2624)، والترمذى (1672)، والنسائي (4205)، وفى الكبرى (11109)، وابن الجارود (1040)، والطحاوي في المشكل (1525)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 987 (5529)، والواحدى في أسباب النزول =

ص: 176

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبدِ الله

(1)

بن مسلم بن هُرْمُزَ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ أن هذه الآيةَ نزَلت في عبدِ اللهِ بن [حذافةَ بن قيسٍ]

(2)

السَّهْمِيِّ إذ بعَثه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في السرية.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا حكام، عن عنيسةً، عن ليثٍ، قال: سأَل مَسلمةُ ميمونَ بنَ مهرانَ عن قولِه: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} قال: أصحابُ السَّرَايا على عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(3)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: قال أبي: هم السلاطينُ. قال: وقال ابن زيدٍ: قال الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: قال أبي: قال رسولُ اللهِ: "الطاعةَ الطاعةَ، وفي الطاعةِ بَلاءٌ". قال: ولو شاء اللهُ

(4)

لجعَل الأمرَ في الأنبياءِ يُقْضَى

(5)

، لقد جعِل

(6)

إليهم والأنبياءُ معهم، ألا ترى حينَ حكَموا في قتلِ يحيى بن زكريا

(7)

.

= ص 117، والبيهقي في الدلائل 4/ 311، والبغوى في تفسيره 2/ 241، وغيرهم من طرق عن حجاج به، وفيه تسمية الرجل كما في الرواية الآتية، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 176 إلى ابن المنذر.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"عبيد". وينظر الجرح 5/ 164.

(2)

في الأصل "قيس بن حذافة". وينظر الإصابة 4/ 57.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 176 إلى المصنف. وينظر الفتح 8/ 254.

(4)

زيادة من: م.

(5)

في م، والدر المنثور:"يعنى".

(6)

في الأصل، ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"جعلت".

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 176 إلى المصنف.

ص: 177

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السدِّيِّ:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ} . قال: بعَث رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سريةً عليها خالدُ بنُ الوليدِ، وفيها عمارُ بنُ ياسرٍ، فساروا قِبلَ القومِ الذين يُريدون، فلمّا بلَغوا قريبًا منهم عرَّسوا

(1)

، وأتاهم ذو

(2)

العُيَيْنَتَينِ

(3)

فأخبرَهم، فأصبَحوا قد هرَبوا غيرَ رجلٍ أمَر أهلَه فجمَعوا متاعَهم، ثم أقبَل يمشى في

(4)

ظلمةِ الليلِ، حتى أتَى عسْكرَ خالدٍ، فسأَل عن عمارِ بن ياسرٍ فأتاه، فقال: يا أبا اليَقْظانِ. إنى قد أسلمتُ، وشهِدتُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأن محمدًا عبدُه ورسولُه، وإن قومى لمّا سمِعوا بكم هرَبوا، وإنى بقِيتُ، فهل إسلامى نافعى غدًا، وإلا هربتُ؟ قال عمار: بل هو يَنْفَعُك، فأقِم. فأقام، فلمّا أصبَحوا أغار خالدٌ، فلم يَجِد أحدًا غيرَ الرجلِ، فأخَذه وأخَذ مالَه، فبلَغ عمارًا الخبرُ، فأتى خالدًا فقال: خلٍّ عن الرجلِ فإنه قد أسلَم، وهو

(5)

في أمانٍ منِّى. قال خالدٌ: وفيم أنت تُجيرُ؟ فاستبًا وارْتَفعا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأجاز أمانَ عمارٍ ونهاه أن يُجيرَ الثانيةَ على أميرٍ، فاستبّا عندَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال خالدٌ: يا رسولَ اللهِ، أَتَتْرُكُ هذا العبدَ الأجدعَ يَسُبُّني؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يا خالدُ، لا تَسُبَّ عمارًا، فإنه مِن سبَّ عمارًا سبَّه اللهُ، ومَن أَبْغَضَ عمارًا أبْغَضَه اللهُ، ومَن لعَن عمارًا لعَنه اللهُ". فغضِب عمارٌ، فقام، فتبِعه خالدٌ حتى أخَذ بثوبِه فاعتذَر إليه، فرضِى عنه، فأنزَل اللهُ

(6)

قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ

(1)

عرس القوم في السفر: نزلوا في آخر الليل للاستراحة، ثم أناخوا وناموا نومة خفيفة، ثم ساروا مع انفجار الصبح سائرين. التاج (ع ر س).

(2)

في م: "ذوا".

(3)

ذو العينين. الجاسوس. اللسان (ع ى ن).

(4)

في الأصل: "إلى".

(5)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"إنه".

(6)

بعده في الأصل، ص:"يعنى"، وفى ت 1، س:"تعالى يعني".

ص: 178

مِنْكُمْ}

(1)

.

وقال آخرون: هم أهلُ العلمِ والفقهِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا سفيانُ بنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن عليٍّ بن صالحٍ، عن عبدِ اللهِ بن محمدِ بن عَقيلٍ، عن [جابرِ بن عبدِ اللهِ]

(2)

، قال

(3)

: ثنا جابرُ بنُ: ثنا جابرُ بنُ نوحٍ، عن الأعمشِ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: أولو الفقه منكم

(4)

.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا ابن إدريسَ، قال: أخبَرنا ليثٌ، عن مجاهدٍ في

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 988، 989 (5531، 5540) من طريق أحمد بن مفضل به. وأخرجه ابن مردويه - كما في تفسير ابن كثير 2/ 303 - وابن عساكر في تاريخه 12/ 625 (مخطوط) من طريق الحكم بن ظهير، عن السدي، عن أبي صالح، عن ابن عباس.

وأخرجه أحمد 12/ 28، 13 (16814)، والنسائى في الكبرى (8271)، والطبراني في الكبير (3830)، والحاكم، 3/ 389، وغيرهم من حديث خالد بن الوليد مختصرا، وينظر مسند الطيالسى (1252 - طبعتنا).

(2)

سقط من: الأصل. والأثر عزاه الحافظ في الفتح 8/ 254 إلى المصنف بلفظ: هم أهل العلم والخير. وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 213، والحاكم 1/ 122، 123 - وصححه - من طريق وكيع به، بلفظ: أولو الفقه، أولو الخير. وأخرجه الطحاوى في المشكل 4/ 182، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 988 (5533)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1419) من طريق الحسن بن صالح، عن ابن عقيل به، وأخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه (91) من طريق أبي الزبير، عن جابر. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 176 إلى عبد بن حميد وابن المنذر والحكيم الترمذي في نوادر الأصول.

(3)

يعني سفيان بن وكيع.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (653) - تفسير، وأبو خيثمة في العلم (62) - ومن طريقه تمام في الفوائد (1335 - الروض البسام - وأبو نعيم في الحلية 3/ 292، والخطيب في الفقيه والمتفقه (93، 94) من طرق عن الأعمش به، نحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 176 إلى عبد بن حميد.

ص: 179

قوله: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: أولو الفقهِ والعلمِ

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: أولو الفقهِ في الدينِ والعقلِ.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بن صالحٍ، عن عليٍّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} : يَعْنى أهلَ الفقهِ و

(3)

الدينِ

(4)

.

حدَّثني أحمدُ بنُ حازمٍ، قال: ثنا أبو نعيمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن خُصَيفٍ

(5)

، عن مجاهدٍ:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: أهلُ العلمِ.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبَرنا عبدُ الملكِ، عن عطاءٍ

(6)

في قولِه: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: أولو العلم

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 989 (989)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (96) من طريق ابن إدريس به. وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (656 - تفسير)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (97، 98)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1418) من طريق ليث به. وعزاه البسيوطى في الدر المنثور 2/ 178 إلى عبد بن حميد وابن المنذر، وستأتى بقيته في ص 185، 186.

(2)

تفسير مجاهد ص 285.

(3)

في الأصل: "في".

(4)

أخرجه الطحاوى في المشكل 4/ 185، 186، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 989 (5534)، والحاكم 1/ 123 من طريق عبد الله بن صالح به، مطولا. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 176 إلى ابن المنذر.

(5)

في م: "حصين".

(6)

بعده في م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بن السائب". وعطاء هنا هو ابن أبي رباح. =

ص: 180

والفقه

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: ثنا هشيمٌ، عن عبدِ الملكِ، عن عطاءٍ {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}. قال: الفقهاءُ والعلماءُ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: حدَّثنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن الحسنِ في قولِه:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: هم العلماءُ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بن يحيى، قال: حدَّثنا عبدُ الرزاقِ، عن الثَّوْرِيِّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: هم أهلُ الفقهِ والعلمِ

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: حدَّثني إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العاليةِ في قولِه:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: هم أهلُ العلمِ، ألا تَرَى أنه يَقُولُ:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}

(4)

[النساء: 83].

وقال آخَرون: هم أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

= وينظر تهذيب الكمال 18/ 322.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (655 - تفسير) - ومن طريقه الطحاوى في المشكل 4/ 183 - عن هشيم به، وتقدم أوله في ص 175.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 166. وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (654) - تفسير، ومن طريقه الخطيب في الفقيه والمتفقه (102)، والطحاوى في المشكل 4/ 183 (1524) مِن طريق منصور عن الحسن، بلفظ: أولى الفقه والعلم. وأخرجه الخطيب (104) من طريق منصور أيضا بلفظ: العلماء والفقهاء. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 989 (5536) من طريق المبارك بن فضالة عن الحسن مثله، وزاد: والعقل والرأى. مثله في تفسيره مجاهد ص 285 من طريق المبارك.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 166.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 213، 214 من طريق أبي جعفر به، مختصرا.

ص: 181

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، قال: ثنا ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: كان مجاهدٌ يَقُولُ: أصحابُ محمدٍ. قال: وربما قال: [أولو العقلِ]

(1)

والفقهِ ودينِ اللهِ

(2)

.

وقال آخَرون: هم أبو بكرٍ وعمرُ رضي الله عنهما.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أحمدُ بنُ عمرٍو البصريُّ [وسعدُ بنُ عبدِ اللهِ بن عبدِ الحكمِ، قالا]

(3)

: ثنا حفصُ بنُ عمرَ العَدَنيُّ، قال: ثنا الحكمُ بنُ أبانٍ، عن عكرمةَ:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . قال: أبو بكرٍ وعمرُ

(4)

.

وأوْلَى الأقوال في ذلك بالصواب قولُ مَن قال: هم الأمراءُ والوُلاةُ؛ لصحةِ الأخبارِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالأمرِ بطاعةِ الأئمةِ والوُلاةِ فيما كان للهِ

(5)

طاعةً، وللمسلمين مصلحةً.

(1)

في م: "أولى الفضل".

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 213، وأبو نعيم في الحلية 3/ 293 من طريق ابن علية به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 176 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قال".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 989 (5537) من طريق حفص به. وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (657) - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 989 (5538)، والبيهقى 10/ 346، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2325) من طريق الحكم به، في قصة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 177 إلى عبد بن حميد وابن عساكر.

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

ص: 182

كالذي حدَّثني عليُّ بنُ مسلمٍ الطُّوسيُّ، قال: ثنا ابن أبي فُدَيكٍ

(1)

، قال: ثني عبدِ اللهِ بن محمدِ بن عُروةَ، عن هشامِ بن عروةَ، عن أبي صالحٍ السَّمَّانِ، عن أبي هريرة، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "سيَلِيكم بعدى وُلاةٌ، فتليكم البَرُّ ببِرِّه، و

(2)

الفاجرُ بفُجوره، فاسْمَعوا لهم وأطِيعُوا في كلِّ ما وافَق الحقَّ، وصَلُّوا وراءَهم، فإن أحْسَنوا [فلكم ولهم]

(3)

، وإن أساءُوا فلكم وعليهم"

(4)

.

حدَّثنا ابن المثنَّى، قال: ثنا يحيى، عن

(5)

عبيدِ اللهِ، قال: أخبرَنى نافعٌ: عن [عبدِ اللهِ]

(6)

، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "على المرءِ المسلمِ [السمعُ و]

(7)

الطاعةُ فيما أحبَّ و

(8)

كرِه، إلا أن يُؤمر بمعصيةٍ، فإن

(9)

أُمرِ بمعصيةِ فلا طاعةَ"

(10)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: حدَّثنا خالدٌ عن

(11)

عبيدِ اللهِ، عن نافعٍ، عن ابن عمرَ،

(1)

في الأصل: "يزيد".

(2)

بعده في الأصل: "يليكم".

(3)

في ص، ت 1، س:"فلهم ولكم".

(4)

أخرجه الدارقطنى 2/ 55 - ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/ 424 - من طريق على بن مسلم به. وأخرجه الطبراني في الأوسط (6310) من طريق عبد الله بن محمد بن عروة به. وقد تفرد به عبد الله بن محمد، وهو متروك. وينظر الإرواء 2/ 305.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بن". وينظر تهذيب الكمال 31/ 329.

(6)

في الأصل: "عبيد الله بن عمر"

(7)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(8)

في الأصل: "أو".

(9)

في ص، م ت 1، ت 2، ت 3، س:"فمن".

(10)

أخرجه أحمد 8/ 293 (4668)، والبخارى (2955)، ومسلم (1831)، وأبو داود (2626)، والبيهقي 3/ 127، 8/ 156، والبغوى في تفسيره 2/ 240، وفي شرح السنة (2453) من طريق يحيى به. وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 542، وعبد بن حميد (752)، وابن زنجويه في الأموال (21)، والبخارى (2955)، ومسلم (1839)، والترمذى (1707)، وابن ماجه (2864)، والنسائي (4217)، وغيرهم من طرق عن عبيد الله به.

(11)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بن". وينظر تهذيب الكمال 8/ 35.

ص: 183

عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوَه.

فإذ كان معلومًا أنه لا طاعةَ واجبةٌ لأحدٍ غيرِ اللهِ أو رسولِه أو إمامٍ عَدْلٍ، وكان اللهُ قد أمَر بقولِه:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . بطاعةِ ذوِى أمرِنا، كان معلومًا أن الذين أمَر بطاعتِهم تعالى ذكرُه مِن ذوِى أمرِنا هم الأئمةُ ومَن [وَلَّوْه أمَر المسلمين]

(1)

، دونَ غيرِهم مِن الناسِ، وإن كان فرضًا القبولُ مِن كلِّ [آمرٍ أمَر]

(2)

بتَركِ معصيتِه ودعا إلى [طاعتِه، غيرَ]

(3)

أنه لا طاعةَ تَجِبُ لأحدٍ فيما أمَر ونهَى فيما

(4)

لم تُقمْ حجةُ وجوبِه إلا للأئمةِ الذين ألزَم اللهُ عبادَه طاعتَهم فيما أمَروا به رعيَّتَهم، مما هو مصلحةٌ لعامةِ الرعيةِ، فإن على مَن أمَروه بذلك طاعتَهم، وكذلك في كلِّ ما لم يَكُنْ للهِ معصيةً. وإذ كان ذلك كذلك، كان معلومًا بذلك صحةُ ما اخْتَرنا مِن التأويلِ دونَ غيرِه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤُه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: فإن اختلَفتم أيها المؤمنون، في شيءٍ مِن أمرِ دينِكم؛ أنتم فيما بينَكم، أو أنتم ووُلاة أمرِكم، فاشْتَجَرتم فيه، {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ}. يَعْنى بذلك: فارْتَادوا معرفةَ حكمِ ذلك

(5)

الذي اشْتَجَرتم أنتم بينكم، أو أنتم وولاةُ أمرِكم فيه، مِن عندِ اللهِ، يَعْنى بذلك: مِن كتابِ اللهِ، فاتَّبِعوا

(6)

ما

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، ص:"ولوه المسلمين"، وفى م:"ولاه المسلمون".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"أمر"، وفى م "من أمر"، وفى س:"أمره".

(3)

في ص، ت 1، ت 3، س:"طاعة الله"، وفى م، ت 3:"طاعة الله و".

(4)

في الأصل: "مما".

(5)

سقط من: م.

(6)

في الأصل: "فابتغوا".

ص: 184

وجَدتم فيه

(1)

، [وأطيعوا الله باتِّباعِكم ما فيه مِن أمرِه ونَهْيِه، وحكمِه وقضائه]

(2)

.

وأما قولُه: {وَالرَّسُولِ} . فإنه يَقُولُ: فإن لم تَجِدوا

(3)

عِلْمَ ذلك في كتابِ اللهِ مُبَيَّنًا

(4)

، فارْتادُوا معرفةً ذلك أيضًا مِن عندِ الرسولِ إن كان حيًّا، وإن كان ميِّتًا فمِن سنَّتِه، {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}. يَقُولُ: افْعَلُوا ذلك إن كنتم تصدِّقون باللهِ واليومِ الآخرِ. يعنى: بالمعادِ الذي فيه الثوابُ والعقابُ، فإنكم إن فعَلتم ما أُمِرتم به مِن ذلك، فلكم مِن الله الجزيلُ مِن الثوابِ، وإن لم تفعَلوا ذلك، فلكم الأليمُ مِن العقابِ.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال جماعةٌ مِن أهلِ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا ابن إدريسَ، قال: أخبَرنا ليثٌ، عن مجاهدٍ في قولِه:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . قال: فإن تنازَع العلماءُ ردُّوه إلى اللهِ والرسولِ

(5)

؛ إلى

(6)

كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه. ثم نزَع

(7)

مجاهدٌ بهذه

(8)

الآيةِ: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"إلى".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"سبيل"، وفى م:"سبيلا".

(5)

بعده في م: "قال يقول فردوه".

(6)

سقط من: الأصل.

(7)

في م: "قرأ".

(8)

في م: "هذه".

ص: 185

مِنْهُمْ}

(1)

[النساء: 83].

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، عن سفيانَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . قال: إلى

(2)

كتابِ اللهِ وسنَّةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: حدَّثنا الثوري، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . قال: إلى الله: إلى كتابِه، وإلى الرسول: إلى سنَّةِ نبيِّه

(4)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا حَكّامٌ، عن عَنْبَسةَ، عن ليثٍ، قال: سأَل مَسْلمةُ ميمونَ بنَ مهرانَ عن قولِه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} قال: إلى (2) اللهِ: كتابِه، ورسولِه: سنتِه. فكأنما ألْقمه حجرًا.

حدَّثنا أحمدُ بنُ حازمٍ، قال: ثنا أبو نعيمٍ، قال: حدَّثنا جعفرُ بنُ بُرْقَانَ

(5)

، عن ميمونِ بن مهرانَ:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . قال: الردُّ إلى اللهِ، الردُّ إلى كتابِه، والردُّ إلى رسولِه إن كان حيًّا، فإن قبَضه الله إليه فالردُّ إلى السنةِ

(6)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 990 (5541، 5542) من طريق ابن إدريس به. وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (656) - تفسير، وتقدم أوله في ص 179، 180.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

تفسير الثورى ص 96، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية 3/ 293، 294، والخطيب في الفقيه والمتفقه (377)، وزاد أبو نعيم: ما دام حيًّا، فإذا قبض فإلى سنته.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 167.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"مروان"، وفى ت 1:"مروان"، وفى س:"عروان". وينظر تهذيب الكمال 5/ 11، 12.

(6)

أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2344) من طريق أبي نعيم به. وأخرجه الطحاوى في =

ص: 186

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: حدَّثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . يقولُ: رُدُّوه إلى كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}

(1)

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفضلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السدِّيِّ:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} : إن كان الرسولُ حيًّا، {إِلَى اللَّهِ} قال: إلى كتابِه

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بقوله جلَّ ثناؤُه: {ذَلِكَ} : فرَدُّ ما تنازَعتم فيه مِن شيءٍ إلى اللهِ والرسولِ، {خَيْرٌ} . لكم عندَ اللهِ في مَعادِكم، وأصلحُ لكم في دنياكم؛ لأن ذلك يَدْعُوكُم إلى الألفةِ وتركِ التنازِع والفُرقةِ، {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}. يعنى: وأحمَدُ موئلًا ومغبَّةً، وأجملُ عاقبةً. وقد بينا فيما مضَى أن التأويلَ التفعيلُ، مِن "تأوَّل"، وأن قولَ القائل: تأوَّل: "تفعَّل" مِن قولِهم: آلَ هذا الأمرُ إلى كذا أي: رجَع. بما أغنَى عن إعادتِه

(3)

.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

= المشكل 4/ 183، وابن عبد البر (1414، 2328)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (375، 376) من طريق جعفر بن برقان به وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 178 إلى ابن المنذر.

(1)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 990 عقب الأثر (5541، 5543) معلقا. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 78 إلى المصنف.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 990 (5543) من طريق أحمد بن مفضل به.

(3)

ينظر ما تقدم في 5/ 222.

ص: 187

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} . قال: وأحسنُ جزاءً

(1)

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} . يقولُ: ذلك أحسنُ ثوابًا وخيرٌ عاقبةٌ

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفضلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} . قال: عاقبةً

(3)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} . قال: وأحسنُ عاقبةٌ. قال: والتأويلُ التصديقُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤُه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: {أَلَمْ تَرَ} يا محمدُ بقلبِك فتَعْلمَ، إلى الذين يَزْعُمون أنهم صدَّقوا بما أَنْزَلْنا إليك مِن الكتابِ، وإلى الذين يَزْعُمون أنهم آمنوا بما أَنْزَلْنَا مِن قَبْلِك مِن الكتبِ {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا} . في

(1)

تفسير مجاهد ص 285، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 990 (5545)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 178 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 990 (5544) من طريق يزيد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 178 إلى ابن المنذر.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 990 (5546) من طريق أحمد بن مفضل به.

ص: 188

خصومتهم {إِلَى الطَّاغُوتِ} . يَعْنى: إلى مَن يُعَظِّمونه ويَصْدُرون عن قولِه، ويَرْضَون بحكمه مِن دونِ حكمِ اللهِ، {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ}. يَقولُ: وقد أمَرهم اللهُ أن يُكَذِّبوا بما جاءَهم به الطاغوتُ الذي يَتَحاكَمون إليه، فترَكوا أمَر اللهِ، واتَّبعوا أمْرَ الشيطانِ، {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} . يَعْنى أن الشيطانَ يُريدُ أن يصدَّ هؤلاء المتحاكِمين إلى الطاغوتِ عن سبيلِ الحقِّ والهدى. فيُضِلُّهم عنها ضلالًا بعيدًا، يعني: فيجورَ بهم عنها جَوْرًا شديدًا.

وقد ذكِر أن هذه الآية نزَلت في رجلٍ مِن المنافقين دعا رجلًا مِن اليهود في خصومةٍ كانت بينَهما إلى بعضِ الكُهانِ ليَحْكُم بينَهم، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بينَ أظهرهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمد بن المثنى، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، قال: ثنا داودُ، عن عامرٍ في هذه الآيةِ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} . قال: كان بينَ رجلٍ مِن اليهودِ وبينِ رجلٍ مِن المنافقين خصومةٌ، فكان المنافقُ يَدْعُو إلى اليهودِ؛ لأنه يَعْلَمُ أنهم يَقْبَلُون الرِّشوةَ، وكان اليهوديُّ يَدْعُو إلى المسلمين؛ لأنه يَعْلَمُ أنهم لا يَقْبَلون الرِّشوةَ، فاصْطَلحا أن يَتَحاكما إلى كاهنٍ مِن جُهَيْنةَ، فأنزَلَ اللهُ عز وجل فيه هذه الآيةَ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} حتى بلَغ: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

(1)

.

(1)

أخرجه الواحدى في أسباب النزول ص 119 من طريق داود. به وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 178 إلى ابن المنذر.

ص: 189

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبدُ الأعلى، قال: ثنا داودُ، عن عامرٍ في هذه الآيةِ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} . فذكرَ نحوَه، وزاد فيه: فأنزَل اللهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} : يعنى المنافقَ

(1)

، {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}: يعنى اليهودِيَّ

(2)

، {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ}. يقولُ: إلى

(3)

الكاهن، {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ}: أُمِر هذا في كتابِه، وأُمِر هذا في كتابه، أن يَكْفُرَ بالكاهنِ.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: حدَّثنا ابن عليةَ، عن داودَ، عن الشعبيِّ، قال: كانت بينَ رجلٍ ممن يَزْعُمُ أنه مسلمٌ وبينَ رجلٍ مِن اليهودِ خصومةٌ، فقال اليهوديُّ: أُحاكمُك إلى أهل دينِك. أو قال: إلى النبيِّ، لأنه قد عِلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم يأْخذُ الرِّشوةَ في الحكمِ، فاختلفا، فاتَّفَقا على أن يَأْتِيا كاهنًا في جُهَيْنَةً. قال: فنزَلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} : يَعْنى الذي مِن الأنصارِ، {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}: يَعْنى اليهوديَّ، {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ}: إلى الكاهنِ، {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ}. يَعْنى: أُمِر هذا في كتابِه، وأُمِر هذا في كتابِه. {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}. وقرَأ:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} . إلى: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا المعتمرُ بنُ سليمانَ، عن أبيه، قال: زعَم حضرميٌّ أن رجلًا مِن اليهودِ كان قد أسلَم، فكانت بينَه وبين رجلٍ

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"المنافقين".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"اليهود".

(3)

سقط من: الأصل.

ص: 190

مِن اليهودِ مُدارَاةٌ

(1)

في حقٍّ، فقال اليهوديُّ له: انْطَلِق إلى نبيِّ اللهِ. فعرَف أنه سيَقْضِي عليه، قال: فأبى، فانْطَلَقا إلى رجلٍ مِن الكهانِ، فتَحاكَما إليه، فأنزَل

(2)

اللهُ جل ثناؤُه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ}

(3)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} الآية. حتى بلغ: {ضَلَالًا بَعِيدًا} : ذُكر لنا أن هذه الآيةَ نزَلت في رجلين؛ رجلٍ مِن الأنصارِ يُقال له: بشرٌ. وفى رجلٍ مِن اليهودِ، في مُدارَأَةٍ كانت بينَهما في حقٍّ، فتَدارَءا بينَهما فيه، فتَنافَرا إلى كاهنٍ بالمدينة يَحْكُم بينَهما، وترَكا نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فعاب اللهُ ذلك عليهما

(4)

، وذُكِر لنا أن اليهوديَّ كان يَدْعُوه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليَحْكُمَ بينَهما، وقد عِلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم الله لن يَجُورَ عليه، فجعَل الأنصاريُّ يَأْتِي عليه، وهو يَزْعُمُ أنه مسلمٌ، ويَدْعُوه إلى الكاهنِ، فأنزَل اللهُ ما تَسْمَعُون، فعاب ذلك

(5)

على الذي يَزْعُمُ أنه مسلمٌ، وعلى اليهوديِّ الذي هو مِن أهلِ الكتابِ، فقال {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}. إلى قولِه:{صُدُودًا}

(6)

.

(1)

المداراة: التدافع في الخصومة. التاج (د رأ).

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قال".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 20/ 179 إلى المصنف.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

بعده في الأصل: "عليه".

(6)

أخرجه الواحدى في أسباب النزول ص 119 من طريق سعيد عن قتادة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 19 إلى عبد بن حميد.

ص: 191

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مفضلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} . قال: كان ناسٌ مِن اليهودِ قد أسلَموا ونافَق بعضُهم، وكانت قريظةُ والنضيرُ في الجاهليةِ إذا قُتِل الرجلُ مِن بني النضيرِ؛ قتَلتْه بنو قُرَيظةَ، قتَلوا به منهم، فإذا قُتِل الرجلُ مِن بني قريظة؛ قتَلته النَّضِيرُ، أعطَوْا دِيتَه ستين وَسْقًا

(1)

مِن تمرٍ، فلما أسلَم ناسٌ مِن بني قُرَيظةَ والنَّضيرِ، قتَل رجلٌ مِن مِن بني النضيرِ رجلًا مِن بنى قريظةَ، فتَحاكَموا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال النَّضَرِيُّ: يا نبيَّ اللهِ، إنا كنا نُعْطِيهم في الجاهليةِ الدِّيَةَ، فنحن نُعْطِيهم اليومَ ذلك. فقالت قُرَيْظَةُ: لا، ولكنا إخوانُكم في النَّسَبِ والدين، ودماؤُنا مثلُ دمائِكم، ولكنكم كنتم تَغْلِبوننا في الجاهليةِ، فقد جاء اللهُ بالإسلامِ. فأنزَلَ اللهُ يُعَيِّرُهم بما فعَلوا، فقال:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]. [عيَّرهم بما فعَلوا]

(2)

، ثم ذكَر قولَ النَّضَريِّ: كنا نُعْطيهم في الجاهليةِ ستين وسْقًا ونَقْتُلُ منهم ولا يَقْتُلُوننا. فقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة: 50]. فأخذ النَّضريَّ فقتَله بصاحبِه، فتَفاخَرتِ النَّضيرُ وقُريظةُ، فقالت النضيرُ: نحن أكرمُ منكم. وقالت قريظةُ: نحن أكرمُ منكم. ودخَلوا المدينةَ إلى أبي بُرْدَة

(3)

الكاهنِ الأسلميِّ، فقال المنافقون

(4)

مِن قُرَيظةَ والنَّضيرِ: انْطَلِقوا إلى أبى بُرْدَة (3) يُنْفِر

(5)

بينَنا. وقال المسلمون مِن قُرَيظةَ والنَّضِيرِ: لا، بل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُنْفِرُ بينَنا، فتعالَوا إليه. فأبَى المنافقون،

(1)

الوسق ستون صاعا، والصاع: هو خمسة أرطال وثلث. اللسان (و س ق).

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، ص:"فعيرهم".

(3)

في م: "أبي برزة". وينظر الإصابة 6/ 434، 7/ 37، 38.

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3 س: و "المنافق".

(5)

نافرت الرجل منافرة: إذا قاضيته. ونفّره وأنفره إذا حكم له بالغلبة. وهو مِن المنافرة، وهي المفاخرة. النهاية 5/ 93، واللسان (ن ف ر).

ص: 192

وانْطَلَقوا إلى أبى بُرْدَةَ

(1)

فسأَلوه، فقال: أعظِموا اللُّقمةَ. يَقُولُ: أعظِموا الخَطَرَ

(2)

. فقالوا: لك عَشَرَةُ أوساقٍ. قال: لا، بل مائةُ وَسْقٍ، دِيَتِى، فإني أخافُ أَن أُنْفِرَ النَّضِيرَ فتَقْتُلَنِى قُرَيظَةُ، أو أُنْفِرَ قُرَيْظَةَ فتَقْتُلَنِي النَّضِيرُ، فَأَبَوْا أَن يُعْطُوه فوقَ عَشَرَةِ أوساقٍ، وأبَى أن يَحْكُمَ بينَهم، فأنزلَ اللهُ عز وجل:{يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} : وهو أبو بُرْدَةَ (1)، {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ}. إلى قولِه:{وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

(3)

.

وقال آخَرون: الطاغوتُ في هذا الموضعِ هو كعبُ بنُ الأشرفِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ سعدٍ قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} : والطاغوتُ رجلٌ مِن اليهودِ كان يقالُ له: كعبُ بنُ الأشرفِ. وكانوا إذا ما دُعوا إلى ما أنْزَل اللهُ وإلى الرسولِ ليَحْكُمَ بينَهم قالوا: بل نحاكِمُكم إلى كعبِ. فذلك قولِه: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} الآية

(4)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ،، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا

(1)

في م: "برزة". وينظر الإصابة 6/ 434، 7/ 37، 38.

(2)

الخطر: الرهن بعينه، وهو ما يتراهن عليه. التاج (خ ط ر).

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 991 (5549) من طريق أحمد بن المفضل به.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 992 (5553) عن محمد بن سعد به.

ص: 193

أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} قال: تنازَع رجلٌ مِن المنافقين ورجلٌ مِن اليهودِ، فقال المنافقُ: اذْهَبْ بنا إلى كعبُ بنُ الأشرفِ. وقال اليهوديُّ: اذْهَبْ بنا إلى النبيِّ محمدٍ

(1)

. فقال اللهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} . الآية والتي تليها فيهما

(2)

أيضًا.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} . فذكَر مثلَه، إلا أنه قال: وقال اليهوديُّ: اذْهَبْ بنا إلى محمدٍ

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ بن أنسٍ في قولِه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} . إلى قولِه: {ضَلَالًا بَعِيدًا} . قال: كان رجلان مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بينَهما خصومةٌ؛ أحدُهما مؤمنٌ والآخر منافقٌ، فدعاه المؤمنُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ودعاه المنافقُ إلى كعبُ بنُ الأشرفِ، فأنزَل اللهُ:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ عن مجاهدٍ قولِه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} . قال: تنازَع رجلٌ مِن المؤمنين

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س، وبعده في هذه النسخ:"صلى الله عليه وسلم". واليهود لا تقوله.

(2)

في م: "فيهم".

(3)

تفسير مجاهد ص 285، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 991 (5548)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 179 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 179 إلى المصنف.

ص: 194

ورجلٌ مِن اليهودِ، فقال اليهوديُّ: اذْهَبْ بنا إلى كعبُ بنُ الأشرفِ. وقال المؤمنُ: اذْهَبْ بنا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال اللهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} . إلى قولِه: {صُدُودًا} قال ابن جريجٍ: {يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} . قال: القرآنُ، {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}. قال: التوراةُ. قال: ويَكُونُ بينَ المسلمِ والمنافقِ الحقُّ، فيَدْعُوه المسلمُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ليُحاكِمَه إليه، فيَأْتِي المنافقُ ويَدْعُوه إلى الطاغوتِ. قال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ: الطاغوتُ كعبُ بنُ الأشرفِ

(1)

.

حدِّثت عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعت أبا معاذٍ يقولُ: أخبَرنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعت الضحاك يقولُ في قولِه: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} : هو كعبُ بنُ الأشرفِ

(2)

وقد بينا معنى الطاغوتِ في غيرِ هذا الموضعِ، فكرِهنا إعادتَه

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)}

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ألم تَرَ يا محمدُ إلى الذين يَزْعُمون أنهم آمنوا بما أُنْزِل إليك مِن المنافقين، وإلى الذين يَزْعُمون أنهم آمَنوا بما أُنْزِل مِن قبلِك، مِن أهلِ الكتابِ، يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوتِ، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا

(4)

إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ}. يَعْنى بذلك: وإذا قيل لهم

(5)

: هَلُمُّوا إلى حكمِ اللهِ الذي أَنْزَله في كتابِه، وإلى الرسولِ ليحكُمَ بينَنا،

(1)

بعده في الأصل: "وقد أمروا أن يكفروا".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 179 إلى المصنف.

(3)

ينظر ما تقدم في 4/ 555 - 558.

(4)

في ص، م:" تعالوا هلموا".

(5)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"تعالوا".

ص: 195

{رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} . يَعْنى بذلك: يَمْتَنِعون مِن المصيرِ إليك لتَحْكُمَ بينَهم، ويَمْنَعُون مِن المصيرِ إليك كذلك

(1)

غيرَهم {صُدُودًا} .

وقال ابن جريجٍ في ذلك بما حدَّثنا به القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا حجاجٌ، عن ابن جريجٍ:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ} . قال: دعَا المسلمُ المنافقَ إلى رسولِ اللهِ ليَحْكُم بينَهم

(2)

. قال: {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} .

وأما على تأويلِ

(3)

مِن جعَل ذلك (2) الداعيَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم اليهوديَّ، والمَدْعُوَّ إليه المنافقَ، على ما ذكَرتُ مِن أقوالِ مَن قال ذلك في تأويلِ قولِه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} . فإنه على ما بَيَّنتُ قبلُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤُه: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: فكيف بهؤلاء الذين يُريدون أن يَتَحاكموا إلى الطاغوتِ، وهم يَزْعُمُون أنهم آمَنوا بما أُنزِل إليك وما أُنزل مِن قبلِك {إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ}. يَعْنى: إذا نزَلت بهم نقمةٌ مِن الله، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}. يَعْنى: بذُنوبِهم التي سلَفت منهم، {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ}. يقولُ: ثم جاءوك يخلفون باللهِ كذبًا وزورًا، {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} . وهذا خبرٌ مِن الله عن هؤلاء المنافقين أنهم لا يَرْدَعُهم عن النفاقِ

(1)

في الأصل، ص، س:"لذلك".

(2)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، ص.

(3)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قول".

ص: 196

الغِيرُ

(1)

والنِّقَمُ، وأنهم وإن نالتَهم

(2)

عُقوبةٌ مِن اللهِ على احتكامِهم إلى الطاغوتِ، لم يُنيبوا ولم يَتُوبوا، ولكنهم يَحْلِفُون بالله كذبًا وجُرْأةً على اللهِ: ما أَرَدْنا باحتكامِنا إليه إلا الإحسانَ مِن بعضنا إلى بعضٍ، والصوابَ فيما احتكَمنا فيه إليه [باحتكامِنا إليه]

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {أُولَئِكَ} : هؤلاء المنافقون، {الَّذِينَ} وصَفتُ

(4)

لك يا محمدُ صفتَهم، {يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} في احتكامِهم إلى الطاغوتِ، وتركِهم الاحتكامَ إليك، وصدودِهم عنك، مِن النفاقِ والزَّيْغِ، وإن حلَفوا باللهِ ما أرَدنا إلا إحسانًا وتوفيقا، {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ}. يقولُ: فدَعْهُم فلا تُعاقِبْهم في أبدانِهم وأجسامِهم، ولكن عِظْهم بتخويفِك إياهم بأسَ اللهِ أن يَحِلَّ بهم، وعُقوبته أن تَنْزِلَ بدارِهم، وحَذِّرْهم غِبَّ

(5)

مكروهِ ما هم عليه مِن الشكِّ في أمرِ اللهِ وأُمِر رسولِه، {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}. يقولُ: مُرْهم باتقاءِ اللهِ والتصديقِ به وبرسولِه ووعدِه ووعيدِه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} .

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"العبر" والغير: أحداث الدهر وأحواله المتغيرة. للسان (غ ى ر).

(2)

في ص، م، ت 2:" نأتهم"، وفى ت 1، س:"يأتيهم".

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، وفى ت 3، س:"احتكامنا إليه".

(4)

في الأصل: "وصف".

(5)

في م: "من"، وفى ت 1:"عن".

ص: 197

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ولم تُرسل يا محمدُ رسولًا إلا فَرَضْتُ طاعتَه على مَن أَرْسَلْتُه إليه. يقولُ جلَّ ثناؤُه: فأنتَ يا محمدُ مِن الرسلِ الذين فَرَضْتُ طاعتَهم على مَن أرسَلْتُه إليه.

وإنما هذا توبيخٌ مِن الله جل ثناؤُه للمُحْتَكِمين مِن المنافقين، الذين كانوا يَزْعُمون أنهم يُؤْمنون بما أُنْزِل إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيما اختصموا فيه إلى الطاغوتِ، صُدُودًا عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لهم تعالى ذكرُه: ما أَرْسَلْتُ رسولًا إِلا فَرَضْتُ طاعتَه على مَن أَرْسَلْتُه إليه، فمحمدٌ صلى الله عليه وسلم مِن أولئك الرسلِ، فمن ترَك طاعتَه والرضا بحكمِه واحتَكَم إلى الطاغوتِ، فقد خالَف أمْرِى وضيَّع فرْضِى. ثم أخبرَ جلَّ ثناؤُه أن مَن أطاع رُسُلَه، فإنما يُطيعُهم بإذنِه. يعنى: بتقديرِه ذلك له

(1)

، وقضائه السابق في علمه ومشيئتِه.

كما حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: نا عيسى، وحدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، وحدَّثني المثنى، قال: ثنا سويدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، عن شبلٍ، جميعًا عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} : واجبٌ لهم أن يطيعَهم مِن شاء الله، ولا يطيعَهم أحدٌ إلا بإذنِ اللهِ

(2)

وإنما هذا تعريضٌ مِن الله تعالى ذكرُه لهؤلاء المنافقين، بأن تَرْكَهم طاعةَ اللهِ وطاعةَ رسولِه والرضَا بحكِمه، إنما هو للسابقِ

(3)

مِن خِذْلانِه وغلبة الشَّقاءِ عليهم، ولولا ذلك لكانوا ممن أذِن اللهِ له في الرضَا بحكمِه، والمسارعةِ إلى طاعتِه.

(1)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

تفسير مجاهد ص 285، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 180 إلى ابن المنذر.

(3)

في الأصل: "السابق".

ص: 198

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين وصَف صفتَهم في هاتين الآيتين، الذين إذا دُعُوا إلى حكمِ اللهِ وحكمِ رسولِه صَدُّوا صدودًا {إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} باكتسابِهم

(1)

العظيمَ مِن الإثمِ في احتكامِهم إلى الطاغوتِ، وصدودِهم عن كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه إذا دُعُوا إليها، {جَاءُوكَ} يا محمدُ حينَ فعَلوا ما فعَلوا من مصيرِهم إلى الطاغوتِ راضين بحكمِه دونَ حكمِك، جاءوك تائبين مُنيبين، فسأَلوا الله أن يَصْفَحَ لهم عن عقوبةِ ذنبِهم بتغطيتِه عليهم

(2)

، وسأَل لهم الله رسولُه صلى الله عليه وسلم مثلَ ذلك. وذلك هو معنى قولِه جلَّ ثناؤه:{فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} .

وأما قولُه: {لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} . فإنه يقولُ: لو كانوا فعَلوا ذلك فتابوا من ذنبِهم

(3)

، {لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا}. يَقُولُ: راجعًا لهم مما يَكْرَهون إلى ما يُحِبون، {رَحِيمًا} بهم في تركِه عقوبتَهم على ذنبِهم الذي تابوا منه.

وقال مجاهدٌ: عُنِى بذلك اليهوديُّ والمسلمُ اللذان تحاكَما إلى كعبِ بن الأشرفِ.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} . إلى قولِه: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} . قال: هو الرجلُ اليهوديُّ والرجلُ المسلمُ اللذان تحاكَما إلى كعبِ بن

(1)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"إياها".

(2)

في الأصل: "عليه".

(3)

في م: "ذنوبهم".

ص: 199

الأشرفِ

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يَعْنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {فَلَا} : فليس الأمرُ كما يَزْعُمون أنهم يؤمنون بما أُنْزِل إليك، وهم يحتكِمون إلى الطاغوتِ، ويَصُدُّون عنك إذا دُعُوا إليك يا محمدُ. ثم

(2)

اسْتَأْنَف القَسَمَ جلَّ ثناؤُه، فقال:{وَرَبِّكَ} يا محمدُ، {لَا يُؤْمِنُونَ}. أي: لا يُصَدِّقون بي وبك وما أنزلتُ إليك، {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}. يَقُولُ: حتى يَجْعَلُوك حكَمًا بينهَم فيما اختلَط بينَهم مِن أمورِهم، فالْتَبَس عليهم حُكْمُه.

يُقَالُ منه

(3)

: شجَر يَشْجُرُ شُجُورًا [وشَجْرًا]

(4)

، وتشاجَر القومُ، إذا اختلَفوا في الكلامِ والأمرِ، مُشاجرةً وشِجارًا.

{ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} . يقولُ: ثم لا يَجِدوا في أنفسِهم ضِيقًا مما قضَيت. وإنما معناه: ثم لا تَخْرَجُ أنفسُهم مما قضَيت. أي: لا تأْثَمُ بإنكارِها ما قضيتَ، وشكِّها في طاعتِك، وأن الذي

(5)

قضَيت به بينَهم حقٌّ لا يَجُوزُ لهم خلافُه.

(1)

تفسير مجاهد ص 286، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 993 (5556)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 180 إلى ابن المنذر.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"و".

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

سقط من: الأصل.

(5)

بعده في الأصل: "قضيته".

ص: 200

كما حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، وحدثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: حدَّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} . قال: يقولُ: شكًّا

(1)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا حكَّامٌ، عن عنبسةَ، عن محمدِ بن عبدِ الرحمنِ، عن القاسمِ بن أبي بَزَّةَ، عن مجاهدٍ في قولِه:{حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} . يَقُولُ: شكًّا.

حدَّثنا يحيى بنُ أبى طالبٍ، قال: أخبرَنا يزيدُ، قال: أخبرَنا جُوَيبرٌ، عن الضحاكِ في قولِه:{ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا} . قال: إثمًا. [وقولُه]

(2)

: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} . يقولُ: ويُسَلِّموا لقضائِك وحكمِك، إذعانًا منهم لك

(3)

بالطاعةِ، وإقرارًا لك بالنبوَّةِ تسليمًا

(4)

.

واختلَف أهلُ التأويلِ فيمَن عُنِى بهذه الآيةِ، وفيمن نزَلت؛ فقال بعضُهم: نزَلت في الزبيرِ بن العوامِ وخَصْمٍ له مِن الأنصارِ، اختصَما إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بعضِ الأمورِ.

‌ذكرُ الروايةِ بذلك

حدَّثني يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: أخبرَني يونسُ والليثُ بنُ سعدٍ، عن ابن شهابٍ، أن عروةَ بنَ الزبيرِ حدَّثه، أن عبدَ اللهِ بنَ الزبيرِ

(1)

تفسير مجاهد ص 286، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 995 (5562). وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 181 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

تفسير القرطبي 5/ 269، والدر المنثور 2/ 181.

ص: 201

حدَّثه، عن الزبيرِ بن العوامِ، أنه خاصَم رجلًا من الأنصارِ، قد شهِد بدرًا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، في شِراجٍ

(1)

مِن الحرَّةِ، كانا يَسقِيان به كلاهما النخلَ، فقال الأنصاريُّ: سرِّحِ الماءَ يَمُرُّ. فأبَى عليه، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اسْقِ يا زُبيرُ، ثم أرْسِلِ الماءَ

(2)

إلى جارِك". فغضب الأنصاريُّ وقال: يا رسولَ اللهِ، أنْ كان ابن عمَّتِك؟ فتلوَّن وجهُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "اسْقِ يا زُبَيرُ، ثم احْبِس

(3)

الماءَ

(4)

حتى يَرْجِعَ إلى الجَدْرِ". واستوعَى

(5)

رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم للزبيرِ حقَّه

(6)

. وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قبلِ ذلك أشار على الزبيرِ برأيٍ أراد فيه الشفقةَ له وللأنصاريِّ، فلما أحفَظ

(7)

رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأنصاريُّ، استَوْعَى

(8)

للزبيرِ حقَّه في صريحِ الحكمِ، قال: فقال الزبيرُ: ما أحسَبُ هذه الآية أنزِلت إلا في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية

(9)

.

(1)

الشِّراج، بالكسر جمع شَرَج، وهو مسيل الماء من الحرة إلى السهل. التاج (ش ر ج).

(2)

سقط من: الأصل، ص.

(3)

في الأصل: "احتبس".

(4)

بعده في الأصل: "ثم قال يا زبير".

(5)

استوعى: استوعب واستوفى. اللسان (و ع ى).

(6)

بعده في ص، م:"قال أبو جعفر: والصواب: استوعب".

(7)

أحفظه: أغضبه. التاج (ح ف ظ).

(8)

في م: "استوعب".

(9)

أخرجه الطحاوى في المشكل (632)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 993، 994 (5558) عن يونس بن عبد الأعلى به، وأخرجه الطحاوى في المشكل (5448) بسنده ومتنه وليس في إسناده عبد الله بن الزبير، وأخرجه النسائي (5422) عن يونس بن عبد الأعلى، والحارث بن مسكين عن ابن وهب به. وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (1021) من طريق ابن وهب به. وأخرجه الحاكم 3/ 364 من طريق ابن أخي الزهري عن الزهرى به. وأخرجه أحمد (1419)، والبخارى (2708)، والبغوى (2194) من طريق شعيب عن الزهرى عن عروة عن الزبير به (لم يذكر في إسناده عبد الله بن الزبير) وأخرجه أحمد (16116)، وعبد بن حميد (519 - منتخب)، والبخارى (2359)، ومسلم (2357)، وأبو داود (3637) والترمذى =

ص: 202

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ، عن عبدِ الرحمنِ بن إسحاقَ، عن الزهريِّ، عن عروةَ، قال: خاصَم الزبيرَ رجلٌ مِن الأنصارِ في شَرْجٍ مِن شراجِ

(1)

الحَرَّةِ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يا زُبيرُ، أَشْرِبْ ثم خلِّ سبيلَ الماءِ". فقال الذي مِن الأنصارِ [مِن بني أميةَ]

(2)

: اعْدِلْ يا نبيَّ اللهِ وإن كان ابنَ عمتِك. قال: فتَغَير وجه رسول الله حتى عُرف أن قد ساعه ما قال، ثم قال: و يا زبير، احْبِسِ الماءَ إلى الجَدْرِ - أو: إلى الكعبين - ثم خلِّ سبيلَ الماءَ". قال: ونزَلت: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}

(3)

.

حدَّثني عبدُ اللهِ بنُ عميرٍ

(4)

الرازيُّ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ، قال: ثنا سفيانُ، قال: ثنا عمرُو بنُ دينارٍ، عن سلمةَ؛ رجلٍ من ولدِ أمِّ سلمةَ، عن أمِّ سلمةَ، أن الزبيرَ خاصَم رجلًا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقضَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الزبيرِ، فقال الرجلُ لما قضَى للزبيرِ: أن كان ابن عمَّتِك؟ فأنزَل اللهُ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} . إلى: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

(5)

.

= (1363، 3027)، والنسائى (5431)، وابن ماجه (15، 2480)، والطحاوى في المشكل (633) وابن حبان (24) من طرق عن الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عبد الله بن الزبير به (ليس في إسناده الزبير) وسيأتي عن عروة مرسلًا.

(1)

في الأصل: "شرج".

(2)

سقط من: م. وبنو أمية هم بنو زيد بن قيس بن عامر بن مرة بن مالك بن الأوس، وليسوا بني أمية بن عبد شمس، فهؤلاء قرشيون. ينظر جمهرة أنساب العرب ص 345.

(3)

أخرجه يحيى بن آدم (337)، والبخارى (2361، 2362، 4585)، والبيهقى 6/ 154 من طرق عن الزهري به.

(4)

في الأصل: "عمر".

(5)

أخرجه الحميدى (300)، وسعيد بن منصور في سننه (660 - تفسير)، والطبراني في الكبير 23/ 294 (652)، والواحدى في أسباب النزول ص 122 من طريق سفيان به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 20/ 180 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 203

وقال آخَرون: بل نزَلت هذه الآيةُ في المنافقِ واليهوديِّ اللَّذَين وصَف اللهُ صفتَهما في قولِه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} .

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، وحدَّثني المثنى، قال: حدَّثنا أبو حذيفة، قال حدَّثنا شِبْلٌ، جميعًا عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} . قال: هذا الرجلُ اليهوديُّ والرجلُ المسلمُ اللذان تحاكَما إلى كعبِ بن الأشرفِ

(1)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمِ، قال: ثنا ابن عليةَ، عن داودَ، عن الشعبيِّ بنحوِه، إلا أنه قال: احتكَما

(2)

إلى الكاهنِ

(3)

.

وهذا القولُ - أعنِى قول من قال: عُنِى به المحتكِمان إلى الطاغوتِ، اللذان وصف اللهُ شأنَهما في قولِه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} - أولى بالصوابِ؛ لأن قولَه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} . في سياقِ قصةِ الذين ابتدأ اللهُ الخبرَ عنهم بقولِه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} . ولا دلالةَ تَدُلُّ على انقطاعِ قصتِهم، والحاقُ بعضِ ذلك ببعضٍ - ما لم تأْتِ دلالةٌ على

(1)

تفسير مجاهد ص 286، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 180 إلى ابن المنذر.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 180 إلى المصنف.

ص: 204

انقطاعِه، أَوْلَى.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن في الخبرِ

(1)

الذي روِى عن الزبيرِ

(2)

وابن الزبيرِ من قصتِه وقصةِ الأنصاريِّ في شِراجِ الحرَّةِ، وقولِ مَن قال في خبرِهما: فنزَلت: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} . ما يُنْبِئُ عن

(3)

انقطاعِ حكمِ هذه الآيةِ وقصتِها من قصةِ الآياتِ قبلَها، فإنه غيرُ مستحيلٍ أن تكونَ الآيةُ نزلت في قصةِ المحتِكمين إلى الطاغوتِ، ويَكُونَ فيها بيانُ حكمِ (1) ما اختصَم

(4)

فيه الزبيرُ وصاحبُه الأنصاريُّ، إذ [كان في الآيةِ دلالَةٌ]

(5)

على ذلك، وإذ كان ذلك غيرَ مستحيلٍ، فإن إلحاقَ معنى بعضِ ذلك ببعضٍ أولى، ما دام الكلامُ مُتَّسِقَةً معانيه على سياقٍ واحدٍ، إلا أن تَأْتِيَ دلالةٌ على انقطاعِ بعضِ ذلك مِن بعضٍ، فيُعْدَلَ به عن معنى ما قبلَه.

وأما قولُه: {وَيُسَلِّمُوا} . فإنه منصوبٌ عطفًا على قولِه: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ} . [نصبَه عطفًا به على قولِه]

(6)

: {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} .

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} .

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في الأصل: "أبي الزبير".

(3)

بعده في الأصل: "حكم".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"احتكم".

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"كانت الآية دالة".

(6)

سقط من: س، وفي ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"وقوله ثم لا يجدوا في أنفسهم نصب عطفا على قوله".

ص: 205

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ: يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} : ولو أنا فرَضنا على هؤلاء الذين يَزْعُمون أنهم آمنوا بما أُنْزِلَ إليك، المُحْتَكِمين إلى الطاغوتِ، أن يَقْتُلُوا أنفسَهم، وأمَرْناهم بذلك، أو أن يَخْرُجُوا مِن ديارِهم مهاجرِين منها إلى دارٍ أخرى سِواها، {مَا فَعَلُوهُ}. يقولُ: ما قتَلوا أنفسَهم بأيديهم، ولا هاجَروا مِن ديارِهم، فيخرُجوا عنها إلى اللهِ ورسولِه؛ طاعةٌ للهِ ولرسولهِ، {إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} .

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال [جماعةٌ مِن]

(1)

أهلِ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} : يهودُ، يَعْنى - [أو كلمةٌ تشبِهُها]

(1)

- والعربَ، كما أُمر أصحابُ موسى عليه السلام

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ} : كما أمِر أصحابُ موسى أن يَقْتُلَ بعضُهم بعضًا بالخناجِرِ لم يَفْعَلُوا إلا قليلٌ منهم.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المفضلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ

(1)

سقط من: م.

(2)

تفسير مجاهد ص 286 بنحوه، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 995 (5563)، وعن السيوطي في الدر المنثور 2/ 181 إلى عبد بن حميد.

ص: 206

إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}: افْتَخَر ثابتُ بنُ قيسِ بن شَمَّاسٍ ورجلٌ مِن يهودَ، فقال اليهوديُّ: واللهِ لقد

(1)

كتب اللهُ علينا أن اقْتُلُوا أنفسَكم، فقتَلْنا

(2)

أنفسَنا، فقال ثابتٌ: واللهِ لو كتَب اللهُ علينا أنِ اقتُلُوا أنفسَكم لقتَلْنا أنفسَنا. فأنزَل اللهُ في هذا: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}

(3)

.

حدَّثني المثنَّى: قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا أبو زهيرٍ، عن إسماعيلَ، عن أبي إسحاقَ السَّبِيعيِّ، قال: لما نزَلت: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} . قال رجلٌ: لو أمِرنا لفعَلنا، والحمدُ للهِ الذي عَافانا. فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"إن من أمتى لرجالًا، الإيمانُ أثْبَتُ في قلوبهم مِن الجبالِ الرُّواسي"

(4)

.

واختلَف أهلُ العربيةِ في وجهِ الرفعِ في قولِه: {إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} ؛ فكان بعضُ نحويِّى البصرةِ يَزْعُم أنه رُفِع {قَلِيلٌ} ؛ لأنه جعِل بدلًا من الأسماءِ المضمرةِ في قولِه: {مَا فَعَلُوهُ} ؛ لأن الفعلَ لهم.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: إنما رُفِع على نيةِ التكريرِ، كأنَّ معناه: ما فعَلوه، ما فعَله إلا قليلٌ منهم. كما قال عمرُو بنُ معدِيكَرِبَ

(5)

:

وكلُّ أخٍ مفارقُه أخوه

لعمْرُ أبيك إلا الفَرْقَدانِ

(6)

(1)

في الأصل: "لو".

(2)

في الأصل: "لقتلنا".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 996 (5568) من طريق أحمد بن مفضل.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 181 إلى المصنف.

(5)

ديوانه ص 181. ونسبه الآمدى إلى حضرمى بن عامر. ينظر المؤتلف والمختلف ص 116.

(6)

الفرقدان: نجمان في السماء لا يغربان، ولكنهما يطوفان بالجدى، وقيل: هما كوكبان قريبان من القطب، وقيل: هما كوكبان في بنات نعش الصغرى. التاج (ف ر ق د).

ص: 207

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أن يُقالَ: رفَع القليلَ بالمعنى الذي دلَّ عليه قولُه: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} . وذلك أن معنى الكلامِ: ولو أنا كتَبنا عليهم أن اقْتُلُوا أنفسَكم، أو اخْرُجُوا من ديارِكم، ما فعَله

(1)

إلا قليلٌ منهم. فقيل: ما فعَلوه

(2)

. على الخبرِ عن الذين مضَى ذكرُهم في قولِه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} . ثم استَثْنى القليلَ، فرُفع بالمعنى الذي ذكَرنا؛ إذ كان الفعلُ منفِيًّا عنه.

وهي في مصاحفِ أهلِ الشامِ: (ما فَعَلُوه إلا قليلًا منهم)

(3)

. وإذا قُرِئ كذلك، فلا مؤونةَ

(4)

على قارئِه في إعرابِه؛ لأنه المعروفُ مِن كلامِ العربِ، إذ كان الفعلُ مشغولًا بما فيه مِن

(5)

كنايةِ مَن قد جرَى ذكرُه، ثم استَثْنى منهم القليلَ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا

(66)}.

يَعْنى جلَّ ثناؤُه بذلك: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يَزْعُمون أنهم آمَنوا بما أُنْزِل إليك، وهم يَتَحاكَمون إلى الطاغوتِ، ويَصُدُّون عنك صُدُودًا، {فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ}. يَعْنى: ما يُذَكَّرون به مِن طاعةِ اللهِ، والانتهاءِ إلى أمرِه، {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} . في عاجلِ دنياهم وآجلِ معادِهم، {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}: وأثبتَ لهم في أمورِهم، وأقوَى

(6)

لهم عليها

(7)

. وذلك أن

(1)

في الأصل: "فعلوه".

(2)

بعده في الأصل: "على الحكم".

(3)

ينظر المصاحف ص 45. وهى قراءة ابن عامر من السبعة. ينظر حجة القراءات ص 206.

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"مرد به"، وفى س:"يرد".

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"أقوم".

(7)

في الأصل: "عليهم".

ص: 208

المنافقَ يَعْمَلُ على شكٍّ، فعَمَلُه يَذْهَبُ باطلًا، وعناؤُه

(1)

يَضْمَحِلُّ فيَصيرُ هباءً، وهو بِشَكِّه يَعْمَلُ على وناءٍ

(2)

وضعفٍ، ولو عمِل على بصيرةٍ لَاكتَسَب بعملِه أجرًا، ولكان له عندَ اللهِ ذُخرًا، وكان على عملِه الذي يَعْمَلُ أقوَى، [ولنفسِه أشدَّ]

(3)

تَثْبيتًا؛ لإيمانِه بوعدِ اللهِ على طاعتِه وعملِه الذي يَعْمَلُه

(4)

. ولذلك قال مَن قال: معنى قولِه: {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} : تصديقًا.

كما حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مفضلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} . قال: تصديقًا

(5)

.

لأنه إذا كان مصدّقا كان لنفسِه أشدَّ تثبيتًا، ولعزمِه فيه أشدَّ تصحيحًا. وهو نظيرُ قولِه جلَّ ثناؤُه:{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 265]. وقد أتَيْنا على بيان ذلك في موضعِه بما فيه الكفايةُ مِن إعادتِه

(6)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ولو أنَّهم فعَلوا ما يُوعظُون به لكان خيرًا لهم، لإيتائِنا إياهم على فعلِهم ما وُعِظوا به مِن طاعتِنا، والانتهاءِ إلى

(1)

في م: "غناؤه"، وفى س:"عتاده".

(2)

في الأصل: "رياء". والوناء ممدود ومقصور: الضعف والتعب والفترة. اللسان (و ن ى).

(3)

في م: "لنفسه وأشد".

(4)

بعده في الأصل: "له".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 996 (5569) من طريق أحمد بن مفضل به.

(6)

تقدم في 4/ 67 وما بعدها.

ص: 209

أمرِنا، {أَجْرًا}. يعنى: جزاءً وثوابًا عظيمًا، وأشدَّ تثبيتًا لعزائِمهم وآرائِهم، وأقوى لهم على أعمالِهم لِهدَايتِناهم

(1)

صراطًا مستقيمًا. يَعْنى: طريقًا لا اعْوجاجَ فيه، وهو دينُ اللهِ القيِّمُ

(2)

الذي اختارَه لعبادِه، وشرَعه لهم، وذلك الإسلامُ.

ومعنى قولِه: {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} : ولوفَّقناهم للصراطِ المستقيمِ.

ثم ذكر جلَّ ثناؤُه ما وعَد أهلَ طاعتِه وطاعةِ رسولِه عليه الصلاة والسلام مِن الكرامةِ الدائمةِ لدَيْه، والمنازِل الرفيعةِ عندَه، فقال:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} الآية.

‌القولُ في تأويلِ قوله جلَّ ثناؤه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ} بالتسليمِ لأمرِهما، وإخلاصِ الرضَا بحكمِهما، والانتهاءِ إلى أمرِهما، والانزجارِ عما نَهيا

(3)

عنه من معصيةِ اللهِ، فهو {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} بهدايتِه

(4)

والتوفيقِ لطاعتِه في الدنيا مِن أنبيائِه في

(5)

الآخرةِ إذا دخَل الجنةَ {وَالصِّدِّيقِينَ} وهم جمعُ

(6)

صدِّيقٍ.

(1)

في الأصل: "لهديناهم"، وفى م:"لهدايتنا إياهم".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"القويم".

(3)

في الأصل: "نهى"، وفى ت 1:"نهينا".

(4)

في الأصل: "لهدايته".

(5)

في م: "وفى".

(6)

في الأصل: "جميع".

ص: 210

واختلِف في معنى "الصدِّيقين"؛ فقال بعضُهم: الصدِّيقون: تُبّاعُ الأنبياءِ الذين صدَّقوهم واتَّبَعوا منهاجَهم بعدَهم حتى لحِقوا بهم، فكأنَّ الصِّدِّيقَ "فِعِّيل" - على مذهبِ قائلى هذه المقالةِ - مِن الصدقِ، كما يُقالُ: رجلٌ سِكِّيرٌ - مِن السُّكْرِ، إذا كان مُدْمِنًا على ذلك - وشِرِّيبٌ وخِمِّيرٌ.

وقال آخَرون: بل هو "فِعِّيل" مِن الصَّدَقَةِ. وقد رُوِى عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بنحوِ تأويلِ من قال ذلك خبرٌ

(1)

، وهو ما حدَّثنا به سفيانُ بنُ وكيعٍ، قال: ثنا خالدُ بن مَخْلَدٍ، عن موسى بن يعقوبَ، قال: أخبرَتنى عمَّتى قُرَيْبَةُ بنتُ عبدِ اللهِ بن وهبِ بن زَمعةَ، عن أمِّها كَرِيمةَ [بنتِ المقدادِ]

(2)

، عن ضُباعةَ

(3)

بنتِ الزبيرِ - وكانت تحتَ المقدادِ - عن المقدادِ، قال: قلتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: شيءٌ سمِعتُه منك شَكَكْتُ فيه. قال: "إذا شَكَّ أحدُكم في الأمرِ فَلْيَسْأَلْني عنه". قال: قُلْتُ: قولُك في أزواجِك: "إنى لأرْجُو لهن مِن بعديَ الصدِّيقين". قال: "مَن تَعْنون

(4)

الصدِّيقين؟ ". قلتُ: أولادُنا الذين يَهْلِكون صغارًا، قال: "لا، ولكن الصدِّيقين هم المصدِّقون"

(5)

.

وهذا خبرٌ لو كان إسنادُه صحيحًا لم نَسْتَجِزْ أن نَعْدُوه إلى غيرِه، ولكنْ

(6)

في

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في ص، ت 1:"ابنة المقدام". وينظر تهذيب الكمال 35/ 293.

(3)

في ص، ت 1:"متاعه". وينظر تهذيب الكمال 35/ 221.

(4)

في ت 1، س:"يعنون". وفي مصدرى التخريج: "تعدون".

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده (489) - ومن طريقه الطبراني 20/ 260 (613) - عن خالد به، وأخرجه الطبراني 20/ 261 (613) من طريق خالد به.

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ولو كان".

ص: 211

إسنادِه بعضُ ما فيه. فإذ كان ذلك كذلك، فالذى هو أولى بـ "الصدِّيقِ"

(1)

أن يَكُونَ معناه: المصدِّقَ

(2)

قولَه بفعلِه. إذ كان الفِعِّيلُ في كلامِ العربِ [إنما يأتى]

(3)

إذا كان مأخوذًا من الفعلِ بمعنى المبالغةِ، إما في المدحِ وإما في الذمِّ، ومنه قولُه جلَّ ثناؤُهُ في صفةِ مريمَ:{وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} [المائدة: 75]. وإذا

(4)

كان معنى ذلك ما وصَفنا، كان داخلًا من كان موصوفًا بما قُلْنا في صفةِ المُتصدِّقين والمصدِّقين

(5)

.

{وَالشُّهَدَاءِ} . وهم جمعُ شهيدٍ: وهو المقتولُ في سبيلِ اللهِ، سمِّى بذلك لقيامِه بشهادةِ الحقِّ في جنبِ اللهِ حتى قُتِل، {وَالصَّالِحِينَ} وهم جمعُ صالحٍ، وهو كلُّ مَن

(6)

صلُحت سريرتُه وعلانِيَتُه.

وأما قولُه جلَّ ثناؤُه: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} . فإنه يَعْنى: وحسُن هؤلاء الذين نعتُّهم ووصَفْتُهم

(7)

رفقاءَ في الجنةِ. والرفيقُ في لفظِ واحدٍ

(8)

، بما الجميعِ

(9)

، كما قال الشاعرُ

(10)

:

دَعَوْنَ

(11)

الهَوَى ثم ارْتَمَيْن قلوبَنا

بأسْهُمِ أعداءٍ وهن صديقُ

(1)

في الأصل: "بالتصديق".

(2)

في الأصل: "المتصدق".

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

في الأصل: "إنما"، وفى س:"إن".

(5)

بعده في س: "به والصديقين".

(6)

في الأصل: "ما".

(7)

في ص، م:"وصفهم".

(8)

في م: "الواحد".

(9)

في الأصل: "الجمع".

(10)

هو جرير بن عطية، والبيت في ديوانه 1/ 372.

(11)

في م: "نصبن".

ص: 212

بمعنى: وهنّ صدائقُ.

وأما نصبُ الرفيق فإن أهلَ العربيةِ مختلفون فيه، فكان بعضُ نحويِّى البصرةِ يَرَى أنه منصوبٌ على الحالِ، ويَقُولُ: هو كقولِ القائلِ

(1)

: كرُم زيدٌ رجلًا. ويَعْدِلُ به عن معنى: نِعم الرجلُ، ويَقُولُ: إنّ "نِعمَ

(2)

"، لا تقَعُ إلا على اسمٍ فيه ألفٌ ولامٌ أو على نكرةٍ. وكان بعضُ نحويِّى الكوفةِ يَرَى أنه منصوبٌ على التفسيرِ

(3)

، ويُنْكِرُ أن يَكُونَ حالًا، ويَسْتَشْهِدُ على ذلك بأن العربَ تَقولُ: كرُم زيدٌ مِن رجلٍ، وحسُن أولئك مِن رفقاءَ. وأن دخولَ "مِن" دَلالةٌ على أن الرفيقَ مُفَسِّرُه، قال: وحُكِى عن العربِ: نَعِمتم رجالًا. فدلَّ

(4)

على أن ذلك نظيرُ قولِه: وحَسُنتم رُفَقاءَ. وهذا القولُ أولى بالصوابِ؛ للعلةِ التي ذكرناها لقائِليه. وقد ذكِر

(5)

أن هذه الآيةَ نزَلت؛ لأن قومًا

(6)

حزِنوا على فقدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حذَرًا أن لا يَرَوْه في الآخرةِ.

‌ذكرُ الروايةِ بذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ القُمِّيُّ، عن جعفرِ بن أبى المغيرةِ، عن سعيدِ ابن جبيرٍ، قال: جاء رجلٌ من الأنصارِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو، وهو محزونٌ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"يا فلانُ، ما لي أرَاك محزونًا؟ " قال: يا نبيَّ اللهِ، شيءٌ فكرتُ فيه. فقال:"ما هو؟ " قال: نحن نَغْدُو عليك ونَرُوحُ، نَنظُرُ في وجهِك ونُجالسُك، غدًا تُرفَعُ مع النبيين فلا نَصِلُ إليك. فلم يَرُدُّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم شيئًا، فأتاه

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"الرجل".

(2)

بعده في الأصل: "الرجل".

(3)

هو التمييز. وقد تقدم مرارًا.

(4)

في الأصل: "يدل".

(5)

في ص، ت 1، ت 2:"وذكرنا".

(6)

في ص، ت 1، ت 2:"قوله".

ص: 213

جبريلُ بهذه الآيةِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} قال: فبعَث النبيُّ صلى الله عليه وسلم

(1)

فبشَّره

(2)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن أبي الضُّحَى، عن مسروقٍ، قال: قال أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ اللهِ ما يَنْبَغِي لنا أن نُفَارِقَك في الدنيا، فإنك لو قد مِتَّ رُفِعت فوقَنا فلم نَرَك. فأنزَل اللهُ:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}

(3)

.

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} : ذكِر لنا أن رجالًا قالوا: هذا

(4)

نبيُّ اللهِ نراه

(5)

في الدنيا، فأما في الآخرةِ [فيُرْفعُ بفضلِه]

(6)

، فلا نَراه (5)، فأنزَل اللهُ:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}

(7)

.

(1)

بعده في الأصل: "فيه".

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 310 نقلا عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 182 إلى المصنف.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 997 (5577) من طريق جرير به، والواحدى في أسباب النزول صفحة 122، 123 من طريق منصور به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 182 إلى عبد بن حميد.

(4)

بعده في ت 1، ت 2، ت 3، س:"يا".

(5)

في س: "نراك".

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"فيرفع". وفى س: "ترفع"، وفي الدر المنثور كرواية الأصل.

وفى أسباب النزول: "فإنك ترفع عنا بفضلك".

(7)

أخرجه الواحدى في أسباب النزول ص 123 من طريق سعيد به. وروايته كرواية "س" بكاف =

ص: 214

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ

(1)

بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السدِّيِّ:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} . قال: قال ناسٌ مِن الأنصارِ: يا رسولَ اللهِ، إذا أدخَلك اللهُ الجنةَ، فكنت في أعلاها ونحن نَشْتاقُ إليك، فكيف نَصْنَعُ؟ فأنزَل اللهُ:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ}

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال:[ثنا إسحاقُ، قال]

(3)

: ثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ قولَه:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} الآية. قال: إن أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالوا: قد علمنا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم له فضلٌ

(4)

على مَن آمَن به في درجاتِ الجنةِ

(5)

ممن اتَّبعه وصدَّقه، فكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنةِ أن يَرَى بعضُهم بعضًا؟ فأنزَل اللهُ في ذلك. فقال

(6)

: "إن الأعلَين يَنْحَدِرون إلى مَن هو

(7)

أسفلَ منهم

(8)

، فيَجتَمِعون في رِياضِها فيذْكرون ما أنعمَ اللهُ عليهم ويُثْنُون عليه، [ويَنْزِلُ لهم]

(9)

أهلُ الدرجاتِ فيَسْعَون

(10)

عليهم بما

(11)

= المخاطب. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 182 إلى عبد بن حميد وابن المنذر كرواية الأصل وباقي النسخ بهاء الغائب.

(1)

في الأصل: "محمد".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 182 إلى المصنف.

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

في ص، ت 1، س:"فضله".

(5)

في ص، ت 1:"الجنات".

(6)

أي النبي صلى الله عليه وسلم، وينظر مصدر التخريج.

(7)

في ص، م، ت 2، ت 3:"هم".

(8)

سقط من: الأصل، م، ت 1، ت 2.

(9)

في الأصل، ص، ت 1:"وينزلهم"، وينظر تفسير ابن كثير.

(10)

في س: "فيتمنون".

(11)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ما". وينظر تفسير ابن كثير.

ص: 215

يَشْتَهون، وما يَدْعُون به، فهم في روضةٍ يُخبَرون ويَتَنعَّمون فيه"

(1)

.

[حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: حدَّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن عامرٍ، قال: جاء رجلٌ من الأنصارِ إلى النبيِّ عليه السلام، وهو يبكى، فقال:"ما يبكيك يا فلانُ؟ " قال: يا نبيَّ اللهِ، والذي لا إلهَ إلا هو لأنتَ أحبُّ إليَّ من أهلي ومالي، واللهِ الذي لا إله إلا هو لأنت أحبُّ إليَّ من نفسى وأبى، نذكُرُك أنا وأهلى فيأخذُنى الجُنونُ حتى أتألمَ، فذكرتُ موتَك وموتى، فعَرفتُ أنى لن أجامعَك إلا في الدنيا، وأنك تُرفَعُ مع الشرفِ، وعرَفتُ أنى إن أُدخِلتُ الجنةَ كنتُ في منزلٍ أَدْنَى من مَنزِلِك. فلم يردَّ النبيُّ عليه السلام شيئًا، فأنزَل اللهُ جلَّ ثناؤه:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} الآية

(2)

]

(3)

.

وأما قولُه جلَّ ثناؤه: {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} . [فإنه يقولُ: كونُ من أطاع الله والرسولَ مع الذين أنعمَ اللهُ عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداءِ والصالحينَ، الفضلُ من اللهِ]

(4)

. يَقُولُ: ذلك عطاءُ اللهِ إياهم وفضلُه عليهم، لا باستيجابِهم

(5)

ذلك لسابقةٍ سبَقت لهم.

(1)

في الأصل: "فيها".

والأثر ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 310 نقلا عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 182 إلى المصنف مختصرًا إلى قوله:"يثنون عليه".

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (661 - تفسير)، من طريق عطاء بن السائب به نحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 182 إلى ابن المنذر.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س. وقد ذكر هذا الأثر ابن كثير في تفسيره 2/ 311 عن عطاء، عن عامر، عن ابن عباس. ثم قال: وقد رواه ابن جرير، عن ابن حميد، عن جرير، عن عطاء، الشعبي، مرسلًا. وينظر تخريجه في الحاشية التالية.

(4)

سقط من: الأصل، س.

(5)

في الأصل، س:"باستحقاقهم".

ص: 216

فإن قال قائلٌ: أوَ ليس بالطاعةِ وصَلوا [إلى ما وصَلوا]

(1)

إليه من فضلِه؟ قيل له: إنهم لم يُطِيعوه في الدنيا إلا بفضلِه

(2)

الذي تَفَضَّل به عليهم، فهَداهم به لطاعتِه، فكلُّ ذلك فضلٌ منه تعالى ذكرُه.

وقولُه تعالى ذكرُه: {وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} يَقُولُ: وحَسْبُ العبادِ باللهِ الذي خلقَهم عليمًا بطاعةِ المطيعِ منهم ومعصيةِ العاصى، فإنه لا يَخْفَى عليه شيءٌ مِن ذلك، ولكنه يُحْصِيه عليهم ويَحْفَظُه عليهم حتى يُجازِى جميعَهم جزاءَه

(3)

؛ المحسنَ

(4)

منهم بالإحسانِ، والمسيءَ منهم بالإساءةِ، و

(5)

يعْفوَ عمن شاء مِن أهلِ التوحيدِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} : صدَّقوا الله ورسولَه {خُذُوا حِذْرَكُمْ} : خذوا جُنَّتَكم وأسلحتَكم التي تَتَّقون بها من عدوِّكم، لغَزْوِهم وحربِهم، فانِفروا إليهم ثُباتٍ، وهي جمعُ ثُبةٍ، والثُّبةُ: العُصْبةُ. ومَعْنى الكلامِ: فانفِروا إلى عدوِّكم جماعةً بعد جماعةٍ مُتَسلِّحِين. ومن الثُّبَةِ قولُ زُهَيرِ بن أبي سلمى

(6)

:

وقد أغْدُو

(7)

على [ثُبَةٍ كرامٍ]

(8)

نَشَاوَى واجِدين لما نشاءُ

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

في ص: تفضله.

(3)

في م: "فيجزي".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"المحسنين".

(5)

في الأصل: "أو".

(6)

شرح ديوان زهير صفحة 72.

(7)

في ص، ت 1:"أعدوا".

(8)

الرواية في شرح الديوان: "شرب كرام".

ص: 217

وقد يُجمَعُ الثبةُ [على ثُبِين]

(1)

.

{أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} يَقُولُ: أو انفِروا جميعًا مع نبيِّكم صلى الله عليه وسلم لقتالِهم.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: حدَّثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} . يَقُولُ: عُصَبًا. يَعْنى: سرايا مُتَفرِّقين. {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} . يَعْنى: كلَّكم

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} . قال: فِرَقًا قليلًا

(3)

.

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} . قال: الثُّبَاتُ: الفِرَقُ

(4)

.

حدَّثنا الحسنُ

(5)

بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ

(6)

، عن قتادةَ مثلَه

(7)

.

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3. وفي س:"به جميعًا".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 998، 999 (5583، 5584) من طريق عبد الله بن صالح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 183 إلى ابن المنذر.

(3)

بعده في الأصل، ص، م، ت 2:"قليلًا". وليس هذا التكرار في مصدري التخريج. والأثر في تفسير مجاهد ص 286 بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 183 إلى عبد بن حميد.

(4)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 998 عقب الأثر (5583) معلقا.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"الحسين".

(6)

في الأصل: "عمرو".

(7)

سقط من: ص.

ص: 218

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مفضلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السدِّيِّ:{فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} : يعني

(1)

: العصبةُ، وهى الثُّبَةُ. {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ}: مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(2)

.

حُدِّثتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعت أبا معاذٍ، يَقُولُ: أخبرَنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعت الضَّحّاكَ يَقُولُ في قولِه: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} : يَعْنى: عُصبًا مُتَفَرِّقينَ

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: وهذا نعتٌ مِن اللهِ جلَّ ثناؤه للمنافقين، نعَتهم لنبيِّه صلى الله عليه وسلم وأصحابِه، ووصَفهم بصفتِهم، فقال:{وَإِنَّ مِنْكُمْ} . أَيُّها المؤمنون، يَعْنى: من عِدادِكم وقومِكم، ومَن تَشبَّه بكم، ويُظْهِرُ أنه مِن أهلِ دعوتِكم ومِلَّتِكم، وهو منافقٌ يُبَطِّئُ مَن أطاعه منكم عن جهادٍ عدوِّكم وقتالِهم إذا أنتم نفَرتم إليهم. {فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ}. يَقُولُ: فإن أصابتَكم هزيمةٌ، أو نالَكم قتلٌ أو جِراحٌ مِن عدوِّكم، قال: قد أنعَم اللهُ عليَّ إذ لم أَكُنْ معهم شاهدًا

(4)

، فيُصيبَني جراحٌ أو ألمٌ أو قتلٌ، وسرَّه

(5)

تَخَلُّفُه عنكم شماتة بكم؛ لأنه من أهل الشك في وعدِ اللهِ الذي وعَد المؤمنين - على ما نالَهم في سبيلِه - من الأجرِ والثوابِ، وفى وَعيدِه،

(1)

في ص، م:"فهى".

(2)

أخرج ابن أبي حاتم شطره الأول في تفسيره 3/ 998 عقب الأثر (5583) من طريق عمرو بن حماد به، وأخرج شطره الثاني في 3/ 999 (5586) من طريق أحمد بن مفضل به.

(3)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 998 عقب الأثر (5583) معلقا.

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"شهيدًا".

(5)

في الأصل: "شده".

ص: 219

فهو غيرُ

(1)

راجٍ ثوابًا ولا خائفٍ عقابًا.

وبنحوِ الذي قُلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثنا عيسى، وحدَّثني المثنى، قال: حدَّثنا أبو حذيفةَ، قال: حدَّثنا شبلٌ، جميعًا عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} . إلى قوله: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} : ما بينَ ذلك في المنافقين

(2)

.

حدَّثنا [بشرُ بنُ معاذٍ]

(3)

، قال: ثنا يزيدُ، قال: حدَّثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} : عن الجهادِ والغزوِ في سبيلِ اللهِ، {فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا}. قال: هذا قولُ مكذِّبٍ

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: المنافقُ يُبَطِّئُ المسلمين عن الجهادِ في سبيلِ اللهِ، قال اللهُ:{فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} . قال: بقتلِ العدوِّ مِن المسلمين. {قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ

(1)

سقط من: الأصل، ت 2.

(2)

تفسير مجاهد ص 286، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 999 (5587) - مختصرا - وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 183 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

في الأصل: "المثنى".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 999 (5590) من طريق يزيد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 183 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 220

شَهِيدًا}. قال: هذا قولُ الشامتِ

(1)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} . قال: هزيمةٌ.

ودخَلتِ اللامُ في قوله: {لَمَنْ} . وفتِحت؛ لأنها اللامُ التي تَدْخُلُ توكيدًا للخبرِ مع "إنّ"، كقولِ القائلِ: إِنَّ في الدارِ لمن يُكْرِمُك. وأما اللامُ الثانيةُ التي في {لَيُبَطِّئَنَّ} فدخَلت الجوابِ القَسَمِ، كأن معنى الكلامِ: وإن منكم أيُّها القومُ لمن واللهِ ليُبَطِّئَنَّ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَقُولُ جلَّ ثناؤُه: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ} . ولئِنْ أظْفَرَكم اللهُ بعدوِّكم، فأصَبْتم منهم

(2)

غَنيمةً، {لَيَقُولَنَّ} . هذا المُبَطِّئُ المسلمين عن الجهادِ معكم في سبيلِ اللهِ، [مِن المنافقين]

(3)

- {كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} -: {يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} ؛ بما أُصِيبُ معهم مِن الغنيمةِ، {فَوْزًا عَظِيمًا} .

وهذا خبرٌ مِن الله تعالى ذكرُه عن هؤلاء المنافقين أن شُهودَهم الحربَ مع المسلمين - إن شهِدوها - لطلبِ الغنيمةِ، وإن تَخَلَّفوا عنها فللشكِّ

(4)

الذي

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 183 إلى المصنف وابن المنذر. وستأتي بقيته في الصفحة التالية.

(2)

في الأصل: "منه".

(3)

في ص: "المنافقين". وفى، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"المنافق".

(4)

في الأصل: "فالشدة".

ص: 221

في قلوبِهم، وأنهم لا يَرْجون بحضورِها

(1)

ثوابًا، ولا يَخافون بالتخلف عنها مِن اللهِ عقابًا.

وكان قتادةُ وابنُ جريجٍ يقولان: إنما قال من قال مِن المنافقين، إذا كان الظَّفَرُ للمسلمين: يا ليتنى كنتُ معهم. حَسَدًا منهم لهم.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} . قال: قولُ حاسدٍ

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قولَه:{وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ} . قال: ظُهورُ المسلمين على عدوِّهم، فأصابوا الغنيمةَ؛ ليقولَنّ:{يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} . قال: قولُ الحاسدِ

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: وهذا حضٌّ مِن اللهِ جل ثناؤه المؤمنين على جهاد عدوِّه مِن أهلِ الكفرِ به على أحايينِهم

(4)

- غالبين كانوا أو مَغْلُوبين -، والتهاونِ

(1)

في ص، م:"لحضورها".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1000 (5596) من طريق يزيد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 183 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

تقدم أوله في ص 220.

(4)

في الأصل: "كل أحد".

ص: 222

بأحوالِ المنافقين في جهادِ مَن جاهدوا من المشركين؛ وقَع

(1)

جهادُهم [أعداءَ اللهِ وأعداءَهم بالمسرَّةِ فيهم أو بالمَساءةِ؛ لأنّهم في جهادِهم]

(2)

إياهم - مغلوبِين كانوا أو غالِبين - بمنزلةٍ مِن اللهِ رفيعةٍ.

يَقُول اللهُ جلَّ ثناؤُه لهم: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} . يَعْنى: في دينِ اللهِ والدعاءِ إليه، والدخولِ فيما أمَر به أهلَ الكفرِ به. {الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ}. يَعْنى: الذين يبيعون

(3)

حياتَهم الدنيا بثوابِ الآخرةِ، وما وعَد اللهُ أهلَ طاعتِه فيها

(4)

. وبيعُهم إياها بها: إنفاقُهم أموالَهم في طلبِ رضا اللهِ؛ بجهادِ

(5)

مَن أمر بجهادِهم مِن أعدائِه وأعداءِ دينِه، وبذلُهم

(6)

مُهَجَهم له في ذلك، ثم

(7)

أخبَر جلَّ ثناؤُه بما لهم في ذلك إذا فعَلوه، فقال:{وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} . يَقُولُ: ومَن يُقاتِلْ في طلبِ إقامةِ دينِ اللهِ، وإعلاءِ كلمةِ اللهِ أعداءَ اللهِ، {فَلْيُقَاتِلْ}. يَقُولُ: فيَقْتُلُه أَعداءُ اللهِ أو يَغْلِبْهم، فيَظْفَرُ بهم {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}. يَقُولُ: فسوف نُعطيه في الآخرةِ ثوابًا وأجرًا

(8)

عظيمًا. وليس لما سمَّى اللهُ: "عظيمًا". مقدارٌ يَعْرِفُ مَبْلَغَه عبادُ اللهِ، وقد دلَّلنا فيما مضى على أن الأغلبَ على معنى "شَرَيت" في كلامِ

(1)

في الأصل: "ومع".

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

في الأصل: "يبتاعون".

(4)

في الأصل: "منها".

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"كجهاد".

(6)

في الأصل: "بذله".

(7)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(8)

في الأصل: "جزاء".

ص: 223

العرب: "بِعْت" بما أغنى

(1)

.

وقد حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بن مفضل، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ في قولِه:{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} . يَقُولُ: يَبِيعون الحياةَ الدنيا بالآخرةِ

(2)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} : يَشْرِى: يَبيعُ، ويَشْرِى: يَأْخُذُ، فَأَخبَر

(3)

أَنّ الحمقى باعوا [الآخرةَ بالدنيا]

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)} .

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وما لكم أيُّها المؤمنون لا تُقاتِلون في سبيل اللهِ، وفى {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ}. يَقُولُ: وعن المستَضْعَفين منكم مِن الرجالِ والنساء والوِلدان؛ فأما {مِنَ الرِّجَالِ} فإنهم كانوا قد أسلَموا بمكةَ فغَلبتهم عشائرُهم على أنفسهم بالقَهْرِ

(5)

لهم، وآذَوهم ونالوهم بالعذابِ والمكارِه في أبدانِهم؛ ليَفْتِنُوهم عن دينِهم، فحض اللهُ المؤمنين على استِنْقاذِهم من أيدى مَن قد غلَبَهم على أنفسهم مِن الكفارِ، فقال لهم: وما شأنُكم لا تقاتِلون في سبيلِ اللهِ، وعن مستَضْعَفى أهلِ

(1)

تقدم في 2/ 247، 248.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1001 (5602) من طريق أحمد بن مفضل به.

(3)

في ص، م:"و".

(4)

في م: "الدنيا بالآخرة". وينظر التبيان 3/ 257.

(5)

في الأصل: "بالغمة".

ص: 224

دينِكم وملَّتِكم الذين استضَعَفَهم الكفارُ، فاستذَلُّوهم ابتغاءَ فتنتِهم وصَدِّهم

(1)

عن دينِهم من الرجالِ والنساءِ والولدانِ - جمعُ وَلَدٍ: وهم الصِّبيانُ - {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} . يَعْنى بذلك أن هؤلاء المستَضْعَفين مِن الرجالِ والنساءِ والوِلدانِ يقولون في دعائِهم ربَّهم، بأن يُنْجِيَهم مِن فتنةِ من قد استضْعَفَهم من المشركين: يا ربَّنا، أخرِجْنا من هذه القريةِ. والعربُ تسمى كلَّ مدينةٍ قريةً. {الظَّالِمِ أَهْلُهَا}. يعنى: التي قد ظلمتنا وأنفسها أهلُها، وهى

(2)

في هذا الموضعِ - فيما فسَّر أهلُ التأويلِ - مكةُ.

وخُفِض {الظَّالِمِ} ؛ لأنه مِن صفةِ الأهلِ، وقد عادَت الهاءُ والألفُ اللتان فيه على القرية، وكذلك تَفْعَلُ العربُ: إذا تَقَدَّمت صفةُ الاسمِ الذي معه كنايةٌ

(3)

لاسمٍ قبلَها، أتبعتْ إعرابَها إعرابَ الاسمِ الذي قبلَها، كأنها صفةٌ له، فتَقُولُ: مرَرْتُ بالرجلِ الكريمِ أبوه. {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} . يعنى أنهم يَقُولون أيضًا ذلك في دعائِهم: يا ربَّنا، واجْعَلْ لنا مِن عندِك وليًّا، يَلِى أمرَنا بالكفايةِ مما نحن فيه مِن فتنةِ أهلِ الكفرِ بك {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا}. يعنى: ويَقُولون: واجْعَلْ لَنَا مِن عِندِكَ مَن يَنْصُرُنا على مَن ظلَمَنا من أهلِ هذه القريةِ الظالمِ أهلُها بصدِّهم إيانا عن سبيلِك، حتى تُظْفِرَنا بهم وتُعلى دينَك.

وبنحوِ الذي قُلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

(1)

في الأصل: "بعدهم".

(2)

في ص، ت 1، س:"هم".

(3)

في ص، ت 1، ت 2:"عادر"، وفى م، ت 2:"عائد". وفي س: "الذي عاد".

ص: 225

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد في قولِ اللهِ جل ثناؤه:{مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} . قال: أمَر المؤمنين

(1)

أن يُقاتِلوا عن مستضعفي المؤمنين كانوا بمكةَ

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ

(3)

الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا}: مكةُ، أُمِر المؤمنون أن يُقاتِلوا عن [مستَضْعَفين مؤمنين]

(4)

كانوا بمكةَ.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مفضلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} يقولُ: وما لكم لا تقاتلون في سبيلِ اللهِ وفى المستَضْعَفِين. فأما القريةُ: فمكةُ

(5)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سويدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبَرنا ابن

(6)

المباركِ، عن عثمان

(1)

في الأصل: "المؤمنون".

(2)

تفسير مجاهد ص 286، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1002 (5610)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 183 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2 ت 3:"الصبيان"، وبعده في س:"الضعفاء".

(4)

في الأصل: "مستضعفى مؤمنين"، وفى س:"مستضعفى المؤمنين".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1002 عقب الأثر (5614) من طريق أسباط به مختصرًا.

(6)

سقط من: م.

ص: 226

ابن عطاءٍ، عن أبيه، عن ابن عباسٍ في قولِه:{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} قال: وفى المستَضْعَفِين

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: أخبَرني عبدُ اللهِ بنُ كَثيرٍ، أنه سمِع محمدَ بنَ مسلمِ بن شهابٍ يَقُولُ:{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} . قال: في سبيلِ اللهِ، وفى سبيلِ المستَضْعَفين

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ

(3)

بن يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: حدَّثنا معمرٌ، عن الحسنِ وقتادةَ في قولِه:{أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} قالا: خرَج رجلٌ

(4)

من القريةِ الظالمةِ إلى القريةِ الصالحةِ، فأَدْرَكَه الموتُ في الطريقِ، فناء

(5)

بصدرِه إلى القريةِ الصالحةِ، [قالا: فمَا تلافاه إلا ذلك]

(6)

، فاحْتَجَّتْ فيه ملائكةُ الرحمةِ وملائكةُ العذابٍ، فأُمِروا أن يُقَدِّروا أقربَ القريتَين إليه، فوجَدوه أقربَ إلى القريةِ الصالحةِ بشبرٍ

(7)

، وقال بعضُهم: قرَّب اللهُ إليه القريةَ الصالحةَ، فتَوَفَّتْه ملائكةُ الرحمةِ

(8)

.

(1)

الجهاد لابن المبارك (74).

(2)

ينظر تفسير البغوي 2/ 250.

(3)

في ص: "الحسين".

(4)

سقط من: الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

في الأصل وتفسير عبد الرزاق: "ناء". وناء بصدره: أي نهض. ويحتمل أنه بمعنى نأي، أي بعد. يقال: ناء ونأى بمعنًى - النهاية 5/ 123.

(6)

سقط من: م. وفى ت 1، ت 2:"قالا: من ما تلاقاه إلا ذلك".

(7)

في الأصل: "بيسير".

(8)

تفسير عبد الرزاق 1/ 166، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1003 (5615) عن الحسن بن يحيى به.

ص: 227

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمِّي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} : هم أناسٌ مسلمون كانوا بمكةَ لا يَسْتَطِيعون أن يخرُجُوا منها فيُهاجِروا

(2)

، فعذَرهم اللهُ، [فهم أولئك]

(3)

. قولُه: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} : فهى مكةُ

(4)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} . قال: وما لكم لا تَفْعَلون؛ تُقاتِلون، [وهؤلاء]

(5)

الضعفاءُ المساكينُ

(6)

يَدْعُون الله بأن يُخْرِجَهم من هذه القريةِ الظالم أهلُها، وهم

(7)

ليس لهم قوةٌ، فما لكم لا تُقاتِلون حتى يُسَلِّمَ اللهُ

(8)

هؤلاء ودينَهم، قال: والقريةُ الظالمُ أهلُها: مكةُ

(9)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)} .

(2)

في م: "ليهاجروا".

(3)

في م: "وفيهم نزل".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1002 (5612) عن محمد بن سعد به.

(5)

في م: "لهؤلاء".

(6)

بعده في م: "الذين".

(7)

في ص، م:"فهم".

(8)

في م: "لله".

(9)

ينظر التبيان 3/ 259.

ص: 228

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى تعالى ذكرُه بذلك: الذين صدَّقوا الله ورسولَه، وأيْقَنوا بمَوْعودِ اللهِ لأهلِ الإيمانِ به {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. يَقُولُ: في طاعةِ اللهِ ومِنهاجِ دينِه وشريعتِه التي شرَعها لعبادِه، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}. يَقُولُ: والذين جحَدوا وَحدانيةَ اللهِ، وكذَّبوا رسولَه

(1)

وما جاءهم به مِن عندِ ربِّهم، {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}. يَعْنى: في طاعةِ الشيطانِ وطريقِه ومنهاجِه الذي شرَعه لأوليائِه مِن أهلِ الكفرِ به. يقولُ اللهُ جل ثناؤه مُقوِّيًا عزْمَ المؤمنين به مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ومُحرِّضَهم على أعدائِه وأعداءِ دينِه مِن أهلِ الشركِ:{فَقَاتِلُوا} أيُّها المؤمنون {أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ} . يَعْنى بذلك: الذين يَتَولُّونه، ويُطِيعون أمرَه في خلافِ طاعةِ اللهِ، والتكذيبِ به، ويَنْصُرُونه

(2)

{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} . يَعْنى بكيدِه: ما كاد به المؤمنين مِن تحزيبِه أولياءَه مِن الكفارِ باللهِ على رسولِه وأوليائِه مِن

(3)

أهلِ

(4)

الإيمانِ به. يقولُ: فلا تهابُوا أولياءَ الشيطانِ، فإنما هم حِزْبُه، وأنصارُه، وحزبُ الشيطانِ أهلُ وَهَنٍ وضَعْفِ. وإنما وصَفهم اللهُ جلَّ ثناؤُه بالضعفِ؛ لأنهم لا يُقاتلِون رجاءَ ثوابٍ

(5)

، ولا يَتْرُكُون القتالَ خوفَ عقابٍ، وإنما يُقَاتِلون حمِيَّةً أو حسَدًا للمؤمنين على ما آتاهم اللهُ مِن فضلِه، والمؤمنون يُقاتِلُ مَن قاتَل منهم رجاءَ العظيمِ مِن ثوابِ اللهِ، ويَتْرُكُ القتالَ - إن تَرَكَه - على خوفٍ مِن وعيدِ اللهِ في تَرْكِه، فهو يُقاتِلُ على بصيرةٍ بما له عندَ اللهِ إن قُتِل، وبما له من الغنيمةِ والظَّفَرِ إن سَلِم، والكافرُ يُقاتِلُ على حَذَرٍ مِن القَتْلِ،

(1)

في الأصل: "رسله".

(2)

في الأصل: "يقصِّرونه".

(3)

سقط من: م.

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

بعده في الأصل: "الله".

ص: 229

وإياسٍ مِن مَعادٍ، فهو ذو ضَعْفٍ وخَوْفٍ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} .

ذُكِر

(1)

أن هذه الآيةَ نزَلت في قومٍ مِن أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كانو قد آمَنوا به وصدَّقوه قبلَ أن يُفْرَضَ عليهم الجهادُ

(2)

، وقد فُرِض عليهم الصلاةُ والزكاةُ، وكانوا يَسْأَلُون الله أن يَفْرِضَ عليهم القتالَ، فلما فُرض عليهم القتالُ شَقَّ عليهم ذلك، وقالوا ما أخبَر اللهُ عنهم في كتابِه.

فتأويلُ قولِه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} : ألم تَرَ بقلبِك يا محمدُ، فتَعْلَمَ، إلى الذين قيل لهم مِن أصحابِك حين سأَلوك أن

(3)

تَسْأَلَ ربَّك أن يَفْرِضَ عليهم القتال: كُفُّوا أيديَكم؛ فأمْسِكُوها عن قتالِ المشركين وحربِهم، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}. يَقُولُ: وأدُّوا الصلاةَ التي فرَضها اللهُ

(4)

بحدودِها، {وَآتُوا الزَّكَاةَ}. يَقُولُ: وأعطُوا الزكاةَ أهلَها الذين جعَلها اللهُ لهم مِن أموالِكم تطهيرًا لأبدانكم وأموالِكم، كرِهوا ما أُمِروا به مِن كفِّ الأيدى عن قتالِ المشركين، وشَقَّ

(5)

ذلك عليهم، {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ}. يَقُولُ: فلما فُرض عليهم القتالُ

(1)

في الأصل: "ذكروا".

(2)

زيادة من: م.

(3)

في الأصل: "ألم".

(4)

بعده في ص: "عليهم". وفى م: "عليكم".

(5)

في الأصل: "فشق".

ص: 230

الذي كانوا سألوا أن يُفْرَضَ عليهم {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ} ، يَعْنى: جماعةٌ منهم، {يَخْشَوْنَ النَّاسَ}. يَقُولُ: يَخافون الناسَ أن يُقاتِلوهم، {كَخَشْيَةِ اللَّهِ} . [كخوفِهم الله]

(1)

{أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} أو أشدَّ خوفًا. {وَقَالُوا} جَزَعًا مِن القتالِ الذي فرَض اللهُ عليهم: {لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ} : لم فرَضْتَ علينا القتالَ؟ رُكونًا منهم إلى الدنيا، وإيثارًا للدَّعَةِ فيها [والخَفض، على]

(2)

مكروهِ لقاءِ العدوِّ، ومشقَّةِ حربِهم وقتالِهم. {لَوْلَا أَخَّرْتَنَا}: يخبِرُ عنهم أنهم

(3)

قالوا: هلَّا أخَّرْتَنا {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} يَعْنى: إلى أن يَمُوتوا على فُرُشِهم وفي منازِلِهم.

وبنحوِ الذي قُلْنا في أنّ هذه الآيةَ نزَلت فيه، قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ الآثارِ بذلك، والروايةِ عمَّن قاله

حدَّثنا محمدُ بنُ عليٍّ بن الحسن

(4)

بن شقيقٍ، قال: سمعت أبي، قال: أخبرَنا الحسين بنُ واقدٍ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، أن عبدَ الرحمنِ بنَ عوف وأصحابًا له، أتَوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسولَ اللهِ، كنا في عزٍّ

(5)

ونحن مشركون، فلما آمَنّا صِرْنا أذلةً. فقال:"إنّى أُمِرْتُ بالعَفوِ فلا تقاتِلوا". فلما حوَّله اللهُ إلى المدينةِ أُمِر بالقتالِ فكَفُّوا، فأنْزَل اللهُ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} الآية

(6)

.

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3 س:"والحفظ على". وفى م: "والحفظ عن". والخفض: لين العيش وسعته. اللسان (خ ف ض).

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

في النسخ: "الحسين". وصوبناه من كتب الرجال ومصادر التخريج، وينظر تهذيب الكمال 26/ 134.

(5)

في الأصل: "عزة". وتنظر مصادر التخريج.

(6)

أخرجه النسائي (3086)، والواحدى في أسباب النزول ص 124، عن محمد بن علي بن الحسن به. =

ص: 231

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمةَ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} : عن الناسِ، {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ}: نزلت في أناسٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قال ابن جريجٍ: وقولُه: {وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} . قال: إلى أن يموتَ

(1)

موتًا هو الأجلُ القريبُ

(2)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} . فقرَأ حتى بلغَ: {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أناسٌ مِن أصحاب رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو يومَئذٍ بمكةَ قبلَ الهجرة - تَسَرَّعوا إلى القتالِ [وسارعوا إليه]

(3)

، فقالوا لنبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ذَرْنا تَتَّخِذْ مَعاوِلَ فتُقاتِل بها المشركين بمكةَ، فنهاهم النبيُّ، عليه السلام، عن ذلك، قال: " [لَمْ أومَرْ]

(4)

بذلك". فلما كانَت الهجرةُ وأمِر بالقتالِ، كرِه القومُ ذلك، فصنعوا فيه

(5)

ما تَسْمَعون، فقال اللهُ تبارك وتعالى:{مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}

(6)

.

حدَّثنا محمد بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مفضلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} قال: هم قومٌ أسلَموا قبل أن يُفْرَضَ عليهم القتالُ، ولم يَكُنْ عليهم إلا الصلاةُ

= وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1005 (5630)، والحاكم 2/ 66، 307، والبيهقى 9/ 11 من طريق على بن الحسن به.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"نموت". وما أثبتناه موافق لما في الدر المنثور.

(2)

ذكر السيوطي في الدر المنثور 2/ 184 قول ابن جريج وعزاه إلى المصنف وابن المنذر.

(3)

سقط من: م.

(4)

في الأصل: "ثم أمر".

(5)

في الأصل: "منه".

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 184 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 232

والزكاةُ، فسأَلوا الله أَن يُفْرَضَ عليهم القتالُ، [{فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ]

(1)

إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}، وهو الموتُ، قال اللهُ:{مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى}

(2)

.

وقال آخرون: بل نزَلت هذه الآيةُ وآياتٌ بعدَها في اليهودِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} إلى قولِه: {لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} : ما بينَ ذلك في اليهودِ

(3)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ} إلى قولِه: {لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ} : نهَى اللهُ تبارك وتعالى هذه الأمةَ أن يَصْنَعوا صنيعَهم

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بقولِه جل ثناؤه: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} : قُلْ يا محمدُ لهؤلاء القومِ الذين قالوا: {رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1004، 1005 (5620، 5631) من طريق أحمد بن مفضل به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1003 (5619) من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح به بنحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 184 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1006 (5633) عن محمد بن سعد به.

ص: 233

إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} عيشُكم في الدنيا و

(1)

تَمَتُّعُكم بها قليلٌ؛ لأنها فانيةٌ وما فيها فانٍ، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ}. يَعْنى: ونعيمُ الآخرةِ خيرٌ؛ لأنها باقيةٌ، ونعيمُها باقٍ دائمٌ. وإنما قيل:{وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ} . ومعنى الكلامِ ما وصَفتُ مِن أَنه مَعنِيٌّ به نعيمُها؛ لِدلالةِ ذكرِ الآخرةِ بالذي ذُكِرَت به، على المعنى المرادِ منه، {لِمَنِ اتَّقَى}. يَعْنى: لمن اتقى الله بأداء فرائضِه، واجتنابِ معاصِيه، فأطاعه في كلِّ ذلك، {وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}. يَعْنى: ولا يَنْقُصَنَّكم اللهُ مِن أجورِ أعمالِكم فتيلًا، وقد بيَّنَّا معنى الفَتيلِ فيما مضَى بما أغْنى عن إعادتِه ههنا

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى جلَّ ثناؤُه: حيثما تَكُونُوا يَنَلْكم الموتُ فتَمُوتوا، ولو كنتم في بروجٍ مشيَّدةٍ، يَقُولُ: فلا تَجْزَعُوا مِن الموتِ، ولا تَهْرُبُوا مِن القتالِ وتَضْعُفوا عن لقاءِ عدوِّكم؛ حذَرًا على أنفسِكم مِن القتلِ والموتِ، فإن الموتَ بإزائِكم أينَ كنتم وواصِلٌ إلى أنفُسِكم حيثُ كنتم، ولو تحصَّنتم منه بالحصونِ المنيعةِ.

واختلفَ أهلُ التأويلِ في معنى قولِه. {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} ؛ فقالَ بعضُهم: يَعْنى قُصورًا محصَّنةً.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ

(1)

في الأصل: "أو".

(2)

تقدم في ص 129 - 133.

ص: 234

مُشَيَّدَةٍ}. يَقُولُ: في قصورٍ محصَّنةٍ

(1)

.

حدَّثنا عليُّ بنُ سهلٍ، قال: ثنا مُؤَمَّلُ بنُ إسماعيلَ، قال: ثنا أبو همامٍ، قال: ثنا كثِيرٌ أبو الفضلِ، عن مجاهدٍ، قال: كان فيمن كان

(2)

قبلَكم امرأةٌ، وكان لها أجيرٌ، فولَدت جاريةً فقالت لأجيرِها: اقْتَبِسْ لنا نارًا. فخرَج فوجَد بالبابِ رجلًا، فقال له الرجلُ: ما ولَدتْ هذه المرأةُ؟ قال: جاريةً. قال: أمَا إنَّ هذه الجاريةَ لا تَموتُ حتى تَبْغِى بمائةٍ، ويتَزَوَّجَها أجيرُها، ويَكُونَ موتُها بالعنكَبوتِ. قال: فقال الأجيرُ في نفسِه: فأنا أريدُ هذه بعدَ أن تَفْجُرَ بمائةٍ! لأقتُلنَّها

(3)

. فأخَذ شَفْرةً فدخَل فشَقَّ بطنَ الصبيَّةِ [وخرَج على وجهِه، وركِب البحرَ، وخِيط بطنُ الصبيَّةِ]

(4)

وعُولِجَت فبَرِئت، فشبَّت، وكانت تَبْغِى، فأتَتْ ساحلًا مِن سواحلِ البحرِ، فأقامَت عليه تَبْغِى، ولِبث الرجلُ ما شاء اللهُ، ثم قدِم ذلك الساحلَ ومعه مالٌ كثيرٌ، فقال لامرأةِ مِن أهلِ الساحلِ: ابْغينى امرأةً مِن أجملِ امرأةٍ في القريةِ أَتَزَوَّجُها. فقالت: هاهنا امرأةٌ مِن أجملِ الناسِ، ولكنَّها تَبْغِى. قال: ائْتِينى بها. فأتَتْها فقالت: قدِم رجلٌ له مالٌ كثيرٌ، وقد قال لى كذا، فقلتُ له كذا. فقالت: إني قد ترَكتُ البغاءَ، ولكن إن أراد تزوَّجتُه. قال: فتزَوَّجها، فوقَعت منه موقِعًا، فبينا هو يومًا عندَها، إذ أخبَرها بأمره، فقالت: أنا تلك الجاريةُ - وأرَته الشقَّ في بطنِها - وقد كنتُ أبْغِى، فما أَدْرِى بمائة أو أقل أو أكثر. قال: فإنه قال لى: يَكُونُ موتُها بعنكبوتٍ

(5)

. قال: فبَنَى

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 184 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر، وينظر تفسير البغوي 2/ 252.

(2)

سقط من: م.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

في م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بالعنكبوت".

ص: 235

لها بُرْجًا بالصحراءِ وشيَّدَه، فبينا هما

(1)

. يومًا في ذلك البرجِ، إذا عَنْكَبُوتٌ في السقفِ [فقال: هذا عَنْكبوتٌ]

(2)

. فقالت: هذا يَقْتُلُنى؟! لا يَقْتُلُه أحدٌ غيرى. فحرَّكتْه

(3)

فسقَط فأتَتْه فوضَعت إبهامَ رجلِها عليه فشَدَخَتْه، وساح سمُّه بينَ ظُفْرِها واللحمِ، فاسودَّتْ رِجْلُها فماتت، فنزَلت هذه الآيةُ:{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ:{وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} . قال: قصورٍ مُشَيَّدةٍ.

وقال آخرون: عنى بذلك قصورًا بأعيانِها في السماءِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدٌ بنُ الحسين، قال: ثنا أحمدُ بنُ مفضلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السدِّيِّ:{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} . وهى قصورٌ بيضٌ في السماءِ الدنيا مَبْنِيةٌ

(5)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ سعدٍ

(6)

، قال حدَّثنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ في قولِه: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ

(1)

في الأصل، ت 1، س:"هو".

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

في الأصل، ص، ت 1:"فحركه".

(4)

أخرجه أبو نعيم في الحلية 3/ 288، 289 من طريق المصنف به، وفيه:"أبو حازم" مكان: أبو همام". كما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1007 (5640) من طريق كثير به بنحوه.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 30/ 1008 (5643) من طريق أحمد بن مفضل به بنحوه.

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"سعيد"، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الدشتكي أبو محمد الرازي، ينظر تهذيب الكمال، 17/ 210، وسيأتي على الصواب.

ص: 236

كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}. يَقُولُ: ولو كنتُم في قصورٍ في السماءِ

(1)

.

واختلَف أهلُ العربيةِ في معنى المُشَيَّدةِ؛ فقال بعضُ أهلِ

(2)

البصرةِ منهم: المُشَيَّدةُ: المطوَّلةُ

(3)

. قال: وأما المَشِيدُ بالتخفيفِ، فإنه المزيَّنُ.

وقال آخرون منهم نحو ذلك القولِ، غيرَ أنه قال: المَشيدُ بالتخفيفِ، المعمُولُ بالشِّيدِ، والشِّيدُ الجِصُّ.

وقال بعضُ أهلِ الكوفةِ: والمشيَّدُ والمَشِيدُ أصلُهما واحدٌ، غيرَ أن ما شُدِّد منه فإنما شُدِّد لتفرُّقِ

(4)

الفعلِ فيه في جمعٍ، مثلَ قولِهم: هذه ثيابٌ مُصَبَّغَةٌ

(5)

. وغنَمٌ مُذبَّحَةٌ، فشدَّد؛ لأنها جمعٌ يُفرَّقُ فيها الفعلُ، فكذلك مِثْلُه "قصورٌ مُشيدةٌ"؛ لأن القصورَ [الكثيرةَ يوجدُ]

(6)

فيها التَّشْيِيدُ، ولذلك قيل:{بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} . ومنه قولُه: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف: 23]. وكما يُقالُ: كَسَّرتُ العُودَ. إذا جعلتَه قِطَعًا؛ قطعةً بعدَ قطعةٍ. وقد يَجُوزُ في ذلك التخفيفُ.

فإذا أُفْرِد من ذلك الواحدُ، فكان الفعلُ يَتَردُّدُ فيه، ويَكْثُرُ تردُّدُه في جمعٍ منه جاز التشديدُ عندَهم والتخفيفُ، فيقالُ منه: هذا ثوبٌ مُخَرَّقٌ، وجلدٌ مُقَطَّعٌ؛ لتردُّدِ الفعلِ فيه وكثرتِه بالقَطعْ والخَرْقِ. فإن كان الفعلُ لا يَكْثُرُ فيه ولا يَتَرَدَّدُ لم يُجيزُوه إلا بالتخفيفِ، وذلك نحوُ قولِهم: رأيتُ كبشًا مَذْبوحًا. فلا يُجِيزُون فيه

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1008 عقب الأثر (5641) من طريق ابن أبي جعفر عن أبيه به.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"الطويلة". وينظر مجاز القرآن 1/ 132.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"لنفسه". وفى م، س:"لتردد". وينظر معاني القرآن للفراء 1/ 277.

(5)

في الأصل: "مصنفة".

(6)

في ص، م:"كثيرة تردد".

ص: 237

مذبَّحًا؛ لأن الذبحَ لا يَتَرَدَّدُ فيه تردُّدَ التَّخَرُّقِ في الثوبِ، وقالوا: فلهذا قيل: قصرٌ مشِيدٌ؛ لأنه واحدٌ، فجُعِل بمنزلةِ قولِهم: كبشٌ مذبوحٌ

(1)

. قالوا: وجائزٌ في القصرِ أن يُقالَ: قصرٌ مُشَيَّدٌ. بالتشديدِ؛ لتردُّدِ البناءِ فيه [والتَّشْيِيدِ، ولا]

(2)

يَجُوزُ ذلك في كبشٍ مذبوحٍ؛ لما ذكَرْنا

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى بقولِه جلَّ ثناؤُه: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} . وإن يَنَلْهُم رَخاءٌ وظَفَرٌ وفَتْحٌ ويُصيبوا غَنيمةً يَقُولوا {هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} . يَعْنى: مِن قِبَلِ اللهِ ومِن تقديرِه، {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}. يَقُولُ: وإن تَنَلْهم شدَّةٌ مِن عيشٍ وهزيمةٍ مِن عدوٍّ وجِراحٍ وألمٍ يَقُولوا: يا محمدُ: {هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} لخطَئِك التدبيرَ. وإنما هذا خبرٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه عن الذين [قال

(4)

لنبيِّه صلى الله عليه وسلم]

(5)

: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} .

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ سعدٍ وابنُ أبي جعفرٍ

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

في الأصل: "والتشديد لا".

(3)

ينظر معاني القرآن للفراء 1/ 277.

(4)

في ص، ت 1:"قالوا". وبعده في م، ت 2، ت 3:"فيهم".

(5)

في س: "قالوا".

ص: 238

قالا: ثنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ في قولِه:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} . قال: هذه في السرَّاءِ والضراءِ

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ مثلَه.

حدَّثني يونس، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} . فقرَأ حتى بلَغ: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} . قال: إن هذه الآياتِ نزَلت في شأنِ الحربِ، فقرَأَ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} . فقرَأ حتى بلَغ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ} مِن عندِ محمدٍ، أساء التدبيرَ وأساء النظرَ، ما أحسَن التدبيرَ ولا النظرَ

(2)

.

‌القول في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بقولِه جلَّ ثناؤُه: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} : قُلْ يا محمدُ لهؤلاءِ القائلين إذا أصابَتهم حسنةٌ: هذه مِن عندِ اللهِ. وإذا أصابَتهم سيئةٌ: هذه مِن عندِك. [قل: {كُلٌّ]

(3)

مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} دوني ودونَ غيرى، مِن عندِه الرخاءُ والشدَّةُ، ومنه النصرُ والظَّفَرُ، ومِن عندِه الفلَلُ

(4)

والهزيمةُ.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1008، 1009 (5645، (5647) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 185 إلى ابن المنذر.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 185 إلى المصنف.

(3)

في ص: م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"كل ذلك".

(4)

في ص: "العال" غير منقوطة، وفى م:"القتل".

ص: 239

كما حدَّثني المثنى، قال:[حدَّثنا إسحاقُ، قال:]

(1)

ثنا عبدُ الرزاقِ، قالَ: أخبرَنا معمرٌ، عن قتادةَ:{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} . النِّعَمُ والمصائبُ

(2)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} النصرُ والهزيمةُ

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليِّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ قولَه:{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} . يَقُولُ: الحسنةُ والسيئةُ مِن عندِ اللهِ، أما الحسنةُ فأنعَم بها عليك، وأما السيئةُ فابتلاك بها

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ} . فما شأنُ هؤلاءِ القومِ الذين إن تُصِبْهم حسنةٌ يَقُولُوا: هذه من عند اللهِ. وإن تُصبهم سيئةٌ يَقُولُوا: هذه من عندِك يا محمدُ. {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} : يَقُولُ: لا يَكادُون يَعْلَمُون حقيقةَ ما تُخبرهم به مِن أن كلَّ ما أصابَهم: مِن خيرٍ [وشرٍّ، [وسراءَ وضراءَ، و]

(5)

شدةٍ ورخاءٍ]

(6)

، فمن عندِ اللهِ، لا يَقْدِرُ

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 185 إلى عبد الرزاق وابن المنذر مطولا، وهو في تفسير عبد الرزاق 1/ 179 وليس فيه ذكر قتادة.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 185 إلى المصنف.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1009 (5650) من طريق عبد الله بن صالح بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 185 إلى ابن المنذر.

(5)

في ص، س:"أو ضر أو".

(6)

في م، ت 2، ت 3:"أو شر أو ضر وشدة أو رخاء".

ص: 240

أحدٌ

(1)

على ذلك غيرُه، ولا يُصيبُ أحدًا سيئةٌ إلا بتقديرِه، ولا يَنالُ رخاءً ونعمةً إلا بمشيئتِه، وهذا إعلامٌ مِن اللهِ عبادَه أن مفاتِحَ الأشياء كلَّها بيدِه، ولا يَمْلِكُ شيئًا منها أحدٌ غيرُه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} : ما يُصِيبُك يا محمدُ مِن رخاءٍ ونعمةٍ وعافيةٍ وسلامةٍ، فمِن فضلِ اللهِ عليك، تَفَضَّلَ به عليك؛ إحسانًا منه إليك. وأما قولُه:{وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} . فإنه يَعْنى: وما أصابَك مِن شدَّةٍ ومشقةٍ وأذًى ومكروهٍ فمن نفسِك، [يقولُ: فمِن قِبَلِ نفسِك]

(2)

، يَعْنى: بذنبٍ استوجَبْتَها به اكتَسَبَتْه نفسُك.

كما حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المفضلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} : أَما مِن نفسِك، فيَقُولُ: مِن ذنبِك

(3)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} . عقوبةً يا ابن آدم بذنبك، قال: وذكر لنا أن نبي الله كان يَقُولُ: "لا يُصِيبُ رجلًا خَدْشُ عُودٍ، ولا عَثْرةُ قدمٍ، ولا اختِلاجُ عِرْقٍ إلا بذنبٍ، وما يَعْفُو الله عنه أكثرُ"

(4)

.

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 318 عن السدي.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 185 إلى المصنف وعبد بن حميد، وقال ابن كثير في تفسيره =

ص: 241

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} يَقُولُ: الحسنةُ: ما فتَح اللهُ عليه يومَ بدرٍ وما أصابه

(1)

مِن الغنيمةِ والفتحِ. والسيئةُ: ما أصابه يومَ أُحُدٍ أَن شُجَّ في وجهِه، وكُسِرت رَباعِيَتُه

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: حدَّثنا معمرٌ، عن قتادةَ:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} . [قال: كان الحسنُ يقولُ: ما أصابك من نعمةٍ فمِن اللهِ، وما أصابك من سيئةٍ فمِن نفسِك]

(3)

. يَقُولُ: بذنبِك. ثم قال: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} . النِّعَمُ والمصائبُ

(4)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا [إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ]

(5)

بنُ سعدٍ وابنُ أبى جعفرٍ، قالا: ثنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ قولَه:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} . قال: هذه في الحسناتِ والسيئاتِ

(6)

.

= 2/ 318: وهذا الذي أرسله قتادة قد روى متصلًا في الصحيح: "والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن همّ ولا حزن ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلَّا كفر الله عنه بها من خطاياه". والحديث عن غير واحد الصحابة منها حديث أبي سعيد وأبي هريرة عند البخارى (641، 5642)، ومسلم (2573).

(1)

في الأصل: "أصابك".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1010 (5653، 5654، 5658) من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 185 إلى ابن المنذر.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س، وينظر تفسير عبد الرزاق 1/ 179.

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"المصيبات". والأثر في تفسير عبد الرزاق 1/ 179. وليس ذكر قتادة.

(5)

في الأصل: "أبو إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق". وتقدم كثيرا.

(6)

ينظر التبيان 3/ 265.

ص: 242

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية مثله.

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُريج:{وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} . قال: عُقوبةً بذنبِك

(1)

.

حدَّثني يونسُ، قال: حدَّثنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} . بذنبِك، كما قال لأهلِ أُحُدٍ:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]. بذُنوبِكم

(2)

.

حدَّثني يونسُ، قال: ثنا سفيانُ، عن إسماعيلَ بن أبي خالدٍ، عن أبي صالِحٍ في قولِه:{وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} . قال: بذنبِك، وأنا قدَّرتُها عليك

(3)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا يحيى، عن سفيانَ، عن إسماعيلَ بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ في قولِه:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} . وأنا الذي قدَّرتُها عليك.

حدَّثني موسى بن عبد الرحمن المسروقى، قال: ثنا محمدُ بنُ بشرٍ، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ عن أبي صالحٍ مثلَه

(4)

.

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 318.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 185 إلى المصنف.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (662 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1011 (5661) من طريق سفيان به. وأخرجه ابن المقرئ في معجمه (708، 786، 981) من طريق إسماعيل به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 185 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(4)

أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (940) من طريق محمد بن بشر به.

ص: 243

قال أبو جعفرٍ: فإن قال قائلٌ: وما وجهُ دُخولِ "مِن" في قولِه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} . و {مِنْ سَيِّئَةٍ} ؟ قيل: قد اختلَف في ذلك أهلُ العربيةِ؛ فقال بعضُ نحويِّيِ البصرةِ: أُدْخِلَت "مِن"؛ لأن "مِن" تَحْسُنُ مع النفي، مثلَ: ما جاءَني مِن أحدٍ. قال: وجُعِلَ

(1)

الخبرُ بالفاءِ؛ [لأنَّ ما]

(2)

بمنزلةِ "مَن".

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: أُدخلت "مِن" مع "ما"، كما تَدْخُلُ على "إنْ" في الجزاءِ؛ لأنهما حرفا جزاءٍ، وكذلك تَدْخُلُ مع "مَن" إذا كانت جزاءً، فتَقولُ العربُ: ما

(3)

يَزُرْك مِن أحدٍ فتُكرِمْه. كما تَقُولُ: إِن يَزُرْكَ مِن أحدٍ فَتُكْرِمُه. قال: وإنما

(4)

أدخَلُوها مع "ما" و"مَن"؛ ليُعْلمَ [بدخولِها معهما]

(5)

أنهما جزاءٌ، قالوا: وإذا أدخلَتْ معهما لم تُحْذَفْ؛ لأنها إذا حذِفت صار الفعلُ رافعًا شيئين، وذلك أن "ما" في قوله:{وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} رُفِع بقولِه {أَصَابَكَ} فلو حَذَفَتَ "مِن" رفَع قولُه: {أَصَابَكَ} السيئةَ؛ لأن معناه: إِن تُصِبْك سيئةٌ، فلم يَجُزْ حَذْفُ "مِن" لذلك؛ لأن الفعلَ الذي هو على فعَل أو يَفعلُ لا يَرْفَعُ شيئين، وجاز ذلك مع "مَن"؛ لأنها تُشَبَّهُ

(6)

بالصفاتِ، وهى في موضعِ اسمٍ، فأما "إن"، فإن "مِن" تَدْخُلُ معها وتَخْرُجُ، ولا تدخلُ

(7)

مع "أي" لأنها تُعْرَبُ، فيتبيَّن

(8)

فيها الإعرابُ،

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"دخول".

(2)

في ص، م:"لازما". وهو تحريف واضح.

(3)

في م: "من".

(4)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ت 3، وفى ص، س:"إذا".

(5)

في الأصل: "بدخولهما معها".

(6)

في م، ت 2، ت 3، س:"تشتبه".

(7)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"تخرج" وهو خطأ من حيث المعنى.

(8)

في م، ت 1، ت 2، ت 3:"فيبين". وفى س: "يتعين".

ص: 244

ودخَلت مع "ما"

(1)

؛ لأن الإعرابَ لا يَظهَرُ فيها.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} . إنما جعَلناك يا محمد رسولًا بينَنا وبينَ الخلقِ تُبَلِّغُهم ما أرسَلناك به مِن رسالةٍ إليهم، وليس عليك غيرُ البلاغِ وأداءُ الرسالةِ إلى مَن أُرْسِلتَ إليه، فإن قَبِلوا ما أُرْسِلتَ به فلأنفسِهم، وإن رَدُّوا فعليها، {وَكَفَى بِاللَّهِ}. عليك وعليهم {شَهِيدًا}. يَقُولُ: حسبُك اللهُ تعالى ذكرُه شاهدًا عليك في بلاغِك ما أُمِرتَ

(2)

ببلاغِه من رسالتِه ووحيِه، وعلى مَن أُرْسِلتَ إِليه في قبولِهم منك ما أُرْسِلتَ به إليهم؛ فإنه لا يخفَى عليه أمرُك وأمرُهم، وهو مُجازِيك ببلاغِك ما وَعَدَك به

(3)

، ومُجازِيهم بما عَمِلوا مِن خيرٍ وشرٍّ، جزاءَهم

(4)

؛ المُحْسِنَ بإحسانِه، والمُسيءَ بإساءتِه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: وهذا إعذارٌ من اللهِ إلى خلقِه في نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم. يقولُ اللهُ جلّ ذكرُه لهم: مَن يُطِعْ منكم، أيُّها الناسُ رسولى

(5)

- محمدًا - إليكم

(5)

.

(1)

بعده في الأصل: "ومن".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"أمرتك".

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

في م، س:"جزاء".

(5)

سقط من: ص، م، ت 2، ت 3، س.

ص: 245

فقد أطاعنى بطاعتِه إياه، فاسمَعوا قولَه، وأطيعوا أمرَه، فإنه مَهْما يأمُرْكم به مِن شيءٍ فعن أمرى يأمُرُكم، وما ينهاكم عنه مِن شيءٍ فعن نَهْيِي، فلا يَقولَنَّ أحدُكم: إنما محمدٌ بَشَرٌ مِثْلُنا، يريدُ أن يَتَفضَّلَ علينا.

ثم قال جلَّ ثناؤه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: ومَن تَوَلَّى عن طاعتِك يا محمدُ، فأعرِضْ عنه، فإنَّا لم نُرْسِلْك عليهم حفيظًا - يعنى حافظًا لِما يعمَلون مُحاسِبًا - بل إنما أرسَلناك لتُبَيِّنَ لهم ما نُزِّل إليهم، وكفَى بنا حافِظين لأعمالِهم، ولهم عليها مُحاسِبِين.

ونَزَلَت هذه الآيةُ فيما ذُكِر قبلَ أن يُؤْمَرَ بالجهادِ.

كما حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: سألتُ ابنَ زيدٍ عن قولِ اللهِ جلَّ ذكرُه: {وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} . قال: هذا أَوَّلَ ما بَعَثه. قال: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} [الشورى: 48]. قال: ثم جاء بعدَ هذا أمرُه

(1)

بجهادِهم والغِلْظةِ عليهم

(2)

حتى يُسْلِموا

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤه بقولِه: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} . يعني الفريقَ الذي أخبَر اللهُ جلَّ ثناؤه عنهم أنهم لمَّا كُتِب عليهم القتالُ، خَشُوا الناسَ كخشيةِ اللهِ أو أشدَّ خَشْيةً، يقولون لنبيِّ الله صلى الله عليه وسلم، إذا أمَرهم بأمرٍ: أمْرُك طاعةٌ

(4)

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يأمره".

(2)

سقط من: م.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 185 إلى المصنف.

(4)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ولك منا طاعة".

ص: 246

فيما تأمُرنا به وتَنْهانا عنه. {فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ} . يقولُ: فإذا خَرَجوا مِن عندِك يا محمدُ. {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} . يعنى بذلك جلّ ثناؤه، غَيَّر جماعةٌ منهم ليلًا الذي تقولُ لهم.

وكلُّ عملٍ عُمِل ليلًا فقد بُيِّتَ، ومِن ذلك بَياتُ

(1)

العدوِّ، وهو الوقوعُ بهم ليلًا، ومنه قولُ عُبَيدةَ بن هَمَّامٍ

(2)

:

أَتَوْنِى فَلَمْ أَرْضَ ما بَيَّتُوا

وكانوا أَتَوْنِي بِشَيْءٍ نُكُرْ

لأُنْكِحَ أَيِّمَهُمْ

(3)

مُنْذِرًا

وَهَلْ يُنْكِحُ العَبْدَ حُرٌّ لحُرّ

(4)

يعني بقولِه: فلم أرضَ ما بَيَّتوا

(5)

. أي ما أَبْرَموه ليلًا وعَزَموا عليه.

ومنه قولُ النَّمِرِ بن تَوْلَبٍ العُكْليِّ

(6)

:

هَبَّتْ لِتَعْذُلَنى بِلَيْلِ

(7)

فَاسْمَعِي

(8)

سَفَهًا تَبَيُّتُكِ المَلَامَةَ فَاهْجَعِي

يقولُ اللهُ جلّ ثناؤه: {وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} . يعنى يذلك جلَّ ثناؤه: واللهُ يُثْبِتُ

(9)

ما يُغَيِّرون مِن قولِك ليلًا في كُتُبِ أعمالِهم [التي تَكْتُبُها]

(10)

حَفَظَتُه

(1)

في م: "بيت".

(2)

البيتان في مجاز القرآن 1/ 133، والحيوان 4/ 376، والكامل 3/ 30، 163، واللسان (ن ك ر) ونسبهما للأسود بن يعفر.

(3)

في ص، ت 1:"إليهم".

(4)

في الأصل، ص، ت 2، ت 3، س:"بحر". وتنظر مصادر التخريج السابقة.

(5)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ليلا".

(6)

البيت في مجاز القرآن 1/ 133، وخزانة الأدب 1/ 317، وفيهما (من الليل)، وفى الخزانة (سفه) بالرفع، وأشار إلى رواية النصب.

(7)

في ص: "بليلي".

(8)

في ص، م:"اسمعى".

(9)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يكتب".

(10)

في الأصل: "الذي يكتبها".

ص: 247

وبنحو الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} . قال: يُغَيِّرون ما عَهِد نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بن بَزِيعٍ، قال: ثنا يوسفُ بنُ خالدٍ، قال: ثنا نافعُ بنُ مالكٍ، عن عِكْرمةَ، عن ابن عباسٍ في قولِه جلَّ ثناؤه:{بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} . قال: غَيَّر أولئك ما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ

(3)

، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} . [قال: غَيَّر أولئك ما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم

(4)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ]

(5)

وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ}. قال: هؤلاء المنافقون الذين يقولون إذا حَضَروا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأمرهم بأمرٍ، قالوا: طاعةٌ. فإذا خَرَجوا مِن عندِه

(6)

غَيَّر طائفةٌ منهم ما

(1)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1012 عقب الأثر (5669) معلقا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 186 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 186 إلى المصنف.

(3)

في الأصل: "الحسن".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1012 (5669) من طريق أحمد بن مفضل به، بنحوه.

(5)

زيادة من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(6)

في الأصل، ص، ت 1:"عندك".

ص: 248

يقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، {وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ}. يقولُ: ما يقولون

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسين

(2)

، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: قال ابن عباسٍ: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} . قال: يُغَيِّرون ما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(3)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ، قولَه:{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} . وهم ناسٌ كانوا يقولون عندَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: آمَنَّا بِاللَّهِ ورسولِه. ليأمَنوا على دمائِهم وأموالِهم، وإذا بَرَزوا مِن عندِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، خالَفوا إلى غيرِ ما قالوه عندَه، فعابَهم اللهُ، فقال:{بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} . يقولُ: يُغَيِّرون ما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم

(4)

.

حُدِّثتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعت أبا معاذٍ يقولُ: أخبَرنا عُبيد بنُ سليمانَ، قال: سَمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} . يقولُ: هم أهلُ النِّفاقِ

(5)

.

وأما رَفْعُ: {طَاعَةٌ} . فإنه بالمتروكِ الذي دَلَّ عليه الظاهرُ مِن القولِ، وهو: أمرُك طاعةٌ، أو مِنَّا طاعةٌ

(6)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1012، 1013 (5666، 5667، 5669، 5676) من طريق أحمد بن المفضل به.

(2)

في الأصل: "الحسن".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 186 إلى المصنف وابن المنذر.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1012، 1013 (5665، 5668، 5670، 5674) عن محمد بن سعد به. وينظر الدر المنثور 2/ 185، 186.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1012 (5671) من طريق على بن الحكم عن الضحاك به.

(6)

ينظر معاني القرآن للفراء 1/ 278.

ص: 249

وأما قولُه: {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ} . فإن التاءَ مِن {بَيَّتَ} . [بحركَتِها بالفتحِ، عليه]

(1)

عامةُ قرأةِ المدينةِ والعراقِ وسائرُ القَرَأةِ؛ لأنها لامُ الفعلِ

(2)

.

وكان بعضُ قرأةِ العراقِ يُسَكِّنها، ثم يُدْغِمُها في الطاءِ لمقارَبتِها في المَخْرَجِ

(3)

.

والصوابُ مِن القراءةِ في ذلك، تَرْكُ الإدغامِ

(4)

، لأنهما، أعنى التاءَ والطاءَ مِن حرفَين مختلفين، وإذا كان ذلك كذلك كان تَرْكُ الإدغامِ أفصحَ اللغتَين عندَ العربِ، واللغةُ الأخرى جائزةٌ، أعنى الإدغام في ذلك، مَحْكِيَّةٌ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)} .

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يقولُ اللهُ جلَّ ثناؤه لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم: فأعرضْ يا محمدُ، عن هؤلاء المنافقِين الذين يقولُون لك فيما تأمرهم به: أمرك طاعةٌ. فإذا برزوا مِن عندِك خالفوا ما أمَرْتَهم به، وغَيَّروه إلى ما نَهَيتَهم عنه، وخَلِّهم وما هم عليه مِن الضلالةِ، وارضَ لهم بى مُنْتَقِمًا منهم، {وَتَوَكَّلْ} أنت يا محمدُ {عَلَى اللَّهِ} ، يقولُ: وفَوِّضْ أمرَك إلى اللهِ، وثِقْ به في أمورِك، ووَلِّها إياه، {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} ، يقولُ: وكَفاك اللهِ، أي: وحَسْبُك باللهِ وكيلًا، أي:[قيِّمًا بأمورِك]

(5)

، ووَليًّا

(6)

لها، ودافِعًا عنك وناصِرًا.

(1)

في ص، س:"يحركها والفتح"، وفى، م، ت 2، ت 3:"تحركها بالفتح".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فعل". وهى قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم والكسائي. السبعة في القراءات ص 235.

(3)

هي قراءة أبي عمرو وحمزة. المصدر السابق.

(4)

كلا القراءتين صواب، فهما متواترتان، ومن أسباب الإدغام تقارب الحرفين، وهما هنا متقاربان.

(5)

في الأصل، ت 2، ت 3:"فيما بأمرك"، وفى م:"فيما يأمرك".

(6)

في الأصل: "ووليها".

ص: 250

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)}

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بقولِه جل ثناؤه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} . أفلا يَتَدبَّرُ

(1)

المُبَيِّتون غيرَ الذي تقولُ لهم يا محمدُ، كتابَ اللهِ، فيَعْلَموا حُجَّةَ اللهِ عليهم في طاعتِك واتِّبَاعِ أمرِك، وأن الذي أتيتَهم به من التنزيلِ مِن عندِ ربِّهم؛ لاتِّساقِ معانِيه، وائتلافِ أحكامِه، وتأيِيدِ بعضِه بعضًا بالتصديقِ، وشهادةِ بعضِه لبعضٍ بالتَّحْقيقِ، فإنَّ ذلك لو كان مِن عندِ غيرِ اللهِ لاختَلَفَت أحكامُه، وتناقضَت معانيه، وأبان بعضُه عن فسادِ بعضٍ.

كما حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} : أي قولُ اللهِ لا يَختلفُ، وهو حقٌّ ليس فيه باطلٌ، وأن قولَ الناسِ يَخْتَلِفُ

(2)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: إن القرآنَ لا يُكذِّبُ بعضُه بعضًا، ولا يَنْقُضُ بعضُه بعضًا، ما جَهِل الناسُ مِن أمرٍ

(3)

، فإنما هو من تقصيرِ عقولِهم وجَهالتِهم. وقرَأ:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} قال: فحَقٌّ على المؤمِنِ أن يقولَ: كلٌّ مِن عندِ اللهِ. ويُؤْمِنَ بالمُتَشابهِ، ولا يضرِبَ بعضَه ببعضٍ، إذا جَهِل أمرًا ولم يَعرِفْه أن يقولَ: الذي قال اللهُ حَقٌّ. ويَعرِفَ أن الله تعالى لم يَقُلْ قولًا ويَنقُضَه، ينبغى أن يُؤْمِنَ بحقيقةِ ما جاء مِن عندِ اللهِ

(1)

في الأصل: "يتدبرون". وهي لغة.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1013 (5679) من طريق يزيد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 186 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

في م، ت 2، ت 3، س:"أمره".

ص: 251

تبارك وتعالى

(1)

.

حدَّثني يحيى بنُ أبى طالبٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: أخبرَنا جُوَيبرٌ، عن الضحاكِ قولَه:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} . قال: يَتَدَبَّرون النَّظَرَ فيه

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤه بقولِه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ} . وإذا جاء هذه الطائفةَ المُبَيِّنةَ غيرَ الذي يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم {أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ} . فالهاءُ والميمُ مِن قولِه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ} . مِن ذكرِ الطائفةِ المُبَيِّنةِ. يقولُ جلَّ ثناؤه: وإذا جاءهم خبرٌ عن سَرِيَّةٍ للمسلمين غازيةٍ بأنهم قد أمِنوا من عدوِّهم بغَلَبَتِهم إياهم، {أَوِ الْخَوْفِ}. يقولُ: أو تخوُّفِهم مِن عدوِّهم بإصابةِ عدوِّهم منهم، {أَذَاعُوا بِهِ}. يقولُ: أَفْشَوه وبَثُّوه في الناسِ قبلَ

(3)

رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وقبل أمراءِ سرايا رسولِ اللهِ، والهاءُ في قولِه:{أَذَاعُوا بِهِ} . مِن ذكرِ "الأمر". وتأويله: أذاعوا بالأمرِ من الأمنِ أو الخوفِ الذي جاءهم، يقالُ منه: أذاعَ فلانٌ بهذا الخبرِ، وأذاعَه. ومنه قولُ أبى الأَسودِ

(4)

:

أذاعَ به في الناسِ حتى كأنَّه

بِعَلْياءَ نارٌ أُوقِدَتْ بِثَقُوبِ

(5)

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 186 إلى المصنف.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1013 (5678) من طريق جويبر به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 186 إلى ابن المنذر.

(3)

في الأصل: "قتل".

(4)

البيت في الأغانى 12/ 305، ومجاز القرآن 1/ 133، واللسان (ذ ى ع).

(5)

في الأصل: "بثقيف". والثقوب: ما توقد به النار من دقاق العيدان. التاج (ث ق ب).

ص: 252

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} . يقولُ: سارَعوا به وأَفْشَوه

(1)

.

حدَّثنا محمدٌ، قال: ثنا أحمدُ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} . يقولُ: إذا جاءهم أمرٌّ أنهم قد أمِنوا مِن عدوِّهم، أو أنهم خائفون منهم، أذاعُّوا بالحديثِ حتى يَبْلُغَ عدوِّهم أمرُهم

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} . قال: أَفْشَوه وسَعَوْا

(3)

به.

أخبرَنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} . قال: هذا في الأخبارِ، إذا غَزَتْ سَرِيَّةٌ من المسلمين

(4)

[تَخَبَّر الناسُ بينَهم

(5)

]

(6)

فقالوا: أصاب المسلمون

(7)

مِن

(1)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1014 عقب الأثر (5683) معلقا.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1014، 1015 (5681، 5685) من طريق طريق أحمد بن مفضل به.

(3)

في م، ت 2، ت 3:"شنعوا"، وفى س:"سمعوا".

والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1014 (5683) عن محمد بن سعد به، وعزاه الحافظ في الفتح 8/ 257 إلى ابن المنذر.

(4)

في الأصل: "الناس".

(5)

في الأصل: "بهم".

(6)

في م: "خبر الناس عنها". وتخبر الناس بينهم: تساءلوا عن الأخبار، يقال: تخبر الخبر واستخبر: إذا سأل عن الأخبار ليعرفها. اللسان (خ ب ر)

(7)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"المسلمين".

ص: 253

عدوِّهم كذا وكذا. [وأصاب العدوُّ من المسلمين كذا وكذا]

(1)

؛ فأفشَوه بينهم من غيرِ أن يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو الذي أخبَرهم

(2)

. قال ابن جُرَيجٍ: قال ابن عباسٍ قولَه: {أَذَاعُوا بِهِ} . قال: أعلَنوه وأَفْشَوه

(3)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ في قولِه: {أَذَاعُوا بِهِ} . قال: نَشَروه، والذين أذاعَوا به قومٌ؛ إما مُنافِقون، وإما آخرون ضعُفوا

(4)

.

حُدِّثتُ عن الحسينِ، قال: سمعتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: [أخبرنا عبيدُ بن سليمانَ، قال: سمعتُ الضحاك يقولُ في قولِه: {أَذَاعُوا بِهِ}. يقولُ]

(5)

: أَفْشَوه وسَعَوْا

(6)

به، وهم أهلُ النفاقٍ

(7)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤه بقولِه: {وَلَوْ رَدُّوهُ} : الأمرَ الذي جاءهم

(8)

من عدوِّهم والمسلمين، إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، {وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ} ، يعنى إلى أُمرائِهم، وسكتوا فلم يُذِيعوا ما جاءهم من الخبرِ، حتى يكونَ

(1)

سقط من: الأصل، ص، ت 2، ت 3، س.

(2)

في م، ت 2، ت 3:"يخبرهم به".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 186 إلى المصنف وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس، بتمامه.

(4)

في م: "ضعفاء".

والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 186 إلى المصنف.

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(6)

في م: "شنعوا". وفي س: "سمعوا".

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1014 (5684) من طريق على بن الحكم عن الضحاك به.

(8)

ص، م، ت، 1، ت 2، ت 3 س:"نالهم".

ص: 254

رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أو ذَوو أمرِهم، هم

(1)

الذين يتولَّوْن

(2)

الخبرَ عن ذلك، بعدَ أن تثبُتَ عندَهم صِحَّتُه أو بُطولُه، فيُصحِّحوه إن كان صحيحًا، أو يُبْطِلوه إن كان باطلًا، {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}. يقولُ: لعَلِم حقيقةَ ذلك الخبرِ الذي جاءهم به، الذين يَبْحَثون عنه، ويَسْتَخرِجونه {مِنْهُمْ} ، يعنى مِن أولى الأمرِ. والهاءُ والميمُ في قولِه:{مِنْهُمْ} مِن ذكْرِ أُولى الأمرِ، يقولُ: لَعَلِم ذلك مِن أُولى الأمرِ مَنْ

(3)

يَستَنْبِطُه.

وكلُّ مُسْتَخْرِجٍ شيئًا كان مُسَتَّرًا

(4)

عن إبصارِ العيونِ، أو عن مَعَارِفِ القلوبِ، فهو له مُسْتَنبِطٌ، يقالُ: استَنْبَطْتُ الرَّكِيَّةَ

(5)

. إذا استَخرَجتَ ماءَها، ونَبَطْتُها أَنْبِطُها [وأنبُطُها نُبُوطًا، وقيل: إن النَّبَطَ

(6)

دُعُوا نَبَطًا مِن ذلك؛ لاستنباطِهم الأرضَ، أو الماءَ، أي: استخراجِهم]

(7)

. والنَّبَطُ: الماءُ المُسْتَنبَط مِن الأرضِ. ومنه قولُ الشاعرِ

(8)

:

(1)

في الأصل: "بهم".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س "يقولون".

(3)

في الأصل: "ممن".

(4)

في ص، ت 1:"متسترا"، وفى م، ت 2، ت 3، س "مستترا".

(5)

الركية: البئر تحفر، والجمع رُكِيٍّ ورَكايا. اللسان (ر ك و).

(6)

النبط: جيل ينزلون السواد. وفي المحكم: ينزلون سواد العراق، وهم الأنباط. اللسان (ن ب ط).

(7)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(8)

في الأصل: "النابغة". والبيت في أمالي القالي 2/ 149 لكعب بن سعد الغنوى، وقيل: لسهم الغنوى، وهو من قوم كعب وليس بأخيه، وفى الأصمعيات ص 100 ضمن قصيدة نسبها الأصمعي لغريقة بن مسافع العبسى، وقد نسبه محققا الكتاب إلى الخطأ أو الوهم، وجزما بنسبة القصيدة كلها لكعب بن سعد الغنوى. وكذا هو في اللسان وأساس البلاغة ما (ن ب ط) منسوب لكعب، ومعنى (قريب ثراه): قريب خيره و (قطوب): عبوس.

ص: 255

قَريبٌ ثَراه

(1)

ما يَنالُ عَدُوُّه

له نَبَطًا أبِى الهَوَانِ قَطُوبُ

يعنى بالنَّبَطِ: الماءَ المُسْتَنبَطَ.

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمد بن المفضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} . يقولُ: ولو سَكَتوا ورَدُّوا الحديثَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإلى أميرِهم

(2)

حتى يَتَكَلَّمَ هو به: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ} . يعنى عن الأخبارِ، وهم الذين يُنقِّرُون

(3)

عن الأخبارِ

(4)

.

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} . يقولُ: إلى عُلمائِهم، {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}: لعَلِمه الذين يَفْحَصُونَ

(5)

عنه، ويُهمهم ذلك

(6)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ} حتى يكونَ هو الذي يُخبرهم: {وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} :

(1)

في الأصل، ص:"تراه".

(2)

في م: "أولى أمرهم". وت 1، ت 2، ت 3:"أمرهم".

(3)

في الأصل، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ينفرون". وغير منقوطة في ص، والمثبت من مصدر التخريج، وينقرون عن الأخبار، أي: يبحثون عنها. ينظر التاج (ن ق ر).

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1015، 1016 (5687، 5688، 5695) من طريق أحمد بن مفضل به.

(5)

في الأصل: "يحضون"، وفي ص:"يفصحون".

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1015 (5689) من طريق يزيد به إلى قوله: علمائهم. وباقيه عقب الأثر (5695) معلقا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 187 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 256

الفِقْهِ

(1)

في الدينِ والعقلِ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجُ، [عن عن أبي جعفرٍ]

(2)

، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} . [قال: العلمِ]

(3)

. {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} : [يَتَّبَعُونه فيَتَحَسَّسونه]

(4)

(5)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا ابن إدريسَ، قال: أخبرَنا الليثُ، عن مجاهدٍ:{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} . قال: الذين يسألون عنه ويَتَحَسَّسونه

(6)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{يَسْتَنْبِطُونَهُ} . قال: قولُهم: ماذا كان؟ ماذا سَمِعتُم؟

(7)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن أبي جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ:{الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ} . قال: الذين يَتَحَسَّسونه.

(1)

في م: "أولى الفقه".

(2)

في الأصل: "ابن جريج".

(3)

سقط من: م.

(4)

في ص: "يتتبعونه يتحسسونه". وفى م، ت 1، ت 2، ت 3:"يتتبعونه ويتحسسونه" وفي مصدر التخريج: "يتتبعونه ويتجسسونه".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1016 (5693) من طريق أبي جعفر عن أبي العالية. والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 1/ 186، 187 إلى ابن المنذر.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 1/ 187 إلى المصنف وابن المنذر.

(7)

تفسير مجاهد ص 287، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1016 (5694)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 187 إلى عبد بن حميد.

ص: 257

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: حدَّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} . يقولُ: لعَلِمه الذين يَتَحَسَّسونه

(1)

.

حُدِّثتُ عن [الحسينِ بن الفرجِ]

(2)

، قال: سمِعتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: أخبَرَنا عُبَيدٌ، قال: سمِعتُ الضَّحَّاكَ يقولُ في قولِه: {يَسْتَنْبِطُونَهُ} . قال: يتَّبَّعونه

(3)

.

حدَّثني يونس، قال: أخبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ} . حتى بلَغ: {وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} . قال: الولاةُ الذين يكونون في الحربِ عليهم، الذين يَتَفَكَّرون فيَنْظُرون لِما جاءهم مِن الخبرِ؛ أصِدْقٌ أم كَذِبٌ؟ باطلٌ فيُبْطِلونه، أو حقٌّ يُحقِّقُونه

(4)

؟ [الولاةُ الذين يستنبِطُونه على القومِ في الحربِ]

(5)

. قال: وهذا في الحربِ [وقد]

(6)

أذَاعُوا به، ولو فَعَلوا غيرَ هذا و

(7)

ردُّوه إلى اللهِ و {إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} . الآية.

[حدَّثنا محمدُ بنُ المثنَّى وابنُ بشارٍ، قالا: حدَّثنا عمرُ بنُ يونسَ، وحدثنا أحمدُ بنُ منصورٍ، قال: حدَّثنا أبو حذيفةَ، قالا جميعًا: حدَّثنا عكرمةُ بنُ عمارٍ،]

(8)

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1016 (5692) عن محمد بن سعد به، بنحوه.

(2)

في الأصل: "الحسن".

(3)

في م، ت 2، ت 3:"يتتبعونه".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2 ت 3 س:"يحقونه" وهما لغتان؛ يقال: حقَّ الأمرَ وحقَّقه: صدَّقه. اللسان (ح ق ق).

(5)

سقط من: م، ت 2، ت 3.

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"وقرأ".

(7)

سقط من: الأصل، ص، س.

(8)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 258

[عن سِمَاكٍ أبي رُمَيْلٍ، قال: أخبرنا ابن عباسٍ، أن عمرَ بنَ الخطابِ حدَّثه قال: لما اعتزَل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، وكان وجَد عليهن في اعتزالِهنَّ في مشرُبَةٍ

(1)

له في خِزانتِه، فقال عمرُ: دخلتُ المسجدَ فإذا الناسُ ينكُتُون الحصباءَ، ويقولون: طلَّق رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه. فقلتُ: لأعلَمنَّ هذا اليومَ. وذلك قبلَ أن يأمرَ النبيُّ، عليه السلام، بالحجابِ، فدخَلْتُ على عائشةَ بنتِ أبي بكرٍ، فقلتُ: يا بنتَ أبي بكرٍ، قد بلَغ مِن أمرِكِ أن تؤذِى رسولَ اللهِ؟! قالت: ما لي وما لَك يا بنَ الخطابِ، عليك بعَيْبَتِكَ

(2)

. فأتيتُ حفصةَ بنتَ عمرَ، فقلتُ: يا حفصةُ، واللهِ لقد علِمتِ أنّ رسولَ اللَّهِ لم يُحبَّكِ، ولولا أنا لطلَّقكِ. قال: فبكتْ

(3)

أشدَّ البكاءِ. قال: ثمّ قلتُ: أينَ رسولُ اللَّهِ؟ فقالت: في خزانتِه. فذهبتُ فإذا أنا برَبَاحٍ غلامِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قاعِدًا على أُسْكُفَّةِ

(4)

الغرفةِ مُدَلِّيا رجلَيْه على نَقِيرٍ - يعنى جِذْعًا مَبْقُورًا

(5)

- فقلتُ: يا رباحُ، استأذِنْ لي عندَك على رسولِ اللهِ. فنظر رباحٌ إلى الغرفةِ، ثم نظَر إليَّ فسكَت، قال: فرفعتُ صوتي فقلتُ: استأذِن لي يا رباحُ؛ فإني أظنُّ أنّ رسولَ اللَّهِ يظنُّ أنّى إنما جئتُه مِن أجلِ حفصةَ، واللَّهِ لئن أمَرني رسولُ اللَّهِ أن أضربَ عنقَها لأضرِبنَّ عنقَها. قال: فنظر رباحٌ إلى الغرفةِ، ثم نظر إليّ فقال بيدِه هكذا - يعنى أنه أشار بيدِه أنِ ادْخُلْ - قال: فدخَلتُ على رسولِ اللهِ في خزانتِه، فإذا هو مضطجِعٌ على حصيرٍ، وإذا عليه إزارٌ، وجلَس فإذا الحصيرُ قد]

(6)

(1)

المشربة بضم الراء وفتحها: الغرفة. النهاية (ش ر ب).

(2)

العيبة في كلام العرب: وعاء يجعل الإنسان فيه أفضل ثيابه ونفيس متاعه، فشبهت ابنته بها، والمراد عليك بوعظ بنتك حفصة. صحيح مسلم بشرح النووى 10/ 82.

(3)

في الأصل: "فبكيت". والمثبت من مصدر التخريج.

(4)

الأسكفة: عتبة الباب السفلى. المصدر السابق 10/ 82.

(5)

مبقور: أي مشقوق. التاج (ب ق ر).

(6)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 259

[أثَّر في جنبِه، وقلَّبتُ عينيَّ في خزانةِ رسولِ اللهِ فإذا ليس فيها شيءٌ في الدنيا غيرَ قبْضَةٍ من شعيرٍ وقبضةٍ من قُرْطٍ

(1)

، إنهما نحوُ الصاعَيْن، وإذا أَفِيقٌ

(2)

معلَّقٌ أو أفيقان معلقٌ

(3)

، فابتدَرتْ عيناى

(4)

. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيكَ يا بنَ الخطابِ؟ " فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، وما لى لا أبكى وأنت صفوةُ اللهِ ورسولُه وخيرتُه من خلقِه، وهذه خزانتُكَ، وهذه الأعاجمُ؛ كسرى وقيصرُ في الثمارِ والأنهارِ، وأنت هكذا قال:"يا بن الخطابِ، أمَا ترضى أن تكونَ لنا الآخرةُ، ولهم الدنيا؟ ". قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ. قال: "فاحمَد الله". قال: ما تكلَّمتُ بشيءٍ قطُّ إلا أنزل اللهُ تصديقَ قولِه لى من السماءِ. فقلتُ: يا نبيَّ اللهُ، إنْ كُنتَ طلَّقتَهنَّ فإنَّ الله معك وجبريلُ وميكائيلُ وأنا وأبو بكرٍ والمؤمنون. فأنَزل اللهُ:{وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ} [التحريم: 4] إلى آخرِ الآيةِ، فما زلتُ أحدَّثُ نبيَّ اللهِ، عليه السلام، وأنا أعرِفُ الغضبَ في وجهِه حتى جعَل وجهُه يتهلَّلُ، قال: وكَشَر

(5)

، فرأيتُ ثغرَه، وكان من أحسنِ الناسِ ثغرًا. قال: أجَلْ، إني لم أطلِّقْهنَّ. فقلتُ: يا نبيَّ اللهِ، إنهم قد أذاعوا أنك قد طلَّقْتَ نساءَك فأُخبرُهم

(6)

أنك لم تُطلِّقْهنَّ؟ فقال: "إنْ شئتَ فعلتَ". فقمتُ على بابِ المسجدِ، فقلتُ: ألا إن]

(7)

(1)

في مصادر التخريج "قرظ" بفتحتين وظاء معجمة وعرفه الشراح بأنه ورق السلم الذي يدبغ به، وكذا تعريفه في معاجم اللغة، والقرط: هو الذي تعلفه الدواب، وهو شبيه بالرطبة وهو أجل منها وأعظم ورقًا. اللسان (ق ر ط).

(2)

هو الجلد الذي لم يتم دباغه، وجمعه أُفَق كأديم وأدم. صحيح مسلم بشرح النووى 10/ 83.

(3)

كذا في الأصل.

(4)

فابتدرت عيناي: أي سالتا بالدموع. النهاية (ب د ر).

(5)

أي أبدى أسنانه تبسما، ويقال أيضا في الغضب، وقال ابن السكيت: كشر وبسم وابتسم وافترّ، كله بمعنى واحد فإن زاد قيل: قهقه وزهدق وكركر. صحيح مسلم بشرح النووى 10/ 84.

(6)

في الأصل: "فأخبرتهم" والمثبت من مصدر التخريج.

(7)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 260

[رسولَ اللهِ لم يطلقْ نساءَه، فأنزل اللهُ في الذي كان مِن شأنى وشأنِه:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} قال عمرُ: فأنا الذي استنبطتُ منه

(1)

]

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤه، ولولا إنعامُ اللهِ عليكم، أيُّها المؤمنون، بفَضْلِه وتَوْفِيقِه ورَحْمتِه، فأنقَذَكم مما ابتَلى به هؤلاء المنافِقين، الذين يقولون لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا أمَرهم بأمرٍ: طاعةٌ. فإذا بَرَزُوا مِن عندِه بَيَّت طائفةٌ منهم غيرَ الذي تقولُ، لكنتُم مثلَهم فاتَّبَعتُم الشيطانَ. كما اتَّبَعه هؤلاء الذين وَصَف صفتَهم.

وخاطَب بقولِه تعالى ذكرُه: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} . الذين خاطَبهم بقولِه جلَّ ثناؤه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء: 71].

ثم اختَلف أهلُ التأويلِ في القليلِ الذين استَثْناهم اللهُ، مَنْ هُم؟ ومِن أيِّ شيءٍ من الصفاتِ استَثْناهم؟ فقال بعضُهم: هم المستنبطون مِن أولى الأمرِ، استثناهم مِن قولِه:{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} . ونَفَى عنهم أن يَعْلَموا بالاستنباطِ ما يَعلَمُ

(1)

أخرجه البخارى في الأدب المفرد (835)، ومسلم (1479)، والترمذى (2691)، وابن ماجه (4153)، وابن خزيمة (1921، 2178) من طرق عن عمر بن يونس به. وللحديث طرق أخرى عن ابن عباس عند البخارى وغيره، ينظر مسند الطيالسي (23 - طبعتنا).

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 261

به غيرُهم مِن المُسْتَنبِطين مِن الخبرِ الواردِ عليهم مِن الأمنِ أو الخوفِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: إنما هو: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} إلا قليلًا

(1)

{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} . يقولُ: لاتَّبَعتم الشيطانَ كُلُّكم. وأما قولُه: {إِلَّا قَلِيلًا} . فهو كقولِه: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} . إلا قليلًا

(3)

.

[حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ قراءةً، عن سعيدٍ، عن قتادةَ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}. قال: يقولُ: لاتَّبَعْتم الشيطانَ كُلُّكم. وأما: {إِلَّا قَلِيلًا}. فهو كقولِه: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} إِلَّا قَلِيلًا]

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ نحوَه - يعني نحوَ قولِ قتادةَ - وقال: لَعَلِموه

(5)

إلا قليلًا.

(1)

بعده في م، ت 1، ت 2، ت:"منهم".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 187 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 166، 167، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1017 (5701) عن الحسن بن يحيى به. مختصرًا. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 1/ 187 إلى ابن المنذر.

(4)

زيادة من ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

في الأصل: "لعلمه".

ص: 262

وقال آخرون: بل هم الطائفةُ الذين وصف اللهُ أنهم يقولون لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: طاعةٌ. فإذا بَرَزوا من عنده بَيَّتوا غيرَ الذي قالوا [له، وقالوا: واستثناهم اللهُ مِن قولِه: {أَذَاعُوا بِهِ}. وقالوا]

(1)

: معنى الكلامِ: وإذا جاءهم أمرٌ من الأمنِ أو الخوفِ أذاعُوا به، إلا قليلًا منهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الله، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} : [فانقَطَع الكلامُ. وقولُه]

(1)

": {إِلَّا قَلِيلًا} . فهو في أوَّلِ الآيةِ يُخبِرُ عن

(2)

المنافِقين، قال

(3)

: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} : يعنى بالقليلِ المؤمنين. [يقولُ اللهُ]

(4)

: الحمدُ للهِ الذي أنزل الكتاب عدلًا قيمًا، ولم يجعلْ له عوجًا

(5)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: هذه الآيةُ مُقَدَّمَةٌ ومُؤخَّرَةٌ، إنما هي: أذاعُوا به إلا قليلًا منهم، [{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} هذه مقدَّمةٌ. وقال]

(1)

: ولولا فضلُ اللهِ عليكم

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في الأصيل: "به"، وسقط من: ص، ت 1، س.

(3)

في الأصل: "قالوا".

(4)

في ص، م:"كقول"، وفى ت 1، ت 2، ت 3، س:"يقول". والمصنف هنا ذكر ما في آية الكهف "الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما" من التقديم والتأخير.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1017 (5700، 5702) من طريق عبد الله بن صالح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 187 إلى ابن المنذر.

ص: 263

ورحمتُه لم يَنْجُ قليلٌ ولا كثيرٌ

(1)

.

وقال آخَرون: بل ذلك استثناءٌ من قولِه: {لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} . وقالوا

(2)

: الذين استُثْنُوا؛ هم قومٌ لم يكونوا هَمُّوا بما كان الآخَرون هَمُّوا به مِن اتِّباعِ الشيطانِ. فعَرَّف اللهُ جلَّ ثناؤه الذين أنقَذهم مِن ذلك مَوْقِعَ نِعْمتِه منهم، واستَثْنى الذين لم يكنْ منهم في ذلك ما كان من الآخَرِين.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حُدِّثتُ عن الحسينِ، قال: سمِعتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: أخبرَنا عُبَيدُ بنُ سليمانَ

(3)

، قال: سمعتُ الضَّحَّاكَ بنَ مُزاحِمٍ يقولُ في قولِه: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} . قال: هم أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كانوا حَدَّثوا أنفسَهم بأمورٍ من أمورِ الشيطانِ، إلا طائفةً منهم

(4)

.

وقال آخرَون: معنى ذلك: ولولا فضلُ اللهِ عليكم ورحمتُه لاتَّبَعْتم الشيطانَ [جميعًا. قالوا: وقولُه]

(5)

: {إِلَّا قَلِيلًا} . خَرَجَ مَخْرِجَ الاستثناءِ في اللفظِ، وهو دليلٌ على الجميعِ والإحاطةِ، وأنه لولا فَضْلُ اللهِ عليهم ورحمتُه لم يَنْجُ أحدٌ مِن الضلالةِ، فجعَل قولَه:{إِلَّا قَلِيلًا} . دليلًا على الإحاطةِ، واستَشْهَدوا على ذلك بقولِ الطِّرِمَّاحِ بن حكيمٍ في مدحِ يزيدَ بن المُهَلَّبِ

(6)

:

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 187 إلى المصنف. وينظر التبيان 3/ 274.

(2)

في الأصل، ت 1:"قال".

(3)

في م: "سلمان".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1017 (5703) من طريق على بن الحكم عن الضحاك، بنحوه.

(5)

سقط من: الأصل.

(6)

ديوانه ص 83.

ص: 264

أَشَمُّ كَثِيرُ [يُدِيِّ النَّوَالِ]

(1)

قليلُ المَثَالِبِ والقَادِحَهْ

قالوا: فظاهرُ هذا القولِ وَصْفُ الممدوحِ بأن فيه المَثالِبَ والمَعايِبَ، ومعلومٌ أن معناه، أنه لا مَثالِبَ فيه ولا مَعايِبَ؛ لأن مَن وَصَف رجلًا بأن فيه مَعايبَ - وإنْ وَصَف الذي فيه مِن

(2)

المعايب بالقِلَّةِ

(3)

- فإنما ذَمَّه ولم يمدَحْه، ولكنَّ ذلك على ما وَصَفْنَا مِن نَفْي

(4)

جميعِ المَعايبِ عنه. قالوا: فكذلك قولُه: {لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} . إنما معناه، لاتَّبَعْتُم جميعُكم الشيطانَ.

وأولى هذه الأقوالِ بالصوابِ في ذلك عندى، قولُ مَن قال: عَنَى باستثناءِ القليلِ من الإذاعةِ، وقال: معنى الكلامِ: وإذا جاءهم أمرٌ مِن الأمنِ أو الخوفِ أذاعوا به إلا قليلًا، ولو رَدُّوه إلى الرسولِ.

وإنما قلنا: إنَّ ذلك أولى بالصوابِ؛ لأنه لا يَخْلو القولُ في ذلك مِن أحدِ الأقوالِ التي ذكَرْنا، وغيرُ جائزٍ أن يكونَ مِن قولِه:{لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} ؛ لأنَّ مَن تَفَضَّلَ اللهُ عليه بفضلهِ ورحمتِه، فغيرُ جائزٍ أن يكونَ مِن أتْبَاعِ الشيطانِ.

وغيرُ جائزٍ أن نحمِلَ معاني كتابِ اللهِ على غيرِ الأغلبِ المفهومِ بالظاهرِ مِن الخطابِ في كلامِ العربِ، ولنا إلى حَمْلِ ذلك على الأغلبِ من كلامِ العربِ سبيلٌ، فتَوْجِيهُه إلى المعنى الذي وَجَّهَه إليه القائلون: معنى ذلك، لاتَّبَعتم الشيطانَ جميعًا. ثم زعَم أن قولَه:{إِلَّا قَلِيلًا} . دليل على الإحاطةِ بالجميعِ. هذا مع

(1)

في الأصل، ص:"ندى النوادى" وفى الديوان: "بوادى النوال". وقوله: (يدى) هو جمع يد. ينظر الوسيط (ى د ى).

(2)

سقط من: م.

(3)

في الأصل: "والقلة".

(4)

سقط من: الأصل.

ص: 265

خروجِه من تأويلِ أهلِ التأويلِ، [لا وجهَ له]

(1)

.

وكذلك لا وَجْهَ [لتَوجِيه ذلك]

(2)

إلى الاستثناءِ مِن قولِه: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ؛ لأن علمَ ذلك إذا رُدَّ إلى الرسولِ وإلى أولى الأمرِ منهم، فَبَيَّنه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأولو العلمِ

(3)

منهم بعدَ وضوحِه لهم، استَوى في علمِ ذلك كلُّ مُسْتنبط حقيقته

(4)

، فلا وَجْهَ لاستثناءِ بعضِ المُسْتَنبِطِين منهم، وخصوصِ بعضِهم لعلمِه

(5)

، مع استواءِ جميعِهم في علمِه.

وإذ كان لا قولَ في ذلك إلا ما قُلنا، فدَخَل

(6)

هذه الأقوالَ الثلاثةَ ما بَيَّنَّا مِن الحَالِ

(7)

، فبَيِّنٌ أن الصحيحَ مِن القولِ في ذلك هو الرابعُ

(8)

، وهو القولُ الذي قَضَينا له بالصوابِ مِن أنّ

(9)

الاستثناءَ من الإذاعةِ

(10)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ وعزَّ: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)} .

يعنى بقولِه جلَّ ثناؤُه: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} :

(1)

سقط من: الأصل، ص، ت 1، س.

(2)

في الأصل: "للتوجيه ذلك إلا".

(3)

في ص، م:"الأمر".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"حقيقة".

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بعلمه".

(6)

كذا في النسخ جميعها، ولعل الأولى:"ودخل" بالواو لا بالفاء.

(7)

في ص، م، ت 2، ت 3:"الخلل". وفي ت 1: "الجليل".

(8)

في الأصل: "الرامع". ولا وجه له.

(9)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(10)

وهو الذي استحسنه الفراء في معانيه 1/ 279.

ص: 266

فَجَاهِدْ يا محمد أعداءَ اللهِ مِن أهلِ الشركِ به {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، يعني: في دينِه الذي شَرَعه لك، وهو الإسلامُ، وقاتِلْهم فيه بنفسِك.

فأما قولُه: {لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} ، فإنه يعنى: لا يُكَلِّفُ اللهُ فيما فَرَض عليك مِن جهادِ عدوِّك وعدوِّه، إلا ما حمَّلك مِن ذلك دونَ ما حَمَّل غيرَك منه، أي إنك إنما تُتَّبع

(1)

بما اكتسبتَه دونَ ما اكتَسَبه غيرُك، وإنما عليك ما كُلِّفتَه دونَ ما كُلِّفه غيرُك.

ثم قال له: {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} ، يعني: وحُضَّهم على قتالِ مَن أمرَتُك بقتالِهم معك، {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا}. يقولُ: لعل الله أن يَكُفَّ قتالَ مَن كفَر باللهِ وجَحَد وَحْدانيتَه وأنكَر رسالتَك، عنك وعنهم، ونِكايتَهم.

وقد بَيَّنَّا فيما مضَى أنَّ "عسى" مِن اللهِ واجبةٌ بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ

(2)

.

{وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} . يقولُ: واللهُ أَشَدُّ نِكايةً في عدوَّه مِن أهلِ الكفرِ به، به، منهم فيك يا محمدُ وفى أصحابك فلا تَنْكُلَنَّ عن قتالهم، فإنى راصِدُهم بالبأسِ والنِّكايةِ والتَّنْكيلِ والعقوبةِ، لأُوهِنَ كيدَهم، وأُضْعِفَ بأسَهم، وأُعْلِىَ الحقَّ عليهم.

والتَّنْكِيلُ مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: نَكَّلتُ بفلانٍ، فأنا أُنكِّلُ به تَنْكِيلًا. إذا أوجَعْتَه عقوبةً.

(1)

في الأصل: "تنتفع".

(2)

لم نهتد فيما مضى إلى تبيين الطبرى أن "عسى" من الله واجبة.

ص: 267

كما حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} : أي عُقوبةً

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} .

يعنى بقوله جلّ ثناؤه: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} : مَن يَصِرْ يا محمد شَفْعًا لوِتْرِ أصحابِك، فيَشْفَعُهم في جهادِ عدوِّهم وقتالِهم في سبيلِ اللهِ، وهو الشَّفاعةُ الحسنةُ، {يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا}. يقولُ: يكنْ له مِن شفاعتِه تلك نَصِيبٌ، وهو الحَظُّ من ثوابٍ اللهِ، وجزيلِ كرامتِه:{وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً} . يقولُ: ومَن يَشْفَعْ وِتْرَ أهلِ الكفرِ باللهِ على المؤمنين به، فيُقاتِلْهم معهم، وذلك هو الشفاعةُ السيئةُ، {يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}. يعني بالكِفْلِ: النصيبَ والحظَّ من الوِزْرِ والإثمِ، وهو مأخوذٌ مِن كِفْلِ البعيرِ والمَرْكَبِ، وهو الكساءُ أو الشيءُ يُهَيَّأُ عليه، شَبيهًا بالسَّرْجِ على الدابةِ. يقالُ منه: جاءنا فلانٌ مُكْتَفِلًا. إذا جاءنا على مَرْكَبٍ قد وُطِّئَ له - على ما بَيَّنَّا - لركوبِه.

وقد قيل: إنه عَنَى بقولِه: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} . الآية: شفاعةَ الناسِ بعضهم لبعض. وغيرُ مُسْتَنكَرٍ أن تكونَ الآيةُ نَزَلَت فيما ذكَرنا، ثم عُمَّ بذلك كلُّ شافعٍ

(2)

بخيرٍ أو شرٍّ.

وإنما اخترنا ما قُلنا مِن القول في ذلك؛ لأنه في سياق الآيةِ التي أمرَ اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم ما فيها بحَضِّ المؤمنين على القتالِ، فكان ذلك بالوعدِ لمَن أجابَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1018 (5709) من طريق يزيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 187 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

في الأصل: "شفاعة".

ص: 268

والوعيدِ لمَن أبَى إجابتَه، أشبهَ منه مِن الحَثِّ على شفاعةِ الناسِ بعضِهم لبعضٍ التي لم يَجْرِ لها ذكرٌ قبلُ، ولا لها ذكرٌ بعدُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك في شفاعة الناس بعضهم لبعضٍ

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ جميعًا، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} ، {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً}. قال:[شفاعةُ بعضِ الناسِ لبعضٍ]

(1)

(2)

.

حُدِّثتُ عن ابن مَهْدِيٍّ، عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ، عن حُمَيدٍ، عن الحسنِ، قال: مَن يَشْفَعُ شفاعةً حسنةً، كان له [فيها أجران]

(3)

و [إن لم يُشَفَّعْ]

(4)

؛ لأن الله يقولُ: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} ، ولم يقُلْ: مَن يُشَفَّعْ

(5)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سُفيانَ، عن رجلٍ، عن الحسنِ، قال:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} . كُتب له أجرُها ما جَرَت مَنْفعتُها

(6)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: سألتُه - يعنى ابنَ

(1)

في الأصل: "شفاعة الناس بعضهم بعض". والمثبت موافق لما في الدر المنثور وتفسير ابن أبي حاتم.

(2)

تفسير مجاهد ص 287 ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1018 (5711)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 187 إلى عبد بن حميد وابن المنذر، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح 10/ 451.

(3)

في م: "أجرها".

(4)

سقط من: ص، ت 1، س.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1018 (5712) من طريق حماد بن سلمة به، بنحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 187 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 187 إلى المصنف.

ص: 269

زيد - عن قولِ اللهِ: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} ، قال: الشفاعةُ الصالحةُ التي شُفع فيها وعُمِل بها، هي بينَك وبينَه، هما فيها شريكان. {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}. قال: هما شَرِيكان فيها كما كان هذان

(1)

شَريكَين.

‌ذكرُ مَن قال: الكِفْلُ النصيبُ

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} ، أي: حَظَّ مِنها {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} . والكِفْلُ هو الإثمُ

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ قولَه:{يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} : أمَّا الكِفْلُ فالحَظُّ

(3)

.

حدَّثني المُثَنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الله بنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ:{يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} . قال: حَظٌّ منها، فبِئْس الحظُّ

(4)

.

حدَّثني يونسُ، قال: حدَّثنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: الكِفْلُ والنصيبُ واحدٌ. وقرَأ: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ}

(5)

[الحديد: 28].

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)} .

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"أهلها".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1019 (5718) من طريق يزيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 187 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1019 (5716) من طريق أحمد بن مفضل به.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1019 (5717) من طريق ابن أبي جعفر به.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 187 إلى المصنف.

ص: 270

اختلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} ؛ فقال بعضُهم: تأويلُه: وكان اللهُ على كلِّ شيءٍ حفيظًا وشهيدًا.

‌ذكرُ من قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} . يقولُ: حفيظًا

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مُقِيتًا} : شهيدًا

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سُفيانَ، عن رجلٍ [لم يُسمِّه]

(3)

، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ:{مُقِيتًا} . قال: شهيدًا، حسيبًا، حفيظًا

(4)

.

حدَّثنى أحمدُ بنُ عثمانَ بن حَكيمٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ شَرِيكٍ، قال: ثنا أبي، عن خُصيفٍ، عن مجاهدٍ أبي الحَجَّاجِ:{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} . قال: المُقِيتُ الحسيبُ

(5)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: القائمُ على كلِّ شيءٍ بالتدبيرِ.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1019 (5719)، والبيهقى في الأسماء والصفات (113) من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 187 إلى ابن المنذر.

(2)

تفسير مجاهد ص 287، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1020 (5721).

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2 ت 3 س:"اسمه مجاهد".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 188 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1020 (5724) من طريق شريك به.

ص: 271

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: قال عبدُ اللهِ بنُ كَثِيرٍ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} . قال: المُقِيتُ الواصِبُ

(1)

.

وقال آخرون: بل هو القديرُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدٌ، قال: ثنا أحمدُ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} . أمَّا المُقِيتُ فالقديرُ

(2)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} . قال: على كلِّ شيءٍ قديرًا. المقيتُ: القديرُ

(3)

.

والصوابُ من هذه الأقوالِ قولُ مَن قال: معنى المُقيتِ: القديرُ. وذلك أن ذلك - فيما يُذكرُ - كذلك بلغةِ قريشٍ، ويُنشَدُ للزبيرِ بن عبدِ المطلبِ، عمِّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(4)

:

وَذِى ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عنه

وكُنتُ على مَساءَتِه مُقِيتَا

أي: قادرًا

(5)

. وقد قيل: إن منه قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "كَفى بالمرءِ إثمًا أن يُضِيعَ

(1)

ينظر تفسير ابن كثير 2/ 324، والواصب: المواظب على الشيء، يقال: وصب الرجل في ماله وعلى ماله: واظب عليه. ينظر التاج (و ص ب).

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1020 عقب الأثر (5722) من طريق أسباط به.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 188 إلى المصنف.

(4)

البيت في اللسان (ق و ت) معزوا لأبي قيس بن رفاعة، قال: وقد روى أنه للزبير بن عبد المطلب، وأورده السيوطي في الدر المنثور 2/ 187، 188 وقد استشهد به ابن عباس ونسبه لأحيحة بن الجلاح الأنصاري.

(5)

في م: "قديرا".

ص: 272

مَن يُقِيتُ"

(1)

. في روايةِ مَن رَواها: يُقِيتُ، يعني: مَن هو تحتَ يَدَيه وفي سلطانِه من أهلِه وعيالِه، فيُقَدِّرُ له قوته. يقالُ منه: أقاتَ فلانٌ الشيءَ يُقِيتُه إقاتةً، وقاتَه يَقوتُه قياتةً وقَوْتًا، والقُوتُ الاسمُ. وأما المُقِيتُ في بيت اليهوديِّ

(2)

الذي يقولُ فيه:

ليتَ شِعْرِي وأَشْعُرَنَّ إذا ما

قَرَّبوها مَطْوِيَّةً

(3)

ودُعِيتُ

أَلِي الفَضْلُ أَم عَلَيَّ إِذا حُو

سِبْتُ إنِّي على الحسابِ مُقِيتُ

فإنّ معناه: فإنِّى على الحسابِ موقوفٌ، وهو مِن غيرِ هذا المعنى.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}

يعنى بقوله جلَّ ثناؤُه: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} : إذا دُعِى لكم بطولِ الحياةِ والبقاءِ والسلامةِ، {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}. يقولُ: فَادْعُوا لَمَن دَعا لكم بذلك بأحسَنَ مما دعا لكم، {أَوْ رُدُّوهَا} ، يقولُ: أو رُدُّوا التحيةَ.

ثم اختَلف أهلُ التأويلِ في صفةِ التحيةِ التي هي أحسنُ مما حُيِّى به المُحَيَّا، والتي هي مثلُها؛ فقال بعضُهم: التي هي أحسنُ منها أن يقولَ المُسلَّمُ عليه إذا قيل: السلامُ عليكم: وعليكم السلامُ ورحمةُ اللهِ. فيزيدُ على دعاءِ الداعِى له. والردُّ أن يقولَ: السلامُ عليكم. مثلَ ما قيل له، أو يقولَ: وعليكم السلامُ. فيَدْعُو للدَّاعِى له مثلَ الذي دَعا له.

(1)

أخرجه الطيالسي (2395) - طبعتنا)، وأحمد 11/ 36 (6495)، وأبو داود (1692)، والنسائي في الكبرى (9176)، وابن حبان (4240) من حديث عبد الله بن عمرو. وأخرجه مسلم (996) بلفظ:"كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته".

(2)

هو السموأل بن عادياء والبيتان في ديوانه ص 81 ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1/ 135، واللسان (ق و ت).

(3)

في م: "منشورة" وكذا في الديوان واللسان، وما أثبتناه موافق لما في مجاز القرآن.

ص: 273

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بن المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} . يقولُ: إذا سَلَّم عليك أحدٌ

(1)

، فقل أنت: وعليك السلامُ ورحمةُ اللهِ، أو تَقطَعَ إلى: السلامُ عليك. كما قال لك

(2)

.

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن عطاءٍ قولَه:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} . قال: في أهلِ الإسلامِ

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سُوَيدُ بن نصرٍ، قال: أخبرَنا ابن المُباركِ، عن ابن جُريجٍ، فيما قُرِئَ عليه عن عطاءٍ، قال: في أهلِ الإسلامِ.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سُفيانَ، عن أبي إسحاقَ، عن شُرَيحٍ، أنه كان يرُدُّ: السلامُ عليكم. كما يُسَلَّمُ عليه

(4)

.

حدَّثنا ابن وَكِيعٍ، قال: ثنا أبى، عن ابن عَوْنٍ وإسماعيل بن أبي خالدٍ، عن إبراهيمَ، أنه كان يَرُدُّ: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ

(5)

.

(1)

بعده في الأصل: "فسلم عليه بأحسن مما سلَّم عليك أو ردّ عليه مثل ما قال، وذلك أن تقول إذا سلم عليك أحد".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 188 إلى المصنف.

(3)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1021 عقب الأثر (5727) معلقا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 188 إلى المصنف وابن المنذر.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 8/ 611، 612 عن وكيع به، وأخرج نحوه ابن سعد 6/ 141 عن القاسم عن شريح.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 8/ 612 عن وكيع به.

ص: 274

حدَّثنا ابن وَكِيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سُفيانَ، عن عطيةَ

(1)

، عن ابن عمرَ، أنه يَرُدُّ: وعليكم

(2)

.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فحَيُّوا بأحسنَ منها أهلَ الإسلامِ، أو رُدُّوها على أهلِ الكفرِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني إسحاقُ بن إبراهيمَ بن حبيبِ بن الشهيدِ، قال: ثنا حُمَيدُ بنُ عبدِ الرحمنِ، عن الحسنِ بن صالحٍ، عن سِمَاكِ بن حربٍ، عن عِكْرمةَ، عن ابن عباسٍ، قال: مَن سَلَّم عليك مِن خَلْقِ اللهِ، فاردُدْ عليه وإن كان مجوسِيًّا، فإن الله يقولُ:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا سالمُ بنُ نوحٍ، قال: ثنا سعيدُ بنُ أَبي عَرُوبةَ، عن قتادةَ في قولِه:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} : للمسلمين، {أَوْ رُدُّوهَا} على أهلِ الكتابِ

(4)

.

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدُ، عن قتادةَ قولَه: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ

(1)

في الأصل: "عطاء".

(2)

أخرجه ابن سعد 4/ 156، 157، وابن أبي شيبة 8/ 611، والبيهقى في الشعب (9095) من طريقين عن ابن عمر، نحوه.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 8/ 631، وابن أبي الدنيا في الصمت (307)، وفي مداراة الناس (105)، وأبو يعلى (1530)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1020 (5725) من طريق حميد به. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (1107) من طريق سماك به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 188 إلى ابن المنذر. وفي رواية سماك عن عكرمة اضطراب. وينظر مجمع الزوائد (8/ 41).

(4)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"حدَّثنا بشر بن معاذ قال: حدَّثنا يزيد قال حدَّثنا سعيد عن قتادة في قوله: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها للمسلمين أوردوها على أهل الكتاب".

والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1021 (5727، 5730) من طريق سعيد به.

ص: 275

بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا}. يقولُ: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} أي على المسلمين، {أَوْ رُدُّوهَا} على أهلِ الكتابِ.

حدَّثني يونسُ، قال: حدَّثنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيد في قولِه: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} . قال: قال أبي: حَقٌّ على كلِّ مسلمٍ حُيِّىَ بتحيةٍ أن يُحَيِّىَ بأحسَنَ منها، وإذا حَيَّاه غيرُ أهلِ الإسلامِ، أن يَرُدَّ عليه بمثلِ ما قال.

وأَوْلى التأويلَين بتأويلِ الآيةِ قولُ مَن قال: ذلك في أهلِ الإسلامِ. ووَجَّه معناه إلى أن يَرُدُّ السلام على المُسْلِم إذا حَيَّاه تَحيَّةً أحسَنَ مِن تَحيَّتِه أو مثلَها. وذلك أن الصَّحاحَ مِن الآثارِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، [أنه قال:"إذا سلَّم عليكم أهلُ الكتابِ فقولوا: وعليكم"

(1)

. فبيَّن صلى الله عليه وسلم]

(2)

أنه واجبٌ على كلِّ مسلمٍ ردُّ تحيةِ كلِّ كافرٍ بأحسنَ مِن تَحيَّتِه. وقد أمَر اللهُ جلّ ثناؤه بِرَدِّ الأحسَنِ أو المِثْلِ في هذه الآيةِ، مِن غيرِ تمييزٍ منه بينَ المُسْتَوجِبِ ردَّ الأحسنِ من تحيتِه عليه، والمردودِ عليه مثلُها، بدلالةٍ يُعْلَمُ بها صحةُ قولِ مَن قال: عَنَى برَدِّ الأحسنِ المُسْلِمَ، وبرَدِّ المِثْلِ أهلَ الكفرِ.

فالصوابُ - إذا لم يكنْ في الآيةِ دلالةٌ على صحةِ ذلك، [ولا جاء بصحتِه]

(3)

أثرٌ لازمٌ عن الرسولِ صلى الله عليه وسلم أن يكونَ الخيارُ في ذلك إلى المُسلَّمِ عليه؛ بينَ

(4)

رَدَّ

(1)

أخرجه أحمد 19/ 14 (11948)، والبخارى (6258)، ومسلم (2163) من حديث أنس.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ولا بصحة"، وفى م:"ولا بصحته".

(4)

في الأصل: "من".

ص: 276

الأحسنِ أو المثلِ، إلا في الموضعِ الذي خَصَّ شيئًا من ذلك سُنَّةٌ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فيكونُ مُسَلَّما لها، وقد خَصَّتِ السُّنَّةُ أهل الكفرِ بالنَّهْى عن رَدَّ الأحسنِ مِن تحيتِهم عليهم أو مثلِها، إلا بأن يُقالَ: وعليكم. فلا ينبغي لأحدٍ أن يَتَعدَّى ما حَدَّ في ذلك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأما أهلُ الإسلامِ فإنّ لمَن سُلِّم عليه منهم في الردِّ مِن الخيارِ ما جعَل اللهُ له من ذلك.

وقد رُوِى عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في تأويلِ ذلك بنحوِ ما قلنا خَبَرٌ.

وذلك ما حدَّثني موسى بنُ سهلٍ الرَّمْلِيُّ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ السَّرِيِّ الأنْطَاكِيُّ، قال: ثنا هشامُ بن لاحقٍ، عن عاصمٍ الأحولِ، عن أبي عثمانَ النَّهْدِيِّ، عن سَلْمانَ الفارسيِّ، قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: السلامُ عليك يا رسولُ اللهِ. فقال: "وعَلَيكَ ورحمةُ اللهِ". ثم أتى آخَرُ فقال: السلامُ عليك يا رسولَ اللهِ ورحمةُ اللهِ. فقال له رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وعَلَيك ورحمةُ اللهِ وَبَرَكاتُه". ثم جاء آخَرُ فقال: السلامُ عليك يا رسولَ اللهِ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه. فقال له: "وعَلَيكَ". فقال له الرجلُ: يا نبيَّ الله، بأبي أنت وأمى، أتاك فلانٌ وفلانٌ، فَسَلَّما عليك، فرَدَدْتَ عليهما أكثر مما رَدَدْتَ عليَّ؟ فقال:"إنكَ لم تَدَعْ لنا شيئًا، قال اللهُ: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}. فرَدَدْناها عليكَ"

(1)

.

فإن قال قائلٌ: أفواجبٌ رَدُّ التَّحِيةِ على ما أمَر اللهُ في كتابِه؟ قيل: نعم، وبه كان يقولُ جماعةٌ من المُتَقدِّمِين.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1020، 1021 (5726) من طريق الأنطاكي به، وأخرجه أحمد في الزهد - كما في الدر المنثور 2/ 188 - ومن طريقه الطبراني (6114) عن هشام بن لاحق به. قال الهيثمي في المجمع 8/ 33 هشام بن لاحق قواه النسائي وترك أحمد حديثه. وينظر الميزان 4/ 306. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 188 إلى ابن المنذر وابن مردويه.

ص: 277

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سُوَيدُ بن نصرٍ، قال: حدَّثنا ابن المُباركِ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: أخبَرني أبو الزُبيرِ أنه سمِع جابرَ بن عبدِ اللهِ يَقولُ ما رأيتُه إلا يُوجِبُه قولَه: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}

(1)

.

حدَّثنا المثنَّى، قال: ثنا سُوَيْدٌ، قال: أَخْبَرَنا ابن المُبارَكِ، عن سُفيانَ، عن رجلٍ، عن الحسنِ قال: السلامُ تَطوُّعٌ، والردُّ فَريضةٌ

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جل ثناؤُه: إن الله كان على كلِّ شيءٍ مما تَعْمَلون أيُّها الناسُ مِن الأعْمالِ، من طاعةٍ ومعصيةٍ، حَفيظًا عليكم، حتى يُجازِيَكم بها جَزاءه.

كما حدَّثني محمدُ بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى. وحدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ جميعًا، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهِدٍ:{حَسِيبًا} . قال: حَفيظًا

(3)

.

وأصْلُ الحَسِيبِ في هذا الموضعِ عندى فَعِيلٌ مِن الحسابِ، الذي هو في معنى

(1)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1095) عن محمد بن مقاتل عن ابن المبارك به. وينظر صحيح الأدب المفرد (833).

(2)

أخرجه البخارى في الأدب المفرد (1040) من طريق سفيان عن هشام عن الحسن به. وينظر صحيح الأدب المفرد (794).

(3)

تفسير مجاهد ص 288، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 30/ 1021 (5732)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 189 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 278

الإحْصاءِ، يُقالُ منه: حاسَبْتُ فلانًا على كذا وكذا، وفلانٌ يُحاسِبُه

(1)

علي وكذا وكذا، فهو حَسِيبُه، وذلك إذا كان صاحبَ حِسابِه.

وقد زعَم بعضُ أهلِ البصرةِ من أهلِ اللغةِ، أن معنى الحَسيبِ في هذا الموضعِ: الكافِى، يُقالُ منه: أَحْسَبَنى الشيء يُحْسِبُنى إحْسابًا، بمعنى: كفاني، من قولهم: حَسْبي كذا وكذا.

قال أبو جعفر رحمه الله: وهذا غلطٌ مِن القولِ وخطأٌ، وذلك أنه لا يُقالُ في "أَحْسَبَنى

(2)

الشيءَ": أحْسَبَنى

(2)

على الشيءِ فهو حَسِيبٌ عليه، وإنما يُقالُ: هو حَسْبُه وحَسِيبُه، واللهُ يقولُ:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} .

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بقوله جلَّ ثناؤُه: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} : المَعْبودُ الذي لا تَنْبَغى العُبودَةُ إلا له هو، الذي له عِبادةُ كلِّ شيءٍ، وطاعةُ كلٌ طائعٍ.

وقولُه: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} يقولُ: ليَبْعَثَنَّكُم مِن بعدِ مَماتِكم، فلَيَحْشُرَنَّكم جميعًا إلى موقفِ الحسابِ الذي يُجازى الناسَ فيه بأعْمالِهم، ويَقْضِى فيه بينَ أهلِ طاعتِه ومعصيتِه، وأهلِ الإيمانِ به والكفرِ، {لَا رَيْبَ فِيهِ} ، يقولُ: لا شكَّ في حقيقةِ ما أَقولُ لكم مِن ذلك، وأُخْبِرُكم من خبرِى، بأنِّي جامِعُكم إلى يومِ القيامةِ بعدَ مَماتِكم. {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} ، يعنى بذلك: فاعْلَموا حقيقةَ ما أَخْبرتُكم مِن الخبرِ، فإنِّي جامِعُكم إلى يومِ القيامةِ للجَزاءِ والعَرْضِ

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"حاسبه".

(2)

في النسخ: "أحسبت". والمثبت ما يقتضيه السياق.

ص: 279

والحسابِ والثوابِ والعقابِ يقينًا، فلا تَشُكُّوا في صحتِه، ولا تَمْتَرُوا في حقيقتِه، فإن قولِى الصدقُ الذي لا كَذِبَ فيه، ووَعْدى الحقُّ

(1)

الذي لا خُلْفَ له. {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} . يقولُ: وأيُّ ناطقٍ أصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا، وذلك أن الكاذبَ إنما يَكْذِبُ ليَجْتَلِب بكذبِه إلى نفسِه نفعًا، أو يَدْفَعَ عنها ضَرًّا، واللهُ تعالى ذكرُه خالقُ الضَّرِّ والنفعِ، فغيرُ جائزٍ أن يَكونَ منه كذبٌ؛ لأنه [لا يَدْعُو إلى ذلك اجْتِلابُ نفعٍ به، ولا دفعُ ضَرٍّ عن نفسِه، وإنّما يجوزُ ذلك على مَن دونَه، فمنَ ذا الذي لا يحتاجُ إلى اجتلابِ نفعٍ إلى]

(2)

نفسِه، أو دفعِ ضَرٍّ عنها سواه تعالى ذكرُه، فيَجوزَ أن يَكونَ له في اسْتِحالةِ الكذبِ منه نظيرٌ؟ أو مَن أَصْدَقُ مِن الله حديثًا وخبرًا؟

‌القولُ في تأويلِ قوله جلَّ ثناؤُه: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بقولِه جلَّ ثناؤُه: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} : فما شأنُكم أيُّها المؤمنون في أهلِ النِّفاقِ فِرْقتَين

(3)

مُخْتلِفتَين. {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} ، يعنى بذلك: واللهُ رَدَّهم إلى أحكامِ أهلِ الشركِ في إباحةِ دمائهم، وسَبْي ذَراريِّهم، [{بِمَا كَسَبُوا}، يعنى: بما كذَبوا الله ورسولَه، وكفَروا بعدَ إسلامِهم]

(4)

.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"الصدق".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"لا يدعوه إلى اجتلاب نفع ولا دفع ضر عن"، وفى م:"لا يدعوه إلى اجتلاب نفع إلى".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فئتين".

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 280

والإرْكاسُ الردُّ، ومنه قولُ أُميةَ بن أبي الصَّلْتِ الثقَفِيِّ

(1)

:

فأُرْكِسوا في حَمِيم النارِ أَنَّهُمُ

كانوا عُصاةً وقالوا الإفْكَ والزُّورَا

يقال منه: أَرْكسَهم ورَكَسَهم.

وقد ذُكِر أنها في قراءةِ عبدِ اللهِ وأُبَيٍّ: (واللهُ ركَسَهم) بغيرِ ألفٍ

(2)

.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في الذين نزَلَت فيهم هذه الآيةُ؛ فقال بعضُهم: نزلَت في اختلافِ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الذين تخَلَّفوا عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ أُحدٍ، وانْصَرَفوا إلى المدينةِ، وقالوا لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولأصحابِه: لو نعلَمُ قتالًا لاتَّبَعْناكم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني الفضلُ بنُ داودَ

(3)

الواسطيُّ، قال: ثنا أبو داودَ، عن شعبةَ، عن عديِّ بن ثابتٍ، قال: سمعْتُ عبدَ اللهِ بنَ يزيدَ الأنصاريَّ يُحَدِّثُ عن زيدِ بن ثابتٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا خرَج إلى أُحدٍ، رجَعَت طائفةٌ ممَّن كان معه، فكان أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتَيْن؛ فرقةٌ تَقولُ: نَقْتُلُهم. وفرقةٌ تقولُ: لا. فنزَلَت هذه الآيةُ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} الآية. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في المدينة: "إنها طَيْبةُ، وإنها تَنْفِى خَبَثَها كما تَنْفِى النارُ خَبَثَ الفِضَّةِ"

(4)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، قال: ثنا شعبةُ، عن عديِّ بن

(1)

ديوانه ص 49.

(2)

وهي قراءة شاذة. ينظر تفسير القرطبي 5/ 307.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3 س:"زياد"، وينظر الجرح والتعديل 7/ 62، وتاريخ واسط ص 242.

(4)

أخرجه الطيالسي (607، 608 - طبعتنا)، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1022، 1023 (5739). وأخرجه أحمد 5/ 184، 187، 188، 287 (الميمنية)، وعبد بن حميد (242)، والبخارى (1884، 4050، 4589)، ومسلم (1384)، (2776)، والترمذى (3028)، والنسائي في الكبرى (11113) كلهم من طرق عن شعبة به.

ص: 281

ثابتٍ، عن عبدِ اللهِ بن يزيدَ، عن زيدِ بن ثابتٍ، قال: خرَج رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فذكَر مثلَه

(1)

.

حدَّثني زُرَيقُ بنُ السَّخْتِ، قال: ثنا شَبَابِةُ، [حدَّثنا شعبةُ]

(2)

، عن عديِّ بن ثابتٍ، عن عبدِ اللهِ بن يزيدَ، عن زيدِ بن ثابتٍ، قال: ذكَروا المنافقين عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال فريقٌ: نَقْتُلُهم. وقال فريقٌ: لا تَقْتُلُهم. فأنْزَل اللهُ تبارك وتعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} إلى آخرِ الآيةِ

(3)

.

وقال آخرون: بل نزَلَت في اختلافٍ كان بينَ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في قومٍ كانوا قدِموا المدينة من مكةَ، فأظهروا للمسلمين أنهم مُسلمون، ثم رجَعوا إلى مكةَ، فأظْهَرُوا لهم الشرك.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهِدٍ:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} . قال: قومٌ خرجوا مِن مكةَ حتى أتَوُا المدينةَ يَزْعُمون أنهم مُهاجرون، ثم ارْتَدُّوا بعد ذلك، واسْتَأْذَنوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليَأْتُوا ببَضائعَ لهم يَتَّجرون فيها، فاخْتَلَف فيهم المؤمنون، فقائلٌ يقولُ: هم مُنافِقون. وقائلٌ يقولُ: هم مؤمنون. فبيَّن اللهُ نفاقَهم، فأمرَ بقتالِهم، فجاءوا ببَضائعِهم يُرِيدون المدينةَ، فلقيهم [عليُّ بنُ عُوَيْمِرٍ أو]

(4)

هلالُ بنُ عُوَيْمرٍ الْأَسْلَمِيُّ،

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 14/ 406 عن أبي أسامة به.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س، وفى الأصل:"حدَّثنا سعيد". وما في الأصل تحريف. والمثبت هو الصواب، فمدار الحديث على شعبة.

(3)

أخرجه الطحاوى في المشكل (5172) من طريق شبابة، عن شعبة به.

(4)

سقط من: م، وفى الأصل:"على بن عويمر و".

ص: 282

وبينَه وبينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حِلْفٌ، وهو الذي حَصِر صدرُه أن يُقاتِلَ المؤمنين أو يُقاتِلَ قومه، فدفَع عنهم بأنهم يؤمُّون

(1)

هلالًا، وبينَه وبينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجِيحٍ، عن مُجاهدٍ بنحوِه، غيرَ أنه قال: فبيَّن اللهُ نفاقَهم، وأمَر بقتالِهم، فلم يُقاتَلوا يومَئذٍ، فجاءوا ببَضائِعهم يُرِيدون هلالَ بنَ عُوَيمرٍ الأَسْلَميَّ، وبينَه وبينَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِلْفٌ [وقال أيضًا: فدفَع عنهم بأنَّهم يؤمُّون هلالًا، وبينَه وبين رسولِ اللهِ عليه السلام حِلْفٌ]

(3)

(4)

.

وقال آخرون: بل كان اختلافُهم في قومٍ من أهلِ الشركِ، كانوا أظْهَروا الإسلامَ بمكةَ، وكانوا يُعِينون المُشْرِكين على المسلمين.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمد بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} : وذلك أن قومًا كانوا بمكةَ قد تَكَلَّموا بالإسلامِ، وكانوا يُظاهرون المشركين، فخرَجوا من مكةَ يَطْلُبون حاجةً لهم، فقالوا: إن لِقينا أصحابَ محمدٍ فليس علينا منهم بأسٌ. وأن المؤمنين لما أُخبِروا أنهم قد خرَجوا من مكةَ، قالت فئةٌ مِن المؤمنين: ارْكَبوا إلى الخُبْثَاءِ فَاقْتُلُوهم، فإنهم يُظاهرون عليكم عدوَّكم. وقالت فئةٌ أخرى مِن المؤمنين: سبحانَ اللهِ - أو كما قالوا - تقْتُلون قومًا قد تكَلَّموا بمثلِ ما تكَلَّمْتُم به، مِنْ أَجْلِ أنهم لم يُهاجِروا

(1)

في م: "يؤمنون". ومعنى يؤمون: يقصدون.

(2)

تفسير مجاهد ص 288 ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1024 (5744)، والطحاوي في المشكل (5176)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 190 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

في ص: "عهد".

(4)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 283

ويَتْرُكوا ديارَهم؟ تُسْتَحَلُّ دماؤُهم وأموالُهم لذلك؟ فكانوا كذلك فتتين، والرسولُ عليه الصلاة والسلام عندَهم لا يَنْهَى واحدًا من الفريقين عن شيءٍ، فنزَلَت:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} الآية

(1)

.

حدَّثنا بشر بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قولَه:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} الآيةَ: ذُكِر لنا أنهما كانا رجلَينْ مِن قريشٍ، كانا مع المشركين بمكةَ، وكانا قد تكلَّما بالإسلامِ، ولم يُهاجِرا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلقِيَهما ناسٌ من أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهما مُقْبِلان من مكة، فقال بعضُهم: إن دماءهما وأموالَهما حَلالٌ. وقال بعضُهم: لا تَحِلُّ لكم. فتشاجَروا فيهما، فأنْزَل اللهُ في ذلك:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} حتى بلغ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ}

(2)

.

حدَّثنا القاسم [قال: حدَّثنا الحسينُ]

(3)

، قال: ثنا أبو سفيانَ، عن معمرِ بن راشدٍ، قال: بلَغَنى أن ناسًا مِن أهلِ مكةَ كتَبوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهم قد أسْلَموا، وكان ذلك منهم كذبًا، فلقُوهم، فاخْتَلَف فيهم المسلمون، فقالت طائفةٌ: دماؤُهم حلالٌ. وقالت طائفةٌ: دماؤهم حَرامٌ. فأنزَل اللهُ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا}

(4)

.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعْتُ أَبا مُعاذٍ، يقولُ: أَخْبَرَنَا عُبيدٌ،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1023 (5741) عن محمد بن سعد به.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 190 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س، وينظر تهذيب الكمال 12/ 162، 25/ 109.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 190 إلى المصنف.

ص: 284

قال: سمِعْتُ الضَّحاكَ يقولُ في قولِه: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} : هم ناسٌ تخَلَّفوا عن نبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأقاموا بمكةَ، وأعْلَنوا الإيمانَ، ولم يُهاجِروا، فاخْتَلَف فيهم أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فتوَلَّاهم ناسٌ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وتبرَّأَ مِن وَلايتِهم آخرون، وقالوا: تخَلَّفوا عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولم يُهاجروا. فسمَّاهم اللهُ مُنافِقِين، وبرَّأ المؤمنين من وَلايتِهم، وأمَرهم ألَّا يَتَوَلَّوْهم حتى يُهاجروا

(1)

.

وقال آخرون: بل كان اخْتلافُهم في قومِ كانوا بالمدينةِ أرادوا الخروجَ عنها نِفاقًا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} . قال: كان ناسٌ من المنافقين أرادوا أن يَخْرُجوا من المدينةِ، فقالوا للمؤمنين: إنَّا قد أصابَنا أوْجاعٌ في المدينةِ واتَّخَمْناها

(2)

، فلعلَّنا أن نَخْرُجَ إِلى الظَّهْرِ

(3)

، حتى نَتَماثَلَ ثم نَرْجِعَ، فإنا كنا أصحابَ بَرِّيَّةٍ. فانْطَلَقوا. فاخْتَلَف فيهم أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالت طائفةٌ: أعداءُ الله منافقون، ودِدْنا أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أذِن لنا فقاتَلْناهم. وقالت طائفةٌ: لا، بل إخْوانُنا غمَّتْهم

(4)

المدينةُ، فاتَّخَموها، فخرَجوا إلى الظُّهْرِ يَتَنَزَّهون، فإذا برَءوا رجَعوا. فقال اللهُ:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} . يقولُ: ما لكم

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 190، 191 إلى المصنف.

(2)

اتخمناها: استثقلناها.

(3)

الظهر: ما غلظ من الأرض وارتفع. التاج (ظ هـ ر).

(4)

في م، س:"تخمتهم".

ص: 285

تكونون فيهم فئتين، {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا}

(1)

.

وقال آخَرون: بل نزَلَت هذه الآيةُ في اختلافِ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في أمر أهلِ الإفْكِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ في قولِه: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} حتى بلَغ: {فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ} . قال: هذا في شأنِ ابن أُبَيٍّ حينَ تكَلَّم في عائشةَ بما تكَلَّم بِه.

[وحدثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: إنّ هذه الآيةَ أُنزِلت حينَ أُنزِلت: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} ، فقرأ حتى بلَغ:{فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}

(2)

. فقال سعدُ بنُ مُعَاذٍ: فإني أَبْرَأُ إِلى اللهِ وإلى رسولِه [من فئتِه]

(3)

. يُرِيدُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ ابنَ سَلُولَ

(4)

.

وأولى هذه الأقوالِ بالصوابِ في ذلك قولُ مَن قال: نزَلت هذه الآيةُ في اخِتلافِ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في قومٍ كانوا ارْتَدُّوا عَن الإسلامِ بعدَ إسلامِهم، مِن أهلِ مكةَ. وإنما قلْنا ذلك أولى بالصوابِ؛ لأن اختلافَ [أهلِ التأويلِ في ذلك إنما هو على

(5)

قولين؛ أحدهما]

(6)

: أنهم قومٌ كانوا مِن أهلِ مكةَ على ما قد

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1024 عقب الأثر (5742) من طريق عمرو بن حماد عن أسباط به.

(2)

سقط من: م.

(3)

في م: "منه".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 191 إلى المصنف، وينظر التبيان 3/ 282.

(5)

بعده في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"أحد".

(6)

في م: "ذلك إنما هو على قولين التأويل في أحدهما".

ص: 286

ذكرْنا الروايةَ عنهم. والآخرُ: أنهم قومٌ كانوا مِن أهلِ المدينةِ.

وفى قولِ اللهِ جلَّ ثناؤُه: {فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أوْضَحُ الدليلِ على أنهم كانوا مِن غيرِ أهلِ المدينةِ؛ لأن الهجرةَ كانت على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى دارِه ومدينتِه من سائرِ أرضِ الكفرِ، فأمَّا مَن كان بالمدينةِ في دارِ الهجرة مُقيمًا من المنافقين وأهلِ الشركِ، فلم يَكُنْ عليه فرضُ هجرةٍ؛ لأنه في دارِ الهجرةِ كان وطنُه ومُقامُه.

واخْتَلَف أهلُ العربيةِ في نصبِ قولِه: {فِئَتَيْنِ} فقال بعضُهم: هو منصوبٌ على الحالِ، كما تَقولُ:"مالك قائمًا". بمعنى ما لك في حالِ القيامِ، وهذا قولُ بعضِ البصريين.

وقال بعضُ نحويي الكوفيين: هو منصوبٌ على فعلِ "مالك". قال: ولا تُبالِ كان المنصوبُ في "ما لَك" معرفةً أو نكرةً. قال: ويَجوزُ في الكلامِ أن تَقولَ: ما لَك السائرَ معنا. لأنه كالفعلِ الذي يُنْصَبُ بـ "كان" و"أَظُنُّ" وما أَشْبَهَهما. قال: وكلُّ موضعٍ صلَحَت فيه فعَل ويَفْعَلُ مِن المنصوبِ جاز نصْبُ المعرفةِ منه والنكرةِ، كما يَنْصِبُ "كان" و"أَظُنُّ"؛ لأنهن نواقصُ في المعنى، وإن ظنَنْتَ أنهن تامَّاتٌ.

وهذا القولُ أولى بالصوابِ في ذلك؛ لأن المطلوبَ في قول القائلِ: ما لَك قائمًا. القيامُ، فهو في مذهبِ كان وأخواتِها وأَظُنُّ وصَواحباتِها.

وقولُه: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} .

اختلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ} فقال بعضُهم: معناه ردَّهم. كما قلنا.

ص: 287

‌ذكرُ مَن قال ذلك

[حدَّثنا القاسمُ قال: حدَّثنا الحسين]

(1)

، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ الخُراسانيٍّ، عن ابن عباسٍ:{وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} ردَّهم

(2)

.

وقال آخَرون: معنى ذلك: واللهُ أَوْقَعهم.

‌ذُكر مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: حدَّثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} : يقولُ: أَوْقَعهم

(3)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: أضَلَّهم وأهْلَكهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا أبو سفيانَ، عن مَعْمَرٍ، عن قَتادةَ:{وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ} : أَهْلَكَهم

(4)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرزاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن قَتادةَ:

(1)

في ص، م:"حدَّثنا الحسن"، وفى ت 1، ت 2، ت 3، س:"حدَّثنا الحسين". وينظر تغليق التعليق 4/ 197.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1025 (5747) من طريق ابن عطاء عن أبيه به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 191 إلى ابن المنذر.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم 3/ 1025 (5745) عن أبيه عن أبي صالح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 191 إلى ابن المنذر.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 191 إلى عبد الرزاق والمصنف وابن المنذر.

ص: 288

{وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} : أهلكهم بما عملوا

(1)

.

حدَّثنا محمدٌ، قال: ثنا أحمدُ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} : [يقولُ: أَضلَّهم بما كسبوا

(2)

.

حدثنا بشرٌ، قال: حدثنا يزيدُ، قال: حدثنا سعيدٌ، عن قتادة:{أَرْكَسَهُمْ} ]

(3)

: أهْلكهم.

وقد أتينا على البيان عن معنى ذلك قبلُ بما أغْنَى عن إعادتِه

(4)

.

‌القول في تأويل قوله جل ثناؤُه: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)} .

يعنى جل ثناؤُه بقوله: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} : أتريدون أيُّها المؤمنون أن تهدوا إلى الإسلام، فتوفِّقوه للإقرار

(5)

به والدُّخول فيه، من أضَلَّه الله عنه. يعنى بذلك: مَن خَذَله الله عنه، فلم يُوَفِّقه للإقرار به؟

وإنما هذا خطابٌ من الله تعالى ذكرُه للفئة التي دافعت عن هؤلاء المنافقين الذين وصف الله صفتهم في هذه الآية، يقول لهم جلَّ ثناؤُه: أتبغون هداية هؤلاء الذين أضلَّهم الله، فخذَلَهم عن الحقِّ [واتباع الإسلام]

(6)

، بمُدافعتكم عن قتالهم مَن أراد قتالهم من المؤمنين؟ {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}. يقولُ: ومَن

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 167.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1025 (5746) من طريق ابن مفضل به.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

تقدم في ص 281.

(5)

في س: "إلى الإقرار".

(6)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"واتباعه للإسلام".

ص: 289

يخذُله الله عن دينِه واتِّباع ما أمَرَ به؛ من الإقرار به وبنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عندِه، فأضَلَّه عنه {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ} يا محمدُ، {سَبِيلًا} يقولُ: فلن تَجِدَ له طريقًا تَهْدِيه فيه إلى إدراك ما خذَله الله [فأضله عنه]

(1)

، ولا منهجًا يَصِلُ به

(2)

منه إلى الأمرِ الذي قد حرمه الوصول إليه.

‌القولُ في تأويل قوله جل ثناؤُه: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} .

قال أبو جعفر رحمه الله: يعنى بقوله جلَّ ثناؤه: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا} : تمَنَّى أيُّها المؤمنون، هؤلاء المنافقون الذين أنتم فيهم فئتان، أن تَكْفُرُوا فتَجْحَدُوا وَحْدانية ربِّكم، وتصديق نبيِّكم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، {كَمَا كَفَرُوا}. يقولُ: كما جحَدوا هم ذلك، {فَتَكُونُونَ سَوَاءً}. يقول: فتكونون كفَّارًا مثلَهم، وتَسْتَوُون أنتم وهم في الشرك بالله، {فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. [يقول جل ثناؤه: فاستغشُّوهم، ولا تنصحُوهم، ولا تستنصروهم، ولا تتَّخِذُوا منهم وليًّا ولا نصيرًا ولا خليلًا مُصَافِيًا، {حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}] (1) يقولُ: حتى يَخْرُجوا من دار الشرك، ويُفارقوا أهلها الذين هم بالله مُشْرِكون، إلى دار الإسلام وأهلها، {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. يعنى: في ابتغاء دينِ اللهِ، وهو سبيلُه، فيَصيروا عند ذلك مثلكم، ويَكونَ لهم حينئذٍ حُكْمُكم.

كما حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا} : حتى يَصْنَعوا كما صنَعْتُم - يعنى الهجرة -

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 290

[يقولُ: حتى يهاجرُوا]

(1)

في سبيلِ اللَّهِ

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قوله جلّ ثناؤه: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89)} .

قال أبو جعفر رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤه بذلك: فإِنْ أدْبَر هؤلاء المنافقون عن الإقرار بالله ورسوله، وتَولَّوْا عن الهجرة من دار الشركِ إلى دار الإسلام، [وعن مفارقة أهل الكفر إلى الإسلام]

(3)

، {فَخُذُوهُمْ} أيُّها المؤمنون، {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} من بلادهم وغير بلادهم، أين أصَبْتُموهم مِن أَرضِ اللَّهِ، {وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}. يقولُ: ولا تَتَّخِذُوا منهم خَليلًا يُواليكم على أموركم، ولا ناصرًا يَنصُرُكم على أعدائكم، فإنهم كفارٌ لا يألونكم خبالًا، وَدُّوا ما عنتُّم.

وهذا الخبرُ من الله جل ثناؤُه إبانةٌ عن صحةِ نفاق الذين اخْتَلَف المؤمنون في أمرِهم، وتحذيرٌ لمن دافَع عنهم عن المُدافعة عنهم.

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهلُ التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ} : فإن تَوَلَّوْا عن الهجرة

(1)

سقط من: م.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1026 (5751) عن محمد بن سعد به.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"وعلى مفارقة الكفر إلى الإسلام"، وفى س:"صدقة" بدلا من: "مفارقة"، وفى م:"ومن الكفر إلى الإسلام".

ص: 291

{فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ}

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسين، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} . يقولُ: إذا أظْهَروا الكُفْرَ فاقْتُلُوهم حيث وجَدْتُموهم

(2)

.

‌القولُ في تأويل قوله جلَّ ثناؤه: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} .

قال أبو جعفر رحمه الله: يعنى جل ثناؤه بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} : فإن تولّى هؤلاء المنافقون الذين اخْتَلَفتم فيهم عن الإيمان بالله ورسولِه، وأبَوُا الهجرة، فلم يُهاجروا في سبيل الله، فخُذُوهم واقتُلوهم حيثُ وجدتُموهم، سوى من وصل منهم إلى قوم بينكم وبينهم موادعةٌ وعهدٌ وميثاقٌ، فدخلوا بينهم

(3)

، وصاروا منهم، ورضُوا بحكمهم، فإنَّ لمَن وصل إليهم

(4)

فدخل فيهم من أهلِ الشركِ راضيًا بحكمَهم حكمهم

(5)

؛ في حَقن دمائِهم بدخوله فيهم، و

(6)

ألَّا تُسبَى نساؤُهم وذَرارِيُّهم، ولا تُغْنَمَ أموالُهم.

كما حدَّثنا محمدٌ، قال: ثنا أحمدُ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . يقول: إذا أظهروا كفرهم فاقْتُلُوهم حيث وجدتُموهم، فإن أحدٌ منهم دخل في قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ، فأجرُوا عليه

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1026 (5753) عن محمد بن سعد به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1026 (5754) من طريق أحمد بن مفضل به.

(3)

في: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فيهم".

(4)

في الأصل: "فيهم".

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(6)

سقط من: م.

ص: 292

مثل ما تُجْرُون على أهلِ الذِّمَّةِ

(1)

.

حدَّثني يونُسُ، قال أخْبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . [قال: الذين]

(2)

يصلون إلى هؤلاء الذين بينكم وبينهم ميثاقٌ من القومِ، لهم من الأمانِ مثلُ ما لهؤلاء

(3)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن عكرمة قوله:{إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . قال: [نزَلَت في هلال بن عُوَيمِرٍ الأَسْلَميِّ، وسُراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ، وجَذِيمة

(4)

بن عامرٍ بن عبدِ مناةَ]

(5)

(6)

.

وقد زعم بعضُ أهل العربية

(7)

أن معنى قوله: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ} : إلا الذين يَتَّصِلُون في أنسابهم لقوم بينكم وبينهم ميثاقٌ. من قولهم: اتَّصَل الرجلُ. بمعنى: انْتَمَى وانْتَسَب. كما قال الأَعْشَى في صفةِ امرأةٍ انْتَسَبَت إلى قومٍ

(8)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1026 (5753) عن محمد بن سعد به.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

التبيان 3/ 285.

(4)

في الأصل، م، ت 1، ت 2، ت 3:"خزيمة"، وغير منقوطة في ص، وفى تفسير ابن أبي حاتم:"بنى جذيمة". وينظر جمهرة أنساب العرب ص 187.

(5)

سقط من: س.

(6)

في النسخ، وتفسير ابن أبي حاتم:"مناف". وينظر المصدر السابق.

والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1027 (5757) من طريق ابن جريج عن عكرمة عن ابن عباس به، نحوه.

(7)

مجاز القرآن لأبى عبيدة 1/ 136.

(8)

ديوانه ص 81.

ص: 293

إذا اتَّصلت قالَتْ أبكر بن وائلٍ

وبَكْرٌ سبَتْها والأُنوفُ رَواغِمُ

يعنى بقوله: اتَّصَلَت. انْتَسَبَت.

ولا وجهَ لهذا التأويل في هذا الموضعِ؛ لأن

(1)

الانْتِسابَ إلى قومٍ مِن أهلِ المُوادعةِ والعَهْدِ، لو كان يُوجِبُ للمُنتَسِبين إليهم ما لهم، إذا لم يَكُنْ لهم مِن العهد والأمانِ [ما لمن له العهدُ والأمان منهم]

(2)

- لما كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُقاتِلَ قريشًا وهم أنسباءُ السابقين الأوَّلين، ولأهل الإيمان من الحقِّ بإيمانهم أكثرُ مما لأهل العهدِ بعهدِهم، وفى قتال رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُشْرِكى قريشٍ بتركها الدخول فيما دخل فيه أهلُ الإيمان منهم، مع قرب أنسابِهم من أنسابِ المؤمنين منهم - الدليلُ الواضحُ أن انتِسابَ مَن لا عهد له إلى ذى العهد منهم، لم يَكُنْ مُوجِبًا له من العهد ما لذي العهد منهم من انتسابه.

فإن ظنَّ ذو غَفْلَةٍ أن قِتالَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مَن قاتَل مِن أنْسِباء المؤمنين من مشركى قريشٍ، إنما كان بعدَ ما نُسخ قولُه:{إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . فإنّ أهل التأويل أجمَعوا على أن ذلك نُسخ ["ببراءة"، و"براءة"]

(3)

نزَلَت بعدَ فتح مكةَ ودخول قريشٍ في الإسلامِ.

‌القولُ في تأويل قوله جل ثناؤُه: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ} .

قال أبو جعفر رحمه الله: يعنى بقوله جل ثناؤُه: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ} : فإن تولَّوْا فَخُذُوهم واقتُلوهم حيث

(1)

في الأصل: "إلا".

(2)

في م: "ما لهم".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قراءة".

ص: 294

وجَدْتُموهم، إلا الذين يَصِلُون إلى قومٍ بينكم وبينَهم ميثاقٌ، أو: إلا الذين جاءوكم منهم قد حصِرَت صدورُهم عن

(1)

أن يُقاتِلوكم أو يُقاتِلوا قومَهم، فدخَلوا فيكم.

ويعنى بقوله: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} : ضاقَت صدورهم عن

(1)

أن يُقاتلوكم أو يُقاتلوا قومَهم. والعربُ تقولُ لكلِّ مَن ضاقَت نفسُه عن شيءٍ مِن فعلٍ أو كلامٍ: قد حصِرَ. ومنه الحَصَرُ في القراءةِ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسين، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} . يقولُ: رجعوا فدخلوا فيكم، {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}. يقولُ: ضاقَت صدورُهم {أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ}

(2)

.

وفى قوله: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} . متروكٌ تُرك ذكرُه لدَلالةِ الكلامِ عليه؛ وذلك أن معناه: أو جاءوكم قد حصرَت صدورُهم. فتُرك ذكرُ "قد"؛ لأن من شأنِ العربِ فعلَ مثلِ ذلك، تقولُ: أتاني فلانٌ ذهَب عقلُه. بمعنى: قد ذهَب عقلُه. ومَسْموعٌ منهم: أَصْبَحْتُ نظَرْتُ إلى ذاتِ التَّنانير

(3)

. بمعنى: قد نظَرْتُ. ولإضمارِ "قد" مع الماضي جاز وضْعُ الماضي من الأفعالِ في مواضعِ

(4)

(1)

في الأصل: "على".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1027، 1028 (5758، 5761) من طريق أحمد بن مفضل به.

(3)

ذات التنانير: أرض بين الكوفة وبلاد غطفان. معجم ما استعجم 1/ 320.

(4)

في م: "موضع".

ص: 295

الحال؛ لأنّ "قد" إذا دخَلَت معه أذنَته من الحالِ، وأَشْبَهَتْهُ

(1)

الأسماء.

وعلى هذه القراءةِ - أعنى: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} قراءةُ القَرَأةِ في جميعِ الأمصارِ، وبها يُقْرَأُ لإجماع الحُجَّة عليها

(2)

.

وقد ذُكر عن الحسن البصريِّ أنه كان يَقْرَأُ ذلك: (أو جاءُوكم حصِرَةً صدورُهم)

(3)

. نصبًا [على الحال]

(4)

. وهى صحيحةٌ في العربيةِ، فصيحةً، غيرَ أنها غيرُ جائزة القراءةُ عندى بها؛ لشُذوذها وخُروجِها من قراءةِ قَرَأَةِ أهل الإسلام.

[حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: نا يونسُ بنُ محمدٍ، عن أبانٍ، عن قتادة: (أو جاءُوكم حَصِرَةً

(5)

صُدورُهم): أي كارهةً صدُورُهم]

(4)

(6)

.

‌القولُ في تأويل قوله جل ثناؤُه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)} .

قال أبو جعفر رحمه الله: يعنى جل ثناؤُه بقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ} : ولو شاء الله تسلَّط هؤلاء الذين يَصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاقٌ، فيَدْخُلون في جوارهم وذمَّتهم، والذين يَجِيئُونكم

(7)

قد حصرَت

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"أشبهت"، وفى م:"وأشبه".

(2)

معاني القرآن للفراء 1/ 282، والبحر المحيط 3/ 317.

(3)

هي قراءة الحسن ويعقوب. مختصر الشواذ لابن خالويه ص 34.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

في الأصل، وتفسير ابن أبي حاتم:"حصرت" بالتاء المفتوحة، والمثبت ما ذكره أبو حيان في البحر المحيط 3/ 317، والسيوطى في الدر المنثور، 2/ 191، ويؤيده تفسيره لها بقوله: كارهة.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1028 (5762) من طريق سعيد عن قتادة وعزاه السيوطي في الدر المنشور 2/ 191، 192 إلى ابن المنذر.

(7)

في الأصل، ص، س:"يحبونكم".

ص: 296

صدورُهم عن قتالِكم وقتال قومهم - عليكم أيُّها المؤمنون، فقاتَلوكم مع أعدائكم من المشركين، ولكنَّ الله تعالى ذكره كفَّهم عنكم. يقولُ جل ثناؤُه: فأطيعوا الذي أنعَم عليكم - بكفِّهم عنكم، مع سائر ما أنعَم به عليكم - فيما أمركم به من الكفِّ عنهم إذا وصلوا إلى قوم بينَكم وبينَهم ميثاقٌ، أو جاءُوكم حصرَت صدورُهم عن قتالِكم وقتالِ قومِهم. ثم قال جل ثناؤُه:{فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ} . يقولُ: فإِن اعْتَزَلكم هؤلاء الذين أمَرْتُكم بالكفِّ عن قتالِهم من المنافقين، بدخولهم في أهل عهدكم، أو بمصيرهم إليكم حصِرةً

(1)

صدورُهم عن قتالِكم وقتالِ قومِهم، {فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ}. يقولُ: وصالَحوكم. والسَّلَم هو الاستسلامُ. وإنما هذا مثلٌ، كما يقولُ الرجلُ للرجلٍ: أعطيتُك قيادى، وألقيتُ إليك خطامى إذا استسلم له وانقاد لأمره. فكذلك قولُه:{وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} . إنما هو: والْقَوْا إليكم قيادهم فاسْتَسْلَموا لكم؛ صلحًا منهم لكم وسَلَمًا. ومِن السَّلَمِ قولُ الطِّرِمَّاح

(2)

:

وذاك أن تميمًا غادَرَت سَلَمًا

للأشد كلَّ حَصانٍ وَعْنَةِ

(3)

اللَّبَدِ

(4)

يعنى بقوله: سَلَمًا: اسْتِسْلامًا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا ابن أبى جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع: {فَإِنِ

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"حضرت".

(2)

ديوانه ص 161.

(3)

الوعثة: كثيرة اللحم، كأن الأصابع تسوخ فيها من لينها وكثرة لحمها. اللسان (و ع ث).

(4)

في الأصل: "الكبد"، غير منقوطة، وفى الأصل المخطوط من الديوان:"الكبد". واللبد: جمع لبدة: وهى داخل الفخذ. التاج (ل ب د).

ص: 297

اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ}. قال: الصلحُ

(1)

.

وأما قولُه: {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} . فإنه يقولُ: إذا استسلم لكم هؤلاء المنافقون الذين وصف صفتَهم، صلحًا منهم لكم، {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}. أي: فلم يَجْعَلِ اللهُ لكم على أنفسِهم وأموالِهم وذراريِّهم ونسائِهم طريقًا إلى قتلٍ أو غنيمةٍ أو سباءٍ، بإباحةٍ منه ذلك لكم ولا إذْنٍ، فلا تَعَرَّضُوا لهم في ذلك إلا بسبيل

(2)

خيرٍ.

ثم نسخ الله جل ثناؤُه جميع حكم هذه الآية والتي بعدها بقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5].

‌ذكرُ مَن قال في ذلك مثلَ الذي قلنا فيه

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن قالا:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . إلى قوله: {وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} . وقال في المُمْتَحَنَةِ: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} . وقال فيها: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1028 (5765) من طريق ابن أبي جعفر به.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"سبيل".

ص: 298

الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ}. إلى: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9،8]. فنسَخ هؤلاء الآياتِ الأربع في شأن المشركين، فقال: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

(1)

فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} [التوبة: 1، 2]. فجعل لهم أربعة أشهرٍ يسيحون في الأرضِ، وأبطلَ ما كان قبلَ ذلك، وقال في التي تليها:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} . ثم نسَخ واسْتَثنَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} إلى قوله: {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6].

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أَخْبَرَنا عبد الرزَّاقِ، قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عن قتادة:{فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ} . قال: نسخها قولُه: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا حجاجُ بنُ المِنْهال، قال: ثنا هَمَّامُ

(3)

بنُ يحيى، قال: سمِعْتُ قتادة يقولُ في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . إلى قولِه: {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} : ثم نَسَخ ذلك بعد في "براءة". وأمَر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يُقاتِل المشركين [حتى يشهدوا ألَّا إلهَ إلا الله، وأنّ محمدًا رسولُ الله، فقال]

(4)

: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ

(1)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1027 عقب الأثر (5756) معلقا.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 167، ومن طريقه أخرجه النحاس في الناسخ والمنسوخ ص 340، 341، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 192 إلى ابن المنذر.

(3)

في الأصل: "هشام".

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س. وفى م:"بقوله".

ص: 299

كُلَّ مَرْصَدٍ}

(1)

.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: هو {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} الآية. قال: نُسِخ هذا كلُّه جميعٌ

(2)

، نسَخَه الجهادُ، ضُرِب لهم أَجَلٌ؛ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، إمَّا أن يُسْلِموا، وإِمَّا أَن يَكونَ الجهادُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: وهؤلاء فريقٌ آخَرُ مِن المنُافِقِين كانوا يُظهرون الإسْلامَ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه؛ ليَأمَنوا به عندَهم من القتلِ والسّباءِ وأخذِ الأمْوالِ، وهم كُفَّارٌ، يَعْلَمُ ذلك

(3)

منهم قومُهم، إذا لَقُوهم كانوا معهم، وعبَدوا ما يَعْبُدُونه مِن دونِ اللهِ؛ ليَأمَنوهم على أنفسِهم وأموالِهم ونِسائِهم وذَرارِيِّهم، يَقولُ الله:{كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} . يَعْنى: كُلَّما دَعاهم قومُهم

(4)

إلى الشِّرْكِ باللَّهِ ارْتَدُّوا فصاروا مُشْرِكِين مثلَهم.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في الذين عُنُوا بهذه الآيةِ؛ فقال بعضُهم: هم ناسٌ كانوا مِن أهلِ مكةَ أسْلَمُوا على ما وصَفَهم الله به مِن التَّقِيَّةِ [وكانوا كُفَّارًا]

(5)

؛ ليَأْمَنوا عندَ هؤلاء وهؤلاء.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1028 (5764) من طريق همام به، وأخرجه النحاس في ناسخه ص 240 من طريق سعيد بن أبى عروبة عن قتادة نحوه.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 3، س:"أجمع"، وفى ت 2:"جمع".

(3)

بعده في الأصل: "به".

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

في م: "وهم كفار ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم، يقول الله: {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا}. يعنى: كلما دعاهم إلى الشرك بالله ارتدوا، فصاروا مشركين مثلهم".

ص: 300

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: حدثني عيسى، وحدَّثنى المُثَنَّى، قال: حدَّثنا أبو حذيفةَ، قال حدَّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهِدٍ:{يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ} . قال: ناسٌ كانوا يَأْتُونَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيُسْلمون رياءً، فيَرْجِعون

(1)

إلى قريشٍ، فيَرْتَكِسون في الأوثانِ، يَبْتَغون بذلك أن يَأْمَنوا هاهنا وهاهنا، فأُمِر

(2)

بقتالِهم إن لم يَعْتَزِلوا ويُصْلِحوا

(3)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} . يقولُ: كُلَّما أرادوا أن يَخْرُجوا مِن فِتْنَةٍ أُرْكِسوا فيها، وذلك أن الرجلَ كان يُوجَدُ قد تَكلَّم بالإسْلام، فيُقَرَّبُ إلى العُودِ والحَجَرِ

(4)

وإلى العَقْرَبِ والخُنْفَساءِ، فيَقولُ المُشْرِكون لذلك المُتَكَلِّم بالإسلامِ: قُلْ: هذا رَبَّى. للخُنْفَساءِ والعَقْرَبِ

(5)

.

وقال آخَرون: بل هم قومٌ مِن أهلِ

(6)

الشركِ، كانوا طلَبوا الأَمانَ مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ ليَأمَنوا عندَه وعندَ أصحابِه وعندَ المشركين.

(1)

في م: "ثم يرجعون".

(2)

بعدها في تفسير مجاهد: "النبي صلى الله عليه وسلم ".

(3)

تفسير مجاهد ص 288 بنحوه. ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1029، 1030 (5765، 5775). وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 192 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(4)

في م: "الجحر".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1029 (5770) عن محمد بن سعد به مختصرًا.

(6)

سقط من: الأصل.

ص: 301

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: حدَّثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قولَه:{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ} : حَيٌّ كانوا بتِهامةَ، قالوا: يا نبيَّ الله، لا نُقاتِلُك ولا نُقاتِلُ قومَنا. وأرادوا أن يَأْمَنوا نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم ويأْمَنوا قومَهم، فأبَى الله عليهم ذلك، فقال الله:{كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} . يَقولُ: كُلَّما عرَضَ لهم بَلاءٌ هلَكوا فيه

(1)

.

وقال آخَرون: نزَلَت هذه الآيةُ في نُعَيْمِ بن مسعودٍ الأشْجَعيِّ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّل، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ، قال: ثم ذكَر نُعَيْمَ بنَ مسعودٍ الأشْجَعيَّ، و

(2)

كان يَأْمَنُ في المشركين والمسلمين، بنقلِ

(3)

الحديثِ بين

(4)

النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمشركين، فقال:{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ} . يقولُ: إلى الشركِ

(5)

.

وأما تأويلُ قولِه: {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} . فإنه كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبى جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ في قولِه:{كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} . قال: كُلَّمَا ابْتُلُوا بها عَمُوا فيها

(6)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1029، 1030 (5768، 5771، 5773) من طريق يزيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 192 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

في الأصل: "فقال".

(3)

في م: "ينقل".

(4)

في الأصل: "من".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1029 (5772، 5767) من طريق أحمد بن مفضل به.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1030 (5774) من طريق ابن أبي جعفر به.

ص: 302

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: كُلَّما عرَض لهم بَلاءٌ هلَكوا فيه.

والقولُ في ذلك ما قد بيَّنْتُ قبلُ، وذلك أن الفِتنةَ في كلامِ العربِ الاخْتِبارُ، والإرْكاسَ الرُّجوعُ

(1)

.

فتأويلُ الكلامِ

(2)

: كُلَّما رُدُّوا إلى الاخْتبارِ ليَرْجِعوا إلى الكفرِ والشركِ رجَعوا إليه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ} أَيُّها المُؤْمِنون، هؤلاء الذين يُرِيدون أن يَأْمَنوكم ويَأْمَنوا قومَهم، وهم كُلَّما دُعُوا إلى الشركِ أجابوا إليه، {وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ}. يقولُ: ولم يَسْتَسْلِموا لكم

(3)

فيُعْطُوكم

(4)

المقادَ ويُصالحوكم - كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبى جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ:{فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} . قال: الصُّلْحَ.

{وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ} . يقولُ: ويَكُفُّوا أيديَهم عن قتالِكم، {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}. يقولُ جل ثناؤُه: فإن لم يَفْعَلُوا

(1)

ينظر معنى الفتنة في 2/ 356، 357، ومعنى الإركاس في ص 280، 281.

(2)

في س: "الآية".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"إليكم".

(4)

في الأصل: "فيعطوهم".

ص: 303

ذلك

(1)

فخُذُوهم أين أصَبْتُموهم مِن الأرضِ ولقِيتُموهم فيها، فاقْتُلوهم، فإن دماءَهم لكم حينَئذٍ حَلالٌ، {وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}. يقولُ جل ثناؤُه: وهؤلاء الذين يُرِيدون أن يَأْمَنوكم ويَأْمَنوا قومَهم، وهم على ما هم عليه مِن الكفرِ، إن لم يَعْتَزِلُوكم، ويُلْقُوا إليكم السَّلَم، ويَكُفُّوا أيديَهم، جعَلْنا لكم عليهم

(1)

حُجَّةً في قتلِهم أينما لقِيتُموهم؛ لمُقامِهم

(2)

على كفرِهم، وترْكِهم هِجْرةَ دارِ الشركِ، {مُبِينًا}. يعنى: أنها تَبِينُ عن استحقاقِهم ذلك [منكم، وإصابتِكم]

(3)

الحقَّ في قتلِهم، وذلك قولُه:{سُلْطَانًا مُبِينًا} . والسُّلْطانُ هو الحجة.

كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا قَبيصةُ، قال: ثنا سفيانُ، عن رجلٍ، عن عكرمةَ، قال: ما كان في القرآنِ مِن سلطانٍ فهو حُجَّةٌ

(4)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السُّدِّيِّ قولَه:{سُلْطَانًا مُبِينًا} : أمَّا السُّلْطانُ المبينُ فهو الحُجَّةُ

(5)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى جل ثناؤُه بقولِه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بمقامهم".

(3)

في الأصل: "فيكم وأصابكم".

(4)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1030 عقب الأثر (5778) معلقًا.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1030 (5777) من طريق أحمد بن مفضل به.

ص: 304

يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}: وما أذِن الله لمؤمنٍ ولا أباح له أن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا. يقولُ: ما كان ذلك له فيما جعَل له ربُّه وأذِن له فيه من الأشياءِ ألْبتةَ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} . يقولُ: ما كان له ذلك فيما أتاه مِن ربِّه مِن عَهْدِ اللَّهِ الذي عهِد إليه

(1)

.

وأما قولُه: {إِلَّا خَطَأً} . فإنه يقولُ جل ثناؤُه: إلا أن المؤمنَ قد يَقْتُلُ المُؤْمنَ خَطأً، وليس ذلك

(2)

مما جعَل له ربُّه فأباحه له. وهذا من الاسْتِثْناء الذي تُسَمِّيه أهلُ العربيةِ الاسْتِثْناءَ المُنْقَطِعَ، كما قال جَرِيرُ بنُ عَطِيَّة

(3)

:

من البيضِ لم تَظْعَنْ بَعيدًا ولم تَطَأ

على الأرضِ إِلا [رَيْطَ بُرْدٍ]

(4)

مُرحَّلٍ

(5)

يعنى: ولم تَطَأْ على الأرضِ إلا أن تَطَأَ [ذَيْلَ البُرْدِ]

(6)

. وليس ذيلُ البُرْدِ مِن الأرض

(7)

.

ثم أخْبَر جل ثناؤُه عبادَه بحُكْمِ مَن قتل مِن المؤمنين مؤمنًا

(8)

خطأً، فقال:{وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . يقولُ: فعليه تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مؤمنةٍ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 192 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"له".

(3)

ديوانه 2/ 945.

(4)

في الديوان: "نير مرط".

(5)

في الأصل، ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"مرجل"، وفى س:"موحل". والمرحل: ضرب من برود اليمن، سمى مرحلا؛ لأن عليه تصاوير رحلَ اللسان (ر ح ل).

(6)

في الأصل: "ريطة ذيل برد".

(7)

ينظر مجاز القرآن لأبى عبيدة 1/ 317.

(8)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 305

في مالِه، {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ}. تُؤَدِّيها عاقِلتُه {إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا}. يقول: إلا أن يَصَّدَّقَ أهلُ القتيلِ خَطأً على مَن لَزِمَته دِيَةُ قَتيلِهم، فيَعْفُوا عنه ويَتَجَاوَزوا عن [دِيَتِه، فتَسْقُطَ]

(1)

عنه.

ومَوْضِعُ {أَنْ} في

(2)

قولهِ: {إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} . نَصْبٌ؛ لأن

(3)

معناه: فعليه ذلك إلا أن يَصَّدَّقوا.

وذُكِر أن هذه الآيةَ نزلَت في عياشِ بن أبى رَبيعةَ المَخْزوميِّ، وكان قد

(4)

قتَل رجلًا مُسْلِمًا بعدَ إسْلامه، وهو لا يَعْلَمُ بإسلامِه.

‌ذكرُ الآثار بذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجِيحٍ، عن مُجاهِدٍ في قولِه:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} . قال: عَبَّاشُ بنُ أبى رَبيعَة قتَل رجلًا مؤمنًا كان يُعَذِّبُه مع أبى جهلٍ، وهو أخوه لأمِّه، فاتَّبَع النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو يَحْسَبُ أن ذلك الرجلَ كان كما هو، وكان عَيَّاشٌ هاجرَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُؤْمنًا، فجاءه أبو جَهْلٍ وهو أخوه لأُمِّه، فقال: إِن أُمَّكَ تُناشِدُكَ رَحِمَها وحقَّها أن تَرْجِعَ إليها. وهى أسماءُ بنتُ مُخَرِّبَةَ

(5)

، فأقْبَل معه، فربَطه أبو جهلٍ حتى قدِم مكةَ، فلمَّا رآه

(6)

الكفارُ زادهم ذلك كفرًا وافْتِتانًا، وقالوا: إن أبا جهلٍ لَيَقْدِرُ

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"ذنبه فىسقط"، وفى س:"ذنبه فسقط".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"من".

(3)

في الأصل: "إلا أن".

(4)

سقط من: الأصل.

(5)

في الأصل، م، ت 2، ت 3، س:"مخرمة"، وفى ت 1:"محزمة". وينظر جمهرة أنساب العرب ص 230.

(6)

في الأصل: "رأوه".

ص: 306

مِن محمدٍ [على ما يَشاءُ]

(1)

، ويَأْخُذُ أصحابَه

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهدٍ بنحوِه، إلا أنه قال في حديثِه: فاتَّبع النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذلك الرجلُ، وعَيَّاشٌ يَحْسَبُه

(3)

أنه كافرٌ كما هو، وكان عَيَّاشٌ هاجرَ إلى المدينةِ مؤمنًا، فجاءه أبو جهلٍ وهو أخوه لأُمِّه

(4)

، فقال: إن أُمَّك تَنْشُدُك برحِمِها وحقِّها إلا رجَعْتَ إليها. وقال أيضًا: يَأْخُذُ

(5)

أصحابَه فيَرْبِطُهم.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن مُجاهِدٍ

(6)

بنحوِه. قال ابن جُرَيْجٍ، عن عكرمةَ: و

(7)

كان الحارثُ بنُ يزيدَ بن أُنَيْسَة

(8)

مِن بنى عامرِ بن لُؤَيٍّ يُعَذِّبُ عَيَّاشَ بنَ أبى ربيعةَ مع أبى جهلٍ، ثم خرَج

(9)

الحارثُ بنُ يزيدَ مُهاجِرًا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلقِيه عَيَّاشٌ بالحرَّةِ، فعلاه بالسيفِ حتى سكَت

(10)

، وهو يَحْسَبُ أنه كافرٌ، ثم جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَه، ونزَلَت:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} الآية. فقرَأَها عليه، ثم قال له:"قُمْ فحَرِّرْ"

(11)

.

(1)

في الأصل: "كما يشاء".

(2)

تفسير مجاهد ص 288، 289. ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1031 (5781). وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 192 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

في ص، ت 1، س:"حسبه".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"لأبيه".

(5)

في ص: "ويأخذ"، وفى م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فيأخذ".

(6)

في الأصل: "عامر".

(7)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قال".

(8)

في الأصل: "نميشة"، وفى م، ت 2، والدر المنثور:"نبيشة"، وفى ت 1، ت 3، س:"نبسه"، وكذا في ص، ولكن بدون نقط. والمثبت من الجرح والتعديل 3/ 93، وأسد الغابة 1/ 422.

(9)

بعده في الأصل، ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"قال فكان".

(10)

أي سكن ومات. النهاية 2/ 383.

(11)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 192 إلى المصنف.

ص: 307

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} . قال: نزَلَت في عَيَّاشِ بن أبى رَبيعةَ المخَزْوميِّ، فكان أخًا لأبى جهلِ بن هشامٍ لأمِّه، وأنه أسْلَم وهاجَر مع

(1)

المهاجِريِن الأوَّلِين قبلَ قدومِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فطلَبه أبو جهلٍ والحارثُ بنُ هشامٍ، وتَبعِهما

(2)

رجلٌ مِن بنى عامرِ بن لؤَيٍّ، فأَتَوْه بالمدينةِ، وكان عَيَّاشٌ أَحَبَّ إخوتِه إلى أمِّه، فكلَّموه وقالوا: إن أمَّك قد حلَفَت أن لا يُظِلُّها بيتٌ حتى تَراك، وهى مُضْطَجعةٌ في الشمسِ، فأتِها فَلْتَنْظُرُ

(3)

إليك ثم ارْجِعْ. وأَعْطَوْه مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لا يَهِيجونه

(4)

حتى يَرْجِعَ إلى

(5)

المدينةِ، فأعْطاه بعضُ أصحابِه بعيرًا له نَجيبًا، وقال: إن خِفْتَ منهم

(6)

شيئًا فاقْعُدْ على النَّجيبِ. فلما أَخْرَجوه من المدينةِ أخَذوه فأَوْثَقوه، وجلَده العامريُّ، فحلَف ليَقْتُلَنَّ العامريَّ، فلم يَزَلْ مَحْبوسًا بمكةَ حتى خرَج عامَ

(7)

الفتحِ، فاسْتَقْبَله العامريُّ وقد أسْلَمَ، ولا يَعْلَمُ عَيَّاشٌ بإسلامِه، فضرَبه فقتَلَه، فأنْزَل الله جل ثناؤُه:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} . يقولُ: وهو لا يَعْلَمُ أنه مُؤْمِنٌ، {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} فيَتْرُكوا الدِّيَةَ

(8)

.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"في".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"معهما".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"لتنظر".

(4)

في الأصل: "يهيجوه"، وفى م:"يحجزونه".

(5)

سقط من: الأصل.

(6)

في الأصل: "منهما".

(7)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يوم".

(8)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1031 عقب الأثر (5782) من طريق عمرو بن حماد عن أسباط به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 192 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 308

وقال آخرون: بل

(1)

نزَلَت هذه الآيةُ في أبى الدَّرداءِ.

‌ذكرُ من قال ذلك

حدَّثني يونُسُ، قال: أَخْبَرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} الآية كلّها. قال: [نزلت هذه]

(2)

الآية

(3)

في رجلٍ قتَله أبو الدَّرداءِ، [أُنْزِل هذا كلُّه فيه، كان]

(4)

في سَرِيَّةٍ، فعدَل أبو الدرداءِ إلى شِعْبٍ يُرِيدُ حاجةً له، فوجَد رجلًا مِن القومِ في غنمٍ له، فحمَل عليه بالسيفِ، فقال: لا إلهَ إلا الله. فبَدر

(5)

فضرَبه، ثم جاء بغنمهِ إلى القومِ، ثم وجَد في نفسِه شيئًا، فأتَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكَر ذلك له، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ألا شقَقْتَ عن قلبهِ؟ " فقال: ما عسَيْتُ أن

(6)

أَجِدَ، هل هو يا رسولَ الله إلا دمٌ أو ماءٌ؟ قال: "فقد

(7)

أخْبَرَك بلسانِه فلم تُصَدِّقْه؟ " فقال: كيف بى

(8)

يا رسولَ الله؟ قال: "فكيف بلا إلهَ إلا الله؟ " قال: فكيف بى

(9)

يا رسولَ الله؟ قال: "فكيف بلا إلهَ إلا الله؟ ". حتى تمنَّيْتُ أن يَكونَ ذلك مُبْتَدَأَ

(10)

إسْلامى. قال: فنزَل القرآنُ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} حتى بلَغ {إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} .

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في ص، م:"نزل هذا".

(3)

زيادة من: س.

(4)

في م: "كانوا".

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قال".

(6)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س

(7)

في الأصل: "وقد".

(8)

في الأصل: "لى".

(9)

سقط من: الأصل.

(10)

في الأصل: "اليوم منذ".

ص: 309

قال: إلا أن يَضعوها

(1)

.

والصوابُ من القولِ في ذلك أن يُقالَ: إن الله عرَّف عباده بهذه الآية ما على مَن قتَل مؤمنًا خطأً من كفَّارة وديةٍ، وجائزٌ أن تَكونَ الآيةُ هذه

(2)

نزَلَت في عيَّاش بن أبى ربيعة وقَتيِله، وفى أبى الدرداءِ وصاحبِه، وأيُّ ذلك كان، فالذى عنَى الله [بهذه الآية]

(3)

تعريفُ عباده ما ذكَرنا، وقد عرف ذلك [من عقل ذلك عنه من عباده كتابه وتنزيله]

(4)

، وغيرُ ضائِرِهم جهلُهم بمن نزَلَت فيه.

وأما الرقبةُ المؤمنةُ، فإن أهلَ العلمِ مُخْتَلِفون في صفتِه

(5)

؛ فقال بعضُهم: لا تكونُ الرقبةُ مؤمنةً حتى تكونَ قد اختارَت الإيمانَ بعد بلوغها وصلَّت وصامَت، ولا يَسْتَحِقُّ الطفلُ هذه الصفةَ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابن عُليةَ، عن أبي

(6)

حَيَّانَ، قال: سأَلْتُ الشعبيَّ عن قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . قال: قد صلَّت وعرَفَت الإيمان

(7)

.

(1)

في الأصل: "تضعوها"، وفى س:"يصدقوها".

والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 193 إلى المصنف.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"بالآية"، وفى س:"به بالآية".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"من عقل عنه عباده وتنزيله"، وفى م:"من عقل عنه من عباده تنزيله".

(5)

في م: "صفتها".

(6)

في الأصل: "ابن". وينظر في تهذيب الكمال 31/ 323.

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1032 (5788) من طريق سفيان الثورى عن أبي حيان به.

ص: 310

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قوله:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} : يعنى بالمؤمنة من قد

(1)

عقَل الإيمان وصام وصلَّى

(2)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وَكيعٌ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، قال: ما كان في القرآن من رقبةٍ مؤمنةٍ، فلا يُجزئُ

(3)

إلا مَن صام وصلَّى، وما كان في القرآنِ من رقبةٍ ليست مؤمنةً، فالصبيُّ يُجزئُ

(4)

.

حُدِّثْتُ عن يزيدَ بن هارونَ، عن هشام بن حسَّانَ، عن الحسن، قال: كلُّ شيءٍ في كتاب الله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ، فمن صلَّى وصام وعقَل، وإذا قال:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} . فما شاء

(5)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: حدَّثنا عبدُ الرزاق، قال: أخْبرَنا الثوريُّ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، قال: كلُّ شيءٍ في القرآن: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . فالذى قد صلَّى، وما لم تَكُنْ مؤمنةً، فتحريرُ مَن لم يصلِّ

(6)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} : والرقبةُ المؤمنةُ عند قتادةَ من قد صلَّى، وكان يَكْرَهُ أن يُعْتَقَ في هذا الطفلُ الذي لم يُصلِّ، ولم يَبْلُغْ ذلك

(6)

.

حدَّثنا يحيى بنُ طلحةَ اليَربوعيُّ، قال: ثنا فُضَيْلُ بنُ عِياضٍ، عن مُغيرةَ، عن

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1032 (5787) من طريق عبد الله بن صالح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 193 إلى ابن المنذر.

(3)

في الأصل: "يجزيه"، وفى ت 1:"تجزى".

(4)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1032 عقب الأثر (5787) معلقا.

(5)

تفسير عبد الرزاق 1/ 168، وهو في مصنفه 9/ 181 (16843).

(6)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1032 عقب الأثر (5788) معلقا.

ص: 311

إبراهيم في قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . قال: إذا عقل دينه

(1)

.

حدَّثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاقِ، عن مَعمر، عن قَتادةَ، قال: في [حرفِ أُبيٍّ]

(2)

: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لَا يُجْزِئُ فيها صبيٌّ)

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنى مُعاوية، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} : يعنى بالمؤمنة مَن قد عقَل الإيمانَ وصام وصلَّى، فإن لم يجد رقبةً فصيامُ شهرَين مُتتابعين، وعليه ديةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهلِه، إلا أن يُتَصَدَّقَ

(4)

بها عليه

(5)

.

وقال آخرون: إذا كان مولودًا بين أبوين مسلمَين فهو مُؤمنٌ وإن كان طفلًا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن ابن جُريجٍ، عن عطاءٍ، قال: كلُّ رقبة وُلِدَت في الإسلام فهى تُجزِئُ (1).

وأوْلَى [الأقوال في ذلك بالصواب]

(6)

قولُ مَن قال: لا يُجْزِئُ في قتل الخطأَ من الرِّقاب إلا من قد آمَن، وهو يَعْقِلُ الإيمان من بالغ

(7)

الرجال والنساء، إذا كان

(1)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1032 عقب الأثر (5788) معلقًا.

(2)

سقط من: م.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف 9/ 179 (16831) عن معمر به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 193 إلى عبد بن حميد.

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يصدقوا".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1032، 1033 (1787، 5793) من طريق عبد الله بن صالح به. وتقدم تخريج أوله في الصفحة السابقة.

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت،3 س:"القولين بالصواب في ذلك".

(7)

سقط من: م، ت 2، وفى ص، ت 1، ت 3:"تابعى".

ص: 312

ممَّن كان أبواه على ملَّةٍ من الملل سوى الإسلام ووُلد [بينهما وهما]

(1)

كذلك، ثم لم يُسلِما ولا واحدٌ منهما حتى أُعتِق في كفَّارة الخطأ. فأما مَن وُلد بين أبوين مسلمين، فقد أجْمَع الجميعُ مِن أهل العلمِ أنه وإن لم يَبْلُغ حدَّ الاختيارِ والتمييز، ولم يُدْرِك الحلُم، فمحكومٌ له بحكم أهل الإيمان في المُوارثة، والصلاة عليه إن مات، وما يَجِبُ عليه إن جَنَى، ويَجِبُ له إن جُنى عليه، وفى المُناكحةِ، فإذ كان ذلك من جميعِهم إجماعًا، فواجبٌ أن يكونَ له من الحكم فيما يُجْزِئُ فيه من كفارة الخطأ إذا أُعتِق فيها، من حكم أهلِ الإيمان - مثلُ الذي له من حكم الإيمان

(2)

في سائر المعانى التي [ذكرنا غيرها]

(3)

. ومَن أَبَى ذلك عُكِس عليه الأمرُ فيه، ثم سُئِل الفرق بين ذلك من أصلٍ أو قياسٍ، فلن يقول في شيءٍ مِن ذلك قولًا إلا أُلْزِم في غيره مثله.

وأما الديةُ المُسَلَّمةُ إلى أهل القَتيلِ، فهى المدفوعةُ إليهم على ما وجَب لهم، مُوَفَّرةً غيرَ مُنتَقَصةٍ حقوقُ أهلها

(4)

منها. وذُكر عن ابن عباسٍ أنه كان يقولُ: هي الموفرة.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُرَيْجٍ، قال: قال ابن عباس قوله: (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ). قال: موفَّرةٌ

(5)

.

وأما قولُه: {إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} . فإنه يَعْنى به: إلا أن يَتَصَدَّقوا بالدَّية على القاتلِ أو على عاقلتِه. فأُدغمت التاءُ من قوله: يَتَصَدَّقوا. في الصادِ، فصارتا صادًا

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يتيما وهو".

(2)

بعده في ص، ت 1:"بمثل الذي له من حكم الإيمان".

(3)

في م: "ذكرناها وغيرها".

(4)

في م: "أهلهم".

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 193 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 313

مُشَدَّدةً

(1)

.

وقد ذُكر أن ذلك في قراءةِ أُبيٍّ: (إلا أن يَتَصَدَّقوا).

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا بكرُ بنُ الشَّرُودِ

(2)

، قال

(3)

: في حرفِ أُبيٍّ: (إلا أنْ يَتَصَدَّقُوا)

(4)

.

‌القولُ في تأويل قولِه جلَّ ثناؤه: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} .

قال أبو جعفر، رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤُه بقوله: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} : فإن كان هذا القتيلُ الذي قتَله المؤمنُ خطأً، {مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ}. يعنى: مِن عِدَادِ قومٍ هم

(5)

أعداءٌ لكم في الدِّينِ مشركون، [قد ناصبوكم]

(6)

الحربَ على خلافِكم على الإسلام، {وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}. يقولُ: فإذا قتَل المسلمُ خطأً رجلًا مِن عِداد المشركين، والمقتولُ مؤمنٌ، والقاتلُ يَحْسَبُ أنه على كفرِه، فعليه تحريرُ رقبةٍ مؤمنةٍ.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في معنى ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه: وإن كان المقتولُ من قومٍ هم عدوٌّ لكم، {وَهُوَ مُؤْمِنٌ}. أي: بينَ أَظْهِرِكم لم يُهاجِرْ، فقتله مؤمنٌ، فلا دية عليه، وعليه تحريرُ رقبةٍ مؤمنةٍ.

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في الأصل: "سرور".

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 194 إلى المصنف.

(5)

سقط من: م.

(6)

في ص، س:"قد يأمنوكم". وفى م، ت 1، ت 2، ت 3:"لم يأمنوكم".

ص: 314

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بن بشارٍ، قال: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن سفيان، عن سماكٍ، عن عكرمةَ، والمغيرةِ، عن إبراهيمَ في قولِه:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} . قالا

(1)

: هو الرجلُ يُسْلِمُ في دار الحرب فيُقْتَلُ. فقالا

(2)

: ليس فيه ديةٌ، وفيه الكفارة

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن إسرائيلَ، عن سماكٍ، عن عكرمةَ في قوله:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} . قال: يعنى المقتولَ يكونُ مؤمنًا وقومُه كفارٌ. قال: فليس له ديةٌ، ولكن [تحريرُ رقبةٍ]

(4)

مؤمنةٍ

(5)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو غَسَّانَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ قوله:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} . قال: يكونُ الرجلُ مؤمنًا وقومُه كفارٌ، فلا ديةَ له، ولكن تحريرُ رقبةٍ مؤمنةٍ

(6)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} : في دار الحرب

(7)

،

(1)

في النسخ: "قال". والمثبت من مصنف ابن أبي شيبة.

(2)

في الأصل: "فقال"، وفى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قال". والمثبت ما يقتضيه السياق على ما أثبتناه من المصنف.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 442، 12/ 465 عن يحيى بن سعيد القطان به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 194 إلى ابن المنذر عن إبراهيم وحده نحوه.

(4)

في ص، ت 1، س:"تجوز فيه رقبة".

(5)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1034 عقب الأثر (5798) معلقا.

(6)

أخرجه البيهقى 8/ 131 من طريق إسرائيل به.

(7)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"الكفر".

ص: 315

يقولُ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . وليس له ديةٌ

(1)

.

حدَّثنا بشرُ بن مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} : ولا ديةَ لأهلِه؛ من أجلِ أنهم كفارٌ، وليس بينهم وبين [نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم]

(2)

- عهدٌ ولا ذِمَّةٌ

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا الحجاجُ، قال: ثنا حمادٌ، قال: أخْبرَنا عطاءُ بنُ السائب، عن [أبى عياضٍ]

(4)

أنه قال في قول الله جل ثناؤه: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} إلى آخر الآية. قال: كان الرجلُ يُسْلِمُ، ثم يَأْتى قومه، فيُقِيمُ فيهم وهم مُشْرِكون، فيمرُّ بهم الجيشُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فيُقْتَلُ فيمن يُقْتَلُ، فيُعْتِقُ قاتلُه رقبةً، ولا دية له

(5)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن مُغيرةَ، عن إبراهيم:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} . قال: هذا إذا كان الرجلُ المسلمُ من قومٍ عدوٍّ و

(6)

ليس لهم عهدٌ، فقُتِل

(7)

خطأً، فإنما

(8)

على من قتله تحريرُ رقبةٍ مؤمنة

(9)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1034 عقب الأثر (5798) من طريق عمرو بن حماد عن أسباط به.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"الله".

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 165، 168 عن معمر عن قتادة.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3 "ابن عياض"، وفى م:"ابن عباس". وينظر تهذيب الكمال 21/ 543.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 194 إلى عبد بن حميد والمصنف وابن المنذر.

(6)

في م: "لكم أي".

(7)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يقتل".

(8)

في ص، م، ت 2، س:"فإن".

(9)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2828)، (664 - تفسير)، وابن أبي شيبة 9/ 443، 12/ 465 عن جرير به.

ص: 316

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} . يقولُ: فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمنٌ، فقتله خطأ، فعلى قاتلِه أن يُكَفَّرَ بتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ، أو صيام شهرَين مُتتابعَين، ولا ديةً عليه

(1)

.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} : القتيلُ مسلمٌ وقومُه كفّارٌ، {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ، ولا يُؤَدِّي إليهم الدية فيَتَقَوَّون بها عليكم.

وقال آخرون: بل عُنى به الرجلُ من أهلِ الحرب يَقْدَمُ دار الإسلام، فيُسْلِمُ، ثم يَرْجِعُ إلى دار الحرب، فإذا مرَّ بهم الجيشُ من أهلِ الإسلام هرَب قومُه، وأقام ذلك المسلمُ بينهم

(2)

فيها، فيقْتُلُه

(3)

المسلمون وهم يَحسَبونه كافرًا.

‌ذكرُ من قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قوله:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} : فهو المؤمنُ يكون في العدوِّ بين

(4)

المشركين، يَسْمَعون بالسَّرِيَّة من أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فيَفرُّون

(5)

ويَلبَثُ

(6)

المؤمنُ فيُقْتَلُ، ففيه تحريرُ

(1)

ذكره البيهقى 8/ 131 عن علي بن أبى طلحة عن ابن عباس معلقًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 194 إلى المصنف وابن المنذر.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"منهم".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فقتله".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"من".

(5)

في ص، ت 1:"فيقرون".

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س، والدر المنثور:"يثبت".

ص: 317

رقبةٍ مؤمنةٍ

(1)

.

‌القولُ في تأويل قولِه جلَّ ثناؤُه: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} .

قال أبو جعفر رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤُه بقوله: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . أي

(2)

: وإن كان القتيلُ الذي قتله المؤمنُ خطأ، {مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ} أيُّها المؤمنون، {وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}. أي: عهدٌ وذمةٌ، وليسوا أهل حربٍ لكم، {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}. يقولُ: فعلى قاتله ديةٌ مسلَّمةٌ إلى أهلِه يَتَحَمَّلُها

(3)

عاقلتُه، {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} كفارةً لقتله.

ثم اخْتَلَف أهل التأويل في صفة هذا القَتيلِ الذي هو من قوم بيننا وبينهم ميثاقٌ، أهو مؤمنٌ أم كافرٌ؟ فقال بعضُهم: هو كافرٌ، إلا أنه لزمت قاتلَه ديتُه؛ لأن له ولقومِه عهدًا، فوجب

(4)

أداءُ ديتِه إلى قومه للعهدِ الذي بينهم وبين المؤمنين، وأنها مالٌ مِن أموالهم، ولا يَحِلَّ للمؤمنين شيءٌ من أموالهم بغيرِ طِيبِ أنفسهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . يقولُ: إذا كان كافرًا في ذمتكم فقتِل، فعلى قاتله الديةُ مُسَلَّمَةٌ إلى أهلِه وتحريرُ رقبةٍ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 194 إلى المصنف.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

في الأصل: "فتحملها".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فواجب".

ص: 318

مؤمنةٍ، أو صيام شهرين مُتَتابعَيْن

(1)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابن عُلَيةَ، عن أيوبَ، قال: سَمِعْتُ الزهريَّ يقولُ: ديةُ الذميِّ ديةُ المسلمِ. قال: وكان يَتَأَوَّلُ: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ إدريسَ، عن [عيسى بن أبي المغيرةِ]

(3)

، عن الشعبيِّ في قولِه:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . قال: مِن أهلِ العهدِ

(4)

، وليس بمؤمنٍ

(5)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن مَهْدِيٍّ، عَن هُشَيْمٍ، عَن مُغيرةَ، عن إبراهيمَ:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} : وليس بمؤمن.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} : بقتْلِه، أي بالذي أصاب مِن أهل ذمتِه وعَهْدِهِ، {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ} الآية.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 194 إلى المصنف وابن المنذر.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 287 عن ابن علية به، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (18491)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1035 (5853) من طريق معمر وعقيل عن الزهري.

(3)

كذا في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س. ولعله: عيسى بن أبى عزة، ابن عم الشعبي، أو عيسى بن المغيرة - وهو كذلك عند ابن أبي شيبة - لم يرو عنه سوى الثورى فيما قاله الذهبي. وفي الأصل:"عيسى عن أبي المغيرة". وفى الرواة عن الشعبي: مغيرة بن مقسم الضبي، والله أعلم.

(4)

في الأصل: "العدل".

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 444، 12/ 465 عن ابن إدريس به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 194 إلى ابن المنذر.

ص: 319

حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبَرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} . يقولُ: فأدُّوا إليهم الديةَ بالميثاقِ. قال: وأهلُ الذمةِ يَدْخُلُون في هذا، {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} الآية.

وقال آخرون: بل هو مؤمنٌ، وعلى قاتلِه ديةٌ يُؤَدِّيها إلى قومِه مِن المشركين؛ لأنهم أهلُ ذمةٍ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن مُغيرةً، عن إبراهيمَ:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . قال: هذا الرجلُ المسلمُ وقومُه مشركون لهم عقدٌ، فتكونُ ديتُه لقومِه، ومِيراثُه للمسلمين، ويَعْقِلُ عنه قومُه، ولهم دِيتُه

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سُوَيْدُ بنُ نصرٍ، قال: حدَّثنا ابن المُبارَكِ، عن هُشَيْمٍ، عن أبي إسحاقَ الكوفيِّ، عن جابرِ بن زيدٍ في قولِه:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . قال: وهو مؤمنٌ

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن مَهْديٍّ، عن حمادِ بن سلمةَ، عن يونُسَ، عن الحسنِ في قولِه:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . قال: [كلُّهم مؤمنٌ]

(3)

.

(1)

هو تتمة الأثر المتقدم تخريجه في ص 316.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 194 إلى المصنف وابن المنذر.

(3)

في م، والدر المنثور:"هو كافر".

والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 194 إلى المصنف.

ص: 320

وأولى القولين في ذلك بتأويلِ الآيةِ قولُ من قال: عنَى بذلك المقتولَ مِن أهلِ العهدِ؛ لأن الله أبْهَم ذلك، فقال:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . ولم يَقُلْ: وهو مؤمنٌ. كما قال في القتيل من المؤمنين وأهلِ الحربِ، [إذ عنى المؤمنين]

(1)

: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} . فكان في تركِه وصفَه بالإيمانِ الذي وصَف به القتيلَيْن الماضيَ ذكرُهما قبلُ، الدليلُ الواضحُ على صحةِ ما قلْنا في ذلك.

فإن ظنّ ظانٌّ أن في قولِه جلَّ ثناؤُه: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} . دليلًا على أنه مِن أهل الإيمانِ؛ لأن الديةَ عندَه لا تكونُ إلا لمؤمنٍ، فقد ظنَّ خطأً، وذلك أن ديةَ الذميِّ وأهلِ الإسلامِ سواءٌ؛ لإجماعِ جميعِهم على أن دِيَاتِ عبيدِهم الكفارِ وعبيدِ المؤمنين من أهلِ الإيمانِ سَواءٌ، فكذلك حكمُ دِياتِ أحْرارِهم سواءٌ. مع أن دياتِهم لو كانت على ما قال مَن خالَفَنا في ذلك، فجعَلها على النصفِ مِن دِياتِ أهلِ الإيمانِ، أو على الثلثِ، لم يَكُنْ في ذلك دليل على أن المعنيَّ بقولِه:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . من أهلِ الإيمانِ؛ لأن ديةَ المؤمنةِ

(2)

لا خلاف بين الجميع - إلا من لا يُعَدُّ خلافًا - أنها على النصفِ مِن ديةِ المؤمنِ، وذلك غيرُ مُخْرِجها مِن أن تكونَ ديةً

(3)

، فكذلك حكمُ دياتِ أهلِ الذمةِ، لو كانت مُقَصِّرةً عن

(4)

دياتِ أهلِ الإيمانِ، لم يُخْرِجُها ذلك مِن أن تكونَ دياتٍ، فكيف والأمرُ في ذلك بخلافِه، ودياتُهم ودياتُ المؤمنين سَواءٌ.

وأما الميثاقُ، فإنه العهدُ والذمةُ، وقد بيَّنا في غيرِ هذا الموضعِ أن

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"أو عنى المؤمن".

(2)

في الأصل: "المؤمن".

(3)

في ص، س:"ديته".

(4)

في الأصل: "على".

ص: 321

ذلك كذلك، والأصلَ الذي منه أُخِذ، بما أَغْنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ

(1)

.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أَسْبَاطُ، عن السُّديِّ في قولِه:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . يقولُ: عهدٌ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أَخْبَرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عن الزهريِّ في قولِه:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . قال: هو المُعاهَدةُ

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو غَسَّانَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} : عهدٌ

(4)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن إسرائيلَ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ مثلَه.

فإن قال قائلٌ: وما صفةُ الخطأِ الذي إذا قتل المؤمنُ المؤمنَ أو المعاهَدَ لزِمَته ديتُه والكفارةُ؟

قيل: هو ما قال النَّخَعيُّ في ذلك؛ وذلك ما حدَّثنا به

(5)

ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا

(1)

ينظر ما تقدم في 1/ 439، 2/ 46.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1034 عقب الأثر (5800) من طريق عمرو بن حماد عن أسباط عن السدى به.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 167، وفيه: المعاهدُ.

(4)

هو تتمة الأثر المتقدم تخريجه في ص 315.

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 322

عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ، قال: ثنا سفيانُ، عن المغيرةِ، عن إبراهيمَ، قال: الخطأُ أن يُرِيدَ الشيءَ فيُصِيبَ غيرَه

(1)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ ويعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قالا: ثنا هُشَيْمٌ، عن مُغيرةَ، عن إبراهيمَ، قال: الخطأُ أن [يَرْمى الشيءَ فيُصِيبَ]

(2)

إنسانًا، وهو لا يُرِيدُه، فهو خطأٌ، وهو على العاقِلةِ.

فإن قال قائلٌ

(3)

: فما بالُ

(3)

الديةِ الواجبةِ في ذلك؟

قيل: أما في قتلِ المؤمنِ فمائةٌ من الإبلِ، إن كان من أهلِ الإبلِ، على

(4)

عاقلةِ قاتلِه، لا خلافَ بينَ الجميعِ في ذلك، وإن كان في مَبْلَغِ [أسنانِها اختلافٌ بينَ]

(5)

أهلِ العلمِ. فمنهم مَن يقولُ: هي أرباعٌ؛ خمسٌ وعشرون منها حِقَّةً

(6)

، وخمسٌ وعشرون منها (3) جَذَعةً

(7)

، وخمسٌ وعشرون بَناتِ

(8)

مَخَاضٍ

(9)

، وخمسٌ وعشرون بناتِ لبُونٍ

(10)

.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن

(1)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (17208)، وابن أبي شيبة 9/ 140 عن الثورى به، وأخرجه ابن أبي شيبة 9/ 141 عن جرير عن مغيرة به.

(2)

في الأصل: "ترمى الشيء فتصيب".

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

سقط من: الأصل.

(5)

في الأصل: "أسنانه اختلافًا من".

(6)

الحق، والأنثى الحقة: البعير إذا استكمل السنة الثالثة ودخل في الرابعة. اللسان (ح ق ق).

(7)

الجذع، والأنثى الجذعة: البعير إذا استكمل أربعة أعوام ودخل في السنة الخامسة. اللسان (ج ذ ع).

(8)

في الأصل: "بنت".

(9)

ابن المخاض، والأنثى بنت مخاض: ما دخل في السنة الثانية. اللسان (م خ ض).

(10)

ابن اللبون، والأنثى بنت اللبون: ما أتى عليه سنتان ودخل في السنة الثالثة. اللسان (ل ب ن).

ص: 323

منصور، عن إبراهيمَ، عن عليٍّ رضي الله عنه: في الخطأِ شِبْهِ العَمْدِ ثلاثٌ وثلاثون حِقَّةً، وثلاثٌ وثلاثون جَذَعةً، وأربعٌ وثلاثون ثَنِيَّةً

(1)

إلى بازِلِ

(2)

عامِها، وفي الخطأِ خمسٌ وعشرون حِقَّةً، وخمسٌ وعشرون جَذَعةً، وخمسٌ وعشرون بناتِ مَخاضٍ، وخمسٌ وعشرون بناتِ لَبُونٍ

(3)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن فِراسٍ والشَّيْبانيِّ، عن الشعبيِّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ بمثلِه.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن عاصمِ بن ضَمْرةَ، عن عليٍّ بنحوِه

(4)

.

حدَّثني واصلُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا ابن فُضَيْلٍ، عن أشعثَ بن سَوَّارٍ، عن الشعبيِّ، عن عليٍّ، أنه قال: في قتلِ الخطأِ الديةُ مائةٌ أرْباعًا. ثم ذكَر مثلَه.

وقال آخرون: هي أخماسٌ؛ عشرون حِقَّةً، وعشرون جَذَعةً، وعشرون بناتِ لَبونٍ، وعشرون بنو لَبُونٍ، وعشرون بناتِ مَخَاضٍ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن أبي

(1)

الثنى من الإبل: الذي يلقى ثنيتيه، وذلك في السادسة. اللسان (ث ن ي).

(2)

البازل: البعير إذا استكمل السنة الثامنة وطعن في التاسعة وفطر نابه. اللسان (ب ز ل).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (17222، 17236) وابن أبي شيبة 9/ 134 عن الثورى به.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 134، وأبو داود (4551، 4553)، والدارقطني 3/ 177، والبيهقي 8/ 74 من طرق عن سفيان به.

ص: 324

مِجْلَزٍ، عن أبي عُبيدةَ، عن أبيه

(1)

عبدِ اللهِ بن مسعودٍ، قال: في الخطأِ عشرون حِقَّةً، وعشرون جَذَعةً، وعشرون بناتِ لَبونٍ، وعشرون بنو لَبونٍ، وعشرون بناتِ مَخَاضٍ

(2)

.

وحدثني واصلُ بنُ عبدِ الأَعْلَى، قال: ثنا ابن فُضَيْلٍ، عن أشعثَ، عن عامرٍ، عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ: في قتلِ الخطأِ مائةٌ مِن الإبلِ أَحْمَاسًا؛ خُمْسٌ جِدَاعٌ، وخُمْسٌ حِقَاقٌ، وخُمْسٌ بناتُ لَبونٍ، وخُمْسٌ بناتُ مَخَاضٍ، وخُمْسٌ بنو مَخَاضٍ

(3)

.

حدَّثنا مجاهدُ بنُ موسى، قال: ثنا يزيدُ، قال: أخبرَنا سليمانُ التَّيْميُّ، عن أبي مِجْلَزٍ، عن أبي عُبيدةَ، عن عبدِ اللهِ، قال: الديةُ أخْماسٌ؛ ديةُ الخطأِ؛ خُمْسٌ بناتُ مَخَاضٍ، وخُمْسٌ بنو مخاضٍ، وخُمْسٌ بناتُ لَبونٍ، وخُمْسٌ حِقاقٌ، وخُمْسٌ جِذاعٌ

(4)

.

واعْتَلَّ قائلو هذه المَقالةِ بحديثٍ حدَّثنا به أبو هشامٍ الرفاعيُّ، قال: ثنا يحيى ابن

(5)

أبي زائدةَ وأبو خالدٍ الأحمرُ، عن حجاجٍ، عن زيدِ بن جُبَيْرٍ، عن الخِشْفِ بن مالكٍ، عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قضَى في الديةِ في الخطأِ أخْماسًا. قال أبو هشامٍ: قال ابن أبي زائدةَ: عشرون حِقَّةً، وعشرون جذعةً، وعشرون ابنةَ

(1)

بعده في م: "عن".

(2)

أخرجه الدارقطني في سننه 3/ 172 من طريق سعيد به، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 135، 136 من طريق ابن أبي خالد عن الشعبي به.

(4)

أخرجه الدارقطني 3/ 172، والبيهقى 8/ 75 من طريق سليمان به.

(5)

في الأصل: "عن".

ص: 325

لَبونٍ، وعشرون ابنةَ مَخَاضٍ، وعشرون بنو

(1)

مَخَاضٍ

(2)

.

حدَّثنا أبو هشامٍ، قال: ثنا يحيى، عن أبيه، عن أبي إسحاقَ، عن علقمةَ، عن عبدِ اللهِ، أنه قضَى بذلك

(3)

.

وقال آخَرون: هي أرْباعٌ، غير أنها ثلاثون حِقَّةً، وثلاثون بناتِ لَبونٍ، وعشرون بناتِ مَخَاضٍ، وعشرون بنو لَبونٍ ذكورٌ.

‌ذِكْرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ بكرٍ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن عبدِ ربِّه، عن أبي عِياضٍ، عن عثمانَ وزيدِ بن ثابتٍ، قالا: في الخطأِ شِبْهِ العمدِ أربعون جَذَعَةً خَلِفَةً

(4)

، وثلاثون حِقَّةً، وثلاثون بناتِ

(5)

مَخَاضٍ، وفى الخطأِ ثلاثون حِقَّة، وثلاثون جَذَعةً، وعشرون بناتِ مَخَاضٍ، وعشرون بنو لَبونٍ

(1)

في م: "بني".

(2)

أخرجه الترمذى عقب (1386) عن أبي هشام الرفاعى به، وأخرجه أحمد 7/ 328 (4303) والترمذي (1386) والنسائي (4816) من طريق يحيى بن أبي زائدة به، وأخرجه ابن أبي شيبة 9/ 133، والدارقطني 3/ 175 من طريق أبي خالد الأحمر به، وأخرجه ابن أبي شيبة 9/ 133، وأحمد 6/ 143 (3635)، والدارمي 2/ 193، وأبو داود (4545)، وابن ماجه (2631) وغيرهم من طرق عن حجاج به، وقد اختلف في رفعه ووقفه، والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود، قاله البيهقى وانظر: نصب الراية 4/ 357، والتلخيص 4/ 21، وعلل الدارقطني 5/ 48. والسنن له 3/ 175.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 133، والدارقطني 3/ 172، والبيهقى 8/ 74، من طرق عن أبي إسحاق به، وأعله البيهقى بأن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة، وأخرجه ابن أبي شيبة 9/ 135 عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود عنه به.

(4)

الخلفة: الحامل من الإبل. المصباح (خ ل ف).

(5)

في الأصل: "بنت".

ص: 326

ذُكورٌ

(1)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عن سعيدٍ، عن قَتادةَ، عن سعيدِ بن المسيب، عن زيدِ بن ثابتٍ: في ديةِ الخطأِ ثلاثون حِقَّةً، وثلاثون بناتِ لَبونٍ، وعشرون بناتِ مَخَاضٍ، وعشرون بنو لَبونٍ ذكورٌ

(2)

.

حدَّثنا ابن بَشارٍ، قال: ثنا ابن عَثْمةَ، قال: ثنا سعيدُ بنُ بَشيرٍ، عن قتادةَ، عن عبدِ ربِّه، عن أبي عِياضٍ، عن عثمانَ بن عفانَ رضي الله عنه، قال: وحدَّثنا سعيدُ، عن قتادةَ، عن سعيدِ بن المسيبِ، عن زيدِ بن ثابتٍ مثلَه.

والصوابُ مِن [ذلك عندَنا]

(3)

أن الجميعَ مُجْمِعون على

(4)

أن في قتلِ الخطأِ المَحْضِ على أهلِ الإبلِ مائةً من الإبلِ. ثم اخْتَلَفُوا في مَبالغِ أسْنانِها، وأجْمَعوا على أنه لا يُقْتَصَرُ

(5)

بها في الذي وجَبَت له الأسنانُ عن

(6)

أقلِّ ما ذكَرْنا مِن أسْنانِها التي حدَّها الذين ذكَرْنا اخْتِلافَهم فيها، وأنه لا يُجاوَزُ بها الذي وجَبَت عليه

(7)

عن أعْلاها. وإذ كان ذلك من جميعهم إجْماعًا، فالواجبُ أَن يَكونَ مُجْزِئًا مَن لزِمَته ديةُ قتلٍ خطأ - أيُّ هذه الأسنانِ التي اخْتَلَف المُخْتلفون فيها أدَّاها إلى

(8)

مَن وجَبَت له؛ لأن الله جلَّ ذكرُه لم يَحُدَّ ذلك بحدٍّ لا يُجاوِزُه

(9)

ولا يُقصِّرُ عنه، ولا

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 135، وأبو داود (4554) والدارقطني 3/ 177، والبيهقى 8/ 74 من طرق عن سعيد عن قتادة به.

(2)

أخرجه الدارقطني 3/ 177 من طريق الشعبي عن زيد بن ثابت به.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"من القول في ذلك".

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يقصر".

(6)

في الأصل: "على".

(7)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(8)

في الأصل: "على".

(9)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يجاوز به".

ص: 327

رسولُه صلى الله عليه وسلم، إلا ما ذكَرْتُ مِن إجماعِهم فيما أجْمَعوا عليه؛ لأنه

(1)

ليس للإمامِ مُجاوَزةُ ذلك في الحكمِ بتقصيرٍ ولا زيادةٍ، وله التَّخَيُّرُ

(2)

فيما بينَ ذلك بما رأَى الصَّلاحَ فيه للفريقيْن.

وإن كانت عاقِلةُ القاتلِ مِن أهلِ الذهبِ، فإن لورثةِ القتيلِ عليهم عندَنا ألفَ دينارٍ، وعليه علماءُ الأمصارِ.

وقال بعضُهم: ذلك تقويمٌ مِن عمرَ الإبلَ

(3)

على أهلِ الذهبِ في عصرِه، فالواجبُ أن يُقَوَّمَ في كلِّ زمانٍ قيمتُها إذا عدِم الإبلَ عاقلةُ القاتلِ.

واعْتَلُّوا [في ذلك]

(4)

بما حدَّثنا ابن بَشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أيوبَ بن موسى، عن مكحولٍ، قال: كانت الديةُ تَرْتَفِعُ وتَنْخَفِضُ

(5)

، فتُوُفِّي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهى ثمانمائةِ دينارٍ، فخشِي عمرُ مِن بعدِه، فجعَلها اثنى عشَرَ ألفَ درهمٍ أو ألفَ دينارٍ

(6)

.

وأما الذين أوْجَبوها في كلِّ زمانٍ على أهلِ الذهبِ ذهبًا ألفَ دينارٍ، فقالوا: ذلك فريضةٌ فرَضها اللهُ على لسانِ نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كما فرَض الإبلَ على أهلِ الإبلِ. قالوا: وفي إجماعِ علماءِ الأمْصارِ في كلِّ عصرٍ وزمانٍ، إلا مَن شَذَّ عنهم، على أنها لا تُزادُ على ألفِ دينارٍ، ولا تَنْقُصُ عنها - أوضحُ الدليلِ على أنها الواجبةُ على أهلِ الذهبِ، وجوبَ الإبلِ على أهلِ الإبلِ؛ لأنها لو كانت قيمةَ

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فإنه".

(2)

في م: "التخيير".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"للإبل".

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

في الأصل: "تخفض".

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 126 من طريق سفيان به.

ص: 328

المائة

(1)

من الإبل لَاخْتَلَف ذلك بالزيادة والنقصان لتغير أسعار الإبل.

قال أبو جعفر رحمه الله: وهذا القول هو الحق في ذلك عندى

(2)

؛ لما ذكرنا من إجماع الحجة عليه.

وأما من الوَرِقِ على أهلِ الوَرِقِ عندنا، فاثنا عشر ألف درهم، وقد بينا العِلل في ذلك في كتابنا كتاب "لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام".

وقال آخرون: إنما على أهلِ الوَرِقِ مِن الوَرِقِ عشرة آلاف درهم.

وأما ديةُ المُعاهَدِ الذي بيننا وبين قومه ميثاق، فإن أهل العلم اختلفوا في مبلغها؛ فقال بعضُهم: ديته ودية الحرّ المسلم سواء.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا بشرٌ بن السِّريِّ، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، أن أبا بكر وعثمان كانا يَجْعَلان دية اليهودي والنصراني إذا كانا مُعاهَدَيْن كدية المسلم

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا بشرُ بنُ السَّرِيِّ، عن الدَّسْتُوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن الحكم بن عتيبة

(4)

، أن ابن مسعودٍ كان يَجْعَلُ ديةَ أهل الكتاب إذا كانوا أهلَ ذمّةٍ، كدية المسلمين

(5)

.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"لمائة".

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

أخرجه الدارقطني 3/ 129، 130 من طريق إبراهيم بن سعد به.

(4)

في النسخ: "عيينة". وتقدم على الصواب.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (18496، 18497) - ومن طريقه الدارقطني 3/ 149 - عن معمر، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن ابن مسعود، وأخرجه ابن أبي شيبة 9/ 286 من طريق أبان بن صالح عن مجاهد، عن =

ص: 329

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن حمادٍ، قال: سأَلَنى عبدُ الحميدِ عن ديةِ أهلِ الكتابِ، فأخْبَرْتُه أن إبراهيمَ قال: إن ديتَهم وديتَنا سَواءٌ

(1)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو الوليدِ، قال: ثنا حمادٌ، عن إبراهيمَ، وداودَ، عن الشعبيِّ، أنهما قالا: ديةُ اليهوديِّ والنصرانيِّ والمجوسيِّ مثلُ ديةِ الحرِّ المسلمِ.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشَيمٌ، عن مغيرةَ، عن إبراهيمَ، قال: كان يقالُ: ديةُ اليهوديِّ والنصرانيِّ والمجوسيِّ كديةِ المسلمِ إذا كانت له ذمةٌ.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُليةَ، قال: ثنا ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهِدٍ وعطاءٍ، أنهما قالا: ديةُ المعاهَدِ

(2)

ديةُ المسلمِ

(3)

.

حدَّثنا سَوَّارُ بنُ عبدِ اللهِ، قال: ثنا بشرُ بن المُفَضَّلِ، قال: ثنا المَسْعوديُّ، عن حمادٍ، عن إبراهيمَ، أنه قال: ديةُ المسلمِ والمعاهَدِ سَواءٌ.

حدَّثني يعقوبُ، قال: حدَّثنا ابن عُليةَ، عن أيوبَ، قال: سمِعتُ الزهريَّ يقولُ: ديةُ الذميِّ ديةُ المسلمِ

(4)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا ابن أبي زائدةَ، عن أشْعَثَ، عن عامرٍ، قال: ديةُ

= ابن مسعود وأخرجه أيضًا 9/ 286، والبيهقى 8/ 103 من طريق القاسم بن عبد الرحمن به عن ابن مسعود.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 287 من طريق الحكم وحماد عن إبراهيم به.

(2)

بعده في الأصل: "في".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 286 عن ابن علية به.

(4)

تقدم تخريجه في ص 319.

ص: 330

الذميِّ مثلُ ديةِ المسلمِ

(1)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا ابن أبي زائدةَ، عن سعيدِ بن أبي عَروبةَ، عن أبي مَعْشَرٍ، عن إبراهيمَ مثلَه.

حدَّثنا أبو السائبِ، قال: ثنا أبو مُعاويةَ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، قال:[ديةُ اليهوديِّ والنصرانيِّ والمجوسيِّ من أهلِ العهدِ كديةِ المسلمِ]

(2)

.

حدَّثنا عبدُ الحميد بنُ بَيانِ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ يزيدَ، عن إسماعيلَ، عن عامرٍ، وبلَغه أن الحسنَ كان يقولُ: ديةُ المجوسيِّ ثمانِمائةٍ، وديةُ اليهوديِّ والنصرانيِّ أربعةُ آلافٍ [أربعةُ آلافٍ]

(2)

، فقال: ديتُهم واحدةٌ.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن قيسِ بن مسلمٍ، عن الشعبيِّ، قال: ديةُ المسلمِ والمعاهَدِ و

(3)

كفارتُهما سَواءٌ

(4)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ، قال: ديةُ المعاهَدِ والمسلمِ سواءٌ

(5)

.

وقال آخَرون: بل ديتُه على النصفِ من ديةِ المسلمِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن المثنى، قال: حدَّثني عبدُ الأعلى، قال: ثنا داودُ، عن عمرِو بن

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 287 من طريق أشعث به.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

في ص، م:"في".

(4)

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (18501) عن الثورى به.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 287 من طريق سفيان به.

ص: 331

شُعيبٍ في ديةِ اليهوديِّ والنصرانيِّ، قال: جعَلها عمرُ بنُ الخطابِ نصفَ ديةِ المسلمِ، و

(1)

المجوسيَّ ثمانِمائةٍ فقلتُ لعمرِو بن شُعيبٍ: إن الحسنَ يقولُ: أربعةُ آلافٍ. [قال: كان ذلك قبلَ القيمةِ]

(2)

. وقال: وإنما جعل ديةَ المجوسيِّ بمنزلةِ العبدِ.

حدَّثني أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا عبيدُ

(3)

اللهِ الأشْجَعيُّ، عن سفيانَ، عن أبي الزِّنادِ، عن عمرَ بن عبدِ العزيزِ، قال: ديةُ المعاهَدِ على النصفِ مِن ديةِ المسلمِ

(4)

.

وقال آخَرون: بل ديتُه على الثلثِ مِن ديةِ الحُرِّ

(5)

المسلمِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني واصلُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا ابن فُضَيْلٍ، عَن مُطَرِّفٍ، عن أبي عثمانَ، قال - وكان قاضيًا لأهلِ مَرْوِ - قال: جعَل عمرُ رضي الله عنه ديةَ اليهوديِّ والنصرانيِّ أربعةَ آلافٍ

(6)

أربعةَ آلافٍ.

حدَّثني عمارُ بنُ خالدٍ الواسطيُّ، قال: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن الأعمشِ، عن ثابتٍ

(7)

، عن سعيدِ بن المسيبِ، قال: قال عمرُ: ديةُ النصرانيِّ أربعةُ آلافٍ، والمجوسيِّ ثمانِمائةٍ

(8)

.

(1)

بعده في م: "دية".

(2)

في ص، ت 2، ت 3، س:"كان ذلك قبل العلمة"، وفى م:"لعله كان قبل"، وفي ت 1:"كان ذلك قبل العلة".

(3)

في النسخ: "عبد". وتقدم على الصواب في 6/ 417، وينظر تهذيب الكمال 19/ 107.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 288 من طريق سفيان به، وأخرجه عبد الرزاق (18478) من طريق الزهرى وغيره عن عمر بن عبد العزيز. وعلقه الترمذى 4/ 18.

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(6)

بعده في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"و".

(7)

بعده في الأصل: "الجزاء" وصوابه الحداد، ثابت بن هرمز، أبو المقدام، ينظر تهذيب الكمال 4/ 380.

(8)

أخرجه الشافعي في مسنده (356) والدارقطني 3/ 131، 170 والبيهقى 8/ 100 من طرق =

ص: 332

حدَّثنا محمدُ

(1)

بنُ المثنى، قال: ثنا عبدُ الصمدِ، قال: ثنا شعبةُ، عن ثابتٍ، قال: سمِعْتُ سعيدَ بنَ المسيبِ يقولُ: قال عمرُ: ديةُ أهلِ الكتابِ أربعةُ آلافٍ، وديةُ المجوسيِّ ثمانِمائةٍ.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن ثابتٍ، عن سعيدِ بن المسيبِ، أن عمرَ بنَ الخطابِ قال: فذكَر مثلَه

(2)

.

[حدَّثنا ابن المثنَّى، قال: حدَّثنا أبو الوليدِ، قال: حدَّثنا حمَّادُ بنُ سلمةَ، عن قتادةَ، عن سعيدِ بن المُسَيَّبِ، وحُمَيْدٍ، عن الحسنِ، عن عمرَ مثلَه]

(3)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا ابن أبى عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قَتادةَ، عن أبي المليح، أن رجلًا مِن قومِه رَمَى يهوديًّا أو نصرانيًّا بسهمٍ فقتَله، فرُفِع ذلك إلى عمرَ بن الخطابِ، فأْغْرَمه ديتَه أربعةَ آلافٍ.

[حدَّثنا ابن بشَّارٍ، قال: ثنا ابن أبى عديٍّ، عن سعيدٍ]

(4)

، عن قتادةَ، عن سعيدِ بن المسيبِ، قال: قال عمرُ: ديةُ اليهوديِّ والنصرانيِّ أربعةُ آلافٍ أربعةُ آلافٍ

(5)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا هُشَيمٌ، قال: أَخْبَرَنا بعضُ أصحابِنا، عن سعيدِ بن المسيبِ، عن عمرَ مثلَه.

= عن ثابت أبى المقدام به، وأخرجه ابن أبي شيبة 9/ 289، والبيهقى 8/ 100 من طريق صدقة بن يسار عن سعيد بن المسيب به.

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (18479)، وابن أبي شيبة 8/ 288، والبيهقى 8/ 101 من طريق سفيان به.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

في ص م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"وبه".

(5)

أخرجه الدارقطني في سننه 3/ 130 من طريق سعيد به.

ص: 333

[أخبرَنا يعقوبُ]

(1)

، قال: ثنا هُشَيْمٌ، عن ابن أبي ليلى، عن عطاءٍ، عن عمرَ مثلَه.

[حدَّثني يعقوبُ]

(1)

، قال: ثنا هُشَيمٌ، قال أخْبرَنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن سليمانَ بن يَسارٍ أنه قال: ديةُ اليهوديِّ والنصرانيِّ أربعةُ آلافٍ، والمجوسيِّ ثمانِمائةٍ

(2)

.

حدَّثنا سَوَّارُ بنُ عبدِ اللهِ، قال: ثنا خالدُ بنُ الحارثِ، قال: ثنا عبدُ الملكِ، عن عَطاءٍ مثلَه

(3)

.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعْتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: أخبرنا عُبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعْتُ الضحاكَ في قولِه: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} : الصيامُ لمن لا يَجِدُ رقبةً، وأما الديةُ فواجبةٌ لا يُبْطِلُها شيءٌ

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤه بقولِه: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} : فمَن لم يَجِدْ رقبةً مؤمنةً يُحَرِّرُها كفارةً لخطئِه في قتلِه مَن قتَل مِن مؤمنٍ أو معاهَدٍ؛ لعُشرتِه بثمنِها، {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}. يقولُ: فعليه صيامُ شهرَيْن متتابِعَين.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم فيه بنحوِ ما قْلنا فيه.

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 289، والبيهقى في المعرفة (4938) من طريق يحيى بن سعيد به نحوه.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (18473، 18483) عن ابن جريج عن عطاء بنحوه.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 195 إلى المصنف.

ص: 334

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهِدٍ في قولِ اللهِ:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} . قال: مَن لم يَجِدْ عِتْقًا، أو عَتاقةً - شك أبو عاصمٍ - في قتلِ مؤمنٍ خطأً. قال: وأُنْزِلَت في عيَّاشٍ بن أبي ربيعةَ، قتَل مؤمنًا خطأً

(1)

.

وقال آخرون: صومُ الشهرين عن الديةِ والرقبةِ. قالوا: وتأويلُ الآيةِ: فمن لم يَجِدْ رقبةً مؤمنةً، ولا دِيةٌ يُسَلَّمُها إلى أهلِها، فعليه صومُ شهرين متتابعين.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سُوَيْدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المباركِ، عن زكريا، عن الشعبيِّ، عن مسروقٍ، أنه سُئِل عن الآيةِ التي في سورةِ النساءِ:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} : صيامُ الشهرين عن الرقبةِ وحدَها، أو عن الديةِ والرقبةِ؟ فقال: مَن لم يَجِدْ فهو عن الديةِ والرقبةِ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن زكريا، عن عامرٍ، عن مسروقٍ بنحوِه.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أن الصومَ عن الرقبةِ دونَ الديةِ؛ لأن ديةَ الخطأِ على عاقلةِ القاتلِ، والكفارةَ على القاتلِ، بإجماعِ الحُجَّةِ على ذلك، نقلًا عن نبيِّها صلى الله عليه وسلم، ولا يَقْضِى صومُ صائمٍ عما لزِم غيرَه في مالِه.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1035 (5805) من طريقه عن ابن أبي نجيح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 195 إلى عبد بن حميد.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1035 (5808) من طريق زكريا به.

وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 195 إلى ابن المنذر وعبد بن حميد.

ص: 335

والمُتابَعةُ صومُ الشهرين ممَّا

(1)

لا يَقْطَعُه بإفطارِ بعضِ أيامِه لغيرِ علةٍ حائلةٍ بينَه وبينَ صومِه.

ثم قال جل ثناؤُه: {تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} . يعنى: رجعةً

(2)

مِن اللهِ لكم إلى التيسيرِ عليكم

(3)

، بتخفيفِه عنكم ما خفّف عنكم مِن فرضِ تحريرِ الرقبةِ المؤمنةِ إذا أعْسَرْتُم بها، بإيجابِه عليكم صومَ شهرين مُتتابعين، {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}. يقولُ: ولم يَزَلِ اللهُ عليمًا بما يُصْلِحُ عبادَه فيما يُكَلِّفُهم مِن فرائضِه، وغير ذلك، حكيمًا بما يَقْضِى فيهم ويُرِيدُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} .

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ومَن يَقْتُلْ مؤمنًا عامدًا قتلَه، مُريدًا إتلافَ نفسِه {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}. يقولُ: فثوابُه مِن قتلِه إياه {جَهَنَّمُ} ، يعنى: عذابَ جهنمَ {خَالِدًا فِيهَا} ، يعني: باقيًا فيها، والهاءُ والألفُ في قولِه:{فِيهَا} مِن ذكرِ جهنمَ، {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ}. يقولُ: وغضِب اللهُ عليه بقتلِه إياه متعمِّدًا، {وَلَعَنَهُ}. يقولُ: وأَبْعَدَه مِن رحمتِه وأخْزاه، {وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} . وذلك ما لا يَعْلَمُ قدْرَ مبلغِه سواه.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في صفةِ القتلِ الذي يَسْتَحِقُّ صاحبُه أن يُسَمَّى متعمِّدًا، بعدَ إجماعِ جميعِهم على أنه إذا ضرَب رجلٌ رجلًا بحدِّ حَدِيدٍ يَجْرَحُ بحدِّه، أو

(1)

في ص، ت 1:"وألا"، وفى م، ت 2، ت 3، س:"و".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"رحمة"، وفى م:"تجاوزًا".

(3)

في م: "عليه".

ص: 336

يَبْضَعُ

(1)

ويَقْطَعُ، فلم يُقلِعْ عنه ضربًا به، حتى أتْلَف نفسَه، وهو في حالِ ضربِه إياه به قاصدٌ ضربَه، أنه عامدٌ قتلَه. ثم اخْتَلَفوا فيما عدا ذلك؛ فقال بعضُهم: لا عمدَ إلا ما كان كذلك على الصفةِ التي وصَفْنا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا ابن أبي زائدةَ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قال: قال عطاءٌ: العَمدُ: السلاحُ، أو قال: الحديدُ. قال: وقال سعيدُ بنُ المسيّبِ: هو السلاحُ

(2)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ ويعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قالا: ثنا هُشَيْمٌ، عن مغيرةَ، عن إبراهيمَ، قال: العمدُ ما كان بحَديدةٍ، وما كان بدونِ حَديدةٍ فهو شِبْهُ العمدِ، لا قَوَدَ فيه

(3)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن المغيرةِ، عن إبراهيمَ، قال: العمدُ ما كان بحَديدةٍ، وشِبْهُ العمدِ ما كان بخَشَبةٍ، وشِبْهُ العمدِ لا يَكونُ إلا في النفسِ

(3)

.

حدَّثني أحمدُ بنُ حمادٍ الدُّولابيُّ، قال: ثنا سفيانُ، عن عمرٍو، عن طاوسٍ،

(1)

يبضع: يقطع.

(2)

أما أثر عطاء فقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 9/ 271 (17173) وابن أبي شيبة 9/ 343 كلاهما من طريق ابن جريج به.

وأما أثر سعيد بن المسيب فقد أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 343، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1038 (5818) كلاهما من طريق ابن جريج به عمن سمع سعيد بن المسيب بنحوه.

وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 9/ 272 (17177) من طريق عمرو بن سليم عن ابن المسيب بنحوه.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 344، وابن حزم في المحلى 12/ 54 عن سفيان به، وأخرجه ابن أبي شيبة 9/ 345، 354 عن جرير عن المغيرة به.

ص: 337

قال: مَن قُتِل في عصبيَّةٍ

(1)

في رِمِّيَّا

(2)

يَكونُ بينهم

(3)

بحجارةٍ، أو جلدٍ بالسِّياطِ، أو ضرْبٍ بالعصِيِّ فهو خطأٌ، ديتُه ديةُ الخطأِ، ومَن قُتِل عمدًا فهو قَودُ يدِه

(4)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن

(5)

مُغيرةَ، عن الحارثِ وأصحابِه في الرجلِ يَضْرِبُ الرجلَ فيَكونُ مريضًا حتى يَموتَ، قال: أَسْأَلُ الشُّهود أنه ضرَبه، فلم يَزَلْ مَرِيضًا مِن ضربتِه حتى مات، فإن كان بسلاحٍ فهو قَوَدٌ، وإن كان بغيرِ ذلك فهو شِبْهُ العمدِ.

وقال آخَرون: كلُّ ما عَمَد به

(6)

الضاربُ إتلافَ نفسِ المضروبِ فهو عمدٌ، إذا كان الذي ضرَب به

(6)

الأَغْلَبُ منه أنه يَقْتُلُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، قال: أخْبَرَنا عبدُ الرحمنِ بنُ يحيى، عن حِبَّانَ بن أبي جَبَلةَ، عن عُبَيدِ بن عُميرٍ، أنه قال: وأيُّ عمدٍ هو أعْمدُ مِن أن يَضْرِبَ رجلًا بعضًا، ثم لا يُقْلِعَ عنه حتى يَموتَ

(7)

؟

(1)

في الأصل: "غضبة".

(2)

في ص، م:"رمى". والرميا - بوزن الهِجِّيرا والخِصِّيصا - من الرمي، وهو مصدر يراد به المبالغة النهاية 2/ 269.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"منهم".

(4)

في م، ت 2، ت 3:"يديه"، والأثر أخرجه ابن حزم في المحلى 12/ 67 من طريق ابن طاوس عن أبيه، وأخرجه أيضًا 12/ 68 من طريق عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس وأبي هريرة مرفوعًا.

(5)

في م: "و". وهو خطأ. وينظر ترجمة المغيرة بن مقسم في تهذيب الكمال 28/ 397.

(6)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(7)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف 9/ 274 (17185)، وابن أبي شيبة 9/ 345 من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير بنحوه.

وأخرجه البيهقى في الكبرى 8/ 44 من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير نحوه.

ص: 338

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي هاشمٍ، عن إبراهيمَ، قال: إذا خنَقَه بحبلٍ حتى يَموتَ، أو ضرَبه بخشبةٍ حتى يموتَ فهو القَوَدُ.

وعلةُ مَن قال: كلُّ ما عدا الحديدَ خطأٌ ما حدَّثنا به ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن جابرٍ، عن أبي عازبٍ، عن النعمانِ بن بشيرٍ، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: كلُّ شيءٍ خطأٌ إلا السيفَ، ولكلِّ خطأٍ أَرْشٌ

(1)

"

(2)

.

وعلةُ مَن قال: حكمُ كلِّ ما قُتِل المضروبُ به مِن شيءٍ حكمُ السيفِ في أن مَن قُتِل به فهو

(3)

قَتيلُ عمدٍ، ما حدَّثنا به ابن بشارٍ، قال: ثنا أبو الوليدِ، قال: ثنا همامٌ، عن قتادةَ، عن أنسِ بن مالكٍ، أن يهوديًّا قتَل جاريةً على أوْضاحٍ

(4)

لها بينَ حَجَرَيْن، فأُتِي به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقتَله بينَ حجرين

(5)

.

قالوا: فأقاد النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن قاتلٍ بحجرٍ، وذلك غيرُ حَديدٍ. قالوا: وكذلك حكمُ كلِّ من قتَل رجلًا بشيءٍ الأغْلَبُ منه أنه يَقْتُلُ مثلَ المقتولِ به، نظيرُ حكمِ اليهوديِّ القاتلِ الجاريةَ بينَ حجرين

(6)

.

قال أبو جعفرٍ: والصوابُ من القولِ في ذلك عندَنا قولُ مَن قال: كلُّ مَن

(1)

الأرش: دية الجراحة.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 344، وأحمد 30/ 342 (18395)، والدارقطني في السنن 3/ 106، وابن أبي عاصم في الديات ص 87 كلهم من طريق وكيع به. وإسناده ضعيف؛ لجهالة أبي عازب وضعف جابر الجعفى. وينظر الطيالسي (839).

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

الأوضاح: نوع من الحلى يُعمل من الفضة، سُمِّيت بها، لبياضها، واحدها: وَضَحٌ. النهاية (و ض ح).

(5)

أخرجه الطحاوى في شرح المعانى 3/ 190 من طريق أبي الوليد الطيالسي به، وأخرجه أحمد 2/ 247 (12895)، والبخاري (2413، 2746، 6876، 6884، 6885)، ومسلم (1672) وأبو داود (4527، 4535)، والترمذى (1394)، والنسائى (4756)، وابن ماجه (2665) كلهم من طرق عن همام، عن قتادة به، وينظر الطيالسي (2098).

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"الحجرين".

ص: 339

ضرَب إنسانًا بشيءٍ، الأغلبُ منه أنه يُتْلِفُه، فلم يُقْلِعْ عنه حتى أتْلَفه

(1)

نفسَه به، أنه قاتلُ عمدٍ ما كان المضروبُ به مِن شيءٍ؛ لِلذى ذكَرْنا مِن الخبرِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

وأما قولُه: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} . فإن أهلَ التأويلِ اخْتَلَفوا في معناه؛ فقال بعضُهم: معناه: فجزاؤُه جهنمُ إن جازاه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابن عُلَيةَ، عن سليمانَ التَّيْميِّ، عن أبي مِجْلَزٍ في قولِه:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} . قال: هو جزاؤُه، وإن شاء تجاوز عنه

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا أبو النعمانِ الحكمُ بنُ عبدِ اللهِ، قال: ثنا شعبةُ، عن سيَّارٍ

(3)

، عن أبي صالحٍ في قولِه:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} . قال: جزاؤُه

(4)

إن جازاه

(5)

.

وقال آخَرون: عُنِى بذلك رجلٌ بعينِه، كان أسْلَم فارْتَدَّ عن إسلامِه وقتَل رجلًا مؤمنًا. قالوا: فمعنى الآيةِ: ومَن يَقْتُلْ مؤمنًا متعمِّدًا مُسْتَحِلًّا قتله، فجزاؤُه جهنمُ

(1)

في م: "أتلف".

(2)

أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في ناسخه ص 391 عن ابن علية به. وأخرجه أيضًا ص 391 وسعيد بن منصور في سننه (674 - تفسير)، وابن أبي شيبة 9/ 361، وأبو داود (4276)، والبيهقى 8/ 16 من طرق عن التيمي به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 197 إلى ابن المنذر وعبد بن حميد.

(3)

في ص، م، ت 2، ت 3، ص:"يسار"، وفي ت 1:"بشار". وكلاهما تحريف. وهو سيار أبو الحكم العنزى الواسطى. ينظر تهذيب الكمال 12/ 213.

(4)

بعده في م: "جهنم".

(5)

أخرجه أبو عبيد في ناسخه ص 391، وابن أبي شيبة 9/ 361 من طريق شعبة عن سيار به.

ص: 340

خالدًا فيها.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن عكرمةَ، أن رجلًا مِن الأنصارِ قتَل أخا مِقْيَسِ بن ضُبابةَ

(1)

، فأعطاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم الديةَ فقبِلها، ثم وثَب على قاتلِ أخيه فقتَله. قال ابن جُريجٍ: وقال غيرُه: ضرَب النبيُّ صلى الله عليه وسلم ديتَه على بنى النَّجَّارِ، ثم بعَث مِقْيَسًا، وبعث معه رجلًا مِن بنى فِهْرٍ في حاجةٍ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فاحْتَمَل مِقْيَسٌ الفِهْريَّ وكان أيِّدًا

(2)

، فضرَب به الأرضَ، ورضَخ رأسَه بينَ حجرين، ثم أَلْقَى يَتَغَنَّى

(3)

:

قتَلْتُ

(4)

به فِهْرًا وحمَّلْتُ عقلَهُ

سَراةَ بنى النجارِ أربابِ فارِعِ

(5)

فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أظُنُّه قد أحْدَث حَدَثًا، أمَا واللهِ لئن كان فعَل لا أُومِنُه في حِلٍّ ولا حَرَمٍ، ولا سِلْمٍ ولا حربٍ". فقُتِل يومَ الفتحِ. قال ابن جُرَيْجٍ: وفيه نزَلَت هذا الآيةُ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الآية

(6)

.

وقال آخَرون: معنى ذلك: إلا مَن تاب.

(1)

كذا في الأصل، م، ت 2، ت 3، س، والدر المنثور ومعجم البلدان، وفي ص، ت 1، ومغازي الواقدي، وتاريخ الطبرى، وسيرة ابن هشام:"صبابة"، وفى التاج (ق ى س):"حبابة".

(2)

الأيد: القوى.

(3)

البيت في مغازى الواقدى 2/ 862، وسيرة ابن هشام 2/ 294، وتاريخ الطبرى 2/ 609، ومعجم البلدان 3/ 839.

(4)

في مصادر التخريج: "ثأرت". وسياق الخبر هنا غيره في مصادر التخريج.

(5)

فارع: اسم حصن لبنى النجار.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 195 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 341

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن منصورٍ، قال: ثني سعيدُ بنُ جُبيرٍ، أو حدَّثني الحكمُ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: سأَلْتُ ابنَ عباسٍ عن قولِه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} . قال: إن الرجلَ إذا عرَف الإسلامَ وشَرائعَ الإسلامِ، ثم قتَل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤُه جهنمُ، ولا توبةَ له. فذكَرْتُ ذلك لمجاهدٍ، فقال: إلا مَن ندِم

(1)

.

وقال آخَرون: ذلك إيجابٌ مِن اللهِ الوعيدَ لقاتلِ المؤمنِ متعمِّدًا، كائنًا مَن كان القاتلُ على ما وصَفَه في كتابِه، ولم يَجْعَلْ له توبةً مِن فعلِه. قالوا: فكلُّ قاتلٍ مؤمنًا متعمدًا فله ما أوْعَده اللهُ مِن العذابِ، والخلودِ في النارِ، ولا تَوبةَ له. وقالوا: نزَلَت هذه الآيةُ بعد التي في سورةِ الفرقانِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني ابن حُميدٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا جَريرٌ، عن يحيى الجابرِ

(2)

، عن سالِم بن أبي الجَعْد، قال: كنا عندَ ابن عباسٍ بعدَ ما كُفَّ بصرُه، فأتاه رجلٌ فناداه: يا عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ، ما تَرَى في رجلٍ قتَل مؤمنًا متعمدًا؟ فقال:{فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} . قال: أفرأَيْتَ إن تاب وآمَن وعمِل صالحًا، ثم اهَتَدَى؟ قال ابن عباسٍ: ثَكلَتْه أمه، وأَنَّى له التوبةُ والهُدَى؟ فوالذي نفسي بيده، لقد سمِعْتُ نبيَّكم صلى الله عليه وسلم يقولُ: "ثكِلَتْه

(1)

أخرجه البخارى (3855)، وأبو داود (4273)، والحاكم 2/ 403 من طريق جرير عن منصور به مطولًا.

(2)

في م: "الجارى". وينظر تهذيب الكمال 31/ 404.

ص: 342

أمُّه، [قاتلُ مؤمنٍ]

(1)

متعمدًا، جاء يومَ القيامةِ آخِذَه

(2)

بيمينه أو بشمالِه، تَشْخَبُ أوْداجُه

(3)

دمًا في قُبُلِ عرشِ الرحمنِ، يَلْزَمُ قاتلَه بيدِه الأخرى، يقولُ: سَلْ هذا فيمَ قتَلَنى؟ " والذي نفسُ عبدِ اللهِ بيدِه، لقد أُنْزِلَت هذه الآيةُ فما نسَخَتها مِن آيةٍ حتى قُبِض نبيُّكم صلى الله عليه وسلم، وما نزَل بعدَها مِن بُرْهانٍ

(4)

.

[حدَّثنا عثمانُ بنُ يحيى، عن عثمانَ القَرْقَسانيِّ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن عمارٍ، عن سالمٍ، قال: سُئل ابن عباسٍ عن رجلٍ قتَل مؤمنًا متعمِّدًا، تاب وآمن وعمِل صالحًا. قال: فأَنَّى له الهدَى؟! سمِعتُ نبيَّكم صلى الله عليه وسلم يقولُ: "يَجِيءُ المقتولُ يومَ القيامةِ متعلِّقًا بالقاتلِ، يقولُ: أيْ ربِّ، سَلْ هذا فيمَ قتَلني؟ " ويحَه! أنَّى له الهدَى؟ لقد أنزلها اللهُ على نبيِّكم عليه السلام، ثم ما نسَخَها بعدَ إِذْ أنزلها]

(5)

(6)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبو خالدٍ الأحمرُ، عن عمرِو بن قيسٍ، عن يحيى بن

(1)

في م: "رجل قتل رجلًا".

(2)

في م: "آخذا".

(3)

الشخب: السيلان. وأصل الشخب: ما يخرج من تحت يد الحالب عند كل غمزة وعصرة لضرع الشاة. والأوداج: جمع وَدَج، وهو عرق الأخدع الذي يقطعه الذابح فلا يبقى معه حياة. التاج (ش خ ب)، والمصباح (و د ج).

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 356 وأحمد 4/ 44، 42، (2142، 2683)، وعبد بن حميد (679 - منتخب) من طرق عن يحيى الجابر به، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (666 - تفسير)، والحميدى (488) عن سفيان عن يحيى - مقرونًا برواية عمار الدهني - به، وأخرجه أحمد 5/ 412 (3445) من طريق سفيان عن يحيى - وحده - به.

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(6)

أخرجه أحمد 3/ 413 (1941)، والنسائى (4010)، وابن ماجه (2621)، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص 346، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1036 (5813) من طريق سفيان عن عمار عن سالم به، وأخرجه الطبراني (12597) من طريق ليث بن أبي سليم عن سالم به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 196 إلى ابن المنذر، وينظر الحديث السابق.

ص: 343

الحارثِ التَّيْميِّ، عن سالمِ بن أبي الجَعْدِ، عن ابن عباسٍ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} ". فقيل له: وإن تابَ وآمَن وعمِل صالحًا؟ فقال: "وأَنَّى له التوبةُ"

(1)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا موسى بنُ داودَ، قال: ثنا همامُ بنُ

(2)

يحيى، عن رجلٍ، عن سالمٍ، قال: كنتُ جالسًا مع ابن عباسٍ، فسأَله رجلٌ، فقال: أرأَيْتَ رجلًا قتَل مؤمنًا مُتَعمدًا أين منزلُه؟ قال: {جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} . قال: أفرأَيْتَ إن هو تاب وآمَن وعمل صالحًا ثم اهْتَدَى؟. قال: وأنَّى له الهدَى ثَكلَتْه أمُّه؟ والذي نفسي بيدِه لسمِعْتُه يقولُ - يعنى النبيَّ عليه السلام: "يَجِيءُ يومَ القيامةِ مُعَلِّقًا رأسَه بإحدى يديه، إما بيمينِه أو بشمالِه، آخِذًا صاحبَه بيدِه الأخرى تَشْخَبُ أَوْداجُه حِيالَ عرشِ الرحمنِ، يقولُ: ياربَّ، سَلْ عبدَك هذا عَلامَ قتَلَنى؟ " فما جاء نبيٌّ بعدَ نبيِّكم، ولا نزَل كتابٌ بعدَ كتابِكم

(3)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا قَبِيصةُ، قال: ثنا [عمارُ بنُ رُزَيْقٍ]

(4)

، عن عمارٍ الدُّهْنيِّ، عن سالمِ بن أبي الجعدِ، عن ابن عباسٍ نحوَه، إلا أنه قال في حديثِه: فواللهِ لقد أُنْزِلَت على نبيِّكم صلى الله عليه وسلم، ثم ما نسخها شيْءٌ، ولقد سمِعْتُه يقولُ

(5)

: "ويلٌ لقاتلِ

(1)

أخرجه ابن الجوزى في نواسخ القرآن ص 290 من طريق أبي خالد الأحمر به، والأصبهاني في الترغيب والترهيب 2/ 942 (2300) من طريق عمرو بن قيس عن يحيى به.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"عن".

(3)

تنظر الصفحة السابقة حاشية (4، 6)

(4)

في م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"عمان بن زريق". وهو تحريف. وينظر تهذيب الكمال 21/ 189.

(5)

بعده في الأصل: "ويل للقاتل".

ص: 344

المؤمنِ، يَجِيءُ يومَ القيامةِ آخِذًا رأسه بيدِه" ثم ذكَر الحديثَ نحوَه

(1)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ قال: ثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عن شعبةَ

(2)

، عن أبي بشرٌ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: قال عبدُ الرحمنِ بنُ أَبْزَى: سُئِل ابن عباسٍ عن قولِه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} . فقال: لم يَنْسَخْها شيْءٌ. وقال في هذه الآية: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68]. قال: نزَلَت في أهلِ الشركِ

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن منصورٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: أمَرَنى عبدُ الرحمنِ مِنْ أَبْزَى أَن أَسْأَلَ ابنَ عباسٍ عن هاتين الآيتين، فذكَر مثلَه

(4)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا طَلْقُ بنُ غَنَّامٍ، عن زائدةَ، عن منصورٍ، قال: أخبرني سعيدُ بنُ جبيرٍ، أو حُدِّثْتُ عن سعيدِ بن جبيرٍ، أن عبدَ الرحمنِ بنَ أَبْزَى أُمَره أن يَسْأَلَ ابنَ عباسٍ عن هاتينِ الآيتين؛ التي في النساءِ:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} إلى آخرِ الآيةِ. والتي في الفرقانِ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} إلى: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} . قال ابن عباسٍ: إذا دخَل الرجلُ في الإسلامِ وعلِم شرائعَه وأمْرَه، ثم قتَل مؤمنًا متعمدًا، فلا توبةَ له، وأما

(1)

ينظر ما تقدم في ص 343.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"سعيد".

(3)

أخرجه مسلم (3023/ 18)، والنسائي (4013) عن محمد بن المثنى به، وأخرجه مسلم (3023/ 18) من طريق محمد بن جعفر به، وأخرجه البخارى (4764، 4766) من طريق شعبة به. كما أخرجه في (3855، 4765)، وأبو داود (4273) من طريق منصور به.

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"نحوه".

ص: 345

التي في الفرقانِ، فإنها لمَّا أُنْزِلَت قال المشركون مِن أهلِ مكةَ: فقد عدَلْنا

(1)

باللهِ وقتَلْنا النفسَ التي حرَّم اللهُ بغيرِ الحقِّ

(2)

، فما يَنْفَعُنا الإسلام؟ قال: فنَزَلَت: {إِلَّا مَنْ تَابَ}

(3)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن المغيرةِ بن النعمانِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} . قال: ما نسَخَها شيْءٌ

(4)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا شعبةُ، عن المغيرةِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: هي مِن آخرِ ما نزَلَت، ما نسَخَها شيءٌ

(5)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن المغيرةِ بن النعمانِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: اخْتَلَف أهلُ الكوفةِ في قتلِ المؤمنِ، فدخَلْتُ إلى ابن عباسٍ فسأَلْتُه، فقال: لقد نزَلت في آخرِ ما نزَل مِن القرآن

(6)

، وما نسَخها شيءٌ.

(1)

عدل بربه عدلًا وعدولًا: أشرك وسوًى به غيره.

(2)

بعده في م والدر المنثور: "وأتينا الفواحش".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 196 إلى المصنف. وتنظر الصفحة السابقة حاشية (3).

(4)

تفسير سفيان ص 96، ومن طريقه أخرجه ابن الجوزى في نواسخ القرآن ص 290.

وأخرجه أبو عبيد في ناسخه ص 386، وأبو داود (4275) من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به.

(5)

أخرجه مسلم (3023/ 17) عن محمد بن المثنى به، وأخرجه البخارى (4763)، ومسلم (17/ 3023) من طريق محمد بن جعفر به، وأخرجه البخارى (4590)، ومسلم (3023/ 16) والنسائي (4011) من طرق عن شعبة به.

(6)

في الأصل، ت 2:"الفرقان".

ص: 346

حدَّثني المثنى، قال: ثنا آدمُ العَسْقَلانيُّ، قال: ثنا شعبةُ، قال: ثنا أبو إياسٍ معاويةُ بنُ قُرَّةَ، قال: أَخْبَرَنى شهرُ بنُ حَوْشَبٍ، قال: سمِعْتُ ابنَ عباسٍ يقولُ: نزلَت هذه الآيةُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} ، بعدَ قولِه:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} بسنَةٍ

(1)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ، قال: ثنا شعبة، عن معاويةَ بن قُرَّةَ عن ابن عباسٍ، قال:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} . قال: نَزَلت بعدَ {إِلَّا مَنْ تَابَ} بسنةٍ.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبدُ الصمدِ بنُ عبدِ الوارثِ، قال: ثنا شعبةُ، قال: ثنا أبو إياسٍ، قال: حدَّثني مَن سمِع ابنَ عباسٍ يقولُ في قاتلِ المؤمنِ: نزَلَت بعدَ ذلك بسنةٍ. فقلتُ لأبى إياسٍ: مَن أَخْبَرَك؟ فقال: شهرُ بنُ حَوْشبٍ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} . قال: ليس لقاتلٍ توبةٌ إلا أن يَسْتَغْفِرَ الله

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الآية. قال عطيةُ: وسُئِل عنها ابن عباسٍ، فزعَم أنها نزَلَت بعدَ الآيةِ التي في سورةِ الفرقانِ بثمانِ سنين، وهو قولُه:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] إلى قولِه: {غَفُورًا رَحِيمًا}

(3)

[الفرقان: 70].

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 196 إلى المصنف وابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 167. وأخرجه أبو عبيد في ناسخه ص 387 من طريق الثوري عن أبي حصين به.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 196 إلى المصنف.

ص: 347

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن مُطَرِّفٍ، عن أبي السَّفَرِ، عن ناجيةَ، عن ابن عباسٍ، قال: هما المُبْهَمَتان

(1)

: الشركُ، والقتلُ

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليِّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ، قال: أكبرُ الكبائرِ الإشراكُ باللهِ، وقتلُ النفسِ التي حرَّم اللهُ؛ لأن الله سبحانَه يقولُ:{فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عَوْنٍ، قال: حدَّثنا هُشَيْمٌ، عن بعضِ أشياخِه الكوفيين، عن الشعبيِّ، عن مسروقٍ، عن ابن مسعودٍ في قولِه:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} . قال: إنها لمُحَكْمَةٌ، وما تَزْدادُ إلا شدةَ

(4)

.

حدَّثنا [ابن البَرْقيِّ]

(5)

، قال: ثنا ابن أبي مَريمَ، قال: حدَّثنا نافعُ بنُ يزيدَ، قال: ثنى أبو صَخْرٍ، عن أبي معاويةَ البَجَليِّ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، قال: قال ابن عباسٍ: يأتى المقتولُ يومَ القيامةِ آخِذًا رأسَه بيمينه، وأوْداجُه تَشْخَبُ دمًا، يقولُ: يا ربِّ،

(1)

المبهمتان: المسألتان المعضلتان المشكلتان اللتان لا مخرج منهما.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 356 من طريق وكيع به، وأبو عبيد في ناسخه ص 387 من طريق عاصم بن بهدلة عن أبي رزين عن ابن عباس، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 197 إلى عبد بن حميد والمصنف.

(3)

أخرجه البيهقى في شعب الإيمان 1/ 271 (291) من طريق عبد الله بن صالح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 196، 197 إلى المصنف.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 197 إلى عبد بن حميد والمصنف.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ابن الرقى". وهو تحريف. وينظر تهذيب الكمال 25/ 503.

ص: 348

دمى عندَ فُلانٍ. فيُؤْخَذان فيُسْنَدان إلى العرشِ، فما أَدْرِى مَا يُقْضَى بينهما، ثم نزَع بهذه الآيةِ:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} الآية. قال ابن عباسٍ: والذي نفسي بيدِه، ما نَسَخَها اللهُ جلَّ وعزَّ منذ أنْزَلَها على نبيِّكم عليه الصلاة والسلام.

[حدثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا عثمانُ بن سعيد، قال: ثنا هَيَّاجُ بنُ بِسْطامٍ، عن محمدِ بن عمرٍو، عن موسى بن عقبةَ، عن أبي الزِّنادِ، عن خارجةَ بن زيدٍ، عن زيد بن ثابتٍ، قال: نزلت سورةُ النساء بعدَ سورةِ الفرقانِ بستةِ أشهرٍ]

(1)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا يحيى بنُ آدمَ، عن ابن عُيَينةَ، عن أبي الزِّنادِ، قال: سمِعْتُ رجلًا يُحَدِّثُ خارجةَ بنَ زيدِ بن ثابتٍ، عن زيدِ بن ثابتٍ، قال: سمِعْتُ أباك يقولُ: نزَلَت الشديدةُ بعدَ الهَيِّنةِ بستةِ أشهرٍ، قولُه:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ} إلى آخرِ الآيةِ، بعد قولِه:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى آخرِ الآيةِ

(2)

.

(1)

سقط من: ت 1، ت 2، ت 3. وقد جاء هذا الأثر في ص، م، س قبل الأثر السابق. وقد أخرجه النسائي (4018)، والطبراني (4868) من طريق محمد بن عمرو عن موسى به، وأبو عبيد في ناسخه ص 384، والنحاس في ناسخه ص 345، والطبراني (4869) من طريق جهم بن أبي الجهم عن أبي الزناد به، وأخرجه النسائي (4017) من طريق محمد بن عمرو عن أبي الزناد - دون ذكر موسى بن عقبة - وقال: لم يسمع محمد بن عمرو من أبي الزناد. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 196 إلى المصنف وابن مردويه.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (667 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1037 (5814)، وابن الجوزى في نواسخ القرآن ص 292 من طرق عن سفيان بن عيينة به.

وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 196 إلى ابن المنذر، وأخرجه أبو عبيد في ناسخه ص 385، والبخاري في تاريخه 7/ 58، 8/ 10، وأبو داود (4272)، والنسائى (4019)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1037 (5815)، والطبراني (4905، 4906)، والبيهقى 8/ 16 من طريق عبد الرحمن بن إسحاق وابن أبي الزناد وابن إسحاق عن أبي الزناد، وسموا الرجل المبهم: عوف بن مجالد، أو: مجالد بن عوف عن خارجة به.

ص: 349

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا ابن عُيَيْنةَ، عن أبى الزِّنادِ، قال سمِعتُ رجلًا يُحَدِّثُ خارجةَ بنَ زيدٍ، قال: سمِعتُ أباك في هذا المكانِ بمنًى يقولُ: نزَلت الشديدةُ بعدَ الهَيِّنَةِ. يقولُ: أُراهُ بستةِ أشهرٍ، يعنى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} . بعدَ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} .

(1)

[النساء: 48، 116].

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سلَمةَ بن نُبَيْطٍ، عن الضحَّاكِ بن مُزاحِمٍ، قال: ما نسَخها شيءٌ منذُ نزَلت، وليس له توبةٌ

(2)

.

قال أبو جعفرٍ: وأَوْلَى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: معناه: ومَن يَقْتُل مؤمنًا مُتَعَمِّدًا فجزاؤُه - إنْ جزاه - جهنَّمُ خالدًا فيها، ولكنه يعفو ويَتَفَضَّلُ على أهلِ الإيمانِ به وبرسولِه، فلا يُجازيهم بالخلودِ فيها، ولكنه تعالى ذكرُه، إما أن يَعْفُوَ بفضلِه فلا يُدْخِلَه النارَ، وإِمَّا أَن يُدْخِلَه إيَّاها ثم يُخْرِجَه منها بفضلِ رحمتِه؛ لما سلَف مِن وعدِه عبادَه المؤمنين بقولِه:{يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53].

فإن ظنَّ ظانٌّ أن القاتلَ إن وجَب أن يكونَ داخلًا في هذه الآيةِ، فقد يَجِبُ أن يكونَ المُشْرِكُ داخلًا فيه؛ لأن الشركَ من الذنوبِ، فإن الله قد أَخْبَر جلَّ ثناؤُه أنه غيرُ غافرٍ الشركَ لأحدٍ بقولِه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 168، وكذا جعل عبد الرزاق في روايته للحديث عن ابن عيينة قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} بدل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} فخالف سعيد بن منصور ويحيى بن آدم وابن المقرئ - كما سبق في تخريج الحديث السابق - فجميع هؤلاء الثلاثة رووه عن ابن عيينة بذكر آية الفرقان بدل آية النساء، وهو الصواب.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 9/ 357، 358 عن وكيع به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 197 إلى عبد بن حميد.

ص: 350

لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48، 116]. والقتلُ دونَ الشركِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بقولِه جل ثناؤُه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}

(1)

: يا أيها الذين صدَّقوا الله وصدَّقوا رسولَه، فيما جاءهم به مِن عند ربِّهم {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يقولُ: إذا سِرْتُم مسيرًا للهِ في جهادِ أعدائِه

(2)

{فَتَبَيَّنُوا} يقولُ: فتَأَنَّوْا في قتلِ مَن أَشْكَل عليكم أمرُه، فلم

(3)

تَعْلَموا حقيقةً إسلامِه ولا كفرِه، ولا تَعْجَلوا فتَقْتُلُوا مَن الْتَبس عليكم أمرُه، ولا تَتَقَدَّموا على قتلِ أحدٍ إلا على قتلِ مَن علِمْتُموه يقينًا حربًا لكم وللهِ ولرسولِه، (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم [السَّلَمَ

(4)

. يقولُ: ولا تقولوا]

(5)

لمن اسْتَسلم لكم فلم يُقاتِلْكم، مظهِرًا لكم أنه مِن أهلِ ملَّتِكم ودعوتِكم {لَسْتَ مُؤْمِنًا} فتَقْتُلوه ابتغاءَ:{عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، يقولُ: طلبَ متاعِ الحياةِ الدنيا؛ فإن عندَ اللهِ مغانمَ كثيرةً مِن رزقِه، وفواضلِ نعمِه، فهو

(6)

خيرٌ لكم إن أطَعْتُم الله فيما أمرَكم به، ونهاكم عنه،

(1)

بعده في الأصل: "إذا ضربتم في سبيل الله".

(2)

في ص، م:"أعدائكم".

(3)

في ص: "فلما".

(4)

في م وما سيأتي من مواضع: "السلام". وما أثبتناه هو القراءة التي رجحها المصنف.

(5)

في الأصل: "السلم لست مؤمنا يقول".

(6)

في م: "فهى".

ص: 351

فأثابكم بها على طاعتِكم إياه، فالتمسوا ذلك مِن عندِه، {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ}. يقولُ: كما كان هذا الذي أَلْقَى إليكم السلمَ، فقلتم

(1)

له: لستَ مؤمنًا. فقَتَلْتُموه، {كَذَلِكَ كُنْتُمْ} أنتم {مِنْ قَبْلُ} ، يعنى: مِن قبلِ إعزازِ اللهِ دينَه بتُبَّاعِه وأنصارِه، تَسْتَخْفُون بدينِكم كما اسْتَخْفى هذا الذي قتَلتموه وأخَذْتم مالَه، بدينِه من قومِه، أن يُظْهِرَه لهم حذَرًا على نفسِه منهم، وقد قيل: إن معنى قولِه: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} . كنتم كفَّارًا مثلَهم {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} ، يقولُ: فتَفَضَّل اللهُ عليكم بإعزازِ دينِه بأنصارِه، وكثرةِ تباعِه، وقد قيل:{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} بالتوبةِ من قتلكم هذا الذي قتَلتموه، وأخَذتم مالَه بعدَ ما ألْقَى إليكم السلمَ {فَتَبَيَّنُوا} ، يقولُ: فلا تَعْجَلُوا بقتلِ مَن أَرَدْتُم قتلَه ممن

(2)

التبس عليكم أمرُ إسلامِه، فلعلَّ الله أن يكونَ قد منَّ عليه من الإسلامِ مثلَ الذي منَّ به عليكم، وهداه

(3)

[بمثل الذي هداكم به]

(4)

مِن الإيمانِ، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}. يقولُ: إن الله كان بقتِلكم مَن تَقْتُلُون، وكفِّكم عمَّن تَكُفُّون عن قتِله مِن أعداءِ اللهِ وأعدائِكم، وغيرِ ذلك مِن أمورِكم وأمورِ غيرِكم {خَبِيرًا} ، يعني: ذا خِبْرٍ

(5)

وعلمٍ به، يَحْفَظُه عليكم وعليهم، حتى يُجازِىَ جميعَكم به يومَ القيامةِ جزاءَ

(6)

المحسنِ بإحسانِه والمسيءِ بإساءتِه.

(1)

في م: "فقلت".

(2)

في الأصل: "من".

(3)

في ص: "هدى".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2:"لمثل الذي هداكم له".

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2:"خبرة". والخِبْر والخُبر والخبرة: العلم بالشيء. اللسان (خ ب ر).

(6)

في الأصل، س:"جزاه".

ص: 352

وذُكِر أن هذه الآيةَ نزَلت في سببِ قتيلٍ قتَلته سَرِيَّةٌ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعدَ ما قال: إنى مسلمٌ. أو بعدَ ما شهِد شهادةَ الحقِّ، أو بعد ما سلَّم عليهم؛ لغنيمةٍ كانت معَه، أو غيرِ ذلك مِن مِلْكِه، فأخَذوه منه.

‌ذكرُ الروايةِ والآثارِ بذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن محمدِ بن إسحاقَ، عن نافعٍ، عن ابن عمرَ، قال: بعَث رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحَلِّمَ بنَ جثَّامةَ مبعثًا، فلقِيهم عامرُ بنُ الأَضْبَطِ، فحيَّاهم بتحيةِ الإسلامِ، وكانت بينهم حِنَةٌ

(1)

في الجاهليةِ، فرمَاه مُحَلِّمٌ بسهمٍ فقتَله، فجاء الخبرُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فتكلَّم فيه عُيَيْنَةُ والأقْرَعُ، فقال الأَقْرَعُ: يا رسولَ اللهِ، سُنَّ اليومَ وغيِّرْ غدًا، فقال عُيَيْنَةُ: لا واللهِ، حتى تَذُوقَ نساؤُه مِن الثُّكْلِ مثلَ

(2)

ما ذاق نسائى، فجاء مُحَلِّمٌ في بُرْدَيْنِ

(3)

، فجلَس بين يَدَى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليَسْتَغْفِرَ له، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لا غفَر اللهُ لك! " فقام وهو يَتَلَقَّى دموعَه ببُرْدَيْهِ، فما مضَت به ساعةٌ

(4)

حتى مات ودَفنوه، فلفَظته الأرضُ، فجاءوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك له، فقال:"إن الأرْضَ تَقْبَلُ مَن هو شَرٌّ مِن صاحبِكم، وَلَكِنَّ الله أَرَادَ أن [يُعَظِّمَ من حُرْمَتِكم"]

(5)

ثم طرَحوه بين صَدَفَىْ

(6)

جبلٍ، وألْقَوْا عليه من الحجارةِ، ونزَلت {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ

(1)

في م: "إحنة"، والمثبت كما في باقى النسخ. والحنة: العداوة، وهي لغة قليلة في الإحنة. النهاية (ح ن ن)، واللسان (أ ح ن).

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(3)

في ص: "برد".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"سابعة".

(5)

في م: "يعظكم".

(6)

صدفا الجبل: جانباه المتحاذيان. الوسيط (ص د ف).

ص: 353

اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} الآية

(1)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلَمةُ، عن محمدِ بن إسحاقَ، عن يزيدَ بن

(2)

عبدِ اللهِ بن قُسَيْطٍ، عن أبي القعقاعِ بن عبدِ اللهِ بن أبي حَدْرَدٍ الأَسْلَميِّ، عن أبيه عبد اللهِ بن أبي حَدْرَدٍ، قال: بعَثنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى إِضَمٍ

(3)

فَخَرَجت في نفرٍ مِن المسلمين فيهم أبو قتادةَ الحارثُ بنُ رِبْعِيٍّ، ومُحَلِّمُ بن جَثَّامَةَ بن قيسٍ الليثيُّ، فخرَجنا حتى إذا كنا ببطنِ إِضَمٍ، مرَّ بنا عامرُ بنُ الأضبطِ الأَشْجَعيُّ على قعودٍ

(4)

له، معه مُتَيِّعٌ

(5)

له ووَطْبٌ

(6)

مِن لبنٍ، فلمَّا مرَّ بنا سلَّم علينا بتحيةِ الإسلامِ، فأمْسَكنا عنه، وحمَل عليه مُحَلِّمُ بنُ جَثَّامَةَ الليثيُّ لشيءٍ كان بينه وبينه، فقتَله وأخَذ بعيَره ومُتَيِّعَه؛ فلمَّا قدِمْنا على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرناه

(7)

الخبرَ، نزَل فينا القرآن:(يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيلِ اللهِ فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلمَ لست مؤمنًا) الآية

(8)

.

حدَّثني هارونُ بنُ إدريسَ الأصمُّ، قال: ثنا المُحاربيُّ عبدُ الرحمنِ بن محمدٍ،

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 200 إلى المصنف.

(2)

في م: "عن".

(3)

إضم: وادٍ دون المدينة. معجم ما استعجم 1/ 165، 166.

(4)

القعود: البعير المتخذ للركوب. شرح غريب السيرة 3/ 173.

(5)

المتيع: تصغير المتاع.

(6)

الوطب: الزق الذي يكون فيه السمن واللبن، وهو جلد الجذع فما فوقه. النهاية 5/ 203.

(7)

في م: "وأخبرناه".

(8)

أخرجه المصنف في تاريخه 3/ 35، 36 عن ابن حميد به، وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 547، وأحمد 11/ 291 - ميمنية، وابن أبي حاتم 3/ 1040 (5826)، والبيهقي في الدلائل 4/ 305، والواحدى في أسباب النزول ص 129 من طرق عن ابن إسحاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 199، 200 إلى ابن سعد وابن المنذر وأبي نعيم في الدلائل.

ص: 354

عن محمدِ بن إسحاقَ، عن يزيدَ بن عبدِ اللهِ بن قُسَيْطٍ، عن ابن

(1)

أَبي حَدْرَدٍ الأَسْلَميِّ، عن أبيه بنحوِه

(2)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا ابن عُيَيْنَةَ، عن عمرِو [بن دينارٍ]

(3)

، عن عطاءٍ، عن ابن عباسٍ، قال: لحِق ناسٌ مِن المسلمين

(4)

رجلًا في غُنَيْمَةٍ له، فقال: السلامُ عليكم فقتلوه، وأخذوا تلك الغُنيمةَ، فنزَلت هذه الآيةُ:(وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَض الحيَاةِ الدُّنْيا): تلك الغُنيمةَ

(5)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا ابن عُيَيْنَةَ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عباسٍ بنحوِه

(6)

.

[حدَّثنا سعيدُ بنُ الربيعِ، قال: ثنا سفيانُ، عن عمرٍو، سمِع عطاءً، عن ابن عباسٍ، قال: لحِق المسلمون رجلًا، ثم ذكَر مثلَه]

(7)

(6).

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا عبدُ الرحيمِ بن سليمانَ

(8)

، عن إسرائيلَ، عن

(1)

سقط من: م، ت 1، ت 2، س.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1040 (5826) من طريق المحاربي عن ابن إسحاق به، وأخرجه أيضًا 3/ 1040 (5827)، والبيهقى في الدلائل 4/ 306 من طريق ابن إسحاق عن يزيد عن ابن حدرد الأسلمي عن أبيه، وعن أبي حدرد عن أبيه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 200 إلى ابن إسحاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبغوى في معجمه.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(4)

في الأصل: "الناس".

(5)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (677 - تفسير)، والبخارى (4591)، ومسلم (3025/ 22)، وأبو داود (3974)، والنسائى في الكبرى (11116)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1039 (5825) من طرق عن ابن عيينة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(6)

تفسير عبد الرزاق 1/ 170.

(7)

سقط من: ص، ت 1، ت 2.

(8)

في الأصل: "سليم". وينظر تهذيب الكمال 18/ 36.

ص: 355

سمَاكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، قال: مرَّ رجلٌ من بنى سُلَيْمٍ على نفرٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو في غنمٍ له، فسلَّم عليهم، فقالوا: ما سلَّم عليكم إلا ليتعوَّذَ منكم، فعَمدوا إليه فقتَلوه، وأخَذوا غنمَه، فأَتَوْا بها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأَنزل اللهُ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} إلى آخرِ الآية

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا [عبدُ اللهِ]

(2)

، عن إسرائيلَ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، عن النبيِّ عليه السلام مثلَه

(3)

.

حدَّثني محمدُ بن سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كان الرجلُ يَتَكَلَّمُ بالإسلامِ ويُؤْمِنُ باللهِ والرسولِ، ويكونُ في قومِه، فإذا جاءت سَرِيَّةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم أخْبَر بها حيَّه، يعنى قومَه، ففرُّوا

(4)

، وأقام الرجلُ لا يَخَافُ المؤمنين مِن أجلِ أنه على

(5)

دينِهم حتى يَلْقاهم، فيُلْقِى إليهم بالسلام، فيقولُ المؤمنون: لست مؤمنًا - وقد ألقى السلام - فيَقْتُلُونه، فقال اللهُ تبارك وتعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} إلى

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 125، 12/ 377، ومن طريقه ابن حبان (4752) عن عبد الرحيم بن سليمان به، وأخرجه ابن أبي شيبة 10/ 125، 12/ 378، وأحمد 3/ 467، 4/ 271، 5/ 128 (2023، 2462، 2986)، والترمذى (3030)، والطبراني (11731) من طرق عن إسرائيل به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 199 إلى عبد بن حميد وابن المنذر، وينظر تفسير ابن كثير 2/ 337.

(2)

في م: "عبيد الله"، وكل من عبيد الله بن موسى، وعبد الله بن إدريس يروى عن إسرائيل ويروى عنه سفيان بن وكيع ينظر تهذيب الكمال 11/ 200.

(3)

أخرجه الواحدى في أسباب النزول ص 128 عن أبي كريب عن عبد الله عن إسرائيل به، وأخرجه الحاكم 2/ 235، وعنه البيهقى 9/ 115 عن محمد بن مهران عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل به.

(4)

سقط من: ص، ت 1، س.

(5)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

ص: 356

{تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . يعني: تَقْتُلونه إرادةَ أن يَحِلُّ لكم مالُه الذي وُجد

(1)

معَه، وذلك عرضُ الدنيا، فإن عندى مغانمَ كثيرةً، فالْتَمِسوا مِن فضلِ اللهِ، وهو رجلٌ اسمُه مِرْدَاسٌ جلا

(2)

قومُه هاربين مِن خيلٍ بعَثها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عليها رجلٌ من بنى ليثٍ اسمُه قليبٌ، ولم يُجَامِعهم وإذا لَقِيهم مِرْدَاسٌ، فسلَّم عليهم قتَلوه، فأمَر رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأهلِه بدِيَتِه، وردَّ عليهم

(3)

مالَه، ونَهَى المؤمنين عن مثلِ ذلك

(4)

.

حدَّثنا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} الآية، قال: هذا الحديثُ في شأنِ مِرْداسٍ رجلٍ مِن غَطَفانَ ذُكِر لنا أن نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بَعث جيشًا عليهم غالبٌ الليثيُّ إلى أهلِ فَدَكَ، وبه ناسٌ مِن غَطَفَانَ وكان مِرْدَاسٌ منهم، ففرَّ أصحابُه، فقال مرداسٌ: إني مؤمنٌ وإنى غيرُ مُتَّبِعِكم، فصبَّحَتْه الخيلُ غدوةً، فلمَّا لَقُوه سلَّم عليهم مِرْداسٌ، فدعاه

(5)

أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقتلوه، وأخَذوا ما كان معه مِن متاعٍ، فأنْزل اللهُ تعالى في شأنِه (لَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا)؛ لأن تحيةَ المسلمين السلامُ، بها يَتَعارفون، وبها يُحَيِّى بعضُهم بعضًا

(6)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن

(1)

في ص، م:"وجدتم".

(2)

في الأصل: "خلا"، وفى ص:"حلا".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"إليهم".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1041 (5831، 5832) مقتصرا على شطره الثاني، من طريق محمد بن سعد به.

(5)

في م: "فتلقوه"، وفى الدر المنثور:"فرماه".

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 200 إلى المصنف وعبد بن حميد.

ص: 357

السُّدِّيِّ: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبتُم فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَينُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلقَى إِليكم السَّلم لَسْتَ مؤمنًا تَبتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِن قَبلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيكُم فَتَبَيَّنُوا): بعَث رسولُ اللهِ عليه السلام سَرِيَّةً عليها أسامةُ بنُ زيدٍ إلى بنى ضَمْرَةَ، فَلَقُوا رجلًا منهم يُدْعَى مِرْداسَ بنَ نَهِيكٍ معَه غُنَيْمَةٌ له وجملٌ أحمرُ، فلمَّا رآهم أوَى إلى كهفِ جبلٍ، واتَّبعه أسامةُ، فلمَّا بلَغ مرداسٌ الكهفَ وضَع فيه غنمَه، ثم أقبل إليهم فقال: السلامُ عليكم، أشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن محمدًا رسولُ اللهِ، فشدَّ عليه أسامةُ فقتَله مِن أجلِ جملِه وغُنَيمتِه

(1)

، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا بعَث أسامةَ أحبَّ أن يُثْنَى عليه خيرًا، ويَسْأَلُ عنه أصحابَه، فلمَّا رجَعوا لم يَسْأَلهم عنه، فجعَل القومُ يُحَدِّثون النبيَّ صلى الله عليه وسلم ويقولون: يا رسولَ اللهِ، لو رأيت أسامةَ ولَقِيه رجلٌ، فقال الرجلُ: لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ اللهِ، فشدَّ عليه فقتله؟ وهو معرضٌ عنهم، فلمَّا أكْثَروا عليه، رفَع رأسه إلى أسامةَ فقال:"كيف أنت ولا إلهَ إلا اللهُ؟ " فقال: يا رسولَ اللهِ، إنما قالها مُتَعَوِّذًا

(2)

، تَعَوّذ بها. فقال له رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هلا شقَقْتَ عن قلبِه فنظَرتَ إليه؟ " قال: يا رسولَ اللهِ، إنما قلبُه بَضْعَةٌ مِن جسدِه، فأَنْزَلَ اللهُ خبر هذا، وأخبره إنما قتَله مِن أجلِ جملِه وغنمِه، فذلك حين يقولُ:{تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . فلمَّا بلغ {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} . يقولُ تاب

(3)

اللهُ عليكم، فحلَف أسامةُ أن لا يُقاتِلَ رجلًا يقولُ: لا إله إلا اللهُ. بعدَ ذلك الرجلِ، وما لقِى مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(4)

.

(1)

في الأصل: "غنمه".

(2)

بعده في الأصل: "و".

(3)

في م، والدر المنثور:"فتاب".

(4)

أخرج بعضه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1042 (5840) من طريق أحمد بن مفضل به. وعزاه =

ص: 358

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ في قولِه:(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا). قال: بلغني أن رجلًا من المسلمين أغار على رجلٍ من المشركين، فحمَل عليه، فقال له المشركُ: إنى مسلمٌ

(1)

، لا إلهَ إلا اللهُ. فقتَله المسلمُ بعد أن قالها، فبلَغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال للذى قتَله:"أقتَلْتَه وقد قال: لا إله إلا اللهُ؟ ". فقال - وهو

(2)

يَعْتَذِرُ -: يا نبيَّ اللهِ إنما قالها مُتَعَوِّذًا وليس كذلك. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟ ". ثم مات قاتلُ الرجلِ فقُبِر، فلفَظته الأرضُ، فذُكِر ذلك للنبيِّ عليه السلام، فأمَرهم أن يَقْبُروه، ثم

(3)

لفَظته الأرضُ، حتى فُعِل به ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"إن الأرْضَ أبت أن تَقْبَلَه فَأَلْقُوه في غارِ مِن الغِيرانِ". قال مَعْمَرٌ: و

(4)

قال بعضُهم: "إن الأرضَ تَقْبَلُ مَن هو شرٌّ منه، ولكن الله جعَله لكم عبرةً

(5)

".

حدَّثنا محمدُ بن بشَّارٍ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن أبي الضُّحَى، عن مسروقٍ: أن قومًا مِن المسلمين لقُوا رجلًا مِن المشركين في غُنَيْمَةٍ فقال: السلامُ عليكم، إنى مؤمنٌ. فظنُّوا أنه يَتَعوَّذُ بذلك، فقتَلوه، وأخَذوا غُنَيْمَتَه، قال: فأنْزَل اللهُ جل ثناؤُه: (ولَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيا): تلك الغُنَيْمَةَ {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا}

(5)

.

= السيوطي في الدر المنثور 2/ 200 إلى المصنف.

(1)

بعده في م: "أشهد أن".

(2)

في الأصل: "مر".

(3)

بعده في الأصل: "قد".

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 168، 169.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1041 (5836) من طريق أبي أحمد به، وأخرج أوله أيضًا (5830) معلقًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 201 إلى المصنف.

ص: 359

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن حبيبَ بن

(1)

أبي عَمْرَةَ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ قولَه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} . قال: خرَج المقدادُ بنُ الأسودِ في سريَّةٍ بعَثه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: فمرُّوا برجلٍ في غُنَيْمَةٍ له، فقال: إنى مسلمٌ. فقتله المقدادُ

(2)

، فنزَلت هذه الآيةُ:(ولَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا، تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحيَاةِ الدُّنْيَا). قال: الغُنَيْمَةَ

(3)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، نزَل ذلك في رجلٍ قتَله أبو الدرداءِ، فذكَر من قصَّةِ أبي الدرداءِ نحوَ القصةِ التي ذُكِرت عن أسامةَ بن زيدٍ، وقد ذكَرت ذلك

(4)

في تأويلِ قولِه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} . ثم قال في الخبرِ: ونزَل القرآنُ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} . فقرَأ حتى بلَغ: {لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ؛ [غنمَه التي كانت عرضَ الحياةِ الدنيا {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ}. خيرٌ من تلك الغنمِ]

(5)

، إلى قولهِ:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}

(6)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا

(1)

في الأصل: "عن" محرفة. وينظر تهذيب الكمال 5/ 386.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س:"الأسود". وبعده في م: "فلما قدموا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ".

(3)

وأخرجه ابن أبي شيبة 10/ 124، 12/ 377، والواحدى في أسباب النزول ص 128 عن وكيع به، وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده (3 - بغية) من طريق سفيان به.

(4)

سقط من: ص، م.

(5)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 201 إلى المصنف.

ص: 360

[تبتغون عرضَ الحياة الدنيا)]

(1)

قال: راعى غنمٍ، لقِيه نفرٌ من المؤمنين، فقتَلوه وأخَذوا ما معَه، ولم يَقْبَلوا منه: السلامُ عليكم، فإنى مؤمنٌ

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليّ بن أبي طلحةَ عن ابن عباسٍ قولَه:(وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا). قال: حرَّم اللهُ على المؤمنين أن يقولوا لمن شهِد أن لا إلهَ إلا اللهُ: لستَ مؤمنًا. كما حرَّم عليهم الميتةَ، فهو آمنٌ على مالِه ودمِه، فلا تَرُدُّوا عليه قولَه

(3)

.

واخْتَلَفت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: {فَتَبَيَّنُوا} ؛ فقرَأ ذلك عامَّةُ قَرَأَةِ المكيِّين

(4)

والمدنيِّين وبعضُ الكوفيِّين والبصريِّين: {فَتَبَيَّنُوا} . بالياءِ

(5)

والنونِ مِن التبيُّنِ

(6)

، بمعنى: التأنِّي والنظرِ والكشفِ عنه حتى يَضِحَ، وقرَأ ذلك عظمُ قَرَأَةِ الكوفيين:(فتَثَبَّتُوا)

(7)

بمعنى التثبُّتِ الذي هو خلافُ العَجَلةِ.

والقولُ عندنا في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قَرَأَةِ المسلمين بمعنًى واحدٍ وإن اخْتَلَفت بهما الألفاظُ؛ لأن المتثبِّتَ مُتَبَيِّنٌ، والمُتبيِّنَ متثبِّتٌ، فبأيِّ القراءتين قرَأ القارئ فمصيبٌ صوابَ القراءةِ في ذلك.

واخْتَلَفت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ} ؛ فقرَأ

(1)

سقط من: ص، م.

(2)

تفسير مجاهد ص 289، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 201 إلى عبد بن حميد.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1040 (5829) من طريق أبي صالح به وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 201 إلى ابن المنذر.

(4)

في الأصل، ص، ت 2:"الكوفيين".

(5)

في الأصل، م:"بالباء". وكلاهما محتمل، وينظر الحجة ص 209.

(6)

قرأ بها العشرة غير حمزة والكسائى وخلف. النشر، 2/ 189، والإتحاف ص 116.

(7)

قرأ بها حمزة والكسائى وخلف. المصدران السابقان.

ص: 361

ذلك عامَّةُ قَرَأَةِ المكيين والمدنيين والكوفيين: (السَّلَمَ)[بفتحِ السينِ واللامِ]

(1)

بغيرِ ألفٍ

(2)

، بمعنى الاستسلامِ، وقرَأه بعضُ الكوفيين والبصريين (السلامَ) بالألفِ، بمعنى التحيَّةِ

(3)

.

والصوابُ مِن القراءةِ في ذلك عندنا

(4)

: (لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ). بمعنى: مَن اسْتَسلم لكم مُذْعِنًا للهِ بالتوحيدِ مُقِرًّا لكم بملَّتِكم.

وإنما اخْتَرنا ذلك؛ لاختلافِ الرواية في ذلك؛ فمن راوٍ روَى أنه اسْتَسلم بأن شهِد شهادةَ الحقِّ وقال: إنى مسلمٌ. ومِن راوٍ روَى أنه قال: السلامُ عليكم. فحيَّاهم تحيةَ الإسلامِ، ومن راوٍ روى أنه كان [مسلمًا بإسلامٍ]

(5)

قد تقدَّم منه قبلَ قتِلهم إيَّاه، وكلُّ هذه المعانى يَجْمَعُها السَّلَمُ؛ لأن المسلمَ مستسلِمٌ، والمحيِّىَ بتحيةِ الإسلامِ مستسلمٌ، والمتشهِّدَ

(6)

شهادةَ الحقِّ مستسلمٌ لأهلِ الإسلامِ، فمعنى السَّلَمِ جامعٌ جميعَ المعانى التي رُوِيت في أمرِ المقتولِ الذي نزَلت في شأنِه هذه الآيةُ، وليس ذلك في السلامِ؛ لأن السلامَ لا وجهَ له في هذا الموضعِ إلا التحيةُ، فلذلك وصَفنا السَّلَمَ بالصوابِ.

واخْتَلف أهلُ التأويل في تأويل قولِه: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} ؛ فقال بعضُهم: معناه: كما كان هذا الذي قتلتموه بعد ما ألْقَى [السَّلَمَ إليكم]

(7)

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(2)

قرأ بها نافع وأبو جعفر، وابن عامر، وحمزة، وخلف. النشر 2/ 189، والإتحاف ص 116.

(3)

قرأ بها ابن كثير، وعاصم، والكسائي، ويعقوب. المصدران السابقان.

(4)

كلتا القراءتين متواترة.

(5)

في ص، ت 2، س:"متكلما بالإسلام".

(6)

في الأصل: "المستشهد".

(7)

في م، ص، ت 1، س:"إليكم السلام".

ص: 362

مُسْتَخْفِيًا في قومه بدينِه؛ خوفًا على نفسِه منهم

(1)

، كنتم أنتم مستخفِينَ بأديانِكم من قومِكم؛ حذَرًا على أنفسِكم منهم، فمنَّ اللهُ عليكم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: حدَّثنا عبدُ الرزاق، قال: أخبرَنا ابن جُريجٍ، قال: أخبرني عبدُ اللهِ بنُ كَثِيرٍ، عن سعيدٍ بن جُبيرٍ في قوله:{كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} . قال: كذلك كنتم من قبلُ تَسْتَخْفُون بإيمانكم كما اسْتَخفى هذا الراعي بإيمانِه

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن حبيب بن أبي عَمْرَةَ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ:{كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} : تَكْتُمون إيمانَكم في المشركينَ

(3)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: كما كان هذا الذي قتلتموه بعدَ ما ألْقَى إليكم السَّلَمَ كافرًا

(4)

كنتم كفَّارًا، فهداه اللهُ

(5)

كما هداكم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه:

(1)

في ص، ت 2، س:"منكم".

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 170.

وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1041 (5835) من طريق الحسن بن يحيى عنه به.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 124، 125، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1041 (5834) من طريق وكيع عن سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 201 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(4)

سقط من: الأصل، ص، س.

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

ص: 363

{كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} : كفَّارًا مثلَه {فَتَبَيَّنُوا} .

وأَوْلى هذين القولينِ بتأويلِ الآيةِ القولُ الأوّلُ، وهو قولُ مَن قال: كذلك كنتُم من قبلُ تُخْفُون إيمانكم في قومِكم مِن المشركينَ، وأنتم مقيمون بينَ أظهرِهم، كما كان هذا الذي قتلتموه مقيمًا بينَ أظهرِ قومِه مِن المشركين، مستخفيًا بدينه منهم.

وإنما قلنا: هذا التأويلُ أَوْلَى بالصواب؛ لأن الله إنما عاتب الذين قتَلوه مِن أهلِ الإيمان بعدَ إلقائِه إليهم السَّلَمَ، ولم يُقَدْ به قاتلوه لِلَّبْسِ الذي كان دخَل في أمرِه على قاتليه بمُقامِه بين أظهرِ قومِه مِن المشركين، وظنِّهم أنه ألقى السَّلَمَ إلى المؤمنين تعوُّذًا منهم، ولم يُعاتِبْهم على قتلِهم إيَّاه مشركًا، فيقالُ: كما كان كافرًا كنتُم كفَّارًا، بل لا وجه لذلك؛ لأن الله جل ثناؤُه لم يُعاتِبْ أحدًا مِن خلقِه على قتلِ محاربٍ للهِ ولرسولِه مِن أهلِ الشركِ بعدَ إذنِه له بقتلِه.

واختلف أيضًا أهل التأويلِ في تأويلِ قولِه: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} ؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: فمَنَّ اللهُ عليكم بإظهارِ دينِه، وإعزازِ أهلِه، حتى أظهروا الإسلامَ بعدَ ما كانوا يَكْتُمونه مِن أهلِ الشركِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن حبيبِ بن أبي عَمْرَةَ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ:{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} : فأظْهَر الإسلامَ

(1)

.

وقال آخَرون: معنى ذلك: فمنَّ اللهُ عليكم، أيها القاتلون الذي ألقى إليكم

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 124، 125، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1042 (5838) من طريق وكيع به.

ص: 364

السَّلَمَ طَلَبَ عَرَضِ الحياةِ الدنيا بالتوبةِ مِن قتلِكم إيَّاه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بن الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بن المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} . يقولُ: تاب اللهُ عليكم

(1)

.

وأَوْلى التأويلين في ذلك بالصوابِ، التأويلُ الذي ذكَرْنا عن سعيدِ بن جُبيرٍ؛ لما ذكَرْنا مِن الدلالةِ على أن معنى قولِه:{كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} . ما وصَفْنا مِن

(2)

قبلُ، فالواجبُ أن يكونَ عَقِيبَ ذلك:{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} . برفعِ ما كنتم فيه مِن الخوفِ مِن أعدائِكم عنكم بإظهارِ دينِه، وإعزازِ أهله، حتى أمْكَنكم إظهارُ ما كنتم تَسْتَخْفُون به، مِن توحيدِه وعبادتِه، حذارًا

(3)

مِن أهلِ الشركِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} .

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يعنى جل ثناؤُه بقولِه: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ} : لا يَعْتَدِلُ المتخلِّفون عن الجهادِ في سبيلِ اللهِ من أهلِ الإيمانِ باللهِ وبرسولِه، المُؤْثِرون الدَّعَةَ والخَفْضَ والقعودَ في منازلِهم، على مقاساةِ حُزُونةِ

(4)

الأسفارِ، والسيرِ في الأرضِ، ومشقَّةِ ملاقاةِ أعداءِ اللهِ بجهادِهم في ذاتِ اللهِ، وقتالِهم في طاعةِ اللهِ، إلا أهلُ العذرِ منهم بذَهَابِ أبصارهم، وغير

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1042 (5840) من طريق أحمد بن المفضل به.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(3)

في ص، م، ت 2:"حذرًا".

(4)

في الأصل: "حروبهم". والحزونة: الخشونة. اللسان (ح ز ن).

ص: 365

ذلك مِن أهلِ

(1)

العللِ التي لا سبيلَ لأهلها - للضررِ الذي بهم - إلى قتالِهم وجهادِهم في سبيلِ اللهِ، والمجاهدون في سبيلِ اللهِ، ومنهاجِ دينِه؛ لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا، المستفرِغون طاقتَهم في قتالِ أعداءِ اللهِ وأعداءِ دينِه

(2)

بأموالهم، إنفاقًا لها فيما أوْهَن كيدَ أعداء أهل الإيمان باللهِ وبأنفسِهم، مباشرةً بها قتالَهم، بما تكونُ به كلمةُ اللهِ العاليةَ، وكلمةُ الذين كفَروا السافلةَ.

واخْتَلَفت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} فقرَأ ذلك عامَّةُ قَرَأَةِ أهلِ المدينةِ ومكةَ والشامِ (غيرَ أُولى الضَّرَرِ) نصبًا

(3)

، بمعنى: إلا أولى الضررِ. وقرَأ ذلك عامَّةُ قَرَأَةِ أهل العراقِ والكوفةِ والبصرةِ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} برفعِ "غير" على مذهبِ النعتِ للقاعدين

(4)

.

والصوابُ من القراءةِ في ذلك عندَنا: (غيرَ أُولى الضَّرَرِ). بنصبِ "غير"؛ لأن الأخبارَ متظاهرةٌ بأن قولَه: (غيرَ أُولى الضَّرَرِ). نزَل بعدَ قولِه: (لا يَسْتَوِى القَاعِدُونَ مِنَ المُؤمِنِينَ والمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ). استثناءً مِن قوله: لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ.

‌ذكرُ

(5)

الأخبارِ الواردةِ بذلك

حدَّثنا نصرُ بنُ عليٍّ الجَهَضَمِيُّ، قال: ثنا المُعْتَمِرُ بن سليمان، عن أبيه، عن أبي

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(2)

في م: "دينهم".

(3)

قرأ بها نافع وأبو جعفر والكسائي وابن عامر وخلف. السبعة لابن مجاهد ص 237، والنشر 2/ 189.

(4)

قرأ بها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب. المصدر السابق.

(5)

بعده في م: "بعض".

ص: 366

إسحاقَ، عن البراءِ، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"ائتونى بالكتفِ واللوحِ، فكتب: (لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمجاهِدُونَ) وعمرُو بنُ أُمِّ مكتومٍ خلفَ ظهرِه، فقال: هل لى مِن رخصةٍ يا رسولَ اللهِ؟ فنزَلت (غيرَ أُولى الضَّرَرِ) "

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو بكرِ بنُ عيَّاشٍ، عن أبي إسحاقَ، عن البراءِ، قال: لمَّا نزَلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . جاء ابن أُمٍّ مكتومٍ وكان أعمَى، فقال: يا رسول اللهِ، كيف وأنا أعمى؟ فما برِح حتى نزَلت:(غيرَ أُولى الضَّرَرِ)

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن أبي

(3)

إسحاقَ، عن البراءِ بن عازبٍ في قولِه:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} قال: لمَّا نزَلت جاء عمرُو بنُ أُمِّ مكتومٍ إلى النبيِّ عليه السلام، وكان ضريرَ البصرِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، ما تَأْمُرُني، فإنى ضريرُ البصرِ، فأنْزَل اللهُ هذه الآيةَ، فقال: "ائتوني بالكتف

(4)

والدواةِ، أو اللوحِ وَالدواةِ"

(5)

.

حدَّثني [إسماعيلُ بنُ إسرائيلَ السلالُ

(6)

الرَّمْليُّ]

(7)

، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ محمدِ

(1)

أخرجه الترمذى (1670)، والنسائي (3101)، وابن حبان (41) عن نصر بن علي الجهضمى به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 202 إلى ابن سعد، وعبد بن حميد، وابن الأنبارى في المصاحف، والبغوى في معجمه.

(2)

أخرجه النسائي (3102) عن محمد بن عبيد، عن أبي بكر بن عياش به.

(3)

في ص، ت 1، س:"ابن". وهو تحريف. وقد ورد على الصواب مرارا.

(4)

الكتف: عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان، كانوا يكتبون فيه؛ لقلة القراطيس عندهم. النهاية (ك ت ف).

(5)

أخرجه أحمد 4/ 290، 299 (18579، 18671 - ميمنية)، والترمذى (3031) من طريق وكيع به، وأخرجه الطحاوى في المشكل (1502) من طريق الفريابي عن سفيان به.

(6)

في ص: "الدلال". وانظر السابق.

(7)

في م، ت 1، ت 2، س:"محمد بن إسماعيل بن إسرائيل الدلال المصري". وانظر ترجمته في الجرح والتعديل 2/ 158 (533).

ص: 367

ابن المغيرةِ، قال: ثنا مِسْعَرٌ، عن أبي إسحاقَ، عن البراءِ أنه قال: لمَّا نزَلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . كلَّمه ابن أُمِّ مكتومٍ، فأُنْزِلت (غيرَ أُولى الضَّرَرِ)

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بن المُثَنَّى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي

(2)

إسحاقَ أنه سمِع البراءَ يقولُ في هذه الآيةِ: (لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ)

(3)

: فأمَر رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زيدًا، فجاء بكتفٍ فكتَبها، قال: فشكا إليه ابن أُمِّ مكتومٍ ضرارتَه

(4)

، فنزَلت:(لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ)

(5)

.

قال شعبةُ: وأخبرنى سعدُ

(6)

بنُ إبراهيمَ، عن أبيه، عن رجلٍ، عن زيدٍ في هذه الآيةِ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} مثلَ حديثِ البَرَاءِ.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا إسحاقُ بنُ سليمانَ، عن أبي سِنَانٍ الشَّيبانيِّ، عن أبى (2) إسحاقَ، عن زيد بن أَرْقَمَ، قال: لَمَّا نزَلتْ: (لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ). جاء ابن أمِّ مكتومٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ،

(1)

أخرجه مسلم (1898)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 10413 (5845) من طريق مسعر به.

(2)

في م: "ابن".

(3)

بعده في ص، م:"قال".

(4)

في الأصل: "ضرره". والضرارة: العمى. وهى من الضُّرِّ: سوء الحال. التاج (ض ر ر).

(5)

أخرجه مسلم (1898) عن ابن المثنى وابن بشار، عن محمد بن جعفر به، وأخرجه الطيالسى (740)، والبخارى (2831، 4593)، والواحدى في أسباب النزول ص 131، وغيرهم من طرق عن شعبة به.

(6)

في الأصل: "سعيد".

ص: 368

مالى من

(1)

رخصةٍ؟ فقال

(2)

: لا. قال ابن أُمِّ مكتومٍ: اللهمَّ، إنى ضريرٌ فرَخِّصْ لى، فأَنْزل اللهُ:(غيرَ أُولى الضَّرَرِ)، فأمَر

(3)

رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فكتَبها، يعنى: الكاتبَ

(4)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بن بَزِيعٍ ويعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قالا: ثنا بشرُ بنُ المُفَضَّلِ، عن عبدِ الرحمنِ بن إسحاقَ، عن الزهريِّ، عن سهلِ بن سعدٍ

(5)

، قال: رأيتُ مروانَ بنَ الحكمِ جالسًا، فجئتُ حتى جلَستُ إليه، فحدَّثنا أن زيدَ بنَ ثابتٍ حدَّثه "أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أملَى

(6)

عليه: (لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ). قال: فجاء ابن أُمِّ مكتومٍ وهو يُمْلِيها عليَّ، فقال: يا رسولَ اللهِ، لو أستطيعُ الجهادَ لجاهدْتُ، قال: فأَنزل اللهُ عليه وفخذُه على فخذِي، فثقُلت [حتى ظنَنْتُ أن سترضُّ]

(7)

فخذى، ثم سُرِّى عنه، فقال:(غَيْرَ أُوْلِى الضَّرَرِ)

(8)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا مَعْمَرٌ، عن

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 3، س.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"قال".

(3)

في ص، م:"وأمر".

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (5053) من طريق أبي كريب به، وانظر الفتح 8/ 261.

(5)

في الأصل: "سعيد". وهو تحريف.

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"أنزل".

(7)

في ص م: "فظننت أن ترض". ورَضّ الشيء يرُضُّه رضًّا: كسره. اللسان (ر ض ض).

(8)

أخرجه النسائي (3099) عن محمد بن عبد الله بن بزيع - وحده - به، وأخرجه ابن سعد 4/ 212، والطبراني (4814) من طريق بشر بن المفضل به، وأخرجه الطبراني (4815) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق به، وأخرجه ابن سعد 4/ 211، وأحمد 5/ 184 (21642 - ميمنية)، والبخاري (2832، =

ص: 369

الزُّهْريِّ، عن قبيصَةَ بن ذُؤَيْبٍ، عن زيدِ بن ثابتٍ، قال:"كنتُ أَكْتُبُ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: "اكْتُبْ: (لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ فِي سَبِيل اللهِ)". فجاء عبدُ اللهِ بنُ أُمِّ مكتومٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إني أُحِبُّ الجهادَ في سبيلِ اللهِ، ولكنَّ بى مِن الزَّمانةِ ما قد تَرَى، قد ذهب بصَرِى، قال زيدٌ: فثقُلت فَخِذُ رسولِ اللهِ عليه السلام على فخذى حتى خشِيتُ أن تَرُضَّها، ثم قال: "اكْتُبُ: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)

(1)

".

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا ابن جُريجٍ، قال: أخبرني عبدُ الكريمِ أن مِقْسمًا مولى عبدِ اللهِ بن الحارثِ أَخْبَرَه أن ابنَ عباسٍ أخْبَره، قال:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . عن بدرٍ والخارجون إلى بدرٍ

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا حجَّاجٌ [عن ابن جريجٍ]

(3)

، قال: أخبرني عبدُ الكريمِ أنه سمع مِقْسَمًا يُحَدِّثُ عن ابن عباسٍ، أنه سمِعه يقولُ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . عن بدرٍ والخارجون إلى بدرٍ. لمَّا [نزَل غزو بدرٍ]

(4)

، قال عبدُ اللهِ بنُ أُمِّ مكتومٍ وأبو أحمدَ بنُ جحشِ بن قيسٍ الأسديُّ: يا رسولَ اللهِ،

= 4592)، والترمذى (3033)، والنسائي (3100)، وابن الجارود (1034)، والطحاوي في المشكل (1497)، والبيهقى 9/ 23 وغيرهم من طرق عن الزهرى به، وعزاه السيوطي في الدر 2/ 202، 203 إلى المصنف، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبى داود، وأبي نعيم في الدلائل.

(1)

تفسير عبد الرزاق ص 169 وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1043 (5846) من طريق الحسن به، ومن طريقه عبد الرزاق، أخرجه أحمد 5/ 184 (21641 - ميمنية)، والطبراني (4899).

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 170، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1043 (5848) عن الحسن بن يحيى به، وأخرجه البخارى (4595)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1042 (5844) من طريق عبد الرزاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 203 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، م، س.

(4)

في الأصل: "نزل عن". وفي م: "نزلت غزوة".

ص: 370

إنَّا

(1)

أعميان، فهل لنا رخصةٌ؟ فنزَلت:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً}

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} فسمع بذلك عبدُ اللهِ بنُ أُمِّ مكتومٍ الأعمى، فأتى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، قد أمرك

(3)

اللهُ في الجهادِ ما قد علِمْتَ وأنا رجلٌ ضريرُ البصرِ لا أستطيعُ الجهادَ، فهل لى مِن رُخصةٍ عندَ اللهِ إِن قعَدْتُ؟ فقال له رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ما أُمِرْتُ في شأنِك بشيءٍ ولا

(4)

أَدْرِى هل يَكُونُ لك ولأصحابِك من رُخصةٍ؟ ". فقال ابن أُمٍّ مكتومٍ: اللهمَّ إنى أَنْشُدُكَ بَصَرِى! فَأَنْزَل الله بعد ذلك على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال:{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} . إلى قولِه: {عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً}

(5)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا حكَّامٌ، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ، قال: نزَلت: (لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فقال رجلٌ أعمى: يا نبيَّ اللهِ، فأنا أُحِبُّ الجهادَ ولا أَسْتَطِيعُ أَن أُجَاهِدَ، فنزَلَت: {غَيْرُ أُولِي

(1)

في م: "إننا".

(2)

أخرجه الترمذى (3032)، والنسائي في الكبرى (11117)، والطحاوى في مشكل الآثار (1496)، والبيهقى 9/ 47 من طريق حجاج به، وأخرجه البخارى (3954) من طريق هشام عن ابن جريج به مختصرًا، وعزاه السيوطي أيضا في الدر المنثور 2/ 203 إلى ابن المنذر. وانظر الفتح 8/ 262.

(3)

في م: "أنزل".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"ما".

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 204 إلى المصنف.

ص: 371

الضَّرَرِ}

(1)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمِ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، قال: حدَّثنا حُصينٌ، عن عبدِ اللهِ بن شدَّادٍ، قال: لمَّا نزَلت هذه الآيةُ في الجهادِ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال عبدُ اللهِ بنُ أُمِّ مكتومٍ: يا رسولَ اللهِ، إنى ضريرٌ كما تَرَى، فنزَلت:{غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}

(2)

.

حدَّثنا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . ثم

(3)

عذَر اللهُ أهلَ العُذْرِ مِن الناسِ، فقال:(غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ). كان منهم ابن أُمِّ مكتومٍ، {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}

(4)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:(لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) إلى قولِه: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} : لمَّا ذُكِر فضلُ المجاهدين

(5)

، قال ابن أُمِّ مكتومٍ: يا رسولَ اللهِ، إنى أعمى ما

(6)

أُطِيقُ الجهادَ. فأنْزَل اللهُ فيه: (غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ)

(7)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 204 إلى المصنف.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (682 - تفسير) من طريق حصين به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 204 إلى عبد بن حميد.

(3)

بعده في ص: "أنزل".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 204 إلى عبد بن حميد.

(5)

في ص، م:"الجهاد".

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"ولا".

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 204 إلى المصنف.

ص: 372

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا [محمدُ بنُ عبدِ اللهِ]

(1)

النُّفَيْليُّ، قال: ثنا زهيرُ بنُ معاويةَ، قال: ثنا أبو إسحاقَ، عن البراءِ، قال: كنتُ عندَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال لي: "ادْعُ لى زيدًا وقُلْ له: ائْتِ

(2)

". أو: "يَجِيءُ بالكَتِفِ والدواةِ". أو "اللوحِ والدواةِ". الشكُّ من زُهيرٍ "اكْتُبْ: (لَا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ". فقال ابن أمِّ مكتومٍ: يا رسولَ اللهِ، إن بعينيَّ ضررًا. فنزَلت قبلَ أن يَبْرَحَ:(غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ)

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ رجاءٍ البصريُّ

(4)

، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن البراءِ بنحوهِ، إلا أنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ادعُ لى زيدًا، وَلْيَجِئْ

(5)

معه بكَتِفٍ ودَوَاةٍ، أو لوحٍ ودَوَاةٍ"

(6)

.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا [عُبيدُ اللهِ]

(7)

بنُ موسى، عن إسرائيلَ، عن زِيادِ بن فيَّاضٍ، عن أبي عبدِ الرحمنِ، قال: لمَّا نزَلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} ، قال عمرُو بن أمِّ مكتومٍ: يا ربِّ ابْتَليتنى فكيف أَصْنَعُ؟ قال: فنزَلت: (غيرَ أُولى الضَّرَرِ)

(8)

.

(1)

في الأصل: "عبد الله بن محمد". وفيه قلب. وينظر تهذيب الكمال 16/ 88، والأنساب 5/ 516.

(2)

في م: "يأتي".

(3)

أخرجه أحمد 4/ 301 (18701 - ميمنية)، والبغوى في الجعديات (2523) من طريق زهير عن أبي إسحاق به.

(4)

في ص: "المصرى". وهو تحريف. وينظر تهذيب الكمال 14/ 495.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"وليجئني".

(6)

أخرجه البخارى (4594، 4990) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق به.

(7)

في الأصل: "عبد الله".

(8)

أخرجه ابن سعد 4/ 210 من طريق عبيد الله بن موسى به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 204 إلى عبد بن حميد.

ص: 373

[حدَّثنا سعيدُ بن الربيعِ المرائيُّ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن معمرٍ، عن الزهريِّ، قال: قال زيدُ بن ثابتٍ، كنتُ عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أكْتُبُ ما يُمْلى عليَّ - قال سعيدٌ: قال سفيانُ: وكان أهلُ المدينةِ يُسَمُّونه كاتب الوحي - قال: وفَخِذه على فخذى، قال: فنزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. اعترض ابن أُمِّ مكتومٍ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " (غيرَ أولى الضررِ) ". فثقُلت فخذُه على فخذى حتى كادت أن تُحْطَمَ]

(1)

.

وكان ابن عباسٍ يقولُ في معنى: (غيرَ أُولى الضَّرَرِ) نحوًا مما قلنا.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ عن ابن عباسٍ قولَه:(غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ). قال: أهلُ الضررِ

(2)

.

[حدَّثنا ابن سنانٍ البزارُ، قال: حدَّثنا إسحاقُ بن إدريسَ، قال: حدَّثنا عبدُ الواحد بنُ زيادٍ، قال: حدَّثنا عاصمُ بن كليبٍ الجَرْميُّ، حدَّثني أبي، أن خالي الفَلَتانَ بنَ عاصمٍ حدَّثه، قال: كُنَّا قعودًا عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأنزل اللهُ، وكان إذا أُنْزِل عليه دام بصرُه مفتوحةً عيناه وفرَّغ سمعَه وبصرَه لمَا يأتيه من اللهِ. قال: وكُنَّا نَعْرِفُ ذلك في وجهِه. قال: فلمَّا فرَغ قال للكاتب: "اكْتُبْ: (لا يَسْتَوِى القَاعِدُونَ مِنَ المُؤمِنِينَ والمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) ". إلى آخرِ الآيةِ. قال: فقام الأعمى فقال: يا رسولَ اللهِ، ما ذنبُنا؟ فأنزل اللهُ على رسولِه عليه السلام، فقلتُ للأعمى: إنه يُنْزَلُ عليه. قال: فخاف أن يكون فيه شيءٌ. قال:]

(3)

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س. وقد تقدم تخريجه في ص 369.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1043 (5847). من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 204 إلى ابن المنذر.

(3)

سقط من: ص، م.

ص: 374

[فبقِى قائمًا مكانَه يقولُ: أتوبُ إلى اللهِ! حتى فرَغ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال للكاتبِ: "اكتُبْ: (غَيْرَ أُولى الضَّرَرِ) "]

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} .

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يعنى بقولِه جلّ ثناؤُه: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} : فضَّل اللهُ المجاهدين بأموالِهم وأنفسِهم على القاعدين من أُولى الضررِ درجةً واحدةً، يعنى فضيلةً واحدةً، وذلك بفضلِ جهادِه بنفسه، فأمَّا فيما سوى ذلك فهما مستويان.

كما حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا سُوَيْدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبرَنا ابن المُباركِ، أنه سمِع ابن جُريجٍ يقولُ: في: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} . قال: على أهلِ الضررِ

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)} .

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يعنى جلّ ثناؤُه بقولِه: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} : وعَد

(3)

اللهُ الكلَّ من المجاهدين بأموالِهم وأنفسِهم، والقاعدين مِن أُولى الضررِ

(1)

سقط من: ص، م. وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده كما في الإصابة 5/ 378، والبزار في مسنده (3699)، وأبو يعلى (1583)، وابن حبان (4712)، والطبراني 18/ 334 (856) من طرق عن عبد الواحد بن زياد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 203، 204 إلى عبد بن حميد.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1043 (5849) من طريق عبدة عن ابن المبارك، عن أبي الحسن به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 204 إلى ابن المنذر.

(3)

في الأصل: "ووعد".

ص: 375

الحسنى. ويعنى جل ثناؤُه بالحسنى: الجنةَ.

كما حدَّثنا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} . وهى الجنةُ، واللَّهُ يُؤْتى كلَّ ذى فضلٍ فضلَه

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ، قال: الحسنى الجنةُ.

وأمَّا قولُه: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} . فإنه يعنى: وفضَّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسِهم على القاعدين مِن غيرِ أولى الضررِ أجرًا عظيمًا.

كما حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ:{وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ} . قال: على القاعدين مِن المؤمنين غيرِ أولى الضررِ

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)} .

قال أبو جعفر، رحمه الله: يعنى جل ثناؤه بقوله: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ} : فضائل منه ومنازل من منازلِ الكرامةِ.

واختلف أهل التأويلِ في معنى الدرجات التي قال اللهُ عز وجل: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ} ؛ فقال بعضُهم بما حدَّثنا به بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة:{دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} : كان يقالُ: الإسلام درجةٌ،

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 204 إلى عبد بن حميد والمصنف وابن المنذر.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 204 إلى المصنف. وينظر ما تقدم في ص 375.

ص: 376

[والهجرةُ في الإسلامِ]

(1)

درجةٌ، والجهادُ في الهجرة درجةٌ، والقتلُ في الجهادِ درجةٌ

(2)

.

وقال آخَرون بما حدَّثني به يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: سألتُ ابن زيدٍ، عن قولِ اللهِ جل ثناؤُه:{وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ} . قال: الدرجاتُ: هي السبع التي ذكَرها الله في سورةِ "براءة": {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ} [التوبة: 120] فقرَأَ حتى بلغ: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة: 121]. قال: هذه السبعُ الدرجاتِ. قال: وكان أوَّلَ شيءٍ، فكانت درجةُ الجهادِ مجملَةً، فكان الذي جاهد بمالِه له اسمٌ في هذه، فلمَّا جاءت هذه الدرجاتُ [والتفضيلُ]

(3)

أُخْرِج منها، ولم يكن له منها إلا النفقةُ. ثم قرَأ:{لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ} . وقال: ليس هذا لصاحبِ النفقةِ. ثم قرَأ: {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً} . قال: وهذه نفقةُ القاعدِ

(4)

.

وقال آخَرون: عُنى بذلك درجاتُ الجنةِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا على بن الحسنِ الأَزْديُّ، قال: ثنا الأَشْجَعيُّ، عن سفيانَ، عن هشامِ بن

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س:"والإسلام في الهجرة".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1045 (5859) من طريق يزيد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 204 إلى ابن المنذر.

(3)

في ص، م، ت 2،:"بالتفصيل"، وفى ت 1 "بالتفضيل"

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 204 إلى المصنف.

ص: 377

حسَّانَ، عن جَبَلَةَ بن سُحَيمٍ

(1)

، عن ابن مُحَيْرِيزٍ في قولِه:{فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} . إلى قولِه: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ} قال: الدرجاتُ سبعون درجةً، ما بينَ الدرجتين حُضُرُ

(2)

الفرسِ الجوادِ المُضَمَّر

(3)

سبعين سنةً

(4)

.

وأَوْلَى التأويلاتِ بتأويلِ قولِه: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ} . أن يكون معنيًّا به درجاتُ الجنةِ، كما قال ابن مُحَيْرِيزٍ؛ لأن قولَه تعالى ذكرُه:{دَرَجَاتٍ مِنْهُ} . ترجمةٌ وبيانٌ عن قولِه: {أَجْرًا عَظِيمًا} . ومعلومٌ أن الأجرَ إنما هو الثوابُ والجزاءُ، وإذا كان ذلك كذلك، و

(5)

كانت الدرجاتُ والمغفرةُ والرحمةُ ترجمةً عنه، كان

(6)

معلومًا أن (5) لا وجهَ لقولِ مَن وجَّه معنى قولِه: {دَرَجَاتٍ} . إلى الأعمالِ وزيادتِها على أعمالِ القاعدين عن الجهادِ كما قال قتادةُ أو

(7)

ابن زيدٍ.

وإذا كان ذلك كذلك، وكان الصحيحَ من تأويل ذلك ما ذكَرْنا، فبيِّنٌ أن معنى الكلامِ: وفضَّل اللهُ المجاهدين في سبيلِ اللهِ على القاعدين من غيرِ أُولى الضَّرَرِ أجرًا عظيمًا، وثوابًا جزيلًا، وهو درجاتٌ أعطاهموها في الآخرةِ من درجاتِ الجنةِ،

(1)

في م: "سخيم" وهو تصحيف. وانظر تقريب التهذيب 1/ 210 (897).

(2)

الحضر - بالضم -: العَدْو. وأحضر يحضر فهو محضرٌ إذا عدا. النهاية (ح ض ر).

(3)

في الأصل: "المصبر".

(4)

في الأصل: "درجة". وقد أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره في 3/ 1044 (5856) من طريق أبي معاوية عن هشام بن حسان به، وفي 3/ 1045 (5857) من طريق سفيان عن هشام به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 205 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(5)

سقط من: الأصل.

(6)

في الأصل: "وكان".

(7)

في م: "و".

ص: 378

رفَعهم بها على القاعدين بما أَبْلَوْا في ذاتِ اللهِ، {وَمَغْفِرَةً} ، يقولُ: وصفَح لهم عن ذنوبهم، فتفضَّل عليهم بتركِ عقوبتِهم عليها، {وَرَحْمَةً}. يقولُ: ورأفةً بهم، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. يقولُ: ولم يزل الله غفورًا لذنوب عباده المؤمنين، يصفحُ لهم عن العقوبة عليها، رحيمًا بهم، بتفضُّله عليهم بنعمه، مع خلافِهم أمرَه ونهيه، وركوبِهم معاصيَه.

‌القولُ في تأويل قوله جل ثناؤُه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)} .

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يعنى جل ثناؤُه بقولِه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} : إن الذين تَقْبِضُ أرواحَهم الملائكةُ، {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ}. يعني: مُكْسِبِي أنفسِهم غضبَ الله وسخطَه. وقد بيَّنَّا معنى الظلمِ فيما مضَى قبلُ

(1)

، {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ}. يقولُ: قالت الملائكةُ لهم: فيمَ كنتم؟ في أيِّ شيءٍ كنتم من دينكم؟ {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} . يعنى: قال الذين توفَّاهم الملائكةُ ظالمى أنفسِهم: كنَّا مستضعَفين في الأرض، يَسْتَضْعِفُنا أهلُ الشرك بالله في أرضِنا وبلادِنا، بكثرة عَددِهم وقوَّتِهم فيَمْنَعونا من الإيمان بالله، واتباع نبيِّه عليه السلام. معذرةٌ ضعيفةٌ، وحُجَّةٌ واهيةٌ، {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}. [يعنى قالت لهم الملائكةُ الذين يتوفَّوْنهم:{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} ]

(2)

. يقولُ: فتَخْرُجوا من أرضِكم ودُورِكم، وتُفارِقوا من يَمْنَعُكم بها مِن الإيمان بالله، واتباعِ

(1)

ينظر ما تقدم في 1/ 559، 560.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

ص: 379

رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الأرض التي يَمْنَعُكم أهلُها من سلطانِ أهلِ الشركِ بالله، فتُوَحِّدوا الله فيها فتَعْبُدُوه، وتَتَّبِعُوا نبيَّه صلى الله عليه وسلم، يقولُ الله جل ثناؤُه:{فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} : أي فهؤلاء الذين وصَفتُ لكم صفتَهم، الذين تَوفَّاهُم الملائكةُ ظالمي أنفسِهم، {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}. يقولُ: مصيرُهم في الآخرة جهنمُ، وهى مسكنُهم، {وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. يعنى: وساءت جهنمُ لأهلِها الذين صاروا إليها مصيرًا ومسكنًا ومأوًى.

ثم اسْتَثْنى جل ثناؤُه المستضعَفين الذين اسْتَضعفهم المشركون من الرجال والنساء والولدان؛ وهم العَجَزةُ عن الهجرة بالعُسْرَةِ وقلَّة الحيلة وسوءِ البصرِ والمعرفةِ بالطريق من أرضِهم، أرض الشركِ إلى أرض الإسلام من القوم الذين أخْبَر جل ثناؤُه أن مأواهم جهنمُ، أن تكونَ جهنمُ مأواهم، للعذرِ الذي هم فيه، على ما بيَّنه تعالى ذكرُه.

ونصَب (المستضعَفِينَ) على الاستثناءِ مِن الهاء والميم اللتين في قوله: {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} . يقولُ الله جل ثناؤُه: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} . يعني: هؤلاء المستضعَفينَ، يقولُ: لعلَّ الله أن يَعْفُو عنهم للعذر الذي هم فيه وهم مؤمنون، فَيَتَفَضَّلَ عليهم بالصفح عنهم في تركهم الهجرة؛ إذ لم يَتْرُكوها اختيارًا، ولا إيثارًا منهم لدار الكفر على دار الإسلام، ولكن للعجز الذي هم فيه عن النُّقْلَةِ عنها، {وَكَانَ اللَّهُ [عَفُوًّا غَفُورًا]

(1)

}. يقولُ: ولم يَزَلِ اللهُ {عَفُوًّا} . يعني: ذا صفحٍ بفضلِه عن ذنوبِ عباده، بتركه العقوبةَ عليها، {غَفُورًا}: ساترًا عليهم ذنوبَهم بعفوِه لهم عنها.

(1)

في ص: "غفورًا رحيمًا".

ص: 380

وذُكِر أن هاتينِ الآيتينِ والتي بعدَهما نزَلت في أقوامٍ من أهلِ مكة كانوا قد أسْلَموا وآمنوا بالله وبرسولِه، وتخلَّفوا عن الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر، وعُرِض بعضُهم على الفتنة فافْتَتن، وشهِد معَ المشركين حربَ المسلمين، فأبى الله قبولَ معذرتهم التي اعْتَذروا بها، التي بيَّنها في قوله خبرًا عنهم:{قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} .

‌ذكرُ الأخبار الواردة بصحةِ ما ذكَرْنا مِن نزولِ الآيةِ في الذين ذكَرْنا أنها نزَلت فيهم

حدَّثنا أبو هشامٍ الرِّفاعيُّ، قال: ثنا ابن فُضَيلٍ، قال: ثنا أَشْعَثُ، عن عكرمةَ:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} . قال: كان ناسٌ مِن أهل مكة أسْلَموا، فمَن مات منهم بها هلك، قال الله:{فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ} . إلى قوله: {عَفُوًّا غَفُورًا} . قال ابن عباسٍ: فأنا منهم وأُمِّى منهم. قال عكرمةُ: وكان العباسُ منهم

(1)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ منصورٍ الرَّماديُّ، قال: ثنا أبو أحمد الزُّبَيْريُّ، قال: ثنا محمدُ

(2)

بنُ شَريكٍ، عن عَمْرِو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: كان قومٌ مِن أهل مكةَ أسْلَموا، وكانوا يَسْتَخْفُونَ بالإسلام، فأَخْرَجهم المشركون يوم بدر معهم، فأُصيب بعضُهم، فقال المسلمون: كان أصحابُنا هؤلاء مسلمين وأُكرِهوا. فاسْتَغْفَروا لهم، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (1178) والواحدى في أسباب النزول ص 132 من طريق سهل بن عثمان عن عبد الرحيم بن سليمان، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عباس.

(2)

في الأصل: "أحمد".

ص: 381

الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} إلى آخرِ الآية، قال: فكُتب إلى مَن بقى بمكة من المسلمين بهذه الآيةِ

(1)

، لا عذرَ لهم. قال: فخرَجوا، فلحِقهم المشركون، فأَعْطَوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} . [العنكبوت: 10] إلى آخر الآية، فكتَب المسلمون إليهم بذلك، فخرجوا

(2)

وأيِسوا من كلِّ خيرٍ، ثم نزلت فيهم:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 110]. فكتَبوا إليهم بذلك: إن الله قد جعل لكم مخرجًا، فخرَجوا، فأدْرَكهم المشركون، فقاتَلوهم حتى نجا مَن نجا، وقُتِل مَن قُتِل

(3)

.

حدَّثني يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني حَيْوَةُ أو ابن لهيعةَ - الشكُّ مِن يونسَ - عن أبي الأسود، أنه سمِع مولى ابن عباسٍ يقولُ عن ابن عباسٍ: إن ناسًا مسلمين كانوا مع المشركين يُكثِّرون سوادَ المشركين على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيأتى السهمُ يُرْمَى

(4)

، فيُصِيبُ أحدهم فيَقْتُلُه، أو يُضْرَبُ فيُقْتَلُ، فأنزل اللهُ فيهم:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} . حتى بلغ: {فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}

(5)

.

(1)

بعده في م: "وأنه".

(2)

سقط من: ت 2، وفى م:"فحزنوا".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1046 (5863)، وأخرجه 9/ 3037 (17170) عن أحمد بن منصور به. وأخرجه الطحاوى في المشكل (3377) من طريق أبي أحمد الزبيرى به، وأخرجه البزار (2204 - كشف) من طريق محمد بن شريك به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 205 إلى ابن المنذر وابن مردويه. وقال الهيثمى في المجمع 7/ 10: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن شريك، وهو ثقة.

(4)

بعده في م: "به".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1045 (5862) عن يونس به، وأخرجه الطبراني في الكبير 11/ 205 (11505) من طريق ابن لهيعة به. وبعده في الأصل: "حدَّثنا سعيد بن الربيع، قال: حدَّثنا سفيان، عن عمرو، عن عكرمة في قوله:{لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} : لا يستطيعون نهوضًا إلى =

ص: 382

حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بن عبدِ الحكمِ [ومحمدُ بنُ سنانٍ القزَّاز]

(1)

، قالا

(2)

: ثنا أبو عبدِ الرحمنِ المُقْرِئُ، قال: حدَّثنا حَيْوَةُ، قال: أخبرنا محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بن نوفلٍ الأسديُّ، قال: قُطع على أهل المدينة بعثٌ

(3)

، فاكتُتِبْتُ فيه، فلقِيتُ عكرمة مولى ابن عباسٍ، فنهانى عن ذلك أشدَّ النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباسٍ، أن ناسًا مسلمين كانوا مع المشركين. ثم ذكر مثل حديثِ يونس، عن ابن وهبٍ

(4)

.

حدَّثني محمد بن سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} : فهم قومٌ تخلَّفوا بعد النبيِّ عليه السلام وتركوا أن يَخْرُجوا معه، فمن مات منهم قبل أن يَلْحَقَ بالنبيِّ عليه السلام ضرَبت الملائكةُ وجهَه ودُبُرَه

(5)

.

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن عكرمة قوله:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} إلى قوله: {وَسَاءَتْ مَصِيرًا} . قال: نزلت في قيس

(6)

بن الفاكهِ بن المغيرةِ، والحارث بن

= المدينة". وهذا الأثر ليس هنا موضعه وسيأتي في موضعه على الصواب في ص 391 حاشية (1 - 1).

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"قال".

(3)

بعده في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"إلى اليمن ". وقد قال الحافظ في الفتح 8/ 263: قوله: "قطع" بضم أوله. وقوله: "بعث" أي جيش. والمعنى: أنهم ألزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشام، وكان ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة.

(4)

أخرجه البخارى (4596) عن أبي عبد الرحمن المقرئ به.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 206 إلى المصنف.

(6)

كذا في النسخ. وفي سيرة ابن هشام 1/ 641، والفتح 8/ 263: أبو قيس.

ص: 383

زَمْعَةً

(1)

بن الأسود بن أسدٍ، وقيس بن الوليد بن المغيرة، [وأبي العاص]

(2)

بن منبِّهِ بن الحجَّاج، وعليِّ بن أمية بن خلفٍ. قال: لمَّا خرج المشركون من قريش وأتباعِهم لمنع أبي سفيان بن حربٍ، وعيرِ قريشٍ من رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، [وأن يطلبوا]

(3)

ما نِيل منهم يوم نخلة، خرجوا معهم بشبابٍ

(4)

كارهين، كانوا قد أسلَموا واجتمعوا ببدرٍ على غير موعدٍ، فقُتلوا ببدرٍ كفَّارًا، ورجعوا عن الإسلام، وهم هؤلاء الذين سمَّيناهم

(5)

.

قال ابن جُريجٍ: وقال مجاهدٌ: نزلت هذه الآيةُ فيمَن قُتِل يوم بدرٍ من الضعفاءِ من كفار قريشٍ

(6)

.

قال ابن جُريجٍ: وقال عكرمة: لمَّا نزل القرآنُ في هؤلاء النفر، إلى قوله:{وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} . قال: يعنى الشيخَ الكبيرَ، والعجوزَ والجوارىَ والصغارَ والغلمانَ

(7)

.

حدَّثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} . إلى قوله: {وَسَاءَتْ مَصِيرًا} . قال: لمَّا أُسِر العباسُ وعَقِيلٌ ونوفلٌ؛ قال النبيُّ

(8)

صلى الله عليه وسلم للعباس: "افْدِ

(1)

في الأصل: "ربيعة". وهو تحريف. وينظر المصدر السابق.

(2)

كذا في النسخ. والصواب: "العاص". وينظر المصادر السابقة

(3)

في الأصل: "وإن طلبوا".

(4)

في الأصل: "بشبان".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1046 (5865) من طريق ابن جريج عن عكرمة. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 205 إلى عبد بن حميد.

(6)

سيأتي بنحوه في ص 388 من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 207 إلى المصنف وابن المنذر.

(8)

في ص، م:"رسول الله".

ص: 384

نفسك وابنَ أخيك". قال: يا رسول اللهِ، ألم نُصَلِّ قبلتَك، وَنَشْهَدْ شهادتَك؟! قال: "يا عبّاسُ، إنكم خاصَمْتُم فَخُصِمْتُم". ثم تلا عليه

(1)

هذه الآيةَ: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} . فيوم نزلت هذه الآيةُ كان من أسْلَم ولم يُهَاجِرْ فهو كافرٌ، حتى يُهاجِرَ، إلا المستضعفين الذين {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} حيلةً في المالِ، والسبيلُ: الطريق [إلى المدينة]

(2)

، قال ابن عباسٍ: كنتُ أنا منهم من الولدانِ

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بن يحيى، قال:[أخبرنا عبدُ الرزاق، قال]

(4)

: أخبرنا ابن عُيَيْنَةَ، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعتُ عكرمة يقولُ: كان ناسٌ بمكة قد شهِدوا أن لا إلهَ إلا الله، فلمَّا خرج المشركون إلى بدرٍ خرجوا

(5)

معهم، فقُتلوا، فنزلت فيهم:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} . إلى قوله: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة، قال: فخرج ناسٌ من المسلمين حتى إذا كانوا ببعضِ الطريقِ طلَبهم المشركون فأدركوهم، فمنهم من أعْطَى الفتنة، فأنزل الله فيهم:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 10]. فكتَب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكةَ، وأنْزَل الله في أولئك الذين أعْطَوا الفتنة:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا} . إلى: {لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}

(6)

[النحل: 110].

(1)

سقط من: الأصل، م.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1047 (5869) من طريق أحمد بن مفضل به.

(4)

سقط من: الأصل.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"أخرجوهم".

(6)

تفسير عبد الرزاق 1/ 171. وأخرجه البيهقى 9/ 14 من طريق ابن عيينة به.

ص: 385

قال ابن عُيَيْنَةَ: أخبرني محمد بن إسحاق في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} . قال: هم خمسةُ فتية من قريشٍ: عليُّ بنُ أُمَيَّةَ، وأبو قيسِ بن الفاكه، وزَمْعَةُ بنُ الأسود، و [أبو العاص]

(1)

بن مُنَبِّهٍ، ونسيتُ الخامسَ

(2)

.

حدَّثنا بشرٌ بن معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قوله:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية. حُدِّثنا أن هذه الآية نزلت

(3)

في أناسٍ تكلَّموا بالإسلام من أهل مكةَ، فخرجوا مع عدوِّ اللهِ أبي جهلٍ، فقُتِلوا يوم بدرٍ، فاعتذروا بغير عذرٍ، فأتى الله أن يَقْبَلَ ذلك منهم.

وقوله: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} أناسٌ مِن أهلِ مكة عذَرهم اللهُ، فاستَثناهم فقال:{فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} . قال: وكان ابن عباسٍ يقولُ: كنتُ أنا وأمى

(4)

من الذين لا يَسْتَطِيعون حيلةٌ ولا يهتدون سبيلًا

(5)

.

حُدِّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخبرنا عُبَيْدُ بنُ سليمان

(6)

، قال: سمعتُ الضحَّاك يقولُ في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية. قال: هم أناسٌ من المنافقين تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم

(1)

ينظر ما تقدم في ص 384 حاشية (2 - 2).

(2)

سيرة ابن هشام 2/ 283، وتفسير عبد الرزاق 1/ 172. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1046 (5864) عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 206 إلى عبد بن حميد.

(3)

في ص، م:"أنزلت".

(4)

في الأصل: "أبي".

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 206 إلى المصنف وعبد بن حميد.

(6)

في م: "سلمان". انظر ترجمته في تهذيب الكمال 19/ 212.

ص: 386

يَخْرُجوا معه إلى المدينةِ، وخرجوا مع مشركي قريشٍ إلى بدرٍ، فأصيبوا يومئذٍ فيمن أُصِيب، فأنزَل اللهِ عز وجل فيهم هذه الآية

(1)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سألتُه، يعني ابن زيدٍ، عن قولِ الله:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} . فقرأ حتى بلغ: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} . فقال: لما بُعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم وظهر، ونبع الإيمانُ نبع النفاقُ معه

(2)

، فأتى إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم رجالٌ، فقالوا: يا رسول الله، لولا أنَّا نخافُ هؤلاء القومَ يُعَذِّبوننا ويفعَلون بنا ويفعلون لأَسْلَمْنا، لكنَّنا نَشْهَدُ أن لا إله إلا اللهُ، وأنك رسولُ اللهِ. فكانوا يقولون ذلك له، فلمَّا كان يومُ بدرٍ قام المشركون، فقالوا: لا يَتَخَلَّفُ عنَّا أحدٌ إلا هدَمْنا دارَه، واسْتَبحنا مالَه. فخرج أولئك الذين كانوا يقولون ذلك القولَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم معهم، فقُتلت طائفةٌ منهم وأسرت طائفةٌ، قال: فأمَّا الذين قتلوا فهم الذين قال اللهُ

(3)

: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية كلّها {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} . وتَتْرُكوا هؤلاء الذين يَسْتَضْعِفونكم {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} . قال: ثم عذَر الله أهل الصدقِ، فقال:{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} . يتوجَّهون له ولو خرجوا لهلَكوا، أولئك

(4)

عسى الله أن يَعفُوَ عنهم وإقامتِهم بين ظَهْرَانى المشركين، وقال الذين أُسروا: يا رسول الله، إنك تَعْلَمُ أنَّا كُنَّا نَأْتِيك فنَشْهدُ أن لا إله إلا اللهُ، وأنك رسول الله، وأن

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1046 (5866) من طريق أبي معاذ به.

(2)

في م: "منه".

(3)

بعده في م: "فيهم".

(4)

في م: "فأولئك".

ص: 387

هؤلاء القوم أخرجونا

(1)

معهم خوفًا، فقال الله:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . [الأنفال: 70] صنيعَكم الذي صنعتم؛ خروجكم

(2)

مع المشركين على النبيِّ صلى الله عليه وسلم {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ

(3)

فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ}. خرجوا معَ المشركين {فَأَمْكَنَ

(4)

مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}

(5)

[الأنفال: 71].

حدَّثني محمد بن خالد بن خداشٍ، قال: ثنى أبي، عن حمَّاد بن زيدٍ، عن أيوب، عن عبد الله بن أبي مُلَيْكَةَ، عن ابن عباسٍ، أنه قال: كنتُ أنا وأمى

(6)

ممَّن عذَر اللهُ {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}

(7)

.

حدَّثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شَرِيكٍ، عن عطاء بن السائبِ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس في قوله:{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} . قال ابن عباسٍ: أنا من المستضعَفين.

حدَّثني محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله:{ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} . قال: مَن [قُتِل من]

(8)

ضعفاء كفار قريشٍ يوم بدرٍ

(9)

.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"خرجنا".

(2)

في م: "بخروجكم".

(3)

بعده في الأصل: "يخونونك".

(4)

بعده في الأصل: "الله".

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 206 إلى المصنف.

(6)

في الأصل: "أبي".

(7)

أخرجه البخاري (4588، 4597) من طريق حماد به.

(8)

في الأصل: "قبل".

(9)

تفسير مجاهد 289.

ص: 388

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوه

(1)

.

حدَّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاقِ، قال: أخبرنا ابن عُيَيْنَةَ، عن [عبد الله بن أبي يزيدَ]

(2)

، قال: سمعتُ ابن عباسٍ يقولُ: كنتُ أنا وأمى

(3)

من المستضعفين من النساء والولدان

(4)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجَّاجُ، قال: ثنا حمَّادٌ، عن عليٍّ بن زيدٍ، عن عُبيدِ اللهِ أو إبراهيم بن عبد الله القرشيِّ، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَدْعُو في دُبُرِ

(5)

صلاة الظهر: "اللهم خلِّصِ الوليد وسلمة بن هشامٍ وعيَّاشَ بن أبي ربيعةَ وضَعَفَةَ المسلمينَ مِن أيْدِى المشركين، الذين لا يستطيعونَ حِيلةً ولا يَهْتَدُونَ سبيلًا"

(6)

.

حدَّثني محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله:{لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} ، قال: مُؤمِنون مستضعَفون بمكة، فقال فيهم

(7)

أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم: هم بمنزلة هؤلاء الذين قُتلوا

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1047 (5867) من طريق شبل عن ابن أبي نجيحٍ به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 206 إلى عبد بن حميد.

(2)

في الأصل: "عبد الله بن أبي زيد". والمثبت موافق لما في تفسير عبد الرزاق. وعند البخاري: "عبيد الله بن أبي يزيد" وهو الصواب. وينظر تهذيب الكمال 19/ 178.

(3)

في الأصل: "أبي".

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 172. وأخرجه البخارى (4587) من طريق سفيان عن عبيد الله به.

(5)

في الأصل: "خبر".

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1048 (5872) من طريق على بن زيد. وعلى بن زيد ضعيف لا يحتج به. لكن أخرج نحوه البخارى (4598) من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة.

(7)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س:"لهم". والمثبت كما في مصدر التخريج.

ص: 389

ببدرٍ ضعفاء مع

(1)

كفَّارِ قريشٍ، فأَنْزَل الله فيهم:{لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} الآية

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوَه.

وأمَّا قوله: {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} . فإن معناه كما حدَّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن عُيَيْنَةَ، عن عمرٍو، عن عكرمة في قوله:{لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} : مخرجًا

(3)

، {وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}: طريقًا إلى المدينة

(4)

.

حدَّثني محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ:{وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} : طريقًا إلى المدينة

(5)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.

حدَّثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ: الحيلةُ: المالُ، والسبيلُ: الطريقُ إلى المدينةِ

(6)

.

(1)

سقط من: الأصل، ص، ت 1، س.

(2)

تفسير مجاهد ص 289.

(3)

في م، ت 1:"نهوضًا إلى المدينة"، وسقط من: ت 2.

(4)

في الأصل: "مكة". والأثر في تفسير عبد الرزاق ص 170، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1048 (5785) من طريق سفيان به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 207 إلى ابن المنذر وعبد بن حميد.

(5)

تفسير مجاهد ص 290. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 207 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(6)

أخرج ابن أبي حاتم شطره الأول في تفسيره 3/ 1048 (5874) من طريق أحمد بن مفضل. وأخرجه شطره الثاني 3/ 1048 عقب الأثر (5875) من طريق عمرو بن حماد، عن أسباط به.

ص: 390

[حدَّثني سعيد بن الربيعِ، قال: حدَّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عكرمة: {وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}. طريقًا إليها. يعنى إلى المدينة]

(1)

.

وأمَّا قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} . ففيه وجهان؛ أحدهما: أن يكون "توفَّاهم" في موضع نصبٍ

(2)

بمعنى المضِيِّ؛ لأن "فَعَّلَ" منصوبةٌ في كلِّ حالٍ. والآخرُ: أن يكون في موضع رفعٍ بمعنى الاستقبالِ، يُراد به: إن الذين تتوَفَّاهم الملائكةُ، فتكونَ إحدى التاءين من "تتوفَّاهم" محذوفةً، وهي [مرادةٌ في]

(3)

الكلمة؛ لأن العربَ تَفْعَلُ ذلك إذا اجتمعت تاءانِ في أَوَّلِ الكلمة ربما حذَفت إحداهما وأثبتت الأخرى، وربما أثبتتهما جميعًا

(4)

.

‌القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)} .

قال أبو جعفر، رحمه الله: يعنى جل ثناؤه بقوله: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} : ومَن يُفارِقْ أَرضَ

(5)

الشركِ وأهلَها هربًا بدينِه منها ومنهم إلى أرض الإسلام

(6)

وأهلِها المؤمنين، {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، يعنى: في منهاج دينِ اللهِ وطريقه الذي شرعه لخلقه، وذلك الدين القيِّم، {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا}. يقولُ: يجد هذا المهاجرُ في سبيلِ اللهِ مُراغَمًا كثيرًا، وهو المُضْطَرَبُ في البلادِ والمَذْهَبُ،

(1)

سقط من: ص، م، س. وانظر طريق عبد الرزاق عن ابن عيينة السابق.

(2)

يريد كونه فعلا ماضيا، وعبر بالنصب عن الفتح علامة بناء الماضي.

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

انظر معاني القرآن للفراء 1/ 284.

(5)

في الأصل: "أهل".

ص: 391

يقال منه: راغم فلانٌ قومه مُراغَمًا ومُراغمةً، مصدران

(1)

. ومنه قولُ نابغةِ بنى جَعْدَة

(2)

:

كَطَوْدٍ

(3)

يُلاذُ

(4)

بأركانِهِ

عزِيزِ الْمُرَاغَمِ والمَهْرَبِ

(5)

وقولُه جل ثناؤه: {وَسَعَةٌ} . فإنه يحتمل السَّعةَ في [الرزق، ويحتملُ السعةَ ممَّا كان القومُ فيه من تضييق المشركين عليهم في]

(6)

أمر دينهم بمكة، وذلك منعُهم إيَّاهم - كان

(7)

- من إظهار دينهم، وعبادة ربِّهم علانيةً، ثم أخبر جل ثناؤه [عمّا لمن]

(8)

خرج مهاجرًا مِن أرض الشركِ فارًّا بدينه إلى اللهِ وإلى رسوله، إن أدركته منيَّتُه

(9)

قبل بلوغه أرض الإسلام ودار الهجرة، فقال: مَن

(10)

كان كذلك فقد وقع أجرُه على الله، وذلك ثوابُ عمله وجزاءُ هجرته وفراق وطنه وعشيرتِه إلى دار الإسلام وأهل دينه. يقولُ جل ثناؤه: و

(11)

مَن خرج

(12)

مهاجرًا مِن دارِه إِلى اللهِ وإلى

(13)

رسوله، فقد

(14)

استوجَب ثوابَ هجرته و

(15)

إن لم يَبْلُغْ دار هجرته؛

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ص:"مصدرًا".

(2)

شعر النابغة الجعدى ص 33.

(3)

في ص، ت 1، س:"كطرد". والطود: الجبل العظيم. الصحاح (ط و د).

(4)

في ص، ت 1، س:"بلاد".

(5)

في ت 1: "المهدب"، وفى س:"المهذب".

(6)

سقط من: ص، م، ت 1، س.

(7)

سقط من: م.

(8)

في م: "عمن".

(9)

في ص، س:"ميتته".

(10)

في الأصل: "لمن".

(11)

سقط من: ص، س.

(12)

في م: "يخرج".

(13)

سقط من: الأصل

(14)

في الأصل: "وقد".

(15)

سقط من: ص، م، س.

ص: 392

باخترام المنيةِ إياه قبل بلوغِه إياها على ربِّه.

{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} . يقولُ: ولم يَزَلِ اللهُ تعالى ذكره {غَفُورًا} .

يعني: ساترًا ذنوب عباده المؤمنين بالعفو لهم عن العقوبة عليها، {رَحِيمًا} . بهم رفيقًا.

وذكر أن هذه الآية نزلت بسبب بعض من كان مقيمًا بمكة وهو مسلمٌ، فخرج لمَّا بلغه أن الله أَنْزَل الآيتين قبلها، وذلك قولُه جلَّ وعزَّ:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} . إلى قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} ، فمات في طريقه قبل بلوغه

(1)

المدينة.

‌ذكرُ الأخبار الواردة بذلك

حدَّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هُشَيْمٌ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدٍ بن جبيرٍ في قوله:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} . قال: كان رجلٌ مِن خُزاعةَ يُقالُ له: ضَمْرَةُ بنُ العِيصِ أو العيصُ بِنْ ضَمْرَةَ بن زِنْباعٍ، قال: فلمَّا أُمِرُوا بالهجرة كان مريضًا، فأمر أهلَه أن يَفْرِشوا له على سريرِه ويَحْمِلوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ففعلوا، فأتاه الموتُ وهو بالتنعيم، فنزلت هذه الآية

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ بشَّارٍ، قال: ثنا محمد بن جعفرٍ، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبيرٍ، أنه قال: نزلت هذه الآية: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} . في ضَمْرَةَ بن العِيصِ بن

(1)

في ص، س:"بلوغ".

(2)

أخرجه سعيد بن منصور (685 - تفسير) - ومن طريقه البيهقى 9/ 14 - عن هشيم به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 207 إلى عبد بن حميد.

ص: 393

الزِّنْباع، أو فلانِ بن ضَمْرَةَ بن العِيصِ بن الزِّنْبَاعِ حين بلغ التنعيم فمات

(1)

فنزلت فيه.

حدَّثنا المُثَنَّى، قال: ثنا عمرو بن عونٍ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، عن العوَّامِ بن حوشبٍ، عن إبراهيم التيميِّ بنحو حديث يعقوب، عن هُشَيْمٍ، قال: وكان رجلًا من خزاعة.

حدَّثنا بشرٌ بن معاذٍ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ:{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} . الآية، قال: لمَّا أَنْزَل الله هؤلاء الآيات في

(2)

رجلٍ مِن المؤمنين يقال له: ضَمْرَةُ. بمكة، قال: والله، إن لى مِن المال ما يبلِّغنى المدينة وأبعد منها، وإني لأَهْتَدِى، أخرجوني. وهو مريضٌ يومئذٍ، فلمَّا جاوز الحرم قبضه الله فمات، فأَنْزَل الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ [وَرَسُولِهِ]

(3)

} الآية

(4)

.

حدَّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن قتادة، قال: لما نزلت {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} قال رجلٌ من المسلمين يومئذ وهو مريض: والله ما لي مِن عذرٍ؛ إنى لدليلٌ بالطريق: وإني لموسرٌ، فاحملوني. فحملوه فأدركه الموتُ بالطريق، فنزل فيه:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ}

(4)

.

حدَّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاقِ، قال: أخبرنا ابن عُيَيْنَةَ، عن

(1)

في ص، م، س:"مات".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"و".

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 170، 171.

ص: 394

عمرو بن دينار، قال: سمعتُ عكرمة يقولُ: لمَّا أَنْزَل الله في الذين كانوا بمكةَ ثم خرجوا مع المشركين إلى بدر ثم قُتِلوا قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} ، الآيتين؛ قال رجلٌ مِن بنى ضَمْرَةَ - وكان مريضًا: أخرجوني إلى الروح

(1)

. فأخرجوه، حتى إذا كان بالحَصْحَاص

(2)

مات فنزَل فيه: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن المُنْذِرِ بن ثَعْلَبَةَ، [عن عِلْباءَ بن أحمر

(4)

]

(5)

اليَشكرى

(6)

في قوله: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} . قال: نزلت في رجُلٍ مِن خُزاعة

(7)

.

[حدَّثنا محمدُ بنُ بشَّارٍ، قال: ثنا أبو عامرٍ، قال: ثنا قُرَّةُ، عن الضحَّاكِ في قوله: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}. قال: لمَّا سمع رجلٌ مِن أهل مكة أن بني كنانة قد ضربت وجوههم وأدبارَهم الملائكةُ، قال لأهله: أَخْرِجونى. وقد [أدنف للموتِ]

(8)

، قال:]

(9)

(1)

الرَّوح: الراحة والاستراحة من غم النفس. التاج (ر و ح).

(2)

الحصحاص، وذو الحصحاص: جبل مشرف على ذى طوى، وهو موضع بالحجاز. معجم البلدان 2/ 274، معجم ما استعجم 2/ 451.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 171. وأخرجه الأزرقى في أخبار مكة 1/ 435 - ومن طريقه الواحدي في أسباب النزول ص 132 - من طريق ابن عيينة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 208 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(4)

في ت 1: "محمد".

(5)

في الأصل: "بن عليا بن عم". وهو تحريف. وانظر تهذيب الكمال 18/ 499، 500، 20/ 293.

(6)

في ت 1، ت 2:"السكرى".

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 208 إلى المصنف.

(8)

في الأصل: "أذيقه الموت". غير منقوطة الياء. ويقال: دنف فلان وأدنف: إذا براه المرض حتى أشفى على الموت

(9)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

ص: 395

[احملوني

(1)

. فاحْتُمِل حتى انتهى إلى عقَبةٍ قد سمَّاها، فتوفِّى، فأنزل الله:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية]

(2)

.

حدَّثنا محمدُ [بنُ الحسينٍ

(3)

]

(4)

، قال: ثنا أحمدُ [بنُ مُفَضَّلٍ]

(4)

، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ، قال: لمَّا سمِع هذه - يعنى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} . إلى قوله: {وَكَانَ اللَّهُ [عَفُوًّا غَفُورًا

(5)

} - ضَمْرَةُ بنُ جُنْدَبٍ الضمريُّ، قال لأهلِه وكان وَجِعًا: أَرْحِلوا راحلتي، فإن الأَخْشَبَين قد غمَّاني، يعنى جبلَىْ مكةً، لعلى أن أخْرُجَ [قبل التنعيم]

(6)

فيُصيبَني رَوْحٌ. فقعد على راحلته ثم توجَّه نحوَ المدينة فمات في الطريقِ، فَأَنْزَلَ اللهُ:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} . وأَمَّا حِينَ توجَّه نحو المدينة، فإنه قال: اللهمَّ إنى مهاجرٌ إليك وإلى رسولك

(7)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن عكرمة، قال: لمَّا نزَلت هذه الآيةُ، يعنى

(8)

قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} . قال [جُنْدُبُ بنُ ضَمْرَةَ]

(9)

الخُزاعيُّ

(10)

: اللهمَّ أبْلَغَتَ في

(11)

المعذرة والحُجَّة،

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س:"الحسن".

(4)

سقط من: الأصل.

(5)

في الأصل: "غفورًا رحيمًا".

(6)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 208 إلى المصنف.

(8)

سقط من: الأصل.

(9)

كذا جاء هاهنا. وفى الأثر قبله: "ضمرة بن جندب الضمرى". وقد اضطربت المصادر في ذكر اسمه اضطرابًا كبيرًا. انظر الإصابة 1/ 515، 516.

(10)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"الجندعي".

(11)

سقط من: ت 1، ت 2، س.

ص: 396

و

(1)

لا معذرةَ لى ولا حُجَّةَ. قال: ثم خرَج وهو شيخٌ كبيرٌ فمات ببعض الطريق، فقال أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: مات قبل أن يُهاجِرَ، فلا ندرى

(2)

أعلى ولاية هو

(3)

أم لا؟ فنزلت: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}

(4)

.

حُدِّثتُ

(5)

عن الحسين بن الفرج، قال: سمِعتُ أبا مُعاذٍ، يقولُ

(6)

: أخبرنا عُبيدُ [بنُ سليمان]

(7)

، قال: سمِعتُ الضحَّاكَ يقولُ: لمَّا أنْزَل الله في الذين قُتلِوا مع مشركي قريشٍ ببدرٍ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية. سمِع ما أنزل الله فيهم رجلٌ مِن بنى ليثٍ كان على دين النبيِّ عليه السلام مقيمًا بمكة، وكان ممن عذَر الله وكان شيخًا كبيرًا وَصِبًا

(8)

، فقال لأهله: ما أنا ببائتٍ الليلة بمكة. فخُرج

(9)

به مريضًا

(10)

حتى إذا بلَغ التنعيمَ من طريق المدينة أدركه الموتُ، فنزل فيه:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} الآية

(11)

.

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

في ص، ت 1 س:"يدرى".

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 208 إلى المصنف.

(5)

في ص: "حدث".

(6)

في ص، م، ت 1، س:"قال".

(7)

سقط من: الأصل. وفى م: "عبيد بن سلمان". وهو تحريف. وانظر تهذيب الكمال 19/ 212.

(8)

في الأصل: "وصبيا"، وفى ص:"وصبا" بدون نقط، وفى م:"وضيئا"، وفى س:"وصيا". وكله تصحيف. والوصب، بكسر الصاد: من لزمه المرض والوجع، وبفتحها دوام الوجع ولزومه. التاج (و ص ب).

(9)

في م، ت 1:"فخرجوا".

(10)

سقط من: ص، ت 2، س.

(11)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 208 إلى المصنف وعبد بن حميد.

ص: 397

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرني ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} . قال: و

(1)

هاجَر رجلٌ من بنى كنانةَ يُرِيدُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فمات في الطريق، فسخِر به قومُه واسْتَهزءوا به، وقالوا: لا هو بلَغ الذي يُريدُ، ولا هو أقام في أهله يقومون عليه ويُدْفَنُ. قال: فنزل القرآنُ: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}

(2)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ منصورٍ الرَّماديُّ، قال: ثنا أبو أحمدَ الزُّبَيْرِيُّ، قال: ثنا [محمدُ بنُ]

(3)

شَرِيكٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: لمَّا

(4)

نزلت هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} ، فكان بمكة رجلٌ يقالُ له: ضَمْرَةُ، من بنى بكرٍ وكان مريضًا، فقال لأهلِه: أَخْرِجوني مِن مكةَ، فإنى أَجِدُ الحرَّ. فقالوا: أين نُخرجُك؟ فأشار بيده نحو المدينة، فنزَلت هذه الآيةُ:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى آخر الآية

(5)

.

حدَّثنا الحارثُ [بنُ أبي أسامة (7)]

(6)

، قال: ثنا عبدُ العزيز بنُ أبانٍ، قال: ثنا قيسٌ، عن سالمٍ الأفطسِ، عن سعيد بن جُبيرٍ، قال: لمَّا نزَلت هذه الآية: {لا

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 208 إلى المصنف.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1050 (5887). وأخرجه أبو يعلى (2679)، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1051 (5889)، والطبراني 5/ 272 (11709)، والواحدى ص 132 من طريق أشعث بن سوار عن عكرمة به نحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 207 إلى ابن المنذر.

(6)

سقط من: الأصل.

ص: 398

يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} قال: رخَّص فيها قومٌ من المسلمين ممن كان بمكة من أهل الضررِ، حتى نزلت فضيلةُ المجاهدين على القاعدين، [فقالوا: قد بيَّن الله فضيلة المجاهدين على القاعدين]

(1)

، ورخّص لأهلِ الضَّرَرِ، حتى نزلت:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} ، إلى قولِه:{وَسَاءَتْ مَصِيرًا} . قالوا: هذه موجبةٌ. حتى نزلت: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} ، فقال ضمرةُ بنُ العيص

(2)

الزرقيُّ

(3)

- أحدُ بني ليثٍ، وكان مُصابَ البصر -: إني لذو حيلةٍ، لى مالٌ ولى رقيقٌ، فاحملوني. فخَرَج وهو مريضٌ، فأدركه الموتُ عندَ

(4)

التَّنْعيم، فدُفِن عندَ مسجد التَّنْعيم، فنزَلَت فيه هذه الآيةُ:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} الآية

(5)

.

واختَلف أهلُ التأويل في تأويلِ المُراغَمِ

(6)

؛ فقال بعضُهم: هو التَّحوُّلُ مِن أَرضِ إلى أرضٍ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: حدَّثني أبو صالحٍ، قال: ثنا معاويةُ، عن عليِّ بن أبي طلحة، عن ابن عباسٍ قوله:{مُرَاغَمًا كَثِيرًا} . قال: المُرَاغَمُ التَّحَوُّلُ

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

في ص: "معص". وفى ت 1: "بعص" كذا بدون إعجام. وانظر ص 396 حاشية (9 - 9).

(3)

في الأصل: "الذي". وفى ص: "الذقى". وفى ت 2، س:"المديني".

(4)

بعده في الأصل: "مسجد".

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 208 إلى المصنف.

(6)

في ص، س:"الآية".

ص: 399

من [أرضٍ إلى أرضٍ]

(1)

.

حُدِّثتُ

(2)

عن الحسين

(3)

بن الفرج، قال: سمِعتُ أبا مُعاذٍ، قال: أخبرنا عُبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سَمِعت الضَّحَّاك، يقولُ في قوله:{مُرَاغَمًا كَثِيرًا} ، يقولُ: متَحَوَّلًا

(4)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الله بنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع في قوله:{يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا} . قال: مُتَحَوَّلًا

(5)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، [قال: ثنى حَجَّاجٌ]

(6)

، قال: ثنا أبو سُفيانَ، عن مَعْمَرٍ، عن الحسن أو قتادة:{مُرَاغَمًا كَثِيرًا} . قال: مُتَحَوَّلًا.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول الله عز وجل:{يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا} . قال: مَنْدوحَةً عما يَكْرَهُ

(7)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفة، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ [في قولِ اللهِ]

(8)

: {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا} . قال: مُزَحْزَحًا عما

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"الأرض إلى الأرض". وقد أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1049 (5878) من طريق أبي صالح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 207 إلى ابن المنذر.

(2)

في ص: "حدث".

(3)

في الأصل، ص، ت 1، س:"الحسن".

(4)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1029 عقب الأثر (5878).

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1049 عقب الأثر (5878) من طريق ابن أبي جعفر به.

(6)

سقط من: الأصل.

(7)

تفسير مجاهد ص 90، وأخرجه من طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1049 (5879)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 207 إلى ابن المنذر وعبد بن حميد.

(8)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، وفى م:"قال".

ص: 400

يَكْرَهُ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: حدَّثني حَجَّاجُ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ:{مُرَاغَمًا كَثِيرًا} . قال: مُتَزَحْزَحًا عما يَكْرَهُ.

وقال آخرون: مُبْتَغَى معيشةٍ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسين، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّل، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا} . يقولُ

(1)

: مُبْتَغَى المعيشة

(2)

.

وقال آخرون: [المُرَاغمةُ المُهاجرةُ]

(3)

.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: المُراغَمُ المُهاجَرُ

(4)

.

قال أبو جعفرٍ: وقد بَيَّنَّا أولى الأقوال بالصوابِ في ذلك فيما مَضَى قبلُ.

واختَلفوا أيضًا في معنى السَّعَةِ التي ذكرها الله في هذا الموضعِ، فقال:{وَسَعَةً} ؛ فقال بعضُهم: هي السَّعَةُ في الرِّزْقِ.

(1)

في ص، س:"قال".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"للمعيشة".

والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1049 (5881) من طريق أحمد بن مفضل به.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"المراغم المهاجر".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 207 إلى المصنف.

ص: 401

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليِّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ:{مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} . قال: السَّعَةُ

(1)

الرزق

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الله بنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع في قوله:{مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} . قال: السَّعَةُ في الرزق

(3)

.

حُدِّثتُ عن الحسين بن الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: أَخبَرنا عُبَيدُ [بنُ سليمان

(4)

]

(5)

، قال: سَمِعتُ الضحاك يقولُ في قوله: {وَسَعَةً} . يقولُ: سَعَةٌ في

(6)

الرزق

(7)

.

وقال آخرون في ذلك بما حدَّثناه بِشْرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: حدَّثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ:{يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} . قال

(8)

: إي والله؛ مِن الضلالة إلى الهدى، ومِن العَيْلَةِ إلى الغِنى

(9)

.

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: وأَوْلَى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أن يقال: إن الله

(1)

بعده في الأصل: "في".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1050 (5884) من طريق أبي صالح به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عقب الأثر السابق من طريق ابن أبي جعفر به.

(4)

في ص، م:"سلمان". وانظر ص 397 حاشية (7 - 7).

(5)

سقط من: الأصل.

(6)

في ص، ت 1، س:"من".

(7)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1050 عقب الأثر (5884).

(8)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(9)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1049 (5880) من طريق يزيد بن زريع به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 207 إلى عبد بن حميد.

ص: 402

تبارك وتعالى أخبر أن مَن هاجَر في سبيله يَجِدْ في الأرضِ مُضْطَرَبًا ومُتَّسَعًا. وقد يَدخُلُ في السَّعَةِ السَّعَةُ في الرزقِ والغِنَى مِن الفَقْرِ، ويَدخُل فيه السَّعَةُ مِن ضِيقِ الهَمِّ والكَرْبِ الذي كان فيه أهلُ الإيمان بالله من المشركين بمكةَ، وغيرُ ذلك من معاني السَّعَةِ، التي هي بمعنى الرَّوْحِ والفَرَجِ مِن مَكْرُوهِ ما كَرِهِ اللهُ للمؤمنين [لمُقامِهم بينَ ظَهْرَانَي]

(1)

المشركين وفى سُلطانهم. ولم يَضَعِ اللهُ دَلالةً على أنه عَنَى بقوله: {وَسَعَةً} . بعضَ معاني السَّعَةِ التي وَصَفنا، فكلُّ مَعاني السَّعَةِ التي هي بمعنى الرَّوْحِ والفَرَج مما كانوا فيه من ضيق العيشِ، وغَمِّ جِوارِ أهلِ الشِّرْكِ، وضِيقِ الصَّدْرِ، بتَعَذُّرِ

(2)

إظهار الإيمان بالله، وإخلاص توحيده، وفِراقِ الأندادِ والآلهة - داخلٌ في ذلك.

وقد تأوَّل قومٌ من أهل العلم هذه الآيةَ - أعنِى قولَه: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} - أنها [حكمٌ في]

(3)

الغازى يَخرُجُ للغزو، فيدْرِكُه الموتُ بعد ما يَخرُجُ مِن

(4)

مَنْزله فاصلًا

(5)

، فيموتُ، أن له سَهْمَه مِن المَغْنَمِ، وإن لم يكن شَهِد

(6)

الوقعة.

كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا يوسفُ بنُ عَدِيٍّ، قال: حدَّثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي

(7)

حبيبٍ، أن أهل المدينة يقولون: مَن خَرَج فاصِلًا وَجَب سهمُه. وتأوَّلوا قولَ اللهِ جلّ ثناؤه: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"بمقامهم بين ظهري".

(2)

في الأصل: "سعد" هكذا بدون نقط.

(3)

في م: "في حكم".

(4)

في ص، س:"إلى".

(5)

فاصلًا: أي خارجًا عن البلد. الصحاح (ف ص ل).

(6)

في الأصل: "يشهد".

(7)

سقط من: الأصل.

ص: 403

مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.

‌القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى جل ثناؤه بقوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} . وإذا سرتُم أيُّها المؤمنون في الأرضِ، {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ}. يقولُ: فليس عليكم حَرَجٌ ولا إثمٌ {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} . يعنى أن تَقْصُروا من عددِها، فتُصَلُّوا ما كان

(1)

عددُه منها في الحَضَرِ وأنتم مُقيمون أربعًا اثنتين، في قول بعضهم.

وقيل: معناه: لا جُناحَ عليكم أن تَقْصُروا من الصلاة التي

(2)

عددُها في حالٍ ضَرْبكم في الأرضِ اثنتانِ

(3)

إلى واحدة في قول آخرين.

وقال آخرون: معنى ذلك: لا جُناحَ عليكم أن تَقْصُروا من حدودِ الصلاة.

{إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . يعنى: إن خَشِيتُم أَن يَفْتِنَكم الذين كَفَروا في صلاتكم. ويشتهم إياهم فيها

(4)

: حَمْلُهم عليهم وهم فيها ساجدون، حتى يقتلوهم أو يَأْسِرُوهم، فيَمْنَعُوهم من إقامتِها وأدائِها، ويحُولوا بينهم وبين عبادة الله وإخلاص التوحيد له. ثم أخبرهم جلّ ثناؤه [عما عليه]

(5)

أهل الكفر لهم، فقال لهم

(6)

: {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} . يعني الجاحدين وَحْدانيةَ اللهِ {كَانُوا

(1)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، س:"لكم".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س:"إلى التي"، وفى م:"إلى أقل".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"أشار".

(4)

في م، س:"فيما".

(5)

في ت 1: "من"، وفى ت 2:"مما عملته"، وفى س:"ما عملته".

(6)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

ص: 404

لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا}، يقولُ: عَدُوًّا قد أبانوا لكم عَداوتهم، بمُناصبتهم لكم الحربَ على إيمانكم بالله وبرسوله، وتركِكم عبادة ما يعبدون

(1)

من الأوثان والأصنامِ، ومخالفتِكم ما هم عليه من الضلالةِ.

واختلف أهلُ التأويل في معنى القَصْرِ الذي وَضَعَ اللهُ الجُناحَ فيه عن

(2)

فاعلِه؛ فقال بعضُهم: [هو القصرُ]

(3)

في السَّفَرِ مِن الصلاة التي كان واجبًا إتمامُها

(4)

في الحضرِ أربع ركعاتٍ، فأذن في قَصْرِها في السفر إلى اثنتين.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني عُبَيدُ بنُ إسماعيلَ الهَبَّارِيُّ

(5)

، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، عن ابن جُريجٍ، عن ابن

(6)

أبي عَمَّارٍ، عن عبدِ اللهِ بن بَابَيْهِ، عَن يَعْلَى بن أُمَيَّةَ

(7)

، قال: قلتُ لعمر بن الخطابِ رضي الله عنه: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} . وقد أمِن الناسُ؟ فقال: عَجِبتُ مما عجبت منه

(8)

، حتى سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:"صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بها عليكم، فاقبلوا صَدَقته"

(9)

.

حدَّثني أبو كُريبٍ، قال: ثنا ابن إدريس، عن ابن جُريجٍ، عن ابن أبي عَمَّارٍ،

(1)

في الأصل، ت 1، س:"تعبدون".

(2)

في الأصل: "على".

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(4)

سقط من: الأصل. وفى م: "تمامها".

(5)

في الأصل: "النيارى" غير منقوطة الياء. وانظر تهذيب الكمال 199/ 186.

(6)

سقط من: الأصل، ص، س، وهو عبد الله بن أبي عمار. وانظر تهذيب الكمال 15/ 326.

(7)

في ص، ت 1، ت 2:"منبه". وانظر تهذيب الكمال 32/ 378.

(8)

سقط من: ص، ت 1، س.

(9)

أخرجه أحمد 1/ 308 (174)، ومسلم (686)، والنسائى (1432)، وابن ماجه (1065)، وغيرهم من طريق ابن إدريس به.

ص: 405

عن عبد اللهِ بن بَابَيْهِ، عن يَعْلَى بن أُمَيَّةَ، عن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثلَه.

حدَّثنا سعيدٌ بن يحيى الأُمويُّ، قال: ثنا محمد بن أبي عَدِيٍّ، عن ابن جريجٍ، قال: سمعت عبد الرحمن بن عبدِ اللهِ بن أبي عَمَّارٍ، يُحَدِّثُ عن عبدِ اللهِ بن بَابَيْهِ، يُحَدِّثُ عن يعلى بن أُمَيَّةَ، قال: قُلتُ لعمر بن الخطابِ: أَعجَبُ مِن قصْرِ الناسِ الصلاةَ، وقد أَمِنوا، وقد قال الله تبارك وتعالى:{أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . فقال عمرُ: عَجِبتُ ممّا عجبت منه، فذَكَرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بها عليكم، فاقبلوا صَدَقته".

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا هشام بن عبد الملك، قال: ثنا أبو عوانة، عن قَتادةَ، عن أبي العالية، قال: سافرت إلى مكة، فكنتُ أُصَلِّي ركعتين، فَلَقِينِي قُرَّاءٌ مِنْ أَهْلِ هذه الناحية، فقالوا: كيف تُصَلِّى؟ قلتُ: ركعتين. قالوا: أَسُنَّةٌ أم

(1)

قرآن؟ قلت: كلُّ ذلك

(2)

، سنةٌ وقرآنٌ. قلت: صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين. قالوا: إنه كان في حربٍ. قلت: قال الله: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} [الفتح: 27]. و

(3)

قال: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . فقرَأ حتى بلغ: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ}

(4)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبد الله بن هاشمٍ، قال: أخبرنا

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"أو".

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 209 إلى المصنف.

ص: 406

سيفٌ

(1)

، عن أبي رَوْقٍ، عن أبي

(2)

أيوبَ، عن عليٍّ رضي الله عنه، قال: سأل قومٌ من التُّجَّار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إنَّا نَضْرِبُ

(3)

في الأرض، فكيف نُصَلِّي؟ فأنزل الله:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} . ثم انقطع الوَحْىُ، فلما كان بعد ذلك بحَوْلٍ، غَزا

(4)

النبيُّ عليه السلام، فصَلَّى الظُّهْرَ، فقال المشركون: لقد أمكنكم محمدٌ وأصحابه من ظهورهم، هَلَّا

(5)

شَدَدتُم عليهم. فقال قائلٌ منهم: إن لهم أخرى مثلها في إثرها. فأنزل اللهُ تبارك وتعالى بين الصلاتين: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} . إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} ، فنزَلَت صلاةُ الخوفِ

(6)

.

قال أبو جعفر: [وهذا من تأويل الآية حسنٌ]

(7)

، لو لم يكن في الكلام "إذا"، [ولكن قوله:{وَإِذَا} ]

(8)

تؤذِنُ بانقطاع ما بعدَها عن معنى ما قبلها، ولو لم يكن في الكلام "إذا"، كان

(9)

معنى الكلام على هذا التأويل الذي رواه سَيْفٌ، عن أبي رَوْقٍ:{إِنْ خِفْتُمْ} ، أيُّها المؤمنون، {أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} في صلاتكم، وكنت فيهم يا محمد، {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ

(1)

في ص، س، م:"يوسف". وهو سيف بن عمر التميمي الأخبارى، صاحب المغازي. وينظر تهذيب الكمال 12/ 324.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

(3)

في ص: "نصرف".

(4)

في ص، ت 1، ت 2 س:"عن".

(5)

في ص، س:"فلا".

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 209 إلى المصنف. وأبو روق وسيف بن عمر ضعيفان.

(7)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"وهذا تأويل للآية حسن".

(8)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"وإذا".

(9)

في الأصل: "لكان إذا كان".

ص: 407

مَعَكَ} الآية.

وبعدُ

(1)

، فإن ذلك فيما ذُكر في قراءةِ أُبيِّ بن كعبٍ

(2)

: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تَقْصُروا من الصلاة

(3)

أن يَفْتِنَكم الذين كفروا).

حدَّثني بذلك الحارثُ، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا الثوريُّ، عن واصل بن حَيَّانَ

(4)

، عن عبدِ اللهِ بن عبدِ الرحمنِ بن أَبْرَى، عن أبيه، عن أُبَيٍّ بن كعبٍ، أَنَّه كان يَقْرَأُ: (فاقْصُروا

(5)

من الصلاة أن يَفْتِنَكم الذين كفروا). ولا يقرأُ: {إِنْ خِفْتُمْ} .

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا بكرُ بنُ شَرودٍ

(6)

، عن الثوريِّ، عن واصلٍ الأحدبِ، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أُبيٍّ بن كعبٍ أنه قرأ:(أن تَقْصُروا من الصلاةِ أنْ يفتنكم الذين كفروا). قال بكرٌ: وهى في الإمامِ، مصحفِ عثمان بن عفان رحمه الله:{إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}

(7)

.

[وهذه القراءة تُنبِئُ على أن قوله: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}]

(8)

.

(1)

في ص، س:"بعدد".

(2)

ينظر البحر المحيط 3/ 339. وهي قراءة شاذة.

(3)

بعده في ت 1، ت 2، س:"إن خفتم".

(4)

في الأصل: "حسان"، وفى ص، ت 1:"حبان". وانظر تهذيب الكمال 30/ 400.

(5)

في م: "أن تقصروا".

(6)

في الأصل: "سرور"، وفي ص، ت 1:"سرود".

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 210 إلى المصنف وابن المنذر.

(8)

سقط من: ص، س.

ص: 408

مُواصِلٌ

(1)

قوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} . وأن معنى الكلام: وإذا ضَرَبْتُم في الأرض، فإن خِفْتُم أن يَفْتِنَكم الذين كفروا، فليس عليكم جُناحُ أن تَقْصُروا من الصلاة، وأن قوله:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} قصةٌ مُبْتَدَأَةٌ غيرُ قصة هذه الآية؛ وذلك أن تأويل قراءةِ

(2)

أَبَيِّ بن كعبٍ هذه التي ذكرناها عنه: وإذا ضربتُم في الأرضِ فليس عليكم جناحٌ أن تقصُروا من الصلاةِ أن لا يفتتكم الذين كفروا. فحُذفت "لا" لدَلالة الكلام عليها، كما قال جلّ ثناؤه:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176]. بمعنى: أن لا تَضِلُّوا.

ففىما وَصَفْنا دَلالةٌ بَيِّنَةٌ على فسادِ التأويل الذي رواه سيفٌ، عن أبي روقٍ.

وقال آخرون: بل هو القَصْرُ في السفر، غير أنه إنما أذن جل ثناؤُه به للمسافر، في حالِ خَوْفِهِ مِن عدوٍّ يَخْشَى أَن يَفْتِنَه في صلاته.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني أبو عاصمٍ عمرانُ بنُ محمدٍ الأَنْصَارِيُّ، قال: ثنا [عبدُ الكبير]

(3)

بنُ عبد المجيد، قال: حدَّثنا محمدُ

(4)

بنُ عبدِ اللهِ بن محمدِ بن

(5)

عبدِ الرحمن بن أبى بكر الصديق، قال: سمعتُ أبى، يقولُ: سَمِعتُ عائشة تقولُ في

(1)

في ص، س:"من أصل".

(2)

في الأصل: "قوله".

(3)

في الأصل: "عبد الكريم". وانظر ترجمته في تهذيب الكمال 243/ 18.

(4)

في النسخ: "عمر". وهو خطأ تتابع عليه النساخ وانظر ترجمته في تهذيب الكمال 25/ 549.

(5)

في ص، س:"عن".

ص: 409

السفرِ: أتِمُّوا صلاتكم. فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان

(1)

يُصَلِّي في السفر ركعتين؟ فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حربٍ

(2)

، وكان يخافُ، هل تخافون أنتم؟

(3)

حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بن عبدِ الحَكَم، قال: ثنا ابن أبي فُدَيْكٍ، قال: ثنا ابن أبي ذئبٍ، عن ابن شهابٍ، عن أُمَيَّةَ بن عبدِ اللهِ بن خالد بن أَسِيدٍ، أنه قال لعبد اللهِ بن عمرَ: إِنَّا نَجِدُ في كتابِ اللَّهِ قَصْرَ [صلاة الخوف]

(4)

، ولا نَجدُ قَصْرَ صلاةِ المسافر؟ فقال عبد الله: إنَّا وَجَدْنا نَبِيَّنا صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ عملًا عَمِلْنا به

(5)

.

حدَّثنا عليُّ بن سهلٍ الرَّمليُّ، قال: ثنا مُؤَمَّلٌ، قال: ثنا سفيانُ، عن هشام بن عُروة، عن أبيه، أن عائشةَ كانت تُصَلِّي في السفر أربعًا

(6)

.

حدَّثنا سعيدُ بنُ يحيى، قال: ثنى أبى، قال: ثنا ابن جُريجٍ، قال: قلتُ لعطاءٍ:

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(2)

في ص، س:"خوف".

(3)

ذكره ابن حجر في الفتح 2/ 571 عن المصنف. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 210 إلى المصنف.

(4)

في الأصل: "صلاة"، وفى ص، س:"الصلاة الخوف"، وفى م:"الصلاة في الخوف".

(5)

أخرجه مالك 1/ 145، ومن طريقه أحمد 9/ 238 (5333)، عن الزهرى، عن رجل من آل خالد بن أسيد أنه سأل ابن عمر.

وأخرجه عبد الرزاق (4276)، وأحمد 9/ 495 (5683)، 10/ 422 (6353)، والنسائى (1433)، وابن ماجة (1066)، وابن حبان (1451)، وابن عبد البر في التمهيد 11/ 163، 164، وغيرهم من طريق معمر والليث ويونس، عن الزهرى، عن عبد الله بن أبى بكر بن عبد الرحمن، عن أمية بن عبد الله بن خالد به.

وأخرجه النسائي (456) من طريق محمد بن عبد الله الشعيثى عن عبد الله بن أبى بكر بن عبد الرحمن، عن أمية بن عبد الله به. وانظر السنن الكبرى للبيهقى 3/ 136 والتمهيد 11/ 161 - 164.

(6)

في ص، م، س:"ركعتين". والأثر أخرجه البيهقى 3/ 143 من طريق هشام بن عروة، وفيه زيادة. وذكره ابن حجر في الفتح 2/ 571.

وأخرجه البيهقى أيضًا 3/ 143 من طريق عروة. وفيه قصة.

ص: 410

أيُّ أصحاب رسولِ اللهِ عليه السلام كان يُتِمُّ الصلاة في السفرِ؟ قال: عائشةُ وسعدُ بن أَبِي وَقَّاصٍ

(1)

.

وقال آخرون: بل عَنَى بهذه الآيةِ، قَصْرَ صلاةِ الخوفِ في غيرِ حالِ المُسَايَفةِ. قالوا: وفيها أُنْزِلتْ

(2)

.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} . قال: يومَ كان النبيُّ عليه السلام وأصحابُه بعُسْفانَ

(3)

، والمشركون بضَجْنَانَ

(4)

، فَتَواقَفوا

(5)

، فصَلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأصحابِه صلاةَ الظهرِ ركعتَين، أو أربعًا - شَكّ أبو عاصمٍ - ركوعُهم وسجودُهم وقيامُهم معًا جميعًا، فَهَمَّ بهم المشركون أن يُغيروا على أمتعاتِهم

(6)

وأثقالِهم، فأنزَل الله عليه:{فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} . فصَلَّى العصرَ، وصَفَّ أصحابَه صَفَّين، ثم كَبَّر بهم جميعًا، ثم سَجَد الأَوَّلون سَجْدةً

(7)

، والآخَرون قيامٌ، ثم سَجَد الآخَرون حينَ قامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم كَبَّر بهم ورَكَعوا جميعًا، فتَقَدَّم الصَّفُّ الآخَرُ، واستأخَر الصفُّ الأَوَّلُ، فَتَعاقَبوا السُّجودَ،

(1)

أخرجه الطحاوى في مشكل الآثار 1/ 424 من طريق ابن جريج.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"نزل".

(3)

عسفان: واد على طريق حجاج مصر، على ثلاث مراحل من مكة، وهى الآن محطة من محطات الطريق بين جدة والمدينة. انظر جغرافية شبه جزيرة العرب لكحالة حاشية المعلق ص 170.

(4)

ضجنان: جبل بناحية مكة على طريق المدينة. معجم ما استعجم 3/ 856.

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فتوافقوا".

(6)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"أمتعايهم". وفى م: "أمتعتهم".

(7)

في الأصل: "لسجودهم".

ص: 411

كما فَعَلُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، وقَصَر صلاةَ العصرِ إلى الركعتَين

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: حدثني شِبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} . قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه بعُسْفانَ، والمشركون بضَجْنَان، فتَواقَفوا

(2)

، فصَلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأصحابهِ

(3)

صلاةَ الظهرِ ركعتَين؛ ركوعُهم وسجودُهم وقيامُهم معًا

(4)

جميعًا، فَهَمَّ بهم المشركون أن يُغِيروا على أمتِعَتِهم

(5)

وأثقالِهم، فأنزَل الله تبارك وتعالى:{فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} . فصَلَّى صلاةَ العصرِ؛ فصَفَّ أصحابَه صَفَّين، ثم كَبَّر بهم جميعًا، ثم سَجَد الأَوَّلون لسجودِه

(6)

، والآخَرون قيامٌ لم يسجُدوا، حتى قامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثم كَبَّر

(7)

وركَعوا جميعًا، فتقدَّمَ الصفُّ الآخَرُ، واستأخَر الصَّفُّ المُقَّدمُ، فتَعاقَبوا السجودَ كما فعَلوا

(8)

أَوَّلَ مَرَّةٍ، [وقَصُرَت]

(9)

صلاةُ العصرِ إلى ركعتَين.

حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: حدَّثني جَرِيرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبى

(10)

عَيَّاشِ الزَّرَقيِّ، كُنَّا مع النبيِّ عليه السلام بعُسْفانَ، وعلى المشركين

(1)

تفسير مجاهد ص 290 ومن طريقه ابن أبي حاتم 3/ 1052 (5895). وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (4235، 4236)، وابن أبي شيبة 2/ 463، من طرق عن مجاهد به.

(2)

في س، م:"فتوافقوا".

(3)

في م: "وأصحابه".

(4)

زيادة من: س.

(5)

في الأصل، س:"أمتعاتهم".

(6)

في الأصل: "سجودهم"، وفى م:"بسجوده".

(7)

بعده في م: "بهم".

(8)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3 س:"دخلوا".

(9)

في الأصل: "وقصر".

(10)

في الأصل: "ابن".

ص: 412

خالدُ بنُ الوليدِ، قال: فَصَلَّينا الظهرَ، فقال المشركون: لقد

(1)

كانوا على حالٍ، لو أرَدْنا لأَصَبْنا غِرَّةً، لأَصَبْنا غَفْلَةً. فَأُنزِلَت آيةُ القَصْرِ بينَ الظهرِ والعصرِ، فأخَذ الناسُ السلاحَ، وصَفَّوا خلفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْبِلى القبلةِ والمشركون مُسْتَقْبلُوهم

(2)

، فكَبَّر رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكَبَّروا جميعًا، ثم ركَع وركَعوا جميعًا، ثم رَفَع رأسَه ورفَعوا جميعًا، ثم سَجَد وسَجَد الصَّفُّ الذي يَلِيه، وقام الآخَرون يَحْرُسونهم، فلما فَرَغ هؤلاء مِن سجودِهم سَجَد هؤلاء، ثم نَكَص الصفُّ الذي يَلِيه، وتَقَدَّم الآخَرون فقاموا في مُقامِهم، فرَكَع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فرَكَعوا جميعًا، ثم رَفَع رأسه فرَفَعوا جميعًا، ثم سَجَد وسَجَد الصَّفُّ الذي يَلِيه، وقام الآخَرون يَحْرُسونهم، فلما فَرَغ هؤلاء مِن سجودِهم، سَجَد هؤلاء الآخَرون، ثم استَوَوا معهم

(3)

فقَعَدوا جميعًا، ثم سَلَّم عليهم جميعًا، فصلَّاها

(4)

بعُسْفانَ، وصلَّاها يومَ بنى

(5)

سُلَيمٍ

(6)

.

وحدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا عُبَيدُ اللهِ بنُ موسى، عن شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، عن

(1)

سقط من: م، وفى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"لو".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"مستقبلهم".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت، س:"معه".

(4)

في الأصل: "فصلي".

(5)

في الأصل: "فتح".

(6)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (686 - تفسير)، وأبو داود (1236)، والدارقطني 2/ 60، والطبراني في الكبير (5140)، والحاكم 1/ 337، والبيهقى 3/ 256، 257 من طريق جرير بن عبد الحميد به.

وأخرجه الطيالسي (1444)، وعبد الرزاق في المصنف (4237)، وابن أبي شيبة 2/ 463، 465، وأحمد 27/ 120 - 123 (16580 - 16582)، والنسائي (1548، 1549)، وغيرهم من طرق عن منصور به. وسيأتي من طريق عبد العزيز بن عبد الصمد، عن منصور في ص 440، 441. وينظر تخريج الحديث والكلام عليه في مسند الطيالسى (1444).

ص: 413

منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي عَيَّاشٍ الزُّرَقيِّ، و

(1)

عن إسرائيلَ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي عَيَّاشٍ

(2)

قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعُسْفَانَ. ثم ذكَر نحوَه

(3)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا مُعاذُ بنُ هشامٍ، قال: حدَّثني أبى، عن قتادةَ، عن سليمانَ

(4)

اليَشْكُرِيِّ، أنه سأل جابرَ بنَ عبدِ اللَّهِ عن إقصارِ الصلاةِ، أيَّ يومٍ أُنْزِل؟ أو في أيِّ يومٍ هو؟ فقال جابرٌ: انطلَقنا نَتَلقَّى عِيرَ قريشٍ آتيةً مِن الشأمِ، حتى إذا كُنَّا بنَخْلٍ، جاء رجلٌ مِن القومِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمدُ. قال: "نعم". قال: هل تخافُني؟ قال: "لا". قال: فمَن يَمْنَعُك منى؟ قال: "اللَّهُ يَمْنَعُنى مِنْكَ". قال: فَسَلَّ السيفَ، ثم هَدَّده وأوعَده، ثم نادَى بالرحيلِ

(5)

، وأخَذ السلاحَ، ثم نُودِيَ بالصلاةِ، فصَلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بطائفةٍ مِن القومِ، وطائفةٌ أخرى تَحْرُسُهم، فصَلَّى بالذين يَلُونه ركعتَين، ثم تأخَّر الذين يَلُونه على أعقابِهم، فَقاموا في مَصَافِّ

(6)

أصحابِهم، و

(7)

جاء الآخرون، فصَلَّى بهم ركعتَين، والآخرون يَحْرُسونهم، ثم سَلَّم. فكانت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أربعَ ركعاتٍ، وللقومِ ركعتَين ركعتيَن، فيومَئذٍ أنزَل الله في إقصارِ الصلاةِ، وأمَر المؤمنين بأخْذِ السلاحِ

(8)

.

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

بعده في: الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"نحوه".

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (5139) من طريق عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل به.

(4)

في الأصل: "سليم". وسليمان بن قيس اليشكرى له ترجمة في تهذيب الكمال 12/ 55.

(5)

في ص، ت 1:"بالرجل".

(6)

المَصافّ - بالفتح وتشديد الفاء - جمع مَصَفٌ، وهو موضع الحرب الذي يكون فيه الصفوف. النهاية 3/ 38.

(7)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ثم".

(8)

أخرجه الطحاوى 10/ 317، وابن حبان (2882) من طريق معاذ بن هشام به. =

ص: 414

وقال آخرون: بل عَنَى بها قَصْرَ صلاةِ الخوفِ في حالٍ غيرِ شدةِ الخوفِ، إلَّا أنه عَنَى به القَصْرَ من

(1)

صلاةِ السفرِ، لا من

(2)

صلاةِ الإقامةِ، قالوا: وذلك أن صلاةَ السفرِ في غيرِ حالِ الخوفِ ركعتان تمامٌ غيرُ قَصْرٍ، كما أن صلاةَ الإقامةِ أربعُ ركعاتٍ في حالِ الإقامةِ. قالوا: فقَصُرَت في السفرِ في حالِ الأمنِ غيرِ الخوفِ عن صلاةِ المُقِيمِ، فجُعِلَت على

(3)

النصفِ، وهى تمامٌ في السفرِ، ثم قَصُرَت في حالِ الخوفِ في السفرِ عن صلاةِ الأمنِ فيه، فجُعِلَت على النصفِ، ركعةً.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطٌ، عن السُّدِّيِّ:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} . إلى قولِه: {عَدُوًّا مُبِينًا} . إن الصلاةَ إذا صُلِّيَتْ ركعتَين في السفرِ فهو

(4)

تَمامٌ. والتقصيرُ لا يَحِلُّ، إلا أن تخافَ من الذين كفَروا أن يَفْتِنوك عن الصلاةِ. والتقصيرُ فيه

(5)

ركعةٌ، يقومُ الإمامُ، ويقومُ جندُه جندَين؛ طائفةٌ خلفَه، وطائفةٌ يُوازون العدوَّ، فيُّصَلِّي بمَن معه ركعةً، ويمشُون إليهم على أدبارِهم حتى

(6)

يَقوموا في مُقامِ

= وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (2504 - تفسير)، وأحمد 3/ 364، 390 (الميمنية)، وأبو يعلى (1778)، والطحاوى 1/ 315، وابن حبان (2883) من طريق سليمان اليشكري به بنحوه. وأخرجه ابن أبي شيبة 2/ 464، وأحمد 3/ 364 (الميمنية)، والبخارى (4136) تعليقًا، ومسلم (843)، وابن حبان (2884)، وغيرهم من طريق أبى سلمة، عن جابر به بنحوه. وفيه: أن الغزوة كانت ذات الرقاع.

(1)

في م، ت 2، ت 3:"في".

(2)

في م، س:"في".

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

في م، ت 2، ت 3:"فهي".

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(6)

في الأصل: "ثم".

ص: 415

أصحابهم، وتلك المِشْيَةُ القَهْقَرَى. ثم تأتى الطائفةُ الأخرى، فتُصَلِّى مع الإمامِ ركعةً أخرى، ثم يَجلِسُ الإمامُ فيُسَلِّمُ، فيَقُومون فيُصَلُّون لأنفسِهم ركعةً، ثم يَرْجِعون إلى صَفِّهم، ويقومُ الآخرون فيُضِيفون إلى ركعتِهم ركعةً. والناسُ يقولون: لا، بل هي ركعةٌ واحدةٌ، لا يُصَلِّى أحدٌ منهم إلى ركعتِه شيئًا، تُجزِئُه ركعةُ الإمامِ. فيكونُ للإمامِ ركعتان، ولهم ركعةٌ، فذلك قولُ الله عز وجل:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} . إلى قولِه: {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ}

(1)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ الوليدِ القُرَشِيُّ، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن سِماكٍ الحَنَفيِّ، قال: سألتُ ابنَ عمرَ عن صلاةِ السفرِ؟ فقال: ركعتان تمامٌ غيرُ قَصْرٍ، إنما القصرُ صلاةُ المخافةِ. فقلتُ: وما صلاةُ المخافةِ؟ قال: يُصَلِّي الإمامُ بطائفةٍ ركعةً، ثم يَجِيء هؤلاء مكانَ هؤلاء، ويَجِيءُ

(2)

هؤلاء

(3)

مكانَ هؤلاء، فيُصَلِّي بهم ركعةً، فيكونُ للإمامِ ركعتان

(4)

، ولكلِّ طائفةٍ ركعةٌ ركعةٌ

(5)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا يحيى

(6)

، قال: ثنا سفيانُ، عن سالمٍ الأفْطَسِ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، قال: كيف تكونُ قَصْرًا وهم يُصَلُّون ركعتَين (2)، إنما هي ركعةٌ

(7)

.

حدَّثني سعيدُ بنُ عمرٍو السَّكُونيُّ، قال: ثنا بَقِيَّةُ، قال: ثنا المسعوديُّ، قال:

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 1052 (5894) من طريق أحمد بن مفضل به.

(2)

سقط من: ص، ت 1، س.

(3)

بعده في: ص، ت 1، ت 2، س:"إلى".

(4)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س:"ركعتين".

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 449، والبيهقى 3/ 263 من طريق مسعر عن سماك الحنفى مختصرًا. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 210 إلى عبد بن حميد.

(6)

في الأصل: "ابن يحيى".

(7)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (4252)، وابن أبي شيبة 2/ 466 من طريق سفيان به.

ص: 416

ثنى يزيدُ الفقيرٌ، عن جابرِ بن عبدِ اللهِ، قال: صلاةُ الخوفِ ركعةٌ

(1)

.

حدَّثني أحمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ، قال: ثنى عمى عبدُ اللَّهِ بنُ وَهْبٍ، قال: أخبَرني عمرُو بنُ الحارثِ، قال: ثنى بكرُ بنُ سَوادةَ، أن زيادَ بنَ نافعٍ حدَّثه، عن كعبٍ، وكان مِن أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قُطِعَت يَدُه يومَ اليمامةِ، أن صلاةَ الخوفِ لكلِّ طائفةٍ ركعةٌ وسجدَتان

(2)

.

واعتَلَّ قائلو هذه المقالة [مِن الآثار]

(3)

بما حدَّثنا به محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال

(4)

: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، قال: ثنا سفيانُ، قال: ثنى أشعثُ بنُ أبى الشَّعْثاءِ، عن الأسودِ بن هلالٍ، عن ثَعْلبةَ بن زَهْدَمٍ اليَرْبُوعِيِّ، قال: كُنَّا مع سعيدِ بن العاصِ بطَبَرِسْتانَ، فقال: أيُّكم يَحْفَظُ صلاةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في الخوفِ؟ فقال حُذَيفةُ: أنا. فأَقامنا خلفَه صَفًّا وصفًّا

(5)

موازىَ العدوِّ، فصلَّى بالذين يَلُونه ركعةً، و

(6)

ذهَب هؤلاء إلى مَصافِّ أولئك، [وجاء هؤلاءِ فصلَّى بهم ركعةً]

(7)

.

(1)

أخرجه الطيالسي (1898)، وابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1053 (5898)، وابن خزيمة (1364)، والنسائي (1545)، وغيرهم من طريق المسعودى به، وسيأتي من طريق الحكم، عن يزيد الفقير في ص 419، 420.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه 2/ 201 (2057) عن عبد الله بن وهب به.

(3)

سقط من: ص، ت 1.

(4)

بعده في الأصل: "حدَّثنا يحيى بن بشار قال".

(5)

في م: "صف".

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ثم".

(7)

في الأصل: "فصلى بهم ركعة". وقد أخرجه ابن خزيمة (1343) عن ابن بشار ومحمد بن المثنى، عن يحيى به. وقد أخرجه أبو داود (1246)، والنسائى (1529)، والحاكم 1/ 335 من طريق يحيى القطان به.

وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (4249) وابن أبي شيبة 2/ 461، وأحمد 5/ 385 (ميمنية)، والنسائى (1528)، وغيرهم من طريق سفيان. وسيأتي من طريق عبد الرحمن عن سفيان في الأثر بعد القادم.

ص: 417

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا [يحيى و]

(1)

عبد الرحمن، قالا

(2)

: ثنا سُفيانُ، عن الرُّكينِ بن الربيع، عن القاسم بن حَسَّانَ، قال: سألتُ زيد بن ثابت عنه، فحَدَّثنى بنحوه

(3)

.

[حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيانُ، عن الأشْعَثِ، عن الأسود بن هلالٍ، عن ثعلبةَ بن زَهْدَمٍ اليَرْبُوعِيِّ، عن حُذيفة بنحوه]

(4)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال حدَّثنا يحيى، قال: ثنا سفيانُ، قال: ثنا أبو بكر بنُ أبى الجهم، عن عُبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباسٍ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذى قَرَدٍ

(5)

نَصَفُ الناس خلفه صفَّين؛ صَفًّا خلفَه، وصفًّا موازى العدوِّ، فصلَّى بالذين خلفه ركعةٌ، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك، فصلَّى بهم ركعةً، ولم يقضوا

(6)

.

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

في الأصل: "قال".

(3)

أخرجه ابن خزيمة (1345) عن ابن بشار ومحمد بن المثنى، عن يحيى به. وأخرجه النسائي (1530) من طريق يحيى به.

وأخرجه عبد الرزاق (4250) وابن أبي شيبة 2/ 461، وأحمد 5/ 183 (ميمنية)، وابن حبان (2870)، والبيهقى 3/ 262 من طرق عن سفيان به.

(4)

سقط من: ص. وقد أخرجه أحمد 5/ 399 (ميمنية) عن عبد الرحمن بن مهدى به. وانظر الأثر قبل السابق.

(5)

ذو قرد: ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر. معجم البلدان 4/ 55.

(6)

أخرجه النسائي (1532) وابن خزيمة (1344) وابن حبان (2871) من طريق ابن بشار به. وعند ابن خزيمة مقرونًا بمحمد بن المثنى.

وأخرجه الحاكم 1/ 335 من طريق يحيى القطان به.

وأخرجه عبد الرزاق (4251)، وابن أبي شيبة 2/ 461، وأحمد (2063، 3364)، والبيهقي 3/ 262 وغيرهم من طرق عن سفيان به.

ص: 418

حدَّثنا تميمُ بنُ المُنتَصِرِ، قال: حدَّثنا إسحاقُ الأزرقُ، عن شَرِيكٍ، عن أبي بكر بن صُخَيْرٍ

(1)

، عن عُبَيدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ، عن ابن عباسٍ مثله.

حدَّثنا بشرُ بن مُعاذٍ، قال: ثنا أبو عَوَانةَ، عن بُكير بن الأخنس، عن مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ، قال: فَرَض الله الصلاة على لسان نبيِّكم صلى الله عليه وسلم في الحَضَرِ أربعًا، وفى السفر ركعتين، وفى الخوف ركعةً

(2)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمن، قال: ثنا أبو عَوَانةَ، عن بُكَيرِ بن الْأَخْنَسِ، عن مجاهدٍ، عن ابن عباس مثله

(3)

.

حدَّثنا نصرُ بنُ عبدِ الرحمنِ الأَوْدِيُّ

(4)

، قال: ثنا المُحاربيُّ، عن أيوب بن عائذٍ الطائيِّ، عن بُكَيرِ بن الأَخْنَسِ، عن مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ مثله.

حدَّثنا يعقوبُ بن ماهان، قال: ثنا القاسمُ بن مالكٍ، عن أيوب بن عائذٍ الطَّائيِّ، عن بُكَيرِ بن الأَخْنَسِ، عن مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ مثله

(5)

.

حدَّثنا محمد بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن يزيد الفقير، عن جابرِ بن عبدِ اللهِ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى بهم

(6)

(1)

في النسخ: "صحير" والمثبت من مصادر الترجمة. وانظر تهذيب الكمال 33/ 99.

(2)

أخرجه ابن خزيمة (304، 943، 1346) عن بشر بن معاذ به.

وأخرجه أحمد (2124، 2293، 3332)، والبخارى في القراءة خلف الإمام (226) ومسلم (687) وأبو داود (1247)، وابن ماجة (1068)، وغيرهم من طرق عن أبي عوانة به.

(3)

أخرجه النسائي (455) من طريق عبد الرحمن بن مهدى ويحيى القطان، عن أبي عوانة به.

(4)

في الأصل: "الأزدى".

(5)

أخرجه النسائي (1441) عن يعقوب بن ماهان به.

وأخرجه أحمد (2177)، ومسلم (687)، وغيرهم من طرق عن القاسم بن مالك به.

(6)

سقط من: الأصل.

ص: 419

صلاة الخوف، فقامَ صَفٌّ بينَ يَدَيه وصَفٌّ خلفَه بينَ يَدَيه وصَفٌّ خلفَه، فصَلَّى بالذين خلفه ركعةً وسجدتين، ثم تقدَّم هؤلاء حتى قاموا مَقامَ أصحابهم، وجاء أولئك حتى قاموا مقام هؤلاء، فصَلَّى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعةً وسجدتين ثم سَلَّم، فكانت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ركعتين ولهم ركعةً

(1)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بن وَهْبٍ، قال: ثنى عمى عبدُ اللَّهِ بنُ وَهْبٍ، قال: أخبرني عمرُو بنُ الحارث أن بكر بن سَوادةَ، حدَّثه عن زياد بن نافعٍ، حدَّثه عن أبى موسى، أن جابر بن عبدِ اللهِ حدثَّهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى الخوفِ يومَ مُحارب وثعلبة، لكلِّ طائفةٍ ركعةً وسجدتين

(2)

.

حدَّثني أحمدُ بنُ محمد الطُّوسِيُّ، قال: ثنا عبدُ الصَّمَدِ، قال: ثنا سعيدُ بنُ عُبَيْدٍ

(3)

الهُنَائِيُّ

(4)

، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ شَقِيقٍ، قال: ثنا أبو هريرة أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم نَزَل بينَ ضَجْنانَ

(5)

وعُسْفانَ، فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاةً هي أحبُّ إليهم من أبنائهم وأبكارهم

(6)

، وهى العصرُ، فأجمعوا أمركم، فميلوا عليهم مَيْلةً واحدةً، وإن جبريل صلى الله عليه وسلم أتى النبي عليه السلام فأمره

(7)

أن يُقِيمَ

(8)

أصحابه

(1)

أخرجه ابن خزيمة (1347) عن أبي موسى محمد بن المثنى به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 2/ 462، وأحمد 3/ 298 (ميمنية) وابن حبان (2869) عن محمد بن جعفر به.

وأخرجه النسائي (1544)، وابن خزيمة (1347) من طرق عن شعبة به، وقد سبق من طريق المسعودى، عن يزيه الفقير في ص 416، 417.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2505) عن عبد الله بن وهب به، وانظر التغليق 4/ 116.

(3)

في ص، م:"عبد". وانظر تهذيب الكمال 10/ 551.

(4)

في الأصل: "البيانى"، وفى ت 1:"الهبائى"، وانظر المصدر السابق.

(5)

في الأصل: "صحيان".

(6)

جمع بكر، والمراد بها الأبكار من الإبل. الصحاح (بكر).

(7)

في م، ت 2، ت 3:"وأمره".

(8)

في م، ت 1، ت 2، ت 3:"يقسم".

ص: 420

شَطْرَين

(1)

، فيُصَلِّي ببعضهم

(2)

، وتقوم طائفةٌ أخرى وراءهم، فيأخُذوا جذْرَهم وأسلحتهم، ثم تأتى

(3)

الأخرى فيصَلُّوا معه، ويأخُذُ هؤلاء حِذرَهم وأسلحتهم، فتكونُ لهم ركعةٌ ركعةٌ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين"

(4)

.

وقال آخرون

(5)

: بل عَنَى به القَصْرَ في السَّفَرِ، إلا أنه عَنَى به القَصْرَ في شِدَّةِ الخوف

(6)

، وعند المُسايفة، فأُبيح عند التحام الحربِ للمُصَلِّي أَن يَرْكَعَ ركعةً إيماءً برأسه حيثُ تَوَجَّه بوجهه. قالوا: فذلك معنى قوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} .

‌ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية: [وقَصْرُ]

(7)

الصلاة، إن لقيت

(1)

في الأصل: "ينتظرون".

(2)

في م: "بعضهم".

(3)

في ص، م:"يأمر".

(4)

أخرجه أحمد في المسند 2/ 522 (10077)، والترمذى (3035)، والنسائى في الكبرى 1/ 594 (1932)، وابن حبان في صحيحه 7/ 123 (2872) من طريق عبد الصمد عن سعيد عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة.

قال الترمذى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة.

وقال البخارى: وحديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة حسن. العلل الكبير (167).

(5)

بعده في الأصل بياض بمقدار كلمة.

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"الحرب".

(7)

في الأصل: "وقضوا"، وفى ص، م:"قصر".

ص: 421

العدوَّ وقد حانت الصلاةُ: أن تُكَبِّرَ اللَّهَ وتَخفِضَ رأسك إيماءً، راكبًا كنتَ أو ماشيًا

(1)

.

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: وأولى هذه الأقوال التي ذكرناها بتأويل الآية، قولُ من قال: عَنى بالقَصْرِ فيها، القَصْرَ مِن حدودها. وذلك تَرْكُ إتمام ركوعها وسجودها، وإباحةُ أدائها كيف أمكن أداؤها، مُسْتقبل القبلة فيها ومُسْتدبرها، وراكبًا وماشيًا، وذلك في حالِ السَّلَّةِ

(2)

والمُسايفة والتحام الحرب، وتزاحُف الصُّفوف، وهى الحال التي قال الله جلَّ ثناؤه فيها:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]. وأذن بالصلاة المكتوبة فيها راكبًا، إيماءً بالركوع والسجودِ على نحو ما رُوى عن ابن عباسٍ من تأويله في ذلك.

وإنما قُلنا ذلك أولى التأويلات بقوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ؛ لدّلالةِ قولِ اللَّهِ تعالى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} . على أن ذلك كذلك؛ لأن إقامتها إتمامُ حدودها من الركوع والسجودِ وسائرِ فروضِها، دونَ الزيادة في عددها التي لم تكن واجبةً في حال الخوفِ.

فإن ظَنَّ ظانٌّ أن ذلك أمرٌ مِن الله بإتمام عددها الواجب عليه في حال الأمن بعد زوالِ الخوفِ، فقد يجبُ أن يكون المسافرُ في حال قَصْرِه صلاته عن صلاة [المُقِيمِ، غير مُقيمٍ]

(3)

صلاته لنَقص عددِ صلاتِه من الأربعِ اللازمةِ

(1)

علقه النحاس في الناسخ والمنسوخ ص 352.

(2 في الأصل: "السلم". وفى م: "الشبكة". والسلة: استلال السيوف. اللسان (س ل ل).

(3)

في الأصل: "المقصر غير المقصر".

ص: 422

كانت له في حال إقامته إلى الركعتين. وذلك قولٌ

(1)

إن قاله قائلٌ، مخالفٌ لما عليه الأمةُ مُجْمِعَةٌ مِن أن المسافر لا يَسْتَحِقُّ أن يقال له - إذا أتى بصلاته بكمال حدودها المفروضة عليه فيها، وقصر عددها عن أربعٍ إلى اثنتين -: إنه غير مُقيمٍ صلاته.

وإذا كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى ذكره قد أمر الذي أباح له أن يَقْصِر صلاته خوفًا من عدوِّه أن يَفْتِنَه، أن يقيم صلاتَه إذا اطمأنَّ وزال الخوفُ، كان معلومًا أنَّ الذي فَرَض عليه من إقامة ذلك في حال الطمأنينة، عينُ

(2)

الذي كان أسقط عنه في حال الخوفِ. وإذ كان الذي فَرَض عليه في حالِ الطُّمأنينة: إقامة صلاته، فالذى أسقط عنه في غير حالِ الطُّمأنينة: تَرْكُ إقامتها. وقد دلَّلنا على أن تَرْكَ إقامتها، إنما هو تَرْكُ حدودِها، على ما بيَّنَّا قبلُ.

‌القولُ في تأويل قوله جل ثناؤه: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} .

قال أبو جعفر، رحمه الله: يعنى بذلك جلّ ثناؤُه: وإذا كنتَ في الضاربين في الأرض من أصحابك يا محمدُ، الخائفين عدوُّهم أن يَفْتِتَهم {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ}. يقولُ: فأتممتَ

(3)

لهم الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها، ولم

(1)

في ص، س:"قوله".

(2)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"غير".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فأقمت". وانظر التبيان 3/ 309.

ص: 423

تَقْصُرُها القَصْرَ الذي أبَحْتُ

(1)

لهم أن يَقْصُروها في حال تلاقيهم وعدوَّهم، وتَزاحُفِ بعضهم إلى بعض، مِن تَرْكِ إقامة حدودها وركوعها وسجودها وسائر فروضها، {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ}. يعنى: فلتَقُمْ فِرْقةٌ من أصحابك الذين وتكون أنت فيهم معك في صلاتِك، وليكن سائرُهم في وجوه العدوِّ - وترك ذكر ما ينبغى لسائر الطوائف غير المُصلِّية مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يفعله لدلالة الكلام المذكور على المراد به، والاستغناء بما ذُكر عما تُرك ذكرُه - {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} .

واختلف أهلُ التأويل في الطائفة المأمورة بأخذ السلاح؛ فقال بعضُهم: هي الطائفةُ التي كانت تُصلِّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ومعنى الكلام: {وَلْيَأْخُذُوا} . يقولُ: ولتأخذ الطائفةُ المُصَلِّيةُ معك من طوائفهم {أَسْلِحَتَهُمْ} . والسلاحُ الذي أُمروا بأخذِه عندهم في صلاتهم، كالسيف يَتقلَّدُه أحدُهم، والسكين، والخنجرِ يَشُدُّه إلى دِرْعه

(2)

وثيابه التي هي عليه، ونحوِ ذلك من سلاحه.

وقال آخرون: بل الطائفةُ المأمورةُ بأخذِ السلاح منهم الطائفةُ التي كانت بإزاء العدوِّ، دونَ المُصَلِّية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك قولُ ابن عباس.

حدَّثني بذلك المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{فَإِذَا سَجَدُوا} يقولُ: فإذا سجدتِ الطائفةُ التي قامت معك في صلاتك تُصلِّي بصلاتك، فَفَرَغَت من سجودِها، {فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} .

(1)

في الأصل، والتبيان:"يجب".

(2)

في الأصل، ت 2، س:"ذراعه".

ص: 424

يقولُ: فليصيروا بعدَ فراغِهم من سجودِهم خلفكم مُصَافِّى

(1)

العدوِّ في المكان الذي فيه سائرُ الطوائف التي لم تُصَلِّ معك، ولم تَدخُلْ معك في صلاتك

(2)

.

ثم اختلف أهلُ التأويل في تأويل قوله: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} ؛ فقال بعضُهم: تأويلُه: فإذا صَلُّوا فَفَرَغوا من صلاتهم، فليكونوا من ورائكم.

ثم اختلف أهلُ هذه المقالة؛ فقال بعضُهم: إذا صَلَّت هذه الطائفةُ مع الإمام ركعةً، سَلَّمَت وانصرفت من صلاتها، حتى تأتى مُقامَ أصحابها بإزاء العدوِّ، ولا قضاء عليها. وهم الذين قالوا: عَنَى الله بقوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} . أن تجعلوها - إذا خفتم الذين كفروا أن يَفْتِنوكم - ركعةً. ورَوَوا

(3)

عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه صلَّى بطائفةٍ صلاةَ الخوفِ ركعةً، ولم يَقْضُوا، وبطائفةٍ أخرى ركعةً

(3)

ولم يَقْضُوا.

وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مَضَى، وفىما ذكرنا كفايةٌ عن استيعابِ ذكرِ جميع ما فيه

(4)

.

وقال آخرون منهم: بل الواجبُ كان على هذه الطائفة التي أمرها الله بالقيام مع نبيِّها، إذا أراد إقامة الصلاةِ بهم في حالِ خوفِ العدو، إذا فَرَغَت من ركعتها التي أمرها الله أن تصلِّى مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم على ما أمرها به في كتابه - أن تَقُومَ في مُقامِها الذي صَلَّت فيه مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فتُصَلِّي لأنفسها بَقِيَّةَ

(1)

في الأصل: "مكافئ" ومُصافّ العدو: أي مقابلهم. النهاية 3/ 38.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"روى".

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

انظر ما تقدم في ص 415 وما بعدها.

ص: 425

صلاتها [وتُسَلِّمَ]

(1)

، وتأتى مصافَّ أصحابها، وكان على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يثبُت

(2)

قائمًا في مُقامِه حتى تَفْرُغَ الطائفةُ التي صَلَّت معه الركعة الأولى من بقيَّة صلاتها - إذا كانت صلاتُها التي صلَّت معه مما يجوزُ قَصْرُ عددِها عن الواجب على المُقيمين في أَمْنٍ - وتَذْهَبَ إلى مصافِّ أصحابها، وتأتي الطائفةُ التي كانت مُصَافَّةً عدوَّها، فيُصَلِّي بها ركعةً أخرى من صلاتها.

ثم هم في حكم هذه الطائفة الثانية مُختلفون؛ فقالت فرقةٌ من أهل هذه المقالة: كان على النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذا فَرَغ من ركعتيه

(3)

، ورفَع رأسَه من سجوده من ركعتِه الثانية، أن يَقْعُدَ للتشهُّدِ، وعلى الطائفة التي صَلَّت معه الركعة الثانية، ولم تُدْرِكْ معه الركعة الأولى؛ لاشتغالها بعدوِّها أن تقوم فتقضى ركعتها الفائتةَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم انتظارُها قاعدًا في تشهُّده حتى تَفْرُغَ هذه الطائفةُ مِن ركعتها الفائتة وتتشهَّدَ، ثم يُسَلَّم بهم.

وقالت فرقةٌ أخرى منهم: بل كان الواجبُ على الطائفة التي لم تُدْرِكْ معه الركعة الأولى إذا قعد النبيُّ صلى الله عليه وسلم [للتشهُّد، أن تَقْعُدَ معه للتشهد فتَتَشهَّدَ بتَشهُّدِه، فإذا فرغ النبيُّ صلى الله عليه وسلم](1) مِن تَشهُدِه سَلَّم، ثم قامتِ الطائفةُ التي صَلَّت معه الركعة الثانية حينئذٍ، فقَضَت ركعتها الفائتة.

وكلُّ قائلٍ من الذين ذكرنا قولهم، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبارًا بأنه كما قال فعل.

.

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في الأصل: "يلبث".

(3)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ركعته".

ص: 426

ذكرُ مَن قال: انتظر النبيُّ صلى الله عليه وسلم الطائفتين حتى قضت صلاتها

(1)

، ولم يَخْرُجُ مِن صلاته

(2)

إلا بعد فراغ الطائفتين

(3)

من صلاتهما

(4)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخْبرَنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني مالكٌ، عن يزيد بن رُومان، عن صالح بن خَوَّاتٍ، عمَّن صلَّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، يومَ ذاتِ الرِّقاعِ، أن طائفةٌ صَفّت معه، وطائفةٌ وجاه

(5)

العدو، فصلَّى بالذين معه ركعةً، ثم ثَبَت قائمًا، فأتَمُّوا لأنفسهم، ثم جاءت الطائفةُ الأخرى، فصلَّى بهم، ثم ثَبَت جالسًا فأتمُّوا لأنفسهم، ثم سَلَّم بهم

(6)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنى [عُبَيدُ اللهِ]

(7)

بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا أبى، قال: ثنا شعبةُ، عن عبد الرحمن بن القاسمِ، عن أبيه، عن صالحِ بن خَوَّاتٍ، عن سهلِ بن أبى حثمةً، قال: صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأصحابه [في خوفٍ، فجعلهم خلفه صفَّين]

(8)

، فصلَّى بالذين يلُونه ركعةً، ثم قام، فلم يَزَلْ قائمًا حتى صَلَّى الذين خلقه ركعةً، ثم تقدَّموا

(9)

وتخلَّف الذين كانوا قُدَّامهم، فصلَّى بهم ركعةً، ثم جلَس حتى صَلَّى الذين تخلَّفوا

(10)

(1)

في م: "صلاتهما".

(2)

في الأصل: "صلاة".

(3)

في الأصل: "الطائفة".

(4)

في الأصل، ص، ت 2، س:"صلاتها".

(5)

وجاه العدو: أي مقابلهم وحذاءهم، وتكسر الواو وتضم. النهاية 5/ 159.

(6)

أخرجه مالك في الموطأ، 1/ 183، ومن طريقه الشافعي في الرسالة ص 182، 244، والبخارى (4129)، وفى التاريخ 4/ 276، ومسلم (842)، وأبو داود (1238)، والنسائى (1536)، والطحاوى 1/ 312، 313، والدارقطنى 2/ 60، والبيهقى 3/ 252، 253، والبغوى (1094).

(7)

في الأصل: "عبد الله".

(8)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فجعلهم صفين".

(9)

في م: "تقدم".

(10)

في الأصل: "خلفه".

ص: 427

ركعةٌ، ثم سلَّم

(1)

.

حدَّثنا سفيانُ بنُ وكيعٍ، قال: ثنا رَوْحٌ، عن شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خَوَّاتٍ، عن سهل بن أبى حَثْمَةَ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في صلاة الخوف:"تَقُومُ طائفةٌ بينَ يَدَى الإمام وطائفةٌ خَلْفَه، فيُصَلِّى بالذين خلفه ركعةً وسَجْدَتَين، ثم يَقْعُدُ مكانَه حتى يَقْضُوا ركعةً وسجدَتين، ثم يَتَحَوَّلون إلى مكان أصحابهم، ثم يَتَحَوَّلُ أولئك إلى مكان هؤلاء، فيُصَلِّي بهم ركعةً وسجدَتَين، ثم يَقْعُدُ مكانَه حتى يُصَلُّوا ركعةً وسَجْدَتَين، ثم يُسَلِّمُ"

(2)

.

ذكرُ مَن قال: كانت الطائفةُ الثانيةُ تَقعُدُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم حتى يَفْرُعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من صلاته، ثم تَقْضِى ما بَقِيَ عليها

(3)

بعدُ.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الوَهَّابِ، قال: سمعتُ يحيى بن سعيدٍ، قال: سمِعتُ القاسم، قال: ثنى صالحُ بنُ خَوَّاتِ بن جُبَيرٍ، أن سهلَ بن أبى حَثْمَةَ حَدَّثه أن صلاة الخوفِ أن يقوم الإمامُ إلى القبلة يُصلِّى ومعه طائفةُ من أصحابه، وطائفةٌ أخرى مُواجهة العدوِّ، فيُصَلِّي، فيركَعَ الإمامُ بالذين معه، ويَسجُدَ ثم يقوم، فإذا استوى قائمًا ركَع الذين وراءَه لأنفسهم ركعةً وسجدتَين، ثم سَلَّموا فانصرفوا والإمامُ قائمٌ، فقاموا إزاء العدوِّ، وأقبَل الآخرون فكَبَّروا مكان الإمام، فركع بهم الإمام، وسجد ثم سَلَّم، فقاموا فرَكَعوا لأنفسهم ركعةً وسجدتين، ثم سلَّموا

(4)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا يزيدُ بن هارونَ، قال: أخْبرَنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن

(1)

أخرجه مسلم (841)، وأبو داود (1337)، والبيهقى 3/ 253 من طريق عبيد الله بن معاذ به.

(2)

أخرجه أحمد 3/ 448 (ميمنية)، وابن خزيمة (1359)، وابن حبان (2886) من طريق روح عن شعبة به.

(3)

في الأصل: "عليه".

(4)

أخرجه مالك في الموطأ 1/ 183، 184، وأحمد 3/ 448 (الميمنية)، والبخارى (4131)، وأبو داود (1239)، وابن خزيمة (1358)، وابن حبان (2885)، والبيهقى 3/ 253 من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصارى به.

ص: 428

القاسم بن محمدٍ، أن صالحَ بنَ خَوَّاتٍ أخبره، عن سهلِ بن أبى حَثْمةَ في صلاةِ الخوف. ثم ذكر نحوه

(1)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، [وسألته]

(2)

، قال: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ الأنصاريُّ، عن القاسم بن محمدٍ، عن صالحٍ، عن سهلٍ بن أبى حَثْمةَ في صلاةِ الخوفِ، قال: يقومُ الإمامُ مُسْتقبل القبلة، وتقوم طائفةٌ منهم معه، وطائفةٌ مِن قِبَلِ العدوِّ، وجوهُهم إلى العدوِّ، فيرَكَعُ بهم ركعةً، ثم يركَعون لأنفسهم ويسجُدون سجدتين في مكانهم، ويذهبون إلى مُقام أولئك، ويجئُ أولئك، فيركعُ بهم ركعةً ويَسجُدُ سجدتين، فهى له ركعتان ولهم واحدةٌ، ثم يركعون ركعةً، ويسجُدون سجدتين

(3)

.

قال بندَارٌ

(4)

: سألتُ يحيى بن سعيدٍ عن هذا الحديثِ، فحدَّثنى عن شُعْبَةَ، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خَوَّاتٍ، عن سهلِ بن أبى حَثْمةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمثل حديث يحيى بن سعيدٍ، وقال لى: اكتُبه إلى جنبه، فلستُ أحفَظُه، ولكنه مثل حديث يحيى بن سعيد

(5)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 466 عن يزيد بن هارون به.

(2)

سقط من: الأصل، وفى م:"وسأله".

(3)

أخرجه الدارمى 1/ 358، والترمذى (565)، وابن ماجه (1259)، وابن خزيمة (1356)، والبيهقى 3/ 253 من طريق ابن بشار به. وأخرجه البخاري (4131)، والنسائى (1552) من طريق القطان به.

(4)

في الأصل: "بشار".

(5)

أخرجه الدارمى 1/ 358، والترمذى (566)، وابن ماجه (1259)، وابن خزيمة (1356)، والبيهقى 3/ 253، 2543 عن بندار به. وأخرجه البخارى (4131)، والنسائي (1535)، عن يحيى بن سعيد به.

ص: 429

حدَّثنا نَصْرُ بنُ عليٍّ، قال: ثنا عبدُ الأعلى، قال: ثنا عُبَيدُ اللهِ، عن القاسم بن محمدِ بن أبى بكرٍ، عن صالح بن خَوَّاتٍ، أن الإمام يقوم فيصُفُّ صفَّين، طائفةٌ مُواجهة العدوِّ، وطائفةٌ خلفَ الإمام، فيُصَلِّي الإمام بالذين خلفه ركعةً، ثم يقومون فيُصلُّون لأنفسهم ركعةً، ثم يسلِّمون

(1)

، ثم يَنطلقون فيصُفُّون، ويجئ الآخرون فيصَلِّي بهم ركعةً، ثم يُسلِّم، فيقُومون فيُصَلُّون لأنفسهم ركعةً

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبد الأعلى، قال: ثنا مُعْتَمِرُ بنُ سليمان، قال: سمعتُ عُبيد الله، عن القاسم بن محمدٍ، عن صالح بن خَوَّاتٍ، عن رجلٍ مِن أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال: صلاةُ الخوف أن تقوم طائفةٌ من خلف الإمام، وطائفةٌ يَلُون العدوّ، فيُصَلِّي الإمام بالذين خلفه ركعةً، ويقومُ قائمًا، فيُصَلِّي القومُ إليها ركعةً أخرى، ثم يُسلمون

(3)

فينطلقون إلى أصحابهم، ويَجِئُ أصحابُهم والإمامُ قائمٌ، فيُصَلّي بهم ركعةً فيُسلَّمُ، ثم يقومون فيُصَلُّون إليها ركعةً أخرى، ثم يَنْصَرِفون. قال عُبَيدُ اللَّهِ: فما سمِعتُ فيما يُذكر

(4)

في صلاة الخوف شيئًا هو أحسنُ عندى من هذا.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا مُعاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قوله:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} . فهذا عند الصلاة في الخوفِ، يقومُ الإمامُ وتقومُ معه طائفةٌ منهم، وطائفةٌ يأخُذُون أسلحتهم، ويقفون بإزاء العدوّ، فيُصَلّي الإمامُ بمن معه ركعةً، ثم يجلسُ على

(1)

في الأصل: "يسلم".

(2)

أخرجه البيهقى 3/ 253 من طريق عبيد الله عن القاسم عن صالح بن خوات عن أبيه به.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يسلم".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"تذكره".

ص: 430

هيئته، فىقومُ القومُ فيُصَلُّون لأنفسهم الركعة الثانية والإمامُ جالسٌ، ثم يَنْصَرِفون حتى يأتُوا أصحابَهم، فيقفُون مَوْقِفَهم، ثم يُقْبِلُ الآخرون فيُصَلِّي بهم الإمامُ الركعةَ الثانية ثم يُسَلِّمُ، فيقومُ القومُ فيُصَلُّون لأنفسهم الركعة الثانية، فهكذا صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ بَطْنِ نَخلة

(1)

.

وقال آخرون: بل تأويلُ قوله: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} : فإذا سَجَدَت الطائفةُ التي قامت مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين دَخَل في صلاته فدَخَلت معه في صلاتِه - السجدة الثانيةَ من ركعتها الأولى {فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} يعنى: من ورائك يا محمدُ، ووراء أصحابك الذين لم يُصَلُّوا بإزاء العدو. قالوا: وكانت هذه الطائفةُ لا تُسَلِّمُ من ركعتِها إِذا هي فَرَغَت مِن سَجْدَتَى ركعتها التي صَلَّت مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولكنها تمضى إلى مؤقف أصحابها بإزاء العدوِّ، وعليها بَقِيَّةُ صَلاتِها. قالوا: وكانت تأتى الطائفةُ الأخرى التي كانت بإزاء العدوِّ، حتى تَدخُلَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بقيَّة صلاته

(2)

، فيُصَلِّي بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم الركعة التي كانت قد بَقيَت عليه. قالوا: وذلك معنى قول الله جل ثناؤُه: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} .

ثم اختلف أهلُ هذه المقالة في صفة قضاء ما كان تَبَقَّى على كلِّ طائفةٍ من هاتين الطائِفَتين من صلاتِها بعد فراغ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من صلاته وسلامه من صلاته، على قولِ قائلى هذه المقالة ومُتأوِّلى هذا التأويل؛ فقال بعضُهم: كانت الطائفةُ الثانية التي صَلَّت مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم الركعة الثانية من صلاتِه

(3)

، إذا سلَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم من

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (13021) من طريق أبى صالح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 212 إلى ابن أبي حاتم.

(2)

في ص، ت 1، س:"صلاتها".

(3)

في م: "صلاتها".

ص: 431

صلاته، قامت فقَضَت ما فاتَها من صلاتها مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مَقامِها، بعد فراغ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من صلاته، والطائفةُ التي صَلَّت مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم الركعة الأُولى بإزاء العدوِّ بعدُ لم تُتِمَّ صلاتها

(1)

، فإذا هي فَرَغَت مِن بَقِيَّة صلاتها التي فاتتها مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم مضت إلى مصافِّ أصحابها بإزاءِ العدوِّ، وجاءت الطائفةُ الأُولى التي صَلَّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة الأولى إلى مقامها التي كانت صَلَّت فيه خلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقَضَت بَقِيَّةَ صلاتها.

‌ذكرُ الرواية بذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ الملك بنُ أبى الشَّواربِ، قال: ثنا عبدُ الواحد بنُ زيادٍ، قال: ثنا خُصيفٌ، قال: ثنا أبو عُبَيدةَ بنُ عبدِ اللَّهِ، قال: قال عبد الله: صَلَّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فقامت طائفةٌ مِنَّا خلفه، وطائفةٌ بإزاء - أو مُسْتقبلى - العدوِّ، فصلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالذين خلفه ركعةً، ثم نكصوا، فذهبوا إلى مقام أصحابهم، وجاء الآخرون فقاموا خلف النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فصلَّى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعةً، ثم سلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام هؤلاء فصَّلوا لأنفسهم ركعةً، ثم ذَهَبوا فقاموا مَقامَ أصحابِهم مُسْتَقبلى العدوِّ، ورَجَع الآخرون إلى مقامهم، فصلَّوا لأنفسهم ركعةً

(2)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن فُضَيلٍ، قال: ثنا خُصيفٌ، عن أبي عُبَيدةَ، عن عبد الله، قال: صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فذكر نحوه

(3)

.

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

بعده في الأصل: "ثم سلموا". والأثر أخرجه الإمام أحمد (3882)، والطحاوى 1/ 311، والبيهقى 3/ 261 من طريق خصيف به. وإسناده منقطع؛ أبو عبيدة لم يسمع من أبيه.

(3)

أخرجه الإمام أحمد (3561)، وأبو داود (1244)، وأبو يعلى (5353) من طريق محمد بن فضيل به.

ص: 432

حدَّثنا تميمُ بن المُنتصِرِ، قال: أخْبرَنا إسحاقُ، قال: حدَّثنا شَرِيكٌ، عن خُصيفٍ، عن أبي عُبَيدةَ، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوه

(1)

.

وقال آخرون: بل كانت الطائفةُ الثانيةُ التي صَلَّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [الركعة الثانية، لا تَقضى بقيَّةَ صلاتِها بعدما يُسَلِّمُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم]

(2)

مِن صلاته، ولكنها كانت تَمضى قبلَ

(3)

أن تَقْضِىَ بَقِيَّةَ صلاتِها، فتَقِفُ مَوْقِفَ أصحابها الذين صَلُّوا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الركعة الأولى، [بإزاء العدوِّ وترجعُ الطائفةُ التي صلَّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة الأولى]

(4)

إلى مَوْقِفها الذي صَلَّت فيه ركعتها الأولى مع رسولِ اللهِ، فتَقْضِى ركعتَها التي كانت بَقيَت عليها من صَلاتِها. فقال بعضُهم: كانت تَقضِى تلك الركعةَ بغير قراءةٍ. وقال آخرون: بل كانت تَقضى بقراءةٍ، فإذا قضَت ركعتها الباقية عليها هنالك وسَلَّمَت، مَضَت إلى مصافِّ أصحابها بإزاءِ العدوِّ، وأقبَلَت الطائفةُ التي صَلَّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعةَ الثانيةَ إلى مَقامِها الذي صَلَّت فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [الركعة الثانية من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم]

(5)

، فقَضَت الركعةَ الثانية من صلاتِها بقراءةٍ، فإذا فَرَغَت وسَلَّمَت، انصرَفَت إلى أصحابها.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيز، قال: ثنا سُفيانُ، عن حَمَّادٍ، عن إبراهيم في صلاة الخوفِ، قال: يَصُفُّ صَفًّا خلفَه، وصفًّا بإزاء العدوِّ في غيرِ

(1)

أخرجه أبو داود (1245) عن تميم بن المنتصر به. وأخرجه الطبراني في الكبير (10272) من طريق إسحاق الأزرق عن شريك عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة به.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في الأصل: "بعد".

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س، وفى م:"وتجئ الطائفة الأولى".

(5)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 433

صلاةٍ

(1)

، فيُصَلِّي بالصَّفِّ الذي خلفه ركعةً، ثم يذهبون إلى مصافِّ أولئك، وجاء أولئك الذين بإزاء العدوِّ، فصلَّى

(2)

بهم ركعةً، ثم سلَّم

(3)

عليهم، وقد صَلَّى هو ركعتين، وصلَّى كلُّ صَفٍّ ركعةً، ثم قام هؤلاء الذين سَلَّم عليهم إلى مصافِّ أولئك الذين بإزاءِ العدوِّ، فقاموا مقامَهم، وجاءوا فقَضَوا الركعة، ثم ذهبوا فقاموا مُقامَ أولئك الذين بإزاء العدوِّ، وجاء أولئك فصلَّوا ركعةً. قال سُفيانُ: فيكون لكلِّ إنسانٍ [ركعتين ركعتين]

(4)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا مهرانُ. وحدَّثنى عليٌّ، قال: ثنا زيدٌ

(5)

جميعًا، عن سُفيانَ، قال: كان إبراهيمُ يقولُ في صلاةِ الخوفِ، فذكَر نحوَه.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيز، قال: ثنا سُفيانُ، عن منصورٍ، عن عمرَ بن الخطابِ مثل ذلك.

وقال آخرون: بل

(6)

كلُّ طائفةٍ من الطائفتَين تَقْضِى صلاتَها، على ما أمكَنها، مِن غير تضييعٍ [منهم بعضها]

(7)

.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"مصلاه". وانظر مصنف عبد الرزاق.

(2)

في م: "فيصلى".

(3)

في م: "يسلم".

(4)

في م: "ركعتان ركعتان". يريد: فيكون ذلك الذي فعلوا

ركعتين. والأثر أخرجه عبد الرزاق في المصنف (4246) من طريق سفيان الثورى به بنحوه، وأخرجه محمد بن الحسن في كتاب الآثار (194) عن أبي حنيفة عن حماد به بنحوه.

(5)

في الأصل، ت 2:"يزيد".

(6)

في الأصل: "منهم بل كان".

(7)

في الأصل: "منها بغيرها"، وفى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"منهم بغيرها".

ص: 434

‌ذكرُ من قال ذلك

حدَّثني يعقوبُ بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن يونسَ بن عُبَيدٍ، عن الحسن، أن أبا موسى الأشعريَّ صَلَّى بأصحابه صلاة الخوف بأَصْبَهانَ إذ غَزاها. قال: فصلَّى بطائفةٍ من القوم ركعةً، وطائفةٌ تَحرُسُ

(1)

، فنَكَص هؤلاء الذين صلَّى بهم ركعة، [وخلفهم الآخرون، فقاموا مقامهم، فصلَّى بهم ركعة]

(2)

، ثم سلَّم، فقامت كلُّ طائفة فصلَّت ركعةً

(3)

.

حدَّثنا عمرانُ بنُ موسى القَزَّازُ، قال: ثنا عبدُ الوارثِ، قال: حدَّثنا يونسُ، عن الحسن، عن أبي موسى بنحوه

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا مُعاذُ بن هشامٍ

(4)

، قال: ثنى أبى، عن قتادة، عن أبي العالية ويونس بن جُبيرٍ، قالا: صَلَّى أبو موسى الأشعريُّ [بأصحابه من الذين بأصبهان]

(5)

، وما بهم يومئذٍ خوفٌ، ولكنه أحبَّ أن يُعَلِّمَهم صلاتهم، فصفَّهم صفَّين، صفًّا خلفَه، وصفًّا مُواجهة العدوِّ، مُقبلين على عدوِّهم، فصلى بالذين يلُونه

(1)

في الأصل: "آخرين".

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 465 عن عبد الأعلى عن يونس به. وعلقه أبو داود عقب الأثر (1243) عن يونس به، وأخرجه الطحاوى 1/ 311 من طريق أبى حرة عن الحسن عن أبي موسى مرفوعًا، والحسن لم يسمع من أبى موسى. انظر سنن الدارقطنى 1/ 102، تحفة التحصيل (ص 70).

(4)

في الأصل: "هاشم".

(5)

في ص، ت 1، س:"بأصحابه بالذين من أصبهان". وفى ت 2، ت 3:"بالذين من أصبهان". وعند ابن أبي شيبة - وسيأتي تخريجه في الأثر التالي - وفى الدر المنثور: "

أن أبا موسى كان بالدار من أصبهان". وأثبته الشيخ شاكر: "بأصحابه بالدير من أصبهان". قال - وأشار إلى ما في الدر -: "ولم نهتد إلى موضع يقال له الدير أو الدار من بلاد أصبهان". وانظر ما عند البيهقى، وسيأتي تخريجه.

ص: 435

ركعةً، ثم ذهبوا إلى مصافِّ أصحابهم، وجاء أولئك فصَفَّهم خلفَه، فصَلَّى بهم ركعةً ثم سلَّم، فقَضَى هؤلاء ركعةً وهؤلاء ركعةً، ثم سلَّم بعضُهم على بعضٍ، فكانت للإمام ركعتين

(1)

في جماعةٍ، ولهم ركعةً ركعةً

(2)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا ابن أبى عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن أبي العالية، عن أبي موسى مثله

(3)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، [عن أيوب]

(4)

، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنه قال في صلاة الخوف: يُصَلِّي بطائفةٍ

(5)

من القومِ ركعةً، وطائفةٌ تَحرُسُ، ثم ينطلقُ هؤلاء الذين صَلَّى بهم ركعةٌ حتى يَقُوموا مَقامَ أصحابهم، ثم يَجِئُ أولئك فيُصَلِّي بهم ركعةً، ثم يُسَلِّمُ فتقومُ كلُّ طائفةٍ فتُصَلِّى

(6)

ركعةً.

حدَّثنا نصرُ بنُ عليٍّ، قال: ثنا عبدُ الأعلى، قال: ثنا عُبَيدُ اللهِ، عن نافعٍ، عن ابن عمر بنحوه.

حدَّثني عِمْرانُ بنُ بَكَّارٍ الكَلاعِيُّ، قال: ثنا يحيى بنُ صالحٍ، قال: ثنا ابن عَيَّاشٍ، قال: ثنا عُبَيدُ

(7)

اللَّهِ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلَّى صلاة الخوفِ، فذكر نحوه

(8)

.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ركعتان".

(2)

أخرجه البيهقى 3/ 252 من طريق قتادة عن أبي العالية به، مختصرًا.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 462 من طريق سعيد به.

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

في م: "طائفة".

(6)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فيصلى بهم".

(7)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"عبد".

(8)

أخرجه ابن ماجه (1258) من طريق جرير عن عبيد الله بن عمر به بنحوه. =

ص: 436

حدَّثنا سعيدٌ بنُ يحيى الأُمويُّ، قال: ثنا أبى، قال: ثنا ابن جريجٍ، قال: أخبرني الزُّهْرِيُّ، عن سالمٍ، عن ابن عمر، أنه كان يُحدِّثُ أَنه صَلَّى مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر نحوه

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدَّثنا [ابن عبد الأعلى]

(2)

، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهريِّ، عن سالمٍ، عن ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بنحوه

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن عبدِ اللهِ بن نافعٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف: "يَقُومُ الأميرُ وطائفةٌ مِن الناسِ، فيسْجُدُون سَجْدةً واحدةً، وتَكُونُ طائفةٌ منهم بينهم وبين العدوِّ". ثم ذكر نحوه.

حدَّثنا محمدُ بنُ هارون الحربيُّ، قال: ثنا أبو المُغيرةِ الحِمْصِيُّ، قال: ثنا الأَوْزاعِيُّ، عن أيوب بن موسى، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعةً، ثم ذكر نحوه

(4)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن

= وأخرجه أحمد (6431)، والبخارى (943)، ومسلم (839/ 306)، والنسائي (1541) من طريق موسى بن عقبة عن نافع به.

وأخرجه البخارى (4535)، وابن خزيمة (980، 981، 1366، 1367) من طريق مالك عن نافع به.

(1)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (4242)، ومن طريقه أحمد (6377) عن ابن جريج به.

(2)

في ص، ت 1:"عبد الأعلى". وهو: عبد الأعلى بن عبد الأعلى.

(3)

أخرجه ابن خزيمة (1354) من طريق عبد الأعلى به. وأخرجه عبد الرزاق (4241)، والبخارى (4133)، ومسلم (839/ 305)، وأبو داود (1243)، والترمذى (564)، والنسائي (1537)، وابن خزيمة (1355) من طرق عن معمر به.

(4)

أخرجه أحمد (6159)، والطحاوى 1/ 312 من طريق الأوزاعى به.

ص: 437

أبيه، عن ابن عباسٍ قوله:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} . إلى قوله: {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} . فإنه كانت تأخُذُ طائفةٌ منهم السلاح، فيُقبِلون على العدوِّ، والطائفةُ الأخرى يُصَلُّون

(1)

مع الإمام ركعةً، ثم يأخُذُون أسلحتهم، فىستقبلون العدوَّ، ويَرْجِعُ أصحابُهم فيُصَلُّون مع الإمام ركعةً، فيكونُ للإمام ركعتان ولسائرِ الناس ركعةٌ واحدةً، ثم يَقْضُون ركعةً أخرى، وهذا تَمامُ

(2)

الصلاةِ

(3)

.

وقال آخرون: بل نَزَلَت هذه الآيةُ في صلاة الخوف، والعدوُّ يومَئِذٍ في ظَهْرِ القبلة بين المسلمين وبينَ القبلةِ، فكانت الصلاةُ التي صَلَّى بهم يومئذٍ النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، إذ‌

‌ كان العدوُّ بين الإمامِ وبينَ القبلةِ.

ذكرُ الآثار المنقولة بذلك

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنى يونسُ بنُ بُكَيرٍ، عن النَّضْرِ

(4)

أبى عمر، عن عِكرمةَ، عن ابن عباسٍ، قال: خَرج رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غَزاةٍ، فَلَقِى المشركين بِعُسْفانَ، فلما صَلَّى الظهر فرأوه يَركَعُ ويَسجُدُ هو وأصحابهُ، قال بعضُهم لبعضٍ يومئذٍ: كان فُرصةً لكم، لو أغَرْتُم عليهم ما علموا بكم حتى تُواقِعوهم. قال قائلٌ منهم: فإن لهم صلاةً أخرى هي أحبُّ إليهم من أهليهم وأموالهم، فاستعدُّوا حتى تُغيروا عليهم فيها. فأنزل الله على نبيِّه، عليه الصلاة والسلام:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} . إلى آخرِ الآية، وأعْلَمَه ما ائتَمَر به المشركون. فلمَّا صَلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العصر، وكانوا قُبالَتَه في القبلة، فجَعَل المسلمين خلفه صفَّين، فكَبَّر

(1)

في الأصل: "تكون".

(2)

بعده في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"من".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 214 إلى المصنف.

(4)

بعده في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بن". وينظر تهذيب الكمال 29/ 393.

ص: 438

رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكَبَّروا جميعًا، ثم ركَع وركَعوا معه جميعًا، فلما سَجَد سَجَد معه الصَّفُّ الذين يَلُونه، وقام الصَّفُّ الذين خلفَهم مُقبِلِين على العدوٍّ، فلمَّا فَرَغ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن سجودِه وقام، سَجَد الصَّفُّ الثاني ثم قاموا، وتأخَّر الذين يَلُون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وتقدَّم الآخرون، فكانوا يَلُون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلما ركَع ركَعوا معه جميعًا، ثم رفَع فرفَعوا معه، ثم سجَد فسجَد معه الذين يَلُونه، وقام الصَّفُّ الثاني مُقْبِلِين على العدوِّ، فلما فَرَغ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن سجودِه، وقعَد الذين يَلُونه سجَد الصَّفُّ المُؤخَّرُ، ثم قعَدوا، فتَشَهِّدوا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جميعًا، فلما سَلَّم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سلّم عليهم جميعًا، فلما نَظَر إليهم المشركون يَسجُدُ بعضُهم ويقومُ بعضٌ ينظُرُ إليهم، قالوا: لقد أُخْبِروا بما أرَدْنا

(1)

.

حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا الحَكَمُ بنُ بَشيرٍ، قال: ثنا عمرُ بنُ ذَرٍّ، قال: ثنى مجاهدٌ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعُسْفانَ والمشركون بضَجْنانَ

(2)

بالماءِ الذي يَلى مكةَ، فلما صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الظهرَ، فرَأَوه سَجَد وسجَد الناسُ، قالوا: إذا صَلَّى صلاةً بعد هذه أَغَرْنا عليه. فحَذَّره الُله ذلك، فقام النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الصلاةِ، فكبَّر وكبَّر الناسُ معه، فذكَر نحوَه

(3)

.

حدثني عِمْرانُ بنُ بَكَّارٍ الكَلاعيُّ، قال: ثنا يحيى بنُ صالحٍ، قال: ثنا ابن عَيَّاشٍ، قال: أخبرَني عُبَيدُ

(4)

اللهِ بنُ عمرَ، عن أبي الزُّبَيرِ، عن جابرِ بن عبدِ اللهِ،

(1)

أخرجه الحاكم 3/ 30 من طريق يونس بن بكير به. وأخرجه البزار (679 - كشف) من طريق النضر أبي عمر به.

والنضر هو ابن عبد الرحمن الخزاز متروك، ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما.

(2)

في الأصل: "بصحيان". وفي مصدر التخريج: "بصحنان". وضجنان: جبل بناحية مكة، على طريق المدينة. معجم ما استعجم 3/ 856.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 462، 463 عن وكيع عن عمر بن ذر به.

(4)

في الأصل: "عبد".

ص: 439

قال: كنتُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَقِينا المشركين بنَخْلٍ

(1)

، فكانوا بينَنا وبينَ القبلةِ، فلما حَضَرَت صلاةُ الظهرِ، صلَّى بنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونحن جميعٌ، فلما فَرَغنا تَذامَر

(2)

المشركون، فقالوا: لو كُنَّا حمَلنا عليهم وهم يُصَلُّون! فقال بعضُهم: فإن لهم صلاةً ينتَظرُونها تأتى الآنَ، هي أحبُّ إليهم مِن أبنائِهم، فإذا صَلوا فمِيلوا عليهم. قال: فجاء جبريلُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالخبرِ، وعَلَّمه كيف يُصَلِّي، فلما حَضَرَت العصرُ، قام نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم مما يَلى العدوَّ، وقُمْنا خلفَه صَفَّين، فكَبَّر رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكبَّرنا جميعًا، ثم ذكَر نحوَه

(3)

.

حدَّثني محمدُ بنُ مَعْمَرٍ، قال: ثنا حَمَّادُ بنُ مَسْعَدةَ، عن هشامِ بن أبى عبدِ اللهِ، عن أبي الزُّبَيرِ، عن جابرِ بن عبدِ اللهِ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بنحوِه

(4)

.

حدَّثنا مُؤَمَّلُ

(5)

بنُ هشامٍ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ، عن هشامٍ، عن أبي الزُّبَيرِ، عن جابرٍ، قال: كُنَّا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فذكَر نحوَه (4).

[حدَّثنا عمرُو بنُ عبدِ الحميدِ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ بنُ عبدِ الصَّمَدِ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، قال: كُنَّا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعُسْفانَ، فصلَّى بنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلاةَ الظهرِ، وعلى المشركين خالدُ بنُ الوليدِ. فقال المشركون: لقد أصَبْنا منهم غرَّةً، ولقد أصَبْنا منهم غَفْلَةً. فأنزَل]

(6)

(1)

نخل: منزل من منازل بني ثعلبة، من المدينة على مرحلتين. معجم البلدان 4/ 798.

(2)

تذامر المشركون: أي تلاوموا على ترك الفرصة، وقد يكون بمعنى تحاضوا على القتال. والذمر: الحث مع لوم واستبطاء. النهاية 2/ 167.

(3)

أخرجه مسلم (840)، والنسائى (1547)، وابن ماجه (1260)، وابن خزيمة (1350)، والبيهقى 3/ 357 من طريق أبي الزبير به.

(4)

أخرجه الطيالسي (1844)، وأحمد 3/ 374 من طريق هشام به.

(5)

في الأصل: "نوفل". وينظر تهذيب الكمال 29/ 186.

(6)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 440

[اللهُ صلاةَ الخوفِ بينَ الظهرِ والعصرِ، فصَلَّى بنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلاةَ العصرِ؛ صَفَّنا

(1)

فرقتَين؛ فرقةً تُصَلِّى مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفرقةً تصلِّى خلفَهم يحرسونهم، ثم كبَّر فكبَّروا جميعًا وركَعوا جميعًا، ثم سجَد الذين

(2)

يَلُون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم قام، فتقدَّم الآخرون فسجَدوا، ثم قامَ فركَع بهم جميعًا، ثم سجَد الذين

(3)

يَلُونه ثم

(4)

تأخَّر هؤلاء، فقاموا في مَصافِّ أصحابِهم، ثم تَقَدَّم الآخرون فسجَدوا، ثم سلَّم عليهم. فكانت لكلَّهم ركعتَين مع إمامِهم. وصَلَّى مرةً أخرى في أرضِ بنى سُلَيمٍ]

(5)

.

قال أبو جعفرٍ: فتأويلُ الآيةِ، على قولِ هؤلاء الذين قالوا هذه المقالةَ، ورَوَوا هذه الروايةَ:{وَإِذَا كُنْتَ} يا محمدُ {فِيهِمْ} يعني: في أصحابِك خائفًا {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} يعنى: ممن دخَل معك في صلاتِك. {فَإِذَا سَجَدُوا} يقولُ: فإذا سجَدَت هذه الطائفةُ بسُجُودِك، ورَفَعَت رءوسَها مِن سجودِها {فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ}. يقولُ: فليَصِرْ مَن خلفَك خلفَ

(6)

الطائفةِ التي حرَسَتْك وإياهم إذا سَجَدتَ بهم وسَجَدوا معك {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} يعنى الطائفةَ الحارسةَ التي صَلَّت معه، غيرَ أنها لم تَسجُدْ بسُجُودِه. فمعنى قولِه:{لَمْ يُصَلُّوا} - على مَذْهبِ هؤلاء -: لم

(1)

في م: "يعني".

(2)

في م: "بالذين".

(3)

في م، ومصدر التخريج:"بالذين".

(4)

في م: "حتى".

(5)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س. وقد أخرجه النسائي (1549) من طريق عبد العزيز بن عبد الصمد به. وتقدم في ص 412 من طريق منصور.

(6)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"وخلف".

ص: 441

يسجُدوا بسُجُودِك. {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} . يقولُ: فليسجُدُوا بسُجُودِك إذا سَجَدْتَ، ويَحرُسُك وإياهم الذين سَجَدوا بسُجُودِك في الركعةِ الأُولى {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} . يعنى الحارسةَ.

وأَوْلى الأقوالِ التي ذكَرناها بتأويلِ الآية قولُ مَن قال: معنى ذلك فإذا سَجَدَت الطائفةُ التي قامَت معك في صلاتِها {فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} . يعني: مِن خلفِك وخلف مَن يَدخُلُ في صلاتك ممن لم يُصَلِّ معك الركعة الأُولى [بإزاء العدوِّ، بعد

(1)

فَراغِها مِن بَقِيَّةِ صلاتِها. {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى} وهى الطائفةُ التي كانت بإزاءِ العدوِّ {لَمْ يُصَلُّوا} . يقولُ: لم يُصَلُّوا معك الركعةَ الأولى]

(2)

. {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} . يقولُ: فليصَلُّوا معك الركعةَ التي بَقِيَت عليك، {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ} [من عدوِّهم]

(3)

{وَأَسْلِحَتَهُمْ} لقتالِ عدوِّهم، بعدَ ما يفرَغون مِن صلاتِهم.

وذلك نظيرُ الخبرِ الذي رُوِى عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أنه فعله يومَ ذاتِ الرِّقاعِ، والخبرِ الذي رَوَى سهلُ بن أبي حَثْمةَ

(4)

.

وإنما قُلنا ذلك أولى بتأويلِ الآيةِ؛ لأن الله جل ثناؤُه قال: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} . وقد دلَّلنا على أن إقامتَها إتمامُها بركوعِها وسجودِها، ودلَّلنا مع ذلك على أن قولَه:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . إنما هو إذنٌ بالقَصْرِ مِن ركوعِها وسجودِها في حالِ شدةِ الخوفِ.

(1)

في ص: "وبعد".

(2)

سقط من: ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

سقط من: م.

(4)

ينظر ما تقدم في ص 427، 428.

ص: 442

فإذ صَحَّ ذلك، كان

(1)

بَيِّنًا أن لا وجهَ لتأويلِ مَن تأوَّل ذلك: أن الطائفةَ الأولى إذا سَجَدَت مع الإمامِ، فقد انقَضَتْ

(2)

صلاتُها؛ لقولِه: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} لاحتمالِ ذلك مِن المعانى ما ذكرتُ قبلُ، ولأنه لا دلالةَ في الآيةِ على أن القَصْرَ الذي ذُكِر في الآيةِ التي قبلَها، عُنِى به القَصْرُ مِن عددِ الركعاتِ.

وإذ كان لا وجهَ لذلك، فقولُ مَن قال: أُريدَ بذلك [التقدمُ والتأخُّرُ]

(3)

في الصلاةِ على نحوِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعُسْفانَ، أبعدُ؛ وذلك أن الله جلّ ثناؤُه يقولُ:{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} . وكلتا الطائفتَين قد كانت صَلَّت مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم ركعتَه الأُولى في صلاتِه بعُسْفانَ. ومُحالٌ أن تكونَ التي صَلَّت معه هي التي لم تُصَلِّ معه.

فإن ظَنَّ ظَانٌّ أنه أُرِيدَ بقولِه: {لَمْ يُصَلُّوا} . لم يَسْجُدُوا؛ فإن ذلك غيرُ الظاهرِ المفهومِ مِن معاني الصلاةِ، [وإنما تُوَجَّهُ معاني كلامِ اللهِ جلّ ثناؤُه إلى الأظْهرِ والأشْهرِ مِن وجوهِها

(4)

]

(5)

، ما لم يَمنَعْ من ذلك ما يجبُ التسليمُ له.

وإذ كان ذلك كذلك، ولم يكنْ في الآيةِ أمرٌ مِن اللهِ جل ثناؤُه الطائفةَ الأُولى بتَأْخيرِ قَضاءِ ما بَقِى عليها مِن صلاتِها إلى فراغِ الإمامِ مِن بَقِيَّةِ صلاتِه، ولا على المسلمين الذين بإزاءِ العدوِّ في اشتغالِها

(6)

بقَضاءِ ذلك ضَرَرٌ، لم يكنْ لأمرِها بتَأْخيرِ ذلك وانصرافِها قبلَ قضاءِ باقي صلاتِها عن مَوْضِعِها معنًى.

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

في ص، س:"انتقصت".

(3)

في الأصل: "التقديم والتأخير".

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

في م: "وجوههما".

(6)

في الأصل: "استقبالها".

ص: 443

غيرَ أن الأمرَ وإن كان كذلك، فإنَّا نَرى أن مَن [صلّاها مِن الأئمةِ]

(1)

، فوافَقَت صلاتُه بعضَ الوجوهِ التي ذكَرناها عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنه صَلَّاها، فصَلاتُه مُجْزِئَةٌ عنه تامةٌ؛ لصحةِ الأخبارِ بكلِّ ذلك عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأنه مِن الأمورِ التي عَلَّم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمتَه، ثم أباح لهم العملَ بأيِّ ذلك شاءوا.

وأما قولُه جل ثناؤه: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ} . فإنه يعنى: تَمَنَّى الذين كفَروا باللَّهِ {لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ} . يقولُ: لو تَشْتَغِلون بصَلاتِكم عن أسلحتِكم التي تُقاتِلونهم بها، وعن أمتعتكم التي بها بلاغُكم في أسْفارِكم، فتَسْهَون عنها {فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً}. يقولُ: فيَحْمِلون عليكم وأنتم مَشاغِيلُ بصلاتِكم عن أسلحتِكم [وأَمتعتِكم حملةً

(2)

واحدةً، فيُصِيبون منكم غِرَّةً بذلك، فيَقْتُلونكم ويَسْتَبِيحون عَسْكرَكم]

(3)

.

يقولُ جل ثناؤُه: فلا تَفْعَلوا ذلك بعدَ هذا، فتَشْتَغِلوا جميعُكم بصَلاتِكم إذا حَضَرَتكم صلاتُكم وأنتم مُواقفو

(4)

العدوَّ، فتُمَكِّنوا عدوَّكم مِن أنفسِكم وأسلحتِكم وأمتعتِكم، ولكن أَقِيموا الصلاةَ على ما بَيَّنتُ لكم، وخُذُوا مِن عدوِّكم حِذْرَكم وأسلحتَكم.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)} .

(1)

في الأصل: "صلى بها من الأمة".

(2)

في م: "جملة".

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

في م: "موافقو".

ص: 444

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى جل ثناؤُه بقولِه: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} ولا حَرَج عليكم ولا إثمَ {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} . يقولُ: إن نالَكم أذىً

(1)

مِن مطرٍ تُمطَرُونه وأنتم مُواقِفو

(2)

عدوِّكم {أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} . يقولُ: أو كنتم جَرْحَى أو أَعِلَّاءَ {أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} . إن ضَعُفْتُم عن حَمْلِها، ولكن إن وضَعْتم أسلحتَكم

(3)

مِن أَذَى مطرٍ أو مرضٍ، فخُذوا مِن عدوِّكم {حِذْرَكُمْ}. يقولُ: احتَرِسوا منهم أن يَمِيلوا عليكم وأنتم عنهم غافِلون غارُّون. {إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} ، يعنى بذلك: أعدَّ لهم عذابًا مُذِلًّا يَبْقَون فيه أبدًا، لا يَخرُجون منه، وذلك هو عذابُ جهنمَ.

وقد ذُكِر أن قولَه: {أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} . نزَل في عبدِ الرحمنِ بن عوفٍ، وكان جريحًا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا عباسُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا حَجَّاجٌ، قال: قال ابن جُرَيجٍ: أَخبَرَني يَعْلَى بن مسلمٍ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ:{إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} : عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ، كان جريحًا

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} .

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في م: "موافقو".

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

أخرجه البخارى (4599)، وابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1055 (5903)، والحاكم 2/ 308، والبيهقى 3/ 255 من طريق حجاج به.

ص: 445

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جل ثناؤُه: فإذا فَرَغتم أيُّها المؤمنون من صلاتِكم - وأنتم مُواقِفو عدوِّكم - التي بَيَّنَّاها لكم، فاذكُروا الله على كلِّ أحوالِكم، قيامًا وقعودًا ومُضْطَجِعِين على جُنُوبِكم، بالتعظيمِ له والدعاءِ لأنفسِكم بالظَّفَرِ على عدوِّكم، لعل الله أن يُظْفِرَكم بهم ويَنْصُرَكم عليهم. وذلك نظيرُ قولِه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].

وكما حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليِّ بن أبى طلحةَ، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}

(1)

. يقولُ: لا يَفرِضُ اللهُ على عبادِه فريضةً، إلا جعَل لها حدًّا

(2)

معلومًا، ثم عَذَر أَهلَها في حالِ عُذْرٍ غَيرَ الذِّكْرِ، فإن الله لم يَجْعَلْ له جَدًّا يُنتهى إليه، ولم يَعذِرُ أحدًا في تَرْكِه إلا مغلوبًا على عقلِه، فقال:{فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} . بالليلِ والنهارِ، في البرِّ والبحرِ، وفى السَّفَرِ والحَضَرِ، والغِنى والفقرِ، والسَّقَمِ والصحةِ، والسَّرِّ والعلانيةِ، وعلى كلِّ حالٍ

(3)

.

وأمَّا قولُه: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} . فإن أهلَ التأويلِ اختَلفوا في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: معنى قولِه: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} ، فإذا اسْتَقْرَرْتُم في أوطانِكم، وأقَمْتم في أمصارِكم {فَأَقِيمُوا}. يعنى: فأتِمُّوا الصَّلاةَ التي أُذِن لكم بقَصْرِها في حالِ خَوْفِكم في سَفَرِكم، وضَرْبِكم في الأرضِ.

(1)

في الأصل: "واذكروا الله ذكرًا كثيرًا". وفى م: "فاذكروا الله قيامًا".

(2)

في م، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"جزاء".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1056 (5911) من طريق أبي صالح به، دون أوله، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 214 إلى ابن المنذر.

ص: 446

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} . قال: الخروجُ مِن دارِ السفرِ إلى دارِ الإقامةِ

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} . يقولُ: فإذا اطمأننتُم في أمصارِكم فأتِمُّوا الصلاةَ

(2)

.

وقال آخرون: معنى ذلك، فإذا اسْتَقرَرْتُم [بزوالِ الخوفِ من عدوِّكم وحدوثِ الأمنِ لكم]

(3)

، {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}. أي: فأتِمُّوا حدودَها بركوعِها وسجودِها.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدُيِّ:{فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} . قال: فإذا اطْمَأَنَتْتُم بعدَ الخوفِ

(4)

.

وحدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} . قال: فإذا اطمأنَنْتُم فصَلُّوا الصلاةَ، لا تُصَلِّها راكبًا ولا ماشيًا ولا قاعدًا

(5)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثنا عيسى، وحدَّثنى

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1056 (5913) من طريق وكيع به. وفي إسناده راوٍ مبهم.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 172.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1056 (5914) من طريق أحمد بن المفضل به.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 215 إلى المصنف.

ص: 447

المثنى، قال: حدَّثنا أبو حذيفةَ، قال: حدَّثنا شبلٌ جميعًا، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} . قال: أَتِمُّوها

(1)

.

قال أبو جعفرٍ: وأَوْلى التأويلَين بتأويلِ الآيةِ، تأويلُ مَن تأوَّله: فإذا زالَ خوفُكم مِن عدوِّكم وأَمِنْتم أيُّها المؤمنون واطْمَأنَّت نفوسُكم بالأمنِ {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} . فأَتِمُّوها بحُدودِها المفروضةِ عليكم، غيرَ قاصِرِيها عن شيءٍ مِن حُدودِها.

وإنما قُلنا ذلك أَوْلى التأويلَين بالآيةِ؛ لأن الله تعالى ذكرُه عَرَّف عبادَه المؤمنين الواجبَ عليهم مِن فَرْضِ صلاتِهم بهاتَين الآيتين في حالَين:

إحداهما: حالُ شدةِ خوفٍ، أُذِن لهم فيها بقصْرِ الصلاةِ، على ما بَيَّنتُ مِن قَصْرِ حُدودِها عن التمامِ.

والأُخْرى: حالُ غيرِ شدةِ الخوفِ، أمَرهم فيها بإقامةِ حدودِها وإتمامِها، على ما وَصَفه لهم جلّ ثناؤه مِن مُعاقبةِ بعضِهم بعضًا في الصلاةِ خلفَ أئمتِهم، وحِراسةِ بعضِهم بعضًا مِن عدوِّهم، وهي حالةٌ لا قَصْرَ فيها؛ لأنه يقولُ جلّ ثناؤه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم في هذه الحالِ:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} فمعلومٌ بذلك أن قولَه: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} . إنما هو: فإذا اطْمأننتُم مِن الحالِ التي لم تكونوا مُقِيمِين فيها صلاتَكم، فأَقِيموها. وتلك حالةُ شدةِ الخوفِ؛ لأنه قد أمرهم بإقامتها في غيرِ حالِ شدةِ الخوفِ بقولِه:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} . الآية.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤه: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} .

(1)

تفسير مجاهد ص 291، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1057 (5916).

ص: 448

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: اختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه: إن الصلاةَ كانت على المؤمنين فريضةً مَفْروضةً.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني أبو السَّائبِ، قال: ثنا ابن فُضَيلٍ، [عن فُضَيلِ]

(1)

بن مرزوقٍ، عن عطيةَ العَوْفِيِّ في قولِه:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} . قال: [فريضةً مفروضةً]

(2)

.

[حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني [معاويةُ، عن]

(3)

عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} يعني: مَفْروضًا]

(4)

.

[حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}. قال: مفروضًا]

(5)

. الموقوتُ: المفروضُ

(6)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن

(1)

سقط من: الأصل، س.

(2)

في ص، ت 1، س:"مفروضًا". وفى ت 2: "فرضا واجبا".

والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1057، عقب أثر (5917) معلقًا.

(3)

في الأصل: "أبو صالح".

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3 س. والأثر أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1057 (5917) من

طريق عبد الله بن صالح به.

(5)

سقط من: م، ت 1.

(6)

ينظر التبيان 3/ 313.

ص: 449

السُّدِّيِّ، قال: أما كتابًا مَوْقوتًا، فمفروضًا

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو نُعَيمٍ، قال: ثنا سُفيانُ، عن لَيْثٍ، عن مُجاهدٍ:{كِتَابًا مَوْقُوتًا} . قال: مَفروضًا

(2)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: إن الصلاة كانت على المؤمنين فرضًا واجبًا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ في قولِه:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} . قال: كتابا واجبًا

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، وحدَّثني المثنى: قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ جميعًا، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{كِتَابًا مَوْقُوتًا} . قال: واجبًا

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن مَعْمَرِ بن سامٍ

(5)

، عن أبي جعفر في قوله:{كِتَابًا مَوْقُوتًا} . قال: مَوْجوبًا

(6)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1057 عقب أثر (5917) من طريق أسباط به.

(2)

تفسير الثورى ص 97 وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 215 إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.

(3)

أخرجه ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (33) من طريق أبى رجاء به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 215 إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1057 عقب الأثر (5917) معلقًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 25 إلى عبد بن حميد.

(5)

في ص، م:"هشام". وهو خطأ. وينظر تهذيب الكمال 28/ 323.

(6)

في م: "موجبا".

ص: 450

حدَّثني محمد بنُ سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ في قولِه:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} : والموقوتُ الواجبُ

(1)

.

حدَّثني أحمدُ بنُ حازمٍ، قال: أخبرَنا أبو نُعَيمٍ، قال: أخبرَنا مَعْمَرُ بنُ يحيى، قال: سَمِعتُ أبا جعفرٍ يقولُ

(2)

: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} . قال: وجوبُها.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا مَوْقوتًا، مُنَجَّمًا يُؤَدُّونها في أَنْجمِها.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} . قال: قال ابن مسعودٍ: إن للصلاةِ وقتًا كوقتِ الحجِّ

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن زيد بن أسلم في قولِه:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} قال: مُنْجَّمًا، كلما مضَى نَجمٌ جاء نجمٌ آخرُ. يقولُ: كلما مضَى وقتٌ جاء وقتٌ آخرُ

(4)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 215 إلى المصنف.

(2)

بياض في الأصل بمقدار كلمتين.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 172، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (3747) دون ذكر الآية، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1057 (5918) عن الحسن بن يحيى به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 215 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(4)

أخرجه ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (34)، وابن أبي حاتم 4/ 1057 (5919) من طريق أبي جعفر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 215 إلى ابن المنذر.

ص: 451

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي جعفرٍ الرازيِّ، عن زيدِ بنِ أسلمَ مثلَه.

وهذه الأقوالُ قريبٌ معنى بعضِها مِن بعضٍ؛ لأن ما كان مفروضًا فواجبٌ، وما كان واجبًا أداؤُه في وقت بعدَ وقتٍ فمنجَّمٌ

(1)

.

غيرَ أن أولى المعانى بتأويلِ الكلمةِ قولُ من قال: إن الصلاةَ كانت على المؤمنين فرضًا منجَّمًا؛ لأن المَوُقوتَ إنما هو مفعولٌ مِن قول القائلِ: وقَّت اللهُ عليك فرضَه، فهو يَقِتُه. ففرضُه عليك مَوْقوتٌ. إذا أخبَر أنه جعَل له وقتًا يَجِبُ عليك أداؤُه، فكذلك معنى قولِه:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} إنما هو كانت على المؤمنين فرضًا، وقَّت لهم وقتَ وُجوبِ أدائه، فبيَّن ذلك لهم.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى جلَّ ثناؤُه بقوله: {وَلَا تَهِنُوا} . ولا تَضْعُفوا. مِن قولهم: وهَن فلانٌ في هذا الأمرِ يَهِنُ وَهْنًا ووُهُونا.

وقوله: {فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} . يعنى: في التماسِ القومِ وطلبِهم، والقومُ هم أعداءُ اللهِ جل ثناؤه وأعداءُ المؤمنين مِن أهلِ الشركِ باللهِ، {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ}. يقولُ: إن تَكُونوا أيُّها المؤمنون تَيْجَعون

(2)

مما يَنالُكم من الجراحِ منهم في الدنيا، {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} ، يقولُ: فإن المشركين يَيْجَعون مما يَنالُهم منكم مِن الجِراحِ والأذى، مثلَ ما تَيْجَعون أنتم مِن جِراحِهم وأذاهم فيها.

(1)

في الأصل: "فنجم".

(2)

في الأصل: "تتوجعون".

ص: 452

{وَتَرْجُونَ} أنتم أيها المؤمِنون {مِنَ اللَّهِ} مِن الثوابِ على ما يَنالُكم منهم {مَا لَا يَرْجُونَ} هم

(1)

على ما يَنالُهم منكم، يقولُ: فأنتم إن

(2)

كنتم موقنين مِن ثوابِ اللهِ لكم على ما يُصيبُكم منهم بما هم به مكذِّبون، أولى وأحرى أن تَصْبِروا على حربِهم وقتالِهم منهم على قتالِكم وحربِكم، وأن تَجِدُّوا في

(3)

طلبِهم وابتغائِهم لقتالِهم على ما يَهِنون هم فيه ولا يَجِدُّون، فكيف على [ما جَدُّوا]

(4)

فيه ولم يهِنوا؟

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} منهم

(5)

، {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} ، يَقُولُ: لا تَضْعُفُوا في طلبِ القومِ، فإنكم إن تَكُونوا تَيْجَعُون، فإنهم يَيْجَعون كما تَيْجَعون، {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ} مِن الأجرِ والثوابِ {مَا لَا يَرْجُونَ}

(6)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مفضلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السدَّيِّ:{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} . قال: لا تَضْعُفوا في طلبِ القومِ، فإن تَكُونوا تَيْجَعون مِن

(1)

سقط من: ص، ت 1، س.

(2)

في ص، ت 1، س:"إذ".

(3)

في النسخ: "من". والمثبت ما يقتضيه السياق.

(4)

في الأصل، م، ت: 2: "ما وجدوا"، وفى ص:"فاحذوا"، وفى ت 1:"فأخذوا". وأثبت ما يقتضيه السياق.

(5)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 215 إلى المصنف.

ص: 453

الجِراحاتِ، فإنهم يَيْجَعون كما تَيْجعون

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} : لا تَضْعُفوا.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع قولَه:{وَلَا تَهِنُوا} . [يَقُولُ: لا تَضْعُفوا

(2)

.

حدَّثني يونس، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ في قوله: {وَلَا تَهِنُوا]

(3)

فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ}. يَقُولُ: لا تَضْعُفوا عن ابتغائِهم

(4)

. {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} القتالَ، {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} وهذا قبلَ أن تُصِيبَهم الجِراحُ، إن كنتم تَكْرَهون القتالَ وتَأْلَمونه، {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}. يَقُولُ: فلا تَضْعُفوا في ابتغائِهم لمكانِ

(5)

القتالِ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} : تَوْجَعون

(6)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ:{إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} . قال: تَوْجَعون لما يُصِيبُكم منهم، فإنهم يَوْجَعون كما تَوْجَعون، {وَتَرْجُونَ} أنتم مِن الثوابِ فيما يُصِيبُكُم {مَا لَا يَرْجُونَ} .

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1058 (5923) من طريق أحمد بن مفضل به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 215 إلى ابن المنذر.

(2)

تفسير مجاهد ص 291

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

(4)

في الأصل: "اتباعهم".

(5)

في م، ت 1:"مكان".

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1058 (5922) من طريق أبي صالح به.

ص: 454

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا حفصُ بنُ عمرَ، قال: ثنا الحكمُ بنُ أبانٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، قال: لما كان قتالُ أُحُدٍ، وأصاب المسلمين ما أصابَ، صعِد النبيُّ صلى الله عليه وسلم الله الجبلَ، فجاء أبو سفيانَ فقال: يا محمدُ، [يا محمدُ]

(1)

، [ألا تَخرجُ ألا تَخرجُ]

(2)

، الحربُ سجالٌ، يومٌ لنا ويومٌ لكم. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"أجِيبُوهُ". فقالوا: لا سَواءَ [لا سواءَ]

(1)

، قتلانا في الجنةِ، وقتلاكم في النارِ. فقال أبو سفيانَ: عُزَّى لنا ولا عُزَّى لكم. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " [قُولوا له]

(3)

: اللهُ مَوْلانا ولا مَوْلى لكم". قال أبو سفيانَ: اعْلُ هُبَلُ، اعْلُ هُبَلُ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قُولوا

(4)

: اللهُ أعلَى وأجلُّ". فقال أبو سفيانَ: موعِدُنا وموعِدُكم بدرٌ الصغرى. ونام المسلمون وبهم الكُلومُ، قال عكرمةُ: وفيها أُنزِلت: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ (*) وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]، وفيهم أُنْزِلت:{إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}

(5)

.

حدَّثني يحيى بنُ أبى طالبٍ، قال: أخَبرَنا يزيدُ، قال: أخبَرنا جُوَيبرٌ، عن الضحاكِ في قولِه:{إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} . قال: يَيْجَعون كما تَيْجَعون

(6)

.

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(2)

في م، ت 2:"لا جرح إلا بجرح".

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

(4)

بعده في م: "له".

(*) إلى هنا ينتهى الجزء الثاني عشر من مخطوطة جامعة القرويين بفاس والمشار إليها بالأصل. ويليه الجزء الثالث عشر، ويبدأ بالورقة 13/ 1 ظ، عند قوله: القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ

} [النساء: 105].

(5)

تقدم مختصرًا في 4/ 105 عند تفسير الآية 140 من سورة آل عمران.

(6)

ذكره أبي حاتم في تفسيره 4/ 1058 عقب الأثر (5922) معلقًا.

ص: 455

وقد ذكِر

(1)

عن بعضِهم أنه كان يَتَأَوَّلُ قولَه: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} : وتَخافون مِن اللهِ ما لا يَخافُون، مِن قولِ اللهِ:{قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية: 14]. بمعنى: لا يَخافون أيامَ اللهِ. وغيرُ معروفٍ صرفُ الرجاءِ إلى معنى الخوفِ في كلامِ العربِ، إلا مع جَحْدٍ سابقٍ له، كما قال جلَّ ثناؤُه:{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] بمعنى: لا تَخافون للهِ عظمةً. كما قال الشاعرُ

(2)

:

لا تَرْتجِي حينَ تُلاقي الذّائدا

أسَبْعَةً لاقَتْ معًا أم واحدا

وكما قال أبو ذؤيبٍ الهُذليُّ

(3)

:

إذا لسَعَتْه النحلُ لم يَرْجُ لَسْعَها

وخالَفَها

(4)

في بيتِ نُوبٍ

(5)

عواسلِ

(6)

وهى فيما بلغنا لغةٌ لأهلِ الحجازِ

(7)

، يَقُولونها بمعنى: ما أُبالى وما أَحْفِلُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)} .

يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ولم يَزَلِ اللهُ عليمًا بمصالحِ خلقِه، حكيمًا في تدبيرِه وتقديرِه، ومِن علمِه أيُّها المؤمنون بمصالحِكم؛ عرَّفكم - عندَ

(8)

حُضورِ صلاتِكم

(1)

في م: "ذكرنا".

(2)

بعده في م: "الهذلي". والبيت في معاني القرآن 1/ 289، والأضداد ص 11، والتبيان 3/ 315.

(3)

ديوان الهذليين 1/ 143، وفيه "الدبْر" بدلًا من "النحل"، ومعاني القرآن 1/ 286، واللسان (ر ج و).

(4)

في ت 1: "حالفها". وهي رواية.

(5)

النوب من النحل: ذباب العسل سميت نوبا لأنها تضرب إلى السواد. وقيل: لأنها ترعى ثم تنوب، تشبيها بنوبة الناس والرجوع المرة بعد المرة. التاج (ن و ب).

(6)

في ص، ت 1، س:"عوامل". وهى رواية معاني القرآن. والعواسل: النحل التي تصنع العسل، أو ذوات العسل.

(7)

ينظر معاني القرآن 1/ 286.

(8)

في ص: "عنه".

ص: 456

وواجبِ فرضِ اللهِ عليكم وأنتم مواقفو عدوِّكم - ما يَكُونُ به وصولُكم إلى أداءِ

(1)

فرضِ اللهِ عليكم والسلامةُ من عدوِّكم، ومن حكمتِه بصَّركم

(2)

بما فيه تأييدُكم، وتوهينُ كيدِ عدوِّكم.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بن جريرٍ، رحمه الله: يَعْنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} : إنا أنزَلنا إليك يا محمدُ، {الْكِتَابَ} ، يعنى: القرآنَ؛ {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} : لتَقْضِيَ بينَ الناسِ، فتَفْصِلَ بينَهم {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} ، يعني: بما أنزَل اللهُ إليك مِن كتابِه، {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}. يقولُ: ولا تَكُنْ لمَن خان مسلمًا أو معاهِدًا في نفسِه أو مالِه {خَصِيمًا} : تخاصِمُ عنه

(3)

، وتَدْفَعُ عنه من طالبَه بحقِّه الذي خانه فيه،

{وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ} . [يقولُ: اسْتَغفرِ الله]

(4)

يا محمدُ وسَلْه أن يَصْفَحَ لك عن عُقوبةِ ذنبِك في مخاصَمَتِك عن الخائنِ [مَن خان]

(5)

مالًا لغيرِه. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} . يَقُولُ: إن الله لم يَزَلْ يَصْفَحُ عن ذُنوبِ عبادِه المؤمنين بتركِه عُقوبتهم عليها إذا اسْتَغْفَروه منها، رحيمًا بهم، فافْعَلْ ذلك أنت يا محمدُ، يَغْفِرِ اللهُ لك ما سلَف من خصومتِك عن هذا الخائنِ. وقد قيل: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَكُنْ

(1)

في ص، ت 1:"أدى".

(2)

في ت 1: "نصركم".

(3)

في الأصل: "عنده".

(4)

سقط من: م.

(5)

سقط من: ص، ت 1، ت 2.

ص: 457

خاصَم

(1)

عن الخائنِ، ولكنه همَّ بذلك، فأمَره اللهُ بالاستغفارِ مما همَّ به مِن ذلك.

وذُكِر أن الخائنين الذين عاتَب اللهُ جلَّ ثناؤُه نبيَّه صلى الله عليه وسلم في خصومتِه عنهم بنو أُبَيْرِقٍ.

واختلَف أهلُ التأويلِ في خيانتِه التي كانت منه، فوصَفه اللهُ بها؛ فقال بعضُهم: كانت سرقةً سرَقها.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} ، إلى قولِه:{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} : فيما بينَ ذلك، في [ابن أُبَيْرِقٍ]

(2)

ودرعِه مِن حديدٍ

(3)

التي سرَق، قال أصحابُه مِن المؤمنين للنبيِّ

(4)

: اعْذُره في الناسِ بلسانِك، ورمَوا بالدرعِ رجلًا من يهودَ بريئًا

(5)

.

[حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوَه]

(6)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ أحمدَ بن أبي شُعيبٍ

(7)

أبو مسلمٍ الحرانيُّ، قال: ثنا محمدُ بنُ سلمةَ، قال: ثنا محمدُ بنُ إسحاقَ، عن عاصمِ بن عمرَ بن قتادةَ، عن أبيه، عن جدِّه

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س:"يخاصم".

(2)

في م، والدر المنثور، وإحدى نسخ تفسير مجاهد:"طعمة بن أبيرق".

(3)

بعده في ص، ت 1 س:"من يهود".

(4)

سقط من: الأصل، ص، ت 1، ت 2، س.

(5)

تفسير مجاهد ص 291، 292. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 217 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(6)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

(7)

في الأصل: "شعبة". وانظر تهذيب الكمال 6/ 48، ومصدر التخريج.

ص: 458

قتادةَ بن النعمانِ، قال: كان أهلُ بيتٍ منا

(1)

يُقالُ لهم: بنو أُبَيرِقٍ؛ بِشَرٌ وبُشَيرٌ ومُبَشِّرٌ، وكان بُشَيرٌ رجلًا، منافقًا، وكان يَقُولُ الشعرَ يَهْجُو به أصحابَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم يَنْحُلُه بعضَ

(2)

العربِ، ثم يَقُولُ: قال فلانٌ كذا، وقال فلانٌ كذا. فإذا سمِع أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذلك الشعرَ، قالوا: واللهِ ما يَقُولُ هذا الشعرَ إلا هذا الخبيثُ. فقال:

أوَ

(3)

كلَّما قال الرجالُ قصيدةً

أضِمُوا

(4)

وقالوا ابن الأُبَيرِقِ قالَهَا

قال: وكانوا أهلَ بيتِ فاقةٍ وحاجةٍ في الجاهليةِ والإسلامِ، وكان الناسُ إنما طعامهم بالمدينةِ التمرُ والشعيرُ، وكان الرجلُ إذا كان له يَسَارٌ، فقدِمت ضافِطةٌ

(5)

مِن الشامِ بالدَّرْمكِ

(6)

، ابتاع الرجلُ منها

(7)

فخصَّ به نفسَه، فأما العيالُ فإنما طعامُهم التمرُ والشعيرُ، فقدِمت ضافطةٌ مِن الشامِ، فابتاع عمى عمى رفاعةُ بنُ زِيدٍ حِملًا مِن الدرمكِ، فجعله في مَشْرُبةٍ

(8)

له، وفى المَشْرُبةِ سلاحٌ له؛ دِرْعان وسَيْفاهما وما يُصْلِحُهما، فعُدِى عليه مِن تحتِ الليلِ فنُقِبت

(9)

المَشْرُبةُ، وأُخِذ الطعامُ والسلاحُ،

(1)

في ص، ت 1، س:"منها".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2:"إلى بعض".

(3)

في الأصل، ص، ت 1:"أفى".

(4)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س:"نحلت". وأضم الرجل: غضب. وقيل: أضمر حقدًا لا يستطيع أن يمضيه. التاج (أ ض م).

(5)

ضافطة: الضافط والضفاط، الذي يجلب الميرة والمتاع إلى المدن والمكارى الذي يكرى الأحمال، وكانوا يومئذ قومًا من الأنباط يحملون إلى المدينة الدقيق والزيت وغيرهما. النهاية 3/ 94، 95.

(6)

الدرمك: الدقيق الحوّارى. النهاية 2/ 114.

(7)

في ص، ت 1، ص:"منا"، وفى م:"منهم".

(8)

المشربة بالضم والفتح: الغرفة. النهاية 2/ 455.

(9)

في الأصل: "فثقبت"، وفي ت 1:"فبقيت".

ص: 459

فلما أصبح أتانى عمى رفاعةُ، فقال: يا بنَ أخى، تَعْلَمُ أنه قد عُدِى علينا في ليلتِنا هذه، فنُقبت مَشْرُبَتُنا، فذُهِب بطعامِنا وسلاحِنا. قال: فتَحَسَّسْنا

(1)

في الدارِ وسأَلنا، فقيل لنا: قد رَأَيْنا بنى أُبَيْرِقٍ اسْتَوْقَدوا في هذه الليلةِ، ولا نَرَى فيما نراه إلا على بعضِ طعامِكم، قال: وقد كان بنو أُبَيرِقٍ قالوا - ونحن نَسْأَلُ

(2)

في الدارِ -: واللهِ ما نَرَى صاحبَكم إلا لبيدَ بنَ سهلٍ

(3)

، رجلٌ منا له صلاحٌ وإسلامٌ، فلما سمِع بذلك لبيدٌ اخْتَرَط سيفَه، ثم أتى بنى أُبَيْرِقٍ، فقال: واللهِ ليُخالِطَنّكم هذا السيفُ أو لتُبيِّنُنَّ هذه السرقةَ. قالوا: إليك عنا أيُّها الرجلُ، فواللهِ ما أنت بصاحبِها. فسألنا في الدارِ حتى لم نَشُكَّ أنهم أصحابُها. فقال عمى: يا بنَ أخي، لو أتيتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فذكَرتَ ذلك له. [قال قتادةُ: فأَتَيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذلك له]

(4)

، فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، إن أهلَ بيت منا أهلَ جفاءٍ، عمَدوا إلى عمِّى رفاعةَ بن زيدٍ فَنَقَبوا مَشْرُبَةً له، وأَخَذُوا سلاحَه وطعامَه، فَلْيَرُدُّوا علينا سلاحنا، فأما الطعامُ فلا حاجةَ لنا به

(5)

. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَأَنْظُرُ

(6)

في ذلك". فلما سمِع ذلك بنو أُبَيْرِقٍ أتَوا

(7)

رجلًا منهم يُقالُ له: أَسَيرُ

(8)

بنُ عُرْوةَ. فكلَّموه في ذلك، واجْتَمَع إليه ناسٌ مِن أهلِ الدارِ، فأتَوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، إن قتادةَ بنَ النعمانِ وعمَّه عمَدوا إلى أهلِ بيتٍ منا أهلِ إسلامٍ وصلاحٍ، يَرْمونهم

(1)

في الأصل، ص، م، والدر المنثور:"فتجسسنا".

(2)

بعده في ت 1، ت 2، س:"الله".

(3)

في الأصل: "سهيم"، وفى م:"سهم". وانظر الإصابة 5/ 680.

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

(5)

في م، ت 1، ت 2:"فيه".

(6)

في ص، ت 1، ت 2، س:"أنظر".

(7)

في ت 1، ت 2، س:"أبرز".

(8)

في الأصل: "أمير". وانظر الإصابة 1/ 86.

ص: 460

بالسرقةِ عن

(1)

غيرِ بينةٍ ولا ثَبَتٍ

(2)

. قال قتادةُ: فأَتَيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فكلَّمْتُه

(3)

، فقال:"عمَدْتَ إلى أهلِ بيتٍ ذُكِر منهم إسلامٌ وصلاحٌ، تَرْمِيهم بالسَّرقةِ على غيرِ بينةٍ ولا ثَبَتٍ". قال: فرجَعت ولوَدِدْتُ أنى خرَجتُ مِن بعضِ مالي ولم أُكَلِّمْ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأتَيْتُ عمِّى رِفاعةَ، فقال: يا بنَ أخي، ما صَنَعْتَ؟ فَأَخبَرتُه بما قال لى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهُ المستعانُ. فلم نَلْبَثْ أن نزَل القرآنُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} ؛ بنى أُبَيرِقٍ، {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ} ، أي مما قلتَ لقتادة

(4)

، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} أي: بني أَبَيرِقٍ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ} ، إلى قولِه:{ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} ، أي: إنهم إن يَسْتَغْفِرُوا الله يَغْفِرْ لهم. {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} : قولُهم للبيدٍ، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ} ، يَعْنى: أسيرًا وأصحابَه، {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} إلى قولِه:{فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} .

فلما نزل القرآنُ أُتِى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالسلاحِ، فردَّه إلى رفاعةَ.

قال قتادةُ: فلما أتَيْتُ عمِّى بالسلاحِ وكان شيخًا قد عسَا

(5)

في الجاهليةِ،

(1)

في م: "من".

(2)

في ص: "بيت". والثبت، بالتحريك: الحجة والبينة. اللسان (ث ب ت).

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س:"فسألته".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س:"لعبادة".

(5)

في الترمذي: "عشى". وعسا: أي كبر وأسن. وعشى: أي ضعف بصره. النهاية 3/ 238.

ص: 461

وكُنتُ أرى إسلامَه مدخولًا

(1)

؛ فلما أتَيْتُه بالسلاحِ، قال: يا بنَ أخي، هو في سبيلِ اللهِ. قال: فعرَفت أن إسلامَه كان صحيحًا. فلما نزَل القرآنُ لحق بُشَيرٌ بالمشركين فنزَل على سُلافةَ

(2)

بنتِ سعدِ بن شُهَيدٍ

(3)

، فأنزَل اللهُ فيه:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} ، إلى قولِه:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} ، فلما نزَل على سُلافةَ رماها حسانُ بنُ ثابتٍ بأبياتٍ مِن شعرٍ، فأَخَذَت رَحْلَه فوضَعَتْه على رأسها ثم خرجت به فرَمَتْ به في الأبطحِ، ثم قالت: أَهْدَيْتَ إليَّ شعرَ حسانَ، ما كنتَ تَأتينى بخيرٍ

(4)

.

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} . يَقُولُ: بما أنزَل اللهُ عليك وبيَّن لك. {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} . فقرَأ إلى قولِه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} : ذُكِر لنا أن هؤلاء الآياتِ أُنزِلت في شأنِ طُعْمَةَ بن أُبَيْرقٍ، وفيما همَّ به نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم من عُذْرِه، وبيَّن اللهُ شَأنَ طعمةَ بن أُبيرِقٍ، ووعَظ نبيَّه وحذَّره أن يَكُونَ للخائنين خصيمًا، وكان طُعْمَةُ بنُ أُبَيْرِقٍ رجلًا مِن الأنصارِ ثم أحدَ بني ظَفَرٍ، سرَق درعًا لعمِّه كانت وديعةً عندَه، ثم قذَفها

(5)

على يهوديٍّ كان يَغْشاهم، يُقال له: زيدُ بنُ السمينِ. فجاء اليهوديُّ إلى نبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

الدخَل، بالتحريك: العيب والغش والفساد، يعنى أن إيمانه كان متزلزلًا فيه نفاق. النهاية 2/ 108.

(2)

في ص، ت 1 س:"سلاقة"، وفى ت:1 "سلام". وانظر الإصابة 7/ 724.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س:"سهيل"، وفى م:"سهل".

(4)

أخرجه الترمذى (3036) عن الحسن بن أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1059، 1060 (5933، 5934، 5936) من طريق محمد بن سلمة به، والحاكم 4/ 385 - 388 من طريق محمد بن إسحاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 215 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(5)

في ص، ت 1، ت 2، س:"قدمها".

ص: 462

يهتِفُ، فلما رأى ذلك قومُه بنو ظَفَرٍ جاءوا إلى نبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليَعْذِروا صاحبَهم، وكان نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد همَّ بعذرِه، حتى أنزَل اللهُ جل ثناؤه في شأنِه ما أَنْزَل؛ فقال:{وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} ، إلى قولِه:{هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ، يَعْنى بذلك قومَه. {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} ، وكان طُعْمَةُ قد قذَف بها بريئًا، فلما بَيَّنَ اللهُ شَأنَ طُعْمَةَ، نافَق ولحِق بالمشركين بمكةَ، فأنزَل اللهُ في شأنِه:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} : وذلك أن نفرًا مِن الأنصارِ غَزَوا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بعضِ غَزَواتِه، فسُرِقت درعٌ لأحدِهم، فأظنَّ

(2)

بها رجلًا مِن الأنصارِ، فأتي صاحبُ الدِّرْعِ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: إِن طُعْمَةَ بنَ أُبَيْرِقٍ سَرَق دِرْعِي، فأتى به رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلما رأَى السارِقُ ذلك، عمَد إليها فألقاها في بيتِ رجلٍ بَرِئٍ، وقال لنفرٍ

(3)

من عشيرتِه: إنى قد غيِّبتُ الدرعَ وألقيتُها في بيت فلانٍ، وستوجد عندَه. فانطَلَقوا إلى نبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلًا، فقالوا: يا نبيِّ اللهِ، إن صاحبَنا برئٌ، وإن سارق الدرِع فلانٌ، وقد أحَطنا بذلك علمًا، فاعْذِرْ صاحبَنا على رُءوسِ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 217 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

أظن: أي اتهم. اللسان (ظ ن ن).

(3)

في ص، ت 1، ت 2:"النفر".

ص: 463

الناسِ وجادِلْ عنه، فإنه إلا يعْصِمْه اللهُ بك يَهْلِكُ. فقام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فبرَّأه وعذَره على رُءوسِ الناسِ، فأنزَل اللهُ:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} يَقُولُ: احْكُمْ بينَهم بما أنزَل اللهُ إليك في الكتابِ، {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} الآية. ثم قال للذين أتَوا رسولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام ليلًا [يَسْتَخفون بالكذبِ]

(1)

: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} ، إلى قوله:{أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} . يَعْنى الذين أَتَوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم [مُسْتَخفين يُجادلون عن الخائنِ. ثم قال: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}، يعني، الذين أَتَوا رسولَ اللهِ عليه السلام]

(2)

مَسْتَخْفين بالكذبِ. ثم قال: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} . يَعْنى: السارقَ، والذين يُجادِلون عن السارقِ

(3)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} الآية. قال: كان رجلٌ سرَق درعًا مِن حديدٍ في زمانِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وطرَحه على يهوديٍّ، فقال اليهوديُّ: واللهِ ما سرَقتُها يا أبا القاسمِ، ولكن طُرِحت عليَّ. وكان للرجلِ الذي سَرَق جيرانٌ يُبَرِّئونه ويَطْرَحونه على اليهوديِّ، ويَقُولون:

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(2)

سقط من: م.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1059 - 1063 (5930، 5940، 5944، 5950) مفرقًا من طريق محمد بن سعد به.

ص: 464

يا رسولَ اللهِ، إن هذا اليهوديَّ لخبيثٌ

(1)

يَكْفُرُ باللهِ وبما جِئْت به. قال: حتى قال

(2)

عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ببعضِ القولِ، فعاتَبه اللهُ عز وجل في ذلك، فقال:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ} مما

(3)

قلت لهذا اليهوديِّ، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}. ثم أقبل على جيرانِه فقال:{هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} . قال: ثم عرض التوبة فقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} : فما أدْخَلكم أنتم أيُّها الناسُ على خطيئةِ هذا تَكَلَّمون دونَه، {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} وإن كان مشركًا، {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}. [فقرَأ حتى بلَغ:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} ]

(4)

، فقرَأ حتى بلَغ:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} . قال: أبَى أن يَقْبَلَ التوبة التي عرَض اللهُ له، وخرَج إلى المشركين بمكةَ، فنقَب بيتًا ليَسْرِقَه، فهدَمه اللهُ عليه فقتَله، فذلك قولُ اللهِ عز وجل:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} . فقرَأ حتى بلَغ: {وَسَاءَتْ مَصِيرًا} . ويقالُ: هو طُعْمةُ بنُ أُبَيْرقٍ، وكان نازِلًا في بنى ظفَرٍ

(5)

.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"الخبيث".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"مال".

(3)

في ص، م، ت 2:"بما".

(4)

سقط من: م.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 217 إلى المصنف.

ص: 465

وقال آخرون: بل الخيانةُ التي وصَف اللهُ بها مَن وصَفه بها بقولِه: {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} : جحودُه وديعةً كان أُودِعَها.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بن مفضلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} . قال: أمَّا {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} ، فما أوحَى إليك. قال: نزَلت في طُعْمَةَ بن أُبَيْرِقٍ، اسْتَودَعه رجلٌ مِن اليهود درعًا، فانطَلَق بها معه

(1)

إلى دارِه، فحفَر لها اليهوديُّ ثم دفَنها، فخالَفه إليها طُعْمةُ، فاحتفَر عنها فأخَذها، فلما جاء اليهوديُّ يَطْلُبُ درعَه كابَره

(2)

عنها، فانطلَق إلى ناسٍ من اليهودِ مِن عشيرتِه، فقال: انْطَلِقوا معى، فإنى أعرِفُ موضِعَ الدرعِ. فلما علم بهم طُعمةُ، أخَذ الدرعَ فألقاها في دارِ أبى مُلَيلٍ الأنصاريِّ، فلما جاءت اليهودُ تَطْلُبُ الدرعَ فلم تَقْدِرُ عليها

(3)

، وقع به طُعمهُ وأناسٌ من قومِه فسبُّوه، قال: أتَّخَوِّنُونَني؟! فانطَلَقوا يَطْلُبونها في دارِه، فأشرَفوا على بيتِ أبي مُلَيلٍ، فإذا هم بالدرعِ، وقال طُعْمَةُ: أخذها أبو مُلَيلٍ. وجادَلت الأنصارُ دونَ طُعْمةَ، وقال لهم: انْطَلِقوا معى إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقُولوا له يَنْضَحُ

(4)

عنى ويُكَذِّبُ حجةَ اليهوديِّ، فإني إن أُكَذَّبْ كذَب على أهلِ المدينةِ اليهوديُّ، فأتاه أناسٌ مِن الأنصارِ فقالوا: يا رسولَ اللهِ، جادلْ عن طُعمةَ، وأكذِبِ اليهوديَّ. فهمَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يَفْعَلَ، فأنزل اللهُ عليه: {وَلَا تَكُنْ

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"كافره". وكابره على حقه: جاحده وغالبه عليه. التاج (ك ب ر).

(3)

في الأصل: "عليه". والدرع مما يؤنث وقد يذكر.

(4)

نضح عنه: ذب ودفع. اللسان (ن ض ح).

ص: 466

لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ} مما أرَدْت، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} . ثم ذكَر الأنصارَ ومُجادَلَتهم عنه، فقال:{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ}

(1)

. إلى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ، ثم دعاهم إلى التوبةِ، فقال:{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} . ثم ذكَر قولَه حينَ قال: أخذها أبو مُلَيلٍ. فقال: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} ، {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} . ثم ذكر الأنصارَ وإتيانَها

(2)

إياه أن يَنْضَحَ عن صاحبِهم، ويُجَادِلَ عنه، فقال:{لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} . يَقُولُ: النبوَّةَ. ثم ذكَر مناجاتَهم فيما يُرِيدُون أن يُكَذِّبوا عن طُعْمَةً، فقال:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} . فلما فضَح اللهُ طُعْمة بالمدينةِ بالقرآنِ، هرَب حتى أتَى مكةَ، فكفَر بعد إسلامِه، ونزَل على الحجاجِ بن عِلاطٍ

(3)

السُّلَميِّ، فنقَب بيتَ الحجاجِ فأراد أن يَسْرِقَه، فسمِع الحجاجُ خَشْحَشةً في بيتِه، وقَعْقَعَةَ جلودٍ كانت عندَه، فنظَر فإذا هو بطُعْمَةَ، فقال: ضيفى وابنُ عمِّى وأَرَدْتَ أَن تَسْرِقَنى! فأخرَجه، فمات بحَرَّةِ بني سُلَيمٍ

(4)

كافرًا، وأنزَل اللهُ فيه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ

(1)

بعده في م: "يقول: يقولون ما لا يرضى من القول".

(2)

في الأصل: "اتباعهم"، وفى م:"إتيانهم".

(3)

في الأصل: "غلاط". وينظر سيرة ابن هشام 2/ 345.

(4)

حرة بنى سليم: موضع في عالية نجد. ينظر معجم البلدان 2/ 329.

ص: 467

لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} إلى قولِه: {وَسَاءَتْ مَصِيرًا}

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن عكرمةَ، قال: اسْتَوْدَع رجلٌ مِن الأنصارِ طُعْمَةَ بنَ أُبَيْرِقٍ مَشْرُبةً له فيها درعٌ

(2)

، وخرَج فغاب، فلما قدِم الأنصاريُّ فتَح مَشْرُبتَه فلم يَجِدِ الدِّرْعَ، فسأَل عنها طُعْمَةَ بنَ أُبَيْرِقٍ، فرمَى بها رجلًا من اليهودِ، يقالُ له: زيدُ بنُ السمينِ. فتعلَّق صاحبُ الدرعِ بطُعْمَةَ في درعِه؛ فلما رَأى ذلك قومه أتَوُا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فكلَّموه

(3)

ليَدْرَأ عنه، فهمَّ بذلك، فأنزَل اللهُ تبارك وتعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} . يَعْنِي: طُعمةَ بنَ أُبَيرِقٍ وقومَه

(4)

، {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} له: محمدٌ صلى الله عليه وسلم وقومُ طُعْمةَ. {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} : محمدٌ وطُعْمَةُ وقومُه، قال {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} الآية: طُعْمَةُ. {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} ، يعني: زيد بن السمين، {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}: طُعْمَةُ مِنْ أُبَيْرِقٍ. {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ} - محمدٌ عليه السلام {لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} : قومُ طُعْمَةَ بن أُبَيْرِقٍ. {وَأَنْزَلَ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1063 - 1066 (5949، 5959، 5967) مفرقًا من طريق أحمد بن المفضل به.

(2)

في ص، س:"أدرع".

(3)

في الأصل: "فكلمه".

(4)

في الأصل: "قوله".

ص: 468

اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}: محمدٌ. {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ} ، حتى تَنْقَضِىَ الآيةُ: للناسِ عامةً

(1)

. {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية. قال: لما نزَل القرآنُ في طُعْمَةَ بن أُبَيْرِقٍ، لحِق بقُرَيشٍ ورجَع في دينِه، ثم عدَا على مَشْرُبةٍ للحجاجِ ابن عِلَاطٍ البَهْزِيِّ

(2)

ثم السُّلَمِيِّ - حليفٌ لبنى عبدِ الدارِ فنَقَبها، فسقَط عليه حجرٌ فلَحِج

(3)

، فلمّا أصبَح أخرَجوه مِن مكةَ، فخرَج فلقِي رَكْبًا مِن بَهْراءَ مِن قُضاعةَ، فعرَض لهم، فقال: ابن سبيلٍ مُنْقَطَعٌ به. فحمَلوه حتى إذا جَنَّ عليه الليلُ عَدا عليهم فسرَقهم ثم انطلقَ، فرجَعوا في طلبِه فأدْرَكوه، فقذَفوه بالحجارةِ حتى مات.

قال ابن جريجٍ: فهذه الآياتُ كلُّها فيه نزَلت، إلى قولِه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} . أُنْزِلت في طُعْمَةَ بن أُبَيْرِقٍ، يَقُولون: إنه رَمَى بالدرعِ في دارِ أبى مُلَيلٍ بن عبدِ اللهِ الخزرجيِّ، فلما نزَل القرآنُ لحِق بقُرَيشٍ، فكان مِن أمرِه ما كان

(4)

.

حُدِّثت عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعت أبا معاذٍ، يقولُ: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ

(5)

، قال: سمِعت الضحاكَ يَقُولُ في قولِه: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} . يَقُولُ: بما أَنْزَلَ اللهُ عليك وأَراكَه في كتابِه، ونزَلت هذه الآيةُ في رجلٍ مِن

(1)

في الأصل: "عليه".

(2)

في الأصل: "الفهرى". وانظر سيرة ابن هشام 2/ 345.

(3)

لحج بالمكان: لزمه. التاج (ل ح ج).

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 218 إلى المصنف وسنيد وابن المنذر.

(5)

في م: "سلمان".

ص: 469

الأنصارِ اسْتُودِع درعًا فجحَد صاحبَها، فخوَّنه رجالٌ مِن أصحابِ نبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فغضِب له قومُه، وأتَوا نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: خوَّنوا صاحبَنا وهو أمينٌ سَلَّمٌ، فاعْذِرْه يا نبيَّ اللَّهِ وَازْجُرُ

(1)

عنه. فقام نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما فعذَره، وكذَّب. عنه، وهو يَرَى أنه برئٌ وأنه مكذوبٌ عليه، فأنْزَل اللهُ جل ثناؤُه بيانَ ذلك فقال:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} ، إلى قوله:{أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} . فبَيَّن اللهُ جل ثناؤُه خيانتَه، فلحِق بالمشركين مِن أهلِ مكةَ، وارتدَّ عن الإسلامِ، فنزَل فيه:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} إلى قولِه: {وَسَاءَتْ مَصِيرًا}

(2)

.

قال أبو جعفرٍ: وأولى التأويلين في ذلك بما دلَّ عليه ظاهرُ الآيةِ قولُ مَن قال: كانت خيانتُه التي وصَفه اللهُ بها في هذه الآيةِ جحودَه ما أُودِع؛ لأن ذلك هو المعروفُ مِن معاني الخياناتِ في كلامِ العربِ، وتوجيهُ تأويلِ القرآنِ إلى الأشهرِ مِن معاني كلامِ العربِ - ما وُجِد إليه سبيلٌ - أولى مِن غيره.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: {وَلَا تُجَادِلْ} يا محمدُ فتُخاصِمْ {عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} ، يَعْنِي: يخوِّنون أنفسَهم؛ يَجْعَلُونَها خَوَنةً بخيانتِهم ما خانوا مِن أموالِ مَن خانوه

(3)

مالَه

(4)

، وهم بنو

(1)

في الأصل: "أوجر".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 218، إلى المصنف.

(3)

في ص: "حابوه".

(4)

في الأصل: "مالهم".

ص: 470

أُبَيْرِقٍ، يقول: لا تُخاصِمُ عنهم مَن طالَبَهم بحقوقِهم، وما خانوه فيه مِن أموالِهم، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} ، يَقولُ: إن الله لا يُحِبُّ مَن كان مِن صفتِه خيانةُ الناسِ في أموالِهم، وركوبُ الإثمِ في ذلك وغيرِه مما حرَّمه اللهُ عليه.

وبنحوِ الذي قُلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ، وقد تقدَّم ذكرُ الروايةِ عنهم.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ، عن قتادةَ:{وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} . قال: اخْتَان رجلٌ

(1)

عمًّا له درعًا، فقذَف بها يهوديًّا كان يَغْشاهم، فجادَل عمُّ الرجلِ قومَه، فكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم عذَره، ثم لِحق بأرضِ الشركِ، فنزَلت فيه:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى}

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)} .

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يَعْنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ} : يَسْتَخْفِى هؤلاء الذين يَخْتانُون أنفسَهم ما أتَوا

(3)

من الخيانةِ وركِبوا مِن العارِ والمعصيةِ مِن الناسِ الذين لا يَقْدرون

(4)

لهم على شيءٍ إلا ذكرَهم بقبيحِ ما أتَوا (3) من فعلِهم، وشَنيعِ ما ركِبوا مِن جُزْمِهم إذا اطَّلعوا عليه، حياءً منهم وحذرًا مِن قبيحِ الأُحْدوثةِ.

(1)

في ص، ت 2، ص:"له".

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 172.

(3)

في ص، م، ت 2، س:"أوتوا".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ص:"يعذرون".

ص: 471

{وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} الذي هو مطَّلعٌ عليهم، لا يَخْفَى عليه شيءٌ مِن أعمالِهم، وبيَدِه العقابُ والنَّكالُ وتعجيلُ العذابِ، وهو أحقُّ أن يُسْتَحْيا منه مِن غيرِه، وأولى بأن يُعَظَّمَ؛ بأن لا يراهم حيثُ يَكْرَهون أن يَراهم أحدٌ مِن خلقِه، {وَهُوَ مَعَهُمْ} ، يعنى: واللهُ شاهدُهم، {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ}. يَقُولُ: حين يُسِرُّون

(1)

ليلًا ما لا يَرْضى اللهُ مِن القولِ فيُغَيِّرونه عن وجهِه، ويَكْذِبون فيه. وقد بيَّنا معنى التَّثبيتِ في [غيرِ هذا الموضعِ

(2)

، وأنه كلُّ كلامٍ أو أمرٍ أُصلِح ليلًا. وقد حُكِى عن بعضِ الطائيِّين أن التَّبْيِيتَ في]

(3)

لغتِهم التَّبْديلُ، وأنشدَ للأسودِ

(4)

بن عامرِ بن جُوَينٍ

(5)

الطائيِّ في معاتبةِ رجلٍ:

وبيَّتَّ قَوْلِيَ عبدَ

(6)

المليـ

ــكِ قاتَلَك

(7)

اللهُ عبدًا كَنودَا

(8)

بمعنى: بدَّلت قولى.

ورُوِى عن أبي رزينٍ أنه كان يَقولُ في معنى قولِه: يُبَيِّتون: يُؤَلِّفون.

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن الأعمشِ، عن أبي رَزينٍ:{إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} . قال: يُؤَلِّفون ما لا يَرْضَى مِن القولِ.

(1)

في م، ص، ت 1، ت 2، س:"يسوون".

(2)

انظر ما تقدم في: 246، 247.

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

(4)

في ص، ت 2، س:"الأسود".

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"جرير". وانظر الاشتقاق ص 391، والخزانة 1/ 53، 54.

(6)

في الأصل: "عند".

(7)

في ص، ت 1، س:"فأملك".

(8)

البيت في التبيان 3/ 319.

ص: 472

حدَّثنا أحمدُ بنُ سنانٍ الواسطيُّ، قال: ثنا أبو يحيى الِحمانيُّ، عن سفيانَ، عن الأعمشِ، عن أبي رَزينٍ بنحوه

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن الأعمشِ، عن أبي رَزينٍ مثلَه.

قال أبو جعفرٍ: وهذا القولُ شبيهُ المعنى بالذي قلناه، وذلك أن التأليفَ هو التسويةُ

(2)

والتغييرُ

(3)

عما هو به، وتحويلُه عن معناه إلى غيرِه.

وقد قيل: عنَى بقولِه: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} . الرهطَ الذين مشَوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في مسألةِ المدافعةِ عن ابن

(4)

أُبَيْرِقٍ والجدالِ عنه، على ما قد ذكَرنا قبلُ فيما مضَى عن ابن عباسٍ وغيرِه. {وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}. يَعْنى جلَّ ثناؤه: وكان اللهُ بما يَعْمَلُ هؤلاء المُسْتَخْفُون مِن الناسِ فيما أَتَوا

(5)

من جُرْمِهم، حياءً منهم مِن تَبْبِيتِهم ما لا يَرْضَى مِن القولِ وغيرِه مِن أفعالِهم. {مُحِيطًا}: مُحْصِيًا، لا يَخْفَى عليه شيءٌ منه، حافظًا لذلك عليهم، حتى يُجازِيَهم عليه جزاءَهم.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109)} .

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1061 (5941) عن أحمد بن سنان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 219 إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد.

(2)

في الأصل: "البيتوتة".

(3)

في ص، ت 1، ت 2:"التعبير".

(4)

في النسخ: "بنى". وما أثبتناه اعتمادا على السياق ودلالة الآثار السابقة.

(5)

في ص، م، س:"أوتوا".

ص: 473

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يَعْنى جل ثناؤُه بقولِه: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . ها أنتم الذين جادَلتم يا معشرَ مَن جادَل عن بنى أُبَيْرِقٍ في الحياةِ الدنيا - والهاءُ والميمُ في قولِه: {عَنْهُمْ} مِن ذكرِ الخائنين - {فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ} ، يَقُولُ: فمَن ذا يُخاصِمُ الله عنهم {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ، أي يومَ يَقُومُ الناسُ مِن قُبورِهم محشرِهم فيُدَافِعُ عنهم ما اللهُ فاعلٌ بهم ومعاقبُهم به؟ وإنما يَعْنى بذلك جل ثناؤه: أنكم أيُّها المدافِعون عن هؤلاء الخائنين أنفسَهم، وإن دافَعْتم عنهم في عاجلِ الدنيا، فإنهم سيَصِيرون في آجلِ الآخرةِ إلى مَن لا يُدافعُ عنهم عندَه

(1)

أحدٌ فيما يَحِلُّ بهم مِن أليمِ العذابِ ونَكالِ العقابِ.

وأما قولُه: {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} . فإنه يَعْنى: ومَن ذا الذي يَكُونُ على هؤلاء الخائِنين وكيلًا يومَ القيامةِ، أي ومَن يَتَوَكَّلُ لهم في خصومةِ ربِّهم عنهم يومَ القيامةِ. وقد بيَّنَّا معنى الوكالةِ فيما مضَى

(2)

، وأنها القيامُ بأمرِ مَن توكَّلَ له.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ، رحمه الله: يَعْنى بذلك جَلَّ ثناؤُه: ومَن يَعْمَلْ ذنبًا - وهو السوءُ - أو يَظْلِمْ نفسَه بإكسابِه

(3)

إياها ما يَسْتَحِقُّ به عقوبةَ اللَّهِ، {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ}. يَقُولُ: ثم يَتُوبُ إلى اللهِ بإنابتِه مما عمِل مِن السوءِ وظلمِ نفسِه، ومراجعةِ ما يُحِبُّه اللهُ مِن الأعمالِ الصالحةِ التي تَمْحو ذنبَه وتُذْهِبُ جُرمَه،

(1)

في الأصل: "غيره".

(2)

تقدم في 6/ 245.

(3)

في الأصل، ت 1، س:"باكتسابه".

ص: 474

{يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} . يَقُولُ: يَجِدِ الله ساتِرًا عليه ذنبَه بصفحِه له عن عقوبةِ

(1)

جُرمِه، رحيمًا به.

واختلَف أهلُ التأويلِ فيمن عُنِى بهذه الآيةِ؛ فقال بعضُهم: عُنِى بها الذين وصفَهم اللهُ بالخيانة بقولِه: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} .

وقال آخرون: عُنِى بها الذين كانوا

(2)

يجادلون عن الخائنين الذين قال اللهُ لهم: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . وقد ذكَرنا قائلى القولَين كليهما فيما مضَى.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا: أنه عُنِى بها كلُّ مَن عَمِل سُوءًا أو ظلَم نفسَه، وإن كانت نزَلت في أمرٍ الخائنين والمجادِلين عنهم، الذين ذكَر اللهُ أمرَهم في الآياتِ قبلَها.

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال جماعةٌ مِن أهلِ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا ابن أبى عديٍّ، عن شعبةَ، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، قال: قال عبدُ اللهِ: كانت بنو إسرائيلَ إذا أصاب أحدُهم ذنبًا أصبح قد كُتِب كفارةُ ذلك الذنبِ على بابِه، وإذا أصاب البولُ شيئًا منه قرَضه بالمقراضِ

(3)

. فقال رجلٌ: لقد آتَى اللهُ بنى إسرائيلَ خيرًا. فقال عبدُ اللهِ: ما آتاكم اللهُ خيرٌ مما آتاهم؛ جعَل اللهُ الماءَ لكم طهورًا، وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ

(1)

في م: "عقوبته".

(2)

سقط من: م.

(3)

في الأصل: "بالمقراضين".

ص: 475

ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 135]. وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}

(1)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: ثنا ابن عونٍ، عن حبيبِ بن أبى ثابتٍ، قال: جاءت امرأةٌ إلى عبدِ اللَّهِ بن مُغَفَّلٍ

(2)

، فسألتْه عن امرأةٍ فجَرت فحَبِلت، فلما ولَدت قتَلت ولدَها، قال: فقال ابن مُغَفَّلٍ

(2)

مالها! لها النارُ. فانصَرَفت وهى تَبْكى فدَعاها، قال: ثم قال: ما أرى أمرَك إلا أحدَ أمرين: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} . قال: فمسَحت عينَها ثم مضَت

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسِ قولَه:{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} . قال: أخبَر اللهُ عبادَه بحلمِه وعفوِه وكرَمِه، وسَعةِ رحمتِه ومغفرتِه، فمن أذنبَ ذنبًا - صغيرًا كان أو كبيرًا - {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} ، ولو كانت ذنوبُه أعظمَ مِن السمواتِ والأرضِ والجبالِ

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ومَن يأتِ ذنبًا على عمدٍ منه

(1)

أخرجه معمر في جامعه (20247) والطبراني (8794) والبيهقى في الشعب (7143) عن أيوب عن ابن سيرين به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 219 إلى عبد بن حميد.

(2)

في الأصل، ت 1، ت 2، س:"معقل".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 219 إلى المصنف.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 219 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 476

له [ومعرفةٍ به]

(1)

، فإنما يَجْتَرِحُ

(2)

وبالَ ذلك الذنبِ وضُرَّه وخِزْيَه وعارَه على نفسِه دونَ غيرِه مِن سائرِ خلقِ اللَّهِ. يَقُولُ: فلا تجادِلوا أيُّها الذين تجادِلون عن هؤلاء الخونةِ، فإنكم وإن كنتم لهم عشيرةً وقرابةً وجيرانًا براءُ مما أتَوه مِن الذنبِ ومِن التبِعةِ

(3)

التي يُتْبَعون

(4)

بها، فإنكم متى دافَعتم عنهم أو خاصَمتم بسببِهم كنتم مثلَهم، فلا تُدافعوا عنهم ولا تخاصِموا.

وأما قولُه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} . فإنه يَعْنى: وكان اللهُ عالمًا بما تَفْعلون أيُّها المجادِلون عن الذين يَخْتانون أنفسَهم في جدالِكم عنهم وغيِر ذلك مِن أفعالِكم وأفعالِ غيرِكم، وهو يُحْصِيها عليكم وعليهم، حتى يجازِىَ جميعَكم بها {حَكِيمًا}. يقولُ: وهو حكيمٌ بسياستِكم وتدبيرِكم وتدبيرِ جميعِ خلقِه. وقيل: نزَلت هذه الآيةُ في بنى أُبَيْرِقٍ، وقد ذكَرنا مَن قال ذلك فيما مضَى قبلُ.

‌القولُ في تأويل قولِه جل ثناؤه: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)} .

قال أبو جعفر محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ومَن يَعْمَلْ خطيئةً، وهى الذنبُ، أو إثمًا، وهو ما لا يحلُّ مِن المعصيةِ.

وإنما فرَّق بينَ الخطيئةِ والإثمِ؛ لأن الخطيئةَ قد تَكُونُ مِن قِبَلِ العمدِ وغيرِ العمدِ، والإثمُ لا يَكُونُ إلا مِن العمدِ، ففصَل جلَّ ثناؤُه لذلك بينَهما، فقال: ومَن يَأْتِ خَطيئةً على غيرِ عمدٍ منه لها، أو إثمًا على عمدٍ منه، {ثُمَّ يَرْمِ

(1)

في الأصل: "مغفرة له".

(2)

في الأصل: "يحرج".

(3)

في ت 1، س:"البيعة".

(4)

في ت 1: "يبيعون".

ص: 477

بِهِ بَرِيئًا}

(1)

. يَعْنى: ثم يُضيفُ

(2)

[ما أتَى]

(3)

مِن خطئِه أو إثمِه الذي تَعَمَّده بريئًا مما أضافه إليه، ونحَله إياه، {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}. يَقُولُ: فقد تَحمَّلَ بفعلِه ذلك فِرْيةً وكذبًا وإثمًا عظيمًا، يقولُ: وجُرْمًا عظيمًا على علمٍ منه وعَمْدٍ لما أتَى مِن معصيتِه وذنبِه.

واختلَف أهلُ التأويلِ فيمن عنَى اللهُ بقولِه: {بَرِيئًا} . بعدَ إجماعِ جميعِهم على أن الذي رمَى البرئَ بالإثم الذي كان أتاه ابن أُبَيْرِقٍ: الذي وصَفنا شأنَه قبلُ؛ فقال بعضُهم: عَنى اللهُ عز وجل بالبرئِ رجلًا مِن المسلمين يُقال له: لبيدُ بنُ سهلٍ.

وقال آخرون: بل عنَى به رجلًا مِن اليهودِ يُقال له: زيدُ بنُ السَّمِينِ. وقد ذكَرنا الروايةَ عمن قال ذلك فيما مضَى، وممن قال: كان يَهُوديًّا، ابن سيرينَ.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا غُنْدَرٌ، عن شعبةَ، عن خالدٍ الحذاءِ، عن ابن سيرينَ:{ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} ، قال: يهوديًّا

(4)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا بَدَلُ بنُ المُحبَّرِ، قال: ثنا شعبةُ، عن خالدٍ الحذَّاءِ، عن ابن سِيرينَ مثلَه

(4)

.

وقيل: {ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} ، بمعنى: ثم يَرْمِ بالإثمِ الذي أتى هذا الخائنُ مَن هو برئٌ مما رمَاه به، فالهاءُ في قولِه {بِهِ} عائدةٌ على الإثمِ، ولو جُعِلت كنايةٌ مِن ذكرِ الإثمِ والخَطيئةِ كان جائزًا؛ لأن الأفعالَ وإن اختلَفت العباراتُ عنها فراجعةٌ إلى

(1)

بعده في م: "يعنى بالذي تعمده بريئا".

(2)

في م: "يصف".

(3)

في ص، ت 1 ت 2، س:"ما له". وبعده في الأصل: "من أتى".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1063 (5952) من طريق شعبة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 220 إلى ابن المنذر.

ص: 478

معنى واحدٍ بأنها فعلٌ.

وأما قولُه: {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} . فإن معناه: فقد تَحمَّل هذا الذي رمَى بما أتى مِن المعصيةِ، وركِب مِن الإثمِ والخطيئةِ مَن هو برئٌ مما رماه به مِن ذلك {بُهْتَانًا} - وهو الفِرْيةُ والكَذِبُ - {وَإِثْمًا مُبِينًا} ، يَعْنى: وِزرًا

(1)

مبينًا، يعنى أنه يُبِينُ عن أمرِ مُتَحمِّله

(2)

وجُرأتِه على ربِّه، وتَقَدُّمِه على خلافِه فيما نهاه عنه لمن يَعْرِفُ أمرَه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)} .

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يَعْنى بقولِه جلَّ ثناؤُه: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ} . ولولا أن الله تَفَضَّل عليك يا محمدُ فعصَمك بتوفيقِه وتِبيانِه لك أمرَ هذا الخائنِ، فكَفَفْتَ لذلك عن الجدالِ عنه، ومدافعةِ أهلِ الحقِّ عن حقِّهم قِبَلَه، {لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ}. يَقُولُ: لهمَّت فرقةٌ منهم، يَعْنى: مِن هؤلاءِ الذين يَخْتَانُون أنفسَهم {أَنْ يُضِلُّوكَ} . يَقُولُ: يُزِلُّوك عن طريقِ الحقِّ، وذلك لتلبِيسِهم أمرَ الخائنِ عليه صلى الله عليه وسلم، وشَهادتِهم للخائنِ عندَه بأنه برئٌ مما ادُّعِى عليه، ومسألتِهم إياه أن يَعْذِرَه، ويَقُومَ بمعذِرتِه في أصحابِه، فقال اللهُ تبارك وتعالى: وما يُضِلُّ هؤلاء الذين همُّوا بأن يُضِلوك عن الواجبِ مِن الحكمِ في أمرِ هذا الخائنِ درعَ جارِه، إلا أنفسَهم.

(1)

في الأصل: "زورا".

(2)

في م: "عمله".

ص: 479

فإن قال قائلٌ: وما كان وجهُ إضلالِهم أنفسَهم؟ قيل: وجهُ إضلالِهم أنفسَهم: أخذُهم بها في غيرِ ما أباح اللهُ لهم الأخذَ بها فيه مِن سُبُلِه، وذلك أن اللَّهَ جلَّ ثناؤُه قد كان تَقَدَّم إليهم فيما تَقَدَّم في كتابِه على لسانِ رسولِه صلى الله عليه وسلم إلى خلقِه، بالنهى عن التعاونِ على الإثمِ والعُدْوانِ، والأمرِ بالتعاونِ على الحقِّ، فكان مِن الواجبِ للهِ على من سعَى في أمرِ الخائنين الذين وصَف اللهُ أمرَهم بقولِه:{وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} ، معاونةُ مَن ظلَموه دونَ مَن خاصَمهم إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في طلبِ حقِّه منهم، فكان سعيُهم في معونتِهم دونَ معونةِ مَن في ظلَموه، أخذًا منهم في غيرِ سبيلِ اللهِ، وذلك هو إضلالهُم أنفسَهم، الذي وصَفه اللهُ فقال:{وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} . يقولُ: وما يَضُرُّك هؤلاء الذين همُّوا بك أن يُزِلُّوك عن الحقِّ في أمرِ هذا الخائنِ مِن قومِه وعشيرتِه مِن شيءٍ؛ لأن الله مُثَبِّتُك ومسدِّدُك في أمورِك، ومبينٌ لك أمرَ مَن سعَوا في إضلالِك عن الحقِّ في أمرِه وأمرِهم، ففاضِحُه وإياهم.

وقولُه: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} . يَقُولُ: ومِن فضلِ اللهِ عليك يا محمدُ مع سائرِ ما تَفَضَّل به عليك مِن نعمِه، أنه أنزَل عليك أيضًا الكتابَ، وهو القرآنُ الذي فيه تِبيانُ كلِّ شيءٍ وهدًى وموعظةٌ، و {وَالْحِكْمَةَ} ، يَعْنى: وأنزل عليك مع الكتابِ الحكمةَ، وهى بيانُ ما كان في الكتابِ مجملًا ذكرُه، مِن حلالِه وحرامِه، وأمرِه ونهيِه وأحكامِه، ووعدِه ووعيدِه، {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} مِن خبرِ الأوَّلين والآخرين، وما كان وما هو كائنٌ

(1)

، فكل ذلك مِن فضلِ اللهِ عليك.

(1)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، س:"قبل".

ص: 480

[وقولُه: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}. يقولُ: ولم يَزَلْ فضلُ اللَّهِ عليك]

(1)

يا محمدُ مذ خلَقك، عظيمًا فاشْكُرْه على ما أوْلاك مِن إحسانِه إليك بالتمسُّكِ بطاعتِه، والمسارعةِ إلى رضاه ومحبتِه، ولزومِ العملِ بما أنْزَل إليك في كتابِه وحكمتِه، ومخالفةِ مَن حاول إضلالَك عن طريقِه ومنهاجِ دينِه، فإن اللَّهَ هو الذي يَتَولّاك بفضلِه ويَكْفِيك غائلةَ مَن أرادَك بسوءٍ وحاوَل صدَّك عن سبيلِه، كما كفاك أمرَ الطائفةِ التي همَّت أن تُضِلُّك عن سبيلِه في أمرِ هذا الخائنِ، ولا أحدَ مِن دونِه يُنْقِذُك مِن سوءٍ إن أراد بك، إن أنت خالَفتَه في شيءٍ مِن أمره ونهيِه، واتَّبَعْت هوَى مَن حاوَل صدَّك عن سبيلِه.

وهذه الآيةُ تَنْبِيهٌ مِن اللهِ عز وجل نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم على موضعِ خَطئِه

(2)

، وتذكيرٌ منه له الواجبَ عليه مِن حقِّه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} . لا خيرَ في كثيرٍ مِن نجوى الناسِ جميعًا، {إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ}. والمعروفُ: هو كلُّ ما أمَر اللهُ به أو ندَب إليه مِن أعمالِ البرِّ والخيرِ، {أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}: وهو الإصلاحُ بينَ المتبايِنَيْن أو المختصمَيْن بما أباح اللَّهُ الإصلاحَ بينَهما ليَتَراجَعا إلى ما فيه الأُلْفَةُ واجتماعُ الكلمةِ على ما أذِن اللهُ وأمَر به.

ثم أخبَر جلَّ ثناؤُه بما وعَد مَن فعَل ذلك، فقال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(2)

في الأصل، م:"حظه".

ص: 481

مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}. يَقُولُ: ومَن يَأْمُرْ بصدقةٍ أو معروفٍ مِن الأمرِ

(1)

، أو يُصْلِحْ بينَ الناسِ {ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} ، يَعْنى: طلبَ رَضا اللَّهِ بفعلِه ذلك، {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}. يَقُولُ: فسوف نُعْطِيه جزاءً لما فعل مِن ذلك أجْرًا

(2)

عظيمًا، ولا حدَّ لمبلغِ ما سمَّى اللهُ عظيمًا يَعْلَمُه سواه

(3)

.

واختلَف أهلُ العربيةِ في مَعْنَى قولِه: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} ؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: معنى ذلك: لا خيرَ في كثيرٍ من نجواهم إلا في نجوى مَن أمَر بصدقةٍ، كأنه عطَف بـ"مَن" على "الهاءِ والميمِ" التي في {نَجْوَاهُمْ} . وذلك خطأٌ عندَ أهلِ العربيةِ؛ لأن "إلا" لا تُعْطَفُ على "الهاءِ والميمِ" في مثلِ هذا الموضعِ مِن أجلِ أنه لم يَنَلْه الجحدُ.

وقال بعضُ نحوييِّ الكوفةِ: قد تَكُونُ "من"

(4)

في موضعِ خفضٍ ونصبٍ. أما الخفضُ فعلى قولِك: لا خيرَ في كثيرٍ مِن نجواهم إلا فيمن أمَر بصدقةٍ. فتَكُونُ النَّجْوى على هذا التأويلِ: هم الرجالُ المناجُون، كما قال جلَّ ثناؤه:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7]. وكما قال {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} [الإسراء: 47]. وأما النصبُ، فعلى أن تَجْعَل النجوى فعلًا

(5)

فيَكُونَ نصبًا؛ لأنه حينَئذٍ يَكُونُ

(6)

استثناءً منقطعًا؛ لأن

(7)

"مَن" خلافُ "النجوى"، فيَكُونُ

(1)

في الأصل: "الأمراء".

(2)

سقط من: الأصل، ص، م، ت 1، ت 2.

(3)

في الأصل: "سواء".

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

(5)

يقصد بـ "فعلًا" مصدرًا، يعني مناجاتهم.

(6)

في الأصل: "قد يكون".

(7)

في الأصل: "لا"، وفى م:"لأنه".

ص: 482

ذلك نظيرَ قولِ الشاعرِ

(1)

.

وَما بالرَّبْعِ مِن أحدِ

إلا أَوَارِيَّ لأْيًا ما أُبَيِّنُها

..................

وقد يَحْتَمِلُ ["مَن" على]

(2)

هذا التأويلِ أن يَكُونَ رفعًا، كما قال الشاعرُ

(3)

:

وبلدةٍ ليس بها أَنِيسُ

إلا اليَعافيرُ وإلا العِيسُ

(4)

قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوالِ بالصوابِ في ذلك أن تَجْعَلَ "مَن" في موضعِ خفضٍ بالردِّ على النَّجْوى، وتكُونُ النَّجْوَى بمعنى جمع المُتناجِين، خرج مَخرجَ السَّكْرَى والجَرْحَى والمَرْضَى، وذلك أن ذلك أظهرُ معانيه، فيَكُونُ تأويلُ الكلامِ: لا خيرَ في كثيرٍ من المتناجِين يا محمدُ [مِن الناسِ]

(5)

، إلا في من أمَر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بينَ الناسِ، فإن أولئك فيهم الخيرُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يَعْنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} . ومَن يُبايِنِ الرسولَ محمدًا صلى الله عليه وسلم المعاديًا له، فيُفارِقْه على العداوةِ له، {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى}. يَعْنى: مِن بعدِ ما تَبَيَّن له أنه رسولُ اللهِ، وأنَّ ما

(1)

هو النابغة الذبيانى، والبيتان تقدما بتمامهما في 1/ 183، 184.

(2)

سقط من: الأصل، ص، ت 2.

(3)

هو جران العود النميرى، والبيت في ديوانه ص 52، والكتاب 2/ 322، ومعاني القرآن 1/ 288، والخزانة 4/ 121.

(4)

اليَعْفور واليُعْفور: الظبى الذي لونه كلون العَفَر وهو التراب. وقيل هو الظبى عامة. والعِيس: الإبل تضرب إلى الصفرة. اللسان (ع ف ر، ع ى س).

(5)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

ص: 483

جاء به مِن عندِ اللهِ يَهْدِى إلى الحقِّ وإلى طريقٍ مستقيمٍ، {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}. يَقُولُ: ويَتَّبِعْ طريقًا غيرَ طريقِ أهلِ التصديقِ، ويَسْلُكْ منهاجًا غيَر منهاجِهِم، وذلك هو الكفرُ باللهِ؛ لأن الكفرَ باللهِ وبرسولِه غيُر سبيلِ المؤمنين وغيرُ منهاجِهم، {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}. يَقُولُ: نَجْعَلْ ناصرَه ما استَنْصَرَه واستَعَان به مِن الأوثانِ والأصنامِ، وهى لا تُغْنيه ولا تَدْفَعُ عنه مِن عذابِ اللَّهِ شيئًا، ولا تَنْفَعُه.

كما حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} . قال: مِن [آلهةِ الباطلِ]

(1)

(2)

.

حدَّثني المثنى

(3)

، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه (2).

{وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} . يَقُولُ: ونَجْعَلْه يصْلَى نارَ جهنمَ، يَعْنى: نُحْرِقُه بها.

وقد بينَّا معنى الصَّلاءِ فيما مضَى

(4)

، بما أغنى عن إعادتِه في هذا الموضعِ، {وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. يَقُولُ: وساءت جهنَّمُ مَصيرًا: موضعًا يَصيرُ إليه مَن صار إليه، ونزَلت هذه الآيةُ في الخائِنين الذين ذكَرهم اللهُ في قولِه:{وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} لما أبَى التوبةَ مَن أبى منهم، وهو طُعْمَةُ بنُ الأُبَيْرقِ، ولِحق بالمشركين مِن عبدةِ الأوثانِ بمكةَ مرتدًّا مفارِقًا لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ودينِه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)} .

(1)

في الأصل: "من الأئمة الأباطيل".

(2)

تفسير مجاهد ص 292. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1066 (5968) من طريق ابن أبي نجيح به.

(3)

في م: "ابن المثنى".

(4)

تقدم في 6/ 455 ـ

ص: 484

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: إِن اللَّهَ لا يَغْفِرُ لِطُعْمَةَ إِذ أَشْرَك ومات على شركِه باللهِ ولا لغيرِه مِن خلقِه شرْكَهم وكفْرَهم به، {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. يَقُولُ: ويَغْفِرُ ما دونَ الشركِ باللهِ مِن الذنوبِ لمن يَشاءُ، يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: أن طُعْمَةً لولا أنه أشْرَك باللهِ ومات على شركِه لكان في مشيئةِ اللهِ على ما سلَف مِن خيانتِه ومعصيتِه، وكان إلى اللهِ أمرُه في عذابِه والعفوِ عنه - وكذلك حكمُ كلِّ

(1)

مَن اجْتَرَم جُرْمًا، فإلى اللهِ أمرُه، إلا أن يَكُونَ جُرْمُه شركًا باللهِ وكفرًا، فإنه

(2)

ممن حَتْمٌ عليه أنه مِن أهلِ النارِ إذا مات على شركِه - [فأما إذا

(3)

مات]

(4)

مات على شركِه، فقد حرَّم اللهُ عليه الجنةَ، ومأواه النارُ.

وقال السُّديُّ في ذلك بما حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السدِّيِّ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} . يَقُولُ: مَن يَجْتَنِبُ الكبائرَ مِن المسلمين.

وأما قولُه: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} . فإنه يَعْنى: ومَن يَجْعَلْ للَّهِ في عبادتِه شريكًا، فقد ذهَب عن طريقِ الحقِّ، وزال عن قصدِ السبيلِ ذهابًا بعيدًا وزوالًا شديدًا، وذلك أنه بإشراكِه باللهِ في عبادتِه قد أطاع الشيطانَ وسلَك طريقه، وترَك طاعةَ اللهِ ومنهاجَ دينِه، فذاك هو الضلالُ البعيدُ والخُسرانُ المبينُ.

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

بعده في الأصل: "أجرم".

(3)

في الأصل: "إذ".

(4)

في م: "فإذا".

ص: 485

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} .

قال أبو جعفرٍ: اختلَف أهلُ التأويلِ في تأويل ذلك؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: إن يَدْعُون مِن دونِه إلا اللاتَ والعُزَّى ومناةَ، فسمّاهنّ اللهُ إناثًا بتسميةِ المشركين [إياهم بأسماءِ]

(1)

الإناثِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبَرنا حُصَينٌ، عن أبي مالكٍ في قولِه:{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} . قال: اللاتَ والعزَّى ومناةَ، كلُّها مؤنثٌ

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن حُصَينٍ، عن أبى مالكٍ بنحوِه، إلا أنه قال: كلُّهن

(3)

مؤنثٌ.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مفضلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السدِّيِّ:{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} . يَقُولُ: يُسَمُّونَهم إناثًا؛ لاتَ ومناةَ وعُزَّى

(4)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} . قال: آلهتُهم: اللاتُ والعُزَّى ويَسافُ

(5)

(1)

في ص، م، ت 1، س:"إياهن بتسمية".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1067 عقب أثر (5973) معلقًا. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 222 إلى عبد بن حميد والمصنف وابن المنذر.

(3)

في الأصل: "كله".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1067 عقب الأثر (5973) من طريق عمرو بن حماد عن أسباط به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 223 إلى المصنف.

(5)

في الأصل: "مناة".

ص: 486

ونائلةُ، هم إناتٌ يَدْعُونهم مِن دونِ اللهِ، وقَرَأَ:{وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} .

وقال آخرون: معنى ذلك: إن يَدْعُون مِن دونِه إلا مَواتًا لا رُوح فيه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليٍّ بن أبى طلحةَ، عن ابن عباسٍ قولَه:{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} . يَقُولُ: مَيْتًا

(1)

.

حدَّثني بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ: قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} : أي إلا مَيْتًا لا رُوح

(2)

فيه

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا الحجاجُ، قال: ثنا مباركُ بنُ فَضالةَ، عن الحسنِ:{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} . قال: والإناتُ: كلُّ شيءٍ ميتٌ ليس فيه روحٌ: خشبةٌ يابسةٌ أو حجرٌ يابسٌ، قال اللهُ تعالى ذِكرُه:{وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} ، إلى قولِه:{فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ}

(4)

.

وقال آخرون: عُنِى بذلك: أن المشركين كانوا يَقُولون: الملائكةُ بناتُ اللهِ.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1067 (5971) من طريق الضحاك عن ابن عباس به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 223 إلى ابن المنذر.

(2)

في الأصل، ص، ت 1، س:"أرواح".

(3)

في الأصل، ص:"فيها". والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 223 إلى المصنف وعبد بن حميد.

(4)

تفسير مجاهد ص 292، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1067 (5972) من طريق مبارك به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 223 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 487

‌[ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا يحيى بنُ أبى طالبٍ، قال: أخبَرنا يزيدُ، قال: أخبَرنا جويبرٌ، عن الضحاكِ في قولِه:{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} . قال: الملائكةُ، يَزْعُمون أَنَّهم بناتُ اللهِ

(1)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: أن أهلَ

(2)

الأوثانِ كانوا يُسَمُّون أوثانَهم إناثًا، فأنزَل اللهُ ذلك كذلك]

(3)

.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا سفيانُ بنُ وكيعٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ هارونَ، عن نوحِ بن قيسٍ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ قال: كان لكلِّ حيٍّ مِن أحياءِ العربِ صنمٌ يُسَمُّونها أنثى [بنى فلانٍ]

(4)

، فأنزَل اللهُ:{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا}

(5)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، قال: أخبرنا نوحُ بنُ قيسٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ سيفٍ أبو رجاءٍ الحرانيُّ، قال: سمِعت الحسنَ يَقُولُ: كان لكلِّ حَيٍّ مِن العربِ، فذكَر نحوَه

(5)

.

وقال آخرون: الإناثُ في هذا الموضعِ الأوثانُ.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1067 (5974) من طريق جويبر به بنحوه.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

سقط من: ص، ت 1، س.

(4)

سقط من: الأصل، ص، ت 1، ت 2، س.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (688 - تفسير) من طريق نوح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 223 إلى ابن المنذر.

ص: 488

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، مجاهدٍ في قولِه:{إِنَاثًا} قال: أوثانًا

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا سفيانُ بنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن هشامِ بن عُرْوةَ، عن أبيه، قال: كان في مصحفِ عائشةَ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا}

(2)

.

وقد رُوِى عن ابن عباسٍ أنه كان يَقْرَؤُها

(3)

: (إن يَدْعُون مِن دونِه إلا أُثُنًا

(4)

). بمعنى جمعِ وَثَنٍ، فكأنه جمَع وَثَنًا وُثْنًا

(5)

، ثم قَلب الواوَ همزةً مَضْمومةً، كما قيل: ما أحسَنَ هذه الأُجُوهَ. بمعنى "الوُجوه"، وكما قيل:{وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} [المرسلات: 11] بمعنى: وُقِّتت.

وذكِر عن بعضِهم أنه كان يَقْرَأُ ذلك: (إن يَدْعُون مِن دونِه إلا أُنُثًا). كأنه أراد جمعَ الإناثِ، فجمَعها أُنُثًا، كما تُجمَعُ الثمارُ "ثُمُرا"

(6)

.

(1)

تفسير مجاهد ص 292. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1067 عقب أثر (5973) معلقًا.

(2)

أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 170، وابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1067 (5973) من طريق هشام به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 223 إلى ابن الأنبارى في المصاحف وابن المنذر.

(3)

في الأصل: "يقول".

(4)

في الأصل: "أوثانا". وهذه إحدى قراءتين عن ابن عباس في هذا الحرف. ورويت عن ابن عباس وابن عمر وعطاء: (إلا أنثا)، يريدون (وثنا)، فأبدل الهمزة واوا، وخرج على أنه جمع إذ أصله وثن. والصواب إلا (أثنا) وهى قراءة شاذة

إلخ. وروى عنه رضي الله عنه أيضا أنه قرأها (إلا أنثا) كقولهم ثمار وثُمُر. البحر المحيط 3/ 352.

(5)

في الأصل، س:"أثنا". وانظر البحر المحيط 3/ 352.

(6)

معاني القرآن 1/ 288، 289، وهى قراءة ابن عباس وأبى حيوة والحسن وعطاء وأبى العالية وأبى نهيك ومعاذ القارئ. وانظر البحر المحيط 3/ 352.

ص: 489

والقراءةُ التي لا أستجيزُ القراءةَ بغيرِها قراءةَ مَن قرَأ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} . بمعنى جمع الأُنثى؛ لأنها كذلك في مصاحفِ المسلمين، ولإجماعِ الحجةِ على قراءةِ ذلك كذلك.

وأولى التأويلاتِ التي ذُكِرت بتأويلِ ذلك - إذ كان الصوابُ عندَنا مِن القراءةِ ما وصَفْتُ - تأويلُ مَن قال: عنِى بذلك الآلهةُ التي كان مشرِكو العربِ يَعْبُدونها مِن دونِ اللهِ، ويُسَمُّونها بالإناثِ مِن الأسماءِ، كاللاتِ والعزَّى ونائلةَ ومناةَ، وما أشبَه ذلك.

وإنما قلنا ذلك أولى بتأويلِ الآية؛ لأن الأظهرَ مِن معاني الإناثِ في كلامِ العربِ ما عُرَّف بالتأنيثِ دونَ غيره، فإذ كان ذلك كذلك، فالواجبُ توجيهُ تأويلِه إلى الأَشْهرِ مِن معانيه، وإذ كان ذلك كذلك، فتأويلُ الآيةِ: ومَن يُشَاقِقِ الرسولَ مِن بعدِ ما تَبَيَّن له الهدى، [ويَتَّبِعْ غيرَ سبيلِ المؤمنين]

(1)

، نُوَلِّه ما تولَّى ونُصْلِه جهنمَ وساءَت مصيًرا، {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} ، يَقولُ: ما يَدْعُو الذين يُشَاقُّون الرسولَ ويَتَّبِعون غيرَ سبيلِ المؤمنين شيئًا مِن دونِ اللهِ بعدَ اللهِ وسواه

(2)

{إِلَّا إِنَاثًا} ، يَعْنى: إلا ما سمَّوه بأسماءِ الإناثِ، كاللاتِ والعزَّى وما أشبَه ذلك، يَقُولُ جلَّ ثناؤُه: فحسِب هؤلاء الذين أشرَكوا باللهِ وعبَدوا ما عبَدوا مِن دونِه مِن الأوثانِ والأندادِ - حجةً عليهم في ضلالتِهم وكفرِهم وذهابِهم عن قصدِ السبيلِ - أنهم يَعْبُدُون إناثًا ويَدْعُونها آلهةً وأربابًا. والإناتُ مِن كلِّ شيءٍ أخسُّه

(3)

. فهم يُقِرُّون للخسيسِ مِن الأشياءِ بالعبوديةِ على علمٍ منهم بخساستِه، ويَمْتَنِعون مِن

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

في الأصل: "رسوله".

(3)

في الأصل: "أخشنه".

ص: 490

إخلاصِ العبوديةِ للذى له مُلْكُ كلِّ شيءٍ، وبيدِه الخلقُ والأمرُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117)} .

قال أبو جعفرٍ: يَعْنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} . وما يَدْعُو هؤلاء الذين يَدْعُون هذه الأوثانَ الإناثَ مِن دونِ اللَّهِ بدعائِهم إياها إلا شيطانًا مريدًا، يَعْنى متمرِّدًا على اللهِ جل ثناؤه في خلافِه فيما أمرَه به، وفيما نهاه عنه.

كما حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} . قال: تمرَّد على معاصى اللهِ

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يَعْنى جلَّ ثناؤه بقولِه: {لَعَنَهُ اللَّهُ} . أخْزاه وأقْصاه وأبعَده.

ومعنى الكلامِ: وإن يَدْعُون إلا شيطانًا مريدًا قد لعَنه اللهُ، وأبعَده مِن كلِّ خيرٍ.

وقال: {لأَتَّخِذَنَّ} . يَعْنى بذلك أن الشيطانَ المريدَ قال

(2)

لربِّه إذ لعَنه: {لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} . يعنى بالمفروضِ: المعلومَ.

كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن جويبرٍ، عن

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1068 (5977) من طريق يزيد به.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س:"كان".

ص: 491

الضحاكِ: {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} . قال: معلومًا

(1)

.

فإن قال لنا قائلٌ: وكيف يَتَّخِذُ الشيطانُ مِن عبادِ اللهِ نصيبًا مفروضًا؟ قيل: يَتَّخِذُ منهم ذلك النصيبَ بإغوائِه إياهم عن قصدِ السبيلِ، ودعائِه إياهم إلى طاعتِه، وتَزْيينِه لهم الضلالَ والكفرَ، حتى يُزِيلَهم عن منهجِ الطريقِ، فمن أجاب دعاءَه واتَّبع ما زيَّنه له، فهو مِن نصيبِه المعلومِ وحظِّه المقسومِ، وإنما أخبَر اللهُ جلَّ ثناؤُه في هذه الآيةِ بما أخبَر عن الشيطانِ مِن قبلِه:{لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} ؛ ليَعْلَمَ الذين شاقُّوا الرسولَ من بعدِ ما تَبَيَّن لهم الهدى أنهم مِن نصيبِ الشيطانِ - الذي لعَنه اللهُ - المفروضِ، وأنه ممن صدَّق عليهم ظنَّه. وقد دللَّنا على معنى اللعنةِ فيما مضَى

(2)

، فكرِهنا إعادتَه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ، رحمه الله: يَعْنى بقولِه جلَّ ثناؤُه مخبِرًا عن قِيلِ الشيطانِ المَريدِ، الذي وصَف صفتَه في هذه الآيةِ:{وَلأُضِلَّنَّهُمْ} . ولأَصُدَّنُّ

(3)

النصيبَ المفروضَ الذي أتَّخِذُه مِن عبادِك

(4)

عن مَحَجَّةِ الهدى إلى الضلالِ، ومِن الإسلامِ إلى الكفرِ، {وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ} ، يَقُولُ: لأَزِيغَنَّهم بما أَجْعَلُ في نفوسِهم مِن الأمانيِّ عن طاعتِك وتوحيدِك إلى طاعتى، والشركِ بك، {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} ، يَقُولُ: ولآمُرَنَّ النصيبَ المفروضَ لى مِن عبادِك

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 223 إلى المصنف.

(2)

تقدم في 2/ 231، 232، 732، 733.

(3)

في الأصل: "لأصدق"، وفى ص:"لآخذن".

(4)

في الأصل، ت 1:"عباده".

ص: 492

بعبادةِ غيرِك مِن الأوثانِ والأندادِ، حتى يَنْسُكوا له ويُحَرِّموا ويُحَلِّلُوا له، ويَشْرَعوا غيَر الدينِ

(1)

الذي شَرَعتَه لهم فيَتَّبِعونى ويُخالِفوك.

والبَتْكُ

(2)

: القَطْعُ، وهو في هذا الموضعِ: قطعُ أُذُنِ البَحِيرةِ

(3)

ليُعلمَ أنها بَحيرةٌ، وإنما أراد بذلك الخبيثُ: أنه يَدْعوهم إلى البَحيرَةِ، فيَسْتَجيبون له، ويَعْمَلُون بها طاعةً له.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكر من قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} . قال: البَتْكُ في البَحِيرةِ والسائبةِ

(4)

، كانوا يُبَتِّكون آذانَها لطَواغِيتِهم

(5)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مفضلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ قولَه:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} : أما يُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنعامِ: فيَشُقُّونها فيَجْعَلونها بَحِيرةً

(6)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، قال:

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.

(2)

في الأصل، ص، ت 1، س:"التبتيك".

(3)

البحيرة: الناقة كانت في الجاهلية إذا ولدت خمسة أبطن شقوا أذنها، وأعفوها أن ينتفع بها، ولم يمنعوها من مرعى ولا ماء. اللسان (ب ح ر).

(4)

السائبة: الناقة في الجاهلية كانت تسيب لنذر ونحوه، فلا ينتفع بظهرها ولا تركب، ولا تمنع من كلأ ولا ماء. اللسان (س ى ب).

(5)

تفسير عبد الرزاق 1/ 173، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 223 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1069 (5983) من طريق أحمد بن المفضل به.

ص: 493

أخبَرنى القاسمُ بنُ أبى بَزَّةَ، عن عِكرمةَ:{فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} ، قال: دينٌ شرَعه لهم إبليسُ كهيئةِ البحائرِ والسُّيَّبِ

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} .

قال أبو جعفر رحمه الله: اختلَف أهلُ التأويلِ في معنى قولِه: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: ولآمُرَنَّهم فليُغَيرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ مِن البهائمِ بخِصائِهم

(2)

إياها.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا حمادُ بنُ سلمةَ، عن عمارِ بن أبى، عمارٍ، عن ابن عباسٍ، أنه كرِه الإخصاءَ وقال: فيه نزَلت: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}

(3)

.

حدَّثنا ابن بشارِ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ داودَ، قال: ثنا أبو جعفرٍ الرازيُّ، عن الربيعِ بن أنسٍ، عن أنسٍ، أنه كرِه الإخصاءَ، وقال: فيه نزَلت: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن أبي جعفرٍ الرزايِّ، عن الربيعِ بن أنسٍ، عن أنسِ بن مالكٍ، قال: هو الإخصاءُ، يَعْنى قولَ اللهِ:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}

(4)

.

(1)

في م: "السوائب"، وهما بمعنى، والواحدة سائبة، والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1069 (5982) من طريق ابن جريج به.

(2)

في م: "بإخصائهم".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1069 (5984) من طريق حماد به بنحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 223 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 226 عن وكيع به، وعبد الرزاق في مصنفه (8444) عن أبي جعفر الرازى به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 223 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 494

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن

(1)

فُضيل، عن مُطَرِّفٍ، قال: ثنى رجلٌ، عن ابن عباسٍ، قال: إخصاءُ البهائمِ مُثلةٌ. ثم قرَأ: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا أبو جعفرٍ الرازيُّ، عن الربيعِ بن أنسٍ، قال: مِن تغييرِ خلقِ اللهِ الخِصاءُ

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا جعفرُ بنُ سليمانَ، قال: أخبَرنى شُبَيلٌ

(4)

، أنه سمِع شهرَ بنَ حَوْشَبٍ قرَأ هذه الآيةَ:{فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: الخصِاءُ. قال: فأمَرتُ أبا التَّياحِ، فسأل الحسنَ عن خِصاءِ الغنمِ، فقال: لا بأسَ به

(5)

.

حدَّثنا الحسنُ بن يحيى، قال أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: ثنا عمى وهبُ بنُ نافعٍ، عن القاسمِ بن أبى بَزَّةَ، قال: أمَرنى مجاهدٌ أن أسْألَ عكرمةَ عن قولِه: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . فَسَأَلته، فقال: هو الخِصاءُ

(6)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنى أبى، عن عبدِ الجبارِ بن وَرْدٍ، عن القاسمِ بن أبى بَزَّةَ، قال: قال لى مجاهدٌ، سَلْ عنها عكرمةَ:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، فسأَلتُه، فَقال: الإخصاءُ. قال مجاهدٌ: ما له لعنه اللهُ! فواللهِ

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 227 عن ابن فضيل به.

(3)

في ص، م:"الإخصاء". والأثر في تفسير عبد الرزاق 1/ 173.

(4)

في الأصل، م:"شبل". وينظر تهذيب الكمال 12/ 373.

(5)

تفسير عبد الرزاق 1/ 173، وفى مصنفه (8448)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 223 إلى عبد بن حميد.

(6)

تفسير عبد الرزاق 1/ 173، وفى مصنفه (8445).

ص: 495

لقد علِم أنه غيرُ الإخصاءِ، ثم قال لي: سَلْه. فسألتُه، فقال عكرمةُ: ألم تَسْمَعْ إلى قولِ اللهِ تبارك وتعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} ؟ [الروم: 30] قال: لدينِ اللهِ. فحدَّثت به مجاهدًا فقال: ما له أخزاه اللهُ

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا حفصٌ، عن لَيْثٍ، قال: قال عكرمةُ: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: الإخصاءُ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هارونُ النَّحْويُّ، قال: ثنا مطرٌ الورّاقُ، قال: سئل عكرمةُ عن قولِه: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: هو الإخصاءُ.

حدَّثنا ابن وكيعِ قال: ثنا يحيى بنُ يمانٍ

(2)

، عن سفيانَ، عن إسماعيلَ بن أبى خالدٍ، عن أبي صالحٍ، قال: الإخصاءُ

(3)

.

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، قال: ثنا وكيعٌ، قال: ثنا أبو جعفرٍ الرازيُّ، عن الربيعِ بن أنسٍ، قال: سمِعت أنسَ بنَ مالكٍ يَقُولُ في قولِ اللهِ جلَّ ثناؤُه: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: منه الحصاءُ

(4)

.

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍّ، قال: ثنا حمادُ بنُ سَلَمةَ، عن عمارِ بن أبى عمارٍ، عن ابن عباسٍ مثلَه

(5)

.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (690 - تفسير) من طريق حميد الأعرج عن عكرمة به.

(2)

في الأصل: "بيان". وانظر تهذيب الكمال 32/ 55، 56.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 227 عن ابن يمان به.

(4)

تقدم تخريجه في ص 494 حاشية (4).

(5)

تقدم تخريجه في ص 494 حاشية (3).

ص: 496

حدَّثنا عمرو بنُ عليٍّ، قال: حدَّثنا عبدُ الرحمنِ، قال: حدَّثنا حمادُ بنُ سلمةَ، عن قتادةَ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ مثلَه

(1)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا معاذُ بنُ هشامٍ، قال: ثنى أبى، عن قتادةَ، عن عكرمةَ، أنه كرِه الإخصاءَ. قال: وفيه نزَلت: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}

(2)

.

[حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا سفيانُ في قوله: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}. قال: هو الِخصاءُ]

(3)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: ولآمُرَنَّهم فليغَيِّرُنَّ دينَ اللهِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} : قال: دينَ اللهِ

(4)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ وأبو أحمدَ، قالا: ثنا سفيانُ، عن قيسِ بن مسلمٍ، عن إبراهيمَ:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: دينَ اللهِ

(5)

.

(1)

تفسير مجاهد ص 292، والبيهقى 10/ 24 من طريق حماد به.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 227 من طريق أبى مسكين عن عكرمة به.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س. والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1069 عقب الأثر (5984) معلقًا.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1069 (5985) من طريق آخر عن ابن عباس، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 224 إلى المصنف وابن المنذر.

(5)

تفسير الثورى ص 97 (225)، وتفسير عبد الرزاق 1/ 173، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 224 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 497

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، قال: ثنا سفيانُ، قال: ثنى قيسُ بنُ مسلمٍ، عن إبراهيمَ مثلَه

(1)

.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا أبو نعيمٍ، عن سفيانَ، عن قيسِ بن مسلمٍ، عن إبراهيمَ مثلَه

(1)

.

[حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مغيرةَ، عن إبراهيمَ مثلَه

(1)

.

[حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدَّثنا أبى ومِسْعَرٌ، عن سفيانَ، عن قيسِ بن مسلمٍ، عن إبراهيمَ مثلَه]

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال:[أخبرنا وهبٌ]

(3)

، عن القاسمِ بن أبى بَزَّةً، قال: أخبَرت مجاهدًا بقولِ عكرمةَ في قولِه: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، [فقال: أخطَأ، {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}: دينَ اللَّهِ]

(4)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هارونُ النحويُّ، قال: ثنا مطرٌ الوراقُ، قال: ذكَرت المجاهدٍ قولَ عكرمةَ في قولِه: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . فقال: كذَب العبدُ، {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}. قال: دينَ اللهِ.

(1)

تفسير مجاهد ص 293، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (689 - تفسير) والبيهقى 10/ 25 من طرق عن مغيرة به.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"حدثنا عمى". ووهب هو وهب بن نافع عم عبد الرزاق.

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قال دين الله". والأثر في تفسير عبد الرزاق 1/ 173. وأخرجه أيضًا في مصنفه (8445).

ص: 498

حدثنا ابن وكيعٍ وعمرُو بنُ عليٍّ، قالا: ثنا أبو معاوية، عن ابن جريجٍ، عن القاسم بن أبى بَزَّةَ، عن مجاهدٍ وعكرمة، قالا: دين الله.

حدَّثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربيُّ وحفصٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: دينَ اللهِ، ثم قرأ:{ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}

(1)

[يوسف: 40].

حدَّثنا محمد بن عمرٍو وعمرُو بنُ عليٍّ، قالا: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله:{فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: الفطرةُ دينُ اللهِ

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: الفطرةُ الدينُ.

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني عبد الله بن كثيرٍ، أنه سمع مجاهدًا يَقُولُ:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: دينُ اللهِ.

حدثنا بشر بن معاذٍ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . أي: دينَ اللهِ. في قول الحسن وقتادة

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله:{فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: دين الله

(4)

.

(1)

تفسير سفيان الثورى ص 97 (226) عن ليث به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 224 إلى عبد بن حميد وابن المنذر وآدم بن أبى إياس.

(2)

تفسير مجاهد ص 293، والبيهقى 10/ 25 من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1069 عقب أثر (5985) معلقًا.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 173.

ص: 499

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا إسماعيلُ بن عبد الملك، عن عثمان بن الأسود، عن القاسم بن أبي بَزَّةَ في قوله:{فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: دينَ اللهِ.

حدَّثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضلٍ، قال: ثنا أسباط، عن السدى:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: أما خلق الله فدينُ الله

(1)

.

حُدِّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: ثنا عبيدُ بنُ سليمان، قال: سمعت الضحاكَ يَقُولُ في قوله: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: دين الله، وهو قولُ اللهِ:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]. يَقُولُ: لدينِ اللهِ

(2)

.

حدَّثنا يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن زيدٍ يَقُولُ في قوله: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: دين الله. وقرأ: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} . قال: لدينِ اللهِ.

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، قال: ثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا قيس بن مسلمٍ، عن إبراهيمَ:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، قال: دين الله

(3)

.

حدَّثنا عمرٌو، قال: ثنا معاذ بن معاذٍ، قال: ثنا عمرانُ بنُ حُدَيرٍ، عن عيسى بن هلالٍ، قال: كتب كثيرٌ مولى ابن سَمُرةَ إلى الضحاك بن مزاحمٍ يَسْأَله عن قوله:

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1069 عقب أثر (5985) من طريق عمرو بن حماد عن أسباط به.

(2)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1069 عقب أثر (5985) معلقًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 224 إلى المصنف.

(3)

تقدم تخريجه في ص 497.

ص: 500

{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . فكتب أنه دين الله.

وقال آخرون: معنى ذلك: ولآمُرنَّهم فليُغَيِّرُنَّ خلق الله بالوَشْم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، قال: ثنا عبد الرحمن بنُ مَهْدِيٍّ، قال: ثنا حمادُ بنُ سلمة، عن يونس، عن الحسن في قوله:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: الوَشْمُ

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا [يزيد، عن نوح بن قيسٍ]

(2)

، عن خالد بن قيسٍ، عن الحسنِ:{فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: الوَشْمُ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسين، قال: ثني هُشَيمٌ، قال: أخبرنا يونس بن عبيدٍ أو غيره، عن الحسنِ:{فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال: الوَشْمُ.

حدَّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: ثنا أبو نُعيمٍ، قال: ثنا أبو هلال الراسبيُّ، قال: سأل رجلٌ الحسنَ: ما تقول في امرأةٍ قَشرت وجهَها

(3)

؟ قال: ما لها لعنها الله، غيَّرت خلق اللهِ!

حدَّثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: قال عبد الله: لعن الله المُتَفَلِّجات والمُتَنمِّصات والمُتوشِّماتِ

(4)

المُغيِّراتِ خَلْقَ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1070 (5986) من طريق حماد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 224 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

في م: "يزيد بن نوح عن قيس". وانظر تهذيب الكمال 30/ 53.

(3)

قشرت وجهها: أي عالجته بالغُمْرة - قيل الزعفران، وقيل غير ذلك - ليصفوا لونها. النهاية 4/ 64.

(4)

في م: "المستوشمات". والوشم: أن يغرز الجلد بإبرة، ثم يحشى بكحل أو نيل، فيزرق أثره أو يخضر. والنمص: نتف شعر الوجه. والفلج: فرجة ما بين الثنايا والرباعيات، والمتفلجات: النساء اللاتي يفعلن ذلك بأسنانهن رغبة في التحسين. النهاية 3/ 468، 5/ 119، 189.

ص: 501

الله

(1)

.

حدَّثنا محمد بن بشارٍ، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللهِ، قال: لعن اللهُ الواشراتِ

(2)

والمُسْتَوشِماتِ والمتنمِّصات والمُتفلِّجات للحسن، المغيِّرات خلق الله

(3)

.

حدَّثني ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفرٍ، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: لعن الله المتنمِّصات والمتفلِّجات. قال شعبة: وأحسبُه قال: المغيِّرات خلق الله

(4)

.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك قولُ مَن قال: معناه: ولأمُرنَّهم فَلَيغَيِّرُنَّ دينَ اللهِ. وذلك لدلالة الآية الأخرى على أن ذلك معناه، وهى قوله:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30]. وإذا كان ذلك معناه دخل في ذلك فعلُ كلِّ ما نهى اللهُ عنه من خصاءِ ما لا يَجُوزُ خِصاؤُه، ووَشْمِ ما نهى عن وشمه ووشره، وغير ذلك من المعاصى، ودخل فيه تَرْكُ كلِّ ما أمر الله جلَّ ثناؤه به؛ لأنَّ الشيطان لا شكَّ أنه يَدْعو إلى جميع معاصى الله، ويَنْهَى عن جميع طاعتِه، فذلك معنى أمره نصيبه المفروض من عباد الله، بتغيير ما خلق اللهُ مِن دينه.

(1)

أخرجه النسائي (5115) من طريق أبي معاوية، لكن بلفظ:"لعن رسول الله".

(2)

الواشرة: المرأة التي تحدد أسنانها وترقق أطرافها. تفعله المرأة الكبيرة تتشبه بالشواب. النهاية 9/ 188.

(3)

أخرجه البخاري عقب حديث (5944)، ومسلم (2125/ 120) عن محمد بن بشار به، وأخرجه أحمد 7/ 197 (4129)، والبخارى (5948)، ومسلم (2125)، وابن ماجه (1989) من طرق عن عبد الرحمن بن مهدي به.

(4)

أخرجه مسلم (2125/ 120) عن ابن المثنى به مرفوعًا.

وأخرجه أحمد 7/ 434 (4434)، والنسائى (5267) عن محمد بن جعفر عن شعبة به.

ص: 502

فلا معنى لتوجيه من وجَّه قوله: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، إلى أنه وعْدُ الآمر بتغيير بعض ما نهى الله عنه دونَ بعضٍ، أو بعض ما أمر به دونَ بعضٍ. فإن كان الذي وجَّه معنى ذلك إلى الخصاء والوَشْم دونَ غيرِه، إنما فعل ذلك؛ لأن معناه كان عنده أنه عنى تغيير الأجسام، فإنَّ في قوله جلَّ ثناؤه إخبارًا عن قيل الشيطان:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} ما يُنبئ أن معنى ذلك على غير ما ذهب إليه؛ لأن تبتيك آذانِ الأنعام من تغيير خلق الله الذي هو أجسامٌ، وقد مضى الخبرُ عنه أنه وَعْدُ الآمر بتغيير خلقِ اللهِ مِن الأجسام مفسَّرًا، فلا وجهَ لإعادة الخبر عنه به مُجملًا، إذ كان الفصيح من كلام العرب أن يُتَرْجَمَ عن المجمل من الكلام بالمفسَّرِ، وبالخاصِّ عن العامِّ، دونَ الترجمة عن المفسَّرِ بالمجمل، وبالعامِّ عن الخاصِّ. وتوجيه كتاب الله إلى الأفصح من الكلام أولى من توجيهه إلى غيره ما وُجِدَ إليه سبيلٌ.

‌القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120)}

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: وهذا خبرٌ من الله جلَّ ثناؤه عن حال نصيب الشيطانِ المفروض

(1)

الذين شاقُّوا الله ورسوله من بعد ما تبيَّن لهم الهدى، يقولُ الله: ومَن يتَّبع الشيطان فيُطِعْه في معصية الله وخلافِ أمره، ويُواله فيَتَّخِذه وليًّا لنفسه ونصيرًا دونَ اللهِ، {فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} يَقُولُ: فقد هلك هلاكًا، وبخس نفسه حظَّها فَأَوْبَقَها بَخْسًا مبينًا يبيِّن عن عطَبِه وهلاكه؛ لأن الشيطان لا تملكُ له نصرًا من دونِ اللهِ، إذا عاقبه على معصيته إياه وخلافه أمره، بل يَخْذُلُه عند

(1)

بعده في م: "من".

ص: 503

حاجته إليه، وإنما حاله معه ما دام حيًّا مُمهَلًا بالعقوبة، كما وصفه الله جلَّ ثناؤه بقوله:{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} . يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: يَعِدُ الشيطان المريدُ أولياءه الذين هم نصيبُه المفروض أن يَكُونَ لهم نصيرًا ممن أرادهم بسوء، وظهيرًا لهم عليه، يمنَعُهم منه، ويدافع عنهم، ويُمنِّيهم الظُّفَرَ على من حاول مكروههم والفَلْجَ

(1)

عليهم، ثم قال:{وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} . يَقُولُ: وما يَعِدُ الشيطانُ أولياءه الذين اتَّخَذوه وليًّا مِن دونِ اللهِ إِلا غُرُورًا، يَعْنى: إلا باطلًا، وإنما جعَل عِدَتَه إياهم ما وعدهم غُرورًا؛ لأنهم كانوا يحسبون أنهم في اتخاذهم إياه وليًّا على حقيقةٍ

(2)

من عِداته الكاذبة

(3)

وأمانيه الباطلة، حتى إذا حَصْحَصَ الحقُّ وصاروا إلى الحاجة إليه

(4)

، قال لهم عدوُّ الله:{إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 22]. وكما قال للمشركين ببدر وقد زيَّن لهم أعمالهم: {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ} . وحَصْحَصَ الحقُّ وَعَاينَ جِدَّ

(5)

الْأَمْر وَنُزُولَ عَذابِ اللهِ بِحزْبِهِ {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]. فصارت عِداتُه - عدوَّ اللهِ - إياهم عندَ حاجتهم إليه غُرورًا {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ

(1)

الفلج: الظفر والفوز. التاج (ف ل ج).

(2)

في م: "حقيقته".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س:"الكذب".

(4)

في الأصل: "إليهم".

(5)

في ص، م:"حد".

ص: 504

شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور: 39].

‌القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤه بقوله: {أُولَئِكَ} . هؤلاء الذين اتَّخَذُوا الشيطان وليًّا مِن دونِ اللهِ {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} يَعْنى: مصيرُهم الذي يصيرون إليه جهنم: {وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا} . يَقُولُ: لا يَجِدُون عن جهنم - إذا صيَّرهم اللهُ إليها يوم القيامةِ - مَعْدِلًا يَعْدِلون إليه. يُقال منه: حاص فلانٌ عن هذا الأمر يحيصُ حَيْصًا وحُيوصًا: إذا عَدل عنه، ومنه خبر ابن عمر أنه قال: بعَثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سريةً كنت فيهم، فلقِينا المشركين فحِصْنا حَيْصَةٌ

(1)

. وقال بعضُهم: فجاصوا جَيْصَةً. والحَيْصُ والجَيْصُ مُتقاربا المعنى.

‌القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)} .

قال أبو جعفر رحمه الله: يعنى جلّ ثناؤُه بقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} والذين صدَّقوا الله ورسوله، وأقروا له بالوحدانية ولرسوله بالنُّبُوَّةِ وعملوا الصالحاتِ، يَقُولُ: وأدَّوا فرائضَ اللهِ التي فرضها عليهم {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} يَقُولُ: سوف نُدْخِلُهم يوم القيامة إذا صاروا إلى الله، جزاءً بما عملوا في الدنيا من الصالحاتِ {جَنَّاتٍ}. يَعْنى بساتينَ تَجْرِى مِن تحتها الأنهارُ {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} يَقُولُ: باقين في هذه الجناتِ التي

(1)

أخرجه الحميدى (687)، وأحمد 9/ 281 (5384)، والبخارى في الأدب المفرد (972)، وأبو داود (2647)، والترمذى (1716) من طرق عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه به.

ص: 505

وصَفها أبدًا دائمًا، وقوله:{وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} . يَعْنى: عِدَةٌ مِن الله لهم بذلك في الدنيا "حقًّا". يَعْنى: يقينًا صادقًا، لا كعِدَةِ الشيطان الكاذبة التي هي غرورُ مَن وُعِدها من أوليائِه، ولكنها عِدةٌ ممن لا يَكْذِبُ ولا يَكُونُ منه الكذبُ ولا يُخْلِفُ وعدَه.

وإنما وصَف جلَّ ثناؤُه وعدَه بالصدقِ والحقِّ في هذه، لما سبَق من خبرِه جلَّ ثناؤُه عن قولِ الشيطانِ الذي قصَّه في قولِه:{وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} ثم قال جلَّ ثناؤُه: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} . ولكنَّ الله يَعِدُ الذين آمَنوا وعمِلوا الصالحاتِ أنه سيُدْخِلُهم جناتٍ تجرى من تحتِها الأنهارُ خالدين فيها أبدًا، {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} . لا كوعدِ الشيطان الذي وصف صفتَه، فوصَف تعالى ذِكْرُه صفةَ الوَعْدَين والواعِدَيْن

(1)

، وأخبرَ بحكمِ أهلِ كلِّ وعد منهما؛ تَنْبيهًا منه جلَّ ثناؤُه خلقَه على ما فيه مصلحتُهم، وخَلاصُهم من الهلكة والعَطَبِ؛ ليَنْزَجروا عن معصيته ويَعْمَلُوا

(2)

بطاعته، فيَفوزوا بما أعدَّ لهم في جناته من ثوابِه.

ثم قال جلَّ ثناؤُه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} . يَقُولُ: ومَن أصدقُ أَيُّها الناسُ مِن اللهِ قِيلًا: أي لا أحدَ أصدقُ منه قيلًا، فكيف تَتْرْكون العملَ بما وعَدكم على العمل به ربُّكم جناتٍ تجرى من تحتها الأنهارُ خالدِين فيها أبدًا، وتكْفُرون به، وتُخالِفون أمرَه، وأنتم تَعْلَمُون أنه لا أحدَ أصدقُ منه قيلًا، وتَعْمَلُونَ

(3)

بما يَأْمُرُكم به

(1)

في الأصل: "الوعيدين".

(2)

في م: "يعلموا".

(3)

في الأصل: "تعلمون".

ص: 506

الشيطانُ - رجاءً لإدراك ما يَعِدُكم مِن عِداته الكاذبة، وأمانيِّه الباطلةِ، وقد علِمتم أن عِداته غرورٌ لا صحة لها، ولا حقيقةَ - وتَتَّخِذُونه وليًّا مِن دونِ اللهِ، وتَتركُون أن تُطِيعوا الله فيما يَأْمُرُكم به ويَنْهَاكم عنه، فتَكُونوا له أولياءَ. ومعنى القِيل والقولِ واحدٌ.

‌القولُ في تأويل قولِه جل ثناؤه: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} .

قال أبو جعفر محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: اختلَف أهلُ التأويل

(1)

في الذين عُنُوا بقوله: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} ، فقال بعضُهم: عُنى بقولِه: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} : أهلُ الإسلام.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن منصورٍ، عن أبي الضُّحَى، عن مَسْروقٍ، قال: تَفاخَر النصارى وأهلُ الإسلام، فقال هؤلاء: نحن أفضلُ منكم. وقال هؤلاء: نحن أفضلُ منكم. فأنزل الله جل ثناؤه: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} .

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمن، قال: ثنا سفيانُ، عن الأعمش، عن أبي الضُّحَى، عن مسروقٍ، قال: لما نزلت: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} . قال أهلُ الكتابِ: نحن وأنتم سواءٌ، فنزلت هذه الآية:{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ}

(2)

.

(1)

في الأصل: "الكتاب".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1072 (6000) من طريق أبي عوانة عن الأعمش به. وعزاه =

ص: 507

حدَّثني أبو السائبِ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا أبو معاويةَ، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ في قوله:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} . قال: احتجَّ المسلمون وأهلُ الكتاب، فقال المسلمون: نحن أهدى منكم. وقال أهلُ الكتاب: نحن أهدى منكم. فأنزل الله جل ثناؤه: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} قال: ففلَج عليهم المسلمون بهذه الآية: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} إلى آخرِ الآيتين

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ، قال: ذُكر لنا أن المسلمين وأهلَ الكتابِ افتخَروا، فقال أهلُ الكتاب: نبيُّنا قبل نبيِّكم، وكتابُنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم. وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم: ونبيُّنا خاتَمُ النبيِّين، وكتابُنا يَقْضِى على الكتب التي كانت قبله، فأنزل اللهُ:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} إِلى قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء: 125] فأفلج الله حُجَّةَ المسلمين على من ناوَأَهم مِن أهل الأديان

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسين، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . قال: التقى ناسٌ من اليهودِ والنصارى، فقالت اليهودُ للمسلمين: نحن خيرٌ منكم، دينُنا قبل دينِكم، وكتابُنا قبلَ كتابِكم، ونبيُّنا قبل نبيِّكم، ونحن على دين

= السيوطي في الدر المنثور 2/ 225 إلى ابن المنذر.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (693 - تفسير) عن أبي معاوية به.

(2)

في الأصل: "الأوثان". والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 225 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 508

إبراهيمَ، ولن يَدْخُلَ الجنةَ إلا مَن كان يهوديًا. وقالت النصارى مثل ذلك، فقال المسلمون: كتابُنا بعدَ كتابِكم، ونبيُّنا بعد نبيِّكم، وقد أُمِرْتم أن تَتَّبعونا، وتَتْرُكوا أمركم، فنحن خيرٌ منكم، نحن على دين إبراهيم وإسماعيلَ وإسحاق، ولن يَدْخُل الجنة إلا مَن كان على دينِنا، فردَّ اللهُ عليهم قولَهم، فقال:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ثم فَضَّل الله المؤمنين عليهم، فقال:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}

(1)

.

حُدِّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمِعت أبا معاذٍ يَقُولُ: أخبرنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعت الضحاكَ يَقُولُ في قوله: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} : تخاصَم أهلُ الأديان، فقال أهلُ التوراة: كتابُنا أوَّلُ كتابٍ وخيرُها، ونبيُّنا خيرُ الأنبياءِ، وقال أهلُ الإنجيل نحوًا من ذلك. وقال أهلُ الإسلام: لا دينَ إلا الإسلامُ، وكتابُنا نسَخ كلَّ كتابٍ، ونبيُّنا خاتمُ النبيِّين، وأمرنا أن نَعْمَلَ بكتابنا، وتُؤْمِنَ بكتابكم، فقضَى الله بينَهم، فقال:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . ثم خيَّر بينَ أهلِ الأديانِ، ففَضَّل أهل الفضلِ، فقال:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} إلى قوله: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}

(2)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1070 (5989) من طريق أحمد بن مفضل به، دون قوله: ثم فضل الله المؤمنين

إلخ.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 225 إلى المصنف.

ص: 509

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} إلى: {وَلَا نَصِيرًا} : تخاصم

(1)

أهلُ الأديان، فقال أهلُ التوراة: كتابُنا خيرُ الكتب، أُنْزِل قبلَ كتابكم، ونبيُّنا خيرُ الأنبياء. وقال أهلُ الإنجيل مثل ذلك. وقال أهلُ الإسلام: لا دينَ إلا الإسلامُ، كتابُنا نسَخ كلَّ كتابٍ، ونبيُّنا خاتمُ النبيِّين، وأُمِرْتم وأُمِرْنا أن نُؤْمِن بكتابِكم ونَعْمَلَ بكتابنا. فقضَى الله بينهم فقال:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . وخيَّر بين أهل الأديانِ فقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا يعلى بنُ عبيدٍ وأبو زهيرٍ، عن إسماعيلَ بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، قال: جلَس أناسٌ من أهلِ التوارةِ وأهل الإنجيلِ وأهلِ الإيمان، فقال هؤلاء: نحن أفضلُ. وقال هؤلاء: نحن أفضلُ. فأنزل الله جل ثناؤه: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . ثم خصَّ الله أهلَ الإيمانِ فقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ}

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن إسماعيلَ، عن أبي صالحٍ، قال:

(1)

في م: "تحاكم".

(2)

أخرج ابن أبي حاتم بعضه في تفسيره 4/ 1073 (6004) عن محمد بن سعد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 226 إلى المصنف.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1073 (6001) من طريق يعلى وأبى أسامة عن إسماعيل به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 226 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 510

جلَس أهلُ التوراة وأهلُ الإنجيل وأهلُ الزَّبورِ

(1)

فتَفاخَروا، فقال هؤلاء: نحن أفضلُ. وقال هؤلاء: نحن أفضلُ. [وقال هؤلاء: نحن أفضل]

(2)

فأنزل الله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} .

حدَّثنا يحيى بنُ أبي طالبٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: حدَّثنا جويبرٌ، عن الضحاكِ في قوله:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} . قال: افتخر أهلُ الأديان، فقال اليهودُ: كتابُنا خيرُ الكتب وأكرمُها على الله، ونبيُّنا أكرمُ الأنبياء على الله، موسى كلَّمه الله قِبَلًا

(3)

، وخلا به نجيًّا، ودينُنا خيرُ الأديانِ. وقالت النصارى: عيسى ابن مريمَ خاتمُ الرسلِ، وآتاه الله التوراة والإنجيلَ، ولو أدركَه موسى

(4)

لا تَّبَعَه، ودينُنا خيرُ الأديان. وقالت المجوسُ وكفارُ العرب: دينُنا أقدمُ الأديان وخيرُها. وقال المسلمون: محمدٌ نبيُّنا خاتمُ النبيِّين وسيدُ الأنبياء، والفُرقان آخرُ

(5)

ما أُنزِلَ مِن الكتب من عند الله، وهو أمينٌ على كلِّ كتاب، والإسلامُ خيرُ الأديان، فخيَّر الله بينهم، فقال:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ}

(6)

.

وقال آخرون: بل عنَى الله بقوله: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} : أهل الشرك به من عبدة الأوثان.

(1)

بعده في م: "وأهل الإيمان".

(2)

سقط من: الأصل، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(3)

في م: "قيلا". وقبلًا: أي عيانًا ومقابلة، لا من وراء حجاب. النهاية 4/ 8.

(4)

في الدر المنثور: "محمد".

(5)

في الأصل: "خير".

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 226 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 511

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} . قال: قريشٌ قالت: لن نُبْعَثَ ولن نُعذَّب.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} . قال: قالت قريشٌ: لن نُبْعَثَ ولن نُعَذَّبَ، فَأَنْزَل الله:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} .

حدَّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، قال:[ثنا ابن أبي نجيح]

(1)

، عن مجاهدٍ في قوله:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . قال: قالت العربُ: لن نُبْعَثَ ولن نُعَذَّبَ. وقالت اليهودُ والنصارى: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 111]، أو

(2)

قالوا: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [آل عمران: 24] شكَّ أبو بشرٍ

(3)

.

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} : قريشٌ وكعب بن الأشرف وحدَه

(4)

: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}

(5)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرني ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن زيدٍ يَقُولُ في قوله:

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قال ابن جريج".

(2)

في الأصل: "و".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1070 (5990) من طريق ابن علية به.

(4)

سقط من: م. وفى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"نحوه".

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 226 إلى ابن المنذر.

ص: 512

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} [النساء: 51] إلى آخر الآية. قال: جاء حُيَيُّ بنُ أَخْطَبَ إلى المشركين، فقالوا له: يا حُيَيُّ إنكم أصحابُ كُتُبٍ، فنحن، فنحن خيرٌ أم محمد وأصحابه؟ فقال:[نحن خيرٌ و]

(1)

أنتم خيرٌ منهم

(2)

، فذلك قوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} إلى قوله: {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء: 51، 52]. ثم قال للمشركين: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} فقرأ حتى بَلَغ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} ؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}. قال: ووعَد الله المؤمنين أن يُكَفِّرَ عنهم سيئاتِهم، ولم يَعِدْ أولئك. وقرأ:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}

(3)

[العنكبوت: 7].

حدَّثنا [ابن حميدٍ]

(4)

، قال: ثنا حكامٌ، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّةَ، عن مجاهدٍ في قوله:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . قال: قالت قريشٌ: لن نُبْعَثَ ولن نُعَذَّبَ.

وقال آخرون: عُنِى به أهلُ الكتاب خاصةً.

(1)

سقط من: م.

(2)

في ص، م:"منه".

(3)

تقدم في ص 147.

(4)

في م: "أبو كريب"، وكلاهما يروى عن "حكام بن سلم الرازي". وينظر تهذيب الكمال 25/ 97، 26/ 244.

ص: 513

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، [عن أبي سيدانَ]

(1)

، قال: سمعت الضحاك يَقُولُ: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآية. قال: نزلت في أهلِ الكتاب حينَ خالَفوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك ما قال مجاهدٌ مِن أنه عنَى بقوله: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} : مشركي قريشٍ. وإنما قُلنا ذلك أولى بالصواب؛ لأن المسلمين لم يَجرِ لأمانيِّهم ذكرٌ فيما مضى من الآي قبل قوله: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} . وإنما جرى ذكرُ أمانيِّ نصيب الشيطان المفروض، وذلك في قوله:{وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} . وقوله: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ} . فإلحاقُ معنى قوله جل ثناؤه: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} . بما قد جرى ذكره قبلُ أحقُّ وأولى من ادِّعاء تأويلٍ فيه لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل، ولا أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا إجماع من أهل التأويل.

وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية إذن: ليس الأمرُ بأمانيِّكم يا معشر أولياء الشيطانِ وحزبه التي يُمنيِّكمُوها وليُّكم عدوُّ اللهِ مِن إنقاذكم ممن أرادَكم بسوءٍ، ونُصْرتكم عليه، وإظفارِكم به، ولا أمانيِّ أهل الكتاب الذين قالوا اغترارًا بالله وبحلمِه عنهم:{لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} [البقرة: 80]، و {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 111]، فإن الله مجازٍ كلَّ عاملٍ منكم جزاء عمله، مَن يَعْمَلْ منكم سوءًا، أو من غيركم يُجْزَ به، ولا يَجِد له

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ثنا أبي سفيان". وفى م: "عن أبي أسيد". وينظر تهذيب الكمال 13/ 292، 19/ 216.

ص: 514

من دونِ الله وليًّا ولا نصيرًا، ومَن يَعْمَلْ مِن الصالحاتِ مِن ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ، فأولئك يدخلون الجنة.

ومما يَدُلُّ أيضًا على صحة ما قلنا في تأويل ذلك، وأنه عُنى بقوله:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} . مشركو العرب كما قال مجاهدٌ: إن الله وصف وَعْدَ الشيطان ما وَعَد أولياءَه، وأخبَر بحالِ وَعْدِه، ثم أتبَع ذلك بصفة وَعْدِه الصادق بقوله:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} . وقد ذكر جلَّ ثناؤُه مع وصفِه وَعْدَ الشيطان أولياءَه، وتمنيتَه إياهم الأمانيَّ بقوله:{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ} . كما ذكَر وعدَه إياهم، فالذى هو أشبه أن يُتبعَ تَمنيته إياهم من الصفة، بمثل الذي أتبع عِدَته إياهم به من الصفة. وإذ كان ذلك كذلك صحَّ أن قوله:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} الآية، إنما هو خبرٌ من الله عن أمانيِّ أولياءِ الشيطان وما إليه صائرةٌ أمانيُّهم مع سيِّئَ أعمالهم من سوء الجزاء، وما إليه صائرةٌ أعمال أولياء الله مِن حُسْنِ الجزاء، وإنما ضَمَّ جلَّ ثناؤه أهل الكتاب إلى المشركين في قوله:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} ؛ لأن أمانيَّ الفريقين من تمنيةِ الشيطان إياهم التي وعَدهم أن يُمنيِّهموها بقوله: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ} .

‌القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} .

اختلف أهلُ التأويل في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: عُنى بالسوء كلُّ معصيةٍ لله. وقالوا: معنى الآية: مَن يَرْتَكِبْ صغيرةً أو كبيرةً من مؤمنٍ أو كافرٍ من معاصى الله، يجازِه اللهُ بها.

ص: 515

‌ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ بن معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ أن [الربيع بن زيادٍ]

(1)

سأل أبيَّ بن كعبٍ عن هذه الآية: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . فقال: ما كُنْتُ أراك إلا أفقة مما أرى: النكبة

(2)

والعود والخدْشَ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا غُندرٌ، عن هشام الدستوائيِّ، قال: ثنا قتادةُ، عن الربيع بن زيادٍ، قال: قلت لأبيِّ بن كعبٍ: قول الله تبارك وتعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} واللهِ إن كان كلُّ ما عمِلنا جُزينا به هلكنا. قال: واللهِ إن كنتُ لأراك أفقهَ مما أرى، لا يُصِيبُ رجلًا خَدْشٌ ولا عَثْرةٌ إلا بذنبٍ، وما يَعْفُو اللهُ عنه أكثرُ، حتى اللدغة والنفحةُ

(3)

.

حدَّثنا القاسم بن بشرِ بن معروفٍ

(4)

، قال: ثنا سليمان بن حربٍ، قال: ثنا حمادُ بن زيدٍ، عن حجاجٍ الصوّاف، عن أيوبَ، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، قال: دخلتُ على عائشة في

(5)

هذه الآية: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . قالت: ذاك مما يُصيبُكم في الدنيا

(6)

.

(1)

في النسخ: "زياد بن الربيع"، والتصويب من تهذيب الكمال 9/ 78، والتاريخ الكبير 3/ 268.

(2)

نكبت الحجارة رجله: لثمتها وأدمتها. التاج (ن ك ب).

(3)

النفح: الضرب والرمي، وفى الحديث:"أنه أبطل النفح" أراد نفح الدابة برجلها وهو رفسها. 5/ 89. والأثر أخرجه البخاري في تاريخه 3/ 268 من طريق هشام الدستوائي عن قَتادةَ به، وأخرجه البيهقى في الشعب (9814) من طريق قتادة عن يزيد بن عبد الله عن زياد بن الربيع - وهو خطأ - عنه به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 227 إلى عبد بن حميد وابن أبي الدنيا.

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"معرور". وانظر تاريخ بغداد 12/ 427، وتاريخ الطبرى 1/ 23، 45.

(5)

سقط من: ص، وفى م:"كى أسألها عن"، وفي س:"كي في".

(6)

أخرجه الحاكم 2/ 308 من طريق سليمان بن حرب به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 227 إلى ابن راهويه في مسنده وعبد بن حميد.

ص: 516

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني خالدٌ أنه سمع مجاهدًا يَقُولُ في قوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . قال: يُجْزَ به في الدنيا. قال: قلت: وما تَبْلُغُ المصيباتُ؟ قال: ما تَكْرَهُ.

وقال آخرون: معنى ذلك: مَن يَعْمَلْ سوءًا مِن أَهلِ الكفرِ يُجْزَ به.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن حميدٍ، عن الحسنِ:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} قال: الكافرُ، ثم قرأ:{وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 17]. قال: من الكفار

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا سهلٌ، عن حميدٍ، عن الحسن مثلَه.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا أبو همام الأهوازيُّ، عن يونس بن عبيدٍ، عن الحسن، أنه كان يَقُولُ:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ، {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} يَعْنى بذلك الكفار، ولا يَعْنى بذلك أهل الصلاةِ.

حدَّثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز بن أبانٍ، قال: ثنا مباركٌ، عن الحسن في قوله:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . قال: واللهِ ما جازَى اللهُ عبدًا بالخير والشرِّ إلا عذَّبه، قال:{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: 31]. قال: أما واللهِ لقد كانت لهم ذنوبٌ، ولكنه غفَرها لهم، ولم يجازِهم بها، إن الله لا يجازى عبدَه المؤمن بذنبٍ؛ إذن توبِقُه ذنوبُه.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن زيدٍ يَقُولُ في قوله:

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1072 (5997) من طريق حماد به.

ص: 517

{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . قال: وعَد الله المؤمنين أن يُكَفِّرَ عنهم سيئاتِهم، ولم يَعِد أولئك، يَعْنى المشركين.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن الحسنِ:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . قال: إنما ذلك لمن أراد اللهُ هوانَه، فأما من أراد كرامتَه، فإنه مِن أهل الجنة، وعْدَ الصدق الذي كانوا يُوعدون

(1)

.

حدَّثنا يحيى بنُ أبي طالبٍ، قال: أخبرَنا يزيدُ، قال: أخبرَنا جويبرٌ، عن الضحاكِ:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . يَعْنى بذلك: اليهود والنصارى والمجوسَ وكفار العرب، ولا يَجِدون لهم من دونِ اللهِ وليًّا ولا نصيرًا

(2)

.

وقال آخرون: معنى السوء في هذا الموضع: الشركُ. قالوا: وتأويلُ قوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} : مَن يُشْرِكْ بِاللهِ يُجْزَ بشركِه، ولا يجد له مِن دونِ الله وليًّا ولا نصيرًا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا المثنى، قال: ثنا عبدُ الله بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قوله:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . يَقُولُ: مَن يُشْرِكْ يُجْزَ به، وهو السوءُ، ولا يَجدْ له مِن دونِ الله وليًّا ولا نصيرًا، إلا أن يَتُوبَ قبل موتِه، فيتوب الله عليه

(3)

.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (698 - تفسير)، وابن أبي شيبة 14/ 42، والبيهقي في الشعب (9812) عن أبي معاوية به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 228 لهناد والحكيم الترمذى.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 226 إلى ابن المنذر والمصنف.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 228 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 518

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا حكّامٌ، عن عنبسةَ، عن ابن أبي ليلى، عن المنهالِ بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . قال: الشركُ

(1)

.

قال أبو جعفرٍ: وأولى التأويلات التي ذكَرناها بتأويل الآية التأويلُ الذي ذكَرناه عن أبيِّ بن كعبٍ وعائشةَ، وهو أن كلَّ مَن عمِل سوءًا؛ صغيرًا أو كبيرًا، من مؤمنٍ أو كافرٍ جُوزِى به.

وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية؛ لعموم الآية كلَّ عاملِ سوءٍ، من غير أن يُخَصَّ أو يُسْتَثْنَى منهم أحدٌ، فهى على عمومِها إذ لم يكن في الآية دلالةٌ على خُصوصِها، ولا قامَت حجةٌ بذلك من خبرٍ عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

فإن قال قائلٌ: وأين ذلك من قولِ اللهِ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]. وكيف يَجوزُ أن يُجَازِيَ على ما قد وعد تكفيره؟ قيل: إنه لم يَعِدْ بقوله: {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} تَرْكَ المجازاة عليها، وإنما وعَد التكفيرَ بترك الفضيحةِ منه لأهلِها في معادهم، كما فضَح

(2)

أهل الشرك والنفاق، فأما إذا جازاهم في الدنيا عليها بالمصائب ليُكَفِّرَها عنهم بها ليُوافُوه ولا ذنبَ لهم، يَسْتَحِقُون المجازاةَ عليه، فإنما وفَى لهم بما وعَدهم بقوله:{نُكَفِّرْ عَنْكُمْ} . وأنْجَز لهم ما ضمِن لهم بقولِه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [النساء: 122].

وبنحو الذي قلنا في ذلك، تظاهرَت الأخبارُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 229 إلى المصنف.

(2)

في ص: "قصى"، وفي ت 2:"قضى".

ص: 519

‌ذكرُ الأخبار الواردة بذلك

(1)

حدَّثنا أبو كريبٍ وسفيانُ بنُ وكيعٍ ونصرُ بنُ على وعبد الله بن أبي زيادٍ القَطَوانيُّ، قالوا: ثنا سفيانُ بنُ عيينةَ، عن ابن مُحَيْصِنٍ، عن محمد بن قيس بن

(2)

مَخْرَمةَ، عن أبي هريرةَ، قال: لما نزلت هذه الآيةُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . شقَّت على المسلمين، وبلغت منهم ما شاء اللهُ أَن تَبْلُغَ، فشَكُوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"قارِبوا وسدِّدوا، ففى كلِّ ما يُصابُ به المسلمُ كفارةٌ، حتى النكبةُ يُنْكَبُها، أو الشوكةُ يُشاكُّها"

(3)

.

[حدَّثني يونسُ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن ابن

(4)

محيصنٍ، سمِع محمدَ بن قيسِ بن مَخرمةَ، قال: أظنُّه عن أبي هريرة، قال: لمَّا نزلت هذه الآية، ثم ذكر مثله]

(5)

.

حدَّثني عبدُ الله بنُ أبي زيادٍ وأحمدُ بنُ منصورٍ الرَّمَاديُّ، قالا: ثنا [زيدُ بنُ حُبابٍ، قال]

(6)

: حدَّثنا عبدُ الملك بنُ الحسن الحارثيُّ، قال: ثنا محمدُ بنُ زيدِ بن قُنْفُذٍ، عن عائشةَ، عن أبي بكرٍ، قال: لما نزَلت: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} .

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"عن".

(3)

أخرجه الترمذى (3038) من طريق عبد الله بن أبي زياد به، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (694 - تفسير) وابن أبي شيبة 3/ 229، 230 والحميدى (1148) وأحمد 12/ 341 (7386) ومسلم (2574) والنسائى في الكبرى (11122)، والبيهقى 3/ 373 من طرق عن سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 227 إلى ابن المنذر وابن مردويه. ومحمد بن قيس بن مخرمة لم يسمع من أبي هريرة. انظر تحفة التحصيل.

(4)

في الأصل "أبي". وانظر مصادر التخريج السابقة.

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(6)

في م: "يزيد بن حيان قالا".

ص: 520

قال أبو بكر: يا رسولَ اللهِ، [كلُّ ما نَعْمَلُ نُؤاخَذُ به]

(1)

؟ فقال: "يا أبا بكرٍ، أليس يصُيبُك كذا وكذا؟ فهو كفارتُه"

(2)

.

حدَّثني إبراهيمُ بنُ سعيدٍ الجوهريُّ، قال: ثنا عبدُ الوهاب بنُ عطاءٍ، عن زيادٍ الجصاصِ، عن عليِّ بن زيدٍ، عن مجاهدٍ، قال: ثنى عبدُ الله بنُ عمرَ، أنه سمِع أبا بكرٍ يَقُولُ: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَن يَعْمَلُ سوءًا يُجْزَ به في الدنيا"

(3)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا حكّامٌ، عن إسماعيل، عن أبي بكر بن أبي زُهيرٍ

(4)

، عن أبي بكرٍ الصديق أنه قال: يا نبيَّ الله، كيف الصلاحُ بعد هذه الآية؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَيُّةُ آية؟ " قال: يَقُولُ اللهُ: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . فما عمِلناه جُزينا به، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "غفَر اللهُ لك يا أبا بكرٍ ألست تَمْرَضُ، ألست تَحْزَنُ، ألست تُصِيبُك اللأَوَاءُ

(5)

؟ قال: فهو ما تُجزَون به"

(6)

.

(1)

في الأصل: "كل من يعمل يؤاخذ به".

(2)

عزاه في الدر المنثور 2/ 226 إلى المصنف، وإسناده منقطع، محمد بن زيد بن قنفذ لم يلق عائشة.

(3)

أخرجه أحمد 1/ 204 (23) والبزار في مسنده (21) وأبو يعلى (18) والمروزي (22) وابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1071 (5993) والعقيلي في الضعفاء 2/ 79 وابن مردويه كما في تفسير ابن كثير 2/ 371 وأبو 1/ 334 من طرق عن عبد الوهاب بن عطاء به. وزياد الجصاص وعلى بن زيد ضعيفان، وانظر علل الدارقطنى 1/ 224 (29).

(4)

في الأصل: "رهين".

(5)

اللأواء: الشدة وضيق المعيشة. اللسان (ل أ ى).

(6)

تفسير سفيان الثورى ص 97 (227)، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (696، 697 - تفسير) وأحمد 1/ 229، 232 (68، 70)، وهناد في الزهد 1/ 48 (429) والمروزى (112) وأبو يعلى 98، 101)، وابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1071 (5992) وابن حبان (2910)، والحاكم 3/ 74، والبيهقى 3/ 373، وفى الشعب (9805) من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 226، إلى عبد بن حميد والحكيم الترمذى وابن المنذر والضياء في المختارة.

ص: 521

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشَيمٌ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ، عن أبي بكر بن أبي زُهَيرٍ، أن أبا بكرٍ قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: كيف الصلاحُ، فذكر نحوَه.

حدَّثنا يونسُ، قال: ثنا سفيانُ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، قال: أظنُّه عن أبي بكرٍ الثقفيِّ

(1)

، قال: لما نزَلت هذه الآيةُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . قال أبو بكرٍ: كيف الصلاحُ، ثم ذكَر نحوَه، إلا أنه زاد فيه:"أَلَسْتَ تُنْكَبُ؟ ".

حدَّثني محمدُ بنُ عبيدٍ المحاربيُّ، قال: ثنا أبو مالكٍ الجَنْبيُّ، عن إسماعيلَ بن أبي خالدٍ، عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ الثقفيِّ، قال: قال أبو بكرٍ: يا رسول الله، فذكَر نحوَه، إلا أنه قال: فكلُّ سوءٍ عمِلناه جُزِينا به. وقال أيضًا: "ألست تَمْرَضُ، ألست تَنْصَبُ، ألست تَحْزَنُ، أليس تُصيبُك الأوَاءُ؟ " قال: بلى. قال: "فهو ما تُجْزَون به"

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن [ابن أبي خالدٍ]

(3)

، عن أبي بكر بن أبي

(4)

زهيرٍ الثقفيِّ، قال: لما نزلت هذه الآيةُ: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . قال: قال أبو بكر: يا رسول الله، وإنا

(1)

بعده في م: "عن أبي بكر".

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (695 - تفسير) وأحمد 1/ 231 (69) عن ابن عيينة به، وقال الدارقطني في العلل: واختلف على ابن عيينة، فرواه أحمد بن حنبل، وإسحاق بن بهلول عن ابن عيينة على الصواب، ورواه إسحاق بن إسماعيل عن ابن عيينة عن ابن أبي خالد عن أبي بكر بن أبي زهير، قال: أراد عن أبي هريرة، ووهم فيه. فرواه سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن إسماعيل عن أبي بكر بن عمارة بن روبية الثقفى، ووهم فيه أيضًا، ورواه عثام بن علي عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر، وهذا وهم قبيح، والصواب قول الثورى، ومن تابعه. انظر علل الدارقطني 1/ 284 (74).

(3)

في الأصل: "ابن خالد"، وفى ص:"أبي خالد".

(4)

سقط من: الأصل.

ص: 522

لنُجْزَى بكلِّ شيءٍ نَعْمَلُه؟ قال: "يا أبا بكرٍ، ألست تَنْصَبُ، ألست تَحْزَنُ، ألست تُصيبُك اللأواءُ؟ فهذا ما تَجزَون به"

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، قال: ثنا [ابن أبي خالدٍ]

(2)

، قال: ثنا أبو بكر بن أبي زهيرٍ الثقفيُّ، عن أبي بكرٍ، فذكَر مثلَ ذلك

(3)

.

حدَّثنا أبو السائبِ وسفيانُ، قالا: ثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن مسلمٍ، قال: قال أبو بكرٍ: يا رسول الله، ما أشدَّ هذه الآية:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . فقال: "يا أبا بكرٍ، المُصيبةُ في الدنيا جزاءٌ"

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا رَوْحُ بنُ عُبادة، قال: ثنا أبو عامرٍ الخزازُ

(5)

، عن ابن أبي مُلَيكةَ، عن عائشةَ قالت: قلت: إني لأعْلَمُ أيُّ آيةٍ في كتابِ اللهِ أَشدُّ. فقال لى النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أيُّ آية؟ " فقلت: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . قال: "إن المؤمن ليُجازَى بأسوأ عمله في الدنيا". ثم ذكَر أشياءَ منهنّ المرضُ والنَّصَبُ، فكان آخرُه أنه ذكَر النكبةَ، فقال: "كلُّ ذى يُجْزَى

(6)

به

(7)

بعمله يا عائشةُ، إنه ليس أحدٌ يُحَاسَبُ يوم القيامةِ إلا يُعَذَّبُ

(8)

". فقلت: أليس يَقُولُ الله: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ

(1)

أخرجه أحمد 1/ 232 (71) وأبو يعلى (99) عن وكيع به، عدا أبي يعلى فبدون ذكر أبي بكر بن أبي زهير.

(2)

في الأصل: "يحيى بن أبي خالد". وفى ص، س:"أبي عن خالد". وقد سبق كثيرًا.

(3)

أخرجه المروزى في مسند أبي بكر الصديق (111)، وأبو يعلى (98 - 100)، وابن حبان (2926)، وابن السُّنى في عمل اليوم والليلة (392)، والبيهقى في الشعب (9805) من طرق عن يحيى بن سعيد به.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (700 - تفسير) عن أبي معاوية به.

(5)

في الأصل: "الجزار". وفى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س "الحرار". والمثبت من مصادر التخريج.

(6)

في الأصل: "يجازي".

(7)

سقط من: م.

(8)

في ص، ت 2، س:"معذب".

ص: 523

حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]؟ فقال: "ذاك عندَ العرضِ، إنه مَن نُوقِش الحسابَ عُذِّب". وقال بيدِه على إصبَعه كأنه يَنْكُتُه

(1)

.

حدَّثني القاسمُ بنُ بشرِ بن مَعروفٍ، قال: ثنا سليمانُ بنُ حربٍ، قال: ثنا حمادُ بنُ سَلَمةَ، عن عليٍّ بن زيدٍ، عن أُميةَ، قالت

(2)

: سأَلْتُ عائشةَ عن هذه الآية: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284]، و {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}. قالت: ما سألنى عنها أحدٌ منذ سأَلْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، فقال:"يا عائشةُ، ذلك مثابةُ اللهِ العبد مما يُصيبه من الحمَّى والكبَرِ، والبضاعةِ يَضَعُها في كُمِّه فيَفْقِدُها، فيَفْزَعُ لها فيَجِدُها في كُمِّه، حتى إن المؤمنَ ليَخْرُجُ مِن ذُنوبه كما يَخْرُجُ التِّبْرُ الأحمرُ مِن الكير"

(3)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيم، قال: ثنا هُشَيمٌ، قال: حدَّثنا أبو عامرٍ الخزازُ، قال: ثنا ابن أبي مليكة، عن عائشةَ، قالت: قلت: يا رسولَ اللهِ، إنى أعْلَمُ أَشدَّ آية في القرآنِ. فقال:"ما هي يا عائشةُ؟ " قلت: هي هذه الآيةُ يا رسولَ اللهِ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . فقال: "هو ما يُصِيبُ العبدَ المؤمنَ، حتى النكبةُ يُنْكَبُها"

(4)

.

(1)

في الأصل، س:"ينكبه"، وفى م:"ينكت".

والحديث أخرجه أبو داود (3093)، والبيهقى في الشعب (9810) من طرق عن أبي عامر الخزاز به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 227 إلى ابن مردويه، وأصل الحديث دون ذكر الآية عند أحمد 6/ 47 (24246 - ميمنية)، والبخارى (103، 4939)، ومسلم (2876)، والترمذي (2426، 3337)، والنسائي في الكبرى (11659) من طرق عن ابن أبي مليكة به.

(2)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قال".

(3)

تقدم تخريجه في 5/ 143 حاشية (3).

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1072 (5996) من طريق هشيم به.

ص: 524

حدَّثني يَعْقُوبُ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن الربيع بن صبيحٍ

(1)

، عن عطاءٍ، قال: لما نزَلت: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} . قال أبو بكرٍ: يا رسول الله، ما أشدَّ هذه الآية. قال: يا أبا بكرٍ، إنك تَمْرَضُ، وإنك تحزنُ، وإنك يُصيبُك الأذى، فذاك بذاك".

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرنا عطاءُ بنُ أبي رباحٍ، قال: لما نزَلت، قال أبو بكرٍ: جاءت قاصمةُ الظهر. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنما هي المصيباتُ في الدنيا"

(2)

.

[حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عمرُو بنُ الحارث، عن بكر بن سوادةَ، عن يزيدَ بن أبي يزيدَ، عن عبيدِ بن عميرٍ، عن عائشةَ، أن رجلًا تلا هذه الآية: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}. قال: إنا لنُجْزَى بكلِّ ما عمِلناه، هلكنا إذن، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه، فقال: "نعم، يُجْزَى به المؤمنُ في الدنيا في مصيبةٍ في جسدِه، فيما يؤذيه"]

(3)

.

‌القولُ في تأويل قولِه جل ثناؤه: {وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)} .

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: {وَلَا يَجِدْ} : الذي يَعْمَلُ سوءًا مِن معاصى اللهِ وخلافِ ما أمَره به، {مِنْ دُونِ اللَّهِ} يَعْنى: مِن بعدِ اللهِ وسِواه، {وَلِيًّا} يلى

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2 ت 3:"صبح"، وانظر تهذيب الكمال 9/ 89.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 227 إلى المصنف.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س. والحديث أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1072 (5995) عن يونس به، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (699 - تفسير) وأحمد 6/ 65 (24413 - ميمنية)، والبخاري في تاريخه 8/ 371، وأبو يعلى (4675، 4839)، وابن حبان (2923)، والبيهقي في الشعب (9806، 9807) من طرق عن ابن وهب، به، وإسناده ضعيف لجهالة يزيد بن أبي يزيد.

ص: 525

أمرَه، ويَحْمِي عنه ما يَنْزِلُ به من عقوبة الله، {وَلَا نَصِيرًا} يَعْنى: ولا ناصرًا يَنْصُرُه مما يَحِلُّ به مِن عُقُوبَةِ اللهِ وأليمِ نَكالِه.

‌القولُ في تأويل قولِه جل ثناؤه: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)} .

قال أبو جعفر رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: الذين قال لهم: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} . يَقُولُ الله لهم: إنما يَدْخُلُ الجنةَ ويَنْعَمُ فيها في الآخرةِ مَنْ يَعْمَلُ مِن الصالحاتِ مِن ذُكوركم وإناثِكم، وذكورِ عبادى وإناثِهم، وهو مؤمنٌ بي وبرسولي محمدٍ، مُصَدِّقٌ بوحدانيتي، ونُبوةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به مِن عندى، لا أنتم أيُّها المشركون بى، المكذِّبون رسولي، فلا تَطْمَعُوا أن تَحُلوا وأنتم كفارٌ مَحَلَّ المؤمنين بي، وتَدْخُلُوا مَداخِلَهم في القيامة، وأنتم مكذِّبون رسولي.

كما حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السدِّيِّ قولَه:{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} . قال: أبَى أن يَقْبَلَ الإيمان إلا بالعملِ الصالحِ، وأبَى أن يَقْبَلَ الإسلامَ إلا بالإحسانِ

(1)

.

وأما قولُه: {وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} . فإنه يَعْنى: ولا يَظْلِمُ الله هؤلاء الذين يَعْمَلُون الصالحاتِ مِن ثوابِ عملِهم مقدار النُّقْرَةِ

(2)

التي تَكُونُ فِي ظَهْرِ النواة في القِلةِ، فكيف بما هو أعْظَمُ مِن ذلك وأكثرُ، وإنما يُخْبِرُ بذلك جلَّ ثناؤُه عبادَه أنه لا

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1073 (6002) من طريق أحمد بن المفضل به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 230 إلى ابن المنذر.

(2)

في الأصل: "النقيرة".

ص: 526

يَبْخَسُهم من جزاءِ أعمالِهم قليلًا ولا كثيرًا، ولكن يُوفِّيهم ذلك كما وعَدهم.

[وبنحوِ الذي قلنا في معنى النقير قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} . قال: النَّقِيرُ: الذي يَكُونُ في ظهرِ النواةِ

(1)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا أبو عامرٍ، قال: ثنا قُرَّةُ، عن عطيةَ، قال: النَّقِيرُ: الذي في وَسَطِ النواة]

(2)

.

فإن قال لنا قائلٌ: وما وجهُ دُخول "من" في قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ} ، [ولم يَقُلْ: ومَن يَعْمَلْ الصالحات]

(3)

؟ قيل: لدُخولِها وجهان؛ أحدُهما: أن يَكُونَ الله قد عَلِم أَنَّ عبادَه المؤمنين لن يُطِيقوا أن يَعْمَلُوا جميع الأعمال الصالحةِ، فأَوْجَب وَعْدَه لمن عمِل ما أطاق منها، فلم يَحْرِمُه فضلَه، بسبب ما عجَزت عن عملهِ منها قواه

(4)

.

والآخرُ منهما: أن يَكُونَ اللهُ تعالى ذكرُه أوْجَب وَعْدَه لمن اجْتَنَب الكبائرَ وأدَّى الفرائضَ، وإن قصَّر في بعضِ الواجبِ له عليه، تفضلًا منه على عبادِه المؤمنين، إذ كان التفضلُ به أولى، والصَّفْحُ عن أهلِ الإيمانِ به أُحْرَى. وقد تَقَوَّلَ قومٌ مِن أَهلِ العربية أنها أُدْخِلَت في هذا الموضعِ بمعنى الحذفِ، ويَتَأَوَّله: ومَن يَعْمَل

(5)

الصالحاتِ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 230 إلى ابن المنذر.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

سقط من: الأصل، ت 2.

(4)

في ص، س:"قوله".

(5)

بعده في الأصل، ت 1، ت 2، ت 3:"من".

ص: 527

من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ، وذلك عندى غير جائزٍ؛ لأن دُخولَها لمعنًى، فغيرُ جائزٍ أن يَكُونَ معناها الحذفَ.

‌القولُ في تأويل قوله جل ثناؤه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} .

قال أبو جعفرٍ: وهذا قضاءٌ من الله جلَّ ثناؤه للإسلام وأهلِه بالفضلِ على سائرِ المللِ غيره وأهلِها، يَقُولُ الله جل وعز:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا} أَيُّهَا النَّاسُ، وأصوبُ طريقًا، وأهدى سبيلًا، {مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} يَقُولُ: ممن اسْتَسْلَم وجهه للهِ، فانْقَاد له بالطاعةِ، مصدِّقًا نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عندِ ربِّه، {وَهُوَ مُحْسِنٌ} يَعْنى: وهو عاملٌ بما أمَره به ربُّه، محرِّمٌ حرامَه، ومحلِّلٌ حلالَه، {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} يَعْنى بذلك: واتَّبَع الدينَ الذي كان عليه إبراهيمُ خليلُ الرحمن، وأمَر به بنيه مِن بعدِه وأوصاهم به، {حَنِيفًا} يَعْنى: مستقيمًا على منهاجِه وسبيلِه.

وقد بيَّنا اختلافَ المختلفين فيما مضَى قبلُ في معنى "الحنيف"، والدليلَ على الصحيح من القول في ذلك بما أغْنَى عن إعادته

(1)

.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل. وممن قال ذلك أيضًا الضحاكُ؛

حدَّثني يحيى بنُ أبي طالبٍ، قال: أخبَرَنا يزيدُ، قال: أخبَرنا جُوَيبرٌ، عن الضحاكِ، قال: فضَّل الله الإسلامَ على كلِّ دينٍ، فقال:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} . إلى قوله: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} وليس

(1)

تقدم في 2/ 591 - 595.

ص: 528

يُقْبَلُ فيه

(1)

عملٌ غيرُ الإسلامِ وهى الحَنيفيةُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: واتخَذ اللهُ إبراهيمَ وليًّا.

فإن قال قائلٌ: وما معنى الخُلةِ التي أُعطِيَها إبراهيمُ؟ قيل: ذلك مِن إبراهيمَ عليه السلام العداوةُ في اللهِ والبُغْضُ فيه، والوَلايةُ في اللهِ والحبُّ فيه، على ما يُعْرَفُ مِن معاني الخلَّةِ، وأما مِن اللهِ لإبراهيمَ، فنُصْرَتُه على مَن حاوَله بسوءٍ، كالذى فعَل به إذ أراده نُمْروذُ بما أراده به مِن الإحراقِ بالنارِ، فأنقَذَه منها، وأعلى حُجَّتَه عليه إذ حاجَّه، وكما فعَل بمَلكِ مصرَ إذ أراده عن أهلِه، وتمكينُه مما أحبَّ، وتَصْيِيرُه إمامًا لمن بعدَه مِن عبادِه وقدوةً لمن خلفه في طاعتِه وعبادتِه، فذلك معنى خِلالَتِه

(2)

إياه. وقد قيل: سمّاه اللهُ خليلًا مِن أجلِ أنه أصاب أهلَ ناحيتِه جَذْبٌ، فارتَحَل إلى خليلٍ له مِن أهل المَوْصِلِ - وقال بعضُهم: مِن أهلِ مصرَ في امتيارِ طعامٍ لأهلِه مِن قبَلِه فلم يُصِبْ عندَه حاجتَه، فلما قرُب مِن أهلِه مرَّ بمفازةٍ ذاتِ رملٍ، فقال: لو ملأتُ غَرائرى مِن هذا الرملِ لئلا أغُمَّ أهلى برُجُوعى إليهم بغيرِ ميرةٍ، وليَظُنُّوا أنى قد أتَيْتُهم بما يُحِبُّون، ففعَل ذلك، فتحوَّل ما في غَرائرِه مِن الرملِ دقيقًا، فلما صار إلى منزلِه نام وقام أهلُه، ففتَحوا الغرائرَ فوجَدوا دقيقًا، فعجَنوا منه وخبَزوا، فاسْتَيْقَظَ فسأَلَهم عن الدقيقِ الذي منه خَبَزُوا، فقالوا: مِن الدقيقِ الذي جئتَ به مِن عندِ خليلِك. فعلِم، فقال: نعم، هو مِن خليلى اللهِ، قالوا: فسمّاه اللهُ بذلك خليلًا.

(1)

في الأصل: "منه".

(2)

في م: "مخالته".

ص: 529

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)} .

يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} لطاعتِه ربَّه، وإخلاصِه العبادةَ له، والمسارعةِ إلى رضاه ومحبتِه، لا مِن حاجةٍ به إليه وإلى خُلَّتِه. [ثم قال: فكيف]

(1)

يَحْتاجُ إليه وإلى خُلَّتِه، وله ما في السمواتِ وما في الأرضِ مِن قليلٍ وكثيرٍ مِلْكًا، والمالكُ الذي إليه حاجةُ مُلْكِه دونَ حاجتِه إليه. يقولُ: فكذلك حاجةُ إبراهيمَ إليه، لا حاجتُه إليه، فيَتَّخِذُه مِن أجلِ حاجتِه إليه خليلًا، ولكنه اتَّخَذه خليلًا لمسارعتِه إلى رضاه ومحبتَه. فكذلك فسارِعوا إلى رِضاىَ ومحبَّتى لأتَّخِذكم لى أولياءَ، {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا} يقولُ: ولم يَزَلِ اللَّهُ مُحْصِيًا لكلِّ ما هو فاعلُه عبادُه مِن خيرٍ وشرٍّ، عالمًا بذلك، لا يَخْفَى عليه شيءٌ منه، ولا يَعْزُبُ عنه مثقالُ ذَرَّةٍ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} .

يَعْنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} : ويَسْأَلُك يا محمدُ أصحابُك أن تُفْتِيَهم في أمرِ النساءِ والواجبِ لهنَّ وعليهنَّ، فاكْتَفَى بذكرِ النساءِ مِن ذكرِ شأنِهنَّ؛ لدِلالةِ ما ظهَر مِن الكلامِ على المرادِ منه:{قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} : قل يا محمدُ لهم: {اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} . يَعْنى في النساءِ، {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} .

(1)

في م: "وكيف".

ص: 530

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} ؛ فقال بعضُهم: يَعْنى بقولِه: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} : قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم فيهنَّ، وفيما يُتْلى عليكم. قالوا: والذي يُتْلى عليهم هو آياتُ الفرائضِ التي في أولِ هذه السورةِ.

‌ذِكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا حكامُ بنُ سَلْمٍ

(1)

، عن عمرِو بن أبى قيسٍ، عن عطاءٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} . قال: كان أهلُ الجاهليةِ لا يُوَرِّثون المولودَ حتَّى يَكْبَرَ، ولا يُوَرِّثون المرأةَ؛ فلما كان الإسلامُ قال:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} في أوَّلِ السورةِ في الفرائضِ، {اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ}

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن هشامِ بن عُروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ:{وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} . قالت: هذا في اليتيمةِ تَكُونُ عندَ الرجلِ لعلَّها أن تَكُونَ شَريكتَه في مالِه، وهو أولى بها مِن غيرِه

(3)

، فيَرْغَبُ عنها أن يَنْكِحَها، ويَعْضُلُها لمالِها ولا يُنْكِحُها غيرَه؛ كراهيةَ أن يَشْرَكَه أحدٌ في مالِها

(4)

.

(1)

في الأصل: "سلام"، وفى ت 2، س:"سالم". وهو حَكَّام بن سَلْم الكِنانى أبو عبد الرحمن الرازى. انظر تهذيب الكمال 7/ 83.

(2)

في م: "كتب الله لهن". والأثر أخرجه الحاكم في مستدركه 2/ 308 من طريق عمار بن رزيق عن عطاء به، بنحوه. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 231 إلى ابن المنذر.

(3)

في ص، ت 2، ت 3، س:"غيرها".

(4)

أخرجه البخارى (5128) عن يحيى عن وكيع به مثل رواية المصنف، وأخرجه في (4574)، (4600)، (5131)، ومسلم (3018)، والنسائى في الكبرى (11124)، وابن أبي حاتم 4/ 1077 (6024)، والبيهقى 7/ 142 من طرق عن هشام به بنحوه.

وللحديث طريق آخر عن عروة سيأتي ص 301.

ص: 531

حدَّثنا ابن حُميدٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا جريرٌ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: كانوا لا يُوَرِّثون في الجاهليةِ النساءَ والفَتَى

(1)

حتى يَحْتَلِمَ، فأنزَل الله:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} في أولِ سورةٍ النساءِ مِن الفرائضِ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن أشعثَ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ

(3)

، قال: كانوا في الجاهليةِ لا يُوَرِّثُون اليتيمةَ ولا يَنْكِحونها، ويَعْضُلُونها، فأنزَل اللهُ:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} إلى آخرِ الآيةِ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: أخبَرنى الحَجَّاجُ، عن ابن جُريجٍ، قال: أخبَرنى

(4)

عبدُ اللهِ بنُ كَثيرٍ أنه سَمِع سعيدَ بنَ جبيرٍ يَقُولُ في قولِه: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} الآية. قال: كان لا يَرِثُ إلا الرجلُ الذي قد بلَغ، لا يَرِثُ الرجلُ الصغيرُ ولا المرأةُ، فلما نزَلتِ

(5)

(1)

في م: "الصبى".

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 358، وابن أبي حاتم 4/ 1076 (6021) من طريق عطاء به، بنحوه.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"شعبة"، وهو خطأ، والراوى عن سعيد جعفرُ بن إياس اليشكرى، يروى عنه شعبة بن الحجاج وأشعث بن سوار، ويروى هو عن سعيد بن جبير، انظر تهذيب الكمال 5/ 5، 10/ 358.

(4)

بعده في الأصل: "عمى". ولم نجد ذكر هذه الصلة - العمومة - في ترجمة ابن جريج أو عبد الله؛ فعبد الله هو عبد الله بن كثير بن عمرو الدارى المكى أبو معبد القارئ، أحد القراء السبعة، انظر ترجمته في تهذيب الكمال 15/ 468، وسير أعلام النبلاء 5/ 318، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج القرشى الأموى، ترجمته في تهذيب الكمال 18/ 338، وسير أعلام النبلاء 6/ 325.

(5)

بعده في م: "آية".

ص: 532

المواريثُ في سورةِ النساءِ، شقَّ ذلك على الناسِ، وقالوا: يَرِثُ الصغيرُ الذي لا يَعْمَلُ في المالِ [ولا يَقُومُ فيه، والمرأةُ التي

(1)

هي كذلك، فيَرِثانِ كما يَرِثُ الرجلُ الذي يَعْمَلُ في المالِ]

(2)

، فَرَجَوْا أن يَأتىَ في

(3)

ذلك حَدَثٌ مِن السماءِ، فانتَظَرُوا، فَلمَّا رأَوْا أنه لا يَأْتِى حَدَثٌ، قالوا: لئن تمَّ هذا إنه لواجبٌ ما منه بدٌّ. ثم قالوا: سَلُوا. فسأَلوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأنزَل اللهُ:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} في أولِ السورةِ {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} . قال سعيدُ بنُ جبيرٍ: وكان الوليُّ إذا كانت المرأةُ ذاتَ جمالٍ ومالٍ رغِب فيها، ونكَحها واستَأْثَر بها، وإذا لم تَكُنْ ذاتَ جمالٍ ومالٍ أنْكَحَها ولم يَنْكِحْها

(4)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا جريرٌ، عن مُغيرةَ، عن إبراهيمَ:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} . قال: كانوا إذا كانَت الجاريةُ يتيمةً دَميمةً

(5)

لم يُعْطُوها ميراثَها، وحبَسوها من

(6)

التزويجِ حتى تَموتَ، فيَرِثوها، فأنزَل اللهُ هذا

(7)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشَيمٌ، قال: أخبَرنا مُغيرةُ، عن إبراهيمَ

(1)

سقط من: م.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"من". والمثبت موافق لما في الدر المنثور.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 231 إلى المصنف، وابن المنذر، وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1078 (6032) آخرة من طريق ابن جريج به.

(5)

في ص، ت 1، س:"ذميمة".

(6)

في م: "عن". والمثبت موافق لما في مصدر التخريج.

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 231 إلى المصنف وعبد بن حميد.

ص: 533

في قولِه: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} . قال: كان الرجلُ منهم تَكُونُ له اليتيمةُ بها الدَّمامَةُ

(1)

، والأمرُ الذي يَرْغَبُ عنها فيها، ولها مال. قال: فلا يَتَزَوَّجُها ولا يُزَوِّجُها حتى تموتَ فيَرِثَها. قال: فنهاهم اللهُ عن ذلك.

حدَّثنا سفيانُ بنُ وَكيعٍ، قال: ثنا [عُبيدُ اللهِ]

(2)

، عن إسرائيلَ، عن السُّدِّيِّ، عن أبي مالكٍ:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} . قال: كانت المرأةُ إذا كانت عندَ وليٍّ رَغِب

(3)

عنها، حبَسها إن لم يَتَزَوَّجها، ولم يَدْعُ أحدًا يَتَزَوَّجُها

(4)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} قال: كان أهلُ الجاهليةِ لا يُوَرِّثون النساءَ ولا الصبيانَ شيئًا، كانوا يَقُولون: لا يَغْزُون ولا يُغْنُون

(5)

خيرًا. ففرَض اللهُ لهم

(6)

الميراثَ حقًّا واجبًا

(7)

؛ ليَتَنافَسَ أو ليَنْفَسَ الرجلُ في مالِ يَتيمتِه إِن لم

(8)

تَكُنْ حَسَنَةً

(9)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه.

(1)

في ص، ت 1، س:"الإمامة".

(2)

في م: "عبد الله". وهو عبيد الله بن موسى بن أبى المختار. وينظر تهذيب التهذيب 7/ 50.

(3)

في م: "يرغب".

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 4/ 358، 359، عن عبيد الله به نحوه.

(5)

في م: "يغنمون".

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"لهن".

(7)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(8)

سقط من: م.

(9)

تفسير مجاهد ص 293، 294، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1076، 1077 (6022). وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 231 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 534

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: حدثني

(1)

أبى، قال: حدثني

(1)

عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} : يَعْنى الفرائضَ التي افْتُرِضَتْ

(2)

في أمرِ النساءِ، {اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}. قال: كانت اليتيمةُ تَكُونُ

(3)

في حِجْرِ الرجلِ، فيَرْغَبُ أن يَنْكِحَها أو يُجَامِعَها، ولا يُعْطِيها مالَها، رجاءَ أن تَمُوتَ فيَرِثَها، وإن مات لها حميمٌ لم تُعْطَ

(4)

مِن الميراثِ شيئًا، وكان ذلك في الجاهليةِ، فبَيَّن اللهُ لهم ذلك

(5)

.

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يَزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ. عن قتادةَ قولَه: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} . حتى بلَغ: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} . فكان الرجلُ تَكُونُ في حِجْرِه اليَتيمةُ بها دَمامةٌ ولها مالٌ، فكان يَرْغَبُ عنها أن يَتَزَوَّجَها، ويَحْبِسُها لمالِها، فأنزَل اللهُ فيه

(6)

ما تَسْمَعون.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} . قال: كانت اليتيمةُ تَكُونُ في حِجْرِ الرجلِ فيها دَمامةٌ، فيَرْغَبُ عنها أن يَنْكِحَها، ولا يُنْكِحُها رغبةً في مالِها

(7)

.

(1)

في م: "ثنا".

(2)

في م: "افترض".

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

في الأصل: "يعط".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1076 (6018). عن محمد بن سعد به مقتصرًا على أوله، وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 231 دون صدر الأثر وعزاه إلى المصنف.

(6)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(7)

تفسير عبد الرزاق 1/ 174، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 232، إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 535

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السدِّيِّ قولَه:{وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} إلى قولِه: {بِالْقِسْطِ} . قال: كان جابرُ بن عبدِ اللهِ الأنصاريُّ ثم السَّلَمِيُّ له ابنةُ عمٍّ

(1)

عمياءُ، وكانت دميمةً

(2)

، وكانت قد وَرِثتْ عن أبيها مالًا، فكان جابرٌ يَرْغَبُ عن نِكاحِها، ولا يُنْكِحُها رَهْبَةً أن يَذْهبَ الزوجُ بمالِها، فسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكان ناسٌ في حُجُورِهم جَوارى

(3)

أيضًا مثلَ ذلك، فجعَل جابرٌ يَسألُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أثَرِثُ الجاريةُ إذا كانت قَبِيحةً عَمْياءَ؟ فجعَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "نعم". فأنزَل اللهُ فيهم

(4)

هذا

(5)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: ويَسْتفتونك في النساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم فيهن وفيما يُتْلَى عليكم في الكتابِ، في آخرِ سورةِ النساءِ؛ وذلك قولُه:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} إلى آخرِ السورةِ [النساء: 176].

‌ذِكْرُ مَن قال ذلك

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سلَّامُ بنُ سُلَيمٍ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ قال: كان أهلُ الجاهليةِ [لا يُوَرِّثون]

(6)

الوِلْدانَ حتى

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في ص، ت 1، س:"ذميمة".

(3)

في م: "جوار". وانظر تفسير ابن أبي حاتم.

(4)

في م: "فيهن".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1077، 1078 (6027) من طريق أحمد بن المفضل به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 231 إلى المصنف.

(6)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، ص.

ص: 536

يَحْتَلِموا، فأنزَل اللهُ:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} إلى: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} قال: فنزَلَتْ

(1)

هذه الآيةُ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} الآية كلّها [النساء: 176]

(2)

.

وقال آخرونَ: بل معنى ذلك: ويَسْتفتونك في النساء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم فيهن وفيما يُتْلَى عليكم في الكتابِ؛ يعنى في أوَّلِ هذه السورةِ، وذلك قولُه:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3].

‌ذِكْرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونسُ بنُ يَزِيدَ، عن ابن شِهابٍ، قال: أخبرني عُرْوةُ بنُ الزبيرِ، أنه سَأَل عائشةَ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن قولِ اللهِ:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} . قالت: يا بنَ أُختى

(3)

، هي اليتيمةُ تَكُونُ في حِجْرِ

(4)

وَليِّها، تُشارِكُه في مالِه، فيُعْجِبُه مالُها وجمالُها، فيُريدُ وَليُّها أن يَتَزوَّجَها بغيرِ

(5)

أَن يُقْسِطَ في صَداقِها فيُعْطِيَها مثلَ ما يُعْطِيها

(6)

غيرُه، فنُهوا أن يَنْكِحوهن إلا أن يُقْسِطوا لهن، ويَبْلُغوا بهن أعلى

(7)

سُنَّتِهنَّ

(8)

مِن الصَّداقِ، وأُمِروا أن يَنْكِحوا ما طاب لهم مِن النساءِ سواهن. قال

(1)

في م: "ونزلت".

(2)

تقدم بنحوه من طريق عطاء عن سعيد ص 532.

(3)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"أخى".

(4)

بعده في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"الرجل".

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يعنى".

(6)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يعطى".

(7)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"على".

(8)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"سبيلهن".

ص: 537

عُروةُ: قالت عائشةُ: ثم إن الناسَ

(1)

اسْتَفْتَوْا رسولَ صلى الله عليه وسلم بعدَ هذه الآيةِ فيهن، فأنزَل اللهُ {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} قالت: والذي ذكَر اللهُ أنه يُتْلَى في الكتابِ، الآيةُ الأولَى التي قال فيها:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}

(2)

.

حدَّثني المُثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى الليثُ، قال: ثنى يونسُ، عن ابن شهابٍ، عن عُروةَ، عن عائشةَ مثلَه.

فعلى هذه الأقوالِ الثلاثةِ التي ذكَرناها؛ "ما" التي في قولِه: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} في موضِعِ خَفْضٍ بمعنى العطفِ على الهاءِ والنونِ التي في قولِه: {يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} . فكأنهم وَجَّهوا تأويلَ الآيةِ: قُلِ اللهُ يُفْتِيكم أيُّها الناسُ في النساءِ وفيما

(3)

يُتْلَى عليكم في الكتابِ

(4)

.

وقال آخرون

(5)

: نزَلتْ هذه الآيةُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في قومٍ مِن أصحابِه سأَلوه عن أشياءَ مِن أمرِ النساءِ، وترَكوا المسألةَ عن أشياءَ أُخَرَ كانوا يَفْعَلُونها، فأَفْتاهم اللهُ فيما سَأَلوا عنه، وفيما ترَكوا المسألةَ عنه.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"النساء".

(2)

تقدم تخريجه في 6/ 359.

(3)

في الأصل: "ما".

(4)

ينظر معاني القرآن 1/ 290.

(5)

بعده في الأصل: "معنى ذلك: قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب". وبعده في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"معنى ذلك: قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب. وقال آخرون".

ص: 538

‌ذِكْرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ المُثنى وسفيانُ بنُ وَكيعٍ؛ قال

(1)

سفيانُ: ثنا عبدُ الأعلى، وقال ابن المُثنى: ثنى عبد الأعلى، قال: ثنا داودُ، عن محمدِ بن أبى موسى في هذه الآيةِ:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} . قال: اسْتَفْتَوْا نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم في النساءِ، وسَكَتوا عن شيءٍ كانوا يَفْعَلونه، فأنزَل اللهُ:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} . ويُفْتِيكم فيما لم تَسْأَلوا عنه، قال: كانوا

(2)

لا يَتَزَوَّجون اليتيمةَ إذا كان بها دَمامةٌ، ولا يَدْفَعون إليها مالَها فتَنْفُقَ

(3)

، فنَزَلتْ: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ

(4)

وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}. قال: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ} قال: كانوا يُوَرِّثون الأكابرَ ولا يُوَرِّثون الأصاغرَ. ثم أفتاهم فيما سَكَتوا عنه فقال: {وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا

(5)

بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ

(6)

}. ولفظُ الحديثِ لابنِ المثنى.

قال أبو جعفرِ: فعلى هذا القولِ: الذي يُتْلَى علينا في الكتابِ، الذي قال اللهُ جلَّ ثناؤُه:{قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} ، {وَإِنِ

(1)

في الأصل: "قالا حدثنا".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فكانوا".

(3)

تنفق: يَكْثُر خُطَّابها. الوسيط (ن ف ق).

(4)

في النسخ "في النساء".

(5)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يصالحا". وينظر ما سيأتي ص 548، 560.

(6)

ينظر التبيان 3/ 344.

ص: 539

امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} الآية. والذي سأَل القومُ فأُجِيبوا عنه، في

(1)

يتامَى النساءِ اللاتى كانوا لا يُؤْتونهن ما كتَب اللهُ لهن مِن الميراثِ عمَّن وَرِثْنَه عنه.

وأولى هذه الأقوالِ التي ذكَرنا عمن ذكَرناها عنه بالصوابِ، وأشْبَهُها بظاهرِ التنزيلِ، قولُ مَن قال: معنى قولِه: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} : وما يُتْلَى عليكم مِن آياتِ الفرائضِ في أولِ هذه السورةِ وآخرِها.

وإنما قلنا ذلك أولى بالصوابِ؛ لأن الصداقَ ليس مما كُتِبَ للنساءِ إلا بالنكاحِ، فما لم تُنْكَحْ فلا صداقَ لها قِبَلَ أَحَدٍ. وإذا لم يكن ذلك لها [قبَلَ أحدٍ، لم يَكُنْ مما كُتِبَ لها. وإذا لم يَكُنْ مما كُتِبَ لها]

(2)

، لم يَكُنْ لقولِ قائلٍ - عَنَى بقولِه:{وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} : الإقساطَ في صَدَقَاتِ يتامى النساءِ - وَجْهٌ

(3)

؛ لأن الله قال في سياقِ الآيةِ، مُبيِّنًا عن الفُتْيَا التي وعَدَنا أن يُفْتِيَناها:{فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} ، فأَخْبَر أن بعضَ الذي يُفْتِينا فيه من أمرِ النساءِ، أَمْرُ اليتيمةِ المَحُولِ

(4)

بينَها وبينَ ما كتَب اللهُ لها. والصداقُ قبلَ عَقْدِ النكاحِ، ليس مما كتَب اللهُ لها على أحدٍ. فكان معلومًا بذلك أن التي عَنَى

(5)

بهذه الآيةِ، هي التي قد حِيلَ بينَها وبينَ الذي كُتِبَ لها مما يُتْلَى علينا في كتابِ اللَّهِ أمْرُه

(6)

. فإذا كان

(1)

"في يتامى النساء

" إلى آخر العبارة، هو جواب قوله: والذي سأل القوم فأجيبوا عنه. أي: سؤال القوم الذي أُجيبوا عنه، كان عن يتامى النساء" إلخ.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

سقط من: الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"المحولة".

(5)

في م: "عنيت".

(6)

سقط من: م.

ص: 540

ذلك كذلك، كان معلومًا أن ذلك هو الميراثُ الذي فَرَضَه

(1)

اللهُ لهن في كتابِه.

فأما الذي ذُكِرَ عن محمدِ بن أبى موسى

(2)

، فإنه - مع خروجِه مِن قولِ أهلِ التأويلِ - بعيدٌ مما يَدلُّ عليه ظاهرُ التنزيلِ؛ وذلك أنه زعَم أن الذي عَنَى اللَّهُ بقولِه:{وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} ، هو {وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} . وإذا وُجِّهَ الكلامُ إلى المَعْنَى الذي تَأوَّلَه، صار الكلامُ مُبْتَدأً مِن قولِه:{فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} ، [ترْجَمَةً بذلك عن قولِه:{فِيهِنَّ} ، ويَصِيرُ معنى الكلامِ: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم فيهن؛ في يَتامى النساءِ اللاتي لا تُؤْتونهن]

(3)

. ولا دَلالةَ في الآيةِ على ما قالَه، ولا أَثَرَ عمَّن يُعْلَمُ بقولِه صحةُ ذلك، وإذ كان ذلك كذلك، كان وَصْلُ معاني الكلامِ بعضِه ببعضٍ أَوْلَى، ما وُجدَ إليه سَبيلٌ. فإذ كان الأمرُ على ما وَصَفْنا، فقولُه

(4)

: {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} . بأن يكونَ صلةً لقولِه

(5)

: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} . أَوْلَى مِن أن يكونَ ترجمةً عن قولِه: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} ؛ لقُرْبِه مِن قولِه: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} ، وانقطاعِه عن قولِه:{يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} .

وإذ كان ذلك كذلك، فتأويلُ الآيةِ: ويَسْتَفتونك في النساءِ، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم فيهن، وفيما يُتْلَى عليكم في كتابِ اللهِ الذي أنْزَلَه [على نبيِّه]

(6)

في أمرِ يتامى النساءِ اللاتى لا تُعْطُونهن ما كُتِبَ لهن؛ يعنى: ما فرَض اللهُ لهن مِن الميراثِ عمن وَرِثْنَه.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يوجبه".

(2)

يعنى المصنِّفُ، رحمه الله، بذلك الأثر الذي ساقه في ص 539 بإسناده.

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

في الأصل: "بقوله"، وفى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قوله".

(5)

في ص، س:"كقوله".

(6)

زيادة من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 541

كما حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} . قال: لا تُوَرِّثونهن

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عَوْنٍ، قال: أخبرنا هُشَيمٌ، عن مُغِيرة، عن إبراهيمَ قولَه:{لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} . قال: مِن الميراثِ. قال: كانوا لا يُوَرِّثون النساءَ

(2)

. {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} .

[واخْتَلف أهلُ التأْويلِ في معنى قولِه: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}]

(3)

؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: وتَرْغَبون عن نكاحِهن. وقد مضَى ذِكْرُ جماعةٍ ممن قال ذلك، وستَذْكُرُ قولَ آخَرين لم نَذْكُرْهم.

حدَّثنا حُمَيدُ بنُ مَسْعَدَةَ

(4)

، قال: ثنا بشرُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا [عبدُ اللَّهِ]

(5)

بنُ عَوْنٍ، عن الحسنِ:{وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} . قال: تَرْغَبون عنهن

(6)

.

حدَّثنا يعقوبُ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن ابن عونٍ، عن الحسنِ مثلَه.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونسُ بنُ يزيدَ، عن ابن

(1)

في الأصل: "تورثوهن"، وفى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"تؤتونهن". وينظر التبيان 3/ 345.

(2)

تقدم بمعناه من طريق المغيرة عن إبراهيم ص 533، 534.

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

بعده في م: "الشامى". وهو تصحيف، وإنما هو حميد بن مسعدة بن المبارك السامى، بالمهملة، وينظر تهذيب الكمال 7/ 395.

(5)

في م: "عبيد الله". خطأ؛ وهو عبد الله بن عون بن أَرْطبان المُزَني، أبو عون البصرى. ينظر تهذيب الكمال 15/ 394.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 4/ 357 من طريق عبد الله بن عون به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 232 إلى ابن المنذر.

ص: 542

شهابٍ، عن عُرْوةَ، قال: قالت عائشةُ في قولِ اللهِ: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} : رَغْبَةَ أحدِكم عن يتيمتِه التي تكونُ في حِجْرِه، حينَ تكونُ قليلةَ المالِ والجمالِ، فنُهُوا أن يَنْكِحوا مَن رَغِبوا في مالِها وجمالِها مِن يتامى النساءِ إلا بالقسطِ؛ مِن أجلِ رغبتِهم عنهن

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى الليثُ، قال: ثنى يونسُ، عن ابن شهابٍ، قال: قال عُرْوةُ: قالت عائشةُ، فذكَر مثلَه

(1)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: وتَرْغَبون في نكاحِهن. وقد مضَى ذِكْرُ جماعةٍ ممن قال ذلك قبلُ، ونحن ذاكروُ قولِ مَن لم نَذْكُرْ منهم.

حدَّثنا حميدُ بنُ مَسْعَدَةَ، قال: ثنا بشرُ بنُ المفضلِ، قال: ثنا ابن عونٍ، عن محمدٍ، عن عَبِيدَةَ:{وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} . قال: وتَرْغَبون فيهن

(2)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن ابن عَوْنٍ، عن محمدٍ، قال: قلتُ لعَبِيدةَ {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} . قال: تَرْغَبون فيهن

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليِّ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} . فكان الرجلُ في الجاهليةِ تكونُ عندَه اليتيمةُ فيُلْقِى عليها ثوبَه، فإذا فعَل ذلك بها لم يَقْدِرْ أحدٌ أن يَتَزوَّجَها أبدًا. فإن كانت جميلةً وهَوِيَها، تَزوَّجَها وأكَل مالَها، وإن كانت دَمِيمةً

(3)

، منَعها الرجلَ أبدًا حتى تَموتَ، فإذا ماتت وَرِثَها.

(1)

تقدم في ص 538، 6/ 360.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 4/ 357 من طريق عبد الله بن عون به، وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 232 وعزاه إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد بلفظ:"ترغبون عنهن".

(3)

في ت 1، ت 2، ت 3، س:"ذميمة".

ص: 543

فحَرَّم اللهُ ذلك ونهَى عنه

(1)

.

قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين بتأويلِ الآيةِ قولُ مَن قال: معنى ذلك: وتَرْغَبون عن أن تَنْكِحوهن؛ لأن حَبْسَهم

(2)

أموالَهن عنهن مع عَضْلِهم

(3)

إياهنَّ؛ إنما كان ليَرِثوا أموالَهن دونَ زوجٍ إن تَزَوَّجْنَ، ولو كان الذين حبَسوا عنهنَّ أموالَهن إنما حَبَسوها عنهنَّ رغبةً في نكاحِهنَّ، لم يَكُنْ للحَبْسِ عنهنَّ وجةٌ معروفٌ؛ لأنهم كانوا أولياءَهن، ولم يَكُنْ يَمْنَعُهم مِن نكاحِهنَّ مانعٌ، فيَكُونَ به حاجةٌ إلى حَبْسِ مالِها عنها؛ لِيَتَّخِذَ حَبْسَه

(4)

عنها سببًا إلى إنكاحِها نَفْسَها منه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} .

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ويَسْتَفتونك في النساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم فيهن، وفيما يُتْلَى عليكم في الكتابِ، وفى المُسْتَضْعَفِين مِن الولدانِ، وفى أن تَقُوموا لليتامى بالقِسْطِ.

وقد ذَكَرْنا الرِّوايةَ بذلك عمَّن قاله مِن الصحابةِ والتابعين فيما مضَى. والذي أفتاهم في أمرِ المُسْتَضْعَفِين مِن الوِلْدانِ، أن يُؤْتوهم

(5)

حُقوقَهم مِن الميراثِ؛ لأنهم كانوا لا يُوَرِّثون الصِّغارَ مِن أولادِ المَيِّتِ، وأَمَرَهم أن يُقْسِطوا فيهم فيَعْدِلوا ويُعْطوهم فَرائِضَهم على ما قسَم اللهُ لهم في كتابِه.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1077 (6026) من طريق أبى صالح به مثله، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 232 إلى ابن المنذر.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"حبستم".

(3)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"عضلهن".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"حبسها".

(5)

في الأصل، ت 1، ت 2، ت 3، س:"تؤتوهم".

ص: 544

كما حدَّثنا محمدُ بنُ الحُسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّديِّ قولَه:{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ} ، كانوا لا يُوَرِّثون جاريةً ولا غُلامًا صغيرًا، فأمَرَهم اللهُ أن يَقُوموا لليتامى بالقسطِ. والقِسْطُ: أَن يُعْطِىَ كُلَّ دَى حقٍّ منهم حَقَّه، ذكرًا كان أو أُنْثَى، الصغيرُ منهم بمنزلةِ الكبيرِ

(1)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرني ابن وهبِ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} . قال: لا تُوَرِّثونَهنَّ

(2)

قال

(3)

: {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} . قال: فدخَل النساءُ والصغيرُ والكبيرُ في [المواريثِ، ونَسَخَتِ]

(4)

المواريثُ ذلك الأولَ.

حدُثنى محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، [قال: حدثني]

(5)

عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} : أُمِروا لليتامى بالقِسْطِ: بالعدلِ

(6)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا [عُبَيدُ اللهِ]

(7)

، عن إسرائيلَ، عن السُّديِّ، عن أبي

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1078، 1079 (1033) من طريق أحمد بن المفضل به.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"تورثوهن".

(3)

في م: "مالا".

(4)

في الأصل بياض بقدر كلمتين أو ثلاث كلمات.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"عن".

(6)

تفسير مجاهد ص 293، 294، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1078 (6031). وعندهما "لليتيم" بدل "لليتامى".

(7)

في الأصل: "عبد الله". وينظر ص 534 حاشية (2 - 2).

ص: 545

مالكٍ: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} . قال: كانوا لا يُوَرِّثون إلا الأكبرَ فالأكبرَ

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ} : فكانوا في الجاهليةِ لا يُوَرِّثون الصغارَ ولا البناتِ، فذلك قولُه:{لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} . فنهَى اللَّهُ عن ذلك، وبَيَّنَ لكلِّ ذى سَهُمٍ سَهْمَه، فقال:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. صغيرًا كان أو كبيرًا.

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ، قال:{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} ، وذلك أنهم كانوا لا يُوَرِّثون الصغيرَ والضعيفَ شيئًا، فأمَر اللهُ أن يُعْطَى

(3)

نَصِيبَه مِن الميراثِ

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا مُغِيرةُ عن إبراهيمَ، أن عمرَ بنَ الخطابِ كان إذا جاءه وليُّ اليتيمةِ، فإن كانت حَسَنةً غَنِيَّةً، قال له عمرُ: زَوِّجْها مِن غيرِك، والْتَمِس لها [مَن هو خيرٌ منك]

(5)

. وإذا كانت بها دَمامةٌ

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 4/ 358، 359 مطولًا من طريق عبيد الله - وهو ابن موسى بن أبي المختار - به، وابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1078 (6029) من طريق يحيى بن أبى زائدة عن إسرائيل به بلفظ:"كانوا لا يورثون إلا الأكابر". وانظر ص 534.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1078 (6028) من طريق أبى صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 232 إلى ابن المنذر.

(3)

في م: "يعطيه".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 231 إلى المصنف، وهو تمام الأثر المتقدم في صفحة 535.

(5)

في الأصل: "كفوا".

ص: 546

ولا مالَ لها، قال: تَزَوَّجْها فأنت أحقُّ بها

(1)

.

[حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ]

(2)

، قال: ثنا هُشَيمٌ، قال: أخبرنا يونسُ بنُ عُبَيدٍ، عن الحسنِ

(3)

، قال جاء رجلٌ إلى عليّ بن أبى طالبٍ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، ما أمْرِى وما أمْرُ يَتِيمتى؟ قال في أيِّ [ذلك ما]

(4)

قال. ثم قال عليٌّ: أمُتَزَوِّجُها أنتَ وهى غنيةٌ جميلةٌ؟ قال: نعم والإلهِ. قال: فتَزَوَّجْها دَمِيمةً لا مالَ لها. ثم قال عليٌّ: [خِرْ لها]

(5)

، فإن كان غيرُك خيرًا لها فألْحِقْها بالخَيْرِ.

قال أبو جعفرٍ: فقِيامُهم لليتامى بالقسطِ، كان العدلَ فيما أمَر اللهُ فيهم.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤُه: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)} .

يعنى بذلك جل ثناؤه: ومهما يَكُنْ منكم أيُّها المؤمنون، مِن عدلٍ في أَمْرِ

(6)

(1)

ينظر البحر المحيط 3/ 362.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"الحسين بن الفرج". والحسين بن الفرج إنما هو شيخ "شيخ الطبرى". والحسن هذا هو الحسن بن أبى الحسن البصرى، يروى عن عليٍّ مرسلًا. ويروى عنه يونسُ بن عبيد بن دينار العبدى أبو عبد الله - ويقال: أبو عبيد - البصرى. انظر تهذيب الكمال 6/ 95، 32/ 517.

(4)

في ص: "بالكما"، وفى م، ت 2، ت 3:"بالكما"، وفى ت 1، س:"نالكما". أما قوله: "قال في أي ذلك ما قال" فمعناه: قال في شأنه وشأن اليتيمة التي يتولى أمرها ما شاء مما يريد فيه فتوى أمير المؤمنين على.

(5)

في الأصل: "خذها"، وفى م:"تزوجها إن كنت خيرًا لها".

(6)

في م: "أموال".

ص: 547

اليتامى التي أمرَكم اللهُ أن تقوموا فيهنَّ

(1)

بالقسطِ، وانتِهاءٍ إلى أمرِ اللهِ في ذلك وفى غيرِه وإلى طاعتِه، {فَإِنَّ اللَّهَ

(2)

كَانَ بِهِ عَلِيمًا}، لم يَزَلْ عالمًا بما هو كائنٌ منكم [في ذلك]

(3)

، وهو مُحْصٍ ذلك كُلَّه عليكم، حافظٌ له

(4)

، حتى يُجازيَكم به جزاءَكم يومَ القيامةِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا

(5)

بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}.

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جل ثناؤُه: {وَإِنِ [امْرَأَة خَافَتْ] مِنْ بَعْلِهَا}

(6)

. يقولُ: عَلِمَتْ مِن زوجِها {نُشُوزًا} . يعنى: اسْتِعْلاءً بنفسِه عنها إلى غيرِها، أثرَةً عليها، وارْتِفاعًا بها عنها؛ إما لبِغْضةٍ، وإما لكَرَاهَةٍ

(7)

منه بعضَ أسْبابِها

(8)

؛ إما دَمامَتُها، وإما سِنُّها وكِبَرُها، أو غيرُ ذلك مِن أمورِها، {أَوْ إِعْرَاضًا}. يعنى: انْصِرافًا عنها بوجهِه، أو ببعضِ منافعِه التي كانت لها منه، {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} يقولُ: فلا حرجَ عليهما. يعنى: على المرأةِ الخائفةِ نُشُوزَ بَعْلِها أو إعراضَه عنها. {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} وهو أن تَتْرُكَ

(1)

في ص، م، ت 1، س:"فيهم".

(2)

بعده في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"جل ثناؤه".

(3)

سقط من: م، وفى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ذلك".

(4)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س "لكم".

(5)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س، هنا وفيما سيأتي:"يَصّالحا". وهى القراءة التي سيختارها المنصف، وأثبتناها كما في المطبوعة، وهى قراءتنا.

(6)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"خافت امرأه".

(7)

في الأصل: "لكراهية".

(8)

في م: "أشياء بها".

ص: 548

له يَوْمَها، أو تَضَعَ عنه

(1)

بعضَ الواجبِ لها مِن حقٌّ عليه، تَسْتَعْطِفُه بذلك وتَسْتَدِيمُ المُقامَ في حبالِه، والتَّمسُّكَ بالعَقْدِ الذي بينَها وبينَه من النكاحِ. يقولُ:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} . يعنى تعالى ذكرُه: والصُّلْحُ بتَرْكِ بعضِ الحقَّ اسْتِدامةً للحُرْمةِ، [وتَمَسُّكًا بعقدِ]

(2)

النكاحِ، خيرٌ مِن طَلَبِ الفُرْقةِ والطلاقِ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا هَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، قال: ثنا أبو الأَحْوَصِ، عن سِماكِ بن حربٍ، عن خالدِ بن عُرْعُرَةَ، أن رجلًا أتى عليًّا رضي الله عنه يَسْتَفْتِيه في امرأةٍ خافت مِن بَعْلِها نُشوزًا أو إعراضًا، فقال: قد تكونُ المرأةُ عندَ الرجلِ، فتَنْبو عيناه عنها مِن دمامتِها، أو كِبَرِها، أو سُوءِ خلقِها، أو فَقْرِها، فتَكْرَهُ فِراقَه، فإن وَضَعتْ له مِن مهرِها شيئًا حلَّ له، وإن جَعَلتْ له مِن أيامِها شيئًا فلا حرجَ

(3)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن سماكِ بن حربٍ، عن خالدِ بن

(4)

عُرْعُرةَ، قال: سُئِلَ عليٌّ: {وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} . قال: المرأةُ الكبيرةُ، أو الدَّمِيمةُ، أو لا يُحِبُّها زوجُها، فيَصْطَلِحان.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"منه".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"وتمسكا لعقدة"، وفى م:"وتماسكا بعقد".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 203، 204، وابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1080 (6042)، من طريق أبى الأحوص به نحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 232 إلى الطيالسى وابن راهويه وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقى.

(4)

في م: "عن". وانظر التاريخ الكبير 3/ 162، والجرح والتعديل 3/ 343.

ص: 549

حدَّثنا ابن المثنى، قال ثنا أبو داودَ، قال: ثنا شُعْبَةُ وحمادُ بنُ سَلَمَةَ وأبو الأحوصِ، كلُّهم عن سماكِ بن حربٍ، عن خالدِ بن عُرْعُرَةَ

(1)

، عن عليٍّ، بنحوِه

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن إسرائيلَ، عن سِماكٍ، عن خالدِ بن عُرْعُرَةَ التَّيْميِّ

(3)

، أن رجلًا سأل عليًّا رضي الله عنه عن قولِه:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} . قال: تكونُ المرأةُ عندَ الرجلِ دَمِيمةً فتَنْبو عينُه عنها مِن دَمامتِها أو كِبَرِها، فإن جَعَلتْ له مِن أيامِها أو مالِها شيئًا [فليس عليه جناحٌ]

(4)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ وابنُ وَكيعٍ، قالا: ثنا جَريرٌ، عن أشْعَثَ، عن ابن سيرينَ، قال: جاء رجلٌ إلى عمرَ فسَأله عن آيةٍ، فكَرِة ذلك وضرَبه بالدِّرَّةِ، فسأله آخرُ عن هذه الآيةِ:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} . فقال: عن مِثلِ هذا فسَلُوا. ثم قال: هذه المرأةُ

(5)

تكونُ عندَ الرجلِ قد خلا مِن سِنِّها

(6)

، فيَتَزوجُ المرأةَ الشابةَ يَلْتَمِسُ ولدَها، فما اصطَلحا عليه مِن شيءٍ فهو جائزٌ

(7)

.

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، قال: ثنا عِمرانُ بنُ عُيَيْنةَ، قال: ثنا عطاءُ بنُ السائبِ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ في قولِه: {وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ

(1)

بعده في الأصل: "التميمى". وإنما هو تيمى لا تميمى كما في المصادر السابقة.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 380 عن أبي داود الطيالسى به، وهو في تفسير مجاهد ص 294، وسنن البيهقى 7/ 297، من طريق حماد بن سلمة به، بنحوه.

(3)

في الأصل: "التميمى":

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فلا جناح عليه".

(5)

في ص، ت 1، وتفسير ابن كثير:"إلا مرأة".

(6)

خلا من سنها: كَبِرت ومضَى معظم عمرها. واللسان (خ ل و).

(7)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 380 عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 232 إلى المصنف.

ص: 550

إِعْرَاضًا}. قال: هي المرأةُ تكونُ عندَ الرجلِ حتى تَكْبَرَ، فيُرِيدُ أن يَتَزوَّجَ عليها، فيَتَصَالحَانِ

(1)

بينَهما صُلْحًا، على أن لها يومًا، ولهذه يومان أو ثلاثةٌ

(2)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا عِمرانُ، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ، عن ابن عباسٍ بنحوِه، إلا أنه قال: حتى تَلِدَ أو تَكْبَرَ. وقال أيضًا: فلا جُناحَ عليه

(3)

أن يُصالِحَها

(4)

على ليلةٍ، وللأخرى

(5)

لَيْلَتين.

حدَّثنا ابن حُميدٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا جَرِيرٌ، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ، قال: هي المرأةُ تكونُ عندَ الرجلِ قد طالتْ صُحْبَتُها وكَبِرَتْ. قال

(6)

: فيُريدُ أن يَتَبَدَّلَ

(7)

بها، فتَكْرهُ أن تُفارِقَه، ويَتَزَوَّجُ عليها، فيُصالِحُها

(8)

على أن يَجْعَلَ لها أيامًا، وللأُخرى الأيامَ والشهرَ

(9)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا حَكَّامٌ، عن عمرٍو بن أبى قَيْسٍ، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ، عن ابن عباسٍ:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} . قال: هي المرأةُ تكونُ عندَ الرجلِ، فيُرِيدُ أن يُفارِقَها، فتَكْرَهُ أن يُفَارِقَها، ويُريدُ أن يَتَزوجَ، فيقولُ: إنى لا أستطيعُ أن أقْسِمَ لكِ مثلَ

(10)

ما أَقْسِمُ لها. فتُصالحُه على أن يكونَ لها

(1)

في الأصل، ت 2:"فيصالحان"، وفى م:"فيتصالحا".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 233 إلى المصنف وابن المنذر.

(3)

في م: "عليهما".

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يصالحا".

(5)

في م: "الأخرى".

(6)

سقط من: م، وفى الأصل:"قالت".

(7)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يستبدل". وهما بمعنى.

(8)

في م: "فيصالحا".

(9)

ينظر التبيان 3/ 346، وتفسير ابن كثير 2/ 380.

(10)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بمثل".

ص: 551

في الأيامِ يومٌ، فيَتَراضَيانٍ على ذلك، فيَكُونانِ على ما اصْطَلَحا عليه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن هشامِ بن عُروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} قالت: هذا في المرأةِ تكونُ عندَ الرجلِ، فلَعَلَّه [ألا يكونَ يَسْتَكْثِرُ]

(1)

منها، ولا يَكونُ لها ولدٌ، ويكونُ

(2)

لها صُحْبَةٌ، فتقولُ: لا تُطَلِّقْني وأنت في حِلٍّ مِن شَأْنى

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا حَجّاجُ بنُ المِنْهالِ، قال: ثنا حمادُ بنُ سَلَمةَ، عن هشامِ بن عُروةَ، عن عروةَ، عن عائشةَ في قولِه:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} . قالت: هذا الرجلُ يكونُ

(4)

له امرأتان

(5)

؛ إحداهما قد عَجَزتْ، أو هي دَمِيمةٌ، وهو لا يَسْتَكْثِرُ منها، فتقولُ: لا تُطَلِّقْنى، وأنت في حلٍّ مِن شَأْنى

(6)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا حِبَّانُ بنُ موسى، قال: أخبرنا ابن المباركِ، عن هشامِ بن عُروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ بنحوِه، غيرَ أنه قال: فتقولُ: أجْعَلُك مِن شأنى في حِلٍّ. فنَزَلت هذه الآيةُ [في ذلك]

(7)

.

(1)

في ص، ت 1:"أن يكون يستكبر"، وفى م، ت 2، ت 3:"لا يكون يستكثر"، وفى س:"أن يكون يستكثر".

(2)

سقط من: م.

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 380 عن المصنف.

(4)

في الأصل: "تكون".

(5)

بعده في الأصل، ص:"تكون"، وبعده في ت 1، س:"يكون".

(6)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 380 عن المصنف.

(7)

سقط من: الأصل.

والأثر أخرجه البخارى (4601، 5206)، ومسلم (3021)، وابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1079، =

ص: 552

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} . [قال: تلك]

(1)

المرأةُ تكونُ عندَ الرجلِ لا يَرَى منها [كبيرَ ما يُحِبُّ]

(2)

، وله امرأةٌ غيرُها أَحَبُّ إليه منها، فيُؤْثِرُها عليها، فأمَرَ

(3)

اللهُ إذا كان ذلك أن يقولَ لها: يا هذه، إن شِئْتِ أن تُقِيمى على ما تَرَين مِن الأَثَرَةِ، فأُواسِيَك وأُنْفِقَ عليك فأَقيمِى، وإِن كَرِهْتِ خَلَّيْتُ سَبِيلَك. فإن هي رَضِيَتْ أن تُقيمَ بعدَ أن يُخَيِّرَها فلا جُناحَ عليه، وهو قولُه:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} . وهو التَّخْيِيرُ

(4)

.

حدَّثنا الربيعُ بنُ سليمانَ [وبحرُ بنُ نصرٍ، قالا]

(5)

: ثنا ابن وهبٍ، قال: ثنى ابن أبى الزِّنادِ، عن هشامِ بن عروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ، قالت: أنْزَلَ اللَّهُ هذه الآيةَ في المرأةِ إذا دَخَلَتْ في السِّنِّ، فتَجْعَلُ يَومَها لامرأةٍ أخرى. قالت: ففى ذلك [أنْزَل اللهُ]

(6)

: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}

(7)

.

= 1081 (6037، 6045)، والبيهقى في 7/ 296، والواحدى في أسباب النزول ص 137، من طريق هشام بن عروة به بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 232 إلى ابن المنذر.

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فتلك".

(2)

في م: "كثير ما يجب".

(3)

في م: "فأمره".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1081 (6046) من طريق أبى صالح به مقتصرًا على آخره. وعزاه السيوطي بتمامه في الدر المنثور 2/ 233، إلى المصنف وابن المنذر.

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قال".

(6)

في ص: "أنزل"، وفى م:"أنزلت".

(7)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (702 - تفسير) ومن طريقه البيهقى 7/ 297، عن عبد الرحمن بن أبى الزناد عن هشام عن أبيه أن الآية أنزلت في سودة فذكر الحديث.

وهو عند أبى داود في سننه (2135) والحاكم 2/ 186، والبيهقى 74/ 7، 75 من طريق ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة به نحوه.

ص: 553

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشيمٌ، قال: أخبَرنا هشامٌ، عن ابن سيرينَ، عن عَبِيدةَ، قال: سألْتُه عن قولِ اللَّهِ: {وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} . قال: هي المرأةُ تَكُونُ مع زوجِها، فيريدُ أن يَتَزَوَّجَ عليها، فتُصالِحُه مِن يومِها على صلحٍ. قال: فهما على ما اصْطَلحا عليه، فإن انْتَقَصَتْ

(1)

به فعليه أن يَعْدِلَ عليها أو يُفَارِقَها.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشيمٌ، [قال: أخبرَنا مُغيرةُ، عن إبراهيمَ أنه كان يقولُ ذلك

(2)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا هُشيمٌ]

(3)

، قال: أخبرَنا حجاجٌ، عن مجاهدٍ أنه كان يقولُ ذلك.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن أيوبَ، عن ابن سِيرينَ، عن عَبِيدةَ في قولِه:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} إلى آخرِ الآيةِ. قال: يُصالحُها على ما رَضِيَتْ دونَ حقِّها، فله ذلك ما رضِيت، فإذا أنكَرتْ - أو [قال: غَيَّرتْ]

(4)

- فلها أن يَعْدِلَ عليها، أو يُرْضِيَها، أو يُطَلِّقَها.

حدَّثني ابن وَكيعٍ، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، عن أيوبَ، عن محمدٍ، قال: سأَلتُ عَبيدةَ عن قولِ اللهِ جل ثناؤُه: {وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} .

(1)

في م: "انتقضت".

(2)

ينظر التبيان 3/ 346.

(3)

في الأصل: "قال أخبرنا حجاج عن مجاهد أنه كان يقول، حدثني يعقوب"، وفى ص:"قال حدثنا حجاج عن مجاهد أنه كان يقول ذلك. قال حدثنا هشيم"، ومثله في ت 1، ت 2، ت 3، س، دون:"قال" الثانية.

(4)

في م: "قالت غرت".

ص: 554

قال: هو الرجلُ تكونُ له المرأةُ، قد خلا من

(1)

سنِّها، فتصالحُه من

(2)

حقِّها على شيءٍ، فهو له ما رضِيَتْ، [فإذا كرِهَتْ]

(3)

فلها أن يعدِلَ عليها، أو يرضِيَها من حقِّها، أو يطلِّقَها

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن هشامٍ، عن ابن سيرينَ، قال سألتُ عَبيدةَ عن قولِه:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} : فذكَر نحوَ ذلك، إلا أنه قال: فإن سخِطَتْ فله أن يُرَضِيَها، أو يُوَفِّيَها حقَّها كلَّه، أو يُطَلِّقَها.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مغيرةَ، قال: قال إبراهيمُ: إذا شاءتْ كانت على حقِّها، وإن شاءت أَبَتْ فردَّتِ الصُّلحَ، فذلك بيدِها، فإن شاء طلَّقها، وإن شاء أمْسَكَها على حقِّها.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مغيرةَ، عن إبراهيمَ:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} . قال: قال عليٌّ: تكونُ المرأةُ عندَ الرجلِ الزمانَ الكثيرَ، فتَخافُ أن يُطَلِّقَها، فتُصَالحُه على صُلْحٍ بما

(5)

شاء وشاءتْ، يَبِيتُ عندَها في كذا وكذا ليلةً، وعند الأُخرى

(6)

ما تَرَاضَيا عليه، وأن تكونَ نَفَقَتُها دونَ ما كانتْ، وما صالَحَتْه عليه مِن شيءٍ فهو جائزٌ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يحيى بنُ عبدِ الملكِ، عن أبيه، عن الحكمِ:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} . قال: هي المرأةُ تكونُ عندَ الرجلِ، فيُريدُ

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(2)

في م: "عن".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فإن أكرهت".

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 203 عن عبد الوهاب به.

(5)

في م: "ما".

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"وأخرى".

ص: 555

أن يُخَلِّىَ سبيلَها، فإذا خافَت ذلك منه {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} . تَدَعُ مِن أيامِها إذا تَزَوَّج

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَهَ:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} . إلى قولِه: {وَالصُّلْحُ خَيْر} : و

(2)

هو الرجلُ تَكُونُ تحتَه المرأةُ الكبيرةُ، فيَنْكِحُ عليها المرأةَ الشابةَ، فيَكْرَهُ أن يُفَارِقَ أمَّ ولدِه، فيُصالِحُها

(3)

على عَطِيَّةٍ مِن مالِه ونفسِه، فيَطِيبُ له ذلك الصلحُ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} الآية فقرَأ حتى بلَغ: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} : وهذا في الرجلِ تكونُ عندَه المرأةُ قد خلا من سِنِّها، وهان عليه بعضُ أمرِها، فيقولُ: إن كنتِ راضيةً مِن نفسى ومالى بدونِ ما كنتِ تَرْضَين به قبلَ اليومِ. فإن اصْطَلَحا مِن ذلك على أمرٍ، فقد أَحَلَّ اللهُ لهما ذلك، وإن أبَت فإنه لا [يَحِلُّ له]

(4)

أن يَحْبِسَها على الخَسْفِ

(5)

.

وحدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ، عن

(1)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1081 عقب الأثر (6045) معلقًا نحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 233 إلى المصنف.

(2)

سقط من: م.

(3)

في الأصل: "فيصالحا".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يصلح"، وفى م:"يصلح له".

(5)

في س: "الحيف". والخسف: الإذلال، وأن يحملك الإنسان ما تكره. والحيف: الجور والظلم. التاج (ح ى ف، خ س ف).

والأثر ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1081 عقب الأثر (6045) معلقًا بنحوه، وانظر التبيان 3/ 346، وتفسير ابن كثير 2/ 380.

ص: 556

الزُّهْرِيِّ، عن سعيدِ بن المسيبِ وسليمانَ بن يسارٍ، أن رافعَ بنَ خَدِيجٍ كانتْ

(1)

تحتَه امرأةٌ قد خَلَا مِن سِنِّها، فتَزَوَّج عليها شابةً، فآثَر الشابةَ عليها، فأبَتِ امرأتُه الأولى أن تقرَّ

(2)

على ذلك، فطَلَّقَها تطليقةً، حتى إذا بَقِيَ مِن أجَلِها يَسيرٌ قال: إن شِئْتِ راجَعْتُكِ وصبرَتِ على الأَثَرَةِ، وإن شِئْتِ تَرَكْتُك حتى يَخْلُوَ أجَلُك. قالت: بل راجِعْنى وأصبرُ على الأثَرَةِ. فراجَعَها، ثم آثَر عليها فلم تَصْبِرْ على الأثَرَةِ، فَطَلَّقَها أُخرى، وآثَر عليها الشابةَ. قال: فذلك الصلحُ الذي بَلَغَنا أن الله أنْزَل فيه: {وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}

(3)

.

قال الحسنُ: قال عبدُ الرزاقِ: قال معمرٌ وأخبرَنى أيوبُ، عن ابن سِيرينَ، عن عَبِيدةَ بمثلِ حديثِ الزهريِّ، وزاد فيه: فإنْ أضَرَّ بها الثالثةَ فإن عليه أن يُوَفِّيِها حقَّها، أو يطلِّقَها

(4)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"كان".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"تقيم".

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 175، وهو في مصنفه (10653)، ومن طريقه الحاكم 2/ 308، وصححه على شرط الشيخين. وأخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1081 (6044)، والبيهقى 7/ 296 من طريق شعيب بن أبى حمزة عن الزهرى به نحوه.

وأخرجه الشافعي في مسنده 2/ 53، 54، وسعيد بن منصور في سننه (701 - تفسير)، وابن أبي شيبة 4/ 202، والبيهقى 7/ 296، والواحدى في أسباب النزول ص 137 من طريق سفيان عن الزهرى عن سعيد بن المسيب وحده بنحوه.

وأخرجه مالك 2/ 548، 549 عن ابن شهاب عن رافع به مرسلًا.

والحديث عراه السيوطي في الدر المنثور 2/ 232 إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 175، وهو في مصنفه (10654).

ص: 557

نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} . قال: قولُ الرجلِ لامرأتِه: أنت كبيرةٌ، وأنا أُرِيدُ أن أسْتَبْدِلَ امرأةً شابةً وَضِيئَةٌ، فقَرِّى على وَلَدِك، فلا أُقْسِمُ لك مِن نفسى شيئًا. فذلك الصلحُ بينَهما، وهو أبو السَّنابلِ بنُ بَعْكَكٍ

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ:{مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} . ثم ذكَر نحوَه. قال شبلٌ: فقلت له: فإن كانت لك امرأةٌ، فتَقْسِمُ لها ولم تَقْسِمْ لهذه؟ قال: إذا [صالَحَتْه على ذلك]

(2)

فليس عليه شيءٌ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن إسرائيلَ، عن جابرٍ، قال: سأَلت عامرًا عن الرجلِ تَكُونُ عندَه المرأةُ يُرِيدُ أن يُطَلِّقَها فتقولُ: لا تُطَلِّقْنى، واقسِمْ لى يومًا، وللتى تَزوَّجُ يَومين. قال: لا بأسَ

(3)

، هو صُلْحٌ

(4)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ

(5)

، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السدِّيِّ:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} . قال: المرأةُ تَرَى مِن زوجِها بعضَ الجفاءِ، أو

(6)

تَكُونُ قد كَبِرَتْ، أو لا تَلِدُ، فيُريدُ زوجُها أن يَنْكِحَ غيرَها فيَأْتِيها، فيقولُ: إنى أُرِيدُ أن أنْكِحَ امرأةً أَشَبَّ

(7)

منك، لَعَلَّها أن تَلِدَ لى، وأُوثِرَها في الأيامِ والنفقةِ. فإن

(1)

تفسير مجاهد ص 294.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"صالحت على هذا".

(3)

بعده في م: "به".

(4)

ينظر التبيان 3/ 346، وتفسير ابن كثير 2/ 380.

(5)

في الأصل: "المثنى".

(6)

في م: "و".

(7)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"شابة أنسب".

ص: 558

رَضيت بذلك وإلا طَلَّقَها، فيَصْطَلِحان على ما أحبَّا

(1)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} . قال: {نُشُوزًا} عنها، عَرَّضَ بها

(2)

- الرجلُ تَكُونُ له امْرَأَتانِ

(3)

- {أَوْ إِعْرَاضًا} فيَتْرُكُها

(4)

{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} . إما أن يُرْضِيَها فتُحَلِّلَه، وإما أن تُرْضِيَه فتَعْطِفَه على نفسِها

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليّ بن أبى طلحةَ، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} : يَعْنى البُغْضَ

(5)

.

حُدِّثتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يَقُولُ: أخبرَنا عبيدُ بنُ سُليمانَ، قال: سَمِعتُ الضحاكَ يَقُولُ في قولِه: {وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} : فهو الرجلُ تكونُ تحتَه المرأةُ الكبيرةُ، فيَتَزَوَّجُ عليها المرأةَ الشابةَ، فيَمِيلُ إليها، وتكونُ أعْجَبَ إليه مِن الكبيرةِ، فيُصالِحُ الكبيرةَ على أن يُعْطِيَها مِن مالِه، ويَقْسِمَ لها مِن نفسِه نصيبًا معلومًا.

(1)

ينظر التبيان 3/ 346.

(2)

عرَّض لفُلان وبه: إذا قال فيه قولًا وهو يَعِيبُه. اللسان (ع ر ض).

(3)

في م: "المرأتان".

(4)

في ص، ت 1، س:"فتركها"، وفى م، ت 2، ت 3:"يتركها".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1080 (6039) من طريق أبى صالح به. وينظر فتح البارى 8/ 265.

ص: 559

[حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ وزيدُ بنُ أخْزَمَ

(1)

، قالا: ثنا أبو داودَ، قال: ثنا سليمانُ بن معاذٍ، عن سِمَاكِ بن حربٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، قال: خَشِيَتْ سودةُ أن يُطَلِّقَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت: لا تُطَلِّقْنى، [واحبِسْنى مع]

(2)

نسائِك، ولا تَقْسِمْ لى. ففعَل، فنَزَلتْ:{وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} ]

(3)

.

واختَلفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: (أن يَصَّالحا بينَهما صلحًا)؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ وبعضُ أهلِ البصرةِ بفتحِ الياءِ وتشديدِ الصادِ

(4)

، بمعنى: أن يَتَصالَحَا بينَهما صُلْحًا. ثم أُدْغِمت التاءُ في الصادِ فصُيِّرَتا صادًا مُشَدَّدَةٌ. وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ أهلِ الكوفةِ: {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} . بضَمِّ الياءِ وتخفيفِ الصادِ، بمعنى: أصْلَح الزوجُ والمرأةُ بينَهما.

وأَعْجَبُ القِراءتَيْن في ذلك إليَّ قراءةُ مَنْ قرَأ

(5)

: (أنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُما صُلْحًا). بفتح الياءِ وتشديدِ الصادِ، بمعنى "يَتَصالَحا"؛ لأن التَّصالُحَ في هذا الموضعِ أشهرُ وأوضحُ معنَى، وأفصحُ وأكثرُ على أَلْسُنِ العربِ، مِن الإصلاحِ، والإصلاحُ

(6)

في

(1)

في م: "أخرم". وينظر تهذيب الكمال 10/ 5.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

في الأصل: "واحسنى مع"، وفى م:"على". والحديث أخرجه الطيالسى (2805 - طبعتنا) ومن طريقه الترمذى (3040)، وابن أبي حاتم 4/ 1079، 1080 (6036، 6043)، والطبرانى (11746)، والبيهقى 7/ 297، وسليمان بن معاذ ضعيف.

(4)

وهى قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبى عمرو، وقرأ عاصم وحمزة والكسائى بضم الياء وسكون الصاد وكسر اللام. حجة القراءات ص 213، 214.

(5)

بعده في النسخ: "إلا".

(6)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"الاصطلاح".

ص: 560

خلافِ الإفسادِ أَشهرُ منه في معنى التَّصالُحِ.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن في قولِه: {صُلْحًا} . دَلالةً على أن قراءةَ مَن قرَأ ذلك: {يُصْلِحَا} . بضمِّ الياءِ أولى بالصوابِ. فإن الأمرَ في ذلك بخلافِ ما ظنَّ؛ وذلك أن الصلحَ اسمٌ وليس بفعلٍ فيُسْتَدَلَّ به على أوْلَى القراءتين بالصوابِ في قولِه: {يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} .

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: اختلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه: وأُحْضِرَتْ أنفُسُ النساءِ الشُّحَّ على أنْصِبائِهِنَّ مِن أَنْفُسِ أزْواجِهِنَّ وأموالِهم

(1)

.

‌ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عِمرانُ بنُ عُيَينةَ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} . قال: نَصِيبَها منه

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشارٍ، قال: ثنا أبو أحمدَ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن يَمانٍ، قالا جميعا: ثنا سفيانُ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} . قال: في الأيامِ.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن ابن جُريجٍ،

(1)

في الأصل، م:"أموالهن".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1082 (6050) من طريق عطاء بن السائب به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 233 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 561

عن عطاءٍ: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} . قال: في الأيامِ والنفقةِ

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن مَهْدِيِّ وابنُ يَمانٍ، عن سُفْيانَ، عن ابن جُرَيجٍ، عن عطاءٍ، قال: في النفقةِ

(2)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا رَوْحٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن عطاءٍ، قال: في النفقةِ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن ابن جُريجٍ، عن عطاءٍ:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} . قال: في الأيامِ.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شُعْبةُ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ في هذه الآيةِ:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} . قال: نَفْسُ المرأةِ على نَصِيبِها مِن زوجِها مِن نفسِه ومالِه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن شعبةَ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، مِثْلَه

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا حِبَّانُ بنُ موسى، قال: أخْبَرَنا ابن المباركِ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ مثلَه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى

(4)

، عن سفيانَ، [عن رجلٍ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، قال: في النفقةِ

(5)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا [ابن يَمَانٍ]

(6)

، عن سفيانَ]

(7)

، عن الشَّيْبانيِّ، عن بُكَيرِ

(1)

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (10651) عن ابن جريج عن عطاء.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 365 من طريق الضحاك بن مخلد، عن ابن جريج، عن عطاء.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 365 عن وكيع به بنحوه.

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ابن يمان".

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 366 عن وكيع به.

(6)

في م: "ابن مهدى".

(7)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 562

ابن الأخْنَسِ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، قال: في [الأيامِ و]

(1)

النفقةِ.

[حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن مهديٍّ، عن سفيانَ، عن الشَّيْبانيِّ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، قال: في الأيامِ والنفقةِ]

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ في قولِه:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} . قال: المرأةُ تَشِحُّ على مالِ زوجِها ونفسِه

(3)

.

حدَّثنا المثنى، قال: أخبرنا حِبانُ بنُ موسى، قال: أخبرنا ابن المباركِ، عن شَرِيكٍ، عن سالمٍ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، قال: جاءت امرأةٌ

(4)

حينَ نزَلت هذه الآية: {وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} . قالت: إنى أُريدُ أن تَقْسِمَ لى مِن نفسِك

(5)

. وقد كانت رَضِيَتْ أن يَدَعَها فلا يُطَلِّقَها، ولا يَأْتِيَها، فأنزَل اللهُ:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} .

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} . قال: تَطَلَّعُ نفسُها إلى زوجِها وإلى نفقتِه

(6)

. قال: وزعَم أنها نَزَلتْ في رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وفى سودةَ بنتِ زَمْعَةَ، كانت

(1)

سقط من: ص، ت 1، س.

(2)

سقط من: الأصل.

والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1082 (6052) من طريق ابن مهدى به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1082 (6049) من طريق مسلم بن إبراهيم به، وفيه: بنيه. بدلا من: نفسه.

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"والمرأة".

(5)

في ص، ت 2، س:"نفقتك"، وبعده في الأصل:"بكعل". هكذا رسمت.

(6)

في الأصل: "النفقة".

ص: 563

قد كَبِرَتْ، فأراد رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يُطَلِّقَها، فاصْطَلَحا على أن يُمْسِكَها، ويَجْعَلَ يومَها لعائشةَ، فشَحَّتْ بمكانِها مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: وأُحْضِرَتْ نَفْسُ كلِّ واحدٍ مِن الرجلِ والمرأةِ الشحَّ بحقِّه قِبَلَ صاحبِه.

‌ذِكْرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سَمِعْتُ ابنَ زيدٍ يقولُ في قولِه: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} . قال: لا تَطِيبُ نَفْسُه أن يُعْطِيَها شيئًا فتُحَلِّلَه، ولا تَطِيبُ نَفْسُها أن تُعْطِيَه شيئًا مِن مالِها، فتَعْطِفَه

(2)

عليها

(3)

.

وأَوْلَى القولين في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: عَنَى بذلك: وأُحْضِرَتْ أَنْفُسُ النساءِ الشُحَّ بأنْصِبائِهِنَّ مِن أزواجِهِنَّ في الأيامِ والنفقةِ. والشُّحُّ الإفراطُ في الحِرْصِ على الشئِ. وهو في هذا الموضعِ إفراطُ حرصِ المرأةِ على نصيبِها مِن أيامِها مِن زوجِها ونفقتِها.

فتأويلُ الكلامِ: وأُحْضِرَتْ أنْفسُ النساءِ أهْوَاءَهن؛ مِن فَرْطِ الحرصِ على حُقُوقِهِنَّ مِن أزواجِهِنَّ، والشُّحِّ بذلك على ضرائرِهن.

وبنحوِ ما قلنا. في معنى الشحِّ ذُكِرَ عن ابن عباسٍ أنه كان يقولُ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} : والشحُّ هواه في الشئِ يَحْرِصُ عليه

(4)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 233 - مختصرًا - إلى المصنف، وينظر التبيان 3/ 347.

(2)

في الأصل: "فيعطيه".

(3)

ينظر التبيان 3/ 347.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1082 (6051)، والبيهقى 7/ 298، من طريق أبى صالح به. =

ص: 564

وإنما قلنا: هذا القولُ أولى بالصوابِ مِن قولِ مَن قال: عَنَى بذلك: وأُحْضِرَتْ أَنْفُسُ الرجالِ والنساءِ الشُّحَّ. على ما قاله ابن زيدٍ؛ لأن مُصالَحةَ الرجلِ امرأتَه بإعطائِه إياها مِن مالِه جُعْلًا، على أن تَصْفَحَ له عن القَسْمِ لها، غيرُ جائزةٍ؛ وذلك أنه غيرُ مُعتاضٍ عِوَضًا مِن جُعْلِه الذي بَذَلَه لها. والجُعْلُ لا يَصِحُّ إلا على عوضٍ؛ إما عَلَى

(1)

عَيْنٍ، وإما عَلَى

(2)

مَنْفَعَةٍ. والرجلُ متى جعَل للمرأةِ جُعْلًا على أن تَصْفَحَ له عن يومِها وليلتِها، فلم يَمْلِكْ عليها عينًا ولا منفعةً. وإذا كان ذلك كذلك، كان ذلك مِن معاني أكلِ المالِ بالباطلِ. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنه لا وجهَ لقولِ مِن قال: عَنَى بذلك الرجلَ والمرأةَ.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن ذلك إذ كان حقًّا للمرأةِ، ولها المطالبةُ به

(3)

، فللرجلِ افتداؤُه منها بجُعْلٍ، فإن شُفْعَةَ المُسْتَشْفِعِ في حِصَّةٍ مِن دارٍ اشتراها رجلٌ مِن شريكٍ له فيها حَقُّ

(4)

المُطالَبَةِ بها، فقد يَجِبُ أن يكونَ للمطلوبِ افتداءُ ذلك منه بجُعْلٍ. وفى إجماعِ الجميعِ على أن الصُّلْحَ في ذلك على عوضٍ غيرُ جائرٍ؛ إذ كان غيرَ مُعْتاضٍ منه المطلوبُ بالشُّفْعَةِ

(5)

عينًا ولا نفعًا، ما يَدُلُّ على بُطُولِ صُلْحِ الرجلِ امرأتَه على عِوَضٍ، على أن تَصْفَحَ عن مُطالَبَتِها إياه بالقِسْمَةِ لها.

وإذا فسَد ذلك، صحَّ أن تأويلَ الآيةِ ما قلنا. وقد أبان الخبرُ الذي ذَكَرْناه عن سعيدِ بن المُسَيِّبِ وسليمانَ بن يَسارٍ أن قولَه: {وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ

= وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 233 إلى ابن المنذر. وينظر فتح البارى 8/ 265.

(1)

سقط من: م.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

في الأصل: "له"، وفى: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بها".

(4)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"له".

(5)

في م: "في الشفعة".

ص: 565

إِعْرَاضًا} الآية. نَزَلتْ في أَمْرِ رافعِ بن خَدِيجٍ وزوجتِه، إذ تَزَوَّج عليها شابَّةً، فآثَر الشابةَ عليها، فأَبَتِ الكبيرةُ أن تقِرَّ على الأثَرَةِ، فَطَلَّقها تَطْليقةً وترَكها، فلَمَّا قارَب انْقِضاءُ عِدَّتِها، خَيَّرها بينَ الفِراقِ والرَّجْعةِ والصبرِ على الأَثَرَةِ، فاخْتارَت الرَّجْعةَ والصبرَ على الأَثَرةِ، فراجَعها وآثَر عليها، فلم تَصْبِرْ، فطَلَّقَها

(1)

. ففى ذلك دليلٌ واضحٌ على أن قولَه: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} . إنما عنَى به: وأُحْضِرت أنْفُسُ النساءِ الشحَّ بحقوقِهنَّ مِن أزواجِهنَّ. على ما وَصَفْنا.

وأما قولُه: {وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا} . فإنه يَعْنى: وإن تُحْسِنوا أيها الرجالُ، في أفعالِكم إلى نسائِكم، إذا كَرِهتم منهن دَمامةً أو خُلُقًا، أو بعضَ ما تَكْرَهون منهن، بالصبرِ عليهن، وإيفائِهِنَّ حُقُوقَهنَّ وعِشْرَتِهِنَّ بالمعروفِ، {وَتَتَّقُوا}. يقول: وتَتَّقُوا الله فيهن، بتَرْكِ الجَوْرِ منكم عليهن فيما يَجِبُ لمَن كَرِهْتُموه منهن عليكم، مِن القِسْمةِ له والنفقةِ والعِشْرةِ بالمعروفِ، {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}. يقولُ: فإن الله كان بما تعملون في أمورِ نسائِكم، أيها الرجالُ، مِن الإحسانِ إليهن والعِشْرةِ بالمعروفِ، والجَوْرِ عليهن فيما يَلْزَمُكم لهن ويَجِبُ، {خَبِيرًا} . يَعْنِى عالمًا [خابرًا، لا يَخْفَى عليه منه شيءٌ، بل هو به عالمٌ، وله مُحْصٍ عليكم، حتى يُوَفِّيَكم جزاءَ]

(2)

ذلك

(3)

، المُحْسنَ منكم بإحسانِه، والمُسِيءَ بإساءتِه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى جل ثناؤُه بقولِه: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا

(1)

تقدم تخريجه في ص 557.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

بعده في الأصل: "منكم".

ص: 566

بَيْنَ النِّسَاءِ}: ولن تُطِيقوا أيُّها الرجالُ أن تُسَرُّوا بينَ نسائِكم وأزواجِكم في حُبِّهن بقلوبِكم حتى تَعْدِلوا بينَهن في ذلك، فلا يكونَ في قلوبِكم لبعضِهن مِن المحبةِ إلا مِثْلُ ما لصَواحِبِها؛ لأن ذلك مما

(1)

لا تَمْلِكونه، وليس إليكم، {وَلَوْ حَرَصْتُمْ}. يقولُ: ولو حرَصتم في تَسْوِيَتِكم بينهنَّ في ذلك.

كما حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبى نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} . قال: واجب

(2)

، ألَّا تَسْتَطيعوا العَدْل بينَهن.

{فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} . يقولُ: فلا تَمِيلوا بأهوائِكم إلى مَن لم تَمْلِكوا محبتَه منهن

(3)

كلَّ الميلِ، حتى يَحْمِلكم ذلك على أن تَجُوروا على صَوَاحِبِها في تَرْكِ أداءِ الواجبِ لهن عليكم، مِن حَقٍّ في القَسْمِ لهنَّ، والنفقةِ عليهنَّ، والعِشْرةِ بالمعروفِ، {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}. يقولُ: فتَذَروا التي هي سِوَى التي مِلْتُم بأهوائِكم إليها {كَالْمُعَلَّقَةِ} ، يعنى:[مثل التي]

(4)

لا هي ذاتُ زوجٍ، ولا هي أيِّمٌ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذِكْرُ مَن قال ما قلنا في قولِه: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن هشامِ بن حسانَ، عن محمدِ بن سيرينَ، عن عَبِيدةَ: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ما".

(2)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"واحب".

(3)

في الأصل: "منه".

(4)

في م: "كالتى".

ص: 567

النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}. قال: بنَفْسِه في الحبِّ والجِماعِ

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ بُشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن يونسَ، عن محمدِ بن سيرينَ، عن عَبيدةَ:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} . قال: بنفسِه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا حَفْصٌ، عن أشْعَثَ وهشامٍ، عن ابن سيرينَ، عن عَبِيدةَ، قال: سألتُه عن قولِه: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} . فقال: في الجِماعِ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن هشامٍ، عن ابن سيرينَ، عن عَبيدةَ، قال: في الحُبِّ والجِماعِ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا سهلٌ، عن عمرٍو، عن الحسنِ: في الحُبِّ

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن هشامٍ، عن ابن سيرينَ، عن عَبِيدةَ، قال: في الحبِّ والجِماعِ.

حدَّثنا الحسنُ بن يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن أيوبَ، عن ابن سيرينَ، عن عبيدةَ في قولِه:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} . قال: في المودةِ. كأنَّه يَعْنى الحُبَّ

(4)

.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (703 - تفسير)، ومن طريقه البيهقى 7/ 298 من طريق هشام بن حسان به.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 233 عن حفص عن أشعث - وحده دون هشام - به بلفظ: الحب والجماع، وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1083 عقب الأثر (6057) معلقا بمثل لفظ ابن أبي شيبة.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 233 عن سهل به، وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1083 عقب الأثر (6057) معلقا بلفظ:"في الحب والجماع".

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 176.

ص: 568

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} . يقولُ: لا تَسْتَطيعُ أن تَعْدِلَ بالشهوةِ فيما بينهن ولو حَرَصْتَ

(1)

.

حدَّثنا بِشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، وحدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الأعلى، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: ذُكِرَ لنا أن عُمَرَ بنَ الخطابِ كان يقولُ: اللهم أمَّا قَلْبِي فلا أمْلِكُ، وأمَّا ما

(2)

سِوَى ذلك فأَرْجُو أن أعْدِلَ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} : يعنى

(3)

في الحبِّ والجِماعِ

(4)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، وحدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الوَهَّاب، قالا جميعًا: ثنا أيوبُ، عن أبي قِلابةَ، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقْسِمُ بينَ نسائِه فيَعْدِلُ، ثم يقولُ: "اللَّهُمَّ [هذه قِسْمَتى]

(5)

فيما أمْلِكُ، فلا تَلُمْنى فيما تَمْلِكُ

(6)

ولا أَمْلِكُ"

(7)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1083 (6057) من طريق عبد الله بن صالح به.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يقول".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1083 (6057) من طريق أبى صالح به. وهو تمام الأثر المتقدم في ص 564 حاشية (4).

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"هذا قسمى".

(6)

بعده في مصنف ابن أبي شيبة: "أنت".

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 386 عن ابن علية عن أيوب به. وسيأتي في ص 572، 573، مرسلًا وموصولًا والصواب المرسل، ينظر علل ابن أبي حاتم (1279).

ص: 569

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا حسينُ بنُ عليٍّ، عن زائدةَ، عن عبدِ العزيزِ بن رُفَيعٍ، عن ابن أبي مُلَيكةَ، قال: نَزَلَتْ هذه الآيةُ في عائشةَ: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}

(1)

.

[حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو معاويةَ، عن جُويبرٍ، عن الضَّحاكِ، قال: في الشهوةِ والجِماعِ]

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المُحاربيُّ، عن جُوَيبرٍ، عن الضحاكِ، قال: في الجماعِ.

حدَّثنا عليُّ بنُ سَهْلٍ، قال: ثنا زيدُ

(3)

بنُ أبى الزَّرْقاءِ، قال: قال سفيانُ في قولِه: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} . قال: في الحُبِّ والجماعِ.

حدَّثنا يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} . قال: ما يكونُ [بينَ يَدَيْه]

(4)

وقلبِه، فذلك شيءٌ لا يَسْتطيعُ يَمْلِكُه.

‌ذِكْرُ مَن قال ما قلنا في تأويلِ قولِه جلّ وعزّ: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 233، وابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1083 (6056) من طريق حسين به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

سقط من: الأصل.

والأثر ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1083 عقب الأثر (6057) معلقًا.

(3)

في الأصل: "يزيد". وينظر تهذيب الكمال 10/ 70.

(4)

في ص، م، ت 2، ت 3:"من بدنه"، وفى ت 1، س:"من يديه".

ص: 570

حدَّثنا يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، قال: ثنا ابن عَوْنٍ، عن محمدٍ، قال: قلتُ لعَبِيدةَ: قولُه: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} ؟ قال: بنَفْسِه

(1)

.

حدَّثنا سفيانُ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن ابن عَوْنٍ، عن محمدٍ، عن عَبِيدةَ مِثْلَه.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبو أُسامةَ، عن هشامٍ، عن ابن سيرينَ، عن عَبِيدةَ:{فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} . قال هشامٌ: أظنُّه قال: في الحبِّ والجِماعِ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا حبانُ بنُ موسى، قال: أخبرنا ابن المباركِ، قال: أخبرنا هشامٌ، عن ابن سيرينَ، عن عَبِيدة في قولِه:{كُلَّ الْمَيْلِ} . قال: بنَفْسِه.

[حدَّثني بحرُ بنُ نَصْرٍ الخَوْلانيُّ، قال: ثنا بِشرُ بنُ بكرٍ

(2)

، قال: حدَّثنا الأوزاعيُّ، عن ابن سيرينَ، قال: سألتُ عَبِيدةَ عن قولِ اللَّهِ: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} . قال: بنَفْسِه]

(3)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا سهلُ بنُ يُوسفَ، عن عمرٍو، عن الحسنِ، قال:{فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} ، قال: في الغِشْيانِ والقَسْمِ

(4)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيِحٍ، عن مُجاهدٍ:{فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} : لا تَعَمَّدوا الإساءةَ

(5)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1083 (6059) من طريق ابن سيرين به.

(2)

في الأصل: "بكير". ينظر تهذيب الكمال 4/ 95.

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 233 عن سهل به، ولم يذكر القسم.

(5)

تفسير مجاهد ص 294، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1083 (6060)، والبيهقى 7/ 298، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 233 إلى ابن المنذر.

ص: 571

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ مِثْلَه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ بكرٍ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: بلَغنى عن مجاهدٍ: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} . قال: يَتَعَمَّدُ أن يُسِئَ ويَظْلِمَ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى بن ميمونٍ، عن ابن أبي نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ مِثْلَه.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} . قال: هذا في العملِ في مَبِيتِه عندَها، وفيما تُصِيبُ مِن خيرِه.

حدَّثني محمدُ بنُ الحُسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّديِّ:{فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} . يقولُ: يَمِيلُ عليها فلا يُنْفِقُ عليها، ولا يَقْسِمُ لها يومًا

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} . قال: [لا تَعمَّدوا]

(2)

الإساءةَ. يقولُ: لا تمِيلوا كلَّ الميلِ. قال: وبلَغنى أنه في

(3)

الجِماعِ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن حمادِ بن زَيْدٍ، عن أيوبَ، عن أبي قِلابةَ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ بينَ نسائِه فيَعْدِلُ، ويقولُ: "اللَّهُمَّ هذه قِسْمَتِى فيما

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1083 (6061) من طريق أحمد بن مفضل به.

(2)

في، ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يتعمد".

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 572

أمْلِكُ، فلا تَلُمْنِى فيما تَمْلِكُ ولا أمْلِكُ"

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عبدُ الوَهّابِ، عن أيوبَ، عن أبي قِلَابةَ، عن

(2)

عبدِ اللهِ بن يزيدَ

(3)

، عن عائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمثلِه

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن همامِ بن يحيى، عن قتادةَ، عن النَّضْرِ بن أنسٍ، عن بَشيرِ بن نَهيكٍ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"مَن كانت له امرأتانِ يَمِيلُ مع إحداهما على الأُخْرَى، جاء يومَ القيامةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ ساقِطٌ"

(5)

.

‌ذِكْرُ مَن قال ما قلنا في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليّ ابن أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ:{فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} . يقولُ: تَذَروها لا هي أَيِّمٌ، ولا

(1)

ذكره الترمذى عقب الحديث (1140)، وقد روى موصولًا، والصواب إرساله كما سيأتي في الأثر التالى.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في النسخ: "زيد". والمثبت من مصادر التخريج، ينظر تهذيب الكمال 16/ 306، وتحفة الأشراف 11/ 471.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 386، 387، وأحمد 6/ 144 (الميمنية)، وأبو داود (2134)، والترمذى (1140)، والنسائى (3953)، وابن ماجه (1971)، وابن حبان (4205)، والحاكم 2/ 187، والبيهقى 7/ 298 من طرق عن حماد بن سلمة به.

وقد خالفه غير واحد فرواه عن أيوب عن أبي قلابة مرسلًا، وينظر علل ابن أبي حاتم 1/ 425، ونصب الراية 3/ 214، 215.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 388، وأحمد (10009)، وابن ماجه (1969)، والطحاوى في المشكل (234)، وابن حبان (4207) من طريق وكيع به.

وأخرجه الطيالسى (2576)، وأحمد (7936، 8568)، وأبو داود (2133)، والترمذى (1141)، والنسائى (3952)، والحاكم 2/ 186، والبيهقى 7/ 297 من طرق عن همام بن يحيى به.

ص: 573

هي

(1)

ذاتُ زوجٍ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يحيى بنُ يَمانٍ، عن أَشْعَثَ، عن جعفرٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ:{فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} . قال: لا أيِّمًا ولا ذاتَ بَعْلٍ

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن يَمانٍ، عن مباركٍ، عن الحسنِ:{فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} . قال: لا مُطَلقةً ولا ذاتَ بعلٍ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا سهلُ بنُ يُوسفَ، عن عمرٍو، عن الحسنِ مثلَه

(4)

.

حدَّثنا بِشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} : أي كالمحبوسةِ، أو كالمسجونِة.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا مَعْمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} . قال: كالمَسْجُونةِ؛ كالمحبوسةِ

(5)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا حَكَّامُ بنُ سَلْمٍ، عن أبي جعفرٍ، عن الربيعِ في قولِه:{فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} . يقول: لا مُطَلقةً ولا ذاتَ بعلٍ

(6)

.

حدَّثنا المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ سعدٍ، قال: أخبرنا

(1)

سقط من: م.

(2)

أخرجه البيهقى 7/ 298 من طريق أبى صالح عبد الله بن صالح به نحوه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 4/ 233، 234 وابن أبي حاتم 4/ 1084 (6064) من طريق يزيد النحوى عن عكرمة عن ابن عباس به نحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 233 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

في الأصل: "زوج". والأثر: ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1084 عقب الأثر (6064) معلقا.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 233 عن سهل بن يوسف به.

(5)

سقط من: م. والأثر في تفسير عبد الرزاق 1/ 176، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1084 (6065). وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 233 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1084 عقب الأثر (6064) من طريق أبى جعفر به بنحوه.

ص: 574

أبو جعفرٍ، عن الربيعِ بن أنسٍ في قولِه:{فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} : لا مُطَلقةً

(1)

ولا ذاتَ بعلٍ.

[حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ بكرٍ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: بلَغنى عن مجاهدٍ: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}. قال: لا أيِّمًا ولا ذاتَ بَعْلٍ]

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ:{فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} : ليست

(3)

بأيِّمٍ ولا ذاتِ زوج.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المُحاربيُّ وأبو خالدٍ وأبو معاويةَ، عن جُوَيْبِرٍ، عن الضَّحاكِ، قال: لا تَدَعْها كأنها ليس لها زوجٌ

(4)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحُسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّديِّ:{فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} . قال: لا أيِّمًا ولا ذاتَ بَعْلٍ

(5)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} . قال: المُعَلَّقةُ التي ليست بمُخَلَّاةٍ

(6)

ونَفْسَها فتَبْتَغِىَ لها، وليستْ مُتَهَيِّئَةً كهيئةِ المرأةِ مِن زوجِها، لا هي عندَ زوجِها، ولا مُفارَقَةٌ فَتَبْتَغِىَ لنفسِها، فتلك المُعَلَّقةُ

(7)

.

(1)

في الأصل: "أيما".

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في الأصل: "ليس".

(4)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1084 عقب الأثر (6064) معلقا.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1084 عقب الأثر (6064) من طريق أسباط به بنحوه، وينظر تفسير ابن كثير 2/ 382.

(6)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"مخلاة".

(7)

ينظر التبيان 3/ 349.

ص: 575

وإنما أمَر اللهُ جل ثناؤُه بقولِه: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} . الرجالَ بالعدلِ بينَ أزْواجِهم

(1)

فيما استطاعوا فيه العدلَ بينهن

(2)

، مِن القسمةِ بينَهن، والنفقةِ، وتركِ الجَوْرِ في ذلك بإيثارِ إحداهن على الأُخْرى فيما فَرَضَ عليهم العَدْلَ بينَهن فيه؛ إذ كان قد صفَح لهم عما لا يُطِيقون العَدْلَ فيه بينَهن، مما في القلوبِ من المحبةِ والهوَى.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جل ثناؤُه: {وَإِنْ تُصْلِحُوا} أعمالَكم أيُّها الناسُ، فتَعْدِلوا في [قَسْمِكم بينَ]

(3)

أزواجِكُم، وما فرَض اللهُ لهن عليكم مِن النفقةِ والعِشْرةِ بالمعروفِ، فلا تَجُوروا في ذلك، {وَتَتَّقُوا}. يقولُ: وتَتَّقُوا اللَّهَ في المَيْلِ الذي نهاكم عنه، بأن تَمِيلوا لإحداهن على الأُخْرَى، فتَظْلِموها

(4)

حَقَّها، مما أوْجَبَه

(5)

اللهُ لها

(6)

عليكم، {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا}. يقولُ: فإن الله يَسْتُرُ عليكم ما سلَف منكم؛ مِن مَيْلِكم وجَوْرِكم عليهن قبلَ ذلك، بتركِه عُقوبتَكم [عليه، ويُغَطِّى ذلك عليكم بعَفْوِه عنكم ما مضَى منكم]

(7)

في ذلك قبلُ، {رَحِيمًا}. يقولُ: وكان رحيمًا بكم إذ

(8)

تاب عليكم، فقَبِلَ توبتَكم مِن الذي سلَف منكم؛ مِن

(1)

في: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"أزواجهن".

(2)

في الأصل: "بينهم".

(3)

في الأصل: "قسمتكم من"، وفى ت 2:"قسمتكم بين".

(4)

بعده في الأصل: "لها".

(5)

في م: "أوجبها".

(6)

في م: "له".

(7)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(8)

في م، ت 1، س:"إذا".

ص: 576

جَوْرِكم في ذلك عليهن، وفى ترخيصِه لكم الصُّلْحَ بينكم وبينَهن، بصَفْحِهن عن حُقوقِهن لكم مِن القَسْمِ على أن لا يُطَلَّقْن.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جل ثناؤه: فإِن أَبَتِ المرأةُ - التي قد نشَز عليها زوجُها، أو أَعْرَضَ عنها، بالليلِ منه إلى ضَرَّتِها، لجمالِها، أو شبابِها، أو غيرِ ذلك مما تَمِيلُ النفوسُ به

(1)

إليها - الصُّلْحَ بصَفْحِها

(2)

لزوجِها عن يومِها وليلتِها، وطَلَبَتْ حَقَّها منه مِن القَسْمِ والنَّفَقَةِ [وما]

(3)

أَوْجَب اللهُ لها عليه، وأبَى الزوجُ الأَخْذَ عليها بالإحسانِ الذي نَدَبَه اللهُ إليه بقولِه:{وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} . وإلحاقَها في القَسْمِ لها والنَّفَقةِ والعِشْرةِ بالتى هو إليها مائلٌ، فتَفَرَّقا بطلاقِ الزوجِ

(4)

إياها، {يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ}. يقولُ: يُغْنِ اللهُ الزوجَ والمرأةَ المُطَلَّقةَ مِن سَعَةٍ فَضْلِه؛ أما هذه فبِزَوْجٍ هو أصْلَحُ لها مِن المُطَلِّقِ الأوَّلِ، أو

(5)

برزْقٍ واسعٍ وعِصْمةٍ، وأما هذا فبرِزْقٍ واسعٍ وزوجةٍ هي أصْلَحُ له مِن المُطَلَّقةِ، أو عِفَّةٍ، {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا}. يعنى: وكان اللهُ واسعًا لهما في رِزْقِه إياهما وغيرَهما مِن خَلْقِه، {حَكِيمًا} فيما قضَى بينَه وبينَها مِن الفُرْقَةِ والطلاقِ، وسائرِ المعانى التي عَرَّفَناها مِن الحُكْمِ بينهما في هذه الآياتِ وغيرِها، وفى غيرِ ذلك مِن أحكامِه وتدبيرِه وقضاياه في خَلْقِه.

(1)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"له".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"لصفحها".

(3)

في الأصل: "مما".

(4)

بعده في الأصل: "لها".

(5)

في الأصل، ص، ت 1، س:"وإما".

ص: 577

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذِكْرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، وحدَّثنى المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، جميعًا عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهدٍ في قولِ اللهِ جلَّ ثناؤه:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} . قال: الطلاقُ، يُغْنى اللَّهُ كُلًّا مِن سَعَتِه

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)} .

قال أبو جعفرٍ: يعنى بذلك جل ثناؤه: وللَّهِ مُلْكُ جميعِ ما حَوَتْه السماواتُ السبعُ والأَرَضُونَ السبعُ مِن الأشياءِ كلِّها. وإنما ذكَر جلَّ ثناؤُه [ذلك بعَقِبِ]

(2)

قولِه: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} . تنبيهًا منه خلقَه على مَوْضعِ الرغبةِ عندَ فِراقِ أحدِهم زوجتَه؛ ليَفْزَعوا إليه عندَ الجَزَعِ مِن الحاجةِ والفاقةِ والوَحْشَةِ بفِراقِ سَكَنِه وزَوْجَتِه، وتَذْكيرًا منه له أنه الذي له الأشياءُ كلُّها، وأنَّ مَن كان له مُلْكُ جميعِ الأشياءِ، فغيرُ مُتَعَذَّرٍّ عليه أن يُغْنِيَه وكلَّ ذى فاقةٍ وحاجةٍ، ويُؤْنِسَ كلَّ ذى وَحْشَةٍ. ثم رجَع جل ثناؤُه إلى عَدْلِ مَن سعَى في أمرِ بنى أُبَيْرِقٍ وتَوْبيخِهم، ووَعِيدِ مَن فعَل

(3)

فِعْلَ المرتدِّ منهم، فقال: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ

(1)

تفسير مجاهد ص 294، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 233، 234 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

في م: "بعقب ذلك".

(3)

بعده في م: "ما".

ص: 578

وَإِيَّاكُمْ}. يقولُ: ولقد أمَرْنا أهلَ الكتابِ، وهم أهلُ التوراةِ والإنجيلِ، {وَإِيَّاكُمْ}. يقولُ: وأمَرْناكم وقلنا لكم ولهم: {اتَّقُوا اللَّهَ} . يقولُ: احْذَروا الله

(1)

أن تَعْصُوه وتخالفوا أمرَه ونهيَه، {وَإِنْ تَكْفُرُوا}. يقولُ: وإِن تَجْحَدوا وَصِيَّتَه إياكم أيها المؤمنون، فتُخالِفوها، {فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}. يقولُ: فإنكم لا تَضُرُّون بخلافِكم وصيتَه غيرَ أنْفُسِكم، ولا تَعْدُون في كفرِكم ذلك أن تكونوا مِثْلَ

(2)

اليهودِ والنصارى، في نزولِ عقوبتِه بكم، وحلولِ غضبِه عليكم، كما حلَّ بهم، إذ بَدَّلوا عهدَه ونَقَضوا ميثاقَه، فغَيَّر بهم ما كانوا فيه مِن خَفْضِ العَيْشِ وأَمْنِ السِّرْبِ

(3)

، وجعَل منهم القِرَدَةَ والخنازيرَ، وذلك أن له مُلْكَ جميعِ ما حَوَتْه السماواتُ والأرضُ، لا يَمْتَنِعُ عليه شيءٌ أراده بجميعِه وبشيءٍ منه؛ مِن إعْزازِ مَن أرادَ إعزازَه، وإذْلالِ مَن أراد إذلالَه، وغيرِ ذلك مِن الأموِر كلِّها؛ لأن الخَلْقَ خلقُه، بهم إليه الفاقةُ والحاجةُ، وبه قُواهم وبَقاؤُهم، وهَلاكُهم وفَناؤُهم. وهو الغنيُّ الذي لا حاجةَ تُخِلُّ

(4)

به إلى شيءٍ، ولا فاقةَ تَنْزِلُ بِه تَضْطَرُّه إليكم أيُّها الناسُ، ولا إلى غيرِكم، والحَمِيدُ الذي اسْتَوْجَب عليكم أيُّها الخلقُ الحَمْدَ بصَنائِعِه الحميدةِ إليكم، وآلائِه الجميلةِ لديكم، فاسْتَديموا ذلك أيُّها الناسُ باتِّقائِه، والمسارعةِ إلى طاعتِه فيما يَأْمُركم به، ويَنْهاكم عنه.

كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ هاشمٍ، قال: أخبرنا سَيْفٌ، عن أبي رَوْقٍ، عن عليٍّ:{وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا} . قال: غَنِيًّا عن خلقِه،

(1)

سقط من: الأصل، م.

(2)

في م: "أمثال".

(3)

في م: "الشرب". وآمن في سِرْبه: آمن في أهله وماله وولده. تاج العروس (س ر ب).

(4)

في ص، م، ت 2، ت 3، س:"تحل"، وفى ت 1:"بحل". وخَلَّ الرَّجُلُ خَلًّا وأُخِلَّ، بالضَّمِّ: أي احْتاج، وأَخَلّ الرجلُ: افْتَقَر. تاج العروس (خ ل ل).

ص: 579

{حَمِيدًا} . قال: مُسْتَحْمَدًا إليهم

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جل ثناؤُه: وللهِ مُلْكُ جميعِ ما حَوَتْه السماواتُ والأرضون، وهو القَيِّمُ بجميعِه والحافظُ لذلك كلِّه، لا يَعْزُبُ عنه عِلْمُ شيءٍ منه، ولا يَؤُودُه حفظُه وتدبيرُه.

كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا هشامٌ، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عن قتادةَ:{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} . قال: حفيظًا

(2)

.

فإن قال قائلٌ: وما وَجْهُ تَكْرارِ قولِه: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} . في آيتينِ إحْداهما في إثْرِ الأُخْرى؟

قيل: كَرَّر ذلك لاختلافِ معنى الخبريْنِ عما في السماواتِ والأرضِ [في الآيتين]

(3)

؛ وذلك أن الخبرَ عنه في إحدى الآيتين ذِكْرُ حاجتِه إلى بارئِه، وغِنَى بارئِه عنه، وفى الأُخْرَى حِفْظُ بارئِه إياه

(4)

وعِلْمُه به وتدبيرُه

(5)

.

فإن قال: أفلا قِيل: وكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيدًا وَكَفَى بِاللهِ

(6)

وَكِيلًا؟

(1)

بعده في الأصل: "تم الجزء من أجزاء الشيخ رحمه الله". والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1085 (6071) من طريق إسحاق به، بنحوه.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 234 إلى المصنف.

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(4)

بعده في م: "به".

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بتدبيره".

(6)

في الأصل: "به".

ص: 580

قيل: إن الذي في الآيةِ التي قال فيها: {وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} . مما صَلَح أن يَخْتِمَ ما ختَم به مِن وَصْفِ اللَّهِ بالغِنَى وأنه محمودٌ، ولم يَذْكُرْ فيها ما يَصْلُحُ أن يَخْتِمَ بوَصْفِه معه بالحفظِ والتدبيرِ، فلذلك كَرَّر قولَه:{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} .

‌القولِ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جل ثناؤُه: {إِنْ يَشَأْ} اللهُ، أيُّها الناسُ {يُذْهِبْكُمْ}. أي: يُذْهِبْكم بإهلاكِكم وإفنائكم، {وَيَأْتِ بِآخَرِينَ}. يقولُ: ويَأْتِ بناسٍ آخرين غيرِكم، لمُؤَازَرَةِ نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم ونُصْرَتِهِ، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا}. يقولُ: وكان اللهُ على إهلاكِكم وإفنائِكم، واسْتِبْدالِ آخرين غيرِكم بكم، {قَدِيرًا}. يعنى: ذا قدرةٍ على ذلك.

وإنما وَبَّخ جل ثناؤُه بهذه الآياتِ

(1)

الخائنين الذين خانوا الدِّرْعَ التي وَصَفْنا شأنَها، الذين ذكَرهم اللهُ في قولِه:{وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} . وحذَّر أصحابَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم أن يكونوا مِثْلَهم، وأن يَفْعَلوا فِعْلَ المُرْتَدِّ منهم في ارتدادِه ولَحَاقِهِ بالمشركين، وعرَّفهم أنَّ مَن فعَل فِعْلَه منهم، فلن يَضُرَّ إلا نفسَه، ولن يُوبِقَ برِدَّتِه غيرَ نفسِه؛ لأنه المحتاجُ - مع جميعِ ما في السماواتِ وما في الأرضِ - إلى اللهِ، واللهُ الغنيُّ عنهم. ثم تَوَعَّدَهم في قولِه:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} . بالهلاكِ والاسْتِئْصالِ إن هم فعَلوا فِعْلَ ابن أُبَيْرِقٍ

(2)

طُعْمَةَ المرتدِّ، وباستبدالِ آخرين غيرِهم بهم لنُصْرةِ نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم

(1)

في ص، ت 1، س:"الآية".

(2)

بعده في الأصل: "و". وينظر ما تقدم في ص 462.

ص: 581

وصُحْبتِه، ومؤازرتِه على دينِه، كما قال في الآيةِ الأخرى:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

وقد رُوىَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنها لما نَزَلَتْ ضرَب بيدِه على ظهرِ سلمانَ، فقال:"هم قومُ هذا". يَعْنى عَجَمَ الفُرْسِ.

كذلك حُدِّثْتُ عن عبدِ العزيزِ بن محمدٍ، عن سُهيلِ بن أبى صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وقال قتادةُ في ذلك بما حدَّثنا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} : قادرٌ واللهِ ربُّنا على ذلك، أن يُهْلِكَ مَن يشاءُ مِن خلقِه، ويَأْتِ بآخرين مِن بعدِهم

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلّ ثناؤُه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ} . ممن أظهرَ الإيمانَ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم مِن أهلِ النِّفاقِ، الذين يَسْتَبْطِنون الكفرَ، وهم مع ذلك يُظْهِرون الإيمانَ، {ثَوَابَ الدُّنْيَا}. يعنى: عَرَضَ الدنيا، بإظهارِه ما أظهَر مِن الإيمانِ بلسانِه، {فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا} .

(1)

عبد العزيز بن محمد هو الدراوردى، وسيأتي الحديث من طريق آخر في تفسير سورة (محمد)، وينظر تخريجه هناك.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1085 (6073) من طريق يزيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 234 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 582

يعنى: جزاؤُه في الدنيا منها، وثوابُه فيها

(1)

هو ما يُصِيبُ مِن المَغْنَمِ إِذا شَهِد مع [النبيِّ صلى الله عليه وسلم]

(2)

مَشْهَدًا، وأَمْنُه على نفسِه وذُرِّيِته ومالِه، وما أشبَه ذلك، وأما ثوابُه في الآخرةِ فنارُ جهنمَ.

فمعنى الآيةِ: مَن كان من العامِلين في الدنيا من المنافقين، يريدُ بعملِه ثوابَ الدنيا وجزاءَها مِن عملِه، فإن اللَّهَ مُجازِيه بها

(3)

جزاءَه في الدنيا مِن الدنيا، وجزاءَه في الآخرةِ

(4)

مِن العقابِ والنَّكَالِ، وذلك أن الله قادرٌ على ذلك كلِّه، وهو مالكُ جميعِه، كما قال في الآيةِ الأُخرى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16].

وإنما عَنَى بذلك جلّ ثناؤُه الذين سَعَوا في أمرِ بنى أُبَيْرِقٍ، والذين وَصَفهم في قولِه:{وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} . ومَن كان مِن نُظَرائِهم في أفعالِهم ونفاقِهم.

وقولُه: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} . يعنى: وكان اللهُ سميعًا لِما يقولُ هؤلاء المُنافِقون الذين يُريدون ثوابَ الدنيا بأعمالِهم، وإظهارِهم للمؤمنين ما يُظْهِرون لهم، إذا لَقُوا المؤمنين، وقولِهم لهم: آمنّا، {بَصِيرًا}. يعنى: وكان [ذا بَصَرٍ]

(5)

بهم وبما

(1)

بعده في: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"و".

(2)

في الأصل: "المسلمين".

(3)

سقط من: م.

(4)

بعده في م: "من الآخرة".

(5)

في الأصل: "أبصر".

ص: 583

هم عليه مُنْطَوُون للمؤمنين، مما

(1)

يَكْتُمونه ولا يُبْدُونه لهم مِن الغشِّ والغِلِّ الذي في صدورِهم لهم.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: وهذا تَقَدُّمٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه إلى عبادِه المؤمنين به وبرسولِه، أن يَفْعَلوا فعلَ الذين سَعَوا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في أمرِ بنى أبَيْرِقٍ، أن يقومَ بالعُذْرِ لهم في أصحابِه، وذَبَّهم عنهم، وتَحْسينَهم أمرَهم؛ بأنهم أهلُ فاقةٍ وفَقْرِ، يقولُ اللهُ لهم:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} . يقولُ: لِيَكُنْ مِن أخلاقِكم وصفاتِكم القيامُ بالقسطِ. يعنى: بالعَدْلِ. {شُهَدَاءَ لِلَّهِ} . والشهداءُ: جمعُ شهيدٍ. ونُصِبَت الشهداءُ على القَطْعِ مما في قولِه: {قَوَّامِينَ} . مِن ذكرِ {الَّذِينَ آمَنُوا} . ومعناه: قُوموا بالقِسْطِ للهِ عندَ شهادتِكم. أو حينَ شهادتِكم. {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} . يقولُ: ولو كانت شهادتُكم على أنفسِكم، أو على والدَين لكم، أو أقْرَبيكم، فقُوموا فيها بالقسطِ والعدلِ، وأقِيموها على صحتِها، بأن تقولوا فيها الحقَّ، ولا تَمِيلُوا فيها لغنيٍّ لِغِناه على فقيرٍ، ولا لفقيرٍ لفَقْرِه على غَنيٍّ، فتَجُوروا؛ فإن الله الذي سَوَّى بينَ حُكْمِ الغنيِّ والفقيرِ فيما ألزَمكم، أيُّها الناسُ، مِن إقامةٍ الشهادةِ لكلِّ واحدٍ منهما بالعَدْلِ {أَوْلَى بِهِمَا} وأحقُّ منكم؛ لأنه مالِكُهما [وإلهُهما، دونَكما]

(2)

، فهو أعلمُ بما فيه مصلحةُ كلِّ واحدٍ منهما في ذلك، وفى غيرِه مِن الأمورِ كلِّها منكم، فلذلك أمَركم

(1)

في الأصل: "بما"، وفى م، ت 2:"فيما"، وفى ت 1، س:"ما".

(2)

في م: "وأولى بهما دونكم".

ص: 584

بالتسوِيةِ بينَهما في الشهادةِ لهما وعليهما. {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} . يقولُ: فلا تَتَّبِعوا أهواءَ أنفسِكم في المَيْلِ في شهادتِكم إذا قُمْتُم بها، لغنيٍّ على فقيرٍ، أو لفقيرٍ على غنيٍّ إلى أحد الفريقَين، فتَقولوا غيرَ الحقِّ، ولكن قُوموا فيه بالقِسْطِ، وأدُّوا الشهادةَ على ما أمَركم اللهُ بأدائِها، بالعَدْلِ لَمن شَهِدْتم عليه وله.

فإن قال قائلٌ: وكيف يقومُ بالشهادةِ على نفسِه الشاهدُ بالقِسْطِ؟ وهل يَشْهَدُ الشاهدُ على نفسِه؟

قيل: نعم، وذلك أن يكونَ عليه حقٌّ لغيرِه، فيُقِرَّ له به، فذلك قيامٌ منه له بالشهادةِ على نفسِه. وهذه الآيةُ عندى تأديبٌ مِن اللهِ جلّ ثناؤه للمؤمنين، أن يفعَلوا ما فعَله الذين عَذَروا بنى أُبَيْرِقٍ في سرقتِهم ما سَرَقوا، وخيانتِهم ما خانوا مَن [ذكَرْنا قبلُ]

(1)

عندَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وشهادتِهم لهم عندَه بالصلاحِ، فقال لهم: إذا قُمْتُم بالشهادةِ لإنسانِ أو عليه، فقُوموا

(2)

فيها بالعَدْلِ، ولو كانت شهادتُكم على أنفسِكم وآبائِكم وأمهاتِكم وأقْرِبائِكم، ولا يَحْمِلَنَّكم غِنَى مَن شَهِدتم له أو فَقْرُه أو قَرابتُه ورَحِمُه منكم على الشهادةِ له بالزُّورِ، ولا على تَرْكِ الشهادةِ عليه بالحقِّ وكِتْمانِها.

وقد قيل: إنها نَزَلَت تأديبًا لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحُسَينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ في قولِه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} . قال:

(1)

في م: "ذكر ما قيل".

(2)

في ص، ت 2:"فقولوا".

ص: 585

نَزَلَت في النبيِّ صلى الله عليه وسلم، واخْتَصَم إليه رجلان؛ غنيٌّ وفقيرٌ، فكان ضَلْعُه

(1)

مع الفقيرِ؛ يَرَى أن الفقيرَ لا يَظْلِمُ الغنيَّ، فأبَى اللهُ إلا أن يقومَ بالقِسْطِ في الغنيِّ والفقيرِ، فقال:{إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} الآية

(2)

.

وقال آخرون في ذلك نحوَ قولِنا: إنها نَزَلَت في الشهادةِ. أمرًا مِن اللهِ المؤمنين أن يُسَوُّوا في قيامِهم بشهاداتِهم لمَن قاموا له

(3)

بها بينَ الغنيِّ والفقيرِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} . قال: أمَر اللهُ سبحانَه المؤمنين أن يقولوا الحقَّ ولو على أنفسِهم أو آبائِهم أو أبنائِهم، ولا يُحابُوا غنيًّا لِغِناه، ولا يَرْحَموا مسكينًا لمَسْكنتِه، وذلك قولُه:{إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} . فَتَذَرُوا الحقَّ فتَجُورُوا

(4)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سُويدُ بنُ نَصْرٍ، قال: أخبَرنا ابن المُباركِ، عن يونسَ، عن ابن شهابٍ في شهادةِ الوالدِ لولدِه وذى القَرابةِ، قال: كان ذلك فيما مَضَى من السُّنَّةِ في سَلَفِ المسلمين، وكانوا يَتأوَّلون في ذلك قولَ اللَّهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

(1)

ضلعه: ميله. النهاية 3/ 96.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1086، 1088 (6078، 6088) من طريق أحمد بن المفضل به.

(3)

سقط من: ص، ت 2.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1086، 1088 (6077، 6087، 6090)، والبيهقى 10/ 158 من طريق عبد الله بن صالح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 234 إلى ابن المنذر.

ص: 586

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} الآية. فلم يكُنْ يُتَّهَمُ سَلَفُ المسلمين الصالحُ في شهادةِ الوالدِ لولدِه، ولا الولدِ لوالدِه، ولا الأخِ لأخيه، ولا الرجلِ لامرأتِه، ثم دَخِلَ الناسُ

(1)

بعدَ ذلك، فظَهَرَت منهم أمورٌ حَمَلَت الولاةَ على اتِّهامِهم، فتُرِكَت شهادةُ مَن يُتَّهَمُ إذا كانت مِن أقربائِهم، وصار ذلك مِن الولدِ والوالدِ والأخِ والزوجِ والمرأةِ، لم يُتَّهَمْ إلا هؤلاء في آخرِ الزمانِ

(2)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} إلى آخِرِ الآيةِ. قال: لا يَحْمِلُك فَقْرُ هذا على أن تَرْحَمَه، فلا تُقِيمَ عليه الشهادةَ. قال: يقولُ هذا للشاهدِ.

حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ زُرَيعٍ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} . الآية: هذا في الشهادةِ، فأقِم الشهادةَ يابنَ آدمَ، ولو على نفسِك، أو الوالِدَين، أو على ذَوى قَرابتِك، أو شَرَفِ

(3)

قومِك، فإنما الشهادةُ للهِ وليست للناسِ، وإن الله رَضِى العدلَ لنفسِه، والإقْساطُ والعَدْلُ مِيزانُ اللهِ في الأرضِ، به يَرُدُّ اللَّهُ مِن الشديدِ على الضعيفِ، ومِن الكاذبِ على الصادقِ، ومِن المُبْطِلِ على المُحِقِّ، وبالعدلِ يُصَدِّقُ الصَّادِقَ، ويُكَذِّبُ الكاذِبَ، ويَرُدُّ المُعْتَدِىَ ويُوَبِّخُه، تعالى ربُّنا وتبارك، وبالعدلِ يَصْلُحُ الناسُ، يا بنَ آدمَ، {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}. يقولُ: أوْلى بغَنِيِّكم وفقيرِكم. قال: وذُكِر لنا أن نبيَّ اللهِ موسى عليه السلام قال: ربِّ،

(1)

دخِل الناس: فسد داخلهم: الوسيط (د خ ل).

(2)

ينظر التبيان 3/ 355.

(3)

في م، ومصدرى التخريج:"أشراف". والشرف والأشراف بمعنى. التاج (ش ر ف).

ص: 587

أيُّ شيءٍ وَضَعْتَ في الأرضِ أقلَّ؟ قال: العَدْلُ أقلُّ ما وَضَعتُ في الأرضِ، فلا يَمْنَعَنَّكَ غِنَى غنيٍّ، ولا فَقْرُ فقَيرٍ، أن تَشهَدَ عليه بما تَعْلَمُ، فإن ذلك عليك مِن الحقِّ. وقال جل ثناؤه:{فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}

(1)

.

وقد قيل: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا} . الآية، أرِيدَ: فاللَّهُ أوْلى بغِنَى الغَنِيِّ، وفَقْرِ الفقيرِ؛ لأن ذلك منه لا مِن غيرِه؛ فلذلك قيل:{بِهِمَا} ولم يُقَلْ: به.

وقال آخرون: إنما قيل: {بِهِمَا} ؛ لأنه قال: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا} . فلم يَقصِدْ فقيرًا بعَيْنِه، ولا غَنِيًّا بعَيْنِه، وهو مجهولٌ، وإذا كان مجهولًا، جازَ الرَّدُّ عليه

(2)

بالتوحيدِ والتثنيةِ والجمعِ. وذَكَر قائلو هذا القولِ أنه في قراءةِ أبَيٍّ: (فاللهُ أوْلى بِهِمْ)

(3)

.

وقال آخرون: "أو"، بمعنى "الواوِ" في هذا الموضعِ.

وقال آخرون: جازَ تَثْنِيةُ قولِه: {بِهِمَا} . لأنهما قد ذُكِرا، كما قيل:{وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12]. وقيل: جازَ ذلك؛ لأنه أضْمَر فيه "مَن"، كأنه قيل: إن يكنْ مَن خاصَم غَنِيًّا أو فقيرًا. بمعنى: غَنِيَّين أو فقيرَين، فاللهُ أوْلى بهما.

فتأويلُ قولِه: {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} . [على ما ذكَرنا من أقوالِ من ذكرنا قولَه: فلا تَتَّبعِوا الهَوَى في أن تَعْدِلوا]

(4)

عن الحقِّ، فَتَجُوروا بتَرْكِ إقامةِ الشهادةِ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1087 (6081) من طريق يزيد بن زريع ببعضه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 234 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

في ت 1، ت 2، ت 3، س:"منه".

(3)

هي قراءة شاذة، وينظر البحر المحيط 3/ 370.

(4)

سقط من: م.

ص: 588

بالحقِّ. ولو وُجِّه إلى أن معناه: فلا تَتَّبِعوا أهواءَ أنفسِكم؛ هربًا مِن أنْ تَعْدِلُوا في إقامةِ الشهادةِ بالقِسْطِ. كان وَجْهًا.

وقد قيل: معنى ذلك: فلا تَتَّبِعوا الهَوى لتَعْدِلوا. كما يقالُ: لا تَتَّبِعْ هَواك لتُرْضِيَ ربَّك. بمعنى: أنْهاك عنه؛ كيما تُرْضِيَ ربَّكَ بتَرْكه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} .

اختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: عَنَى: {وَإِنْ تَلْوُوا} ، أيُّها الحُكَّام، في الحُكْمِ لأحدِ الخَصْمَين على الآخرِ {أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} . ووَجَّهوا معنى الآيةِ إلى أنها نَزَلت في الحُكَّامِ، على نحوِ القولِ الذي ذَكَرنا عن السُّدِّيِّ مِن قولِه: إن الآيةَ نَزَلَت في رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. على ما ذكرنا قبلُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حُميدٍ وابنُ وَكيعٍ، قالا: ثنا جَرِيرٌ، عن قابوسِ بن أبى ظَبْيانَ، عن أبيه، عن ابن عباسٍ في قولِ اللهِ:{وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} . قال: هما الرجلان يَجْلِسان بينَ يَدَي القاضِى، فيكونُ لَيُّ القاضِي وإعراضُه لأحدِهما على الآخرِ

(1)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: {وَإِنْ تَلْوُوا} ، أيُّها الشهداءُ، في شهاداتِكم، فتُحَرِّفوها ولا تُقِيموها، {أَوْ تُعْرِضُوا} عنها فَتَتْرُكوها.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 7/ 118، وابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1089 (6098) وأبو نعيم في الحلية 1/ 334 من طريق جرير به بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 234 إلى أحمد في الزهد وابن المنذر.

ص: 589

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليِّ بن أبى طلحةَ، عن ابن عباسٍ قوله:{وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} . يقولُ: إِن تَلْوُوا بألسنتِكم بالشهادةِ، أو تُعْرِضوا عنها

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} . إلى قولِه: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} . يقولُ: تَلْوِى لسانَك بغيرِ الحقِّ. وهى اللَّجْلَجَةُ، فلا تقيمُ الشهادةَ على وَجْهِها، والإعراضُ: التَّرْكُ

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَإِنْ تَلْوُوا} . أي تُبَدِّلُوا الشهادةَ {أَوْ تُعْرِضُوا} . قال: تَكْتُموها

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَإِنْ تَلْوُوا} . قال: تَبْدِيلُ الشهادةِ، والإعراضُ: كِتْمانُها.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سُفيانَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} . قال: إن تُحَرِّفوا أو تَتْرُكوا

(4)

.

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ عن قتادةَ: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1089 (6096، 6100) من طريق عبد الله بن صالح به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1089، 1090 (6097، 6101) عن محمد بن سعد به.

(3)

تفسير مجاهد ص 295. ومن طريقه أخرجه البيهقى 10/ 158.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1089، 1090 (6099، 6102) من طريق سفيان به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 234 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 590

تُعْرِضُوا}. قال: تُلَجْلِجوا أو تكْتُموا، وهذا في الشهادةِ.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} . أما {تَلْوُوا} : فتَلْوِى للشهادةِ فتحَرِّفُها حتى لا تُقِيمَها، وأما {تُعْرِضُوا}: فتُعْرِضُ عنها فَتَكْتُمُها، وتقولُ: ليس عندى شهادةٌ

(1)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {وَإِنْ تَلْوُوا} . فتَكْتُموا الشهادةَ، يَلْوِى: ينقصُ

(2)

منها، أو يُعْرِضُ عنها فيَكْتُمُها، فيَأْتِي أَن يَشْهَدَ عليه، يقولُ: أكْتُمُ عنه لأنه مسكينٌ أرحَمُه. فيقولُ: لا أقِيُم الشهادةَ عليه. ويقولُ: هذا غَنِيٌّ أبَقِّيه وأرجو ما قِبَلَه، فلا أشْهَدُ عليه. فذلك قولُه:{إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا}

(3)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَإِنْ تَلْوُوا} : تُحَرِّفوا. {أَوْ تُعْرِضُوا} : تَتْرُكوا.

حدَّثنا محمدُ بنُ عُمارةَ، قال: ثنا حسنُ بن عَطِيَّةَ، قال: ثنا فُضَيلُ بنُ مَرْزُوقٍ، عن عَطِيَّةَ في قولِه:{وَإِنْ تَلْوُوا} . قال: إن تُلَجْلِجوا في الشهادةِ فتُفْسِدوها. {أَوْ تُعْرِضُوا} . قال: تَتْرُكوها

(4)

.

حدَّثنا المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عَوْنٍ، قال: أخبَرنا هُشَيمٌ، عن

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1089، 1090 عقب الأثرين (6097، 6102) مِن طريق عمرو بن حماد به.

(2)

في ص، ت 1:"يبعض".

(3)

ينظر التبيان 3/ 356.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1089، 1090 عقب الأثرين (6097، 6102) معلقًا.

ص: 591

جُوَيبرٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} . قال: أن تَلْوُوا في الشهادةِ: أن لا تُقِيموها

(1)

على وَجْهِها، {أَوْ تُعْرِضُوا}. قال: تَكْتُموا الشهادةَ

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بن أبي حَمَّادٍ، قال: ثنا شَيْبانُ، عن قتادةَ أنه كان يقرأُ

(3)

: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} . بواوَيْن

(4)

، يعني: تُلَجْلِجوا. {أَوْ تُعْرِضُوا} . قال: تَدَعُها فلا تَشْهَدُ.

حُدِّثتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمعتُ أبا مُعاذٍ، قال: ثنا عُبَيدُ بنُ سُلَيْمانَ

(5)

، قال: سمعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} . أما {تَلْوُوا} . فهو أن يَلْوِىَ الرجلُ لسانَه بغيرِ الحقِّ. يعني: في الشهادةِ.

قال أبو جعفرٍ: وأوْلى التأويلَين بالصوابِ في ذلك، تأويلُ مَن تأوَّله أَنه لَيُّ الشاهدِ شَهادتَه لَمَن شَهِدَ له وعليه، وذلك تَحْرِيفُه إياها بلسانِه، وتَرْكُه إقامتَها؛ ليُبْطِلَ بذلك شهادتَه لمِن شَهِد له، وعمن شَهِد عليه. وأما إعراضَه عنها، فإنه تَرْكُه أداءَها والقيامَ بها، فلا يَشْهَدُ بها.

وإنما قُلنا: هذا التأويلُ أوْلى بالصوابِ؛ لأن الله جلّ ثناؤه قال: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} . فأمَرَهم بالقيامِ بالعَدْلِ شهداءَ، وأظْهْرُ معاني الشهداءِ ما ذكَرنا مِن وَصْفِهم بالشهادةِ.

(1)

في الأصل، ص، س، ت 1:"نقيمها".

(2)

ينظر التبيان 3/ 356.

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يقول".

(4)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س. وينظر ما يأتي في الصفحة التالية.

(5)

في م: "سلمان". وينظر ترجمته في تهذيب الكمال 19/ 212.

ص: 592

واختَلَفَت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: {وَإِنْ تَلْوُوا} ؛ فقَرَأ ذلك عامةُ قَرَأةِ الأمصارِ سِوَى لكوفةِ: {وَإِنْ تَلْوُوا} بوَاوَين، مِن: لَوانى الرجلُ حقِّى، والقومُ يَلْووننى دَيْني. وذلك إذا مَطَلُوه لَيًّا.

وقرَأ ذلك جماعةٌ مِن قَرَأةِ الكوفةِ: (وَإِنْ تَلُوا) بواوٍ واحدةٍ

(1)

. ولقراءةِ مَن قرَأ ذلك كذلك وجهان.

أحدُهما: أن يكونَ قارِئُها أرادَ همز "الواوٍ" لانْضِمامها، ثم أسقَطَ الهمزَ، فصارَ إعرابُ الهمزِ في اللامِ إذ أسقَطَه، وبَقِيَت واوٌ واحدةً، كأنه أرادَ: تَلْؤُوا. ثم حَذَف الهمز، وإذا عَنَى هذا الوجهَ، كان معناه معنى مَن قرَأ:{وَإِنْ تَلْوُوا} بواوَين، غيرَ أنه خالَف المعروفَ مِن كلامِ العربِ، وذلك أن الواوَ الثانيةَ مِن قولِه:{تَلْوُوا} واوٌ جمعٍ، وهى عَلَمٌ لمعنًى، فلا يَصِحُّ همزُها، ثم حَذْفُها بعدَ همزِها، فيَبْطُلُ عَلَمُ المعنى الذي له أُدْخِلَت الواوُ المحذوفُة.

والوجه الآخرُ: أن يكونَ قارئها كذلك، أراد:(وإن تَلُوا) مِن الولايةِ، فيكونُ معناه: وإن تَلُوا أمورَ الناس أو تَتْرُكوها. وهذا معنًى - إذا وَجَّهَ القارئُ قراءتَه، على ما وَصْفنا، إليه - خارجٌ عن معاني أهلِ التأويلِ، وما وَجَّه إليه أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم والتابعون تأويلَ الآيةِ.

فإذ كان فسادُ ذلك واضحًا مِن كِلا وَجْهَيه، فالصوابُ مِن القراءة الذي لا يَصْلُحُ غيره أن يُقرَأ به، عندَنا:{وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} . بمعنى اللَّيِّ، الذي هو مَطْلٌ

(2)

، فيكونُ تأويلُ الكلامِ: وإن تَدْفَعوا القيام بالشهادةِ على وَجْهِها لمَن لَزِمكم

(1)

قرأ حمزة وابن عامر بواو واحدة واللام مضمومة. وقرأ الباقون بواوين. التيسير ص 81، النشر 2/ 190.

(2)

كلتا القراءتين صحيحة لأنهما متواترتان. المصدران السابقان.

ص: 593

القيام له بها، فتُغَيِّرُوها وتُبَدِّلوا، أو تُعْرِضوا عنها، فَتَتْرُكوا القيامَ له بها، كما يَلْوِى الرجلُ دَيْنَ الرجلِ، فيُدافعه بأدائِه إليه على ما أوجَب عليه له، مَطْلًا منه له، كما قال الأعْشَى

(1)

:

يَلْوِينَنِي دَيْنِي النَّهَارَ وأَقْتَضِى

دَيْني إذا وَقَذَ

(2)

النُّعاسُ الرُّقَّدَا

وأما تأويلُ قولِه: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} . فإنه أرادَ: فإن الله كان بما تعمَلون مِن إقامتِكم الشهادةَ، وتَحِريفِكم إياها، وإعراضِكم عنها بكِتْمانِكموها {خَبِيرًا} يعنى: ذا خبرةٍ وعلمٍ به؛ يَحْفَظُ ذلك منكم عليكم، حتى يُجازِيَكم به جزاءَكم في الآخرة؛ المُحْسِنُ منكم بإحسانِه، والمُسِيءُ بإساءتِه. يقولُ: فاتَّقُوا ربَّكم في ذلك.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} .

يعنى بذلك جلّ ثناؤه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بمَن قبلَ محمدٍ مِن الأنبياءِ والرسلِ، وصَدَّقوا بما جاءوهم به مِن عندِ اللهِ {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}. يقولُ: صَدِّقوا باللهِ، وبمحمدٍ رسولِه، أنَّه للهِ رسولٌ، مُرْسَلٌ إليكم وإلى سائرِ الأممِ قبلكم {وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} يقولُ: وصَدِّقوا بما جاءكم به محمدٌ مِن الكتابِ الذي نَزَّل اللهُ عليه - وذلك القرآنُ - {وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} . يقولُ: وأمِنوا بالكتابِ الذي أنَزَل اللهُ مِن قبلِ الكتابِ الذي نزَّله على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وذلك هو التوراةُ والإنجيلُ.

(1)

ديوان الأعشى الكبير ص 227.

(2)

وقذه: صرعه، ومن المجاز: وقذه النعاس، إذا غلبه. التاج (و ق ذ).

ص: 594

فإن قال قائلٌ: وما وَجْهُ دعاءِ هؤلاء إلى الإيمانِ باللهِ ورسولِه وكتبِه، وقد سَمَّاهم مؤمنين؟

قيل: إنه جلّ ثناؤه لم يُسَمِّهم مؤمنين، وإنما وَصَفهم بأنهم آمَنوا، وذلك وَصْفٌ لهم بخصوصٍ مِن التصديقِ، وذلك أنهم كانوا صِنْفَين؛ صِنْفٌ

(1)

أهلُ توراةٍ مُصَدِّقِين بها وبمَن جاء بها، وهم مُكَذِّبون بالإنجيلِ والفُرقانِ وعيسى ومحمدٍ، صلواتُ اللهِ عليهما. وصِنْفٌ أهلُ إنجيلٍ، وهم مُصَدِّقون به وبالتَّوراةِ وسائرِ الكتبِ، مُكَذِّبون بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم والفُرْقانِ، فقال اللهُ لهم:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يعني: بما هم به مؤمنون مِن الكُتُبِ والرسلِ {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} محمدٍ والكتاب الذي نَزَّلَ عليه، فإنكم قد علمتم أن محمدًا رسولُ اللهِ؛ تجدون صفته في كتبكم، وبالكتابِ الَّذِى نَزَّلَ مِن قَبْلِه الذي تَزْعُمون أنكم به مؤمنون، فإنكم لن تكونوا به مؤمنين وأنتم بمحمدٍ مُكَذِّبون؛ لأن كتابَكم يأمركم بالتَّصْديقِ به، وبما جاءكم به، فآمِنوا بكتابكم في اتِّباعِكم محمدًا، وإلا فأنتم به كافِرون.

فهذا وَجْهُ أمرِهم بالإيمانِ بما أمَرَهم بالإيمانِ به، بعدَ أن وَصَفهم بما وَصَفهم بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} .

وأما قولُه: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} . فإن معناه: ومَن يَكْفُرْ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فيَجْحَد نُبوَّتَه، [{فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}، وإنما قال تعالى ذكرُه: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}، ومعناه: ومن يَكْفُرْ بمحمدٍ وبما جاء به مِن عندِ اللهِ]

(2)

؛ لأن جُحودَ

(1)

سقط من: م.

(2)

في م: "فهو يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر".

ص: 595

شيءٍ مِن ذلك، بمعنى جُحودِ جميعِه، [ولأنه]

(1)

لا يَصِحُّ إيمانُ أحدٍ مِن الخلقِ إلا بالإيمانِ بما أمَره اللهُ بالإيمانِ به، والكفر بشيءٍ منه كفرٌ بجميعِه، فلذلك قال:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} بِعَقِبِ خطابِه أهلَ الكتابِ، وأمْرِه إياهم بالإيمانِ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم تهديدًا منه لهم، وهم مُقِرُّون بوحدانية اللهِ، والملائكةِ والكتبِ والرسلِ واليومِ الآخرِ، سوى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وما جاء به مِن الفُرْقانِ.

وأما قولُه: {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} ، فإنه يعنى: فقد ذَهَب عن قَصْدِ السبيلِ، وجارَ عن مَحَجَّةِ الطريقِ إلى المَهالكِ

(2)

ذهابًا وَجَوْرًا بعيدًا؛ لأن كُفْرَ مَن كفَر بذلك خروجٌ منه عن دينِ اللهِ الذي شَرَعه لعباده. والخروجُ عن دينِ اللَّهِ الهلاكُ الذي فيه البَوَارُ، والضَّلال عن الهُدَى الذي هو الضَّلَالُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137)} .

قال أبو جعفرٍ: اختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: تأويلُه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} بموسى {ثُمَّ كَفَرُوا} به {ثُمَّ آمَنُوا} - يعني النصارى - بعيسى {ثُمَّ كَفَرُوا} به {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} بمحمدٍ {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} .

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: {إِنَّ

(1)

في الأصل: "وذلك"، وفى م:"وذلك لأنه".

(2)

في الأصل: "الهلاك".

ص: 596

الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} وهم اليهودُ والنصارى، آمَنَت اليهودُ بالتوراةِ ثم كفَرَت، وآمَنَت النصارى بالإنجيلِ ثم كفَرَت. وكفرُهم به تَرْكُهم إياه، ثم ازدادوا كفرًا بالفرقانِ وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فقال اللهُ:{لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} . يقولُ: لم يكنِ اللهُ ليغفرَ لهم ولا ليَهْديَهم طريقَ هدًى، وقد كفَروا بكتابِ اللهِ وبرسولِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} . قال: هؤلاء اليهودُ، آمَنوا بالتوراةِ، ثم كفَروا. ثم ذكَر النصارى، ثم قال:{ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} . يقولُ: آمنوا بالإنجيلِ ثم كفَروا به، ثم ازدادوا كفرا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم

(2)

.

وقال آخرون: بل عنَى بذلك أهلَ النفاقِ، أنهم آمَنوا ثم ارتَدُّوا، ثم آمنوا ثم ارتَدُّوا، ثم ازدادوا كفرًا بموتِهم على الكفرِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} . قال: كُنَّا نَحْسَبُهم المنافقين، ويَدْخُلُ في ذلك مَن كان مثلَهم {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا}. قال: تَمُّوا

(3)

على كفرهم حتى ماتُوا

(4)

.

(1)

أخرج بعضه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1092 (6117 - 6119) من طريق يزيد بن زريع. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 234 إلى عبد بن حميد.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 176. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1091 (6112، 6113، 6116) عن الحسن بن يحيى به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 234، 235 إلى عبد بن حميد.

(3)

في الأصل: "بقوا"، وفى م:"نموا". وتم على الأمر: استمر عليه. النهاية 1/ 197.

(4)

ذكر السيوطي في الدر المنثور 2/ 235 أوله بلفظ: "هم المنافقون" وعزاه إلى ابن المنذر ثم ذكر آخره =

ص: 597

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} . قال: ماتُوا

(1)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} . قال: حينَ

(2)

ماتُوا.

حدَّثنا يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} الآية، قال: هؤلاء المنافقون، آمَنوا مَرَّتَين، وكفَروا مَرَّتَين، ثم ازدادوا كفرًا بعدَ ذلك

(3)

.

وقال آخرون: بل هم أهلُ الكتابَين؛ التوراةِ والإنجيلِ، أتَوا ذنوبًا في كفرِهم فتابوا، فلم تُقبَلْ منهم التوبةُ منها

(4)

، مع إقامتِهم على كفرِهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبو خالدٍ، عن داودَ بن أبي هندٍ، عن أبي العاليةِ:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} قال: هم اليهودُ والنصارى، أذنَبوا في شِرْكِهم، ثم تابوا فلم تُقْبَلْ توبتهم، ولو تابوا مِن الشركِ لقُبِل منهم

(5)

.

قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوالِ بتأويلِ الآيةِ، قولُ مَن قال: عَنَى بذلك أهلَ

= وعزاه إلى المصنف وابن المنذر.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1091 (6115) من طريق عبد الرحمن به.

(2)

في م: "حتى".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 235 إلى المصنف.

(4)

سقط من: ت 1، ت 2، س. وفى م:"فيها".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1091 (6111) من طريق أبي خالد به.

ص: 598

الكتابِ الذين أقرُّوا بحُكْمِ التوراةِ، ثم كَذَّبوا بخلافِهم إياه، ثم أقرَّ مِن أقرَّ منهم بعيسى والإنجيلِ، ثم كَذَّب به بخلافِه إياه، ثم كَذَّب بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم والفُرْقانِ، فازادادَ بتَكْذيبِه به كفرًا على كفرِه.

وإنما قلنا: ذلك أوْلى بالصوابِ في تأويلِ هذه الآيةِ؛ لأن الآيةَ قبلَها في قصصِ أهلِ الكتابَين - أعنِى قولَه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} - ولا دَلالةَ تدلُّ على أن قولَه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} مُنْقِطعٌ معناه مِن معنى ما قِبَلَه، فإلحاقُه بما قبلَه أوْلى، حتى تأتىَ دَلالةٌ دالَّةٌ على انقطاعِه منه.

وأما قولُه: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ} . فإنه يعنى: لم يكُنِ اللَّهُ لِيَسْتُرَ عليهم كفرَهم وذنوبَهم، بعفوه عن العقوبةِ لهم عليه، ولكنه يَفْضَحُهم على رءوسِ الأشهادِ. {وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا}. يقولُ: ولم يَكُنْ لِيُسَدِّدَهم لإصابةِ طريقِ الحقِّ فيُوَفِّقَهم لها، ولكنه يَخْذُلْهم

(1)

عنها؛ عقوبةً لهم على عظيمِ جُرْمهم وجُرْأَتِهم على ربهم.

وقد ذهَب قومٌ إلى أن المرتدَّ يُسْتَتاب ثلاثًا، انتزاعًا منهم بهذه الآيةِ، وخالَفهم على ذلك آخرون.

‌ذكرُ مَن قال: يستتاب ثلاثًا

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا حَفْصٌ، عن أشْعَثَ، عن الشَّعْبيِّ، عن عليٍّ، قال: إن كنتُ لمُسْتَتيبًا المرتدَّ ثلاثًا. ثم قرَأ هذه الآيةَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا}

(2)

.

(1)

في الأصل: "عدلهم".

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 138، 12/ 274 (9035، 12804)، ومن طريقه البيهقي 8/ 208 عن حفص بن غياث به.

ص: 599

حدَّثنا ابن وَكِيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سُفيانَ، عن جابرٍ، عن عامرٍ، عن عليٍّ، رضي الله عنه: يُسْتَابُ المُرْتَدُّ ثلاثًا، ثم قرَأ:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا}

(1)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سُفيانَ، عن عبدِ الكريمِ، عن رجلٍ، عن ابن عمرَ، قال: يُسْتَتاب المرتدُّ ثلاثًا

(2)

.

وقال آخرون: يُسْتَاب كلما ارتدَّ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وَكِيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سُفيانَ، عن عمرِو بن قيسٍ، عمن سمِع إبراهيمَ، قال: يُسْتَتابُ المُرُتَدُّ كلما ارْتَدَّ

(3)

.

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: وفى قيامِ الحُجَّةِ بأن المرتدَّ يُسْتتابُ المرةَ الأولى، الدليلُ الواضحُ على أن حُكْمَ كلِّ مَرَّةٍ ارتدَّ فيها عن الإسلامِ حكمُ المرةِ الأولى، في أن توبتَه مقبولةٌ، وأن إسلامَه حَقَنَ له دمَه؛ لأن العلةَ التي حَقَنَت دمَه في المرةِ الأولى إسلامُه، فغيرُ جائزٍ أن تُوجَدَ العلةُ التي مِن أجلِها كان دمُه محقونًا في الحالةِ الأولى، ثم يكونَ دمُه مباحًا مع وجودِها، إلا أن يُفَرِّقَ بينَ حُكْمِ المرةِ الأولى وسائرِ المراتِ غيرِها، ما يَجِبُ التسليمُ له مِن أصلٍ مُحْكَمٍ، فيَخْرُجَ مِن حكمِ القياسِ حينَئذٍ.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 273 (12803)، والبيهقى 8/ 207 من طريق وكيع به. وأخرجه الطحاوى في شرح معاني الآثار 3/ 212، وابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1091 (6110) من طريق شريك عن جابر به، وعند الطحاوى في أوله قصة.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 138، 12/ 274 (9036، 12805)، ومن طريقه البيهقى 8/ 207 عن وكيع به، وزاد ابن أبي شيبة في الموضع الأول:"فإن تاب تُرِك، وإن أبي قُتل".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 12/ 272 (12798) عن وكيع به. وأخرجه عبد الرزاق (18697)، والبيهقي 8/ 197 من طريق سفيان به.

ص: 600

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)} .

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يعنى جلّ ثناؤُه بقولِه: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ} . أَخْبِرِ المنافقين - وقد بَيَّنَّا معنى التبشيرِ فيما مضَى بما أغنَى عن إعادتِه

(1)

- {بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} يعنى: بأن لهم يومَ القيامةِ مِن اللهِ على نفاقِهم عَذَابًا أَلِيمًا، وهو الموجعُ، وذلك عذابُ جهنمَ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)} .

أما قولُه جلّ ثناؤُه: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} . فمِن صفةِ المنافقين. يقولُ اللهُ لنبيِّه: يا محمدُ، بَشِّرِ المنافقين الذين يَتَّخِذون أهلَ الكفرِ بى والإلحادِ في ديني {أَوْلِيَاءَ} ، يعنى: أنصارًا وأخلافًا

(2)

{مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} ، يعنى: مِن غيرِ المؤمنين {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ} . يقولُ: أيطلبون عندَهم المَنَعَة والقوةَ باتخاذِهم إياهم أولياءَ مِن دونِ أهلِ الإيمانِ؟ {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} . يقولُ: فإن الذين اتخذوهم مِن الكافرين أولياءَ ابتغاءَ العزةِ عندَهم هم الأذِلاءُ الأقِلاءُ، فهلا اتَّخَذوا الأولياءَ مِن المؤمنين، فيَلْتَمِسوا العِزَّةَ والمَنَعةَ والنُّصْرةَ مِن عندِ اللَّهِ، الذي له العِزَّةُ والمَنَعَةُ، الذي يُعِزُّ مَن يَشَاءُ، ويُذِلُّ مَن يَشَاءُ، فيُعِزُّهم ويَمْنَعُهم.

وأصلُ العِزَّةِ الشِّدَّةُ. ومنه قيل للأرضِ الصُّلْبة الشديدةِ: عَزَازٌ. وقيل: قد

(1)

تقدم في 1/ 405 - 407.

(2)

في م: "أخلاء".

ص: 601

اسْتُعِزُّ على المريض. إذا اشتدَّ مرضُه وكاد يُشْفَى. ويقالُ: تَعَزَّز اللحمُ. إذا اشتدَّ. ومنه قيل: عَزَّ على أن يكونَ كذا وكذا. بمعنى: اشتدَّ عليَّ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} .

يعنى بذلك جلّ ثناؤُه: وبَشِّرِ المنافقين الذين يَتَّخِذون الكافرين أولياءَ مِن دونِ المؤمنين - {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} . يقولُ: أَخْبِرُ مَن اتَّخَذ مِن هؤلاء المنافقين الكفارَ أنصارًا وأولياءَ بعدَ ما نزل عليهم مِن القرآنِ: {أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} . يعنى: بعدَ ما عَلِموا نَهْيَ اللهِ عن مجالسةِ الكفارِ الذين يَكْفُرون بحُجَجِ اللهِ وآيِ كتابِه، ويَسْتَهْزِئون بها. {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}. يعنى بقولِه:{يَخُوضُوا} . يَتَحَدَّثوا

(1)

حديثًا غيرَه - {بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} .

وقولُه: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} . يعنى: وقد نَزَّل عليكم أنكم إنْ جالَسْتم مِن يَكْفُرُ بآياتِ اللهِ، ويَسْتَهْزِئُ بها وأنتم تَسْمَعون، فأنتم مِثلُهم

(2)

، يعني: فأنتم - إن لم تَقُوموا عنهم في تلك الحال - مِثلُهم في فعليهم؛ لأنكم قد عَصَيْتم الله بجلوسِكم معهم، وأنتم تَسْمَعون آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بها ويُسْتَهْزَأُ بها، كما عَصَوه باستهزائهم بآياتِ اللهِ، فقد أتَيتُم مِن معصيةِ اللهِ نحوَ الذي أَتَوه منها، فأنتم إذن مِثْلُهم في ركوبِكم

(3)

معصيةَ اللهِ، وإتيانِكم ما نهَى اللهُ عنه.

(1)

في ص، ت 1، س:"يتخذوا".

(2)

في م: "مثله".

(3)

في الأصل: "ركوبهم".

ص: 602

وفى هذه الآيةِ الدلالةُ الواضحةُ على النهيِ عن مجالسةِ أهلِ الباطلِ مِن كلِّ نوعٍ؛ مِن المبتدعةِ والفسقةِ، عند خوضِهم في باطلِهم.

وبنحوِ ذلك كان جماعةٌ مِن [الأئمةِ الماضين]

(1)

يقولون، تأوُّلًا منهم هذه الآيةَ، أنه مُرادٌ بها النَّهى عن مُشاهدةِ كلِّ باطلٍ عندَ خَوْضِ أهلِه فيه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا يزيدُ بن هارونَ، عن العَوَّامِ بن حَوْشَبٍ، عن إبراهيمَ التَّيْمِيِّ، عن أبي وائلٍ، قال: إن الرجلَ ليَتكلَّم بالكلمةِ في المجلسِ مِن الكذبِ ليُضْحِكَ بها

(2)

جُلساءَه

(3)

، فيَسْخَطُ اللَّهُ عليهم. قال: فذَكَرْت ذلك لإبراهيمَ النَّخَعِيِّ، فقال: صدَق أبو وائلٍ، أو ليس ذلك في كتابِ اللهِ:{أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}

(4)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بن إدريسَ، عن العلاءِ بن مِنْهال، عن هشامِ بن عُرُوةَ، قال: أخذ عمرُ بنُ عبدِ العزيز قومًا على شرابٍ، فضرَبهم وفيهم صائمٌ، فقالوا: إن هذا صائمٌ. فتلا: {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ

(1)

في م: "الأمة الماضية".

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في ص، ت 1، س:"جلساؤه".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1093 (6126) مِن طريق يزيد بن هارون به، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (705 - تفسير) من طريق أبي وائل به دون قوله: "فذكرت ذلك لإبراهيم .... إلخ. والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 235 إلى ابن المنذر.

وأثر إبراهيم أخرجه سعيد بن منصور في سننه (704 - تفسير)، من طريق عبيد المُكْتِب عن إبراهيم به بنحوه.

ص: 603

حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني مُعاويةُ، عن عليِّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ قولَه:{إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا} . قال: وقولَه: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]، وقولَه {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]. ونحوَ هذا مِن القرآنِ، قال: أمَر اللهُ المؤمنين بالجماعةِ، ونَهاهم عن الاختلافِ والفُرْقَةِ، وأخبرَهم: إنما هَلَك مَن كان قبلكم بالمراءِ والخُصوماتِ في دينِ اللهِ

(2)

.

وقولُه: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} . يقولُ: إن الله جامعٌ الفريقَين مِن أهلِ الكفرِ والنِّفاقِ في القيامةِ في النارِ، فمُوفِّقٌ بينَهم في عقابِه في جهنمَ، وأليمِ عذابِه، كما اتَّفَقوا في الدنيا، فاجتَمَعوا على عداوةِ المؤمنين، وتَوازَرُوا

(3)

على التخذيل عن دينِ اللهِ الذي ارتَضاه وأمَر به أهله

(4)

.

واختَلَفت القَرَأةُ في قراءةِ قولِه: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} ؛ فقَرَأ ذلك عامةُ القَرَأةِ بضمِّ "النونِ"، وتثقيلِ "الزايِ" وتشديدِها، على وجهِ ما لم يُسَمَّ فاعلُه. وقرَأه بعضُ الكُوفيين بفتحِ "النون"، وتشديدِ و "الزايِ" على معنى: وقد نَزَّل اللهُ عليكم. وقرَأ ذلك بعضُ المَكَيِّين: (وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْكُمْ). بفتحِ "النونِ" وتخفيفِ "الزايِ" بمعنى: وقد جاءكم مِن اللهِ أن إذا سَمِعتم

(5)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في 7/ 469 (3821)، وابن أبي حاتم 4/ 1093 (6127) من طريق عبد الله إدريس به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1093 (6124) من طريق أبي صالح به.

(3)

توازروا: تآزروا، ومعناه: تعاونوا. التاج (وزر).

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س:"وأهله".

(5)

قرأ عاصم ويعقوب بفتح النون والزاى مشددة، وقرَأ الباقون بضم النون وكسر الزاي مشددة. وقرأ =

ص: 604

قال أبو جعفرٍ: وليس في هذه القراءاتِ الثلاثِ وجهٌ يَبْعُدُ معناه مما يحتمِلهُ الكلامُ، غير أن الذي أختارُ القراءةَ به، قراءةُ مَن قرَأ:(وَقَدْ نُزِّل) بضَمِّ "النونِ" وتَشْديدِ "الزايِ"، على وجهِ ما لم يُسَمَّ فاعله؛ لأن معنى الكلامِ فيه، التقديمُ على ما وصَفْتُ

(1)

قبلُ، على معنى:{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} - (وَقَد نُزِّلَ عَلَيكُم في الكِتَابِ أَن إِذَا سَمِعتُم) إلى قولِه: {حَدِيثٍ غَيْرِهِ} - {[أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ]

[*]

}. فقولُه: {[فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا]

[*]

} يعنى التأخيرَ، فلذلك كان ضمُّ "النونِ" مِن قولِه:(نُزِّل). أصوبَ عندنا في هذا الموضعِ.

وكذلك اختَلَفوا في قراءةِ قوله: {وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} ؛ فقرَأه بفتح {نَزَّلَ} و {أَنْزَلَ} أكثرُ القَرَأَةِ، بمعنى: والكتابِ الذي نَزَّل اللهُ على رسولِه، والكتابِ الذي أنزَل مِن قبلُ. وقرَأ ذلك بعضُ قَرَأةِ البصرةِ بضمِّه في الحرفين كليهما، بمعنى ما لم يُسَمَّ فاعلُه

(2)

. وهما متقارِبتا المعنى، غيرَ أن الفتح في ذلك أعجبُ إلى مِن الضمِّ؛ لأن ذكرَ اللهِ قد جرَى قبلَ ذلك في قولِه:{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} .

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ

= أبو حيوة وحميد: (نزل) مخففا مبنيا للفاعل وهى قراءة شاذة. النشر 2/ 190، والإتحاف ص 117، وينظر في الوجه الثالث البحر المحيط 374.

(1)

في م: "وصلت".

(2)

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالبناء للمجهول (نُزِّل) و (أُنْزِل). وقرأ الباقون بالبناء للفاعل وروى الكسائي، عن أبي بكر، عن عاصم مثل قراءة أبي عمرو في (نزل) بالضم ينظر السبعة في القراءات ص 239، وحجة القراءات ص 216، 217.

[*](تعليق الشاملة): بياض في المطبوع، وأكملناه من الطبعات الأخرى للتفسير

ص: 605

سَبِيلًا (141)}.

يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ} : الذين يَنْتِظُرُون أَيُّها المؤمنون بكم، {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ}. يعنى: فإنْ فتَح اللهُ عليكم فتحًا مِن عدوِّكم، فأفاءَ عليكم فَيْئًا مِن المغانمِ، {قَالُوا} لكم:{أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} نُجاهِدُ معكم عدوَّكم، ونَغْزُوهم معكم، فأعْطُونا نصيبَنا مِن الغنيمةِ، فإنا قد شَهدِنا القتالَ معكم. {وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ}. يعنى: وإن كان لأعدائِكم مِن الكافرين حظٌّ منكم بإصابتِهم منكم، {قَالُوا}. يعنى: قال هؤلاء المنافقون للكافرين: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} ؛ ألم نَغْلِبُ عليكم حتى قَهَرْتم المؤمنين، ونَمْنَعْكم منهم بتخذيلِنا إياهم، حتى امتَنَعوا منكم، فانصَرَفوا، {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. يعنى: فاللَّهُ يَحْكُمُ بين المؤمنين والمنافقين يومَ القيامةِ، فيَفْصِلُ بينَهم

(1)

بالقضاءِ الفاصلِ بإدخالِ أهلِ الإيمانِ جنتَه، وأهلِ النفاقِ مع أوليائِهم مِن الكفارِ نارَه. {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}. يعني: حجةً يوَم القيامةِ.

وذلك وعدٌ مِن اللهِ المؤمنين، أنه لن يُدْخِلَ المنافقين مُدْخَلَهم مِن الجنةِ، ولا المؤمنين مُدْخَلَ المنافقين، فيكونَ بذلك للكافرين على المؤمنين حجةٌ، بأن يقولوا لهم إن أُدْخِلوا مُدْخَلَهم: ها أنتم

(2)

كنتم في الدنيا أعداءَنا، وكان المنافقون أولياءنَا، وقد اجتَمعتم في النارِ، فجُمِع بينكم وبينَ أوليائِنا، فأين الذي كنتم تَزْعُمون أنكم تُقاتلوننا مِن أجلِه في الدنيا؟ فذلك هو السبيلُ الذي وعَد اللهُ المؤمنين أن لا يَجعَلها عليهم للكافرين.

(1)

في م، ت 1، ت 2:"بينكم".

(2)

في الأصل: "فأنتم".

ص: 606

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ قولَه:{فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ} . قال: المنافقون يَتَربَّصون بالمسلمين، {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ} قال: إن

(1)

أصاب المسلمون مِن عدوِّهم غنيمةً، قال المنافقون:{أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} ، قد كنا معكم، فأعْطُونا غنيمةً مثل ما تأخُذُون، وإن كان للكافرين نصيبٌ يُصيبونه مِن المسلمين، قال المنافقون للكافرين:{أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قد كنا نُثَبِّطُهم عنكم

(2)

.

واختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} ؛ فقال بعضُهم: معناه: ألم نغْلِبْ عليكم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ قولَه:{أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} . قال: نَغْلِبُ عليكم

(3)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: ألم نُبَيِّنْ لكم أنا معكم على ما أنتم عليه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ: {أَلَمْ

(1)

سقط من: الأصل، ص، ت 1، س.

(2)

ذكره الطوسى في التبيان 3/ 363، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 235 إلى المصنف وابن المنذر عن مجاهد.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1094 (6132) من طريق أحمد بن مفضل به.

ص: 607

نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ}: ألم نُبَيِّنْ لكم أنا

(1)

على ما أنتم عليه

(2)

.

قال أبو جعفرٍ: وهذان القولان مُتقاربِا المعنى، وذلك أن مِن تأوَّله بمعنى: ألم نُبَيِّنْ لكم، إنما أراد - إن شاء اللهُ - ألم نَغْلِبْ عليكم بما كان منَّا مِن البيانِ لكم أنَّا معكم.

وأصلُ الاستحواذِ في كلامِ العربِ - فيما بَلَغَنا - الغَلَبَةُ، ومنه قولُ اللَّهِ جلّ ثناؤُه:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} [المجادلة: 19]. بمعنى غَلَب عليهم، يقالُ منه: حاذَ عليه، واستَحاذَ يَحِيذُ ويَسْتَحِيذُ، وأحاذَ يُحِيذُ. ومِن لغةِ مَن قال:"حاذَ"، قولُ العَجَّاجِ في صفةِ ثَوْرٍ وكلابٍ

(3)

:

يَحُوذُهنَّ وله حُوذِيُّ

وقد أنشَد بعضُهم:

يَحُوزُهنَّ وله حوزِيُّ

وهما مُتَقارِبا المعنى.

ومن لغة مِن قال: "أحاذَ"، قول لبيد في صفةِ عَيْرٍ وأُتُنٍ

(4)

:

إذا اجتَمَعَت وأَحْوَذَ جانِبَيْها

وأَوْرَدَها على عُوجٍ طِوَالِ

يعنى بقوله: وأَحْوَذَ جانِبَيْها: غَلَبَها وقَهَرها حتى حاذِ كلا جانبيَها، فلم يَشِذَّ منها شيءٌ.

(1)

بعده في م، ت 1، ت 2:"معكم".

(2)

ينظر التبيان 3/ 363، وراجع حاشية (2).

(3)

ديوان العجاج ص 332، ورواية الديوان:"يحوذها وهو لها حوذى".

(4)

شرح ديوان لبيد ص 86. والعير: الحمار. والأُتُن: جمع أَتان وهى أنثاه. وأحوذ: جَمَع وضَمَّ. والعوج. الطوال، أراد: قوائهما.

ص: 608

وكان القياسُ في قولِه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} أن يأتي: استحاذَ عليهم؛ لأن الواوَ إذا كانت عينَ الفعلِ، وكانت متحركةً بالفتحِ وما قِبَلَها ساكنٌ، جَعَلَت العربُ حرَكَتَها في فاءِ الفعلِ قبلَها، وحَوَّلوها أَلِفًا مُتَّبِعةً حركةَ ما قِبَلَها، كقولِهم: استَحال هذا الشيءُ عما كان عليه. مِن حالَ يَحولُ. واستَنارَ فلانٌ بنورِ اللهِ. مِن النورِ، واستَعاذَ باللهِ مِن عاذَ يَعوذُ. وربما تَرَكوا ذلك على أصلِه، كما قال لبيدٌ: وأَحْوَذَ. ولم يقلْ: وأحاذَ.

وبهذه اللغةِ جاء القرآنُ في قولِه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} .

وأما قولُه: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} ، فلا خلافَ بينَهم في أن معناه: ولن يَجْعَل اللهُ للكافرين يومَئذٍ على المؤمنين سبيلًا.

‌ذكرُ الخبرِ عن بعض مِن قال ذلك

حدَّثنا ابن وَكِيعٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن الأعمشِ، عن ذَرٍّ، عن يُسَيعٍ

(1)

الحَضْرَميِّ، قال: كنتُ عندَ عليِّ بن أبى طالبٍ، فقال رجلٌ: يا أمير المؤمنين، أرأيتَ قولَ اللهِ:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} وهم يُقاتِلوننا، فيَظْهَرون ويَقْتُلون؟ قال له عليٌّ: ادْنُهُ ادْنُه. ثم قال: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} ، يومَ القيامةِ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن الأعمشِ، عن ذَرٍّ، عن يُسَيعٍ (1) الكِنْديِّ في قولِه: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"نسيع". وفى الأصل غير منقوطة. وهو يسيع بن معدان الحضرمي. وينظر تهذيب الكمال 32/ 306.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1095 (66135) من طريق الأعمش بمعناه.

ص: 609

الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}. قال: جاء رجلٌ إلى عليّ بن أبي طالبٍ، فقال: كيف هذه الآيةُ: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} فقال عليٌّ: ادْنُه، {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ} يومَ القيامةِ {لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}

(1)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن الأعمشِ، عن ذَرٍّ، عن يُسَيعٍ

(2)

الحَضْرَميِّ مثلَه

(2)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا غُنْدَرٌ، عن شُعْبَةَ، قال: سَمِعتُ سليمانَ يُحَدِّثُ [عن ذَرٍّ]

(3)

، عن رجلٍ، عن عليٍّ؛ أنه قال في هذه الآيةِ:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} . قال: في الآخرةِ

(4)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا عُبَيدُ اللهِ، عن إسرائيلَ، عن السُّدِّيِّ، عن أبي مالكٍ:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} . يومَ القيامةِ

(5)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن عطاءٍ الخُراسانيِّ، عن ابن عباسٍ:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} . قال: ذاك يومُ القيامةِ

(6)

.

(1)

تفسير الثورى ص 98، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 175، والحاكم 2/ 309، وابن حزم في المحلى 12/ 20 من طريق سفيان به.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"عن علي بنحوه".

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 235 إلى المصنف.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1095 عقب الأثر رقم (6135) معلقا. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 235 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 235 إلى المصنف، وعبد بن حميد، وابن المنذر.

ص: 610

وأما السبيلُ في هذا الموضعِ فالحُجَّةُ، كما حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ في قولِه:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} . قال: حُجَّةً

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)} .

قد دلَّلنا فيما مضَى قبلُ على معنى خداعِ المنافقِ ربُّه، ووجهِ خِداعِ اللهِ إياهم، بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ، واختلافِ المختلفين في ذلك

(2)

.

فتأويلُ ذلك: إن المنافقين يُخادِعون الله بإحرازِهم بنفاقِهم دماءَهم وأموالَهم، واللهُ خادعُهم بما حكَم فيهم مِن منعِ دمائِهم بما أظهَروا بألسنتهِم مِن الإيمانِ، مع علمِه بباطنِ ضمائرِهم، واعتقادِهم الكفرَ، استدراجًا منه لهم في الدنيا، حتى يَلْقَوه في الآخرةِ، فيُورِدُهم بما استَبطَنوا مِن الكفرِ نارِ جهنمَ.

كما حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} . قال: يُعْطِيهم يومَ القيامةِ نورًا يمشون فيه مع المسلمين، كما كانوا معهم في الدنيا، ثم يَسْلُبُهم ذلك النورَ فيُطْفِئُه، فيَقومون في ظُلْمتِهم، ويُضرَبُ بينَهم بالسُّورِ

(3)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، قال: قال ابن جُرَيجٍ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} . قال: نَزَلَت في عبدِ اللَّهِ بن أُبَيٍّ،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1095، 1097 (6136، 6150) من طريق أحمد بن مفضل به.

(2)

تقدم في 1/ 279 - 285.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1095 (6137) مِن طريق أحمد بن مفضل به.

ص: 611

وأبي عامرِ بن النُّعْمانِ، وفى المنافقين:{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} . قال: مثلَ قوله في البقرةِ: (يُخَدِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يُخادعون

(1)

إِلَّا أَنفُسَهُم) [البقرة: 9]. قال: وأما قولُه: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} . فيقولُ: في النورِ الذي يُعْطَى المنافقون مع المؤمنين، فَيُعْطُون النورَ، فإذا بَلَغوا السورَ

(2)

، و [ما ذكَر اللهُ مِن قولِه]

(3)

: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13]. قال: قولُه: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ}

(4)

.

حدَّثنا ابن وَكِيعٍ، قال: ثنا يزيدُ بن هارونَ، عن سُفيانَ بن حُسَينٍ، عن الحسنِ، أنه كان إذا قرَأ:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} . قال: يُلْقَى على كلِّ مؤمنٍ ومُنافقٍ نورٌ يَمْشون به، حتى إذا انتَهَوا إلى الصراطِ، طُفِيء نورُ المنافقين، ومضَى المؤمنون بنورِهم، فيُنادُونهم:{انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} إلى قوله: {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الحديد: 13، 14]. قال الحسنُ: فتلك خَدِيعَةُ اللَّهِ إياهم

(5)

.

وأما قولُه: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} ، فإنه يعنى: أن المنافقين لا يعمَلون شيئًا مِن الأعمالِ التي فَرَضها اللهُ على المؤمنين على وَجْهِ التَّقَرُّبِ بها إلى اللهِ؛ لأنهم غيرُ موقنين بمعادٍ، ولا ثوابٍ ولا عقابٍ، وإنما يَعْمَلون ما عَمِلُوا مِن الأعمالِ الظاهرةِ إبقاءً على أنفسِهم، وحِذارًا

(1)

كذا في النسخ، وهى قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو، وقرَأ الباقون {وَمَا يَخْدَعُونَ} . ينظر السبعة في القراءات ص 139، وحجة القراءات ص 87، وينظر ما تقدم في 1/ 285.

(2)

بعده في م: "سلب".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"وما ذكر منه".

(4)

ذكر السيوطي بعضه في الدر المنثور 2/ 235 وعزاه إلى المصنف، وينظر التبيان 3/ 365.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1095 (6138) من طريق يزيد بن هارون به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 235 إلى المنذر.

ص: 612

مِن المؤمنين عليها أن يُقْتَلُوا أو يُسْلَبوا أموالَهم، فهم إذا قاموا إلى الصلاة التي هي مِن الفرائضِ الظاهرةِ، قاموا كُسالَى إليها، رياءً للمؤمنين، ليَحْسَبوهم منهم، وليسوا منهم؛ لأنهم غيرُ مُعْتَقِدِى فرضَها ووجوبَها عليهم، فهم في قيامِهم إليها كُسالَى.

كما حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} . فإنه واللهِ لولا الناسُ ما صلَّى المنافقُ، ولا يُصَلِّي إلا رياءً وسُمْعةً

(1)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} . قال: هم المنافقون؛ لولا الرياءُ ما صَلَّوا

(2)

.

وأما قولُه: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} ، فلعل قائلًا أن يقولَ: وهل مِن ذكرِ اللهِ شيءٌ قليلٌ؟

قيل له: إن معنى ذلك بخلافِ ما إليه ذهَبتَ، وإنما معناه: ولا يَذْكُرون الله إلا ذِكْر رياءٍ، ليَدْفَعوا به عن أنفسِهم القتلَ والسِّبَاءَ وسلبَ الأموالٍ، لا ذِكرَ مُوقِنٍ مُصَدِّقٍ بتوحيد اللهِ، مخلصٍ له الربوبيةَ، فلذلك سمَّاه الله قليلًا؛ لأنه غيرُ مقصودٍ به اللهُ، ولا مُبْتَغى به التقربُ إلى اللهِ، ولا مُرادٍ به ثوابُ الله وما عندَه، فهو - وإن كَثُر مِن وَجْهِ نَصَبٍ عامِلِه وذاكره - في معنى السَّراب الذي له ظاهرٌ بغيرِ حقيقةِ ماءٍ.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1096 (6140) من طريق يزيد بن زريع به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 236 إلى ابن المنذر وعبد بن حميد.

(2)

ينظر التبيان 3/ 366.

ص: 613

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وَكِيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن أبي الأَشْهَبِ، قال: قرَأ الحسنُ: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} . قال: إنما قَلَّ؛ لأنه كان لغيرِ اللهِ

(1)

.

حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يَزِيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} . قال: إنما قَلَّ ذكرُ المنافقِ؛ لأن الله لم يَقبَلْه، وكلُّ ما رَدَّ الله قليلٌ، وكلُّ ما قَبِل الله كثيرٌ

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)} .

يعنى جلّ ثناؤه بقولِه: {مُذَبْذَبِينَ} . مُرَدَّدِين. وأصلُ التَّذَبْذُبِ: التحركُ والاضطرابُ، كما قال النابغةُ

(3)

.

ألم تَرَ أَن اللَّهَ أَعْطَاكَ سُورَةً

تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَها يَتَذَبْذَبُ

وإنما عنى اللهُ جل ثناؤه بذلك: أن المنافقين مُتَحَيِّرون في دينِهم، لا يَرْجِعون إلى اعتقادِ شيءٍ على صحةٍ، فَهُم لا مع المؤمنين على بصيرةٍ، ولا مع المشركين على جَهالةٍ، ولكنهم حَيارَى بينَ ذلك، فمَثَلُهم المثلُ الذي ضَرَب لهم رسولُ

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 13/ 530 (17167) عن أبي أسامى به. وأخرجه الإمام أحمد في الزهد ص 271، وابن أبي حاتم 4/ 1096 (6141)، والبيهقي في الشعب (6866) من طريق أبي الأشهب به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 236 إلى ابن المنذر.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1096 (6143) من طريق يزيد بن زريع به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 236 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

ديوان النابغة الذبياني ص 78. والسُّورة بالضم: المنزلة والرفعة والشرف اللسان (س و ر).

ص: 614

الله صلى الله عليه وسلم، الذي حدَّثنا به محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الوَهَّابِ، قال: ثنا عُبَيدُ اللهِ، عن نافعٍ، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: "مَثَلُ المنافقِ كَمَثَل الشاةِ العائرةِ بينَ الغَنَمِينِ

(1)

، تَعِيرُ إلى هذه مرةً، وإلى هذه مرةً، لا تَدْرى أيَّتَهما

(2)

تَتَّبَعُ"

(3)

.

وحدَّثنا به محمدُ بنُ المُثَنَّى مَرَّةً أخرى عن عبدِ الوَهَّابِ، فوَقَف به على ابن عمرَ ولم يَرْفَعُه. وقال: حدَّثنا به عبدُ الوَهَّابِ مَرَّتين كذلك

(4)

.

حدَّثني عِمْرَانُ بنُ بَكَّارٍ، قال: ثنا أبو رَوْحٍ، قال: ثنا ابن عياشٍ

(5)

، قال: ثنا عُبَيدُ اللَّهِ بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمرَ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مثلَه (3).

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} . يقولُ: ليسوا بمشركين، فيُظهروا الشرك، وليسوا بمؤمنين

(6)

.

(1)

العائرة بين الغنمين: المترددة بين القطعتين. النهاية 3/ 328.

(2)

في، ص، ت 1، ت 2، ت 3:"أيهما".

(3)

أخرجه مسلم (2728) عن ابن المثنى به.

وأخرجه أحمد (5079، 5790، 6298)، ومسلم (2784) من طرق عن عبيد الله به.

وينظر تخريج الحديث في مسند الطيالسي (1911 - طبعتنا).

(4)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 391 عن المصنف.

(5)

في النسخ: "عباس". وهو تصحيف. والمثبت هو الصواب وابن عباس هو إسماعيل بن عياش بن سُليم العنسي أبو عتبة الحمصي. ينظر ترجمته في تهذيب الكمال 3/ 163.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1097 (6149) من طريق أحمد بن المفضل به.

ص: 615

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} . يقولُ: ليسوا بمؤمنين مخلِصين، ولا مشركين مصرِّحين بالشركِ. قال: وذُكر لنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم كان يَضْرِبُ مَثَلًا للمؤنِ وللمنافقِ واللكافرِ، كمثلِ رَهْطٍ ثلاثةٍ دَفَعوا إلى نهرٍ، فَوَقَع المؤمنُ فقَطَع، ثم وقَع المنافقُ، حتى إذا كاد يَصِلُ إلى المؤمنِ، نَاداه الكافرُ أَن هَلُمَّ إليَّ، فإني أخشَى عليك. وناداه المؤمنُ: أَن هَلُمَّ إليَّ؛ فإن عندى وعندى. يُحْصِى له ما عندَه، فما زالَ المنافِقُ يَتردَّدُ بينَهما، حتى أتَى عليه آذِيٌّ

(1)

فَغَرَّقه، وإن المنافِقَ لم يَزَلْ فِي شَكٍّ وشبهةٍ، حتى أتى عليه الموتُ وهو كذلك. قال: وذُكِر لنا أن نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ: "مَثَلُ المُنافِقِ كَمَثَل ثاغيَةٍ

(2)

بينَ غَنَمَين، رأت غنمًا عَلى نَشَزٍ

(3)

، فأتَتْها وشامَّتْها

(4)

فلم تَعْرِفُ، ثم رأت غَنَمًا على نَشَزٍ، فأَتَتْها وشامَّتْها فلم تَعْرِفُ"

(5)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{مُذَبْذَبِينَ} . قال: المنافقون

(6)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} . يقولُ: لا إلى

(1)

في م:: "الماء". والآذى: الموج الشديد. النهاية 1/ 34.

(2)

الثاغية الشاة. اللسان (ت غ و)

(3)

النشز: المرتفع من الأرض. النهاية 5/ 55.

(4)

سقط مِن: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س. وشامتها: تشممتها لتعريفها.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1097 (6147) من طريق يزيد بن زريع به مقتصرًا على قول قتادة دون المرفوع وقد ذكره ابن كثير 2/ 392 والمنتقى في الكنز (869) عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 236 إلى ابن المنذر.

(6)

تفسير مجاهد ص 295. ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1097 (6145).

ص: 616

أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ولا إلى هؤلاء اليهودِ

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: حدَّثني حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ قوله:{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} . قال: لم يُخلصوا الإيمانَ، فيكونوا مع المؤمنين، وليسوا مع أهلِ الشركِ

(2)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} . بينَ الإسلامِ والكفرِ {لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ}

(3)

.

وأمَّا قولُه: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} ، فإنه يعنى: مِن يَخْذُلْه اللهُ عن طريقِ الرشادِ، وذلك هو الإسلامُ الذي دَعا اللهُ إليه عباده. يقولُ: مَن خَذَله

(4)

اللهُ عنه فلم يُوفِّقْه له {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ} . يا محمدُ {سَبِيلًا} . يعني طريقًا يَسلُكُه به إلى الحقِّ غيرَه، وأيُّ سبيلٍ يكونُ له إلى الحقِّ غيرُ الإسلامِ؟ وقد أخبرَ اللهُ جل ثناؤُه أنه مَن يَبْتَغِ

(5)

غيرَه دِينًا فلن يُقْبَلَ منه، ومَن أضَلَّهُ اللهُ عنه فقد غَوَى، فلا هَادِيَ له غيرُه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)} .

وهذا نَهيٌّ مِن اللهِ عباده المؤمنين أن يَتَخَلَّقوا بأخلاقِ المنافقين، الذين يَتَّخِذون الكافرين أولياءَ مِن دونِ المؤمنين، فيكونوا مثلَهم في ركوبِ ما نَهاهم اللهُ عنه مِن

(1)

تفسير مجاهد ص 295. ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1097 (6146، 6148)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 246 إلى ابن المنذر.

(2)

ينظر التبيان 3/ 366.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 236 إلى المصنف. وينظر التبيان 3/ 366.

(4)

في م: "يخذله".

(5)

في م: "يتبع".

ص: 617

مُوَالاةِ أعدائِه، يقولُ لهم جلَّ ثناؤُه: يا أيُّها الذين آمَنوا باللهِ ورسولِه، لا تُوالوا الكفار، فتُوازِروهم مِن دونِ أهلِ ملِتكم ودينِكم مِن المؤمنين، فتكونوا كمَن أَوجَب اللهُ له النارَ مِن المنافقين.

ثم قال جلّ ثناؤُه متوعِّدًا مَن اتَّخَذ منهم الكافرين أولياءَ مِن دونِ المؤمنين، إن هو لم يَرْتدِع عن موالاتِه، ويَنْزَجر عن مُخالَّتِه، أن يُلْحِقَه بأهل ولايتِهم مِن المنافقين الذين أمَر نبيَّه صلى الله عليه وسلم بتبشيرِهم بأن لهم عذابًا أليما:{أَتُرِيدُونَ} أيُّها المتخِذون الكافرين أولياءَ مِن دونِ المؤمنين، ممن قد آمَن بي وبرسولى {أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}. يقولُ: حجةً باتخاذكم الكافرين أولياءَ مِن دونِ المؤمنين، فتَسْتوجِبوا منه ما استَوجَبه أهلُ النفاقِ الذين وَصَف لكم صفتَهم، وأخبرَكم بمَحِلِّهم عندَه {مُبِينًا}. يعنى: يُبِينُ

(1)

عن صحتِها وحَقيقتِها. يقولُ: فلا تَعَرَّضوا لغضبِ اللهِ، بإِيجابِكم الحجةَ على أنفسِكم، في تَقَدُّمكم على ما نَهاكم ربُّكم مِن موالاةِ أعدائِه وأهلِ الكفرِ به.

وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} . وإن للهِ السلطانَ على خلقِه، ولكنه يقولُ: عُذرًا مبِينًا

(2)

.

(1)

سقط من: م.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1097 (6152) من طريق يزيد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 236 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 618

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا قَبِيصةُ، قال: ثنا سفيانُ، عن رجلٍ، عن عِكْرمةَ، قال: ما كان في القرآنِ مِن سلطانٍ فهو حُجَّةٌ

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهدٍ في قولِه:{سُلْطَانًا مُبِينًا} . قال: حُجَّةً

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهدٍ مثلَه

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ

(3)

الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)}.

يعنى جلّ ثناؤُه بقولِه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ

(3)

الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}: إن المنافقين في الطَّبَقِ الأسفلِ من أطباقِ جهنمَ. وكلُّ طَبَقٍ من أطباقِ جهنمَ دَركٌ. وفيه لغتان: دَرَكٌ، بفتحِ الراءِ، ودَرْكٌ، بتسكينِها. فمَن فتَح الراءَ جمَعه: أدْراكٌ في القِلَّةِ [والكثرةِ]

(4)

، وإن شاء جمَعه في الكثرةِ: الدُّروكُ. ومَن سَكَّن الراءَ قال: ثلاثةُ أَدْرُكٍ، وللكثيرِ: الدُّروكُ.

وقد اختَلَفَت القَرَأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقَرَأته عامةُ قَرَأةِ المدينةِ والبصرةِ: (في الدَّرَكِ) بفتح الراءِ. وقَرَأته عامةُ قَرَأةِ الكوفةِ بتسكينِ "الراءِ"

(5)

. وهما قراءتان معروفتان، فبأيَّتِهما قرَأ القارِئُ فمُصِيبٌ؛ لاتفاقِ معنى ذلك، واستفاضةِ القراءةِ بكلِّ واحدةٍ منهما في قراءةِ الإسلامِ، غير أني رأيتُ أهلَ العلمِ بالعربيةِ يَذْكُرون أن

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1097 عقب الأثر رقم (6151) معلقًا.

(2)

تفسير مجاهد ص 295. وأخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1097 عقب الأثر رقم (6151) معلقًا.

(3)

في الأصل: "الدَّرَك" بفتح الراء.

(4)

سقط من: م.

(5)

قرأ نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر بفتح الراء، وقرأ الباقون بتسكين الراء. السبعة في القراءات ص 239، وحجة القراءات ص 218.

ص: 619

فَتْحَ الراءِ منه في العربِ، أشهرُ مِن تَسْكينِها، وحَكَوا سماعًا منهم: أعْطِني دَرَكًا أَصِلُ به حَبْلى. وذلك إذا سأل ما يَصِلُ به حَبْلَه الذي قد عجَز عن بلوغِ الرَّكِيَّةِ

(1)

.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وَكِيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن سَلَمَةَ بن كُهَيلٍ، عَن خَيْثَمَةَ، عن عبدِ اللهِ:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} . قال: في تَوابِيتَ مِن حديدٍ مُبْهَمةٍ عليهم

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ، عَن شُعبةَ، عَن سَلَمَةَ، عن خَيْثَمةَ، عن عبدِ اللهِ، قال: إنَّ المنافقين في توابيتَ مِن حديدٍ مُقْفَلةٍ عليهم في النارِ

(2)

.

حدَّثنا ابن وَكِيعٍ، قال: ثنا يحيى بنُ يَمانٍ، عن سفيانَ، عن عاصمٍ، عن ذَكْوانَ، عن أبي هريرةَ:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} . قال: في توابيتَ تُرْتَجُ

(3)

عليهم

(4)

.

حدَّثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بن صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن

(1)

الزكية. البئر تُحفَر. اللسان (ركو).

(2)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (300 - زوائد نعيم)، وابن أبي شيبة في مصنفه 13/ 153 (19972)، وابن أبي حاتم 4/ 1098 (6153) من طريق وكيع به.

وأخرجه ابن أبي الدنيا في صفة النار (104) من طريق خيثمة مطولًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 236 إلى الفريابي، وهناد.

(3)

ترتج: تغلق.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 336 إلى المصنف، وابن المنذر، وأخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1098 (6154) من طريق عاصم بمعناه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى عبد بن حميد، وينظر تفسير ابن كثير 2/ 393.

ص: 620

عليّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ قولَه:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} . يعني: في أسفلِ النارِ

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: قال لى عبدُ اللهِ بنُ كثير قولَه: {فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} . قال: سَمِعنا أن جهنم أَدراكٌ، منازلُ

(2)

.

حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سُفيانُ، عن سَلَمَةَ بن كُهَيلٍ، عن خَيْثَمَةَ، عن عبدِ اللهِ:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} . قال: تَوابيتُ مِن نارٍ تُطْبَقُ عليهم.

وأما قولُه: {وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} ، فإنه يعنى: ولن تَجِدَ لهؤلاء المنافقين، يا محمدُ، مِن اللهِ إذا جَعَلهم في الدَّرْكِ الأسفلِ مِن النارِ ناصرًا يَنصُرُهم منه، فيُنْقِذُهم من عذابِه، ويَدْفَعُ عنهم أليمَ عقابِه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} .

وهذا استثناءٌ من اللهِ جلّ ثناؤُه، استَثنى التائبِين مِن نفاقِهم إذا أصلَحوا، وأخلَصوا الدينَ للهِ وحدَه، وتَبَرَّءُوا مِن الآلهةِ والأندادِ، وصَدَّقوا رسولَه، أن يكونوا مع المُصِرِّين على نفاقِهم - حتى تُوافَيهم

(3)

مَناياهم - في الآخرةِ، وأن يَدْخُلوا

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1098 (6155) من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح به.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 236 للمصنف وابن المنذر.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س، م:"يوفيهم"، وفى الأصل:"توفتهم". والمثبت ما يقتضيه السياق.

ص: 621

مَداخِلَهم مِن جهنمَ، بل وَعَدهم جلّ ثناؤه أن يُحِلَّهم مع المؤمنين مَحِلَّ الكرامةِ، ويُسْكِنَهم معهم مساكنَهم في الجنةِ، ووَعَدهم مِن الجزاءِ على توبتِهم الجزيلَ من العطاءِ، فقال:{وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} .

فتأويلُ الآيةِ: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} . أي راجَعوا الحقَّ، [وآبُوا إلى]

(1)

الإقرارِ بوحدانيةِ اللهِ وتَصْديقِ رسولِه وما جاء به من عندِ ربِّه، من نفاقِهم {وَأَصْلَحُوا}. يعني: أصلَحوا أعمالَهم، فعَمِلوا بما أمَرهم اللهُ به، وأدَّوا فرائضَه، وانتَهَوا عما نَهاهم عنه، وانزَجَروا عن معاصِيه، {وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ}. يقولُ: وتَمَسَّكوا بعهدِ اللهِ.

وقد دَلَّلنا فيما مضَى قبلُ، على أن الاعتصامَ التمسكُ والتَّعَلُّقُ

(2)

. فالاعتصامُ باللهِ: التَّمَسُّكُّ بعهدِه وميثاقِه الذي عَهِد في كتابِه إلى خلقِه، من طاعتِه، وتَرْكِ معصيتِه.

{وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} . يقولُ: وأخلَصوا طاعتَهم وأعمالَهم التي يعمَلونها للهِ، فأرادوه بها، ولم يَعْمَلوها رئاءَ الناسِ ولا على شكٍّ منهم في دينِهم، وامتراءٍ منهم، في أن الله مُحْصٍ عليهم ما عَمِلوا، فمُجازِى المحسِنِ بإحسانِه، والمُسِيءِ بإساءتِه، ولكنهم عَمِلوها على يقينٍ منهم في ثوابِ المحسِنِ على إحسانِه، وجزاءِ المسيءِ على إساءتِه، أو يَتَفَضَّلُ عليه ربُّه، فيَعْفو، مُتَقرِّبين بها إلى اللهِ، مرِيدين بها وجهَه، فذلك معنى إخلاصِهم للهِ دينَهم.

ثم قال جلّ ثناؤه: {فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} . يقولُ: فهؤلاء الذين

(1)

في م: "أبوا إلا".

(2)

ينظر ما تقدم في 5/ 635.

ص: 622

وَصَف صفتَهم مِن المنافقين بعدَ توبتِهم وإصلاحِهم، واعتصامِهم باللهِ، وإخلاصِهم دينَهم

(1)

، {مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} في الجنةِ، لا مع المنافقين الذين ماتوا على نفاقِهم، الذين أوعَدَهم الدَّرْكَ الأسفلَ مِن النارِ.

ثم قال: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} . يقولُ: وسوف يُعْطِى اللهُ هؤلاء الذين هذه صفتُهم، على تَوْبتِهم وإصلاحِهم، واعتصامِهم باللهِ، وإخلاصِهم دينَهم له؛ على إيمانِهم، ثوابًا عظيمًا، وذلك درجاتٌ في الجنةِ، كما أعطَى الذين ماتوا على النفاقِ منازلَ في النارِ، وهى السفلَى منها؛ لأن الله جلّ ثناؤه وَعَد عبادَه المؤمنين أن يُؤتِيَهم على إيمانِهم ذلك، كما أوعَد المنافقين على نفاقِهم ما ذكَر في كتابِه.

وهذا القولُ هو معنى قولِ حُذَيفةَ بن اليمانِ الذي حدَّثنا به ابن حُميدٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا جَرِيرٌ، عن مُغِيرةَ، عن إبراهيمَ، قال حُذَيفةُ: لَيَدْخُلَنَّ الجنةَ قومٌ كانوا منافقين. فقال عبدُ اللهِ: وما عِلْمُك بذلك؟ فَغَضِب حُذَيْفَةُ، ثم قامَ فَتَنَحَّى، فلما تَفَرَّقوا، مَرَّ به علقمةُ فدَعَاه، فقال: أمَا إن صاحبَك يَعْلَمُ الذي قلتُ. ثم قرَأ: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} .

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)} .

يعنى جلّ ثناؤُه بقولِه: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} : ما يَصْنَعُ اللهُ، أيُّها المنافقون، بعذابِكم، إن أنتم تُبْتُم إلى اللهِ،

(1)

في ص، ت 1:"دينهم أي"، وفى م، ت 2، ت 3، س:"له".

ص: 623

وراجَعتم الحقَّ الواجبَ للهِ عليكم، فشَكَرتموه على ما أنعَم عليكم مِن نِعَمِه في أنفسِكم وأهاليكم وأولادِكم بالإنابةِ إلى توحيدِه، والاعتصامِ به، وإخلاصِ أعمالِكم لوجهِه، وتَرْكِ رياءِ الناسِ بها، وآمَنْتم برسولِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم فصَدَّقْتموه، وأقرَرْتم بما جاءكم به مِن عندِه، فعمِلتم به؟ يقولُ: لا حاجةَ باللهِ إلى أن يَجْعَلَكم في الدَّرْكِ الأَسفلِ مِن النارِ، إن أنتم أَنَبتُم إلى طاعتِه، وراجَعْتم العملَ بما أمَركم به، وتَرْكِ ما نهاكم عنه؛ لأنه لا يَجتلِبُ بعذابِكم إلى نفسِه نفعًا، ولا يَدْفَعُ عنها ضَرًّا، وإنما عقوبتُه من عاقَب من خلقِه جزاءٌ منه له على جُرْأتِه عليه، وعلى خلافِه أمرَه ونَهْيَه، وكُفْرانِه شُكْرَ نِعَمِه عليه، فإن أنتم شَكَرْتم له على نِعَمِه، وأَطَعْتُموه في أمرِه ونَهْيه، فلا حاجةَ به إلى تَعْذيبِكم، بل يَشْكُرُ لكم ما يكونُ منكم مِن طاعةٍ له وشُكْرٍ، بمُجازاتِكم على ذلك بما تَقْصُرُ عنه أَمانِيُّكم، ولم تَبْلُغُه آمالُكم. {وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا} لكم ولعبادِه على طاعتِهم إياه، بإجزالِه لهم الثوابَ عليها، وإعظامِه لهم العِوَضَ منها {عَلِيمًا} بما تَعْمَلُون، أيُّها المُنافِقون، وغيرُكم من خيرٍ وشَرٍّ، وصالحٍ، وطالحٍ، مُحْصٍ ذلك كلَّه عليكم، مُحِيطٌ بجميعِه، حتى يُجازِيَكم جزاءَكم يومَ القيامةِ، المُحسِنَ بإحسانهِ، والمُسِيءَ بإساءتِه.

وقد حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} . قال: وإن الله لا يُعَذِّبُ شاكرًا ولا مُؤْمِنًا

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)} .

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 237 إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.

ص: 624

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: اخْتَلَفَت القرَأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأَتْه عامةُ قرأَةِ أمصارِ الإسلامِ: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} بضمِّ الظاءِ

(1)

، وقرأه بعضُهم:(إلا مَن ظَلَم) بفتح الظاءِ

(2)

.

ثم اخْتَلَف الذين قرَءوا ذلك بضمِّ الظاءِ في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك لا يُحِبُّ اللهُ تعالى ذكره أن يَجْهَرَ أحدٌ بالدعاءِ على أحدٍ، وذلك عندَهم هو الجهرُ بالسُّوءِ، {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} يقولُ: إلا مَن ظُلِم فيَدْعُو على ظالمِه، فإن الله لا

(3)

يَكْرَهُ ذلك؛ لأنه قد رخَّص له في ذلك.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثني أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ} . يقول: لا يُحِبُّ اللهُ سبحانه أن يَدْعُوَ أحدٌ على أحدٍ إلا أن يكونَ مظلومًا، فإنه قد أَرْخَص له أن يَدْعُوَ على مَن ظَلَمَه، وذلك قولُه:{إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} . وإن صبَر فهو خيرٌ له

(4)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [يعنى مَن ظُلِم]

(5)

فإنه يُحِبُّ الجهرَ بالسُّوءِ [إِذَا ظُلِم]

(6)

.

(1)

وهى قراءة القراء العشرة. النشر 2/ 190.

(2)

قرأ بذلك ابن عباس وابن عمر وابن جبير وعطاء بن السائب والضحاك وزيد بن أسلم وابن أبي إسحاق ومسلم بن يسار والحسن وابن المسيب وقتادة وأبو رجاء. البحر المحيط 3/ 382.

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1100 (6169) من طريق أبي صالح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 237 إلى ابن المنذر.

(5)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(6)

في ص، م:"من القول".

ص: 625

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قولَه:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} : عذَر اللهُ المظلومَ كما تَسْمَعون أن يَدْعُو.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا أبو عُبيدٍ، قال: ثنا هُشَيمٌ، عن يونُسَ، عن الحسنِ، قال: هو الرجلُ يَظْلِمُ الرجلَ، فلا يَدْعُ عليه، ولكن لِيَقُلْ: اللهم أعِنِّي عليه، اللهم اسْتَخْرِج لى حقِّى، اللهم حُلْ بينى

(1)

وبينَ ما يُرِيدُ، هذا ونحوُه من الدعاءِ

(2)

.

فـ"مَن" على قولِ ابن عباسٍ هذا في موضعِ رفعٍ؛ لأنه وجَّهه إلى أن الجهرَ بالسوءِ في معنى الدعاءِ، واسْتُثْنِى المظلومُ منه، [فكان معنى الكلامِ - على قوله -: لا يُحِبُّ اللهُ أن يَجْهَرَ بالسوءِ من القولِ إلا المظلومٌ]

(3)

فلا حرجَ عليه في الجهرِ به.

وهذا مذهبٌ يراه

(4)

أهلُ العربيةِ خطأً في العربيةِ، وذلك أن "مَن" لا يَجوزُ أن يَكونَ رفعًا عندَهم بالجهرِ؛ لأنها في صلةِ أنْ، ولم

(5)

يَنَلْه الجَحْدُ، فلا يجوزُ العطفُ عليه. [مِن خطأٍ]

(6)

عندَهم أن يُقالَ: لا يُعْجِبُنى أن يقومَ إلا زيدٌ.

وقد يَحْتَمِلُ أن تكونَ مَن نصبًا على تأويل قولِ ابن عباس، ويكون قولُه:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ} . كلامًا تامًّا، ثم قيل:{إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} . فلا

(1)

في م: "بينه".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1101 (6171) من طريق إسماعيل بن مسلم، عن الحسن بمعناه. وذكره ابن كثير 2/ 394، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 237 إلى ابن المنذر.

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

في الأصل: "قرأه".

(5)

في م: "أن لم".

(6)

في الأصل: "بمن خطأ"، وفى م:"من الخطأ".

ص: 626

حرجَ عليه، فيكونَ "مَن" اسْتثناءً من الفعل، وإن لم يَكُنْ قبل الاستثناءِ شيءٌ ظاهرٌ يُسْتَثْنَى منه، كما قال جل ثناؤُه:{لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} [الغاشية: 22، 23]. وكقولِه

(1)

: إنى لأَكْرَهُ الخُصومةَ والمِراءَ، اللهم إلا رجلًا يُرِيدُ الله بذلك. ولم يُذْكَرْ قبله شيءٌ مِن الأسماءِ.

و "مَن"

(2)

على قولِ الحسنِ هذا نصبٌ على أنه مُسْتَثْنًى مِن

(3)

معنى الكلامِ، لا مِن الاسمِ كما ذكَرْنا قبلُ في تأويلِ

(4)

ابن عباسٍ إذا وجَّه "مَن" إلى النصبِ، وكقولِ القائلِ: كان مِن الأمرِ كذا وكذا، اللهم إلا أن فلانًا جزاه اللهُ خيرًا فعَل كذا وكذا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يُحِبُّ اللهُ الجهرَ بالسوءِ مِن القولِ إلا مَن ظُلِم، فيُخْبِرُ بما نِيل منه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبو مُعاويةَ، عن محمدِ بن إسحاقَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهدٍ، قال: هو الرجلُ يَنْزِلُ بالرجلِ، فلا يُحْسِنُ ضِيافتَه، فيَخْرُجُ مِن عندِه، فيقولُ: أساء ضِيافتى ولم يُحْسِنْ

(5)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"وكقولهم".

(2)

بعده في الأصل: "قال".

(3)

في الأصل: "و".

(4)

بعده في م: "قول".

(5)

تفسير مجاهد ص 295، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 237 للمصنف والفريابي وعبد بن حميد.

ص: 627

مُجاهدٍ: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} . قال: إلا مَن أَثَر

(1)

ما قيل له.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا حجاجُ بنُ المِنْهالِ، قال: ثنا حمادٌ، عن محمدِ بن إسحاقَ، عن عبدِ اللهِ بن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} . قال: هو الضيفُ

(2)

المُحَوَّلُ رحلُه، فإنه يَجْهَرُ لصاحبِه بالسوءِ مِن القولِ.

وقال آخَرون: عنى بذلك الرجلَ يَنْزِلُ بالرجلِ فلا يَقْرِيه، فيَنالُ مِن الذي لم يَقْرِه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهدٍ في قولِه:{إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} . قال: إلا مَن ظُلِم فانْتَصَر، يَجْهَرُ بِالسُّوءِ

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ مثلَه.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا سفيانُ بنُ عيينةَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن إبراهيمَ [ابن أبي بكرٍ]

(4)

، عن مُجاهدٍ، وعن حُميدٍ الأعْرجِ، عَن مُجَاهِدٍ:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} . قال: هو الرجلُ يَنْزِلُ بالرجلِ فلا يُحْسِنُ إِليه، فرُخِّص له بأن يقولَ فيه

(5)

.

(1)

أثر ما قيل له: رواه وحكاه. النهاية 1/ 22، 23.

(2)

في ص: "الضعيف".

(3)

تفسير مجاهد ص 296.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"عن أبي بكير"، وينظر تهذيب الكمال 2/ 63.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور (707 - تفسير)، وابن أبي حاتم 4/ 1100 (6170) من طريق سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن أبي بكر وحده عن مجاهد.

ص: 628

حدَّثني أحمدُ بنُ حمادٍ الدَّوْلابيُّ، قال: ثنا سفيانُ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن إبراهيمَ بنِ أبي بكرٍ

(1)

، عن مجاهدٍ:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} . قال: هو فى الضِّيافةِ؛ يَأْتى الرجلُ القومَ، فيَنْزِلُ عليهم فلا يُضَيِّفونه، رُخِّص له أن يَقولَ فيهم.

حدَّثنا الحسنُ

(2)

بنُ يحيى، قال: أخْبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا المثنى بنُ الصَّبَّاحِ، عن مجاهدٍ فى قولِه:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} . قال: ضاف رجلٌ رجلًا، فلم يُؤَدِّ إليه حقَّ ضِيافتِه، فلمَّا خرَج أَخْبَر الناسَ به، فقال: ضِفْتُ فلانًا، فلم يُؤَدِّ حقَّ ضِيافتي. فذلك جَهْرٌ بالسوءِ، {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}: حين لم يُؤَدِّ إليه ضِيافتَه

(3)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، قال: قال ابنُ جُرَيْجٍ، قال مُجاهدٌ: إلا مَن ظُلم فانْتَصَر، [بجهرٍ من السوءِ]

(4)

. قال مجاهدٌ: نزَلت في رجلٍ ضاف رجلًا بفَلاةٍ من الأرضِ فلم يُضِفْه، فنزَلَت:{إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} . ذكَر أنه لم يُضِفْه، لا يَزِيدُ على ذلك.

وقال آخَرون: معنى ذلك: إلا مَن ظُلِم، فانْتَصَر من ظالمِه، فإن اللهَ قد أذِن له في ذلك.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بكير".

(2)

في الأصل: "الحسين".

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 176، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1100 (6168)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 237 إلى عبد بن حميد.

(4)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يجهر بسوء".

ص: 629

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ، قال:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} . يقولُ: إِن اللهَ لا يُحِبُّ الجهرَ بالسوءِ مِن أحدٍ من الخلقِ، ولكن يقولُ من ظُلِم فانْتَصَر بمثلِ ما ظُلِم، فليس عليه جناحٌ

(1)

.

فـ "مَن" على هذه الأقوالِ التي ذكَرْناها سوى قولِ ابنِ عباسٍ، في موضعِ نصبٍ، على انْقطاعِه من الأولِ، والعربُ مِن شأنِها أن تَنْصِبَ ما بعدَ "إلا" في الاستثناءِ المنقطعِ.

فمعنى الكلامِ على هذه الأقوالِ سوى قولِ ابنِ عباسٍ: لا يُحِبُّ اللهُ الجهرَ بالسوءِ مِن القولِ، ولكنْ مَن ظُلِم فلا حَرجَ عليه أن يُخْبِرَ بما نِيل منه أو يَنْتَصِرَ ممَّن ظلَمه.

وقرَأ ذلك آخَرون بفتحِ الظاءِ (إلا من ظَلَم)، وتأوَّلوه

(2)

: لا يُحِبُّ اللهُ الجهرَ بالسوءِ مِن القولِ، إلا مَن ظَلَم، فلا بأسَ أن يُجْهَرَ له بالسوءِ مِن القولِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: حدَّثنى ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ: كان أَبي يَقْرَأُ: (لا يُحِبُّ الله الجَهْرَ بالسوءِ مِن القولِ إلا مَن ظَلَم). قال ابنُ زيدٍ: يقولُ

(3)

: مَن أقام على ذلك النفاقِ يُجْهَرُ له بالسوءِ حتى يَنْزِعَ. قال: وهذه مِثلُ: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ} . أن تُسَمِّيَه بالفسقِ {بَعْدَ الْإِيمَانِ}

(1)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 237 للمصنف.

(2)

في الأصل: "تأوله".

(3)

بعده في م: "إلا".

ص: 630

بعدَ إذ كان مؤمنًا، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ} من ذلك العملِ الذي قيل له {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11] قال: هو أشرُّ ممَّن قال ذلك له

(1)

.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: (لا يُحِبُ اللهُ الجهرَ بالسوءِ مِن القولِ إلَّا مَن ظَلَمَ). فقرَأ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} . حتى بلَغ: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} . ثم قال بعدَ ما قال لهم: فى {فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} : {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} (لا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ). قال: لا يُحِبُّ اللهُ أن يُقالَ

(2)

لهذا: ألسْتَ

(3)

نافقْتَ؟ ألسْتَ المنافقَ؟ ألست الذى ظلَمْتَ وفعَلْتَ وفعَلْتَ؟ من بعدِ ما تاب (إلا مَن ظَلَم) إلا مَن أقام على النِّفاقِ. قال: وكان أَبي يقول ذلك له ويَقْرَؤُها: (إلا مَن ظلَم).

فـ"مَن" على هذا التأويلِ نصْبٌ؛ لتعلُّقِه بالجهرِ. وتأويلُ الكلامِ على قولِ قائلِ هذا القولِ: لا يُحِبُّ اللهُ أن يَجْهَرَ أحدٌ لأحدٍ من المُنافقين بالسُّوءِ من القولِ إلا لَمَن ظَلَم منهم نفسَه

(3)

فأقام على نفاقِه، فإنه لا بأسَ بالجهرِ له بالسوءِ مِن القولِ.

قال أبو جعفرٍ: وأولى القراءتين بالصوابِ فى ذلك قراءةُ مَن قرَأَ: {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} بضمِّ الظاءِ؛ لإجماعِ الحجةِ من القرَأةِ وأهلِ التأويلِ على صحتِها، وشذوذِ قراءةِ مَن قرَأ ذلك بالفتحِ.

فإذ كان ذلك أولى القراءتين بالصوابِ، فالصوابُ في تأويلِ ذلك: لا يُحِبُّ

(1)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 237 للمصنف.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يقول".

(3)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س.

ص: 631

اللهُ أَيُّها الناسُ أن يَجْهرَ أحدٌ لأحدٍ بالسوءِ من القولِ، {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} بمعنى: إِلَّا مَن ظُلِمَ فلا حرجَ عليه أن يُخْبِرَ بما أُسِيءَ إليه. وإذا كان ذلك معناه دخَل فيه إخبارُ مَن لم يُقْرَ أو أُسِيء قِراه، [أو نيلَ بظلمٍ في نفسِه أو مالِه، غيرَه]

(1)

من سائرِ الناسِ، وكذلك دعاؤُه على مَن نالَه بظلمٍ أن يَنْصُرَه اللهُ عليه؛ لأن في دعائِه عليه إعلامًا

(2)

منه لمَن سمِع دُعاءَه عليه بالسوءِ له.

فإذا كان ذلك كذلك، فـ"من" في موضعِ نصبٍ؛ لأنه مُنْقطِعٌ عما قبلَه، وأنه لا أسماءَ قبلَه يُسْتَثْنَى منها، فهو نظيرُ قولِه:{لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} [الغاشية: 22، 23].

وأما قولُه: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} . فإنه يعنى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا} : لما تَجْهَرون

(3)

به من سوءِ القولِ لمَن تَجْهَرون له به، وغيرِ ذلك مِن أصواتِكم وكلامِكم، {عَلِيمًا}: بما تُخْفون مِن سوءِ قولِكم وكلامِكم لمَن تُخْفُون له به فلا تَجْهَرون به له، مُحْصٍ كلَّ ذلك عليكم حتى يُجازِيَكم على ذلك كلِّه جزاءَكم

(4)

المسيءَ بإساءتِه والمحسنَ بإحسانِه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)} .

قال أبو جعفرِ محمدُ بنُ جريرٍ، رحمه الله:{إِنْ تُبْدُوا} أيُّها الناسُ {خَيْرًا} . يقولُ: إن تَقولوا جميلًا مِن القولِ لمَن أحْسَن إليكم، فتُظْهِروا ذلك

(1)

في الأصل: "وقيل بظلم فى نفسه أو ماله أو غيره". وفى م: "أوقيل بظلم في نفسه أو ماله عنوة" وقوله: "غيره" مفعول للمصدر "إخبار".

(2)

في الأصل: "إعلانًا".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يجهرون".

(4)

في الأصل: "جزاء".

ص: 632

شكرًا منكم له على ما كان منه من حَسَنٍ إليكم، {أَوْ تُخْفُوهُ}. يقولُ: أَو تَتْرُكوا إظهارَ ذلك فلا تُبْدوه، {أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ}. يقول: أو تَصْفَحوا لمَن أساء إليكم عن إساءتِه، فلا تَجْهَرُوا له بالسوءِ مِن القولِ الذى قد أَذِنْتُ لكم أن تَجْهَروا له به {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا} يقولُ: لم يَزَلْ ذا عفوٍ عن خلْقِه، يَصْفَحُ لهم

(1)

عمَّن عَصَاه وخالَف أمرَه، {قَدِيرًا}. يقولُ: ذا قُدْرةٍ على الانتقامِ منهم.

وإنما يعنى بذلك: أن اللهَ لم يَزَلْ ذَا عَفْوٍ عن عبادِه معَ قدرتِه على عقابِهم على معصيتِهم إياه.

يقولُ: فاعفُوا أنتم أيضًا أيُّها الناسُ عمَّن أتَى إليكم ظلمًا، ولا تَجْهروا له بالسوءِ مِن القولِ، وإن قدَرْتُم على الإساءةِ إليه، كما يَعْفُو عنكم ربُّكم، مع قدرتِه على عقابِكم، وأنتم تَعْصُونه وتُخالِفون أمرَه.

وفي قولِه جل ثناؤُه: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)} . الدلالةُ الواضحةُ على أن تأويلَ قولِه: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} . يخالفُ

(2)

التأويلَ الذى تأوَّله زيدُ بنُ أسلمَ في زعمِه أن معناه: لا يُحِبُّ اللهُ الجهرَ بالسوءِ مِن القولِ لأهلِ النفاقِ، إلا لمَن أقام على نفاقِه، فإنه لا بأسَ بالجهرِ له بالسوءِ مِن القولِ، وذلك أنه جل ثناؤُه قال عَقِيب ذلك:{إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ} . ومعقولٌ أن اللهَ جل ثناؤُه لم يَأْمُرِ المؤمنين بالعفوِ [للمنَافقِين عن]

(3)

نفاقِهم، ولا نهاهم أن يُسَمُّوا

(4)

مَن كان

(1)

في الأصل: "له".

(2)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بخلاف".

(3)

فى م: "عن المنافقين على".

(4)

في ص: "يشتموا".

ص: 633

منهم مُعْلِنَ النفاقِ [مُنافقًا، بل العفوُ عن ذلك مما]

(1)

لا وجهَ له معقولٌ؛ لأن العفوَ المفهومَ إنما هو صفْحُ المرءِ عما له قِبَلَ غيرِه مِن حقٍّ، وتسميةُ المنافقِ باسمِه ليس بحقٍّ لأحدٍ قِبَلَه، فيُؤْمَرَ بعفوِه عنه، وإنما هو اسمٌ له، وغيرُ مفهومٍ الأمرُ بالعفوِ عن تسميةِ الشيءِ بما هو اسمُه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151)} .

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يعنى بذلك جلّ ثناؤُه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} مِن اليهودِ والنصارى، {وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ}: بأن يُكَذِّبوا رسلَ اللهِ الذين أَرْسَلَهم إلى خلقِه بوحيِه، ويَزْعُمون أنهم افْتَرَوْا على ربِّهم، وذلك هو معنى إرادتِهم التفريقَ بينَ اللهِ ورسلِه، بنِحْلتِهم

(2)

إياهم الكذبَ والفِرْيةَ على اللهِ، وادِّعائِهم عليهم الأباطيلَ، {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ}. يعنى أنهم يقولون: نُصَدِّقُ بهذا وتُكذِّبُ بهذا، كما فعَلَت اليهودُ مِن تكذيبِهم عيسى ومحمدًا صلَّى اللهُ عليهما وسلَّم وتصديقِهم بموسى وسائرِ الأنبياءِ قبلَهما

(3)

بزعمِهم، وكما فعَلَت النصارى من تكذيبِهم محمدًا صلى الله عليه وسلم وتصديقِهم بعيسى وسائرِ الأنبياءِ قبلَه بزعمِهم، {وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}. يقولُ: ويُرِيدُ المُفَرِّقون بينَ اللهِ ورسلِه، الزاعِمون أنهم يُؤْمِنون ببعضٍ، ويَكْفُرون

(1)

في ص: "مقابل العفو عن ذلك بما".

(2)

في الأصل: "منحلهم".

(3)

في م: "قبله".

ص: 634

ببعضٍ، أن يَتَّخِذوا بينَ أَضْعَافِ قولِهم: نُؤْمِنُ ببعضِ الأنبياءِ ونَكْفُرُ ببعضِهم {سَبِيلًا} . يعني: طريقًا إلى الضَّلالةِ التي أحْدَثوها، والبدعةِ التي ابْتَدَعوها، يَدْعُون أهلَ الجهلِ

(1)

مِن الناسِ إليه.

فقال اللهُ جل ثناؤُه لعبادِه، مُنَبِّهًا

(2)

لهم على

(3)

ضلالتِهم وكفرِهم: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} . يقولُ: أَيُّها الناسُ، هؤلاء الذين وصَفْتُ لكم صفتَهم هم أهلُ الكفرِ بي، المُسْتَحِقُون عذابي، والخلودَ في نارى حقًّا، فاسْتَيْقِنوا ذلك، ولا يُشَكِّكَنَّكم

(4)

فى أمرِهم انْتحالُهم الكذبَ

(5)

، ودَعْواهم أنهم يُقِرُّون بما زعَموا أنهم مُقِرُّون به مِن الكتبِ والرسلِ، فإنهم في دَعْواهم ما ادَّعَوْا من ذلك كَذَبةٌ، وذلك أن المؤمنَ بالكتبِ والرسلِ هو المُصَدِّقُ بجميعِ ما في الكتابِ الذى يَزْعُمُ أنه به مُصَدِّقٌ، وبما جاء به الرسولُ الذي يَزْعُمُ أَنه به مؤمنٌ، فأَما مَن صدَّق ببعضِ ذلك وكذَّب ببعضِ، فهو لنبوةِ مَن كذَّب ببعضِ ما جاء به جاحدٌ، ومَن جحَد نبوةَ نبيٍّ فهو به مكَذِّبٌ، وهؤلاء الذين جحَدوا نبوةَ بعضِ الأنبياءِ، وزعَموا أنهم مُصَدِّقُون ببعضٍ، مُكَذِّبونَ مَن زعَموا أنهم به مؤمنون؛ لتَكْذيبِهم ببعضِ ما جاءهم به من عندِ ربِّهم، فهم باللهِ وبرسلِه، الذين يَزْعُمون أنهم بهم

(6)

مُصَدِّقون، والذين يَزْعُمون أنهم

(7)

بهم مُكَذِّبون، كافرون، فهم

(8)

(1)

فى م: "الجهر".

(2)

في الأصل: "منهيا".

(3)

في الأصل: "عن".

(4)

في الأصل: "يشكنكم".

(5)

في الأصل: "الكتب".

(6)

في الأصل: "به".

(7)

في الأصل: "لهم".

(8)

فى الأصل: "بهم".

ص: 635

الجاحِدون وحدانيةَ اللهِ ونبوةَ أنبيائِه حقَّ الجحودِ، المكذِّبون بذلك حقَّ التكذيبِ، فاحْذَروا أن تَغْتَرُّوا بهم وببدَعِهم، فإنا قد أعْتَدْنا لهم عذابًا مُهينًا.

وأما قولُه: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} فإنه يعنى به: وَأَعتَدنَا لمن جحَد باللهِ

(1)

ورسولِه جُحودَ هؤلاء الذين وصَفْتُ لكم أيُّها الناسُ أمْرَهم مِن أهلِ الكتابِ، ولغيرِهم مِن سائرِ أجْناسِ الكفارِ

(2)

{عَذَابًا} في الآخرةِ {مُهِينًا} يعنى: يُهين

(3)

مَن عُذِّب به بخلودِه فيه.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ في قولِه:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} : أولئك أعداءُ اللهِ اليهودُ والنصارى؛ آمَنَت اليهودُ بالتوراةِ وموسى، وكفَروا بالإنجيلِ وعيسى، [وآمَنَت النصارى بالإنجيلِ وعيسى]

(4)

، وكفَروا بالفرقانِ

(5)

ومحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فاتَّخذوا اليهوديةَ والنصرانيةَ، وهما بِدْعتان ليستا مِن اللهِ،

(1)

في الأصل: "الله".

(2)

في الأصل: "الكفر".

(3)

في الأصل: "مهين".

(4)

سقط من الأصل.

(5)

في م: "بالقرآن".

ص: 636

وترَكوا الإسلامَ وهو دينُ اللهِ الذي بعَث به رسلَه

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} : يقولون: محمدٌ ليس برسولِ اللهِ. وتقولُ اليهودُ: عيسى ليس برسولِ اللهِ. فقد فرَّقوا بينَ اللهِ ورسلِه، وَيَقُولُونَ: نُؤْمِنُ بِبَعْضِ، ونَكْفُرُ [بهؤلاء. فهم]

(2)

يُؤْمِنون ببعضٍ ويَكْفُرون ببعضٍ

(3)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، قال: قال ابنُ جُرَيْجٍ قولَه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} إلى قولِه: {بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} . قال: اليهودُ والنصارى آمَنَت اليهودُ بعُزَيْرٍ وكَفَرَت بعيسى، وآمَنَت النصارى بعيسى وكفَرَت بعُزَيْرٍ، وكانوا يُؤْمِنون بالنبيِّ ويَكْفُرون بالآخرِ، {وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} قال: دِينًا يَدِينون به اللهَ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ

(4)

أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)}.

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جل ثناؤُه: والذين صدَّقوا بوَحْدانيةِ اللهِ، وأقرُّوا بنبوةِ رسلِه أجمعين، وصدَّقوهم فيما جاءوهم به مِن

(1)

في الأصل: "رسوله". والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1101، 1102 (6176، 6179) من طريق عبد العزيز بن المغيرة، عن يزيد بن زريع به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 237 إلى عبد بن حميد.

(2)

فى ص: "ببعض ونكفر بهؤلاء فهم"، وفى م:"ببعض فهؤلاء".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1102 (6178) من طريق أحمد بن مفضل به.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"نؤتيهم". وبالنون هي قراءة ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر والكسائي، وبالياء قرأ عاصم وحمزة. السبعة لابن مجاهد ص 240.

ص: 637

عندِ اللهِ مِن شَرائعِ دينِه، {وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ}. يقولُ: ولم يُكَذِّبوا بعضَهم، ويُصَدِّقوا بعضَهم، ولكنهم أقرُّوا أن كلَّ ما جاءوا به من عندِ ربِّهم حقٌّ، {أُولَئِكَ}. يقولُ: هؤلاء الذين هذه صفتُهم من المؤمنين باللهِ ورسلِه (سوف نُؤْتيهم

(1)

). يقولُ: سوف نُعْطِيهم

(2)

{أُجُورَهُمْ} يعنى: جزاءَهم وثوابَهم على تصديقِهم الرسلَ في توحيدِ اللهِ وشَرائعِ دينِه، وما جاءت به من عندِ اللهِ، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. يقولُ: يَغْفِرُ لَمَن فعَل ذلك مِن خَلْقِه، ما سلَف له من آثامِه، فيَسْتُرُ عليه بعفوِه له عنه، وبتركِ العقوبةِ عليه، فإنه لم يَزَلْ لذنوبِ المُنيبِين إليه مِن خلقِه غفورًا {رَحِيمًا}. يعنى: ولم يَزَلْ بهم رحيمًا بتفضُّلِه عليهم بالهِدايةِ إلى سبيلِ الحقِّ وتوفيقِه إياهم لما فيه خَلاصُ رِقابِهم مِن النارِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ، رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: {يَسْأَلُكَ} ، يا محمدُ {أَهْلُ الْكِتَابِ} ، يعنى بذلك: أهلَ التوراةِ مِن اليهودِ، {أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} .

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ فى الكتابِ الذى سأَل اليهودُ محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يُنَزِّلَه عليهم مِن السماءِ؛ فقال بعضُهم: سأَلوه أن يُنَزِّل عليهم كتابًا من السماءِ مَكتوبًا، كما جاء

(1)

في م: "يؤتيهم".

(2)

في م: "يعطيهم".

ص: 638

موسى بني إسرائيلَ بالتوراةِ مكتوبًا

(1)

من عندِ اللهِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ:{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} : كما

(2)

قالت اليهودُ: إن كنتَ صادقًا أنك رسولُ اللهِ، فآتِنا كتابًا مكتوبًا مِن السماءِ، كما جاء به موسى

(3)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا أبو مَعْشَرٍ

(4)

، عن محمدِ بنِ كعبٍ القُرَظيِّ، قال: جاء ناسٌ مِن اليهودِ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن موسى جاء بالألْواحِ مِن عندِ اللهِ، فأْتِنا بالألواحِ مِن عندِ اللهِ حتى نُصَدِّقَكَ. فأنزَل اللهُ:{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} إلى قولِه: {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا}

(5)

.

وقال آخرون: بل سأَلوه أن يُنَزِّلَ عليهم كتابًا خاصَّةً لهم.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} : أى كتابًا خاصةً

(1)

في م: "مكتوبة".

(2)

سقط من: م.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1103 (6186) من طريق أحمد بن مفضل به.

(4)

في الأصل: "معتمر".

(5)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 238 للمصنف.

ص: 639

{فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}

(1)

.

وقال آخرون: بل سأَلوه أن يُنَزِّلَ على رجالٍ منهم بأعْيانِهم كتبًا بالأمرِ بتصديقِه واتِّباعِه.

ذِكْرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجّاجٌ، قال: قال ابنُ جُرَيجٍ قولَه: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} : وذلك أن اليهودَ والنصارى أَتَوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لن نُتابِعَك

(2)

على ما تَدْعُونا إليه حتى تَأْتِيَنا بكتابٍ مِن عندِ اللهِ؛ [مِن اللهِ]

(3)

إلى فلانٍ أنك رسولُ اللهِ، [وإلى فلانٍ

(4)

أنك رسولُ اللهِ]

(5)

. قال اللهُ جل ثناؤُه: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} .

قال أبو جعفرٍ: وأوْلى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أن يُقالَ: إن أهلَ التوراةِ سَأَلوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يَسْأَلَ رَبَّه أن يُنَزِّلَ عليهم كتابًا مِن السماءِ آيةً مُعْجِزةً جميعَ الخلقِ أن يَأْتُوا بمثلِها، شاهدةً لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالصدقِ، آمِرَةً لهم باتِّباعِه.

وجائزٌ أن يَكونَ الذي سأَلوه من ذلك كتابًا مكتوبًا يُنَزَّلُ عليهم مِن السماءِ إلى جماعتِهم، وجائزٌ أن [تكونَ مسألتُهم إياه]

(6)

ذلك كتبًا إلى أشْخاصٍ بأعيانِهم

(7)

،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1103 (6187، 6188) من طريق عبد العزيز بن المغيرة عن يزيد به. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 238 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"نبايعك".

(3)

سقط من: م.

(4)

بعده في م: "بكتاب".

(5)

سقط من: الأصل، س.

(6)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يكون".

(7)

في م: "بأعينهم".

ص: 640

بل الذى هو أولى بظاهرِ التلاوةِ أن تكونَ مسألتُهم إياه ذلك كانت مسألةً لتنزيلِ

(1)

الكتابِ الواحدِ إلى جماعتِهم لذكرِ اللهِ فى خبرِه عنهم الكتابَ بلفظِ الواحدٍ، بقولِه:{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} . ولم يَقُلْ: كتبًا.

وأما قولُه جلَّ ثناؤه: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ} . فإِنه تَوْبِيخٌ مِنَ اللهِ جل ثناؤُه سائلى الكتابِ الذى سأَلوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يُنَزِّلَه عليهم مِن السماءِ في مسألتِهم إياه ذلك، وتَقْريعٌ منه لهم. يقولُ لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: يا محمدُ، لا يَعْظُمَنَّ عليك مسألتُهم ذلك، فإنهم من جهلِهم باللهِ وجرْأتِهم

(2)

عليه واغْتِرارِهم بحلمِه، لو أَنْزَلْتُ عليهم الكتابَ الذى سأَلوك أن تُنَزِّله عليهم، لخَالَفوا أمْرَ اللهِ كما خالَفوه بعدَ إحْياءِ اللهِ أوائلَهم من صَعْقتِهم

(3)

، فعبَدوا العجلَ واتَّخَذوه إلهًا يَعْبُدونَه مِن دونِ خالقِهم وبارئِهم الذي أراهم مِن قدرتِه وعظيمِ سلطانِه ما أراهم؛ لأنهم لن يَعْدُوا

(4)

أن يَكونوا كأوائِلهم وأسلافِهم.

ثم قصَّ اللهُ مِن قصتِهم وقصةِ موسى ما قصَّ، يقولُ تعالى ذكرُه:{فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ} . يعنى: فقد سأَل أسلافُ هؤلاء اليهودِ وأوائلُهم موسى أعظمَ مما سأَلوك مِن تَنزيلِ كتابٍ عليهم مِن السماءِ، فقالوا له:{أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} . أى عيانًا نُعايِنُه ونَنظُرُ إليه.

وقد أتَيْنا على معنى الجَهْرةِ

(5)

بما في ذلك من الروايةِ، والشَّواهِدِ

(1)

في م: "لينزل".

(2)

في ص، م:"وجراءتهم".

(3)

في الأصل: "ضعفتهم"، وفي ص:"صعفتهم".

(4)

في الأصل: "يقدروا".

(5)

في الأصل: "الجهر".

ص: 641

على صحةِ ما قلنا في معناه فيما مضَى بما أغْنَى عن إعادتِه فى هذا الموضعِ

(1)

.

وقد رُوِى

(2)

عن ابنِ عباسٍ أنه كان يقولُ في ذلك بما حدَّثني به الحارثُ، قال: ثنا أبو عُبيدٍ، قال: ثنا حجاجٌ، عن هارونَ بنِ موسى، عن عبدِ الرحمنِ بنِ إسحاقَ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ معاويةَ، عن ابنِ عباسٍ في هذه الآيةِ قال: إنهم إذا رأوْه

(3)

فقد رأَوْه، إنما قالوا جَهْرةً:{أَرِنَا اللَّهَ} . قال: هو مُقَدَّمٌ ومُؤَخَّرٌ

(4)

. وكان ابنُ عباسٍ يَتَأَوَّلُ ذلك أن سؤالَهم موسى كان جَهْرةً.

وأما قولُه: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ} . فإنه يقولُ: فصَعِقوا بظلمِهم أنفسَهم، وظلمُهم أنفسَهم كان مسألتَهم موسى أن يُرِيَهم ربَّهم جَهْرَةً؛ لأن ذلك مما لم يَكُنْ لهم مسألتُه.

وقد بيَّنَّا معنى الصاعقةِ فيما مضَى، واختلافَ

(5)

المُخْتَلِفين في تأويلِها، والدليلَ على أوْلى ما قيل فيها بالصوابِ

(6)

.

وأما قولُه: {ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} . فإنه يعنى: ثم اتَّخَذ هؤلاء الذين سأَلوا موسى ما سأَلوه -مِن رُؤْيةِ ربِّهم جهرةً، بعدَ ما أحْياهم اللهُ فبعَثهم مِن صَعْفتِهم- العجلَ الذي كان السامريُّ نبَذ فيه ما نبَذ مِن القَبْضةِ التي قبَضَها مِن أَثَرِ فرسِ جِبريلَ عليه السلام، إلهًا يَعْبُدونَه مِن دونِ اللهِ.

(1)

تقدم في 1/ 687 - 690.

(2)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ذكر".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"رأوا الله".

(4)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 238 إلى المصنف وابن المنذر.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"باختلاف".

(6)

تقدم في 690، 691.

ص: 642

وقد أتَيْنا على ذكرِ السببِ الذى مِن أجلِه اتَّخَذوا العجلَ، وكيف كان أمْرُهم وأمْرُه، فيما مضَى بما فيه الكِفايةُ

(1)

.

وقولُه: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} . يعنى: مِن بعد ما جاءَت هؤلاء الذين سأَلوا موسى ما سأَلوا البَيِّناتُ مِن اللهِ، والدَّلالاتُ الواضحاتُ بأنهم لن يَرَوُا اللهَ عِيانًا جهارًا. وإنما عُنِى بالبيناتِ: أنها آياتٌ تُبِينُ عن أنهم لن يَرَوُا اللهَ في أيامِ حَياتِهم في الدنيا جَهْرةً، وكانت تلك الآياتُ البيناتُ لهم على أن ذلك كذلك؛ [إصْعاقُ اللهِ إياهم عندَ]

(2)

مسألتِهم موسى أن يُرِيَهم ربَّهم جَهْرةً، ثم إحْياؤُه إياهم بعدَ مماتِهم، مع سائرِ الآيات التي أَراهم اللهُ- دلالةً على ذلك.

يقولُ اللهُ جلّ ثناؤُه مُقبِّحًا إليهم فعْلَهم ذلك، ومُوَضِّحًا لعبادِه جهلَهم، ونقصَ عقولِهم وأحلامِهم: ثم أقَرُّوا للعجلِ بأنه لهم إلهٌ، وهم يَرَوْنَه عِيانًا، ويَنْظُرون إليه جِهارًا بعدَ ما أراهم ربُّهم مِن الآياتِ البيناتِ ما أراهم، أنهم لا يَرَوْن رَبَّهم جَهْرةً وعِيانًا في حياتِهم الدنيا، فعكَفوا على عبادتِه، مُصَدِّقِين بأُلوهتِه.

وقولُه: {فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ} . يقولُ: فعفَوْنا لعَبَدةِ العجلِ عن عبادتِهم إياه، وللمُصَدِّقين منهم بأنه إلهُهم، بعدَ الذى أراهم اللهُ، أنهم لا يَرَوْن ربَّهم في حياتِهم، مِن الآياتِ ما أراهم عن تَصْديقِهم بذلك بالتوبةِ التي تابوها إلى ربِّهم، بقتلِهم أنفسَهم، وصبرِهم فى ذلك على أمرِ ربِّهم، {وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا}. يقولُ: وآتَيْنا موسى حُجَّةً تُبِينُ عن صدقِه وحقيقَةِ نُبُوَّتِه، وتلك الحُجَّةُ هي الآياتُ البَيِّناتُ التي آتاه اللهُ إياها.

(1)

تقدم فى 1/ 669 وما بعدها.

(2)

في الأصل: "إصداق الله إياهم عن".

ص: 643

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154)} .

قال أبو جعفرٍ، رحمه الله: يعنى بقولِه جلَّ ثناؤُه: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ} يعنى: الجبلَ، وذلك لمَّا امْتَنَعوا من العملِ بما فى التوراةِ، وقبولِ ما جاءهم به موسى فيها، {بِمِيثَاقِهِمْ} يعنى: بما أعْطَوُا اللهَ من الميثاقِ والعهدِ؛ لَتَعْمَلَنَّ بما في التوراةِ، {وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}. يعنى: باب حِطَّةٍ، حينَ أُمِروا أن يدْخُلوا منه سُجَّدًا، فدخلوا يَزْحَفون على أَسْتاهِهم، {وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ}. يعنى بقولِه:{لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ}

(1)

. لا تُجاوِزوا

(2)

في يومِ السبتِ ما أُبِيح لكم إلى ما لم يُبَحْ لكم.

كما حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه {وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}. قال: كنا نُحَدِّثُ أنه بابٌ من أبوابِ بيتِ المقدسِ. {وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} أُمِر القومُ أن لا يأْكُلُوا الحيتانَ يومَ السبتِ، ولا يَعْرِضوا لها، وأُحِلَّ لهم ما خلا ذلك

(3)

.

واخْتَلَفَت القرَأةُ فى قراءةِ ذلك؛ فقرَأه عامَّةُ قرأةِ أمْصارِ الإسلامِ: {لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} بتخفيفِ العينِ

(4)

، من قولِ القائلِ: عَدَوْتُ في الأمرِ. إذا تجاوَزْتَ الحقَّ فيه، أعْدُو عَدْوًا وعُدْوانًا وعَداءً.

(1)

ضبطت في الأصل بفتح العين وضم الدال المشددة وهي قراءة وسيأتى تخريجها بعد.

(2)

في ص، م:"تتجاوزوا".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1107 (6213) من طريق عبد العزيز بن المغيرة عن يزيد بن زريع به. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 238 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(4)

قرأ بذلك ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف. النشر 2/ 190.

ص: 644

وقرَأ ذلك بعضُ قرَأةِ أهلِ المدينةِ: (وقلنا لهم لا تَعْدُّوا) بتسكينِ العينِ وتشديدِ الدالِ والجمعِ بينَ ساكنَيْن

(1)

، بمعنى تَعْتَدُوا، ثم تُدْغَمُ التاءُ في الدالِ فَتَصِيرُ دالًا مُشَددةً مضمومةً، كما قرَأ مَن قرَأ:(أمْ مَّنْ لَا يَهْدِّى) بتسكينِ الهاءِ

(2)

.

وقولُه: {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} يعنى: عهدًا مُؤَكَّدًا شديدًا، بأنهم

(3)

يَعْمَلُون بما أمَرَهم اللهُ به، ويَنْتَهون عما نهاهم اللهُ عنه مما ذكَر في هذه الآيةِ، ومما في التوراةِ.

وقد بيَّنا فيما مضَى السببَ الذى من أجلِه كانوا أُمِروا أن يدخُلوا البابَ سُجَّدًا، وما كان مِن أمرِهم فى ذلك، وخبرِهم وقصَّتِهم، وقصةِ السبتِ، وما كان اعْتداؤُهم فيه بما أغْنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)} .

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: فبنَقْضِ هؤلاء الذين وصفْتُ صفتهم مِن أهلِ الكتابِ، {مِيثَاقَهُمْ}. يعنى: عهودَهم

(5)

التي عاهَدوا اللهَ أَن يَعْمَلوا بما

(6)

في

(1)

قالون وأبو جعفر، وروى عنه ورش:(لا تعَدُّوا) بفتح العين وتشديد الدال. النشر 2/ 190.

(2)

هي قراءة نافع وأبي عمرو؛ بإسكان الهاء وتشديد الدال، غير أن أبا عمرو كان يشم الهاء شيئًا من الفتح. السبعة لابن مجاهد ص 326 والحجة ص 332.

(3)

في الأصل: "بما أنهم".

(4)

تقدم في 1/ 722 - 729.

(5)

سقط من: الأصل.

(6)

في الأصل: "بها".

ص: 645

التوراةِ، {وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ}. يقولُ: وجُحودِهم، {بِآيَاتِ اللَّهِ}. يعني: بأعلامِ اللهِ وأدلتِه التى احْتَجَّ بها عليهم في صدقِ أنبيائِه ورسلِه، وحقيقةِ ما جاءُوهم به مِن عندِه، {وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ}. يقولُ: وبقتلِهم الأنبياءَ بعدَ قيامِ الحُجَّةِ عليهم بنبوَّتِهم، {بِغَيْرِ حَقٍّ}. يعني: بغيرِ استحقاقٍ منهم ذلك لكبيرةٍ أتَوْها، ولا لخَطيئةٍ اسْتَوْجبوا القتلَ عليها، {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} يعنى: وبقولِهم: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} يعنى يقولون: عليها غِشاوةٌ وأغْطِيةُ عما تَدْعُونا إليه، فلا نَفْقَهُ ما تَقولُ، ولا نَعْقِلُه.

وقد بيَّنَّا معنى الغُلْفِ، وذكَرْنا ما فى ذلك من الروايةِ فيما مضى قبلُ

(1)

.

{بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} . يقولُ جلَّ ثناؤُه: كذَبوا في قولِهم: قلوبُنا غُلْفٌ. [ما هى]

(2)

بغُلْفٍ، ولا عليها، أغْطيةٌ، ولكنَّ اللهَ جل ثناؤُه جعَل عليها طابِعًا بكفرِهم باللهِ.

وقد بيَّنَّا صفةَ الطبعِ على القلبِ فيما مضَى بما أغْنَى عن إعادتِه

(3)

.

{فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} يقولُ: فلا يُؤْمِنُ هؤلاء الذين وصَف اللهُ صفتَهم [في طبعِه]

(4)

على قلوبِهم -فيُصَدِّقوا باللهِ [ورسولِه وما جاءهم]

(5)

به مِن عندِ اللهِ- إلا إيمانًا قليلًا، يعنى إلَّا تصديقًا قليلًا. وإنما صار قليلًا؛ لأنهم لم يُصَدِّقوا على ما أمَرَهم اللهُ به، ولكن صدَّقوا ببعضِ الأنبياءِ وبعضِ

(1)

تقدم في 2/ 227 - 231.

(2)

في الأصل: "يعني".

(3)

تقدم في 1/ 267.

(4)

فى م: "ورسله وما جاءتهم".

(5)

في ص، م:"لطبعه".

ص: 646

الكتبِ، وكذَّبوا ببعضٍ، فكان تصديقُهم بما صدَّقوا به قليلًا؛ لأنهم وإن صدَّقوا به مِن وجهٍ، فهم به مُكَذِّبون من وجهٍ آخرَ، وذلك مِن وجهِ تكذيبِهم مَن كذَّبوا به مِن الأنبياءِ، وما جاءوا به مِن كتبِ اللهِ، ورسلُ اللهِ يُصَدِّقُ بعضُهم بعضًا، وبذلك أمَر كلُّ نبيٍّ أمتَه، وكذلك كتبُ اللهِ يُصَدِّقُ بعضُها بعضًا، ويُحَقِّقُ بعضٌ بعضًا، فالمُكَذِّبُ ببعضِها مُكَذِّبٌ بجميعِها مِن جهةِ جحودِه ما صدَّقه الكتابُ الذى يُقِرُّ بصحتِه، فلذلك صار إيمانُهم بما آمَنوا مِن ذلك قليلًا.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} . يقولُ: فبنقضِهم ميثاقَهم لعَنَّاهم، {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} أي: لا تفقهُ، {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} ، ولعنَهم حينَ فعَلوا ذلك

(1)

.

واخْتُلِف فى معنى قولِه: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} الآية، وهل هو مُواصِلٌ لما

(2)

قبلَه من الكلامِ، أم هو مُنْفَصِلٌ منه؛ فقال بعضُهم: هو مُنْفَصِلٌ مما قبلَه، ومعناه: فينقضِهم ميثاقَهم وكفرِهم بآياتِ اللهِ وقتلِهم الأنبياءَ بغيرِ حقٍّ، وَقَوْلِهِمْ: قُلُوبُنا غُلْفٌ

(3)

. طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ ولعَنَهم.

(1)

تقدم تخريجه في 2/ 229.

(2)

في الأصل: "بما".

(3)

بعده في الأصل، م:"بل". على ذكر سياق الآية، وبحذفها يستقيم الكلام وقوله:(فبنقضهم) متعلق بـ (طبع).

ص: 647

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} : لما ترَك القومُ أمرَ اللهِ، وقتَلوا رسلَه، وكفَروا بآياتِه، ونقَضوا الميثاقَ الذي أُخِذ عليهم - طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهم ولعَنَهم.

وقال آخَرون: بل هو مُواصِلٌ لما قبلَه. قالوا: ومعنى الكلامِ: فأخذتهم الصاعقةُ بظلمِهم، فبنقضِهم ميثاقَهم، وكفرِهم بآياتِ اللهِ، وبقتلِهم الأنبياءَ بغيرِ حقٍّ، وبكذا وكذا أخَذَتْهم الصاعقةُ. قالوا: فتبِع الكلامُ بعضُه بعضًا، ومعناه مَرْدودٌ إلى أولِه، وتَفْسيرُ ظلمِهم الذى أخَذَتْهم الصاعقةُ مِن أجلِه ما فسَّرَه تعالى ذكرُه من نقضِهم الميثاقَ، وقتلِهم الأنبياءَ، وسائرِ ما بيَّن مِن أمرِهم الذى ظلَموا فيه أنفسَهم.

والصوابُ مِن القولِ فى ذلك أن قولَه: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} . وما بعدَه مُنْفَصِلٌ معناه مِن معنى ما قبلَه، وإنما معنى الكلامِ: فيما نقضِهم ميثاقَهم وكفرِهم بآياتِ اللهِ، وبكذا وبكذا، لعَنَّاهم وغضِبْنا عليهم، فترَك ذكرَ "لَعَنَّاهم" لدلالةِ قولِه:{بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} . على معنى ذلك، إذ كان مَن طُبِع على قلبِه فقد لُعِن وسُخِط عليه.

وإنما قلنا ذلك أولى بالصوابِ؛ لأن الذين أخَذَتْهم الصاعقةُ إنما كانوا على عهدِ موسى، والذين قتَلوا الأنبياءَ والذين رمَوْا مَريمَ بالبُهتانِ العظيمِ وقالوا: قتلْنا المسيحَ. كانوا بعدَ موسى بدهْرٍ طويلٍ، ولم يُدْرِكِ الذين رمَوْا مريمَ بِالبُهْتَانِ زمانَ موسى، ولا مَن صَعِقَ مِن قومِه.

وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أن الذين أخَذَتْهم الصاعقةُ، لم تَأْخُذْهم

ص: 648

عقوبةٌ لرمْيِهم مريمَ بالبهُتانِ العظيمِ، ولا لقولِهم:{إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} . وإذ كان ذلك كذلك، فبيِّنٌ أن الذين قالوا هذه المقالةَ هم غيرُ الذين عُوقِبوا بالصاعقةِ، وإذا كان ذلك كذلك، كان بيِّنًا انفصال معنى قولِه:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} مِن معنى قولِه: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} .

‌القولُ في تأويلِ قوله جل ثناؤُه: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156)} .

قال أبو جعفرٍ: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وبكفرِ هؤلاء الذين وصَف صفتَهم، {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} يعني: بفِرْيتِهم عليها، ورمْيِهم إياها

(1)

بالزنى، وهو البُهتانُ العظيمُ؛ لأنهم رمَوْها بذلك، وهى مما رمَوْها به بغيرِ ثَبَتٍ ولا برهانٍ بَريئةٌ، فبهَتوها بالباطلِ مِن القولِ.

وبمثلِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليِّ بنِ أبي طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ:{وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} يعني: أنهم رَمَوْها بالزنى

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ قولَه:{وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} : حينَ قذَفوها بالزنى

(3)

.

(1)

في الأصل: "إياهم".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1109 (6230) من طريق عبد الله بن صالح به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 4/ 1109 عقب الأثر (6230) من طريق أسباط به.

ص: 649

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا يَعْلَى مِنْ عُبَيدٍ، عَن جُوَيْبرٍ في قولِه:{وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} . قال: قالوا: زنَت

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قوله جل ثناؤُه: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ، رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وبقولِهم: {إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} . ثم كذَّبهم اللهُ في قِيلِهم، فقال:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} . يعني: وما قتَلوا عيسى، وما صلَبوه، ولكن شُبِّه لهم.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ فى صفةِ التَّشبيهِ الذى شُبِّه لليهودِ في أمرِ عيسى؛ فقال بعضُهم: لمَّا أحاطَت اليهودُ به وبأصحابِه، أحاطوا بهم، لا يَثَّبَّتون معرفةَ عيسى بعينِه، وذلك أنهم جميعًا حُوِّلوا فى صورةِ عيسى، فأشكَل على الذين كانوا يُريدون قتلَ عيسى ابنِ مريمَ، عيسى مِن غيرِه منهم، وخرَج إليهم بعضُ مَن كان فى البيتِ مع عيسى، فقتَلوه وهم يَحْسَبونه عيسى.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ القُمِّيُّ، عن هارونَ بن عَنْتَرةَ، عن وهبِ بنِ مُنَبِّهٍ، قال: أُتِى عيسى، ومعه سبعةَ

(2)

عشَرَ مِن الحواريِّين في بيتٍ، وأحاطوا بهم، فلما دخَلوا عليهم، صوَّرهم اللهُ كلَّهم على صورةِ عيسى، فقالوا لهم: سحَرْتُمونا، لَيَبْرُزَنّ لنا عيسى، أو لَنَقْتُلَنَّكم جميعًا. فقال عيسى لأصحابِه: مَن يَشْتَرى نفسَه

(1)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1109 عقب الأثر (6230) معلقًا.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"تسعة".

ص: 650

منكم اليومَ بالجنةِ؟ فقال رجلٌ منهم: أنا. فخرَج إليهم فقال: أنا عيسى. وقد صوَّره اللهُ على صورةِ عيسى، فأخَذوه فقتَلوه وصلَبوه، فمن ثَمَّ شُبِّه لهم، وقد ظنُّوا أنهم قد قتَلوا عيسى، وظنَّت النصارى مثلَ ذلك أنه عيسى، ورفَع اللهُ عيسى من يومِه ذلك

(1)

.

وقد رُوِى عن وهبِ بن مُنَبِّهٍ غيرُ هذا القولِ، وهو ما حدَّثني به المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ عبد الكريمِ، قال: ثنى عبدُ الصمدِ بنُ مَعْقِلٍ

(2)

، أنه سمِع وهبًا يَقولُ: إن عيسى ابنُ مريمَ لمَّا أعْلَمَه اللهُ جل ثناؤُه أنه خارجٌ من الدنيا جَزِع مِن الموتِ وشقَّ عليه، فدعا الحواريِّين فصنَع لهم طعامًا، فقال: احْضُروني الليلةَ، فإن لى إليكم حاجةً. فلما اجْتَمَعوا إليه [مِن الليلِ]

(3)

عَشَّاهم، وقام يَخْدِمُهم، فلمَّا فرَغوا مِن الطعامِ أخَذ يَغْسِلُ أيديَهم، ويُوَضِّئُهم بيدِه، ويَمْسَحُ أيديَهم بثيابِه، فتَعاظَموا ذلك وتَكارَهوه، فقال: ألا مَن ردَّ عليَّ شيئًا الليلةَ مما أَصْنَعُ، فليس مني، ولا أنا منه. فأقرُّوه حتى إذا فرَغ مِن ذلك، قال: أمَّا ما صنَعْتُ بكم الليلةَ مما خدَمْتُكم [على الطعامِ، وغسَلْتُ أيديَكم يبدى، [فَلْيَكُنْ لكم بي]

(4)

أُسْوةٌ، فإنكم تَرَوْن أنى خيرُكم]

(5)

، فلا يتعاظمْ

(6)

بعضُكم على بعضٍ، ولْيَبْذُلْ بعضُكم نفسَه لبعضٍ، كما بذَلْتُ نفسى لكم، وأما حاجتي التي اسْتَعَنْتُكم عليها، فتدْعُون ليَ اللهَ، وتَجْتَهِدون فى الدعاءِ، أن يُؤَخِّرَ أَجَلى. فلما نَصَبوا أنفسَهم

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 401، وقال: هذا سياق غريب جدا.

(2)

في الأصل: "معتل".

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(5)

في الأصل: "فلكم فيّ".

(6)

في ص، م:"يتعظم".

ص: 651

للدعاءِ، وأرادوا أن يَجْتَهِدوا، أخَذَهم النومُ، حتى لم يَسْتَطِيعوا دُعاءً، فجعَل يُوقِظُهم ويَقولُ: سبحانَ اللهِ، ما تَصْبِرون لى ليلةً واحدةً تُعِينوني فيها؟ قالوا: واللهِ ما نَدْرِى ما لنا، لقد كنا نَسْمُرُ فنُكْثِرُ السَّمَرَ، وما نُطِيقُ الليلةَ سَمَرًا، وما نُرِيدُ دُعاءً إلا حِيلَ بينَنا وبينَه. فقال: يُذْهَبُ بالراعي وتَتَفَرَّقُ الغنمُ. وجعَل يَأْتي بكلامٍ نحوَ هذا يَنْعَى به نفسَه، ثم قال: الحقُّ لِيَكْفُرَنَّ بي أحدُكم قبلَ أن يَصِيحَ الدِّيكُ ثلاثَ مراتٍ، وليبيعَنَّنِي أحدُكم بدراهمَ يَسيرةٍ ولَيَأْكُلَنَّ ثمنى. فخرَجوا وتفَرَّقوا، وكانت اليهودُ تَطْلُبُه، فأخَذُوا شَمْعونَ أحدَ الحواريِّين، فقالوا: هذا مِن أصحابِه فجحَد وقال: ما أنا بصاحبِه. فترَكوه، ثم [اخَذَه آخرون، فجحَد]

(1)

كذلك، ثم سمع صوتَ دِيكٍ

(2)

، فبكَى وأحْزَنه، فلمَّا أَصْبَحَ أَتَى أحدُ الحواريِّين إلى اليهودِ، فقال: ما تَجْعَلون لى إن دَلْلتُكم على المسيحِ؟ فجعَلوا له ثلاثين درهمًا، فأخَذها ودلَّهم

(3)

عليه -وكان شُبِّه عليهم قبلَ ذلك- فأَخَذُوه، فاسْتَوْثَقوا منه، وربَطوه بالحبلِ، فجعَلوا يَقُودُونه ويقولون: أنت كنتَ تُحْيِى المَوْتَى، وتَنْتَهِرُ الشيطانَ، [وتُبْرِئُ المجنونَ]

(4)

، أفلا تَفْتَحُ

(5)

نفسَك مِن هذا الحبلِ؟ ويَبْصُقون عليه، ويُلْقُون عليه الشَّوْكَ، حتى أتَوْا به الخشبةَ التي أرادوا أن يَصْلُبوه عليها، فرفَعه اللهُ إليه، وصلَبوا ما شُبِّه لهم، فمكَث سبعًا. ثم إنَّ أمَّه والمرأةَ التي كان يُداوِيها عيسى، فأَبْرَأَها اللهُ مِن الجنونِ جاءتا تَبْكِيان حيث المصلوبُ، فجاءَهما عيسى، فقال: علامَ تَبْكِيان؟ قالتا: عليك. فقال: إني قد

(1)

في الأصل: "أخذ آخرون فجحدوا".

(2)

بعده في الأصل: "كذلك".

(3)

في الأصل: "وحلم".

(4)

في الأصل: "فيبرأ المجنونُ".

(5)

في ص، م:"تنجى".

ص: 652

رفَعَنى اللهُ إليه، ولم يُصِبْنى إلا خيرٌ، وإن هذا شيءٌ شُبِّه لهم، فأْمُرَا الحواريِّين أن يَلْقَونى إلى مكانِ كذا وكذا. فلقُوه إلى ذلك المكانِ أحدَ عَشَرَ، وفُقِد الذي كان باعه ودلَّ عليه اليهودَ، فسأَل عنه أصحابَه، فقالوا: إنه ندِم على ما صنَع، فاخْتَنَق وقتَل نفسَه. فقال: لو تابَ لتابَ اللهُ عليه. ثم سأَلهم عن غلامٍ يَتْبَعُهم يُقالُ له: يُحَنَّى

(1)

. فقال: هو معكم، فانْطَلِقوا فإنه سيُصْبِحُ كلُّ إنسانٍ منكم يُحَدِّثُ بلغةِ قومٍ

(2)

، فَلْيُنْذِرْهم ولْيَدْعُهم

(3)

.

وقال آخرون: بل سأل عيسى من كان معه في البيتِ أن يُلْقَى على بعضِهم شبهُه، فانْتَدَب لذلك منهم رجلٌ، فأُلْقِى عليه شبهُه، فقُتِل ذلك الرجلُ، ورُفِع عيسى.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} . إلى قولِه: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} : أولئك أعداءُ اللهِ اليهودُ ابتَهَرُوا

(4)

بقتلِ عيسى ابنِ مريمَ رسولِ اللهِ، وزعَموا أنهم قتَلوه وصلَبوه. وذُكِر لنا أن نبيَّ اللهِ عيسى ابنَ مريمَ قال لأصحابِه: أيُّكم يُقْذَفُ عليه شبهى فإنه مقتولٌ. قال رجلٌ من أصحابِه: أنا يا نبيَّ اللهِ. فقُتِل

(1)

فى س، وتاريخ الطبرى، وتفسير ابن كثير:"يحيى"، ورسمت في الأصل هكذا:"يحيى" غير، منقوطة. وما أثبتناه موافق لما فى الدر المنثور والبداية والنهاية 2/ 514.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(3)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 601، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 239 إلى المصنف وعبد بن حميد. وذكره ابن كثير 2/ 401، وقال: سياق غريب جدًا.

(4)

فى م: "اشتهروا". وفي الدر المنثور: "افتخروا" وغير واضحة في ص. وابتهروا: ادعوا كذبا. التاج (ب هـ ر).

ص: 653

ذلك الرجلُ، ومنَع اللهُ نبيَّه

(1)

، ورفَعه إليه

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} . قال: أُلْقِى شبهُه على رجلٍ من الحواريِّين فقُتِل، وكان عيسى ابنُ مريمَ عرَض ذلك عليهم، فقال: أيُّكم أُلْقِى عليه شبهى وله الجنةُ؟ فقال رجلٌ: عليَّ

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بن المفضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّديِّ، أن بنى إسرائيلَ حصَروا

(4)

عيسى وتسعةَ عشَرَ رجلًا من الحواريِّين في بيتٍ، فقال عيسى لأصحابِه: مَن يأخُذُ صورتى فيُقْتَلَ وله الجنةُ؟ فأَخَذها رجلٌ منهم، وصُعِد بعيسى إلى السماءِ، فلما

(5)

خرَج الحواريُّون أبصروهم تسعةَ عشَرَ، فأخبروهم أن عيسى عليه السلام قد صُعِد به إلى السماءِ، فجعَلوا يَعُدُّون القومَ، فيجدونهم ينقُصون رجلًا من العِدَّةِ، ويرون صورةَ عيسى فيهم، فشكُّوا

(6)

فيه، وعلى ذلك قتلوا الرجلَ وهم يرون أنه عيسى وصلَبوه، فذلك قولُ اللهِ تبارك وتعالى:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} . إلى قولِه: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}

(7)

.

(1)

في الأصل: "منه".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1109 (6231) من طريق يزيد به مختصرًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 238 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 177.

(4)

في الأصل: "حضروا".

(5)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3:"فجعلوا".

(6)

في ص، ت 1:"نشركوا".

(7)

أخرجه البغوى فى تفسيره 2/ 45 من طريق أسباط به.

ص: 654

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ

(1)

، عن القاسمِ بنِ أبي بَزَّةَ، أن عيسى ابنَ مريمَ، قال: أيُّكم يُلْقَى عليه شبهِى فيُقْتَل مكاني؟ فقال رجلٌ مِن أصحابِه: أنا يا رسولَ اللهِ. فألقِى عليه شبهُه، فقتَلوه، فذلك قولُه:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} .

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال: كان اسمُ ملِكِ بني إسرائيلَ الذي بعَث إلى عيسى ليقتُلَه، رجلًا منهم يقالُ له: داودُ

(2)

، فلما أَجْمَعوا لذلك منه لم يُقْطَعْ عبدٌ من عبادِ اللهِ بالموتِ -فيما ذُكر لى- فَظَعَه، ولم يجزَعْ منه جزعَه، ولم يدْعُ اللهَ فى صرْفِه عنه دعاءَه، حتى إنه ليقولُ -فيما يزعُمون-: اللهمَّ إن كنتَ صارفًا هذه الكأسَ عن أحدٍ من خلقِك، فاصْرِفْها عنى. وحتى إن جلدَه مِن كَرْبِ ذلك ليتفصَّدُ دمًا، فدخَل المدخَل الذى أجْمَعوا أن يدخلُوا

(3)

عليه فيه؛ ليقتُلوه هو وأصحابَه، وهم ثلاثةَ عشرَ بعيسى، فلما أيقن أنهم داخلون عليه، قال لأصحابِه مِن الحواريِّين وكانوا اثنى عشرَ رجلًا؛ فُطْرُسُ

(4)

، ويعقوبُ بنُ زَيْدِي، ويُحَنَّسُ

(5)

، [أخو يعقوبَ]

(6)

، وأَنْدَرا بِيسُ

(7)

، وفِيلِبُّسُ

(8)

، وأَبَرَثَلْمَا

(9)

، ومَتَّى،

(1)

بعده في ص، م:"عن ابن أبي نجيح" وشبل يروى عن القاسم بن أبي بزة. ينظر تهذيب الكمال 12/ 356.

(2)

في م: "داودا".

(3)

فى م: "يدخل".

(4)

فى م: "بطرس".

(5)

بعده في الأصل: "ويحيمر".

(6)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3.

(7)

فى م: "أندراوس". وينظر تاريخ الطبرى 1/ 603.

(8)

في الأصل: "فبلس" وفي ص: "قبلس".

(9)

في ص: "ابن تلما".

ص: 655

وتُوماسُ، ويعقوبُ بنُ حلقايا

(1)

، وتُدَّاوسيسُ

(2)

، وفتاتيا

(3)

، ويُودُسُ

(4)

زكريا يُوطا

(5)

.

قال ابنُ حُميدٍ: قال سَلَمةُ

(6)

: قال ابنُ إسحاقَ: وكان فيهم -فيما ذُكر لى- رجلٌ اسمُه سَرْجِسُ، فكانوا ثلاثةَ عشَرَ رجلًا سوى عيسى، جحَدته النصارى، وذلك أنه هو الذي شُبِّه لليهودِ مكانَ عيسى، قال: ولا أَدْرِى أهو

(7)

من هؤلاء الاثنى عشَرَ، أم كان

(8)

ثالث عشَرَ. فجحَدوه حينَ أقرُّوا لليهودِ بصلبِ عيسى، وكفَروا بما جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم من الخبرِ عنه، فإن كانوا ثلاثةَ عشَرَ فإنهم دخَلوا المَدْخَلَ حينَ دخَلوا، وهم بعيسى أربعةَ عشرَ، وإن كانوا

(9)

اثنى عشَرَ فإنهم دخَلوا المدخَلَ حينَ دخَلوا وهم بعيسى ثلاثةَ عشَر

(10)

.

حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال: ثنى رجلٌ كان نصرانيًّا فأَسْلَم، أن عيسى حينَ جاءه من اللهِ:"إنى رافعُك إليَّ". قال: يا معشرَ الحواريِّين، أيُّكم يُحِبُّ أن يكونَ رفيقى فى الجنةِ حتى يُشَبَّه للقومِ في صورتي،

(1)

في ص، م:"حلقيا"، وما أثبتناه موافق أيضا لمخطوطة تفسير ابن كثير. ينظر تفسيره 2/ 403 حاشية (5).

(2)

في الأصل: "تدارسيس" وفي م: "تداوس".

(3)

رسمت في الأصل هكذا: "منابنا" وفى ص: "قنابيا".

(4)

في الأصل: "يوذسُ" بالذال المعجمة.

(5)

في الأصل: "وكربانوحا" غير منقوطة، وفى ص:"وكريابوطا" وينظر تفسير ابن كثير 2/ 403، و تاريخ الطبرى 1/ 603.

(6)

في الأصل: "ابن سلمة".

(7)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"ما هو".

(8)

في م: "كانوا".

(9)

في م: "كان".

(10)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 403 عن المصنف.

ص: 656

فيقتُلوه مكانى؟ فقال سَرْجِسُ: أنا يا روحَ اللهِ. قال: فاجلسْ في مجلسي. فجلَس

(1)

فيه، ورُفِع عيسى صلواتُ اللهِ عليه، فدخلوا عليه فأخَذوه وصلَبوه، فكان هو الذى صلَبوه وشُبِّهَ لهم به، وكانت عِدَّتُهم حينَ دخلوا مع عيسى معلومةً. قد رأوْهم وأَحْصَوا عِدَّتَهم، فلما دخَلوا عليه ليأخُذوه وجدوا عيسى -فيما يُرَوْنَ- وأصحابَه، وفقَدوا رجلًا من العِدَّةِ، فهو الذى اخْتَلفوا فيه، وكانوا لا يعرِفون عيسى، حتى جعَلوا ليُودُسَ زكريا يُوطا ثلاثين دِرْهمًا

(2)

على أن يدُلَّهم عليه، ويُعرِّفَهم إيَّاه، فقال لهم: إذا دخَلتم عليه، فإني سأقبِّلُه

(3)

، وهو الذى أقبِّلُ

(4)

، فخُذوه فلما دخَلوا عليه، وقد رُفِع عيسى، رأى سَرْجِسَ في صورةِ عيسى، فلم يشكَّ أنه هو عيسى، فأكبَّ عليه فقبَّله

(5)

، فأخذوه فصلَبوه، ثم إن يُودُسَ زكريا يُوطا ندِم على ما صنَع، فاخْتَنق بحبلٍ حتى قتَل نفسَه، وهو ملعونٌ في النصارى، وقد كان أحدَ المعدودِين من أصحابِه. وبعضُ النصارى يزعُم أن يُودُسَ زكريا يُوطا هو الذى شُبِّه لهم فصلَبوه، وهو يقولُ: إنى لستُ بصاحبِكم، أنا الذى دللتكم عليه. واللهُ أعلمُ أيُّ ذلك كان

(6)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ

(7)

، قال: ثني حجَّاجٌ، قال: قال ابنُ جريجٍ: بلَغنا أن عيسى ابنَ مريمَ قال لأصحابِه: أيُّكم يَنْتَدِبُ فيُلْقَى عليه شبَهى فيُقْتَلَ؟ فقال رجلٌ من أصحابِه: أنا يا نبيَّ اللهِ، فأُلقِى عليه شبهُه فقُتِل، ورفَع اللهُ نبيَّه

(1)

سقط من: م.

(2)

في الأصل: "دراهما".

(3)

في الأصل: "سأقتله".

(4)

في الأصل: "أقتل".

(5)

في الأصل: "فقتله".

(6)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 403 نقلا عن المصنف.

(7)

في الأصل: "الحسن".

ص: 657

إليه.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو

(1)

، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{شُبِّهَ لَهُمْ} . قال: صلَبوا رجلًا غيرَ عيسى يحسَبونه إيَّاه

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} . فذكَر مثلَه

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجَّاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: صلَبوا رجلًا شبَّهوه بعيسى، يحسَبونه إيَّاه، ورفَع اللهُ إليه عيسى عليه السلام حيًّا

(3)

.

قال أبو جعفرٍ: وأَوْلَى هذه الأقوالِ بالصوابِ أحدُ القولين اللَّذَين ذكَرناهما عن وهبِ بنِ مُنَبِّهٍ، من أن شبَهَ عيسى أُلقِى على جميعِ مَن كان في البيتِ مع عيسى حينَ أُحِيط به وبهم، من غيرِ مسألةِ عيسى إيَّاهم ذلك، ولكن ليُخْزِيَ اللهُ بذلك اليهودَ، وينقِذَ به نبيَّه عليه السلام من مكروهِ ما أرادوا به من القتلِ، ويبتليَ به مَن أراد ابتلاءَه من عبادهِ، في قيلِه في عيسى، وصِدْقِ الخبرِ عن أمرِه - أو

(4)

القولُ الذى رواه [عبدُ العزيزِ]

(5)

عنه.

(1)

في الأصل: "عمر".

(2)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 238 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

تفسير مجاهد ص 296.

(4)

في الأصل، ت 1، ت 2، ت 3، س:"و".

(5)

كذا في النسخ. والصواب: "عبد الصمد" وهو ابن معقل وينظر الأثر نفسه ص 651.

ص: 658

وإنما قلنا: ذلك أَوْلَى القولَين بالصوابِ؛ لأن الذين شهِدوا عيسى من الحواريِّين لو كانوا في حالِ ما رُفِع عيسى، وأُلْقِى شبهُه على مَن أُلْقِى عليه شبهُه، كانوا قد عايَنوا عيسى وهو يُرْفَعُ من بينِهم، وأثبَتوا الذى أُلْقِى عليه شبهُه، وعاينوه متحوِّلًا في صورتِه بعدَ الذي كان به من صورةِ نفسِه بمحضَرٍ منهم - لم يَحْفَ ذلك مِن أمرِ عيسى

(1)

، وأمرِ مَن أُلْقِى عليه شبهُه عليهم، مع معاينتِهم ذلك كلَّه، ولم يلتبسْ عليهم ولم يُشكل عليهم، وإن أشكل على غيرهم من أعدائهم من اليهود أن المقتولَ والمصلوبَ كان غيرَ عيسى، وأن عيسى رُفِع من بينِهم حيًّا، وكيف يجوزُ أن يكونَ كان أَشْكَل ذلك عليهم، وقد سمِعوا من عيسى مقالتَه: من يُلْقى عليه شبهى، ويكونَ رفيقى فى الجنةِ؟ إن كان قال لهم ذلك، وسمِعوا جوابَ مجيبِه منهم: أنا

(2)

. وعاينوا تحوُّلَ المجيبِ فى صورةِ عيسى بعَقِبِ جوابِه، ولكنّ ذلك كان إن شاء اللهُ على نحوِ ما وصَف وهبُ بنُ منبهٍ، إما أن يكونَ القومُ الذين كانوا مع عيسى في البيتِ الذى رُفِع منه من حواريِّه، حولَّهم اللهُ جميعًا في صورةِ عيسى حينَ أراد اللهُ رفعَه، فلم يَثَّبّتوا عيسى معرفةً بعينِه من غيرِه؛ لتشابهِ صُوَرٍ جميعِهم، فقتلت اليهودُ منهم مَن قتَلت، وهم يَرَونه بصورةِ عيسى، ويحسَبونه إيَّاه؛ لأنهم كانوا به عارفين قبلَ ذلك، وظنَّ الذين كانوا فى البيتِ مع عيسى، مثلَ الذي ظنَّت اليهودُ؛ لأنهم لم يُميِّزوا شخصَ عيسى من شخصِ غيرِه، لتشابِه شخصِه وشخصِ غيرِه، ممن كان معه فى البيتِ، فاتَّفَق جميعُهم -أعنى اليهودَ والنصارى مِن أجلِ ذلك- على أن المقتولَ كان عيسى، ولم يكنْ، ولكن شُبِّه لهم، كما قال اللهُ جلَّ ثناؤُه:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} ، أو [يكونُ الأمرُ]

(3)

في ذلك كان

(1)

في الأصل: "شبهه".

(2)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3:"إذا".

(3)

في الأصل: "تكون الآية".

ص: 659

على نحوِ ما روى عبدُ الصمدِ بنُ مَعْقِلٍ، عن وهبِ بن منبهٍ، أن القومَ الذين كانوا مع عيسى في البيتِ تفرَّقوا عنه قبلَ أن يدخُلَ عليه اليهودُ، وبَقِى عيسى، وأُلْقِى شبهُه على بعضِ أصحابِه الذين كانوا معه فى البيتِ بعدَما تفرَّقَ القومُ [عنه -وبقي عيسى- غيرَ الذي]

(1)

أُلْقِى عليه شبهُه، ورُفِع عيسى، فقُتِل

(2)

الذي تحوَّل في صورةِ عيسى من أصحابِه، وظنَّ أصحابُه واليهودُ أن الذى قُتِل وصُلِب هو عيسى؛ لِمَا رَأَوْا من شبهِه به، وخفاءِ أمرِ عيسى عليهم؛ لأنّ رفعه وتحوُّلَ المقتولِ في صورتِه، كان بعد تفرُّقِ أصحابِه عنه، وقد كانوا سمِعوا عيسى من الليلِ يَنْعَى نفسَه، ويحزَنُ لما قد ظنَّ أنه نازلٌ به من الموتِ، فحكَوا ما كان عندَهم حقًّا، والأمرُ عندَ اللهِ في الحقيقةِ بخلافِ ما حكَوا، فلم يستحقَّ الذين حكوا ذلك مِن حواريِّيه أن يكونوا كَذَبةً؛ إذ

(3)

حكَوا ما كان حقًّا عندَهم فى الظاهرِ، وإن كان الأمرُ عندَ اللهِ فيد الحقيقةِ بخلافِ الذى حكَوا

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ، رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} . اليهودَ الذين أحاطوا بعيسى وأصحابِه حينَ أرادوا قتلَه. وذلك أنهم كانوا قد عرَفوا عِدَّةَ مَن فى البيتِ قبلَ دخولِهم، فيما ذُكر، فلما دخَلوا عليهم

(5)

، فقَدوا واحدًا منهم، فالْتَبس أمرُ عيسى عليهم بفقدِهم واحدًا من العِدَّةِ التي كانوا

(1)

في ص: "غير عيسى وغير عيسى وغير الذى" وفى م: "غير عيسى وغير".

(2)

في الأصل: "فقيل".

(3)

في ص، ت 2، س:"إذا"، وفى م:"أو".

(4)

في الأصل: "حكينا".

(5)

في ص، ت 2، س:"عليه".

ص: 660

قد أَحْصَوها، وقتلوا من قتلوا على شكٍّ منهم في أمرِ عيسى.

وهذا التأويلُ على قولِ مَن قال: لم يفارقِ الحواريُّون عيسى حتى رُفِع ودخَل عليهم اليهودُ.

وأما تأويلُه على قولِ مَن قال: تفرَّقوا عنه من الليلِ. فإنه: {وَإِنَّ

(1)

الَّذِينَ اخْتَلَفُوا} في عيسى، هل هو الذى بَقِى فى البيتِ منهم بعدَ خروجِ مَن خرَج منهم من العِدَّةِ التي كانت فيه أم لا؟ {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ}. يعنى: من قتلِه؛ لأنهم كانوا أَحْصَوا من العِدَّةِ حين دخَلوا البيتَ أكثرَ ممن خرَج منه ومَن وُجِد فيه، فشكُّوا في الذي قتَلوه هل هو عيسى أم لا؟ من أجلِ فقدِهم مَن فقَدوا من [العِدَّةِ التى كانوا أحصَوها]

(2)

، ولكنهم قالوا: قتلنا عيسى. لمشابهةِ المقتولِ عيسى في الصورةِ. يقولُ اللهُ: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} . يعنى: أنهم قتَلوا مَن قتَلوه على شكٍّ منهم فيه واختلافٍ، هل هو عيسى أم هو غيرُه؟ من غيرِ أن يكونَ لهم بمن قتلوه علمٌ، مَن هو؟ أهو عيسى أم هو غيرُه؟ {إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ}. يعنى جلَّ ثناؤُه: ما كان لهم بمَن قتَلوه من علمٍ، ولكنهم اتَّبعوا ظنَّهم، فقتَلوه ظنًّا منهم أنه عيسى، وأنه الذي يريدون قتلَه، ولم يكنْ به. {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}. يقولُ: وما قتَلوا ظنَّهم

(3)

الذي اتَّبَعوه في المقتولِ الذى قتَلوه -وهم يحسَبونه عيسى- يقينًا أنه عيسى ولا أنه غيرُه، ولكنهم كانوا منه على ظنٍّ وشبهةٍ.

وهذا كقولِ القائلِ

(4)

للرجلِ: ما قتلتُ هذا الأمرَ علمًا. وما قتلتُه يقينًا. إذا

(1)

بعده في الأصل: "كان".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"العدد الذى كانوا أحصوه"، وفي س:"العدة الذي كانوا أحصوه".

(3)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"هذا".

(4)

فى م: "الرجل".

ص: 661

تكلَّم فيه بالظنِّ على غيرِ يقينِ

(1)

علمٍ. فالهاءُ في قولِه: {وَمَا قَتَلُوهُ} . عائدةٌ على الظنِّ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} . قال: يعنى: ولم يقتُلوا ظنَّهم يقينًا

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبيدٍ، عن جُوَيبرٍ في قولِه:{وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} . قال: ما قتَلوا ظنَّهم يقينًا

(3)

.

وقال السُّديُّ فى ذلك، ما حدَّثني به محمدٌ، قال: ثنا أحمدُ، قال: ثني أسباطُ، عن السُّديِّ:{وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} : وما قتلوا أمرَه يقينًا أن الرجلَ هو عيسى، بل رفَعه اللهُ إليه

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ، رحمه الله: وأما قولُه: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} . فإنه يعنى: بل رفَع اللهُ المسيحَ إليه، يقولُ: لم يقتُلوه ولم يصلِبوه، ولكنَّ اللهُ رفَعه إليه، فطهَّره من الذين كفَروا.

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 4/ 111 (6239) من طريق عبد الله بن صالح به.

(3)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 239 إلى المصنف.

ص: 662

وقد بيَّنا كيف كان رَفْعُ اللهِ إياه إليه

(1)

فيما مضى، وذكَرنا اختلافَ المختلِفين في ذلك، والصحيحَ من القولِ فيه، بالأدلةِ الشاهدةِ على صحتِه، بما أغنى عن إعادتِه

(2)

.

وأما قولُه: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} . فإنه يعنى: ولم يزلِ اللهُ منتقِمًا من أعدائِه، كانتقامِه من الذين أخَذَتْهم الصاعقةُ بظلمِهم، وكلعنِه الذين قصَّ قصتَهم بقولِه:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ} . {حَكِيمًا} . يقولُ: ذا حكمةٍ في تدبيرِه وتصريفِه خلقَه في قضائِه، يقولُ: فاحْذَروا -أيُّها السائلون محمدًا أن يُنَزِّلَ عليكم كتابًا من السماءِ- من حلولِ عقوبتي بكم، كما حلَّ بأوائلِكم الذين فعَلوا فعلكم فى تكذيبِهم

(3)

رسلي، وافترائِهم على أوليائي.

وقد حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ إسحاقَ

(4)

بنِ أبي سارةَ الرُّؤَاسيُّ، عن الأعمشِ، عن المِنْهالِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه

(5)

: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} . قال: معنى ذلك: أنه كذلك

(6)

.

‌القولُ في تأويلِ قوله جل ثناؤُه: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} .

(1)

تقدم في 447 - 453.

(2)

سقط من: الأصل، م، ت 1.

(3)

في الأصل: "تكذيبكم".

(4)

في الأصل: "الحسن".

(5)

في الأصل: "قوله غفورا رحيما"، وفى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قول الله وكان الله غفورا رحيما".

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1112 (6244) وابن أبي شيبة 11/ 546 (11925) من طريق الأعمش به.

ص: 663

قال أبو جعفرٍ: اخْتَلف أهلُ التأويلِ فى معنى ذلك؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} . يعني بعيسي، {قَبْلَ مَوْتِهِ} ، يعني: قبلَ موتِ عيسى. يُوجِّهُ ذلك إلى أن جميعَهم يصدِّقون به إذا نزَل لقتلِ الدجَّالِ، فتصيرُ المللُ كلُّها واحدةً، وهى ملةُ الإسلامِ الحنيفيةُ، دينُ إبراهيمَ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: قبل

(1)

موتِ عيسى ابنِ مريمَ

(2)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن أبي حَصينٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: قبلَ موتِ عيسى

(3)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشيمٌ، قال: أخبرنا حُصينٌ، عن أبى

= وبعد هذا الأثر فى ص: "نجز الجزء السابع من كتاب البيان بحمد الله وعونه وحسن توفيقه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. الحمد لله رب العالمين. يتلوه فى أول الثامن إن شاء الله تعالى القولُ في تأويلِ قوله: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} وكان الفراغ منه فى شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة وسبعمائة، غفر الله لمؤلفه ولصاحبه ولكاتبه ولمن طالع فيه ودعا لهم بالمغفرة ورضى الله تعالى والجنة والجميع المسلمين. آمين يارب العالمين. بسم الله الرحمن الرحيم، رب يسر برحمتك يا كريم".

(1)

سقط من: الأصل، ص، ت 1، س.

(2)

تفسير سفيان ص 98 وأخرجه الحاكم 2/ 309 من طريق سفيان به بلفظ: "خروج عيسى ابن مريم صلوات الله عليه" وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 4/ 1114 (6254)، وابن عساكر في تاريخ دمشق 14/ 101 (مخطوط) من طرق عن سفيان به.

ص: 664

مالكٍ في قولِه: {إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: ذلك

(1)

عندَ نزولِ عيسى ابنِ مريم، لا يَبْقَى أحدٌ من أهلِ الكتابِ إلا [يؤمنُ به]

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا الحجَّاجُ بنُ المنهالِ، قال: ثنا حمادٌ، عن حُميدٍ، عن الحسنِ، قال:{قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: قبلَ أن يموتَ عيسى

(3)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، عن أبى رجاءٍ، عن الحسنِ في قولِه:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ، قال: قبلَ موت عيسى، واللهِ إنه الآن لحيٌّ عندَ اللهِ، ولكنه إذا نزَل آمَنوا به أجمعون

(4)

.

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . يقولُ: قبلَ موتِ عيسى

(5)

.

[حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادةَ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}. قال: قبلَ موتِ عيسى، إذا نزَل آمنت به الأديانُ كلُّها]

(6)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن أبي جعفرٍ الرازيِّ، عن الربيعِ ابن أنسٍ، عن الحسنِ، قال: قبلَ موتِ عيسى.

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

فى م: "ليؤمنن". والأثر عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 241 إلى المصنف.

(3)

ذكره ابن أبي حاتم فى تفسيره 4/ 1114 (عقب الأثر 6254) معلقا.

(4)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 241 إلى المصنف، وذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 404.

(5)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1114 عقب الأثر (6254) معلقا.

(6)

ذكر هذا الأثر فى م مرتين، واختصره في المرة الأولى إلى قوله: قبل موت عيسى. وهو في تفسير عبد الرزاق 1/ 177.

ص: 665

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن عوفٍ، عن الحسنِ:{إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: عيسى، ولم يمتْ بعدُ.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرانُ بن عُبينةَ، عن حُصينٍ، عن أبي مالكٍ، قال: لا يَبْقَى أحدٌ منهم عندَ نزولِ عيسى إلا آمن به

(1)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن حُصينٍ، عن أبي مالكٍ، قال: قبلَ موتِ عيسى.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: إذا نزَل عيسى ابنُ مريمَ، فقتَل الدجَّالَ، لم يَبْقَ يهوديٌّ فى الأرضِ إلا آمن به. قال: فذلك حينَ لا ينفَعُهم الإيمانُ

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . يعنى: أنه سيُدرِكُ أناسٌ من أهلِ الكتابِ حينَ يُبْعَثُ عيسي، سيؤمنون

(3)

به، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}

(4)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن منصورِ ابنِ زاذانَ، عن الحسنِ، أنه قال في هذه الآيةِ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1113 (6253) من طريق حصين به.

(2)

عزاه السيوطى في الدر المنثور 2/ 241 إلى المصنف، وذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 404.

(3)

في الأصل: "مؤمنون"، وفى م:"فيؤمنون".

(4)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 241 إلى المصنف.

ص: 666

بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}

(1)

. أظنُّه أنا

(2)

قال: إذا خرَج عيسى آمنت به اليهودُ.

وقال آخرون: معنى ذلك: وإن من أهلِ الكتابِ إلا

(3)

ليُؤمننَّ بعيسى قبلَ موتِ الكتابيِّ. يُوجِّهُ

(4)

ذلك إلى أنه إذا عاين علِمَ الحقَّ من الباطلِ؛ لأن كلَّ مَن نزَل به الموتُ لم تخرُجْ نفسُه حتى يتبيَّنَ له الحقُّ من الباطلِ في دينِه.

[ذكرُ من قال ذلك]

(5)

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليِّ بن أبي طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: لا يموتُ يهوديٌّ حتى يؤمنَ بعيسى.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال

(6)

: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: لا تخرُجُ نفسُه حتى يؤمنَ بعيسى، وإن غرِق أو تردَّى من حائطٍ، أو

(7)

أيُّ مِيتةٍ كانت

(8)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ فى قولِه:{إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: كلُّ صاحبِ كتابٍ

(1)

بعده في م: "قال أبو جعفر".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"إنما".

(3)

بعده في ص، ت 2:"من".

(4)

فى الأصل: "ذكر من قال"، وفى م:"ذكر من كان يوجه".

(5)

زيادة لازمة، كنهج المصنف فيما مضى.

(6)

فى م: "وابن حميد قالا".

(7)

في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3:"و".

(8)

تفسير مجاهد ص 296 إلى قوله: أو تردى.

ص: 667

ليُؤمننَّ {بِهِ} : بعيسى، {قَبْلَ مَوْتِهِ}: موتِ

(1)

صاحبِ الكتابِ

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} : كلُّ صاحبِ كتابٍ يُؤْمِنُ بعيسى، {قَبْلَ مَوْتِهِ}. موتِ صاحبِ الكتابِ. قال ابنُ عباسٍ: لو ضُرِبت عنقُه، لم تخرُجْ لم تخرُجْ نفسُه حتى يؤمِنَ بعيسى.

حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا أبو تُمَيلةَ يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا الحسينُ بنُ واقدٍ، عن يزيدَ النحويِّ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ، قال: لا يموتُ اليهوديُّ حتى يشهَدَ أن عيسى عبدُ اللهِ ورسولُه، ولو عُجِّل عليه بالسلاحِ

(3)

.

حدَّثني إسحاقُ بنُ إبراهيمَ بن حَبيبِ بنِ الشهيدِ، قال: ثنا عتَّابُ بنُ بشيرٍ، عن خُصَيفٍ، عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: هى فى قراءةِ أُبيٍّ: (قبلَ موتِهم)

(4)

: ليس يهوديٌّ يموتُ أبدًا حتى يؤمنَ بعيسى. قيل لابنِ عباسٍ: أرأيتَ إن خرَّ من فوقِ بيتٍ؟ قال: يتكلَّمُ به في الهُوِيِّ

(5)

. فقيل: أرأيت إن ضُرِبت عنقُ أحدٍ منهم؟ قال: يُلجْلِجُ

(6)

بها لسانُه

(7)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو نُعيمٍ الفضلُ بنُ دُكينٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن خُصَيفٍ،

(1)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3:"صاحب".

(2)

تفسير مجاهد ص 296.

(3)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 241 إلى المصنف وعبد بن حميد.

(4)

ينظر البحر المحيط 3/ 393 وهي قراءة شاذة.

(5)

في الأصل: "الهواء". والهوى مصدر بمعنى السقوط. اللسان (هـ و ى).

(6)

فى م: "يتلجلج" واللجلجة والتلجلج تردد اللسان. التاج (لجلج).

(7)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه 4/ 1427 (709 - تفسير) من طريق عتاب بن بشير به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 241 إلى الطيالسي وابن المنذر.

ص: 668

عن عكرمةَ

(1)

، عن ابنِ عباسٍ:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: لا يموتُ يهوديٌّ حتى يؤمنَ بعيسى ابنِ مريمَ. [قال: وإن ضُرِب بالسيفِ تكلَّم به. قال: وإِنْ هوَى تكلَّم]

(2)

به وهو يَهوِى

(3)

.

[حدَّثنا ابنُ المثنى]

(4)

، قال: ثنى محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي هارونَ الغَنَويِّ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ أنه قال في هذه الآيةِ:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: لو أن يهوديًّا وقَع من فوقِ هذا البيتِ لم يمتْ حتى يؤمنَ به. يعني بعيسى

(5)

.

حدَّثنا ابنُ المثنى، قال: ثنى عبدُ الصمدِ، قال: ثنا شعبةُ، عن مولًى لقريشٍ

(6)

، قال: سمِعتُ عكرمةَ يقولُ: لو وقَع يهوديٌّ من فوقِ القَصْرِ، لم يبلُغْ إلى الأرضِ حتى يؤمنَ بعيسى.

حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي هاشمٍ الرُّمَّاتيِّ، عن مجاهدٍ:{لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: وإن وقَع من فوقِ البيتِ، لا يموتُ حتى يؤمنَ به

(7)

.

(1)

بعده في م: "عن جبير".

(2)

في م: "قيل: وإن ضرب بالسيف؟ قال: يتكلم به. قيل: وإنْ هوى؟ قال: "يتكلم".

(3)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 341 إلى المصنف وعبد بن حميد.

(4)

فى ص، ت 1:"وحدَّثني المثنى".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1113 (6250) من طريق شعبة به، وعزاه ابن كثير في تفسيره 2/ 405 إلى أبي داود الطيالسي. وقال -بعد أن ساق الأثرين السابقين-: فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس.

(6)

في الأصل: "العرس".

(7)

تفسير سفيان ص 98 (230) وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (مخطوط) 14/ 101 من طرق عن سفيان به.

ص: 669

حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا حكَّامٌ، عن عمرِو بنِ أبي قَيْسٍ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: لا يموتُ رجلٌ من أهلِ الكتابِ حتى يؤمنَ به، وإن غرِق أو تردَّى أو مات بشيءٍ

(1)

.

حدَّثني يعقوب بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: لا تخرُجُ نفسُه حتى يؤمِنَ به

(2)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن حُصَيفٍ، عن عكرمةَ:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: لا يموتُ أحدُهم حتى يؤمنَ به -يعني بعيسى- وإن خرَّ مِن فوقِ بيتٍ، يُؤمِنُ به وهو يَهْوِى.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو خالدٍ الأحمرُ، عن جُويبرٍ، عن الضحَّاكِ، قال: ليس أحدٌ من اليهودِ يخرُجُ من الدنيا حتى يؤمنَ بعيسى.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن إسرائيلَ، عن فُراتٍ القزَّازِ، عن الحسنِ في قولِه:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: لا يموتُ أحدٌ منهم حتى يُؤمنَ بعيسى. [يعنى اليهودَ والنصارى

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا إسرائيلُ، عن فُراتٍ القزّازِ، عن الحسنِ فى قولِه:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: لا يموتُ أحدٌ منهم حتى يؤمنَ بعيسى]

(4)

قبلَ أن يموتَ

(5)

.

(1)

تفسير مجاهد 296.

(2)

في الأصل: "حدثنا ابن وكيع قال: لا تخرج نفسه حتى يؤمن به".

(3)

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 14/ 101 من طريق إسرائيل به.

(4)

سقط من: ص، ت 1، س.

(5)

تفسير عبد الرزاق 1/ 177.

ص: 670

حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا الحَكَمُ بنُ عطيةَ، عن محمدِ ابنِ سيرينَ:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: موت الرجلِ من أهلِ الكتابِ.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المفضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّديِّ:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: قال ابنُ عباسٍ: ليس من يهوديٍّ

(1)

يموتُ حتى يؤمنَ بعيسى ابن مريمَ. فقال له رجلٌ من أصحابِه: كيف والرجلُ يغرَقُ، أو يحترقُ، أو يسقطُ عليه الجدارُ، أو يأكلُه السَّبُعُ؟ فقال: لا تخرُجُ روحُه من جسدِه حتى يُقْذَفَ فيه الإيمانُ بعيسى.

حُدِّثتُ عن الحسينِ بن الفَرَجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخبرنا عُبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: فلا يموتُ أحدٌ من اليهودِ حتى يشهَدَ أن عيسى رسولُ اللهِ.

حدَّثني المثنى

(2)

، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا يَعْلَى، عن جُويبرٍ في قولِه:{لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . قال: [في قراءةِ]

(3)

أُبيٍّ: (قبلَ موتِهم).

وقال آخرون: معنى ذلك: وإنْ من أهلِ الكتابِ إلا ليؤمنَنَّ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم قبلَ موتِ الكتابيِّ.

(1)

بعده في م: "ولا نصراني".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"ابن المثنى".

(3)

في الأصل: "قرأه".

ص: 671

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا الحجَّاجُ بنُ المنهالِ، قال: ثنا حمادٌ، عن حُميدٍ، قال: قال عكرمةُ: لا يموتُ النصرانيُّ واليهوديُّ حتى يؤمنَ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم. يعني في قولِه: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} .

وأَوْلَى هذه الأقوالِ بالصوابِ

(1)

قولُ من قال: تأويلُ ذلك: وإنْ من أهل الكتابِ إلَّا ليؤمنَنَّ بعيسى قبلَ موتِ عيسى.

وإنما قلنا: ذلك أَوْلَى بالصوابِ من غيرِه من الأقوالِ؛ لأنَّ الله عز وجل حكَم لكلٍّ مؤمنٍ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم بحكمِ أهلِ الإيمانِ في الموارثةِ، والصلاةِ عليه، والحاقِ صغارِ أولادِه بحُكْمِه في الملةِ، فلو كان كلُّ كتابيٍّ يُؤْمِنُ بعيسى [قبلَ موتِه]

(2)

، لوجب أن لا يرِثَ

(3)

الكتابيَّ إذا مات على ملتِه إلا أولادُه الصغارُ، أو

(4)

البالغون منهم من أهلِ الإسلامِ، إن

(5)

كان له ولدٌ صغيرٌ، أو بالغٌ مسلمٌ، وإن لم يكنْ له ولدٌ صغيرٌ، ولا بالغٌ مسلمٌ، [أن يكونَ]

(6)

ميراثُه منصرِفًا

(7)

حيثُ [يَنصرِفُ]

(8)

إليه مالُ المسلمِ يموتُ ولا وارثَ له، [وأن يكونَ]

(9)

حكمه حكمَ المسلمين في الصلاةِ عليه

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"بالصحة والصواب".

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في الأصل: "يموت".

(4)

في الأصل: "و".

(5)

في الأصل: "وإن".

(6)

في الأصل: "أيكون"، وفى م:"كان".

(7)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"مصروفًا".

(8)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"يصرف".

(9)

في الأصل: "فإن يكن".

ص: 672

وغسلِه وتقبيرِه؛ لأنّ مَن مات مؤمنًا بعيسى، فقد مات مؤمنًا بمحمدٍ [وبجميعِ الرسلِ]

(1)

، وذلك أن عيسى صلواتُ اللهِ عليه جاء بتصديقِ محمدٍ وجميعِ المرسلين صلى اللهُ عليهم، فالمصدِّقُ فالمصدِّقُ بعيسى والمؤمنُ به مصدِّقٌ وبجميعِ أنبياءِ اللهِ ورسلِه، [كما أن المؤمنَ]

(2)

بمحمدٍ مؤمنٌ بعيسى وبجميعِ أنبياءِ اللهِ ورسلِه، فغيرُ جائزٍ أن يكونَ مؤمنًا بعيسى من كان بمحمدٍ مكذِّبًا.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن معنى إيمانِ اليهوديِّ بعيسى

(3)

الذي ذكَره اللهُ في قولِه: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . إنما هو إقرارُه بأنه للهِ نبيٌّ مبعوثٌ، دونَ تصديقِه بجميعِ ما أتَى به من عندِ اللهِ. فقد ظنَّ خطأً، وذلك أنه غيرُ جائزٍ أن يكونَ منسوبًا إلى الإقرارِ بنبوةِ نبيٍّ، من كان له مكذِّبًا في بعضِ ما جاء به من وحي اللهِ وتنزيلِه، بل غيرُ جائزٍ أن يكونَ منسوبًا إلى الإقرارِ بنبوةِ أحدٍ من أنبياءِ اللهِ؛ لأن الأنبياءَ جاءت الأممَ بتصديقِ جميعِ أنبياءِ اللهِ ورسلِه، فالمكذِّبُ بعضَ أنبياءِ اللهِ [في بعضِ ما]

(4)

أَتَى به أمتَه من عندِ اللهِ، مكذِّبٌ جميعَ أنبياءِ اللهِ فيما دَعَوْا إليه من دينِ اللهِ

(5)

عبادَ اللهِ. وإذ كان ذلك كذلك، و [كان]

(6)

الجميعُ من أهلِ الإسلامِ مُجمعين (5) على أن كلَّ كتابيٍّ مات قبلَ إقرارِه بمحمدٍ صلواتُ اللهِ عليه وما جاء به من عند الله، فمحكوم له بحكم الملة التى كان عليها أيام حياته، غير منقول شيءٌ

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

في الأصل: "فالمؤمن، وفى ص، ت 1، ت 2، ت 3: "كما المؤمن".

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فيما".

(5)

سقط من: م.

(6)

في م: "كان في إجماع".

ص: 673

من أحكامِه فى نفسِه ومالِه وولدِه صغارِهم وكبارِهم، بموتِه عما كان عليه في حياتِه - أدلّ الدليلِ على أن معنى قولِ اللهِ:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} . إنما معناه: إلا ليؤمنَنَّ بعيسى قبلَ موتِ عيسى. [وأن ذلك]

(1)

في خاصٍّ من أهلِ الكتابِ، ومعنيٌّ به أهلُ زمانٍ منهم دونَ أهلِ كلِّ الأزمنةِ التي كانت بعدَ عيسى، وأن ذلك كائنٌ عندَ نزولِه.

كالذى حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ آدمَ، عن أبي هريرةَ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: "الأنبياءُ إخوةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهم شَتَّى ودينُهم واحدٌ، وإنِّى أَوْلَى الناسِ بعيسى ابنِ مريمَ؛ لأنَّه لم يكنْ بينى وبينَه نبيٌّ، وإنه نازلٌ، فإذا رأيتموه فاعْرِفُوه، فإنه رجلٌ مَرْبوعُ الخَلْقِ، إلى الحُمْرةِ والبياضِ، سَبْطُ الشَّعَرِ، كأنّ رأسَه يقطُرُ وإن لم يُصِبْهُ بِلَلٌ، بينَ مُمَصَّرَتَيْن

(2)

، فيدُقُّ الصليب، ويقتُلُ الخِنْزيرَ، ويضعُ الجزيةَ، ويَفِيضُ

(3)

المالُ، ويقاتلُ الناسَ على الإسلامِ حتى يُهلِكَ اللهُ فى زَمانِه المِلَلَ كلَّها غيرَ الإسلامِ، ويُهلِكَ اللهُ في زمانِه مسيحَ الضلالةِ الكذَّابَ الدجَّالَ، وتقَعُ الأَمَنةُ في الأرضِ في زمانِه، حتى ترتَعَ الأُسُودُ معَ الإبلِ، والنمورُ مع البَقَرِ، والذئابُ مع الغنمِ، وتلعَبُ الغِلمانُ والصِّبيانُ بالحيَّاتِ، لا يضُرُّ بعضُهم بعضًا، ثم يَلْبَثُ فى الأرضِ ما شاء اللهُ -وربما قال: أربعين سنةً- ثم يُتَوفَّى، ويُصلِّى عليه المسلمون ويَدْفِنونه"

(4)

.

وأما الذي قال

(5)

: عنَى بقولِه: {لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} : ليؤمِنَنَّ

(1)

في الأصل: "وذلك أن".

(2)

في الأصل: "مصرتين". والممصرة من الثياب: التي فيها صفرة خفيفة. النهاية 4/ 336.

(3)

في الأصل: "يقبل"، وفى ت 1، ت 2، ت 3:"يقبض".

(4)

تقدم تخريجه في 5/ 452.

(5)

بعده في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"من قال".

ص: 674

بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم قبلَ موتِ الكتابيِّ. فما

(1)

لا وجهَ له مفهومٌ؛ لأنه مع فسادِه من الوجهِ الذى دلَّلنا على فسادِ قولِ من قال: عنى به: ليؤمنَنَّ بعيسى قبل موتِ الكتابيِّ. يَزيدُه

(2)

فسادًا أنه لم يَجْرِ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم في الآياتِ التي قبلَ ذلك ذكرٌ، فيجوزَ

(3)

صرفُ الهاءِ التى فى قولِه: {لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} . إلى أنها من ذكرِه، وإنما قولُه:{لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} . في سياقِ ذكرِ عيسى وأمِّه واليهودِ، فغيرُ جائزٍ صرفُ الكلامِ عما هو في سياقِه إلى غيرِه، إلا بحجةٍ يجبُ التسليمُ لها، من دلالةِ ظاهرِ التنزيلِ، أو خبرٍ عن الرسولِ تقومُ به حجَّةٌ. فأما الدعاوَى فلا تتعذَّرُ على أحدٍ.

فتأويلُ الآيةِ إذ كان الأمرُ على ما وصَفتُ

(4)

: وما من أهلِ الكتابِ إِلَّا مَن

(5)

ليؤمنَنَّ

(6)

بعيسى قبلَ موت عيسى. وحُذِف "مَنْ" بعدَ "إِلَّا" لدلالةِ الكلامِ عليه، فاسْتُغْنى بدلالتِه عن

(7)

إظهارِه، كسائرِ ما قد تقدَّم من أمثالِه التي قد أتينا على البيانِ عنها.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرِ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ويومَ القيامةِ يكونُ عيسى على أهلِ الكتابِ {شَهِيدًا} . يعنى: شاهدًا عليهم بتكذيبِ مَن

(1)

فى م: "فمما"، وفي ت 2:"مما".

(2)

في الأصل: "يزيد".

(3)

في الأصل "يجوز".

(4)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"وصفنا".

(5)

زيادة من: م.

(6)

بعده في الأصل: "به".

(7)

في الأصل، ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"من".

ص: 675

كذَّبه منهم، وتصديقٍ مَن صدَّقه منهم، فيما أتاهم به من عندِ اللهِ، وبإبلاغِه رسالةَ ربِّه.

كالذي حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، قال: قال ابنُ جريجٍ: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} : أنْ قد أبْلَغهم ما أُرسِل به إليهم.

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} . يقولُ: يكونُ عليهم شهيدًا يومَ القيامةِ، على أنه قد بلَّغ رسالةَ ربِّه، وأقرَّ بالعبوديةِ على نفسِه

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قوله جل ثناؤُه: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: فحرَّمنا على اليهود الذين نقَضوا ميثاقَهم الذى واثقوا ربَّهم، وكفَروا بآياتِ اللهِ، وقتَلوا أنبياءَه

(2)

، وقالوا البهتانَ على مريمَ، وفعَلوا ما وصفَهم اللهُ به في كتابِه -طيباتٍ من المآكلِ وغيرِها كانت لهم حلالًا؛ عقوبةً لهم بظلمِهم الذي أَخْبَر اللهُ عنهم في كتابِه.

كما حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ في قولِه:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} الآية: عُوقب القومُ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1114 (6258) من طريق يزيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 241 إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"أنبياءهم".

ص: 676

بظلمٍ ظلَموه، وبَغْيٍ بَغَوْه، حُرِّمت عليهم أشياءُ ببغيِهم وبظلمِهم

(1)

.

وقولُه: {وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} . يعنى: وبصدِّهم عبادَ اللهِ عن دينِه وسبيلِه

(2)

التي شرعَها

(3)

لعبادِه صدًّا كثيرًا.

وكان صدُّهم عن سبيلِ اللهِ بقولِهم على اللهِ الباطلَ، وادِّعائِهم أن ذلك عن اللهِ، وتبديلهم كتابَ اللهِ، وتحريفِ معانيه عن وجُوهِه. وكان من عظيمِ ذلك جحودُهم نبوةَ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وتركُهم بيانَ ما قد علِموا من أمرِه لمن جهِل أمرَه من الناسِ. وبنحوِ ذلك كان مجاهدٌ يقولُ.

حدَّثنا محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، وحدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، جميعًا عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} . قال: أنفسَهم وغيرَهم عن الحقِّ

(4)

.

وقولُه: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا} . وهو أخذُهم ما أَفْضَلوا على رءوسِ أموالِهم؛ لفضلِ تأخيرٍ في الأجَلِ بعدَ مَحِلِّها.

وقد بيَّنتُ معنى الرِّبا فيما مضى قبلُ، بما أغنى عن إعادتِه

(5)

.

{وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} . يعنى: عن أخذِ الرِّبا.

(1)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 241 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"سبله".

(3)

فى م: "شرحها".

(4)

تفسير مجاهد ص 296.

(5)

ينظر ما تقدم في 5/ 37، 38.

ص: 677

وقولُه: {وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} . يعنى: ما كانوا يأخُذون من الرِّشَا على الحُكْمِ، كما وصَفهم اللهُ به في قولِه:{وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 62]. وكان من أكلِهم أموالَ الناسِ بالباطلِ ما كانوا يأخُذون من أثمانِ الكتبِ التي كانوا يكتُبونها بأيديهم، ثم يقولون: هذا من عندِ اللهِ. وما أَشْبَهَ ذلك من المآكلِ الخسيسةِ

(1)

الخبيثةِ. فعاقبَهم اللهُ على جميعِ ذلك بتحريمِه ما حرَّم عليهم من الطيباتِ التي كانت لهم حلالًا قبلَ ذلك. وإنما وصَفهم اللهُ بأنهم أكَلوا ما أكَلوا من أموالِ الناسِ كذلك بالباطلِ؛ لأنهم

(2)

أكَلوه بغيرِ استحقاقٍ، وأخَذوا أموالَهم منهم بغيرِ استيجابٍ

(3)

.

وقولُه جل ثناؤُه: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} . يعنى: وجَعَلنا للكافرين باللهِ ورسولِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم من هؤلاء اليهود العذابَ الأليمَ، وهو المُوجِعُ من عذابِ جهنمَ، عُدَّةً

(4)

يصلَوْنها في الآخرةِ، إذا ورَدوا على ربِّهم، فيعاقبُهم بها.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ، رحمه الله: وهذا من اللهِ جلَّ ثناؤُه استثناءٌ، اسْتَثنى من أهلِ الكتابِ من اليهودِ الذين وصَف صفتَهم في هذه الآياتِ التي مضَت من قولِه:{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} .

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

في م: "بأنهم".

(3)

في الأصل: "استحباب".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"عنده".

ص: 678

ثم قال جلَّ ثناؤُه لعبادِه مبيِّنًا لهم حكمَ مَن قد هداه لدينِه منهم منهم، ووفَّقه لرشدِه: ما كُلُّ أهلِ الكتابِ صفتُهم الصفةُ التى وَصفتُ لكم، {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} . وهم الذين قد رسَخوا فى العلمِ بأحكامِ اللهِ التي جاءت بها أنبياؤُه، وأَتْقَنوا

(1)

ذلك، وعرَفوا حقيقتَه.

وقد بيَّنا معنى الرسوخِ فى العلمِ بما أغنى عن إعادتِه في هذا الموضعِ

(2)

.

{وَالْمُؤْمِنُونَ} يعنى: والمؤمنون باللهِ ورسلِه منهم

(3)

، يؤمِنون بالقرآنِ الذى أَنْزَل اللهُ إليك يا محمدُ، وبالكتبِ التى أَنْزَلها على مَن قبلَك من الأنبياءِ والرسلِ، ولا يسألُونك [ما سأَلك]

(4)

هؤلاء الجَهَلَةُ منهم، أن تُنزِّلَ عليهم كتابًا من السماءِ؛ لأنهم قد علِموا بما قرَءوا من كتبِ اللهِ، وأتتْهم به أنبياؤُهم، [أنك للهِ]

(5)

رسولٌ، واجبٌ عليهم اتباعُك، لا يَسعُهم غيرُ ذلك، فلا حاجةَ بهم إلى أن يسألُوك آيةً معجِزةً ولا دلالةً، غيَر الذى قد علِموه من أمرِك بالعلمِ الراسخِ في قلوبِهم، من إخبارِ أنبيائِهم إيَّاهم بذلك، وبما أعطيتُك من الأدلةِ على نبوّتِك، فهم لذلك من علمِهم ورسوخِهم فيه يُؤْمنون [بك و]

(6)

بما أُنزِل إليك من الكتابِ، وبما أُنزل من قبلِك من سائرِ الكتبِ.

كما حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} : اسْتَثنى اللهُ ثَنِيَّةً

(7)

من أهلِ الكتابِ، وكان منهم من يؤمِنُ باللَّهِ وما أُنْزِل

(1)

في ص، ت 1، س:"وأيقنوا".

(2)

ينظر ما تقدم في 5/ 223 - 225.

(3)

فى م: "وهم".

(4)

في ص: "كما سألك" وفى م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"كما سأل".

(5)

في الأصل: "أنه".

(6)

سقط من: م.

(7)

غير منقوطة في الأصل، وفى ص، ت 1، ت 2، ت 3:"منهم نبيه"، وفى س:"منهم بقية"، =

ص: 679

عليهم، وما أُنزِل على نبيٍ اللهِ، يؤمنون به، ويصدِّقون به، ويعلَمون أنه الحقُّ من ربَّهم

(1)

.

ثم اختلَفوا فى المقيمين الصلاةَ، أهم الراسخون في العلمِ أم

(2)

غيرهم؟ فقال بعضُهم: هم هم، ثم اخْتَلف قائلو ذلك في سببِ مخالفةِ إعرابِهم إعرابَ الراسخين في العلمِ، وهما من صفةِ نوعٍ من الناسِ؛ فقال بعضُهم: ذلك غَلَطٌ من الكاتبِ، وإنما هو: لكنِ الراسخون في العلمِ منهم والمقيمون الصلاةَ.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنى المثنى، قال: ثنا الحجَّاجُ بنُ المنهالِ، قال: ثنا حمادُ بنُ سَلَمَةَ، عن الزُّبيرِ، قال: قلت لأبانِ بنِ عثمانَ: بنِ عفانَ ما شأنها كُتِبت: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} . قال: إن الكاتبَ لما كتَب: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} . حتى إذا بلَغ، قال: ما أكتبُ؟ قيل له: اكتبْ: والمقيمن الصلاةَ. فكتَب ما قيل له

(3)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ

(4)

، قال: ثنا أبو معاويةَ، عن هشامِ بنِ عروةَ، عن أبيه، أنه سأل عائشةَ عن قولِه:{وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} . وعن قولِه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} [المائدة: 69]. وعن قولِه: هذن {إِنْ هَذَانِ

= والثنية: ما استثنى من الشئ. اللسان (ث ن ى).

(1)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 246 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

بعده فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"هم".

(3)

أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة 3/ 1014، وابن أبى داود في المصاحف ص 33 من طريق حماد بن سلمة به، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 2/ 246 إلى عبد بن حميد وابن المنذر، وينظر مجموع الفتاوى 15/ 255.

(4)

في م: "حميد".

ص: 680

لَسَاحِرَانِ} [طه: 63]. فقالت: يا بنَ أختى

(1)

، هذا عملُ الكُتَّابِ

(2)

أَخْطئوا فى الكِتَابِ

(3)

.

وذُكِر أن ذلك في قراءةِ ابنِ مسعودٍ: (والمقيمون الصلاةَ)

(4)

.

وقال آخرون -وهو قولُ بعضِ

(5)

بعض نحويِّى الكوفةِ والبصرةِ-: والمقيمون من صفةِ الراسخين في العلمِ. ولكنّ الكلامَ لما تطاوَل، واعْتَرَض بينَ الراسخين في العلمِ والمقيمين الصلاةَ ما اعْتَرَض من الكلامِ، فطال، نصَب المقيمين الصلاةَ على وجهِ المدحِ. قالوا: والعربُ تفعَلُ ذلك فى صفةِ الشيءِ الواحدِ ونعتِه، إذا تطاولت بمدحٍ أو ذمٍّ، خالفوا بينَ إعرابِ أوَّلِه وأوسطِه أحيانًا، ثم رجَعوا بآخرِه إلى إعرابِ أوَّلِه، وربما أَجْرَوا إعرابَ آخرِه على إعرابِ أوسطِه، وربما أَجْرَوا ذلك على نوعٍ واحدٍ من الإعرابِ. واسْتَشْهَدوا لقولِهم ذلك بالأبياتِ

(6)

التي قد ذكرتُها فى

(1)

فى ص، ت 2، س، ومعانى القرآن للفراء:"أخى".

(2)

في ص، ت 1، س:"الكاتب".

(3)

أخرجه الفراء في معانى القرآن 1/ 106،، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 160، 161، وسعيد بن منصور في سننه (769 - تفسير)، وابن أبي داود في المصاحف ص 34 من طريق أبي معاوية به. وأخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة 3/ 1013، 1014 من طريق هشام به. وعزاه السيوطى في الدر المنثور 2/ 246 إل ابن أبي شيبة وابن المنذر. وقال ابن هشام في شذور الذهب ص 50، 51: وهذا خبر باطل لا يصح من وجوه؛ أحدها: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتسارعون إلى إنكار المنكرات، فكيف يُقرون اللحن في القرآن؟!، والثاني: أن العرب كانت تستقبح اللحن غاية الاستقباح في الكلام فكيف في القرآن؟! ثم قال، نقلا عن المهدونى فى شرح الهداية:

ولم يوجد في القرآن العظيم حرف واحد إلا وله وجه صحيح في العربية، وقد قال الله تعالى (لا يأتيه الباطل من بين يديه

) والقرآن محفوظ من اللحن والزيادة والنقص. وينظر تفسير البغوى 2/ 310، وتفسير القرطبي 14/ 6، 15، والفتاوى 15/ 248 وما بعدها، والإتقان 1/ 183.

(4)

ينظر معانى القرآن للفراء 1/ 106.

(5)

سقط من: الأصل.

(6)

في الأصل، م، ت 2، س:"بالآيات".

ص: 681

قولِه: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}

(1)

[البقرة: 177].

وقال آخرون: بل المقيمون الصلاةَ من صفةِ غيرِ الراسخين فى العلمِ فى هذا الموضعِ، وإن كان الراسخون فى العلمِ من المقيمين الصلاةَ.

وقال قائلو هذه المقالةِ جميعًا: موضعُ المقيمين فى الإعرابِ خفضٌ؛ فقال بعضُهم: موضعُه خفضٌ على العطفِ على "ما" التي فى قولِه: {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} : ويؤمنون بالمقيمين الصلاةَ.

ثم اخْتَلَف متأوِّلو ذلك

(2)

هذا التأويلَ فى معنى الكلامِ؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: والمؤمنون يؤمنون بما أُنزِل إليك وما أُنْزِل من قبلِك وبإقامِ الصلاةِ، قالوا: ثم ارْتَفع قولُه: {وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} . عطفاً على ما فى {يُؤْمِنُونَ} من ذكرِ المؤمنين. كأنه قيل: والمؤمنون يؤمنون بما أُنْزِل إليك هم

(3)

والمؤتون الزكاةَ.

وقال آخرون: بل المقيمون الصلاةَ الملائكةُ. قالوا: وإقامتُهم الصلاةَ تسبيحُهم ربَّهم، واستغفارُهم لمن فى الأرضِ. قالوا: ومعنى الكلامِ: والمؤمنون يؤمنون بما أُنْزِل إليك وما أُنْزِل من قبلِك وبالملائكةِ.

وقال آخرون منهم: بل معنى ذلك: والمؤمنون يؤمنون بما أُنْزِلَ إليك وما أُنْزِل من قبلك، ويؤمنون بالمقيمين الصلاةَ، هم والمؤتون الزكاةَ. كما قال جلَّ ثناؤُه: ؤمن {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 61]. وأَنْكَر قائلو هذه المقالةِ أن يكونَ

(1)

ينظر ما تقدم فى 3/ 89، 90.

(2)

بعده فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"فى".

(3)

زيادة من: م.

ص: 682

{وَالْمُقِيمِينَ} منصوبًا على المدح. وقالوا: إنما تنصِبُ العربُ على المدح [من نعتِ]

(1)

مَن ذكَرتْه بعدَ تمامِ خبرِه. قالوا: وخبرُ الراسخين في العلمِ قولُه: {أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} . قالوا: فغيرُ جائزٍ نصبُ {وَالْمُقِيمِينَ} على المدحِ وهم

(2)

في وسَطِ الكلامِ، ولمّا يَتِمَّ خبرُ الابتداءِ.

وقال آخرون: معنى ذلك: لكن الراسخون في العلمِ منهم ومن المقيمين الصلاةَ. وقالوا: موضع {وَالْمُقِيمِينَ} خفضٌ.

وقال آخرون: معناه: والمؤمنون يؤمنون بما أُنْزِل إليك وإلى المقيمين الصلاةَ.

وهذا الوجهُ و

(3)

الذى قبلَه متكرَّةٌ

(4)

عندَ العربِ، ولا تكادُ العربُ تعطِفُ بظاهرٍ

(5)

على مكنىٍّ في حالِ الخفضِ، وإن كان ذلك قد جاء في بعضِ أشعارِها.

وأولى الأقوالِ عندى بالصوابِ أن يكونَ {وَالْمُقِيمِينَ} في موضعِ خفضٍ، نَسَفًا على {وَمَا} التى فى قولِه

(6)

: {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} . وأن يُوجَّهَ معنى المقيمين الصلاةَ إلى الملائكةِ. فيكون تأويلُ الكلامِ: والمؤمنون منهم يؤمنون بما أُنزِل إليك يا محمدُ من الكتابِ، وبما أُنْزِل مِن قبلِك من كُتُبِي، وبالملائكةِ الذين يقيمون الصلاةَ. ثم يرجِعُ إلى صفةِ الراسخين في العلمِ فيقولُ: لكنِ الراسخون في العلمِ منهم والمؤمنون بالكتبِ والمؤتون الزكاةَ والمؤمنون باللهِ واليومِ الآخرِ.

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"هو".

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"منكر".

(5)

فى م: "لظاهر".

(6)

بعده فى م: "بما أنزل إليك".

ص: 683

وإنما اخْتَرنا هذا القولَ على غيرِه؛ لأنه قد ذُكِر أن ذلك فى قراءةِ أُبىِّ بنِ كعبٍ: (والمقيمين)

(1)

. وكذلك هو في مصحفِه [فيما ذكَروا]

(2)

، فلو كان ذلك خطأً من الكاتبِ لكان الواجبُ أن يكونَ فى كل المصاحفِ غيرِ مصحفِنا الذى كتبَه لنا الكاتبُ الذى أَخْطَأ في كتابتِه

(3)

، بخلافِ ما هو في مصحفِنا، وفي اتفاقِ مصحفِنا ومصحفِ أُبىٍّ فى ذلك، ما يدلُّ على أن الذى في مصحفِنا من ذلك صوابٌ غيرُ خطأٌ. مع أن ذلك لو كان خطأً مَن جهةِ الخطِّ، لم يكنِ الذين أُخِذ عنهم القرآنُ من أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يعلِّمون مَن علَّموا ذلك من المسلمين على وجهِ اللحنِ، ولأصلَحُوه بألسنَتِهم، ولقَّنوه الأُمَّةَ تعليمًا على وجهِ الصوابِ. وفى نقلِ المسلمين جميعًا ذلك قراءةً على ما هو به في الخطِّ مرسومًا، أدلُّ الدليلِ على صحةِ ذلك وصوابِه، وأن لا صُنْعَ في ذلك للكاتبِ.

وأما مَن وجَّه ذلك إلى النصبِ على وجهِ المدحِ للراسخين في العلمِ، وإن كان ذلك قد يَحْتَمِلُ على بُعْدٍ من كلامِ العربِ؛ لما قد ذكرْتُ قبلُ من العلةِ، وهو أن العربَ لا تعدِلُ عن إعرابِ الاسمِ المنعوتِ بنعتٍ فى نعتِه إلا بعدَ تمامِ خبرِه، وكلامُ اللهِ أفصحُ الكلامِ، فغيرُ جائزٍ توجيهُه إلا

(4)

إلى الذي هو به من الفصاحةِ.

وأما توجيهُ مَن وجَّه ذلك إلى العطفِ به على

(5)

الهاءِ والميم في قولِه: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} . أو إلى العطفِ على الكافِ من قولِه: {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} . أو إلى الكافِ من قولِه: {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} . فإنه أبعدُ من الفصاحةِ

(1)

ينظر معاني القرآن 1/ 106.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في ص، م، ت، ت 2، ت 3، س:"كتابه".

(4)

سقط من: الأصل.

(5)

في الأصل: "إلى".

ص: 684

من نصبِه على المدح؛ لما قد ذكَرتُ قبلُ من قُبْحِ ردِّ الظاهرِ على المكنىِّ في الخفضِ.

وأما توجيهُ من وجَّةَ المقيمين إلى الإقامةِ، فإنه دَعْوَى لا برهانَ

(1)

عليها من دلالةِ ظاهرِ التنزيلِ، ولا خبرٍ تثبُتُ حجَّتُه، وغيرُ جائزٍ نقلُ ظاهرِ التنزيلِ إلى باطنٍ بغيرِ برهانٍ.

وأما قوله: {وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} . فإنه معطوفٌ على قولِه: {وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ} . وهو من صفتِهم، وتأويلُه: والذين يعطُون زكاةَ أموالِهم مَن جعَلها اللهُ له، وصرَفها إليه، {وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}. يعنى: والمصدِّقون بوحدانيةِ اللهِ وألوهتِه

(2)

، وبالبعثِ بعدَ المماتِ، والثوابِ والعقابِ، {أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا}. يقولُ: هؤلاء الذين هذه صفتُهم {سَنُؤْتِيهِمْ} . يقولُ: سَنُعطيهم {أَجْرًا عَظِيمًا} . يعنى: جزاءً على ما كان منهم من طاعةِ اللهِ، واتِّباعِ أمرِه، وثوابًا عظيمًا وذلك الجنةُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ، رحمه الله: يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} : إنا أَرْسَلنا إليك يا محمدُ بالنبوَّةِ كما أَرْسَلَنا إلى نوحٍ وإلى سائرِ الأنبياءِ الذين سمَّيتُهم لك مِن بعدِه، والذين لم أُسمّهم لك.

كما حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن الأعمشِ، عن مُنْذِرٍ الثورىِّ، عن

(1)

بعده في ت 1: "له".

(2)

فى م: "ألوهيته".

ص: 685

الرَّبيع بن خُثَيم

(1)

فى قولِه: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} . قال: أَوْحَى اللهُ إليه كما أَوْحَى إلى جميعِ النبيِّين مِن قبلِه

(2)

.

وذُكِر أن هذه الآيةَ نزَلت على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعضَ اليهودِ لما فضَحهم اللهُ بالآياتِ التى أَنْزَلها على رسولِه صلى الله عليه وسلم، وذلك من قولِه:{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} . فتلا ذلك عليهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالوا

(3)

: ما أَنْزَل اللهُ على بشرٍ من شيءٍ من بعدِ موسى. فأَنْزَل اللهُ هذه الآياتِ تكذيبًا لهم، وأَخْبَر نبيَّه والمؤمنين به أنه قد أَنْزَل عليه بعدَ موسى، وعلى من سمَّاهم فى هذه الآيةِ، وعلى آخرِين لم يسمِّهم.

كما حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا يونسُ بنُ بكيرٍ، وحدثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن محمدِ بن إسحاقَ، قال: ثنى محمدُ بنُ أبي محمدٍ مولى زيدِ بنِ ثابتٍ، قال: ثني سعيدُ بنُ جبيرٍ، أو عكرمةُ، عن ابنِ عباسٍ، قال: قال سُكَينٌ [وعدىُّ بنُ زيدٍ]

(4)

: يا محمدُ، ما نعلَمُ اللَّهَ أَنْزَل على بشرٍ من شيءٍ بعدَ موسى. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فى ذلك من قولِهما:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} . إلى آخرِ الآياتِ

(5)

.

(1)

فى الأصل، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"خيثم".

(2)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 246 إلى المصنف.

(3)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قال".

(4)

فى الأصل "وعدنى أبو زيد" وفى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"وعدى بن ثابت" وفى تفسير ابن أبى حاتم ودلائل النبوة للبيهقى: "وعدى بن يزيد". والمثبت من سيرة ابن هشام والدر المنثور، وقد ذكره ابن هشام ضمن من ذكرهم من يهود بنى قينقاع هو وصاحبه سكين بن أبى سكين 2/ 514.

(5)

سيرة ابن هشام 2/ 562، وأخرجه البيهقى فى الدلائل 2/ 535 من طريق يونسُ بن بكير به. وأخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 4/ 1118 (6278) من طريق سلمة عن ابن إسحاق من قوله، وعزاه السيوطي فى الدر المنثور 2/ 246 إلى ابن المنذر.

ص: 686

وقال آخرون: بل قالوا لما أنزل اللهُ جل ثناؤُه الآياتِ التي قبلَ هذه فى ذكرِهم: ما أنزل اللهُ على بشرٍ من شيءٍ، ولا على موسى، ولا على عيسى. فَأَنْزَل اللهُ جلَّ ثناؤُه:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}

(1)

[الأنعام: 91].

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنى الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا أبو مَعشرٍ، عن محمدِ بنِ كعبٍ القُرْظىِّ، قال: أَنْزَل اللهُ: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} . إلى قولِه: {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} . فلما تلاها عليهم، يعنى على اليهودِ، وأَخْبَرهم بأعمالِهم الخبيثةِ، جحَدوا كلَّ ما أَنْزَلَ اللَّهُ، وقالوا: ما أنزل اللهُ على بشرٍ من شيءٍ، ولا على موسى، ولا على عيسى، وما أنزل اللهُ على نبىٍّ من شيءٍ. قال: فحلَّ حُبْوتَه

(2)

، وقال: ولا على أحدٍ! فَأَنْزَل اللهُ جلَّ ثناؤُه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}

(3)

.

وأما قولُه: اوود {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} . فإن القرَأةَ اخْتَلفت فى قراءتِه؛ فقرَأته عامةُ قرأَةِ أمصارِ الإسلامِ غيرَ نفرٍ من قرأَةِ الكوفِة: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} . بفتحِ الزاىِ على التوحيدِ، بمعنى: وآتينا داودَ الكتابَ المسمَّى زبورًا.

وقرأ ذلك بعضُ قرأَةِ الكوفيين: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} . بضمِّ الزاىِ

(4)

، جمعُ

(1)

بعده فى م: "ولا على موسى ولا على عيسى".

(2)

الحُبْوة: الاسم من الاحتباء، وهو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليه، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب. اللسان (ح ب و).

(3)

ذكره ابن كثير فى تفسيره 2/ 422 عن المصنف. وبضم الزاى قرأ حمزة، وقرأ الباقون بفتح الزاى كالوجه الأول. حجة القراءات ص 219.

(4)

بعده فى الأصل: "بمعنى".

ص: 687

زَبْرٍ. كأنهم وجَّهوا تأويلَه: وآتينا داودَ كتبًا وصحفًا مَزبورةً. من قولِهم: زَبَرْتُ الكتابَ أَزْبُرُه زَبُرًا، وزَبَرْتُه أَزْبِرُه زَبْرًا: إذا كتبتَه.

وأَوْلَى القراءتين فى ذلك بالصوابِ عندَنا قراءةُ مَن قرأ: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} . بفتح الزاىِ على أنه اسمُ الكتابِ الذى أُوتيَه داودُ، كما سُمِّى الكتابُ الذى أُوتيَه موسى التوراةَ، والذى أُوتيَه عيسى الإنجيلَ، والذي أُوتيَه محمدٌ الفرقانَ؛ لأن ذلك هو الاسمُ المعروفُ به ما أُوتىَ داودُ. إنما تقولُ العربُ: زَبورُ داودَ. بذلك يعرِفُ كتابَه سائرُ الأممِ.

‌القولُ فى تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ، رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: إنا أَوْحَينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ وإلى رسلٍ قد قصَصناهم عليك، ورسلٍ

(1)

لم نقصُصْهم عليك.

فلعل قائلاً أن يقولَ: فإذا كان ذلك معناه، فما بالُ قولِه:{وَرُسُلًا} . منصوبًا غيرَ

(2)

مخفوضٍ؟ قيل: نُصِب ذلك إذ لم يَعُدْ عليه "إلى" التى خفَضت الأسماءَ قبلَه، وكانت الأسماءُ قبلَه

(3)

وإن كانت مخفوضةً، فإنها فى معنى النصبِ؛ لأن معنى الكلامِ: إنا أرسلناك رسولاً كما أرسلنا نوحًا والنبيِّين من بعدِه. فعُطِفت الرسلُ على معنى الأسماءِ قبلَها فى الإعرابِ؛ لانقطاعِها عنها دونَ

(1)

فى الأصل، س:"ورسلا".

(2)

فى الأصل: "على".

(3)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"قبلها".

ص: 688

ألفاظِها، إذ لم يعُدْ

(1)

عليها ما خفَضها، كما قال الشاعرُ

(2)

:

لو جِئْتَ بالخُبْزِ

(3)

له مُنَشَّرَا

(4)

والبَيْضَ مَطْبُوحًا معا

(5)

والشكَّرَا

لم يُرْضِهِ ذلك حتى يَسْكَرَا

(6)

وقد يَحتمِلُ أن يكونَ نصَب الرسلَ لتَعَلُّقِ الواوِ بالفعلِ، بمعنى: وقصَصنا رسلاً عليك من قبلُ. كما قال جلَّ ثناؤُه: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: 31].

وقد ذُكِر أن ذلك فى قراءةِ أُبَىٍّ: (ورسلٌ قد قصَصناهم عليك من قبلُ ورسلٌ لم نَقصُصْهم عليك)

(7)

. فرفْعُ ذلك إذا قُرِئ كذلك بعائدِ الذِّكْرِ فى قولِه: {قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ} .

وأما قولُه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} . فإنه يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وخاطَب اللهُ موسى بكلامِه خطابًا.

وقد حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا نوحُ بنُ أبى مريمَ

(8)

وسُئل: كيف كلَّم اللهُ موسى تكليمًا؟ فقال: مشافهةً

(9)

.

وقد حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن ابنِ مبارَكٍ، عن معمرٍ ويونسَ،

(1)

فى الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"يكن".

(2)

الرجز فى التبيان 3/ 393.

(3)

فى ص، ت 1، س:"لنا بالخير".

(4)

فى الأصل، والتبيان:"ميسرا"، وفى ص، ت 1، س:"مبشرا".

(5)

فى الأصل: "له".

(6)

فى التبيان: "يشكرا".

(7)

ينظر معاني القرآن للفراء 1/ 295.

(8)

فى ص، ت 2، س:"هند"، وفى ت 1:"نوح".

(9)

أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره 4/ 1120 (6289) من طريق أبى تميلة.

ص: 689

عن الزهرىِّ، عن أبي بكرِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ بنِ هشامٍ، قال: أخبرنى جُزَىُّ

(1)

بنُ جابرٍ الخَثْعَمىُّ، قال: سمِعتُ كعباً يقولُ: إن اللهَ لما كلَّم موسى، كلّمه بالألسنةِ كلِّها قبلَ كلامِه -يعنى كلامَ موسى- فجعَل موسى يقولُ: يا ربِّ، لا أفهَمُ. حتى كلَّمه بلسانِه آخرَ الألسنةِ، فقال: يا ربِّ، هكذا كلامُك؟ قال: لا، ولو سمِعتَ كلامي -أى على وجهِهِ- لم تكُ

(2)

شيئًا

(3)

.

قال ابنُ وكيعٍ

(4)

، قال أبو أسامةَ: وزادني أبو بكرٍ الصَّغَانىُّ

(5)

فى هذا الحديثِ: أن موسى قال: يا ربِّ، هل فى خلقِك شيءٌ يُشْبِهُ كلامَك؟ قال: لا، وأقربُ خلقِى

(6)

شبهًا بكلامى، أشدُّ ما يسمَعُ الناسُ من الصواعقِ.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن عمرَ

(7)

بن حمزةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ

(8)

، قال: سمِعتُ محمدَ بنَ كعبٍ القُرَظىَّ يقولُ: سئِل موسى: ما شبَّهتَ كلامَ ربِّك مما خلَق؟ فقال موسى: الرعدُ الساكنُ

(9)

.

(1)

فى م: "جزء". وقد اختلف فى اسمه على الزهرى. ينظر التاريخ الكبير 2/ 256، والجرح 2/ 546، 547.

(2)

فى الأصل: "يك".

(3)

تفسير عبد الرزاق 2/ 238، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 115 إلى ابن أبى حاتم والبيهقي فى الأسماء والصفات.

(4)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"كعب".

(5)

أبو بكر الصغاني شيخ الطبرى، ولا شك أن أبا أسامة لم يرو عنه قط، فواضح أن القائل: وزادني أبو بكر الصغانى هو المصنف، فإما أن يكون سقط من الناسخ شيء، أو أن يكون المملى أراد أن ينتقل إلى الإسناد التالي فأملى صدر الإسناد ثم عاد لما فاته من تتمة كلام الطبرى، أفاده الشيخ محمود شاكر رحمه الله فى تعليقه 9/ 405.

(6)

فى الأصل: "خلقا".

(7)

فى الأصل: "عمرو". وينظر تهذيب الكمال 21/ 311.

(8)

فى ص: "عمرو".

(9)

كذا فى النسخ والدر المنثور، وقد تكون:"الساكب". من سكب الماء بمعنى صبه. ينظر التاج (س ك ب). والأثر عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 115 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 690

[حدَّثنى يونسُ، قال: أخبرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: أخبرني يونسُ، عن ابنِ شِهابٍ، قال: أخبرني أبو بكرِ بنُ عبدِ الرحمنِ، أنه أخبره عن جزءِ

(1)

بنِ جابرٍ الخَثْعَمىِّ، قال: لما كلَّم اللهُ موسى كلَّمه

(2)

بالألسنةِ كلِّها قبل لسانِه، فطفِق يقولُ: واللهِ يا ربِّ، ما أفقَهُ هذا. حتى كلَّمه بلسانِه آخرَ الألسنةِ، بمثلِ صوتِه، فقال موسى: يا ربِّ، هذا كلامُك؟ قال:[لا. قال: هل فى خلقِك شيءٌ يشبهُ كلامَك؟ قال]

(3)

: لا، وأقربُ خلقى شبهًا بكلامى، أشدُّ ما يسمعُ الناسُ من الصواعقِ.

حدَّثنا ابنُ عبدِ الرحيمِ البرْقىُّ، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا زُهيرٌ، عن يحيى، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبى بكرِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ بنِ هشامٍ، عن [جَزْءِ ابنِ]

(3)

جابرٍ، أنه سمِع كعبَ الأحبارِ يقولُ: لما كلَّم اللهُ موسى بالألسنةِ قبلَ لسانِه، طَفِق موسى يقولُ: أَىْ ربِّ، لا أفقهُ هذا. حتى كلَّمه اللهُ آخرَ الألسنةِ بمثلِ لسانِه، فقال موسى: أَىْ ربِّ، هذا كلامُك؟ قال اللهُ: لو كلَّمتُك بكلامى لم تكُ شيئًا. قال: يا ربِّ، فهل مِن خلقِك شيءٌ يشبهُ كلامَك؟ قال: لا، وأقربُ خَلْقى شبهًا بكلامي، أشدُّ ما يُسْمَعُ من الصواعقِ]

(4)

.

حدَّثنى أبو يونسَ المكىُّ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ يزيدَ، قال: ثنا ابنُ أبى أُوَيسٍ، قال: أخبرنى أخى، عن سليمانَ، عن محمدِ بنِ أبى عَتيقٍ، عن ابنِ شهابٍ، عن

(1)

فى الأصل: "جرير".

(2)

سقط من: م.

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3، س. وقد أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره 4/ 1119 (6287) من طريق الزهرى به.

ص: 691

أبى بكرِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ بنِ هشامِ، أنه أخبره جزءُ

(1)

بنُ جابرٍ الخَثْعَمِىُّ، أنه سمِع [كعبَ الأحبارِ يقولُ]

(2)

: لما كلَّم اللهُ موسى كلَّمه

(3)

بالألسنةِ كلِّها قبلَ لسانهِ، فطَفِق موسى يقولُ: أَى ربِّ، واللهِ ما أفقهُ هذا. حتى كلَّمه آخرَ الألسنةِ بلسانهِ، بمثلِ صوتِه، فقال موسى: أى ربِّ، أهذا

(4)

كلامُك؟ قال: لو كلَّمتُك بكلامى لم تكُ شيئًا. قال: أَىْ ربِّ، هل من

(5)

خلقِك شيءٌ يشبِهُ كلامَك؟ قال: لا، وأقربُ خلقى شبهًا بكلامي، أشدُّ ما يُسْمَعُ من الصواعقِ

(6)

.

‌القولُ فى تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤُه بذلك: إنا أَوْحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيِّين من بعدِه. ومَن ذكَر من

(7)

الرسلِ، {رُسُلًا} . فنصَب

(8)

الرسلَ على القطعِ من أسماءِ الأنبياءِ الذين ذكَر أسماءَهم، {مُبَشِّرِينَ}. يقولُ: أرسلتُهم رسلاً إلى خلقى وعبادي، مبشرين بثوابى مَن أطاعنى، واتَّبع أمرى، وصدَّق رسلى، {وَمُنْذِرِينَ} عقابى مَن عصانى،

(1)

فى الأصل: "جرير".

(2)

فى م: "الأحبار تقول".

(3)

سقط من: م.

(4)

فى م: "أهكذا".

(5)

فى م: "فى".

(6)

قال ابن كثير فى تفسيره 2/ 428: فهذا موقوف على كعب الأحبار، وهو يحكى عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بنى إسرائيل، وفيها الغث والسمين.

(7)

سقط من ص، ت 1، ت 2، ت 3، س.

(8)

بعده فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"به".

ص: 692

وخالف أمرى، وكذَّب رسلى، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}. يقولُ: أرسلتُ رسلى إلى عبادِى مبشِّرين ومنذِرين؛ لئلا يحتجَّ من كفَر بى وعبَد الأندادَ مِن دونى، أو ضلَّ عن سبيلى، بأن يقولَ إن أردتُ عقابَه:{لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: 134]. فقطع جل ثناؤُه حُجَّةَ كلِّ مبطلٍ أَلْحد فى توحيدِه، وخالَف أمرَه، بجميعِ

(1)

معانى الحُججِ القاطعةِ عُذْرَه، إعذارًا منه بذلك إليهم؛ لتكونَ للهِ الحجةُ البالغةُ عليهم، وعلى جميعِ خلقِه.

وبنحوِ الذى قلنا فى ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المفضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدىِّ:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} : فيقولوا: ما أرسلتَ إلينا رسولاً

(2)

.

{وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا} . يقولُ: ولم يزلِ اللَّهُ ذا عزةٍ فى انتقامِه ممَّن انتقَم مِن خلقِه على، كفرِه به، ومعصيتِه إيَّاه، بعدَ تثبيتِه حجتَه

(3)

عليه برسلِه وأدلتِه، {حَكِيمًا} فى تدبيرِه فيهم ما دبَّر.

‌القولُ فى تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166)} .

(1)

فى الأصل: "وجميع".

(2)

فى م: "رسلاً".

(3)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"حجته".

ص: 693

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: إن تكفُرْ -بالذى أوحينا إليك يا محمدُ- اليهودُ الذين سألوك أن تُنَزِّلَ عليهم كتاباً من السماءِ، وقالوا لك: ما أَنْزَل الله على بشرٍ من شيءٍ. فكذَّبوك، فقد كذَبوا، ما الأمرُ كما قالوا، لكن اللهُ يشهَدُ بتنزيلِه إليك [ما أنزَل]

(1)

من كتابِه ووحيِه، أَنْزَل ذلك إليك بعلمٍ منه بأنك خِيرَتُه من خلقِه، وصفيُّه من عبادِه، ويشهَدُ لك بذلك ملائكتُه، فلا يحزُنْك تكذيبُ مَن كذَّبك، وخلافُ مَن خالفك، {وَكَفَى

(2)

بِاللَّهِ شَهِيدًا}. يقولُ: وحَسْبُك باللهِ شاهدًا على صدقِك دونَ مَن

(3)

سواه من خلقِه، فإنه إذا شهِد لك بالصدقِ ربُّك، لم يضرَّك تكذيبُ مَن كذَّبك.

وقد قيل: إنّ هذه الآيةَ نزلت فى قومٍ من اليهودِ دعاهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم إلى اتباعِه، وأخبَرهم أنهم يعلَمون حقيقةَ نبوَّتِه، فجحَدوا نبوَّتَه، وأَنْكَروا معرفتَه.

ذكرُ الخبرِ بذلك

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا يونسُ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، قال: ثنى محمدُ بنُ أبى محمدٍ مولى زيدِ بنِ ثابتٍ، قال: ثني سعيدُ بنُ جبيرٍ، أو عكرمةُ، عن ابنِ عباسٍ، قال: دخَل على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جماعةٌ من يهودَ، فقال لهم:"إنى واللهِ أعلمُ أنكم لَتعلَمون أنى رسولُ اللَّهِ". فقالوا: ما نعلمُ ذلك. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}

(4)

.

(1)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3:"بما أنزل إليك"، وفى م:"ما أنزله"، وفى س:"بما أنزل".

(2)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"كفاك".

(3)

فى م: "ما".

(4)

أخرجه البيهقي فى دلائل النبوة 2/ 533 من طريق يونس بن بكير به، وأخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره 4/ 1120 (6295) من طريق ابن إسحاق به. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 248 إلى ابن إسحاق والمصنف وابن المنذر والبيهقي فى الدلائل.

ص: 694

حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، قال: ثنى ابنُ إسحاقَ، قال: ثنى محمدُ بنُ أبى محمدٍ، عن عكرمةَ، أو سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: دخَلتْ على رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عصابةٌ من اليهودِ. ثم ذكَر نحوَه.

حدَّثنا بشرُ بن معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} : شهودٌ واللهِ غيرُ مُتَّهَمةٍ

(1)

.

‌القولُ فى تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: إن الذين جحَدوا يا محمدُ نبوّتَك بعدَ علمِهم بها، من أهلِ الكتابِ الذين اقتصصتُ عليك قصتَهم، وأَنْكَروا أن يكونَ اللهُ أَوْحَى إليك كتابَه، {وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}. يعنى: عن الدينِ الذي بعَثك اللهُ به إلى خلقِه وهو الإسلامُ، وكان صدُّهم عنه قيلَهم للناسِ الذين يسألونهم عن محمدٍ من أهلِ الشركِ: ما نجِدُ صفةَ محمدٍ فى كتابِنا. وادِّعاءَهم أنهم عُهِد إليهم أن النبوَّةَ لا تكون إلا فى ولدِ هارونَ، ومن ذرِّيَّةِ داودَ، وما أَشْبَهَ ذلك من الأمورِ التي كانوا يثبِّطون الناسَ بها عن اتباعِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والتصديقِ به، وبما جاء به من عندِ اللهِ.

وقوله: {قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا} . يعنى: قد جارُوا عن قصدِ السبيلِ

(2)

جَوْرًا شديدًا، وزالوا عن المحجَّةِ

(3)

. وإنما يعنى جلَّ ثناؤُه بجَورِهم عن المحجةِ

(3)

(1)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 248 إلى المصنف وابن المنذر.

(2)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"الطريق".

(3)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"الحجة".

ص: 695

وضلالِهم عنها: إخطاءَهم دينَ اللهِ الذى ارتضاه لعبادِه، وابتعَث به رسولَه

(1)

. يقولُ: مَن جحَد رسالةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وصَدَّ عما بُعِث به من الملةِ مَن قَبِل منه، فقد ضلَّ، فذهَب عن الدينِ الذى هو دينُ اللهِ الذى ابتعث به أنبياءَه، ضلالاً بعيدًا.

‌القولُ فى تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: إن الذين جحَدوا رسالةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم[فكذَّبُوه، وكفَروا]

(2)

باللهِ بجحودِ ذلك، {وَظَلَمُوا} بمُقامِهم على الكفرِ، على علمٍ منهم بظلمِهم عبادَ اللهِ، وحسدًا للعربِ، وبغيًا على رسولِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}. يعنى: لم يكنِ اللهُ ليعفوَ

(3)

لهم عن ذنوبِهم، بتركِه

(4)

عقوبتَهم عليها، ولكنه يفضَحُهم بها جل ثناؤُه بعقوبتِه إياهم عليها،

{وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا} . يقولُ: ولم يكن اللهُ تعالى ذكرُه ليهدىَ هؤلاء الذين كفَروا وظلَموا، الذين وصَفنا صفتَهم، فيوفِّقَهم لطريقٍ من الطرقِ التى ينالون بها ثوابَ اللهِ، ويصِلُون بلزومِهم إياها

(5)

إلى الجنةِ، ولكنه يخذُلُهم عن ذلك، حتى يسلُكوا طريقَ جهنمَ. وإنما كنَى بذكرِ الطريقِ عن الدِّينِ. وإنما معنى الكلامِ: لم يكنِ اللهُ ليوفِّقَهم للإسلامِ، ولكنه يخذُلُهم عنه إلى طريقِ جهنمَ، وهو الكفرُ. يعني: حتى يكفُروا باللهِ ورسلِه، فيدخُلوا جهنَّمَ، {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}. يقولُ:

(1)

فى م: "رسله".

(2)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"فكفروا"، وفى م:"وكفروا".

(3)

فى الأصل، ت 2:"ليغفر".

(4)

فى الأصل: "لتركه".

(5)

فى ص، م:"إياه".

ص: 696

مقيمين فيها أبدًا، {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}. يقولُ: وكان تخليدُ هؤلاء الذين وصَفتُ لكم صفتَهم - فى جهنمَ على اللهِ يسيرًا؛ لأنه لا يقدِرُ مَن أراد ذلك به على الامتناعِ منه، ولا له أحدٌ يمنَعُه منه، ولا يستصعِبُ عليه ما أراد فعلَه به من ذلك، [وكلُّ ذلك على اللهِ يسيرٌ]

(1)

؛ لأن الخلقَ خلقُه، والأمرَ أمرُه.

‌القولُ فى تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى بقولِه جلَّ ثناؤُه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} . مشركي العربِ وسائرَ أصنافِ الكفرِ، {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ}. يعنى: محمدًا صلى الله عليه وسلم، قد جاءكم {بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ}. يقولُ: بالإسلامِ الذى ارتضاه اللهُ لعبادِه دينًا، يقولُ:{مِنْ رَبِّكُمْ} . يعنى: من عندِ رَبِّكم، {فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ}. يقولُ: فصدَّقوه وصدَّقوا بما جاءكم به من عندِ ربِّكم من الدينِ، فإن الإيمانَ بذلك خيرٌ لكم من الكفرِ به، {وَإِنْ تَكْفُرُوا}. يقولُ: وإن تجحدوا رسالتَه، وتكذِّبوا به، وبما جاءكم به من عندِ ربِّكم، فإنّ جحودَ كم ذلك وتكذيبَكم به لن يضرَّ غيرَكم، وإنما مكروهُ ذلك عائدٌ عليكم، دونَ [اللهِ الذى]

(2)

أمَركم بالذى بَعث به إليكم رسولَه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وذلك أن {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} مُلكًا وخلقًا، لا ينقُصُ كفرُكم بما كفَرتم به من أمرِه، وعصيانُكم إياه فيما عصيتموه فيه، من مُلكِه ولا سلطانِه شيئًا، {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}. يقولُ: وكان اللهُ عليمًا بما أنتم صائرون إليه من طاعتِه فيما أمَركم به وفيما نهاكم عنه، ومعصيتِه فى ذلك،

(1)

فى م: "وكان ذلك على الله يسيرا".

(2)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3:"الذى"، وفى م:"الذي الله".

ص: 697

وعلى علمٍ منه بذلك منكم أمَركم ونهاكم، {حَكِيمًا}. يعنى: حكيمًا فى أمرِه إيَّاكم بما أمَركم به، وفى نهيِه إيَّاكم عما نهاكم عنه، وفى غيرِ ذلك من تدبيرِه فيكم وفى غيرِكم من

(1)

خلقِه.

واخْتَلف أهلُ العربيةِ فى المعنى الذى من أجلِه نُصِب قولُه: {خَيْرًا لَكُمْ} ؛ فقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: نُصِب {خَيْرًا} على الخروجِ مما قبلَه من الكلامِ؛ لأنّ ما قبلَه من الكلامِ قد تمَّ، وذلك قولُه:{فَآمِنُوا} . وقال: قد سمِعتُ العربَ تفعَلُ ذلك فى كلِّ خبرٍ كان تامًّا، ثم اتصل به كلامٌ بعدَ تمامِه، على نحوِ اتصالِ "خير"

(2)

بما قبلَه، فتقولُ: لتقومَنَّ خيرًا لك. و: لو فعَلتَ ذلك خيرًا لك. و: اتقِ اللهَ خيرًا لك. قال: فأما إذا كان الكلامُ ناقصًا، فلا يكونُ إلا بالرفعِ، كقولِك: إن تتقِ اللهَ خيرٌ لك. و: إنْ تَصْبِرُ

(3)

خَيْرٌ لك

(4)

.

وقال آخرُ منهم

(5)

: جاء النصبُ فى "خير"؛ لأن أصلَ الكلامِ: فآمنوا هو خيرٌ لكم. فلما سقَط "هو" الذى هو مصدرٌ، اتصلَ الكلامُ بما قبلَه، والذي قبلَه معرفةٌ،، وخبرُه

(6)

نكرةٌ، فانتصب لاتصالِه بالمعرفةِ، لأن الإضمارَ من الفعلِ: قم فالقيامُ خيرٌ لك. و: لا تقمْ فتركُ القيامِ خيرٌ لك. فلما سقَط اتَّصل بالأولِ. وقال: ألا ترى أنك ترى الكنايةَ عن الأمرِ تصلُحُ قبلَ الخبِر، فتقولُ للرجلِ: اتقِ اللهَ هو خيرٌ لك. أى: الاتقاءُ خيرٌ لك. وقال: ليس نصبُه على إضمارِ "يكن"؛ لأن ذلك يأتى

(1)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3، س:"وفى".

(2)

فى الأصل، ت 1:"خبر".

(3)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"تصبروا".

(4)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س:"لكم".

(5)

ينظر معانى القرآن للفراء 1/ 295.

(6)

فى ص، م:"خير".

ص: 698

بقياسٍ يُبْطِلُ هذا، ألا ترى أنك تقولُ: اتقِ اللهَ تكنْ محسِناً. ولا يجوزُ أن تقولَ: اتقِ اللهَ محسِناً. وأنت تُضْمِرُ "كان"، ولا يصلُحُ أن تقولَ: انصُرْنا أخانا. وأنت تريدُ: تكنْ أخانا. وزعَم قائلُ هذا القولِ أنه لا يُجيزُ ذلك إلا فى "أفعل"

(1)

خاصَّةً، فتقولُ: افعَلْ كذا خيرًا لك. و: لا تفعَلْ هذا خيرًا لك وأفضلَ لك. ولا تقولُ

(2)

: صلاحاً لك. وزعَم أنه إنما قيل مع "أفعل"؛ لأن "أفعل" تَدلُّ على أن هذا أصلحُ من ذلك.

وقال بعضُ نحويِّى البصرةِ

(3)

: نُصِب {خَيْرًا} ؛ لأنه حينَ قال لهم: {فَآمِنُوا} . أمَرهم بما هو خيرٌ لهم، فكأنه قال: اعمَلوا خيرًا لكم. وكذلك: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} . قال: وهذا إنما يكونُ فى الأمرِ والنهىِ خاصَّةً، ولا يكونُ فى الخبِر، لا تقولُ (2): أنا

(4)

أنتهى خيرًا لى. ولكن يُرْفَعُ على كلامين؛ لأن الأمرَ والنهىَ يُضْمَرُ فيهما، فكأنك أَخْرَجتَه من شيءٍ إلى شيءٍ؛ لأنك حينَ قلتَ له: انتهِ

(5)

. كأنك قلتَ له: اخرُجْ من ذا، وادخُلْ

(6)

فى آخَرَ. وَاسْتَشْهَد بقولِ عمرَ بنِ أبي ربيعةَ

(7)

:

فوَاعِدِيهِ سَرْحَتَىْ

(8)

مالكٍ

أو الرُّبَا

(9)

بينَهما أَسْهَلَا

(1)

فى ص، ت 2:"أفعال"

(2)

فى الأصل: "تقل".

(3)

ينظر الكتاب 1/ 282 وما بعدها.

(4)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3:"إن".

(5)

فى النسخ "اتقه". والمثبت من الكتاب.

(6)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3:"اخرج".

(7)

ديوانه ص 349.

(8)

فى الديوان: "سدرتى". والسرحة واحدة السرح: شجر كبار عظام طوال، لا يرعى، وإنما يستظل فيه أو هو كل شجر لا شوك فيه. التاج (س ر ح).

(9)

فى الديوان: "ذا الذى": والربا مثلثة الراء: كل ما ارتفع من الأرض. اللسان (ر ب و).

ص: 699

كما تقولُ: واعدِيه

(1)

خيرًا لكِ. قال: وقد سمِعتُ نصبَ هذا فى الخبرِ، تقولُ العربُ: أتى البيتَ خيرًا لى. و: أتركُه خيرًا لى. وهو على ما فسَّرتُ لك فى الأمرِ والنهىِ.

وقال آخرُ منهم: نُصِب {خَيْرًا}

(2)

بفعلٍ مضمَرٍ، واكتفَى من ذلك المضمَرِ بقولِه

(3)

: لا تفعَلْ هذا. و: افعلِ الخيرَ

(4)

. وأجازه فى غيرِ "أفْعَل"، فقال: لا تفعَلْ ذاك صلاحًا لك.

وقال آخرُ منهم

(5)

: نُصِب {خَيْرًا} على ضميرِ جوابٍ: يكنْ خيًرا لكم. وقال: وكذلك كلُّ أمرٍ ونهىٍ.

‌القولُ فى تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤه بقولِه: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ} : أهلَ الإنجيلِ من النصارى، {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} ، يقول: لا تجاوِزوا الحقَّ فى دينِكم فتُفْرِطوا فيه، ولا تقولوا فى عيسى غيرَ الحقِّ، فإن قيلَكم فى عيسى: إنه ابنُ اللهِ. قولٌ منكم على اللهِ غيرَ الحقِّ؛ لأن اللهَ تعالى ذكرُه لم يتخذْ ولدًا، فيكونَ عيسى أو غيرُه من خلقِه له ابنًا، {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} .

(1)

فى الأصل، ص، ت 1، ت 2، ت 3:"واعدته".

(2)

بعده فى ص، ت 1:"على".

(3)

فى م، ت 2، س:"كفرنه".

(4)

فى الأصل: "بالخير".

(5)

هو أبو عبيدة فى مجاز القرآن 1/ 143.

ص: 700

وأصلُ الغُلُوِّ فى كلِّ شيءٍ مجاوزةُ الحدِّ

(1)

الذى هو حدُّه، يقالُ منه فى الدينِ: قد غلا فهو يَغْلُو غُلُوًّا. و: غلا بالجاريةِ عظمُها ولحمُها. إذا أسرعتِ الشبابَ، فجاوزتْ لِداتِها، يغلو بها عُلُوًّا وغَلاءً. ومن ذلك قولُ الحارثِ بنِ [خالدٍ المخزومىِّ]

(2)

:

خُمْصَانِةٌ قَلِقٌ مُوَشِّحُها

رُؤُدُ الشبابِ غَلا بها عَظْمُ

وقد حدَّثنا المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابنُ أبى جعفرٍ، عن أبيه، عن الرَّبيع، قال: صاروا فريقين؛ فريقٌ غَلَوا فى الدينِ، فكان غلوُّهم فيه الشكَّ فيه، والرغبةَ عنه. وفريقٌ منهم قصَّروا عنه، ففسَقوا عن أمرِ ربِّهم.

‌القولُ فى تأويلِ قولِه: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} . ما المسيحُ أيها الغالُون فى دينِهم من أهلِ الكتابِ بابنِ اللهِ، كما تزعُمون، ولكنه عيسى ابنُ مريمَ دونَ غيرِها من الخلقِ، لا نسبَ له غيرُ ذلك. ثم نعَته اللهُ جلَّ ثناؤُه بنعتِه، ووصَفه بصفتِه، فقال: هو رسولُ اللهِ، أَرسَلَه بالحقِّ إلى مَن أَرْسَله إليه مِن خلقِه

(3)

.

وأصلُ المسيحِ الممسوحُ، صُرِّف من "مفعولٍ" إلى "فَعِيلٍ"، وسمَّاه اللهُ

(1)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"حده".

(2)

فى الأصل: "حلزة". والبيت فى مجاز القرآن 1/ 42، واللسان (غلو)، الأغانى 9/ 226. والخمصانة ضامرة البطن. اللسان (خ م ص) ولذلك يتحرك وشاحها. والرُّؤْد: الشابة الحسنة السريعة الشباب مع حسن غذاء. تاج العروس (ر أ د).

(3)

فى ص، ت 1:"أصله".

ص: 701

بذلك لتطهيرِه إيَّاه من الذنوبِ، فقيل

(1)

: مُسِح من الذنوبِ والأدناسِ التي تكونُ فى الآدميِّين، كما يُمْسَحُ الشيءُ من الأذَى الذى يكونُ فيه، فيطهَّرُ منه، ولذلك قال مجاهدٌ ومَن قال مثلَ قولِه: المسيحُ الصِّدِّيقُ.

وقد زعَم بعضُ الناسِ أن أصلَ هذه الكلمةِ عِبْرانيةٌ أو سُرْيانيةٌ "مَشِيحَا"

(2)

فعرِّبت، فقيل: المسيحُ. كما عُرِّب سائرُ أسماءِ الأنبياءِ التى فى القرآنِ، مثلُ إسماعيلَ، وإسحاقَ، وموسى، وعيسى.

قال أبو جعفرٍ: وليس ما مثَّل به من ذلك للمسيحِ بنظيرٍ، وذلك أن إسماعيلَ وإسحاقَ وما أَشْبَة ذلك، أسماءٌ لا صفاتٌ، والمسيحُ صفةٌ، وغير جائزٍ أن تُخاطَبَ العربُ وغيرُها من أجناسِ الخلقِ فى صفةِ شيءٍ إلا بما

(3)

يُفهَمُ عمَّن خاطَبها، ولو كان المسيحُ من غيرِ كلامِ العربِ ولم تكنِ العربُ تعقِلُ معناه ما خوطبت به، وقد أتيْنا بالبيانِ على نظائرِ ذلك فيما مضى بما فيه الكفايةُ من إعادتِه

(4)

.

وأما المسيحُ الدجَّالُ، فإنه أيضًا بمعنى الممسوحِ العينِ، صُرِّف من مفعولٍ

(5)

إلى فَعيلٍ، فمعنى "المسيحِ" فى عيسى صلى الله عليه وسلم: الممسوحُ البدنِ

(6)

من الأدناسِ والآثام، ومعنى "المسيحِ" فى الدجَّالِ: الممسوحُ العينِ اليمني أو اليسرى كالذى رُوى عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فى ذلك

(7)

.

(1)

فى م: "وقيل".

(2)

فى الأصل، ص، ت 1:"مسيحا". بالسين المهملة، وينظر تاج العروس (م س ح).

(3)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"بمثل ما".

(4)

ينظر ما تقدم 5/ 409، 410.

(5)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3:"مفعل".

(6)

فى ص، ت 1، ت 2، ت 3:"الدرن".

(7)

أخرجه البخارى 13/ 90 (7123) من حديث نافع عن ابن عمر أراه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية"، ومسلم 4/ 2248 (2934) من حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدجال أعور العين اليسرى"، وينظر مسند الطيالسى (1202).

ص: 702

وأما قولُه: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} . فإنه يعنى بالكلمة الرسالةَ التى أمرَ اللهُ ملائكتَه أن تأتىَ مريمَ بها، بشارةً من اللهِ لها، التى ذكَر جلَّ ثناؤُه فى قولِه:{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} . يعني: برسالةٍ منه، وبشارةٍ من عندِه.

وقد قال قتادةُ فى ذلك، ما حدَّثنا به الحسنُ بنٌ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا معمرٌ عن قتادةَ: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} . قال: هو قولُه: كُنْ. فكان.

وقد بيَّنا اختلافَ المختلِفين من أهلِ الإسلامِ فى ذلك فيما مضى [قبلُ مع البيانِ عن الصحيحِ من القولِ فيه فيما مضى]

(1)

، بما أغنى عن إعادتِه فى هذا الموضعِ

(2)

.

وقولُه: {أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} . يعنى: أَعْلَمها بها وأَخْبَرها، كما يقالُ: أَلْقِيتُ إليكَ كلمةً حسنةً. بمعنى أخبرتُكَ بها، وكلَّمتُك بها.

وأما قولُه: {وَرُوحٌ مِنْهُ} . فإن أهلَ العلمِ اخْتَلفوا فى تأويلِه؛ فقال بعضُهم: معنى قولِه: {وَرُوحٌ مِنْهُ} : ونفخةٌ منه

(3)

، لأنه حدَث عن نفخةِ جبريلَ فى دِرْعِ مريمَ بأمرِ اللهِ عز وجل إيَّاه بذلك، فنُسِب إلى أنه روحٌ من اللهِ؛ لأنه بأمرِه كان. قالوا: وإنما سُمِّى النفخُ رُوحًا؛ لأنها رِيحٌ تخرُجُ عن

(4)

الرُّوحِ،

(1)

سقط ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(2)

ينظر ما تقدم فى 5/ 406.

(3)

بعده فى الأصل: "وقالوا: قال: وروح منه".

(4)

فى م: "من".

ص: 703

واسْتَشْهَدوا على ذلك من قولِهم بقول ذى الرُّمَّةِ فى صفةِ نارٍ نعَتها

(1)

:

فلما بدَتْ كفَّنْتُها وَهْىَ طِفْلَةٌ

بطَلْساءَ

(2)

لم تكمُلْ

(3)

ذِراعًا ولا شِبْرَا

وقلتُ له

(4)

ارْفَعْها إليكَ وأَخْيِها

برُوحِكَ واقْتَتْهُ

(5)

لها قِيتةً قَدْرَا

وظاهِرْ لها من يابسِ

(6)

الشَّخْتِ

(7)

واسْتَعِنْ

عليها الصَّبَا واجْعَلْ يَدَيْكَ لها سِتْرًا

(8)

وقالوا: يعنى بقولِه: وأَخْيِها برُوحِكَ. أى: أَخيِها بنفخِك.

وقال بعضُهم: يعنى بقولِه: {وَرُوحٌ مِنْهُ} . أنه كان إنسانًا بإحياءِ اللهِ إياه بقولِه: كُنْ. قالوا: وإنما معنى قولِه: {وَرُوحٌ مِنْهُ} . وحياةٌ منه، بمعنى إحياءِ اللهِ إيَّاه بتكوينِه.

وقال آخرون

(9)

: معنى قولِه: {وَرُوحٌ مِنْهُ} . ورحمةٌ منه، كما قال جلَّ ثناؤُه فى موضعٍ آخرَ:{وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22]. قالوا: ومعناه فى هذا الموضع: ورحمةٌ منه. قال: فجعَل اللهُ عيسى رحمةً منه على مَن اتَّبعه وآمن به وصدَّقه؛ لأنه هداهم إلى سبيلِ الرشادِ.

(1)

ديوانه مع الشرح 3/ 1428 - 1431.

(2)

قوله: بطلساء متعلق بـ "كفنتها"، والمراد: "صيرتها فى خرقة وسخة تَضرِب إلى السواد. شرح الديوان 3/ 1429.

(3)

فى الأصل: "تكفل".

(4)

فى ص، ت 1:"لك".

(5)

فى م "واقتته" وهو خطأ بين. "واقتته" و افتعِلْه من القوت. المصدر السابق.

(6)

فى م: "بائس". أورد السيوطى فى المزهر 1/ 556، عن أبى عبيد عن الأصمعى أنه أخبر عيس بن عمر أن ذا الرمة أنشده البيت باللفظين جميعا.

(7)

فى الأصل: الشحب. والشخت: ما دق من الحطب المصدر السابق.

(8)

بعده فى م: "فلما جرت للجزل جريا كأنه

سنا البرق أحدثنا لخالقها شكرًا".

(9)

فى م "بعضهم".

ص: 704

وقال آخرون: معنى ذلك: وروحٌ من اللهِ خلَقها فصوَّرها، ثم أَرْسَلها إلى مريمَ، فدخلت فى فِيها، فصيَّرها اللهُ تعالى روحَ عيسى عليه السلام.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنى المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ سعدٍ، قال: أخبرنى أبو جعفرٍ الرازىُّ، عن الرَّبيعِ، عن أبي العاليةِ، عن أُبىِّ بنِ كعبٍ، فى قولِه:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172]، قال: أخَذهم فجعَلهم أرواحاً، ثم صوَّرهم، ثم استَنْطَقهم، فكان روحُ عيسى من تلك الأرواحِ التى أخَذ عليها العهدَ والميثاقَ، فأَرْسَل ذلك الروحَ إلى مريمَ، فدخَل فى فِيها فحمَلت الذى

(1)

خاطَبها، وهو

(2)

روحُ عيسى

(3)

.

وقال آخرون: معنى الرُّوحِ ههنا: جبريلُ عليه السلام. قالوا: ومعنى الكلامِ: وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ، وألقاها أيضًا إليها رُوحٌ من اللهِ. قالوا: فالروحُ معطوفٌ به على ما فى قولِه: {أَلْقَاهَا}

(4)

، من ذكرِ اللهِ، بمعنى: أن إلقاءَ الكلمةِ إلى مريمَ كان من اللهِ جلَّ ثناؤه، ثم من جبريلَ عليه السلام.

ولكلٍّ هذه الأقوالِ وجةٌ ومذهبٌ غيرُ بعيدٍ من الصوابِ

(5)

. القولُ فى تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا

(1)

فى م: "والذى".

(2)

فى م، ت 2، ت 3:"هو".

(3)

سيأتى مطولاً فى سورة الأعراف، فانظر تخريجه هناك.

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3.

(5)

قال ابن كثير فى تفسيره 2/ 431،432: والأظهر الأول أنه مخلوق من روح مخلوقة، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله فى قوله:{هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ} ، وفي قوله:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} . وكما ورد فى الحديث الصحيح: "فأدخل على ربى فى داره". أضافها إليه إضافة تشريف لها، وهذا كله من قبيل واحدٍ ونمط واحدٍ.

ص: 705

خَيْرٌ لَكُمْ}.

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} : [فصدِّقوا يا أهلَ الكتابِ بوحدانيةِ اللهِ وربوبيتِه، وأنه لا ولدَ له]

(1)

، وصدَّقوا رسلَه فيما جاءوكم به من عندِ اللهِ، وفيما أخبرتُكم به أن اللهَ واحدٌ لا شريكَ له، ولا صاحبةَ له، ولا ولدَ له، {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ}. يعنى: ولا تقولوا: الأربابُ ثلاثةٌ.

ورُفِعت الثلاثةُ بمحذوفٍ دلّ عليه الظاهرُ، وهو هم، ومعنى الكلامِ: ولا تقولوا: هم ثلاثةٌ. وإنما جاز ذلك؛ لأن القولَ حكايةٌ، والعربُ تفعَلُ ذلك فى الحكايةِ، ومنه قولُ اللهِ جلَّ ثناؤه:{سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: 22]. وكذلك كلُّ ما ورَد من مرفوعٍ بعدَ القولِ لا رافعَ معه، ففيه إضمارُ اسمٍ رافعٍ لذلك الاسمِ.

ثم قال لهم جلَّ ثناؤُه متوعِّدًا لهم فى قولِهم العظيمِ الذي قالوه فى اللهِ جلَّ وعزّ: انْتَهُوا أيها القائلون: اللهُ ثالثُ ثلاثةٍ

(2)

. عما تقولون من الزورِ والشركِ باللهِ؛ فإن الانتهاءَ عن ذلك خيرٌ لكم من قيلِه؛ لما لكم عندَ اللهِ من العقابِ العاجلِ لكم على قيلِكم ذلك، إن أقمتم عليه ولم تُنِيبوا إلى الحقِّ الذي أمَرتُكم بالإنابةِ إليه، والآجلِ فى مَعادِكم.

‌القولُ فى تأويلِ قوله جلَّ ثناؤه: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} .

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

بعده فى الأصل: "تعالى الله".

ص: 706

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى بقولِه جلَّ ثناؤه: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} . ما اللهُ أيها القائلون: اللهُ ثالثُ ثلاثةٍ. كما تقولون؛ لأن مَن كان له ولدٌ فليس بإلهٍ، وكذلك مَن كان له صاحبةٌ، فغيرُ جائزٍ أن يكونَ إلها معبودًا، ولكنّ اللهَ الذى له الأُلُوهةُ والعبادةُ إلهٌ واحدٌ [ومعبودٌ واحدٌ]

(1)

، لا ولدَ له، ولا والدَ، ولا صاحبةَ، ولا شريكَ، ثم نزَّه جلَّ ثناؤُه نفسَه، وعظَّمها، ورفَعها عما قال فيه أعداؤُه الكفرةُ به، فقال:{سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ [وَلَدٌ} . يقولُ: تعالى اللَّهُ وتعظَّم وتنزَّه عن أن يكونَ له ولدٌ أو صاحبةٌ.

ثم أَخْبَر]

(2)

جلَّ ثناؤُه عبادَه أن عيسى وأمَّه ومَن فى السماواتِ ومَن فى الأرضِ عبيدُه ومُلْكُه

(3)

وخلقُه، وأنه رازقُهم وخالقُهم، وأنهم أهلُ حاجةٍ وفاقةٍ إليه؛ احتجاجًا منه بذلك على مَن ادَّعى أن المسيحَ ابنُه، جلَّ ذكرُه، وأنه لو كان كما قالوا لم يكنْ ذا حاجةٍ إليه، ولا كان له عبدًا مملوكًا، فقال:{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} . يعنى: للهِ ما فى السماواتِ وما فى الأرضِ من الأشياء كلِّها، مُلْكًا وخلقًا، وهو يرزُقُهم ويقُوتُهم ويدبِّرُهم، فكيف يكونُ المسيحُ ابناً له، وهو فى الأرضِ أو فى السماواتِ غيرُ خارجٍ من أن يكونَ

(4)

فى بعضِ هذه الأماكنِ؟!

وقولُه: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} . يعنى: وحَسْبُ ما فى السماواتِ وما فى الأرضِ باللَّهِ قَيِّماً بها ومدبِّرًا ورازقًا، من الحاجةِ معه إلى غيرِه.

‌القولُ فى تأويلِ قولِه جل ثناؤه: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} .

(1)

فى م: "معبود".

(2)

سقط من: ص.

(3)

فى ص: "ماله".

(4)

بعده فى ص، ت 1، ت 2، ت 3:"له".

ص: 707

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ} : لن يأْنَفَ ولن يستكبرَ المسيحُ، {أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ}. يعنى: من

(1)

أن يكونَ عبدًا للهِ.

كما حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} . لن يحتشمَ المسيحُ أن يكونَ عبدًا للهِ ولا الملائكةُ

(2)

.

وأما قولُه: {وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} . فإنه يعنى: ولن يستنكفَ أيضاً من الإقرارِ للهِ بالعبودةِ، والإذعانِ له بذلك، رسلُه المقرَّبون الذين قد قرَّبهم اللهُ ورفَع منازلَهم على غيرِهم من خلقِه.

ورُوى عن الضحَّاكِ أنه كان يقولُ فى ذلك ما حدَّثنى به جعفرُ بنُ محمدٍ البُزُورىُّ

(3)

، قال: ثنا يَعْلَى بنُ عبيدٍ، عن الأَجْلَحِ، قال: قلتُ للضحَّاكِ: ما المقرَّبون؟ فقال: أقربُهم إلى السماءِ الثانيةِ

(4)

.

‌القولُ فى تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤُه بذلك: ومن يتعظَّمْ

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره 4/ 1124 (6318) من طريق يزيد بن زريع به.

(3)

فى الأصل: "المروزى"، وينظر ما تقدم فى 1/ 508.

(4)

ذكره الطوسى فى التبيان 3/ 404.

ص: 708

عن عبادتِه ربَّه، ويأنفْ من التذلُّلِ والخضوعِ له بالطاعةِ من الخلقِ كلِّهم، ويستكبرْ عن ذلك، {فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} ، يقولُ: فسيبعَثُهم يومَ القيامةِ جميعًا، فيجمَعُهم لموعدِهم عندَه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ، رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: فأما المؤمنون المقرُّون بوحدانيةِ اللهِ، الخاضعون له بالطاعةِ، المتذلِّلون له بالعبوديةِ، والعاملون الصالحاتِ من الأعمالِ، وذلك أن يرِدوا على ربِّهم، قد آمَنوا به وبرسِله

(1)

، وعمِلوا بما أتاهم به رسلُه من عندِ ربِّهم، من فعلِ ما أمَرهم به، واجتنابِ ما أمَرهم باجتنابِه، {فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} ، يقولُ: فيوفِّيهم جزاءَ أعمالِهم الصالحةِ وافيّا تامًّا، {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} ، يعنى جلّ ثناؤُه: ويزيدُهم على ما وعَدهم من الجزاءِ على أعمالِهم الصالحةِ، والثوابِ عليها من الفضلِ والزيادةِ ما لم يعرِّفْهم مبلغَه ولم يَحِدَّ لهم مُنْتهاه، وذلك أن اللَّهَ جَلَّ ثناؤه وعَد مَن جاء من عبادِه المؤمنين بالحسنةِ الواحدةِ عَشْرَ أمثالِها من الثوابِ والجزاءِ، فذلك هو أجرُ كلِّ عاملٍ على عملِه الصالحِ من أهلِ الإيمانِ، المحدودُ مبلَغُه، والزيادةُ على ذلك تفضُّلٌ

(2)

من اللهِ عليهم، وإن كان كلُّ ذلك من فضلِه على عبادِه، غيرَ أن الذى وعَد عبادَه المؤمنين أن يوفِّيهم فلا ينقُصُهم من الثوابِ على أعمالِهم الصالحةِ، هو ما حدَّ مبلغَه من العَشْرِ، والزيادةُ

(1)

في ص: "برسوله".

(2)

في ص، ت 1:"بفضل".

ص: 709

على ذلك غيرُ محدودٍ مبلَغُها، فيزيدُ مَن شاء من عبادِه على ذلك على قَدْرِ ما يشاءُ، لا حدَّ القَدْرِه يُوقَفُ عليه.

وقد قال بعضُهم: الزيادةُ إلى سبعِمائةِ ضِعْفٍ. وقال آخرون: إلى ألفيْن.

وقد ذكرتُ اختلافَ المختلفِين في ذلك فيما مضى قبلُ بما أغنى عن إعادتِه فى هذا الموضعِ

(1)

.

وقولُه: {وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا} فإنه يعنى: وأما الذين تعظَّموا عن الإقرارِ للهِ بالعبوديةِ، والإذعانِ له بالطاعةِ، واستكبروا عن التذلُّلِ لألوهتِه وعبادتِه، وتسليمِ الوحدانيةِ والربوبيةِ له، {فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}. يعنى: عذابًا مُوجِعًا، {وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} ، يقولُ: ولا يجدُ المستنكفون عن

(2)

عبادتِه، والمستكبرون عنها إذا عذَّبهم اللهُ

(3)

الأليمَ من عذابِه، سوى اللهِ لأنفسِهم {وَلِيًّا} يُنْجِيهم من عذابِه، ويُنقِذُهم منه، {وَلَا نَصِيرًا} ، يعني: ولا ناصرًا ينصُرُهم، فيَسْتَنْقِذُهم من ربِّهم، ويدفَعُ عنهم بقوَّتِه

(4)

ما أحلَّ بهم من نقمتِه، كالذى كانوا يفعَلون بهم إذا أرادهم غيرُهم من أهلِ الدنيا فى الدنيا بسوءٍ من نصرتِهم، والمدافعةِ عنهم.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بن جريرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ

(1)

ينظر ما تقدم فى 4/ 653، 654.

(2)

فى م: "من".

(3)

بعده فى الأصل: "العذاب".

(4)

فى الأصل: "بقوتهم"، وفى ص، ت 1، ت 2، ت 3:"نصرته".

ص: 710

قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ}: يا أيها الناسُ مِن جميعِ أصنافِ الأممِ

(1)

؛ يهودِها ونصاراها ومشركيها، الذين قصَّ اللهُ جلَّ ثناؤُه قَصَصَهم في هذه السورةِ، {قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} ، يقولُ: قد جاءتْكم حُجَّةٌ من اللَّهِ تُبرْهِنُ لكم بُطولَ ما أنتم عليه مقيمون من أديانِكم ومللِكم، وهو محمدٌ صلى الله عليه وسلم، الذي جعَله اللهُ عليكم حجَّةٌ فقطَع بها عذرَكم، وأَبْلَغ إليكم فى المعذرةِ بإرسالِه إليكم، مع تعريفِه إيَّاكم صحةَ نبوَّتِه، وتحقيقَ رسالتِه، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} ، يقولُ: وأنزلنا إليكم معه نورًا مبيناً، يعنى: يبيِّنُ لكم المحجَّةَ

(2)

الواضحةَ، والسبيلَ

(3)

الهاديةَ إلى ما فيه لكم النجاةُ من عذابِ اللهِ وأليمٍ عقابِه إن سلَكتموها، واستنرتم بضَوْئِه، وذلك النورُ المبينُ هو القرآنُ الذي أَنْزَله اللهُ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

وبنحوِ ما قلنا فى ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنى محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابنِ أبى نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قولِ اللَّهِ:{بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} . قال: حجَّةٌ

(4)

.

حدَّثنى المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبى نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: {يَاأَيُّهَا

(1)

في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3: الملل".

(2)

في ص، ت 1:"الحجة".

(3)

فى م، ت 2، ت 3:"السبل".

(4)

تفسير مجاهد ص 297، ومن طريقه ابن أبى حاتم في تفسيره 4/ 1125 (6323)، وعزاه السيوطي فى الدر المنثور 2/ 249 إلى ابن المنذر.

ص: 711

النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أى: بينةٌ من ربِّكم، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} وهو هذا القرآنُ

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بن مفضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدىِّ:{قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} . يقولُ: حجةٌ

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجَّاجٌ، عن ابنِ جريجٍ:{بُرْهَانٌ} ، قال: بينةٌ. {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} . [قال: القرآنُ]

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ، رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: فأما الذين صدَّقوا اللهَ، وأقرُّوا بوحدانيتِه، وما بَعث به نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، من أهلِ المللِ، {وَاعْتَصَمُوا بِهِ} ، يقولُ: وتمسَّكوا بالنورِ المبينِ الذى أَنْزَله إلى نبيِّه.

كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجَّاجٌ، عن ابنِ جريجٍ:{وَاعْتَصَمُوا بِهِ} . قال: بالقرآنِ

(4)

.

{فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ} . يقولُ: فسوف تنالُهم رحمتُه التي تُنْجِيهم من عقابِه، وتوجبُ لهم ثوابَه

(5)

وجنتَه، ويَلْحَقُهم من فضلِه ما

(1)

أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره 4/ 1125 (6325، 6326) من طريق يزيد بن زريع به، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 2/ 249 وابن المنذر.

(2)

أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره 4/ 1125 عقب الأثر (6323) من طريق أسباط به.

(3)

سقط من: الأصل. وينظر التبيان 3/ 406.

(4)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 249 إلى المصنف وابن المنذر.

(5)

بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"ورحمته".

ص: 712

لحقِ

(1)

أهلَ الإيمانِ به والتصديقِ برُسُلِهِ، {وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}. يقولُ: ويوفِّقُهم لإصابةِ فضلِه الذى تفضَّل به على أوليائِه، ويسدِّدُهم لسلوكِ منهجِ مَن أَنْعَم عليه من أهلِ طاعتِه، ولاقتفاءِ آثارِهم، واتباعِ دينِهم، وذلك هو الصراطُ المستقيمُ، وهو دينُ اللهِ الذى ارتضاه لعبادِه، وهو الإسلامُ، ونُصِب الصراطُ المستقيمُ على القطعِ من الهاءِ التى فى قولِه:{إِلَيْهِ} .

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى تعالى ذكرُه بقوله: {يَسْتَفْتُونَكَ} : يسألونك يا محمدُ أن تُفتيَهم فى الكَلَالةِ، وقد بيَّنا معنى الكَلَالةِ فيما مضى بالشواهدِ الدالةِ على صحتِه، وذكَرنا اختلافَ المختلِفين فيه، فأغنى ذلك عن إعادتِه، وبيَّنا أن الكلالةَ عندَنا ما عدا الولدَ والوالدَ

(2)

.

{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} . يعنى بقولِه: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} : إن إنسانٌ من الناسِ مات.

كما حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مفضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدىِّ:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} . يقولُ: مات وليس له ولدٌ؛ ذكرٌ ولا أنثى.

{وَلَهُ أُخْتٌ} . يعنى: وللميِّتِ أختٌ لأبيه وأمِّه، أو لأبيه، {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}. يقولُ: فلأختِه التى ترَكها بعدَه بالصفةِ التى وصَفنا نصفُ ترَكِتِه ميراثًا عنه دونَ سائرِ عَصَبتِه، وما بَقِى فلعصبتِه.

(1)

في م، ت 2، ت 3:"الحق".

(2)

ينظر ما تقدم فى 6/ 475 وما بعدها.

ص: 713

وذُكِر أن أصحابَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَمَّهم شأنُ الكَلَالَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى فيها هذه الآيةَ.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} : [وهمَّهم شأنُ الكلالةِ وسألوا]

(1)

عنها نبىَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأَنْزَل اللهُ فى ذلك القرآنَ: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} . فقرَأ حتى بَلَغ: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} . قال: وذُكِر لنا أن أبا بكرٍ الصدِّيقَ رضي الله عنه قال فى خُطبتِه: ألَا إن الآيةَ التى أَنْزَلَ اللهُ في أولِ سورةِ النساءِ فى

(2)

شأنِ الفرائضِ، أَنْزَلها فى الولدِ والوالدِ، والآيةَ الثانيةَ أنْزَلها اللهُ فى الزوجِ والزوجةِ والإخوةِ من الأمِّ، والآيةَ التى ختَم بها سورة النساءِ أَنْزَلها اللهُ فى الإخوةِ والأخواتِ من الأبِ والأمِّ، والآيةَ التى ختَم بها سورةَ الأنفالِ أَنْزَلها الله فى أُولِى الأَرْحَامِ بَعْضُهُم أَوْلَى بِبَعْضٍ في كتابِ اللهِ، مما جرَت الرحِمُ من العَصَبةِ

(3)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن الشيبانىِّ، عن عمرِو بنِ مُرَّةَ، عن سعيدِ ابنِ المسيِّبِ، قال: سأل عمرُ بنُ الخطابِ النبى صلى الله عليه وسلم عن الكلالةِ، فقال:"أليس قد بيَّن اللهُ ذلك؟ ". قال: فنزَلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}

(4)

.

حدَّثنا مُؤَمَّلُ بنُ هشامٍ أبو هشامٍ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ، عن هشامٍ

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"فسألوا".

(2)

فى الأصل، ص:"من".

(3)

أخرجه البيهقى 6/ 231 من طريق سعيد به، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 2/ 251 إلى ابن المنذر وعبد بن حميد.

(4)

ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 4363 عن المصنف.

ص: 714

الدَّسْتُوائى، قال: ثنا أبو الزُّبيرِ، عن جابرٍ، قال: اشتكيتُ وعندى تسعُ أخواتٍ لى أو سبعٌ -أنا أشكُّ- فدخَل علىَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فنفَخ

(1)

في وجهى، فأفقتُ فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَلَا أُوصِى لأخَوَاتى بالثُّلثين

(2)

؟ قال: "احتبِسْ

(3)

". قلتُ: الشَّطْرُ؟ قال: "احبِسْ"

(3)

. ثم خرَج وترَكنى، ثم رجَع إلىَّ فقال: "يا جابرُ

(4)

، إنِّى [لا أُرَاك]

(5)

ميِّتًا من وجعِك هذا، وإن اللهَ قد أَنْزَل في الذي لأخَوَاتِك، فجعَل لهن الثُّلُثين". قال: فكان جابرٌ يقولُ: أُنْزِلت هذه الآيةُ فىَّ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}

(6)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا ابنُ أبى عدىٍّ، عن هشامٍ، يعنى الدَّسْتُوائيَّ، عن أبي الزُّبيرِ، عن جابرٍ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم مثلَه.

وحدَّثنى المثنى، قال: ثنا [إسحاقُ، قال: حدثنا]

(7)

ابنُ عيينةَ، عن ابنِ المنكدرِ، سمِع جابرَ بنَ عبدِ اللهِ يقولُ: مرِضتُ فأتانى النبىُّ صلى الله عليه وسلم يعودُنى

(8)

هو وأبو بكرٍ، وهما ماشيان، فوجَدنى

(9)

قد أُغْمِىَ علىَّ، فتوضَّأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم صبَّ علىَّ من

(1)

في مسند أحمد وسنن البيهقى: "نضح".

(2)

فى م: "بالثلث". وهو موافق لما فى سنن أبى داود.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"أحسن". والمثبت من الأصل يناسب السياق، وهو أيضا لفظ إحدى نسخ سنن البيهقى. وما فى باقى النسخ يناسب ما في سنن أبي داود.

(4)

فى الأصل: "جرير" وهى خطأ محض.

(5)

فى الأصل: "لأراك". وهو لفظ رواية أبي داود الطيالسي، ورواية عند البيهقى.

(6)

أخرجه الطيالسي في مسنده (1848)، وأحمد في مسنده 3/ 372 وعبد بن حميد (1062) وأبو داود (2887) والنسائى فى الكبرى (6324)، (6325)، (7513) وأبو يعلى (2180) والبيهقي 6/ 231 وغيرهم من طريق هشام الدستوائى به.

(7)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"سفيان".

(8)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3.

(9)

فى ص، م، ت 1، ت 2، ت 3:"فوجدونى".

ص: 715

وَضوِئه، فأفقتُ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، كيف أَقْضِي في مالى، أو: كيف أصنَعُ في مالى؟ وكان له

(1)

تسعُ أخَواتٍ، ولم يكنْ له والدٌ ولا ولدٌ. قال: فلم يُجِبْنى بشيءٍ حتى نزَلت آيةُ الميراثِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} . إلى آخرِ السورةِ. قال ابنُ المنكدرِ: قال جابرٌ: إنما أُنْزِلت هذه الآيةُ فىَّ

(2)

.

وكان بعضُ

(3)

أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم -يقولُ: إن هذه الآيةَ هى

(4)

آخرُ آيةٍ نزَلت من القرآنِ.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا الحسينُ بنُ واقدٍ، عن أبى إسحاقَ، عن البَرَاءِ بنِ عازبٍ، قال: سمِعتُه يقولُ: إن آخرَ آيةٍ نزَلت

(5)

: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} .

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ قال: ثنا أبى، عن ابنِ أبى خالدٍ، عن أبي إسحاقَ، عن البَرَاءِ، قال: آخرُ آيةٍ نزَلت من القرآنِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}

(6)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ خَلَفٍ، قال: ثنا عبدُ الصمدِ بنُ النعمانِ، قال: ثنا مالكُ بنُ مِغْوَلٍ، عن أبي السَّفَرِ، عن البَرَاءِ، قال: آخرُ [آيةٍ أُنْزِلَت]

(7)

من القرآنِ: {يَسْتَفْتُونَكَ

(1)

في م: "لى".

(2)

أخرجه البخارى (6723)، ومسلم (5/ 1616)، من طريق سفيان به.

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

في الأصل: "فى".

(5)

بعده فى م: "من القرآن".

(6)

أخرجه مسلم (10/ 1618) والبيهقى 6/ 224، من طريق وكيع به.

(7)

فى الأصل: "شيء نزل".

ص: 716

قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}

(1)

.

حدَّثنا هارونُ بنُ إسحاقَ الهَمْدانىُّ، قال: ثنا مصعبُ بنُ المقْدَامِ قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن البراءِ، قال: آخرُ سورة أُنزِلت كاملةً براءةُ، وآخرُ آيةٍ أُنزِلت خاتمةُ سورةِ النساءِ:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}

(2)

.

واخْتُلِف في المكانِ الذى نزَلت فيه الآيةُ؛ فقال جابرُ بنُ عبدِ اللهِ: نزَلت بالمدينةِ. وقد ذكَرتُ الروايةَ بذلك عنه فيما مضَى؛ بعضُها في أوَّلِ السورةِ عندَ فاتحةِ آيةِ المواريثِ

(3)

، وبعضُها في مبتدأ الإخبارِ عن السببِ الذى نزَلت فيه هذه الآيةُ

(4)

.

وقال آخرون: بل أُنْزِلت في مسيرٍ كان فيه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه.

ذكرُ الروايةِ بذلك

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ حُميدٍ، عن معمرٍ، عن أيوبَ، عن ابنِ سيرينَ، قال: نزَلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} . والنبىُّ صلى الله عليه وسلم في مسيرٍ له، وإلى جَنْبِه حُذيفةُ بنُ اليمانِ، فبلَّغها النبىُّ صلى الله عليه وسلم حذيفةُ، وبلَّغها حذيفةُ عمرَ بنَ الخطابِ وهو يسيرُ خَلْفَه، فلما اسْتُخْلِف عمرُ سأل عنها حذيفةَ، ورجا أن يكونَ عندَه تفسيرُها، فقال له حذيفةُ: واللهِ إنك لعاجزٌ إن ظننتَ أنَّ إمارتَك تحمِلُنى

(5)

أن أحدِّثَك فيها بما لم أحدِّثْك يومَئذٍ. فقال عمرُ: لم أُرِدْ هذا رحِمك اللهُ.

(1)

أخرجه مسلم (13/ 1618) من طريق مالك بن مغول به.

(2)

أخرجه البخارى (6744) من طريق إسرائيل به.

(3)

ينظر ما تقدم في 6/ 460.

(4)

تقدم في ص 714.

(5)

فى ص: "يحلنى" غير منقوطة، وفى ت 1، ت 2، ت 3:"تخلنى".

ص: 717

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيوبَ، عن ابنِ سيرينَ، بنحوِه، إلا أنه قال في حديثِه: فقال له حذيفةُ: واللهِ إنك لأحمقُ إن ظننتَ

(1)

.

حدَّثنى يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، قال: ثنا ابنُ عَوْنٍ، عن محمدِ ابنِ سيرينَ، قال: كانوا في مسيرٍ ورأسُ راحلةِ حذيفةَ عندَ رِدْفِ

(2)

راحلةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ورأسُ راحلةِ عمرَ عندَ رِدْفِ راحلةِ حذيفةَ، قال: ونزَلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} . فلقَّاها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حذيفةَ، فلقَّاها حذيفةُ عمرَ، فلما كان بعدَ ذلك سأَل عمرُ عنها حذيفةَ، فقال: واللهِ إنك لأحمقُ إن كنتَ ظننتَ أنه لقَّانيها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلقَّيتُكها

(3)

كما لقَّانيها، واللهِ لا أزيدُك عليها شيئًا أبدًا. قال: فكان عمرُ يقولُ: اللهم مَن

(4)

كنتَ بيَّنتَها له، فإنها لم تبيَّيْن لى

(5)

.

واخْتُلِف عن عمرَ فى الكلالةِ؛ فرُوِى عنه أنه قال فيها عندَ وفاتِه: هو مَن لا ولدَ

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 177.

(2)

ردف كل شيء: مؤخره. تاج العروس (ر د ف).

(3)

في م، ت 1، ت 2، ت 3:"فلقنتكها". والمثبت من الأصل يناسب السياق. ولقِّى ولقَّن كلاهما بمعنى. يقال: تلقى العلم عن فلان. أخذه. الوسيط (ل ق و).

(4)

فى م، ت 1، ت 2:"إن".

(5)

أخرجه البزار (22016 - كشف) من طريق محمد بن سيرين عن أبيه قال: نزلت آية الكلالة، فذكره. وقال البزار: لا نعلم رواه إلا حذيفة ولا له عنه إلا هذا الطريق. وأورده الهيثمي في المجمع 7/ 13 وقال: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير أبى عبيدة بن حذيفة ووثقه ابن حبان.

وأخرجه محمد بن يحيى بن أبى عمر العدنى في مسنده كما في المطالب العالية (3944) وقال البوصيرى: هذا إسناد رواته، ثقات، رواه البزار بسند متصل رواته ثقات.

وعزاه السيوطي في الدر المنثور 2/ 250 للعدنى والبزار في مسنديهما وأبى الشيخ في الفرائض بسند جيد. وأعاده في 2/ 251 فعزاه إلى المصنف وعبد الرزاق وابن المنذر مرسلا عن ابن سيرين.

ص: 718

له [ولا والدَ]

(1)

. وقد ذكَرنا الروايةَ عنه بذلك فيما مضى فى أولِ هذه السورةِ فى آيةِ المواريثِ

(2)

.

ورُوِى عنه أنه قال قبلَ وفاته: هو ما خلا الأبَ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ عرفةَ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا شعبةُ

(3)

، عن قتادةَ، عن سالمِ ابنِ أبى الَجعْدِ، عن مَعْدانَ بنِ أبى طلحةَ اليَعْمَرىِّ، قال: قال عمرُ بنُ الخطابِ: ما أَغْلَظ لى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أو ما نازعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فى شيءٍ ما نازعتُه في آيةِ الكلالةِ، حتى ضرَب صدرى، وقال: "يكفيك منها [آيةُ الصيفِ]

(4)

[التى أُنزِلت في آخرِ سورةِ النساءِ]

(5)

: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} ". وسَأَقْضِى فيها بقضاءٍ يعلَمُه مَن يقرأُ، ومَن لا يقرأُ؛ هو ما خلا الأبَ. كذا أَحْسَبُ. قال ابنُ عرفةَ: قال شبابةُ: الشكُّ من شعبةَ

(6)

.

ورُوِى عنه أنه قال: إنى لأستحيِى أن أخالفَ فيه أبا بكرٍ. وكان أبو بكرٍ يقولُ: هو ما خلا الولدَ والوالدَ. وقد ذكَرنا الروايةَ بذلك عنه فيما مضى فى أولِ السورةِ

(7)

.

ورُوِى عنه أنه قال عندَ وفاتِه: قد كنتُ كتبتُ في الكلالةِ كتابًا، وكنتُ

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

تقدم في تفسير الآية (12).

(3)

في الأصل: "سعيد".

(4)

في الأصل: "النصف".

(5)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3.

(6)

أخرجه مسلم 3/ 1236 (1617)، وابن سعد 335/ 3، وابن حبان (2091)، وأبو يعلى (256)، والبيهقى 6/ 224 من طريق شبابة به مختصرًا ومطولاً.

(7)

تقدم في 4/ 286 مطبوع.

ص: 719

أستخيُر اللهَ فيه، وقد رأيتُ أن أتركَكم على ما كنتم عليه. وأنه كان يتمنَّى في حياتِه أن يكونَ له بها علمٌ

ذكرُ الروايةِ عنه بذلك

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ حُميدٍ المَعْمَرىُّ، عن معمرٍ، عن الزهرىِّ، عن سعيدِ بنِ المسيَّبِ، أن عمرَ بنَ الخطابِ كتَب في الجَدِّ والكَلالةِ كتابًا، فمكَث يستخيرُ اللهَ فيه، يقولُ: اللهمَّ إن علِمتَ فيه خيرًا، فأَمْضِه، حتى إذا طُعِن دعا بالكتابِ

(1)

فمُحِى، فلم يَدْرِ أحدٌ ما كَتب فيه، فقال: إنى كنتُ كتبتُ في الجدِّ والكلالةِ كتابًا وكنتُ أستخيرُ اللهَ فيه، فرأيتُ أن أتركَكم على ما كنتم عليه

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزهرىِّ، عن سعيدٍ، عن عمرَ بنحوِه

(2)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، قال: ثنا عمرُو بنُ مُرَّةَ، عن مرةَ الهَمْدانىِّ، قال: قال عمرُ: ثلاثٌ لأن يكونَ النبىُّ عليه السلام بيَّنَهن لنا، أحبُّ إلىَّ من الدنيا وما فيها؛ الكلالةُ، والخلافةُ، وأبوابُ الرِّبا

(3)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا عثَّامٌ، قال: ثنا الأعمشُ، قال: سِمعتُهم

(1)

في الأصل، ص: ت 1، ت 2، ت 3:"بكتاب". والمثبت من "م" يناسب السياق وموافقه وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 250 لعبد الرزاق.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف 10/ 301.

(3)

أخرجه ابن ماجه (2727) من طريق وكيع، وعبد الرزاق فى المصنف (19184)، والحاكم 2/ 304 من طريق الثورى، وصححه الحاكم ووافقه الذهبى، وأخرجه الطيالسي في مسنده (60) -ومن طريقه البيهقى 6/ 325 - من طريق عمرو بن مرة، به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 250 إلى العدنى وابن ماجه والساجى.

ص: 720

يذكرون -ولا أُرَى إبراهيمَ إلا فيهم- عن عمرَ، قال: لأَنْ أكونَ أعلمُ الكلالةَ أحبُّ إلىَّ من أن يكونَ لى مثلُ جزيةِ

(1)

قصورِ الشامِ

(2)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا عثَّامٌ، عن الأعمشِ، عن قيسِ بنِ مسلمٍ، عن طارقِ بنِ شهابٍ، قال: أخَذ عمرُ كَتِفًا، وجمَع أصحابَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال: لَأَقْضِينَّ في الكلالةِ قضاءً تَحدَّثُ به النساءُ فى خُدورِهنَّ. فخرَجتْ حينَئذٍ حيةٌ من البيتِ، فتفرَّقوا، فقال: لو أراد اللهُ أن يُتِمَّ هذا الأمرَ لأتمَّه

(3)

.

حدَّثنى يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابنُ عُلَيَّةً، قال: ثنا أبو حَيَّانَ، قال: ثنى الشعبىُّ، عن ابنِ عمرَ، قال: سمعتُ عمرَ بنَ الخطابِ يخطُبُ على منبرِ المدينةِ، فقال: أيها الناسُ، ثلاثٌ ودِدتُ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لم يفارقْنا حتى يَعْهَدَ إلينا فيهن عهدًا يُنتَهَى إليه؛ الجَدُّ، والكلالةُ، وأبوابٌ [من أبوابِ]

(4)

الرِّبا

(5)

.

حدَّثنى يعقوبُ، قال: ثنا ابنُ عُلَيةَ، عن سعيدِ بنِ أبي عَرُوبةً، عن قتادةَ، عن سالِم بنِ أبى الجعد، عن مَعْدانَ بنِ أبى طلحةَ، أن عمرَ بنَ الخطابِ، قال: ما سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن شيءٍ أكثرَ مما سألتُ عن الكلالةِ، حتى طعَن بُأصْبُعِه فى صدرى، وقال:"تكفيك آيةُ الصيفِ، التي في آخرِ سورةِ النساءِ"

(6)

.

(1)

فى الأصل: "حزبة"، وغير منقوطة في "ص".

(2)

فى م: "الروم". والأثر عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 251 إلى المصنف.

(3)

أخرجه البيهقى 6/ 245 من طريق الأعمش به، وذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 439 وقال: وهذا إسناد صحيح.

(4)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3.

(5)

أخرجه البخارى (5588) ومسلم (3032) والبيهقى 6/ 245، 8/ 289 من طرق عن أبى حيان به.

(6)

. أخرجه مسلم (1617)، وأحمد (179) من طريق إسماعيل ابن علية به، وأحمد (341) من طريق سعيد بن أبى عروبة به، وفى (89) من طريق قتادة به.

ص: 721

حدَّثنا إبراهيمُ بنُ سعيدٍ الجَوْهَرىُّ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ بكرِ

(1)

السَّهْمىُّ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن سالمِ بن أبى الجعدِ، عن مَعْدانَ، عن عمرَ، قال: لم أَدَعْ شيئًا أهمَّ عندى من أمرِ الكلالةِ، فما أَغْلَظ لى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فى شيءٍ ما أَغْلَظ لي فيها، حتى طعَن بأُصبعِه فى صدرى -أو في جَنْبى- فقال:"تكْفيك الآيةُ التي أُنزِلت في آخرِ النساءِ".

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا ابنُ أبى عدىٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن سالِم بنِ أبى الجعدِ، عن معدانَ بنِ أبى طلحةَ، أن عمرَ بنَ الخطابِ خطَب الناسَ يومَ الجمعةِ، فقال: إني واللهِ ما أدَعُ بعدى شيئًا هو أهمُّ إلىَّ من أمرِ الكلالةِ، وقد سألتُ عنها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فما أَغْلَظ لى فى شيءٍ ما أَغْلَظ لي فيها، حتى طعَن في نَحْرى وقال:"تكفيك آيةُ الصيفِ، التى أُنْزِلتُ في آخرِ سورةِ النساءِ". وإن أعِشْ أقضِ فيها بقضيةٍ لا يختلِفُ فيها أحدٌ قرَأ القرآنَ.

حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، قال: ثنا هشامٌ، عن قتادةَ، عن سالِم بنِ أبى الجعدِ، عن مَعْدان بنِ أبى طلحةَ، عن عمرَ بنِ الخطابِ، بنحوِه

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ علىٍّ بنِ الحسنِ بنِ شقيقٍ، قال: سمِعتُ أبى يقولُ: أخبرنا أبو حمزةَ، عن جابرٍ، عن الحسنِ بنِ مسروقٍ، عن أبيه، قال: سألتُ عمرَ وهو يخطُبُ الناسَ عن ذى قَرابةٍ لى ورِث كلالةً، فقال: الكلالةُ، الكلالةُ، الكلالةُ. وأخَذ بلحيتِه. ثم قال: واللهِ لَأَنْ أَعْلَمَها أَحبُّ إليَّ من أن يكونَ لى ما على الأرضِ من شيءٍ؛ سألتُ عنها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: "ألمْ تسمَعِ

(1)

في الأصل، ت 1:"بكير" وينظر تهذيب الكمال 14/ 340.

(2)

أخرجه أحمد (186) ومسلم (1617) والطيالسى (53) من طريق هشام به.

ص: 722

الآيةَ التى أُنْزِلت في الصيفِ؟ ". فأعادها ثلاثَ مَرَّاتٍ

(1)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن زكريا، عن أبى

(2)

إسحاقَ، عن أبى سَلَمةَ، قال: جاء رجلٌ إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فسأله عن الكلالةِ، فقال:"أَلَمْ تسمَعِ الآيةَ التى أُنْزِلت فى الصيفِ؛ {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً}؟ ". إلى آخرِ الآيةِ

(3)

.

حدَّثنى محمدُ بنُ خلفٍ، قال: ثنا إسحاقُ بنُ عيسى، قال: ثنا ابنُ لَهيعةً، عن يزيدَ بنِ أبى حَبيبٍ، عن أبى الخيرِ، أن رجلاً سأل عقبةَ عن الكلالةِ، فقال: ألا تعجَبون من هذا؟ يسألُنى عن الكلالةِ، وما عضَل بأصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيءٌ ما أَعْضَلت بهم الكلالةُ

(4)

.

قال أبو جعفرٍ: فإن قال قائلٌ: فما وجهُ قولِه جلَّ ثناؤُه: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} . وقد علمتَ اتفاقَ جميعِ أهلِ القبلةِ خلا ابنَ عباسٍ وابنَ الزُّبيرِ، على أن الميتَ لو ترَك بنتًا وأختًا، أن لا بنتِه النصفَ، وما بَقِى فلأختِه إذا كانت أختُه لأبيه وأمِّه، أو لأبيه، فأين ذلك من قولِه:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} . وقد ورَّثوها النصفَ مع الولدِ؟

قيل: إن الأمرَ فى ذلك بخلافِ ما ذهبتَ إليه، إنما جعَل اللهُ جلَّ ثناؤُه بقولِه:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} . إذا لم يكنْ للميِّتِ

(1)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 2/ 251 إلى المصنف.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

أخرجه البيهقى 6/ 224 من طريق عمار بن زريق عن أبي إسحاق به، قال البيهقي: وحديث أبي إسحاق عن أبى سلمة منقطع وليس بمعروف.

(4)

أخرجه الدارمى 2/ 366 من طريق يزيد بن أبى حبيب به، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 2/ 250 إلى المصنف وابن أبى شيبة.

ص: 723

ولدٌ ذكرٌ ولا أنثى وكان موروثاً كلالةَ - النصفَ من تَرِكتِه فريضةً لها مسمَّاةً، فأما إذا كان للميِّتِ ولدٌ أنثى [فهى معها

(1)

عصبةٌ يصيرُ لها ما كان يصيرُ للعصبةِ غيرِها لو لم تكنْ

(2)

]

(3)

، وذلك غيُر محدودٍ بحدِّ، ولا مفروضٍ لها فرضُ سهامِ أهلِ الميراثِ بميراثِهم عن ميّتِهم، ولم يقلِ اللهُ جلَّ ثناؤه فى كتابِه: فإن كان له ولدٌ فلا شيءَ لأختِه معه. فيكونَ لما رُوِى عن ابنِ عباسٍ وابنِ الزبيرِ فى ذلك وجةٌ يُوجَّهُ إليه، وإنما بيَّن جلَّ ثناؤُه مبلَغَ حقِّها إذا وُرِث الميِّتُ كلالةً، وترَك بيانَ ما لها من حقٍّ إذا لم يُورَثُ كلالةً فى كتابِه، وبيَّنه بوحيِه على لسانِ رسولِه صلى الله عليه وسلم، فجعَلها عصبةً مع

(4)

إناثِ ولدِ الميِّتِ، وذلك معنًى غيرُ معنى وراثتِها

(5)

الميِّتَ إذا كان موروثًا كلالةً.

‌القولُ فى تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وأخو المرأةِ يرثُها إن ماتت قبلَه إذا وُرِثتْ

(6)

كلالةً ولم يكنْ لها ولدٌ ولا والدٌ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} .

قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} : فإن

(1)

في الأصل "معه" وفى م: (مع)، والسياق يقتضى ما أثبتناه.

(2)

في الأصل: "يكن".

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ت 3.

(4)

في الأصل: "من".

(5)

فى الأصل: "وارثتها"، وفى ص، ت 1:"وثانيها".

(6)

في م: "ورث".

ص: 724

كانت المتروكةُ من الأخواتِ لأبيه وأمِّه أو لأبيه، اثنتين، فلهما ثلثا ما ترَك أخوهما الميِّتُ إذا لم يكنْ له ولدٌ ووُرث كلالةً، {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً}. يعنى: وإن كان المتروكون من إخوته {رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ} منهم و بميراثِهم عنه من تركتِه، {مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}. يعنى: مثلُ نصيبِ اثنتين من أخواتِه

(1)

، وذلك إذا وُرِث كلالةً، والإخوةُ والأخواتُ إخوتُه وأخواتُه لأبيه وأمِّه أو لأبيه.

‌القولُ فى تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤه: يبيِّن اللهُ لكم قسمةَ مواريثِكم، وحكمَ الكلالةِ، وكيف فرائضُهم، {أَنْ تَضِلُّوا} ، بمعنى: لئلا تَضِلُّوا في أمرِ [المواريثِ وقسمتِها]

(2)

، أي: لئلا تجوروا عن الحقِّ فى ذلك، وتُخْطِئوا الحكمَ فيه، فتَضِلَّوا عن قصدِ السبيلِ.

كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابنِ جريجٍ قولَه:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} . قال: في شأنِ المواريثِ.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ حُميدٍ المَعْمَرىُّ، وحدثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قالا جميعًا: أخبرنا معمرٌ، عن أيوبَ، عن ابنِ سيرينَ، قال: كان عمرُ إذا قرَأ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} . [قال: اللهمَّ من بيَّنتَ له الكلالةَ فلم تُبَيِّنْ لى]

(3)

.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"إخوته".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت 3:"الميراث في قسمته".

(3)

سقط من: الأصل. والأثر في تفسير عبد الرزاق 1/ 178، وأخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره 4/ 1127 (6341) عن الحسن بن يحيى به.

ص: 725

[قال أبو جعفرٍ: وموضعُ "أن" في قولِه: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}]

(1)

. نصبٌ في قولِ بعضِ أهلِ العربيةِ؛ لاتصالِها بالفعلِ، وفي قولِ بعضِهم خفضٌ، بمعنى: يبيِّنُ اللهُ لكم بألَّا تضلُّوا، ولئلا تضلُّوا، وأُسْقِطتْ "لا" من اللفظِ، وهى مطلوبةٌ في المعنى؛ الدَلالةِ الكلامِ عليها، والعربُ تفعَلُ ذلك، تقولُ: جئتُكَ أن تلومَنى. بمعنى: جئتُكَ أن

(2)

لا تلومَنى، كما قال القَطَامىُّ فى صفةِ ناقةٍ

(3)

:

رأَيْنا ما يَرَى البُصَراءُ فيها

فآلَينا عليها أن تُبَاعَا

[بمعنى: أَلَّا تباعَ](1).

‌القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)} .

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمه الله: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ} . من مصالحِ عبادِه في قسمةِ مواريثِهم وغيرِها، وجميعِ الأشياءِ، {عَلِيمٌ}. يقولُ: هو بذلك كلِّه ذو علمٍ.

آخر تفسيرِ سورةِ "النساءِ"، [والحمدُ للهِ ربِّ العالمين]

(4)

.

(1)

سقط من: الأصل.

(2)

في الأصل: "لأن".

(3)

ديوان القطامي ص 40.

(4)

في الأصل: "تم الجزء من أجزاء الشيخ رحمة الله عليه ومغفرته. وبعده في ص: "وصلى الله على محمد وآله وسلم".

ص: 726