الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
يقولُ تعالى ذكرُه: إن اللَّهَ جَلَّ ثناؤُه ابْتَاعَ مِن المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم بالجنةِ، {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا}. يقولُ: وَعَدَهم الجنةَ، جلَّ ثناؤُه، وعدًا عليه حقًّا أن يُوفِيَ لهم به، في كتبِه المنزَّلَةِ؛ التوراةِ والإنجيلِ والقرآنِ، إذا هم وَفُوا بما عاهَدوا اللَّهَ، فقاتَلوا في سبيلِه ونُصْرةِ دينِه أعداءَه، فقَتَلوا وقُتِلوا، {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}. يقولُ جلّ ثناؤُه: ومَن أحسنُ وفاءً بما ضَمِنَ وشَرَطُ مِن اللَّهِ، {فَاسْتَبْشِرُوا}. يقولُ ذلك للمؤمنين: فاسْتَبْشِروا، أيُّها المؤمنون، الذين صَدَقوا الله فيما عاهَدوا {بِبَيْعِكُمُ} أنفسَكم وأموالَكم بالذي
(1)
بِعْتُموها مِن ربِّكم
(2)
، فإن ذلك هو الفوزُ العظيمُ.
كما حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، عن حفصِ بن حميدٍ، عن شِمْرِ بن عطيةَ، قال: ما مِن مسلمٍ إلا وللَّهِ في عنقِه بَيْعةٌ، وَفَى بها أو مات عليها، في قولِ اللَّهِ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ
(1)
في ص، ت 1، ت، 2، ف:"الذي".
(2)
بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ف:"به".
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. ثم حَلَّاهم فقال: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} إلى {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} . قال: ثامَنَهم واللَّهِ، فأغلَى لهم]
(2)
.
حدَّثنا المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، عن محمدِ بن يسارٍ، عن قتادةَ، أنه تَلَا هذه الآيةَ:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} . قال: ثامَنَهُم [واللَّهِ]
(3)
، فأغْلَى لهم الثمنَ
(4)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى منصورُ بنُ هارونَ
(5)
، عن أبي إسحاقَ الفَزَارِيِّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ، أنه تَلَا هذه الآيةَ:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} . قال: بايَعَهم فأَغْلَى لهم
(6)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا أبو مَعْشرٍ، عن محمدِ بن كعبٍ
(1)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 281 إلى أبى الشيخ.
(2)
في ص، م، ت 2، ت 2 ف:"يعنى بالجنة".
والأثر عزاه السيوطي في الدرا المنثور 3/ 280 إلى المصنف.
(3)
في م: "الله".
(4)
في الأصل: "يعنى بالجنة".
والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 281 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.
(5)
في الأصل: "إبراهيم". وينظر الطبقات لابن سعد 7/ 492.
(6)
بعده في م: "الثمن". =
القُرَظِيِّ وغيرِه، قالوا: قال عبدُ اللَّهِ بنُ رواحةَ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اشْتَرِطْ لربِّك ولنفسِك ما شئتَ. قال: "أَشْتَرِطُ لربِّي أن تَعْبُدُوه ولا تُشْرِكوا به شيئًا، وأَشْتَرِطُ لنَفْسى أن تَمْنَعونى مما تَمْنَعون منه أنفسَكم وأموالَكم". قالوا: فإذا فَعَلنا ذلك فماذا لنا؟ قال: "الجنةُ". قالوا: رَبِح البيعُ، لا نُقِيلُ ولا نستقيلُ. فنَزَلَت:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} الآية
(1)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا عُبَيْدُ بنُ طُفَيلٍ العَبْسِيُّ، قال: سمعتُ الضحاكَ بنَ مُزاحِمٍ، وسأله رجلٌ عن قولِه:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} الآية. قال الرجلُ: أَلَا أَحْمِلُ على المشركين فأُقاتِلَ حتى أُقْتَلَ؟ قال: وَيْلك، أين الشرطُ؟ {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} الآية.
القولُ في تأويلِ قولِه: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: إن اللَّهَ اشْتَرى مِن المؤمنين التائِبِين العابِدين أنفسَهم وأموالَهم. ولكنه رُفِعَ، إذ كان مُبْتدَأَ آيةٍ
(2)
بعدَ تمَامِ أخرى قبلَها
(3)
، والعربُ تفعلُ
= والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1887 من طريق أبي إسحاق عن أبي رجاء عن سهيل وهو ابن أبي حزم القُطَعى عن كثير وهو ابن زياد البرساني عن الحسن.
(1)
ذكره الزيلعي في تخريج الكشاف 2/ 104 عن المصنف، وذكره الواحدي في أسباب النزول ص 196 عن محمد بن كعب القرظي، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 280 إلى المصنف.
(2)
في م: "به"، وفى ت 1، ت 2، ف:"أنه".
(3)
في م: "مثلها".
ذلك، وقد تقدَّمَ بيانُنا ذلك في قوله:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضع
(1)
.
ومعنى التائبين
(2)
: الراجِعون مما يَكرهُه
(3)
اللَّهُ ويسخطُه
(4)
إلى ما يُحِبُّه ويَرْضاه.
كما حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا حَكَّامُ بنُ سَلْمٍ، عن ثعلبةَ بن سُهَيلٍ، قال: قال الحسنُ في قولِ اللَّهِ: {التَّائِبُونَ} . قال: تابوا إلى الله من الذنوبِ كلِّها.
حدَّثنا سَوَّارُ بنُ عبدِ اللَّهِ العَنْبَرِيُّ، قال: ثنى أبي، عن أبي الأشْهَبِ، عن الحسن، أنه قرَأ:{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} . قال: تابوا
(5)
مِن الشركِ، وبَرِئُوا مِن النفاقِ.
حدَّثنا ابن وكيعٍ قال: ثنا أبو أسامةَ، عن أبي الأشْهَبِ، قال: قرَأ الحسنُ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} . قال: تابُوا مِن الشركِ، وبَرِئُوا مِن النفاقِ
(6)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: حدَّثني منصورُ بن هارونَ، عن أبي إسحاقَ الفَزاريِّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ، قال
(7)
: {التَّائِبُونَ} : مِن الشركِ.
(1)
تقدم في 1/ 345، 346.
(2)
في م: "التائبون".
(3)
في م: "كرهه".
(4)
في م: "سخطه".
(5)
في الأصل: "التائبون".
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 530 عن أبي أسامة به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1888 من طريق أبي الأشهب به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 281 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(7)
سقط من: الأصل.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا جَريرُ بن حازمٍ، قال: سمِعتُ الحسنَ يقرَأُ هذه الآيةَ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} . قال الحسنُ: تابوا واللهِ مِن الشركِ، ويَرِئُوا مِن النفاقِ.
حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{التَّائِبُونَ} . قال: تابوا مِن الشركِ، ثم لم يُنافِقوا في الإسلامِ
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: حدَّثني حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ:{التَّائِبُونَ} . قال: الذين تابوا من الذنوبِ، [ثم لم]
(2)
يَعودوا فيها.
وأما قولُه
(3)
: {الْعَابِدُونَ} ، فهم الذين ذَلُّوا خشيةً للهِ وتواضعًا له، فجَدُّوا في خدمته.
كما حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{الْعَابِدُونَ} : قومٌ أَخَذوا مِن أبدانِهم في ليلِهم ونهارِهم
(4)
.
حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا حَكَّامٌ، عن ثعلبةَ بن سهيلٍ، قال: قال الحسنُ في قولِ اللَّهِ عز وجل: {الْعَابِدُونَ} . قال: عَبَدوا الله على أحايينِهم كلِّها، في السراءِ والضراءِ
(5)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى منصورُ بنُ هارونَ، عن أبي
(1)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 281 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ، وستأتى بقيته في الأثر بعد التالي وفي ص 10، 15.
(2)
في الأصل: "فلم".
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1889 من طريق يزيد به.
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1888، 1889 من طريق حكام عن ثعلبة عن رجل عن الحسن.
إسحاقَ الفزاريِّ، عن أبي رجاءٍ عن الحسنُ {الْعَابِدُونَ}. قال: العابِدون لربِّهم.
وأما قوله: {الْحَامِدُونَ} ، فإنهم الذين يَحْمَدون اللَّهَ على كلِّ ما امتَحَنَهم به من خيرٍ وشرٍّ.
كما حدَّثنا بشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{الْحَامِدُونَ} : قومٌ حَمِدوا الله على كلِّ حالٍ
(1)
.
حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا حَكَّامٌ، عن ثعلبةَ، قال: قال الحسنُ: {الْحَامِدُونَ} : الذين حَمِدوا اللَّهَ على أحايينِهم كلِّها، في السراءِ والضراءِ
(2)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى منصورُ بن هارونَ، عن أبي إسحاقَ الفزاريِّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ:{الْحَامِدُونَ} . قال: الحامِدون على الإسلامِ
(3)
.
وأما قوله: {السَّائِحُونَ} ، فإنه
(4)
الصَّائمون.
كما حدَّثني محمدُ بنُ عيسى الدَّامَغانيُّ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا سفيانُ، عن عمرِو بن دينارٍ، و
(5)
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وَهْبٍ، قال: أخبرَني عمرُو بنُ الحارثِ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن عُبَيدِ بن عميرٍ، قال: سُئِل النبيُّ
(1)
تقدم أوله في ص 9.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1889 من طريق حكام عن ثعلبة عن رجل عن الحسن.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1889 من طريق أبي إسحاق عن أبي رجاء عن سهيل وهو ابن أبي حزم القُطَعى عن كثير وهو ابن زياد البرساني عن الحسن.
(4)
في م: "فإنهم".
(5)
سقط من: م.
صلى الله عليه وسلم عن السائحين، فقال:"هُمُ الصَّائمون"
(1)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بن بَزِيعٍ، قال: ثنا حكيمُ بنُ خِذامٍ
(2)
، قال: ثنا سليمانُ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ، قال: قال
(3)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السَّائِحون هم الصَّائِمون"
(4)
.
حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن الأعْمشِ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ، قال:{السَّائِحُونَ} : الصَّائمون
(5)
.
حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن عاصمٍ، عن زِرٍّ، عن عبدِ اللَّهِ، قال:{السَّائِحُونَ} : الصَّائمون
(6)
.
حدَّثنا ابن بشارٍ قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيانُ، قال: ثنى عاصمٌ، عن زِرٍّ، عن عبدِ اللَّهِ بمثلِه.
(1)
أخرجه مسدد في مسنده - كما في المطالب (3999) - والبيهقى 4/ 305 من طريق سفيان به، وأخرجه الحاكم 2/ 335، ومن طريقه البيهقى في الشعب (3578) من طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير عن أبي هريرة. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، على أنه مما أرسله أكثر أصحاب ابن عيينة ولم يذكروا أبا هريرة في إسناده. وقال البيهقي: المحفوظ عن ابن عيينة عن عمرو عن عبيد بن عمير عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 281 إلى المصنف عن عبيد بن عمير مرسلًا، ثم عزاه إلى المصنف والفريابي ومسدد في مسنده عن عبيد بن عمير عن أبي هريرة.
(2)
في م، ت 1، ت 2، ف:"حزام". وينظر المؤتلف والمختلف 2/ 898، 3/ 1250.
(3)
بعده في م: "لى".
(4)
أخرجه العقيلي في الضعفاء 1/ 317، وابن عدى في الكامل 2/ 638 من طريق محمد بن عبد الله بزيع به، وأخرجه ابن المقرى في معجمه (599) من طريق الأعمش به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 281 إلى أبى الشيخ وابن مردويه وابن النجار.
(5)
أخرجه ابن المقريء في معجمه عقب (599) من طريق الأعمش به.
(6)
أخرجه أحمد في العلل 2/ 91 (532)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1889 من طريق عبد الرحمن بن مهدي به، والطبراني (9095) من طريق سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 281 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
حدَّثني محمدُ بنُ عمارةَ الأسديُّ، قال: ثنا عُبَيدُ اللَّهِ، قال: أخبَرنا شَيبانُ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي عبدِ الرحمنِ، قال: السياحةَ الصيامُ
(1)
.
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا ابن عطيةَ، قال: ثنا إسرائيلَ، عن أشْعثَ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال:{السَّائِحُونَ} : الصائمون
(2)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن أبيه وإسرائيلَ، عن أشْعثَ بن أبى الشعثاءِ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال:{السَّائِحُونَ} : الصائمون.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شريكٌ
(3)
، عن أشْعثَ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، قال:{السَّائِحُونَ} : الصائمون
(4)
.
حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أشْعثَ بن أبي الشَّعْثاءِ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ مثلَه.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن عاصمٍ، عن زِرٍّ، عن عبدِ اللَّهِ مثلَه.
حدَّثنا ابن وكيعٍ قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن أبي إسحاقَ، عن أبي
(5)
عبدِ الرحمنِ، قال:{السَّائِحُونَ} : هم الصائمون.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن
(1)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1889، 1890 تعليقًا.
(2)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1889 تعليقًا.
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، ف:"إسرائيل".
(4)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 156 عن سعيد بن جبير.
(5)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ف.
أبيه، عن ابن عباسٍ:{السَّائِحُونَ} . قال: يعنى بالسائحين: الصائمين
(1)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عُبَيدُ اللَّهِ، عن إسرائيلَ، عن [أبي يحيى]
(2)
، عن مجاهدٍ، قال:{السَّائِحُونَ} : هم الصائمون.
حدَّثني المُثنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{السَّائِحُونَ} : الصائمون
(3)
.
[حدَّثني المُثَنَّى]
(4)
، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ، قال:[كلُّ ما]
(5)
ذَكَر اللَّهُ في القرآنِ
(6)
السياحةَ، هم الصائمون
(7)
.
[حدَّثنا ابن وكيعٍ](4)، قال: ثنا أبي، عن المسعوديِّ، عن أبي سِنانٍ، عن ابن أبى الهُذَيلِ، عن أبي عمرٍو العَبْديِّ، قال:{السَّائِحُونَ} : الذين يُدِيمون الصيامَ مِن المؤمنين
(8)
.
حدَّثنا ابن حُمَيدٍ
(9)
، قال: ثنا حَكَّامٌ، عن ثعلبةَ بن سهيلٍ، قال: قال الحسنُ: {السَّائِحُونَ} : الصائمون
(10)
.
(1)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 156 عن العوفي عن ابن عباس.
(2)
في ص، ت 1، ت 2:"أبي نجيح"، وفى م، ف:"ابن أبي نجيح".
(3)
تفسير مجاهد ص 374، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 281 إلى المصنف وابن المنذر.
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ف.
(5)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ف:"كلما".
(6)
بعده في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ف:"ذكر" والمثبت موافق لما في تفسير ابن كثير والدر المنثور.
(7)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 156 عن علي به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 281 إلى المصنف وابن المنذر.
(8)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1890 من طريقين عن أبي سنان به.
(9)
في الأصل: "وكيع".
(10)
أخرجه أبو نعيم في الحلية 9/ 44 من طريق آخر عن الحسن به.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى منصور بن هارونَ، عن أبي إسحاقَ الفَزاريِّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنُ، قال:{السَّائِحُونَ} : الصائمون شهرَ رمضانَ.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو خالدٍ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ، قال:{السَّائِحُونَ} : الصائمون
(1)
.
[حدَّثنا ابن وكيعٍ]
(2)
، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ، قال: كلُّ شيءٍ في القرآنِ {السَّائِحُونَ} فإنه
(3)
الصائمون.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هُشَيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ:{السَّائِحُونَ} : الصائمون.
حُدِّثْتُ عن الحسينُ بن الفرجِ، قال: سَمِعتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: أَخبرَنا عُبيَدٌ، قال: سَمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قوله: {السَّائِحُونَ} : يعنى الصَّائمين
(4)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن نُمَيرٍ ويَعْلى وأبو أسامةَ، عن عبدِ الملكِ، عن عطاءٍ، قال:{السَّائِحُونَ} : الصائمون
(5)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرَنا هُشَيمٌ، عن عبدِ الملكِ، عن عطاءٍ مثلَه.
[حدَّثني المُثَنَّى](2)، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ الزبيرِ، عن ابن
(1)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1889، 1890 تعليقًا.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ف.
(3)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2:"قال"، وفى ف:"ذاك".
(4)
في ف: "الصائمون".
(5)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1889، 1890 تعليقًا.
عُيَينةَ، قال: ثنا عمرٌو، أنه سَمِعَ وَهْبَ بنَ مُنَبِّهٍ يقولُ: كانت السياحةُ في بني إسرائيلَ، وكان الرجلُ إذا ساحَ أربعينَ سنةَ رأى ما كان يرى السائحون قبلَه. فساحَ وَلَدُ بَغِيٍّ أربعين سنةً فلم يَرَ شيئًا، فقال: أيْ ربِّ، أرأيتَ إن أساءَ أبواى وأحسنتُ أنا! قال: فَأُرِى ما أُرِىَ السائحون قبلَه
(1)
.
قال ابن عُيَينةَ: إذا تَرَكَ الطعامَ والشرابَ والنساءَ فهو السائحُ
(2)
.
حدثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{السَّائِحُونَ} : قومٌ أَخَذوا مِن أبدانِهم صومًا للَّهِ
(3)
.
حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا إبراهيمُ بنُ يزيدَ، عن الوليدِ بن عبدِ اللَّهِ، عن عائشةَ، قالت: سياحةُ هذه الأمَّةِ الصيامُ
(4)
.
وقوله: {الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ} . يعنى: المُصَلِّين، الراكِعِين في صلاتِهم، الساجدِين فيها.
كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى منصورُ بنُ هارونَ، عن أبي إسحاقَ الفَزاريِّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ:{الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ} . قال: الصلاةُ المفروضةُ
(5)
.
وأما قوله: {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَر} ، فإنه يعنى
(1)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 282 إلى المصنف مقتصرا على قوله: كانت السياحة في بني إسرائيل.
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 282 إلى ابن المنذر بنحوه.
(3)
تقدم أوله في ص 9.
(4)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 156 عن المصنف.
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1891 من طريق أبي إسحاق الفزاري عن أبي رجاء عن سهيل وهو ابن أبي حزم القُطَعى عن كثير بن زياد البرساني عن الحسن.
أنهم يأمُرون الناسَ بالحقِّ في أديانهم واتِّباعِ الرشدِ والهُدى والعملِ، ويَنْهَونهم عن المنكرِ، وذلك نَهْيُهم الناسَ عن كلِّ فعلٍ وقولٍ نَهَى اللَّهُ عبادَه عنه.
وقد رُوِيَ عن الحسنِ في ذلك ما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني منصورُ بنُ هارونَ، عن أبي إسحاقَ الفَزاريِّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ:{الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} : لا إلهَ إلا اللَّهُ، {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَر}: عن الشركِ
(1)
.
حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا حَكَّامٌ، عن ثَعْلَبةَ بن سهيلٍ، قال: قال الحسنُ في قولِه: {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} . قال: أمَا إنهم لم يأمُروا الناسَ حتى كانوا مِن أهلِها، {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ}. قال: أمَا إنهم لم يَنْهَوا عن المنكرِ حتى انتهَوا عنه
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثني إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ، قال: كلُّ ما ذَكَر اللَّهُ
(3)
في القرآنِ مِن
(3)
الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، فالأمرُ بالمعروفِ دعاءٌ من الشركِ إلى الإسلامِ، والنهيُ عن المنكرِ نهىٌ عن عبادةِ الأوثانِ والشياطينِ.
وقد دَلَّلنا فيما مَضَى قبلُ على صحةِ ما قُلنا؛ مِن أن المعروف
(4)
هو كلُّ ما أمَر
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1891 من طريق أبي إسحاق الفزاري عن أبي رجاء عن سهيل بن أبي حزم القُطَعى عن كثير بن زياد البرساني عن الحسن، بأوله فقط. وسقط ذكر أبي رجاء من إسناده.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1891، 1892 من طريق حكام عن ثعلبة بن سهيل عن رجل عن الحسن.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ف.
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، ف:"الأمر بالمعروف".
اللَّهُ به عبادَه أو رسولُه صلى الله عليه وسلم، [والمنكر]
(1)
هو كلُّ ما نَهَى اللَّهُ عنه عبادَه أو رسولُه
(2)
. وإذ كان ذلك كذلك، ولم يكنْ في الآيةِ دلالةٌ على أنها عُنِى بها خصوصٌ دونَ عمومٍ، ولا في
(3)
خبرٍ عن الرسولِ، ولا في فطرةِ عقلٍ، فالعمومُ بها أَوْلى؛ لما قد بَيَّنَّا في غير موضعٍ مِن كُتُبِنا.
وأما قولُه: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} ، فإنه يعنى: المؤدُّون فَرائضَ اللَّهُ، المُنْتَهون إلى أمرِه ونهِيه، الذين لا يُضَيِّعون شيئًا ألزمَهم العملَ به، ولا يَرْتكِبون
(4)
شيئًا نَهاهم عن ارْتِكابِه.
كالذي حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبد اللَّهُ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} : يعنى: القائِمين على طاعةِ اللَّهِ. وهو شرطٌ اشْتَرَطه اللَّهُ على أهلِ الجهادِ، إذا وَفَوا للَّهِ
(5)
بشرطِه، وَفَى لهم بشرطِهم
(6)
.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} . قال: القائِمون على طاعةِ اللَّهِ
(7)
.
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف، وفى م:"والنهي عن المنكر".
(2)
ينظر ما تقدم في 5/ 676، 677.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ف.
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، ف:"يركبون".
(5)
في ص، م:"الله".
(6)
في م: "شرطهم".
والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1892 من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 282 إلى ابن المنذر.
(7)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 157 عن العوفي عن ابن عباس.
حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا حَكَّام، عن ثعلبةَ بن سهيلٍ، قال: قال الحسنُ في قوله: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} . قال: القائمون على أمرِ اللَّهُ
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى منصورُ بنُ هارونَ، عن أبي إسحاقَ الفَزاريِّ، عن أبي رجاءٍ عن الحسنِ:{وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} . قال: لفرائض اللَّهِ
(2)
.
وأما قولُه: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} ، فإنه يعنى: وبَشِّرِ المُصَدِّقِين بما وَعَدَهم اللَّهُ إذا هم [وَفَّوا اللَّهُ بعهدِهم]
(3)
، أنه مُوَفٍّ لهم بما وَعَدَهم من إدخالِهم الجنةَ.
كما حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا هَوْذَةُ بن خليفة، قال: ثنا عوفٌ، عن الحسنِ:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} حتى خَتَمَ الآيةَ، قال: هم
(4)
الذين وَفَوا ببيعتِهم
(5)
، {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ} حتى خَتَمَ الآيةَ، فقال: هذا عملُهم وسيرُهم في الرخاءِ، ثم لَقُوا العدوَّ فصَدَقوا ما عاهَدوا اللَّهَ عليه.
وقال بعضُهم: معنى ذلك: وبَشِّرْ مَن فَعَل هذه الأفعالَ - يعنى قولَه: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} إلى آخرِ الآيةِ - وإن لم يَغْزُوا.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى منصورُ بن هارونَ، عن أبي إسحاقَ الفزاريِّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} . قال: الذين
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1892 من طريق حكام عن ثعلبة بن سهيل عن رجل عن الحسن.
(2)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 157 عن الحسن.
(3)
في م: "وفوا الله بعهده".
(4)
سقط من: م، ت 1، ت 2.
(5)
في ت 1: "ببيعهم".
لم يَغْزوا
(1)
.
يقولُ تعالى ذكرُه: ما كان يَنْبَغى للنبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به، {أَنْ يَسْتَغْفِرُوا}. يقولُ: أن يَدْعوا بالمغفرةِ للمشركين، ولو كان المشركون الذين يَسْتَغْفرون لهم
(2)
ذَوى قَرابةٍ لهم، {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}. يقولُ: مِن بعدِ ما ماتوا على شِرْكِهم باللَّهِ وعبادةِ الأوثانِ، فتَبَيَّنَ
(3)
لهم أنهم مِن أهلِ النارِ؛ لأن اللَّهُ قد قَضَى أن لا يَغْفِرَ لمشركٍ، فلا يَنْبَغِى لهم أن يَسْأَلُوا ربَّهم أن يفعلَ ما قد عَلِموا أنه لا يفعلُه.
فإن قالوا: فإن إبراهيمَ قد اسْتَغْفر لأبيه وهو مشركٌ؟ فلم يكن استغفارُ إبراهيمَ لأبيه إلا لمَوعدةٍ وَعَدَها إياه، {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ} وعَلِمَ أنه للَّهِ عدوٌّ، خَلَّاه وتَرَكَه، وتَرَكَ الاستغفارَ له، وآثَرَ اللَّهَ وأمْرَه عليه، فتبرَّأَ منه حينَ تَبَيَّنَ له أَمرُه.
واختَلف أهلُ التأويلِ في السببِ الذي نَزَلَت هذه الآيةُ فيه؛ فقال بعضُهم: نَزَلَت في شأنِ أبي طالبٍ عمِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أرادَ أن يستغفرَ له بعدَ موتِه، فنَهاه اللَّهُ عن ذلك.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1892 من طريق أبى إسحاق الفزاري عن أبي رجاء عن سهيل وهو ابن أبي حزم القطعي عن كثير وهو ابن زياد البرساني عن الحسن. وفي متنه تصحيف.
(2)
بعده في م: "أولى قربى".
(3)
في م: "وتبين".
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا
(1)
عن محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، [عن مَعْمَرٍ]
(2)
، [عن الزهريِّ، عن سعيدِ بن المسيبِ، عن أبيه]
(3)
، قال: لمَّا حَضَرَت أبا طالبٍ الوفاة، دَخَلَ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وعندَه أبو جهلٍ وعبد اللَّهُ بنُ أبي أميةَ، فقال:"يا عَمِّ، قُلْ: لا إله إلا اللَّهُ، كلمةً أُحَاجُّ لك بها عندَ اللَّهِ". فقال له أبو جهلٍ وعبدُ اللَّهُ بنُ أبى أميةَ: يا أبا طالبٍ، أترغبُ عن ملةِ عبدِ المطلبِ؟ فلم يزالا يكلمانِه حتى قالَ آخِرَ شيءٍ تكلَّم به: أنا على ملةِ عبدِ المطلبِ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لأَسْتَغْفِرَنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك". فنَزَلَت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية، ونَزَلَت:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}
(4)
[القصص: 56].
حدَّثني أحمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بن وَهْبٍ، قال: ثنا عمى عبدُ اللَّهِ بنُ وَهْبٍ، قال: ثني يونسُ، عن الزهريِّ، قال: أخبرَني سعيدُ بنُ المسيبِ، عن أبيه، قال: لمَّا حَضَرَت أبا طالبٍ الوفاةُ، جاءه رسولُ اللَّهُ صلى الله عليه وسلم فوجَدَ عندَه أبا جهلِ بنَ هشامٍ وعبدَ اللَّهِ بنَ أبي أميةَ بن المغيرةِ، فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يا عم، قل: لا إله إلا اللَّهُ، كلمةً
(1)
في الأصل: "حدثت عن".
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ف.
(4)
أخرجه النسائي (2034) عن محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 288 ومن طريقه أخرجه أحمد 5/ 433 (الميمنية)، والبخاري (3884، 4675)، ومسلم (24/ 40)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1894، والبيهقى في الدلائل 2/ 342. وأخرجه البخاري (1360، 4772، 6681)، ومسلم (40/ 24)، والبيهقى في الدلائل 2/ 342 من طريق الزهري به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 282 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه.
أشْهَدُ لك بها عندَ اللَّهِ". قال أبو جهلٍ وعبدُ اللَّهِ بنُ أبي أميةَ: يا أبا طالبٍ، أترغبُ عن ملةِ عبدِ المطلبِ؟! فلم يَزَلْ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُها عليه ويعيدُ له تلك المقالةَ، حتى قال أبو طالبٍ آخِر ما كَلَّمَهم: هو على ملةِ عبدِ المطلبِ. وأبَى أن يقولَ: لا إلهَ إلا اللَّهُ، فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "واللَّهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك". فأنْزَل اللَّهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} ، وأنزل اللَّهُ في أبى طالبٍ، فقال لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية
(1)
[القصص: 56].
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} . قال: [قولُ المؤمنين]
(2)
: ألا نستغفرُ لآبائِنا وقد استغفرَ إبراهيمُ لأبيه كافرًا؟ فأنزَل الله: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} الآية.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شبْلٌ، عن عمرِو بن دينارٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"اسْتَغْفرَ إبراهيمُ لأبيه وهو مُشْرِكٌ، فلا أزالُ أستغفرُ لأبي طالبٍ حتى يَنْهانى عنه رَبِّي". فقال أصحابُه: لنَسْتَغْفرنَّ لآبائِنا كما استغفرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعَمِّه. فأنزل اللَّهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} إلى قوله: {تَبَرَّأَ مِنْهُ}
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم (24/ 39) من طريق عبد الله بن وهب به.
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، ف:"يقول المؤمنون".
(3)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 282، 283 إلى المصنف.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ هارونَ، عن سفيانَ بن حسينٍ
(1)
، عن الزهريِّ، عن سعيدِ بن المسيبِ، قال:[لمَّا حُضِر أبو طالبٍ]
(2)
، أتاه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعندَه عبدُ اللَّهِ بنُ أبي أميةَ وأبو جهلِ بنُ هشامٍ، فقال له رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَيْ عمِّ، إنك أعظمُ الناسِ عليَّ حَقًّا، وأحسنُهم عندى يدًا، ولأنتَ أعظمُ عليَّ حقًّا مِن والِدِي، فقلْ كلمةً تجبُ لى بها الشفاعةُ يومَ القيامةِ؛ قلْ: لا إلهَ إِلا اللَّهُ". ثم ذَكَر نحوَ حديثِ ابن عبدِ الأعْلى عن محمدِ بن ثورٍ
(3)
.
وقال آخرون: بل نَزَلَت في سببِ أُمِّ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه أرادَ أن يستغفرَ لها فمُنِعَ من ذلك.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أحمدُ بن إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا فُضَيلٌ، عن
(4)
عطيةَ، قال: لمَّا قَدِمَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مكةَ، وَقَفَ على قبرِ أمِّه حتى سَخِنَت عليه الشمسُ؛ رجاءَ أن يُؤذَنَ له فيستغفرَ لها، حتى نَزَلَت:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} إلى قوله: {تَبَرَّأَ مِنْهُ} .
حدَّثنا أحمدُ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا قيسٌ، عن عَلْقمةَ بن مَرْثدٍ، عن سليمانَ بن بُرَيدةَ، عن أبيه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم [لمَّا قدِم مكةَ]
(5)
أَتَى رَسْمَ، قال: وأكبرُ
(6)
(1)
في م: "عيينة". وينظر تهذيب الكمال 11/ 139.
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، ف:"لما حضر أبا طالب الوفاة".
(3)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 283 إلى المصنف.
(4)
في الأصل: "بن". وينظر تهذيب الكمال 23/ 305.
(5)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ف.
(6)
في ص، م، ت 1، ت 2، ف:"أكثر".
ظَنِّي أنه قال: قبرٍ، فجَلَسَ إليه، فجَعَل يُخاطِبُ، ثم قامَ مُسْتَعْبِرًا
(1)
. فقلنا
(2)
: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّا رأينا
(3)
ما صنعتَ. قال: "إِنِّي اسْتأذَنتُ رَبِّي في زيارةِ قبرِ أمِّي فأَذِنَ لي، واسْتأذَنتُه في الاسْتغفارِ لها فلم يَأذَنْ لى". فما رُؤِىَ باكيًا أكثرَ مِن يومئذٍ
(4)
.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قوله:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} إلى: {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} : فإن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما أرادَ أن يستغفرَ لأمِّه، فنَهاه اللَّهُ عن ذلك، فقال:"فإنَّ إبراهيمَ خليلَ اللَّهِ قد اسْتَغْفر لأبيه". فأنَزل اللَّهُ عز وجل: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} إلى: {لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}
(5)
.
وقال آخرون: بل نَزَلَت مِن أجلِ أن قومًا من أهلِ الإيمان كانوا يَسْتَغْفِرون لمَوتاهم مِن المشركين، فنُهُوا عن ذلك.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنى عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، ف:"مستغفرًا".
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، ف:"فقلت".
(3)
في تفسير ابن كثير: "رابنا".
(4)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 159 عن علقمة بن مرثد به، وأخرجه أحمد 5/ 356 (الميمنية)، والترمذي (1054) من طريق علقمة بن مرثد بنحوه مطولًا، وأخرجه أحمد 5/ 356/، 359 (الميمنية) من طريق سليمان بنحوه مطولًا.
(5)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 160 عن العوفي عن ابن عباس.
كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}: فكانوا يَسْتَغْفِرُون لهم حتى نَزَلَت هذه الآيةُ، فلما نَزَلَت
(1)
أَمْسَكوا عن الاستغفارِ لأمواتِهم، ولم يَنْهَهم أن يَسْتَغْفروا للأحياءِ حتى يَموتوا، ثم أنزَل الله:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} الآية
(2)
.
حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} الآية: ذُكِرَ لنا أن رجالًا من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبيَّ اللَّهِ، إن مِنْ آبائِنَا مَن كان
(3)
يُحْسِنُ الجِوارَ، ويَصِلُ الأرحامَ، ويَفُلُّ العانيَ، ويُوفِي بالذِّمَمِ، أفلا نستغفرُ لهم؟ قال: فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "بلى، واللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لأبي كما اسْتغفَرَ إبراهيمُ لأبيه". قال: فأنزَل اللَّهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} حتى بَلَغَ {الْجَحِيمِ} ، ثم عَذَرَ اللَّهُ إبراهيمَ فقال:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} . قال: وذُكِرَ لنا أن نبيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "أُوحِيَ إليَّ كلماتٌ فَدَخَلْنَ فِي أُدْنِي وَوَقَرْنَ فِي قلبي؛ أُمِرتُ أن لا أستغفِرَ لَمن ماتَ مُشْرِكًا، ومَن أعطَى فضلَ مالِه فهو خيرٌ له، ومَن أمسَكَ فهو شرٌّ له، ولا يلومُ اللَّهُ على كَفافٍ"
(4)
.
واختَلف أهلُ العربيةِ في معنى قولِه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} .
(1)
في الأصل: "أنزلت".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1893 من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 282 إلى ابن المنذر وابن مردويه.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 283 إلى المصنف.
فقال بعضُ نَحويى البصرةِ: معنى ذلك: ما كان لهم الاستغفارُ، وكذلك معنى قوله:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ} [يونس: 100]: وما كان لنفسٍ الإيمانُ {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} .
وقال بعض نحويى الكوفةِ: معناه: ما كان يَنْبَغِى لهم أن يَسْتَغْفِرُوا لهم. قال: وكذلك إذا جاءت "أن" مع "كان"، فكلُّها بتأويلِ: ينبغي؛ {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمران: 161]: ما كان يَنْبَغِي له، ليس هذا من أخلاقِه. قال: فلذلك إذا
(1)
دَخَلَت "أن" تدلُّ على الاستقبال؛ لأن "ينبغي" تطلب
(2)
الاستقبالَ.
وأما قوله: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} ، فإن أهلَ التأويلِ
(3)
اخْتَلَفوا في السببِ الذي أُنزِل فيه؛ فقال بعضُهم: أُنزِل مِن أجلِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه كانوا يَسْتَغْفرون لمَوتاهم المشركين، ظَنًّا منهم أن إبراهيمَ خليلَ الرحمنِ قد فَعَل ذلك حينَ أنزَل اللَّهُ عز وجل قولَه خبرًا عن إبراهيمَ:{قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47].
وقد ذَكَرنا الروايةَ عن بعضِ مَن حَضَرَنا ذكرُه، [وسنذكُرُ عمَّن لم نذكُرْه]
(4)
.
حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الخليلِ، عن عليٍّ، قال: سمِعتُ رجلًا يستغفرُ لوالدَيه وهما مُشْرِكان، [فقلتُ له: أتستغفِرُ لهما وهما مُشْرِكان]
(5)
؟ فقال: أوَ لم يستغفِرْ إبراهيمُ
(1)
سقط من: الأصل، ص، ت 1، ت 2.
(2)
في ص: "لطلب"، وفى ف:"يطلب".
(3)
في ص، م، ت 1 ت 2، ف:"العلم".
(4)
في الأصل: "وسأذكر عمن لم أذكره".
(5)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف، وفى م:"فقلت: أيستغفر الرجل لوالديه وهما مشركان؟ ".
لأبيه؟ قال: فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكَرتُ ذلك له، فأنزَل الله:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا}
(1)
إلى {تَبَرَّأَ مِنْهُ}
(2)
.
حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا يحيى، عن سفيانَ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الخليلِ، عن عليٍّ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يستغفِرُ لأبوَيه وهما مُشْرِكان، حتى نَزَلَت:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} إلى قولِه: {تَبَرَّأَ مِنْهُ}
(3)
.
وقيل: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ} ، ومعناه: إلا مِن بعدِ موعدةٍ، كما يقالُ: ما كان هذا الأمرُ إلا عن سببِ كذا. بمعنى: مِن بعدِ ذلك السببِ أو مِن أجلِه. فكذلك قولُه: {إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ} : مِن أجلِ موعدةٍ وبعدَها.
وقد تأوَّلَ قومٌ قولَ اللَّهِ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} الآية، أن النَّهْيَ مِن اللَّهِ عن الاستغفارِ للمشركين بعدَ مَماتِهم؛ لقوله:{مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} . وقالوا: ذلك لا يَتَبيَّنُه أحدٌ إلا بأن يموتَ على كفرِه، وأمَّا وهو حيٌّ فلا سبيلَ إلى علمِ ذلك، فللمؤمنين أن يَسْتغفروا لهم.
(1)
من هنا خرم في مخطوطة الأصل وينتهي في ص 88.
(2)
أخرجه أحمد 2/ 328 (1085)، والنسائي (2035)، وأبو يعلى (335) من طريق عبد الرحمن مهدى به، وأخرجه أحمد 2/ 162، 328 (771، 1085)، والترمذي (3101)، والبزار (893، 894)، وأبو يعلى (619)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1893، والحاكم 2/ 335، والبيهقي في الشعب (9378) من طريق سفيان به، وأخرجه الطيالسي (133)، والبيهقى (9377) من طريق أبي إسحاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 282 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه والضياء في المختارة.
(3)
أخرجه أبو يعلى (335) من طريق يحيى بن سعيد به.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا سليمانُ بن عمرَ الرَّقِّيُّ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ المباركِ، عن سفيانَ الثوريِّ، عن الشَّيْبانيِّ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، قال: ماتَ رجلٌ يهوديٌّ وله ابنٌ مسلمٌ فلم يخرُجْ معه، فذُكِر ذلك لابنِ عباسٍ فقال: كان يَنْبغِي له أن يمشِىَ معه ويَدْفِنَه ويَدْعوَ له بالصلاحِ ما دامَ حيًّا، فإذا ماتَ وَكَلَه إلى شأنِه. ثم قال:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} : لم يَدْعُ
(1)
.
حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا ابن
(2)
فُضَيلٍ، عن ضِرَارِ بن مُرَّةَ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ قال: ماتَ رجلٌ نَصْرانيٌّ، فوَكَلَه ابنُه إلى أهلِ دينِه، فأتيتُ ابنَ عباسٍ فذَكَرتُ ذلك له، فقال: ما كان عليه لو مَشَى معه وأَجَنَّه واستغفَر له. ثم تَلَا: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} الآية
(3)
.
وتأوَّلَ آخرون الاستغفارَ في هذا الموضعِ بمعنى الصلاةِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: حدَّثنا إسحاقُ، قال: ثنا كثيرُ بنُ هشامٍ، عن جعفرِ بن بُرْقانَ، قال: ثنا حبيبُ بنُ أبى مرزوقٍ، عن عطاءِ بن أبي رباحٍ، قال: ما كنتُ أَدَعُ الصلاةَ على أحدٍ مِن أهلِ هذه القبلةِ، ولو كانت حَبَشِيَّةً حُبْلَى مِن الزِّنا؛ لأنى لم أَسْمَعِ اللَّهَ يَحْجُبُ الصلاةَ إلا عن المشركين، يقولُ اللَّهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ
(1)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 161 عن الثوري به.
(2)
سقط من: م.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 348 عن ابن فضيل به، وأخرجه أيضا 3/ 348 من طريق إسرائيل عن ضرار به.
آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}
(1)
.
وتأوَّله آخرون بمعنى الاستغفارِ الذي هو دعاءٌ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن عصمةَ بن زاملٍ
(2)
، عن أبيه، قال: سَمِعتُ أبا هريرةَ يقولُ: رَحِمَ اللَّهُ رجلًا استغفَر لأبي هريرةَ ولأمِّه. قلت: ولأبيه؟ قال: لا، إن أبى ماتَ وهو مشركٌ
(3)
.
قال أبو جعفرٍ: وقد دَلَّلنا على أن معنى الاستغفارِ مسألةُ العبدِ ربَّه غَفْرَ الذنوبِ
(4)
. وإذ كان ذلك كذلك، وكانت مسألةُ العبدِ ربَّه ذلك قد تكونُ في الصلاةِ وفي غيرِ الصلاةِ، لم يكُنْ أحدُ القولَين اللذين ذَكَرنا فاسدًا؛ لأن اللَّهَ قد
(5)
عَمَّ بالنهيِ عن الاستغفارِ للمشركِ بعدَما تبَيَّنَ له أنه مِن أصحابِ الجحيمِ، ولم يُخصِّصْ مِن ذلك حالًا أباحَ فيها الاستغفارَ له.
وأما قولُه: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} ، فإن معناه ما قد بَيَّنتُ مِن أنه: من بعدِ ما يَعْلَمون
(6)
بموتِه كافرًا أنه مِن أهلِ النارِ.
وقيل: {أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} ؛ لأنهم سكانُها وأهلُها الكَائِنون فيها، كما يقالُ لسُكَّانِ الدارِ: هؤلاء أصحابُ هذه الدارِ. بمعنى: سُكَّانُها.
وبنحوِ ما قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(1)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 161 عن عطاء بن أبي رباح.
(2)
في م: "راشد". وينظر التاريخ الكبير 7/ 63، والجرح 7/ 20.
(3)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 161 عن المصنف.
(4)
ينظر ما تقدم في 6/ 68.
(5)
سقط من: م، ف.
(6)
في ت 2، ف:"تعلمون".
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} . قال: تَبَيَّنَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أن أبا طالبٍ حينَ [ماتَ أن التوبةَ قد انْقطَعَت عنه
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأَعْلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ، قال: تَبَيَّنَ له حينَ]
(2)
ماتَ، وعَلِمَ أن التوبة قد انْقطَعَت عنه
(3)
. يعنى في قولِه: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}
(4)
.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سَمِعتُ أبا مُعاذٍ، قال: ثنا عُبَيدُ بنُ سليمانَ، قال: سَمِعتُ الضَّحَّاكَ في قولِه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية. يقولُ: إذا ماتوا مُشْرِكِين، يقول الله:[{إِنَّهُ مَنْ]
(5)
يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} الآية [المائدة: 72].
واختَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} ؛ قال بعضُهم: معناه: فلمَّا تَبَيَّنَ له بموته مشركًا باللَّهِ تَبرَّأَ منه وتَرَكَ الاستغفارَ له.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن حبيبٍ،
(1)
في ص: "منه".
(2)
سقط من: ف، ت 1، ت 2.
والأثر في تفسير عبد الرزاق 1/ 289.
(3)
في ص، ت 1، ت 2:"منه".
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1895 من طريق محمد بن عبد الأعلى به.
(5)
في النسخ: "ومن".
عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: ما زالَ إبراهيمُ يستغفِرُ لأبيه حتى مات، {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}
(1)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدَّثنا أبى، عن سفيانَ، عن حبيبٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: ما زال إبراهيمُ يستغفِرُ لأبيه حتى مات، فلما ماتَ تَبَيَّنَ له أنه عدوٌّ للَّهِ.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن حبيبِ بن أبي ثابتٍ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: لم يزَلْ إبراهيم يستغفِرُ لأبيه حتى ماتَ، فلما ماتَ لم يستغفِرْ له.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبد اللَّهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} : يعنى: استغفَر له ما كان حيًّا، فلما ماتَ أمسكَ عن الاستغفارِ له.
حدَّثني مَطَرُ بنُ محمدٍ الضَّبِّيُّ، قال: ثنا أبو عاصمٍ وأبو قُتَيبةَ سَلْمُ بنُ قُتَيبةَ، قالا: ثنا شعبةُ، عن الحَكَمِ، عن مجاهدٍ في قولِه:{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} . قال: لمَّا ماتَ
(2)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن الحَكَمِ، عن مجاهدٍ مثلَه.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1894 من طريق عبد الرحمن به، وأخرجه أيضًا 6/ 1895 من طريق سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى الفريابي وابن المنذر وأبى الشيخ وأبي بكر الشافعي في فوائده والضياء في المختارة.
(2)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1895 تعليقًا.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ} . قال: موتُه وهو كافرٌ.
حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنى أبي، عن شُعْبَةَ، عن الحَكَمِ، عن مجاهدٍ مثلَه.
قال: ثنا [ابن أبي غَنِيَّةَ]
(1)
، عن أبيه، عن الحَكَمِ:{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} . قال: حينَ ماتَ ولم يُؤْمِنْ
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن عمرِو بن دينارٍ:{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} : موتُه وهو كافرٌ.
قال: ثنا عمرُو بنُ عَوْنٍ، قال: ثنا هُشَيمٌ، عن جُوَيبرٍ، عن الضَّحَّاكِ في قولِه:{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} . قال: لمَّا ماتَ
(3)
.
حدَّثنا بشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ} : لمَّا ماتَ على شِرْكِه تَبَرَّأَ منه
(4)
.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا مُعاذٍ، يقولُ: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} : كان إبراهيمُ، صلواتُ اللَّهِ عليه، يَرْجُو أَن يُؤْمِنَ أبوه ما دامَ حَيًّا، فلما ماتَ على شِرْكِه تَبَرَّأ منه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجُ، عن ابن جُرَيجٍ، عن
(1)
في ص، ت 1، ت 2:"ابن أبي عتبة"، وفى م:"البراء بن عتبة"، والمثبت هو الصواب، وقد تقدم هذا الإسناد في 7/ 555، 8/ 81.
(2)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1895 تعليقًا.
(3)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 161 عن الضحاك.
(4)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 161 عن قتادة.
مجاهدٍ: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} . قال: موتُه وهو كافرٌ.
حدَّثنا أحمدُ
(1)
بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن حبيبِ بن أبي ثابتٍ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: ما زالَ إبراهيمُ يستغفِرُ لأبيه حتى ماتَ، فلما ماتَ تَبَيَّنَ له أنه عدوٌّ اللَّهِ فلم يستغفِرْ له
(2)
.
قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا أبو
(3)
إسرائيلَ، عن عليِّ بن بَذِيمةَ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ:{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ} . قال: فلمَّا ماتَ.
وقال آخرون: معناه: فلما تَبَيَّنَ له في الآخرةِ، وذلك أن أباه يَتَعلَّقُ
(4)
به إذا أرادَ أن يَجوزَ الصراطَ، فيَمُرُّ به عليه، حتى إذا كادَ أن يُجاوِزَه حانَتْ مِن إبراهيمَ التِفاتةٌ، فإذا هو بأبيه في صورةِ قِرْدٍ أو ضَبُعٍ، فخَلَّى
(5)
عنه وتَبَرَّأ منه حينَئذٍ
(6)
.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، قال: ثنا حفصُ بنُ غياثٍ، قال: ثنا [عبدُ الملكِ بنُ أبي سليمانَ]
(7)
، قال: سمِعتُ سعيدَ بنَ جُبَيرٍ يقولُ: إن إبراهيمَ يقولُ يومَ القيامةِ: ربِّ والدى، ربِّ والدى. فإذا كانت
(8)
الثالثةُ أَخَذَ بيدِه، فيَلْتَفِتُ إليه وهو ضِبْعانٌ
(9)
فيَتَبَرَّأُ
(1)
في النسخ: "محمد"، والمثبت هو الصواب، وينظر تهذيب الكمال 1/ 265.
(2)
تفسير سفيان الثوري ص 127.
(3)
سقط من: ف. وإسرائيل بن يونس وأبو إسرائيل الملائي كلاهما يروى عن علي بن بذيمة، ويروى عنهما أبو أحمد الزبيرى. ينظر تهذيب الكمال 2/ 515، 3/ 77.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، ف:"متعلق".
(5)
في ت 1: "فتخل"، وفي ف:"فيخل"، وبدون نقط في: ص، ت 2.
(6)
في ص، ت 1، ت 2، ف:"يتبرأ".
(7)
في م: "عبد الله بن سليمان". وينظر تهذيب الكمال 18/ 322.
(8)
في م: "كان".
(9)
الضِّبْعان: الذكر من الضباع. اللسان (ض ب ع).
منه.
حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن عُبَيدِ بن عُمَيرٍ، قال: إنكم مَجموعون يومَ القيامةِ في صعيدٍ واحدٍ، يُسْمِعُكم الداعى، ويَنْفُذُكم البصرُ. قال: فتَزْفِرُ جهنمُ زَفْرةً لا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نبيٌّ مُرسَلٌ إِلا وَقَعَ لرُكْبَتَيه، تُرْعَدُ فرائصُه. قال: فحَسِبْتُه يقولُ: نَفْسي نَفْسى. قال: ويُضْرَبُ الصِّراطُ على جِسْرِ
(1)
جهنمَ كحدِّ السيفِ، دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، وفي جانبَيه ملائكةٌ معهم خَطاطيفُ كشوكِ السَّعْدانِ. قال: فَيَمْضُون كالبرقِ، وكالريحِ، وكالطيرِ، وكأجاويدِ الرِّكابِ، وكأجاويدِ الرجالِ، والملائكةُ يقولون: رَبَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. فناجٍ سالمٌ، ومخدوشٌ ناجٍ، ومكدوسٌ
(2)
في النارِ، فيقولُ إبراهيمُ لأبيه: إنى كنتُ آمُرُك في الدنيا فتَعْصِيني، ولستُ تارِكَك اليومَ، فخُذْ بحَقْوِى
(3)
. فيأخُذُ بِضَبْعَيْه
(4)
، فيُمْسَخُ ضَبْعًا، فإذا رَآه قد مُسِخَ تَبرَّأَ منه
(5)
.
وأَوْلى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ اللَّهِ؛ وهو خبرُه عن إبراهيمَ أنه لمَّا تَبَيَّن له أن أباه للَّهِ عدو تَبرَّأَ منه، وذلك حالَ علمِه ويقينِه أنه للَّهِ عدوٌّ وهو به مشركٌ، وهو حالُ ثُبُوتِه
(6)
على شِرْكِه.
القولُ في تأويلِ قوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} .
(1)
سقط من: ص.
(2)
عند ابن أبي شيبة وأبي نعيم في الحلية: "مكردس".
(3)
الحقو: معقد الإزار. النهاية 1/ 417.
(4)
الضَّبْع: ما بين الإبْط إلى نصف العضد من أعلاها، وهما ضبعان. اللسان (ض ب ع).
(5)
أخرجه أبو نعيم في الحلية 3/ 273 من طريق جرير عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير به، وليس فيه ذكر إبراهيم عليه السلام، وأخرجه ابن أبي شيبة 13/ 179 من طريق الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير بنحوه مختصرًا.
(6)
في م: "موته".
اختَلَف أهلُ التأويلِ في معنى
(1)
"الأَوَّاهِ"؛ فقال بعضُهم: هو الدَّعَّاءُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن عاصمٍ، عن زِرٍّ، عن عبدِ اللَّهِ، قال: الأَوَّاهُ الدَّعَّاءُ
(2)
.
حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ وابن وكيعٍ، قالا: ثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، عن زِرٍّ، عن عبدِ الله، قال: الأَوَّاهُ الدَّعَّاءُ.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وَهْبٍ، قال: ثني جريرُ بنُ حازمٍ، عن عاصمِ بن بَهْدلةَ، عن زِرِّ بن حُبَيشٍ، قال: سألتُ عبدَ اللَّهِ عن الأَوَّاهِ، فقال: هو الدَّعَّاءُ.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ بِشْرٍ، عن ابن أبي عَروبةَ، عن عاصمٍ، عن زِرٍّ، عن عبدِ اللَّهِ مثلَه.
قال: ثنا قبيصةُ، عن سفيانَ، عن عبدِ الكريمِ، عن أبي عبيدةَ، عن عبدِ اللَّهِ، قال: الأَوَّاهُ الدُّعَاءُ.
قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن عاصمٍ، عن زِرٍّ، عن عبدِ اللَّهِ مثلَه.
حدَّثنا أحمدُ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ وإسرائيلُ، عن عاصمٍ، عن زِرٍّ، عن عبدِ الله مثلَه.
حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابن عُلَيَّةَ، قال: ثنا
(1)
سقط من: م.
(2)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 162 عن سفيان الثورى به، وأخرجه الطبراني (9004) من طريق عاصم به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
داود بن أبي هند، قال: نُبِّئتُ عن عُبَيدِ بن عُمَيرٍ، قال: الأَوَّاهُ، الدعاءُ.
حدَّثني إسحاقُ بنُ شاهينَ، قال: ثنا داودُ، [عن عبدِ اللَّهِ بن عبيدٍ، قال: الأَوَّاهُ الدَّعَّاءُ.
حدَّثني ابن المُثَنَّى، قال: حدَّثني عبدُ الأَعْلَى، قال: حدَّثنا داود]
(1)
، عن عبدِ اللَّهِ بن عُبيد بن عميرٍ الليثيِّ، عن أبيه، قال: الأَوَّاه الدَّعَّاءُ.
وقال آخرون: بل هو الرحيمُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن سَلَمةَ، عن مسلمٍ البَطِينِ، عن أبي العُبَيْدَيْنِ، قال: سُئِل عبدُ اللَّهِ عن الأوَّاهِ، فقال: الرحيمُ
(2)
.
حدَّثني محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنى محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن الحَكَمِ، قال: سمِعتُ يحيى بنَ الجَزَّارِ يُحدِّثُ، عن أبي العُبَيْدَيْنِ - رجلٍ ضَرِيرِ البصرِ - أنه سأَل عبدَ اللَّهِ عن الأَوَّاهِ، فقال: الرحيمُ
(3)
.
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا المُحارِبيُّ، وحدَّثنا خَلَّادُ بنُ أسلمَ، قال: أخبَرنا النضرُ بنُ شُمَيلٍ، جميعًا عن المسعوديِّ، عن سَلَمَةَ بن كُهَيلٍ، عن أبي العُبَيْدَيْنِ، أَنه سأل ابنَ مسعودٍ فقال: ما الأَوَّاهُ؟ قال: الرحيمُ.
حدَّثني زكريا بنُ يحيى بن أبي زائدةَ، قال: ثنا ابن إدريسَ، عن الأعْمشِ، عن
(1)
سقط من: م.
(2)
أخرجه الفريابي كما في الدر المنثور 3/ 285 - ومن طريقه الطبراني (9002) - عن سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
(3)
أخرجه الطبراني (9006) من طريق شعبة به.
الحَكَمِ، عن يحيى بن الجَزَّارِ، عن أبي العُبَيْدَيْنِ، أنه جاء إلى عبد الله - وكان ضريرَ البصرِ - فقال: يا أبا عبدِ الرحمنِ، مَن نسألُ إذا لم نسألْك؟ فكأَنَّ ابن مسعودٍ رَقَّ له، قال: أخبِرْني عن الأوَّاهِ؟ قال: الرحيمُ
(1)
.
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا وكيعٍ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن سَلَمةَ بن كَهَيلٍ، عن مسلمٍ البَطِينِ، عن أبي العُبَيْدَيْنِ، قال: سألتُ عبدَ اللَّهِ عن الأوَّاه، فقال: هو الرحيمُ.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن الأعْمشِ، عن الحَكَمِ، عن يحيى بن الجَزَّارِ، قال: جاء أبو العُبَيْدَيْنِ إلى عبدِ اللَّهِ فقال له: ما حاجتُك؟ قال: ما الأَوَّاهُ؟ قال: الرحيمُ.
قال: ثنا ابن إدريسَ، عن الأعْمشِ، عن الحَكَمِ، عن يَحيى بن الجَزَّارِ، عن أبي العُبَيْدَيْنِ - رجلٍ مِن بنى سُواءةَ
(2)
- قال: جاء رجلٌ إلى عبدِ اللَّهِ فسأله عن الأوَّاءِ، فقال له عبدُ اللَّهِ: الرحيمُ.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المُحارِبيُّ وهانئُ بنُ سعيدٍ، عَن حَجَّاجٍ، عن الحَكَمِ، عن يحيى بن الجَزَّارِ، عن أبي العُبَيْدَيْنِ، عن عبدِ اللَّهِ، قال: الأَوَّاهُ الرحيمُ.
حدَّثني يعقوبُ وابنُ وكيعٍ قالا: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عَن شعبةَ، عن الحَكَمِ، عن يحيى بن الجَزَّارِ، أن أبا العُبَيْدَيْنِ رجلٌ مِن بنى نُمَيرٍ - قال يعقوبُ: كان ضريرَ البصرِ. وقال ابن وكيعٍ: كان مكفوفَ البصرِ - سأَل ابنَ مسعودٍ فقال: ما الأوَّاهُ؟ قال: الرحيمُ.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1896، والطبراني (9007) من طريق الأعمش به.
(2)
في م: "سوأة".
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن زكريا، عن أبي إسحاقَ، عن أبي مَيْسرةَ، قال: الأوَّاهُ الرحيمُ
(1)
.
قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي مَيْسرةَ مثلَه.
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي مَيْسرةَ مثلَه.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ بِشْرٍ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن الحسنِ، قال: هو الرحيمُ
(1)
.
حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: كُنَّا نُحدَّثُ أن الأوَّاهَ الرحيمُ.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأَعْلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ} . قال: رحيمٌ
(2)
. [وقال]
(3)
عبدُ الكريمِ الجَزَرِيُّ، عن أبي عبيدةَ، عن ابن مسعودٍ مثلَ ذلك
(4)
.
حدَّثنا أحمدُ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن عبدِ الكريمِ، عن أبي عبيدةَ، عن عبدِ اللَّهِ، قال: الأَوَّاهُ الرحيمُ
(5)
.
حدَّثنا أحمدُ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن سَلَمةَ، عن مسلمٍ
(1)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1896 تعليقًا.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 290 عن معمر به.
(3)
في م: "قال".
(4)
تفسير عبد الرزاق 1/ 290.
(5)
أخرجه الطبراني (9003) من طريق سفيان به.
البَطِينِ، عن أبي العُبَيْدَيْنِ، أنه سأل عبدَ اللَّهِ عن الأَوَّاهِ، فقال: الرحيمُ.
قال: ثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن عمرِو بن شُرَحْبيلَ، قال: الأَوَّاهُ الرحيمُ.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا مباركٌ، عن الحسنِ، قال: الأوَّاه، الرحيمُ بعبادِ اللَّهِ.
قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا أبو خَيْثمةَ زهيرٌ، قال: ثنا أبو إسحاقَ الهَمْدانيُّ، عن أبي مَيْسرةَ
(1)
عمرِو بن شُرَحْبيلَ، قال: الأَوَّاهُ: الرحيمُ، بلحنِ الحبشةِ
(2)
.
وقال آخرون: بل هو المُوقِنُ
(3)
.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا وكيعٍ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن قابوسَ، عن أبيه، عن ابن عباسٍ، قال: الأَوَّاهُ المُوقِنُ
(4)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يَحيى بنُ آدمَ، عن ابن مُباركٍ، عن خالدٍ، عن عِكْرمةَ، عن ابن عباسٍ، قال: الأَوَّاهُ المُوقِنُ، بلسانِ الحبشةِ
(5)
.
قال: ثنا حميدُ بنُ عبدِ الرحمنِ، عن حسنٍ، عن مسلمٍ، عن مجاهدٍ، عن
(1)
بعده في النسخ: "عن"، وأبو ميسرة هو عمرو بن شرحبيل. ينظر تهذيب الكمال 22/ 60.
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى المصنف وأبى الشيخ.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، ف:"الموفق". ومثله في أغلب المواضع الآتية.
(4)
تفسير عبد الرزاق 1/ 290 عن سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى أبى الشيخ.
(5)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى المصنف وأبى الشيخ.
ابن عباسٍ، قال: الأَوَّاه الموقنُ، بلسانِ الحبشةِ
(1)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: سَمِعتُ سفيانَ، يقولُ: الأَوَّاهُ المُوقِنُ. وقال بعضُهم: الفَقِيهُ المُوقِنُ.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن جابرٍ، عن عطاءٍ، قال: الأوَّاهُ المُوقِنُ، بلسانِ الحبشةِ
(2)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن إدريسَ، عن أبيه، عن رجلٍ، عن عكرمةَ، قال: هو المُوقِنُ
(2)
.
قال: ثنا ابن نُمَيرٍ، عن الثوريِّ، عن مُجالدٍ، عن أبي هاشمٍ، عن مجاهدٍ، قال: الأَوَّاهُ المُوقِنُ
(3)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن مسلم، عن مجاهدٍ، قال: الأَوَّاهُ المُوقِنُ
(4)
.
قال: أخبَرنا عبد الرزاقِ، قال: أخبَرنا مَعْمَرٌ، عن قابوسَ، عن أبي ظَبْيانَ، عن ابن عباسٍ، قال: الأَوَّاهُ: المُوقِنُ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1896 إلى حسن بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى ابن المنذر.
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى المصنف.
(3)
بعده في م: "بلسان الحبشة".
والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1896 من طريق جابر وهو ابن يزيد الجعفى عن مجاهد وعكرمة، وعزى السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 أثر عكرمة إلى ابن المنذر.
(4)
تفسير عبد الرزاق 1/ 290 بلفظ: "المؤمن"، وفي نسخة:"الموفق".
مجاهدٍ: أَوَّاهٌ: مُوقِنٌ
(1)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: أَوَّاهٌ، قال: مُؤْتَمِنٌ مُوقِنٌ.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سَمِعتُ أبا مُعَاذٍ، يقولُ: أَخبَرنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} . قال: الأوَّاهُ المُوقِنُ
(2)
.
وقال آخرون: هي كلمةٌ بالحبشيةِ، معناها المؤمنُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} . قال: الأوَّاه هو المؤمنُ بالحبشيةِ
(3)
.
حدَّثنا عليُّ بن داودَ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قوله:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ} : يعنى المؤمنَ التَّوَّابَ
(4)
.
حدَّثنا أحمدُ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا حسنُ بنُ صالحٍ، عن مسلمٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ، قال: الأوَّاهُ المؤمنُ
(5)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حَجَّاجُ، عن ابن جُرَيجٍ: الأَوَّاهُ
(1)
تفسير مجاهد ص 377.
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى المصنف.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، م:"بالحبشة". والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى المصنف.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1896 من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى ابن المنذر.
(5)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 162 عن مجاهد به.
المؤمنُ
(1)
، بالحبشيةِ
(2)
.
وقال آخرون: هو المُسبِّحُ الكثيرُ الذكرِ اللَّهِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شَرِيكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ، قال: الأوَّاهُ المُسبِّحُ
(3)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المُحاربيُّ، عن حَجَّاجٍ، عن الحَكَمِ، عن الحسنِ بن مسلمِ بن يَنَّاقٍ، أن رجلًا كان يُكْثِرُ ذكرَ اللَّهِ ويُسَبِّحُ، فذكر ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:"إنَّه أوَّاهٌ"
(4)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا [زيدُ بنُ حبابٍ]
(5)
، عن ابن لَهِيعَةَ، عن الحارثِ بن يزيدَ، عن عليِّ بن رباحٍ، عن عقبةَ بن عامرٍ، قال: الأوَّاهُ الكثيرُ الذكرِ الله
(6)
.
وقال آخرون: هو الذي يُكْثِرُ تلاوةَ القرآنِ.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا ابن يمانٍ، قال: ثنا المِنْهالُ بنُ خليفةَ، عن حَجَّاجِ بن أرطاةَ، عن عطاءٍ، عن ابن عباسٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَفَنَ مَيِّتًا فقال: "يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِن
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.
(2)
في م: "بالحبشة". والأثر ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 162 عن ابن جريج.
(3)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى المصنف وابن المنذر.
(4)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 163 عن المصنف.
(5)
في م: "يزيد بن حيان"، وفي ف:"يزيد بن حباب". وينظر تهذيب الكمال 10/ 40.
(6)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 286 إلى المصنف وأبى الشيخ.
كنتَ لأَوَّاهًا". يعنى تَلاءُ للقرآنِ
(1)
.
وقال آخرون: هو مِن التأوُّهِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي يونسَ القُشَيريِّ، عن قاصٍّ
(2)
كان بمكةَ، أن رجلًا كان في الطوافِ فَجَعَل يقولُ: أَوَّهْ. قال: فَشَكاه أبو ذَرٍّ [إلى النبيِّ]
(3)
صلى الله عليه وسلم فقال: "دَعْهُ، إِنَّه أَوَّاهٌ".
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن شُعبةً، عن أبي يونسَ الباهليِّ، قال: سمِعتُ رجلًا بمكةَ كان أصلُه روميًّا، يُحدِّثُ عن أبي ذرٍّ، قال: كان رجلٌ يطوفُ بالبيتِ ويقولُ في دُعائِهِ: أَوَّهْ أَوَّهْ. فذُكِر ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّه أَوَّاهٌ". زادَ أبو كُرَيبٍ في حديثِه قال: فخَرَجتُ ذاتَ ليلةٍ، فإذا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْفِنُ ذلك الرجلَ ليلًا ومعه المصباحُ
(4)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا زيدُ بن الحُبابِ، عن جعفرِ بن سليمانَ، قال: ثنا أبو عِمْرانَ، عن عبدِ اللَّهِ بن رباحٍ، عن كعبٍ، قال: الأَوَّاهُ إِذا ذَكَر النارَ قال: أَوَّهْ
(5)
.
(1)
في ف، ت 1، ت 1:"القرآن". والأثر ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 163 عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى ابن مردويه.
(2)
في ت 1، ت 2، ف:"قاضي".
(3)
في م: "للنبي".
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1895 من طريق وكيع به، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 163 عن شعبة به، وقال عقبه:"هذا حديث غريب، رواه ابن جرير ومشاه"، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى ابن مردويه.
(5)
أخرجه البيهقى في الشعب (916) من طريق زيد بن الحباب به نحوه، وأخرجه أحمد في الزهد ص 78 من طريق جعفر به نحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ بنُ
(1)
عبدِ الصمدِ العَمِّيُّ
(2)
، عن أبي عِمْران الجَوْنيِّ، عن عبدِ الله بن رباحٍ، عن كعبٍ، قال: كان إِذا ذَكَرَ النارَ قال: أَوَّهْ.
حدَّثنا الحسنُ، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، عن جعفرِ بن سليمانَ، قال: أخبَرنا أبو عِمْرانَ، قال: سمِعتُ عبدَ اللَّهِ بنَ رباحٍ الأنصاريَّ يقولُ: سمِعتُ كعبًا يقولُ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ} . قال: إذا ذَكَر النارَ قال: أَوَّهْ مِن النارِ.
وقال آخرون: معناه أنه فَقِيهٌ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ} . قال: فَقِيهٌ.
وقال آخرون: هو المتُضَرِّعُ الخاشعُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحَجَّاجُ بنُ المِنْهالِ، قال: ثنا عبدُ الحميدِ بنُ بَهْرامَ، قال: ثنا شهرُ بنُ حوشبٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن شَدَّادِ بن الهادِ، قال: بينَما رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جالسٌ، قال رجلٌ: يا رسولَ اللَّهِ، ما الأَوَّاهُ؟ قال:"المتُضَرِّعُ". قَالَ: " {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} "
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَغْراءَ، عن
(1)
في النسخ: "عن"، وهو خطأ، وينظر تهذيب الكمال 18/ 165.
(2)
في م: "القمى".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1895، 1896 من طريق عبد الحميد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى أبى الشيخ وابن مردويه.
عبدِ الحميدِ، عن شهرٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن شدادٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الأَوَّاهُ الخاشعُ المتُضَرِّعُ".
وأَوْلى الأقوالِ في ذلك عندى بالصواب القولُ الذي قاله عبدُ اللَّهِ بنُ مسعودٍ، الذي رَواه عنه زِرٌّ، أنه الدَّعَّاءُ.
وإنما قلنا ذلك أَولى بالصوابِ؛ لأن الله ذَكَرَ ذلك ووَصَف به إبراهيمَ خليلَه، صلواتُ اللَّهِ عليه، بعدَ وَصْفه إيَّاه بالدُّعاءِ والاستغفارِ لأبيه، فقال:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} وتَرَكَ الدعاءَ والاستغفارَ له، ثم قال: إن إبراهيم لدعَّاءٌ لربِّه
(1)
، شاكٍ له، حليمٌ عمَّن سَبَّه ونالَه بالمكروهِ. وذلك أنه، صلواتُ اللَّهِ عليه، وَعَدَ أباه بالاستغفارِ له ودعاءِ اللَّهِ له بالمغفرةِ عندَ وعيدِ أبيه إياه وتَهدُّدِه له بالشتمِ بعدَما رَدَّ عليه نصيحتَه في اللَّهِ وقولِه:{أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} . فقال له صلواتُ اللَّهِ عليه: {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم: 46 - 48] فوفَى لأبيه بالاسْتغفارِ له حتى تَبَيَّنَ له أنه عدوٌّ للَّهِ، فوَصَفَه اللَّهُ بأنه دَعَّاءٌ لربِّه، حليمٌ عمَّن سَفِهَ عليه.
وأصلُه مِن التأوُّهِ؛ وهو التَّضَرُّعُ والمسألةُ بالحُزْنِ والإشفاقِ، كما رَوَى عبدُ اللَّهِ بن شَدَّادِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكما رَوَى عقبةُ بنُ عامرٍ الخبرَ الذي حدَّثَنيه يَحيى بنُ عثمانَ بن صالحٍ السَّهْمِيُّ، قال: ثنا أبى، قال: ثنا ابن لَهِيعَةَ، قال: ثني الحرثُ بنُ يزيدَ، عن عليّ بن رباحٍ، عن عقبةَ بن عامرٍ، أنه قال لرجلٍ يقالُ له: ذو البِجادَيْنِ:
(1)
في م: "ربه".
إنه أوَّاهٌ". وذلك أنه رجلٌ كان يكثِرٌ ذكرَ اللَّهِ بالقرآنِ والدعاءِ، ويرفَعُ صوتَه
(1)
.
ولذلك قيل للمُتوجِّعِ مِن أَلمٍ أو مرضٍ: لم
(2)
تَتأَوَّهُ. كما قال المُثَقَّبُ العَبْدِيُّ
(3)
:
إذا ما قُمْتُ أَرْحَلُها بِلَيْلٍ
…
تَأوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الحَزَينِ
ومنه قولُ الجَعْدِيِّ
(4)
:
ضرُوحٍ مَرُوحٍ تُتْبِعُ الوُرْقَ بَعْدَما
…
يُعَرِّسْنَ شكوى
(5)
آهَةً وتَذَمُّرَا
(6)
ولا تكادُ العربُ تَنْطِقُ منه بـ "فعَل يَفْعُلُ"، وإنما تقولُ فيه: تَفَعَّل يَتَفعَّلُ. مثل: تأوَّه يتأوَّهُ، وأَوَّه يُؤَوَّهُ.
كما قال الراجزُ:
* فَأَوَّهَ الرَّاعِى وَضَوْضَى
(7)
أكْلُبُهْ *
وقالوا أيضًا: أَوَّهْ منك. ذكر الفراءُ
(8)
أن أبا الجَرَّاحِ أَنشَدَه:
فأَوِّهُ مِن الذِّكْرَى إِذا ما ذَكَرْتُها
…
ومِن بُعْدِ أَرضٍ بَيْنَنَا وسَماءِ
(1)
أخرجه أحمد 28/ 655 (17453)، وابن عبد الحَكَمِ في فتوح مصر ص 291، والروياني (210) والطبراني 17/ 295 (813)، والبيهقى في الشعب (580) من طريق ابن لهيعة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 285 إلى ابن مردويه.
(2)
في ص، ت 2، ت 2، ف:"كما".
(3)
ديوانه ص 194.
(4)
شعر النابغة الجعدى ص 39، وجمهرة أشعار العرب 2/ 776، والمعاني الكبير 1/ 315.
(5)
في م: "تشكو".
(6)
في ص، ت 1، ت 2، ف:"تنمرا" غير منقوطة.
(7)
أي: صاحت وجلَّبت. الوسيط (ض و ض).
(8)
معاني القرآن 2/ 23، وينظر لسان العرب (أ و هـ).
قال: وربما أَنشَدنا: "فَأَو مِن الذِّكْرَى" بغير هاءٍ.
ولو جاء "فعَل" منه على الأصلِ لكان: آه يَئُوهُ أَوْهًا.
ولأن معنى ذلك تَوجَّعَ وتَخَزَّنَ وتَضرَّعَ، اختَلَف أهلُ التأويلِ فيه الاختلافَ الذي ذكرتُ؛ فقال مَن
(1)
قال معناه الرحمةُ: إِنَّ ذلك كان مِن إبراهيم على وجهِ الرِّقَّةِ على أبيه، والرحمةِ له ولغيرِه مِن الناسِ.
وقال آخرون: إنما كان ذلك منه لصحةِ يَقينِه، وحسن معرفته بعظمة اللَّهِ، وتواضعِه له.
وقال آخرون: كان لصحةِ إيمانِه بربِّه.
وقال آخرون: كان ذلك منه عندَ تلاوتِه تنزيلَ اللَّهِ الذي أنزَله عليه.
وقال آخرون: كان ذلك منه عندَ ذكرِ
(2)
ربِّه.
وكلُّ ذلك عائدٌ إلى ما قلتُ، وتَقارَبَ معنى بعض ذلك من بعضٍ؛ لأن الحزينَ المُتَضَرِّعَ إلى ربِّه، الخاشعَ له بقلبِه، يَنوبُه ذلك عند مسألِته ربَّه ودعائِه إيَّاه في حاجتِه، وتَعْتَورُه هذه الخِلالُ التي وَجَّهَ المفسِّرون إليها تأويلَ قولِ اللَّهِ:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} .
القول في تأويلِ قولِه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وما كان اللَّهُ ليَقْضِيَ عليكم في استغفارِكم لمَوْتاكم
(1)
في م: "ما".
(2)
في ت 1، ف:"ذكره".
المشركين - بالضلالِ، بعدَ إذ رَزَقَكم الهدايةَ، وَوَفَّقَكم للإيمانِ به وبرسولِه، حتى يَتَقدَّمَ إليكم بالنَّهْيِ عنه، فتترُكوا الانتهاءَ عنه، فأما قبلَ أن يُبَيِّنَ لكم كراهيةَ ذلك بالنهيِ عنه، ثم تتَعدَّوْا نهيَه إلى ما نَهاكم عنه، فإنه لا يَحكُمُ عليكم بالضلالِ؛ لأن الطاعةَ والمعصيةَ إنما يكونان مِن المأمورِ والمَنَّهِيِّ، فأما مَن لم يُؤمَرُ ولم يُنْهَ، فغيرُ كائنٍ مُطِيعًا أو عاصيًا، فيما لم يُؤمَرُ به ولم يُنْهَ عنه. {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. يقولُ تعالى ذكرُه: إن اللَّهَ ذو علمٍ بما خالَطَ أنفسَكم عندَ نَهْيِ اللَّهِ إِياكم عن الاستغفارِ لمَوْتاكم المشركين، من الجَزَعِ على ما سَلَفَ منكم مِن الاسْتغفارِ لهم قبلَ تَقَدُّمه إليكم بالنهيِ عنه، وبغيرِ ذلك مِن سَرائرِ أمورِكم وأمورِ عبادِه وظَواهرِها، فبَيَّنَ لكم حِلْمَهُ
(1)
في ذلك عليكم؛ ليَضَعَ عنكم ثِقَلَ الوَجْدِ بذلك.
وبنحو ما قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} . قال: بيانُ اللَّهِ للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصةً، وفي بيانِه طاعتَه ومعصيتَه عامةً
(2)
، [فافْعَلوا أو ذَرُوا]
(3)
.
حدَّثني المُثَنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن
(1)
في ت 1، ت 2، ف:"حكمه".
(2)
سقط من: م.
(3)
ليست هذه الجملة في تفسير مجاهد - كما سيأتي تخريجه من حديث ورقاء - وفي تفسير ابن أبي حاتم - ورواه من طريق مجاهد - والدر المنثور: "ما فعلوا أو تركوا". وينظر تفسير البغوي 4/ 103، وتفسير ابن كثير 4/ 164.
مجاهدٍ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} . قال: بيانُ اللَّهِ للمؤمنين [أن لا يَسْتَغْفروا]
(1)
للمشركين خاصةً، وفي بيانِه
(2)
طاعتُه ومعصيتُه عامةً، فافْعَلوا أو ذَرُوا.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوَه
(3)
.
حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ، قوله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} . قال: يُبَيِّنُ الله للمؤمنين في أن لا يَسْتَغْفروا للمشركين، في بيانِه
(4)
في طاعتِه وفي معصيتِه، فافعَلوا أو ذَرُوا.
القولُ في تأويلِ قولِه: {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: إن الله، أيُّها الناسُ، له سلطانُ السماواتِ والأرضِ ومُلْكُهما، وكلُّ مَن دونَه مِن الملوكِ فعبيدُه ومماليكُه، بيده حياتُهم وموتُهم، يُحْيى مَن يشاءُ منهم، ويُمِيتُ مَن يشاءُ منهم، فلا تَجْزَعوا، أَيُّها المؤمنون، مِن قتالِ مَن كفَر بى من الملوكِ؛ ملوكَ الرومِ كانوا أو ملوكَ فارسَ والحبشةِ أو غيرَهم
(5)
، وجاهِدُوهم في طاعتى، فإنىَ المُعِزُّ مَن أشاءُ منهم ومنكم، والمُذِلُّ مَن أَشَاءُ.
(1)
بعده ت 1، ت 2:"في الاستغفار". وفي ف: "في ألا يستغفروا".
(2)
بعده في ص: "في".
(3)
تفسير مجاهد ص 377، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1897، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 286 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.
(4)
في ت 1، ت 2:"شأنه".
(5)
بعده في م: "واغزوهم".
وهذا حَضٌّ مِن اللَّهِ، جلّ ثناؤُه، المؤمنين على قتالِ كلِّ مَن كفَر به مِن المماليكِ، وإغراءٌ منه لهم بحَرْبِهم.
وقوله: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} . يقولُ: وما لكم مِن أحدٍ هو لكم حَليفٌ مِن دونِ اللَّهِ، يُظاهِرُكم عليه، إن أنتم خالَفْتُم أمرَ اللَّهِ فَعاقَبَكم على خلافِكم أمرَه؛ يَسْتَنْقِذُكم مِن عقابِه، ولا نصيرٍ يَنْصُرُكم منه، إن أرادَ بكم
(1)
سُوءًا. يقولُ: فباللَّهِ فثِقُوا، وإيَّاه فارْهَبوا، وجاهِدوا في سبيلِه مَن كفَر به، فإنه قد اشْتَرَى منكم أنفسَكم وأموالَكم بأن لكم الجنةَ، تُقاتِلون في سبيلِه فتَقْتُلون وتُقْتَلون.
القولُ في تأويلِ قولِه: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ
(2)
قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: لقد رزَق اللَّهُ الإنابةَ إلى أمرِه وطاعتِه، نبيَّه محمدًا، صلى الله عليه وسلم، والمهاجرين ديارَهم وعشيرتَهم إلى دارِ الإسلامِ، وأنصارَ رسولِه في اللَّهِ، الذين اتَّبَعوا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في ساعةِ العُسْرةِ منهم؛ من النفقة والظَّهْرِ والزَّادِ والماءِ، {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ
(3)
قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ}. يقولُ: مِن بعدِ ما كادَ يَميلُ قلوبُ بعضهم عن الحقِّ، ويَشُكُّ في دينِه، ويَرْتابُ بالذي نالَه مِن المَشقَّةِ والشِّدَّةِ في سفرِه وغزوِه. {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ}. يقولُ: ثم رزَقهم، جلَّ ثناؤُه، الإنابةَ والرجوعَ
(1)
في ص، ت 1، ت 2، ف:"به".
(2)
فيت 2، ف:"تزيغ"، وهى قراءة الجميع غير حفص، وحمزة. الكشف عن وجوه القراءات 1/ 510، والتيسير ص 98.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، ف:"تزيغ".
إلى الثباتِ على دينِه، وإبصارَ الحقِّ، الذي كان قد كاد يَلْتَبِسُ عليهم، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. يقول: إن ربَّهم
(1)
بالذين
(2)
خالَطَ قلوبَهم ذلك لِما نالَهم في سفرِهم مِن الشدَّةِ والمَشقَّةِ، رءوفٌ بهم رحيمٌ أن يُهْلِكَهم، فيَنْزِعَ منهم الإيمانَ، بعدَما قد أَبْلَوْا في الله ما أبْلَوا مع رسولِه، وصَبَروا عليه من البأساءِ والضَّرّاءِ.
وبنحوِ ما قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} : في غزوةِ تَبوكَ.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأَعْلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن محمدِ بن عَقِيلٍ:{فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} . قال: خَرَجوا في غزوةِ تبوكَ
(3)
، الرجلان والثلاثةُ على بعيرٍ، وخَرَجُوا في حرٍّ شديدٍ، وأصابَهم يومَئذٍ
(4)
عطشٌ شديدٌ، فجَعَلُوا يَنْحَرون إبلَهم، فيَعْصِرُون أَكْراشَها، ويَشْرَبون ماءَها
(5)
، وكان ذلك عُسْرةً مِن الماءِ، وعُسْرةً مِن الظَّهْرِ، وعُسْرةً مِن النفقةِ
(6)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجُ، عن ابن جُرَيجٍ، عن
(1)
في م: "ربكم".
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س:"بالذي".
(3)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
في مصادر التخريج: "يومًا".
(5)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف، وتفسير ابن أبي حاتم:"ماءه". وينظر بقية المصادر.
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1898 من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 290، ومن طريقه البيهقى في الدلائل 5/ 227، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 286 إلى أبى الشيخ.
مجاهدٍ: {سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} . قال: غزوة تبوك. قال: العُشرة: أصابهم جهدٌ شديدٌ حتى إن الرجلين ليَشُقَّانِ التمرة بينهما، وإنهم ليمُصُّون التمرة الواحدة، ويشربون عليها الماء.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نُمَيرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد:{الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} . قال: غزوة تبوك
(1)
.
قال: ثنا زكريا بنُ عَدِيٍّ
(2)
، عن ابن مُبارك، عن مَعْمَرٍ، عن عبدِ الله بن محمدِ بن عَقِيلٍ، عن جابرٍ:{الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} . قال: عُسْرة الظَّهر، [وعُسْرة الزَّادِ]
(3)
، وعُسْرة الماء
(4)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} الآية. الذين اتَّبعوا رسول الله في غزوة تبوك، قبل الشامِ في لَهَبَانِ الحَرِّ على ما يعلمُ اللَّهُ مِن الجُهْدِ، أصابَهم فيها جَهْدٌ شديدٌ، حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يَشُقَّان التمرة بينهما، وكان النَّفَرُ يَتداولون
(5)
التمرة بينهم يَمُصُّها هذا، ثم يشرب عليها، ثم يمُصُّها هذا، ثم يشربُ عليها، فتابَ اللهُ عليهم وأَقْفَلَهَم مِن غزوهم
(6)
.
(1)
تفسير مجاهد ص 377، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1899، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 286 إلى ابن المنذر.
(2)
في م، ف:"على". وينظر تهذيب الكمال 9/ 364.
(3)
سقط من: ف.
(4)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 286 إلى المصنف وابن المنذر وابن مردويه.
(5)
في م، ت 1، ت 2، س، ف:"يتناولون". وينظر مصدرى التخريج.
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1899 من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 286 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وَهْبٍ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عُتبة [بن أبي عُتبة]
(1)
، عن نافع بن جُبيرِ بن مُطْعِمٍ، عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ، أنه قيل لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في شأنِ العُسْرِةِ، فقال عمرُ: خَرَجْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قَيْظٍ شَدِيدٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا أَصابَنا فيه عَطَشٌ شديدٌ
(2)
، حتى ظَنَنَّا أن رقابنا ستنقطِعُ، [حتى إن كان الرجلُ ليذهَبُ يلتمسُ الماء، فلا يرجعُ حتى يَظُنُّ أن رقبته ستنقطِعُ]
(3)
، حتى إن الرجل ليَنْحَرُ بعيره، فيَعْصِرُ فَرْثَه فيشربُه، ويجعَلُ ما بقى على كَبِده. فقال أبو بكرٍ: يا رسول اللهِ، إن الله قد عَوَّدَك في الدعاء خيرًا، فادع لنا. [قال:"تُحِبُّ ذلك؟ ". قال نعم]
(4)
. فرفع يديه، فلم يَرْجِعُهما حتى [قالت السماءُ]
(5)
، فأظَلَّت ثم سَكَبَتْ، فمَلَئُوا ما معهم، [ثم ذهَبْنا
(6)
ننظرُ. ننظُرُ، فلم نَجِدْها جاوَزَتِ
(7)
العسكر]
(8)
(9)
.
(1)
سقط من: ف. وفى ت 1، ت 2، س:"عن أبي عتبة"، وذكر الحاكم في المستدرك 1/ 159 أنه ابن أبي حكيم، وعتبة بن أبى عتبة هو عتبة بن مسلم كما قال الدارقطني في العلل 2/ 84، وقال الحافظ في تهذيب التهذيب 7/ 102: ذكر الخطيب في الموضع أن البخارى فرق بين عتبة بن أبى عتبة، وعتبة بن مسلم، والصواب أنهما واحد، ونقل ذلك عن عبد الغنى بن سعيد الأزدى وغيره. قال: وكأن سعيد بن أبي هلال يقول تارة: عن عتبة بن مسلم، وتارة: عن عتبة بن أبي عتبة.
(2)
سقط من: ص، م.
(3)
ليس في المستدرك والدلائل لأبي نعيم، والدر المنثور.
(4)
ليس في الدر المنثور.
(5)
في م: "مالت السماء"، وفى المعجم الأوسط:"انقمأت السحاب"، وقالت السماء: أقبلت بالسحاب. اللسان (ق و ل).
(6)
في م: "رجعنا".
(7)
في ف، ابن خزيمة، الحاكم، البيهقى في السنن:"جازت".
(8)
ليس عند الطبراني.
(9)
أخرجه ابن خزيمة (101) - ومن طريقه البيهقي في الدلائل 5/ 231 - من طريق يونس بن عبد الأعلى به، وأخرجه البزار (214)، والحاكم 1/ 159 ومن طريقه البيهقى في السنن 9/ 357 - وأبو نعيم في =
حدَّثني إسحاقُ بن زيادةَ العَطَّارُ، قال: ثنا يعقوبُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبد الله بن وَهْبٍ، قال: ثنا عمرُو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عن نافع بن جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: قيل لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه: حَدَّثْنا عن شأن جيشِ العُشرة. فقال عمرُ: خَرَجْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر نحوه
(1)
.
يقولُ تعالى ذكرُه: لقد تاب الله على النبيِّ والمهاجرين والأنصار وعلى الثلاثةِ الذين خُلِّفوا. وهؤلاء الثلاثةُ الذين وَصَفَهم الله في هذه الآية بما وَصَفَهم به، فيما قيل
(2)
، هم الآخرون الذين قال جلّ ثناؤُه:{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 106]. فتاب عليهم، عزّ ذكرُه، وتَفضَّلَ عليهم.
وقد مَضَى ذكرُ مَن قال ذلك مِن أهل التأويل بما أغْنَى عن إعادته في هذا الموضع
(3)
.
= الدلائل ص 523 (452) من طريق ابن وهب به، وأخرجه الطبراني في الأوسط (3292) من طريق سعيد بن أبي هلال به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 286 إلى ابن مردويه والضياء في المختارة، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
(1)
أخرجه الفريابي في دلائل النبوة (42) من طريق يعقوب بن محمد به، وأخرجه ابن حبان (1383) من طريق عبد الله بن وهب به. وقد رجح الدارقطنى في العلل 2/ 83، 84 رواية من ذكر عتبة بن أبي عتبة، مكان نافع بن جبير - كما في الحديث السابق.
(2)
في م: "قبل".
(3)
تقدم في 11/ 669 - 672.
فتأويلُ الكلامِ إِذًا: ولقد تابَ اللهُ على الثلاثة الذين خَلَّفهم الله عن التوبة، فأَرْجَأَهم عمَّن تابَ عليه ممن تَخَلَّفَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، عن مَعْمَرٍ، عمَّن سَمِعَ عكرمة في قوله:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} . قال: خُلِّفُوا عن التوبة
(1)
.
حدَّثنا بشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ: أما قولُه: {خُلِّفُوا} . فخُلِّفوا عن التوبة
(2)
.
{حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} . يقولُ: بِسَعتِها، غَمًّا وندمًا على تَخلُّفِهم عن الجهادِ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} ، بما نالهم من الوَجْدِ والكَرْبِ بذلك، {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ}. يقولُ: وأَيْقَنُوا بقلوبهم أن لا شيء لهم يَلْجَئُون إليه مما نَزَلَ بهم مِن أمرِ اللهِ مِن البَلاءِ بتَخَلُّفِهم خلافَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، يُنجِّيهم مِن كَرْبِه، ولا مما يَحْذَرون من عذابِ اللهِ - إلا الله، ثم رَزَقَهم الإنابة إلى طاعته، والرجوع إلى ما يُرْضيه عنهم، ليُنيبوا إليه، ويَرْجعوا إلى طاعته، والانتهاء إلى أمره ونَهْيِه، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. يقولُ: إن الله هو الوَهَّابُ لعباده الإنابةَ إلى طاعتِه، الموفِّقُ مَن أحبَّ توفيقه منهم لما يُرْضِيه عنه، {الرَّحِيمُ} بهم، أن يُعاقبهم بعد التوبة، أو يَخْذُلَ مَن أراد منهم التوبة والإنابة ولا يتوبَ عليه. وبنحو ما قُلنا في تأويل ذلك قال أهلُ التأويل.
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 290، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 289 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ، وابن عساكر.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1904 من طريق سعيد بن بشير عنه به.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمشِ، عن أبي سفيانَ، عن جابر في قوله:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} . قال: كعبُ بنُ مالكٍ، وهلالُ بن أميةَ، ومُرَارةُ بنُ ربيعةَ، وكُلُّهم مِن الأنصارِ
(1)
.
حدَّثني عُبَيدُ بنُ محمد
(2)
الورَّاقُ، قال: ثنا أبو أسامة، عن الأعْمش، عن أبي سُفيان، عن جابرٍ بنحوه، إلا أنه قال: ومُرارةُ بنُ الربيع، أو ابن ربيعة. شَكَّ أبو أسامة.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن إسرائيلَ، عن جابرٍ، عن عكرمة وعامرٍ:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} . قال: أرجئوا في أوسط "براءة".
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجُ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ:{الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} . قال: الذين أُرْجِئُوا في أوسط "براءة"؛ قوله: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} [التوبة: 106]. هلالُ بنُ أمية، ومُرارةُ بنُ الرَّبيع
(3)
، وكعبُ بنُ مالكٍ
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} : الذين أُرْجِئوا في وسط "براءة".
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن لَيْثٍ، عن مجاهدٍ:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} . قال: كلُّهم من الأنصارِ؛ هلالُ بنُ أمية، ومُرارةُ بنُ
(1)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1046 - تفسير) من طريق أبي معاوية به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 286 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ وابن منده وابن مردويه وابن عساكر.
(2)
سقط من: م. وينظر تاريخ المصنف 2/ 293، 385، وترجمته في تاريخ بغداد 11/ 97.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، ف:"ربعى"، وفى م، والدر المنثور:"ربيعة". والمثبت هو الصواب، وينظر ما تقدم في 11/ 670.
(4)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 289 إلى المصنف.
ربيعة، وكعبُ بنُ مالكٍ.
قال: ثنا ابن نُمَيرٍ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} . قال: الذين أُرْجِئوا.
قال: ثنا جريرٌ، عن يعقوبَ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، قال:{الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} : كعبُ بنُ مالكٍ وكان شاعرًا، ومُرارةُ بنُ الربيع، وهلالُ بنُ أمية، وكلُّهم أنصاريٌّ
(1)
.
قال: ثنا أبو خالدٍ الأحمرُ والمُحاربيُّ، عن جُوَيبرٍ، عن الضحاكِ، قال: كلُّهم من الأنصارِ؛ هلالُ بنُ أميةَ، ومُرارةُ بنُ الرَّبيع
(2)
، وكعبُ بنُ مالكِ
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عَونٍ، قال: أخبرنا هُشَيمٌ، عن جُوَيبرٍ، عن الضَّحَّاكِ قوله:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} . قال: هلالُ بنُ أمية، وكعبُ بن مالكٍ، ومُرارةُ بنُ الربيع، كلُّهم من الأنصارِ.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قوله:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} . إلى قوله: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} : كعبُ بنُ مالكٍ، وهلالُ بنُ أمية، ومُرارةُ بنُ ربيعةَ، تَخَلَّفوا في غزوة تبوك؛ ذُكر لنا أن كعب بن مالكٍ أوثق نفسه إلى ساريةٍ، فقال: لا أُطْلِقُها - أو
(4)
لا أُطْلِقُ نفسى - حتى يُطلِقنى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "والله لا أُطْلِقُه حتى يُطْلِقَه ربُّه إن شاءَ". وأما الآخَرُ فكان تَخَلَّفَ على حائطٍ له كان أَدْرَكَ، فَجَعَله
(1)
في م: "أنصار".
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س:"ربيع".
(3)
ينظر الأثر المتقدم تخريجه في 11/ 670.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"و".
صدقةً في سبيل الله، وقال: والله لا أطعمُه. وأما الآخرُ، فرَكِبَ المفاوز يَتْبَعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترفَعُه أَرضٌ وتضَعُه أخرى، وقَدَماه تَشَلْشَلان دمًا
(1)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عُبيد الله، عن إسرائيل، عن السُّدِّيِّ، عن أبي مالكٍ، قال:{الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} : هلالُ بنُ أمية، وكعبُ بنُ مالكٍ، ومرُارةُ بنُ ربيعةَ.
قال: ثنا أبو داودَ الحَفَرِيُّ، عن سلامٍ أبي الأحْوصِ، عن سعيد بن مسروقٍ، عن عكرمة:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} . قال: هلالُ بنُ أمية، ومُرارةُ، وكعبُ بنُ مالكٍ
(2)
.
حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، قال: أخبَرنا ابن عَوْنٍ، عن عمر بن كثيرِ بن أفلحَ، قال: قال كعبُ بنُ مالكٍ: ما كنتُ في غَزاةٍ أَيسرَ للظَّهرِ والنفقة مني في تلك الغزاة. قال كعبُ بنُ مالكٍ: لمَّا خرج رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قلتُ: أَتَجَهَّزُ غدًا ثم أَلْحَقُه، فأَخَذتُ في جهازى، فأمسَيتُ ولم أفرُغْ
(3)
، فلما كان اليومُ الثالثُ أَخَذْتُ في جهازى، فأمسَيتُ ولم أفرُغْ، فقلتُ: هَيْهَات، سارَ الناسُ ثلاثا، فأقمتُ، فلما قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعل الناسُ يَعْتَذِرون إليه، فجئتُ حتى قُمْتُ بينَ يَدَيه، فقلتُ: ما كنتُ في غَزاةٍ أيسر للظهر والنفقة منى في هذه الغزاة. فأعرض عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمَر الناس أن لا يُكَلِّمونا، وأُمِرَتْ نِساؤنا أن يَتَحَوَّلُن عنَّا. قال: فتَسَوَّرت حائطًا ذاتَ يومٍ، فإذا أنا بجابر بن عبدِ اللهِ، فقلتُ: أَيْ جابرُ، نَشَدْتُك باللهِ، هل عَلِمْتَنى غَشَشْتُ الله ورسولَه يومًا قَطُّ؟ فسكت عنى، فجعل لا
(1)
تشَلشَلان دما: تقطران دما. واللسان (ش ل ل). والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1904 من طريق سعيد بن بشير عنه به، وتقدم طرف منه في ص 54.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1045 - تفسير) من طريق أبي الأحوص به.
(3)
بعده في المسند: "فقلت: آخذ في جهازى غدًا والناس قريب بعد ثم ألحقهم، فأمسيت ولم أفرغ".
يُكَلِّمُني، فبَينا أنا ذاتَ يومٍ، إذ سمعتُ رجلًا على الثَّنيَّةِ يقولُ:[كعبُ كعبُ]
(1)
. حتى دنا مني، فقال: بَشِّروا كعبًا
(2)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وَهْبٍ، قال: أخبَرني يونسُ، عن ابن شهابٍ، قال: غَزا رسول الله صلى الله عليه وسلم عزوة تبوكَ، وهو يريدُ الرومَ ونصارى العرب بالشام، حتى إذا بلغ تبوك، أقامَ بها بضعَ عَشرةَ ليلةً، ولَقِيَه بها وفد أذْرُحَ
(3)
ووفدُ أيْلةَ
(4)
، فصالحهم
(5)
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على الجزية، ثم قَفَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن تبوك ولم يُجاوِزْها، وأنزل الله:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} الآية. والثلاثةُ الذين خُلِّفُوا رَهْطُ منهم؛ كعبُ بنُ مالكٍ، وهو أحدُ بنى سَلِمةَ، ومُرارةُ بنُ ربيعة، وهو أحدُ بني عمرو بن عوفٍ، وهلالُ بنُ أميةَ، وهو من بنى واقفٍ، وكانوا تَخَلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة، في بضعةٍ وثمانين رجلًا، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، صَدَقَه أولئك حديثَهم، واعتَرَفوا بذنوبهم، وكَذَبَ، سائرُهم، فحَلَفوا لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما حبَسهم إلا العُذْرُ، فقَبِلَ منهم رسولُ اللهِ وبايَعَهم، ووَكَلَهم في سرائرهم إلى اللهِ، ونهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كلام الذين خُلِّفوا، وقال لهم حينَ حَدَّثوه حديثهم، واعْتَرَفوا بذنوبهم:"قد صَدَقْتُم فقوموا حتى يَقْضِيَ اللهُ فيكم". فلما أنزل الله
(1)
في المسند: "كعبا كعبا".
(2)
أخرجه أحمد 25/ 51 (15771)، والطبرانى 19/ 101 (202) من طريق ابن علية به.
(3)
أذرُح: اسم بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة ثم من نواحى البلقاء وعمان مجاورة لأرض الحجاز. معجم البلدان 1/ 174.
(4)
أيلة: مدينة على ساحل بحر القُلزُم مما يلى الشام، وقيل هي آخر الحجاز وأول الشام. معجم البلدان 1/ 422.
(5)
في م: "صالحهم".
القرآن تاب على الثلاثة، وقال للآخرين:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ} ، حتى بلغ:{لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95 - 96].
قال ابن شهابٍ: وأخبرنى عبدُ الرحمن بنُ عبدِ اللهِ بن كعب بن مالكٍ أن عبد الله بن كعبِ بن مالكٍ - وكان قائدَ كعبٍ مِن بَنيه حينَ عَمِيَ - قال: سمِعتُ كعبَ بنَ مالكٍ يُحدِّثُ حديثَه حينَ تَخَلَّفَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال كعبٌ: لم أَتَخلَّفْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قَطُّ، إلا في غزوة تبوك، غير أنِّى قد تَخَلَّفْتُ في غزوة بدرٍ، ولم يُعاتَبْ أَحدٌ
(1)
تَخَلَّفَ عنها، إنما خرَج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يُريدون عير قريشٍ، حتى جمع الله بينهم وبينَ عدوِّهم على غير ميعادٍ، ولقد شَهِدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، ليلة العقبة، حينَ تَواثَقْنا على الإسلام، وما أُحِبُّ أن لى بها مشهدَ بدرٍ، وإن كانت بدرٌ أذكرَ في الناس منها.
فكان من خبرى حينَ تَخلَّفتُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكُنْ قَطُّ أقوَى ولا أيسرَ منى حينَ تَخلَّفْتُ عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعتُ قبلها راحلتين قَطُّ، حتى جمَعتُهما في تلك الغزوةِ، فَغَزاها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَرٍّ شديدٍ، واسْتقبل سفرًا بعيدًا ومَفاوِزَ، واستقبل عدوًّا كثيرًا، فجَلَّى للمسلمين أمرَهم، ليتأهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوهم، فأخبَرهم بوجههم
(2)
الذي يريدُ، والمسلمون مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم كثيرٌ، ولا يجمعُهم كتابٌ حافظٌ - يريدُ بذلك الديوانَ - قال كعبٌ: فما رجلٌ يريدُ أن يَتَغيَّبَ إلا يَظُنُّ أن ذلك سَيَخْفى، ما لم ينزل فيه وَحْىٌ من الله، وغَزا رسولُ
(1)
في م، ف:"أحدًا".
(2)
في م: "بوجهه".
الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حينَ طابَت الثمارُ والظِّلالُ، وأنا إليهما أصْعَرُ
(1)
، فَتَجهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطَفِقْتُ أغْدو لكى أتَجهَّز معهم
(2)
، فلم أقض مِن جَهازى شيئًا، ثم غَدوتُ فرَجَعتُ ولم أقض شيئًا، فلم يَزَلْ ذلك يَتَمادَى حتى أسْرَعوا وتفارَطَ الغَزْوُ، وهَمَمْتُ أن أرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهم، فيا ليتني فعَلتُ، فلم يُقَدَّرْ ذلك لي، فَطَفِقْتُ إِذا خَرَجْتُ في الناس بعد خروج النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُحْزِنُنِى أَن لا أَرَى لى أُسوةً إلا رجلًا مَغْموصًا عليه في النفاقِ، أو رجلًا ممن عَذَرَ اللهُ مِن الضعفاء، ولم يَذْكُرْنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بَلَغَ تبوكَ، فقال وهو جالسٌ في القوم بتبوك:"ما فَعَلَ كعبُ بن مالكٍ؟ ". فقال رجلٌ مِن بنى سَلِمةَ: يا رسولَ اللهِ، حَبَسَه بُرْداه، والنظرُ في عِطْفَيْه. فسَكَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبَيْنا هو على ذلك، رأى رجلًا مُبَيِّضًا
(3)
يزولُ به السرابُ
(4)
، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"كُنْ أبا خَيْثمةَ". فإذا هو أبو خَيْثمةَ الأنصاريُّ، وهو الذي تَصَدَّقَ بصاع التمرِ، فَلَمَزَه المنافقون. قال كعبٌ: فلما بلغنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [قد توجَّه]
(5)
قافِلًا من تبوك، حَضَرَني بَثِّي
(6)
، فَطَفِقْتُ أتذكَّرُ الكذب، وأقولُ: بم أخرُجُ مِن سَخَطِه غدًا؟ وأستعينُ على ذلك بكلِّ ذى رأي من أهلي، فلما قيل لي
(7)
: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أَظَلَّ قادِمًا. زاحَ عنى الباطلُ، حتى
(1)
في س، ف:"أصغر". وأَصعَرُ: أَميَلُ. النهاية 3/ 31.
(2)
بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"والمسلمون معه". بعده في صحيح مسلم: "فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا". وينظر مسند الطيالسي (1034).
(3)
مبيض، كمحدِّث: لابس ثيابا بيضًا. قال ابن الأثير: ويجوز أن يكون مُبيضًا بسكون الباء وتشديد الضاد، من البياض. التاج (ب ى ض) والنهاية 1/ 173.
(4)
يزول به السراب: يرفعه ويظهره. يقال: زال به السراب. إذا ظهر شخصه فيه خيالًا. النهاية 2/ 319.
(5)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(6)
في م: "همى". والبث: أشد الحُزن. النهاية 1/ 95.
(7)
سقط من: ص، م.
عَرَفْتُ أني لن أنجوَ منه بشيءٍ أبدًا، فأجمَعتُ صدقه، وصبَّحَ
(1)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قادمًا، وكان إذا قَدِم من سفر بدَأ بالمسجدِ فركَع فيه ركعتَين، ثم جلَس للناسِ، فلما فعَل ذلك جاءه المُخَلَّفُون، فطَفِقُوا يَعْتَذِرون إليه ويَحْلِفون له، وكانوا بضعةً وثمانين رجلًا، فقيل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتَهم، وبايَعَهم واستغفر لهم، ووَكُل سرائرَهم إلى الله، حتى جئتُ، فلما سَلَّمْتُ تَبسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ، ثم قال:"تعالَ". فجئتُ أمشى حتى جلَستُ بينَ يَدَيه، فقال لي:"ما خَلَّفَكَ؟ ألم تكُنْ قد ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ ". قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إِنّى والله لو
(2)
جلَستُ عندَ غيرك مِن أهل الدنيا، لرأيتُ أنى سأخرُجُ مِن سَخَطِه بعُذرٍ، لقد أُعطيتُ جَدَلًا، ولكنى واللَّهِ لقد علمتُ لئن حَدَّثْتُك اليوم حديث كَذِبٍ تَرْضَى به عنى، لَيُوشِكُنَّ اللهُ أَن يُسْخِطَك عليَّ، ولئن حَدَّثْتُك حديثَ صِدقٍ تَجِدُ عليَّ فيه، إِنِّي لأرجو فيه عَفْوَ الله، والله ما كان لى عُذْرٌ، والله ما كنتُ قَطُّ أقوى ولا أيسر منى حينَ تَخَلَّفْتُ عنك. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أمَّا هذا فقد صَدَقَ، قُمْ حَتى يَقْضِيَ اللهُ فيك". فقُمْتُ، وثارَ رجالٌ مِن بنى سَلِمةَ، فاتَّبَعونى وقالوا: واللَّهِ مَا عَلِمْناكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قبلَ هذا، لقد عَجَزْتَ في
(3)
أن لا تكونَ اعْتَذَرتَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بما اعْتَذَرَ به المُخَلَّفون
(4)
! فقد كان كافيك ذنبَك استغفارُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لك. قال: فوالله ما زالوا يُؤَنِّبُوننى، حتى أردتُ أن أرجِعَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأُكَذِّبَ نفسى. قال: ثم قلتُ لهم: هل لَقِى هذا معى أحدٌ؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثلُ ما قيل لك. قال: قلتُ: من هما؟ قالوا: مُرارةُ بنُ ربيع العامريُّ
(1)
في م: "أصبح".
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"لقد".
(3)
سقط من: م.
(4)
في م، ف:"المتخلفون".
وهلالُ بنُ أميةَ الواقفيُّ. قال: فذَكَروا لي رجلَين صالحَين قد شَهِدا بدرًا
(1)
فيهما أُسْوةٌ. قال: فمَضَيتُ حينَ ذَكَروهما لى، ونَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا، أيُّها الثلاثةُ، مِن بين مَن تَخَلَّفَ عنه. قال: فاجْتَنَبَنا الناسُ وتَغَيَّروا لنا حتى تَنَكَّرَتْ لي في نفسي الأرضُ، فما هي بالأرض التي أعرِفُ، فَلَبِثْنا على ذلك خمسين ليلةً، فأما صاحباي، فاسْتَكَانا وقَعَدا في بُيوتهما يَبْكِيان، وأما أنا، فكنتُ أشَبَّ القومِ وأجلَدَهم، فكنتُ أخرُجُ وأشهَدُ الصلاة، وأطوفُ في الأسواق، ولا يُكَلِّمُني أحدٌ، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلِّمُ عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقولُ في نفسي: هل حَرَّكَ شفتَيه بردِّ السلام أم لا؟ ثم أُصَلِّى معه، وأَسارِقُه النظر، فإذا أقبلتُ على صلاتى نَظَرَ إليَّ، وإذا التفَتُّ نحوه أعرَضَ عنى، حتى إذا طال ذلك عليَّ مِن جفوة المسلمين، مشَيتُ حتى تَسَوَّرتُ جدارَ حائطِ أبي قتادة، وهو ابن عمِّى وأحبُّ الناس إليَّ، فسَلَّمْتُ عليه، فوالله ما رَدَّ عليَّ السلام، فقلتُ: يا أبا قتادةَ، أَنْشُدُك بالله، هل تعلَمُ أنى أحِبُّ الله ورسوله؟ فسكَتَ. قال: فعُدْتُ فناشَدتُه، فسكَت، فعُدْتُ فناشَدتُه، فقال: الله ورسوله أعلمُ. فَفَاضَتْ عَيْناى، وتَوَلَّيتُ حتى تَسَوَّرتُ الجدار، فبَيْنا أنا أمشى في سوق المدينة، إذا نبَطِيٌّ
(2)
مِن نَبَطِ أهل الشام ممن قَدِمَ بالطعامِ يَبيعُه بالمدينة، يقولُ: مَن يدُلُّ على كعب بن مالكٍ؟ قال: فطَفِقَ الناسُ يُشيرون له حتى جاءني، فدفع إليَّ كتابًا مِن مَلكِ غَسَّانَ، وكنتُ كاتبًا، فقرأتُه، فإذا فيه: أمَّا بعدُ، فإنه قد بلَغَنا أن صاحبَك قد جَفاكَ، ولم يجعَلْك الله بدارِ هَوَانٍ ولا مَضْيَعةٍ، فالحقْ بِنا نُواسِكَ.
قال: فقلتُ حين [قرأتُها: وهذه]
(3)
أيضًا من البلاء، [فتأمَّمتُ به]
(4)
(1)
بعده في م: "لى".
(2)
في م: "بنبطي".
(3)
في م: "قرأته وهذا". والتأنيث فيه إرادة لمعنى الصحيفة أو الرسالة.
(4)
في ت 1، ت 2، س، ف:"فتأممت بها". والتأمم: القصد. النهاية 1/ 69.
التَّنُّورَ [فَسَجَرتُه به]
(1)
، حتى إذا مَضَتْ أربعون من الخمسين، واسْتَلْبَث الوحيُ، إذا رسولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينى، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمُرُك أن تَعْتزلَ امرأتَك. قال: فقلتُ: أُطَلِّقُها أم ماذا أفعَلُ؟ قال: لا، بل اعْتَزِلُها فلا تَقْرَبَنَّها
(2)
. قال: وأرسَل إلى صاحِبَيَّ بذلك. قال: فقلتُ لامرأتى: الحَقِى بأهلِك فكونى
(3)
عندَهم، حتى يقضىَ الله في هذا الأمر. قال: فجاءت امرأةُ هلالٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولَ اللهِ، إن هلال بن أمية شيخٌ ضائعٌ ليس له خادمٌ، فهل تَكْرَهُ أن أخدُمَه؟ فقال:"لا، ولكنْ لا يَقْرَبَنَّكِ". قالت: فقلتُ: إنه والله ما به حركةٌ إلى شيءٍ، ووالله ما زالَ يَبْكى منذُ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. قال: فقال لى بعضُ أهلى: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك؟ فقد أذن لامرأة هلالٍ أن تَخْدُمَه. قال: فقلتُ: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يُدْرِيني ماذا يقول لى إذا اسْتأذنتُه فيها، وأنا رجلٌ شابٌّ.
فلَبِثْتُ بعد ذلك عشر ليالٍ، فَكَمَلَ لنا خمسون ليلةً مِن حين نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، قال: ثم صلَّيتُ صلاة الفجرِ صباح خمسين ليلةً على ظهر بيتٍ من بُيُوتِنا، فبَيْنا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذَكَرَ اللهُ مِنَّا
(4)
، قد ضاقَت عليَّ نفسى، وضاقَت عليَّ الأرضُ بما رَحُبَتْ، سَمِعتُ صوت صارخٍ [أَوْفَى على جبلِ سَلْعٍ]
(5)
يقولُ بأعلى صوته: يا كعبُ بنَ مالكٍ، أبشرْ. قال: فَخَرَرْتُ ساجدًا، وعَرَفْتُ أَنْ
(1)
في ف: "فسجرته به". وسجر التنور. أوقده وأحماه. تاج العروس (س ج ر).
(2)
في م: "تقربها".
(3)
في م: "تكوني".
(4)
في م: "عنا".
(5)
أوفى على جبل سَلعْ: أشرف واطَّلَع. النهاية 5/ 211، وسَلع: جَبل بسوق المدينة. معجم البلدان 3/ 117.
قد جاء فرجٌ. قال: وآذَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حينَ صَلَّى صلاة الفجرِ، فذهَب الناسُ يُبَشِّرُونَنا، فذهَب قِبَلَ صاحِبَيَّ مُبَشِّرُون، وركَض رجلٌ إليَّ فرسًا، وسعَى ساعٍ مِن أسلمَ قِبَلى، وأَوْفَى الجبلَ، وكان الصوتُ أسرع من الفرس، فلما جاءنى الذي سَمِعتُ صوتَه يُبَشِّرُنى، نَزَعْتُ له ثَوْبَيَّ، فكَسَوتُهما إياه بِبَشارته، والله ما أَمْلِكُ غيرَهما يومَئذٍ، واسْتَعَرْتُ ثوبَين فلبستُهما، وانطلقتُ أتأمَّمُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَلقَّانى الناسُ فوجًا فوجًا يُهَنِّئُونى بالتوبة، ويقولون: لِتَهْنِكَ
(1)
توبة الله عليك حتى دخَلتُ المسجدَ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجدِ حوله الناسُ، فقامَ إليَّ طلحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ يُهَرْولُ حتى صافَحَنى وهَنَّأَنى، واللَّهِ ما قامَ رجلٌ مِن المهاجرين غيرُه - قال: فكان كعبٌ لا يَنْساها لطلحةَ - قال كعبٌ: فلما سَلَّمْتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يَبْرُقُ وجهُه من السرور: "أبْشرْ بخير يومٍ مَرَّ عليك منذُ وَلَدَتْك أمُّكَ". فقلتُ: أمِن عندِك يا رسولَ اللهِ، أم من عندِ اللهِ؟ قال:"لا، بَلْ مِن عِنْدِ الله". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنارَ وجهُه، حتى كأن وجهه قطعةُ قمرٍ، وكُنَّا نعرِفُ ذلك منه.
قال: فلما جلَستُ بينَ يَدَيه قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إِن مِن تَوْبَتى أن أنْخلِعَ مِن مالى صدقةً إلى اللهِ وإلى رسوله. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَمْسِكْ
(2)
بعضَ مالك، فهو خيرٌ لك". قال: فقلتُ: فإني أُمْسِكُ سَهْمىَ الذي بخيبرَ. وقلتُ: يا رسول اللهِ، إن الله إنما أنْجانى بالصدقِ، وإن مِن تَوْبتى أن لا أُحدِّثَ إلا صدقًا ما بَقِيتُ. قال: فوالله ما علمتُ أحدًا من المسلمين أَبْلاه
(3)
الله في صِدْقِ الحديث، منذ ذكَرتُ
(1)
في ت 1، ت 2، س، ف:"ليرضك".
(2)
بعده في س: "عليك".
(3)
في م: "ابتلاه".
ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أحسن مما ابْتَلاني
(1)
، والله ما تَعمَّدتُ كذبةً مُذْ قلتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومى هذا، وإنى أرجو [أن يَحْفَظَني]
(2)
الله فيما بقي. قال: فأنزل الله: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} حتى بَلَغَ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} . قال كعبٌ: والله ما أنعم الله عليَّ
(3)
من نعمةٍ قَطُّ بعد أن هَدانى للإسلام أعظمَ في نفسى مِن صِدْقى رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن لا أكونَ كَذَبْتُه فأَهْلِكَ كما هلَك الذين كذبوا
(4)
، فإِنَّ الله قال للذين كَذَبوا حينَ أَنزَل الوحى شَرَّ ما قال لأحدٍ:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} إلى قوله: {لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 96].
قال كعبٌ: كُنَّا
(5)
خُلِّفْنا، أَيُّها الثلاثةُ، عن أمر أولئك الذين قَبِلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم توبتَهم حينَ حَلَفُوا له، فبايَعَهم واسْتغفَر لهم، وأَرْجَأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما أمرنا حتى قَضَى الله فيه، فبذلك قال الله:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} . وليس الذي ذكر الله مما خُلِّفْنا عن الغزو، إنما هو تَخْليفُه إيَّانا وإرْجاؤُه أَمْرَنا عمن حلف له واعْتَذَرَ إليه، فقبل منه
(6)
.
(1)
في صحيح مسلم: "أبلانى". والبلاء والإبلاء يكونان في الخير والشر معًا. يقال: ابتليته بلاء حسنًا وبلاء سيئًا. اللسان (ب ل ى).
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف. وانظر صحيح مسلم.
(4)
في م: "كذبوه".
(5)
سقط من: م.
(6)
في م: "منهم". والحديث أخرجه البخارى (4676، 6690)، ومسلم (2769)، وأبو داود (2202، 2773، 3317، 4600)، والنسائي (730، 3422، 3833) من طريق ابن وهب به مطولا ومختصرًا، وأخرجه أحمد 25/ 65 (15788)، والبخارى (3889) من طريق يونس به، ولم يسق البخاري لفظه، وعند أحمد مختصرًا، وينظر مسند الطيالسي (1034).
حدَّثنا المُثَنَّى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى الليثُ، عن عَقِيلٍ، عن ابن شهابٍ، قال: أخبَرني عبدُ الرحمن بن عبد الله بن كعبِ بن مالكٍ، أن عبد الله بن كعب بن مالك - وكان قائدَ كعبٍ مِن بَنِيه حينَ عَمِيَ - قال: سَمِعتُ كعبَ بنَ مالكٍ يُحدِّثُ حديثَه حينَ تَخَلَّفَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. فذكر نحوَه
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأَعْلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن الزهريِّ، عن عبد الرحمن بن كعبٍ، عن أبيه، قال: لم أتخَلَّفْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غزاةٍ غزاها إلا بدرًا، ولم يُعاتب النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحدًا تَخَلَّفَ
(2)
عن بدرٍ، ثم ذَكَرَ نحوَه
(3)
.
حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابن إسحاق، عن ابن شهابٍ الزهريِّ، عن عبد الرحمن بن عبدِ اللهِ بن كعب بن مالكٍ الأنصاريِّ، ثم السُّلميِّ، عن أبيه، أن أباه عبد الله بن كعبٍ - وكان قائدَ أبيه كعب حينَ أُصِيبَ بصرُه - قال: سَمِعتُ أبي كعبَ بنَ مالكٍ يُحَدِّثُ حديثَه حين تخلَّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وحديث صاحبيه، قال: ما تخلَّفتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غَزاها، غير أني كنتُ تَخَلَّفْتُ عنه في غزوة بدر. ثم ذَكَر نحوَه
(4)
.
(1)
أخرجه البخارى في الأدب المفرد (944) من طريق أبي صالح به ببعضه، وأخرجه أحمد 25/ 81 (15790)، والبخارى (2757) مختصرًا، (4418) مطولًا، ومسلم (2769)، والنسائي (3424، 3834) من طريق الليث به ببعضه، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1899، 1905 من طريق عقيل به مطولًا ومختصرًا.
(2)
في ص، ت 1، ت 2، ف:"بخلفه"، وفى س:"تخلفه". وانظر مصدر التخريج.
(3)
أخرجه أحمد 6/ 387 - 390 (الميمنية) من طريق معمر به مطولًا.
(4)
سيرة ابن هشام 2/ 531، وأخرجه أبو داود (3321) من طريق ابن إسحاق به مقتصرًا على بعضه.
القولُ في تأويل قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} .
يقولُ تعالى ذكرُه للمؤمنين مُعَرِّفَهم سبيلَ النجاة من عقابه، والخلاص من أليم عذابه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله، {اتَّقُوا اللَّهَ} ، وراقبوه بأداء فرائضه وتَجَنُّبِ حدودِه، {وَكُونُوا} ، في الدنيا، مِن أهل ولاية الله وطاعته، تكونوا في الآخرةِ {مَعَ الصَّادِقِينَ} ، في الجنة. يعنى: مع من صدق الله الإيمانَ به، فحَقَّقَ قولَه بفعلِه، ولم يكُنْ مِن أهل النفاق فيه، الذين يُكذِّبُ قيلَهم فعلُهم.
وإنما معنى الكلام: وكونوا مع الصادقين في الآخرة باتقاء الله في الدنيا، كما قال جلّ ثناؤه:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69].
وإنما قلنا: ذلك معنى الكلام؛ لأن كون المُنافقِ مع المؤمنين غيرُ نافعه بأيِّ وجوهِ الكون كان معهم، إن لم يكُنْ عاملًا عملهم، وإذا عَمِلَ عَمَلَهم فهو منهم، وإذا كان منهم، كان وَجْهُ
(1)
الكلام أن يقال: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} . ولتوجيه الكلام إلى ما وَجَّهْنا من تأويله، فَسَّر ذلك مَن فَسَّره مِن أهل التأويل بأن قال: معناه: وكونوا مع أبي بكرٍ وعمرَ، أو: مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمهاجرين، رضي الله عنهم.
ذكرُ من قال ذلك أو غيره في تأويله
حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، عن زيدِ بن أسلمَ، عن نافع في قولِ اللهِ:
(1)
في م: "لا وجه في".
{اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} . قال: مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأصحابه
(1)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا حَبُّويَه أبو يزيدَ، عن يعقوبَ القُمِّيِّ، عن زيدِ بن أسلمَ، عن نافعٍ، قال: قيل للثلاثة الذين خُلِّفُوا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} . محمد وأصحابه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ بن إسماعيل، عن عبد الرحمن المُحاربيِّ، عن جُوَيبرٍ، عن الضَّحَّاكِ في قوله:{وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} . قال: مع أبي بكرٍ وعمرَ وأصحابهما، رضي الله عنهم
(2)
.
قال: ثنا محمدُ بنُ يحيى، قال: ثنا إسحاقُ بنُ بشرٍ الكاهليُّ، قال: ثنا خلفُ بنُ خليفةَ، عن أبي هاشمٍ الرُّمَّانيِّ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ في قولِ اللهِ:{اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} . قال: مع أبي بكرٍ وعمرَ، رضي الله عنهما
(3)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ قوله:{اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} . قال: مع المهاجرين الصادِقين
(4)
.
وكان ابن مسعودٍ فيما ذُكر عنه يَقْرَؤُه: (وكُونُوا مِنَ الصَّادِقِين).
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1906 من طريق يعقوب به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 289 إلى ابن المنذر.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1906، وابن عساكر في تاريخه 30/ 310 من طريق المحاربي به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 289 إلى أبي الشيخ.
(3)
ذكره البغوي في تفسيره 4/ 109، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 289 إلى المصنف.
(4)
ذكره البغوي في تفسيره 4/ 109.
ويتأوَّلُه أن ذلك نَهىٌ من الله عن الكذب
(1)
.
ذكرُ الرواية عنه بذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا آدمُ العَسْقَلانيُّ، قال: ثنا شعبةُ، عن عمرو بن مُرَّةَ، قال: سمعت أبا عُبَيدةَ بن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ يقولُ: قال ابن مسعود: إن الكذب لا يَحِلُّ منه جدٌّ ولا هَزَلٌ، اقرءوا إن شئتم: (يا أيُّها الذين آمَنُوا اتَّقُوا الله وكُونُوا من
(2)
الصَّادِقِينَ). قال: وكذلك هي قراءةُ ابن مسعودٍ: (مِن الصادقين). فهل تَرَون في الكذب رُخْصَةً
(3)
؟
قال: ثنا سُوَيدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، عن شعبةَ، عن عمرو بن مُرَّةَ، قال: سَمِعتُ أبا عبيدةَ، عن عبدِ اللهِ، نحوَه
(4)
.
قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن عمرِو بن مُرَّةَ، قال: سَمِعتُ أبا عُبَيدةَ يُحَدِّثُ عن عبد الله، قال: الكَذِبُ لا يَصْلُحُ منه جدٌّ ولا هَزْلٌ، اقْرَءوا إن شئتم:(يأيُّها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا من (2) الصادقين). وهي كذلك في قراءة عبدِ اللهِ، فهل تَرَون مِن رُخْصَةٍ في الكذب
(5)
؟
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن الأعْمشِ، عن إبراهيم، عن عبدِ اللهِ، قال: لا يَصلُحُ الكذبُ في هَزْلٍ ولا جِدٍّ. ثم تلا عبد الله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا}
…
(1)
هي قراءة شاذة، وينظر البحر المحيط 5/ 111.
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س:"مع"، وهي كذلك في تهذيب الآثار للمصنف.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1048 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1906، وابن عدي في الكامل 1/ 41، والبيهقى في الشعب (4789، 4790) من طريق شعبة به.
(4)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (1400) عن شعبة به.
(5)
أخرجه المصنف في تهذيب الآثار (مسند على)(253) من طريق محمد بن جعفر به.
لا
(1)
أدْرى أقال: (مِنَ الصَّادِقِين). أو: {مَعَ الصَّادِقِينَ} . وهو في كتابي: {مَعَ الصَّادِقِينَ}
(2)
.
[قال: ثنا أبي، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن أبي مَعْمَرٍ، عن عبدِ الله مثله]
(3)
(4)
.
قال: ثنا أبي، عن الأعْمش، عن عمرِو بن مُرَّةَ، عَن أَبي عُبَيدةَ، عن عبدِ اللهِ مثله
(5)
.
والصحيحُ من التأويل في ذلك، هو التأويلُ الذي ذَكَرْناه عن نافعٍ والضحاكِ، وذلك أن رسومَ المصاحب كلِّها مُجْمِعَةٌ على:{وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ، وهى القراءةُ التي لا أستجيزُ لأحدٍ القراءة بخلافها.
وتأويلُ عبد الله، رحمةُ الله عليه، في ذلك على قراءته، تأويلٌ [صحيحٌ، غير]
(6)
أنَّ القراءة بخلافها.
(1)
في م: "ما".
(2)
أخرجه المصنف في تهذيب الآثار (مسند على)(251) من طريق إبراهيم به بنحوه.
(3)
سقط من: س، ف.
(4)
أخرجه المصنف في تهذيب الآثار (مسند على)(250، 255)، والبخاري في الأدب المفرد (387) من طريق الأعمش به.
(5)
أخرجه المصنف في تهذيب الآثار (مسند على)(255) من طريق الأعمش به.
(6)
في م: "غير صحيح".
يقولُ تعالى ذكرُه: لم يكنْ لأهل المدينة، مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ} سُكَّانِ البَوادى الذين تَخَلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوكَ، وهم من أهل الإيمان به، أن يَتَخَلَّفوا في أهاليهم ولا [دارٍ لهم]
(1)
، [ولا]
(2)
أن يَرْغَبوا بأنفسهم عن نفسه في صُحْبتِه في سفره والجهاد معه، ومعاونته على ما يُعانيه في غزوِه، {ذَلِكَ}. يقولُ: إنما
(3)
لم يكن لهم هذا {بِأَنَّهُمْ} ؛ من أجل أنهم، وبسبب أنهم {لَا يُصِيبُهُمْ} في سفرهم
(4)
إذا كانوا معه {ظَمَأٌ} . وهو العطشُ، {وَلَا نَصَبٌ}. يقولُ: ولا تَعَبٌ. {وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} . يعنى: ولا مجاعةٌ في إقامة دينِ اللهِ ونُصْرتِه، وهَدْمِ
(5)
مَنَارِ الكفر، {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا}. يعنى أرضًا. يقولُ: ولا يطئونَ أرضًا، {يَغِيظُ الْكُفَّارَ} ، وَطُؤُهم إياها، {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا}. يقولُ: ولا يُصيبون [من عدوِّ اللهِ وعدوِّهم]
(6)
شيئًا في أموالهم وأنفسهم وأولادهم، إلا كتب الله لهم بذلك كلِّه ثواب عملٍ صالحٍ قد ارْتَضَاه، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. يقولُ: إن الله لا يَدَعُ مُحْسِنًا مِن خلقه أحسَن في عمله فأطاعَه فيما أمَرَه، وانتهى عما نهاه عنه، أن يُجازيَه على إحسانه، ويُثيبَه على صالحِ عملهِ. فلذلك كتب لمن فعل ذلك من أهل المدينة ومَن حولَهم من الأعرابِ ما ذكَر في هذه الآية، الثوابَ على كلِّ ما فعَل، فلم
(1)
في م: "دارهم".
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
في م: "إنه".
(4)
في ص: "سيرهم"، وفى ت 1، ت 2، س:"سرهم".
(5)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"هزم".
(6)
في ص، ف:"عدو الله ولهم"، وفى ت 1، ت 2، س:"عدوا لله وعدو لهم".
يُضَيِّعْ له أجرَ فعلِه ذلك.
وقد اختَلَف أهلُ التأويل في حكم هذه الآيةِ؛ فقال بعضُهم: هي مُحْكَمةٌ، وإنما كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصةً، لم يكن لأحدٍ أن يَتَخَلَّفَ إِذا غَزا خِلافَه، فيَقْعُدَ عنه، إلا من كان ذا عُذْرٍ، فأما غيرُه مِن الأئمة والولاة، فإن لمن شاء مِن المؤمنين أن يَتَخَلَّفَ خِلافَه، إذا لم يكنْ بالمسلمين إليه ضرورةٌ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قوله:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} : هذا إذا غَزا نبيُّ الله بنفسِه، فليس لأحدٍ أن يَتَخَلَّفَ. ذكر لنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال:"لولا أن أشُقَّ على أُمَّتِى ما تَخَلَّفْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو في سبيل الله، لكني لا أجِدُ سَعَةً فأَنْطَلِقَ بهم معى، ويَشُقُّ عليَّ - أو: أكْرَهُ - أن أدَعَهم بعدي"
(1)
.
حدَّثنا عليُّ بنُ سهلٍ، قال: ثنا الوليدُ بن مسلمٍ، قال: سمعتُ الأوزاعيَّ، وعبدَ الله بن المباركِ، والفَزاريَّ، والسَّبِيعيَّ، وابنَ جابرٍ، وسعيدَ بنَ عبد العزيز، يقولون في هذه الآية:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} . إلى آخر الآية: إنها لأوَّل هذه الأمة وآخرها من المجاهدين في سبيل الله
(2)
.
وقال آخرون: هذه الآيةُ نزلت وفى أهل الإسلامِ قِلَّةٌ، فلما كَثُروا نسخها الله،
(1)
أخرج المرفوع منه أحمد 12/ 73 (7157)، والبخارى - بنحوه (7226)، ومسلم (1876) من حديث أبي هريرة.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1908، 1909 من طريق الوليد به.
وأباحَ التَّخَلَّفَ لمن شاء، فقال:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} .
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} . فقرأ حتى بلَغ: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . قال: هذا حين كان الإسلامُ قليلًا، فلمَّا كَثُرَ الإسلامُ بعدُ
(1)
، قال:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} إلى آخر الآية
(2)
.
والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أن الله عنَى بها الذين وصفهم بقوله: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} الآية. ثم قال جل ثناؤُه: ما كان لأهل المدينة الذين تَخَلَّفوا عن رسول الله، ولا لمَن حولَهم من الأعراب الذين قَعَدوا عن الجهاد معه، أن يَتَخَلَّفُوا خِلافَه، ولا يَرْغَبوا بأنفسهم عن نفسه. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ندَب في غزوتِه تلك كلُّ مَن أطاقَ النهوضَ معه إلى الشُّخُوص إلا مَن أَذِنَ له، أو أمره بالمُقام بعدَه، فلم يكنْ لمَن قدَر على الشُّخُوص التَّخَلُّفُ، فَعَدَّدَ
(3)
جل ثناؤُه مَن تَخَلَّفَ منهم، فأظهر
(4)
نِفاقَ مَن كان تَخَلُّفُه منهم نِفاقًا، وعَذَرَ مَن كان تَخَلُّفُه كان
(5)
لعُذْرٍ، وتابَ على من كان تَخَلُّفُه تَفْرِيطًا مِن غَيرِ شَكٍّ ولا ارْتِيابٍ في أمرِ اللهِ، إذ تابَ مِن خطأ ما كان منه مِن الفعل. فأما التَّخَلُّفُ عنه في حالِ
(1)
في تفسير ابن أبي حاتم: "وفشا".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1907 من طريق أصبغ، عن ابن زيد.
(3)
في ص، ت 2، س:"فعدل"، وفى ت 1، ف:"بعدك".
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"وأظهر".
(5)
سقط من: م.
اسْتِغْنائه، فلم يكنْ مَحْظورًا، إذا لم يكنْ عن كراهةٍ
(1)
منه صلى الله عليه وسلم ذلك. وكذلك حكمُ المسلمين اليومَ إزاءَ إمامهم، فليس بفَرْضٍ على جميعهم النهوضُ معه، إلا في حالِ حاجتِه إليهم لما لابدَّ للإسلام وأهله من حضورِهم واجتماعهم، واسْتِنَهاضِه إياهم، فيَلْزَمُهم حينَئذٍ طاعتُه.
وإذا كان ذلك معنى الآية، لم تكنْ إحدى الآيتين اللتين ذَكَرْنا ناسخةً للأخرى، إذ لم تكنْ إحداهما نافيةً حكمَ الأخرى من كلِّ وجوهِه، ولا جاءَ خبرٌ يُوَجِّهُ الحُجَّةَ بأن إحداهما ناسخةٌ للأخرى.
وقد بَيَّنَّا معنى "المَخْمَصةِ" وأنها المَجاعةُ، بشواهدِه، وذَكَرْنا الرواية عمَّن قال ذلك في موضعٍ غير هذا، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا
(2)
.
وأما "النَّيْلُ"، فهو مصدرٌ من قول القائل: نالَنى يَنالُنى، ونِلْتُ الشيءَ، فهو مَنيلٌ. وذلك إذا كنتَ تنالُه بيدِك، وليس من التَّناوُلِ، وذلك أن التناولَ مِن النَّوالِ، يقالُ منه: نُلْتُ له، أنولُ له، من العَطِيَّةِ.
وكان بعضُ أهل العلم بكلام العرب يقولُ: النَّيْلُ مصدرٌ مِن قول القائل: نالنى بخير يَنولُنى نَوالًا، وأنالَنى خيرًا إنالةً. وقال: كأَنَّ النَّيْلَ مِن الواو، أُبْدِلَت يَاءً لخِفَّتِها وثقَلِ الواو.
وليس ذلك بمعروفٍ في كلامِ العرب، بل من شأن العرب أن تُصَحِّحَ الواوَ مِن ذواتِ الواو إذا سَكَنَتْ وانفَتَح ما قبلَها، كقولِهم: القَوْلُ، والعَوْلُ، والحَوْلُ. ولو جازَ ما قال، لجازَ القَيْلُ.
(1)
في م: "كراهته".
(2)
ينظر ما تقدم في 8/ 91 - 93.
القولُ في تأويل قوله: {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ذلك بأنهم لا يُصيبُهم ظمأٌ - وسائرُ ما ذَكَر - ولا يَنالُون من عدوٍّ نيلًا، ولا يُنْفِقون نفقةً صغيرةً [ولا كبيرةً]
(1)
في سبيل الله، ولا يَقْطَعون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوه
(2)
واديًا إلا كتب الله
(3)
لهم أجر عملهم ذلك، جزاءً لهم عليه، كأحسن ما يَجْزِيهم على أحسن أعمالهم التي كانوا يَعْمَلونها وهم مُقِيمون في منازلِهم.
كما حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قوله:{وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً} الآية. قال: ما ازْداد قومٌ من أهليهم في سبيل اللهِ بُعْدًا إلا ازْدادُوا مِن اللهِ قُرْبًا
(4)
.
القولُ في تأويل قوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ولم يكن المؤمنون ليَنْفِروا جميعًا.
وقد بَيَّنَّا معنى الكافَّةِ بشواهدِه، وأقوالَ أهل التأويل فيه، فأغنى عن
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.
(2)
في ت 1، ت 2، س، ف:"غزوة".
(3)
زيادة من: ص.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1909 من طريق يزيد به، وكذا أخرجه من طريق شيبان، عن قتادة.
إعادته في هذا الموضعِ
(1)
.
ثم اختَلَف أهلُ التأويل في المَعْنَى الذي عَناه الله بهذه الآية، وما النَّفْرُ الذي كَرِهَه لجميعِ المؤمنين؟ فقال بعضُهم: هو نَفْرٌ كان من قوم كانوا بالبادية، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُعَلِّمون الناسَ الإسلام، فلما نَزَلَ قولُه:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} . انْصَرَفوا عن البادية إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، خشية أن يَكونوا ممن تَخَلَّفَ عنه وممن عُنِىَ بالآية، فأَنزَل الله في ذلك عُذْرَهم بقوله:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} . وكَرِهَ انصراف جميعهم
(2)
من البادية إلى المدينة.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} . قال: ناسٌ من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم خرَجوا في البَوادي، فأصابوا من الناس معروفًا، ومن الخِصْب ما يَنْتَفِعون به، ودعَوا مَن وجَدوا من الناس إلى الهُدى، فقال الناسُ لهم: ما نَراكم إلا قد ترَكْتُم أصحابَكم وجئْتُمونا، فوجَدوا في أنفسهم من ذلك تحرُّجًا
(3)
، وأقْبَلوا من البادية كلُّهم حتى دخلوا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال اللهُ:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} يَبْتَغون الخيرَ، {لِيَتَفَقَّهُوا} وليَسْمَعوا ما في الناسِ، وما أنزَل الله بعدَهم {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} الناس كلَّهم {إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} .
(1)
تقدم في 3/ 601، 602.
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"جمعهم".
(3)
في م، ت 1، ت 2، س، ف:"حرجا".
حدَّثنا المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفة، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله، إلا أنه قال في حديثِه: فقال الله: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} : خَرجَ بعضٌ، وقَعَدَ بعضٌ يَبْتَغون الخيرَ.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الله، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوَ حديثِه عن أبي حُذَيفة
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ نحو حديثِ المُثَنَّى عن أبي حُذَيفةَ، غيرَ أنه قال في حديثِه: ما نَراكم إلا قد تَرَكْتُم صاحِبَكم. وقال: {لِيَتَفَقَّهُوا} : ليَسْمَعوا ما في الناسِ.
وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان المؤمنون ليَنْفروا جميعًا إلى عدوِّهم ويَتْرُكوا نبيَّهم صلى الله عليه وسلم وحدَه.
كما حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} . قال: ليَذْهَبوا كلُّهم، فلولا نفَر مِن كلِّ حيٍّ وقبيلةٍ طائفةٌ، [وتَخَلَّفَ طائفةٌ]
(2)
{لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} ؛ لِيَتَفَقَّهَ المُتَخَلِّفون مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الدِّينِ، وليُنْذِرَ المُتَخَلِّفون النافِرِين إذا رَجَعوا إليهم لعلهم يَحْذَرون.
[ذكرُ مَن قال ذلك]
(3)
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الله، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ
(1)
تفسير مجاهد ص 377، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1910، 1913، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 293، إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
سقط من ت 1، ت 2، س، ف، وفى ص:"ويتخلف طائفة".
(3)
كذا في النسخ، ولعل الصواب حذفها من هذا الموضع.
قولَه: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} . يقولُ: ما كان المؤمنون ليَنْفِروا جميعًا، ويَتْرُكوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم وحدَه، {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} . يعني عُصْبةً، يعنى السَّرايا، ولا يَتَسَرَّوا إلا بإذنه، فإذا رجَعت السَّرايا، وقد نزَل بعدَهم قرآنٌ، تَعَلَّمَه القاعدون من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالوا: إن الله قد أنزل على نبيِّكم بعدَكم قُرآنًا وقد تَعَلَّمْناه. فتَمْكُثُ السَّرايا يتعلَّمون ما أنزل الله على نبيِّهم [بعدَهم، ويبعثَ سرايا أخر، فذلك قولُه: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ}. يقولُ: يتعلَّمُون ما أنزل الله على نبيِّه]
(1)
، ويُعَلِّمُوا
(2)
السَّرايا إذا رجَعت إليهم لعلهم يَحْذَرون
(3)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قوله:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} . إلى قوله: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} . قال: هذا إذا بعَث نبيُّ الله الجيوشَ، أمرَهم ألا يُعْرُوا
(4)
نبيَّه، وتقيمُ طائفةٌ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تَتَفَقَّهُ في الدين، وتَنْطلِقُ طائفةٌ تَدْعو قومَها، وتُحذِّرُهم وقائع الله في من خَلا قبلَهم
(5)
.
حدَّثنا الحسينُ، قال: سمِعتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضَّحَّاكَ يقولُ في قوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} ، الآية كان نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم إذا غَزا بنفسِه لم يَحِلُّ لأحدٍ من المسلمين أن يَتَخَلَّفَ عنه، إلا أهل العُذرِ، وكان إذا أقامَ فَأُسِرَّت السَّرايا، لم يَحِلُّ لهم أن يَنْطَلِقوا إلا بإذنه، فكان
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
في م: "يعلمونه".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1909، 1912 من طريق أبي صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 292 إلى ابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في المدخل.
(4)
أعرى القوم صاحبهم: تركوه في مكانه وذهبوا عنه. اللسان (ع ر و).
(5)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 173.
الرجلُ إذا أسْرى
(1)
فنَزَل بعدَه قرآنٌ، تَلاه
(2)
نبيُّ الله على أصحابه القاعدين معه، فإذا رجَعت السَّرِيةُ، قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِن الله أَنزَل بعدكم على نبيِّه قرآنًا. فيُقْرِئونهم، ويُفَقِّهونهم في الدين، وهو قولُه:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} . يقولُ: إذا أقام
(3)
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} . يعنى بذلك أنه لا يَنْبغى للمسلمين أن يَنْفِرُوا جميعًا ونبيُّ اللهِ قاعدٌ، ولكن إذا قعَد نبيُّ اللهِ تَسرَّتِ السَّرايا، وقعَد معه عُظمُ الناسِ
(4)
.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما هؤلاء الذين نفَروا بمؤمنين، ولو كانوا مؤمنين لم يَنْفِرْ جميعُهم، ولكنهم مُنافِقون، ولو كانوا صادِقين أنهم مؤمنون، لنَفَرَ بعضٌ ليَتَفَقَّه في الدين، وليُنْذِرَ قومَه إِذا رَجَعَ إِليهم.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الله بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ، قولَه:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} : فإنها ليست في الجهادِ، ولكنْ لمَّا دَعا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على مُضَرَ بالسنين، أجْدَبَتْ بلادُهم، وكانت القبيلةُ منهم تُقبِلُ بأَسْرِها حتى يَحِلُّوا بالمدينة من الجَهْدِ، ويَعْتَلُّوا بالإسلام وهم كاذبون، فضَيَّقوا على أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأجْهَدوهم، وأنْزَل الله يُخْبِرُ رسول الله أنهم ليسوا مؤمنين، فردهم رسول الله الله إلى عشائرهم، وحذَّر قومهم أن يَفْعَلُوا فِعْلهم، فذلك قولُه: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
(1)
في ص: "استرى"، وفى ت 1، ت 2، س، ف:"اشترى".
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"وتلاه".
(3)
في ص، ت 1، ت 2، ف:"قام".
(4)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 173.
يَحْذَرُونَ}
(1)
.
وقد رُوِى عن ابن عباسٍ في ذلك قولٌ ثالثٌ، وهو ما حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قوله:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} . إلى قوله: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} . قال: كان يَنْطَلِقُ مِن كلِّ حيٍّ من العرب عصابةٌ فيَأْتون النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيَسْألونه عما يريدُونه من دينِهم، ويَتَفَقَّهُون في دينِهم، ويقولون لنبيِّ اللهِ: ما تأمُرُنا أن نفعلَه، وأخبِرْنا ما نقولُ لعشائرِنا إذا انْطَلَقْنا إليهم؟ قال: فيأمُرُهم نبيُّ الله بطاعة الله وطاعة رسوله، ويَبْعَثُهم إلى قومِهم بالصلاة والزكاة، وكانوا إذا أتَوا قومَهم نادَوا: إن مَن أسلمَ فهو مِنَّا. ويُنْذِرُونهم، حتى إن الرجلَ ليُفارِقُ
(2)
أباه وأمَّه، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يخبرُهم ويُنْذِرون قومَهم، فإذا رَجَعوا إليهم يَدْعونهم إلى الإسلام، ويُنْذِرونهم النار ويُبَشِّرونهم بالجنة
(3)
.
وقال آخرون: إنما هذا تَكْذيبٌ من الله لمُنافقين أَزْرَوْا بأعراب المسلمين وعزَرُوهم
(4)
في تَخلُّفِهم خلافَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم ممن قد عذَره الله بالتَّخلُّف.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ بنُ عُيَينة، عن سليمانَ الأحولِ، عن عكرمةَ، قال: لمَّا نزَلت هذه الآيةُ: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1913 من طريق أبي صالح به.
(2)
في النسخ: "ليعرف"، والمثبت من ابن أبي حاتم.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1911، 1912 عن محمد بن سعد به.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"غيرهم". وعزَره يعزِره: لامه.
حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ}. إلى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} : قال ناسٌ مِن المنافقين: هَلَكَ مَن تَخَلَّفَ. فَنَزَلَت: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} . إلى: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} . ونَزَلَت: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} [الشورى: 16]. الآية
(1)
.
حدَّثنا المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد اللهِ بن الزبير، عن ابن عُيَينةَ، قال: ثنا سليمان الأحولُ، عن عكرمة، قال: سمعته يقولُ: لما نزلت: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39]. {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ} . إلى قوله: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} : قال المنافقون: هَلَكَ أصحابُ البَدْوِ الذين تَخَلَّفوا عن محمدٍ ولم ينفروا معه. وقد كان ناسٌ مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا إلى البَدْوِ، إلى قومِهم يُفقِّهونهم، فأَنزَل اللهُ:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} . إلى قوله: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} . ونزلت: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} الآية.
واختلف الذين قالوا: عُنِى بذلك النهى عن نَفْرِ الجميع في السريةِ وتَرْكِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وحده - في المعنيِّين بقوله: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} ؛ فقال بعضُهم: عُنى به الجماعة المتخلِّفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالوا: معنى الكلام: فهَلَّا نَفَر مِن كلِّ فرقة طائفةٌ للجهادِ؛ ليَتَفَقَّهَ المتخلِّفون في الدِّينِ، وليُنْذِروا قومهم الذين نَفَروا في السرية إذا رجعوا إليهم مِن غزوِهم؟
(1)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2896)، (1051 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1797 - مختصرا - من طريق سفيان به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 292 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
وذلك قول قتادة. وقد ذكرنا رواية ذلك عنه من رواية سعيد بن أبي عروبةَ
(1)
.
وقد حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأَعْلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن قتادة:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} الآية. قال: ليَتَفَقَّه الذين قعدوا مع نبيِّ اللهِ، {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}. يقولُ: ليُنْذِروا الذين خَرَجوا إِذا رَجَعوا إليهم
(2)
.
حدَّثنا محمد بن عبدِ الأَعْلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن الحسن وقتادة:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} ، قالا: كافةً ويَدَعوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وقال آخرون منهم: بل معنى ذلك: لتتفقَّهَ الطائفةُ النافرةُ دون المتخلِّفة، وتُحذِّر النافرة المتخلفة.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن الحسن:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} . قال: ليَتَفَقَّهُ الذين خرجوا بما يُرِيهم
(3)
اللهُ من الظهور على المشركين والنُّصرة، ويُنذِروا قومَهم إذا رَجَعوا إليهم
(4)
.
(1)
تقدم في ص 78.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 291.
(3)
في ت 1، ت 2، س، ف:"يردهم".
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1912 من طريق محمد بن عبد الأعلى به. وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 291، عن معمر به.
وأَوْلى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: تأويلُه: وما كان المؤمنون ليَنْفِروا جميعًا ويتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، وأن اللَّهَ نهى بهذه الآيةِ المؤمنين به أن يَخْرُجوا في [غزوٍ وجهادٍ]
(1)
وغير ذلك من أمورهم، ويدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيدًا، ولكن عليهم إذا سَرَّى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم سَريةً، أن يَنْفِرَ معَها مِن كُلِّ قبيلةٍ مِن قبائل العرب - وهى الفرقةُ - طائفةٌ، وذلك من الواحد إلى ما بلغ من العدد، كما قال اللهُ جلّ ثناؤُه:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} . يقولُ: فَهَلَّا نَفَرَ مِن كُلِّ فرقةٍ منهم طائفةٌ؟ وهذا إلى هاهنا على أحد الأقوال التي رُويت عن ابن عباسٍ، وهو قولُ الضَّحَّاكِ وقتادة.
وإنما قلنا: هذا القولُ أَوْلى الأقوال في ذلك بالصواب؛ لأن الله تعالى ذكرُه حظَر التخلُّفَ خلاف رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم على المؤمنين به من أهل المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن الأعراب، لغير عُذْرٍ يُعْذَرون به، إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزوٍ وجهادٍ عدوٍّ قبل هذه الآيةِ بقوله:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} . ثم عقَّب ذلك جلّ ثناؤُه بقوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} . فكان معلومًا بذلك، إذ كان قد عَرَّفَهم في الآية التي قبلها اللازم لهم من فرضِ النَّفْرِ، والمباحَ لهم مِن تَرْكه في حال غزو رسول صلى الله عليه وسلم، وشخوصِه عن مدينته لجهادِ عدوٍّ، وأعْلَمَهم أنه لا يَسَعُهم التَّخلُّفُ خِلافَه إلا لعُذْرٍ، بعدَ اسْتِنهاضِه بعضَهم وتَخْليفِه بعضَهم - أن يكونَ عَقِيبَ تعريفهم ذلك تَعْريفُهم الواجب عليهم عند مقامِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدينته، وإشخاص غيرِه عنها، كما كان الابتداءُ بتَعْرِيفهم الواجب عندَ شُخوصِه وتَخْليفِه بعضَهم.
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"غزو جهاد".
وأما قوله: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} . فإن أَوْلى الأقوال في ذلك بالصواب قولُ مَن قال: لتَتَفَقَّهَ الطائفةُ النافرة بما تُعايِنُ مِن نصر اللهِ أهل دينه وأصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم على أهل عداواته والكفر به، فيَفْقَهَ بذلك من مُعاينتِه حقيقة علم أمر الإسلام وظهوره على الأديانِ مَن لم يكنْ فَقِهَه، وليُنْذِرُوا قومَهم فيُحَذِّروهم أن ينزِلَ بهم من بأس الله مثلُ الذي نزل بمن شاهَدوا وعاينوا ممن ظَفِرَ بهم المسلمون من أهل الشرك، إذا هم رجعوا إليهم مِن غزوهم، {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}. يقولُ: لعلَّ قومَهم إذا هم حَذَروهم ما عاينوا من ذلك، يَحْذَرون فيؤمنون باللهِ ورسوله، حَذَرًا أن ينزِلَ بهم ما نَزَل بالذين أُخبِروا خبرَهم.
وإنما قُلنا: ذلك أولى الأقوال بالصواب - وهو قول الحسن البصريِّ الذي رَوَيناه عنه - لأن النَّفْرَ قد بَيَّنَّا فيما مضى، أنه إذا كان مطلقًا بغير صلةٍ بشيءٍ، أن الأغلب من استعمال العرب إياه في الجهاد والغزو
(1)
. فإذا كان ذلك هو الأغلبَ مِن المعانى فيه، وكان جلّ ثناؤه قال:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} . عُلِمَ أن قولَه: {لِيَتَفَقَّهُوا} . إنما هو شرطٌ للنَّفْرِ لا لغيره، إذ كان يَليه دون غيره من الكلام.
فإن قال قائل: وما تُنْكِرُ أن يكون معناه: ليتَفَقَّهَ المتُخَلِّفون في الدين؟
قيل: تُنْكِرُ ذلك لاسْتِحالته؛ وذلك أن نَفْرَ الطائفة النافرة، لو كان سببًا لتفقُّهِ المُتَخَلِّفةِ، وجَب أن يكونَ
(2)
مُقامُها معهم سببًا لجَهْلِهم وتَرْكِ التَّفَقُّهِ، وقد عَلِمنا أن مُقامَهم لو أقاموا ولم يَنْفِروا لم يكن [سببًا لمَنْعهم]
(3)
مِن التَّفَقُّهِ
(1)
ينظر ما تقدم في 11/ 458 - 460.
(2)
إلى هنا ينتهى خرم المخطوط الأصل. والمشار إليه في ص 26.
(3)
في الأصل: "شيئا يمنعهم".
وبعد، فإنه قال جلّ ثناؤه:{وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} . عطفًا به على قولِه: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} . ولا شكَّ أن الطائفة النافرةَ لم تنفِرْ
(2)
إلا والإنذارُ قد تَقدَّمَ مِن الله إليها، وللإنذار وخوف الوعيدِ نفَرت، فما وَجْهُ إِنْدَارِ الطائفة المتخلفة الطائفة النافرة، وقد تساوتا في المعرفة بإنذار اللهِ إياهما؟ ولو كانت إحداهما جائزةٌ
(3)
أن توصَفَ بإنذار الأخرى، لكان أحقَّهما بأن تُوصَفَ به الطائفةُ النافرةُ؛ لأنها قد عاينَت من قدرةِ اللهِ ونُصْرة المؤمنين على أهل الكفر به ما لم تُعاين المُقيمةُ، ولكن ذلك إن شاء الله كما قلنا، من أنها تُنْذِرُ مِن حَيِّها وقبيلتِها من لم يؤمنْ باللهِ إذا رجعت إليه، أن يَنْزِلَ به ما نزَلَ بَمَن عايَنَه
(4)
ممن أظفَر اللهُ به المؤمنين مِن نُظَرائِهِ من أهل الشرك.
القولُ في تأويل قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)} .
يقولُ تعالى ذكرُه للمؤمنين به وبرسوله: يا أيُّها الذين صَدَّقوا اللَّهَ ورسوله، قاتِلوا من وليَكم من الكفارِ دونَ مَن [هو أبْعَدُ]
(5)
منهم. يقولُ لهم: ابْدَءُوا بقتالِ الأقرب فالأقرب إليكم دارًا، دونَ الأبعد فالأبعد. وكان الذين يلُون المخاطبين بهذه الآية يومئذٍ الروم؛ لأنهم كانوا سكان الشام يومئذٍ، والشام كانت أقرب إلى المدينةِ
(2)
في ص، ت 1، ت 2، م، ف:"ينفروا".
(3)
في م: "جائز".
(4)
في م: "عاينته".
(5)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أبعد"، وفى م:"بعد".
من العراق. فأما بعد أن فَتَحَ اللهُ على المؤمنين البلاد، فإن الفرضَ على أهل كلِّ ناحيةٍ قتالُ مَن وَلِيَهم من الأعداءِ دونَ الأبعد منهم، ما لم يُضْطَرَّ إليهم أهلُ ناحيةٍ أخرى مِن نواحي بلاد الإسلام، فإن اضطرُّوا إليهم، لزِمهم
(1)
عونهم ونصرهم؛ لأن المسلمين يَدٌ على مَن سواهم.
ولصحة كون ذلك كذلك
(2)
، تأوَّلَ كلُّ مَن تأوَّلَ هذه الآية أن معناها إيجابُ الفرضِ على أهل [كلِّ ناحيةٍ]
(3)
قتالَ مَن وَلِيَهم من الأعداء.
ذكرُ الرواية بذلك عنهم
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن شبيب بن غَرْقَدَةَ
(4)
البارقيِّ، عن رجلٍ مِن بني تميمٍ، قال: سألتُ ابن عمر عن قتالِ الدَّيْلم، قال: عليك بالروم
(5)
.
حدَّثنا ابن بَشَّارٍ وأحمدُ بنُ إسحاق [وسفيانُ بن وكيعٍ]
(6)
، قالوا: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيانُ، عن يونسَ، عن الحسنِ:{قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} . قال: الدَّيْلمُ.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن الربيع، الربيع، عن الحسن أنه كان إذا سُئِل عن قتال الروم والدَّيْلمِ
(7)
، تلا هذه الآية: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ
(1)
في م: "لزم".
(2)
سقط من: م.
(3)
في الأصل: "ناحيته".
(4)
بعده في م: "عن عروة". وينظر تهذيب الكمال 12/ 370.
(5)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 293 إلى ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعا.
(6)
سقط من: الأصل.
(7)
هم جيل من العجم كانوا يسكنون نواحى أذربيجان. الوسيط (د ل م).
الْكُفَّارِ}
(1)
.
حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا عِمْرانُ أخي، قال: سألتُ جعفر بن محمد بن عليِّ بن الحسين، فقلتُ: ما تَرَى في قتالِ الدَّيْلم؟ فقال: قاتلوهم ورابطُوهم، فإنهم من الذين قال الله:{قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}
(2)
.
حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو نُعَيمٍ، قال: ثنا سفيان، عن الربيع، عن الحسن أنه سُئِلَ عن الشام والدَّيلمِ، فقال:{قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} : الدَّيْلمُ
(3)
.
حدَّثني عليُّ بن سهلٍ، قال: ثنا الوليد، قال: سمعت أبا عمرٍو و
(4)
سعيد بن عبد العزيز يقولان: يُرابط كلُّ قومٍ ما يليهم من مسالحِهم
(5)
وحُصونهم. ويتأوَّلان قول الله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} .
حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} . قال: كان الذين يلونهم مِن الكفار العرب، فقاتَلَهم حتى فرغ منهم، فلما فرغ قال اللهُ:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} . حتى بلغ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. قال: فلما فَرَغَ مِن قتال من يليه من العرب، أمَرَه بجهادِ
(1)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 293 إلى المصنف وأبى الشيخ.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1914 من طريق يعقوب به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 293 إلى أبى الشيخ.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1913 من طريق أبي نعيم به.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"بن".
(5)
المسالح؛ جمع المسلحة: الثغر والمرقَب. اللسان (س ل ح).
أهل الكتاب. قال: وجهادُهم أفضلُ الجهادِ عندَ اللهِ
(1)
.
وأما قوله: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} . فإن معناه: وليجد هؤلاء الكفارُ الذين تُقاتلونهم {فِيكُمْ} أي منكم شِدَّةً عليهم، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}. يقولُ: وأَيقِنوا عند قتالكم إياهم أن الله معكم، وهو ناصرُكم عليهم إنِ
(2)
اتَّقَيتُم الله وخِفْتُموه بأداءِ فَرائضِه واجتنابِ مَعاصِيه، فإِن الله ناصِرٌ مَن اتَّقاه ومُعينُه.
القولُ في تأويل قوله: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} .
يقول تعالى ذكره: وإذا أَنزَل اللهُ سورةً مِن سُورِ القرآن على * نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم، فمن هؤلاء المنافقين الذين ذكرهم اللهُ في هذه السورةِ مَن يقولُ: أيُّكم أيُّها الناسُ زادته هذه السورةُ {إِيمَانًا} ؟ يقولُ: تصديقًا بالله وبآياتِه. يقولُ اللهُ: فأما الذين آمَنوا من الذين قيل لهم ذلك، فزَادتهم السورة التي أُنزلت إيمانًا، وهم يَفْرَحون بما أعْطاهم اللهُ من الإيمان واليقين.
فإن قال قائلٌ: أوَ
(3)
ليس الإيمانُ في كلام العرب التصديق والإقرار؟
قيل: بلى.
فإن قال
(4)
: فكيف زادتهم السورةُ تَصْديقًا وإقرارًا؟
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1778، 1914 من طريق أصبغ بن الفرج، عن ابن زيد.
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س:"فإن".
* إلى هنا ينتهى الخرم في مخطوطة الأصل الذي بدأ ص 26.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"و".
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قيل".
قيل: زادَتْهم إيمانًا حينَ نَزَلَت؛ لأنهم قبل أن تَنْزِلَ السورةُ لم يكنْ لَزِمَهم فرضُ الإقرارِ بها، والعمل بها بعينِها
(1)
، إلا في جملة إيمانهم بأن كلَّ ما جاءهم به نبيُّهم صلى الله عليه وسلم من عند اللهِ فحَقٌّ، فلما أنزل الله السورةَ لَزِمَهِم فَرْضُ الإقرار بأنها بعينِها من عندِ الله، ووَجَبَ عليهم فَرْضُ
(2)
الإيمان بما فيها من أحكام اللهِ وحدودِه وفرائضِه، فكان ذلك هو الزيادة التي زادَهم
(3)
نزولُ السورة حينَ نَزَلَت مِن الإيمان والتصديق بها.
وبنحو الذي قُلنا في تأويل
(4)
ذلك قال أهل التأويل.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بن سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمِّي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قوله:{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} . قال: كان إذا نَزَلَت سورةٌ آمَنوا بها، [فزادهم الله]
(5)
إيمانًا وتصديقًا وكانوا يَسْتَبْشِرون
(6)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ في قوله:{فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} . قال: خشيةً
(7)
.
(1)
في ص، ف:"لعينها".
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"وفرض".
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"زادتهم".
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
في س، وتفسير ابن أبي حاتم:"فزادتهم"، وفى ت 1، ت 2، ف:"فزادهم"، والمثبت موافق لما في الدر المنثور.
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1915 عن محمد بن سعد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 293 إلى ابن مردويه.
(7)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1914 من طريق عبد الله بن أبي جعفر به.
القول في تأويل قوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)} .
يقول تعالى ذكره: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ} ؛ نِفاقٌ وشَكٌّ في دينِ الله، فإن السورة التي أُنزِلت زادَتْهم رِجْسًا إلى رِجْسِهم، وذلك أَنهم شَكُّوا في أنها من عند الله، فلم يُوقنوا
(1)
بها ولم يُصَدِّقوا، فكان ذلك زيادة شكٍّ حادثةً في تنزيل اللهِ، لَزِمَهم الإيمان به [ووجَب عليهم فرضُ العمل به، فلم يُصدِّقوا به، ولم يوقنوا بوجوب فرض الإيمان به]
(2)
عليهم، بل ارْتابوا بذلك، فكان ذلك زيادةَ نَتْنٍ مِن أفعالهم إلى ما سَلَفَ منهم من
(3)
نظيرِه مِن النَّتْنِ والنفاقِ. وذلك معنى قوله: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} . {وَمَاتُوا} يعنى هؤلاء المنافقين الذين
(4)
هلكوا، {وَهُمْ كَافِرُونَ} يعنى: وهم كافِرون بالله وآياته.
القول في تأويل قوله: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)} .
اختلفت القرَأَةُ في قراءةِ قوله: {أَوَلَا يَرَوْنَ} ؛ فقرأته عامةُ قرأَةِ الأمصار: {أَوَلَا يَرَوْنَ} بالياءِ، بمعنى: أَوَلا يَرَى هؤلاء الذين في قلوبهم مرضُ النفاق؟
وقَرَأ ذلك حمزةُ: (أوَ لا تَرَوْنَ) بالتاءِ
(5)
، بمعنى: أَوَلا تَرَون أنتم
(6)
أيُّها المؤمنون أنهم يُفتنون؟
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"يؤمنوا".
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ت 3، س، ف.
(3)
سقط من: م.
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"أنهم".
(5)
القراءة بالياء وهى قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وعاصم والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص 320.
(6)
في ت 1، ت 2، ت 3، س، ف:"أنهم".
والصوابُ عندنا من القراءة في ذلك الياءُ
(1)
، على وجه التوبيخ من الله لهم؛ لإجماع الحجةِ مِن قَرَأةِ الأمصارِ عليه وصحةِ معناه.
فتأويلُ الكلام إذن: أَوَلا يرى هؤلاء المنافقون أن الله يَخْتَبِرُهم في كلِّ عامٍ مرةً أو مرَّتين، بمعنى أنه يَخْتبِرُهم في بعض الأعوام مَرَّةً وفى بعضها مَرَّتين، {ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ}. يقولُ: ثم هم مع البلاء الذي يحِلُّ بهم من الله، والاختبار الذي يَعْرِضُ لهم، لا يُنيبون مِن نِفاقهم، ولا يتوبون مِن كُفرهم، ولا هم يَتَذَكَّرون بما يَرون مِن حُجَجِ اللهِ ويُعاينون من آياته، فيَتَّعِظوا بها، ولكنهم مُصِرُّون على نفاقهم.
واخْتَلَف أهل التأويل في معنى "الفتنة" التي ذكر الله في هذا الموضع أن هؤلاء المنافقين يُفْتَنون بها؛ فقال بعضُهم: ذلك اختبارُ اللهِ إِيَّاهم بالقَحْطِ والشدة.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن نُميرٍ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ:{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} . قال: بالسَّنَةِ والجوع
(2)
.
حدَّثني محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{يُفْتَنُونَ} . قال: يُتلون، {فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ}. قال: بالسَّنَة والجوع
(2)
.
(1)
القراءتان كلتاهما صواب.
(2)
تفسير مجاهد ص 378، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1915، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 293 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبي الشيخ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال:[حدَّثنا أبو حذيفة]
(1)
، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} . قال: يُبْتَلون بالعذاب في كلِّ عامٍ مرةً أو مرتين.
حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ قوله:{يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} . قال: بالسَّنةِ والجوع.
وقال آخرون: بل معناه أنهم يُختبرون بالغزو والجهاد.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ:{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} . قال: يُبْتَلون بالغزو في سبيل اللهِ في كلِّ عامٍ مرة أو مرتين
(2)
.
حدَّثنا محمد بن عبدِ الأَعْلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عن مَعْمَرٍ، عن الحسن مثلَه
(3)
.
وقال آخرون: بل معناه أنهم يُختَبَرون بما يُشِيعُ المشركون من الأكاذيبِ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه، فيفتِنون
(4)
بذلك الذين في قلوبهم مرضٌ.
(1)
سقط من: م.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1916 من طريق سعيد بن بشير عن قَتادةَ، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 293 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 291، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1915 من طريق محمد بن عبد الأعلى به.
(4)
في ص: "فيفتتنن"، وفى م، ت 1، ت 2، س، ف:"فيفتتن".
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شَرِيكٌ، عن جابرٍ، عن أبي الضُّحَى، عن حُذيفةَ:{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} . قال: كُنَّا نسمَعُ في كلِّ عامٍ كَذِبةً أو كذبتين، فيُضِلُّ بها فئامٌ مِن الناسِ كثيرٌ.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن شَرِيكٍ، عن جابرٍ، عن أبي الضُّحَى، عن حُذيفة، قال: كان لهم في كلِّ عام كَذِبةٌ أو كَذِبتان
(1)
.
وأَوْلى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الله تعالى ذكرُه عَجَّبَ عِبادَه المؤمنين من هؤلاء المنافقين، ووَبَّخَ المُنافقين في أنفسِهم بقلةِ تَذَكُّرِهم، وسُوء تنبُّههم
(2)
لمواعظ اللهِ التي يَعِظُهم بها. وجائزٌ أن تكون تلك المواعظ
(3)
الشدائد التي يُنْزِلُها بهم من الجوع والقَحْطِ. وجائزٌ أن تكون ما يُرِيهم مِن نُضرةِ رسوله على أهلِ الكفر به، ويَرْزُقُه مِن إظهاره
(4)
كلمته على كلمتهم. وجائزٌ أن تكونَ ما يَظْهَرُ للمسلمين من نفاقهم وخُبْثِ سرائرهم، برُكونهم إلى ما يَسْمَعون من أراجيف المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ولا خبرَ يُوجِبُ صحةً بعض ذلك دونَ بعضٍ من الوجه الذي يَجِبُ التسليمُ له. فلا قول في ذلك أولى بالصوابِ مِن التسليم لظاهرِ قولِ اللهِ، وهو: أوَلَا يَرون أنهم يُختَبَرون في كلِّ عامٍ مَرَّةً أو مرَّتين،
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1916 من طريق وكيع به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 293 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه.
(2)
في الأصل: "تثبتهم"، وفى ت 1، ت 2، س، ف:"تنبيههم".
(3)
في الأصل: "الموعظة".
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"إظهار".
بما
(1)
يكون زاجرًا
(2)
لهم، ثم لا ينزَجِرون ولا يتَّعِظون؟
القول في تأويل قوله: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127)} .
يقول تعالى ذكره: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ} من القرآنِ، فيها عَيْبُ هؤلاء المنافقين الذين وَصَفَ جلّ ثناؤُه صِفتهم في هذه السورة، وهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، {نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} فتناظروا:{هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ} إِن تَكَلَّمْتم أو تَناجَيْتم بمعايب القوم يُخْبِرُهم
(3)
به. ثم قاموا فانْصَرَفوا من عندِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولم يَسْتَمِعوا قراءته
(4)
السورة التي فيها معايبُهم.
ثم ابتدأ جلّ ثناؤه قوله: {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} . فقال: صَرَفَ اللهُ عن الخير والتوفيق والإيمان بالله ورسوله قلوب هؤلاء المنافقين، ذلك {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}. يقولُ: فَعَلَ اللهُ بهم هذا الخذلانَ، وصَرَفَ قلوبهم عن الخيراتِ؛ مِن أجلِ أنهم قومٌ لا يفقهون عن اللهِ مواعظَه، استكبارًا ونفاقًا.
واختلف أهل العربية في الجالب حرف الاستفهام؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرة: قال: {نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ} . كأنه قال: قال بعضُهم لبعضٍ؛ لأن نَظَرَهم في هذا المكان كان إيماءً [أو شَبيهًا]
(5)
به، واللهُ أَعلم.
(1)
في الأصل: "ما".
(2)
في الأصل: "زجرا".
(3)
في الأصل: "يختبرهم".
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قراءة".
(5)
في ص، س، ف:"وشبيها"، وفى م، ت 1، ت 2:"وتنبيها".
وقال بعضُ نحويِّى الكوفة: إنما هو: وإذا ما أُنزِلت سورةٌ، قال بعضُهم لبعضٍ:{هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ} ؟
وقال آخرُ منهم: هذا النظرُ ليس معناه القولَ، ولكنه النظرُ الذي يَجْلِبُ الاستفهام
(1)
، كقول العرب: تَناظَروا أيُّهم أعلمُ. و: اجْتَمَعوا أَيُّهم أَفْقَهُ. أي: اجْتَمَعوا ليَنْظُروا. فهذا الذي يَجْلِبُ الاستفهام.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن شُعْبَةَ، عن أبي حمزة، عن ابن عباسٍ، قال: لا تقولوا: انصَرَفْنا من الصلاة. فإن قومًا انصَرَفَوا فَصَرَفَ اللهُ قلوبَهم، ولكن قولوا: قد قَضَيْنا الصلاة.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن أبي إسحاق، عن عُمَيرٍ ابن [قميمٍ التغلبيِّ]
(2)
، عن ابن عباسٍ، قال: لا تقولوا: انصرَفْنا من الصلاة. فإن قومًا انصَرَفوا، فصرف الله قلوبهم
(3)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو مُعاوية، عن الأعمش، عن أبي الضُّحَى، عن ابن عباسٍ، قال: لا تقولوا: انصَرَفْنا من الصلاةِ. فإن قومًا انصَرَفوا فصَرَفَ اللهُ قلوبَهم، ولكن قولوا: قد قَضَينا الصلاة
(4)
.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"بالاستفهام".
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س:"تميم التغلبى"، وفى م، ف:"تميم الثعلبي". وهو عمير بن قميم - وقيل: تميم - التغلبى. ينظر التاريخ الكبير 6/ 536، والجرح والتعديل 6/ 378.
(3)
أخرجه البخارى في تاريخه 6/ 537 من طريق سفيان به، وابن أبي شيبة 2/ 382 من طريق أبي إسحاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 293 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1052 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1917 من طريق أبي معاوية به.
أبيه، عن ابن عباسٍ قوله:{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} الآية. قال: هم المنافقون
(1)
.
وكان ابن زيدٍ يقولُ في ذلك ما حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ} : [ممن سَمِعَ]
(2)
خبركم، رآكم أحدٌ أَخبَره؟ إذا نَزَلَ شَيءٌ يُخبرُ عن كلامهم. قال: وهم المنافقون. قال: وقَرَأَ: {وَإِذَا مَا
(3)
أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا}: حتى بَلَغَ: {نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ} أخبَره بهذا؟ أكان معكم أحدٌ؟ سَمِعَ كلامَكم أحدٌ يُخبره بهذا
(4)
؟
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا آدمُ، قال: ثنا شعبةُ، قال: ثنا أبو إسحاق الهَمْدانيُّ، عمَّن حدَّثه، عن ابن عباسٍ، قال: لا تَقُل: انصَرَفْنَا مِن الصلاةِ. فإن الله عز وجل عَيَّرَ قومًا فقال: {انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ولكن قل: قد صَلَّيْنا.
القولُ في تأويل قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} .
يقولُ تعالى ذكرُه للعرب: لقد جاءَكم أيُّها القومُ رسولُ اللهِ إليكم، {مِنْ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1916 عن محمد بن سعد به.
(2)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ص، ف:"من يسمع".
(3)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1916 من طريق أصبغ، عن ابن زيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 293 إلى أبي الشيخ.
أَنْفُسِكُمْ}، تَعْرِفونه، لا من غيركم فتَتَّهِمُوه على أنفسكم في النصيحة لكم، {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ}. أي: عزيزٌ عليه عَنتُكم، وهو دخولُ المَشَقَّةِ عليهم والمكروه والأذى، {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ}. يقولُ: حريصٌ على هُدَى ضُلَّالِكم وتوبتهم ورجوعهم إلى الحقِّ، {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. أي: رفيقٌ رَحِيمٌ.
وبنحو الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويل.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن عُيينةَ، عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه في قوله {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ}. قال: لم يُصِبْه شيءٌ من شِرْكِ في ولادته
(1)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاق، قال: أخبرَنا ابن عُيينةً، عن جعفر بن محمدٍ في قوله:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} . قال: لم يُصبه شيءٌ من ولادة الجاهلية. قال: وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنّى خَرَجْتُ مِن نكاحٍ ولم أخرُج من سفاحٍ"
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرزاقِ، عن ابن عُيَينةَ، عن جعفرِ بن محمدٍ، عن أبيه نحوَه.
حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1917، والبيهقى 7/ 190 من طريق سفيان به. بلفظ الأثر بعده، وفيهما الزيادة المرفوعة أيضًا.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 291. ينظر طرق المرفوع وتخريجها في البداية والنهاية 3/ 362 - 364.
رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}. قال: جَعَلَه اللهُ مِن أنفسهم، فلا يَحْسُدُونه على ما أعطاه الله من النبوة والكرامة
(1)
.
وأما قولُه: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} . فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضُهم: معناه: ما ضَلَلْتُم.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا طَلْقُ بنُ غَنَّامٍ، قال: ثنا الحكمُ بنُ ظُهَيرٍ، عن السُّدِّيِّ، عن ابن عباس في قوله:{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} : ما ضَلَلْتُم
(2)
.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: عزيزٌ عليه عَنَتُ مؤمنكم
(3)
.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ:{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} : عزيزٌ عليه عَنَتُ مؤمنِهم
(4)
.
وأَوْلى القولَين في ذلك بالصواب قولُ ابن عباسٍ، وذلك أن الله عز وجل عَمَّ بالخبر عن نبيِّ الله أنه عزيزٌ عليه ما عنَت قومَه، ولم يَخْصُصْ أهلَ الإيمان به، فكان صلى الله عليه وسلم كما وَصَفَه الله به عزيزًا عليه عَنَتُ جميعهم.
فإن قال قائلٌ: وكيف يجوزُ أن يُوصَفَ صلى الله عليه وسلم بأنه كان عزيزًا عليه عَنتُ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1917 من طريق يزيد به.
(2)
ذكره البغوي 4/ 116 في تفسيره.
(3)
في الأصل: "مؤمنيكم".
(4)
في الأصل: "مؤمنيكم". والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1918 من طريق يزيد به.
جميعهم، وهو يقتُلُ كفارَهم، ويَسْبِى ذَراريَّهم، ويَسْلُبُهم أموالهم؟
قيل: إن إسلامَهم لو كانوا أسْلَمُوا، كان أحبَّ إليه من إقامتهم على كفرهم وتَكْذيبِهم إياه، حتى يَسْتَحِقوا ذلك من الله. وإنما وصَفه الله جلّ ثناؤُه بأنه عزيزٌ عليه عَنتُهم؛ لأنه كان عزيزًا عليه أن يأتوا ما يُعْنِتُهم، وذلك أن يَضِلُّوا فيَسْتوجبوا العَنَتَ مِن الله بالقتل والسِّباء
(1)
.
وأما {مَا}
(2)
التي في قوله: {مَاعَنِتُّمْ} . فإنه رفع بقوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ} . لأن معنى الكلامِ ما ذكرتُ: عزيزٌ عليه عَنتُكم.
وأما قولُه: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} . فإن معناه ما قد بَيَّنْتُ، وهو قولُ أهلِ التأويل.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة:{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} : حريصٌ على ضالِّهم أن يَهْدِيَهِ اللهُ
(3)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأَعْلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن قَتادةَ في قوله:{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} . قال: حريصٌ على من لم يُسْلِمُ أَن يُسْلِمَ
(4)
.
القولُ في تأويل قوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} .
(1)
في م: "السبي".
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1918 من طريق يزيد به.
(4)
تفسير عبد الرزاق 1/ 291.
يقولُ تعالى ذكرُه: فإن تَوَلَّى يا محمدُ هؤلاء الذين جئْتَهم بالحقِّ مِن عندِ ربِّك من قومك، فأدْبَروا عنك، ولم يَقْبَلوا ما أتيتَهم به مِن النصيحة في
(1)
الله، وما دعوتهم إليه من النور والهُدَى. {فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ}: يَكْفِينى ربِّي، {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} لا معبود سواه، {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} ، وبه وَثِقتُ، وعلى عونِه اتَّكَلتُ، وإليه وإلى نصره اسْتَنَدْتُ، فإنه ناصِرى ومُعِينى على مَن خالَفَنى: وتَوَلَّى عنى منكم ومن غيركم من الناسِ، {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} الذي يَمْلِكُ كلَّ ما دونَه، والمُلوكُ كلُّهم مَماليكُه وعبيدُه.
وإنما عَنَى بوصفه جلّ ثناؤُه نفسَه بأنه ربُّ العرش العظيم، الخبرَ عن جميع ما دونَه أنهم عبيدُه، وفى مُلْكِه وسُلطانِه؛ لأن العرش العظيم إنما كان
(2)
يكونُ للملوك، فوصَف نفسه بأنه ذو العرش العظيم
(2)
دونَ سائرِ خلقِه، وأنه الملكُ العظيمُ دونَ غيره، وأن مَن دونَه في سلطانه ومُلْكه، جارٍ عليهم
(3)
حكمُه وقضاؤُه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قوله:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} : يعنى الكفارَ، تَوَلُّوا عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهذه في المؤمنين
(4)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن عُيَينةَ، عن عمرٍو، عن عُبَيدِ بن عُمَيرٍ، قال: كان عمرُ رحمة الله عليه لا يُثْبِتُ آيةً في المصحفِ حتى يَشْهَدَ رجلان، فجاء رجلٌ من الأنصار بهاتين الآيتين: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
(1)
بعده في ت 1، ت 2، س:"دين".
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"عليه".
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1919 من طريق أبي صالح به.
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ}. فقال عمرُ: لا أسألك عليها
(1)
بَيِّنةً أبدًا، كذلك
(2)
كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا أحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بن يونس، عن زُهَيرٍ، عن الأعْمشِ، عن أبي صالحٍ الحَنَفيِّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله رحيمٌ يُحِبُّ الرحيم
(4)
، يَضَعُ رحمته على كلِّ رحيمٍ". قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنا لنَرْحَمُ أَنفسَنا وأموالَنا. قال: وأُرَاه قال: وأزواجَنا. قال: "ليس كذلك، ولكن كونوا كما قال الله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ {حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ". أَرَاه قرأ هذه الآية كلَّها
(5)
.
حدَّثني محمدُ بن المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الصمدِ، قال: ثنا شعبةُ، عن عليّ بن زيد، عن يوسفَ، عن ابن عباسٍ، عن أبيِّ بن كعبٍ، قال: آخرُ آيةٍ نزلت من القرآنِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إلى آخرِ الآية
(6)
.
(1)
في ص، م، ت 1، ف:"عليهما".
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"كذا".
(3)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 296 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ. وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (1053) - تفسير من طريق ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن عمر.
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"كل رحيم".
(5)
أخرجه أحمد في الزهد ص 393، 394 من طريق الأعمش، عن أبي راشد، عن أبي صالح بنحوه.
(6)
أخرجه إسحاق بن راهويه - كما في المطالب العالية (3994)، وأحمد 5/ 295 (الميمنية)، والحاكم 2/ 338، والبيهقى في الدلائل 7/ 139 من طريق شعبة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 295 إلى ابن أبي شيبة وابن منيع في مسنده وابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه. وهو عند أحمد بن منيع - كما في المطالب العالية (3995) - من طريق منصور عن الحسن، عن أبي بن كعب نحوه.
حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا شعبةُ، عن عليّ بن زيدٍ، عن يوسفَ، عن ابن عباسٍ، عن أبيِّ بن كعبٍ، قال: آخرُ آيةٍ نزلت على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} الآية.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، قال: ثنا شعبةُ، عن عليِّ بن زيدٍ، عن يوسفَ، عن أبيِّ بن كعبٍ، قال: أحْدَثُ القرآن عهدًا بالله هاتان الآيتان: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} إلى آخرِ الآيتين
(1)
.
حدَّثني أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا يونسُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا أبانُ بنُ يزيدَ العطارُ، عن قَتادةَ، عن أبَيِّ بن كعبٍ، قال: أحدثُ القرآن عهدًا باللهِ الآيتان: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إلى آخر السورة.
(1)
أخرجه إسحاق بن راهويه - كما في المطالب العالية (3994) - عن وكيع، عن شعبة به.
بسم الله الرحمن الرحيم. ربِّ يسِّر
القولُ في تفسير السورة التي يُذكرُ فيها يونسُ صلى الله عليه وسلم
القولُ في تأويل قوله تعالى: {الر} .
قال أبو جعفرٍ: اختلَفَ أهلُ التأويل في تأويل
(1)
ذلك؛ فقال بعضُهم: تأويلُه: أنا اللهُ أَرَى.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا يحيى بنُ داودَ بن ميمون الوَاسِطيُّ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن أبي رَوْقٍ، عن الضَّحَّاكِ، في قوله:{الر} : أنا الله أَرَى
(2)
.
حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا شَرِيكٌ، عن عطاء بن السائبِ، عن أبي الضُّحَى، عن ابن عباسٍ قوله:{الر} . قال: أنا اللهُ أَرَى
(3)
.
وقال آخرون: هي حروفٌ مِن اسم الله الذي هو "الرحمنُ".
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني عبدُ الله بن أحمدَ بن شَبُّويه، قال: ثنا عليُّ بنُ الحسين، قال: ثنى أبي،
(1)
سقط من: م.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1921 من طريق أبي أسامة به.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1921، 1994، والنحاس في الوقف والابتداء ص 110، 111، ومن طريقه ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد 17/ 3، 4، والبيهقي في الأسماء والصفات (167) من طريق شريك به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 299 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
عن يزيدَ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ:"الر"، و "حم"، و "نون"، حروفُ "الرحمن "مُقطَّعةً
(1)
.
حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا عيسى بنُ عُبيد، عن الحسينِ بن عثمانَ، قال: ذَكَر سالمُ بنُ عبدِ اللهِ "الر"، و "حم"، و "نون" فقال: اسمُ "الرحمن "مُقطَّعٌ. ثم قال: الرحمنُ
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن
(3)
أبي حمَّادٍ، قال: ثنا مِنْدَلٌ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، قال:"الر"، و "حم"، و "نون"، هو اسمُ الرحمن.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا سُوَيدُ بنُ عمرٍو الكَلْبيُّ، عن أبي عوانة، عن إسماعيلَ بن سالمٍ، عن عامرٍ، أنه سُئِل عن "الر"، و "حم"، و "ص"، قال: هي أسماءٌ مِن أسماءِ الله مقطعةٌ بالهجاءِ، فإذا وَصَلْتها كانت اسمًا مِن أسماء الله.
وقال آخرون: هي اسمٌ من أسماء القرآن.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ عبد الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قَتادةَ:{الر} ، اسمٌ من أسماء القرآن
(4)
.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1921 من طريق الحسين به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 299 إلى أبي الشيخ.
(2)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1921 معلقا، وليس عنده:"ثم قال: الرحمن".
(3)
سقط من: م. وينظر الجرح والتعديل 2/ 217.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1921، 1994 من طريق محمد بن عبد الأعلى به.
وقد ذَكَرنا اختلافَ الناسِ، وما إليه ذَهَب كلُّ قائلٍ في الذي قال فيه، وما الصوابُ لَدَينا مِن القولِ في ذلك في
(1)
نظيره، وذلك في أول سورة "البقرة"
(2)
، فأغنَى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وإنما ذَكَرنا في هذا الموضع القَدرَ الذي ذكرنا؛ لمخالفة مَن ذكرنا قوله في هذا، قولَه
(3)
في: {الر} ، فأما الذين وَفَّقوا
(4)
بينَ معاني جميعِ ذلك، فقد ذكرْنا قولهم
(5)
هناك [بما أغنى]
(6)
. عن الإعادة هاهنا.
القولُ في تأويل قوله: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ
(1)}.
اختُلِف في تأويل ذلك؛ فقال بعضُهم: تلك آياتُ التوراة.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نُعيمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن مجاهدٍ:{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} . قال: التوراةُ والإنجيلُ
(7)
.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا هشامٌ، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عن قَتادةَ:{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} . قال: الكتبُ التي كانت قبلَ القرآن
(8)
.
وقال آخرون: معنى ذلك: هذه آياتُ القرآن.
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويلُ من تأَوَّلَه: هذه آياتُ القرآن. ووجَّه
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
ينظر ما تقدم في 1/ 204 - 228.
(3)
سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
في ص، ت 1، ت 2:"وقفوا".
(5)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"قوله".
(6)
في ص، ت 2، س، ف:"مكتفًا". وفى م: "مكتفيا".
(7)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 182 عن مجاهد.
(8)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1922 من طريق سعيد بن بشير عنه به.
معنى "تلك" إلى معنى "هذه"، وقد بَيَّنَّا وجهَ تَوجيه "تلك" إلى هذا المعنى في سورة "البقرة" بما أغنى عن إعادتِه
(1)
. والآياتُ: الأعلامُ. والكتابُ: اسمٌ من أسماءِ القرآنِ. وقد بيَّنا كلَّ ذلك فيما مضَى قبلُ.
وإنما قلنا: هذا التأويلُ أولى في ذلك بالصواب؛ لأنه لم يَجِئْ للتوراة والإنجيل قبلُ ذكرٌ، ولا تلاوةٌ بعدَه، فيُوجَّهَ إليه الخبرُ.
فإذا كان ذلك كذلك، فتأويلُ الكلام: والرحمنِ، هذه آياتُ القرآن الحكيم. ومعنى الحكيم في هذا الموضع: المُحَكمُ. صُرِفَ "مُفعَل" إلى "فعيل"، كما قيل:"عذابٌ أَلِيمٌ"، بمعنى: مُؤلِمٌ. وكما قال الشاعرُ
(2)
:
* أَمِنْ رَيحانَةَ الدَّاعِي السَّميعُ *
وقد بيَّنا ذلك في غير موضعٍ من الكتابِ.
فمعناه إذًا: تلك آياتُ الكتابِ المُحكَم، الذي أحكَمه الله وبيَّنه لعبادِه، كما قال جلَّ ثناؤه:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1].
القولُ في تأويل قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ} .
يقولُ تعالى ذكرُه: أكان عجبًا للناسِ إيحاؤُنا القرآن إلى
(3)
رجلٍ منهم بإنذارِهم عقابَ الله على مَعاصيه؟! كأنهم لم يَعلَموا أن الله قد أَوحَى مِن قَبلِه إلى
(1)
ينظر ما تقدم في 1/ 228 - 231.
(2)
هو عمرو بن معد يكرب. وقد تقدم البيت بتمامه في 1/ 292.
(3)
في م: "علي".
مثله من البشر، فَتَعَجَّبوا مِن وَحينا إليه.
وبنحو ما قلنا في ذلك، قال أهلُ التأويل.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: ثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاكِ، عن ابن عباسٍ، قال: لمَّا بعَثَ الله محمدًا رسولًا، أنكرت
(1)
العربُ ذلك، أو
(2)
من أنكر منهم، فقالوا: الله أعظمُ مِن أن يكون رسولُه بشرًا مثل محمدٍ. قال
(3)
: فأنزل الله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ} ، وقال:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا}
(4)
[يوسف: 109].
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: عَجِبَتْ قريشٌ أن بُعِثَ رجلٌ منهم. قال: ومِثلُ ذلك: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} ، [الأعراف: 65]، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73]، قال الله:{أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ} [الأعراف: 69].
القولُ في تأويل قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} .
(1)
من هنا يبدأ الجزء الثاني والثلاثون من مخطوط خزانة القرويين والمشار إليه بالأصل.
(2)
في س، ف:"و". وهو موافق لما في الدر المنثور. والمثبت موافق لما في تفسير ابن أبي حاتم.
(3)
سقط من: م.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1922 من طريق أبي كريب به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 299 إلى أبي الشيخ وابن مردويه.
يقولُ جلّ ثناؤه: أكان عَجَبًا للناسِ أن أوحينا إلى رجل منهم، أن أنذر الناسَ، وأن بَشِّرِ الذين آمنوا بالله ورسوله {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} . عطفٌ على {أَنْذِرِ} .
واختلَف أهلُ التأويل في معنى قوله: {قَدَمَ صِدْقٍ} ؛ فقال بعضُهم: معناه: أن لهم أجرًا حسنًا بما قدَّموا مِن صالحِ الأعمال.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المُحاربيُّ، عن جُوَيبرٍ، عن الضَّحَّاكِ:{أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} . قال: ثوابَ صِدقٍ
(1)
.
قال: ثنا عبدُ الله بنُ رجاءٍ، عن ابن جُريجٍ، عن عبدِ اللهِ بن كثير، عن مجاهدٍ:{أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} . قال: الأعمال الصالحة
(1)
.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قوله:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} . يقولُ: أجرًا حسنًا بما قدَّموا من أعمالهم
(2)
.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا [زيدُ بنُ حبابٍ]
(3)
، عن إبراهيم بن يزيد، عن الوليد بن عبد الله بن
(4)
أبي مُغيثٍ، عن مجاهدٍ:{أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} .
(1)
ينظر تفسير ابن كثير 4/ 183.
(2)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 183 بنحوه عن العوفي عن ابن عباس.
(3)
في م: "يزيد بن حبان". وهو زيد بن الحباب بن الرَّيَّان أبو الحسين العكلى. ينظر تهذيب الكمال 10/ 40.
(4)
في ص، م، س، ف:"عن". وهو الوليد بن عبد الله بن أبي مُغيث، مولى بني عبد الدار، حجازي. ترجمته في تهذيب الكمال 31/ 37.
قال: صلاتُهم، وصومُهم، وصَدَقتُهم، وتسبيحهم
(1)
.
حدَّثني محمدُ بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{قَدَمَ صِدْقٍ} . قال: خيرٌ
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
[حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: حدَّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله]
(3)
.
حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجَّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
[حدَّثنى القاسمُ، قال: حدَّثنا الحسينُ]
(4)
، قال: ثني حجَّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الربيعِ بن أنسٍ، قال:{قَدَمَ صِدْقٍ} : ثوابَ صدقٍ عند ربِّهم.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع مثلَه
(5)
.
حدَّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: [وَبَشِّرِ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1923 من طريق زيد بن الحباب به.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1923 من طريق ابن أبي نجيح به.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، س، ف. والأثر في تفسير مجاهد ص 379.
(4)
سقط من ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1923، 1924 من طريق ابن أبي جعفر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 300 إلى أبي الشيخ.
الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ}. قال: القدمُ الصدقُ، ثوابُ
(1)
الصدقِ بما قَدَّموا مِن الأعمال
(2)
.
وقال آخرون: معناه: أن لهم سابقَ صدقٍ في اللوحِ المحفوظِ من السعادةِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثنى، قال: ثنا عبدُ الله بن صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قوله:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} . يقولُ: سبقت لهم السعادة في الذِّكر الأوَّل
(3)
.
وقال آخرون: معنى ذلك: أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم شفيعٌ لهم، [فهو لهم]
(4)
قدمُ صدقٍ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا يحيى بنُ آدمَ، عن فُضَيلٍ، عن
(5)
عمرو بن الجونِ، عن قَتادةَ أو الحسنِ:{أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} . قال: محمد شفيعٌ لهم
(6)
.
(1)
في م: "الثواب".
(2)
ينظر تفسير ابن كثير 4/ 183.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1922، 1923، من طريق أبي صالح به، بلفظ:"تحقق لهم الشهادة في الذكر الأول"، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 300 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"بن". وهو فضيل بن مرزوق. ينظر الإكمال 2/ 163، وما يأتى في حاشية التخريج.
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1924 من طريق يحيى بن آدم به، من قول الحسن بلفظ:"شفيع لهم يوم القيامة". وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 300 إلى أبي الشيخ من قول الحسن.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، في قوله:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} : أي سلَفَ صدقٍ عند ربِّهم
(1)
.
حدَّثني المُثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الله بنُ الزبير، عن ابن عُيَينةَ، عن زيدِ بن أسلمَ، في قولِه:{أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} . قال: محمدٌ صلى الله عليه وسلم
(2)
.
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوالِ عندى بالصواب قولُ مَن قال: معناه: أن لهم أعمالًا صالحةً عند الله، يستوجِبون بها منه الثوابَ.
وذلك أنه مَحِكيٌّ عن العرب: هؤلاء أهلُ القدم في
(3)
الإسلام. أي: هؤلاء الذين قَدَّموا فيه خيرًا، فكان لهم
(4)
فيه تَقْديمٌ. ويقالُ: له عندى قَدَمُ صِدقٍ، وقَدَمُ سَوْءٍ. وذلك ما قَدَّمتَ
(5)
إليه من خيرٍ أو شرٍ. ومنه قولُ حسانَ بن ثابتٍ
(6)
:
لنا القدَمُ العُليا
(7)
إليك وخَلفُنا
…
لأوَّلِنا في طاعةِ اللهِ تابعُ
وقولُ ذي الرُّمَّة
(8)
:
(1)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1923 معلقا، وينظر تفسير ابن كثير 4/ 183. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 300 إلى أبى الشيخ.
(2)
أخرجه سفيان بن عيينة في تفسيره - كما في التغليق 4/ 222. قال: أخبرت عن زيد به.
(3)
في الأصل: "و".
(4)
في الأصل، ص، ت 1، س، ف:"له".
(5)
في م: "قدم".
(6)
تقدم في 10/ 534.
(7)
في م: "الأولى".
(8)
ديوانه 2/ 972. وعنده: "الفخر"، بدل "البحر".
لكم قَدَمٌ لا يُنْكِرُ الناسُ أنها
…
مع الحَسَبِ العادِيِّ طَمَّتْ
(1)
على البحر
فتأويلُ الكلام إذًا: وبَشِّرِ الذين آمنوا أن لهم تقديمَ
(2)
خيرٍ من الأعمالِ الصالحةِ عندَ ربِّهم.
القولُ في تأويل قوله تعالى: {قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ
(3)
مُبِينٌ}.
اخْتَلَفَت القَرَأَةُ في قراءة ذلك؛ فقَرَأتْه عامَّةُ قَرَأَةِ أهل المدينة والبصرة: (إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ)
(4)
. بمعنى: إن هذا الذي جئْتَنا به - يَعْنون القرآن - لسحرٌ مبينٌ. وقرأ ذلك مسروقٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ، وجماعةٌ مِن قَرَأةِ الكوفيين:{إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ}
(5)
؛ [بمعنى: إِنَّ هذا النذير الذي يَدْعونا إلى التوحيد - يَعْنون النبيَّ صلَّى الله عليه - لساحرٌ مُبينٌ]
(6)
.
وقد بَيَّنتُ فيما مَضَى
(7)
مِن نظائر ذلك، أن كلَّ موصوفٍ بصفةٍ يَدُلُّ
(8)
الموصوفُ على صفتِه، وصفتُه عليه، فالقارئُ مُخَيَّرٌ في القراءةِ في ذلك، وذلك نظيرُ هذا الحرف:{قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ} و (لسِحْرٌ
(1)
العادي: القديم، كأنه منسوب لعادٍ قوم هودٍ عليه السلام، وكل قديم ينسبونه إلى عادٍ، وإن لم يدركهم. وطمَّت: عَلَت وغَمَرت. ينظر اللسان (ع د و)، (ط م م).
(2)
في م: "تقدمه".
(3)
في الأصل، ص، م، ت 1، ت 2 س:"لسحر".
(4)
هي قراءة نافع وأبي عمرو وابن عامر، السبعة ص 322، والكشف عن وجوه القراءات 1/ 421.
(5)
هي قراءة ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي. المصدران السابقان.
(6)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(7)
ينظر ما تقدم في 9/ 115، 116.
(8)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"ترك"، وفى م:"نزل".
مبينٌ)؛ وذلك أنهم إنما وَصَفوه بأنه ساحرٌ، [فوَصْفُهم إياه بالسَّحْرِ يَدُلُّ على أَنَّهم قد وَصَفوا ما جاءَهم به بأنَّه سحرٌ]
(1)
، ووَصْفُهم ما جاءَهم به أنه سحرٌ يدلُّ على أنهم قد وَصَفوه بالسحرِ. وإذ
(2)
كان ذلك كذلك، فسواءٌ بأيِّ ذلك قَرَأ القارئُ؛ لاتفاقِ معنى القراءتَين. وفى الكلام محذوفٌ، اسْتُغْنى بدلالةِ ما ذُكر عما تُرِكَ ذكرُه، وهو: فلما بَشَّرَهم وأنْذَرَهم وتَلا عليهم الوحىَ، قال الكافرون: إن هذا الذي جاءَنا به لَسحرٌ مبينٌ.
فتأويلُ الكلام إذًا: أكان
(3)
للناسِ عجبًا أن أوْحَينا إلى رجلٍ منهم، أن أنذرِ الناسَ، وبَشِّرِ الذين آمَنوا أن لهم قدمَ صِدْقٍ عندَ رَبِّهم؟ فلمَّا أتاهم بوحي اللَّهِ وتَلاه عليهم، قال المُنكِرون توحيدَ اللَّهِ ورسالة رسوله: إِنَّ هذا الذي جاءنا به محمدٌ
(4)
لسحرٌ مبينٌ. أي: يُبَيِّنُ لكم عنه أنه مُبطلٌ فيما يَدَّعِيه.
القولُ في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
(3)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: إن ربَّكم الذي له عبادةُ كلِّ شيءٍ
(5)
، لا تَنْبَغى العبادةُ إلا له، هو الذي خَلَق السماوات السبعَ، والأرَضينَ السبعَ في ستةِ أيامٍ، وانفَرَد بخَلْقِها بغير شريكٍ ولا ظهيرٍ، ثم اسْتَوى على عرشِه مُدَبِّرًا للأمور، وقاضيًا
(6)
في خلقِه ما
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
في م: "إذا".
(3)
في الأصل، ت 2:"كان"، وفى س:"إذا كان".
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
بعده في م: "و".
(6)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"قاضيها".
أحبَّ، لا يُضادُّه في قَضائِه أحدٌ، ولا يَتَعَقَّبُ تدبيرَه مُتَعَقِّبٌ، ولا يدخلُ أموره خَلَلٌ، {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ}. يقولُ: لا يشفعُ عندَه شافعٌ يومَ القيامةِ في أحدٍ، إلا من بعد أن يأذن له [في الشفاعةِ فيه]
(1)
.
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ} . يقولُ جل جلاله: هذا الذي هذه صفتُه، سيِّدُكم ومولاكم، لا مَن لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ، ولا يُدَبِّرُ ولا يقضى، مِن الآلهة والأوثان، {فَاعْبُدُوهُ}. يقولُ: فاعْبُدوا ربَّكم الذي هذه صفتُه، وأَخْلِصوا له العبادةَ، وأفْرِدوا له الأُلُوهَةَ والرُّبوبيةَ، بالذِّلَّةِ منكم له، دونَ أوثانِكم وسائرِ ما تُشْركون معه في العبادة، {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}. يقولُ: أفلا تَتَّعِظون وتَعْتَبِرون بهذه الآياتِ والحُجَج، فتُنِيبون
(2)
إلى الإذْعانِ بتوحيد ربِّكم، وإفراده بالعبادة، وتَخْلَعون
(3)
الأندادَ وتَبْرَءون منها؟
وبنحو الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويل.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن نُمَيرٍ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} . قال: يَقْضِيه وحدَه
(4)
.
حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا حَكَّامٌ، عن عَنْبسةَ، عن محمدِ بن عبدِ الرحمنِ،
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
في الأصل: "فتنيبوا".
(3)
في ص: "تحلفون"، وفى م:"تجمعون"، وفى ت 1:"اخلفوا"، وفى س:"تخلعوا"، وفى ف:"تحلفوا".
(4)
تفسير مجاهد ص 379 ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1926، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 300 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
عن القاسم بن أبي بَزَّةَ، عن مجاهدٍ:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} . قال: يَقْضِيه وحدَه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} . قال: يَقْضِيه وحده.
[حدَّثني المُثَنَّى]
(1)
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الله، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
القولُ في تأويل قولِه تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ
(4)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: إلى ربِّكم - الذي
(2)
صِفتُه ما وَصَف، جلَّ ثناؤُه، في الآية قبلَ هذه - مَعادُكم، أيُّها الناسُ، يومَ القيامة جميعًا. {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا}. فَأَخْرَجَ "وعدَ اللَّهِ" مُصَدَّرًا من قوله:{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} ؛ لأن فيه معنى الوعد، ومعناه: يَعِدُكم الله أن يُحْيِيَكم بعدَ مَماتِكم وعدًا حقًّا. فلذلك نَصَب "وعدَ اللَّهِ حقًّا". {إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} . يقولُ تعالى ذكرُه: إن ربَّكم يبدأُ إنشاء الخلقِ وإحْداثَه وإيجادَه، {ثُمَّ يُعِيدُهُ}. [يقولُ: ثم يُعِيدُه]
(3)
فيُوجِدُه حَيًّا كهيئته يومَ
(4)
ابْتَدَأَه، بعدَ فَنائِهِ وبَلَائِه.
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، س، ف.
(2)
بعده في ص، ت 1، س، ف:"هذه".
(3)
سقط من: م.
(4)
في الأصل: "حين".
كما حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} . قال: يُحْيِيه ثم يُمِيتُه
(1)
.
قال أبو جعفرٍ: وأَحْسَبُه أنه قال: ثم يُحْيِيه.
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ رجاءٍ، عن ابن جُرَيجٍ، عن عبدِ الله بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ:{يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} : قال: يُحْيِيه ثم يُمِيتُه، ثم يُحْيِيه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} : يُحْيِيه ثم يُمِيتُه، ثم يَبْدَؤُه ثم يُحْيِيه.
[حدَّثني المُثَنَّى]
(2)
، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبي جعفرٍ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه.
وقَرَأَت قرأةُ الأمصار ذلك: {إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ} . بكسر الألفِ مِن {إِنَّهُ} ، على الاستئناف. وذُكر عن أبي جعفرٍ الرازيِّ
(3)
أنه قَرَأه: (أنه) بفتح الألف من "أنه"، كأنه أرادَ: حقًّا أنه يبدأُ الخلقَ ثم يُعِيدُه فـ "أن" حينَئذٍ تكونُ رفعًا، كما قال الشاعرُ
(4)
:
أحَقًّا عبادَ الله أن لستُ زائرًا
…
[ريَا حيَّةً]
(5)
إلا عليَّ رَقِيبُ
(1)
تفسير مجاهد ص 379، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1926. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 300 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
وهى قراءة أبي جعفر المدنى أيضًا. ينظر النشر في القراءات العشر 2/ 212، وإتحاف فضلاء البشر ص 148.
(4)
هو ابن الدمينة كما في شرح ديوان الحماسة 3/ 1364، ومجموعة المعاني ص 137.
(5)
كذا في الأصل، وهى غير منقوطة في ص، ت 1، وفي ت 1:"جنة" لا يتبين المقطع الأول من الكلام. وفي ت 2، س، ف:"ناجية" بغير نقط أيضا. وفى مصدري التخريج: "ولا صادرا".
وقولُه: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ} . يقولُ: ثم يُعِيدُه من بعد مماتِه كهيئتِه قبلَ مماتِه عندَ بعثِه من قبره. {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} ، يقولُ: ليُثِيبَ
(1)
مَن صَدَّقَ الله ورسوله، وعَمِلوا بما
(2)
أَمَرَهم الله به مِن الأعمال، واجْتَنَبوا ما نَهاهم عنه، على أعمالِهم الحسنة. {بِالْقِسْطِ}. يقولُ: ليَجْزِيَهم على الحَسَنِ مِن أعمالِهم التي عَمِلوها في الدنيا، الحسنَ من الثوابِ، والصالحَ مِن الجزاءِ في الآخرة، وذلك هو القِسْطُ. والقِسْط: العدلُ والإنصافُ.
كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{بِالْقِسْطِ} : بالعدل
(3)
.
وقولَه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ} فإنه جلَّ ثناؤُه ابْتَدَأَ الخبر عما أَعَدَّ للذين كفَروا من العذابِ، وفيه معنى العطف على الأول؛ لأنه تعالى ذكرُه عَمَّ بالخبر عن مَعادِ جميعهم، كفارِهم ومُؤمنيهم، إليه، ثم أخبرَ أن إعادتَهم ليَجْزِيَ كلَّ فريقٍ بما عمِل؛ المحسنَ منهم بالإحسانِ، والمُسيء بالإساءة. ولكن لمَّا كان قد تَقدَّمَ الخبرُ المُسْتأنَفُ، عما أَعَدَّ للذين كفَروا من العذابِ، ما يَدُلُّ سامعَ ذلك على المرادِ، ابْتَدَأ الخبرَ، والمعنيُّ العطفُ، فقال: والذين جحَدوا الله ورسولَه، وكَذَّبوا بآياتِ اللهِ {لَهُمْ شَرَابٌ} في جهنم، {مِنْ حَمِيمٍ} ، وذلك شرابٌ قد أُغْلِيَ واشْتدَّ حَرُه، حتى إنه - فيما ذُكر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم لتتساقَطُ من أحدِهم حينَ يُدْنِيه منه فروةً رأسِه، وكما وَصَفه به
(4)
جل ثناؤُه: {كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف: 29].
(1)
في ص، ت 2، س، ف:"ليثبت".
(2)
في ص، م، ت 2، س، ف:"ما".
(3)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1927 معلقًا.
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
وأصلُه مفعولٌ صُرِفَ إلى فعيلٍ، وإنما هو محمومٌ، أي مُسَخَّنٌ، وكلُّ مُسَحَّنٍ عند العربِ فهو حميمٌ، ومنه قولُ المُرقِّشِ
(1)
.
و
(2)
كلُّ يومٍ لها مِقْطَرَةٌ
…
فيها كِبَاءٌ مُعَدٌّ وحَمِيمْ
يعني بالحميمِ: الماءَ الحارَّ
(3)
المُسَخَّنَ.
وقولُه: {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} . يقولُ: ولهم مع ذلك عذابٌ مُوجِعٌ، سوى الشرابِ مِن الحميم {بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} بالله ورسولِه.
القولُ في تأويل قوله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: إن ربَّكم الله الذي خَلَقَ السماوات والأرضَ، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً} بالنهارِ، {وَالْقَمَرَ نُورًا} بالليل. ومعنى ذلك: هو الذي أضاءَ الشمسَ وأنارَ القمرَ، {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ}. يقولُ:[وهَيَّأَه]
(4)
فَسَوَّاه منازلَ لا يُجاوِزُها، ولا يَقْصُرُ دونَها على حالٍ واحدةٍ أبدًا.
[وقال: {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} فَوَحَّدَ
(5)
، وقد ذَكَر الشمسَ والقمرَ، فإن في ذلك وجهين؛ أحدُهما: أن تكونَ "الهاء" في قوله: {وَقَدَّرَهُ} ]
(6)
للقمر خاصَّةً؛
(1)
تقدم في 9/ 325. وهناك "في كل ممسى" مكان "وكل يوم".
(2)
في م: "في".
(3)
سقط من: م.
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قضاة".
(5)
في م: "فوحده".
(6)
سقط من: ت 2.
لأن بالأهلَّةِ يُعْرَفُ انقضاءُ الشهور والسنينَ لا بالشمس. والآخرُ: أن يكونَ اكْتُفِى بذكر أحدِهما من
(1)
الآخر، كما قال في موضعٍ آخَرَ:{وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62]. وكما قال الشاعرُ
(2)
:
رَمَانى بأمرٍ كنتُ منه وَوَالِدِى
…
بَرِيًّا و [مِن جُولِ]
(3)
الطَّوِيِّ
(4)
رَمَانِي
وقولُه: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} . يقولُ: وقَدَّر ذلك منازل؛ {لِتَعْلَمُوا} أنتم أيُّها الناسُ، {عَدَدَ السِّنِينَ} . دخولَ ما يَدخُلُ منها، وانقضاءَ ما يُسْتقبَلُ منها، وحسابَها، يقولُ: وحسابَ أوقاتِ السنينَ، وعددَ أيامِها، وحسابَ ساعاتِ أيامها، {مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ}. يقولُ جلَّ ثناؤُه: لم يخلقِ اللَّهُ الشمسَ والقمرَ ومنازلَهما إلا بالحقِّ، [وهو]
(5)
الحقُّ تعالى ذكرُه، يقولُ
(6)
: خلَقتُ ذلك كلَّه بحقِّ وَحْدى، بغير عونٍ ولا شريكٍ، {يُفَصِّلُ الْآيَاتِ}. يقولُ: يُبَيِّنُ الحُجَجَ والأدلة، {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ، إِذا تَدَبَّروها حقيقةً وحدانية الله، وصحةَ ما يَدْعُوهم إليه محمدٌ صلى الله عليه وسلم؛ مِن خَلْعِ الأنداد، والبراءةِ مِن الأوثانِ.
القولُ في تأويل قوله: {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ
(1)
في م: "عن".
(2)
هو ابن أحمر؛ كما في كتاب سيبويه 1/ 75. وقيل: البيت للأزرق بن طرفه بن العمرد، كما في اللسان (ج و ل). وهو غير منسوب في معاني القرآن للفراء 1/ 458، وشرح الحماسة للتبريزى 2/ 936، والتاج (ج و ل).
(3)
في كتاب سيبويه وشرح الحماسة: "من أجل". قال التبريزي: وهو الصحيح.
(4)
الجول: جدار البئر. والطوى: البئر المطويَّة بالحجارة. ينظر اللسان (ج و ل)، (ط و ي).
(5)
في م: "يقول".
(6)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)}.
يقولُ تعالى ذكرُه مُنَبِّهًا عبادَه على موضع الدَّلالة على ربوبيتِه، وأنه خالقُ كلِّ ما دونَه: إن فى اعْتِقابِ الليل
(1)
النهارَ، واعْتِقابِ النهار الليل؛ إذا ذَهَب هذا
(2)
جاء هذا، وإذا جاء هذا
(2)
ذهَب هذا، وفيما خلق الله في السماواتِ مِن الشمسِ والقمرِ والنجومِ، وفى الأرضِ مِن عجائبِ الخلقِ الدَّالَّة على أن لها صانعًا ليس كمثلِه شيءٌ - {لَآيَاتٍ}. يقولُ: لأدِلَّةٌ وحُجَجًا وأعلامًا واضحةً {لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} الله، فيَخافون وعيدَه، ويَخْشَوْن عقابَه، على إخلاص العبادة لربِّهم.
فإن قال قائلٌ: أوَ لا دَلالةَ فيما خلَق الله فى السماواتِ والأرض على صانعِه. إلا لَمَن اتَّقَى الله؟
قيل: في ذلك الدَّلالةُ الواضحةُ على صانعِه لكلِّ مَن صَحَّتْ فِطرتُه، وبَرِئَ من العاهات قلبُه
(3)
. ولم يَقْصِدْ بذلك الخبرَ عن أن فيه الدَّلالة لمَن كان قد أَشْعَر نفسَه تَقْوى الله، وإنما معناه: إن في ذلك لآياتٍ لمَن اتَّقَى عقابَ اللهِ، فلم يَحْمِلُه هَواه على خلافِ ما وَضَح له من الحقِّ؛ لأن ذلك يدلُّ كلَّ ذى فِطْرةٍ صحيحةٍ على أن له مُدبِّرًا يَسْتحِقُّ عليه الإذعانَ له بالعُبُودَةِ
(4)
، دونَ ما سِوَاه من الآلهةِ والأنْدادِ.
القولُ في تأويل قولِه: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)} .
(1)
بعده في م، ف:"و".
(2)
بعده في ص، ت 2، س، ف:"و". وينظر ما تقدم فى 3/ 10.
(3)
في الأصل: "عقله".
(4)
في ت 1، س:"بالعبودية". وهما بمعنى.
يقولُ تعالى ذكرُه: إن الذين لا يَرْجون
(1)
لقاءَنا يومَ القيامةِ، فهم لذلك مُكَذِّبون بالثوابِ والعقابِ، مُتَنافِسون فى زِيَنِ
(2)
الدنيا وزَخارفِها، راضُون بها عوضًا مِن الآخرةِ، مُطْمَئِنِّين إليها ساكِنينِ، الَّذِينَ
(3)
هم عن آياتِ اللهِ، وهى أدلتُه على وَحْدانيتِه، وحُجَجِه على عبادِه، في إخلاصِ العبادةِ له - {غَافِلُونَ} مُعْرِضون عنها لاهُون، لا يَتَأمَّلونها تأمُّلَ ناصحٍ لنفسِه، فيَعْلَموا
(4)
بها حقيقة ما دَلَّتْهم عليه، ويَعْرِفوا بها بُطُولَ ما هم عليه مُقِيمُون،
{أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ} . يقولُ جلّ ثناؤُه: هؤلاء الذين هذه صفتُهم، {مَأْوَاهُمُ} . مصيرُهم
(5)
إلى النارِ؛ نارِ جهنمَ في الآخرة؛ {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فى الدنيا من الآثامِ والأجْرامِ
(6)
، ويَجْتَرِحون من السيئاتِ
والعربُ تقولُ: فلانٌ لا يَرْجو فلانًا. إذا كان لا يَخافُه. ومنه قولُ اللَّهِ جلّ ثناؤُه: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13]. ومنه قولُ أبي ذُؤيبٍ
(7)
:
إذا لَسَعَتْه النَّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَها
…
وخالَفَها فى بيتِ نُوبٍ عَوَامِلِ
(8)
وبنحو ما قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(1)
في ص، م:"يخافون".
(2)
في ت 1: "زينة".
(3)
في م: "والذين".
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فيعملوا".
(5)
فى م: "مصيرها".
(6)
الأجرام: جمع جُرم، وهو التَّعدِّى، والذنب، والجريمة. ينظر لسان العرب (ج ر م).
(7)
تقدم في 7/ 456.
(8)
فى م: "عواسل". والعوامل: جمع عامل. ينظر الوسيط (ع م ل).
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} . قال
(1)
: هو قولُه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} [هود: 15]
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، [وحدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ]
(3)
في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} . قال: هو مثلُ قولِه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} .
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجُ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله:{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} . قال: إذا شئتَ رأيتَه
(4)
صاحبَ دُنيا، لها يَفْرَحُ، ولها يَحْزَنُ، ولها يَرْضَى، ولها يَسْخَطُ
(5)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قوله: {إِنَّ
(1)
بعده فى م، وتفسير مجاهد:"هو".
(2)
تفسير مجاهد ص 379، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1928.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"رأيت".
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1928 من طريق سعيد به، وعنده:"أتيت" بدل "شئت".
الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} الآية كلّها. قال: هؤلاء أهلُ الكفر. ثم قال: {أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
(1)
.
يقولُ تعالى ذكرُه
(2)
: إن الذين صَدَّقوا اللَّهَ ورسولَه وعمِلوا الصالحاتِ؛ وذلك العملُ بطاعةِ اللهِ والانتهاءُ إلى أمرِه، {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ}. يقولُ: يُرْشِدُهم ربُّهم بإيمانِهم به إلى الجنةِ.
كما حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولهَ:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} : بلَغنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن إذا خرَج مِن قبره، صُوِّرَ
(3)
له عملُه في صورةٍ حَسَنَةٍ، [وشارةٍ حَسَنةٍ]
(4)
، فيقولُ له: ما أنت؟ فوالله إني لأَرَاكَ [امْرَأَ صدقٍ]
(5)
. فيقولُ: أنا عملُك. فيكونُ له نورًا وقائدًا إلى الجنة، وأما الكافرُ إذا خرَج مِن قبرِه، صُوِّر
(3)
له عملُه في صورةٍ سيئة [وشارةٍ سيئةٍ]
(6)
، فيقولُ:
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1929 من طريق أصبغ بن الفرج عن ابن زيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 301 إلى أبى الشيخ.
(2)
بعده فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات".
(3)
في تفسير ابن أبي حاتم: "مثل".
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف. وفي تفسير ابن أبي حاتم والدر المنثور "وريح طيبة".
(5)
في الأصل: "امرأ الصدق"، وفى تفسير ابن أبي حاتم والدر المنثور:"عين امرئ صدقٍ".
(6)
فى م: "وبشارة سيئة"، وفى تفسير ابن أبي حاتم والدر المنثور:"وريح منتنة".
ما أنت؟ فوالله إنى لأراكَ [امْرَأَ سَوْءٍ]
(1)
. فيقولُ: أنا عملُك. فيَنْطلِقُ به حتى يُدْخِلَه النارَ"
(2)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول الله:{يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} قال: يكونُ لهم نورًا يَمْشُون به.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
[حدَّثني المُثَنَّى]
(3)
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(4)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
و
(5)
قال ابنُ جُرَيجٍ: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} . قال: يَمْثُلُ له عملُه في صورةٍ حسنةٍ وريحٍ طيبةٍ، يُعارِضُ صاحبَه، ويُبَشِّرُه بكلِّ خيرٍ، فيقولُ له: من أنت؟ فيقولُ: أنا عملُك. فيَجْعَلُ له نورًا مِن بين يَدَيه حتى يُدْخِلَه
(6)
الجنةَ، فذلك قولُه:
(1)
في الأصل: "امرأ السوء"، وفى تفسير ابن أبي حاتم والدر المنثور:"عين امرئ سوء".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1929 من طريق سعيد عن قتادة عن الحسن نحوه مرسلًا، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 301 - قتادة عن الحسن- إلى ابن المنذر.
(3)
سقط من ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
تفسير مجاهد ص 379، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1929، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 301 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.
(5)
سقط من: الأصل، ف.
(6)
فى ت 1، ت 2، س، ف:"يدخل".
{يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} . والكافرُ يَمْثُلُ له عملُه في صورة سيئةٍ، وريحٍ مُنْتِنَةٍ، فيُلازِمُ صاحبَه [ويُلازُّه]
(1)
حتى يَقْذِفَه فى النارِ
(2)
.
وقال آخرون: معنى ذلك: بإيمانهم يَهْدِيهم ربُّهم لدينِه. يقولُ: بتَصْديقِهم هَدَاهم
(3)
.
وقولُه: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ} . يقولُ: تَجْرِى مِن تحتِ هؤلاء المؤمنين، الذين وصَف جلَّ ثناؤُه، صفتَهم، أنهارُ الجنة. {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}. يقولُ: في بَساتينِ النعيمِ، الذى نَعَّمَ الله به أهلَ طاعتِه والإيمان به.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ} . وإنما وَصَف، جلَّ ثناؤُه، أنهارَ الجنةِ فى سائرِ القرآن أنها تَجْرِى تحتَ الجناتِ؟ وكيف يُمْكِنُ الأنهارُ أن تَجْرِي مِن تحتِهم، إلا أن يكونوا فوقَ أرضِها، والأنهارُ تجرى
(4)
تحتَ أرضِها؟ وليس ذلك مِن صفةِ أنهارِ الجنةِ؛ [لأن من صفتِها أنها]
(5)
تَجْرِى على وجهِ الأرضِ في غيرِ أخاديدَ؟
قيل: إن معنى ذلك بخلافِ ما إليه ذهَبتَ، وإنما معنى ذلك: تَجْرِى مِن دونِهم الأنهارُ. أَى
(6)
: بين أيديهم في بساتينِ النعيمِ. وذلك نظيرُ قولِ اللَّهِ جَلَّ ثناؤُه: {قَدْ
(1)
سقط من: ت 1، والدر المنثور. وفى م:"ويلاده". وفى س، ف:"ويلاوه". ولازَّه مُلازَّةً ولِزازا: قارنَه. ولازَزتُه: لاصَقتُه. يُنظر لسان العرب وتاج العروس (ل ز ز).
(2)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 186، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 301 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(3)
بعده فى ص، م، ت 2:"ذكر من قال ذلك". وفى حاشية ص أمامها: "كذا" وبعدها قدر سطر بياض.
(4)
بعده فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"من".
(5)
في ص، ت 2، س، ف:"لا من صفتها إنما"، وفى ت 1:"ولا من صفتها إنما"، وفى م:"لأن صفتها أنها".
(6)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"إلى"، وفى م:"إلى ما".
جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم: 24]. ومعلومٌ أنه لم يَجْعَل السَّرىَّ تحتَها وهي عليه قاعدةٌ؛ إذ كان السَّرِىُّ هو الجدولَ، وإنما عَنَى أَنه
(1)
جعَل دونَها: بينَ يَدَيها. وكما قال جلَّ ثناؤُه مُخبِرًا عن قيلِ فرعونَ: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51]. بمعنى: مِن دُونِي، بينَ يَدَيَّ.
وأما قولُه: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} . فإن معناه: دُعاؤُهم فيها: سُبْحانَك اللهمَّ.
كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجُ، عن ابنِ جُرَيجٍ، قال: و
(2)
أُخْبِرتُ أن قوله: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} قال: إذا مَرَّ بهم الطيرُ يَشْتَهُونَه، قالوا: سُبحانَك اللهمَّ. وذلك دَعْواهم فيها
(2)
، فيأتيهم الملَكُ بما اشْتَهَوا، فيُسَلِّم عليهم، فيَرُدُّون عليه، فذلك قولُه:{وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} . قال: فإذا أَكَلُوا حَمِدُوا اللَّهَ ربَّهم، فذلك قولُه:{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
(3)
.
حدَّثنا بشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله:{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} . يقولُ: ذلك قولُهم فيها، {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}
(4)
.
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا عُبَيدُ اللَّهِ الأَشْجَعِيُّ، قال: سَمِعتُ سفيان يقولُ:
(1)
في م: "به".
(2)
سقط من ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 187، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 301 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1930 من طريق سعيد به، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 301 إلى أبي الشيخ.
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} . قال: إذا أرادوا الشيءَ قالوا: اللهمَّ. فيَأْتيهم ما دَعَوْا به
(1)
.
وأما قولُه: {سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} . فإن معناه: تَنْزِيهًا لك، يا ربِّ، مما أضافَ إليك أهلُ الشرك بك، من الكذبِ عليك والفِرْيَةِ.
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا ابنُ إدريسَ، قال: سَمِعتُ أَبي، عن غير واحدٍ، عَطِيَّةُ فيهم: سبحانَ اللهِ؛ تَنْزِيةٌ للَّهِ.
حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمن بنُ مَهْدِيٍّ، قال: ثنا سفيانُ، عن عثمان بن عبد الله بنِ مَوْهَبٍ، قال: سَمِعتُ موسى بنَ طلحةَ، قال: سُئِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن سبحان الله. [فقال: "إنزاه]
(2)
الله عن
(3)
السُّوء"
(4)
.
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ وأبو السائب وخَلَّادُ بنُ أسلمَ، قالوا: ثنا ابنُ إدريسَ، قال: ثنا قابوسُ، عن أبيه، أن ابنَ
(5)
الكَوَّاءِ سأل عليًّا، رضي الله عنه، عن سبحان اللهِ،
(1)
تفسير الثورى ص 128 بنحوه، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1930 من طريق الأشجعي به نحوه.
(2)
فى م: "قال إبراء"، وفى ف:"فقال أنزه".
(3)
في الأصل: "من".
(4)
أخرجه الطبراني في الدعاء (1753)، والبيهقى فى الأسماء والصفات (58)، من طريق سفيان به، وأخرجه الطبرانى فى الدعاء (1754) من طريق عثمان بن عبد الله بن موهب به عن موسى من قوله، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 1/ 110 إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.
(5)
في الأصل: "أبا". وهو تحريف، واسم ابن الكواء هذا: عبد الله بن أبي أوفى اليشكري؛ وينظر تاريخ الطبري 5/ 63، 212، وميزان الاعتدال 2/ 474.
فقال
(1)
: كلمةٌ رَضِيَها اللهُ لنفسِه
(2)
.
حدَّثني نصرُ بنُ عبدِ الرحمنِ الأوْدِىُّ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن سفيانَ بن سعيدٍ الثورىِّ، عن عثمانَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ الطَّلْحَيَّ، عن موسى بنِ طلحةَ، قال: سُئِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن سبحانَ اللهِ، فقال:"تَنْزِيهًا للَّهِ عن السُّوء".
حدَّثنى علىُّ بنُ عيسى البَزَّارُ، قال: ثنا عُبَيدُ اللهِ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمن بنُ حَمَّادٍ، قال: ثنى حفصُ بنُ سليمانَ، قال: ثنا طلحةُ [بنُ يحيى بن طلحة]
(3)
، عن أبيه، عن طلحة بن عُبَيدِ اللهِ، قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير سبحانَ اللهِ. قال
(4)
: "هو تَنْزِيهُ اللهِ عِن
(5)
كُلِّ سُوءٍ"
(6)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرِو بن تَمَّامٍ الكلبىُّ، قال: ثنا سليمانُ بنُ أيوبَ، قال: ثنى أبي، عن جَدِّى، عن موسى بنِ طلحةَ، عن أبيه، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، قولُ سبحانَ الله؟ قال:"تَنْزِيهُ اللهِ عن السُّوءِ"
(7)
.
{وَتَحِيَّتُهُمْ} يقولُ: وتحيةُ بعضِهم بعضًا، {فِيهَا سَلَامٌ}: أي سَلِمْتَ وأَمِنْتَ مما ابْتُلى به أهلُ النارِ.
(1)
فى م: "قال".
(2)
أخرجه الطبرانى فى الدعاء (1761) من طريق ابن إدريس به، وفى (1760) من طريق قابوس به مطولًا، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 1/ 110 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.
(3)
سقط من: الأصل، ت 1، ت 2.
(4)
فى م: "فقال".
(5)
في الأصل، ص، م، ت 2، س، ف:"من".
(6)
أخرجه الطبراني في الدعاء (1751)، والحاكم 1/ 502، والبيهقى فى الأسماء والصفات (59)، والخطيب في الكفاية ص 226، كلهم من طرق عن عبيد الله به. وجاء عند البيهقي "جعفر بن سليمان" بدل "حفص بن سليمان".
(7)
أخرجه الطبرانى فى الدعاء (1752) من طريق سليمان بن أيوب به.
والعربُ تُسَمِّى المُلْكَ التحية؛ ومنه قولُ عمرِو بنِ مَعْدِ يكربَ
(1)
:
أَزُورُ بها أبا قابُوس حتى
…
أُنِيخَ على تَحِيَّتِهِ بجُنْدِى
ومنه قولُ زُهَيْرِ بنِ جَنابِ الكلبيِّ
(2)
:
مِن كُلِّ ما نال الفَتَى
…
قد نِلْتُه إلَّا التَّحِيَّة
وقولُه: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ} . يقولُ: وآخِرُ دُعائهم، {[أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. يقولُ: وآخِرُ دُعائهم]
(3)
أن يقولوا: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين. ولذلك خُفِّفَت "أن"، ولم تُشدَّدُ؛ لأنه أُريد بها الحكايةُ
(4)
.
القولُ في تأويل قوله عز وجل: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ} إِجابةً دُعائهم في {الشَّرَّ} ، وذلك فيما عليهم مَضَرَّةٌ فى نفسٍ أو مالٍ، {اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ}. يقولُ: كاسْتِعجالِه لهم فى الخير بالإجابة إذا دَعوه به، {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}. يقولُ: لهَلَكوا، وعُجِّلَ لهم الموتُ، وهو الأجلُ.
وعنَى بقوله: {لَقُضِيَ} . لفُرغَ إليهم من أجلهم، ونُبذ إليهم
(5)
، كما قال أبو ذُؤَيبٍ
(6)
:
(1)
ديوان عمرو بن معد يكرب ص 75 باختلاف في روايته.
(2)
شرح القصائد السبع للأنبارى ص 298 وفيه مصادر أخرى.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
بعده فى ت 1، ت 2، س:"والله الموفق للصواب".
(5)
في م: "تبدى لهم".
(6)
تقدم في 2/ 466. وسيأتى فى تفسير الآيتين 10، 11 من سورة سبأ.
وعليهما مَسْرُودَتَانِ قَضَاهما
…
داودُ أو
(1)
صَنَعُ السوابغ تُبَّعُ
{فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} ، يقولُ: فَنَدَعُ الذين لا يخافون عِقابَنا، ولا يُوقِنون بالبَعْثِ ولا بالنشورِ، {فِي طُغْيَانِهِمْ}. يقولُ: في تَمرُّدِهم وعُتُوِّهم. {يَعْمَهُونَ} . يعنى: يَتَرَدَّدون.
وإنما أخبرَ، جلّ ثناؤُه، عن هؤلاء الكفرةِ بالبعث بما أخبرَ به عنهم، مِن طُغْيانِهم وتَرَدُّدِهم فيه، عندَ تَعْجيله إجابةَ دعائِهم في الشرِّ، لو اسْتجابَ لهم، أن ذلك كان يَدْعوهم إلى التَّقَرُبِ إلى الوَثَنِ الذى يُشْرِكُ به أحدُهم، أو يُضِيفُ ذلك إلى أنه مِن فعلِه.
وبنحوِ ما قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ فى قولِ اللهِ:{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ} . قال: قولُ الإنسانِ إذا غضِب لولدِه ومالِه: لا باركَ الله فيه ولعَنه
(2)
.
حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ} . قال: قولُ
(1)
في النسخ: "إذ".
من هنا خرم فى مخطوط جامعة القرويين المشار إليه بالأصل وينتهى فى صفحة 235.
(2)
تفسير مجاهد ص 380 ومن طريقه الفريابي -كما في تغليق التعليق- 4/ 222، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1932، وعبد بن حميد في تفسيره - كما في الفتح 8/ 346 من طريق ابن أبي نجيح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 301 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
الإنسان لولدِه ومالِه إذا غَضِبَ عليه: اللهمَّ لا تُبارِكْ فيه والْعَنْه. فلو يُعَجِّلُ اللهُ
(1)
الاستجابةَ لهم
(2)
في ذلك، كما يُسْتجابُ في الخير، لأَهْلَكَهم.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الله، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ فى قوله:{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ} . قال: قولُ الإنسانِ
(3)
لولدِه ومالِه إذا غَضِبَ عليه: اللهمَّ لا تُبارِكْ فيه والْعَنْه، {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}. قال: لأَهْلَكَ مَن دَعا عليه ولأمَاتَه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ قوله:{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ} . قال: قولُ الرجلِ لولدِه إذا غضِب عليه أو مالِه: اللهمَّ لا تُبارِك فيه والْعَنْه. قال اللهُ: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} . قال: لأَهْلَكَ مَن دَعا عليه ولأماتَه، قال:{فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} . قال: يقولُ: لا نُهلِكُ أهلَ الشِّرْكِ، ولكن نَذَرُهم في طُغْيانِهم يَعْمَهُون.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأَعْلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن قَتادةَ قولَه:{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ} . قال: هو دعاءُ الرجلٍ على نفسِه ومالِه بما يَكْرَهُ أَن يُسْتَجابَ له
(4)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {لَقُضِيَ
(1)
سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.
(3)
بعده في س: "قال قول الإنسان".
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1932 من طريق محمد بن عبد الأعلى به.
إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}. قال: لأَهْلَكْناهم. وقرأ: {مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: 61]. قال: يُهْلِكُهم كلَّهم.
ونصَب قولَه: {اسْتِعْجَالَهُمْ} ، بوقوع "يُعَجِّل" عليه، كقولِ القائلِ: قُمْتُ اليومَ قِيامَك. بمعنى: قُمْتُ كقيامِك، وليس بمصدرٍ مِن يُعَجِّلُ؛ لأنه لو كان مصدرًا لم يَحْسُن دخولُ الكافِ، أعنى كافَ التشبيه فيه.
واختَلَفَت القرأةُ فى قراءةِ قوله: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} . فَقَرَأ ذلك عامَّةُ قرأةِ الحجازِ والعراقِ: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} على وجه ما لم يُسَمَّ فاعلُه، بضَمِّ القافِ مِن قُضِيَ ورَفْعِ الأجلِ
(1)
. وقَرَأه عامةُ أهل الشامِ (لقَضَى إليهم أجلَهم). بمعنى: لقَضَى الله إليهم أجلَهم
(2)
. وهما قِراءتان مُتَّفِقَتا المعنى، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمُصِيبٌ، غيرَ أنى أقرؤُه على وجهِ ما لم يُسَمَّ فاعلُه؛ لأن عليه أكثرَ القرأة.
القولُ في تأويل قولِه تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وإذا أصابَ الإنسانَ الشدةُ والجَهْدُ، {دَعَانَا لِجَنْبِهِ}. يقولُ: اسْتغاثَ بنا في كشفِ ذلك عنه، {لِجَنْبِهِ}. يعنى: مُضْطَجِعًا لجَنَّبِه، {أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} بالحالِ التي يكونُ بها عندَ نزولِ ذلك الضُّرِّ به، {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ} يقولُ: فلما فَرَّجْنا عنه الجهدَ الذى أصابَه، {مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} يقولُ: استَمرَّ على طريقتِه الأولى قبلَ أن يُصِيبَه الضُّرُّ، ونَسِيَ ما كان
(1)
هي قراءة السبعة غير ابن عامر. السبعة لابن مجاهد ص 323، 324.
(2)
هي قراءة ابن عامر. السبعة لابن مجاهد ص 323.
فيه مِن الجَهدِ والبلاء أو تَناسَاه، وترَك الشكرَ لربِّه الذى فَرَّجَ عنه ما كان قد نزَل به مِن البلاءِ حينَ اسْتعاذَ به، وعادَ للشِّرك به
(1)
ودَعْوى الآلهة والأوثان أربابًا معه. يقولُ تعالى ذكرُه: {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . يقولُ: كما زُيِّنَ لهذا الإنسان -الذى وَصَفْنا صفتَه- استمرارُه على كُفْرِه بعدَ كشفِ اللهِ عنه ما كان فيه مِن الضُّرِّ، كذلك زُيِّن للذين أسْرَفوا فى الكذِبِ على اللهِ وعلى أنبيائِه، فَتَجاوَزوا فى القولِ فيهم إلى غيرِ ما أَذِنَ اللهُ لهم به، ما كانوا يَعْملون مِن مَعاصى اللهِ والشركِ به.
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجُ، عن ابن جُرَيجٍ قوله:{دَعَانَا لِجَنْبِهِ} . قال: مُضْطَجِعًا
(2)
.
القولُ في تأويل قوله: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ولقد أهْلَكُنا الأممَ التي كَذَّبَت رسلَ اللهِ مِن قبلكم، أيُّها المشركون بربِّهم، {لَمَّا ظَلَمُوا}. يقولُ: لمَّا أَشْرَكوا وخالفوا أمرَ اللهِ ونَهْيَه. {وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ} مِن عندِ اللهِ {بِالْبَيِّنَاتِ} ، وهى الآياتُ والحُجَجُ التي تُبِينُ عن صِدْقِ مَن جاءَ بها.
(1)
سقط من م.
(2)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 302 إلى المصنف وابن المنذر.
ومعنى الكلام: وجاءتْهم رسلُهم بالآياتِ البينات أنها حقٌّ، {[وَمَا]
(1)
كَانُوا لِيُؤْمِنُوا} يقولُ: فلم تكنْ هذه الأممُ التي أهْلَكْناها ليُؤْمِنوا بِرُسُلِهم، ويُصَدِّقوهم إلى ما دَعَوهم إليه من توحيد الله، وإخلاص العبادةِ له، {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} يقولُ تعالى ذكرُه: كما أهلَكْنا هذه القرونَ من قبلكم، أيُّها المشركون، بظُلمِهم أنفسَهم، وتَكْذيبِهم رُسُلَهم، ورَدِّهم نصيحتَهم، كذلك أفعلُ بكم فأُهْلِكُكم كما أَهْلَكتُهم بتَكْذيبِكم رسولَكم محمدًا صلى الله عليه وسلم، وظُلْمِكم أنفسَكم بشِرْكِكم بربِّكم، إن أنتم لم تُنِيبوا وتَتوبوا إلى اللهِ مِن شِرْكِكم، فإن مِن ثوابِ الكافرِ بي على كفرِه عندى، أن أُهْلِكَه بسَخَطِى فى الدنيا، وأُورِدَه النارَ في الآخرة
(2)
.
القولُ في تأويل قولِه تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ثم جعَلناكم أيُّها الناسُ خلائفَ مِن بعدِ هؤلاء القرونِ الذين أهلَكناهم لمَّا ظلَموا، تَخلُفُونهم الأرضَ، وتكونون فيها بعدَهم؛ {لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}. يقولُ: ليَنظُرَ ربُّكم أين عملُكم مِن عملٍ مَن هَلَكَ مِن قَبْلِكُم مِن الأممِ بذُنوبهم وكفرهم بربِّهم، تَحذُونَ
(3)
مِثالَهم فيه؛ فتَستَحِقُوا مِن العقابِ ما استَحَقُوا، أم تُخالِفون سبيلَهم فتُؤمنون بالله ورسوله، وتُقِرُّون بالبعثِ بعد الممات؛ فتَستَحِقُوا مِن ربِّكم الثواب الجزيل؟
كما حدَّثنا بشرُ بن معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قوله:
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فما".
(2)
بعده فى ت 1: "والله الموفق والهادى".
(3)
في ص: "تحتذون"، وفى ت 1:"لتكونون"، وفي ت 2، س بياض.
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} . ذُكر لنا أن عمرَ بنَ الخطابِ، رضي الله عنه، قال: صدَق ربُّنا، ما جَعَلنا خلفاءَ إلا ليَنظُرَ كيف أعمالُنا، فأَرُوا اللهَ مِن أعمالِكم خيرًا بالليلِ والنهارِ والسرِّ والعلانيةِ
(1)
.
حدَّثني المُثنى، قال: ثنا زيدُ
(2)
بنُ عوفٍ أبو ربيعةَ فَهدٌ
(3)
قال: ثنا حَمَّادٌ، عن ثابتٍ البُنَانيِّ، عن عبد الرحمنِ بنِ أبي ليلى، أن عوفَ بنَ مالكٍ رضي الله عنه قال لأبي بكرٍ رضي الله عنه: رأيتُ فيما يَرَى النائمُ كأن سببًا
(4)
دُلِّيَ مِن السماءِ، فانتُشِطَ
(5)
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثم دُلِّىَ فانتُشِط أبو بكرٍ، ثم ذُرعَ
(6)
الناسُ حولَ المنبر، ففضَل عمرُ، بثلاثِ أذرعٍ إلى المنبرِ. فقال عمرُ: دَعْنا مِن رُؤياك، لا أَرَبَ لنا فيها. فلما استُخلِفَ. عمرُ قال: ياعوفُ، رُؤياكَ، قال: وهل لك في رُؤياي من حاجةٍ؟ أو لم تَنْتَهِرْنى! قال: ويحَك، إنى كَرِهْتُ أَن تَنْعَى الخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسَه. فقَصَّ عليه الرُّؤيا، حتى إذا بلَغ: ذُرِعَ الناسُ إلى المنبر بهذه الثلاث الأذرع. قال: أمَّا إحداهُنَّ؛ فإنه كائنٌ خليفةً، وأما الثانيةُ؛ فإنه لا يخافُ في الله لومة لائمٍ، وأما الثالثةُ؛ فإنه شهيدٌ. قال: فقال: يقولُ الله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} . فقد استُخلفتَ [يا ابنَ أمِّ عمر]
(7)
، فانظُرْ كيف تعمَلُ. وأما قولُه: فإنى لا أخافُ فى اللهِ لَومَة لائمٍ. فما شاءَ اللهُ. وأما قولُه: فإنى
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1934 من طريق سعيد بن بشير عنه به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 302 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
في م: "يزيد". وينظر الجرح والتعديل 3/ 570.
(3)
فى م: "بهذا". وينظر المصدر السابق.
(4)
فى ت 1، س:"شيئا".
(5)
في ت 1، ت 2، س، ف:"فانبسط"، وانتشط: أى جَذب إلى السماء ورفع إليها. النهاية 5/ 57.
(6)
أي قيسوا بالذراع. ينظر التاج (ذ ر ع).
(7)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
شَهِيدٌ. فأَنَّى لعمرَ الشهادةُ والمسلمون مُطِيفون به. ثم قال: إِنَّ اللهَ على ما يشاءُ قديرٌ
(1)
.
يقولُ تعالى ذكرُه: وإذا قُرِئ على هؤلاءِ المشركين آياتُ كتابِ اللهِ الذى أَنزَلناه إليك يا محمدُ، {بَيِّنَاتٍ} واضحاتٍ، على الحقِّ دالاتِ، {قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا}. يقولُ: قال الذين لا يخافون عقابَنا، ولا يُوقنون بالمعادِ إلينا، ولا يُصَدِّقون بالبعثِ، لك:{ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} . يقولُ: أو غَيِّره. {قُلْ} لهم يا محمدُ: {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} ، أي: مِن عندى.
والتبديلُ الذى سَألوه -فيما ذُكِرَ- أن يُحوِّلَ آيةَ الوعيدِ آيةَ وَعدٍ، وآيةَ الوعدِ وعيدًا، والحرامَ حلالًا، والحلالَ حرامًا. فأمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يُخبرَهم أن ذلك ليس إليه، وأن ذلك إلى مَن لا يُرَدُّ حُكمُه، ولا يُتَعقَّبُ قَضاؤُه، وإنما هو رسولٌ مُبَلِّغٌ، ومأمورٌ مُتَّبعٌ.
وقولُه: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} . يقولُ: قلْ لهم: ما أَتَّبِعُ فى كلِّ ما آمُرُكُم به، أيُّها القومُ، وأنْهاكم عنه، إلا ما يُنَزِّلُه إلىِّ ربِّي، ويَأْمُرُنى به. {إِنِّي أَخَافُ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1934 من طريق حماد به، مختصرا، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 189 عن المصنف.
إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}. يقولُ: إنى أخشَى مِن اللهِ إِن خالفتُ أمره، وغَيَّرتُ أحكامَ كتابِه، وبدَّلتُ وَحيَه، فعَصَيتُه بذلك {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} هَولَه، وذلك يَومَ تذهلُ كلُّ مرضعةٍ عما أرضَعت، وتضعُ كلُّ ذاتِ حملٍ حملَها وترَى الناسَ سُكارى وما هم بسُكاري.
القولُ في تأويل قولِه تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه، مُعَرَّفَه الحُجَّةَ على هؤلاء المشركين، الذين قالوا له:{ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} . قل لهم يا محمدُ: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ} . أى: ما تلَوتُ هذا القرآنَ عليكم، أيُّها الناسُ، بأن كان لا يُنزِلُه عليَّ، فيَأْمُرَنى بتِلاوتِه عليكم، {وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ}. يقولُ: ولا أَعلَمَكم به. {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} . يقولُ: فقد مَكَثتُ فيكم أربعين سنةً من قبل أن أتلُوَه عليكم، ومن قبل أن يُوحِيَه إلىَّ ربِّي. {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أنى لو كنتُ مُنتَحِلًا ما ليس لى مِن القول، كنتُ قد انتَحَلتُه في أيام شَبابى وحَدَاثتى، وقبلَ الوقتِ الذى تَلَوتُه عليكم؟ فقد كان لي اليومَ، لو لم يُوحَ إلىَّ وأومَرْ بتلاوتِه عليكم، مَنْدوحةٌ عن مُعاداتِكم، ومُتَّسَعٌ في الحالِ التي كنتُ بها
(1)
منكم، قبل أن يُوحَى إلىَّ وأُومَرَ بتلاوتِه عليكم. وبنحوِ الذى قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاويةُ، عن علىٍّ، عن ابن عباسٍ،
(1)
فى ت 1، ت 2، س، ف:"لها".
قولَه: {وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} . ولا أَعلَمَكم
(1)
.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} . يقولُ: لو شاء الله لم يُعلِمْكموه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} . يقولُ: ما حَذَّرتُكم به
(2)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قوله:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} . وهو قولُ مُشركي أهل مكةَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم. ثم قال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَآ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} : لَبِثَ أربعين سنةً
(3)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وَهبٍ، قال: قال ابنُ زِيدٍ في قوله: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ولا أعلَمَكم به.
حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَورٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1934 من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 302 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 302 إلى المصنف وأبى الشيخ.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1934، 1935 من طريق سعيد به. وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 302 إلى ابن المنذر وأبى شيخ.
الحسن، أنه كان يقرأُ: (ولا أدْرَأَتُكُم
(1)
به) يقولُ: ما أعلمتُكم به
(2)
.
حُدِّثتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سَمِعتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: أخبَرنا عُبيدٌ، قال: سَمِعتُ الضّحَاكَ يقولُ فى قولِه: {وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} . يقولُ: ولا أشعَرَكم الله به.
وهذه القراءةُ التي حُكِيَت عن الحسنِ عندَ أهلِ العربية غَلَطٌ، وكان الفراءُ يقولُ في ذلك
(3)
: قد ذُكِرَ عن الحسنِ أنه قال: (ولا أدْرَأْتُكم به). قال: فإن يكنْ فيها
(4)
لغةٌ سوى دَرَيتُ وأدْرَيتُ، فلعلَّ الحسنَ ذهَب إليها. وأما أن يَصلُحَ مِن دَرَيتُ أو أدريتُ، فلا؛ لأن الياء والواوَ إذا انفتَح ما قبلَهما وسكَنتا، صحَّتا ولم تَنْقَلِبا إلى "ألفٍ"، مثلَ: قَضَيتُ ودَعَوتُ. ولعلَّ الحسنَ ذَهَبَ إلى طبيعتهِ وفصاحتِه فهمَزَها؛ لأنها تضارِعُ: دَرَأْتُ الحدَّ وشِبهَه. وربما غَلِطَت العربُ في الحرفِ إذا ضارَعَه آخرُ من الهمزِ، فيَهمِزون غيرَ المهموزِ، وسمِعتُ امرأةً مِن طيِّئ تقولُ: رَثَأْتُ زوجي بأبياتٍ. ويقولون: لبَّأْتُ بالحجِّ، وحَلَّأْتُ السَّوِيقَ. يَتَغَلَّطون
(5)
؛ لأن حَلأتُ قد يقالُ فى دفع العِطاشِ من الإبل. ولبَّأتُ ذَهَب
(6)
به إلى اللِّبأ
(7)
؛ لبَأ الشاةِ. ورَثَأْت زوجى. ذهَب (6) به إلى: رَثَأتُ اللبنَ. إذا أنت حلَبت الحليبَ على الرائبِ، فتلك الرَّثيئةُ.
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أدراكم".
(2)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 302 إلى المصنف وابن المنذر وأبي عبيد، وينظر قراءة الحسن في مختصر شواذ القراءات ص 61 ومعانى القرآن للفراء 1/ 459، واتحاف فضلاء البشر ص 149.
(3)
ينظر معانى القرآن 1/ 459.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"منها".
(5)
في معاني القرآن: "فيغلطون".
(6)
فى م: "ذهبت".
(7)
اللبأ: أول ما يحلب عند الولادة. النهاية 4/ 221.
وكان بعضُ البصريِّين يقولُ: لا وجهَ لقراءةِ الحسنِ هذه؛ لأنها من: أدريتُ. مثلَ: أعطيتُ. إلا أن لغةً لبنى
(1)
عقيلٍ: أعطاتُ
(2)
. يريدون: أعطيتُ. تُحوِّلُ الياءَ ألفًا، قال الشاعرُ
(3)
:
[لقد آذَنَتْ]
(4)
أهلَ اليمامةِ طيِّئٌ
…
بحربٍ كَنَاصاةِ الأغرِّ المُشَهَّرِ
(5)
يريدُ: كناصيةٍ. حُكِى ذلك عن المفُضَّلِ. وقال زيدُ الخيل
(6)
:
لعَمْرُكَ ما أَخشَى التَّصَعلُكَ ما بَقَا
…
على الأرضِ قَيْسِىٌّ يَسُوقُ الأَباعِرًا
فقال: بقا. وقال الشاعرُ
(7)
:
[لزَجَرتُ قلبًا]
(8)
لا يَريعُ
(9)
لزاجرٍ
…
إِنَّ الغَوِىَّ إِذا نُها
(10)
لم يُعتِبِ
يريدُ: نُهى. قال: وهذا كلُّه على قراءةِ الحسنِ، وهي مرغوبٌ عنها. قال: وطَيِّئٌ تُصَيِّرُ كلَّ ياءٍ انكَسَر ما قبلَها ألفًا، يقولون: هذه جاراةٌ. وفي التَّرقُوَة: تَرقاةٌ. والعرقوَةِ: عَرقاةٌ. قال: وقال بعضُ طيئ: قد لَقَت فَزارةُ. حَذَفَ اليَاءَ مِن
(1)
فى م: "بنى".
(2)
في ص، م:"أعطأت"، وفى ت 1، ت 2، س، ف:"أعطت". والمثبت هو الصواب.
(3)
هو حُرَيث بن عَنَّاب الطائى، والبيت فى نوادر أبي زيد ص 124، والمعانى الكبير لابن قتيبة 2/ 1048، واللسان (ن ص ى)، وفى هذه المصادر بعض الاختلاف عن ما هنا.
(4)
في ص: "ألا آذنت"، وفى ت 1، ت 2، س، ف:"ألا أديت".
(5)
في ص، ت 2، س، ف:"المشقر".
(6)
البيت في نوادر أبي زيد ص 68.
(7)
هو لبيد بن ربيعة، والبيت في ديوانه ص 156.
(8)
فى م: "زجرت فقلنا"، وفى ت 1:"زجرت قلنا"، وفى ت 2، س:"لزجرت قلنا"، وفى ف:"أرحت قلنا".
(9)
غير منقوطة فى ص، ف، وفى م:"نريع"، والرَّيع: العود والرجوع. التاج (ر ى ع).
(10)
في الديوان: "نُهى" على غير لغة طيّ.
"لَقِيَتْ" لما لم يُمكنه أن يُحوّلها ألفًا؛ لسكون التاءِ، فيَلْتَقِى ساكنان. وقال: زعَم يونسُ أن [نَسَا ورَضَا]
(1)
، لغةٌ معروفةٌ، قال الشاعرُ:
وأُنبئْتُ
(2)
بالأَعراضِ ذا البَطنِ خالدًا
…
نَسَا أو تَناسَى أَن يَعُدَّ المَوَالِيَا
وروى عن ابنِ عباسٍ في قراءةِ ذلك أيضًا روايةٌ أخرى:
وهى ما حدَّثنا به المثنى، قال: ثنا المعلَّى بنُ أسدٍ، قال: ثنا خالدٌ عن
(3)
حنظلةَ، عن شهرِ بن حوشبٍ، عن ابنِ عباسٍ، أنه كان يقرأُ:(قلْ لو شاء اللهُ ما تَلَوْتُه عليكم ولا أنْذَرتُكم به)
(4)
.
والقراءة التى لا [أستجيرُ أن تَعْدوَها]
(5)
هى القراءةُ التي عليها قَرَأَةُ الأمصار: {قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ} . بمعنى: ولا أَعلَمَكم به، ولا أشعَرَكم به.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)} .
يقول تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: قلْ لهؤلاء المشركين، الذين نَسَبُوك فيما جئتَهم به مِن عندِ ربِّك إلى الكذبِ: أَيُّ خَلْقٍ [أَشدُّ تَعدِّيًا]
(6)
، وأَوْضَعُ لقيلِه في غيرِ
(1)
في ص: "نُهى ورُضى"، وفى ت 1، ت 2، س، ف "نها ورضا".
(2)
في م: "أبنيت"، وفى ت 1:"اسب"، وفي ف:"أتيت".
(3)
في النسخ: "بن". والمثبت من مصدرى التخريج، وينظر الجرح والتعديل 3/ 240.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1056 - تفسير) من طريق خالد به. وينظر قراءة ابن عباس في مختصر شواذ القراءات ص 61.
(5)
في ص: "نستجيز أن تعدوها"، وفي ت 2، ف:"نستجيز أن يعدوها"، وفى س:"يستجيز أن نعدوها".
(6)
في ص، ت 1، س:"أشد بعدنا"، وفى م:"أشر بعدنا".
موضعه، ممن اختَلَقَ على الله كذبًا، وافترى عليه باطلًا {أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ} يعني: بحُجَجِه ورسلِه وآياتِ كتابِه. يقولُ له جلّ ثناؤه: قل لهم: ليس الذى أضَفتُمونى إليه بأعجبَ من كَذِبِكم
(1)
على ربِّكم وافتِرائِكم عليه، وتَكذيِبكم بآياتِه، {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ}. يقولُ: إنه لا يَنجَحُ الذين اجتَرَموا
(2)
الكفرَ في الدنيا يومَ القيامِة، إذا لَقُوا ربَّهم، ولا يَنالون الفلاحَ.
القولُ في تأويل قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)} .
يقول تعالى ذكرُه: ويعبد هؤلاء المشركون، الذين وصفتُ لك يا محمدُ صفتَهم، من دونِ اللهِ، الذى لا يضرُّهم شيئًا، ولا ينفعُهم في الدنيا ولا في الآخرةِ، وذلك هو الآلهةُ والأصنامُ التى كانوا يَعْبُدونها، [{وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}. يعنى: أنهم كانوا يَعْبُدونها]
(3)
رجاءَ شفاعتها عندَ اللَّهِ. قال اللهُ لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: قُلْ لَهُم: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} . يقولُ: أَتُخْبِرون الله بما لا يكون في السماواتِ ولا في الأرض. وذلك أن الآلهةَ لا تشفعُ لهم عندَ اللهِ في السماواتِ ولا في الأرضِ، وكان المشركون يَزْعُمون أنها تشفعُ لهم عند الله. فقال الله لنبيِّه صلى الله عليه وآله وسلم: قل لهم: أتُخبرون اللهَ أن ما لا يشفعُ في السماواتِ ولا في الأرض يشفعُ لكم فيهما
(4)
، وذلك باطلٌ لا
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"تكذيبكم".
(2)
في ت 2: "اجرموا"، وفى ف:"احترحوا".
(3)
سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فيها".
تُعْلَمُ حقيقتُه وصحتُه، بل يعلمُ اللَّهُ أن ذلك خلافُ ما تقولون
(1)
، وأنها لا تشفعُ لأحدٍ، ولا تنفع ولا تضر، {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. يقولُ: تَنْزِيهًا لِلَّهِ وعُلُوًّا عما يفعله هؤلاء المشركون من إشراكهم في عبادته
(2)
ما لا يضرُّ ولا ينفعُ، وافترائِهم عليه الكذبَ.
القول في تأويل قوله: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وما كان الناسُ إلا أهلَ دينٍ واحدٍ وملةٍ واحدةٍ، {فاختلفوا} في دينِهم، فافْتَرَقَت بهم السُّبُلُ في ذلك، {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ}. يقولُ: ولولا أنه سبَق مِن اللَّه، أنه لا يُهْلِكُ قومًا إلا بعدَ انقضاء آجالِهم، {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} ، يقولُ: لقُضِيَ بينَهم بأن يُهْلِكَ أهل الباطلِ منهم، ويُنجِّىَ أهلَ الحقِّ.
وقد بَيَّنَّا اختلاف المختلفين في معنى ذلك في "سورةِ البقرة"، وذلك في قولِه:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ} [البقرة: 213] وبينا الصوابَ من القولِ فيه بشواهدِه، فأغْنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} حِينَ قتَل أحدُ ابنَى
(4)
آدم أخاه
(5)
.
(1)
في ص، ف:"يقولون".
(2)
في م: "عبادة".
(3)
تقدم في 3/ 620 - 627.
(4)
في ت 1، ت 2، س:"بني".
(5)
تفسير مجاهد ص 380، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1937.
حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاءَ، عن ابن أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ نحوَه.
القولُ في تأويلِ قولِه: {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ويقول هؤلاء المشركون: هَلَّا أُنزِل على محمدٍ {آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} . يقولُ: عَلَمٌ ودليلٌ نعلمُ به أن محمدًا مُحِقٌّ فيما يقولُ؟ قال اللهُ له: {فَقُلْ} يا محمدُ: {إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ} . أي: لا يُعْلَمُ أَحدٌ
(1)
يفعلُ
(2)
ذلك إلا جلَّ ثناؤه؛ لأنَّه لا يعلم الغيبَ -وهو السِّرُ والخَفَيُّ مِن الأمورِ- إلا اللهُ، {فَانتَظِرُوا} أيُّها القومُ قضاءَ الله بيننا، بتَعْجِيلِ عقوبته للمُبْطِلِ مِنَّا، وإظهارِه المحقَّ عليه، إنى معكم ممن ينتظرُ ذلك. ففعل ذلك، جلّ ثناؤه، فقضَى بينَهم وبينَه، بأن قتَلهم يومَ بدرٍ بالسيفِ.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وإذا رَزَقْنا المشركين باللَّهِ فَرَجًا بعد كَرْبٍ، ورخاءً
(3)
بعدَ
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أحدكم".
(2)
في م: "بفعل".
(3)
في ت 2، ف:"رجاء".
شدَّة أصابتهم. وقيل: عنّى به القَطْرَ
(1)
بعد القَحْطِ. والضَّرَّاءُ هى الشدة، والرحمةُ هي الفَرَجُ. يقولُ:{إِذَا لَهُم مَّكْرُ فِي آيَاتِنَا} . اسْتهزاءٌ وتكذيبٌ.
كما حدَّثنا المُثنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{إِذَا لَهُم مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} . قال: اسْتِهزاءٌ وتكذيبٌ
(2)
.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
وقولُه: {قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} . يقولُ تعالى ذكرُه: قلْ لهؤلاء المشركين المُسْتَهْزِئين مِن حُجَجنا وأدلَّتِنا، يا محمد:{اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} . أي: أسرعُ مِحَالًا
(3)
بكم، واسْتِدْراجًا لكم وعقوبةً، منكم، من المَكْرِ في آياتِ اللهِ. والعربُ تَكْتَفى بـ"إذا" مِن "فعلتُ" و"فَعَلوا"، فلذلك حُذف الفعلُ معها.
وإنما معنى الكلام: وإذا أذَقنا الناس رحمةً من بعدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهم، مكَروا في آياتنا، فاكتفى من "مكَروا"، به إذا لهم مَكرٌ".
{إنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} . يقولُ: إِنَّ حَفَظَتَنا الذين نُرْسِلُهم إليكم، أيُّها الناسُ، يَكْتُبون عليكم ما تمكُرون في آياتِنا.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {هُوَ الَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ
(1)
في م: "المطر".
(2)
تفسير مجاهد ص 380، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1938، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 303 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
(3)
المحال: الكيد وروم الأمر بالحيل. اللسان (م ح ل).
فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: الله الذى يُسَيرُكم، أيُّها النَّاسُ، في البر على الظَّهْرِ، وفى البحر في الفلكِ، {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ} ، وهى السُّفنُ، {وَجَرَيْنَ بِهِم}. يعنى: وجَرَتِ الفلك بالناسِ، {بِريحٍ طيبة} في البحر {وَفَرِحُوا بِهَا}. يعنى: وفَرِحَ رُكْبانُ الفلكِ بالريح الطيبة التي يسيرون بها. والهاءُ في قولِه: {بِهَا} عائدةٌ على الريحِ الطيبةِ، {جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ}. يقولُ: جاءت الفلكَ ريحٌ عاصفٌ، وهي الشديدةُ.
والعربُ تقولُ: ريحٌ عاصفٌ وعاصفةٌ، وقد أعْصَفَتِ الريحُ وعصفت. و"أعْصَفَت" في بني أسدٍ فيما ذُكِر؛ قال بعضُ بني دُبَيْرِ
(1)
.
حَتَّى إِذا أَعْصَفَتْ رِيحٌ مُزَعْزِعَةٌ
…
فيها قطارٌ
(2)
ورَعْدٌ صَوْتُه زَجِل
(3)
{وَجَاءَ هُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ} . يقول تعالى ذكرُه: وجاءَ ركبانَ السفينةِ الموجُ من كل مكانٍ، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِم}. يقولُ: وظَنُّوا أن الهلاكَ قد أحاطَ بهم وأحْدَقَ، {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}. يقولُ: أَخْلَصُوا الدعاءَ للَّهِ هنالك، دون أوثانهم وآلهتِهم، وكان مَفْزَعُهم حينئذٍ إلى اللَّهِ دونَها.
كما حدَّثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ في قوله:{دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} . قال: إذا مَسَّهم الضُّرُّ في البحرِ
(1)
البيت في معانى القرآن 1/ 460 غير منسوب إلى قائل.
(2)
جمع قَطر وهو: المطر. التاج (ق ط ر).
(3)
الزَّجَل: رفع الصوت، وخُص به التطريب. اللسان (ز ج ل).
أخْلَصوا له الدعاءَ
(1)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا الثوريُّ، عن الأعْمشِ، عن عمرِو بنِ مُرَّةَ، عن أبي عُبيدة في قولِه:{مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} : هيا شراهيا. تفسيرُه: يا حَيُّ يا قيومُ
(2)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قوله: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَتهُمْ} إلى آخرِ الآيةِ. قال: هؤلاء المشركون يَدْعُون مع اللَّهِ ما يَدْعُون، فإذا كان الضُّرُّ لم يَدْعُوا إلا اللهَ، فإذا نجَّاهم إذا هم يُشْرِكون، {لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ} الشدةِ التي نحن فيها {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} لك على نِعَمِك، وتَخْلِيصِك إيَّانا مما نحن فيه بإخلاصِنا العبادةَ لك، وإفرادِ الطاعةِ دونَ الآلهةِ والأنْدادِ.
واخْتَلَفَت القرَأَةُ في قراءة قوله: {هُوَ الَّذِى يُسَيِّرُكُم} ؛ فَقَرَأَته عامةُ قرأةِ الحجاز والعراق {هُوَ الَّذِى يُسَيِّرُكُم} من السَّيْرِ بالسينِ
(3)
.
وقَرَأَ ذلك أبو جعفرٍ القارئُ (هوَ الَّذِى يَنْشُرُكُمْ) من النَّشْرِ
(4)
، وذلك البسطُ مِنِ قولِ القائلِ: نَشَرْت الثوبَ. وذلك بَسْطُه ونَشْرُه مِن طَيِّهِ. فَوَجَّهَ أبو جعفرٍ معنى ذلك إلى أن اللهَ يبعثُ عبادَه، فيَبْسُطُهم بَرًّا وبحرًا، وهو قريبُ المعنى مِن التَّسْييرِ.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1939 من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 293 عن معمر به.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 293، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1939 عن الحسن بن يحيى عنه به.
(3)
هي قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي. ينظر السبعة 325، والكشف عن وجوه القراءات 1/ 516، والتيسير ص 99.
(4)
وهى قراءة ابن عامر أيضا. ينظر المصادر السابقة، والنشر 2/ 212.
وقال: {وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} . وقال في موضعٍ آخرَ: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس: 41] فَوَحَّدَ. والفُلكُ اسمٌ للواحدةِ والجماعِ، ويُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ.
قال: {وَجَرَيْنَ بِهِم} وقد قال: {هُوَ الَّذِى يُسَيِّرُكُمْ} فخاطَب، ثم عاد إلى الخبرِ عن الغائبِ. وقد بَيَّنْتُ ذلك في غير موضعٍ من الكتابِ، بما أغنى عن إعادتِه في هذا الموضعِ
(1)
.
وجوابُ قوله: {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الفُلْكِ} {جَاءَتَهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} . وأما جوابُ قوله: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} فَـ {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: فلمَّا أَنْجَى اللَّهُ هؤلاء الذين ظنُّوا في البحر أنهم أُحيط بهم، مِن الجهدِ الذي كانوا فيه، أخْلَفوا اللَّهَ ما وَعَدوه، وبَغَوا في الأرضِ، فَتَجاوَرُوا فيها إلى غير ما أَذِنَ اللهُ لهم فيها
(2)
مِن الكفرِ به، والعملِ بمعاصِيه على ظَهْرِها. يقولُ الله: يا أَيُّها الناسُ، إنما اعْتِداؤُكم الذي تَعْتَدونه على أنفسِكم، وإياها تَظْلِمون، وهذا الذى أنتم فيه متاعُ الحياةِ الدنيا. يقولُ: ذلك بلاغٌ تُبلَغون به في عاجلِ دُنْياكم.
وعلى هذا التأويلِ "البَغْىُ" يكون مرفوعًا بالعائد من ذكرِه في قولِه: {عَلَى أَنفُسِكُمْ} ، ويكونُ قولُه:(مَتَاعُ الحَياةِ الدُّنْيا). مرفوعًا على معنى: ذلك متاعُ
(1)
ينظر ما تقدم في 1/ 155.
(2)
في م: "فيه".
الحياةِ الدنيا، كما قال:{لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَهَارٍ بَلَاغٌ} [الأحقاف: 35]. بمعنى هذا بلاغٌ.
وقد يحتملُ أن يكونَ معنى ذلك: إنما بَغْيُكم في الحياة الدنيا على أنفسِكم؛ لأنكم بكفرِكم تُكْسِبونها غضبَ اللَّهِ، متاعُ الحياةِ الدنيا، كأنه قال: إنما بَغْيُكم متاعُ الحياةِ الدنيا. فيكونُ "البَغْى" مرفوعًا بالمتاعِ، و"على أنفسِكم" مِن صلةِ "البَغْيِ"
(1)
.
وبرفعِ "المتاعِ"، قرأت القرَأةُ سوى عبدِ اللَّهِ بنِ أَبي إسحاقَ، فإِنه نَصَبَه بمعنى: إنما بَغْيُكم على أنفسِكم متاعًا في الحياةِ الدنيا، فجعل البَغْى مرفوعًا بقوله:{عَلَى أَنفُسِكُم} والمتاعَ منصوبًا على الحالِ
(2)
.
وقوله: {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ} . يقولُ: ثم إلينا بعدَ ذلك مَعادُكم ومصيرُكم، وذلك بعدَ المماتِ. {فَنَنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. يقولُ: فنخبِرُكم يومَ القيامِة بما كنتُم تَعْمَلون في الدنيا مِن معاصى اللهِ، ونُجازيكم على أعمالِكم التي سلَفت منكم في الدنيا.
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"البلاغ".
(2)
قراءة الرفع هى قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي، وأما قراءة النصب فهى قراءة عاصم في رواية حفص. ينظر السبعة 325، والتيسير ص 99، وينظر البحر المحيط 5/ 140.
يقولُ تعالى ذكرُه: إنما مثلُ ما تُباهون في الدنيا، وتَفاخَرون به من زينتِها وأموالِها، مع ما قد وُكِّل بذلك مِن التَّكدير والتنغيصِ وزوالِه بالفناءِ والموتِ، كمثلِ {مَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ}. يقولُ: كمطرٍ أرسَلناه من السماءِ إلى الأرضِ، {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ}. يقولُ: فتبت بذلك المطرِ أنواعٌ مِن النباتِ، مختلِطٌ بعضُها ببعضٍ.
كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيحِ، عن عطاءٍ الخراسانيِّ، عن ابنِ عباسٍ قوله:{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ} . قال: اخْتَلَطَ، فنبت بالماء كلُّ لونٍ مما يأكُلُ الناسُ، كالحِنطة والشعيرِ وسائرِ حبوب الأرضِ والبقولِ والثمارِ، وما يأكُلُه الأنعامُ والبهائمُ مِن الحشيشِ والمَراعي
(1)
.
وقولُه: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا} . [يعنى: ظهر حسنُها وبهاؤُها]
(2)
، {وَازَّيَّنَتْ}. يقولُ: وتَزَيَّنَت. {وَظَنَ أَهْلُهَا} . يعنى: أهلُ الأرضِ، {أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا}. يعنى: على ما أنبَتَت. وخرَج الخبرُ عن الأرضِ، والمعنى للنباتِ، إذ كان مفهومًا بالخطابِ ما عُنى به. وقولُه:{أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا} . يقولُ: جاء الأرضَ أمرُنا. يعنى: قضاؤُنا بهلاكِ ما عليها مِن النباتِ؛ إما ليلًا وإما نهارًا، {فَجَعَلْنَاهَا}. يقولُ: فَجَعَلْنا ما عليها {حَصِيدًا} . يعنى: مقطوعة مقلوعةً من أصولها، وإنما هي محصودةٌ صُرِفَت إلى حصيدٍ، {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ}. يقولُ: كأن لم تكن تلك الزروعُ والنباتُ على ظهرِ الأرضِ
(1)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 304 إلى المصنف وابن المنذر.
(2)
سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.
نابتةً
(1)
قائمةً على الأرضِ قبل ذلك بالأمسِ، وأصلُه من: غَنِيَ فلانٌ بمكان كذا، يَغْنَى به، إِذا أَقامَ به، كما قال النابغةُ الذبيانيُّ
(2)
:
غَنِيتُ بذلك إذْ هُمُ لكَ
(3)
جِيرَةٌ
…
منها بعَطْفِ رسالةٍ وَتَوَدُّدِ
يقولُ: فكذلك يأتى الفَناء على ما تَتَباهَون
(4)
به مِن دُنْياكم وزخارفها، فيُفْنِيها و
(5)
يُهْلِكُها، كما أهْلَكَ أمرُنا وقضاؤنا نبات هذه الأرض بعد حُسنها وبهجتها، حتى صارت
(6)
{كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} كأن لم تكُن قبل ذلك نباتًا على ظهرِها.
يقولُ الله جلّ ثناؤه: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} . يقولُ: كما بَيَّنَّا لكم، أيُّها الناسُ، مثلَ الدنيا، وعَرَّفْناكم حكمَها وأمرَها، كذلك نُبَيِّنُ حُجَجَنا وأدلتنا لمن تَفَكَّر واعْتَبَر ونظَر. وخَصَّ به أهلَ الفكرِ؛ لأنهم أهلُ التمييزِ بينَ الأمورِ، والفَحْصِ عن حقائقِ ما يَعْرِضُ مِن الشُّبَهِ في الصدورِ.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بِشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قوله:{حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا} . الآية: إى واللهِ لئن تَشَبَّتَ بالدنيا وحَدِبَ
(7)
عليها لتُوشِكَنَّ
(1)
في ت 1، ت 2، س، ف:"ثابتة".
(2)
البيت في ديوانه ص 31.
(3)
في م: "لي". وسيأتي أيضا في ص 560.
(4)
في ت 2، س، ف:"يتناهون".
(5)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أو".
(6)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"صار".
(7)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"حدث" وحدِب عليه يحدَب إذا عطف عليه. ينظر اللسان (ح د ب). والمراد أنه انكب عليها.
الدنيا أن تَلْفِظَه وتُقْضَى منه
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{وَازَّيَّنَتْ} . قال: أنبتت وحَسُنَت
(2)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا ابنُ عُيَينةَ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبى بكرِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ بنِ هشامٍ، قال: سمِعتُ مروانَ يقرأُ على المنبرِ هذه الآيةَ: (حتى إذَا أخَذَتِ الأَرْضُ زِخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها وما كان اللَّهُ لِيُهْلِكَها إلا بذنوب أهلها). قال: قد قرأتُها، وليست في المصحفِ. فقال عباسُ بنُ عبدِ اللَّهِ بن العباسِ: هكذا يَقْرَؤُها ابنُ عباسٍ. فأرسَلوا إلى ابنِ عباسٍ فقال: هكذا أَقْرَأنى أَبَيُّ بنُ كعبٍ
(3)
.
حدَّثنا محمد بن عبدِ الأَعْلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} . يقولُ: كأن لم تَعِشْ، كأن لم تَنْعَمْ
(4)
.
حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن إسماعيلَ، قال: سمِعتُ أبا سَلَمَةَ بن عبد الرحمنِ يقولُ: في قراءةِ أُبَيٍّ: (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ وما أهْلَكْناها إلا بذنوبِ أهلِها كذلكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
(5)
.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1941 من طريق سعيد به.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1941 من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 293 عن معمر به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(3)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 197 عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 304 إلى المصنف.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1942 من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 293 عن معمر به.
(5)
هي قراءة شاذة، والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 304 إلى المصنف وابن المنذر.
واخْتَلَفَت القرَأةُ في قراءةِ قوله: {وَازَّيَّنَتْ} . فقرَأ ذلك عامةُ قرَأةِ الحجازِ والعراقِ {وَازَّيَّنَتْ} بمعنى: وتَزَيَّنَت، ولكنهم أَدْغَمُوا "التاء" في "الزايِ"؛ لتقاربِ مَخْرجَيهما، وأدْخلوا "ألفًا" ليُوْصَلَ إلى قراءتِه، إذ كانت "التاءُ" قد سكَنت، والساكنُ لا يُبتَدأُ به.
وحُكِى عن أبي العاليةِ، وأبى رجاءٍ، والأغرجِ، وجماعةٍ أُخَرَغيرهم، أنهم قَرَءُوا ذلك:(وأزْيَنَتْ) على مثالِ أفْعَلَت
(1)
.
والصواب من القراءة في ذلك: {وَازَّيَّنَتْ} ؛ لإجماع الحُجَّةِ مِن القرأة عليها.
القولُ في تأويل قوله: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لعبادِه: أيُّها الناسُ، لا تَطْلُبوا الدنيا وزينتَها، فإن مصيرَها إلى فَناء وزَوالٍ، كما مصيرُ النباتِ الذى ضرَبه اللهُ لها مثلًا إلى هلاكٍ وبَوَارٍ، ولكن اطلُبوا الآخرة الباقيةَ، ولها فاعْمَلُوا، وما عندَ اللهِ فالتَمِسوا بطاعتِه، فإن اللهَ يَدْعُوكم إلى دارِه، وهى جَنَّاتُه التى أعَدَّها لأوليائه، تَسْلَموا من الهموم والأحزان فيها، وتأمَنوا من فناءِ ما فيها مِن النعيمِ والكرامةِ التى أعَدَّها لَمَن دَخَلَها، وهو يَهْدِى مَن يشاءُ من خلقِه، فيُوَفِّقه لإصابةِ الطريقِ المستقيمِ، وهو الإسلامُ الذى جعَله، جلّ ثناؤُه، سببًا للوصول إلى رضاه، وطريقًا لَمَن رَكِبَه وسلَك فيه إلى جِنانِه
(2)
وكرامتِه.
كما حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن
(1)
ينظر هذه القراءة في مختصر شواذ القراءات لابن خالويه ص 61، والبحر المحيط 5/ 143، 144، والمحتسب 1/ 311.
(2)
في ت 1: "جناته"، وفى ت 2، ف:"جنابه".
قتادةَ، قال: اللَّهُ السلامُ، ودارُه الجنةُ
(1)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أَخبَرنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ قوله:{وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلَامِ} . قال: اللهُ هو السلامُ، ودارُه الجنةُ
(2)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن أيوبَ، عن أبي قِلابةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "قيل لي
(3)
: لِتَنَمْ عينُك، ولْيَعْقِلْ قلبك، ولْتَسْمَعْ أُذُنك. فَنَامَتْ عَيْنى، وعقَل قلبي، وسَمِعَت أُذُنى، ثم قيل: سَيِّدٌ بنى دارًا، ثم صنَع مأدُبةً، ثم أرسَلَ داعيًا، فمَن أَجابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدارَ، وأكَلَ مِن المَأدبة
(4)
، ورَضِيَ عنه السيدُ، ومَن لم يُجبِ الداعِيَ لم يَدْخُل الدارَ، ولم يأكُلْ مِن المأدُبةِ
(5)
، ولم يَرْضَ عنه السَّيدُ، فالله السَّيِّدُ، والدارُ الإسلامُ، والمأدُبةُ الجنةُ، والدَّاعِى محمدٌ صلى الله عليه وسلم"
(6)
.
حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قوله:{وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَطٍ مُسْتَقِيمٍ} . ذُكِرَ لنا أن في التوراةِ مكتوبًا: يا باغِيَ الخيرِ هَلُمَّ، ويا باغِيَ الشرِّ انْتَهِ
(7)
.
حدَّثني الحسين بنُ سَلَمةَ بنِ أَبي كَبْشةَ، قال: ثنا عبدُ الملكِ بنُ عمرٍو، قال:
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1943 من طريق محمد بن عبد الأعلى به.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 293.
(3)
في ت 2، س، ف:"في".
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"المائدة".
(5)
في ت 2، ف:"المائدة".
(6)
تفسير عبد الرزاق 1/ 293 عن معمر به. وأخرجه الدارمي 1/ 18، والمروزي في السنة (109)، والطبراني (4597) من طريق عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن عطية عن ربيعة الجرشي عن النبي.
(7)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1943 من طريق سعيد به.
ثنا عَبَّادُ بن راشدٍ، عن قتادةَ، قال: ثنى خُلَيدٌ العَصرِيُّ، عن أبي الدرداءِ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ما مِن يومٍ [طلعت فيه شمسُه]
(1)
إلا وبجَنَبَتَيْها مَلَكانِ يُنادِيانِ، يَسْمَعُه خلقُ اللهِ كلُّهم إلا الثَّقَلَين: يا أيُّها الناسُ هَلُمُّوا إلى ربِّكم، إن ما قَلَّ وكَفَى خيرٌ مما كَثُرَ وأَلْهَى". قال: وأُنْزِلَ ذلك في القرآنِ في قولِه: {وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}
(2)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ليثِ بنِ سعدٍ، عن خالدِ
(3)
بنِ يزيدَ، عن سعيدِ بنِ أبي هلالٍ، عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، قال: خرَج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: "إني رأيتُ في المنامِ كأن جِبريلَ عندَ رأسى، وميكائيلَ عندَ رِجْلَيَّ، يقول أحدهما لصاحبه: اضْرِبْ له مثلًا. فقال: اسمَعْ، سَمِعَتْ أُذُنُكَ، واعْقِل عقَل قلبك؛ إنما مَثَلُك ومَثَلُ أُمَّتِك، كمثل مَلِكِ اتَّخَذَ دارًا، ثم بنَى فيها بيتًا، ثم جعل فيها مأدبةً، ثم بعث رسولًا يَدْعُو الناسَ إلى طعامه، فمنهم مَن أجابَ الرسولَ، ومنهم من ترَكه، فاللَّهُ المَلِكُ، والدارُ الإسلام، والبيتُ الجنةُ، وأنتَ يا محمد الرسولُ، مَن أَجابَك دخل الإسلام، ومَن دخل الإسلامَ دخَل الجنةَ، ومن دخل الجنةَ أَكل منها
(4)
"
(5)
.
القول في تأويل قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} .
(1)
سقط من: ص، ت 2، س، ف.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1942 من طريق الحسين به، والبيهقى في الشعب (3412) من طريق عباد بن راشد به، وأحمد 5/ 197 (الميمنية)، والحاكم 2/ 444 من طريق قتادةَ به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 304 إلى أبي الشيخ وابن مردويه.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"خلاد". وينظر تهذيب الكمال 8/ 209.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"ما فيها".
(5)
أخرجه الحاكم 2/ 338، والبيهقى في الدلائل 1/ 370 من طريق عبد الله بن صالح عن الليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي جعفر محمد بن على بن الحسين عن جابر بن عبد الله، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 304 إلى ابن مردويه.
يقولُ تعالى ذكرُه: للذين أحْسَنوا عبادةَ اللهِ في الدنيا من خلقِه، فأطَاعُوه فيما أمَر ونهَى، الحسنى.
ثم اختلفَ أهل التأويلِ في معنى الحُسْنَى والزيادة اللَّتين وَعَدَهما الله المحسنين من خلقِه؛ فقال بعضُهم: الحسنى هى الجنةُ، جعَلها اللهُ للمحسنين مِن خلقِه جزاءً، والزيادةُ عليها، النظرُ إلى اللهِ تعالى.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن عامر بن سعدٍ، عن أبي بكرٍ الصديقِ رضي الله عنه:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: النظرُ إلى وجهِ ربِّهم
(1)
.
حدَّثنا سفيانُ، قال: ثنا حَميدُ بنُ عبدِ الرحمنِ، عن قَيْسٍ، عن أبي إسحاقَ، عن عامر بن سعدٍ، عن سعيدِ بنِ نمْرانَ
(2)
، عن أبي بكرٍ:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: النظرُ إلى وجهِ اللَّهِ تعالى
(3)
.
حدَّثنا ابنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن عامرِ بنِ سعدٍ:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: النظرُ إلى وجهِ ربِّهم
(4)
.
(1)
أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 120، وابن منده في الرد على الجهمية (84)، وعبد الله بن أحمد في السنة (471)، والآجرى في الشريعة (590، 591)، والبيهقى في الأسماء والصفات (666)، والسنة لابن أبي عاصم (473، 474) من طريق إسرائيل به، وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (470)، والآجرى في الشريعة (589)، والبيهقي في الاعتقاد ص 132 من طريق أبي إسحاق به.
(2)
في ت 1، س:"نمر"، وفى ت 2:"نمير". وينظر تهذيب الكمال 14/ 23.
(3)
أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية ص 52، وابن خزيمة في التوحيد ص 120 من طريق أبي إسحاق به.
(4)
أخرجه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد 3/ 461 (792) من طريق عبد الرحمن به، وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 120 واللالكائي 3/ 461 (793) من طريق سفيان به.
حدَّثنا محمدُ بنُ المثنَّى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ، عن عامرِ بنِ سعدٍ، قال في هذه الآيةِ:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: الزيادةُ النظرُ إلى وجهِ الرحمنِ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن مسلمِ بنِ نُذَيْرٍ
(2)
، عن حذيفةَ:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: النظرُ إلى وَجْهِ ربِّهم
(3)
.
حدَّثني يَحيى بن طلحةَ اليَرْبوعيُّ، قال: ثنا شَرِيكَ، قال: سَمِعتُ أبا إسحاقَ يقولُ في قولِ اللَّهِ: {وَزِيَادَةٌ} . قال: النظر إلى وَجْهِ الرحمنِ
(4)
.
حدَّثني عليُّ بنُ عيسى، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا أبو بكرٍ الهذليُّ، قال: سَمِعتُ أبا تَميمةَ الهُجَيْمِيَّ يُحَدِّثُ عن أبي موسى الأشعريِّ، قال: إذا كان يومُ القيامةِ بعَث اللهُ إلى أهلِ الجنةِ مُنادِيًا يُنادى: هل أنجزكم اللهُ ما وعَدكم؟ فيَنْظُرون إلى ما أعدَّ اللهُ لهم مِن الكرامةِ، فيقولون: نعم. فيقولُ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} النظرُ إِلى وَجْهِ الرحمنِ
(5)
.
(1)
أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (472، 1145) من طريق محمد بن جعفر به.
(2)
في ت 1: "يزيد"، وكلاهما صواب فاسمه مسلم بن نذير، ويقال: مسلم بن يزيد، ويقال: مسلم بن نذير بن يزيد. ينظر تهذيب الكمال 27/ 546.
(3)
أخرجه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد 3/ 458 (783) من طريق ابن مهدي به؛ وابن خزيمة في التوحيد ص 120، والآجرى في الشريعة (591) وعبد الله بن أحمد في السنة (473)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد 3/ 458 (784) من طريق إسرائيل به، وأخرجه ابن أبي شيبة 13/ 381، والدارمي في الرد على الجهمية ص 52 من طريق أبي إسحاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 306 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ والدارقطني والبيهقى.
(4)
أخرجه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد 3/ 462 (794) من طريق شريك به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 306 إلى الدارقطني.
(5)
أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 121، والدارمي في الرد على الجهمية ص 52 من طريق أبي بكر الهذلي به.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سُويدُ بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المباركِ، عن أبى بكرٍ الهُذَليِّ، قال: أخبرنا أبو تميمةَ الهُجَيْمِيُّ، قال: سمعت أبا موسى الأشعرى يَخُطُبُ على منبرِ البصرة يقولُ: إن اللهَ يَبْعَثُ يوم القيامةِ مَلَكًا إلى أهل الجنة، فيقولُ: يا أهلَ الجنةِ، هل أنْجَزَكم الله ما وعدكم؟ فيَنْظُرون
(1)
فيَرَون الحلِيَّ والحُللَ والثمارَ والأنهارَ والأزواج المُطَهَّرةَ، فيقولون: نعم، قد أنجزنا الله ما وعدنا. ثم يقولُ المَلَكُ: هل أنْجَزَكم الله ما وعدكم؟ ثلاثَ مَرَّاتٍ. فلا يَفْقِدون شيئًا مما وُعدوا، فيقولون: نعم. فيقولُ: قد بقى لكم شيءٌ، إن الله يقولُ:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . [أَلَا إن الحُسْنَى الجنةُ، والزيادةَ]
(2)
النظرُ إلى وَجْهِ اللَّهِ
(3)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: أخبرنا شَبِيبٌ، عن أبانٍ، عن أبي تَميمةَ الهجيميِّ، أنه سمع أبا موسى الأشعرى يُحدِّثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ يومَ القيامةِ مُنادِيًا يُنادِى أهل الجنة بصوتٍ يُسْمِعُ أَوَّلَهم و
(4)
آخِرَهم: إِن اللَّهَ وعدكم الحسنى وزيادةً؛ فالحسنى الجنةُ، والزيادةُ النَّظَرُ إلى وَجْهِ الرحمن"
(5)
.
حدَّثنا ابنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمن، قال: ثنا حَمَّادُ بنُ زِيدٍ، عن ثابت البنانيِّ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: النظرُ إِلى وَجْهِ ربِّهم. وقرأ: {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} . قال: بَعْدَ النظرِ إِلى وَجْهِ ربِّهم
(6)
.
(1)
بعده في م: "إلى ما أعد الله لهم من الكرامة".
(2)
سقط من: ص، س.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1945، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد 3/ 457 - 459 (782، 78، 786) من طريق أبي بكر الهذلي به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 305 إلى الدارقطني في الرؤية.
(4)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
أخرجه ابن مردويه في تفسيره -كما في تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي 2/ 125 - من طريق ابن وهب به.
(6)
أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 119، والدارمى في الرد على الجهمية ص 52، وعبد الله بن أحمد =
حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا سويدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبرنا ابنُ المبارك، عن سليمانَ المغيرةِ، قال: أخبرنا ثابتٌ، عن عبد الرحمنِ بنِ أبي ليلى في قولِه:{وَزِيَادَةٌ} . قال: قيل له: أرأيتَ قولَه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: إن أهلَ الجنةِ إذا دخَلوا الجنةَ، فأُعطوا فيها ما أُعْطوا مِن الكرامةِ والنعيمِ. قال: نُودوا: يا أهلَ الجنةِ، إن الله قد وعَدكم الزيادةَ. فيتَجلَّى لهم. قال ابنُ أبي ليلى: فما ظَنُّك بهم. حينَ ثَقُلَت مَوازينهم، وحينَ صارت الصحفُ في أيمانِهم، وحينَ جازوا جسرَ جهنمَ ودخَلوا الجنةَ، وأُعْطُوا فيها ما أُعْطُوا مِن الكرامة والنعيمِ؟ كلُّ ذلك لم يكن شيئًا فيما رأوا
(1)
.
قال: ثنا ابن المبارك، عن مَعْمَرٍ، وسليمان بن المغيرةِ، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: النظرُ إِلى وَجْهِ ربِّهم
(2)
.
قال: ثنا الحجَّاجُ، ومُعَلَّى بن أسد، قالا: ثنا حَمَّادُ بنُ زِيدٍ، عن ثابتٍ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: إذا دخل أهل الجنة الجنةَ، قال لهم: إنه قد بقى من حَقِّكم شيء لم تُعْطَوْه. قال: فيَتَجَلَّى لهم، تبارك وتعالى. قال: فيَصْغُرُ عندَهم كلُّ شيءٍ أَعْطُوه. قال: ثم قال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: الحسنى: الجنةُ، والزيادةُ: النظرُ إلى وَجْهِ ربِّهم، {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} بعدَ ذلك
(3)
.
= في السنة (445) من طريق حماد بن زيد به.
(1)
أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 120 من طريق سليمان بن المغيرة به.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 296، ومن طريقه ابن خزيمة في التوحيد ص 119 عن معمر به.
(3)
أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 119 من طريق حماد بن زيد به.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأَعْلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن ثابتٍ البنانيِّ، عن عبد الرحمنِ بنِ أبي ليلى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ، النظرُ إلى وَجْهِ الله
(1)
.
حدَّثنا ابنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا هَوْذَةُ، قال: ثنا عوفٌ، عن الحسنِ في قولِ اللَّهِ:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . النظرُ إلى الربِّ
(2)
.
حدَّثنا عمرو بن عليٍّ ومحمدُ بنُ بَشَّارٍ، قالا: ثنا عبدُ الرحمنِ بن مَهْدِيٍّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في هذه الآيةِ:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنةَ وأهلُ النارِ النارَ، نُودوا: يا أهلَ الجنةِ، إن لكم عند الله موعِدًا. قالوا: ما هو؟ ألم تُبَيِّض وُجُوهَنا، وتُثَقِّلْ مَوازِينَنا، وتُدْخِلْنا الجنةَ، وتُنَجِّنا مِن النارِ؟ فيُكْشَفُ الحِجابُ فَيَتَجَلَّى لهم، فوالله ما أعطاهم شيئًا أَحَبَّ إليهم مِن النَّظَرِ إليه". ولفظ الحديثِ لعَمرٍو
(3)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا الحَجَّاجُ بنُ المِنْهالِ، قال: ثنا حَمَّادٌ، عن ثابتٍ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صُهَيبٍ، قال: تَلا رسولُ اللهِ هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قالَ: "إذا دخَل أهلُ الجنةِ الجنةَ، وأهلُ النارِ النارَ، نادَى مُنادٍ: يا أهلَ الجنةِ، إن لكم عندَ اللهِ موعدًا يريدُ أن يُنْجِزَكُموه.
(1)
أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 119 من طريق معمر به.
(2)
أخرجه البيهقي في الاعتقاد ص 132 من طريق هوذة به، وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1146)، وابن خزيمة في التوحيد ص 121 من طريق المبارك وعوف عن الحسن به بنحوه.
(3)
أخرجه الترمذي (2552، 3105)، وابن خزيمة في التوحيد ص 118 من طريق ابن بشار به، وأخرجه أحمد 4/ 332 (الميمنية)، ومسلم (181/ 297) من طريق ابن مهدى به، وهو عندهم موصول بذكر ابن مهدى عن حماد سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب، وهو السند الذي سيسوقه المصنف بعد ذلك.
فيقولون: وما هو؟ ألم يُثَقِّلِ اللَّهُ مَوازيننا، ويُبيِّض وجوهَنا؟ ". ثم ذكر سائرَ الحديثِ نحوَ حديثِ عمرِو بنِ علىٍّ، وابنِ بَشَّارٍ، عن عبدِ الرحمنِ
(1)
.
قال: ثنا الحمانيُّ، قال: ثنا شَرِيكٌ، عن أبي إسحاق، عن سعيدِ بنِ نِمْرانَ
(2)
، عن أبي بكر الصديقِ، رضي الله عنه:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: النظرُ إلى وَجْهِ اللهِ تبارك وتعالى
(3)
.
قال: ثنا شَرِيكٌ، عن أبي إسحاقَ، عن عامرِ بنِ سعدٍ مثلَه.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قوله:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . بلَغنا أن المؤمنين لما دخلوا الجنةَ ناداهم مُنادٍ: إِن اللَّهَ وعَدكم الحسنى، وهى الجنةُ، وأما الزيادةُ: فالنظرُ إلى وَجْهِ الرحمن
(4)
.
حدَّثنا محمد بن عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ مثلَه
(4)
.
حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا إبراهيمُ بنُ المختارِ، عن ابن جُرَيج، عن عطاءٍ، عن كعبِ بنِ عُجْرةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قولِه تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: "الزيادة النظرُ إلى وَجْهِ الرحمنِ تبارك وتعالى"
(5)
.
(1)
أخرجه ابن ماجه (187) من طريق الحجاج به، وأخرجه الطيالسي (1411)، وأحمد 4/ 332 (الميمنية)، ومسلم (181/ 298)، والترمذى (3105)، والبيهقي في الاعتقاد ص 128، وفي الأسماء والصفات (665)، وابن منده في الرد على الجهمية (83)، والآجرى في الشريعة (602 - 604). وغيرهم من طرق عن حماد به.
(2)
في ت 1، س:"عمران". وينظر التاريخ الكبير للبخارى 3/ 517.
(3)
أخرجه الدارمى في الرد على الجهمية ص 52 من طريق شريك به.
(4)
أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 121 من طريق سعيد به، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 294، ومن طريقه ابن خزيمة في التوحيد ص 121 عن معمر به.
(5)
أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (484)، واللالكائى في شرح أصول الاعتقاد 3/ 456 (781) من طريق ابن حميد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 305 إلى ابن مردويه والبيهقي في الرؤية.
قال: ثنا جريرٌ، عن لَيْثٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ سابط، قال: الحسنى: النضرةُ، والزيادةُ: النظرُ إلى وَجْهِ اللهِ تعالى
(1)
.
حدَّثنا ابنُ البَرْقيِّ، قال: ثنا عمرُو بنُ أَبي سَلَمةَ، قال: سَمِعتُ زُهَيرًا، عمَّن سَمِعَ أبا العالية، قال: ثنا أبَيُّ بنُ كَعْبٍ، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قولِ اللهِ تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: "الحسنى: الجنةُ، والزيادةُ: النظرُ إلى وَجْهِ اللهِ"
(2)
.
وقال آخرون في الزيادةِ بما حدَّثنا به يحيى بنُ طلحةَ، قال: ثنا فُضَيلُ بنُ عياضٍ، عن منصور، عن الحكم، عن عليٍّ، رضي الله عنه:{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: الزيادةُ: غرفةٌ من لؤلؤةٍ واحدةٍ، لها أربعة أبوابٍ
(3)
.
حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا حَكَّام، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن الحكَمِ، عن عليٍّ، رضي الله عنه، نحوه، إلا أنه قال: فيها أربعة أبواب
(3)
.
قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الحكم بن عتيبة، عن على، رضي الله عنه مثل حديث يحيى بن طلحةَ، عن فُضَيل، سواءً
(4)
.
وقال آخرون: الحُسنى: واحدةٌ من الحسناتِ بواحدةٍ، والزيادةُ: التضعيفُ إلى تمامِ العشرِ.
(1)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1059 - تفسير، وابن أبى شيبة 13/ 429، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1945، واللالكائى في شرح أصول الاعتقاد 3/ 462 (795) من طريق جرير به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 306 إلى الدارقطني.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1944، واللالكائى في شرح أصول الاعتقاد 3/ 456 (780) من طريق زهير به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 305 إلى الدارقطنى وابن مردويه والبيهقى في كتاب الرؤية.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1945 من طريق عمرو بن أبي قيس عن منصور به.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1058 - تفسير) من طريق جرير به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 306 إلى أبى الشيخ والبيهقي في الرؤية.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: هو مثلُ قولِه: {وَلَدَيْنَا مَزيدٌ} [ق: 35]. يقولُ: يَجزيهم يعملهم ويزيدهم من فضلِه. وقال: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمَثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}
(1)
[الأنعام: 160].
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن قابوسَ، عن أبيه، عن علقمةَ بنِ قيسٍ:{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: قلتُ: هذه الحسنى، فما الزيادة؟ قال: ألم تَرَ أن الله يقولُ: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}
(2)
.
حدَّثنا بِشْرٌ: قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: كان الحسنُ يقولُ في هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: الزيادةُ بالحسنةِ عشرُ أمثالِها، إلى سبعِمائةِ ضعفٍ
(3)
.
وقال آخرون: الحُسنى: حسنةٌ مثلُ حسنةٍ، والزيادةُ: زيادةُ مغفرةٍ مِن اللهِ ورضوانٍ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن
(1)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 306 إلى المصنف.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (1060 - تفسير) عن جرير به، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1946 من طريق أبى ظبيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 306 إلى ابن المنذر.
(3)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 306 إلى المصنف وابن المنذر.
مجاهدٍ: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [مثلها حُسْنَى]
(1)
، {وَزِيَادَةٌ} مغفرةٌ ورضوانٌ
(2)
.
وقال آخرون: الزيادةُ ما أُعْطُوا في الدنيا.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . قال: {الحُسْنَى} الجنةُ، {وَزِيَادَةٌ} ما أَعْطاهم في الدنيا، لا يُحاسبهم به يومَ القيامة. وقرأ:{وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} [العنكبوت: 27] قال: ما آتاه مما يحبُّ في الدنيا، عُجِّلَ له أجرُه فيها
(3)
.
وكان ابنُ عباسٍ يقولُ في قولِه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} : [بما:
حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بن صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن علىٍّ، عن ابن عباسٍ قوله:{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} ] (1). يقولُ: للذين شهدوا أن لا إلهَ إلا الله
(4)
.
وأَوْلى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أن يقالَ: إن اللهَ، تبارك وتعالى، وعَد المُحسنين مِن عبادِه على إحْسانِهم الحُسْنى، أن يجْزِيَهم على طاعتِهم إياه الجنةَ، وأن
(1)
سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
تفسير مجاهد ص 380، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1945، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 306 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1946 من طريق آخر عن ابن زيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 306 إلى أبى الشيخ.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1944 من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 306 إلى ابن المنذر والبيهقي.
تَبْيَضَّ وجوهُهم، ووعَدهم مع الحُسنى الزيادة عليها، ومِن الزيادةِ على إدخالِهم الجنةَ، أن يُكْرِمَهم بالنظرِ إليه، وأن يُعْطِيَهم غُرَفًا مِن لآلئ، وأن يزيدَهم غفرانًا ورضوانًا، كلُّ ذلك من زياداتِ عطاءِ اللَّهِ إياهم على الحُسْنى التي جعَلها اللهُ لأهلِ جناته، وعَمَّ ربنا، جلّ ثناؤُه، بقوله:{وَزِيَادَةٌ} الزيادات على الحُسنى، فلم يُخصص منها شيئًا دونَ شيءٍ، وغيرُ مستنكر من فضل الله أن يجمع ذلك لهم، بل ذلك كلُّه مجموعٌ لهم إن شاء اللهُ. فأَوْلى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ، أن يُعمَّ كما عَمَّه عزَّ ذكرُه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)} .
يعنى جلّ ثناؤُه بقولِه: {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} . لا يَغْشَى وجوههم كآبةٌ ولا كسوفٌ حتى تصيرَ من الحزنِ كأَنما عَلاهَا فَتَرٌ. والقَتَرُ: الغبار، وهو جمع قَتَرَةٍ، ومنه قول الشاعرِ
(1)
:
مُتَوَّجٌ
(2)
برِداءِ المُلْكِ يَتْبَعُه
…
مَوْجٌ تَرَى فوقه الراياتِ والقَتَرَا
يعنى بالقتَرِ: الغبار.
{وَلَا ذِلَّةٌ} ، ولا هوانٌ {أَوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ}. يقولُ: هؤلاء الذين وَصَفْتُ صفتهم، هم أهلُ الجنةِ وسكانُها، ومَن [هو فيها]
(3)
. {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . يقولُ: هم فيها ماكِثون أبدًا، لا تَبِيدُ فيخافوا زوال نعيمِهم، ولا هم بمُخْرَجِين فتَتَنَغَّصَ عليهم لذَّتهم.
(1)
هو الفرزدق، والبيت في ديوانه ص 290.
(2)
في الديوان: "معتصب".
(3)
سقط من: م.
وبنحو الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
وكان ابنُ أبي ليلى يقولُ في قولِه: {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} . ما حدَّثنا محمدُ بن منصورٍ الطُّوسيُّ، قال: ثنا عفانُ، قال: ثنا حمادُ بنُ زيدٍ
(1)
، عن ثابتٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ليلى:{وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} . قال: بعدَ نظرِهم إلى ربِّهم
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحَجَّاج ومُعَلَّى بن أسد، قالا: ثنا حمادُ بنُ زيدٍ، عن ثابتٍ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، بنحوه
(2)
.
حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخُراسانيِّ، عن ابن عباسٍ قوله:{وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} . قال: سوادُ الوجوه
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} .
يقولُ تعالى ذكرُه: والذين عَمِلوا السيئاتِ في الدنيا، فعَصَوُا اللهَ فيها، وكفَروا به وبرسولِه، {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ} [فله جزاءُ سيئةٍ]
(4)
مِن عملِه السيئِ الذي عَمِله في الدنيا، {بِمِثْلِهَا} مِن عقابِ اللهِ في الآخرةِ. {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ}. يقولُ:
(1)
بعده في م: "قال: ثنا زيد". وينظر تهذيب الكمال 7/ 239.
(2)
تقدم تخريجه في ص 158، وأخرجه ابن أبي شيبة 13/ 426 عن عفان به، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1946 من طريق حماد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 307 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1946 من طريق حجاج به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 306 إلى ابن المنذر.
(4)
سقط من: م.
وتَغْشاهم ذلةٌ وهوانٌ بعقابِ اللهِ إيَّاهم. {مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} . يقولُ: ما لهم مِن اللهِ مِن مانعٍ يمنُعهم إذا عاقَبهم يحولُ بينَه وبينَهم.
وبنحوِ الذى قُلنا في قولِه: {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} . قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباس قولَه:{وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} . قال: تَغْشاهم ذلةٌ وشدةٌ
(1)
.
واختَلَف أهلُ العربيةِ في الرافعِ "للجزاءِ": فقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: رُفعَ بإضمارِ "لهم"، كأنه قيل: ولهم جزاءُ السيئةِ بمثلها. كما قال: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196]. والمعنى: فعليه صيامُ ثلاثةِ أيامٍ. قال: وإن شئتَ رفعتَ "الجزاءَ" بالباءِ في قولِه: {جَزَاءُ سَيِّئَةِ بِمِثْلِهَا} .
وقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: "الجزاءُ" مرفوعٌ بالابتداءِ، وخبرُه "بمثلِها". قال: ومعنى الكلامِ: جزاء سيئةٍ مثلُها، وزِيدَت "الباءُ"، كما زِيْدَت في قولِهم
(2)
: بحسبِك قولُ السوءِ. وقد أنْكر ذلك مِن قولِه
(3)
بعضُهم، فقال: يجوزُ أن تكونَ "الباء" في "حسبِ"
(4)
؛ لأن التأويلَ: إن قلت السوءَ فهو حسبُك. فلما لم تَدخُلْ في الجزاءِ، أُدْخِلت في حسبِ. بحسبِك أن تقومَ: إن قمتَ فهو حسبُك. فإن مُدِحَ ما بعد حسبِ، أُدْخِلتِ "الباءُ" فيما بعدَها، كقولِك: حسبُك بزيدٍ. ولا
(1)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 307 إلى المصنف.
(2)
في م: "قوله".
(3)
في م، ت 1، ت 2، س، ف:"قول".
(4)
كذا في النسخ، ومقتضى الكلام أن يكون بعدها كلمة:"زائدة".
يجوزُ: بحسبِك زيدٌ. لأن زيدًا الممدوحُ، فليس بتأويل جزاءٍ.
وأَوْلى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ، أن يكونَ "الجزاءُ" مرفوعًا بإضمار، بمعنى: فلهم جزاءُ سيئة بمثلِها. لأن اللهَ قال في الآيةِ التي قبلَها: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . فوصَف ما أعدَّ لأوليائِه، ثم عقَّب ذلك بالخبرِ عما أعدَّ اللَّهُ لأعدائِه، فالأشبهُ بالكلامِ أن يقالَ: وللذين كَسَبوا السيئاتِ جزاءُ سيئةٍ. وإذا وُجِّهَ ذلك إلى هذا المعنى، كانت "الباءُ" صلةً للجزاءِ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: كأنما أُلبِسَت وجوه هؤلاء الذين كَسَبوا السيئاتِ {قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ} . وهي جمعُ قِطعةٍ.
وكان قتادةُ يقولُ في تأويلِ ذلك ما حدَّثنا به محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بن ثَوْرٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} . قال: ظلمةٌ مِن الليلِ
(1)
.
واخْتَلَفت القرَأةُ في قولِه تعالى: {قِطَعًا} . فقرَأتْه عامة قرأة الأمصار: {قِطَعًا} بفتح "الطاءِ"، على معنى جمع قِطْعةٍ
(2)
، وعلى معنى أن تأويلَ ذلك: كأنما أُغْشِيت وجهَ كلِّ إنسان منهم قطعةٌ مِن سَوادِ الليل. ثم جمع ذلك فقيل: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا} : مِن سَوادٍ، إذ جُمِعَ الوجهُ.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1947 عن محمد بن عبد الأعلى به، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 296 عن معمر به.
(2)
هي قراءة نافع وأبي عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة. ينظر السبعة ص 325 والكشف 1/ 517، والتيسير ص 99.
وقرَأه بعضُ مُتأخِّرِى القرَأةِ: (قِطْعًا) بسكون "الطاءِ"
(1)
، بمعنى: كأنما أُغشِيَت وجوههم سوادًا من الليلِ، وبقيةً من الليلِ، ساعةً منه، كما قال:{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعِ مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 81][الحجر: 65]. أي: ببقيةٍ قد بَقِيَت منه. ويَعْتَلُّ لتصحيح قراءته ذلك كذلك، أنه في مصحف أبيٍّ؛ (ويَغْشَى وجوههم قطع مِن الليلِ مظلمٌ).
والقراءةُ التى لا يجوزُ خلافُها عندى، قراءةُ مَن قَرَأ ذلك بفتح "الطاء"؛ لإجماع الحجة من قرَأةِ الأمصار على تصويبها وشُذُوذٍ ما عَداها، وحسبُ الأخرى دَلالةً على فسادِها، خروج قارئِها عما عليه قرَأةُ أهلِ أمصارِ
(2)
الإسلامِ.
فإن قال لنا قائلٌ: فإن كان الصوابُ في قراءةِ ذلك ما قلتَ، فما وجهُ تذكيرِ المُظْلِمِ وتوحيدِه، وهو مِن نعتِ القِطَعِ والقِطْعِ، جمعٌ لمؤنثٍ؟
قيل: في تذكير
(3)
ذلك وجهان: أحدُهما، أن يكونَ قِطْعًا من الليلِ، وأن يكونَ من نعتِ الليل، فلما كان نكرةً، و"الليلُ" معرفةٌ نصب على القطْعِ؛ فيكون معنى الكلامِ حينئذٍ كأنما أُغْشِيَت وجوههم قطعًا من الليل المظلم. ثم حذفت "الألفُ" و"اللامُ" مِن "المظلم"، فلما صارَ نكرةً وهو مِن نعتِ "الليلِ" نُصِبَ على القطعِ.
ويسمّى أهلُ البصرة ما كان كذلك "حالًا"، والكوفيون "قطعًا".
والوجه الآخرُ على نحوِ قولِ الشاعرِ
(4)
:
(1)
هي قراءة ابن كثير والكسائي. وتنظر المصادر السابقة.
(2)
في م: "الأمصار و".
(3)
في م، ف:"تذكيره".
(4)
هو أبو ذؤيب، وهذا صدر بيت في ديوانه ص 113 عجزه:
*أحيى أبُوَّتَكِ الشُّمَّ الأماديحُ*
لو أن مِدْحَةَ حَيٍّ مُنْشِرٌ أحدًا
والوجهُ الأول أحسنُ وَجْهَيه.
وقولُه: {أَوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} . يقول: هؤلاء الذين وَصَفْتُ لك صفتهم، أهل النار الذين هم أهلها، {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ، يقولُ: هم فيها ماكِثُون.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ويوم نجمعُ الخلق لموقف الحساب جميعًا، ثم نقولُ حينئذٍ للذين أشْرَكوا بالله الآلهة والأندادَ:{مَكَانَكُمْ} ، أي: امْكُثُوا مكانَكم، وقِفُوا في موضعِكم {أَنتُمْ} أيُّها المشركون {وَشُرَكَاؤُكُمْ} الذين كنتُم تَعْبُدونَهم مِن دونِ الله من الآلهة والأوثان. {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} ، يقولُ: فَفَرَّقْنا بين المشركين بالله وما أشركوه به. [وهو من قولهم: زلتُ الشيءَ أزيله. إذا فرَّقت بينه]
(1)
وبين غيرِه وأبنْتَه منه. وقال: فزَيَّلْنا إرادة تكثير الفعل وتكريره
(2)
، ولم يقل: فزِلْنا بينهم.
وقد ذُكِرَ عن بعضهم أنه كان يَقْرؤُه: (فزايلْنا بينَهم). كما قيل: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ} [لقمان: 18]: (ولا تُصاعِرْ خدَّك)
(3)
. والعربُ تفعلُ ذلك كثيرًا في "فَعَلْت"، يُلْحِقون فيها أحيانًا "ألِفًا" مكانَ التشديدِ، فيقولون:"فاعَلْت". إذا
(1)
ما بين المعقوفين زيادة لابد منها لاستقامة العبارة، وينظر اللسان (ز ى ل)، ومعانى القرآن للفراء 1/ 462.
(2)
في ت 1: "تنكيره"، وفى س:"تكثيره".
(3)
هذه قراءة نافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي. ينظر السبعة لابن مجاهد ص 513. وستأتي في تفسير الآية 18 من سورة لقمان.
كان الفعلُ لواحدٍ. وأما إذا كان لاثنين، [فلا تكاد]
(1)
تقولُ إلا: "فاعَلْت".
{وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} ، وذلك حين تَبَرَّأَ الذين اتُّبِعوا مِن الذين اتَّبَعُوا ورَأَوا العذابَ، وتَقَطَّعَتْ بهم الأسباب؛ لمَّا قيل للمشركين: اتَّبعوا ما كنتُم تَعْبُدون من دونِ اللهِ. ونُصِبَت لهم آلهتهم، قالوا: كُنَّا نعبد هؤلاء. فقالت الآلهة لهم: ما كنتم إيَّانا تَعْبُدون.
كما حُدِّثتُ عن مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، قال: يكونُ يومَ القيامة ساعةٌ فيها شدةٌ، تُنصَبُ لهم الآلهة التى كانوا يَعْبُدون، فيقالُ: هؤلاء الذين كنتم تعبدون مِن دونِ اللَّهِ. فتقولُ الآلهة: والله ما كُنَّا نَسْمَعُ ولا تُبْصِرُ ولا نَعْقِلُ، ولا نعلم أنكم كنتم تعبدوننا. فيقولون: والله لإياكم كُنَّا نعبدُ. فتقول لهم الآلهة: {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ}
(2)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابنُ زِيدٍ. في قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنهم} . قال: فَرَّقْنا بينهم. {وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} قالوا: بلى، قد كُنَّا نعبدُكم. فقالوا:{كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} ما كُنَّا نسمع ولا نبصِرُ ولا نتكلَّمُ. فقال اللهُ: {هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ} الآية
(3)
.
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س ف:"فلابد أن".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1948، 1949 من طريق مسلم بن خالد به مطولًا، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 307 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1948 من طريق آخر عن ابن زيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 307 إلى أبى الشيخ مختصرًا.
ورُوِى عن مجاهدٍ أنه كان يتأوَّلُ الحشرَ في هذا الموضعِ الموتَ.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن الأعمشِ، قال: سمعتُهم يَذْكُرون عن مجاهد في قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} . قال: الحشرُ الموتُ
(1)
.
والذي قلنا في ذلك أولى بتأويله؛ لأن اللهَ تعالى ذكرُه أخبر أنه يقولُ يومئذٍ للذين أشْرَكوا ما ذكر أنه يقولُ لهم، ومعلومٌ أن ذلك غيرُ كائنٍ في القبرِ، وأنَّه إنما هو خبرٌ عما يقالُ لهم ويقولون في الموقفِ بعدَ البعثِ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)} .
يقولُ تعالى ذكرُه مُخْبِرًا عن قيل شركاء المشركين من الآلهة والأوثان لهم يومَ القيامةِ، إذ قال المشركون بالله لها: إيَّاكم كُنَّا نعبدُ: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} ، أي: إنها تقولُ: حسبُنا الله شاهدًا بيننا وبينكم أيها المشركون، فإنه قد عَلِمَ أنا ما علمنا
(2)
ما تقولون. {إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} ، يقولُ: ما كُنَّا عن عبادتِكم إيانا دونَ اللَّهِ إلا غافلين، لا نشعُرُ به ولا نعلَمُ.
كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:{إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِين} ، قال: ذلك كلُّ شيءٍ يُعْبَدُ مِن دونِ اللهِ
(3)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثني إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبي جعفرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1947 من طريق وكيع به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 307 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
في س: "عملنا".
(3)
تفسير مجاهد ص 380، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1949.
أبي نجيحٍ، عن مجاهد مثلَه.
حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِين} ، قال: يقول ذلك كلُّ شيءٍ كان يُعْبَدُ مِن دونِ اللَّهِ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)} .
اختَلَفَت القرأَةُ في قراءةِ قولِه: {هُنَالِكَ تَبلُوا كُلُّ نَفْسٍ} بالباء
(1)
، بمعنى: عند ذلك تُخْتَبَرُ كلُّ نفسٍ بما قَدَّمَت مِن خيرٍ أو شرٍّ.
وكان ممن يُقرؤُه ويتأوَّلُه كذلك مجاهدٌ.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبي جعفرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} . قال: تُخْتَبَرُ
(2)
.
حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
وقرأ ذلك جماعةٌ مِن أهلِ الكوفةِ وبعضُ أَهلِ الحجازِ: (تَتْلُو كُلُّ نَفْسٍ ما
(1)
في ت 1، ت 2، س:"بالتاء"، وفى ف:"بالياء". وهذه القراءة قراءة ابن كثير ونافع وعاصم وأبى عمرو وابن عامر. السبعة لابن مجاهد ص 325 وحجة القراءات ص 331.
(2)
تفسير مجاهد ص 381، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1949، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 307 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
أسْلَفَتْ)، بالتاء
(1)
.
واختَلَفَ قارئو ذلك كذلك في تأويلِه.
فقال بعضُهم: معناه وتأويلُه: هنالك تتبع كلُّ نفسٍ ما قَدَّمَت في الدنيا لذلك اليومِ.
ورُوِى بنحوِ ذلك خبرٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، من وجهٍ وسَنَدٍ غيرِ مُرْتَضَى، أنه قال:"يَمْثُلُ لكُلِّ قوم ما كانوا يَعْبُدون مِن دونِ اللَّهِ يومَ القيامةِ، فَيَتَّبِعُونَهم حتى يُورِدَوهم النارَ". قال: ثم تَلَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت)
(2)
.
وقال بعضُهم: بل معناه: تَتْلُو كتابَ حسناتِه وسيئاتِه. يعنى: تقرأُ، كما قال جلّ ثناؤه:{وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا} [الإسراء: 13].
وقال آخرون: تَتْلو: تُعايِنُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ} ، قال: ما عَمِلَت، تَتْلُو: تُعايِنهُ
(3)
.
والصوابُ من القولِ في ذلك أن يقالَ: إنهما قراءتانِ مَشْهورتانِ، قد قَرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما أئمةٌ مِن القرأةِ، وهما مُتقارِبتا المعنى -وذلك أن مَن تَبعَ في الآخرةِ ما
(1)
هذه قراءة حمزة والكسائي - السبعة لابن مجاهد ص 325 وحجة القراءات ص 331.
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 307 إلى ابن مردويه عن ابن مسعود.
(3)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1949 عن ابن زيد معلقًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 307 إلى أبى الشيخ.
أسْلَفَ مِن العملِ في الدنيا، هُجِمَ به على مَوْردِه، فيُخْبَرُ هنالك ما أَسْلَفَ مِن صالح أو سَيِّئُ في الدنيا، وإن مَن [خَبَر ما]
أَسْلَفَ في الدنيا من أعماله في الآخرة، فإنما يُخْبَرُ بعدَ مَصِيره إلى حيثُ أَحَلَّه
(2)
ما قَدَّمَ في الدنيا من عمله، فهو في كلتا الحالتين مُتَّبعٌ ما أسْلَفَ من عملِه، مُختبرٌ له- فبأيتِهما قَرَأ القارئ، كما وَصَفْنا، فمصيبٌ الصوابَ في ذلك.
وأما قوله: {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَهُمُ الْحَقِّ} ، فإنه يقولُ: ورَجَعَ هؤلاء المشركون يومئذٍ إلى الله الذى هو ربُّهم ومالكهم الحقُّ لا شكَّ فيه، دونَ ما كانوا يَزْعُمون أنهم لهم أربابٌ من الآلهة والأنْدادِ، {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} ، يقولُ: وبَطَلَ عنهم ما كانوا يَتَخَرَّصون من الفِرْية والكذب على اللهِ، بدَعْواهم أوثانَهم أنها للهِ شركاءُ، وأنها تُقَرِّبُهم منه زُلْفَى.
كما حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابن زيد في قولِه: {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} . قال: ما كانوا يَدْعُون معه من الأنْدادِ والآلهةِ، ما كانوا يَفْتَرُون الآلهة، وذلك أنهم جَعَلوها أندادًا وآلهة مع اللهِ؛ افتراءً وكذبًا
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)} .
في م، ف:"خير من".
(2)
في س، ف:"أجله".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1950 من طريق آخر عن ابن زيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 307 إلى المصنف وأبى الشيخ.
(1)
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} يا محمدُ لهؤلاء المشركين باللهِ الأوثانَ والأصنامَ: {مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ} الغيثَ والقطرَ، ويُطلعُ لكم أم شمسَها، ويُغْطِشُ ليلَها، ويُخْرِجُ ضُحاها. وَمِن {الْأَرْضِ} أقواتَكم وغذاءكم الذي يُنبته لكم، وثمارَ أشجارِها؟ {أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ}. يقولُ: أَمْ مَن ذا الذى يَملكُ أسماعَكم وأبصارَكم التي تَسْمَعون بها أن يزيدَ في قُواها، أو يَسْلُبَكموها فيَجْعَلَكم صُمًّا، وأبْصارَكم التي تُبصرون بها، أن يُضيئَها
(1)
لكم [ويُنِيرها]
(2)
، أو يَذْهَبَ بنورها فيجعلكم عُمْيًا لا تُبْصِرون؟ {وَمَن يُخرجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ}. يقولُ: ومَن يُخْرِج الشيء الحى من الميتِ؟ {وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} . يقولُ: ومَن
(3)
يُخْرِجُ الشيء الميتَ مِن الحى؟
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين من أهل التأويلِ، والصوابَ من القول عندَنا في ذلك بالأدلةِ الدالةِ على صحتِه في سورةِ "آلِ عمرانَ"، بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضِع
(4)
.
{وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} : وقلْ لهم: مَن يُدَبِّرُ أمر السماء والأرض وما فيهن، وأمْرَكم وأمْرَ الخلقِ؟ {فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} ، يقول جل ثناؤُه: فسوف يُجيبونك بأن يقولوا: الذى يفعل ذلك كلَّه الله. {فَقُل أَفَلَا تَتَّقُونَ} يقولُ: أفلا تخافون عقابَ الله على شِرْككم، وادِّعائِكم ربًّا غيرَ مَن هذه الصفة صفته، وعبادتِكم معه مَن لا يرزقكم شيئًا، ولا يملكُ لكم ضَرًّا ولا نفعا، [ولا يفعَلُ فِعْلًا]
(5)
.
(1)
في ت 2، س:"يصيبها".
(2)
في ت 2: "أو ينشرها".
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س.
(4)
تقدم في 5/ 307 - 311.
(5)
سقط من: م.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لخلقِه: أيُّها الناسُ، فهذا الذي يفعل هذه الأفعال، فيَرْزُقُكم مِن السماءِ والأرضِ، ويملك السمع والأبصارَ، ويُخْرِجُ الحَيَّ مِن الميت، والميتَ مِن الحيِّ، ويُدَبِّرُ الأمر - {اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ}: لا شكَّ فيه، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَل} ، يقولُ: فأيُّ شيءٍ سِوى الحقِّ إلا الضلالُ؛ وهو الجَوْرُ عن قَصْدِ السبيل؟ يقولُ: فإذا كان الحقُّ هو ذا، فادِّعاؤكم غيره إلها وربًّا هو الضلالُ والذهاب عن الحق لا شك فيه، {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} ، يقولُ: فأى وجه عن الهُدَى والحقِّ تُصرفون، وسواهما تَسْلُكون، وأنتم مقرون بأن الذى تُصرفون عنه هو الحقُّ؟
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: كما قد صُرف هؤلاء المشركون عن الحقِّ إلى الضلالِ، {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} ، يقولُ: وَجَبَ عليهم قضاؤُه وحكمه في السابق من علمِه، {عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} ، فخَرَجوا مِن طاعةِ ربِّهم إلى مَعْصيتِه، وكَفَرُوا به، {أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} يقولُ: لا يُصَدِّقون بوحدانية الله ولا بنبوَّةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} يا محمدُ: {هَلْ مِن شُرَكَائِكُم} ، يعني: من الآلهة والأوثانِ {مَّن يَبْدَؤُا الْخَلْقَ} . يقولُ: مَن يُنْشِئُ خلقَ شيءٍ مِن غير أصلٍ، فيُحْدِثُ خلقه ابتداءً، {ثُمَّ يُعِيدُهُ}. يقولُ: ثم يُفْنِيه بعدَ
إنشائِه، ثم يُعِيدُه كهيئته قبل أن يُفنِيَه، فإنهم لا يَقْدِرون على دعوى ذلك لها، وفى ذلك الحُجَّةُ القاطِعةُ، والدلالة الواضحة على أنهم في دعواهم أنها أرباب، وهى للهِ في العبادة شركاء كاذبون مُفْتَرون، فَقُلْ لهم حينئذٍ يا محمد:{اللَّهُ يَبْدَؤا الخَلْقَ} ، فيُنْشِئُه مِن غير شيءٍ، ويُحْدِثُه مِن غيرِ أصلٍ، ثم يُفْنِيه إِذا شَاءَ، {ثُمَّ يُعِيدُهُ} إذا أرادَ كهيئته قبل الفناءِ، {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}. يقولُ: فَأَىُّ وجهٍ عن قصدِ السبيل وطريق الرُّشدِ تُصْرَفون وتُقلبون؟
كما حدَّثنا محمد بن عبد الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن الحسن:{فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} . قال: أَنَّى تُصْرَفون
(1)
؟
وقد بَيَّنَّا اختلاف المختلفين في تأويلِ قولِه: {أَنَّى تُؤْفَكُونَ} ، والصوابَ مِن القولِ في ذلك عندَنا بشواهدِه في سورةِ "الأنعامِ"
(2)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)} .
يقول تعالى ذكرُه لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين: {هَلْ مِن شُرَكَائِكُم} الذين تَدْعون مِن دونِ اللهِ، وذلك آلهتهم وأوثانهم، {مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} ، يقول: من يُرْشِدُ ضالًّا مِن ضلالِته إلى قصدِ السبيلِ، ويُسَدِّدُ حائرًا
(3)
عن الهُدَى إلى واضحِ الطريقِ المستقيم؟ فإنهم لا يَقْدِرون أن يَدَّعوا أن
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1952 من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 296 عن معمر به.
(2)
تقدم في 9/ 423، 424، ولم يبين المصنف في هذا الموضع اختلاف المختلفين والصواب من القولُ، ولكنه بينه في 8/ 584.
(3)
في م: "جائزًا".
آلهتَهم وأوثانَهم تُرْشِدُ ضالًا أو تَهْدِى حائرًا. وذلك أنهم إن ادَّعَوا ذلك لها، أكْذَبَتْهم المشاهدة، وأبانَ عَجْزَها عن ذلك الاختبارُ بالمعاينة. فإذا قالوا: لا. وأَقَرُّوا بذلك، فقل لهم: فاللَّهُ يَهْدِى الضال عن الهُدَى إلى الحقِّ، {أَفَمَن يَهْدِي} ، أَيُّها القومُ ضالًّا {إلَى الْحَقِّ} ، وحائرًا
(1)
عن الرشدِ إلى الرشد، {أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ} إلى ما يَدعو إليه، {أَمَّن لَّا يَهْدِى إِلَّا أَن يُهْدَى} ؟!
واختَلَفَتِ القرأةُ في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرأة أهل المدينة:(أم مَن لا يَهْدي)، بتَسْكين الهاءِ وتشديدِ الدَّالِ
(2)
؛ فجَمَعوا بينَ ساكِنين، وكأن الذى دَعاهم إلى ذلك أنهم وجَّهوا أصلَ الكلمةِ إلى أنه: أم مَن لا يَهْتَدِى
(3)
، وَوَجَدوه في خطِّ المصحف بغيرِ ما قَرءوا
(4)
، وأن التاءَ حُذِفَت لمَّا أُدغمت في الدال، فأقرُّوا الهاءَ ساكنةً على أصلِها الذى كانت عليه، وشَدَّدوا الدال طلبًا لإدغام التاء فيها، فاجْتَمَع بذلك سكون الهاء والدال، كذلك فَعَلوا في قوله:{وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} [النساء: 154]، وفى قوله:{يَخِصِّمُونَ} [يس: 49].
وقَرَأ ذلك بعضُ قرأة أهل مكةَ والشامِ والبصرة: (يَهدِّى)، بفتح الهاء وتشديد الدال
(5)
، وأمُّوا ما أمَّه المَدَنِيُّون من الكلمة، غير أنهم نَقَلوا حركة التاءِ مِن يَهْتَدِى، إلى الهاء الساكنةِ، فحَرَّكوا بحركتها، وأدْغَموا التاء في الدال فشَدَّدوها.
(1)
في م: "جائرا".
(2)
هي قراءة أبي جعفر، وينظر النشر 2/ 212.
(3)
في ت 2، س، ف:"يهدى".
(4)
في م: "قرروا".
(5)
هى قراءة نافع في رواية ورش، وابن كثير وابن عامر. المصدر السابق.
وقرَأ ذلك بعضُ قرأة الكوفةِ: {يَهدِّى} ، بفتح الياء وكسرِ الهاءِ وتشديدِ الدالِ
(1)
، بنحوِ ما قَصَدَه قرأةُ أهل المدينةِ، غير أنه كَسَرَ الهاءَ لكسرة الدالِ مِن يَهْتَدى، استثقالا للفتحة بعدها كسرةً في حرفٍ واحدٍ.
وقَرَأ ذلك بعضُ عامة قرأة الكوفيين: (أمْ مَن لا يَهْدِى)، بتسكينِ الهاءِ وتخفيفِ الدالِ
(2)
، وقالوا: إن العربَ تقولُ: هَدِيتُ. بمعنى: اهْتَدَيتُ. قالوا: فمعنى قولِه: (أم مَنْ لا يَهْدِى): أم مَن لا يَهْتَدِى إِلَّا أَنْ يُهْدَى.
وأَوْلى القراءاتِ في ذلك بالصوابِ
(3)
قراءةُ مَن قرأَ: (أَمْ مَنْ لا يَهَدِّى)، بفتح الهاء
(4)
وتشديد الدالِ، لما وَصَفْنا مِن العِلَّة لقارئ ذلك كذلك، وأن ذلك لا يدفَعُ صحتَه ذو علم بكلام العربِ، وفيهم
(5)
المنكرُ غيرَه. وأحقُّ الكلام أن يقرأ بأفصحِ اللغات التي نَزَلَ بها كلامُ اللَّهِ.
فتأويل الكلام إذن: أفمَن يَهْدِى إلى الحقِّ أحقُّ أن يُتَّبَعَ، أم مَن لا يَهْتَدِى إلى شيءٍ إلا أن يُهْدَى؟!
وكان بعضُ أهل التأويلِ يَزْعُمُ أن معنى ذلك: أم مَن لا يقدِرُ أن ينتقِلَ عن مكانه إلا أن يُنْقَلَ.
وكان مجاهدٌ يقول في تأويلِ ذلك ما حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:(أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أمْ مَنْ لا يَهَدِّى إلَّا أنْ يُهْدَى)، قال: الأوثانُ، اللَّهُ يَهْدى منها ومن غيرها من شاء لما
(1)
هي قراءة عاصم في رواية حفص، ويعقوب. النشر 2/ 212.
(2)
هي قراءة حمزة والكسائى وخلف. المصدر السابق.
(3)
القراءات التى ذكرها المصنف كلها متواترة.
(4)
في ص، ت 1، س، ف:"الياء".
(5)
في ت 2: "فهم".
شاء
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن مجاهدٍ قولَه:(أَمَّن لا يَهَدِّى إلا أنْ يُهْدَى). قال: قال: الوَثَنُ.
وقولُه: {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} : ألَا تَعْلَمون أن مَن يَهْدِى إلى الحقِّ أحقُّ أن يُتَّبَعَ من الذى لا يَهْتَدى إلى شيءٍ إلا أن يَهْديه إليه هادٍ غيره، فتتركوا اتِّباعَ مَن لا يَهْتدى إلى شيءٍ وعبادته، وتَتَّبعوا مَن يَهْديكم في ظلماتِ البر والبحر، وتُخلصوا له العبادة فتُفْرِدوه بها وحدَه، دونَ ما تُشْرِكونه فيها مِن آلهتِكم وأوثانِكم؟
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وما يَتَّبِعُ أكثر هؤلاء المشركين {إِلَّا ظَنًّا} ، يقول: إلا ما لا علمَ لهم بحقيقته وصحتِه، بل هم منه في شكٍّ وريبةٍ، {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ، يقولُ: إن الشكَّ لا يُغْنى من اليقين شيئًا، ولا يقومُ في شيءٍ مَقامَه، ولا يُنتفَع به حيث يحتاج إلى اليقينِ. {إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} ، يقول تعالى ذكرُه: إن الله ذو علمٍ بما يفعَلُ هؤلاء المشركون؛ مِن اتِّباعِهم الظنَّ، وتكذيبهم الحقَّ اليقينَ، وهو لهم بالمرصادِ حيثُ لا يُغْنى عنهم ظنُّهم مِن اللهِ شيئًا.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ما ينبغى لهذا القرآن {أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ} . يقولُ:
(1)
تفسير مجاهد ص 381 ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1952، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 307 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبي الشيخ.
ما يَنْبغى له أن يَتَخرَّصَه أحدٌ مِن عندِ غيرِ اللَّهِ. وذلك نظير قوله: (وما كان لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ)
(1)
، بمعنى: ما ينبَغِي لنبي أَن يَغُلَّه أصحابُه.
وإنما هذا خبرٌ من اللهِ جلَّ ثناؤه أن هذا القرآنَ مِن عنده، أنزله إلى محمد عبده، وتكذيبٌ منه للمشركين الذين قالوا: هو شعرٌ وكَهانةٌ. والذين قالوا: إنما يتعلَّمُه محمدٌ مِن يُحنَّسَ
(2)
الروميِّ.
يقولُ لهم جلّ ثناؤه: ما كان هذا القرآنُ ليختلِقَه أحدٌ مِن عندِ غيرِ اللَّهِ؛ لأن ذلك لا يقدر عليه أحدٌ من الخلق، {وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}. يقول تعالى ذكرُه: ولكنه من عندِ اللَّهِ أَنزَله مُصدِّقا لما بين يديه. أي: لِما قبلَه من الكتبِ التي أُنزِلت على أنبياءِ اللَّهِ؛ كالتوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه، {وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ}. يقولُ: وتبيان الكتاب الذى كتبه الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم
(3)
، وفرائضه التى فَرَضَها عليهم في السابق من علمِه، {لَا رَيْبَ فِيهِ}. يقول: لا شكَّ فيه أنه تصديقُ الذى بينَ يديه من الكتابِ، وتفصيلُ الكتابِ مِن عندِ ربِّ العالمين، لا افتراءٌ مِن عندِ غيرِه ولا اختلاقٌ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)} .
يقول تعالى ذكرُه: أم يقول هؤلاء المشركون: افترى محمد هذا القرآن من نفسه، فاختَلَقَه وافتَعَلَه؟ قل يا محمد لهم: إن كان كما تقولون: إنى اختلقته وافتريتُه، فإنكم مثلى من العرب، ولسانى مثلُ لسانكم وكلامى، فجِيئوا بسورة
(1)
هذه قراءة نافع وابن عامر وحمزة والكسائي، وتقدم ذكرها في 6/ 198.
(2)
في م: "يعين". وينظر الإصابة 6/ 696.
(3)
بعده في م: "وآله".
مثل هذا القرآن.
والهاء في قوله: {مَثْلِهِ} كنايةٌ عن القرآن.
وقد كان بعضُ نحويى البصرة يقولُ: معنى ذلك: قلْ فأتُوا بسورة مثلِ سورته، ثم أُلقيت سورةٌ، وأُضِيفَ المثلُ إلى ما كان مضافًا إليه السورة، كما قيل:{وَاْسَأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]. يراد به: واسألْ أهلَ القرية.
وكان بعضُهم ينكر ذلك من قوله، ويَزْعُمُ أن معناه: فأتُوا بقرآن مثل هذا القرآن.
والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أن السورةَ إنما هي سورةٌ مِن القرآنِ وهى قرآنٌ، وإن لم تكن جميع القرآن، فقيل لهم:{فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} ، ولم يقلْ: مثلِها؛ لأن الكناية أُخرجت على المعنى -أعنى معنى السورة- لا على لفظها؛ لأنها لو أُخْرِجت على لفظِها لقيل: فأتوا بسورةٍ مثلِها.
{وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ} ، يقولُ: وادْعُوا أيها المشركون على أن يأتوا بسورة مثلها مَن قَدَرْتُم
(1)
أن تَدْعوا على ذلك من أوليائكم وشركائكم، {مِّن دُونِ اللَّهِ}. يقولُ: مِن عندِ غيرِ اللَّهِ، فأَجْمِعُوا على ذلك واجتَهِدوا، فإنكم لا تستطيعون أن تأتوا بسورةٍ مثلِه أبدًا.
وقولُه: {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} . يقولُ: إن كنتم صادقين في أن محمدًا افترَاه، فأتُوا بسورةٍ مثلِه من جميعِ مَن يُعِينُكم على الإتيانِ بها. فإن لم تَفْعلوا ذلك، فلا شكَّ أنكم كَذَبَةٌ في زعْمِكم أن محمدًا افتراه؛ لأن محمدًا لن يَعْدُو أن يكون بشرًا
(1)
في ت 2، س، ف:"قديم".
مثلَكم، فإذا عَجَزَ الجميعُ مِن الخَلْقِ أن يأتوا بسورة مثله، فالواحدُ منكم
(1)
عن أن يأتيَ بجميعِه أعجزُ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ما بهؤلاء المشركين يا محمد تكذيبُك، ولكن بهم التكذيبُ، {بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ}: مما أنزل اللهُ عليك في هذا القرآنِ، مِن وعيدِهم على كفرِهم بربِّهم، {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه} ، يقولُ: ولما يأتِهم بعدُ بَيانُ ما يئولُ إليه ذلك الوعيدُ الذى تَوَعَّدَهم الله في هذا القرآنِ، {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} ، يقول تعالى ذكرُه: كما كَذَّبَ هؤلاء المشركون يا محمدُ بوعيدِ اللهِ، كذلك كَذَّبَ الأمم التي خَلَت قبلهم بوعيدِ اللهِ إياهم على تكذيبهم رسلَهم، وكفرِهم بربِّهم، {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الظَّالِمِينَ} ، يقولُ تعالى ذكرُه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فانظُرْ يا محمد كيف كان عُقبى كُفْرِ مَن كَفَرَ باللَّهِ، ألم نُهلِك بعضَهم بالرجْفَةِ، وبعضَهم بالخسْفِ، وبعضَهم بالغرَقِ؟ يقولُ: فإن عاقبةَ هؤلاء الذين يُكَذِّبونك، ويَجْحَدون بآياتى من كفارِ قومِك، كالتي كانت عاقبةَ من قبلَهم مِن كفرة الأممِ، إن لم يُنيبوا من كفرهم ويُسارعوا إلى التوبة.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)} .
يقول تعالى ذكرُه: ومن قومك يا محمدُ من قريشٍ مَن سوف يؤمِنُ به. يقولُ: مَن سوف يُصدِّقُ بالقرآن، ويُقر أنه من عندِ اللهِ
(2)
- {وَمِنْهُم مَّن لَّا
(1)
في م: "منهم".
(2)
بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"يقول".
يُؤْمِنُ بهِ}، يقولُ: ومنهم مَن لا يُصَدِّقُ به، ولا يُقِرُّ أبدًا. {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} ، يقول: والله أعلم بالمكذِّبين به منهم، الذين لا يُصَدِّقون به أبدًا مِن كلِّ أحدٍ، لا يَخْفى عليه، وهو من وراء عقابه. فأما من كتبتُ له أنه يؤمِنُ به منهم فإني سأتوبُ عليه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: وإن كَذَّبَك يا محمد هؤلاء المشركون، ورَدُّوا عليك ما جئتَهم به مِن عندِ ربِّك، فقلْ لهم: أيُّها القومُ، لي دِيني وعَمَلى، ولكم دينُكم وعملُكم، لا يَضُرُّني عملكم، ولا يَضُرُّكم عَملى، وإنما يُجازَى كلُّ عامل بعمَلِه، {أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ} لا تُؤخَذون
(1)
بجريرته، {وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} لا أُوْخَذُ
(2)
بجريرةِ عملِكم. وهذا كما قال جلّ ثناؤه: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ] [الكافرون: 1 - 3].
وقيل: إن هذه الآيةَ منسوخةٌ، نَسَخَها الجهادُ والأمرُ بالقتالِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَإِن كَذَّبُوكَ فقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلَكُمْ} الآية. قال: أمَره بهذا، ثم نَسَخَه وأمَرَه بجهادِهم
(3)
.
(1)
في م: "تؤاخذون".
(2)
في م: "أؤاخذ".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1954 من طريق آخر عن ابن زيد به.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: ومِن هؤلاء المشركين مَن يَسْتَمِعون إلى قولِك، {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ}. يقولُ: أفأنت تخلُقُ لهم السمعَ، ولو كانوا لا سمعَ لهم يعقِلون به، أم أنا؟
وإنما هذا إعلام من الله عباده أن التوفيق للإيمان به بيده لا إلى أحد سواه، يقولُ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: كما أنك لا تقدِرُ أن تُسمِعَ يا محمد من سلبته السمعَ، فكذلك لا تقدر أن تُفهم أمرى ونَهْيى قلبًا سلبتُه فَهم ذلك؛ لأنى ختمتُ عليه أنه لا يؤمِنُ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ومن هؤلاء المشركين -مُشرِكي قومك- مَن ينظُرُ إليك يا محمدُ ويَرَى أعلامك وحُجَجَك على نبوّتك، ولكن الله قد سَلَبَه التوفيق فلا يهتَدِى، ولا تقدِرُ أن تَهْدِيَه، كما لا تقدِرُ أن تُحدِثَ للأعمى بصرًا يَهْتَدِي به؛ {أَفَأَنتَ تَهْدِى الْعُمَيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ}. يقولُ: أفأنت يا محمد تُحْدِثُ لهؤلاء الذين يَنْظُرون إليك وإلى أدلَّتِك وحججك فلا يوفقون للتصديق بك، أبصارًا -لو كانوا عميا- يهتدون بها ويُبْصِرون؟ فكما أنك لا تُطِيقُ ذلك، ولا تقدِرُ عليه ولا غيرُك، ولا يقدِرُ عليه أحدٌ، سواى، فكذلك لا تقدِرُ على أن تبَصِّرَهم سبيل الرشادِ أنت ولا أحدٌ غيرى؛ لأن ذلك بيدى وإليَّ.
وهذا من الله تعالى ذكرُه تسْلية لنبيِّه صلى الله عليه وسلم عن جماعةٍ ممن كَفَرَ به من قومه وأدبَر عنه فكَذَّبَ، وتعزيةٌ له عنهم، وأمرٌ برفعِ طمعه من إنابتهم إلى الإيمان بالله.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)} .
يقول تعالى ذكرُه: إن الله لا يفعَلُ بخلْقِه ما لا يَسْتَحِقُون منه؛ لا يُعاقِبُهم إلا بمعصيتهم إيَّاه، ولا يُعَذِّبهم إلا بكفرهم به، {وَلَكِنَّ النَّاسَ}. يقولُ: ولكن الناس هم الذين يَظْلِمون أنفسَهم، باجْتِرامِهم ما يُورِثُها غضبَ اللَّهِ وسَخَطَه.
وإنما هذا إعلام من الله تعالى ذكرُه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، أنه لم يَسْلُبْ هؤلاء الذين أخبر جلّ ثناؤه عنهم أنهم لا يُؤْمِنون، الإيمان ابتداءً منه بغيرِ جُزمٍ سَلَفَ منهم، وإخبارٌ أنه إنما سَلَبَهم ذلك باستحقاقٍ منهم سَلْبَه، لذنوبٍ اكْتَسَبوها، فحَقَّ عليهم قولُ ربّهم:{وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 87].
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ويومَ نَحْشُرُ هؤلاء المشركين، فنَجْمَعُهم في موقفِ الحسابِ، كأنهم كانوا قبل ذلك لم يَلْبَثوا إلا ساعةً مِن نهارٍ يَتَعارَفون فيما بينهم، ثم انقَطَعتِ المعرفةُ، وانقَضَت تلك الساعةُ، يقولُ اللَّهُ:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاء اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} : قد غُبِنَ
(1)
الذين جَحَدوا ثوابَ اللهِ وعقابه حظوظهم
(2)
مِن الخيرِ، وهَلكوا، {وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}. يقولُ: وما كانوا مُوَفَّقِين لإصابةِ الرشدِ مما
(3)
فَعَلوا من تكذيبهم بلقاءِ اللَّهِ؛ لأنَّه أكْسَبَهم ذلك ما لا قِبَلَ لهم به مِن عذاب الله.
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"عين".
(2)
في م: "وحظوظهم".
(3)
في ف: "عن ما".
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46)} .
يقول تعالى ذكرُه: وإما نُرِيَنَّك يا محمد في حياتك بعض الذي نَعِدُ هؤلاء المشركين من قومك من العذابِ، {أَو نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أن نُرِيَك ذلك فيهم، {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ}. يقول: فمصيرهم بكلِّ حالٍ إلينا، ومُنْقَلَبُهم، {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ}. يقول جل ثناؤُه: ثم أنا شاهدٌ على أفعالِهم التي كانوا يَفْعَلونها في الدنيا، وأنا عالمٌ بها لا يَخْفَى على شيءٌ منها، وأنا مُجازيهم بها عندَ مصيرِهم إليَّ ومَرجعهم جزاءهم الذى يَسْتَحِقُونه.
كما حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد:{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} : من العذاب في حياتِك، {أَو نَتَوَفَّيَنَّكَ}: قبلُ، {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ}
(1)
.
حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوَه
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ولكلِّ أمةٍ خَلَتْ قبلكم أيها الناسُ رسولٌ أرسَلتُه إليهم،
(1)
تفسير مجاهد ص 381 ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1955 به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 308 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
كما أرسَلت محمدا إليكم، يدعون مَن أرسلتهم إليهم إلى دين الله وطاعته، {فَإذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ}. يعنى: في الآخرةِ.
كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابن جُريج، عن مجاهدٍ:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ} . قال: يومَ القيامةِ
(1)
.
وقوله: {وقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ} . يقولُ: قُضِيَ حينئذ بينَهم بالعدلِ، {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} مِن جزاءِ أعمالِهم شيئًا، ولكن يُجازَى المحسنُ بإحسانِه، والمسيءُ مِن أهل الإيمانِ؛ إما أن يُعاقِبَه اللهُ، وإما أن يعفوَ عنه، والكافرُ يُخلَّدُ في النارِ، فذلك قضاءُ اللهِ بينَهم بالعدل، وذلك لا شك عدل لا ظلمٌ.
حدَّثني المُثنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ} . قال: بالعدلِ
(2)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)} .
يقول تعالى ذكرُه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: ويقولُ هؤلاء المشركون مِن قومِك يا محمدٌ: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} الذى تَعِدُنا أنه يأتينا من عندِ اللهِ، وذلك قيامُ الساعةِ؟ {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}: أنتَ ومَن تَبِعَك فيما تَعِدوننا به مِن ذلك.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: قل يا محمدُ لمُستَعجِليك وعيدَ الله، القائلين لك: متى
(1)
تفسير مجاهد ص 381، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1955، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 308 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
تفسير مجاهد ص 381، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1955.
يَأتِينا الوعدُ الذى تَعِدُنا إن كنتم صادقين: {قُلْ لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي} أيُّها القومُ، أي: لا أقدِرُ لها على ضُرٍّ ولا نفع في دنيا ولا دين، {إِلَّا مَا شَاءَ الله} أن أملِكَه، فأجْلِبَه إليها بإذنه. يقولُ تعالى ذكرُه لنبيه صلى الله عليه وسلم: قلْ لهم: فإذ كنتُ لا أقدِرُ على ذلك إلا بإذنه، فأنا عن القدرة على الوصول إلى علم الغيب، ومعرفة قيامِ الساعِة أعجزُ وأعجَزُ، إلا بمشيئتِه وإذنِه لي في ذلك. {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} ، يقول: لكلِّ قومٍ ميقاتٌ لانقضاءِ مُدَّتِهم وأجلهم، فإذا جاء وقتُ انقضاء أجلهم وفناء أعمارِهم، لا يَستأخرون عنه ساعةً، فيُمهلون ويؤخَّرون، {وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} قبلَ ذلك؛ لأن اللهَ قد قضَى أن لا يتقدَّمَ ذلك قبلَ الحين الذى قدَّرَه وقَضاه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومِك: أرأيتم إن أتاكم عذابُ اللّهِ بيانًا -يقولُ: ليلا- أو نهارًا، وجاءت الساعةُ، وقامَت القيامةُ، أتقدِرون على دفع ذلك عن أنفسِكم؟ يقولُ الله تعالى ذكرُه: ماذا يَستَعجِلُ مِن نزول العذاب المجرمون الذين كَفَروا بالله، وهم الصالون بحره دون غيرهم، ثم لا يقدرون على دفعه عن أنفسهم؟
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: أهنالك إذا وَقَعَ عذاب الله بكم أيُّها المشركون، {آمَنتُم بِهِ}. يقولُ: صَدَّقتُم به في حالٍ لا ينفعُكم فيها التصديق، وقيل لكم حينَئذٍ: آلآن تُصَدِّقون به وقد كنتم قبلَ الآنَ به تستَعجِلون، وأنتم بنزوله مُكذِّبون؟ فذُوقوا الآن ما كنتُم به تُكذِّبون.
ومعنى قوله: {أَثُمَّ} . في هذا الموضعِ: أهنالك، وليست "ثُمَّ" هذه التي تأتى بمعنى العطفِ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ثُمَّ قِيلَ للَّذينَ ظلَموا أنفسَهم بكفرهم بالله: {ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ} : تَجرَّعوا عذابَ اللهِ الدَّائم لكم أبدا، الذي لا فناءَ له ولا زوالَ، {إِلَّا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ}. يقولُ: يقال لهم: فانظُروا، {هَلْ تُجزَوْنَ}. أي: هل تُتابون {إلا بما كنتم تكسِبُونَ} ، يقولُ: إلا بما كنتم تَعْمَلُونَ في حياتكم قبل مماتكم من معاصى الله.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)} .
يقول تعالى ذكرُه: ويسْتخبِرُك هؤلاء المشركون من قومك يا محمد، فيقولون لك: أحقٌّ ما تقولُ وما تَعِدُنا به من عذاب الله في الدارِ الآخرةِ، جزاءً على ما كُنَّا نكسِبُ من معاصى الله في الدنيا؟ قل لهم يا محمد:{قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} لا شكَّ فيه، وما أنتم بمعجزى الله، إذا أرادَ ذلك بكم، بهربٍ أو امتناعٍ، بل أنتم في قبضته وسلطانه ومُلكِه، إذا أرادَ فعَل ذلك بكم، فاتَّقُوا اللهَ في أنفسِكم.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ولو أن لكلِّ نفسٍ كَفَرت باللَّهِ -وظُلْمُها في هذا الموضعِ: عبادتُها غيرَ مَن [تُستَحَقُّ عبادتُه]
(1)
، وتركُها طاعةَ من يجب عليها
(2)
طاعتُه- {مَا فِي الْأَرْضِ} مِن قليلٍ أو كثيرٍ، {لافتَدَتْ بِهِ}. يقول: لافتدت بذلك كلِّه من عذابِ اللهِ إذا عايَنَته.
وقوله: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} . يقولُ: وأَخْفَتْ رؤساء هؤلاء المشركين مِن وُضَعائِهم وسَفِلَتِهم الندامةَ، حين أبْصَروا عذاب الله قد أحاط بهم، وأيْقَنُوا أنه واقعٌ بهم، {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ}. يقولُ: وقَضَى اللَّهُ يومَئِذٍ بينَ الأتباع والرؤساء منهم بالعدل، {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} ؛ وذلك أنه لا يُعاقِبُ أحدًا منهم إلا بجَرِيرتِه، ولا يأخُذُه
(3)
بذنبِ أحدٍ، ولا يُعذِّبُ إلا من قد أعْذَرَ إليه في الدنيا وأَنذَرَ، وتابَعَ عليه الحُججَ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55)} .
يقولُ جلَّ ذكرُه: ألا إن كلَّ ما في السماواتِ وكل ما في الأرضِ مِن شيءٍ للهِ مِلكٌ، لا شيء فيه لأحدٍ سواه. يقولُ: فليس لهذا الكافر بالله يومئذ شيءٌ يملكُه، فيَفْتَدِىَ به من عذاب ربه، وإنما الأشياء كلُّها للذى إليه عقابه، ولو كانت له الأشياء التي هي في الأرضِ ثم افتَدَى بها
(4)
، لم يَقْبَلْ منه بدلا من عذابه فيصرِفَ بها عنه العذابَ، فكيف وهو لا شيء له يَفْتدِى به منه، وقد حق عليه عذابُ اللهِ؟ يقولُ اللَّهُ
(1)
في م: "يستحق عبادة".
(2)
في ف: "عليه".
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س:"يأخذ".
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"به"، وفى م:"بما". وأثبتنا ما يقتضيه الكلام.
جلّ ثناؤه: {أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} . [يعنى: أن عذابه الذي أوعد هؤلاء المشركين على كفرهم حَقٌّ]
(1)
، فلا عليهم أن لا يستعجلوا به، فإنه بهم واقعٌ لا شكَّ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}. يقولُ: ولكن أكثر هؤلاء المشركين لا يَعلَمون حقيقةَ وقوع ذلك بهم، فهم مِن أجلِ جَهْلِهم به مكذِّبون.
القولُ في تأويل قوله تعالى: {هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: إن الله هو المُحيى المُميتُ، لا يَتَعذَّرُ عليه فعل ما أراد فعْلَه من إحياء هؤلاء المشركين إذا أراد إحياءَهم بعد مَماتِهم، ولا إماتَتِهم إذا أراد ذلك، وهم إليه يَصِيرون بعدَ مَماتِهم، فيُعايِنون ما كانوا به مُكذِّبين من وعيدِ الله وعقابه.
القولُ في تأويل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)} .
يقولُ تعالى ذكره لخلقه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتَكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن ربِّكُمْ} . يعني: ذكرى تُذَكِّرُكم عقابَ اللهِ، وتُخَوِّفُكم وعيدَه، {مِن رَّبِّكُمْ}. يقولُ: من عند ربِّكم، لم يَخْتلِقها محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ولم يَفْتَعِلْها أحدٌ، فتقولوا: لا نأْمَنُ أن تكونَ لا صحة لها. وإنما يعنى بذلك جلّ ثناؤُه القرآن، وهو الموعظةُ من الله.
وقوله: {وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ} . يقول: ودواءٌ لِما في الصدور من الجهلِ، يَشْفِى به الله جهلَ الجُهَّالِ، فيُبْرِئُ به داءَهم، ويَهْدِى به مِن خلقِهِ مَن أَرادَ هِدايتَه به، {وَهُدًى}. يقولُ: وهو بيانٌ لحلالِ اللَّهِ وحرامِه، ودليلٌ
(2)
على طاعته
(1)
سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
في ت 1، ت 2:"دليله".
ومعصيتِه، {وَرَحْمَةٌ} يَرْحَمُ بها مَن شَاءَ مِن خلقِه، فيُنْقِذُه به من الضلالة إلى الهُدى، ويُنَجِّيه به مِن الهلاكِ والرَّدَى، وجَعَلَه تبارك وتعالى رحمةً للمؤمنين به دونَ الكافرين به؛ لأن مَن كَفَرَ به فهو عليه عَمًى، وفي الآخرة جزاؤُه على الكفر به الخلودُ في لَظَى.
القولُ في تأويل قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} .
يقولُ تعالى ذكره لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} يا محمدُ لهؤلاء المكذِّبين
(1)
بك وبما أُنزِلَ إليك من عندِ ربِّك: {بِفَضْلِ اللَّهِ} أَيُّها الناسُ، الذى تَفَضَّلَ به
(2)
عليكم، وهو الإسلامُ، فبَيَّنَه لكم، ودَعاكم إليه، {وَبِرَحمتِهِ} التي رَحِمكم بها، فأنزَلَها إليكم، فعَلَّمَكم ما لم تكونوا تَعْلَمون من كتابِه، وبَصَّرَكم بها معالم دينِكم، وذلك القرآنُ، {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}. يقولُ: فإن الإسلام الذى دَعاهم إليه، والقرآن الذى أنزله عليهم، خيرٌ مما يَجْمَعون مِن حُطام الدنيا وأموالِها وكنُوزِها.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال
(3)
أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدثني عليُّ بن الحسن الأزْدِيُّ، قال: ثنا أبو معاويةَ، عن الحجاجِ، عن عطيةَ، عن أبي سعيد الخدريِّ في قوله: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ
(1)
في النسخ: "المشركين". والمثبت ما يقتضيه السياق.
(2)
في ت 1، ت 2، س، ف:"بها".
(3)
بعده في م، ص:"جماعة من".
فَلْيَفْرَحُوا}. قال: {بِفَضْلِ اللَّهِ} : القرآنُ، {وَبِرَحْمَتِهِ}: أن جَعَلَكُم مِن أهلِه
(1)
.
حدَّثني يحيى بن طلحة اليربوعيُّ، قال: ثنا فُضَيلٌ، عن منصورٍ، عن هلالِ بنِ يسَافٍ: {قُلْ
(2)
بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}. قال: بالإسلام الذي هَداكم، وبالقرآن الذى عَلَّمَكم
(3)
.
حدثنا أبو هشامٍ الرفاعيُّ، قال: ثنا ابنُ يَمانٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصور، عن هلال بن يسافٍ:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} . قال: بالإسلام [والقرآن]
(4)
. {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} من الذهب والفضة
(5)
.
حدَّثنا ابنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا عبد الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن هلالِ بن يسافٍ في قوله:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} . قال: فضلُ الله الإسلامُ، ورحمتُه القرآن
(6)
.
حدَّثني عليُّ بن سهلٍ، قال: ثنا زيدٌ، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن هلال ابن يَسَافٍ في قوله:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} . قال: الإسلام والقرآنُ.
(1)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1064 - تفسير)، وابن أبي شيبة 10/ 501، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1958، والنحاس في الوقف والابتدا ص 81، والبيهقى في الشعب (2598) من طريق أبي معاوية به.
(2)
في ص: "قال".
(3)
أخرجه البيهقي في الشعب (2601) من طريق فضيل بن عياض به.
(4)
سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
تفسير الثورى ص 128.
(6)
أخرجه أبو عبيد في فضائله ص 24، والبيهقى في الشعب (2602) من طريق عبد الرحمن بن مهدي به.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نُعَيمٍ وقبيصةُ، قالا: ثنا سفيان، عن منصورٍ، عن هلال بن يسافٍ مثله.
حدَّثنا ابنُ حُمَيدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصور، عن هلالٍ مثلَه.
حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} : أما فضلُه فالإسلام، وأما رحمته فالقرآنُ
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن الحسنِ:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} . قال: فضلُه الإسلام، ورحمتُه القرآنُ
(2)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} . قال: القرآنُ.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حَجاجٌ، عن ابن جريج، عن مجاهد:{وَبِرَحْمَتِهِ} . قال: القرآنُ
(3)
.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، [عن ابنِ جُرَيجٍ]
(4)
، قال: قال ابن عباسٍ: قولُه: {هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} . قال: الأموالُ وغيرها
(5)
.
حدَّثنا عليُّ بنُ داودَ، قال: ثني أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابنِ
(1)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1959 معلقا.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 296 عن الحسن، بدون ذكر معمر.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 502، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1958 من طريق حجاج عن القاسم عن مجاهد، وعند ابن أبي حاتم: فضل الله: الدين.
(4)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.
(5)
في ص، ت 1، ت 2، س:"غيره". والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 309 إلى المصنف وابن المنذر.
عباسٍ: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} . يقولُ: فضلُه الإسلامُ، ورحمتُه القرآنُ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ حُمَيدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن هلالٍ:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} . قال: بكتاب الله، وبالإسلام {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}
(2)
.
وقال آخرون: بل الفضلُ القرآنُ، والرحمةُ الإسلامُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} . قال: {بِفَضْلِ اللَّهِ} : القرآنُ، {وَبِرَحْمَتِهِ}
(3)
حينَ جَعَلَهُم مِن أهل القرآن
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا جعفرُ بنُ عَوْنٍ، قال: ثنا هِشَامُ بنُ سعدٍ، عن زيد بن أسلم، قال: فضلُ اللَّهِ القرآنُ، ورحمتُه الإسلامُ
(5)
.
حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عَوْنٍ، قال: أخبرنا هُشَيمٌ، عن جُوَيبرٍ، عن الضَّحَّاكِ قولَه:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} . قال: {بِفَضْلِ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1959، والبيهقى في الشعب (2596) من طريق أبي صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 308 إلى ابن المنذر.
(2)
أخرجه ابن أبى شيبة 10/ 502 عن جرير به.
(3)
بعده في ت 1، ت 2، س، ف:"الإسلام".
(4)
أخرجه أبو عبيد في فضائله ص 24 عن الحسين بن الحسن بن عطية به، وأخرجه ابن أبي شيبة 10/ 502، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1959، والبيهقى في الشعب (2597) من طريق عطية العوفي عن ابن عباس.
(5)
أخرجه البيهقي في الشعب (2599) من طريق جعفر بن عون به.
اللَّهِ}: القرآنُ، {وبرحمته}: الإسلامُ
(1)
.
حدَّثني يونس، قال: أخبرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قوله: {قل بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} . قال: كان أبي يقولُ: فضلُه القرآنُ، ورحمتُه الإسلامُ
(2)
.
واختَلَفَت القرأةُ في قراءة قوله: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} .
فقَرَأَ ذلك عامةُ قرأةِ الأمصار: {فَلْيَفْرَحُوا} بالياء، {هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} بالياء
(3)
أيضًا
(4)
، على التأويل الذى تأوَّلْناه مِن أنه خبرٌ عن أهل الشركِ بالله. يقولُ: فبالإسلام والقرآن الذى دَعاهم إليه، فلْيَفرَحْ هؤلاء المشركون، لا بالمال الذى يَجْمَعون، فإن الإسلام والقرآنَ خيرٌ مِن المال الذى يَجْمَعون.
وكذلك حُدِّثت عن عبد الوهاب بن عطاءٍ، عن هارونَ، عن أبى التَّيَّاحِ:{فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} : يعنى الكفار.
ورُوِيَ عن أُبَيِّ بن كعبٍ في ذلك ما حدَّثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن أسلم المِنْقَرِيِّ، عن
(5)
عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ أَبْزَى، عن أبيه، عن أُبَيِّ بنِ كعبٍ، أنه كان يقرأُ:(فبذلك فلتَفْرَحوا هو خَيْرٌ مما تَجْمعون) بالتاء
(6)
.
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عَوْنٍ، قال: أخبرنا هُشَيمٌ، عن الأَجْلَحِ، عن
(1)
أخرجه سعيد بن منصور (1065 - تفسير)، ومن طريقه البيهقي في الشعب (2600)، عن هشيم به.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1959 من طريق أصبغ عن ابن زيد به.
(3)
في ت 2: "بالتاء".
(4)
هي قراءة السبعة إلا ابن عامر فقرأ: (خير مما تجمعون)، ولم يذكر عنه في:{فليفرحوا} شيء.
(5)
بعده في م: "عبد الله بن".
(6)
أخرجه ابن سعد 2/ 340، وأحمد 5/ 123 (الميمنية)، والبخارى في خلق أفعال العباد (420)، وأبو داود (3980)، والبيهقى في الشعب (2594) وغيرهم من طرق عن الثورى به.
عبدِ اللَّهِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ أَبْزَى، عن أبيه، عن أُبَيِّ بن كعب مثل ذلك
(1)
.
وكذلك كان الحسنُ البَصْرِيُّ يقولُ، غير أنه فيما ذُكِرَ عنه كان يقرأُ قوله:{هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} بالياءِ، الأوَّلُ على وَجْهِ الخطابِ، والثاني على وَجْهِ الخبر عن غائبٍ.
وكان أبو جعفر القارئُ -فيما ذُكِرَ عنه- يقرأُ ذلك نحوَ قراءة أُبَيٍّ، بالتاء جميعا
(2)
.
قال أبو جعفرٍ: والصوابُ مِن القراءة في ذلك
(3)
، ما عليه قرأة الأمصار من قراءةِ الحرفَين جميعا بالياء:{فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} . لمعنيين؛ أحدهما: إجماعُ الحُجَّةِ مِن القرأة عليه.
والثاني: صحتُه في العربية؛ وذلك أن العرب لا تكادُ تأمُرُ المخاطب باللامِ والتاءِ، وإنما تأمره فتقول: افعل ولا تفعلْ.
وبعدُ: فإني لا أعلم أحدًا من أهل العربية إلا وهو يَسْتَرْدِئُ أَمَرَ المخاطَب باللام، ويرى أنها لغةٌ مرغوبٌ عنها، غير الفَرَّاءِ
(4)
، فإنه كان يزعُمُ أَن "اللامَ" في [الأمر هى البناءُ]
(5)
الذى خُلِقَ له، واجَهتَ به أم لم تُوَاجِه. إلا أن العرب حَذَفَت
(6)
"اللام"
(1)
أخرجه أبو عبيد في فضائله ص 215، وسعيد بن منصور في سننه (1062 - تفسير)، وابن أبي شيبة 10/ 564، 12/ 141، وأحمد 5/ 122 (الميمنية)، والبخارى في خلق أفعال العباد (421 - 423)، وأبو داود (3981)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1959، وغيرهم من طريق الأجلح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 308 إلى ابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف وأبى الشيخ وابن مردويه. وينظر الطيالسي (547).
(2)
قرأ: (فلتفرحوا) بالخطاب أبى ويعقوب في رواية رويس، وقرأ:(تجمعون) بالخطاب أبو جعفر وابن عامر ويعقوب في رواية رويس. ينظر النشر 2/ 214، والإتحاف ص 152.
(3)
القراءتان المذكورتان متواترتان.
(4)
معاني القرآن للفراء 1/ 469.
(5)
في ص: "هى البناء"، وفى م:"ذى التاء"، وفى ت 1، ت 2، س:"هي التاء"، وفى ف:"هي". والمثبت من معاني القرآن 1/ 469.
(6)
في ت 2، س، ف:"حدثت".
مِن فعلِ المأمورِ المُواجَهِ؛ لكثرة الأمرِ خاصةً
(1)
في كلامِهم، كما حَذَفوا
(2)
"التاءَ" مِن الفعلِ. قال: وأنت تعلمُ أن الجازم والناصبَ لا يَقَعان إلا على الفعل الذى أوله "الياءُ" و"التاءُ" و"النونُ" و"الألفُ"، فلما حُذفت "التاءُ": ذَهَبَت "اللامُ"، وأُحْدِثَت "الألفُ" في قولِك: اضرِبْ، وافرَحْ. لأن "الفاء"
(3)
ساكنةٌ، فلم يَسْتَقِمْ أَن يُسْتأنف بحرف ساكنٍ، فأدخَلوا ألفًا خفيفةً يقعُ بها الابتداءُ، كما قال
(4)
: {ادَّارَكُوا} [الأعراف: 38] و {اثَّاقَلْتُمْ} [التوبة: 38].
وهذا الذى اعْتَلَّ به الفراءُ عليه لا له؛ وذلك أن العرب إن كانت قد حَذَفَت "اللامَ": في المُواجَهِ وتَرَكَتْها، فليس لغيرها إذا نَطق بكلامها أن يُدْخِلَ فيه ما ليس منه، مادام مُتكلِّمًا بلغتها، فإن فعل ذلك كان خارجا عن لغتها. وكتاب
(5)
الله الذى أنزله على محمدٍ بلسانها، فليس لأحدٍ أن يَتْلُوَه إلا بالأفصحِ من كلامها، وإن كان معروفًا بعضُ ذلك من لغة بعضِها، فكيف بما ليس بمعروف من لغة حيٍّ ولا قبيلةٍ منها، وإنما هو دَعْوى لا ثَبَتَ
(6)
بها ولا صحةَ
(7)
.
القولُ في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)} .
(1)
في ت 1، ت 2، س، ف:"حاجته".
(2)
في ت 2، س، ف:"حدثوا".
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الألف"، وفى معاني القرآن:"الضاد".
(4)
في النسخ: "قالوا". وينظر معاني القرآن للفراء 1/ 469.
(5)
في م: "الكلام".
(6)
في ص، ت 2، س:"تثبت". والثبت: الحجة. التاج (ث ب ت).
(7)
في م: "حجة".
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} يا محمدُ لهؤلاء المشركين: {أَرَأَيْتُمْ} أَيُّها الناسُ، {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ}. يقولُ: ما خَلَقَ اللهُ لكم من الرزق فخَوَّلَكُموه، وذلك ما تَتَغَذَّون به مِن الأطعمةِ، {فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا}. يقولُ: فحَلَّلْتُم بعض ذلك لأنفسِكم، وحَرَّمْتُم بعضَه عليها. وذلك كتَحْريمِهم ما كانوا يُحَرِّمُونه مِن حُرُوثِهم التي كانوا يَجْعَلونها لأوثانِهم، كما وَصَفَهم اللهُ به، فقال:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} [الأنعام: 136]. ومِن الأنعامِ ما كانوا يُحَرِّمونه بالتَّبْحِيرِ والتَّسْييب، ونحوِ ذلك، مما قَدَّمناه فيما مَضَى مِن كتابِنا هذا
(1)
.
يقولُ اللهُ لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: قلْ يا محمدُ: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} بأن تُحَرِّموا ما حَرَّمْتم منه {أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} ، أي: تقولون الباطلَ وتَكْذِبون؟
وبنحوِ الذى قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، [عن عليٍّ]
(2)
، عن ابنِ عباسٍ، قال: إن أهلَ الجاهلية كانوا يُحَرَّمون أشياءَ أَحَلَّها اللهُ من الرزقِ
(3)
وغيرَها، وهو قولُ اللهِ:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} . وهو هذا. فأنزَل اللهُ تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ}
(4)
الآية [الأعراف: 32].
(1)
ينظر ما تقدم في 9/ 26 - 30.
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
فى م: "الثياب".
(4)
ينظر تفسير ابن كثير 4/ 211.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ} إلى قولِه: {أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} . قال: هم أهلُ الشركِ
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ، عن عطاءٍ الخُراسانيِّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} . قال: الحرثُ والأنعامُ.
قال ابنُ جُرَيجٍ: قال مجاهدٌ: البَحائرُ والسُّيَّبُ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} . قال: في البَحِيرةِ والسَّائبةِ
(2)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} الآية. يقولُ: كلُّ رزقٍ لم أُحَرِّمُ، حَرَّمْتُموه على أنفسِكم من نسائِكم وأموالِكم وأولادِكم، {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} فيما حَرَّمْتُم مِن ذلك، {أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}
(3)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} . فَقَرَأَ حتى بَلَغَ {أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} . وقَرَأَ: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام: 139]. وقَرَأَ: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1960 عن محمد بن سعد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 309 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه.
(2)
تفسير مجاهد ص 381، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1961.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1960، 1961 من طريق سعيد وخليد عن قتادة.
وَحَرْثٌ حِجْرٌ} حتى بَلَغَ {لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا} [الأنعام: 138]. فقال: هذا قولُه، جَعَلَ لهم رزقًا، فجعلوا منه حرامًا وحلالًا، وحَرَّموا بعضَه
(1)
، وأَحَلُّوا بعضَه. وقَرَأَ:{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} [الأنعام: 143]. أيَّ هذين حَرَّمَ على هؤلاء الذين يقولون وأحلَّ لهؤلاء؟ {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام: 143]. {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} [الأنعام: 144]. إلى آخرِ الآياتِ.
حُدِّثتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمعتُ أبا مُعاذٍ، قال: ثنا عُبَيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمعتُ الضّحّاكَ يقولُ في قولِه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} : هو الذى قال اللهُ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} إلى قولِه: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}
(2)
[الأنعام: 136].
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وما ظَنُّ هؤلاء الذين يَتَخَرَّصون على اللهِ الكذبَ، فيُضِيفون إليه تحريم ما لم يُحرمه عليهم من الأرزاقِ والأقواتِ التى جعَلها اللهُ
(3)
لهم غذاءً، أن الله فاعلٌ بهم يومَ القيامة بكذبِهم وفِرْيتِهم عليه؟ أيحسَبون أنه يَصْفَحُ عنهم ويغفرُ؟ كلا، بل يُصْلِيهم سعيرًا خالدين فيها أبدًا، {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ
(1)
في ص، ت 2، ف:"بعضهم".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1961 عن أبي معاذ به.
(3)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
عَلَى النَّاسِ}. يقولُ: إن اللهَ لذو تَفَضُّلٍ على خلقِه، بَتَرْكِهِ مُعاجَلَةَ مَنِ افْتَرَى عليه الكذبَ بالعقوبةِ فى الدنيا، وإمْهالِه إيَّاه، إلى وُرُودِه عليه في القيامةِ. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ}. يقولُ: ولكن أكثرَ الناس لا يَشْكُرونه على تَفَضُّلِه عليهم بذلك، وبغيرِه مِن سائرِ نِعَمِه.
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: {وَمَا تَكُونُ} يا محمدُ {فِي شَأْنٍ} . يعني: في عملٍ مِن الأعمالِ، {وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ}. يقولُ: وما تَقْرَأُ مِن كتابِ اللهِ مِن قرآنٍ، {وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ}. يقولُ: ولا تعمَلون
(1)
أيُّها الناسُ من خيرٍ أو شرٍّ، {إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا}. يقولُ: إلا ونحن شهودٌ لأعمالِكم وشُئونِكم، إذ تَعْمَلونها وتأخُذُون فيها.
وبنحوِ الذى قُلنا في ذلك رُوِيَ القولُ عن ابنِ عباسٍ وجماعةٍ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} . يقولُ: إذ تَفْعَلون
(2)
.
وقال آخرون: معنى ذلك: إذ تُشِيعون فى القرآنِ الكذبَ.
(1)
بعده في م: "من عمل".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1962، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 309 إلى ابن المنذر.
ذكرُ مَن قال ذلك
حُدِّثتُ عن المسيَّبِ بن شَرِيكٍ، عن أبى رَوْقٍ، عن الضَّحّاكِ:{إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} . يقول: تُشِيعون في القرآنِ مِن الكذبِ.
وقال آخرون: معنى ذلك: إذ تُفيضون في الحقِّ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} . فى الحقِّ ما كان
(1)
.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجُ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
وإنما اخْتَرْنا القولَ الذى اختَرْناه فيه؛ لأنه تعالى ذكرُه أخبرَ أنه لا يعملُ عبادُه عملًا إلا كان شاهدَه، ثم وَصَلَ ذلك بقولِه:{إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} . فكان معلومًا أن قولَه: {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} . إنما هو خبرٌ منه عن وقتِ عمل العامِلِين أنه له شاهدٌ، لا عن وقتِ تلاوةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم القرآن؛ لأن ذلك لو كان خبرًا عن شهودِه تعالى ذكرُه وقتَ إفاضةِ القومِ فى القرآنِ، لكانت القراءةُ بالياءِ:(إذ يُفِيضون فيه) خبرًا منه عن المُكَذِّبِين
(2)
فيه.
(1)
تفسير مجاهد ص 381، ومن طريقه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1963.
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"المتكذبين".
فإن قال قائلٌ: ليس ذلك خبرًا عن المُكذِّبِين
(1)
، ولكنه
(2)
خطابٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه شاهدُه إذ تَلَا القرآنَ.
فإن ذلك لو كان كذلك، لكان التنزيلُ:(إذ تُفِيضُ فيه)؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم واحدٌ لا جمعٌ
(3)
، كما قال:{وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ} . فأفرَده بالخطاب، ولكن ذلك في ابتدائِه خطابَه صلى الله عليه وسلم بالإفرادِ، ثم عَوْدِه إلى إخراجِ الخطابِ على الجمعِ
(4)
، نظيرَ قولِه:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1]. وذلك أن في قولِه: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} ، دليلًا واضحًا على صَرْفِه الخطابَ إلى جماعةِ المسلمين مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع جماعةِ الناسِ غيرِه؛ لأنه ابتَدَأ خطابه، ثم صَرَفَ الخطابَ إلى جماعةِ الناسِ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم فيهم.
وخبرٌ عن أنه لا يعملُ أحدٌ من عبادِه عملًا إلا وهو له شاهدٌ، يُحْصِى عليه ويَعْلَمُه، كما قال:{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} يا محمدُ، عملُ خلقِه، ولا يذهبُ عليه علمُ شيءٍ حيثُ كان مِن أرضٍ أو سماءٍ.
وأصلُه مِن عُزُوبِ الرجل عن أهلِه فى ماشيتِه، وذلك غيبتُه عنهم فيها. يقالُ منه: عَزَبَ الرجلُ عن أهلِه يَعْزُبُ، ويَعْزبُ، لغتان فصيحتان، قَرَأَ بكلِّ واحدةٍ منهما جماعةٌ من القرأةِ، وبأيَّتِهما قَرَأَ القارئُ فمُصِيبٌ؛ لاتفاقِ مَعْنَيَيهما، واسْتِفاضتِهما فى منطقِ العربِ، غيرَ أنى أميلُ إلى الضَّمِّ فيه؛ لأنه أغلبُ على المشهورين مِن القرأةِ
(5)
.
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"المتكذبين".
(2)
فى م: "لكن".
(3)
في ص، ت 2، س:"جميع".
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س:"الجميع".
(5)
قرأ الكسائي بكسر الزاي، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة بضمها. التيسير ص 100.
وقولُه: {مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ} . يعنى: مِن زِنَةِ نملةٍ صغيرةٍ؛ يُحْكَى عن العربِ: خُذْ هذا، فإنه أَخَفُّ مِثْقالًا مِن ذاك. أى أخفُّ وَزْنًا.
والذَّرَّةُ واحدةُ الذَّرِّ، والذَّرُّ صِغارُ النملِ. وذلك خبرٌ عن أنه لا يَخْفَى عليه جل جلاله أصغرُ الأشياءِ وإن خَفَّ فى الوزنِ كلَّ الخِفِّةِ، ومقاديرُ ذلك ومبلغُه، ولا أكبرُها وإن عَظُمَ وثَقُلَ وزنُه، وكم مبلغُ ذلك. يقولُ تعالى ذكرُه لخلقِه: فليكنْ عملُكم، أيُّها الناسُ، فيما يُرْضِى ربَّكم عنكم، فإنَّا شهودٌ لأعمالِكم، لا يَخْفَى علينا شيءٌ منها، ونحن مُحْصُوها ومُجازُوكم بها.
واختلَفَت القرأةُ فى قراءةِ قولِه: {وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ} .
فقرأ ذلك عامَّةُ القرأةِ بفتحِ "الراءِ" مِن {أَصْغَرَ} و {أَكْبَرَ} على أن معناها الخفضُ، عطفًا بالأصغرِ على الذَّرَّةِ، وبالأكبرِ على الأصغرِ، ثم فُتِحَت راؤُهما؛ لأنهما لا يَجْرِيان
(1)
. وقَرَأَ ذلك بعضُ الكوفيِّين: (وَلا أَصْغَرُ مِن ذلك وَلَا أكْبَرُ) رفعًا
(2)
؛ عطفًا بذلك على معنى المِثْقالِ؛ لأن معناه الرفعُ، وذلك أن "مِن" لو أُلِغيت
(3)
من الكلامِ لرُفِعَ المِثْقَالُ، وكان الكلامُ حينَئذٍ: وما يَعْزُبُ عن ربِّك مثقالُ ذَرَّةٍ، ولا أصغرُ مِن مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، ولا أكبرُ. وذلك نحوُ قولِه:(مِنْ خَالِقٍ غَيْرِ اللهِ) و {غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3].
وأوْلى القراءتَين في ذلك بالصوابِ
(4)
قراءةُ مَن قَرَأَ بالفتحِ، على وَجْهِ الخَفضِ والرَّدِّ على الذرَّةِ؛ لأن ذلك قراءةُ قرأةِ الأمصارِ، وعليه عوامُّ القرأةِ، وهو أصحُّ في
(1)
هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم وابن عامر والكسائي. السبعة لابن مجاهدٍ ص 328. والتيسير ص 100.
(2)
هي قراءة حمزة وحده. السبعة لابن مجاهدٍ ص 328، والتيسير ص 100.
(3)
في م: "ألقيت".
(4)
القراءتان كلتاهما صواب.
العربية مَخْرَجًا، وإن كان للأخرى وَجْهٌ معروفٌ.
وقولُه: {إِلَّا فِي كِتَابٍ} . يقولُ: وما ذاك كلُّه إلا في كتابٍ عندَ اللهِ، {مُبِينٍ} ، عن حقيقةِ خبر اللهِ لَمَن نَظَرَ فيه، أنه لا شيءَ كان أو يكونُ إلا وقد أحْصَاه اللهُ جلّ ثناؤُه فيه، وأنه لا يَعْزُبُ عن اللهِ علمُ شيءٍ مِن خلقِه حيث كان مِن سمائِه وأرضِه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} . يقولُ: لا يَغِيبُ عنه
(1)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمارةَ، قال: ثنا عبيد
(2)
اللهِ، قال: أخبَرنا إسرائيلُ، عن أبى يحيى، عن مجاهدٍ، عن ابنِ عباسٍ:{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} . قال: ما يَغِيبُ عنه
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ألا إن أنصارَ اللهِ لا خوفٌ عليهم في الآخرةِ مِن عقابِ اللهِ؛ لأن اللهَ رَضِيَ عنهم، فَآمَنَهم مِن عقابِه، ولا هم يَحْزَنون على ما فاتَهم مِن الدنيا.
والأولياءُ: جمعُ وَليٍّ، وهو النصيرُ. وقد بَيَّنَّا ذلك بشواهدِه
(4)
.
(1)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 309 إلى ابن المنذر وعبد بن حميد والفريابي.
(2)
في النسخ: "عبد" وقد تقدم مرارًا.
(3)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س. والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1963 من طريق عبيد الله ابن موسي به.
(4)
تقدم في 2/ 408.
واخْتَلَف أهلُ التأويلِ فيمَن يَسْتَحِقُّ هذا الاسمَ؛ فقال بعضُهم: هم قومٌ يُذْكَرُ اللهُ لرؤيتِهم؛ لما عليهم مِن سِيما الخيرِ والإخْبات.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أبو كُريبٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابنُ يَمانٍ، قال: ثنا ابن أبي ليلى، عن الحَكَمِ، عن مِقْسَمٍ، وسعيدِ بنِ جُبَيرٍ، عن ابنِ عباسٍ:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} . قال: الذين يُذْكَرُ اللهُ لرُؤْيتِهم
(1)
.
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ وأبو هشامٍ، قالا: ثنا ابنُ يَمانٍ، عن أَشْعَثَ بنِ إِسحاقَ، عن جعفرِ بن أبى المُغيرةِ، عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثلَه
(2)
.
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا ابنُ يَمانٍ، عن سفيانَ، عن العلاءِ بنِ المُسَيَّبِ، عن أبي الضُّحَى مثلَه.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن العلاءِ بنِ المُسَيَّبِ، عن أبيه:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} . قال: الذين يُذْكَرُ اللهُ لرُؤْيتِهم.
قال: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ وعُبَيدُ اللهِ، عن سفيانَ، عن العلاءِ بنِ المُسَيَّبِ، عن أبي الضُّحَى، قال: سمعتُه يقولُ فى هذه الآيةِ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} . قال: من الناسِ مفاتيحُ، إذا رُءُوا ذُكِر اللهُ لرُؤْيتِهم
(3)
.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم 6/ 1964 من طريق ابن يمان، بدون ذكر: سعيد بن جبير، وأخرجه الطبراني (12325) ومن طريقه أبو نعيم في أخبار أصبهان 1/ 230، 231 من طريق يحيى بن يمان عن أشعث عن جعفر عن سعيد به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 309 إلى أبى الشيخ وابن مردويه والضياء.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 228 عن ابن يمان به.
(3)
أخرجه ابن أبى شيبة 13/ 521 عن ابن مهدى به.
قال: ثنا أبي، عن مِسْعَرٍ، عن سهلٍ أبي
(1)
الأسدِ، عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، قال: سُئِلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن أولياءِ اللهِ، فقال:"الذين إذا رُءُوا ذُكِرَ اللهُ"
(2)
.
قال
(3)
: ثنا زيدُ بنُ حُبَابٍ، عن سفيانَ، عن حبيبِ بنِ أبي ثابتٍ، عن أبى وائلٍ، عن عبدِ اللهِ:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} . قال: الذين إذا رُءُوا ذُكِر اللهُ لرُؤْيتِهم
(4)
.
قال: ثنا [أبو يزيدَ]
(5)
الرازيُّ، عن يعقوبَ، عن جعفرٍ، عن سعيدِ بنِ جُبيَرٍ، [عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"هم الذين إذا رُءُوا ذُكِرَ اللهُ"
(6)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا فُرَاتٌ، عن أبي سعدٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ]
(7)
، قال: سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن أولياءِ اللهِ، قال:"هُمُ الذين إذا رُءُوا ذُكِرَ اللهُ"
(8)
.
قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا هُشَيمٌ، قال: أخبرَنا العَوَّامُ، عن عبدِ اللهِ بنِ أَبي
(1)
فى م: "ابن". وينظر تهذيب الكمال 27/ 463.
(2)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (217) وابن أبي الدنيا في الأولياء (27) من طريق مسعر به، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 309 إلى أبي الشيخ وابن مردويه.
(3)
سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
أخرجه ابن أبى الدنيا في الأولياء (26) من طريق زيد بن الحباب به، وأخرجه الطبراني (10476) من طريق زيد بن الحباب به مرفوعا. وينظر السلسلة الضعيفة (2409).
(5)
في ت 2: "أبو زيد".
(6)
أخرجه ابن أبي الدنيا في الأولياء (15) من طريق يعقوب به، وأخرجه النسائي في الكبرى (11235)، وابن المبارك في الزهد (218)، والبزار (3626 - كشف، وابن أبي حاتم 6/ 1964، من طريق يعقوب به بزيادة ابن عباس مرفوعًا، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 309 إلى الحكيم الترمذي وابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس.
(7)
سقط من: ت 1، ت 2، س. وغير واضح في: ف.
(8)
أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/ 6، 7/ 231 من طريق آخر عن سعيد به.
الهُذَيلِ فى قولِه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} الآية. قال: إن وليَّ اللهِ إذا رُئِيَ ذُكِر اللهُ.
وقال آخرون في ذلك بما حدَّثنا أبو هشامٍ الرفاعيُّ، قال: ثنا ابنُ
(1)
فُضَيلٍ، قال: ثنا أبي، عن عمارةَ بنِ القَعْقاعِ الضَّبِّيِّ، عن أبي زُرْعةَ بنِ
(2)
عمرِو بنِ جريرٍ
(3)
البَجَلِيِّ، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِن عِبادِ اللهِ عبادًا يَغْبِطُهم الأنبياءُ والشهداءُ". قيل: مَن هم يا رسولَ اللهِ، فلعلنا نحبُّهم؟ قال: "هم قومٌ تَحابُّوا في اللهِ مِن غيرِ أموالٍ ولا أنسابٍ
(4)
، وجوهُهم
(5)
نورٌ، على منابرَ مِن نورٍ، لا يَخافُون إذا خافَ الناسُ، ولا يَحْزَنون إذا حَزِنَ الناسُ". وقرَأ:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}
(6)
.
حدَّثنا ابنُ حُمَيدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن عمارةَ، عن أبي زُرْعَةَ، عن عمرَ بنِ الخطابِ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِن عِبادِ اللهِ لأُناسًا، ما هم بأنبياءَ ولا شهداءَ، يَغْبِطُهم الأنبياءُ والشهداءُ يومَ القيامةِ بمكانِهم مِن اللهِ". قالوا: يا رسولَ اللهِ، أخبرْنا مَن هم، وما أعمالُهم، فإنَّا نحبُّهم لذلك؟ قال: "هم قومٌ تَحابُّوا في
(1)
في النسخ: "أبو". والمثبت من مصادر التخريج، وينظر تهذيب الكمال 26/ 293.
(2)
في النسخ: "عن". والمثبت من مصادر التخريج، وينظر تهذيب الكمال 33/ 323.
(3)
في م: "حمزة".
(4)
فى ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أسباب".
(5)
بعده في م: "من".
(6)
أخرجه ابن أبي الدنيا في الإخوان (5)، والبيهقى فى شعب الإيمان (8997) من طريق ابن فضيل به، وأخرجه النسائى فى الكبرى (11236) من طريق محمد بن فضيل عن أبيه وعمارة عن أبي زرعة به، وأخرجه أبو يعلى (6110) -وعنه ابن حبان (573) - من طريق ابن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 310 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه.
اللهِ، [بروحِ اللهِ]
(1)
، على غيرِ أرحامٍ بينَهم، ولا أموالٍ يَتَعاطَونها، فواللهِ إن وجوهَهم لنورٌ، وإنهم لعلى نورٍ، لا يَخافون إذا خافَ الناسُ، ولا يَحْزنون إذا حَزِنَ الناسُ". وقَرَأ هذه الآية:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}
(2)
.
حدَّثنا [بحرُ بنُ نصرٍ]
(3)
الخَوْلانيُّ، قال: ثنا يحيى بنُ حسانَ، قال: ثنا عبدُ الحميدِ بنُ بَهْرامَ، قال: ثنا شَهْرُ بنُ حوشبٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ غَنْمٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريِّ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يأتى مِن أفْناءِ الناسِ ونَوازعِ القبائلِ، قومٌ لم تَصِلْ
(4)
بينَهم أرحامٌ متقارِبةٌ تَحابُّوا فى اللهِ، وتَصَافَوا فِى اللهِ، يَضَعُ اللهُ لهم يومَ القيامةِ منابرَ مِن نورٍ، فيُجْلِسُهم عليها، يَفْزَعُ الناسُ فلا يَفْزَعون، وهم أولياءُ اللهِ الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يَحْزَنون"
(5)
.
والصوابُ مِن القولِ فى ذلك أن يقالَ: الوليُّ -أعنى وليَّ اللهِ- هو مَن كان
(1)
سقط من: ت 1، ت 2، س.
(2)
أخرجه أبو داود (3527)، وابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1963، والبيهقي في الشعب (8998) من طريق جرير به، وأخرجه أبو نعيم في الحلية 1/ 5 من طريق عمارة به، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 310 إلى هناد وابن مردويه.
(3)
فى ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الحسن بن"، وفى م:"الحسن بن نصر". والمثبت هو الصواب، وينظر تهذيب الكمال 4/ 16.
(4)
في ت 1، م:"يتصل".
(5)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (714)، وأحمد 5/ 343 (الميمنية)، وابن أبي الدنيا في الإخوان (6)، وابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1963 من طريق عبد الحميد بن بهرام به. وأخرجه أحمد 5/ 341 من طريق شهر به. وأخرجه معمر في جامعه (20324)، وأحمد 5/ 342 (الميمنية)، وأبو يعلى (6842)، والطبراني في الكبير (3433، 3435)، والبغوي في تفسيره 4/ 139، وشرح السنة 13/ 50، والبيهقى فى الشعب (9001) - من طريق شهر عن أبي مالك بدون ذكر عبد الرحمن بن غنم.
بالصفةِ التى وَصَفَه اللهُ بها، وهو الذى آمَن واتَّقَى، كما قال اللهُ:{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} .
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك كان ابنُ زيدٍ يقولُ.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} مَن هم يا ربِّ؟ قال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} . قال: أبَى أن يتقبَّلَ الإيمانَ إلا بالتقوى
(1)
.
القولُ في تأويلِ قولِه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: الذين صَدَّقوا اللهَ ورسولَه، وما جاء به من عندِ اللهِ، وكانوا يَتَّقُون اللهَ
(2)
بأداءِ فرائضِه، واجْتنابِ معاصيه.
وقولُه: {الَّذِينَ آمَنُوا} : مِن نعتِ الأولياءِ. ومعنى الكلامِ: ألا إن أولياءَ الله الذين آمنوا وكانوا يَتَّقُون، لا خوفٌ عليهم ولا هم يَحْزنون.
فإن قال قائلٌ: فإذ كان معنى الكلامِ ما ذكرتَ عندَك، أفي موضعِ رفعٍ {الَّذِينَ آمَنُوا} ، أم في موضعِ نصبٍ؟
قيل: في موضعِ رفعٍ، وإنما كان كذلك وإن كان مِن نعتِ الأولياءِ؛ لمَجيئِه بعدَ خبرِ الأولياءِ، والعربُ كذلك تفعلُ، خاصةً فى "إن" إذا جاء نعتُ الاسمِ الذى عَمِلَت فيه بعدَ تمامِ خبرِه، رَفَعوه فقالوا: إن أخاك قائمٌ الظريفُ
(3)
. كما قال اللهُ: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [سبأ: 48]، وكما قال: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1965 من طريق أصبغ بن الفرج عن ابن زيد به.
(2)
زيادة من: م.
(3)
في ت 1، ت 2، س:"الطريق".
تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} [ص: 64].
وقد اختَلَف أهلُ العربيةِ فى العلَّةِ التي مِن أجلِها قيل ذلك كذلك، مع أن إجماعَ جميعِهم على أن ما قُلنا هو الصحيحُ مِن كلامِ العربِ، وليس هذا مِن مواضعِ الإبانةِ عن العِلَلِ التى من أجلِها قيل ذلك كذلك.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: البُشْرَى مِن اللهِ فى الحياةِ الدنيا وفي الآخرةِ، لأولياءِ اللهِ الذين آمَنوا وكانوا يَتَّقُون.
ثم اختلَف أهلُ التأويلِ في البُشْرَى التي بَشَّرِ اللهُ بها هؤلاء القومَ، ما هي؟ وما صفتُها؟
فقال بعضُهم: هى الرؤيةُ الصالحةُ يَراها الرجلُ المسلمُ أو تُرَى له، وفي الآخرةِ الجنةُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا ابن أبى عديٍّ، عن شعبةَ، عن سليمانَ، عن ذكوانَ، عن شيخٍ، عن أبي الدرداءِ، قال: سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآيةِ: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "الرُّؤيا الصالحةُ يَرَاها المؤمنُ أو تُرَى له"
(1)
.
(1)
أخرجه أحمد 6/ 445 من طريق سفيان عن الأعمش به، والطيالسي (1069)، وأحمد 6/ 446، 447 (الميمنية)، من طريق شعبة به. وأخرجه الطحاوى فى المشكل (2180)، والبيهقى فى الشعب (4751) =
حدَّثنا العباسُ بنُ الوليدِ، قال: أخبَرنى أبى، قال: أخبَرنا الأوزاعيُّ، قال: أخبَرنى يحيى بنُ أبى كثيرٍ، قال: ثنى أبو سَلَمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، قال: سأل عبادةُ ابنُ الصامتِ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لقد سأَلْتَني عن شيءٍ ما سَألَنِي عنه أحدٌ قبلَك" -أو قال: غيرُك- قال: "هى الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها الرجلُ الصالحُ، أو تُرَى له"
(1)
.
حدَّثنا المثنَّى، قال: ثنا أبو داودَ، عمَّن ذَكَره، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن عُبادة بن الصامتِ، قال: سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن قولِ اللهِ تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هي الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها المسلمُ أو تُرَى له"
(1)
.
حدَّثنا أبو قِلابةَ، قال: ثنا مسلمٌ، قال: ثنا أبانٌ، عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ، عن أبي سَلَمةَ، عن عُبادةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوَه
(2)
.
= من طريق الأعمش به. جميعهم بزيادة عطاء بعد ذكوان. وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 311 إلى الحكيم الترمذى فى نوادر الأصول وابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه.
(1)
أخرجه الطيالسي (584) -ومن طريقه الترمذى (2275)، والبيهقى فى الشعب (4753) - عن حرب بن شداد (وزاد الترمذي: وعمران القطان) عن يحيى به. وأخرجه أحمد 5/ 321 (الميمنية)، وابن قانع في معجم الصحابة (689)، والحاكم 4/ 391 من طرق عن يحيى به.
(2)
أخرجه الدارمي 2/ 123 عن مسلم به، وأخرجه أحمد 5/ 315 (الميمنية) من طريق أبان به.
حدَّثنا ابن المُثَنَّى وعثمانُ
(1)
بن عمر، قالا: ثنا عليٌّ، عن
(2)
يحيى، عن أبي سَلَمةَ، قال: نُبِّئْتُ أن عُبادةَ بنَ الصامتِ سَأَل رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . فقال: "سألْتَنِي عن شيءٍ ما سألَنِي عنه أحدٌ قَبْلَك، هى الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها الرجلُ أو تُرَى له"
(3)
.
حدَّثني أبو السائبِ، قال: ثنا أبو معاويةَ، عن الأعْمشِ، عن أبي صالحٍ، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عن رجلٍ مِن أهلِ مصرَ، عن أبي الدرداءِ:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . قال: سأل رجلٌ أبا الدرداءِ عن هذه الآيةِ، فقال: لقد سألتَني عن شيءٍ ما سَمِعتُ أحدًا سألَ عنه بعدَ رجلٍ سأل عنه رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:"هي الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها الرجلُ المسلمُ أو تُرَى له، بُشْرَاه في الحياةِ الدنيا، وبُشْرَاه فى الآخرةِ الجنةُ"
(4)
.
حدَّثني سعيدُ بن عمرٍو السَّكُونيُّ، قال: ثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، عن سفيانَ، عن ابن المُنْكَدرِ
(5)
، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عن رجلٍ مِن أهلِ مصرَ، قال: سألتُ أبا الدرداءِ عن هذه الآية: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . فقال: ما سألنى عنها أحدٌ منذُ سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غيرُك، إلا رجلًا واحدًا؛ سألتُ عنها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:"ما سألَنِى عنها أحدٌ منذُ أنزَلَها اللهُ غيرُك إلا رجلًا واحدًا، هي الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها المسلمُ، أو تُرى له"
(6)
.
(1)
في النسخ: "أبو عثمان". والمثبت هو الصواب، وينظر تهذيب الكمال 19/ 461.
(2)
في النسخ: "بن". وينظر تهذيب الكمال 21/ 111.
(3)
أخرجه أحمد 5/ 315 (الميمنية)، وابن ماجه (3898)، والحاكم 2/ 340 من طريق على به.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1067 - تفسير)، وأحمد 6/ 447، 452 (الميمنية)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1965 من طريق أبي معاوية به.
(5)
فى ص، ت 1، ت 2، س:"المنذر".
(6)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1066 - تفسير)، وأحمد 6/ 447 (الميمنية)، والترمذي =
حدَّثنا عمرُو بنُ عبدِ الحميدِ، قال: ثنا سفيانُ، عن ابنِ المُنْكَدِرِ
(1)
، سَمِعَ عطاءَ ابن يسارٍ يخبرُ عن رجلٍ من أهلِ مصرَ أنه سأل أبا الدرداءِ عن:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . ثم ذَكَر نحوَ حديثِ سعيدِ بنِ عمرٍو السَّكُونيِّ، عن عثمانَ بنِ سعيدٍ.
حدَّثنى أبو
(2)
حُمَيدٍ الحِمْصِيُّ
(3)
أحمدُ بنُ المغيرةِ، قال: ثني يحيى بنُ سعيدٍ، قال: ثنا عمرُ بنُ عمرِو بنِ عبدٍ الأخمُوشيُّ، عن حُمَيدِ بنِ عبدِ اللهِ المُزَنيِّ، قال: أتى رجلٌ عُبادةَ بنَ الصامتِ، فقال: آيةٌ في كتابِ اللهِ أسألُك عنها، قولُ اللهِ تعالى:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} ؟ فقال عُبادةُ: ما سألَنِي عنها أحدٌ قبلَك، سألتُ عنها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال مثلَ ذلك:"ما سألني عنها أحدٌ قبلَك، الرُّؤْيا الصالحةُ، يَرَاها العبدُ المؤمنُ في المنامِ أو تُرَى له"
(4)
.
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا أبو بكرٍ، قال: حدَّثنا هشامٌ، عن ابنِ سيرينَ، عن أبى هريرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الرُّؤْيا الحسنةُ، هى البُشْرَى يَرَاها المسلمُ أو تُرَى له"
(5)
.
قال: ثنا أبو بكرٍ، عن أبي حُصَينٍ، عن أبي صالحٍ، قال: قال أبو هريرةَ: الرُّؤْيا
= (2273، 3106)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1965 من طريق سفيان به.
(1)
فى ص، ت 1، ت 2، س:"المنذر".
(2)
فى ت 1، ت 2، س، ف:"ابن"، وينظر تهذيب الكمال 1/ 472.
(3)
ت 1: "الحميصي بن".
(4)
أخرجه ابن مردويه -كما في تخريج الكشاف 2/ 133 - من طريق عمر بن عمرو به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 313 إلى الحكيم الترمذى.
(5)
ذكره ابن كثير 4/ 216 عن المصنف.
الحسنةُ بُشْرَى مِن اللهِ، وهى المُبَشِّراتُ
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ حاتمٍ المُؤدِّبُ، قال: ثنا عمارُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا الأعمشُ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:" {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها العبدُ الصالحُ أو تُرَى له، وهي في الآخرةِ الجنةُ"
(2)
.
حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ يزيدَ، قال: ثنا رِشْدينُ بنُ سعدٍ، عن عمرِو بنِ الحارثِ، عن أبى السمحِ
(3)
، عن عبدِ الرحمنِ بنِ جُبَيرٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال:" {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: الرُّؤْيا الصالحة، يُبَشِّرُ بها العبد، جُزْءٌ من تسعةٍ وأربعين جزءًا من النبوة"
(4)
حدَّثنا ابنُ حُمَيدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا موسى بنُ عبيدةَ، عن أيوبَ بنِ خالدِ بن صَفْوانَ، عن عبادةَ بنِ الصامتِ، أنه قال لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} : فقد عَرَفْنَا بُشْرى الآخرةِ، فما بُشْرَى الدنيا؟ قال:"الرُّؤْيا الصالحةُ يرَاها العبدُ، أو تُرَى له، وهى جزءٌ مِن أربعةٍ وأربعين جزءًا، أو سبعين جُزْءًا من النبوَّةِ"
(5)
.
حدَّثنا عليُّ بنُ سهلٍ، قال: ثنا الوليدُ بنُ مسلمٍ، قال: ثنا أبو عمرٍو، قال: ثنا يحيى بنُ أبى كثيرٍ، عن أبي سَلَمَةَ، عن عبادةَ بنِ الصامتِ، أنه سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة 11/ 54 والنسائى فى الكبرى (10744) من طريق أبي بكر به.
(2)
ذكره ابن كثير 4/ 216 عن المصنف به. وأخرجه ابن مردويه -كما في تخريج الزيلعي 3/ 135 من طريق الأعمش به، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 311 إلى المصنف وأبى الشيخ.
(3)
في م، ت 1، ت 2، ف:"الشيخ". وينظر تهذيب الكمال 8/ 477، وما سيأتي في ص 223.
(4)
أخرجه أحمد 11/ 621 (7044) من طريق دراج به.
(5)
ذكره ابن كثير 4/ 215 عن المصنف.
عن هذه الآيةِ: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . فقال: "لقد سألْتَنِي عن شيءٍ ما سألَنِي عنه أحدٌ من أمَّتى قبلَك؛ هى الرُّؤيا الصالحةُ يَراها المسلمُ أو تُرَى له، وفى الآخرةِ الجنةُ"
(1)
.
حدَّثنا أحمدُ بنُ حمادٍ الدُّولابيُّ، قال: ثنا سفيانُ، عن عبيدِ اللهِ بنِ أَبي يزيدَ، عن أبيه، عن سِباعِ بنِ
(2)
ثابتٍ، عن أمِّ كُرْزٍ الكعبيةِ، سَمِعَت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:"ذهَبت النبوةُ وبَقيَت المُبَشِّراتُ"
(3)
.
حدَّثنا الحسنُ بن يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا ابنُ عُيَينةَ، عن الأعْمشِ، عن ذَكْوانَ، عن رجلٍ، عن أبي الدرداءِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في قولِه:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: "الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها
(4)
المسلمُ أو تُرَى له، وفي الآخرة الجنةُ"
(5)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن الأعْمشِ، عن أبي صالحٍ، عن عطاءِ بن يسارٍ، عن رجلٍ كان بمصرَ، قال: سألتُ أبا الدرداءِ عن هذه الآيةِ: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . فقال أبو الدرداء: ما سَأَلنى عنها أحدٌ منذُ سألتُ عنها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"ما سألَنِي عنها أحدٌ قبلَك، هي الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها المسلمُ أو تُرَى له، وفى الآخرةِ الجنةُ"
(6)
.
(1)
تقدم تخريجه ص 215.
(2)
بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أبى". وينظر تهذيب الكمال 10/ 199.
(3)
أخرجه ابن ماجه (3896) من طريق سفيان به.
(4)
بعده فى ف: "المؤمن".
(5)
أخرجه أحمد 6/ 445 (الميمنية) عن عبد الرزاق به.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة 11/ 51، وفي مسنده (26)، وابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1966 من طريق وكيع به.
قال: ثنا أبو بكرِ بنُ عَيَّاشٍ، عن عاصمٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي الدرداءِ، قال:"سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن قولِه: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}. قال: "ما سألَنِي عنها أحدٌ غيرُك؛ هى الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها المسلمُ أو تُرَى له"
(1)
.
قال: ثنا جريرٌ، عن الأعْمشِ، عن أبي صالحٍ، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عن أبي الدرداءِ في قولِه:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . قال: سألتُ عنها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:"ما سألني عنها أحدٌ قبلَك؛ هي الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها العبدُ أو تُرَى له، وفي الآخرةِ الجنةُ".
قال: ثنا ابنُ عُيَينةَ، عن عمرِو بنِ دينارٍ، عن عبدِ العزيزِ بنِ رُفَيعٍ، عن أبى صالحٍ -قال ابنُ عُيَينةَ: ثم سمِعتُه مِن عبدِ العزيزِ، عن أبي صالحٍ السَّمَّانِ- عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عن رجلٍ مِن أهلِ مصرَ، قال: سألتُ أبا الدرداءِ عن هذه الآيةِ: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: ما سَأَلنى عنها أحدٌ منذ سألتُ عنها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:"ما سألَنى عنها أحدٌ منذ أُنزِلَت عليَّ إلا رجلٌ واحدٌ؛ هي الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها الرجلُ أو تُرَى له"
(2)
.
قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ
(3)
بكرٍ السهميُّ، عن حاتمِ بن أبي صَغِيرةَ، عن عمرِو بنِ
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة 11/ 52 عن أبي بكر بن عياش به.
(2)
أخرجه الحميدى (391)، وأحمد 6/ 447 (الميمنية)، والترمذى (3106)، والفسوي في المعرفة والتاريخ 2/ 699 والحاكم 4/ 391، والبيهقى فى الشعب (4752) من طريق ابن عيينة به.
(3)
سقط من: م. وينظر تهذيب الكمال 14/ 340.
دينارٍ، أنه سألَ رجلًا من أهلِ مصرَ فَقِيهًا، قدِم عليهم في بعض تلك المواسم، قال: قلتُ: أَلَا تُخْبِرُني عن قول الله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ؟ قال: سألتُ عنها أبا الدرداءِ، فأخبرَني أنه سألَ عنها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:"هي الرُّؤْيا الحسنةُ يَرَاها العبدُ أو تُرَى له".
قال: ثنا أبي، عن عليِّ بنِ مباركٍ، عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ، عن أبي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن عُبادةَ بنِ الصامتِ، قال: سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن قولِ اللهِ تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: "هى الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها العبدُ أو تُرَى له"
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ وأبو الوليدِ الطيالسيُّ، قالا: ثنا أبانٌ، قال: ثنا يحيى، عن أبي سَلَمَةَ، عن عُبادةَ بنِ الصامتِ، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، قال اللهُ:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . فقال: "لقد سألتَني عن شيءٍ ما سألَنِى عنه أحدٌ قبلك، أو أحدٌ مِن أمَّتِى". قال: "هي الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها الرجلُ الصالحُ أو تُرَى له"
(2)
.
قال: ثنا الحجَّاجُ بنُ المِنْهالِ، قال: ثنا حَمَّادُ بنُ زيدٍ، عن عاصمِ بنِ بَهْدلةَ، عن أبي صالحٍ، قال: سمِعتُ أبا الدرداءِ، وسئل عن:{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: ما سَألَنى عنها أحدٌ قبلَك منذُ سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنها، فقال:"ما سألَنِي عنها أحدٌ قبلَك؛ هي الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها العبدُ أو تُرَى له"
(3)
.
(1)
أخرجه أحمد 5/ 315 (الميمنية)، وابن ماجه (3898) من طريق وكيع به، وأخرجه الحاكم 2/ 340 من طريق على بن المبارك به. وتقدم ص 216.
(2)
تقدم تخريجه ص 215.
(3)
أخرجه الترمذى (3106) من طريق حماد بن زيد به.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن عُبَيدِ اللهِ ابنِ أبي يزيدَ، عن نافعٍ بنِ جُبَيرٍ، عن رجلٍ مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، في قولَه:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: "وهى الرُّؤْيا الحسنةُ يراها الإنسانُ أو تُرَى له".
وقال ابنُ جُرَيجٍ، عن عمرِو بنِ دينارٍ، عن أبي الدرداءِ، أو ابنُ جُرَيجٍ، عن محمدِ بنِ المُنْكَدِر، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عن أبي الدرداءِ، قال: سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عنها، فقال:"هي الرُّؤْيا الصالحةُ".
وقال ابنُ جُرَيجٍ، عن هشامِ بنِ عُرْوةَ، عن أبيه، قال: هي الرُّؤْيا يَرَاها الرجلُ.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن يحيى ابنِ أبي كثيرٍ، قال: هى الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها المسلم أو تُرَى له
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عَبْدةُ، عن هشام بنِ عُرُوةَ، عن أبيه:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: هى الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها العبدُ الصالحُ
(2)
.
قال: ثنا ابنُ فُضَيلٍ، عن لَيْثٍ، عن مجاهدٍ، قال: هي الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها المسلمُ أو تُرَى له
(3)
.
قال: ثنا عبدةُ بنُ سليمانَ، عن طلحةَ القَنَّادِ، عن جعفرِ بن أبي المُغيرةِ، عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، عن ابنِ عباسٍ:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: هى الرُّؤْيا الحسنةُ يَرَاها العبدُ المسلمُ لنفسِه أو لبعضِ إخوانِه
(4)
.
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 296 عن معمر به، مرفوعا.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة 11/ 54 عن عبدة به.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة 11/ 54 عن ابن فضيل به.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة 11/ 54 من طريق طلحة القناد به.
قال: ثنا أبي، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، قال: كانوا يقولون: الرُّؤْيا مِن المُبَشِّراتِ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن قيسِ بنِ سعدٍ، أن رجلًا سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عنها، فقال:"ما سألني عنها أحدٌ مِن أمتى منذ أُنْزِلت عليَّ قبلَك". قال: "هى الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها الرجلُ لنفسِه أو تُرَى له".
قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرَنا هُشَيمٌ، عن العوَّامِ، عن إبراهيمَ التيميِّ، أن ابنَ مسعودٍ قال: ذهَبَت النبوةُ، وبَقِيَت المُبَشِّراتُ. قيل: وما المُبَشِّراتُ؟ قال: الرُّؤْيا الصالحةُ يراها الرجلُ أو تُرى له
(1)
.
قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، فهو قولُه لنبيِّه:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)} [الأحزاب: 47]. قال: هى الرُّؤْيا الحسنةُ يَرَاها المؤمنُ أو تُرَى له
(2)
.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا محمدُ بنُ حربٍ، قال: ثنا ابن لَهِيعةَ، عن خالدِ بنِ يزيدَ، عن عطاءٍ فى قولِه:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: هى رُؤْيا الرجلِ المسلم يُبَشِّرُ بها في حياتِه.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: أخبرَني عمرُو بنُ الحارثِ، أن دَرَّاجًا أبا السَّمْحِ حدَّثه، عن عبدِ الرحمنِ بن جُبَيرٍ، عن عبد اللهِ بنِ عمرٍو، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} : الرُّؤْيا الصالحة يُبَشِّرُ
(1)
أخرجه ابن مردويه -كما في تخريج الكشاف 2/ 134 - من طريق آخر عن ابن مسعود مرفوعا.
(2)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 313 إلى المصنف وابن المنذر.
بها المؤمنُ، جزءٌ
(1)
مِن ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوةِ"
(2)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا أنسُ بنُ عِياضٍ، عن هشامٍ، عن أبيه في هذه الآيةِ:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . قال: هى الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها الرجلُ أو تُرَى له.
حدَّثنا محمدُ بنُ عوفٍ، قال: ثنا أبو المُغيرةِ، قال: ثنا صفْوانُ، قال: ثنا حُمَيدُ ابنُ عبدِ اللهِ، أَن رجلًا سأَلَ عُبادةَ بنَ الصامتِ عن قولِ اللهِ:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . فقال عبادةُ: لقد سألتَني عن أمرٍ، ما سألَني عنه أحدٌ قبلَك، ولقد سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عما سألتَني، فقال لي:"يا عُبادةُ، لقد سألتَنِي عن أمرٍ ما سألنِي عنه أحدٌ مِن أمتى، تلك الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها المؤمنُ لنفسِه أو تُرَى له"
(3)
.
وقال آخرون: هى بشارةٌ يُبَشِّرُ بها المؤمنُ في الدنيا عندَ الموتِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنث عبد الأعْلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عَن الزُّهْرِيِّ وقتادةَ:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: هي البِشارةُ عندَ الموتِ في الحياةِ الدنيا
(4)
.
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
أخرجه البيهقي في الشعب (4764) من طريق ابن وهب به، وينظر ما تقدم في ص 218.
(3)
أخرجه أحمد 5/ 325 (الميمنية) عن أبي المغيرة به، وأخرجه ابن مردويه -كما في تخريج الكشاف 2/ 133 - من طريق صفوان به. وينظر إطراف المسند 2/ 647.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1966 من طريق محمد بن ثور به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 296 عن معمر به. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 313 إلى ابن المنذر.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا يَعْلَى، عن أبى بسطامٍ، عن الضحاكِ:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: يعلمُ أين هو قبلُ [أن يموت]
(1)
(2)
.
وأَوْلى الأقوالِ في تأويلِ ذلك بالصوابِ أن يقالَ: إن اللهَ تعالى ذكرُه أخبرَ أن لأوليائِه المتقين، البُشْرَى فى الحياةِ الدنيا، ومن البشارةِ فى الحياةِ الدنيا الرُّؤْيا الصالحةُ يَرَاها المسلمُ، أو تُرَى له. ومنها بُشْرَى الملائكةِ إياه عندَ خروجِ نفْسِه برحمةِ اللهِ، كما رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"إن الملائكةِ التي تَحْضُرُه عندَ خُرُوج نفْسِه، تقولُ لنفْسِه: اخْرُجِي إلى رحمةِ اللهِ ورضوانِه"
(3)
.
وَمنها: بُشْرَى اللهِ إياه ما وَعَدَه فى كتابِه، وعلى لسانِ رسولِه صلى الله عليه وسلم مِن الثوابِ الجزيلِ، كما قال جلّ ثناؤُه:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: 25]. وكلُّ هذه المعاني من بُشْرى اللهِ إياه في الحياةِ الدنيا، بَشَّرَه بها. ولم يخصصِ اللهُ من ذلك معنًى دونَ معنًى، فذلك مما عَمَّه جلّ ثناؤُه أن {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، وأمَّا في الآخرةِ فالجنةُ.
وأما قولُه: {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} فإن معناه: إن اللهَ لا خُلْفَ لوعدِه، ولا تغييرَ لقوله عما قال، ولكنه يُمْضِى لخلقِه مواعيدَه، ويُنْجِزُها لهم.
(1)
فى م، ت 1:"الموت".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1965 من طريق يعلى به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 313 إلى ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن المنذر وأبى الشيخ وابن منده في كتاب سؤال القبر.
(3)
تقدم تخريجه في 10/ 186.
وقد حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيم، قال: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، عن أيوبَ، عن نافعٍ، قال: أطالَ الحجاجُ الخطبةَ، فوَضَع ابنُ عمرَ رأسَه فى حِجْرى، فقال الحجاجُ: إن ابنَ الزبيرِ بَدَّلَ كتابَ اللهِ. فَقَعَد ابنُ عمرَ فقال: لا تستطيعُ أنت ذاك ولا ابنُ الزبيرِ، {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ}. فقال الحجاجُ: لقد أوتيتَ علمًا إن نفَعك
(1)
. قال أيوبُ: فلما أقبَل عليه في خاصةِ نفسِه سَكَتَ
(2)
.
وقولُه: {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} . يقولُ تعالى ذكرُه: هذه البشرى في الحياةِ الدنيا وفي الآخرةِ هى الفوزُ العظيمُ، يعنى: الظَّفَرَ بالحاجةِ والطَّلِبَةِ والنجاةِ من النار.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: لا يَحْزُنْك يا محمدُ قولُ هؤلاء المشركين فى ربِّهم ما يقولون، وإشراكُهم معه الأوثانَ والأصنامَ؛ فـ {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}. يقولُ تعالى ذكرُه: فإن اللهَ هو المُنفرِدُ بعزّةِ الدنيا والآخرةِ لا شريكَ له فيها، وهو المُنتقِمُ من هؤلاء المشركين القائلين فيه مِن القولِ الباطلِ ما يقولون، فلا يَنصُرُهم عندَ انتقامِه منهم أحدٌ؛ لأنه لا يُعازُّه شيءٌ، {هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. يقولُ: وهو ذو السمعِ لِما يقولون مِن الفِرْيةِ والكذبِ عليه، وذو علمٍ بما يُضْمِرُونه في أنفسِهم ويُعْلِنونه، مُحْصى ذلك عليهم كلِّه، وهو لهم بالمرصادِ.
(1)
فى م، ت 1:"تفعل"، وفى ت 2، س، ف:"يفعل"، وغير منقوطة في "ص". والمثبت من مستدرك الحاكم.
(2)
أخرجه الحاكم 2/ 339، 340 من طريق ابن علية به، وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (528) من طريق نافع به.
وكُسرت "إِنَّ" من قولِه: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} ؛ لأن ذلك خيرٌ مِنَ اللهِ مبتدأٌ، ولم يَعْمَلْ فيها القولُ؛ لأن القولَ عُنِيَ به قولُ المشركين، وقولُه:{إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} لم يكنْ من قبلِ المشركين، ولا هو خيرٌ عنهم أنهم قالوه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ} يا محمدُ، كلَّ {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} مُلْكًا وعبيدًا، لا مالكَ لشيءٍ مِن ذلك سِواه. يقولُ: فكيف يكونُ إلهًا معبودًا من يعبدُه هؤلاء المشركون مِن الأوثانِ والأصنامِ، وهى للهِ مِلْكٌ، وإنما العبادةُ للمالكِ دونَ المملوكِ، وللربِّ دونَ المربوبِ، {وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ}. يقولُ جل ثناؤُه: وأَيُّ شَيءٍ يَتَّبِعُ مَن يَدْعو من دونِ اللهِ، يعني: غيرَ اللهِ وسِواه، شركاءَ. ومعنى الكلامِ: أَيُّ شَيْءٍ يَتَّبِعُ مَن يقولُ: للهِ شركاءُ فى سلطانِه ومُلْكِه. كاذبًا، واللهُ المُنْفرِدُ بمُلْكِ كلِّ شيءٍ في سماءٍ كان أو أرضٍ! {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}. يقولُ: ما يَتَّبِعون في قيلِهم ذلك ودَعْواهم إلا الظَّنَّ، يقولُ: إِلا الشَّكَ لا اليقينَ، {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}. يقولُ: وإن هم إلا يَتَقَوَّلون الباطلَ تَظَنُّنًا وتَخَرُّصًا للإفكِ، عن غير علمٍ منهم بما يقولون.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: إِنَّ رَبَّكم أَيُّها الناسُ الذي اسْتوجَبَ عليكم العبادةَ {هُوَ} الربُّ {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ} وفَصَلَه مِن النهارِ {لِتَسْكُنُوا فِيه} مما كنتم فيه في نهارِكم مِن التَّعَبِ والنَّصَبِ، وتَهْدَءُوا فيه مِن التصرُّفِ والحركةِ
للمعاشِ، والعَناءِ الذى كنتم فيه بالنهارِ، {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}. يقولُ: وجَعَل النهارَ مُبْصِرًا. فأضافَ الإبصارَ إلى النهارِ، وإنما يُبْصَرُ فيه، وليس النهارُ مما يُبْصِرُ. ولكن كان مفهومًا في كلامِ العربِ معناه، خاطَبَهم بما في لغتِهم وكلامِهم، وذلك كما قال جريرٌ
(1)
:
لقد لُمْتِنَا يا أُمَّ غَيْلَانَ فِي السُّرَى
…
ونِمْتِ وما ليلُ المَطِيِّ بَنَائمِ
فأضافَ النومَ إلى الليلِ ووَصَفَه به، ومعناه نفسُه، أنه لم يكنْ نائمًا فيه هو ولا بَعِيرُه.
يقولُ تعالى ذكرُه: فهذا الذي يفعلُ ذلك، هو ربُّكم الذي خَلَقَكم وما تَعْبُدون، لا ما لا ينفعُ ولا يضرُّ، ولا يفعلُ شيئًا.
وقولُه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} . يقولُ تعالى ذكرُه: إن فى اختلافِ حالِ الليلِ والنهارِ، وحالِ أهلِهما فيهما، دلالةً وحُجَجًا على أن الذى له العبادةُ خالصًا بغيرِ شريكٍ، هو الذى خلَق الليلَ والنهارَ، وخالَفَ بينَهما؛ بأن جعَل هذا للخلقِ سَكَنًا، وهذا لهم معاشًا، دونَ مَن لا يخلقُ ولا يفعلُ شيئًا، ولا يَضُرُّ ولا ينفعُ.
وقال
(2)
: {لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} ؛ لأن المرادَ منه: الذين يَسْمَعون هذه الحُجَجَ ويتفكَّرون فيها، فيَعْتَبِرون بها ويَتَّعِظون، ولم يُرَدْ به الذين يَسْمَعون بآذانِهم، ثم يُعْرِضون عن عِبَرِه وعِظاتِه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا
(1)
ديوانه 2/ 993.
(2)
في ت 1: "قوله".
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: قال
(1)
هؤلاء المشركون باللهِ من قومِك يا محمدُ: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} . وذلك قولُهم: الملائكةُ بناتُ اللهِ. يقولُ اللهُ مُنَزِّهًا نفسَه عما قالوا وافْتَرَوا عليه من ذلك: سبحانَ اللهِ -تَنْزيهًا للهِ عما قالوا وادَّعَوا على ربِّهم- {هُوَ الْغَنِيُّ} . يقولُ: اللهُ غنيٌّ عن خلقِه جميعًا، فلا حاجةَ به إلى ولدٍ؛ لأن الولدَ إنما يَطْلُبُه مَن يَطْلُبُه، ليكونَ عونًا له فى حياتِه، وذكرًا له بعدَ وفاتِه، واللهُ عن كلِّ ذلك غنيٌّ، فلا حاجةَ به إلى مُعِينٍ يُعِينُه على تَدْبيرِه، ولا يَبِيدُ فيكونَ به حاجةٌ إلى خَلَفٍ بعدَه، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}. [يقولُ تعالى ذكرُه: للهِ ما في السماواتِ وما في الأرضِ]
(2)
مِلْكًا، والملائكةُ عبادُه ومِلْكُه، فكيف يكونُ عبدُ الرجلِ ومِلْكُه له ولدًا؟! يقولُ: أفلا تَعْقِلون أيُّها القومُ خطأَ ما تقولون؟ {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} . يقولُ: ما عندَكم أيُّها القومُ بما تقولون وتدَّعون مِن أن الملائكةَ بناتُ اللهِ، مِن حُجَّةٍ تَحْتجُّون بها -وهى السلطانُ- {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ} قولًا
(3)
لا تَعْلَمون حقيقتَه وصحتَه، وتُضِيفون إليه ما لا يجوز إضافتُه إليه جهلًا منكم بما تقولون بغيرِ حُجَّةٍ ولا برهانٍ.
القولُ في تأويلِ قولِه: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)} .
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
فى ت 1، ت 2، س:"ما".
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} يا محمدُ لهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} فيتَقوّلون
(1)
عليه الباطلَ، ويَدَّعون له ولدًا، {لَا يُفْلِحُونَ}. يقولُ: لا يَبْقَون
(2)
في الدنيا،
ولكن لهم {مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا} يُمَتَّعون به، وبلاغٌ يَتَبَلَّغون به إلى الأجلِ الذى كُتِبَ فناؤُهم فيه، {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ}. يقولُ: إذا انقَضَى أجلُهم الذى كُتِبَ لهم، إلينا مصيرُهم ومُنْقَلَبُهم، {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ} وذلك إصلاؤُهم جهنمَ، {بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} باللهِ فى الدنيا، فيُكَذِّبون رسله، ويَجْحَدون آياته.
ورُفِعَ قولُه: {مَتَاعٌ} بُمُضْمَرٍ قبله؛ إما "ذلك"، وإما "هذا".
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} على هؤلاء المشركين الذين قالوا: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} مِن قومِك، {نَبَأَ نُوحٍ} . يقولُ خبرَ نوحٍ، {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي}. يقولُ: إن كان عَظُمَ عليكم مَقامى بينَ أظهُرِكم وشَقَّ عليكم، {وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ}. يَقولُ: وَوَعْظِى إيَّاكم بحُجَجٍ اللهِ، وتَنْبِيهِى إياكم على ذلك، {فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ}. يقولُ: إن كان شَقَّ عليكم مَقامى بينَ أظهُرِكم، وتَذْكِيرى بآياتِ اللهِ، فعزَمتم على قَتْلى أو طَرْدِى مِن بينِ أَظْهُرِكم، فعلى اللهِ اتِّكالى وبه ثِقَتى، وهو سَنَدى وظَهْرى.
(1)
فى م: "فيقولون".
(2)
في ت 2، ف:"يتقون".
{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} ، يقولُ: فأعِدُّوا أمرَكم، واعزِمُوا على ما تُقْدمون عليه في أمْرِى.
يقالُ منه: أجمعتُ على كذا. بمعنى: عَزَمْتُ عليه، ومنه قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَن لم يُجْمِعْ على الصَّومِ مِن الليلِ فلا صَوْمَ له"
(1)
. بمعنى: مَن لم يَعْزِم، ومنه قولُ الشاعرِ
(2)
:
يا لَيْتَ شِعْرِى والمُنَى لا تَنْفَعُ
…
هل أَغْدُونْ يومًا وأَمْرِى مُجْمَعُ
ورُوِى عن الأعْرجِ فى ذلك ما حدَّثني بعضُ أصحابِنا، عن عبدِ الوهابِ، عن هارونَ، عن أَسِيدٍ، عن الأعرجِ:{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} . يقولُ: أَحْكِموا أمركم وادْعُوا شُرَكَاءَ كم
(3)
.
ونُصِبَ قوله: {وَشُرَكَاءَكُمْ} بفعلٍ مضمرٍ له، وذلك: وادْعوا شركاءَكم، وعُطِفَ بالشركاءِ على قولِه:{أَمْرَكُمْ} على نحوِ قولِ الشاعرِ
(4)
:
ورأيتِ زَوْجَكَ في الوَغَى
…
مُتَقَلِّدًا سَيْفًا ورُمْحَا
فالرمحُ لا يُتَقَلَّدُ، ولكن لمَّا كان فيما أُظْهِرَ مِن الكلامِ دليلٌ على ما حُذِفَ، فاكْتُفِى [بذكر ما]
(5)
ذُكِرَ منه مما حُذِفَ، فكذلك ذلك في قولِه:{وَشُرَكَاءَكُمْ} .
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف. والحديث أخرجه أحمد 6/ 287 (الميمنية)، وأبو داود (2454)، والترمذى (730)، والنسائي (2330 - 2340)، وغيرهم من حديث حفصة. وينظر نصب الراية،2/ 434، 435، والإرواء 4/ 25 - 30.
(2)
البيت في اللسان (ج م ع)، ومعانى القرآن 1/ 473، والنوادر ص 133.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1969 من طريق عبد الوهاب به
(4)
تقدم تخريجه في 1/ 140.
(5)
في ت 2: "بما".
واختَلَفَت القرأةُ فى قراءةِ ذلك؛ فقَرَأَتْه قرأةُ الأمصارِ: {وَشُرَكَاءَكُمْ} نصبًا، وقولَه:{فَأَجْمِعُوا} بهمِز الألفِ وفتحِها، مِن: أَجمَعْتُ أمرى، فأنا أُجْمِعُه إجماعًا
(1)
.
وذُكِر عن الحسنِ البصرىِّ، أنه كان يَقْرؤُه:{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} بفتحِ الألفِ وهمزِها
(2)
، (وشركاؤُكم) بالرفعِ
(3)
على معنى: وأجْمِعوا أمرَكم، وليُجمعْ أمرَهم أيضًا معكم شركاؤُكم.
والصوابُ مِن القولِ فى ذلك، قراءةُ مَن قَرَأَ:{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} بفتحِ الألفِ مِن "أجْمِعوا"، ونُصِبَ الشركاءُ؛ لأنها في المصحفِ بغيرِ واوٍ، و
(4)
لإجماعِ الحجةِ على القراءةِ بها، ورَفْضِ ما خالَفها، ولا يعترضُ عليها بمن
(5)
يجوزُ عليه الخطأُ والسَّهْوُ.
وعُنِىَ بالشركاءِ آلهتُهم وأوثانُهم.
وقولُه: {ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} . يقولُ: ثم لا يكنْ أمركُم عليكم مُلتبِسًا
(6)
مُشْكِلًا مُبْهَمًا.
مِن قولِهم: غُمَّ على الناسِ الهلالُ. وذلك إذا أَشْكَلَ عليهم أمرُه فلم يَتَبَيَّنوه،
(1)
بعده في ص: "وذكر عن الحسن البصرى أنه كان يقرؤه فأجمعوا أمركم بهمز الألف وفتحها من أجمعت أمرى فأنا أجمعه إجماعا".
(2)
بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أمركم".
(3)
وهى قراءة شاذة، وينظر مختصر الشواذ ص 62.
(4)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.
(5)
فى ت 1، ت 2، ف:"ممن".
(6)
فى ت 2: "غمة متلبسا"
ومنه قولُ رؤبةَ
(1)
:
بل لو شَهِدْتِ الناسَ إذ تُكُمُوا
…
بِغُمَّةٍ لو لم تُفَرَّجْ غُمُّوا
وقيل: إن ذلك من الغمِّ؛ لأن الصدرَ يضيقُ به، ولا يَتَبَيَّنُ صاحبُه لأمرِه مَصدرًا يَصْدُرُه، يَتَفَرَّجُ عليه
(2)
ما بقلبِه
(3)
، ومنه قولُ خنساءَ
(4)
:
[وذِي كُرْبَةٍ]
(5)
رَاخَى ابنُ عمرٍو خِناقه
…
وَغُمَّتَهُ عَن وَجْهِهِ فَتَجَلَّتِ
وكان قتادةَ يقولُ فى ذلك ما حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ ابنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} . قال
(6)
: لا يَكْبُرُ
(7)
عليكم أمرُكم
(8)
.
وأما قولُه: {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} فإن معناه: ثم أمضُوا إلىَّ ما في أنفسِكم وافْرَغوا منه.
كما حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا ابنُ ثَوْرِ، عَن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} . قال: اقْضُوا إلىَّ ما كنتم قاضِين
(9)
.
(1)
كذا في النسخ، والبيت لأبيه العجاج وهو في ديوانه ص 422.
(2)
فى م: "عنه".
(3)
فى ت 1: "يغلبه"، وفى ف:"تفلته".
(4)
أنيس الجلساء ص 11.
(5)
في الديوان: "ومختنق".
(6)
في م: "قالا".
(7)
في ص، س، ف:"يكثر"
(8)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1969 من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 296 عن معمر به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 313 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(9)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1970 من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق =
ـ
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} . قال: اقْضُوا إلىَّ
(1)
ما في أنفسِكم
(2)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
واختَلَف أهلُ المعرفةِ بكلامِ العربِ فى معنى قولِه: {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} .
فقال بعضُهم: معناه: امْضُوا إلىَّ، كما يقالُ: قد قَضَى فلانٌ. يراد: قد ماتَ ومَضَى.
وقال آخرون منهم: بل معناه: ثم افْرَغوا إلىَّ. وقالوا: القضاءُ الفراغُ، والقضاءُ مِن ذلك. قالوا: وكأن قَضَى دينَه مِن ذلك، إنما هو فَرَغ منه.
وقد حُكِىَ عن بعضِ القرأةِ، أنه قرَأ ذلك: (ثُمَّ أَفْضُوا
(3)
إلى) بمعنى: تَوَجَّهوا إلىَّ حتى تَصِلوا إليَّ، مِن قولهم: قد أفْضَى إلىَّ الوَجَعُ
(4)
. وشِبْهُه.
وقوله: {وَلَا تُنْظِرُونِ} . يقولُ: ولا تُؤخِّرون، مِن قولِ القائلِ: أنظرتُ فلانًا بما لى عليه مِن الدِّينِ.
= في تفسيره 1/ 296 عن معمر به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 313 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(1)
بعده فى ت 2: "ولا تنظرون".
(2)
تفسير مجاهد ص 382، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1970، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 313 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
(3)
في ت 2، ف:"أقضوا". وينظر مختصر الشواذ ص 62.
(4)
فى ف: "الرجع".
ـ
إنما
(1)
هذا خبرٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه عن قولِ نبيِّه نوحٍ عليه السلام لقومِه: إنه بنُصْرةِ اللهِ له عليهم واثقٌ، ومِن كيدِهم وبَوائقِهم
(2)
غيرُ خائفٍ - وإعلامٌ منه لهم أن آلهتَهم لا تَضُرُّ ولا تنفعُ. يقولُ لهم: أمْضُوا ما تُحدِّثون أنفسَكم به فيَّ، على عزمٍ منكم صحيحٍ، واسْتَعينوا مع
(3)
من شايَعَكم علىَّ بالهتِكم التي تَدْعون مِن دونِ اللَّهِ، ولا تُؤخِّروا ذلك، فإني قد توكلتُ على اللهِ، وأنا به واثقٌ أنكم لا تَضُرُّونى إلا أن يشاءَ ربِّي.
، وهذا، وإن كان خبرًا مِن اللَّهِ عن عن نوحٍ، فإنه حَثٌّ مِن اللهِ لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم على التأسِّى به، وتعريفٌ منه سبيلَ الرشاد فيما قَلَّدَه من الرسالِة والبلاغِ عنه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)} .
يقولُ تعالى ذكرُه مُخبرًا عن قيلِ نبيِّه نوحٍ عليه السلام لقومِه: فإن توليتم أيُّها القومُ عنى بعدَ دُعائِى إياكم [إلى اللهِ]
(4)
، وتبليغي رسالةَ ربِّي إليكم، مُدبرِين فأَعْرَضتُم عما دَعوتُكم إليه مِن الحقِّ والإقرارِ بتوحيدِ اللهِ، وإخلاصِ العبادةِ له، وتركِ إشراكِ الآلهةِ في عبادتِه - فبتضييع
(5)
منكم وتفريطٍ في واجبِ حقِّ اللهِ عليكم، لا بسببٍ مِن قِبَلى، فإنى لم أسألْكم على ما دَعَوتُكم إليه أجرًا، ولا عِوَضًا
(1)
سقط من: ت 2، وفى ت 2، س، ف:"أما".
(2)
في م: "تواثقهم".
(3)
سقط من: م.
(*) هنا ينتهى الخرم فى مخطوط الأصل الذي بدأ في ص 130.
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ف.
(5)
في ص، ف:"فتضييع"، وفى م، ت 2:"فتضيع"، وفي ت 1:"بتضييع"
أعتاضُه منكم، بإجابتِكم إيَّايَ إلى ما دعوتُكم إليه من الحقِّ والهُدى، ولا طَلَبَتُ منكم عليه ثوابًا ولا أجرًا
(1)
، {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} يقولُ جلَّ ثناؤُه: إِنْ جَزائى وأجرُ عملى وثوابه إلا على ربِّي لا عليكم أيُّها القومُ، ولا على غيرِكم، {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. يقولُ: وأمرَنى ربِّى أن أكونَ من المُذعِنين له [بالطاعةِ، المُنقادِين لأمرِه ونهيِه، المُتَذلِّلين
(2)
له]
(3)
، ومِن أجلِ ذلك أَدعُوكم إليه، وبأمرِه آمُرُكم بتركِ عبادةِ الأوثانِ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: فكذَّبَ نوحًا قومه فيما أخبَرهم به عن اللهِ من الرسالةِ والوحيِ، فنجيناه ومن معه ممن حَمَل معه فى الفلكِ، يعني في السفيِنة، {وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ}. يقولُ: وجَعَلنا الذين نَجَّينا مع نوحٍ في السفينة خلائفَ في الأرضِ مِن قومِه الذين كذَّبوه بعدَ أن أغرَقنا {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} ، يعني: حُججِنا وأدلِتنا على توحيدِنا، ورسالِة رسولِنا نوحٍ. يقولُ الله لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: فانظرْ يا محمدُ كيف كان عاقبةُ المُنذَرين؛ وهم الذين أنذرَهم نوحٌ عقابَ اللهِ على تكذيبِهم إيَّاه وعبادتِهم الأصنامَ. يقولُ له جلَّ ثناؤُه: انظر ماذا أعقَبهم تكذيبُهم رسولَهم، فإنَّ عاقبةَ مَن كَذَّبك مِن قومِك، إن تَمادَوا في كفرِهم وطُغيانِهم على ربِّهم، نحوُ الذي كان مِن عاقبةِ قومِ نوحٍ حينَ كذَّبوه. يقولُ جلَّ ثناؤُه: فلْيَحذَروا أن يَحِلَّ بهم مثلُ الذي حَلَّ به إن لم يَتوبوا.
(1)
فى ص، م، ت 1، ت 2، ف:"جزاءً".
(2)
فى م، ت 2، س:"المذللين".
(3)
سقط من: ت 2، ف.
القولُ في تأويلِ قولِه: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ثم بعثنا من بعدِ نوحٍ رسلًا إلى قومِهم، فأتَوهم ببيِّناتٍ مِن الحُججِ والأدلَّةِ على صدقِهم، وأنهم للهِ رسلٌ، وأن ما يَدعُونهم إليه حقٌّ، {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ}. يقولُ: فما كانوا ليُصَدِّقوا بما جاءَتهم به رسلُهم، بما كَذَّب به قوم نوحٍ ومن قبلهم من الأم الخاليةِ من قبلِهم، {كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}. يقولُ تعالى ذكرُه: كما طَبَعنا على قلوب أولئك فختَمْنا عليها، فلم يكونوا يَقبَلون من أنبياءِ اللهِ نصيحتَهم، ولا يَستَجيبون لدُعائِهم إيَّاهم إلى ربِّهم، بما اجتَرَموا مِن الذنوبِ واكتسَبوا من الآثامِ، كذلك نطبعُ على قلوبِ من اعتَدَى على ربِّه فتَجاوَزَ ما أمرَه به من توحيدِه، وخالَفَ ما دَعاهم إليه رسلُهم مِن طاعتِه؛ عقوبةً لهم على معصيتِهم ربَّهم مِن هؤلاء الآخرين من بعدِهم.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ثم بَعَثْنَا مِن بعدِ هؤلاء الرسلِ الذين أرسَلْناهم من بعدِ نوحٍ إلى قومِهم، موسى وهارونَ ابنى عِمرانَ إلى فرعونَ مصرَ {وَمَلَئِهِ}. يعنى: وأشرافِ قومه وسَرَواتِهم
(1)
، {بِآيَاتِنَا}. يقولُ: بأدلَّتِنا على حقيقةِ ما دَعَوهم إليه؛ مِن الإذعانِ للهِ بالعبودةِ، والإقرارِ لهما بالرسالةِ، {فَاسْتَكْبَرُوا}. يقولُ: فاسْتكْبروا عن الإقرارِ بما دَعاهم إليه موسى وهارونُ، {وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}. يعني: آثمين بربِّهم بكفرِهم باللهِ تعالى.
(1)
فى م: "سادتهم". وسروات الناس: أشرافهم، اللسان (س ر و).
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)}
يقولُ تعالى ذكرُه: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا} . يعنى: فلما جاءَهم بيانُ ما دعَاهم إليه موسى وهارونُ، وذلك الحججُ التى جاءَهم بها، وهي الحقُّ الذى جاءَهم مِن عندِ اللهِ، {قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ}. يَعنون: أنه يَبينُ لَمَن رَاه وعاينَه أنه سحرٌ لا حقيقةَ له.
قال موسى لهم: {أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ} مِن عِندِ الله: {أَسِحْرٌ هَذَا} ؟
واختلف أهلُ العربيةِ فى سببِ دخولِ "ألفِ الاستفهامِ" في قولِه: {أَسِحْرٌ هَذَا} . فقال بعضُ نحويى البصرةِ: أُدخِلت فيه على الحكايةِ لقولِهم؛ لأنهم قالوا: {أَسِحْرٌ هَذَا} ؟ فقال: أتقولون: {أَسِحْرٌ هَذَا} ؟
وقال بعضُ نحويى الكوفةِ: إنهم قالوا هذا سحرٌ. ولم يقولوه بالألفِ؛ لأن أكثر ما جاء بغيرِ ألفٍ. قال: فيُقالُ: فلِمَ أُدخِلت الألفُ؟ فيُقالُ: قد يجوزُ أن تكونَ مِن قبلِهم، وهم يَعلَمون أنه سحرٌ، كما يقولُ الرجلُ للجائزةِ إذا أتَتْه: أحقٌّ هذا؟ وقد عَلِمَ أنه حقٌّ. قال: وقد يجوزُ أن تكونَ على التعجُّبِ منهم: أسحرٌ هذا؟ ما أعظَمَه!
وأولى من
(1)
ذلك فى هذا بالصوابِ عندى، أن يكونَ المقولُ محذوفًا، ويكونَ قوله:{أَسِحْرٌ هَذَا} . مِن قيلِ موسى، مُنكِرًا على فرعونَ ومَلَئِه قولَهم للحقِّ لمَّا جاءهم: سحرٌ. فيكونُ تأويلُ الكلامِ حينئذٍ: قال موسى لهم: {أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ} - وهى الآياتُ التي أتاهم بها مِن عندِ اللهِ حجةً له على صدقِه:
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ف.
سحرٌ. أسحرٌ هذا الحقُّ الذي تَرَونه؟! فيكونُ السحرُ الأولُ محذوفًا اكْتفاءً بدلالةِ قولِ موسى لهم: {أَسِحْرٌ هَذَا} ، على أنه مرادٌ في الكلامِ، كما قال ذو الرُّمَّةِ
(1)
:
فلمَّا لَبِسْنَ الليلَ أو حينَ نصَّبَتْ
…
له مِن خَذَا آذَانِها وَهُو جانِحُ
يريدُ: أو حينَ أقبلَ، ثم حُذِفَ اكتفاءً بدَلالةِ الكلامِ عليه، وكما قال جلَّ ثناؤُه:{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} [الإسراء: 7]، والمعنى: بَعْثناهم ليسُوؤوا وجوهَكم، فترك ذلك اكتفاءً بدَلالةِ الكلامِ عليه، في أشباهٍ لمِا ذكرْنا كثيرةٍ، يُتعِبُ إحصَاؤُها.
وقولُه: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} . يقولُ: ولا يَنجحُ الساحرون ولا يَبقَوْن.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: قال فرعونُ وملؤُه لموسى: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا} . يقولُ: لتَصْرِفَنا وتَلويَنا عمَّا وجَدْنا عليه آباءَنا، مِن قبلِ مجيئِك، من الدينِ.
يقالُ منه: لَفَتَ فلانٌ عُنُقَ فلانٍ. إذا لَوَاها، كما قال رُؤبَةُ
(2)
:
* لَفتًا وتهزِيعًا سَوَاءَ اللَّفتِ*
التَّهزيعُ: الدَّقُّ، واللَّفْتُ: اللى.
كما حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{لِتَلْفِتَنَا} . قال: لتَلويَنا عمَّا وَجَدنا عليه آباءَنا
(3)
.
(1)
تقدم في 1/ 344.
(2)
صدر بيت، وعجزه: وطامح النخوة مستكِتِّ، الديوان ص 24.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1973 من طريق محمد بن عبد الأعلى به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 314 إلى ابن المنذر وعبد الرزاق.
وقولُه: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ} . يعنى: العظمةُ، وهي الفِعْلِياءُ مِن الكبرِ. ومنه قولُ ابنِ الرِّقاعِ:
سُؤدَدًا غيرَ فاحشِ لا تُدَا
…
نِيه تجبَّارةٌ
(1)
ولا كِبرياءُ
[وبنحو الذي قلنا فى ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ من قال ذلك]
(2)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ قال: ثنا ابنُ نُميرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ} . قال: المُلكُ
(3)
.
قال: ثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن مجاهدٍ:{وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ} . قال: السلطانُ في الأرضِ
(4)
.
قال: ثنا محمدُ بنُ بكرٍ، عن ابنِ جُرَيجٍ، قال: بَلَغَنى عن مجاهدٍ قال: الملْكُ في الأرضِ.
قال: ثنا المحارِبيُّ، عن جُوَيبرٍ، عن الضحاكِ:{وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ} . قال: الطاعةُ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ} . قال: الملكُ.
(1)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"تجباره".
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
تفسير مجاهد ص 382، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1973 من طريق ابن أبي نجيح به:
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1973 من طريق الأعمش به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 314 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبي الشيخ.
قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن الأعمشِ، عن مجاهدٍ قال: السلطانُ في الأرضِ.
وهذه الأقوالُ كلُّها متقارباتُ المعانى؛ وذلك أن المُلكَ سلطانٌ، والطاعةَ ملكٌ، غيرَ أن معنى الكبرياء، هو ما يثبتُ فى كلامِ العربِ، ثم يكونُ ذلك عظمةً بمُلْكِ وسلطانٍ وغيرِ ذلك
وقوله: {وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} . قالوا
(1)
: وما نحنُ لكُما يا موسى وهارونُ {بِمُؤْمِنِينَ} ، يعني: بمُقرِّين بأنكما للهِ
(1)
رسولان أرسَلَكُما
(2)
إلينا.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وقال فرعونُ لقومِه: ائتوني بكلِّ مَن يَسْحَرُ مِن السَّحَرةِ، عليمٍ بالسِّحْرِ. فلمَّا جاءَ السَّحَرةُ فرعونَ قال لهم
(2)
موسى: أَلْقُوا مَا أَنتُمْ مُلْقُونَ مِن حِبالكم وعصِيِّكم.
وفى الكلامِ محذوفٌ قد تُرك ذكرُه، وهو: فأَتَوْه بالسَّحَرةِ، فلمَّا جاء
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
في م: "أرسلتما".
السحرةُ.
ولكن اكتُفى بدَلالةِ قولِه: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ} على ذلك، فتُرِكَ ذِكْرُه. وكذلك بعدَ قولِه:{أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} محذوفٌ أيضًا قد تُرِكَ ذكرُه، وهو: فألْقَوْا حبالَهم وعِصِيَّهم - {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى} - ولكن اكتفى بدَلالةِ ما ظَهَر من الكلامِ عليه، فتُرِكَ ذكرُه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: فلمَّا الْقَوا ما هم مُلْقُوه قال لهم موسى: ما جِئْتُم به السِّحرُ. ما واختَلَفَت القرأةُ فى قراءةِ ذلك؛ فقرأَته عامةُ قرأةِ الحجازِ والعراقِ: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ}
(1)
، على وَجهِ الخبرِ مِن موسى عن الذي جاءت به سَحَرة فرعونَ أنه سِحرٌ، كأن معنى الكلامِ على تأويلِهم: قال موسى: الذي جَئْتُم به أيُّها السَّحَرَةُ.
وقَرَأَ ذلك مجاهدٌ وبعضُ المدنيِّين وبعضُ البصريِّين: (ما جئتم به السحرُ)
(2)
على وجهِ الاستفهامِ مِن موسى إلى
(3)
السَّحَرةِ عما جاءوا به: أسحرٌ هو أم غيرُه؟
وأولى القراءتَين في ذلك عندى بالصوابِ
(4)
قراءةُ من قَرأه على وَجهِ الخبرِ لا على الاستفهامِ؛ لأن موسى صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه لم يكن شاكًّا فيما جاءت به السَّحرةُ أنه سحرٌ لا حقيقةَ له، فيحتاجُ إلى استخبارِ السَّحَرةِ عنه: أىُّ شيءٍ هو؟
(1)
بغير مدٍّ ولا همزٍ، وهى قراءة السبعة غير أبي عمرو السبعة لابن مجاهد ص 328.
(2)
بالمد والهمز، وهى قراءة أبي عمرو وأبي جعفر المدنى، ومجاهد وأصحابه. الإتحاف ص 152، والبحر المحيط 5/ 182.
(3)
سقط من: الأصل، ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
القراءتان كلتاهما صواب
وأخرى، أنه صلواتُ اللهِ عليه قد كان على علمٍ مِن أن
(1)
السَّحَرَةَ إنما جاء بهم فرعونُ ليُغالبوه على ما كان جاءَهم به مِن الحقِّ الذى كان الله آتاه، فلم يكنْ يذهبُ عليه أنهم لم يكونوا يُصَدِّقونه فى الخبرِ عما جاءوه به مِن الباطلِ، فيستَخبِرَهم أو يَسْتَجير استخبارَهم عنه، ولكنه صلواتُ اللهِ عليه أعلَمَهم أنه عالمٌ بِبُطُولِ ما جاءوا به مِن ذلك بالحقِّ الذى أتاه، ومُبطِلٌ كيدَهم بجَدِّه، وهذه أَولى بصفةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن الأخرى.
فإن قال قائلٌ: فما وجَهُ دخولِ الألفِ واللام في السحرِ، إن كان الأمرُ على ما وَصَفتَ؟ وأنت تعلمُ أن كلامَ العربِ في نظيرِ هذا أن يقولوا: ما جاءنى به عمرٌو درهمٌ، والذى أعطانى أخوك دينارٌ. ولا يَكادُون أن يقولوا: الذي أعطاني أخوك الدرهمُ، وما جاءني به عمرٌو الدينارُ.
قيل له: بلى، إن كلامَ العربِ إدخالُ الألفِ واللامِ في خبرِ ما والذي، إذا كان الخبرُ عن مَعهودٍ قد عَرَفه المخاطَبُ والمخاطِبُ، بل لا يجوزُ إذا كان ذلك كذلك إلا بالألفِ واللامِ؛ لأن الخبرَ حينئذٍ خبرٌ عن شيءٍ بعينه معروفٍ عندَ الفريقين، وإنما يأتى ذلك بغيرِ الألفِ، [واللامِ]
(2)
إذا كان الخبرُ عن مجهولٍ غيرِ معهودٍ، ولا مقصودٍ قصْدَ شيءٍ بعينِه، فحينئذٍ لا تدخلُ الألفُ واللامُ في الخبرِ، وخبرُ موسى كان خبرًا عن معروفٍ عنده وعندَ السَّحَرةِ. وذلك أنها كانت نَسَبَت ما جاءهم به موسى مِن الآياتِ التى جَعَلَها اللهُ عَلَمّا له على صدقه ونُبُوَّته إلى أنه سحرٌ، فقال لهم موسى: السحرُ الذى وصَفْتُم به ما جئتُكم به مِن الآيات أيُّها السحرةُ، هو هذا
(3)
الذي جئتم
(1)
سقط من: م.
(2)
سقط من: ص، م، ف.
(3)
سقط من: ص، م، ف.
أنتم، لا ما جئتُكم به أنا. ثم أَخبرَهم أن الله سيبُطلُه، فقال:{إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ} ، يقولُ: سيَذهبُ به. فذَهب به تعالى ذكرُه بأن سَلَّط عليه عصا موسى؛ قد حوّلها تعبانًا يتلقَّفه، حتى لم يبقَ منه شيءٌ، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}. يعنى: إنه لا يُصلِحُ عملَ مَن سَعَى في أرضِ الله بما يَكرَهُه، وعَمِلَ فيها بمعاصيه
وقد ذُكِر أن ذلك فى قراءةِ أبيِّ بنِ كعبٍ: (ما أتيتم به سحر). وفي قراءةِ ابنِ مسعودٍ: (ما جئتم به سحرٌ)
(1)
، وذلك مما يؤيدُ قراءةَ مَن قرأ بنحوِ الذى اخترنا مِن القراءةِ فيه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)} .
يقولُ تعالى ذكرُه مُخبِرًا عن موسى صلى الله عليه وسلم أنه قال للسحرةِ: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ} . يقولُ: ويُثبِتُ الله الحقِّ الذى جِئتُكم به من عندِه، فيُعليه على باطلِكم، ويُصحِّحُه {بِكَلِمَاتِهِ}. يعني: بأمرِه، {وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}. يعنى: الذين اكتَسبوا الإثمَ بربِّهم، بمعصيتِهم إياه.
القولُ فى تاويلِ قولِه تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: فلم يُؤمن لموسى، مع ما أتاهم به مِن الحُجَجِ والأدلةِ، {إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} ، خائِفين مِن فرعونَ ومَلَئِهم.
(1)
ينظر معاني القرآن للفراء 1/ 475، والبحر المحيط 5/ 183.
اختَلَف أهلُ التأويلِ في معنى الذُريَّة في هذا الموضعِ. فقال بعضُهم: معنى الذُّرِّيَّةِ في هذا الموضعِ: القليلُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بِشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} . قال: كان ابنُ عباسٍ يقولُ: الذُّريَّةُ: القليلُ
(1)
حُدِّثتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: حدَّثنا عُبيدُ بنُ سليمان
(2)
، قال: سمِعْتُ الضّحَاكَ يقولُ في قولِه تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} . الذريةُ: القليلُ. كما قال اللهُ تعالى: {كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ}
(3)
[سورة الأنعام: 133].
و قال آخرون: معنى ذلك: فما آمنَ لموسى إلا ذريةُ من أُرسِل إليه موسى مِن بنى إسرائيلَ لطولِ الزمانِ؛ لأن الآباءَ ماتوا وبَقِى الأبناء، فقيلَ لهم ذريةٌ؛ لأنهم كانوا ذريةَ مَن هلَك ممن أُرسِل إليهم موسى عليه السلام.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا حكَّامٌ، عن عنبسةَ، عن محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن القاسمِ بنِ أبى بَزَّةَ، عن مجاهدٍ في قولِه تعالى {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ}. قال: أولادُ
(4)
الذين أُرسل إليهم، مِن طولِ الزمانِ، وماتَ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1975 عن قتادةَ به. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 314 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
في النسخ: (سليم) وهو سند دائر.
(3)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 222.
(4)
بعده في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الرسل".
آباؤهم
(1)
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ. وحدَّثني المُثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ:{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} . قال: أولادُ الذين أُرسِل إليهم موسى، من طولِ الزمانِ، وماتَ آباؤهم.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن الأعمشِ:{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} . قال: أبناءُ الذين أُرسِل إليهم، فطال عليهم الزمانُ، وماتت آباؤهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما آمَن لموسى إلا ذريَّةٌ مِن قومِ فرعونَ.
ذكر من قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابنُ عباسٍ قولَه:{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} . قال: فإن الذُّريَّةَ التي آمنَتْ لموسى، مِن أناسٍ غيرِ بنى إسرائيلَ، مِن قومِ فرعونَ يسيرٌ؛ منهم امرأةُ فرعونَ، ومؤمنُ آلِ فرعونَ، وخازِنُ فرعونَ، وامرأةُ خازنه
(2)
(1)
تفسير مجاهد ص 382 وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 314 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 314 إلى المصنف
وقد رُوىَ عن ابنِ عباس خبرٌ يَدُلُّ على خلافِ هذا القولِ، وذلك ما حدَّثني به المُثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن علىٍّ، عن ابنُ عباسٍ قولَه:{ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} . يقولُ: بنى إسرائيلَ
(1)
.
فهذا الخبرُ يُنبيُّ عن
(2)
أنه كان يَرَى أن الذُّريَّةَ في هذا الموضعِ، هم بنو إسرائيلَ دونَ غيرِهم مِن قومِ فرعونَ.
وأَولى هذه الأقوالِ عندى بتأويلِ الآيةِ، القولُ الذي ذكرْتَه عن مجاهدٍ، وهو أن الذريةَ فى هذا الموضعِ، أُريد بها ذُرِّيةٌ مَن أُرسِل إليه موسى مِن بني إسرائيلَ، فهَلَكوا قبلَ أن يُقِرُّوا بِنُبُوَّته لطولِ الزمانِ، فأدركَتْ ذُرِّيتُهم، فآمنَ منهم مَن ذَكَر اللهُ بموسى.
وإنما قلتُ: هذا القولُ أولى بالصوابِ فى ذلك؛ لأنه لم يَجْرِ في هذه الآيةِ ذكرٌ لغيرِ موسى، فلأن تكونَ "الهاءُ" فى قولِه:{مِنْ قَوْمِهِ} من ذكر موسى لقُربها مِن ذكرِه، أولى مِن أن تكونَ مِن ذكرِ فرعونَ لبُعدِ ذكرِه منها، إذ لم يكن بخلافِ ذلك دليلٌ مِن
(3)
خبرٍ ولا نظرٍ.
وبعدُ، فإن في قولِه:{عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} . الدليلَ الواضحَ على أن "الهاءَ" فى قولِه: {إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} . من ذكرِ موسى، لا مِن ذكرِ فرعونِ؛ لأنها لو كانت مِن ذكرِ فرعونَ، لكان الكلامُ: على خوفٍ منه. ولم يكن: على خوفٍ مِن فرعونَ.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1975 من طريق أبي صالح به.
(2)
في الأصل: "على"، وفي م:"عنه".
(3)
في الأصل: "في".
ـ
وأما قولُه: {عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ} . فإنه يعنى على حالِ خوفٍ ممِّنْ آمَنَ مِن ذُرِّية قومِ موسى بموسى.
فتأويلُ الكلامِ: فما آمن لموسى إلا ذريةٌ مِن قومِه، من بنى إسرائيلَ، وهم خائِفونَ من فرعونَ ومَلَئِهم أن يَفتِنوهم.
وقد زَعَم بعضُ أهلِ العربيةِ أنه إنما قيل: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} ، لأن الذين كانوا آمنوا به إنما كانت أُمَّهاتُهم من بني إسرائيلَ، وآباؤُهم مِن القِبْط، فقيل لهم: الذريةُ. من أجل ذلك، كما قيل لأبناءِ الفُرْسِ الذين أُمَّهَاتُهم مِن العَرَبِ وآباؤُهم مِن العَجَمِ: أبناءٌ
(1)
.
والمعروفُ مِن معنى الذريَّةِ فى كلامِ العربِ، أنها أعقابُ من نُسِبَتْ إليه من قِبَلِ الرجالِ والنساءِ. كما قال الله جلَّ ثناؤُه:{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: 3]. وكما قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ} . ثم قال بعدُ: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ} [الأنعام: 85،84]. فجَعل مَن كان مِن قِبَل الرجال والنساء من ذرية إبراهيمَ.
وأما قولُه: {وَمَلَئِهِمْ} . فإن الملأَ الأشرافُ. وتأويلُ الكلام: على خوفٍ مِن فرعونَ ومن أشرافِهم.
واختلَفَ أهلُ العربيةِ فى مَن عُنِى بالهاءِ والميمِ اللتين فى قولِه: {وَمَلَئِهِمْ} . فقال بعضُ نحوبى أهل البصرة: غنى بها الذريةُ، وكأنه وَجَّه معنى الكلامِ إلى:{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ} ، وملأِ الذريةِ مِن بَنى إسرائيل.
(1)
معانى القرآن للفراء 1/ 476
وقال بعضُ نحويى الكوفةِ: عُنى بهما فرعون. قال: وإنما جاز ذلك وفرعونُ واحدٌ؛ لأن [المَلِكَ إذا ذُكرَ بخوفٍ
(1)
أو سفرٍ أو قدومٍ من سفرٍ، ذَهَبَ الوَهُمُ إليه وإلى مَن معه]
(2)
. وقال: ألا تَرى أنك تقولُ: قَدِمَ الخليفةُ فكَثُرَ الناسُ. تريدُ: بمنَ معه، وقَدِمَ فعلتِ الأسعارُ. [لأنك تَنِوى]
(3)
بقدومِه قدومَ مَن معه. قال: وقد يكونُ أن تريدَ بفرعونَ آل فرعونَ، وتحذفُ الآلَ
(4)
، فيجوزُ كما قال:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] يريدُ أهل القرية، والله أعلمُ.
قال: ومثلُه قولُ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1].
وأولى القولين
(5)
في ذلك بالصوابِ عندى قولُ مَن قال: الهاءُ والميمُ عائدتان على الذريةِ، ووجَّه معنى الكلامِ إلى أنه: على خوفٍ مِن فرعونَ، وملأ الذريةِ. لأنه كان في ذريةِ القَرْنِ الذين أُرسِلَ إليهم موسى مَن كان أبوه قبطيًّا وأمه إسرائيليةً، فمن كان كذلك منهم كان مع فرعونَ على موسى.
وقولُه: {أَنْ يَفْتِنَهُمْ} . [يقولُ: كان إيمانُ مَنْ آمَن مِن ذريَّةِ قومِ موسى على خوفٍ من فرعونَ أن يفتنَهم]
(6)
بالعذابِ، فيَصُدَّهم عن دينِهم، ويحملَهم على الرجوعِ عن الإيمانِ، والكفرِ باللهِ.
(1)
فى م: "لخوف".
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
في ص، م، ت 1، ت،2، س، ف:"لانا ننوي".
(4)
في النسخ: "آل فرعون". والمثبت من معاني القرآن للفراء.
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"الأقوال".
(6)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.
وقال: أن يَفْتِتَهم، فوحَّد، ولم يَقُلْ: أن يَفْتِنوهم؛ لدليلِ الخبرِ عن فرعونَ بذلك؛ أن قومَه كانوا على مثلِ ما كان عليه، لمِا قد تقدَّم من قولِه:{عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} .
وقولُه: {وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} . يقولُ فإنه لمن المُتَجاوِزِين الحقِّ إلى الباطلِ، وذلك كفرُه باللهِ، وتركُه الإيمانَ به، وجُحودُه وحدانيةَ اللهِ، وادعاؤُه لنفسِه الألوهةَ، وسفكُه الدماءَ بغيرِ حِلِّها.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84)} .
يقولُ تعالى ذكرُه مُخْبرًا عن قيلِ نبيِّه موسى لقومه: يا قومِ إنْ كُنْتم أقْرَرْتُم بوحْدانيةِ اللهِ، وصَدَّقْتم بربوبيَّتِه {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا}. يقولُ: فيه فثِقوا، ولأمرِه فسَلِّموا، فإنه لن يَخذُل وليَّه ولن
(1)
يُسلِمَ مَن توكَّلَ عليه، {إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}. يقولُ: إن كنتم مُذعِنين للهِ بالطاعةِ، فعليه توكّلوا.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: فقال قومُ موسى لموسى: {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} . أى به وَثِقنا، وإليه فوَّضنا أمرَنا.
وقولُه: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . يقولُ، جلَّ ثناؤُه، مُخْبِرًا عن قومِ موسى أنهم دعَوا ربَّهم فقالوا: ربَّنا لا تختبرْ هؤلاء القومَ الكافرين، ولا
(1)
سقط من: م، وفي ص، ت 1، س، ف:"لم".
تَمتحِنْهم بنا. يَعنون قومَ فرعونَ.
وقد اختلف أهلُ التأويلِ في المعنى الذى سَألوه ربَّهم مِن إعاذتِه ابتلاءَ قومِ فرعونَ بهم. فقال بعضُهم: سألوه أن لا يُظهِرَهم عليهم، فيَظنُّوا أنهم خيرٌ منهم، وأنهم إنما سُلِّطوا عليهم لكرامتِهم عليه وهوانِ الآخرين.
ذكرُ مِن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ قال: ثنا أبي، عن عِمرانَ بنَ حُدَيرٍ، عن أبي مجلزٍ في قولِه:{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . قال: لا يَظهَروا علينا، فيَرَوا أنهم خيرٌ منا
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجاجُ، قال: ثنا حمادٌ، عن عمرانَ بن حُدَيرٍ، عن أبي مجلزٍ فى قولِه:{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . قال: قالوا: لا تُظهِرْهم علينا فيَرَوا أنهم خيرٌ منا
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن أبيه، عن أبي الضُّحى {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. قال: لاتُسَلِّطْهم علينا، فيزدادوا [طغيانًا
(2)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن أبيه، عن أبي الضحى:{لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . قال: لا تسلِّطْهم علينا، فيزدادوا]
(3)
فتنةً.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1976 من طريق حماد به.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1976 من طريق سفيان به.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تُسَلطْهم علينا فيَفتنونا
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ، عن ابنِ عُيينةَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . قال: لا تُسلِّطْهم علينا فيَفْتِنونا.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا ابنُ عُيينةَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه. وقال أيضًا: فَيَقْتلونا
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابن عُيينةَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . قال: لا تُسَلِّطهم علينا فيَفتِنونا
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} لا تُعذِّبْنا بأيدى قومِ فرعونَ، ولا بعذابٍ مِن عندِك، فيقولَ قومُ فرعونَ: لو كانوا على حقٍّ ما عُذِّبوا ولا سُلِّطْنا عليهم. فيُفتنوا بنا
(3)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال ثني حجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"فيفتنونا"، والأثر في تفسير عبد الرزاق 1/ 297.
(2)
في الأصل، ص، ت 1، س، ف:"فيقتلونا"، وفى م:"فيضلونا"، والأثر أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1070 - تفسير)، ونعيم بن حماد فى الفتن والملاحم (360) من طريق سفيان به. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 314 إلى أبي الشيخ.
(3)
تفسير مجاهد ص 382 ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1976. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 314 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
مجاهدٍ قولَه: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . قال: لا تُعذِّبْنا بأيدى قومِ فرعونَ ولا بعذابٍ من عندِك. فيقولَ قومُ فرعونَ: لو كانوا على حقٍّ ما سُلِّطنا عليهم، ولا عُذَّبوا. فيَفتَتِنوا
(1)
بنا.
حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا حكامٌ، عن عنبسة، عن محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن القاسمِ بن أبى بَزَّةَ، عن مجاهدٍ قولَه:{لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . قال: لا تُصِبْنا بعذاب من عندك ولا بأيدِيهم، فيفتَتِنوا ويقولوا: لو كانوا على حقٍّ ما سُلِّطْنا عليهم، وما عُذِّبوا.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه تعالى: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . قال: لا تَبتَلِينا ربَّنا فتُجهِدَنا، ونُجعلَ
(2)
فتنةً لهم، هذه الفتنة. وقرأ:{فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [سورة الصافات: 63]
(3)
. قال المشركون حينَ كانوا يُؤذُون النبىَّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ويَرمُونهم، أليس ذلك فتنةً لهم وشرًّا
(4)
لهم، وهي بَلِيَّةٌ للمؤمنين
(5)
؟
والصوابُ مِن القولِ فى ذلك أن يُقالَ: إن القومَ رَغِبوا إلى اللهِ في أن يُجِيرَهم من أن يكونوا محنةً لقومِ فرعونَ وبلاءً، وكلُّ ما كان مِن أمرٍ كان لهم مَصَدَّةٌ عن اتباعِ موسى والإقرارِ به وبما جاءَهم به، فإنه لا شكَّ أنه كان لهم فتنةً،
(1)
فى ت 1، ت 2، س، ف:"فيفتنوا".
(2)
في النسخ: "تجعله"، والمثبت من تفسير ابن أبي حاتم.
(3)
في الأصل: "للقوم الظالمين".
(4)
في ص، م، ت 1، س، ف:"سوءا"، وفى ت 2 "سؤالهم".
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1976 من طريق أصبغ عن ابن زيد.
وكان مِن أعظمِ [ذلك أن يُسَلَّطوا عليهم، فإنَّ ذلك كان لا شك -لو كان- من أعظمِ]
(1)
الأمورِ لهم إبعادًا من الإيمانِ باللهِ وبرسولِه، وكذلك من المَصَدَّةِ كان لهم عن الإيمانِ، أن لو كان قوم موسى* عاجَلَتْهم مِن اللهِ محنةً في أنفسِهم، من بليةٍ تَنزِلُ، بهم. فاستعاذَ القومُ باللهِ مِن كلِّ معنًى يكونُ صادًّا لقومِ فرعونَ عن الإيمانِ باللهِ بأسبابِهم.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ونَجِّنا ياربَّنا برحمتِك، فخَلَّصْنَا مِن أَيْدى القومِ الكافرين قومِ فرعونَ؛ لأنهم كانوا يستَعبِدونهم ويستَعمِلونهم في الأشياءِ القذرةِ من خدمتِهم.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ} أن اتخذا لقومِكما بمصرَ بيوتًا.
يقالُ منه: تبوَّأ فلانٌ لنفسِه بيتًا. إذا اتَّخَذَه، وكذلك: تَبَوَّأَ مضجعًا
(2)
. إذا اتخذَهَ، وبَؤَّاتُه أنا بيتًا. إذا اتخذتُه له. {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً}. يقولُ: واجعلوا بيوتَكم مساجدَ تُصلُّون فيها.
واختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلَ قوله: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} ؛ فقال
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(*) من هنا خرم في مخطوط الأصل وينتهي في ص 278.
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، ف:"مصحفا". وينظر تفسير البغوى 4/ 146.
بعضُهم في ذلك نحوَ الذي قلنا فيه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن حميدٍ، عن عكرمةَ، عن ابنُ عباسٍ:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: مساجدَ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيانُ، عن خُصَيفٍ، عن عكرمةَ، عن ابنُ عباسٍ قولَه:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: أُمِروا أن يَتَّخِذوها مساجدَ
(1)
.
قال: ثنا أبو غَسَّانَ مالكُ بنُ إسماعيلَ، قال: ثنا زهيرٌ، قال: ثنا خُصيفٌ، عن عكرمةَ، عن ابنُ عباسٍ في قولِ اللهِ تعالى:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: كانوا يَفرَقون مِن فرعونَ وقومِه أن يصلُّوا، فقال لهم:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . يقولُ: اجعَلوها مسجدًا
(2)
حتى تُصَلُّوا فيها (1).
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ وابنُ حُميدٍ، قالا: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: خافوا، فأُمِروا أن يُصَلُّوا في بيوتِهم
(3)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: كانوا خائفين، فأُمِروا أن يُصلُّوا في بيوتِهم
(4)
.
(1)
تفسير الثورى ص 128، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1977، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 314 إلى ابن مردويه.
(2)
فى ت 2: "مساجد".
(3)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1073 - تفسير)، وأبو نعيم في الحلية 4/ 231 من طريق جرير به.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1977 من طريق سفيان به.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ
(1)
، قال: ثنا شِبْلٌ، عن خُصيفٍ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: كانوا خائفين، فأُمِروا أن يصلُّوا في بيوتِهم.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ عُيينةَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: كانوا لا يصلُّون إلا في البِيَعِ، وكانوا لا يصلون إلا خائفين، فأُمِروا أن يُصَلُّوا فى بيوتِهم
(2)
.
قال: ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قال: كانوا خائفين، فأُمِروا أن يصلُّوا في بيوتِهم.
قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن إسرائيلَ، عن السدىِّ، عن أبي مالكٍ:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: كانت بنو إسرائيلَ تخافُ فرعونَ، فأُمِروا أن يجعلوا بيوتَهم مساجدَ يُصَلُّون فيها.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ سعدٍ، قال: أخبرَنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ بنِ أنسٍ في قولِه:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . يقولُ: مساجدَ
(3)
قال: ثنا أحمد بن يونسُ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ:
(1)
في ت 2:"اليماني".
(2)
تفسير الثوري ص 128، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (1072 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1977 من طريق سفيان بن عيينة به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 314 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1977 من طريق أبي جعفر به.
{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: كانوا يُصلُّون في بيوتِهم، يخافون.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا زيدُ بنُ الحُبابِ، عن أبي سنانٍ، عن الضحاكِ:{أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} . قال: مساجدَ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ في قولِه:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: كانوا خائفين، فأُمروا أن يُصلُّوا في بيوتِهم.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: قال أبي
(2)
: اجعلوا في بيوتِكم مساجدَكم تصلُّون فيها؛ تلك القبلة
(3)
.
وقال آخرون: معنى ذلك: واجعلوا مساجدَكم قِبَلَ الكعبة.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا حكَّامٌ، عن محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ليلى. عن المِنهالِ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنُ عباسٍ:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . يعنى الكعبةَ
(4)
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1976 من طريق أبي سنان عن ثابت عنه به.
(2)
بعده فى م: "زيد".
(3)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 224، عن ابن زيد وعن أبيه.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1977 من طريق ابن أبي ليلى به.
أبيه، عن ابنُ عباسٍ في قولِه:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} . قال: قالت بنو إسرائيلَ لموسى: لا نستطيعُ أن نُظهِرَ صلاتَنا مع الفراعنةِ، فأَذِنَ اللهُ لهم أن يصلُّوا في بيوتِهم، وأُمِروا أن يجعلَوا بيوتَهم قِبَلَ القبلةِ
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ في قولِه: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . يقولُ: وَجِّهوا بيوتَكم مساجدَكم نَحو القبلِة، ألا تَرَى أنه يقولُ:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} (النور: 36)؟
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عبيدُ اللهِ، عن إسرائيلَ، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: قِبَلَ القبلةِ.
حدَّثنا القاسمُ: قال ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن مجاهد:{بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: نحو الكعبة، حينَ خافَ موسى ومَن معه مِن فرعونَ أن يصلُّوا فى الكنائسِ الجامعةِ
(2)
، فأمروا أن يجعلوا في بيوتِهم مساجدَ مستقبِلةً الكعبةَ يصلُّون فيها سرًّا.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . ثم ذَكَر مثلَه سواءً
(3)
.
قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ
(1)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 224 عن العوفي عن ابن عباس.
(2)
في تفسير مجاهد: "الجماعة".
(3)
تفسير مجاهد ص 382
ـ
تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا}: مساجدَ.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قولِه:{أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} . قال: مصرُ: الإسكندريةُ
(1)
.
حدَّثنا بِشرٌ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: وذلك حينَ مَنَعهم فرعونُ الصلاةَ، فأُمِروا أن يجعلوا مساجدَهم في بيوتهم، وأن يوجِّهوا نحو القبلةِ
(2)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبد الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: نحوَ القبلةِ
(3)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا إسحاقُ، عن أبي سنانٍ، عن الضحاك:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} ، قال: مساجدَ. {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: قِبَلَ القبلةِ
(4)
.
وقال آخرون: معنى ذلك: واجعلوا بيوتَكم يقابلُ بعضُها بعضًا.
(1)
تفسير مجاهد ص 382 ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1976، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 314 إلى ابن المنذر وابن أبي شيبة
(2)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1977 معلقًا، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 314 إلى أبي الشيخ.
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 297 عن معمر به.
(4)
أخرج ابن أبي حاتم شطره الأول في تفسيره 6/ 1976 من طريق أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك به، وذكر شطره الثاني معلقا 6/ 1977.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرانُ بنُ عُيَينةَ، عن عطاءٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . قال: يقابلُ بعضُها بعضًا
(1)
.
وأولى الأقوال فى ذلك بالصوابِ القولُ الذى قدَّمنا بيانَه، وذلك أن الأغلبَ مِن معانى البيوتِ -وإن كانت المساجدُ بيوتًا- البيوتُ المسكونةُ إذا ذُكِرت باسمِها المطلقِ، دونَ المساجدِ؛ لأن المساجدَ لها اسمٌ هى به معروفةٌ، خاصٌّ لها، وذلك: المساجدُ. فأما البيوتُ المطلقةُ بغيرِ وصلِها بشيءٍ، ولا إضافتِها إلى شيءٍ، فالبيوتُ المسكونةُ.
وكذلك القبلةُ، الأغلبُ من استعمال الناسِ إياها في قِبَلَ المساجدِ وللصلواتِ.
فإذا كان ذلك كذلك، وكان غيرُ جائزٍ توجيهَ معاني كلامِ الله إلا إلى الأغلبِ مِن وجوهِها، المستعملِ بينَ أهلِ اللسانِ الذى نَزَل به دونَ الخفىِّ المجهولِ، ما لم تأتِ دلالةٌ تدلُّ على غيرِ ذلك، ولم يكن على قولِه:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} . دلالةٌ تقطعُ العذرَ بأن معناه غيرُ الظاهرِ المستعملِ في كلامِ العربِ، لم يجز لنا توجيهُه إلى غيرِ الظاهرِ الذى وصفنا، وكذلك القولُ في قولِه:{قِبْلَةً} .
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وأدُّوا الصلاةَ المفروضةَ بحدودِها في أوقاتِها.
وقوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} . يقولُ جلَّ ثناؤُه لنبيه عليه الصلاة والسلام: وبشِّر مقيمي الصلاةِ، المطيعى الله يا محمدُ، المؤمنين، بالثوابِ الجزيلِ منه.
(1)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 224 عن سعيد به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1977 من طريق عطاء عن سعيد عن ابن عباس به.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وقال موسى: يا ربَّنا، إنك أعطيتَ فرعونَ وكبراءَ
(1)
قومِه وأشرافَهم -وهم الملأُ- زينةٌ مِن متاعِ الدنيا وأثاثِها، وأموالًا مِن أعيانِ الذهبِ والفضةِ فى الحياةِ الدنيا، {رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ}. يقولُ موسى لربِّه: ربَّنا أعطيتَهم ما أعطيتَهم مِن ذلك ليضلُّوا عن سبيلِك.
واختلف القرأةُ في قراءةِ ذلك.
فقرأه بعضُهم: {رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} بمعنى: ليُضلُّوا الناسَ عن سبيلك، ويصدُّوهم عن دينِك.
وقرأ ذلك آخرون: (ليَضِلُّوا عَنْ سَبِيلك). بمعنى: ليضِلُّوهم عن سبيلِك، فيَجورُوا عن طريقِ الهُدى
(2)
.
فإن قال قائلٌ: أفكان الله جلّ ثناؤه أعطَى فرعونَ وقومَه ما أعطاهم مِن زينةِ الدنيا وأموالِها ليُضِلوا الناسَ عن دينِه، أو ليضلُّو هم عنه؟ فإن كان لذلك أعطاهم ذلك، فقد كان منهم ما أعطاهم لذلك
(3)
، فلا عتبَ عليهم في ذلك! [قيل: إن معنى ذلك]
(4)
بخلافِ ما توهَّمتَ.
(1)
فى ت 1: "وثم ذكر"، وفى س:"وذكر"، وفى ف:"ذكرا".
(2)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر بفتح الياء: "ليَضِلُّوا"، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالضم:{لِيُضِلُّوا} . وينظر السبعة لابن مجاهد ص 267، والتيسير في القراءات السبع ص 100، والكشف عن وجوه القراءات 1/ 449.
(3)
في م: "لأجله"، وفي ت 2:"بذلك".
(4)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
وقد اختلف أهلُ العربيةِ في معنى هذه "اللامِ" التي في قولِه: {لِيُضِلُّوا} .
فقال بعضُ نحويى البصرةِ: معنى ذلك: ربَّنا فَضَلوا عن سبيلِك، كما قال:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8]. أي: فكان لهم، وهم لم يَلتقِطوه ليكونَ لهم عدوًّا وحَزَنًا، وإنما التقَطوه فكان لهم. قال: فهذه "اللامُ"، تَجيءُ في هذا المعنى.
وقال بعضُ
(3)
نحويى الكوفةِ: هذه "اللامُ" لامُ كي. ومعنى الكلامِ: ربَّنا أعطيتَهم ما أعطيتَهم كي يُضِلُّوا، ثم دَعا عليهم.
وقال آخرُ
(4)
: هذه اللاماتُ في قولِه: {لِيُضِلُّوا} ، {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا}. وما أشبَهَها بتأويلِ الخفضِ: آتيتَهم ما آتيتَهم لضلالِهم - والتقطوه لكونِه
(5)
، قد آلتِ الحالةُ إلى ذلك. والعربُ تجعلُ لامَ كي في معنى لامِ الخفضِ، ولامَ الخفضِ في معنى لامِ كي؛ لتقاربِ المعنى، قال اللهُ تعالى: {سَيَحْلِفُونَ
(6)
بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ} [التوبة: 95]. أى لإعراضِكم، ولم
(3)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف. والمراد به هو الفراء رحمه الله. وينظر معاني القرآن 1/ 477.
(4)
هو أبو العباس أحمد بن يحيى. كما نص عليه صاحب اللسان، حيث نقل آراء الكوفيين والبصريين في هذه "اللام". اللسان (ل و م).
(5)
بعده في: "لأنه".
(6)
في النسخ: "يحلفون". والمثبت هو الصواب.
يحلفوا لإعراضهم
(1)
، وقال الشاعرُ
(2)
:
سمَوتَ ولم تَكُن أَهلاً لِتَسْمُو
…
ولكنَّ المُضَيَّعَ قد يُصَابُ
قال: وإنما يقالُ: وما كنتَ أهلًا للفعلِ. ولا يقالُ: لتفعل. إلا قليلًا. قال: وهذا منه.
والصوابُ مَن القولِ فى ذلك عندى أنها لامُ كي، ومعنى الكلامِ: ربَّنا أعطيتَهم ما أعطيتَهم مِن زينةِ الحياةِ الدنيا والأموالِ لتفتنَهم فيه، ويُضلوا عن سبيلِك عبادَك عقوبةً منك، وهذا كما قال جلّ ثناؤه:{لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن: 16، 17].
وقوله: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} . هذا دعاءٌ من موسى، دعا اللهَ على فرعونَ وملئِه أن يُغَيِّرَ أموالَهم عن هيئتِها، ويُبَدِّلَها إلى غيرِ الحالِ التي هي بها، وذلك نحوَ قولِه:{أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} [النساء: 47]. يعنى به: منِ قبلِ أن نغيرَها عن هيئتِها التي هي بها.
يقالُ منه: طَمَسْتُ عينَه أطمِسَها، وأطمُسَها طمْسًا وطُمُوسًا. وقد تَستِعملُ العربُ الطمسَ فى العُفُوِّ والدُّثورِ، وفى الاندقاقِ والدُّروسِ، كما قال كعبُ بنُ زهيرٍ
(3)
:
مِن كلٍّ نضَّاحَةِ الذِّفْرَى إِذا عَرِقَت
…
عُرضَتُها طَامسُ الأعلامِ مجهولُ
وقد اختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك في هذا الموضعِ؛ فقال جماعةٌ منهم فيه مثلَ قولِنا
(1)
يريد: الجعلهم يعرضون. وجاءت هذه العبارة فى اللسان بأوضح من هذا، قال:"المعنى: لإعراضكم عنهم وهم لم يحلفوا لكي تعرضوا، وإنما حلفوا لإعراضهم عنهم".
(2)
البيت في شرح التصريح 2/ 236، واللسان (ل و م).
(3)
تقدم في 4/ 11.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني زكريا بنُ يحيى بنِ أبى
(1)
زائدةَ، قال: ثنا حجاجٌ، قال: ثنى ابنُ جريجٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ كثيرٍ، قال: بَلَغَنا عن القُرظيِّ في قولِه: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} . قال: اجعلْ سُكَّرَهم
(2)
حجارةً.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ كثيرٍ، عن محمدِ بنِ كعبٍ القُرَظىِّ، قال: جعَل
(3)
سُكَّرَهم حجارةً
(4)
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا يحيى بنُ يمانٍ، عن أبي جعفرٍ، عن الربيعٍ، عن أبي العاليةِ:{اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} . قال: جعلَها
(5)
حجارةً
(6)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ ابنُ سعدٍ، قال: ثنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ بنِ أنسٍ في قولِه:{اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} . قال: صارت حجارةً
(7)
(1)
سقط من: م، ف، وينظر تهذيب التهذيب 3/ 335، والثقات لابن حبان 8/ 255.
(2)
السُّكَّرُ، بالضم وشد الكاف: من الحلوى، معروف، معرب شكر بفتحتين، والسُّكَّرُ رطب طيِّب، نوع منه شديد الحلاوة، والسُّكَّرُ عنب يصيبه المرق فينتشر، فلا يبقى العنقود إلا أقله، وهو رطبٌ صادق الحلاوة عذبٌ أبيض. التاج (س ك ر).
(3)
في م: "اجعل".
(4)
تفسير مجاهد ص 383 من طريق سنيد، وهو الحسين بن داود به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 315 إلى أبي الشيخ.
(5)
في م: "اجعلها".
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1979 من طريق يحيى بن يمان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 315 إلى أبي الشيخ.
(7)
ذكرُه ابن كثير 4/ 225.
حدَّثنابشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} . قال: بَلَغَنا أن زروعَهم تحوَّلت حجارةً
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} . قال: بلغنَا أن حُروثًا
(2)
لهم صارت حجارةً.
حدَّثنا المثنى، قال: ثنا قبيصةُ بنُ عقبةَ، قال: ثنا سفيانُ: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} . قال: يقولون: صارت حجارةً.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا يحيى الحِمَّانيُّ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن إسماعيلَ، عن أبي صالحٍ في قولِه:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} . قال: صارت حجارةً
(3)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} . قال: بَلَغنا أن حروثًا لهم صارت حجارةً
(4)
.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ، قال: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمعتُ الضحاكَ يقولُ فى قولِه: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} .
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1979 من طريق سعيد بن أبي عروبة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 315 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
في ص، ت،1، ت،2، س، ف:"حرثا".
(3)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1979 معلقًا.
(4)
تفسير عبد الرزاق 1/ 296.
قال: جَعَلها الله حجارةً منقوشةً على هيئةِ ما كانت
(1)
.
حدَّثنا يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} . قال: قد فَعَل ذلك، وقد أصابَهم ذلك، طَمَس على أموالهم، فصارت حجارةً؛ ذَهَبُهم ودراهمُهم وعَدَسُهم، وكلُّ شيءٍ
(2)
.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أهلِكْها.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثني زكريا بنُ يحيى بن أبي زائدةَ، قال: ثنا حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} . قال: أهلِكْها.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ
(3)
أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(4)
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمى، قال: ثني أبى، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} . يقولُ: دَمِّرْ عليهم
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1979 من طريق آخر عن الضحاك بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 315 إلى أبى الشيخ.
(2)
ذكره الطوسي في التبيان 5/ 423.
(3)
سقط من: م.
(4)
تفسير مجاهد ص 383، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 315 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.
وأهلِكْ أموالَهم
(1)
.
وأما قولُه: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} . فإنه يعنى: واطبَع عليها حتى لا تلينَ ولا تنشرحَ بالإيمانِ.
كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن علىٍّ، عن ابنِ عباسٍ: وقال موسى قبلَ أن يأتىَ فرعونُ: ربنا اشدُدْ على قلوبِهم فلا يؤمِنوا حتى يَرَوا العذابَ الأليمَ. فاستجاب اللهُ له، وحالَ بينَ فرعونَ وبين الإيمانِ حتى أدرَكَه الغرقُ، فلم ينفعْه الإيمانُ
(2)
.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ:{وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} . يقولُ: واطبع على قلوبِهم {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} ، وهو الغرقُ
(3)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} : بالضلالةِ.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، [عن مجاهدٍ]
(4)
{وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} . قال: بالضلالِة
(5)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1978 عن محمد بن سعد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 315 إلى أبي الشيخ.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1980 والبيهقى فى الاعتقاد ص 177 من طريق عبد الله به.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1979، 1980 عن محمد بن سعد به.
(4)
سقط من: ص، ت 2، س.
(5)
تفسير مجاهد ص 383، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1979.
مجاهدٍ مثلَه
حُدِّثتُ عن الحسينِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ، قال: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضّحَاكَ يقولُ فى قولِه: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} . يقولُ: أهلكهم كفارًا
(1)
وأما قولُه: {فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} . فإن معناه: فلا يصدِّقوا بتوحيدِ اللهِ ويُقِرُّوا بوحدانيتِه حتى يَرَوا العذابَ المُوجعَ
(2)
.
كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَلَا يُؤْمِنُوا} باللهِ، فيما يَرَون من الآياتِ، {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}
(2)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(3)
.
قال: ثنا سويدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: سمِعتُ المقرئُ
(4)
يقولُ: {فَلَا
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1979 من طريق أبي معاذ به.
(2)
فى ت 1: "المؤلم". وفى ت 2: "الأليم الموجع".
(3)
تفسير مجاهد ص 383 ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1980.
(4)
في م: "المنقرى"، وفى ت 2:"المزنى"، وهو عبد الله بن يزيد المقرئ. وينظر تهذيب الكمال 16/ 320. وما سيأتي في 13/ 123.
يُؤْمِنُوا}. يقولُ: دُعاءٌ عليهم.
واختلف أهلُ العربيةِ فى موضعِ {يُؤْمِنُوا} ؛ فقال بعضُ نحويى البصرةِ: هو نصبٌ؛ لأن جوابَ الأمرِ بالفاءِ، أو يكونُ دعاءً عليهم إذ عَصَوا. وقد حُكى عن قائل هذا القولُ أنه كان يقولُ: هو نصبٌ، عطفًا على قولِه:{لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} .
وقال آخرُ منهم
(1)
- وهو قولُ نحويى الكوفيينَ: موضعُه جزمٌ على الدعاءِ مِن موسي عليهم، بمعني: فلا آمنوا
(2)
، كما قال الشاعرُ
(3)
:
فلا يَنْبَسط مِن بينِ عَينَيك ما انزَوَى
…
ولا تَلقَنى إلا وأنفُكَ رَاغِمُ
بمعنى: فلا انبسَطَ مِن بينِ عينَيك ما انزَوى، ولا لَقِيتَنى. على الدعاءِ. [وكان بعضُ نحويبى الكوفةِ يقولُ: هو دعاءٌ، كأنه قال: اللهمَّ]
(4)
فلا يؤمنوا. قال: وإن شئتَ جعلتَها جوابًا لمسئلتِه إياه؛ لأن المسئلةَ خَرَجَت على لفظِ الأمرِ، فتجعلُ {فَلَا يُؤْمِنُوا} ، في موضعِ نصبٍ على الجوابِ، وليس بسهلٍ قال: ويكونُ كقولِ الشاعرِ
(5)
:
يا ناقُ سيرى عَنَقًا
(6)
فسيحا
…
إلى سليمانَ فَنستريحا
قال: وليس الجوابُ بسهلٍ في الدعاءِ؛ لأنه ليس بشرطٍ.
(1)
ينظر مجاز القرآن 1/ 281.
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
هو الأعشى الكبير. والبيت في ديوانه ص 79.
(4)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف
(5)
هو أبو النجم العجلى. والبيت فى ديوانه ص 82 وسيأتي في سورة إبراهيم.
(6)
العنق: ضرب من السير، وهو المنبسط. اللسان (ع ن ق).
والصوابُ مِن القولِ فى ذلك أنه فى موضعِ جزمٍ على الدعاءِ، بمعنى: فلا آمنوا. وإنما اخترتُ ذلك لأن ما قبلَه دعاءٌ، وذلك قولُه:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ، فإلحاقُ قولِه:{فَلَا يُؤْمِنُوا} . إذ كان في سياقِ ذلك بمعناه أشبهُ وأولى.
وأما قولُه: {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} . فإن ابنَ عباسٍ كان يقولُ: معناه: حتى يَرُوا الغرقَ. وقد ذكَرنا الروايةَ عنه بذلك مِن بعضِ وجوهِها فيما مضَى
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال ابنُ عباسٍ:{فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} . قال: العَرقُ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)} .
وهذا خبرٌ مِن الله عن إجابتِه لموسى صلى الله عليه وسلم وهارونَ دعاءَهما على فرعونَ وأشرافِ قومِه وأموالِهم. يقولُ جلَّ ثناؤه: قال اللهُ لهما: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} في فرعونَ وملئِه وأموالِهم.
فإن قال قائلٌ: وكيف نُسبت الإجابة إلى اثنين والدعاءُ إنما كان من واحدٍ؟ قيل: إن الداعىَ وإن كان واحدًا، فإن الثاني كان مؤمِّنًا وهو هارونُ، فلذلك نُسِبت الإجابةُ إليهما؛ لأن المؤمِّنَ داعٍ، وكذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن ابنِ
(1)
تقدم تخريجه في ص 267.
جريجٍ، عن رجلٍ، عن عكرمةَ، قال
(1)
: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} . [قال: كان موسى يدعو وهارونُ يؤمنُ، فذلك قولُه: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}]
(2)
.
وقد زَعَم بعضُ أهلُ العربيةِ أن العربَ تخاطبُ الواحدَ خطابَ الاثنين، وأنشَد في ذلك
(3)
:
فقلتُ لصاحبي لا تُعجَلانَا
(4)
…
بِنَزعِ أصولِه واجتَزَّ شِيحَا
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا زكريا بنُ عدىٍّ، عن ابنُ المباركِ، عن إسماعيلَ ابنِ أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، قال:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} . قال: دعا موسى، وأمَّن هارونُ
(5)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي وزيدُ بنُ حبابٍ، عن موسى بنِ عبيدةَ، عن محمدِ بنِ كعبٍ، قال: دعا موسى، وأمَّن هارونُ
(6)
قال: ثنا أبو معاويةَ، عن شيخٍ له، عن محمدِ بنِ كعبٍ، قال: دعا موسى وأمَّن هارونُ.
حدَّثنا المثنى، قال: ثنا أبو نعيمٍ، قال: ثنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبى
(1)
فى م:"في قوله".
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف. والأثر ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1980 معلقًا، وذكره أيضًا ابن كثير في تفسيره 4/ 226.
(3)
البيت المضرس بن ربعي الأسدى. وقيل: ليزيد بن الطثرية. والبيت فى تأويلِ مشكل القرآن ص 224، وشرح شواهد المغنى 2/ 598، واللسان (ج ز ز).
(4)
في مصادر التخريج: "تحبسانا". قال في اللسان: "وقوله: لا تحبسنا بنزع أصوله. يقول: لا تحبسنا عن شيٍّ اللحم بأن تقلع أصول الشجر، بل خذ ما تيسر من قضبانه وعيدانه، وأسرع لنا فى شيّه. ويروى: لا تحبسانا".
(5)
ذكره ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1980 معلقا، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 226.
(6)
أخرجه سعيد بن منصور (1075 - تفسير) من طريق آخر عن محمد بن كعب بنحوه، وذكره ابن أبى حاتم فى تفسيره 6/ 1980 معلقا، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 226.
العاليةِ، قال:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} . قال: دعا موسى، وأمَّن هارونُ
(1)
.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ سعدٍ، وعبدُ اللهِ بنُ أبي جعفرٍ، عن أبي جعفرٍ، عن الربيعِ بنِ أنسٍ، قال: دعا موسى، وأمَّن هارونَ، فذلك قولُه:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}
(2)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن رجلٍ، عن عكرمةَ فى قولِه:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} . قال: كان موسى يدعو وهارونُ يؤمِّنُ، فذلك قولُه:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}
(3)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قال ابنُ عباس: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} ؛ لموسى وهارونَ، قال ابنُ جريجٍ: قال عكرمةُ: أمَّن هارونُ على دعاءِ موسى، فقال اللهُ:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا}
(4)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ: كان هارونُ
(5)
يقولُ: آمين. فقال اللهُ: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} . فصار التأمينُ دعوةً، صار شريكَه فيها
(6)
.
وأما قولُه: {فَاسْتَقِيمَا} . فإنه أمرٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه لموسى وهارونَ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1980 من طريق أبي جعفر به.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1980 من طريق عبد الله بن أبي جعفر به.
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 297، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 315 إلى أبى الشيخ.
(4)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 315 إلى أبى الشيخ دون أثر عكرمة.
(5)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(6)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 315 إلى المصنف.
بالاستقامة والثباتِ على أمرِهما من دعاءِ فرعونَ وقومِه إلى الإجابةِ إلى توحيدِ اللهِ وطاعتِه، إلى أن يأتيهَم عقابُ اللهِ الذي أخبَرهما أنه أجابهما فيه.
كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، قال: قال ابنُ جريجٍ: قال ابنُ عباسٍ: {فَاسْتَقِيمَا} : فامضيا لأمرى، وهى الاستقامةُ. قال ابنُ جريجٍ: يقولون: إن فرعونَ مكثَ بعدَ [هذه الدعوةِ]
(1)
أربعين سنةً
(2)
.
وقولُه: {وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} . يقولُ: ولا تَسلُكانِّ طريقَ الذين يَجهَلون حقيقةَ وعدى، فتستَعجِلان قَضائى، فإن وعدى لا خُلفَ له، وإن وعيدى نازلٌ بفرعونَ، وعذابى واقعٌ به وبقومِه.
يقولُ تعالى ذكرُه: وقطَعنا ببنى إسرائيلَ البحرَ حتى جاوَزوه، {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ}. يقولُ: فتَبِعهم فرعونُ، {وَجُنُودُهُ}. يقالُ منه: أتبَعتُه وتبِعتُه، بمعنًى واحدٍ.
وقد كان الكسائيُّ فيما ذكَر أبو عبيدٍ عنه يقولُ: إذا أُريدَ أنه أتبَعهم خيرًا أو شرًّا، فالكلامُ
(3)
: أتبَعَهم بهمزِ الألفِ، وإذا أريد أنه
(4)
اتَّبع أثرَهم أو اقتدَى بهم،
(1)
في ص، ت 1، س، ف:"هذه الآية"، وفي ت 2:"هذا".
(2)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 226، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 315 إلى المصنف وابن المنذر.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، ف:"قال كلام".
(4)
سقط من: م.
فإنه من اتَّبعتُ، مشددةَ التاءِ غير مهموزةِ الألفِ
{بَغْيًا} على موسى وهارونَ ومَن معهما مِن قومِهما مِن بني إسرائيلَ، {وَعَدْوًا}. يقولُ: واعتداءً عليهم.
وهو مصدرٌ مِن قولهم: عَدا فلانٌ على فلانٍ في الظلمِ، يَعدو عليه عدوًا. مثل: غزا يَغْزُو غزوًا.
وقد رُوى عن بعضِهم أنه كان يقرَأُ: (بغيا وعُدُوا)
(1)
. وهو أيضًا مصدرٌ مِن قولهم: عَدَا يعدوا عدُوًّا. مثل: علا يَعلو عُلوًّا.
{حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} ، يقولُ: حتى إذا أحاطَ به الغرقُ. وفي الكلامِ متروكٌ قد تُرِك ذكرُه اكتفاءً
(2)
بدَلالةِ ما ظهَر مِن الكلامِ عليه، وذلك:{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا} ، فيه فغَرَّقناه، {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} .
وقولُه: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} . يقولُ تعالى ذكرُه مخبرًا عن قيلِ فرعونَ حينَ أشفَى
(3)
على الغرقِ وأيقَن بالهلكة: {آمَنْتُ} . يقولُ: أَقرَرتُ {أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} .
واختلَفت القرأةُ فى قراءةِ ذلك. فقرَأه بعضُهم، وهو قراءةُ عامةِ أهلِ المدينةِ والبصرةِ:{أَنَّهُ} ، بفتحِ الألفِ مِن {أَنَّهُ} على إعمالِ آمنتُ فيها ونصبِها به
(4)
.
(1)
هي قراءة الحسن وقتادة وأبو رجاء وعكرمة، وهي قراءة شاذة. ينظر مختصر شواذ القراءات لابن خالويه ص 63.
(2)
سقط من: م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
فى م، ت 2:" أشرف". وأشفى على الشيء: أشرف عليه. اللسان (ش ف ى).
(4)
وهى قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم. ينظر السبعة ص 330، والكشف عن وجوه القراءات 1/ 522.
وقرأ آخرون: (آمنتُ إنه)، بكسرِ الألفِ مِن {أَنَّهُ} على ابتداءِ الخبرِ، وهى قراءةُ عامةِ الكوفيين
(1)
.
والقولُ فى ذلك عندى أنهما قراءتان مُتقاربنا المعنى، وبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ.
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا موسى بنُ عبيدةَ، عن محمدِ بنِ كعبٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ شدّادٍ، قال: اجتمَع يعقوبُ وبنوه إلى يوسفَ، وهم اثنان وسبعون، وخرَجوا مع موسى مِن مصرَ حينَ خَرجوا، وهم ستُّمائةِ ألفٍ فلما أدرَكهم فرعونُ فرأَوه، قالوا: يا موسى أين المخرجُ فقد أُدركنا؟ قد كُنَّا نلقَى مِن فرعونَ البلاءَ. فأوحَى اللهُ إلى موسى: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63] ويَبِسَ لهم البحرُ، وكشَفَ اللهُ عن وجهِ الأرضِ، وخرَج فرعون على فرسٍ حصانٍ أدهَمَ
(2)
، على لونِه مِن الدُّهم ثمانمائةِ ألفٍ سِوى ألوانِها من الدوابِّ، وكانت تحتَ جبريلَ عليه السلام فرسٌ وَدِيقٌ
(3)
ليس فيها أنثى غيرُها، وميكائيلُ يسوقُهم، لا يَشِذُّ رجلٌ منهم إلا ضَمَّه إلى الناسِ، فلما خرَج آخِرُ بني إسرائيلَ دَنا منه جبريلُ ولَصِقَ به، فوجَدَ الحصانُ ريحَ الأنثى، فلم يَمِلكْ فرعونُ مِن أمره شيئًا، وقال: أقدمِوا، فليس القومُ أحقَّ بالبحرِ منكم. ثم
(1)
هي قراءة حمزة والكسائي. ينظر المصدرين السابقين.
(2)
الأدهم: الأسود. اللسان (د هـ م).
(3)
فرس وديق: هى التى تشتهى الفحل. النهاية 5/ 168.
أتبعَهم فرعونُ، حتى إذا همَّ أولُهم أن يخرُجوا، ارتَطَم ونادى فيها:{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} . ونُودى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)}
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن عطاءِ ابنِ السائبِ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ وعن عديِّ بنِ ثابتٍ، عن سعيدِ بنِ، جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: رفعَه
(2)
أحدُهما إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فقال: "إن جبريلَ كان يَدُسُّ فى فمِ فرعونَ الطينَ مخافةَ أن يقولُ: لا إلهَ إلا اللهُ"
(3)
.
حدَّثني الحسينُ بنُ عمرُو بنِ محمدٍ العنقزىُّ، قال: ثنا أبي، قال: ثنا شعبةُ، عن عطاءِ بنِ السائبِ، و
(4)
عن عديِّ بنِ ثابتٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"جعَل جبريلُ عليه السلام يدُسُّ -أو يحشو- في فمِ فرعونَ الطينَ مخافة أن تُدرِكَه الرحمةُ".
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا حكامٌ، عن عنبسةَ، عن كثيرِ بنِ زاذانَ، عن أبى حازمٍ، عن أبي هريرةَ، قال: قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: "قال لى جبريلُ: يا محمدُ، لو رأيتَنى وأنا أَغِطُّه
(5)
وأدُسُّ من الحالِ
(6)
فى فِيه مخافةَ أن تُدركَه رحمةُ اللهِ
(1)
تقدم تخريجه في 1/ 655، 656، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1981، 1982 من طريق محمد بن كعب بنحوه مختصرًا.
(2)
فى م، ت 2:"يرفعه".
(3)
أخرجه النسائى فى الكبرى (11238) عن محمد بن المثنى به، وأخرجه أحمد 4/ 45، 5/ 245 (2144، 3154)، والحاكم 1/ 57 من طريق محمد بن جعفر به، وأخرجه الطيالسي (2740)، والترمذى (3108)، وابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1982 من طرق عن شعبة به.
(4)
سقط من: النسخ. والمثبت هو الصواب كما في الحديث السابق. وينظر تهذيب الكمال 20/ 86.
(5)
غطه في الماء: كبسه. التاج (غ ط ط).
(6)
فى م، ت 2:"حمئه". والحال: الطين الأسود كالحمأة. النهاية 1/ 464.
فيغفِرَ له". يعني فرعونَ
(1)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا حجاجٌ، قال: ثنا حمادٌ، عن علىٍّ بنِ زيدٍ، عن يوسفَ بنِ مهرانَ، عن ابنِ عباسٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لمَّا أغرَق اللهُ فرعونَ قال: آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمَنَت به بنو إسرائيلَ. فقال جبريلُ: يا محمدُ، لو رأيتَني وأنا أخُذُ مِن حالِ
(2)
البحرِ وأدُسُّه في فِيه، مخافةَ أن تُدرِكَه الرحمةُ"
(3)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثني عمرُو بنُ
(4)
حكامٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن عطاءِ بنِ السائبِ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لمَّا قال فرعونُ: لا إله إلا اللهُ. جَعَل جبريلُ يحشُو في فِيه الطينَ والترابَ".
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: أخبَرني من سمِعَ ميمونَ بنَ مهرانَ يقولُ في قولِه: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} . قال: أخَذ جبريلُ مِن حَمأةِ البحرِ فضرَب بها فاه -أو قال: ملأ بها فاه- مخافةَ أن تُدرِكَه رحمةُ الله.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا الحسينُ بنُ علىٍّ، عن جعفرِ بنِ بُرقانَ، عن ميمونِ ابنِ مهرانَ، قال: خطَب الضحاكَ بنُ قيسٍ، فحَمِد اللهَ وأثنى عليه، ثم قال: إن فرعونَ كان عبدًا طاغيًا ناسيًا لذكرِ اللهِ، فلما أدرَكه الغرقُ قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا
(1)
أخرجه ابن عدى 2/ 789، والبيهقى فى شعب الإيمان (9390) من طريق حكام به.
(2)
فى م، ت 2:" حمأة".
(3)
أخرجه الترمذى (3107)، والطبراني (12932)، والحاكم 4/ 249 من طرق عن حجاج به. والطيالسي (2816)، وأخرجه أحمد 4/ 82 (2203)، وابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1982، من طرق عن حماد به
(4)
فى م: "عن". وينظر التاريخ الكبير 6/ 324، والجرح والتعديل 6/ 227.
إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. قال اللهُ: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} .
قال: ثني أبي، عن شعبة، عن عديِّ بنِ ثابتٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، أن فِرعونَ لما أدركه الغرقُ جعَل جبريلُ يَحشُو
(1)
في فِيه الترابَ خشيةَ أن يُغفرَ له
قال: ثنا محمدُ بنُ عبيدٍ، عن عيسى بنِ المغيرةِ، عن إبراهيمَ التيميِّ، أن جبريلَ عليه السلام [قال: ما حسَدتُ أحدًا]
(2)
مِن بنى آدمَ
(3)
الرحمةَ إلا فرعونَ، فإنه حينَ قال ما قال خشيتُ أن تصلَ إلى الربِّ فأخَذتُ مِن حَمأةِ البحر وزَبدِه، فضرَبتُ به عينَيه ووجهَه.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ قال: أخبَرنا أبو خالدٍ الأحمرُ، عن عمرَ بنِ يعلى، عن سعيدِ ابنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: قال جبريلُ عليه السلام: لقد حَشَوتُ فاه بالحَمأةِ مخافةَ أن تُدرِكَه الرحمةُ
(4)
.
القولُ في تأويلِ قولِه: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} .
يقولُ تعالى ذكرُه مُعرّفًا فرعونَ قُبحَ صَنيعه أيامَ حياتِه، وإساءتَه إلى نفسِه أيامَ صحتِه، بتمَادِيه ومعصيتِه ربَّه، حينَ فَزِعَ إليه فى حالِ حلولِ سَخَطِه به، ونُزُولِ
(1)
فى م، ت 2، ف:"يحثو".
(2)
في م: "ما خشيت على أحد".
(3)
إلى هنا ينتهى الخرم المشار إليه في ص 254 من مخطوط الأصل.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1982 من طريق أبي خالد الأحمر عن عمر بن عبد الله الثقفى به بنحوه.
عقابِه به
(1)
، مُستَجِيرًا به من عذابِه الواقعِ به، لما ناداه وقد عَلَته أمواجُ البحرِ، وغَشِيته كُربُ الموتِ:{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} له، المُنقادين بالذلةِ له، المُعترِفين بالعبوديةِ: الآن تُقِرُّ للهِ بالعبوديةِ، وتستسلمُ له بالذلة، وتُخلص له الألوهةَ، وقد عصيتَه قبلَ نزولِ نِقمتَه بك، فأسخَطتَه على نفسِك، وكنتَ مِن المفسدين فى الأرضِ، الصادِّين عن سبيلِه؟ فهلَّا وأنت فى مَهَلٍ، وبابُ التوبةِ لك منفِتحٌ، أقررتَ بما أنت به الآن مُقِرٌّ؟.
القولُ في تأويلِ قولِه: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لفرعونَ: فاليوم نجعَلُك على نَجوةٍ مِن الأَرضِ ببدنِك، ينظُرُ إليك هالكًا من كذَّب بهلاكِك؛ {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}. يقولُ: لتكون
(2)
لمَن بعدَك مِن الناسِ عبرةً يعتَبِرون بك، فيَنَزجِرون عن معصيةِ اللهِ والكفرِ به، والسَّعي في أرضِه بالفسادِ.
والنَّجوةُ، الموضعُ
(3)
المرتفعُ على ما حولَه مِن الأرضِ، ومنه قولُ أوسِ بنِ حجر
(4)
:
فَمَن بِعَقوتِه
(5)
كَمَن بِنجوتِه
…
والمُستَكِنُّ كَمَن يَمشى بِقِرواحِ
(6)
(1)
سقط من: م، ف.
(2)
سقط من: ص، م، ص، م، ت 1، ت 2، س، ف
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
البيت في ديوانه ص 16 وفيه بعض الفروق عن ما هنا.
(5)
العقوة: الساحة وما حول الدار والمحلة. اللسان (ع ق و).
(6)
القرواح: الأرض البارزة للشمس. اللسان (ق رح).
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مِن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا المعتمرُ بنَ سليمانَ، عن أبيه، عن أبي السَّليلِ، عن قيسِ بنِ عُبادٍ
(1)
أو
(2)
غيرِه، قال: قالت
(3)
بنو إسرائيلَ لموسى: إنه لم يَمت. تعنى
(4)
فرعونَ. قال: فأخرَجه اللهُ إليهم ينَظُرون إليه مثلَ الثورِ الأحمرِ
(5)
.
حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابنُ عُليَّةَ، عن سعيد الجُرَيريِّ، عن أبي السَّليلِ، عن قيسِ بنِ عُبادٍ
(6)
- قال: وكان مِن أكثرِ
(7)
الناسِ، أو: أحدثِ الناسِ- عن بني إسرائيلَ. قال: فحدَّثنا أن أولَ جنودِ فرعونَ لمَّا انتهَى إلى البحرِ، هابَت الخيلُ اللِّهبَ
(8)
. قال: ومَثَل لحصانٍ منها فرسٌ وَديقٌ، فَوَجَد ريحَها. قال أبو جعفرٍ: أحسَبُه أنا قال: فانسلَّ فاتَّبعَته الخيلُ
(9)
- قال: فلمَّا تتامَّ آخرُ جنودِ فرعونَ في البحرِ، وخرَج آخرُ بنى إسرائيلَ، أُمِر البحرُ فانصفَق
(10)
عليهم،
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"عبادة"، وينظر تهذيب الكمال 24/ 64.
(2)
فى م: "و".
(3)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
أخرجه عبد الرزاق فى تفسيره 1/ 298 من طريق أبي السليل به.
(6)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"معاذ".
(7)
في ت 1، ت،2، س:"أكبر".
(8)
في ص، ت 2 س:"اللهث"، وفى ت 1:"اللث". واللهب؛ بالكسر: الفرجة والهواء بين، الجبلين. اللسان (ل هـ ب).
(9)
سقط من: م، ف.
(10)
فى م، ت 2:" فانطبق". وانصفق: رجع. اللسان (ص ف ق).
فقالت بنو إسرائيلَ: ما مات فرعونُ، وما كان ليموتَ أبدًا. فَسَمِعَ الله تكذيبَهم نبيَّه عليه السلام. قال: فرَمَى به على الساحلِ، كأنه ثورٌ أحمرُ يَتراءاه بنو إسرائيلَ.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال ثنا موسى بنُ عبيدةَ، عن محمدِ بنِ كعبٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ شدادٍ:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} . قال: بدنُه جسدُه، رمَى به البحرُ.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} . قال: بجسدِك.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(1)
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: حدَّثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا تميمُ بنُ المنتصرِ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا الأصبغُ بنُ زيدٍ، عن القاسمِ بنِ أبي أيوبَ، قال: ثنى سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: لمَّا جاوَز موسى البحرَ بجميعِ مَن معه، التقى البحرُ عليهم -يعنى على فرعونَ وقومِه- فأغرَقَهم، فقال أصحابُ موسى: إنا نخافُ أن لا يكونَ فرعونُ، غَرِقَ، ولا نؤمِنُ بهلاكِه. فَدَعا ربَّه فأخرَجه، فنبَذَه البحر حتى استيقَنوا بهلا كهـ
(2)
(1)
تفسير مجاهد ص 383 ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1983، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 316 إلى ابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف وأبى الشيخ
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 107 (510) من طريق يزيد به، وأخرجه أيضًا في 8/ 2775.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ
(1)
، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} . يقولُ: أنكرَ ذلك طوائفُ مِن بني إسرائيلَ، فقذَفه اللهُ على ساحلِ البحرِ يَنظُرون إليه.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} . قال: لما غرَّق
(2)
اللهُ فرعونَ، لم تصدِّقْ طائفةٌ مِن الناسِ بذلك، فأخرَجه اللهُ آيةً وعِظَةً
(3)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا ابنُ التيميِّ، عن أبيه، عن أبي السَّليلِ، عن قيسِ بنِ عُبادٍ أو غيرِه، بنحوِ حديثِ ابنِ عبدِ الأعلى، عن معتمرٍ
(4)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ رجاءٍ، عن ابنِ جريجٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ كثيرٍ.، عن مجاهدٍ:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} ، قال: بجسدِك.
[ثنا ابنُ وكيعِ]
(5)
قال: ثنا محمدُ بنُ بكرٍ
(6)
، عن ابنِ جريجٍ، قال: بَلَغنى عن مجاهدٍ: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} . قال: بجسدِك.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: كَذَّبَ بعضُ بني إسرائيلَ بموتِ فرعونَ، فرَمَى به على ساحلِ البحِر ليَراه بنو
(1)
في الأصل: "زيد".
(2)
في ت 1، ت 2، ف:"أغرق".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1984 من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 316 إلى عبد الرزاق وابن المنذر.
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"معمر". وينظر ما تقدم في ص 280.
(5)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف
(6)
فى م، ت 1، ف:"بكير". وينظر تهذيب الكمال 24/ 530.
إسرائيلَ. قال: أحمرُ كأنه ثورٌ.
وقال آخرون: [معنى ذلك]
(1)
تَنْجو بجسدِك مِن البحرِ، فتخرجُ منه
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} . يقولُ: أنجَى اللهُ فرعونَ لبنى إسرائيلَ مِن البحرِ، فنَظَروا إليه بعدَ ما غَرِقَ
(2)
.
فإن قال قائلٌ: وما وجهُ قولِه: {بِبَدَنِكَ} ؟ وهل كان
(3)
يجوز أن يُنَجِّيه بغيرِ بدنِه، فيحتاجُ الكلامُ إلى أن يقالَ فيه:{بِبَدَنِكَ} ؟
قيل: كان جائزًا أن يُنَجِّيَه بهيئتِه حيًّا كما دَخَل البحرَ، فلما كان جائزًا ذلك، قيل:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} ، ليُعْلَمَ أنه ينجِّيه بالبدنِ بغيرِ روحٍ، ولكن ميتًا.
وقولُه: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} . يقولُ تعالى ذكرُه: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا} ، يعني: عن حُجَجنا وأدلتِنا على أن العبادةَ والألوهة لنا خالصةٌ، {لَغَافِلُونَ}. يقولُ: لساهون، لا يَتَفكَّرون فيها، ولا يَعْتَبِرون بها.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)} .
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 316 إلى المصنف.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف
يقولُ تعالى ذكرُه: ولقد أنزلنا بني إسرائيلَ منازلَ صِدْقٍ.
قيل: عُنى بذلك الشامُ وبيتُ المقدسِ. وقيل: عُنِى به الشامُ ومصرُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا المحاربيُّ وأبو خالدٍ، عن جويبرٍ، عن الضحاكَ:{مُبَوَّأَ صِدْقٍ} . قال: منازلَ صدقٍ؛ مصرَ والشامَ
(1)
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{مُبَوَّأَ صِدْقٍ} . قال: بَوَّأَهم اللهُ الشامَ وبيتَ المقدسِ
(2)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} . [قال: مبوأُ صدقٍ]
(3)
: الشامُ. وقرأ: {الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}
(4)
[الأنبياء: 71].
وقولُه: {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} . يقولُ: ورَزَقنا بني إسرائيلَ مِن حلالِ الرزقِ، وهو الطيِّبُ.
وقولُه: {فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} . يقولُ جلّ ثناؤُه: فما اخْتَلف هؤلاء الذين فَعَلنا هذا الفعل من بني إسرائيلَ، حتى جاءَهم ما كانوا به
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1985، وابن عساكر في تاريخه 1/ 151 من طريق جويير به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 316 إلى ابن أبى شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1985 عن محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 297، ومن طريقه ابن عساكر فى تاريخه 1/ 143، 151 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 316 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(3)
سقط من: م، ت 1، س.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1985 من طريق آخر عن ابن زيد به.
عالمين؛ وذلك أنهم كانوا قبلَ أن يُبْعَثَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم مُجْمِعِين على نبوةِ محمدٍ، والإقرارِ به وبمَبْعثِه، غيرَ مختلِفين فيه بالنعتِ الذى كانوا يجدونه مكتوبًا عندَهم، فلما جاءهم ما عَرَفوا كَفَرَ به بعضُهم، وآمَن به بعضُهم، والمؤمنون به منهم كانوا عددًا قليلًا. فذلك قولُه:{فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ [الْعِلْمُ} . ومعناه: حتى جاءَهم]
(1)
المعلومُ الذى كانوا يعلمونه نبيًّا للهِ. فَوَضَعَ "العِلْمَ" مكانَ المعلومِ.
وقد كان بعضُهم يتأوَّلُ "العلمَ" ههنا كتابَ اللهِ ووَحْيَه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} بغيًا بينهم
(2)
. قال: العلمُ كتابُ اللَّهِ الذى أنزله، وأمرُه الذى أمَرهم به، وهل اختلَفوا حتى جاءهم العلمُ بغيًا بينهم؟ أهلُ هذه الأهواِء هل اقْتَتلوا إلا على البغيِ؟ قال: والبغىُ وجهان؛ وجهُ النَّفَاسِةِ في الدنيا، ومَن اقتَتلَ عليها من أهلِها، وبغىٌ فى العلمِ، يَرَى هذا جاهلًا مُخْطِئًا، ويرى نفسَه مصيبًا عالماً، فيبْغى بإصابتِه وعلمِه على هذا المخطئ
(3)
.
وقولُه: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} . يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: إن ربَّك يا محمدُ يَقْضِى بين المختلِفين مِن بني إسرائيلَ فيك
(4)
يومَ القيامةِ، فيما كانوا فيه مِن أمرِك
(5)
في الدنيا يختلِفون، بأن
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
كذا في النسخ، زاد: بغيا بينهم. وليست من الآية، وهذه الزيادة في آية سورة آل عمران 19، والشورى 14، والجاثية 17. ولم يذكر المصنف هذا الخبر فى تفسير العلم والبغى فى هذه الآيات من هذه السور.
(3)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 317 إلى المصنف وأبى الشيخ، مقتصرًا على أوله.
(4)
فى ص، ت 1، ت 2، س:"قبل".
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س:"أمرى".
يُدْخِلَ المُكذِّبين بك منهم النارَ، والمؤمنين بك منهم الجنةَ. فذلك قضاؤُه فيهم يومَئِذٍ فيما كانوا فيه يَخْتَلِفون من أمرِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
القولُ في تأويلِ قولِه: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: فإن كنتَ يا محمدُ في شَكٍّ مِن حقيقةِ ما أخبَرناك [وأَنزَلنا]
(1)
إليك مِن أن بنى إسرائيلَ لم يَخْتَلِفوا في نبوتِك قبلَ أن تُبْعَثَ رسولاً إلى خلقِنا
(2)
؛ لأنهم يَجِدونك عندَهم مكتوبًا، ويَعْرِفونك بالصفةِ التي أنت بها موصوفٌ في كتابِهم فى التوراةِ والإنجيلِ، {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ل} مِن أهلِ التوراةِ والإنجيلِ؛ كعبدِ اللَّهِ بنِ سلامٍ، ونحوه مِن أهلِ الصدقِ والإيمان بك منهم، دونَ أهلِ الكذبِ والكفرِ بك منهم.
وبنحوِ الذى قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ في قولِه: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} . قال: التوراةَ والإنجيلِ، الذين أدْرَكوا محمدًا صلى الله عليه وسلم من أهلِ الكتابِ فأمَنوا به. يقولُ: سَلْهم إن كنتَ فى شكٍّ بأنك مكتوبٌ عندَهم
(3)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {فَإِنْ
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س:"فأنزلنا"، وفى م، ف:"وأنزل".
(2)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"خلقه".
(3)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 317 إلى المصنف وأبى الشيخ
كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}. قال: هو عبدُ اللهِ بنُ سلامٍ، كان مِن أهلِ الكتابِ، فآمَن برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} . قال: هم أهلُ الكتابِ
(2)
.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخبَرنا عبيدٌ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} . قال: يعنى أهلَ التقوى وأهلَ الإيمانِ من أهلِ الكتابِ ممن أدَرك نبىَّ الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
فإن قال قائلٌ: أوَ كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فى شكٍّ مِن خبرِ اللهِ أنه حقٌّ يقينٌ، حتى قيلَ له:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} قيل: لا. وكذلك قال جماعةٌ منِ أهلِ العلمِ.
حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هشيمٌ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ في قولِه:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} . فقال: لم يشُكَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولم يسألْ
(4)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا سويدُ بنُ عمرٍو، عن أبي عَوانةَ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ في قولِه:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} . قال: ما شكَّ وما سأل
(5)
.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1986 من طريق أصبغ عنه به.
(2)
تفسير البغوى 4/ 150.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1986 من طريق أبي معاذ به.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1077 - تفسير) عن هشيم به.
(5)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1076 - تفسير) عن أبي عوانة به.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا القاسمُ بنُ سلامٍ، قال: ثنا هشيم، قال: أخبَرنا أبو بشرٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ ومنصورِ، عن الحسنِ في هذه الآيةِ، قال: لم يشُكٍّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولم يسألْ
(1)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} : ذُكِر لنا أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لا أشُكُ ولا أَسْأَلُ".
حدَّثنا محمدُ بنُ عبد الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} . قال: بَلَغَنا أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لا أَشُكُ ولا أسألُ"
(2)
.
فإن قال
(3)
: فما وجهُ مخرجِ هذا الكلامِ إذن إن كان الأمرُ على ما وصفت؟ قيل: قد بَيَّنا في غيرِ موضعِ مِن كتابِنا هذا، استجازةَ العربِ قولَ القائلِ منهم لمملوكِه: إن كنتَ مملوكي فانْتهِ إلى أمرى. والعبدُ المأمورُ بذلك لا يشكُّ سيدُه القائلُ له ذلك أنه عبدُه، كذلك قولُ الرجلِ منهم لابنِه: إن كنتَ ابني فَبِرَّنى. وهو لا يشُكُّ فى ابنِه أنه ابنُه، وإن ذلك مِن كلامِهم صحيحٌ مستفيضٌ فيهم، وذكرَنا ذلك بشواهدِه، وأن منه قولَ اللهِ تعالى:{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: 116]. وقد عَلِم جلّ ثناؤُه أن عيسى لم يقُلْ ذلك، وهذا من ذلك، لم يكنْ صلى الله عليه وسلم شاكًّا في حقيقةِ خبرِ اللَّهِ وصحته، والله تعالى بذلك من أمره كان عالمًا، ولكنه جلّ ثناؤُه خاطَبه خطابَ قومِه
(1)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1077 - تفسير) عن هشيم به.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 297 عن معمر به.
(3)
بعده في ت 2، ف:"قائل".
بعضهم بعضًا، إذ كان القرآنُ بلسانهم نَزَلَ.
وأما قولُه: {لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} . فهو خبرٌ مِن اللهِ مبتدأٌ، يقولُ تعالى ذكرُه: أُقسِمُ لقد جاءك الحقُّ اليقينُ مِن الخبِر بأنك للَّهِ رسولٌ، وأن هؤلاء اليهودَ والنصارى يَعْلَمون صحةَ ذلك، ويَجِدون نعتَك عندَهم في كتُبِهم. {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}. يقولُ: فلا تكوننَّ مِن الشاكِّين في صحةِ ذلك وحقيقتِه.
ولو قال قائلٌ: إن هذه الآيةَ خُوطب بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، [والمرادُ بها بعضُ مَن لم يكُنْ صَحت بصيرتُه بنبوتِ صلى الله عليه وسلم]
(1)
ممن كان قد أظهر الإيمانَ بلسانِه، تنبيهًا له على موضعِ تَعَرُّفِ
(2)
حقيقةِ أمرِه الذى يزيلُ اللَّبْسَ عن قلبِه، كما قال جلّ ثناؤُه:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الأحزاب: 1]. كان قولًا غيرَ مدفوعةٍ صحتُه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى ذكرُه: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: ولا تكونن يا محمدُ مِن الذين كذَّبوا بحُجَج الله وأدلتِه، فتكونَ ممن غُبِنَ حظَّه، وباع رحمةَ اللهِ ورضاه بسَخَطِه وعقابِه.
القولُ في تأويلِ قولِه: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)} .
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"يعرف".
يقولُ تعالى ذكرُه: إن الذين وَجَبَت عليهم يا محمدُ كلمةُ ربِّك، وهى
(1)
لعنتُه إياهم، بقوله:{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18]. فَتَبَتَت عليهم. يقالُ. منه: حقَّ على فلانٍ كذا يَحِقُّ عليه. إذا ثَبَت ذلك عليه ووَجَب.
وقولُه: {لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} . يقولُ: لا يُصَدِّقون بحجج الله، ولا يُقرون بوحدانية ربِّهم، ولا بأنك للهِ رسولٌ - {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} وموعظةٍ وعبرةٍ، فعايَنُوها- حتى يُعاينوا العذابَ الأليمَ، كما لم يؤمِنْ فرعونُ ومَلَؤُه، إذ حقَّت عليهم كلمةُ ربِّك، حتى عايَنوا العذابَ الأليمَ، فحينَئذٍ قال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونسُ: 90]. حين لم ينفعه قيلُه ذلك، فكذلك هؤلاء الذين حَقَّت عليهم كلمةُ ربِّك من قومِك؛ مِن عبدةِ الأوثانِ وغيرِهم، لا يؤمنون بك فيَتَّبِعونك إلا فى الحينِ الذى لا يَنفَعُهم إيمانُهم.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} . قال: حقَّ عليهم سَخَطُ اللَّهِ بما عَصَوه.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} : حَقٌّ عليهم سَخَطُ اللَّهِ بما
(1)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س:"هو".
عَصَوهُ
(1)
.
القولُ في تأويلِ قولِه: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: (فهَلَّا كانت قريةٌ آمنت). وهي كذلك فيما ذُكِرَ في قراءةِ أبيٍّ
(2)
.
ومعنى الكلامِ: فما كانت قريةٌ آمَنت عندَ مُعاينتها العذابَ، ونزولَ سَخَطِ اللَّهِ بها، بعصيانِها ربَّها واستحقاقِها عقابِه، فنَفَعَها إيمانُها ذلك في ذلك الوقتِ، كما لم ينفَعْ فرعونَ إيمانُه حين أدركه الغرَقُ بعدَ تمادِيه في غَيِّه، واستحقاقِه سَخَطَ اللهِ بمعصيتِه {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} ، فإنهم نَفَعَهم إيمانُهم بعدَ نزولِ العقوبةِ وحلولِ السخَطِ بهم، فاستَثْنى اللهُ قومَ يونسَ مِن أهلِ القرى الذين لم يَنْفَعْهم إيمانُهم بعدَ نزولِ العذابِ بساحتِهم، وأخرجَهم منهم، وأخبَر خلْقَه أنه نفعَهم إيمانُهم خاصةً مِن بينِ سائرِ الأممِ غيرِهم.
فإن قال قائلٌ: فإن كان الأمرُ على ما وصفتَ مِن أن قولَه: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} . بمعنى: فما كانت قريةٌ آمَنت. بمعنى الجحودِ، فكيف نصَب {قَوْمَ} ، وقد علِمَت أن ما قبلَ الاستثناءِ إذا كان جحدًا كان ما بعدَه مرفوعًا، وأن الصحيحَ مِن كلامِ العربِ: ما قامَ أحدٌ إلا أخوك وما خَرَجَ
(3)
إلا أبوك.
قيل: إن ذلك إنما يكونُ كذلك إذا كان ما بعدَ الاستثناءِ مِن جنسِ ما قبلَه،
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1986 من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 298 عن معمر به.
(2)
هي قراءة شاذة، وينظر البحر المحيط 5/ 192.
(3)
بعده في م، ف:"أحد".
وذلك أن الأخَ مِن جنس أحدٍ، وكذلك الأبُ، ولكن لو اختلَف الجنسانِ حتى يكونَ ما بعدَ الاستثناءِ مِن غيرِ جنسِ ما قبلَه، كان الفصيحُ مِن كلامِهم النصبَ، وذلك لو قلتَ: ما بَقِى فى الدارِ أحدٌ إلا الوتِدَ. وما عندَنا أحدٌ إلا كلبًا أو حمارًا. لأن الكلبَ والوتدَ والحمارَ مِن غيرِ جنسِ أحدٍ، ومنه قولُ النابغةِ الذُّبيانيِّ
(1)
..................... عَيَّتْ
(2)
جوابًا وما بالرَّبْعِ مِن أحدِ
ثم قال:
إِلَّا أَوَارِىَّ
(3)
لأْيًا ما أُبَيِّنُها
…
والنُّؤْىُ كالحوضِ بالمظلومةِ الجَلَدِ
فنصَب الأوارِىَّ، إذ كان مستثنًى مِن غيرِ جنسِه، فكذلك نَصْبُ {قَوْمَ يُونُسَ} ، نُصبوا
(4)
لأنهم أمةٌ غيرُ الأممِ الذين استُثْنُوا منهم ومن غيرِ جنسِهم وشكلِهم، وإن كانوا مِن بني آدمَ، وهذا الاستثناءُ الذي يسمِّيه بعضُ أهلِ العربيةِ الاستثناءَ المنقَطِعَ، ولو كان قومُ يونسَ بعضَ الأمةِ الذين استُثنوا منهم كان الكلامُ رَفْعًا، ولكنهم كما وَصفتُ.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيِّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} .
(1)
تقدم في 1/ 183، 184.
(2)
في م: "أعيت".
(3)
في الأصل: "الأوارى".
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
يقولُ: لم تكُن قريةٌ آمَنتْ فنفَعَها الإيمان إذا نزَل بها بأسُ اللَّهِ إلا قريةَ يونسَ
(1)
.
قال ابنُ جريجٍ: قال مجاهدٌ: فلم تكْن قريةٌ آمَنتْ فنفعَها إيمانُها، كما نفعَ قومَ يونسَ إيمانُهم، إلا قومَ يونسَ
(2)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} . يقولُ: لم يكنْ هذا في الأممِ قبلَهم، لم ينفَعْ قريةً كَفَرت ثم آمنت حينَ حَضَرها العذابُ فتُرِكت إلا قومَ يونسَ؛ لمَّا فَقَدوا نبيَّهم، وظَنُّوا أن العذابَ قد دَنا منهم، قَذَفَ الله فى قلوبِهم التوبةَ، ولَبِسوا المُسوحَ، وألهَوا
(3)
بينَ كلِّ بهيمةٍ وولَدِها، ثم عَجُّوا إلى اللهِ أربعين ليلةً، فلما عرَفَ اللهُ الصَّدقَ مِن قلوبِهم، والتوبةَ والندامةَ على ما مَضَى منهم، كشفَ اللهُ عنهم العذابَ بعدَ أن تدَلَّى عليهم. قال: وذُكِر لنا أن قومَ يونسَ كانوا بنِينَوَى أَرضِ المُوصلِ
(4)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} . قال: بَلَعْنا أنهم خَرَجوا فتَزَلُوا على تلٍّ، وفَرَّقوا بينَ كلِّ بهيمةٍ وولدِها، يَدْعون اللهَ أربعين ليلةً، حتى تابَ عليهم
(5)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عبدُ الحميدِ الحِمَّانيُّ، عن إسماعيلَ بنِ عبدِ الملكِ،
(1)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 317 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
تفسير مجاهد ص 383.
(3)
ألهاه، أى شغله. والمراد: فرقوا بين البهيمة وولدها بالهاء الولد عن أمه. اللسان (ل هـ و).
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1988 من طريق خليد عن قتادة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 317 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(5)
تفسير عبد الرزاق 1/ 298 عن معمر به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 318 إلى المصنف وأحمد في الزهد.
عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، قال: غَشَّى قومَ يونسَ العذابُ، كما يُغَشِّى الثوبُ بالقبرِ
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينِ، قال: ثني حجاجٌ، عن صالحٍ المُرِّىِّ، عن قتادةَ، عن ابنِ عباسٍ: إن العذابَ كان هبَط على قومِ يونسَ، حتى لم يكنْ بينَهم وبينَه إلا قَدْرُ ثلُثى ميلٍ، فلما دَعَوا كشَف اللَّهُ عنهم
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وإسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ جميعًا، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} . قال: كما نَفَع قومَ يونسَ. زادَ أبو حذيفةَ فى حديثهِ قال: لم تكُن قريةٌ آمَنت حين رأتِ العذابَ فنفَعَها إيمانُها، إلا قومَ يونسَ مَتَّعْناهم
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللِه بنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ بنِ أنسٍ، قال: ثنا رجلٌ قد قرَأ القرآنَ في صدرِه، في إمارةِ عمرَ بنِ الخطابِ، رضي الله عنه، فحَدَّثَ عن قومِ يونسَ حيث
(4)
أنذرَ قومَه فَكَذَّبوه، فأخبرَهم أن العذابَ يُصِيبُهم، وفارقهم، فلما رَأوا ذلك وغَشِيهم العذابُ لكنِّهم
(5)
، خَرَجوا مِن مساكنِهم، وصَعِدوا في مكانٍ رفيعٍ، وأنهم جَأَروا إلى ربِّهم ودَعوه مخلصين له الدينَ أن يكشِفَ عنهم العذابَ، وأن يُرْجِعَ إليهم رسولَهم. قال: ففى ذلك أنزَل اللهُ: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا
(1)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"القبر". والمعنى: كما يغشى الثوب الإنسان في القبر. كما سيأتي في الصفحة التالية. والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1989 من طريق إسماعيل به.
(2)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 318 إلى المصنف وأحمد في الزهد.
(3)
تفسير مجاهد ص 383.
(4)
فى ص، م، ت 1، ت،2، س، ف:"حين".
(5)
الكِنُّ: البيت. اللسان (ك ن ن).
كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}. فلم تكُنْ قريةٌ غَشِيها العذابُ، ثم أُمسِك عنها إلا قومَ يونسَ خاصةً، فلما رأى ذلك يونسُ لِكِنَّهُ، ذَهَب عاتبًا على ربِّه، وانطَلق مغاضبًا، وظنَّ أن لن يُقْدَرَ
(1)
عليه، حتى رَكِبَ في سفينةٍ، فأصابَ أهلَها عاصفٌ مِن الريحِ. فذكَر قصةَ يونسَ وخبرَه
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، قال: لمَّا رَأَوُا العذابَ ينزِلُ فَرَّقوا بينَ كلِّ أنثى وولدِها مِن الناسِ والأنعامِ، ثم قاموا جميعًا فدَعَوُا الله وأخلَصوا إيمانُهم، فرَأَوُا العذابَ يُكْشَفُ عنهم، قال يونسُ حينَ كُشِفَ العذابُ: أرجِعُ إليهم وقد كَذَبْتُهم! وكان يونسُ قد وَعَدهم العذابَ بصبحِ ثالثةٍ، فعندَ ذلك خَرَجَ مُغْضَبًا، وساءَ ظُنُّه.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن إسماعيلَ بنِ عبدِ الملكِ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، قال: لمَّا أُرسل يونسُ إلى قومِه يَدْعوهم إلى الإسلامِ وتَرْكِ ما هم عليه. قال: فَدَعاهم فأبَوا، فقِيل له: أخبِرْهم أن العذابَ مُصَبِّحُهم. فقالوا: إنا لم تُجرِّب عليه كَذِبًا، فانظُروا، فإن باتَ فيكم فليس بشيءٍ، وإن لم يَبِتْ فاعْلَموا أن العذابَ مُصَبِّحُكم. فلما كان في جوفِ الليلِ أخَذَ عُلاثَةً
(3)
، فتَزوَّدَ منها
(4)
شيئًا، ثم خرَج، فلما أصبَحوا تَغَشَّاهم العذابُ كما يَتَغَشَّى الإنسانَ الثوبُ فى القبرِ، فَفَرَّقوا بينَ الإنسانِ وولدِه وبينَ البهيمةِ وولدِها، ثم عَجُّوا إلى اللهِ، فقالوا: آمنَّا بما جاءنا به يونسُ وصدَّقْنا. فكشَفَ اللهُ عنهم العذابَ، فخرَج يونسُ
(1)
في م: "نقدر".
(2)
أخرجه المصنف في تاريخه 2/ 13، 14.
(3)
في م:"مخلاته"، وفى ت 1، س، ف:"علامة"، وفى ت 2:"مخلاية"، والعلاثة: الأقط المخلوط بالسمن، أو الزيت المخلوط بالأقط. اللسان (ع ل ث).
(4)
في الأصل، م، ف:"فيها".
ينظُرُ العذابَ فلم يرَ شيئًا، قال: جَرَّبوا علىَّ كَذِبًا فَذَهَبَ مُغاضِبًا ربَّه حتى أتَى البحرَ.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن إسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ، عن عمرِو بنِ ميمونٍ، قال: ثنا ابنِ مسعودٍ في بيتِ المالِ، قال: إن يونسَ كان قد وعدَ قومَه العذابَ، وأخبرَهم أنه يأتيهم إلى ثلاثةِ أيامٍ، ففَرَّقوا بيَن كلِّ والدةٍ وولدِها، ثم خَرَجوا فجَأَروا إلى اللَّهِ واستغفَروه، فكَفَّ اللَّهُ عنهم العذابَ، وغدا يونسُ ينظرُ العذابَ، فلم يرَ شيئًا، وكان مِن كذَب ولم تكُنْ له بيِّنةٌ قُتِل، فانطلقَ مُغاضِبًا
(1)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا صالحٌ المُرِّىُّ، عن أبي عمرانَ الجَوْنيِّ، عن أبى الجَلْدِ جِيلانَ، قال: لمَّا غَشَّى قومَ يونسَ العذابُ، مَشَوا إلى شيخٍ مِن بقيِة علمائِهم، فقالوا له: إنه قد نزَل بنا العذابُ، فما تَرى؟ فقال: قولوا: يا حيُّ حينَ لا حىٌّ، ويا حىٌّ مُحْيي الموتى، ويا حىٌّ لا إلهَ إلا أنت. فكُشِفَ عنهم العذاب ومُتِّعوا إلى حينٍ
(2)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، قال: بلغني في حرفِ ابنِ مسعودٍ: {فَلَوْلَا} . يقولُ: (فهلا)
(3)
.
وقوله: {لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . يقولُ:
(1)
أخرجه المصنف فى تاريخه 2/ 15، 16 وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 317 إلى ابن مردويه مرفوعًا.
(2)
أخرجه أحمد في الزهد ص 34، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1989 من طريق صالح المري به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 318 إلى المصنف وابن المنذر.
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 298 عن معمر به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 318 إلى المصنف وأبى الشيخ.
لمَّا صَدَّقوا رسولَهم وأقرُّوا بما جاءهم به بعدَما أظَلَّهم العذابُ، وغَشِيَهم أمرُ اللَّهِ، ونزَل بهم البلاءُ، كَشَفنا عذابَ الهوانِ والذلِّ في حياتِهم الدنيا، {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}. يقولُ: وأَخَّرنا في آجالهم ولم نُعاجِلهم بالعقوبةِ، وتَرَكناهم في الدنيا يَسْتَمْتعون فيها بآجالِهم إلى حينِ مماتِهم، ووقتِ فناءِ أعمارِهم التي قَضَيْتُ فَناءَها
(1)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه: {وَلَوْ شَاءَ} يا محمدُ {رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} بك فصَدَّقوك أنك لى رسولٌ، وأن ما جئتَهم به وما تَدْعوهم إليه، مِن توحيدِ اللهِ وإخلاصِ العبودةِ له، حقٌّ، ولكنه
(2)
لا يشاءُ ذلك؛ لأنه قد سبَق مِن قضاءِ اللهِ قبلَ أن يبعَثك رسولًا: إنه لا يؤمِنُ بك ولا يتَّبعُك فيصدِّقُك بما بعثكَ اللهُ به مِن الهُدى والنورِ إلا مِن قد
(3)
سَبَقَت له السعادةُ فى الكتابِ الأوَلِ، قبلَ أن يَخْلُقَ السماواتِ والأرضَ وما فيهن. وهؤلاء الذين عَجِبوا [مِن صِدْقِ إيحائِنا إليك هذا القرآنَ]
(4)
؛ لتُنْذِرَ به مِن أمرتُك بإنذارِه ممن قد سبق له عندى أنهم لا يؤمنون بك في الكتابِ السابقِ.
وبنحوِ الذي قلنا الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(1)
بعده في الأصل: "تم السفر والحمد لله كثيرًا، يتلوه إن شاء الله القولُ في تأويلِ قوله عز وجل:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ} . وسيتم من هنا اعتماد أرقام المخطوط ت 1 أصلا في النص.
(2)
فى م: "لكن".
(3)
سقط مِن: م، ف.
(4)
فى ص، ت 1، ت،2، س، ف:"من إيحائنا إليك صدق هذا القرآن"
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللِه بن صالح، قال: ثني معاويةُ، عن علىٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} ، {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [يونسُ: 100]. ونحوَ هذا في القرآنِ، فإن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يحرِصُ أن يؤمِنَ جميعُ الناسِ ويُتابعوه
(1)
على الهُدى، فأخبرَه اللهُ أنه لا يؤمنُ [مِن قومِه]
(2)
إلا مِن قد
(3)
سبَق له مِن اللهِ السعادةُ في الذكرِ الأوّلِ، ولا يَضِلُّ إلا مَن سَبَقَ له مِن اللهِ الشقاءُ فى الذكرِ الأوَّلِ
(4)
.
فإن قال قائلٌ: فما وجهُ قولِه: {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} ، فالكلُّ يدلُّ على الجميعِ، والجميعُ على الكلِّ، فما وجهُ تكرارِ ذلك، وكلُّ واحدةٍ منهما تُغْنى عن الأخرى؟
قيل: قد اختلَف أهلُ العربيةِ فى ذلك؛ فقال بعضُ نحويِّى أهلِ البصرةِ: جاء بقولِه: {جَمِيعًا} فى هذا الموضعِ توكيدًا، كما قال:{لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النحل: 51]. ففى قوله: {إِلَهَيْنِ} دليلٌ على الاثنين.
وقال غيره: جاء بقوله: {جَمِيعًا} بعد {كُلُّهُمْ} ؛ لأن {جَمِيعًا} لا، تقعُ إلا توكيدًا، {كُلُّهُمْ} يقعُ توكيدًا و اسمًا؛ فلذلك جاء بـ {جَمِيعًا} بعد {كُلُّهُمْ}. قال: ولو قيل: إنه جمَع بينَهما ليُعْلمَ أن معناهما واحدٌ لجاز
(1)
في ص، ت 1، ت،2، س، ف:"يبايعوه".
(2)
سقط من: ص، ت 2.
(3)
سقط من: ص، س.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 4/ 284 (7250)، والطبراني في الكبير (13025)، والبيهقي في الأسماء والصفات (139) من طريق عبد الله بن صالح به.
هلهنا. قال: وكذلك: {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} ، العدد كلُّه يُفَسَّرُ به، فيقال: رأيتُ قومًا أربعةً. فلما جاء باثنين، وقد اكتُفى بالعددِ منه؛ لأنهم يقولون: عندى درهمٌ، ودرهمان. فيَكْفِي مِن قولِهم: عندى درهمٌ واحدٌ، ودرهمان اثنان. فإذا قالوا: دراهمُ. قالوا: ثلاثةٌ. لأن الجمعَ يلتبسُ، والواحدُ والاثنان لا يَلْتَيسان. [ثم بنى]
(1)
الواحدَ والتثنيةَ على [بناءٍ في]
(2)
الجمعِ؛ لأنه ينبغى أن يكونَ مع كلِّ واحدٍ واحدٌ؛ لأن درهمًا يدلُّ على الجنسِ الذى هو منه، وواحدٌ يدلُّ على كلِّ الأجناسِ. وكذلك اثنان يدلان على كلِّ الأجناسِ، ودرهمان يدلَّان على أنفسِهما، فلذلك جاء بالأعدادِ؛ لأنه الأصلُ.
وقولُه: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} . يقولُ جل ثناؤُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: إنه لن يُصدِّقَك يا محمدُ ولن يَتَّبِعَك ويُقِرَّ بما جئتَ به إِلا مَن شَاء رَبُّكَ أن يُصدِّقَك، لا يإكْراهِك إياه، ولا بحرصِك على ذلك، {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} لك، مُصَدِّقين على ما جئتَهم به مِن عندِ ربِّك؟ يقولُ له جلّ ثناؤُه: فاصْدَعْ بما تُؤْمَرُ، وأعْرِضُ عن المشركين الذين حَقَّتْ عليهم كلمةُ رَبِّك أنهم لا يُؤْمِنُون.
القولُ في تأويلِ قولِه: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه: وما كان لنفسٍ خلقتُها مِن سبيلٍ إلى تَصْديقك يا محمدُ إلا بأن آذَنَ لها في ذلك، فلا تُجْهِدنَّ نفسَك في طلبِ هُداها، وبَلِّغْها
(1)
فى م: "لم يثن".
(2)
فى م: "ثنافى"، وفى ف، ت 1، س:"تنافى"، وفى ص غير منقوطة. والكلام في هذا الموضع غير مفهوم، فكأن ههنا سقطا.
وعيدَ اللَّهِ، وعَرِّفْها ما أمرك ربُّك بتَعريفِها، ثم خَلِّها، فإِنَّ هُداها بيدِ خالقِها.
وكان الثورىُّ يقولُ في تأويلِ قولِه: {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} . ما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن سفيانَ في قولِه:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} . قال: بقضاءِ اللهِ.
وأما قولُه: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} . فإنه يقولُ تعالى ذكرُه: إن اللهَ يَهْدى مَن يشاءُ مِن خلقِه للإيمانِ بك يا محمدُ، ويأذَنُ له في تَصْديقِك، فيُصدِّقُك ويَتَّبِعُك ويُقِرُّ بما جئتَ به مِن عندِ رَبِّكَ، {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ}. وهو العذابُ وغضبُ اللهِ {عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}. يعنى: الذين لا يَعْقِلون عن اللهِ حُجَجَه ومواعظَه وآياتِه، التى دلَّ بها جلّ ثناؤُه على نبوّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وحقيقةِ ما دَعاهم إليه مِن توحيدِ اللهِ وخَلْعِ الأندادِ والأوثانِ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللِه، قال: ثني معاويةُ، عن علىٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ} . قال: السَّخَطَ
(1)
.
القولُ في تأويلِ قولِه: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: قُلْ يا محمدُ لهؤلاء المشركين مِن قومِك، السائِليك الآياتِ على صحة ما تَدْعوهم إليه مِن توحيد الله، وخلعِ الأندادِ والأوثانِ:{انْظُرُوا} أيُّها القومُ {مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ} مِن الآياتِ الدالة على حقيقةِ ما أدْعوكم إليه مِن توحيدِ اللهِ؛ مِن شمسِها وقمرِها، واختلافِ ليلِها ونهارِها، ونزولِ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1990 من طريق عبد الله به.
الغيثِ بأرزاقِ العبادِ مِن سحابِها، وفي الأرضِ مِن جبالِها، وتَصدُّعِها بنباتِها وأقواتِ أهلِها، وسائرِ صنوفِ عجائبِها، فإن في ذلك لكم إن عَقَلتم وتَدبَّرتم عظةً
(1)
ومعتبرًا، ودلالةً على أن ذلك مِن فعلِ مَن لا يجوز أن يكون له في ملكِه شريكٌ، ولا له على تدبيرِه وحفظِه ظهيرٌ يُغنيكم عما سواه مِن الآياتِ.
يقولُ الله جلّ ثناؤُه: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} . يقولُ جلّ ثناؤُه: وما تُغنى الحُجَجُ والعِبَرُ والرُّسُلُ المُنذِرةُ عبادَ اللَّهِ عقابه، عن قومٍ قد سبَق لهم مِن اللهِ الشقاءُ، وقضَى لهم فى أمِّ الكتابِ أنهم مِن أهلِ النارِ، لا يؤمنون بشيءٍ مِن ذلك ولا يُصَدِّقون به، ولو جاءتْهم كلُّ آيةٍ حتى يَرَوُا العذابَ الأليمَ؟
القولُ في تأويلِ قولِه: {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم محذرًا مشركي قومِه مِن حلولِ عاجلِ نِقَمِه بساحتِهم، نحوَ الذى حلَّ بنظرائِهم مِن قبلِهم مِن سائرِ الأممِ الخاليةِ مِن قبلِهم، السالكةِ في تكذيبِ رسلِ اللهِ وجحودِ توحيدِ ربِّهم سبيلَهم: فهل ينتظرُ يا محمدُ هؤلاء المشركون مِن قومِك، المكذِّبون بما جئتَهم به مِن عندِ اللَّهِ، إلا يومًا يُعاينون فيه مِن عذابِ اللَّهِ مثلَ أيامِ أسْلافِهم الذين كانوا على مثلِ الذى هم عليه مِن الشركِ والتكذيب، الذين مَضَوا قبلهم فخَلّوا؛ مِن قومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ؟ قل لهم يا محمدُ، إن كانوا ذلك يَنْتَظِرون: فانْتَظروا عقابَ اللهِ إياكم، ونزولَ سَخَطِه بكم، إنى مِن المُنتظِرِين هَلاكَكُم وبَوارَكم بالعقوبةِ التي تَحْلُّ بكم مِن اللَّهِ.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(1)
في م: "موعظة".
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ} . يقولُ: وقائعِ اللهِ في الذين خلَوا مِن قبلِهم؛ قومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ بنِ أنسٍ فى قولِه:{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} . قال: خَوَّفَهم عذابَه ونِقْمتَه وعقوبتَه، ثم أخبرَهم أنه إذا وَقَع مِن ذلك أمرٌ أنجىَ اللهُ رسلَه والذين آمنوا معه، فقال اللهُ:{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ}
(2)
.
القولُ في تأويلِ قولِه: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: قلْ يا محمدُ لهؤلاء المشركين مِن قومِك: انْتِظروا مثلَ أيامِ الذين خَلَوا مِن قبلِكم مِن الأممِ السالفةِ الذين هَلَكوا بعذابِ اللهِ، فإن ذلك إذا جاء لم يَهْلِكُ به سواهم ومَن كان على مثلِ الذى هم عليه مِن تكذيبِك، ثم نُنَجِّي هناك رسولَنا محمدًا صلى الله عليه وسلم ومَن آمَن به وصَدَّقَه واتَّبعه على دينِه، كما فعَلْنا مِن
(3)
قبلِ ذلك
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1991 من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 318 إلى أبى الشيخ.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1991 من طريق ابن أبي جعفر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 318 إلى أبي الشيخ.
(3)
سقط من: ص، م.
برسلنا الذين أهْلَكنا أمَمَها
(1)
، فأنْجَيناهم ومَن آمن به معهم مِن عذابِنا حين حقَّ
(2)
على أممِهم. {كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} . يقولُ: كما فعلنا بالماضِين مِن رسلِنا فأنْجَيناها والمؤمنين معها وأهْلكنا أمَمَها، كذلك نفعَلُ بك يا محمدُ وبالمؤمنين، فنُنَجِّيك وتُنَجِّى المؤمنين بك، حقًّا علينا غيرَ شَكٍّ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: قلْ يا محمدُ لهؤلاء المشركين مِن قومِك الذين عَجِبوا أن أوحيتُ إليك: إن كنتم في شَكٍّ، أيُّها الناسُ، مِن ديني الذي أدْعوكم إليه، فلم تَعْلموا أنه حقٌّ مِن عندِ اللهِ، فإنى لا أعبدُ الذين تَعْبدون مِن دونِ اللَّهِ مِن الآلهةِ والأوثانِ التى لا تسمعُ ولا تُبصِرُ ولا تُغْنِى عنى شيئًا، فتَشُكُوا فى صحَّتِه. وهذا تعريِضٌ ولحنٌ مِن الكلامِ لطيفٌ.
وإنما معنى الكلامِ: إن كنتم في شكٍّ مِن ديني فلا ينبَغِي لكم أن تَشُكُوا فيه، وإنما ينبَغى لكم أن تَشكُّوا فى الذى أنتم عليه مِن عبادةِ الأصنامِ التي لا تعقِلُ شيئًا، ولا تضُرُّ ولا تنفَعُ، فأما دينى فلا ينبغي لكم أن تَشكُّوا فيه؛ لأنى أعبدُ اللهَ الذى يقبِضُ الخَلْقَ فيُميتُهم إذا شاء، وينفعُهم و [يَضُرُّهم إذا شاء]
(3)
؛ وذلك أن عبادةَ مَن كان كذلك لا
(4)
يستنكِرُها ذو فطرةٍ صحيحةٍ. وأما عبادةُ الأوثانِ فيُنْكِرُها
(1)
في م: "أممهم".
(2)
فى ص، ت 1، ت 2، س، ف:"حقت".
(3)
فى النسخ: "يضر من يشاء". والمثبت موافق للسياق.
(4)
فى ص، ت 1، ت 2، س، ف: فلا.
كلُّ ذي لُبٍّ وعقْلٍ صحيحٍ.
وقولُه: {وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} . يقولُ: ولكن أعبدُ اللهَ الذى يقبِضُ أرواحَكم، فيُمِيتُكم عند مجِيءٍ
(1)
آجالكم. لا وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. يقولُ: وهو الذى أمرنى أن أكونَ مِن المُصدِّقين بما جاءني مِن عندِه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ} . و "أن" الثانيةُ عطفٌ على "أن" الأولى. ويعنى بقوله: {وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} : أقمْ نفسَك على دينِ الإسلامِ، {حَنِيفًا} . مستقيمًا عليه، غيرَ مُعْوَجٍّ عنه إلى يهوديةٍ، ولا نصرانيةٍ، ولا عبادة وثَنٍ، {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. يقولُ: ولا تكوننَّ ممن يُشْرِكُ فى عبادة ربِّه الآلهة والأندادَ فتكونَ مِن الهالِكين.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ولا تَدْعُ يا محمدُ مِن دونِ معبودِك وخالقِك شيئًا لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرةِ، ولا يضرُّك في دينٍ ولا دنيا. يعنى بذلك الآلهةَ والأصنامَ. يقولُ: لا تعبدْها راجيًا نفعَها أو خائفًا ضَرَّها، فإنها لا تنفعُ ولا تضرُّ، {فَإِنْ فَعَلْتَ} ذلك، فدعوتَها مِن دونِ اللهِ، {فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ}. يقولُ: مِن المشركين باللهِ، الظالمُ لنفسِه
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ
(1)
سقط من: م، ت 1، ت 2، س، ف.
وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)}.
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه: وإن يُصِبْك الله يا محمدُ بشدةٍ
(1)
أو بلاءٍ، فلا كاشفَ لذلك إلا ربُّك الذى أصابَك به، دونَ ما يعبدُه هؤلاء المشركون مِن الآلهةِ والأنْدادِ، {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ}. يقولُ: وإن يُرِدْك ربّك برخاءٍ أو نعمةٍ وعافيةٍ وسرورٍ، {فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ}. يقولُ: فلا يقدِرُ أحدٌ أن يَحُولَ بينَك وبينَ ذلك [ولا يَرُدَّك عنه]
(2)
، ولا يَحْرِمَكه؛ لأنه الذي بيده السراءُ والضراءُ دونَ الآلهةِ والأوثانِ، ودونَ ما سِواه، {يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ}. يقولُ: يُصِيبُ ربُّك يا محمدُ بالرخاءِ والبلاءِ والسراءِ والضراءِ مَن يشاءُ ويريدُ مِن عباده، {وَهُوَ الْغَفُورُ} لذنوبِ مَن تابَ وأنابَ مِن عبادِهِ مِن كُفْرِه وشِرْكِه إلى الإيمانِ به وطاعتِه، {الرَّحِيمُ} بمَن آمَن به منهم وأطاعَه، أن يعذِّبَه بعدَ التوبةِ والإنابةِ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} يا محمدُ للناسِ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} . يعنى: كتابُ اللهِ، فيه بيانُ كلِّ ما بالناسِ إليه حاجةٌ مِن أمرَ دينِهم، {فَمَنِ اهْتَدَى}. يقولُ: فمَن استقامَ فسَلكَ سبيلَ الحقِّ، وصَدَّقَ بما جاء مِن عندِ اللَّهِ مِن البيانِ، {فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ}. يقولُ:
(1)
فى ف: "بشرٌ".
(2)
سقط من: س.
فإنما يَستقيمُ على الهُدى، ويسلُكُ قصْدَ السبيلِ لنفسِه، فإياها يَبْغى الخيرَ بفعلِه ذلك لا غيرَها، {وَمَنْ ضَلَّ}. يقولُ: ومَن اعْوَجَّ عن الحقِّ الذى أتاه مِن عندِ اللهِ، وخالفَ دينَه، وما بعثَ به محمدًا، والكتابَ الذى أنزلَه عليه، {فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}. يقولُ: فإن ضلالَه ذلك إنما يَجْنى به على نفسِه لا على غيرِها؛ لأنه لا يُؤخَذُ بذلك غيرُها، ولا يُورِدُ بضلالِه ذلك المهالكَ سوى نفسِه، ولَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخْرَى، {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}. يقولُ: وما أنا عليكم بمُسَلَّطٍ على تَقْويمِكم، إنما أمرُكم إلى اللهِ، وهو الذى يُقَوِّمُ مَن يشاءُ منكم، وإنما أنا رسولٌ مُبلِّغٌ، أُبَلِّغكم ما أُرسِلتُ به إليكم.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: واتَّبِعْ يا محمدُ وحىَ اللهِ الذي يوحيه إليك، وتنزيلَه الذى يُنِزلُه عليك، فاعملْ به، واصبِرْ على ما أصابَك في اللهِ مِن مشركي قومِك مِن الأذَى والمكارِهِ، وعلى ما نالَك منهم، حتى يقضِىَ اللهُ فيهم وفيك أمرَه بفعلٍ فاصلٍ، {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}. يقولُ: وهو خيرُ القاضين وأعدَلُ الفاصِلين. فحَكَم جلّ ثناؤُه بينَه وبينَهم يومَ بدرٍ، وقَتَلَهم بالسيفِ، وأمرَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم فيمَن بَقِىَ منهم أن يسلُكَ بهم سبيلَ مَن أهلكَ منهم، أو يَتوبوا ويُنِيبوا إلى طاعتِه.
كما حدَّثنا يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 107]. {وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} . قال: هذا منسوخٌ، {حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ}: حكم اللهُ بجهادِهم، وأَمَرَه
بالغِلظِة عليهم
(1)
.
آخرُ تفسيرِ سورةِ يونسَ عليه السلام، والحمدُ للهِ وحدَه، وصلَّى اللهُ على محمدٍ وآلِهِ. يتلوه تفسيرُ السورةِ التي يُذكَرُ فيها هودٌ.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1993 من طريق آخر عن ابن زيد به، وينظر الناسخ والمنسوخ للنخاس ص 529.
تفسيرُ السورةِ التي يُذكَرُ فيها هودُ عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
ربُ يَسِّر
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ
(1)}.
قال أبو جعفرٍ: قد ذكَرنا اختلافَ أهلِ التأويلِ في تأويلِ قولِه: {الر} ، والصوابَ مِن القولِ فى ذلك عندَنا بشواهدِه، بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ
(1)
.
وقولُه: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} : يعنى: هذا الكتابُ الذي أنزَله اللهُ على نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وهو القرآنُ.
ورُفِع قولُه: {كِتَابٌ} بنيَّةِ: هذا كتابٌ. فأما على قولِ مَن زَعَم أن قولَه: {الر} مرادٌ به سائرُ حروفِ المعجمِ التي نَزَل بها القرآنُ، وجُعِلت هذه الحروفُ دلالةً على جميعِها، وأن معنى الكلامِ هذه الحروفُ كتابٌ أُحكِمت آياتُه. فإن الكتابَ على قولِه، ينبغي أن يكون مرفوعًا بقوله:{الر} .
وأما قولُه: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} ، فإن أهلَ التأويلِ اختلَفوا في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: تأويلُه: أُحكِمت آياتُه بالأمرِ والنهيِ، ثم فُصِّلت بالثواب والعقابِ.
(1)
ينظر ما تقدم فى 1/ 204، 12/ 103.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبَرني أبو محمدٍ الثقفىُّ، عن الحسنِ فى قولِه:{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} . قال: أُحكِمتْ بالأمرِ
(1)
والنهي، وفُصِّلَت [بالثوابِ والعقابِ.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا عبدُ الكريمِ بنُ محمدٍ الجُرْجانيُّ، عن أبي بكرٍ الهذليِّ، عن الحسنِ:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} . قال: أُحكِمتْ في الأمرِ والنهيِ، وفُصِّلت]
(2)
بالوعيدِ
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللِه بن الزبير، عن ابنِ عُيينةَ، عن رجلٍ، عن الحسنِ:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} . قال: بالأمرِ والنهيِ، {ثُمَّ فُصِّلَتْ}. قال: بالثوابِ والعقابِ
(4)
.
ورُوِىَ عن الحسنِ قولٌ خلافُ هذا؛ وذلك ما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن أبى بكرٍ، عن الحسنِ، قال: وحدَّثنا عبَّادُ بنُ العوَّامِ، عن رجلٍ، عن الحسنِ، قال:{أُحْكِمَتْ} : بالثوابِ والعقابِ، {ثُمَّ فُصِّلَتْ}: بالأمرِ والنهيِ.
وقال آخرون: معنى ذلك: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} مِن الباطلِ، {ثُمَّ فُصِّلَتْ} ، فبُيِّنَ منها الحلالُ والحرامُ.
(1)
في س: "في الأمر".
(2)
سقط من: س.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1994، 1995 من طريق أبى بكر به، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 320 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ. وعندهما:"بالوعد والوعيد".
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1995 من طريق ابن عيينة به، دون أوله.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} : أَحْكَمها اللهُ مِن الباطلِ، ثم فَصَّلها بعلمه، فبيَّن حلالَه وحرامَه، وطاعتَه ومعصيتَه
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأَعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} . قال: أحكَمها اللهُ مِن الباطلِ، ثم فَصَّلها: بَيَّنها
(2)
.
وأولى القولين فى ذلك بالصوابِ قولُ مِن قال: معناه: أحكَم اللهُ آياتِه مِن الدَّخَلِ والخَللِ والباطلِ، ثم فَصَّلها بالأمرِ والنهيِ؛ وذلك أن إحكامَ الشيءِ إصلاحُه وإتقانُه، وإحكامَ آياتِ القرآنِ إحكامُها مِن خَلَلٍ يكونُ فيها، أو باطلٍ يقدِرُ ذو زَيْغٍ أن يَطْعُنَ فيها مِن قِبَلِه
(3)
. وأما تفصيلُ آياته، فإنه تمييزُ بعضها مِن بعضٍ بالبيانِ عما فيها مِن حلالٍ وحرامٍ وأمرٍ ونهيٍ.
و كان بعضُ المفسرين يفسِّرُ قولَه: {فُصِّلَتْ} . بمعنى: فُسِّرت، وذلك نحوُ الذي قُلنا فيه مِن القولُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، قال: ثنا ابنُ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{ثُمَّ فُصِّلَتْ} . قال: فُسِّرت.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1995 من طريق سعيد بن بشير وخليد عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 320 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 301 عن معمر به.
(3)
في ت 1، س:"قيله".
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ نميرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فُصِّلَتْ} . قال: فُسِّرت
(1)
.
قال: ثنا محمدٍ بنُ بكرٍ، عن ابنِ جريجٍ، قال: بَلَغنى عن مجاهدٍ: {ثُمَّ فُصِّلَتْ} . قال: فُسِّرت.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
وقال قتادةُ: معناه: بُيِّنَتْ. وقد ذكَرنا الروايةَ بذلك قبلُ، وهو شبيهُ المعنى بقولِ مجاهد.
وأما قولُه: {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} ، فإن معناه: حكيمٌ بتدبيرِ الأشياءِ وتقديرها، خبيرٌ بما يئولُ إليه عواقبُها.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ في قولِه:{مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} . يقولُ: مِن عندِ حكيمٍ خبيرٍ
(2)
.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1995 من طريق ورقاء به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 320 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
تقدم أوله ص 310.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
(2)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: ثم فُصِّلت بأن لا تَعْبدوا إلا اللهَ وحدَه لا شريكَ له، وتَخْلعوا
(1)
الآلهةَ والأندادَ. ثم قال تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: قلْ يا محمدُ للناسِ
(2)
: إننى لكم مِن عندِ اللهِ {نَذِيرٌ} يُنْذِرُكم عقابَه على معاصيه وعبادةِ الأصنامِ، {وَبَشِيرٌ} يُبَشِّرُكم بالجزيلِ مِن الثوابِ على طاعتِه، وإخلاصِ العبادةِ والألوهةِ له.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
(3)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: ثم فُصِّلت آياتُه بأن لا تَعْبدوا إلا الله، وبأن استغْفِروا ربَّكم. ويعنى بقولِه:{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} : وأن اعْمَلوا أيُّها الناسُ مِن الأعمالِ ما يُرْضِى ربَّكم عنكم، فيَسْتُرَ عليكم عظيمَ ذنوبِكم التي رَكِبتُموها بعبادتِكم الأوثانَ والأصنامَ، وإشراكِكم الآلهةَ والأندادَ في عبادتِه.
وقولُه: {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} . يقولُ: ثم ارجِعوا إلى ربِّكم بإخلاصِ العبادةِ له دونَ ما سِواه مِن سائرِ ما تعبدون مِن دونِه، بعدَ خَلْعِكم الأندادَ، وبراءتِكم مِن عبادتِها؛ ولذلك قيل:{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} ، ولم يقُلْ: وتُوبوا إليه
(3)
. لأن التوبةَ معناها الرجوعُ إلى العملِ بطاعةِ اللهِ، والاستغفارُ استغفارٌ مِن
(1)
في ت 1، ت 2، س:"تجعلوا".
(2)
سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
الشركِ الذى كانوا عليه مُقِيمين، والعملُ للهِ لا يكوُ عملًا له إلا بعدَ تركِ الشركِ به، فأما الشركُ فإن عملَه لا يكونُ إلا للشيطانِ، فلذلك
(1)
أمَرهم تعالى ذكرُه بالتوبة إليه بعدَ الاستغفارِ مِن الشركِ؛ لأن أهلَ الشركِ كانوا يَرَون أنهم يُطِيعون اللَّهَ بكثيرٍ مِن أفعالِهم، وهم على شركِهم مُقِيمون.
وقولُه: {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} . يقولُ تعالى ذكرُه للمشركين الذين خاطَبَهم بهذه الآياتِ: استغْفرِوا ربَّكم ثم تُوبوا إليه، فإنكم إذا فعَلتم ذلك بَسَطَ عليكم مِن الدنيا، ورَزَقَكم مِن زينتِها، وأنْسَأَلكم في آجالِكم إلى الوقتِ الذى قضَى فيه عليكم الموتَ.
وبنحوِ الذي قُلنا فى تأويلِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ، فأنتم
(2)
في ذلك المتاعِ
(3)
، فخُذُوه بطاعةِ اللهِ ومعرفةِ حقِّه، فإن اللهَ مُنعِمٌ يحِبُّ الشاكرين، وأهلُ الشكرِ فى مزيدٍ مِن اللهِ، وذلك قضاؤُه الذى قَضَى
(4)
.
وقولُه: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} : يعنى الموتَ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن
(1)
في م، ت 1، ت 2، س:"فذلك".
(2)
في ت 2: "فإنهم".
(3)
فى س: "المكان".
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1997 من طريق سعيد به.
مجاهدٍ: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} . قال: الموتُ.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} : وهو الموتُ
(1)
.
حدَّثنا الحسنُ، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ:{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} . قال: الموتُ
(2)
.
وأما قولُه: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} ، فإنه يعنى: يُثِيبُ كلُّ مَن تَفَضَّلَ بفضلِ مالِه أو قوتِه أو معروفِه على غيرِه، مُحْتسِبًا بذلك، مُريدًا به وجهَ اللَّهِ، أَجزَلَ ثوابِه وفضْلِه في الآخرةِ.
كما حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} . قال: ما احتَسَب به مِن مالِه، أو عملٍ بيدِه أو رجلِه، أو كلمةٍ، أو ما تطوَّعَ به مِن أمرِه كلِّه.
حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: وحدَّثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه، إلا أنه قال: أو عَمَلٍ بيديه أو رِجْلَيه وكلامِه، وما تطوَّلَ
(3)
به مِن أمره كلِّه
(4)
.
حدَّثنا القاسمُ:، قال: حدَّثنا الحسينُ، قال: حدَّثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ،
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1997 من طريق يزيد بنحوه.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 301.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"يطول".
(4)
تفسير مجاهد ص 384، و من طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1997 نحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 320 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
عن مجاهدٍ بنحوِه، إلا أنه قال: وما نَطَق به مِن أمرِه كلِّه.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} . أي: في الآخرةِ
(1)
.
وقد رُوِيَ عن ابن مسعودٍ أنه كان يقولُ في تأويلِ ذلك ما حُدِّثْتُ به عن المسيَّبِ بنِ شريكٍ، عن أبى بكرٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابن مسعودٍ في قولِه:{وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} . قال: مَن عَمِلَ سيئةً كُتبت عليه سيئةٌ، ومَن عَمِلَ حسنةٌ كُتبت له عشرُ حسناتٍ، فإن عُوقِب بالسيئةِ التي كان عَمِلها في الدنيا، بَقِيت له عشرُ حسناتٍ، وإن لم يُعاقَبْ بها في الدنيا، أُخِذَ مِن الحسناتِ العشرِ واحدةٌ وبَقِيت له تسعُ
(2)
حسناتٍ. ثم يقولُ: هَلَكَ مَن غَلَبَ آحادُه أَعْشارَه
(3)
.
وقولُه: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} يقولُ تعالى ذكرُه: وإن أعْرَضوا عما دعَوتَهم إليه مِن إخلاصِ العبادةِ للهِ، وتركِ عبادةِ الآلهةِ، وامتَنَعوا مِن الاستغفارِ للَّهِ والتوبةِ إليه، فأدْبَروا مُوَلِّين عن ذلك، فإني أَيُّها القومُ أَخافُ عليكم عذابَ يومٍ كبيرِ شأنُه، عظيمٍ هَوْلُه، وذلك يومَ تُجْزَى كلُّ نفس بما كَسَبَت وهم لا يُظْلَمون. وقال جلّ ثناؤُه:{وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} . ولكنه مما قد تقدَّمَه قولٌ، والعربُ إذا قَدَّمَت قبل الكلامِ قولًا خاطَبَت، ثم عادَت إلى الخبرِ عن الغائبِ، ثم رَجَعَت بعدُ إلى الخطابِ. وقد بَيَّنَّا ذلك في غيرِ موضعِ، بما أغنى عن إعادتِه في هذا الموضعِ
(4)
.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1997 من طريق سعيد به.
(2)
في ت 2: "عشر".
(3)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 237 عن المصنف.
(4)
ينظر ما تقدم في 1/ 155، 156.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(4)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: إلى اللهِ أَيُّها القومُ مآبُكم ومصيرُكم، فاحْذَروا عقابَه إن تولَّيتم عما أدْعَوكم إليه مِن التوبةِ إليه مِن عبادتِكم الآلهةَ والأصنامَ، فإنه مُخَلَّدُكم نارَ جهنمَ إن هَلَكتم على شركِكم قبلَ التوبةِ إليه، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ}. يقولُ: وهو على إحيائكم بعدَ مماتِكم، وعقابِكم على إشْراكِكم به الأوثانَ، وغيرِ ذلك مما أرادَ بكم وبغيرِكم - قادرٌ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)} .
اخْتَلَفَت القرأةُ فى قراءةِ قولِه: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} ؛ فقَرَأته عامةُ قرأةِ الأمصارِ: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} ؛ على تقدير "يَفْعَلُون" مِن ثَنَيْتُ، والصدورُ منصوبةٌ
(1)
واخْتَلف قارِئو ذلك كذلك في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: ذلك كان مِن فعلِ بعضٍ المنافقين، كان إذا مَرَّ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَطَّى وجهَه، وثَنَى ظهرَه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدٍ بن المُثَنَّى، قال: ثنا ابن أبى عدىٍّ، عن شعبةَ، عن حُصَينٍ، عن عبدِ
(2)
اللهِ بنِ شدَّادٍ فى قولِه: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} . قال: كان أحدُهم إذا مَرَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بثوبِه على وجهِه، وثَنَى ظهرَه.
(1)
ينظر البحر المحيط. 5/ 202.
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"عبيد"، وينظر تهذيب الكمال 15/ 81.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبَرنا حصينٌ، عن عبدِ اللهِ بنِ شَدَّادِ بنِ الهادِ قوله:{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} . قال: مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: كان المنافقون إذا مَرُّوا به، ثَنَى أحدُهم صدرَه، ويُطأطِئُ رأسَه، فقال اللهُ:{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} الآية.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: ثنا هشيمٌ، عن حُصَينٍ، قال: سمِعتُ عبدَ اللَّهِ بنَ شدَّادٍ يقولُ فى قولِه: {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} . قال: كان أحدُهم إذا مَرَّ بالنبى الله ثَنَى، صدرَه، وتَغَشَّى بثوبِه، كي لا يَراه النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وقال آخرون: بل كانوا يَفْعَلون ذلك جهلًا منهم باللهِ، وظَنَّا أن اللهَ يَخْفى عليه ما تُضْمِرُه صدورُهم إذا فَعلَوا ذلك.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} . قال: شَكَّا وامتراءً في الحقِّ، ليَسْتَخْفوا مِن اللهِ إن استطاعوا.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} : شَكًّا وامْتراءً فى الحقِّ، {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ}. قال: مِن اللهِ إن اسِتطاعوا.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ نميرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1999 من طريق عمرو بن عون به، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (1078 - تفسير) عن هشيم به، والأثر في تفسير مجاهد ص 384 من طريق ورقاء عن حصين به بلفظ:"لكيلا يسمع القرآن والذكر"، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 320 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
مجاهدٍ: {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} . قال: تَضِيقُ؛ شَكًّا.
حدَّثنا المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللِه، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} . قال: تَضِيقُ؛ شَكًّا وامْتراءً في الحقِّ.: قال: {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} . قال: مِن اللهِ إن استطاعوا
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه.
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا هوذةُ، قال: ثنا عوفٌ، عن الحسنِ في قولِه:{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} . قال: مِن جهالتِهم به، قال اللهُ:{أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} فى ظلمةِ الليلِ في أجوافِ بيوتِهم {يَعْلَمُ} تلك الساعةَ {مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
(2)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصورٍ، عن أبى رَزينٍ:{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} . قال: كان أحدُهم يَحْنى ظهره، ويَسْتَغْشِى بثوبه
(3)
.
وقال آخرون: إنما كانوا يَفْعلون ذلك لئلا يَسْمعوا كتابَ
(4)
اللهِ تعالى.
(1)
تفسير مجاهد ص 384، ومن طريقه الفريابي فى تفسيره - كما في التغليق 4/ 225 - وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1999، 2000، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 320 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2000، 2001 من طريق هوذة به.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2000 من طريق وكيع به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 320 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.
(4)
فى م، ت 1، ت 2، س، ف:"كلام".
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} الآية. قال: كانوا يَحْنون صدورهم لكيلا يَسْمعوا كتابَ اللهِ، قال تعالى:{أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} . وذلك أخفَى ما يكونُ ابنُ آدمَ، إذا حَنَى صدرَه، واسْتَغْشَى بثوبِه، وأَضْمَرَ هَمَّه في نفسِه، فإن اللَّهَ لا يَخْفى ذلك عليه
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} . قال: أخفَى ما يكونُ الإنسانُ إذا أسرَّ في نفسِه شيئًا، وتَغَطَّى بثوبِه، فذلك أخفَى ما يكونُ، واللَّهُ يَطَّلِعُ على ما في نفوسِهم، واللهُ يعلمُ ما يُسِرِّون وما يُعْلِنون
(2)
.
وقال آخرون: إنما هذا إخبارٌ مِن اللهِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم عن المنافقين الذين كانوا يُضْمِرون له العداوةَ والبغضاءَ، ويُبْدُون له المحبةَ والمودةَ، أنهم
(3)
معه وعلى دينِه. يقولُ جلّ ثناؤُه: لا إنهم يَطْوون صدورَهم على الكفرِ ليَسْتَخْفُوا مِن اللهِ. ثم أخبرَ جلّ ثناؤُه أنه لا يخفى عليه سرائرُهم وعلانيتُهم.
وقال آخرون: كانوا يَفْعَلون ذلك إذا ناجى بعضُهم بعضًا.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 1999، 2000 من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 321 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 301 عن معمر
(3)
في م: "وأنهم".
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} . قال: هذا حينَ يُناجِي بعضُهم بعضًا. وقرأ: {أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} الآية.
ورُوِيَ عن ابنِ عباسٍ أنه كان يقرأُ ذلك: (ألا إنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ)، على مثالِ:"تَحْلَوْلِي الثمرةُ"، "تَفْعَوعِلُ"
(1)
.
حدَّثنا [ابنُ وكيعٍ]
(2)
، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن ابنِ جريجٍ، عن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ، قال: سمِعتُ ابنَ عباسٍ يقرأُ: (ألا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ). قال: كانوا لا يأتون النساءَ ولا الغائطَ إلا وقد تَغَشَّوا بثيابِهم؛ كراهةَ أن يُفْضُوا بفروجِهم إلى السماءِ
(3)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: سمِعتُ محمدَ بنَ عبادِ بنِ جعفرٍ يقولُ: سمِعتُ ابنَ عباسٍ يقرؤُها: (ألا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي
(4)
صُدُورُهُمْ). قال: سألتُه عنها، فقال: كان ناسٌ يَسْتَحْيُون أن يتخلَّوا فيُفْضُوا إلى السماءِ، وأن يُصِيبوا فيُفْضُوا إلى السماءِ
(5)
.
(1)
هي قراءة شاذة، وينظر البحر المحيط 5/ 202.
(2)
بياض في: ص، س، ف، وفي ت 1:"المثنى"، وفي ت 2:"وكيع".
(3)
ذكره الحافظ في الفتح 8/ 350 من طريق أبي أسامة وعزاه إلى المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 320 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.
(4)
في ص، ت 2، ف:"يثنونى"، وفي ت 1، س:"يثنون". وتثنونى، ويثنونى قراءتان عن ابن عباس. ينظر البحر المحيط 5/ 202، والفتح 8/ 350.
(5)
أخرجه البخاري (4681)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1999، والبغوي في تفسيره 4/ 161 من طريق حجاج به، وأخرجه البخاري (4682)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1998 من طريق ابن جريج به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 320 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه.
ورُوِيَ عن ابنِ عباسٍ في تأويلِ ذلك قولٌ آخرُ، وهو ما حدَّثنا به محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، قال: أُخْبِرتُ عن عكرمةَ أن ابنَ عباسٍ قرأ: (ألا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ). وقال ابنُ عباسٍ: (تَثْنَوْنِي صدورُهم): الشكُّ في اللَّهِ، وعملُ السيئاتِ، {يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ}: يستكبرُ، أو يَسْتَكِنُّ مِن اللَّهِ، واللَّهُ يَراه؛ {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}
(1)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن رجلٍ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ أنه قرأ:(ألا إنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ). قال عكرمةُ: (تَثْنَوْنِي صُدُورُهم). قال: الشَّكُّ في اللَّهِ، وعملُ السيئاتِ، فَيَسْتَغْشِي ثيابَه، ويَسْتكِنُّ مِن اللَّهِ، واللَّهُ [يراه، و]
(2)
يعلمُ ما يُسِرُّون وما يُعْلنون.
والصوابُ مِن القراءةِ في ذلك عندَنا ما عليه قرأةُ الأمصارِ، وهو:{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} . على مثالِ "يَفْعَلون"، و"الصدورُ" نَصْبٌ بمعنى: يَحْنون صدورَهم ويَكُنُّونها
(3)
.
كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} . يقولُ: يَكُنُّون
(4)
(5)
.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1999 من طريق محمد بن عبد الأعلى به.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: "يكبونها".
(4)
في م: "يكبون".
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1998 من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 321 إلى ابن المنذر.
أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} . يقولُ: يَكْتُمون ما في قلوبِهم، {أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} يعلمُ ما عمِلوا بالليلِ والنهارِ
(1)
.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عبيدٌ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} . يقولُ: تَثْنَوْنِي صُدُورُهُم
(2)
.
وهذا التأويلُ الذي تأوَّله الضحاكُ على مذهبِ قراءةِ ابنِ عباسٍ، إلا أن الذي حدَّثنا، هكذا ذَكَر القراءةَ في الروايةِ.
فإذا كانت القراءةُ التي ذكرنا أَولى القراءتَين في ذلك بالصوابِ؛ لإجماعِ الحجةِ مِن القرأةِ عليها، فأَوْلى التأويلاتِ بتأويلِ ذلك، تأويلُ مَن قال: إنهم كانوا يَفْعَلون ذلك جهلًا منهم باللَّهِ أنه يَخْفَى عليه ما تُضْمِرُه نفوسُهم، أو تَناجَوه بينَهم.
وإنما قلنا: ذلك أَولى التأويلاتِ بالآيةِ؛ لأن قولَه: {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} بمعنى: ليَسْتَخْفوا مِن اللَّهِ، وأن الهاءَ في قولِه:{مِنْهُ} عائدةٌ على اسمِ اللَّهِ، ولم يَجْرِ لمحمدٍ ذكرٌ قبلُ فيُجعَلَ مِن ذكرِه صلى الله عليه وسلم، وهي في سياقِ الخبرِ عن اللَّهِ. فإذ كان ذلك كذلك كانت بأن تكونَ مِن ذكرِ اللَّهِ أَوْلى، وإذا صَحَّ أن ذلك كذلك، كان معلومًا أنهم لم يحدِّثوا أنفسَهم أنهم
(3)
يَسْتَخْفُون مِن اللَّهِ إلا بجهلِهم به، فلمّا أخبَرَهم جلّ ثناؤُه أنه لا يَخْفَى عليه سرُّ أمورِهم وعلانيتُها
(4)
، على أيِّ حالٍ كانوا،
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1998، 2000 عن محمد بن سعد به.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 1999 من طريق أبي معاذ بلفظ: "تلتوي صدورهم".
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فإنهم".
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"لا علانيتها".
تَغَشَّوا بالثيابِ، أو ظَهَروا بالبَرَازِ
(1)
، فقال:{أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} . يعني: يَتَغَشَّون ثيابَهم، يَتَغَطَّونها ويَلْبَسون.
يقالُ منه: اسْتَغْشَى ثوبَه وتَغشَّاه. قال اللَّهُ: {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح: 7]. وقالت الخنساءُ
(2)
:
أَرْعَى النجومَ وما كُلِّفْتُ رِعْيَتَها
…
وتارةً أَتَغَشَّى فَضْلَ أَطْمَارِي
(3)
{يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} . يقولُ جلّ ثناؤُه: يعلمُ ما يُسِرُّ هؤلاء الجهلةُ بربِّهم، الظانُّون أن اللَّهَ يَخْفى عليه ما أضْمَرَته صدورُهم إذا حَنَوها على ما فيها وثَنَوها
(4)
، وما تَناجَوه بينَهم فأخْفَوه، {وَمَا يُعْلِنُونَ}: سواءٌ عندَه سرائرُ عبادِه وعلانيتُهم، {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}. يقولُ تعالى ذكره: إن اللَّهَ ذو علمٍ بكلِّ ما أَخْفَته صدورُ خلْقِه؛ مِن إيمانٍ وكفرٍ، وحقٍّ وباطلٍ، وخيرٍ وشرٍّ، وما تَسْتجِنُّه مما لم تُجِنَّه
(5)
بعدُ.
كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} . يقولُ: يُغَطُّون رءوسَهم
(6)
.
قال أبو جعفرٍ: فاحْذَروا أن يَطَّلِعَ عليكم ربُّكم وأنتم مُضْمِرون في صدورِكم
(1)
البراز: الفضاء البعيد الواسع، ليس فيه شجر ولا ستر. اللسان (ب ر ز).
(2)
شرح ديوان الخنساء ص 55.
(3)
الأطمار: أخلاق الثياب. اللسان (ط م ر).
(4)
في م: "ثنوه".
(5)
في م: "يجنه".
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2000 من طريق عبد الله بن صالح به.
الشكَّ في شيءٍ مِن توحيدِه أو أمرِه أو نَهْيِه، أو فيما ألزَمكم الإيمانَ به والتصديقَ، فتَهْلِكوا باعْتقادِكم ذلك. واللَّهُ أعلمُ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)} .
يعني تعالى ذكرُه بقولِه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} : وما تَدِبُّ دابَّةٌ في الأرضِ.
والدابَّةُ، الفاعلةُ مِن: دَبَّ، فهو يَدِبُّ، وهو دابٌّ، وهي دابَّةٌ - {إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}. يقولُ: إلا ومِن اللَّهِ رزقُها الذي يَصِلُ إليها، هو به متكفِّلٌ، وذلك قُوتُها وغذاؤُها، وما به عَيْشُها.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال بعضُ أهلِ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ في قولِه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} . قال: ما جاءها مِن رزقٍ فمِن اللَّهِ، وربما لم يرزقْها حتى تموتَ جوعًا، ولكن ما كان مِن رزقٍ فمِن اللَّهِ
(1)
.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} . قال: كلُّ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2001 من طريق حجاج به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 321 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
دابةٍ
(1)
.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخبَرنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} : يعني كلَّ دابةٍ، والناسُ منهم
(2)
.
وكان بعضُ أهلِ العلم بكلامِ العربِ مِن أهلِ البصرةِ يزعُمُ أن كلَّ آكلٍ
(3)
فهو دابةٌ، وأن معنى الكلامِ: وما دابةٌ في الأرضِ، وأن "مِن" زائدةٌ
(4)
.
وقولُه: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} : حيثُ تستقِرُّ فيه، وذلك مأواها الذي تَأْوِي إليه ليلًا أو نهارًا، {وَمُسْتَوْدَعَهَا}: الموضِعَ الذي يُودِعُها، إما بموتِها فيه، أو دفنِها
وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال جماعةٌ مِن أهلِ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا ابنُ التيميِّ، عن ليثٍ، عن الحكمِ، عن مِقْسمٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال:{مُسْتَقَرَّهَا} : حيثُ تَأْوِي، {وَمُسْتَوْدَعَهَا}: حيثُ تموتُ
(5)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2001 عن محمد بن سعد به.
(2)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2001 معلقًا.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"مال"، وفي م:"ماش". والمثبت من مجاز القرآن.
(4)
مجاز القرآن 1/ 285.
(5)
تفسير عبد الرزاق 1/ 301، 302، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1356 (7686)، 6/ 2001 عن الحسن بن يحيى به دون آخره، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 321 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ. وتقدم في 9/ 434 من وجه آخر عن ليث، عن مقسم، قال: مستقرها في الصلب حيث تأوي إليه.
ابنِ عباسٍ قولَه: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} . يقولُ: حيثُ تَأْوِي، {وَمُسْتَوْدَعَهَا}. يقولُ: إذا ماتَت
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا المُحاربيُّ، عن ليثٍ، عن الحكمِ، عن مِقْسمٍ، عن ابنِ عباسٍ:{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} . قال: المستقرُّ حيثُ تَأْوِي، والمستودَعُ حيثُ تموتُ.
وقال آخرون: {مُسْتَقَرَّهَا} في الرحمِ، {وَمُسْتَوْدَعَهَا} في الصلبِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} في الرحمِ، {وَمُسْتَوْدَعَهَا} في الصلبِ. مثلُ التي في "الأنعامِ"
(2)
.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} : فالمستقرُّ ما كان في الرحمِ، والمستودعُ ما كان في الصلبِ
(3)
.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخبَرنا عبيدٌ، قال: سمعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} . يقولُ: في الرحمِ، {وَمُسْتَوْدَعَهَا}: في الصلبِ
(4)
.
(1)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 239 عن علي بن أبي طلحة به.
(2)
تقدم في 9/ 439.
(3)
تقدم في 9/ 438.
(4)
تقدم في 9/ 441.
وقال آخرون: المستقَرُّ في الرحمِ، والمستودعُ حيث تموتُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي ويَعْلى وابنُ فُضَيلٍ، عن إسماعيلَ، عن إبراهيمَ، عن عبدِ اللَّهِ:{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} . قال: {مُسْتَقَرَّهَا} الأرحامَ، {وَمُسْتَوْدَعَهَا} الأرضَ التي تموتُ فيها
(1)
.
قال: ثنا عبيدُ اللَّهِ، عن إسرائيلَ، عن السديِّ، عن مُرَّةَ، عن عبدِ اللَّهِ:{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} : المستقرُّ الرحمُ، والمستودَعُ المكانُ الذي تموتُ فيه
(2)
.
وقال آخرون: {مُسْتَقَرَّهَا} أيامَ حياتِها، {وَمُسْتَوْدَعَهَا} حيث تموتُ فيه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ سعدٍ، قال: أخبَرنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ بنِ أنسٍ قولَه:{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} . قال: {مُسْتَقَرَّهَا} أيامَ حياتِها، {وَمُسْتَوْدَعَهَا} حيث تموتُ، ومِن حيث تُبْعَثُ
(3)
.
وإنما اختَرنا القولَ الذي اختَرناه فيه؛ لأن اللَّهَ جلّ ثناؤُه أخبَر أن ما رُزِقَت الدوابُّ مِن رزقٍ فمنه، فأولى أن يَتْبَعَ ذلك أن يَعْلَمَ
(4)
مَثْواها ومستقرَّها دونَ الخبرِ عن علمِه بما تَضمَّنته الأصلابُ والأرحامُ.
(1)
تقدم في 9/ 433 عن إبراهيم.
(2)
تقدم في 9/ 433.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2003 من طريق عبد الرحمن به، دون أوله. وينظر البحر المحيط 5/ 204.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"يعلمه".
ويعني بقولِه: {كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} : عددُ كلِّ دابةٍ، ومبلغُ أرزاقِها، وقدرُ قرارِها في مستقرِّها، ومدةُ لُبْثِها في مستودعِها، كلُّ ذلك في كتابٍ عندَ اللَّهِ مُثْبَتٌ مكتوبٌ، {مُبِينٍ}: يُبِينُ لمَن قرأه أن ذلك مثبتٌ مكتوبٌ قبلَ أن يخلقَها ويُوجِدَها.
وهذا إخبارٌ مِن اللَّهِ جلّ ثناؤُه الذين كانوا يَثْنون صدورَهم ليَسْتَخْفوا منه، أنه قد عَلِمَ الأشياءَ كلَّها، وأثبَتَها في كتابٍ عندَه قبلَ أن يَخلقَها ويُوجِدَها.
يقولُ لهم تعالى ذكره: فمَن كان قد عَلِمَ ذلك منهم قبلَ أن يُوجِدَهم، فكيف يَخْفَى عليه ما تَنْطَوي عليه نفوسُهم إذا ثَنَوا به صدورَهم، واسْتَغْشَوا عليه ثيابَهم؟
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: اللَّهُ الذي إليه مرجعُكم أيُّها الناسُ جميعًا، {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}. يقولُ: أَفيَعجِزُ مَن خَلَقَ ذلك مِن غيرِ شيءٍ أن يُعِيدَكم أحياءً بعدَ أن يُمِيتَكم؟
وقيل: إن اللَّهَ تعالى ذكرُه خلَق السماواتِ والأرضَ وما فيهنَّ في الأيامِ الستةِ، فاجتُرِئَ في هذا الموضعِ بذكْرِ خلْقِ السماواتِ والأرضِ مِن ذكرِ خلْقِ ما فيهنَّ.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: أخبَرني إسماعيلُ بنُ أميةَ، عن أيوبَ بنِ خالدٍ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ رافعٍ، مولى أمِّ سَلَمةَ، عن أبي هريرةَ، قال: أَخَذ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: "خَلَقَ اللَّهُ التُّربةَ
يومَ السبتِ، وخَلَقَ الجبالَ فيها يومَ الأحدِ، وخَلَقَ الشجرَ فيها يومَ الاثنينِ، وخَلَقَ المكروهَ يومَ الثلاثاءِ، وخَلَقَ النورَ يومَ الأربعاءِ، وبَثَّ فيها من كلِّ دابةٍ يومَ الخميسِ، وخَلَقَ آدمَ بعدَ العصرِ مِن يومِ الجمعةِ في آخرِ الخلقِ، في آخرِ ساعاتِ الجمعةِ، فيما بَيْن العصرِ إلى الليلِ"
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ قولَه:{فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} . قال: بدأ خلقَ الأرضِ في يومين، وقَدَّرَ فيها أقواتَها في يومين.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن الأعمشِ، عن أبي صالحٍ، عن كعبٍ،
(1)
أخرجه أحمد 14/ 82 (8341)، ومسلم (2789)، والنسائي في الكبرى (11010)، وابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 74 (304)، وأبو يعلى (6132)، وابن حبان (6161)، وأبو الشيخ في العظمة (877)، والبيهقي في الأسماء والصفات (812) من طريق حجاج به، وأخرجه ابن معين في تاريخه 3/ 52 (210)، وأبو الشيخ (878)، وابن مردويه - كما في تفسير ابن كثير 1/ 99 - من طريق ابن جريج به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 1/ 43 إلى ابن المنذر وسيأتي في سورة "فصلت"، الآية 9 من طريقين عن حجاج به. وعلقه البخاري في تاريخه 1/ 413، 414 عن إسماعيل به، وقال: وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب. وهو أصح.
وقال شيخ الإسلام: طعن فيه من هو أعلم من مسلم مثل يحيى بن معين ومثل البخاري وغيرهما، وذكر البخاري أن هذا من كلام كعب الأحبار وطائفة اعتبرت صحته؛ مثل أبي بكر بن الأنباري وأبي الفرج بن الجوزي وغيرهما، وقد وافق البيهقي وغيره الذين ضعفوه.
وهذا هو الصواب؛ لأنه قد ثبت بالتواتر أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وثبت أن آخر الخلق كان يوم الجمعة، فيلزم أن يكون أول الخلق يوم الأحد، وهكذا هو عند أهل الكتاب، وعلى ذلك تدل أسماء الأيام. ولو كان أول الخلق يوم السبت وآخره يوم الجمعة لكان قد خلق في الأيام السبعة، وهو خلاف ما أخبر به القرآن مع أن حذاق الحديث يثبتون علة هذا الحديث من غير هذه الجهة، وأن راويه غلط فيه لأمور يذكرونها.
وأسند البيهقي (813) عن ابن المديني قال: ما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم بن أبي يحيى. وينظر مجموع الفتاوى 17/ 235، 18/ 18، والبداية والنهاية 1/ 31 - 33، وتفسير ابن كثير 1/ 99، 3/ 422، والأنوار الكاشفة للمعلمي ص 188، والصحيحة (1833).
قال: بدأ اللَّهُ خلقَ السماواتِ والأرضِ يومَ الأحدِ والاثنينِ والثلاثاءِ والأربعاءِ والخميسِ، وفَرَغَ منها يومَ الجمعةِ، فَخَلَقَ آدمَ في آخرِ ساعةٍ مِن يومِ الجمعةِ، قال: فجَعَلَ مكانَ كلِّ يومٍ ألفَ سنةٍ
(1)
.
وحُدِّثْتُ عن المسيبِ بنِ شريكٍ، عن أبي رَوْقٍ، عن الضحاكِ:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} . قال: مِن أيام الآخرةِ، كلُّ يومٍ مقدارُه ألفُ سنةٍ، ابتدأ في الخلقِ يومَ الأحدِ، واجْتَمع
(2)
الخلقُ يومَ الجمعةِ، فسُمِّيَت الجمعةَ، وسَبَت يومَ السبتِ، فلم يخلُقْ شيئًا
(3)
.
وقولُه: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} . يقولُ: وكان عرشُه على الماءِ قبلَ أن يخلقَ السماواتِ والأرضَ وما فيهن.
كما حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللَّهِ:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} . قال: كان عرشُه على الماءِ قبلَ أن يخلُقَ شيئًا
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوَه.
(1)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 44 حتى قوله: "الاثنين"، 1/ 59 دون قوله:"فخلق آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة".
(2)
في م، ت 1، س، ف:"ختم".
(3)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 44، 59 عن محمد بن أبي منصور والمثنى، عن علي بن الهيثم، عن المسيب به، دون قوله: "فسميت الجمعة
…
"، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2004 من طريق بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس مقتصرًا على قوله: "يوم مقداره ألف سنة". وبلفظه هذا سيأتي في سورة (ق) الآية 38 من طريق عبيد عن الضحاك قوله.
(4)
تفسير مجاهد ص 384، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2005.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: نا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} : يُنَبِّئُكم ربُّكم تبارك وتعالى كيف كان بدءُ خلقِه قبلَ أن يخلُقَ السماواتِ والأرضَ
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} . قال: هذا بدءُ خلقِه قبلَ أن يخلُقَ السماءَ والأرضَ
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجاجُ، قال: ثنا حمادٌ، عن يَعْلى بنِ عطاءٍ، عن وكيعِ بنِ حُدُسٍ، عن عمِّه أبي رزينٍ العُقيليِّ، قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أين كان ربُّنا قبلَ أن يخلقَ السماواتِ والأرضَ؟ قال: "في عَمَاءٍ
(3)
، فوقَه هواءٌ، وتحتَه هواءٌ، ثم خَلَقَ عرشَه على الماءِ"
(4)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ ومحمدُ بنُ هارونَ القطانُ الرازقيُّ، قالا: ثنا يزيدُ بنُ هارونَ، عن حمادِ بنِ سلمةَ، عن يَعْلى بنِ عطاءٍ، عن وكيعِ بنِ حُدُسٍ، عن عمِّه أبي رزينٍ، قال: قلتُ يا رسولَ اللَّهِ، أين كان ربُّنا قبل أن يخلُقَ خلقَه؟ قال: "كان في عَمَاءٍ،
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2005 من طريق سعيد به.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 301 عن معمر به.
(3)
العماء بالفتح والمد: السحاب. النهاية 3/ 304.
(4)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 37، 38، وأخرجه الطيالسي (1189)، وأحمد 26/ 117، 118 (16200)، وأبو الشيخ في العظمة (85)، والبيهقي في الأسماء والصفات (801، 864)، وغيرهم من طريق حماد بن سلمة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 322 إلى ابن المنذر وابن مردويه وصححه المصنف في تاريخه 1/ 40. ووكيع بن حدس مجهول.
ما فوقَه هواءٌ، وما تحتَه هواءٌ، ثم خَلَقَ عرشَه على الماءِ"
(1)
.
حدَّثنا خَلَّادُ بنُ أسلمَ، قال: أخبَرنا النضرُ بنُ شُمَيلٍ، قال: أخبَرنا المسعوديُّ، قال: أخبَرنا جامعُ بنُ شدّادٍ، عن صفوانَ بنِ مُحْرزٍ، عن ابنِ حُصَيبٍ
(2)
- وكان مِن أصحابِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: أتَى قومٌ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَخَلُوا عليه، فجَعَل يُبَشِّرُهم ويقولون: أعْطِنا، حتى ساءَ ذلك رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثم خَرَجوا مِن عندِه، وجاء قومٌ آخرون فدَخَلوا عليه، فقالوا: جِئْنا نُسَلِّمُ على رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ونتفقَّه في الدينِ، ونسألُه عن بَدْءِ هذا الأمرِ، قال:"فاقْبَلوا البُشْرَى إذ لم يَقْبَلُها أولئك الذين خَرَجوا". قالوا: قَبِلْنا. فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كان اللَّهُ لا
(3)
شيءَ غيرُه، وكان عرشُه على الماءِ، وكَتَبَ في الذكرِ قبلُ كلَّ شيءٍ، ثم خَلَقَ سبعَ سماواتٍ". ثم أتاني آتٍ، فقال: تلك ناقتُك قد ذَهَبَت. فَخَرَجْتُ يَنْقَطِعُ دونَها السَّرابُ، ولوَدِدْتُ أني تركتُها
(4)
.
(1)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 37. وأخرجه أحمد 26/ 108 (16188)، والترمذي (3109)، وابن ماجه (182)، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب العرش ص 7 من طريق يزيد بن هارون به. وحسنه الترمذي.
(2)
في م: "حصين". وهو بريدة بن حصيب. وقد روى هذا الحديث من وجهين: الأول - وهو الذي بين أيدينا - عن ابن حصيب، والثاني عن ابن حصين. وينظر مصادر التخريج.
(3)
في م: "ولا".
(4)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 38 - وفيه ابن حصين وهو خطأ - وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 242، 243، والحاكم 2/ 341 من طريق المسعودي به. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (210، 213) من طريق المسعودي عن جامع عن ابن بريدة - وفي الموضع الثاني: عن رجل عن بريدة - وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 322 إلى ابن المنذر وابن حبان وابن مردويه وهو عن ابن حبان عن عمران بن حصين.
وحديث عمران أخرجه النسائي في الكبرى (11240) من طريق المسعودي به.
وأخرجه أحمد 4/ 431، 432 (الميمنية)، والبخاري (7418)، والدارمي في الرد على الجهمية ص 10، 11، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب العرش ص 1، والمصنف في تاريخه 1/ 38، والبيهقي في الأسماء والصفات (800)، وفي الاعتقاد ص 92، وغيرهم من طريق جامع به.
حدَّثنا محمدُ بنُ منصورٍ، قال: ثنا إسحاقُ بنُ سليمانَ، قال: ثنا عمرُو بنُ أبي قيسٍ، عن ابنِ أبي ليلى، عن المِنْهالِ بنِ عمرٍو، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} . قال: كان عرشُ اللَّهِ على الماءِ، ثم اتَّخَذَ لنفسِه جنةً، ثم اتَّخَذَ دونَها أخرى، ثم أطبَقَهما بلؤلؤةٍ واحدةٍ، قال:{وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن: 62]. قال: وهي التي: {لَا تَعْلَمُ نَفْسٌ} - أو قال: وهما التي: {لَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]. قال: وهي التي لا تعلَمُ الخلائقُ ما فيها - أو ما فيهما - يأتيهم كلَّ يومٍ منها - أو منهما - تحفَةٌ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن الأعمشِ، عن المنهالِ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، قال: سُئِل ابنُ عباسٍ عن قولِ اللَّهِ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} . قال: على أيِّ شيءٍ كان الماءُ؟ قال: على متنِ الريحِ
(2)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (207)، والخطيب 9/ 116 من طريق إسحاق به، وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (214) من طريق ابن أبي ليلى به، وأخرجه الحاكم 2/ 475 ومن طريقه البيهقي في البعث والنشور (243) من طريق إسحاق عن عنبسة بن سعيد وعمرو بن أبي قيس وغيرهما عن المنهال به، وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب العرش ص 6 من طريق إسحاق عن عنبسة عن ابن أبي ليلى وعمرو عن ابن أبي ليلى عن المنهال به.
(2)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 40، وأخرجه الدارمي في الرد على بشر المريسي ص 87، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب العرش ص 2 من طريق وكيعٍ به، وأخرجه الفريابي، كما في الدر المنثور 3/ 322 - ومن طريقه أبو الشيخ في العظمة (212) - وابن أبي عاصم في السنة (584)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2005، وأبو الشيخ (229)، والحاكم 2/ 341، والبيهقي في الأسماء والصفات (802) من طريق سفيان به، وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة (3) من طريق آخر عن سعيد به بزيادة:"وكانت الريح على الهواء"، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 322 إلى ابن المنذر.
الأعمشِ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، قال: سُئِل ابنُ عباسٍ عن قولِه تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} : على أيِّ شيءٍ كان الماءُ؟ قال: على متنِ الريحِ
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن سعيدٍ، عن ابنِ عباسٍ مثلَه
(2)
.
قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا مُبَشِّرٌ
(3)
الحلبيُّ، عن أرطاةَ بنِ المنذرِ، قال: سمِعتُ ضَمْرةَ يقولُ: إن اللَّهَ كان عرشُه على الماءِ، وخلقَ السماواتِ والأرضَ بالحقِّ، وخلَق القلمَ، فكتَب به ما هو خالقٌ، وما هو كائنٌ مِن خلقِه، ثم إن ذلك الكتابَ سبَّح اللَّهَ ومجَّدَه ألفَ عامٍ، قبلَ أن يخلُقَ شيئًا من الخلْقِ
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ عبد الكريمِ، قال: ثنى عبدُ الصمدِ بنُ مَعْقِلٍ، قال: سمِعتُ وهبَ بنَ منبهٍ يقولُ: إن العرشَ كان قبلَ أن يخلُقَ اللَّهُ السماواتِ والأرضَ، ثم قَبَضَ قبضةً من صَفاةِ
(5)
الماءِ، ثم فَتَحَ القبضةَ، فارتَفَع
(6)
دُخَانًا، ثم قَضَاهُنَّ سبعَ سماواتٍ في يومين، ثم أَخَذَ طينةً مِن الماءِ، فَوَضَعَها مكانَ البيتِ، ثم دَحا الأرضَ منها، ثم خَلَقَ الأقواتَ في يومين، والسماواتِ في يومين، وخلَقَ الأرضَ في يومين، ثم فَرَغَ مِن آخرِ الخلقِ يومَ السابعِ
(7)
.
(1)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 40، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 302 عن معمر به، وفي مصنفه (9089) عن الأعمش عن المنهال عن سعيد، وفيه زيادة.
(2)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 41.
(3)
في م: "ميسر". وينظر تهذيب الكمال 27/ 190.
(4)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 41 بلفظ: "إن الله خلق القلم فكتب
…
". وفيه زيادة - وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (216) من طريق أرطاة عن ضمرة عن جبير بن نفير مرفوعًا.
(5)
في م: "صفاء".
(6)
في مصدري التخريج: "فارتفعت".
(7)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 39 عن محمد بن سهل بن عسكر عن إسماعيل به نحوه، وأخرجه في =
وقولُه: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} . يقولُ تعالى ذكرُه: وهو الذي خلَق السماواتِ والأرضَ أيُّها الناسُ، وخَلَقَكم في ستةِ أيامٍ، {لِيَبْلُوَكُمْ}. يقولُ: ليختبرَكم، {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}. يقولُ: أيُّكم أحسنُ له طاعةً.
كما حُدِّثنا عن داودَ بنِ المُحَبَّرِ، قال: ثنا عبدُ الواحدِ بنُ زيادٍ
(1)
، عن كُليبِ بنِ وائلٍ، عن عبدِ بنِ عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه تَلا هذه الآيةَ:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} . قال: "أيُّكم أحسنُ عقلًا، وأَوْرَعُ عن محارمِ اللَّهِ، وأسرَعُ في طاعةِ اللَّهِ"
(2)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ قولَه:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} . يعني الثقلَين
(3)
.
وقولُه: {وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} . يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: ولئن قلتَ لهؤلاء المشركين مِن قومِك: إنكم مبعوثون أحياءً مِن بعدِ مماتِكم. فتلوتَ عليهم بذلك تنزيلي ووحيي، ليقولُنَّ:{إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} . أي: ما هذا
= 1/ 43 عن محمد بن سهل به مختصرًا جدًا، قال: الأيام سبعة. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (232) من طريق إسماعيل به، وفيه: "قبل أن يخلق الله السماوات والأرض على الماء، فلما أراد أن يخلق السماوات والأرض قبض
…
".
(1)
في النسخ: "زيد". وينظر تهذيب الكمال 8/ 444، 18/ 451، وتفسير ابن أبي حاتم.
(2)
حديث ضعيف جدًّا، أخرجه داود بن المحبر في كتاب العقل - كما في تخريج الكشاف 2/ 145 - ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2006، والثعلبي كما في تخريج الكشاف، وأخرجه ابن مردويه - كما في تخريج الكشاف - من طريق كليب به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 322 إلى الحاكم في تاريخه. وأحاديث العقل كلها كذب. ينظر كتاب التحديث بما قيل: لا يصح فيه حديث ص 173.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2006 من طريق آخر عن ابن جريج.
الذي تَتْلوه علينا مما تقولُ إلا سحرٌ مبينٌ
(1)
لسامعِه عن
(2)
حقيقتِه أنه سحرٌ.
وهذا على تأويلِ مَن قرأ ذلك: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} .
وأما مَن قرأه: (إِنْ هَذَا إِلَّا ساحِرٌ مُبِينٌ)
(3)
، فإنه يُوَجِّهُ الخبرَ بذلك عنهم إلى أنهم وصَفَوا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بأنه فيما أتاهم به من ذلك ساحرٌ مبينٌ.
وقد بَيَّنَّا الصوابَ مِن القراءةِ في ذلك في نظائرِه فيما مَضَى قبلُ، بما أغنَى عن إعادتِه ههنا
(4)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ولئن أخَّرْنا عن هؤلاء المشركين من قومِك يا محمدُ العذابَ، فلم نُعَجِّلْه لهم، وأَنْسَأْنا في آجالِهم إلى أمةٍ معدودةٍ، ووقتٍ محدودٍ، وسنينَ معلومةٍ.
وأصلُ الأُمَّةِ، ما قد بَيَّنَّا فيما مَضَى مِن كتابِنا هذا، أنها الجماعةُ مِن الناسِ، تجتَمِعُ على مذهبٍ ودينٍ، ثم تُستعمَلُ في معانٍ كثيرةٍ، ترجِعُ إلى معنى الأصلِ الذي ذكرتُ
(5)
. وإنما قيل للسنين المعدودةِ والحينِ في هذا الموضعِ ونحوِه: أُمَّةٌ؛ لأن فيها تكونُ الأمةُ. وإنما معنى الكلامِ: ولئن أخَّرْنا عنهم العذابَ إلى مجيءِ أمةٍ
(1)
زيادة يستقيم بها السياق.
(2)
في م: "مبين".
(3)
هي قراءة حمزة والكسائي وخلف. النشر ص 192، وإتحاف فضلاء البشر ص 153.
(4)
تقدم في 9/ 115، 116.
(5)
تقدم في 2/ 566.
وانقراضِ أخرى قبلَها.
وبنحوِ الذي قلنا مِن أن معنى الأمةِ في هذا الموضعِ الأجلُ والحينُ قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ. وحدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نُعَيمٍ، قال: ثنا سفيانُ الثوريُّ، عن عاصمٍ، عن أبي رزينٍ، عن ابنِ عباسٍ. وحدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن عاصمٍ، عن أبي رزينٍ، عن ابنِ عباسٍ:{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} . قال: إلى أجلٍ محدودٍ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن عاصمٍ، عن أبي رزينٍ، عن ابنِ عباسٍ بمثلِه.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} . قال: أجلٌ معدودٌ
(2)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا المحاربيُّ، عن جُوَيبرٍ، عن الضحاكِ، قال: إلى أجلٍ معدودٍ.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 302 وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2007، والحاكم 2/ 341 من طريق، عبد الرحمن به، وأخرجه ابن أبي حاتم 6/ 2007 من طريق أبي نعيم به، وعزاه الشوكاني في فتح القدير 2/ 484 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ وسيأتي في سورة يوسف الآية 45.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 302 عن معمر به.
نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} . قال: إلى حينٍ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ:{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} . يقولُ: أمْسَكنا عنهم العذابَ إلى أمةٍ معدودةٍ. قال ابنُ جريجٍ: قال مجاهدٌ: إلى حينٍ.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} . يقولُ: إلى أجلٍ معلومٍ.
وقولُه: {لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} . يقولُ: ليقولَنَّ هؤلاء المشركون ما يحبِسُه؟ أَيُّ شيءٍ يمنَعُهُ مِن تعجيلِ العذابِ الذي يَتَوَعَّدُنا به، تكذيبًا منهم به، وظَنًّا منهم أن ذلك إنما أُخِّرَ عنهم لكذبِ المُتوعِّدِ.
كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قولُه: {لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} . قال: للتكذيبِ به، أو أنه ليس بشيءٍ
(2)
.
(1)
تفسير مجاهد ص 385، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2007، وعند مجاهد:"إلى أجل معدود".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2007 من طريق آخر عن ابن جريج، قال: قال آخرون ....
وقولُه: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} . يقولُ تعالى ذكرُه، تحقيقًا لوعيدِه، وتصحيحًا لخبرِه: ألا يومَ يأتِيهِم العذابُ الذي يُكَذِّبون به {لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} . يقولُ: ليس يصرِفُه عنهم صارفٌ، ولا يدفَعُه عنهم دافِعٌ، ولكنه يَحِلُّ بهم فيُهْلِكُهم، {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}. يقولُ: ونَزَلَ بهم وأصابهم الذي كانوا به يَسْخَرون مِن عذابِ اللَّهِ، وكان استهزاؤُهم به الذي ذَكَره اللَّهُ قيلَهم قبلَ نزولِه:"ما يحبِسُه"[و"هلّا تأتينا به"]
(1)
؟
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك كان بعضُ أهلِ التأويلِ يقولُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} . قال: ما جاءت به أنبياؤُهم مِن الحقِّ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ولئن أَذَقْنا الإنسانَ مِنَّا رخاءً وسعةً في الرزقِ والعيشِ، فبسَطْنا عليه مِن الدنيا، وهي الرحمةُ التي ذَكَرها تعالى ذكرُه في هذا الموضعِ، {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ}. يقولُ: ثم سَلَبْناه ذلك، فأصابَته مصائبُ أَجاحَتْه، فذَهَبَت به، {إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ}. يقولُ: يظَلُّ قَنِطًا مِن رحمةِ اللَّهِ، آيسًا مِن الخيرِ.
وقولُه: {لَيَئُوسٌ} . فعولٌ، مِن قولِ القائلِ: يَئِسَ فلانٌ مِن كذا، فهو
(1)
في م، ف:"نقلًا بأنبيائه".
يئوسٌ. إذا كان ذلك صفةً له. وقولُه: {كَفُورٌ} . يقولُ: هو كفورٌ لمَن أنعَمَ عليه، قليلُ الشكرِ لربِّه المُتَفَضِّلِ عليه بما كان وَهَبَ له مِن نعمتِه
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ:{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)} . قال: يا بنَ آدمَ، إذا كانت بك نعمةٌ مِن اللَّهِ من السعةِ والأمنِ والعافيةِ، فكفورٌ لِما بك منها، وإذا نُزِعَت منك [نبْتَغِي قَدْعَكَ وعقلَك]
(1)
، فيئوسٌ مِن رَوحِ اللَّهِ، قَنوطٌ مِن رحمتِه. كذلك المرءُ المنافقُ والكافرُ
(2)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ولئن نحن بَسَطْنا للإنسانِ في دُنياه، ورَزَقْناه رخاءً في عَيْشِه، ووَسَّعْنا عليه في رِزقِه، وذلك هي النِّعَمُ التي قال جلّ ثناؤُه:{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ} . وقولُه: {بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} . يقولُ: بعدَ ضيقٍ مِن العيشِ كان فيه، وعُسْرةٍ كان يعالجُها، {لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي}. يقولُ تعالى ذكرُه: ليقَولَنَّ عندَ ذلك: ذَهَبَ الضيقُ والعُسْرةُ عني، وزالت الشدائدُ والمكارِهُ. {إِنَّهُ
(1)
في م: "يبتغ لك فراغك". والقدع: الكف والمنع. التاج (ق د ع).
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2007 من طريق آخر عن ابن جريج، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 322 إلى أبي الشيخ مطولًا، وستأتي بقيته قريبا.
لَفَرِحٌ فَخُورٌ}. يقولُ تعالى ذكرُه: إن الإنسانَ لفرِحٌ بالنِّعَمِ التي يُعْطاها، مسرورٌ بها {فَخُورٌ} ، يقولُ: ذو فخرٍ بما نالَ مِن السعةِ في الدنيا، وبُسِطَ له فيها مِن العيشِ، ويَنْسَى صُرُوفَها، ونَكَدَ العوائصِ
(1)
فيها، ويَدَعُ طلبَ النعيمِ الذي يَبْقى، والسرورَ الذي يدومُ، فلا يزولُ.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ قولَه:{ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي} غِرَّةً باللَّهِ وجراءةً عليه، {إِنَّهُ لَفَرِحٌ} واللَّهُ لا يحبَّ الفرحينَ، {فَخُورٌ} بعدَ ما أُعْطِي، وهو لا يشكُرُ اللَّهَ
(2)
.
ثم اسْتَثْنى جلَّ ثناؤُه مِن الإنسانِ الذي وَصَفَه بهاتين الصفتَين الذين صَبَروا وعَمِلوا الصالحاتِ، وإنما جازَ استثناؤُهم منه؛ لأن الإنسانَ بمعنى الجنسِ ومعنى الجمعِ، وهو كقولِه:{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر: 1 - 3].
فقال تعالى ذكرُه: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فإنهم إن تأتِهم شدّةٌ من الدنيا وعسرةٌ فيها، لم يُثْنِهم ذلك عن طاعةِ اللَّهِ، ولكنهم صَبَروا لأمرِه وقضائِه، فإن نالوا فيها رخاءً وسعةً شَكروه، وأدَّوا حقوقَه بما آتاهم منها، يقولُ اللَّهُ:{أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} يغفرُها لهم، ولا يفضَحُهم بها في معادِهم، {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}. يقولُ: ولهم مِن اللَّهِ مع مغفرةِ ذنوبِهم ثوابٌ - على أعمالِهم الصالحةِ التي عَمِلوها في دارِ الدنيا - جزيلٌ، وجزاءٌ عظيمٌ.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ:{إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} عندَ البلاءِ، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} عندَ النعمة، {لَهُمْ
(1)
في م: "العوارض". والعوائص: الشدائد.
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 322 إلى المصنف وأبي الشيخ مطولًا.
مَغْفِرَةٌ} لذنوبِهم، {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}. قال: الجنةُ
(1)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: فلعلك يا محمدُ تاركٌ بعضَ ما يُوحِي إليك ربُّك أن تُبلِّغَه مِن أمرِك بتبليغِه ذلك، وضائقٌ بما يُوْحَى إليك صدرُك، فلا تُبَلِّغُه إياهم، مخافةَ أن يقولوا:{لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} له مُصدِّقٌ بأنه للَّهِ رسولٌ. يقولُ تعالى ذكرُه: فبَلِّغْهم ما أوحيتُه إليك، فإنك {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} تُنْذِرُهم عقابي، وتُحَذِّرُهم بأسي على كفرِهم بي، وإنما الآياتُ التي يسألونكها عندي، وفي سلطاني، أُنزِلُها إذا شئتُ، وليس عليك إلا البلاغُ والإنذارُ، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}. يقولُ: واللَّهُ القَيِّمُ بكلِّ شيءٍ، وبيدِه تدبيرُه، فانفُذْ لما أمرتُك به، ولا يمنعْك مسألتُهم إياك الآياتِ مِن تبليغِهم وَحْيِي، والنفوذِ لأمري.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال بعضُ أهلِ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: قال اللَّهُ لنبيِّه: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} أن تفعلَ فيه ما أُمِرتَ، وتدعوَ إليه كما أُرسِلتَ. قالوا:{لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ} ، لا نرى
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2008 من طريق آخر عن ابن جريج، إلى قوله:"النعمة"، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 322 إلى أبي الشيخ مطولًا.
معه مالًا، أين المالُ؟ {أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} يُنذِرُ معه {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} فَبَلِّغْ ما أُمِرتَ
(1)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: كَفاك حجةً على حقيقةِ ما أتيتَهم به، ودلالةً على صحةِ نبوَّتِك، هذا القرآنُ مِن سائرِ الآياتِ غيرِه، إذ كانت الآياتُ إنما تكونُ لمن أُعْطِيها دلالةً على صدقِه، لعجزِ جميعِ الخلقِ عن أن يأتوا بمثلِها.
وهذا القرآنُ جميعُ الخلقِ عَجَزَةٌ
(2)
عن أن يأتوا بمثلِه، فإن هم قالوا: افتريتَه. أي: اختلَقْتَه وتكذَّبتَه، ودلَّ على أن معنى الكلامِ ما ذكرنا قولُه:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} إلى آخر الآيةِ.
ويعني تعالى ذكرُه بقولِه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} ، أي: أيقولون افتراه؟ وقد دلَّلنا على سببِ إدخالِ العربِ "أم" في مثلِ هذا الموضعِ
(3)
.
فقلْ لهم يأتوا بعشرِ سورٍ مثلِ هذا القرآنِ. {مُفْتَرَيَاتٍ} ، يعني: مُفْتَعَلاتٍ مختلَقاتٍ
(4)
، إن كان ما أتيتُكم به مِن هذا القرآنِ مُفْتَرًى، وليس بآيةٍ مُعْجِزَةٍ كسائرِ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2008 من طريق آخر عن ابن جريج من قوله حتى قوله: "أرسلت"، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 322 إلى المصنف وأبي الشيخ عن ابن جريج مطولًا.
(2)
في م: "عجزت".
(3)
ينظر ما تقدم في 2/ 411.
(4)
في م: "مختلفات".
ما سُئِلْتُه من الآياتِ، كالكَنزِ الذي قُلتم: هَلَّا أُنزِل عليه؟ أو المَلكِ الذي قُلتم: هَلَّا جاء معه نذيرًا له مُصدِّقًا؟ فإنكم قومي، وأنتم مِن أهلِ لساني، وأنا رجلٌ منكم، ومحالٌ أن أقدِرَ أخلُقَ وحدي مائةَ سورةٍ وأربعَ عَشْرَةَ سورةً، ولا تَقْدِروا بأجمعِكم أن تَفْتروا وتَخْتلقوا
(1)
عشرَ سورٍ مثلِها، ولا سيما إذا استعنتم في ذلك بمَن شئتم مِن الخلقِ. يقولُ جلّ ثناؤُه: قلْ لهم: وادعوا مَن استطعتم أن تَدْعوهم مِن دونِ اللَّهِ - يعني سوى اللَّهِ - لافتراءِ ذلك واختلافِه مِن الآلهةِ. فإن أنتم لم تَقْدِروا على أن تَفْتَروا عشرَ سورٍ مثلِه، فقد تبيَّن لكم أنكم كَذَبَةٌ في قولِكم:{افْتَرَاهُ} . وصحَّت عندَكم حقيقةُ ما أتيتُكم به، أنه مِن عندِ اللَّهِ، ولم يكُنْ لكم أن تتخيَّروا الآياتِ على ربِّكم، وقد جاءكم مِن الحجةِ على حقيقةِ ما تكذِّبون به، أنه مِن عندِ اللَّهِ، مثلَ الذي تسألون مِن الحجةِ، وترغبون أنكم تصدِّقون بمجيئِها.
وقولُه: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} لقولِه: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} ، وإنما هو: قلْ: فأتوا بعشرِ سورٍ مثلِه مفترياتٍ، إن كنتم صادقين أن هذا القرآنَ افْتَراه محمدٌ، وادعوا مَن استطعتم مِن دونِ اللَّهِ على ذلك، مِن الآلهةِ والأندادِ.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} : قد قالوه. {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} ، وادعوا شهداءَكم. قال: يشهَدون أنها مثلُه. هكذا قال القاسمُ في حديثِه
(2)
.
(1)
في ت 2، ف:"تخلقوا".
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 322، 323 إلى المصنف وأبي الشيخ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه: قل يا محمدُ لهؤلاء المشركين: فإن لم يستَجِبْ لكم من تَدْعون من دونِ اللَّهِ، إلى أن يأتوا بعشرِ سورٍ مثلِ هذا القرآنِ مفترياتٍ، ولم تُطِيقوا أنتم وهم أن تأتوا بذلك، فاعلَموا وأيْقِنوا أنه إنما أُنزِلَ مِن السماءِ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، بعلمِ اللَّهِ وإذنِه، وأن محمدًا لم يَفْتَرِه، ولا يقدِرُ أن يفتريَه، {وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}. يقولُ: وأيقِنوا أيضًا أن لا معبودَ يستحقُّ الأُلوهةَ على الخلْقِ إلا اللَّهُ الذي له الخلْقُ والأمرُ، فاخْلَعوا الأندادَ والآلهةَ، وأفْرِدوا له العبادةَ.
وقد قيل: إن قولَه: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} خطابٌ مِن اللَّهِ لنبيِّه، كأنه قال: فإن لم يستَجِبْ لك هؤلاء الكفارُ يا محمدُ، فاعلَموا أيُّها المشركون أنما أُنزِل بعلمِ اللَّهِ. وذلك تأويلٌ بعيدٌ مِن المفهومِ.
وقولُه: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . يقولُ: فهل أنتم مُذْعِنون للَّهِ بالطاعةِ، ومخلِصون له العبادةَ بعدَ ثبوتِ الحجةِ عليكم؟
وكان مجاهدٌ يقولُ: عَنى بهذا القولِ أصحابَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . قال: لأصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: وحدَّثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ،
عن مجاهدٍ في قولِه: {وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . قال: لأصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
وقيل: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} . والخطابُ في أوّلِ الكلامِ قد جَرَى لواحدٍ، وذلك قولُه:{قُلْ فَأْتُوا} . ولم يقُلْ: فإن لم يستجيبوا لك. على نحوِ ما قد بَيَّنا قبلُ من خطابِ رئيسِ القومِ وصاحبِ أمرِهم، أن العربَ تُخْرِجُ خطابَه أحيانًا مخرَجَ خطابِ الجميعِ، إذا كان خطابُه [خطابًا لأتْباعِه]
(2)
وجندِه، وأحيانًا مخرجَ خطابِ الواحدِ، إذا كان في نفسِه واحدًا.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: من كان يُريدُ بعملِه الحياةَ الدنيا، وإيَّاها
(3)
وزينتها يطلبُ به، نُوَفِّ إليهم أجورَ أعمالِهم فيها وثوابَها، {وَهُمْ فِيهَا}. يقولُ: وهم في الدنيا، {لَا يُبْخَسُونَ}. يقولُ: لا يُنْقَصون أجرَها، ولكنهم يُوَفَّونه فيها.
وبنحوِ الذي قلنا في تأويلِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(1)
تفسير مجاهد ص 385، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2010، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 323 إلى أبي الشيخ.
(2)
في م: "خطاب الأتباع".
(3)
في م: "أثاثها".
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآية: وهي ما يُعْطِيهم اللَّهُ مِن الدنيا بحسَناتِهم، وذلك أنهم لا يُظْلمون نقيرًا. يقولُ: مَن عَمِلَ صالحًا التماسَ الدنيا؛ صومًا أو صلاةً أو تهجُّدًا بالليلِ، لا يعمَلُه إلا لالتماسِ الدنيا، يقولُ اللَّهُ: أُوَفِّيه الذي التمسَ في الدنيا مِن المثابةِ، وحَبِطَ عملُه الذي كان يعمَلُ التماسَ الدنيا، وهو
(1)
في الآخرةِ من الخاسرين
(2)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} . قال: ثوابُ ما عمِلوا في الدنيا مِن خيرٍ أُعْطُوه في الدنيا، وليس لهم في الآخرةِ إلا النارُ وحَبِطَ ما صَنَعوا فيها.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ قولَه:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} . قال: [وَزْنَ ما]
(3)
عَمِلوا مِن خيرٍ أُعْطُوا في الدنيا، وليس لهم في الآخرةِ إلا النارُ، وحَبِطَ ما صَنَعوا فيها. قال: هي مثلُ الآيةِ التي في "الرومِ": {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ}
(4)
[الروم: 39].
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن منصورٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ:
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"هم".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2010، 2011، 2013 عن محمد بن سعد به.
(3)
في م، ف:"وربما".
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2010، والبيهقي في الزهد (11) من طريق منصور، عن سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 323 إلى أبي الشيخ نحوه.
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} . قال: مَن عَمِلَ للدنيا وُفِّيَه في الدنيا
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} . قال: مَن عَمِلَ عملًا مما أَمَر اللَّهُ به؛ مِن صلاةٍ أو صدقةٍ، لا يريدُ بها وجهَ اللَّهِ، أعْطاه اللَّهُ في الدنيا ثوابَ ذلك مثلَ ما أنفقَ، فذلك قولُه:{نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} : في الدنيا، {وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} أجرَ ما عمِلوا فيها، {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} الآية
(2)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن عيسى - يعني ابنَ ميمونٍ - عن مجاهدٍ في قولِه:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} . قال: ممن لا يُقبَلُ منه، جُوزِي به، يُعْطَى ثوابَه
(3)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ يمانٍ، عن سفيانَ، عن عيسى الجُرَشِيِّ، عن مجاهدٍ:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} . قال: ممن لا يُقبَلُ منه، يُعَجَّلُ له في الدنيا
(4)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} . أي: لا يُظْلَمون. يقولُ: مَن كانت الدنيا هَمَّه وسَدَمَه
(5)
، وطَلِبَته ونيتَه، جازاه اللَّهُ
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 519 عن وكيع به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 323 إلى هناد.
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324 إلى أبي الشيخ نحوه.
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 303.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2011 من طريق ابن يمان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324 إلى أبي الشيخ.
(5)
السدم: اللهج والولوع بالشيء. النهاية 2/ 355.
بحسناتِه في الدنيا، ثم يُفْضِي إلى الآخرةِ وليس له حسنةٌ يُعْطَى بها جزاءً، وأما المؤمنُ، فيُجازى بحسناتِه في الدنيا، ويُثابُ عليها في الآخرةِ، {وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}. أي: في الآخرةِ لا يُظلمون
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، وحدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، جميعًا، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} الآية. قال: مَن كان إنما هِمَّتُه الدنيا، إياها يطلُبُ، أعطاه اللَّهُ مالًا، وأعْطاه فيها ما يعيشُ، وكان ذلك قِصاصًا له بعملِه، {وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}. قال: لا يُظْلَمون
(2)
.
قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن ليثِ بنِ أبي سُليمٍ
(3)
، عن محمدِ بنِ كعبٍ القُرَظِيِّ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"من أحسنَ مِن محسنٍ، فقد وَقَعَ أجرُه على اللَّهِ في عاجلِ الدنيا وآجلِ الآخرةِ"
(4)
.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخبَرنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} الآية. يقولُ: مَن عَمِلَ عملًا صالحًا [يريدُ به وجهَ اللَّهِ]
(5)
في غيرِ تقوَى - يعني
(6)
أهلَ الشركِ - أُعْطِي على ذلك أجرًا في الدنيا؛
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2012 من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324 إلى أبي الشيخ.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 302.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"سليمان".
(4)
تفسير عبد الرزاق 1/ 302.
(5)
سقط من: م.
(6)
بعده في م: "من".
يَصِلُ رحِمًا، يُعْطِي سائلًا، يرحَمُ مُضطرًّا، في نحوِ هذا مِن أعمالِ البرِّ، يعجِّلُ اللَّهُ له ثوابَ عملِه في الدنيا؛ يوسِّعُ عليه في المعيشةِ والرزقِ، ويقِرُّ عينَه فيما خَوَّله، ويدفَعُ عنه مِن مكارهِ الدنيا، في نحوِ هذا، وليس له في الآخرةِ مِن
(1)
نصيبٍ
(2)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا حفصٌ بنُ عمرَ أبو عمرَ الضريرُ، قال: ثنا همامٌ، عن قتادةَ، عن أنسٍ في قولِه:{نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} . قال: هي في اليهودِ والنصارى
(3)
.
قال: ثنا حفصُ بنُ عمرَ، قال: ثنا يزيدُ بنُ زريعٍ، عن أبي رجاءٍ الأزديِّ، عن الحسنِ:{نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} . قال: طيباتِهم.
حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابنُ عليةَ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ مثلَه
(4)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ عليةَ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ مثلَه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن وهيبٍ، أنه بَلَغه أن مجاهدًا كان يقولُ في هذه الآيةِ: هم أهلُ الرياءِ، هم أهلُ الرياءِ
(5)
.
قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن حيوةَ بنِ شريحٍ، قال: ثنى الوليدُ بنُ أبي الوليدِ أبو عثمانَ، أن عقبةَ بنَ مسلمٍ حدَّثه، أن شُفَيَّ بنَ ماتعٍ الأصبحيَّ حدَّثه، أنه دخَل
(1)
سقط من: ص، ت 1، س.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2011 من طريق أبي معاذ به.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2010 من طريق حماد، عن قتادة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 323 إلى أبي الشيخ وابن مردويه.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2011 من طريق ابن علية به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324 إلى أبي الشيخ.
(5)
أخرجه نعيم بن حماد في زوائده على الزهد لابن المبارك (60)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 323 إلى أبي الشيخ.
المدينةَ، فإذا هو برجلٍ قد اجتَمع عليه الناسُ، فقال: مَن هذا؟ فقالوا: أبو هريرةَ. فدَنَوتُ منه حتى قعَدتُ بين يديه وهو يحدِّثُ الناسَ، فلما سَكَتَ وخَلَا
(1)
، قلتُ: أنشُدُك بحقِّ وبحقِّ لمَا حدَّثْتَني حديثًا سمِعتَه مِن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَلْتَه وعَلِمْتَه. قال: فقال أبو هريرةَ: أفعَلُ، لأُحدثنَّك حديثًا حدَّثنيه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [ثم نَشَغَ نَشْغَةً
(2)
، ثم أفاقَ، فقال: لأُحدثنَّك حديثًا حدَّثنيه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]
(3)
في هذا البيتِ، ما فيه أحدٌ غيرى وغيرُه. ثم نَشَغَ أبو هريرةَ نشْغةً شديدةً، ثم مالَ
(4)
خارًّا على وجهِه، واشتدَّ به طويلًا، ثم أفاقَ، فقال: حدَّثني رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّهَ تبارك وتعالى إذا كان يومُ القيامةِ نزَل إلى أهلِ
(5)
القيامةِ ليقضِيَ بينَهم، وكلُّ أُمةٍ جاثيةٌ، فأَوَّلُ مَن يُدْعَى به رجلٌ جمَع القرآنَ، ورجلٌ قُتِلَ في سبيلِ اللَّهِ، ورجلٌ كثيرُ المالِ، فيقولُ اللَّهُ للقارِئِ: ألم أُعَلِّمْك ما أنزَلتُ على رَسولي؟ قال: بلى يا ربِّ. قال: فماذا عمِلتَ فيما عُلِّمتَ؟ قال: كنتُ أقومُ آناء الليلِ وآناءَ النهارِ. فيقولُ اللَّهُ له: كَذَبْتَ. وتقولُ له الملائكةُ: كَذَبْتَ. ويقولُ اللَّهُ له
(6)
: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ قارئٌ. فقد قيلَ ذلك. ويُؤْتَى بصاحبِ المالِ، فيقولُ اللَّهُ له: ألم أوسِّعْ عليك حتى لم أدعْك تحتاج إلى أحدٍ؟ قال: بلى يا ربِّ. قال: فماذا عَمِلتَ فيما آتيتُك؟ قال: كنتُ أَصِلُ الرحِمَ وأتصدَّقُ. فيقولُ اللَّهُ له: كذَبْتَ. وتقولُ له الملائكةُ: كذبتَ. ويقولُ اللَّهُ له: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جَوَادٌ. فقد قيلَ ذلك. ويؤتى
(1)
في م: "خلى".
(2)
نشغ نشغة: شهق وغشى عليه والنشغ: الشهيق حتى يكاد يبلغ به الغشى. وإنما يفعل الإنسان ذلك تشوقًا إلى شيء فائت وأسفًا عليه. النهاية 5/ 58.
(3)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"قال".
(5)
سقط من: ص، ت 1، س، ف، وفي ت 2:"يوم".
(6)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
بالذي قُتِلَ في سبيلِ اللَّهِ، فيقالُ له: فيماذا قُتِلتَ؟ فيقولُ: أُمِرْتُ بالجهادِ في سبيلِك، فقاتَلتُ حتى قُتِلتُ. فيقولُ اللَّهُ له: كَذَبْتَ. وتقولُ له الملائكةُ: كذبتَ. ويقولُ اللَّهُ له: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جريءٌ. وقد قيلَ ذلك". ثم ضرَب رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على رُكْبَتي، فقال: "يا أبا هريرةَ، أولئك الثلاثةُ أوّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ لهم النارُ يومَ القيامةِ".
قال الوليدُ أبو عثمانَ: فأخبرَني عقبةُ أن شُفَيًّا هو الذي دَخَلَ على معاويةَ فأخبرَه بهذا.
قال أبو عثمانَ: وحدَّثني العلاءُ بنُ أبي حكيمٍ، أنه كان سيَّافًا لمعاويةَ، قال: فدَخَل عليه رجلٌ، فحدَّثه بهذا عن أبي هريرةَ، فقال أبو هريرةَ: وقد فُعِلَ بهؤلاء هذا، فكيف بمَن بَقِيَ مِن الناسِ؟ ثم بَكَى معاويةُ بكاءً شديدًا حتى ظننا أنه هَلَكَ، وقلنا: هذا الرجلُ شرٌّ
(1)
. ثم أفاقَ معاويةُ ومَسَحَ عن وجهِه، فقال: صَدَقَ اللَّهُ ورسولُه: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَلَهُمْ فِيهَا} . وقرَأ إلى
(2)
: {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
(3)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن عيسى بنِ ميمونٍ، عن مجاهدٍ:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآية. قال: ممن لا يُتقبَّلُ
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"بشر".
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (469)، ومن طريقه البخاري في خلق أفعال العباد (253)، وابن أبي الدنيا في الأهوال (235، 236)، وابن خزيمة (2482)، وابن حبان (408)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (687)، والحاكم 1/ 418، وأبو نعيم في الحلية 5/ 169 وأخرجه الترمذي (2382)، والنسائي في الكبرى - كما في التحفة 10/ 111 - عن سويد به، وأخرجه أحمد 14/ 29 (8277)، ومسلم (1905)، وغيرهما من طريق سليمان بن يسار، عن أبي هريرة بمعناه.
منه؛ يصومُ ويصلي يريدُ به الدنيا، ويدفَعُ عنه وَهْمَ الآخرةِ، {وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}: لا يُنْقَصون
(1)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: هؤلاء الذين ذكرتُ أنَّا نوفِّيهم أجورَ أعمالِهم في الدنيا، {لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ}: يَصْلَونها، {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا}. يقولُ: وذَهَبَ ما عَمِلُوا في الدنيا، {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ؛ لأنهم كانوا يعمَلون لغيرِ اللَّهِ، فأبطَلَه اللَّهُ وأحبَط عاملَه أجرَه
(2)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} .
يقولُ تعالى ذكرُه: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} : قد بَيَّن له دينَه فَتَبَيَّنه، {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} .
واختلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: يعني بقولِه: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} محمدًا صلى الله عليه وسلم.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ خلفٍ، قال: ثنا حسينُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شيبانُ، عن
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2012 من طريق سفيان به، دون أوله. والأثر في تفسير سفيان ص 129 عن مجاهد بمعناه.
(2)
بعده في ص: "ذكر من قال ذلك"، وفي ت 1، س، ف:"ذكر من قال ذلك، كذا وجدت في الأصل"، وفي ت 2:"والله أعلم".
قتادةَ، عن عروةَ، عن محمدِ ابنِ الحنفيةِ، قال: قلتُ لأبي: يا أبتِ، أنت التالي في:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: لا واللَّهِ يا بنيَّ، وَدِدْتُ أني كنتُ أنا هو، ولكنه لسانُه
(1)
.
حدَّثني يعقوبُ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابنُ عليةَ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: لسانُه
(2)
.
حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا ابنُ أبي عديٍّ، عن عوفٍ، عن الحسنِ في قولِه:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: لسانُه.
حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا الحكمُ بنُ عبدِ اللَّهِ أبو النعمانِ العجليُّ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ مثلَه.
حدَّثني عليُّ بنُ الحسنِ الأزديُّ، قال: ثنا المُعافَى بنُ عمرانَ، عن قرةَ بنِ خالدٍ، عن الحسنِ مثلَه.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} : وهو محمدٌ صلى الله عليه وسلم، كان على بينةٍ مِن ربِّه
(3)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن الحسنِ قولَه:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: لسانُه.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2014، والطبراني في الأوسط (6828) من طريق قتادة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324 إلى أبي الشيخ من طريق ابن أبي نجيح، عن الحسن.
(3)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2013 معلقا.
{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: لسانُه هو الشاهدُ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن شعبةَ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ مثلَه.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا غندرٌ، عن عوفٍ، عن الحسنِ مثلَه.
وقال آخرون: يعني بقولِه: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} : محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا ابنُ أبي عديٍّ، عن عوفٍ، عن سليمانَ العلافِ، عن الحسينِ بنِ عليٍّ في قولِه:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: الشاهدُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا غندرٌ، عن عوفٍ، قال: ثنى سليمانُ العلافُ، قال: بلغني أن الحسينَ
(2)
بنَ عليٍّ قال: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
قال: ثنا أبو أسامةَ، عن عوفٍ، عن سليمانَ العلافِ، سمع الحسينَ بنَ عليٍّ:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . يقولُ: محمدٌ هو الشاهدُ مِن اللَّهِ
(3)
.
حدَّثني يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: رسولُ اللَّهِ
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 303 عن معمر به.
(2)
في ص، ت 1، س:"الحسن".
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة 11/ 502، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2014، وابن المقرئ في معجمه (217) من طريق أبي أسامة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ وابن عساكر.
صلى الله عليه وسلم كان على بينةٍ مِن ربِّه، والقرآنُ يتلُوه شاهدٌ
(1)
أيضًا مِن اللَّهِ؛ لأنه
(2)
رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(3)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} . قال: النبيُّ صلى الله عليه وسلم
(4)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن نضرِ بنِ عربيٍّ، عن عكرمةَ مثلَه.
قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ مثلَه
(5)
.
حدَّثنا الحارثُ، قال: ثنا أبو خالدٍ، سمِعتُ سفيانَ يقولُ:{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} . قال: محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: هو عليُّ بنُ أبي طالبٍ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ عُمارةَ الأسديُّ، قال: ثنا رزيقُ بنُ مرزوقٍ، قال: ثنا صباحٌ الفراءُ
(6)
، عن جابرٍ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ نُجيٍّ
(7)
، قال: قال عليٌّ رضي الله عنه: ما مِن
(1)
بعده في م: "منه".
(2)
في م: "بأنه".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2015 من طريق أصبغ عن ابن زيد.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1083 - تفسير) عن جرير به، وأخرجه الثوري في تفسيره ص 129 عن منصور، عن مجاهد، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ، وعزاه أيضًا إلى أبي الشيخ من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد.
(5)
تفسير عبد الرزاق 1/ 303 عن الثوري به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324 إلى أبي الشيخ.
(6)
في م: "الفرائي". وينظر ثقات ابن حبان 8/ 324.
(7)
في م: "يحيى".
رجلٍ مِن قريشٍ إلا وقد نَزَلَت فيه الآيةُ والآيتان. فقال له رجلٌ: فأنتَ فأيُّ
(1)
شيءٍ نَزَلَ
(2)
فيك؟ فقال عليٌّ: أما تقرأُ الآيةَ التي نَزَلَت في "هودَ": {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}
(3)
.
وقال آخرون: هو جبريلُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} أنه كان يقولُ: جبريلُ
(4)
.
حدَّثنا أبو كريبٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابنُ إدريسَ، عن الحسنِ بنِ عبيدِ اللَّهِ، عن إبراهيمَ:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: جبريلُ.
وحدَّثنا به أبو كريبٍ مرّةً أُخرى بإسنادِه عن إبراهيمَ، فقال: قال: يقولون: عليٌّ. إنما هو جبريلُ.
حدَّثنا أبو كريبٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابنُ إدريسَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: هو جبريلُ، تَلا التوراةَ والإنجيلَ والقرآنَ، وهو الشاهدُ مِن اللَّهِ
(5)
.
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أي".
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"نزلت".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - 6/ 2014، 2015 من طريق آخر عن علي معلقًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324 إلى ابن مردويه، وأبي نعيم في المعرفة بزيادة:"رسول الله صلى الله عليه وسلم على بينة من ربه، وأنا شاهد منه"، وعزاه إلى ابن مردويه مرفوعًا بهذه الزيادة. وجابر الجعفي ضعيف. قال ابن كثير في تفسيره 4/ 246: وقيل: هو علي. وهو ضعيف لا يثبت له قائل.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2014 من طريق قتادة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324 إلى أبي الشيخ، من طريق ابن أبي نجيح، قال: ذكر عكرمة عن ابن عباس.
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2014 من طريق ابن إدريس به، وأخرجه الثوري في تفسيره =
حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ. وحدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ المُخرِّميُّ، قال: ثنا جعفرُ بنُ عونٍ، قال: ثنا سفيانُ. وحدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ. وحدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نعيمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: جبريلُ
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ مثلَه.
قال: ثنا سهلُ بنُ يوسفَ، قال: ثنا شعبةُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ مثلَه.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ مثلَه.
قال: ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: جبريلُ.
قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن إسرائيلَ، عن السديِّ، عن أبي صالحٍ:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: جبريلُ
(2)
.
قال: ثنا أبو معاويةَ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: جبريلُ
(3)
.
حُدِّثتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ، قال: أخبَرنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ
= ص 129، وسعيد بن منصور في سننه (1082 - تفسير) من طريق منصور عن مجاهد.
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 303.
(2)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2014 معلقًا.
(3)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2014 معلقًا.
رَبِّهِ}: يعني محمدًا، هو على بينةٍ مِن اللَّهِ، {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}: جبريلُ شاهدٌ مِن اللَّهِ، يتلو على محمدٍ ما بُعِثَ به
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن أبي جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ، قال: هو جبريلُ
(2)
.
قال: ثنا أبي، عن نضرِ بنِ عربيٍّ، عن عكرمةَ، قال: هو جبريلُ
(2)
.
قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ، قال: جبريلُ.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} : يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم على بينةٍ مِن ربِّه، {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}: فهو جبريلُ، شاهدٌ مِن اللَّهِ بالذي يتلو مِن كتابِ اللَّهِ الذي أُنزِل على محمدٍ. قال: ويقالُ: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . يقولُ: يحفَظُه المَلَكُ الذي معه
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو النعمانِ عارمٌ، قال: ثنا حمادُ بنُ زيدٍ، عن أيوبَ، قال: كان مجاهدٌ يقولُ في قولِه: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} . قال: يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}. قال: جبريلُ
(4)
.
وقال آخرون: هو مَلَكٌ يحفَظُه.
(1)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2013 معلقًا، مقتصرًا على أوله.
(2)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2014 معلقًا.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2014 عن محمد بن سعد به، دون آخره، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه، بزيادة في آخره.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1081 - تفسير) عن حماد به دون أوله وبزيادة في آخره.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: معه حافظٌ من اللَّهِ، مَلَكٌ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ هارونَ وسُوَيدُ بنُ عمرٍو، عن حمادِ بنِ سَلَمةَ، عن أيوبَ، عن مجاهدٍ:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: مَلَكٌ يحفَظُه.
قال: ثنا محمدُ بنُ بكرٍ، عن ابنِ جريجٍ، عمن سمِع مجاهدًا:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: الملَكُ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} : يتبَعُه حافِظٌ مِن اللَّهِ، مَلَكٌ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجاجُ بنُ المنهالِ، قال: ثنا حمادٌ، عن أيوبَ، عن مجاهدٍ:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: المَلَكُ يحفظُه، {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة: 121]. قال: يَتَّبِعونه حقَّ اتباعِه
(2)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ:{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قال: حافظٌ مِن اللَّهِ، مَلَكٌ.
وأولى هذه الأقوالِ التي ذكرناها بالصوابِ في تأويلِ قولِه: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} . قولُ مَن قال: هو جبريلُ؛ لدلالةِ قولِه: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً} . على صحةِ ذلك. وذلك أن نبيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لم يتلُ قبلَ القرآنِ كتابَ
(1)
تفسير مجاهد ص 386، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2014، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
(2)
تقدم آخره في 2/ 491.
موسى، فيكونَ ذلك دليلًا على صحةِ قولِ مَن قال: عُنِي به لسانُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أو
(1)
محمدٌ نفسُه، أو عليٌّ. على قولِ مَن قال: عُنِي به عليٌّ. ولا يُعْلَمُ أن أحدًا كان تلا ذلك قبلَ القرآنِ أو جاء به ممن ذَكَرَ أهلُ التأويلِ أنه عُنِي بقولِه: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} غيرُ جبريلَ عليه السلام.
فإن قال قائلٌ: فإن كان ذلك دليلَك على أن المَعْنيَّ به جبريلُ، فقد يجِبُ أن تكونَ القراءةُ في قولِه:{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى} . بالنصبِ؛ لأن معنى الكلامِ على ما تأوَّلتَ يجِبُ أن يكونَ: ويتلو القرآنَ شاهدٌ مِن اللَّهِ، ومِن قبلِ القرآنِ كتابَ موسى؟
قيل: إن القرأةَ في الأمصارِ قد أجمَعت على قراءةِ ذلك بالرفعِ، فلم يكُنْ لأحدٍ خلافُها، ولو كانت القراءةُ جاءت في ذلك بالنصبِ، كانت قراءةً صحيحةً ومعنًى صحيحًا.
فإن قال: فما وجهُ رفعِهم إذن "الكتابَ"، على ما ادَّعيتَ مِن التأويلِ؟
قيل: وجهُ رفعِهم هذا أنهم ابتدءوا الخبرَ عن مجيءِ كتابِ موسى قبلَ كتابِنا المنزَّلِ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فرفَعوه بـ:{وَمِنْ قَبْلِهِ}
(2)
، والقراءةُ كذلك، والمعنى الذي ذكرتُ مِن معنى تلاوةِ جبريلَ ذلك قبلَ القرآنِ، وأن المرادَ من معناه ذلك، وإن كان الخبرُ مستأنفًا على ما وصَفتُ، اكتفاءً بدلالةِ الكلامِ على معناه.
وأما قولُه: {إِمَامًا} . فإنه نَصْبٌ على القطْعِ مِن {كِتَابُ مُوسَى} . وقولُه: {وَرَحْمَةً} . عَطْفٌ على الإمامِ، كأنه قيلَ: ومِن قبلِه كتابُ موسى إمامًا لبني إسرائيلَ يأتمُّون به، ورحمةً لهم
(3)
مِن اللَّهِ تَلاه على موسى.
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"و".
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"وفيه".
(3)
سقط من: ت 1، س، ف.
كما حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ في قولِه:{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى} . قال: مِن قبلِه جاء بالكتابِ إلى موسى
(1)
.
وفي الكلام محذُوفٌ قد تُرِكَ ذكرُه اكتفاءً بدلالةِ ما ذُكِرَ عليه منه، وهو:{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً} ، كمَن هو في الضلالةِ مُتَرَدِّدٌ، لا يهتَدِي لرُشْدٍ، ولا يعرِفُ حقًّا مِن باطلٍ، ولا يطلُبُ بعمَلِه إلا الحياةَ الدنيا وزينتَها. وذلك نظيرُ قولِه:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. والدليلُ على حقيقةِ ما قلنا في ذلك أن ذلك عَقِيبَ قولِه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} الآية. ثم قيلَ: أهذا خيرٌ أمَّن كان على بينةٍ مِن ربِّه؟ والعرَبُ تفعَلُ ذلك كثيرًا، إذا كان فيما ذَكَرَت دلالةٌ على مرادِها على ما حَذَفَت، وذلك كقولِ الشاعرِ
(2)
:
فأُقْسِمُ
(3)
لو شيءٌ أَتَانا رسولُهُ
…
سِوَاكَ ولكنْ لم نَجِدْ لكَ مَدْفَعَا
وقولُه: {أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} . يقولُ: هؤلاء الذين ذكرتُ يُصَدِّقون ويُقِرُّون به، إن كَفَرَ به هؤلاء المشركون الذين يقولون: إن محمدًا افْتَراه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2015 من طريق وكيع به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 324، 325 إلى أبي الشيخ.
(2)
هو امرؤ القيس، والبيت في ديوانه ص 242.
وقد ذكر البغدادي في الخزانة 10/ 85 أن الجواب مذكور في البيت بعده، وهو:
إذن لرددناه ولو طال مكثه
…
لدينا ولكنا بحبك وُلَّعا
وقال: وعذرهم في تقدير الجواب أن هذا البيت ساقط في أكثر الروايات، وقد ذكره الزجاجي في "أماليه الصغرى والكبرى" في جملة أبيات ثمانية رواها عن المبرد من قصيدة لامرئ القيس.
(3)
في الديوان: "أجدّك".
تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: {وَمَنْ يَكْفُرْ} بهذا القرآنِ، فيجحَدْ أنه مِن عندِ اللَّهِ، {مِنَ الْأَحْزَابِ} ، وهم المُتَحَزِّبةُ على مِلَلِهم، {فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}: أنه يصيرُ إليها في الآخرةِ بتكذيبِه. يقولُ اللَّهُ لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} . يقولُ: فلا تَكُ في شكٍّ منه، مِن أن موعِدَ مَن كَفَرَ بالقرآنِ مِن الأحزابِ النارُ
(1)
، وأن هذا القرآنَ الذي أنزَلناه إليك مِن عندِ اللَّهِ.
ثم ابتَدَأ جلّ ثناؤُه الخبرَ عن القرآنِ، فقال: إن هذا القرآنَ الذي أنزلناه إليك يا محمدُ الحقُّ مِن ربِّك لا شكَّ فيه، ولكن أكثرَ الناسِ لا يُصدِّقون بأن ذلك كذلك.
فإن قال قائلٌ: أوَ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في شَكٍّ مِن أن القرآنَ مِن عندِ اللَّهِ، وأنه حَقٌّ، حتى قيل له:{فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} ؟
قيلَ: هذا نظيرُ قولِه: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} [يونس: 94]. وقد بَيَّنَّا ذلك هنالك
(2)
.
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، قال: ثنا أيوبُ، قال: نُبِّئتُ أن سعيدَ بنَ جبيرٍ قال: ما بَلَغَني حديثٌ عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على وَجْهِه إلا وجَدتُ مِصْداقَه في كتابِ اللَّهِ تعالى، حتى قال: "لا يسمَعُ بي أحدٌ مِن هذه الأمةِ، ولا
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
ينظر ما تقدم في ص 287، 288.
يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثم لا يؤمِنُ بما أُرسِلتُ به، إلا دَخَل النارَ". قال سعيدٌ: فقلتُ: أين هذا في كتابِ اللَّهِ؟ حتى أتيتُ على هذه الآيةِ: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} . قال: مِن أهلِ المللِ كلِّها
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ المُخرِّميُّ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا جعفرُ بنُ عونٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن أيوبَ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ في قولِه:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ} . قال: مِن المِلَلِ كلِّها.
حدَّثني يعقوبُ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، قال: ثنا أيوبُ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، قال: كنتُ لا أسمَعُ بحديثٍ عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على وَجْهِه إلا وجدتُ مِصْداقَه - أو قال: تَصْديقَه - في القرآنِ، فبَلَغني أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"لا يسمَعُ بي أحدٌ مِن هذه الأمةِ، ولا يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثم لا يؤمنُ بما أُرْسِلْتُ به، إلا دَخَلَ النارَ". فجعَلتُ أقولُ: أين مِصْداقُها؟ حتى أتيْتُ على هذه: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} . إلى قولِه: {فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} . قال: فالأحزابُ المِلَلُ كلُّها.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، قال: ثنى أيوبُ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ما مِن أحدٍ يسمَعُ بي مِن هذه الأمةِ، ولا يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، فلا يؤمنُ بي، إلا دَخَلَ النارَ". فجعَلتُ أقولُ: أين مِصْداقُها في كتابِ اللَّهِ؟ قال: وقَلَّما سمِعتُ حديثًا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2015 من طريق ابن بشار به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 325 إلى المصنف وابن أبي حاتم والحاكم من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وهو عند الحاكم 2/ 342 من طريق معمر.
وجَدتُ له تصديقًا في القرآنِ، حتى وجَدتُ هذه الآياتِ:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ} : المِللِ كلِّها
(1)
.
قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ} . قال: الكفارُ أحزابٌ، كلُّهم على الكفرِ
(2)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} [الرعد: 36]. أي: يكفُرُ ببعضِه، وهم اليهودُ والنصارى. قال: بَلَغنا أن نبيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ: "لا يسمَعُ بي أحدٌ مِن هذه الأمةِ، ولا يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثم يموتُ قبلَ أن يؤمِنَ بي، إلا دَخَلَ النارَ"
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا يوسفُ بنُ عديٍّ النضْريُّ
(4)
: قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن شعبةَ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن أبي موسى الأشعريِّ، أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"مَن سَمِعَ بي مِن أمتي، أو يهوديٌّ أو نصرانيٌّ، فلم يؤمنْ بي، لم يدخلِ الجنةَ"
(5)
.
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 303، 304 عن معمر به، وأخرجه الحاكم 2/ 342 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي عمرو البصري، عن سعيد، عن ابن عباس. وأيوب بصري يكنى أبا بكر.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 303 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 325 إلى أبي الشيخ.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2016 من طريق خليد وسعيد بن بشير، عن قتادة، في قوله:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ} ، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 325 إلى أبي الشيخ، دون المرفوع.
(4)
في ت 1، ت 2:"البصري"، وفي ف:"النصري"، وغير منقوطة في: ص. ويوسف بن عدي كوفي سكن مصر، فلعل صوابه: المصري ينظر تهذيب الكمال 32/ 438.
(5)
إسناده منقطع؛ سعيد لم يسمع من أبي موسى، وأخرجه الطيالسي (511)، وأحمد 4/ 396، 398 (الميمنية)، والبزار (3050)، والنسائي في الكبرى (11241)، والروياني في مسنده (526)، وأبو نعيم في الحلية 4/ 308 من طريق شعبة به، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (1084 - تفسير)، ومسدد في مسنده - كما في الإتحاف بذيل المطالب (5344) - من طريق أبي بشر به. وعزاه السيوطي =
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وأيُّ الناسِ أشدُّ تعدِّيًا
(1)
ممن اخْتَلق على اللَّهِ كذبًا، فكَذَب عليه، {أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ} . يقولُ
(2)
: هؤلاء الذين يكذِبون على ربِّهم يُعْرَضون يومَ القيامةِ على ربِّهم، فيسألُهم عما كانوا في دارِ الدنيا يعمَلون.
كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ قولَه:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} . قال: الكافرُ والمنافقُ، {أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ} فيسألُهم عن أعمالِهم
(3)
.
وقولُه: {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ} : يعني الملائكةَ والأنبياءَ الذين شَهِدوهم، وحَفِظوا عليهم ما كانوا يعمَلون. وهم جمعُ شاهدٍ، مثلُ الأصحابِ الذي هو جمعُ صاحبٍ، {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ}. يقولُ: شَهِدَ هؤلاء الأشهادُ في الآخرةِ على هؤلاء المُفْتَرِين على اللَّهِ في الدنيا، فيقولون
(4)
: هؤلاء الذين كَذَبوا
= في الدر المنثور 3/ 325 إلى ابن المنذر والطبراني وابن مردويه. وعند سعيد والسيوطي زيادة قول سعيد كما في الآثار قبله.
(1)
في م، ت 1، س، ف:"تعذيبا".
(2)
في م: "ويقول الأشهاد".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2016 من طريق آخر عن ابن جريج، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 325 إلى أبي الشيخ.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فيقول".
في الدنيا على ربِّهم. يقولُ اللَّهُ: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} . يقولُ: ألَا غضَبُ اللَّهِ على المعتدين الذين كفَروا بربِّهم.
وبنحوِ ما قلنا في قولِه: {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ} . قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا [ابنُ نميرٍ]
(1)
، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ} . قال: الملائكةُ
(2)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الملائكةُ.
حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ} : والأشهادُ الملائكةُ، يَشْهدون علي بني آدمَ بأعمالِهم
(3)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{الْأَشْهَادُ} ، قال: الخلائقُ. أو قال: الملائكةُ.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ بنحوِه
(4)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ:{وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ} : الذين كانوا يَحْفَظون أعمالَهم عليهم في الدنيا، {هَؤُلَاءِ
(1)
في م: "نمير بن نمير".
(2)
تفسير مجاهد ص 386، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2017، وفيه زيادة.
(3)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 325 إلى أبي الشيخ.
(4)
تفسير عبد الرزاق 1/ 304.
الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ}: حَفِظوه وشَهِدوا به عليهم يومَ القيامةِ. قال ابنُ جريجٍ: قال مجاهدٌ: الأشْهادُ الملائكةُ.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، قال: سألتُ الأعمشَ عن قولِه: {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ} . قال: الملائكةُ
(1)
.
حُدِّثتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ، قال: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ} : يعني الأنبياءَ والرسلَ، وهو قولُه:{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ} [النحل: 89]. قال: وقولُه: {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ} : يقولون: يا ربَّنا، أتيناهم بالحقِّ فَكَذَّبوا، فنحن [نشهَدُ عليهم]
(2)
أنهم كَذَبوا عليك يا ربَّنا
(3)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا ابنُ أبي عَدِيٍّ، عن سعيدٍ وهشامٍ، عن قتادةَ، عن صفوانَ بنِ مُحرِزٍ المازنيِّ
(4)
، قال: بَيْنا نحن بالبيتِ مع عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ وهو يطوفُ، إذ عَرَضَ له رجلٌ، فقال: يا بنَ عمرَ، ما سمِعتَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ في النَّجْوى؟ فقال: سمِعتُ نبيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "يَدْنو المؤمنُ
(5)
مِن ربِّه حتى يَضَعَ عليه كَنَفَه، فيُقَرِّرُه بذنوبِه، فيقولُ: هل تعرِفُ كذا؟ فيقولُ: ربِّ أعرِفُ. مرتين، حتى إذا بلَغ به ما شاء اللَّهُ أن يَبْلُغَ، قال: فإني قد سترتُها عليك في الدنيا، وأنا
(1)
ذكره القرطبي في تفسيره 9/ 18 عن سفيان به.
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2017 من طريق أبي معاذ به، دون آية النحل.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"البازي".
(5)
في ص، س:"المرء"، وفي ف:"العبد".
أَغْفِرُها لك اليومَ. قال: فيُعْطَى صحيفةَ حسناتِه - أو كتابَه - بيمينِه، وأما [الكفارُ والمنافقون]
(1)
، فيُنادَى بهم على رءوسِ الأشهادِ: أَلَا هؤلاء الذين كَذَبوا على ربِّهم، ألا لعنةُ اللَّهِ على الظالمين"
(2)
.
حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابنُ عليةَ، قال: ثنا هشامٌ، عن قتادةَ، عن صفوانَ بنِ مُحرِزٍ، عن ابنِ عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوَه.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: كنَّا نُحدِّثُ أنه لا يُخْزَى يومَئذٍ أحدٌ فيَخْفَى خِزْيُه على أحدٍ ممن خَلَقَ اللَّهُ أو الخلائقِ
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ألَا لعنةُ اللَّهِ على الظالمين الذين يصدُّون الناسَ عن الإيمانِ به، والإقرارِ له بالعبودةِ، وإخلاصِ العبادةِ له دونَ الآلهةِ والأندادِ مِن مشركي قريشٍ، وهم الذين كانوا يَفْتِنون عن الإسلامِ مَن دَخَلَ فيه. {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا}. يقولُ: ويلتمسون سبيلَ اللَّهِ - وهو الإسلامُ الذي دَعا الناسَ إليه محمدٌ صلى الله عليه وسلم يقولُ: زيغًا وميلًا عن الاستقامةِ. {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} . يقولُ: وهم بالبعثِ بعدَ المماتِ، مع صدِّهم عن سبيلِ اللَّهِ، وبغيِهم إياها عوجًا {كَافِرُونَ} يقولُ: هم جاحدون ذلك منكِرون.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الكافر والمنافق".
(2)
تقدم تخريجه في 5/ 145.
(3)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 325 إلى المصنف وابن مردويه، وأخرجه أحمد 10/ 84، 85 (5825) والطرسوسي في مسند ابن عمر (26)، وأبو نعيم في الحلية 2/ 216 من طريق سعيد به دون قوله:"كنا نحدث".
لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)}.
يعني
(1)
جلَّ ذكرُه بقولِه: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} هؤلاء الذين وَصَفَ، جلَّ ثناؤُه، أنهم يَصُدُّون عن سبيلِ اللَّهِ، يقولُ جلَّ ثناؤُه: إنهم لم يكونوا بالذين يُعْجِزون ربَّهم، بهربِهم منه في الأرضِ إذا أراد عقابَهم والانتقامَ منهم، ولكنهم في قَبْضتِه ومِلْكِه، لا يَمْتَنِعون منه إذا أرادهم، ولا يَفُوتُونه هَرَبًا إِذا طَلَبَهم، {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ}. يقولُ: ولم يكنْ لهؤلاء المشركين إذا أراد عقابَهم مِن دونِ اللَّهِ، أنصارٌ يَنْصرونهم مِن اللَّه، ويَحُولون بينَهم وبينَه إذا هو عذَّبهم، وقد كانت لهم في الدنيا [مَنَعَةٌ يمتنعون]
(2)
بها ممن أرادهم من الناس بسوءٍ.
وقولُه: {يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ} . يقولُ تعالى ذكرُه: يُزادُ في عذابِهم، فيُجْعلُ لهم مكانَ الواحدِ اثنان.
وقولُه: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} فإنه اخْتُلِف في تأويلِه.
فقال بعضُهم: ذلك وَصْفٌ
(3)
، وَصَفَ اللَّهُ به هؤلاء المشركين، أنه قد ختَم على سمعِهم وأبصارِهم، وأنهم لا يسمعون الحقَّ، ولا يُبْصِرون حُجَجَ اللَّهِ، سَماعَ مُنْتَفِعٍ، ولا إبصارَ مهتدٍ.
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"يقول".
(2)
في ص، س، ف:"منفعة يمتنعون"، وفي ت 1:"منفعة ينتفعون"، وفي ت 2:"منعة يمنعون".
(3)
سقط من: ص، م، ت 2، س، ف.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} : صُمٌّ عن الحقِّ فما يَسْمعونه، بُكْمٌ فما يَنْطِقون به، عُمْيٌ فلا يُبْصِرُونه ولا يَنْتَفِعون به
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} . قال: ما كانوا يستطيعون أن يَسْمعوا خيرًا
(2)
فيَنْتفِعوا به، ولا يُبْصِروا خيرًا
(3)
فيأخذوا به
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ، قال: أخبرَ اللَّهُ سبحانه أنه حالَ بينَ أهلِ الشركِ وبين طاعتِه في الدنيا والآخرةِ؛ أما في الدنيا، فإنه قال:{مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} ، وهي طاعتُه، {وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} . وأما في الآخرة، فإنه قال:{فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً}
(5)
[القلم: 42، 43].
وقال آخرون: إنما عَنَى بقولِه: {وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ} آلهةَ الذين يصدُّون عن سبيلِ اللَّهِ. وقالوا: معنى الكلامِ: أولئك وآلهتُهم لم يكونوا
(1)
تقدم تخريجه في 1/ 348.
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س:"خبرًا"، وينظر مصادر التخريج.
(3)
في ت 2: "خبرا" وينظر مصادر التخريج.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2019، من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 304 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى أبي الشيخ.
(5)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى المصنف وأبي الشيخ.
مُعْجِزين في الأرضِ، {يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} ، يعني الآلهةَ، أنها لم يكنْ لها سمعٌ ولا بصرٌ. وهذا قولٌ رُوِيَ عن ابنِ عباسٍ مِن وجهٍ كَرِهْتُ ذكرَه لضعفِ سَنَدِه.
وقال آخرون: معنى ذلك: يُضاعَفُ لهم العذابُ بما كانوا يستطيعون السمعَ ولا يَسْمَعونه، وبما كانوا يُبْصِرون ولا يَتأمَّلون
(1)
حججَ اللَّهِ بأعينِهم فيَعْتَبِروا بها. قالوا: والباءُ كان ينبغي لها أن تدخلَ؛ لأنه قد قال: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 10]. بكذبِهم، في غيرِ موضعٍ مِن التنزيلِ، أُدخِلت فيه الباءُ، وسقوطُها جائزٌ في الكلامِ، كقولِك في الكلامِ:[لأجزينَّك بما عمِلتَ، وما عمِلتَ]
(2)
. وهذا قولٌ قاله بعضُ أهلِ العربيةِ.
والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا ما قاله ابنُ عباسٍ وقتادةُ، مِن أنَّ اللَّهَ وَصَفَهم، تعالى ذكرُه، بأنهم لا يستطيعون أن يَسْمَعوا الحقَّ سماعَ مُنْتفِعٍ، ولا يُبْصِرونه إبصارَ مهتدٍ؛ لاشتغالِهم بالكفرِ الذي كانوا عليه مُقِيمين، عن استعمالِ جوارحِهم في طاعةِ اللَّهِ، وقد كانت لهم أسماعٌ وأبصارٌ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: هؤلاء الذين هذه صفتُهم، هم الذين غَبَنُوا أنفسهم
(1)
في ت 1، س:"يتلون".
(2)
في النسخ: "لاحت بما فيك ما عملت، وبما علمت". ولعله خطأ، والمثبت من معاني القرآن 2/ 8.
حظوظَها مِن رحمةِ اللَّهِ، {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} وبَطَلَ كذبُهم وإفكُهم وفِرْيتُهم على اللَّهِ، بادِّعائِهم له شركاءَ، فَسَلَكَ ما كانوا يَدْعونه إلهًا مِن دونِ اللَّهِ غيرَ مسلكِهم، وأخَذ طريقًا غيرَ طريقِهم، فَضَلَّ عنهم؛ لأنه سَلَكَ بهم إلى جهنمَ، وصارت آلهتُهم عدمًا لا شيءَ؛ لأنها كانت في الدنيا حجارةً أو خشَبًا أو نُحاسًا، أو كان للَّهِ وليًّا، فسَلَكَ به إلى الجنةِ، وذلك أيضًا غيرُ مسلكِهم، وذلك أيضًا ضلالٌ عنهم.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: حقًّا إن هؤلاء القومَ الذين هذه صفتُهم في الدنيا، في الآخرةِ هم الأخسرون، الذين قد باعوا منازلَهم مِن الجنانِ بمنازلِ أهلِ الجنةِ مِن النارِ، وذلك هو الخسرانُ المبينُ. وقد بَيَّنا فيما مَضَى أن معنى قولِهم: جَرمْتُ. كسبتُ الذنبَ وجرَّمْتُه
(1)
، وإن العربَ كثر استعمالُها إياه في مواضعِ الأيمانِ، وفي مواضعِ "لا بدَّ"، كقولِهم: لا جَرَمَ أنك ذاهبٌ. بمعنى: "لا بدَّ"، حتى استعملوا ذلك في مواضعِ التحقيقِ، فقالوا: لا جرمَ ليقومنَّ. بمعنى: حقًّا ليقومنَّ، فمعنى الكلامِ: لا مَنْعَ عن أنهم، ولا صَدَّ عن أنهم
(2)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: إن الذين صَدَّقوا اللَّهَ ورسولَه، وعَمِلوا في الدنيا بطاعةِ اللَّهِ، وأَخْبَتوا إلى ربِّهم.
(1)
في م: "أجرمته". وينظر لسان العرب (ج ر م). وما تقدم في 8/ 44، 45.
(2)
ينظر معاني القرآن 2/ 8، 9.
واختَلَف أهلُ التأويلِ في معنى الإخباتِ. فقال بعضُهم: معنى ذلك: وأنابوا إلى ربِّهم.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} . قال: الإخباتُ الإنابةُ
(1)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} . يقولُ: وأنابوا إلى ربِّهم
(2)
.
وقال آخرون: معنى ذلك: وخافوا.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه:{وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} . يقول: خافوا
(3)
.
وقال آخرون: معناه: اطمأنوا.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثني
(1)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى المصنف.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2020 من طريق سعيد به.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2019 من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى أبي الشيخ.
المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} . قال: اطمأنوا
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
وقال آخرون: معنى ذلك: خَشَعوا.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} : الإخباتُ: التخشُّعُ والتواضعُ
(2)
.
قال أبو جعفرٍ: وهذه الأقوالُ متقاربةُ المعاني، وإن اختلفت ألفاظُها؛ لأن الإنابةَ إلى اللَّهِ مِن خوفِ اللَّهِ، ومِن الخشوعِ والتواضعِ للَّهِ بالطاعةِ، والطمأنينةُ إليه مِن الخشوعِ له. غيرَ أن نفسَ الإخْباتِ عندَ العربِ الخشوعُ والتواضعُ. وقال:{إِلَى رَبِّهِمْ} . ومعناه: وأَخْبَتوا لربِّهم، وذلك أن العربَ تضعُ اللامَ موضعَ "إلى" و"إلى" موضعَ اللامِ كثيرًا، كما قال تعالى:{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة: 5]. بمعنى: أوحى إليها. وقد يجوزُ أن يكونَ قيل ذلك كذلك؛ لأنهم وُصِفوا بأنهم
(1)
تفسير مجاهد ص 386، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2019، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى أبي الشيخ.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2020، من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 304 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى أبي الشيخ.
عَمَدوا بإِخْباتِهم إلى اللَّهِ.
وقولُه: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . يقولُ: هؤلاء الذين هذه صفتُهم، هم سكانُ الجنةِ الذين لا يخرجُون عنها، ولا يموتون فيها، ولكنهم فيها لابِثُون إلى غيرِ نهايةٍ.
القولُ في تأويلِ قولهِ تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: مَثَلُ فريقي الكفرِ والإيمانِ كمثل الأعمى الذي لا يَرَى بعَيْنَيه
(1)
شيئًا
(2)
، والأصمِّ الذي لا يسمعُ شيئًا، فكذلك فريقُ الكفرِ لا يُبْصِرُ الحقَّ فيتَّبِعَه ويعملَ به؛ لشغلِه بكفرِه باللَّهِ، وغَلَبَةِ خِذْلانِ اللَّهِ عليه، لا يسمعُ داعيَ اللَّهِ إلى الرشادِ، فيُجيبَه إلى الهدى فيهتديَ به، فهو مُقيمٌ في ضلالتِه، يتردَّدُ في حَيْرتِه. {وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ} ، فكذلك
(3)
فريقُ الإيمانِ، أبصَرَ حُجَجَ اللَّهِ، وأقرَّ بما دَلَّت عليه مِن توحيد اللَّهِ، والبراءةِ مِن الآلهةِ والأندادِ، ونبوَّةِ الأنبياءِ، عليهم السلام، وسمِعَ داعيَ اللَّهِ فأجابَه، وعَمِلَ بطاعةِ اللَّهِ.
كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ} . قال: الأعمى والأصمُّ: الكافرُ. والبصيرُ والسميعُ: المؤمنُ
(4)
.
(1)
في م: "بعينه".
(2)
سقط من: ت 1، ت 2.
(3)
كذا في ص، م، ت 1، س، ف، وفي ت 2:"فلذلك"، ولعل صوابها:"فذلك". وينظر تعليق الشيخ شاكر 15/ 291.
(4)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى المصنف وأبي الشيخ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ} : الفريقان، الكافران و
(1)
المؤمنان. فأما الأعمى والأصمُّ فالكافران، وأما البصيرُ والسميعُ فهما المؤمنان.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ} الآية، هذا مَثَلٌ ضَرَبَه اللَّهُ للكافرِ والمؤمنِ، فأما الكافرُ فصَمَّ عن الحقِّ فلا يسمعُه، وعَمِيَ عنه فلا يُبْصِرُه. وأما المؤمنُ فسَمِعَ الحقَّ فانتَفَع به، وأبصَرَه فوَعاه وحَفِظَه وعَمِل به.
يقولُ تعالى: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} ، يقولُ: هل يستوي هذان الفريقان، على اختلافِ حالتَيهما في أنفسِهما عندَكم أيُّها الناسُ؟ فإنهما لا يستويان عندَكم فكذلك حالُ الكافرِ والمؤمنِ لا يستويان عندَ اللَّهِ. {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} يقولُ، جلَّ ثناؤُه: أفلا تَعْتَبِرون أيُّها الناسُ وتتفكرون، فتَعْلَموا حقيقةَ اختلافِ أمرَيهما، فتَنْزجِروا عما أنتم عليه مِن الضلالِ إلى الهدى، ومِن الكفرِ إلى الإيمانِ؟ فالأعمى والأصمُّ والبصيرُ والسميعُ في اللفظِ أربعةٌ، وفي المعنى اثنان، ولذلك قيل:{هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} ، وقيل:{كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ} ، والمعنى: كالأعمى الأصمِّ. وكذلك قيل: {وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ} ، والمعنى: البصيرِ السميعِ. كقولِ القائلِ: قام الظريفُ والعاقلُ. وهو يَنْعَتُ بذلك شخصًا واحدًا.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)} .
(1)
سقط من: م.
يقولُ تعالى ذكرُه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ [إِنِّي لَكُمْ} أيُّها القومُ]
(1)
{نَذِيرٌ} مِن اللَّهِ، أُنذرُكم بأسَه على كفرِكم به، فآمِنوا به وأطِيعوا أمرَه. ويعني بقولِه:{مُبِينٌ} : يُبِينُ لكم عما أُرسِل به إليكم، مِن أمرِ اللَّهِ ونهيِه.
واختلفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: {إِنِّي} ؛ فقرَأ ذلك عامة قرأةِ الكوفةِ وبعضُ المدنيين بكسرِ "إن" على وجهِ الابتداءِ
(2)
؛ إذ كان في الإرسالِ معنى القولِ. وقرَأ ذلك بعضُ قرَأةِ أهلِ المدينةِ والكوفةِ والبصرةِ بفتحِ "إن"
(3)
على إعمالِ الإرسالِ فيها، كأن معنى الكلامِ عندَهم: لقد أرسلنا نوحًا إلى قومِه بأني لكم نذيرٌ مبينٌ.
والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندي أن يقالَ: إنهما قراءتان متَّفِقَتا المعنى، قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما جماعةٌ من القرأةِ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ كان مصيبًا للصوابِ في ذلك.
وقولُه: {أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} . فمَن كَسَر الألفَ في قوله: {إِنِّي} . جعَل قولَه: {أَرْسَلْنَا} عاملًا في "أنْ" التي في قولِه: {أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} . ويصيرُ المعنى حينَئذٍ: ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومِه، أن لا تعبدوا إلا اللَّهَ، وقلْ لهم:{إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} . ومَن فَتَحها رَدَّ "أنْ" في قولِه: {أَنْ لَا تَعْبُدُوا} عليها، فيكونُ المعنى حينَئذٍ: لقد أرسلنا نوحًا إلى قومِه بأني لكم نذيرٌ مبينٌ، بأن لا تعبدوا إلا اللَّهَ.
ويعني بقولِه: بأن لا تعبدوا إلا اللَّهَ: أيُّها الناسُ، اتركوا
(4)
عبادةَ الآلهةِ
(1)
سقط من: ت 1.
(2)
هي قراءة نافع وابن عامر وعاصم وحمزة. ينظر السبعة ص 332، وحجة القراءات ص 337، والتيسير ص 101.
(3)
هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي، وتنظر المصادر السابقة.
(4)
زيادة يستقيم بها الكلام، وينظر التبيان 5/ 469.
والأوثانِ، وإشراكَها في عبادتِه، وأفْرِدوا اللَّهَ بالتوحيدِ، وأخْلِصوا له العبادةَ، فإنه لا شريكَ له في خَلْقِه. وقولُه:{إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} . يقولُ: إني، أيُّها القومُ، إن لم تَخُصُّوا
(1)
اللَّهَ بالعبادةِ، وتُفْرِدوه بالتوحيدِ، وتَخْلعوا
(2)
ما دونَه مِن الأندادِ والأوثانِ - أخافُ عليكم مِن اللَّهِ عذابَ يومٍ مؤلمٍ عقابُه وعذابُه لمَن عُذِّبَ فيه. وجَعَل الأليمَ مِن صفةِ اليومِ، وهو مِن صفةِ العذابِ؛ إذ كان العذابُ فيه، كما قيل:{وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96]. وإنما السَّكَنُ مِن صفةِ ما سَكَنَ فيه، دونَ الليلِ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: فقال الكبراءُ مِن قومِ نوحٍ وأشرافُهم، وهم الملأُ الذين كفروا باللَّهِ، وجَحَدوا نبوَّةَ نبيِّهم نوحٍ، عليه السلام:{مَا نَرَاكَ} يا نوحُ {إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} : يعنُون بذلك أنه آدميٌّ مثلُهم في الخلقِ والصورةِ والجنسِ، كأنهم كانوا منكِرِين
(3)
أن يكونَ اللَّهُ يرسلُ مِن البشرِ رسولًا إلى خلقِه. وقولُه: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} . يقولُ: وما نَراك اتَّبَعك إلا الذين هم سَفِلَتُنا مِن الناسِ، دونَ الكُبَراءِ والأشرافِ، فيما نرَى
(4)
ويظهرُ لنا.
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"تخلصوا".
(2)
في ت 1، س، ف:"تجعلوا".
(3)
في س: "متكبرين".
(4)
في م: "يرى".
وقولُه: {بَادِيَ الرَّأْيِ} اختلفت القرأةُ في قراءتِه؛ فقَرأتْه عامَّةُ قرأةِ المدينةِ والعراقِ: {بَادِيَ الرَّأْيِ} بغيرِ همزِ "البادِي"، وبهمزِ {الرَّأْيِ} ، بمعنى: ظاهرِ الرأيِ. مِن قولِهم: بَدَا الشيءُ يبدو. إذا ظَهَر
(1)
، كما قال الراجزُ:
أضْحَى لِخالي شَبَهِي بَادِي بَدِي
وصارَ للفَحْلِ لِساني وَيَدِي
(2)
بادي بَدِي، بغيرِ همزٍ. وقال آخرُ:
وقد عَلَتْنِي
(3)
ذُرْأَةٌ
(4)
بادِي بَدِي
(5)
(6)
وقرَأ ذلك بعضُ أهلِ البصرةِ: (بادِئَ الرأيِ)، مهموزًا أيضًا، بمعنى: مبتدأَ الرأيِ. مِن قولِهم: بدأتُ بهذا الأمرِ. إذا ابتدأتَ به قبلَ غيرِه
(7)
.
وأولى القراءتين بالصوابِ في ذلك
(8)
عندَنا، قراءةُ مَن قرأَ:{بَادِيَ} ، بغيرِ همزِ "البادِي"، وبهمزِ {الرَّأْيِ}؛ لأن معنى ذلك الكلامِ: إلا الذين هم أراذِلُنا، في ظاهرِ الرأيِ، وفيما يظهرُ لنا.
وقولُه: {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} . يقولُ: وما نَتَبَيَّنُ لكم علينا مِن فضلٍ نِلْتُموه بمُخالفتِكم إيانا في عبادةِ الأوثانِ إلى عبادةِ اللَّهِ، وإخلاصِ العُبُودةِ له،
(1)
هي قراءة السبعة إلا أبا عمرو. ينظر السبعة ص 332. وحجة القراءات ص 338، والتيسير ص 101.
(2)
البيت في معاني القرآن 2/ 11، واللسان (ب د و).
(3)
في ت 1، س، ف:"غلبني".
(4)
في ت 1، ت 2، س:"ذره"، والذرأة: الشَّمَط والشيب. تاج العروس (ذ ر أ).
(5)
في م: "بدئ"، وفي ف:"يدى".
(6)
البيت في مجاز القرآن 1/ 288، وإصلاح المنطق ص 172، والأغاني 20/ 418.
(7)
هي قراءة أبي عمرو. ينظر السبعة ص 332، وحجة القراءات ص 338، والكشف 1/ 526، والتيسير ص 101.
(8)
القراءتان كلتاهما صواب.
فنتبعَكم طلبَ ذلك الفضلِ، وابتغاءَ ما أصبتُموه بخلافِكم إيانا {بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} ، وهذا خطابٌ منهم لنوحٍ، عليه السلام، وذلك أنهم إنما كذَّبوا نوحًا دونَ أتباعِه؛ لأن أتباعَه لم يكونوا رسلًا، وأخرَج الخطابَ، وهو واحدٌ، مُخرجَ خطابِ الجميعِ، كما قيل:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1]. وتأويلُ الكلامِ: بل نظنُّك، يا نوحُ، في دَعْواك أن اللَّهَ ابْتَعَثَك إلينا رسولًا - كاذبًا.
وبنحوِ ما قلنا في تأويلِ قوله: {بَادِيَ الرَّأْيِ} . قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن عطاءٍ الخُراسانيِّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} . قال: فيما ظَهَرَ لنا
(1)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)} .
يقولُ تعالى ذكرُه، مخبِرًا عن قيلِ نوحٍ لقومِه، إذ
(2)
كذَّبوه وردُّوا عليه ما جاءهم به مِن عندِ اللَّهِ من النصيحةِ: {يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} : على علمٍ ومعرفةٍ وبيانٍ مِن اللَّهِ لي ما يَلْزَمُني له، ويجبُ عليَّ مِن إخلاصِ العبادةِ له، وتركِ إشراكِ الأوثانِ معه فيها، {وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ}. يقولُ: ورَزَقَني منه التوفيقَ والنبوةَ والحكمةَ، فآمنتُ به، وأطعتُه فيما أمَرني ونَهاني:{فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} .
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما في تغليق التعليق 4/ 8 - من طريق عطاء به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى ابن المنذر.
(2)
في ت 1، ت 2:"إن".
واختلفت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأتْه عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ وبعضُ أهلِ البصرةِ والكوفةِ (فَعَمِيَتْ)، بفتحِ العينِ وتخفيفِ الميمِ بمعنى: فعَمِيت الرحمةُ عليكم فلم تهتدوا لها، فتُقِرُّوا بها، وتُصَدِّقوا رسولَكم عليها
(1)
.
وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفيين: {فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} بضمِّ العينِ وتشديدِ "الميمِ"
(2)
، اعتبارًا منهم ذلك بقراءةِ عبدِ اللَّهِ، وذلك أنها
(3)
فيما ذُكِر في قراءةِ عبدِ اللَّهِ: (فعمَّاها عليكم)
(4)
.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصوابِ قراءةُ مَن قرأَه: {فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ}
(5)
بضمِّ العينِ وتشديدِ الميمِ؛ للذي ذَكَروا مِن العلةِ لمَن قرَأ به، ولقربِهِ مِن قولِهِ:{أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ} . فأضافَ الرحمةَ إلى اللَّهِ، فكذلك تعميتُه على الآخرين بالإضافةِ إليه أولى. وهذه الكلمةُ مما حَوَّلت العربُ الفعلَ عن موضعِه؛ وذلك أن الإنسانَ هو الذي يَعْمَى عن إبصارِ الحقِّ، إذ يَعْمَى عن إبصارِه، والحقُّ لا يوصفُ بالعَمَى، إلا على الاستعمالِ الذي قد جَرَى به الكلامُ، وهو في جوازِه لاستعمالِ العربِ إياه، نظيرُ قولِهم: دَخَل الخاتمُ في يَدِي، والخُفُّ في رِجْلي. ومعلومٌ أن الرِّجْلَ هي التي تدخلُ في الخُفِّ، والأُصْبُعَ في الخاتمِ، ولكنهم استعملوا ذلك كذلك، لمَّا كان معلومًا المرادُ فيه
(6)
.
(1)
هي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم في قراءة أبي بكر. ينظر السبعة ص 332، وحجة القراءات ص 338. والكشف 1/ 527 والتيسير ص 101.
(2)
هي قراءة حفص عن عاصم، وحمزة والكسائي، ينظر المصادر السابقة.
(3)
سقط من: ت 2، وفي م:"أنهما".
(4)
هي قراءة عبد الله بن مسعود وأبيّ وعلي والسلمي والحسن والأعمش وهي قراءة شاذة. ينظر حجة القراءات ص 338، ومختصر شواذ ابن خالويه ص 64، والبحر المحيط 5/ 216.
(5)
هذه القراءة، وقراءة (فَعَمِيَتْ) كلتاهما صواب.
(6)
ينظر معاني القرآن 2/ 12.
وقولُه: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} . يقولُ: أنأْخُذُكم بالدخولِ في الإسلامِ، وقد عمَّاه اللَّهُ عليكم؟ {وَأَنْتُمْ
(1)
لَهَا كَارِهُونَ}. يقولُ: وأنتم لإلْزامِناكُموها {كَارِهُونَ} . يقولُ: لا نفعلُ ذلك، ولكن نَكِلُ أمرَكم إلى اللَّهِ، حتى يكونَ هو الذي يَقْضِي في أمرِكم ما يرى ويشاءُ.
وبنحوِ الذي قلنا في تأويلِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ: قال نوحٌ: يا قَوْمِ {إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} . قال: قد عَرَفتُها، وعَرَفتُ بها أمرَه، وأنه لا إلهَ إلا هو، {وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ}: الإسلامَ والهُدى والإيمانَ والحُكْمَ
(2)
والنبوةَ
(3)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} الآية، أمَا واللَّهِ لو استطاعَ نبيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الألزمَها قومَه، ولكن لم يستطعْ
(4)
ذلك، ولم يَمْلِكْه
(5)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، قال: ثنا سفيانُ، عن داودَ، عن أبي العاليةِ،
(1)
ليست في النسخ، ولا بد منها لاستقامة المعنى.
(2)
في ت 1، س:"الحكمة".
(3)
أخرج شطره الأول ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2023 من طريق آخر عن ابن جريج، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى أبي الشيخ.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"يملك" والمثبت موافق لما في الدر المنثور.
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2023 من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى أبي الشيخ.
قال: في قراءةِ أبيٍّ: (أنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْرِ أَنْفُسِنا وأَنْتم لها كارِهُونَ)
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبيرِ، عن ابنِ عيينةَ، قال: أخبرَنا عمرُو بنُ دينارٍ، قال: قرَأ ابنُ عباسٍ: (أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْرِ أَنْفُسِنا). قال عبدُ اللَّهِ: (مِنْ شَطْرِ أَنْفُسِنَا): مِن تلقاءِ أنفسِنا
(2)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا ابنُ عيينةَ، عن عمرِو بنِ دينارٍ، عن ابنِ عباسٍ مثلَه
(2)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن داودَ بنِ أبي هندٍ، عن أبي العاليةِ، عن أبيِّ بنِ كعبٍ:(أَنُلْزِمُكُمُوها مِن شَطْرِ قُلُوبِنا وأَنتم لها كارِهُونَ)
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)} .
وهذا أيضًا خبرٌ مِن اللَّهِ عن قِيلِ نوحٍ لقومِه، أنه قال لهم:{وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ} على نصيحتي لكم، ودِعايتِكم إلى توحيدِ اللَّهِ، وإخلاصِ العبادةِ له {مَالًا}: أجرًا على ذلك، فتَتَّهِموني في نصيحتى، وتظنون أن فِعْلي ذلك طلبُ عَرَضٍ مِن أعراضِ الدنيا، {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ}. يقولُ: ما ثوابُ نصيحتي لكم ودِعايتِكم إلى ما أدْعوكم إليه، إلا على اللَّهِ، فإنه هو الذي يُجازيني ويُثِيبُني
(1)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى المصنف، وقراءة أبيٍّ هذه شاذة لمخالفتها رسم المصحف.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (1085 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2023 من طريق سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ، كلهم دون قوله: "قال عبد الله
…
إلخ".
(3)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى ابن المنذر.
عليه، {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا}: وما أنا بمُقْصٍ مَن آمَن باللَّهِ، وأقرَّ بوحدانيتِه، وخَلَعَ الأوثانَ، وتَبَرَّأَ منها، بأن لم يكونوا مِن عِلْيَتِكم وأشرافِكم؛ {إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ}. يقولُ: إن هؤلاء الذين تسألوني طَرْدَهم، صائِرون إلى اللَّهِ، واللَّهُ سائلُهم عما كانوا في الدنيا يعملون، لا عن [شَرَفِهم وحَسَبِهم]
(1)
.
وكان قيلُ نوحٍ ذلك لقومِه؛ لأن قومَه قالوا له، كما:
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ قولَه:{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا} . قال: قالوا له: يا نوحُ، إن أحببتَ أن نَتَّبِعَك فاطرُدْهم، وإلا فلن نَرْضَى أن نكونَ نحن وهم في الأمرِ سواءً، فقال:{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} ، فيسألُهم عن أعمالِهم
(2)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، وحدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ
(3)
، جميعًا عن مجاهدٍ قولَه:{إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} . قال: جزائي
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ. عن مجاهدٍ مثلَه
(4)
.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(4)
.
(1)
في ت 1، ت 2، ف:"سوقهم وحسنهم".
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى أبي الشيخ.
(3)
في ف: "جريج".
(4)
تفسير مجاهد ص 386، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2023.
وقولُه: {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} . يقولُ: ولكني، أيُّها القومُ، أراكم قومًا تَجْهَلون الواجبَ عليكم مِن حقِّ اللَّهِ، واللازمَ لكم مِن فرائضِه، ولذلك مِن جَهْلِكم سألتُموني أن أطرد الذين آمنوا باللَّهِ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَيَاقَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30)} .
يقولُ: {وَيَاقَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي} فيمنَعُني {مِنَ اللَّهِ} ، إن هو عاقَبَني على طَرْدي المؤمنين الموحِّدين اللَّهَ، {إِنْ طَرَدْتُهُمْ} ، {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}. يقولُ: أفلا تَتفَكَّرون فيما تقولون، فتَعْلَمون خطأه، فتَنْتَهوا عنه؟
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)} .
وقولُه: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} عطفٌ على قولِه: {وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا}
(1)
. ومعنى الكلامِ: ويا قومِ لا أسألُكم عليه أجرًا، {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} التي لا يُفْنِيها شيءٌ، فأَدْعُوكم إلى اتِّباعي عليها، {وَلَا أَعْلَمُ} أيضًا {الْغَيْبَ} يعني: ما خَفِيَ مِن سرائرِ العبادِ؛ فإن ذلك لا يعلمُه إلا اللَّهُ، فأدَّعِيَ الربوبيةَ، وأدعوَكم إلى عبادتي. {وَلَا أَقُولُ} أيضًا:{إِنِّي مَلَكٌ} مِن الملائكةِ أُرسلتُ إليكم، فأكونَ كاذبًا في دَعْوايَ ذلك، بل أنا بشرٌ مثلُكم كما تقولون، أُمرتُ بدُعائِكم إلى اللَّهِ، وقد أَبْلَغْتُكم ما أُرسِلتُ به إليكم، {وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا}. يقولُ: ولا أقولُ للذين
(1)
في النسخ: "أجرًا". والمثبت هو نص التلاوة. ويوضحه ما بعده.
اتَّبعوني وآمنوا باللَّهِ ووَحَّدوه، الذين تستحقرُهم أعينُكم، وقلتُم: إنها أَرَاذِلُكم: {لَنْ يُؤْتِيَهُمُ
(1)
اللَّهُ خَيْرًا}، وذلك الإيمانُ باللَّهِ، {اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ}. يقولُ: اللَّهُ أعلمُ بضمائرِ صدورِهم، واعتقادِ قلوبِهم، وهو وليُّ أمرِهم في ذلك، وإنما لي منهم ما ظهرَ وبدا، وقد أظهَروا الإيمانَ باللَّهِ واتَّبَعوني، فلا أطرُدُهم، ولا أستَحِلُّ ذلك، {إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}. يقولُ: إني إن قلتُ لهؤلاءِ الذين أظْهَروا الإيمانَ باللَّهِ وتَصْديقي: {لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا} ، وقضيتُ على سرائرِهم، بخلافِ ما أَبْدَتْه
(2)
ألْسِنَتُهم لي، على غيرِ علمٍ مني بما في نفوسِهم، وطردتُهم
(3)
بفعلي ذلك، لَمِنَ الفاعلين ما ليس لهم فعلُه، المعتدين ما أمَرَهم اللَّهُ به، وذلك هو الظلمُ.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ قولَه:{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} التي لا يُفْنِيها شيءٌ، فأكونَ إنما أدعوكم لتَتَّبِعوني عليها، لأُعْطِيَكم منها، {وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} نزلتُ مِن السماءِ برسالةٍ، ما أنا إلا بشرٌ مثلُكم، {وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ}: ولا أقولُ اتَّبِعوني على علمِ الغيبِ
(4)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا
(1)
في م: "يؤتيكم".
(2)
في ص: "أبدأته"، وفي ت 2:"أبداه"، وفي س:"أبدا به".
(3)
في ت 2، ف:"طردهم".
(4)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى أبي الشيخ.
بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: قال قومُ نوحٍ لنوحٍ، عليه السلام: قد خاصَمْتَنا، فأكثرتَ خُصُومتَنا، فأْتِنا بما تَعِدُنا مِن العذابِ إن كنتَ مِن الصادقين في عِداتِك ودَعْواك أنك للَّهِ رسولٌ، يعني: بذلك أنه لن يقدرَ على شيءٍ مِن ذلك.
حدَّثني محمدُ بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ [أبي نجيحٍ]
(1)
، عن مجاهدٍ:{جَادَلْتَنَا} . قال: مارَيْتَنا
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(2)
.
وحدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ أبي جعفرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(2)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا} . قال: مارَيْتَنَا
(2)
. {فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} . قال ابنُ جريجٍ: تكذيبًا بالعذابِ، وأنه باطلٌ
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)} .
(1)
في ف: "جريج".
(2)
تفسير مجاهد ص 387 ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2024، وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
(3)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى المصنف وأبي الشيخ.
يقولُ تعالى ذكرُه: قال نوحٌ لقومِه حينَ اسْتَعْجَلوه العذابَ: يا قومِ، ليس الذي تستعجلون مِن العذابِ إليَّ، إنما ذلك إلى اللَّهِ لا إلى غيرِه، هو الذي يأتيكم به إن شاء، {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}. يقولُ: ولستُم إذا أرادَ تعذيبَكم - بمُعْجِزِيه؛ أي: بفائتِيه هربًا منه؛ لأنكم حيثُ كنتم في مُلْكِه وسلطانِه وقدرتِه، حكمُه عليكم جارٍ.
{وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي} . يقولُ: ولا ينفعُكم تَحْذِيري عقوبتَه، ونزولَ سَطْوتِه بكم على كفرِكم به، {إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ} في تَحْذيري إياكم ذلك؛ لأن نُصْحي لا ينفعُكم؛ لأنكم لا تَقْبَلونه، {إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}. يقولُ: إن كان اللَّهُ يريدُ أن يُهْلِكَكم بعذابِه، {هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. يقولُ: وإليه تُرَدُّون بعدَ الهلاكِ.
حُكِي عن طَيِّئٍ أنها تقولُ: أصبح فلانٌ غاويًا. أي: مريضا. وحُكِي عن غيرِهم سماعًا منهم: أغويتُ فلانًا. بمعنى: أهلكتَه. وغَوِيَ الفصيلُ. إذا فَقَدَ اللبنَ فماتَ. وذُكِر أن قولَ اللَّهِ: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] أي: هَلاكًا.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)} .
يقولُ تعالى ذكرُه، أيقولُ - يا محمدُ - هؤلاء المشركون من قومِك: افتَرى محمدٌ هذا القرآنَ، وهذا الخبرَ عن نوحٍ؟ قلْ لهم: إن افتريتُه فتخرَّصتُه واختلقتُه {فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} . يقولُ: فعليَّ إثمي في افْترائي ما افتريتُ على ربِّي دونَكم، لا تؤاخَذُون بذَنْبي ولا إثْمي، ولا أُوَاخَذُ بذنبِكم، {وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ}. يقولُ: وأنا بريءٌ مما تُذنِبون وتَأْثَمُون بربِّكم مِن افْترائِكم عليه.
يقالُ منه: أَجْرَمتُ إجرامًا وجَرَمْتُ أُجْرِمُ جَرْمًا. كما قال الشاعرُ
(1)
:
طريدُ عشيرةٍ ورهينُ ذنبٍ
…
بما جَرَمَتْ يَدِي وَجَنَى لِساني
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وأوحَى اللَّهُ إلى نوحٍ، لمَّا حقَّ على قومِه القولُ، وأظلَّهم
(2)
أمرُ اللَّهِ: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ} يا نوحُ، باللَّهِ، فيوحِّدَه ويَتَّبِعَك على ما تَدْعوه إليه {مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} فصَدَّق بذلك واتَّبَعك، {فَلَا تَبْتَئِسْ}. يقولُ: فلا تَسْتَكِنْ ولا تحزنْ {بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ، فإني مُهلِكُهم، ومُنْقِذُك منهم ومَن اتَّبَعَك. وأَوْحَى اللَّهُ ذلك إليه بعدَما دعا عليهم نوحٌ بالهلاكِ، فقال:{رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26].
وهو تَفْتَعِلُ مِن البؤسِ، يقالُ: ابتأسَ فلانٌ بالأمرِ يَبْتَئِسُ ابْتئاسًا. كما قال لَبيدُ بنُ ربيعةَ
(3)
:
في مَأْتَمٍ كنِعاجِ صا
…
رَةَ
(4)
يَبْتَئِسْنَ بما لَقِينا
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي
(1)
هو الهَيْرُدان بن خطار السعدي، والبيت في مجاز القرآن 1/ 288، واللسان (ج ر م).
(2)
في ص: "أطلهم".
(3)
شرح ديوان لبيد ص 326.
(4)
صارة: جبل في ديار بني أسد. معجم البلدان 3/ 361.
نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَلَا تَبْتَئِسْ} . قال: لا تحزنْ
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وحدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(1)
.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ:{فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} . يقولُ: فلا تحزنْ
(2)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} . قال: لا تَأْسَ ولا تحزنْ
(3)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} ، وذلك حينَ دعا عليهم قالَ:{رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]، قولَه:{فَلَا تَبْتَئِسْ} . يقولُ: فلا تأسَ ولا تحزنْ
(4)
.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ، قال: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمعتُ الضّحاكَ يقولُ في قولِه: {لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} ، فحينَئذٍ دعا على قومِه، لمَّا بَيَّن اللَّهُ له أنه لن يؤمنَ مِن قومِه إلا مَن قد آمن.
(1)
تفسير مجاهد ص 387، ومن طريقه الفريابي - كما في تغليق التعليق 4/ 225 - وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2025.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2025 عن محمد بن سعد به.
(3)
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 304 عن معمر به.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2024 من طريق سعيد بن أبي عروبة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 326 إلى أبي الشيخ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وأُوحِي إليه أنه لن يؤمنَ مِن قومِك إلا مَن قد آمَن، وأَنِ اصْنَعِ الفلكَ، وهو السفينةُ؛ كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: الفلكُ، السفينةُ
(1)
.
وقولُه: {بِأَعْيُنِنَا} . يقولُ: بعينِ اللَّهِ ووَحْيِه، كما يأمُرُك.
كما حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} ، وذلك أنه لم يَعْلَمْ كيف صَنْعَةُ الفُلكِ، فَأَوحَى اللَّهُ إليه أن يَصْنَعَها على مِثْلِ جُؤْجُؤ الطائرِ
(2)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنى عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَوَحْيِنَا} . قال: كما نَأْمُرُك
(3)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وحدَّثني المثنى قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} : كما نأمُرُك
(3)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن عطاءٍ الخُراسانيِّ، عن ابنِ عباسٍ:{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} . قال: بعينِ اللَّهِ.
(1)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 327 إلى المصنف وأبي الشيخ.
(2)
الجؤجؤ: الصدر، النهاية 1/ 232، والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2025 عن محمد بن سعد به.
(3)
تفسير مجاهد ص 387، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2026، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 327 إلى أبي الشيخ.
قال ابنُ جريجٍ: قال مجاهدٌ: {وَوَحْيِنَا} . قال: كما نأمُرُك
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ في قولِه:{بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} . قال: بعينِ اللَّهِ ووَحْيِه
(2)
.
وقولُه: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} . يقولُ تعالى ذكرُه: ولا تسألْني في العفوِ عن هؤلاء الذين ظَلَموا أنفسَهم مِن قومِك، فأكسَبوها - تَعدِّيًا منهم عليها بكفرِهم باللَّهِ - الهلاكَ بالغَرَقِ؛ إنهم مُغْرَقون بالطوفانِ.
كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ:{وَلَا تُخَاطِبْنِي} . قال: يقولُ: ولا تُراجِعْني. قال: تقدَّمَ ألَّا يشفعَ لهم عندَه
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ويصنعُ نوحٌ السفينةَ، وكلما مَرَّ عليه جماعةٌ مِن كُبَراءِ قومِه {سَخِرُوا مِنْهُ}. يقولُ: هَزِئوا مِن نوحٍ، ويقولون له: أتحوَّلْتَ نجارًا بعد النبوّةِ، وتعملُ السفينةَ في البرِّ؟ فيقولُ لهم نوحٌ:{إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا} : إن تَهْزَءوا مِنَّا اليومَ، فإنَّا نهزأُ منكم في الآخرةِ، كما تَهْزَءون مِنَّا في الدنيا، {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} إذا عاينتُم عذابَ اللَّهِ مَن الذي كان إلى نفسِه مُسِيئًا مِنَّا.
وكانت صنعةُ نوحٍ السفينةَ كما حدَّثني المُثَنَّى، وصالحُ بنُ مِسْمارٍ، قالا
(4)
:
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2026، والبيهقي في الأسماء والصفات (682) من طريق حجاج بن محمد به، دون ذكر كلام مجاهد، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 327 إلى أبي الشيخ.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 304 عن معمر به.
(3)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 327 إلى المصنف وأبي الشيخ.
(4)
في م: "قال".
ثنا ابنُ أبي مريمَ، قال: أخبرنا موسى بنُ يعقوبَ، قال: ثنى فائدٌ
(1)
مولى عبيدِ اللَّهِ بنِ عليِّ بنِ أبي رافعٍ، أن إبراهيمَ بنَ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ربيعةَ، أخبرَه أن عائشةَ زوجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أخبرَتْه، أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"لو رَحِمَ اللَّهُ أحدًا مِن قومِ نوحٍ لرَحِمَ أمَّ الصَّبِيِّ". قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كان نوحٌ مَكَثَ في قومِه ألفَ سنةٍ إلا خمسين عامًا يَدْعوهم إلى اللَّهِ، حتى كان آخِرُ زمانِه غَرَسَ شجرةً، فعَظُمَت وذَهَبَت كلَّ مذهبٍ، ثم قَطَعَها، ثم جَعَلَ يعملُ سفينةً، ويَمُرُّون فيَسْألونه، فيقولُ: أعملُها سفينةً. فيَسْخَرون منه ويقولون: تعملُ
(2)
سفينةً في البرِّ، فكيف تَجْرِي؟ فيقولُ: سوف تَعْلَمون. فَلَما فَرَغَ منها، وفارَ التَّنُّورُ، وكَثُرَ الماءُ في السِّكَكِ، خَشِيَتْ أمُّ الصَّبِيِّ
(3)
عليه، وكانت تُحِبُّه حبًّا شديدًا، فخَرَجَت إلى الجبلِ، حتى بَلَغَت ثُلُثَه، فلما بَلَغَها الماءُ خَرَجَت حتى بَلَغَت ثُلُثَي الجبلِ، فلما بَلَغَها الماءُ خَرَجَت حتى اسْتَوَت على الجبلِ، فلما بَلَغَ الماءُ رقبتَها، رَفَعَتْه بيَدَيها
(4)
حتى ذَهَبَ بها الماءُ. فلو رَحِمَ اللَّهُ منهم أحدًا لَرَحِمَ أَمَّ الصبيِّ"
(5)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: ذُكِر لنا أن طولَ السفينةِ ثلاثُمائةِ ذراعٍ، وعرضَها خمسون ذراعًا، وطولَها في السماءِ ثلاثون ذراعًا، وبابَها في عرضِها
(6)
.
(1)
في ت 1، ت 2، س:"قائد". ينظر تهذيب الكمال 23/ 142.
(2)
في ص، س:"يعمل".
(3)
في م: "صبي".
(4)
في م: "بين يديها".
(5)
أخرجه بإسناده ولفظه المصنف في تاريخه 1/ 180، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2027، والحاكم 2/ 342 من طريق ابن أبي مريم به، وأخرجه الطبراني في الأوسط - كما في المجمع 8/ 200، والحاكم 2/ 547 من طريق موسى بن يعقوب الزمعي به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 327 إلى أبي الشيخ وابن مردويه.
(6)
أخرجه بإسناده ولفظه المصنف في تاريخه 1/ 181، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 328 إلى عبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا مباركٌ، عن الحسنِ، قال: كان طولُ سفينةِ نوحٍ ألفَ ذراعٍ ومائتي ذراعٍ، وعرضُها ستَّمائةِ ذراعٍ
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ
(2)
، عن مُفَضَّل بنِ فَضالةَ، عن عليِّ بنِ زيدِ بنِ جُدْعانَ، عن يوسفَ بنِ مِهْرانَ، عن ابنِ عباسٍ، قال: قال الحواريُّون لعيسى ابنِ مريمَ: لو بعثتَ لنا رجلًا شَهِدَ السفينةَ، فحدَّثَنا عنها. قال: فانطَلَق بهم حتى انتهى بهم إلى كَثيبٍ مِن ترابٍ، فأخَذَ كفًّا مِن ذلك الترابِ بكَفِّه، قال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: اللَّهُ ورسولُه أعلمُ. قال: هذا كعبُ
(3)
حامِ بنِ نوحٍ. قال: فضَرَبَ الكثيبَ بعصاه، قال: قمْ بإذنِ اللَّهِ. فإذا هو قائمٌ يَنْفُضُ الترابَ عن رأسِه قد شابَ، قال له عيسى: هكذا هلكتَ؟ قال: لا، ولكن مِتُّ وأنا شابٌّ، ولكنِّي ظننتُ أنها الساعةُ، فمِن ثَمَّ شِبْتُ. قال: حَدِّثْنا عن سفينةِ نوحٍ. قال: كان طولُها ألفَ ذراعٍ ومائتي ذراعٍ، وعرضُها ستَّمائةِ ذراعٍ، و
(4)
كانت ثلاثَ طبقاتٍ؛ فطبقةٌ فيها الدوابُّ والوحشُ، وطبقةٌ فيها الإنسُ، وطبقةٌ فيها الطيرُ، فلما كَثُرَ أرواثُ الدوابِّ، أوحَى اللَّهُ إلى نوحٍ: أن اغمِزْ ذَنَبَ الفيلِ. فَغَمَزَ
(5)
، فَوَقَعَ منه خِنْزِيرٌ وخنزيرةٌ، فأقبَلا على الرَّوْثِ، فلما وَقَعَ الفأرُ بجَرَزِ
(6)
السفينةِ يَقْرِضُه، أوحَى اللَّهُ إلى
(1)
أخرجه بإسناده ولفظه المصنف في تاريخه 1/ 181، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2025 من طريق محمد بن سيف أبي رجاء عن الحسن به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 328 إلى أبي الشيخ.
(2)
بعده في ت 2: "عن ابن جريج".
(3)
في تاريخ الطبري: "قبر".
(4)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
في م: "فغمزه".
(6)
في م: "بحبل"، وفي ص، ف:"ىحرر" غير منقوطة. وفي ت 1: "بجرير"، والجرز: صدر الإنسان أو وسطه. التاج (ج ر ز). والمراد صدر السفينة أو وسطها.
نوحٍ: أن اضربْ بين عَيْنَيِ الأسدِ. فخَرَج مِن مَنْخَرِه سِنَّورٌ وسِنَّورةٌ، فأقبَلا على الفأرِ. فقال له عيسى: كيف عَلِمَ نوحٌ أن البلادَ قد غَرِقَت؟ قال: بَعَثَ الغرابَ يأتيه بالخبرِ، فوجَدَ جيفةً، فوَقَعَ عليها، فدَعا عليه بالخوفِ؛ فلذلك لا يَأْلَفُ البيوتَ. قال: ثم بَعَثَ الحمامةَ، فجاءت بوَرَقِ زيتونٍ بمِنْقارِها، وطينٍ برِجْلَيها
(1)
، فعَلِمَ أن البلادَ قد غَرِقَت. قال: فطَوَّقَها الخُضرةَ التي في عُنُقِها، ودعا لها أن تكونَ في أُنسٍ وأمانٍ، فمِن ثَمَّ تألفُ البيوتَ. قال: فقلنا: يا رسولَ اللَّهِ، ألا ننطلقُ به إلى أهلينا، فيجلسُ معنا، ويحدِّثُنا؟ قال: كيف يَتْبَعُكم مَن لا رزقَ له؟ قال: فقال له: عُدْ بإذنِ اللَّهِ. قال: فعادَ ترابًا
(2)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، عمن لا يتَّهِمُ، عن عُبيدِ بنِ عميرٍ الليثيِّ، أنه كان يحدِّثُ، أنه بَلَغَه أنهم كانوا يَبْطِشون به - يعني قومَ نوحٍ
(3)
- فيَخْنُقونه حتى يُغْشَى عليه، فإذا أفاقَ قال: اللهمَّ اغفِرْ لقومي فإنهم لا يَعْلمون. حتى إذا تمادَوا في المعصيةِ، وعَظُمت في الأرضِ منهم الخطيئةُ، وتطاولَ عليه وعليهم الشأنُ، واشتدَّ عليه منهم البلاءُ، وانتظر النَّجْلَ بعدَ النَّجْلِ، فلا يأتي قرنٌ إلا كان أخبثَ مِن القرنِ الذي قبلَه، حتى إن كان الآخِرُ منهم لَيقولُ: قد كان هذا مع آبائِنا ومع أجدادِنا هكذا مجنونًا. لا يَقْبَلون منه شيئًا، حتى شكا ذلك مِن أمرِهم نوحٌ إلى اللَّهِ تعالى، كما قصَّ اللَّهُ علينا في كتابِه:{رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} [نوح: 5، 6] إلى آخرِ القصةِ، حتى قال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا
(1)
في ص، ف:"برجلها".
(2)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 181، 182، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 328 إلى المصنف.
(3)
بعده في التاريخ: "بنوح".
فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 26، 27]. إلى آخرِ القصةِ، فلما شكا ذلك منهم نوحٌ إلى اللَّهِ، واسْتَنْصَره عليهم، أوحَى اللَّهُ إليه أن:{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا} . أي: بعدَ اليوم؛ {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} . فأقبَل نوحٌ على عملِ الفلكِ، ولَهِيَ
(1)
عن قومِه، وجَعَل يقطَعُ الخشبَ، ويضرِبُ الحديدَ، ويُهَيِّئُ عُدَّةَ الفلكِ مِن القارِ وغيرِه مما لا يُصلِحُه إلا هو، وجعَل قومُه يمرُّون به، وهو في ذلك مِن عملِه، فيَسْخَرون منه، ويَسْتَهزئون به، فيقولُ:{إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)} . قال: ويقولون له فيما بلغني: يا نوحُ، قد صِرْتَ نَجَّارًا بعدَ النبوةِ؟! قال: وأعقمَ اللَّهُ أرحامَ النساءِ، فلا يولدُ لهم ولدٌ.
قال: ويزعمُ أهلُ التوراةِ أن اللَّهَ أمره أن يصنعَ الفلكَ مِن خشبِ السَّاجِ، وأن يصنعَه أَزْوَرَ
(2)
، وأن يَطْلِيَه بالقارِ مِن داخلِه وخارجِه، وأن يجعلَ طولَه ثمانين ذراعًا، وأن يجعلَه ثلاثةَ أطباقٍ؛ سُفْلًا، ووَسَطًا، وعُلْوًا، وأن يجعلَ فيه كِوًى، ففعَل نوحٌ كما أمره اللَّهُ، حتى إذا فرَغ منه، وقد عَهِد اللَّهُ إليه: إذا جاء أمرُنا وفار التَّنُّورُ، فـ {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} ، وقد جعَل التَّنُّورَ آيةً فيما بينَه وبينَه، فقال:{فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [المؤمنون: 27]. واركبْ. فلما فارَ التنُّورُ، حَمَل نوحٌ في الفلكِ مَن أمَره اللَّهُ - وكانوا قليلًا كما قال اللَّهُ - وحَمَل
(3)
فيها مِن كلٍّ زوجين اثنين، مما فيه الروحُ والشجرُ، ذكرٍ
(4)
وأنثى،
(1)
لَهِيتُ عن الشيء، بالكسر، ألهَى، بالفتح، لُهِيًّا: إذا سلوت عنه وتركتَ ذكره، وإذا غفلتَ عنه واشتغلتَ. النهاية 4/ 282.
(2)
الأزور: المائل. يقال: عنق أزور، أي مائل. التاج (ز و ر).
(3)
في ت 2، س:"احمل".
(4)
في م: "ذكرًا".
فحَمَل فيه بَنِيه الثلاثةَ - سامٌ وحامٌ ويافثُ - ونساءَهم
(2)
، وستةَ أناسٍ ممن كان آمَن به، فكانوا عشرةَ نفرٍ؛ نوحٌ وبَنوه وأزواجُهم، ثم أدخَل ما أمَره
(3)
به مِن الدوابِّ، وتَخلَّفَ عنه ابنُه يامٌ، وكان كافرًا
(4)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، عن الحسنِ بنِ دينارٍ، عن عليِّ بنِ زيدٍ
(5)
، عن يوسفَ بنِ مِهْرَانَ، عن ابنِ عباسٍ، قال: سمعتُه يقولُ: كان أوَّلُ ما حَمَل نوحٌ في الفلكِ مِن الدوابِّ الدُّرَّةَ
(6)
، وآخرُ ما حَمَل الحمارَ، فلما أدْخَل
(7)
الحمارَ وأدخَل صدرَه، تعلَّق
(8)
إبليسُ بذنبِه، فلم تستقلَّ رجلاه، فجَعل نوحٌ يقولُ: ويحك! ادخُلْ. فينهَضُ فلا يستطيعُ، حتى قال نوحٌ: ويحك! ادخُلْ وإن كان الشيطانُ معك. قال: كلمةٌ زَلَّتْ عن لسانِه، فلما قالها نوحٌ خَلَّى الشيطانُ سبيلَه، فدَخَل ودخَل الشيطانُ معه، فقال له نوحٌ: ما أدْخَلَك عليَّ
(9)
يا عدوَّ اللَّهِ؟ فقال: ألم تقُلْ: ادخُلْ وإن كان الشيطانُ معك؟ قال: اخرُجْ عني يا عدوَّ اللَّهِ. فقال: ما لك بدٌّ مِن أن تَحْمِلَني. فكان - فيما يَزْعمون - في ظهرِ الفلكِ، فلما اطمأنَّ نوحٌ في الفلكِ، وأدخَل فيه مَن آمَن به، وكان ذلك في الشهرِ
(10)
مِن السنةِ
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"نساؤهم".
(3)
بعده في ت 2: "الله".
(4)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 182، 183.
(5)
في ت 2: "يزيد".
(6)
الدُّرَّة: ضرب من الببغاوات. ينظر الحيوان للجاحظ 5/ 151، حاشية (3).
(7)
في م: "دخل".
(8)
سقط من: ت 2، وفي م:"مسك"، وبياض في: ص، س، ف.
(9)
سقط من: ت 1، س، ف.
(10)
سقط من النسخ وكذا من تاريخ المصنف اسمُ ذلك الشهر.
التي دَخَل فيها نوحٌ بعدَ ستِّمائةِ سنةٍ مِن عمرِه، لسبعَ عشْرةَ ليلةً مَضَت مِن الشهرِ. فلما دَخَل وحَمَل معه مَن حَمَل، تَحرَّك ينابيعُ الغَوْطِ
(1)
الأكبرِ، وفُتِحَ أبوابُ السماءِ، كما قال اللَّهُ لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم:{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: 11، 12]. فدَخَل نوحٌ ومَن معه الفلكَ، وغَطَّاه عليه وعلى مَن معه بطبقِه
(2)
، فكان بينَ أن أَرسلَ اللَّهُ الماءَ، وبينَ أن احْتمل الماءُ الفلكَ، أربعون يومًا وأربعون ليلةً، ثم احْتمل الماءُ، كما يزعُمُ أهلُ التوراةِ، وكَثُر الماءُ واشتدَّ وارتفعَ، يقولُ اللَّهُ جلّ ذكرُه لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم:{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القمر: 13]. والدُّسُرُ المساميرُ؛ مساميرُ الحديدِ، فجعلت الفلكُ تَجْري به وبمَن معه في موجٍ
(3)
كالجبالِ، {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} الذي هَلَكَ فيمَن هلكَ، {وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ} حينَ رأى نوحٌ مِن صِدْقِ موعد ربِّه ما رأى، فقال:{يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} . وكان شقيًّا قد أضمَر كفرًا، {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} ، وكان عَهِدَ الجبالَ، وهي حِرْزُ مِن الأمطارِ إذا كانت، فظنَّ أن ذلك كما كان يعهَدُ، قال نوحٌ:{لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} ، وكَثُرَ الماءُ حتى طَغَى وارتفعَ فوقَ الجبالِ، كما يزعمُ أهلُ التوراةِ، بخمسةَ عشرَ ذراعًا، فبادَ ما على وجهِ الأرضِ مِن الخلقِ، مِن كلِّ شيءٍ فيه الروحُ أو شجرٍ، فلم يَبْقَ شيءٌ من الخلائقِ إلا نوحٌ ومَن معه في الفلكِ، وإلا عُوجُ بنُ عُنُقَ، فيما يزعمُ أهلُ الكتابِ، فكان بينَ أن أرسلَ اللَّهُ الطوفانَ، وبين أن غاضَ الماءُ، ستةَ
(1)
الغوط: المطمئن الواسع من الأرض. التاج (غ و ط).
(2)
في م: "بطبقة". والطبق: غطاء كل شيء. ينظر اللسان (ط ب ق).
(3)
في ص، ف:"موضع"، ووضع فوقها ناسخ ص علامة:"ط".
أشهرٍ وعشرَ ليالٍ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، عن الحسنِ بنِ دينارٍ، عن عليِّ بنِ زيدِ بنِ جُدْعانَ، قال ابنُ حميدٍ: قال سلمةُ: وحدَّثني حسنُ بنُ عليِّ بنِ زيدٍ، عن يوسفَ بنِ مهرانَ، قال: سمعتُه يقولُ: لما آذَى نوحًا في الفلكِ عَذِرةُ الناسِ، أُمِر أن يمسَحَ ذَنَبَ الفيلِ، فمسَحَه، فخَرَج منه خِنْزيران، وكَفَى عنه ذلك، وإن الفأرَ توالَدَت في الفلكِ، فلما آذَتْه، أُمِر أن يأمرَ الأَسدَ يَعْطِسُ، فَعَطَسَ، فَخَرَج من مَنْخَريه هِرَّان يأكُلان عنه الفأرَ.
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن عليِّ بنِ زيدٍ، عن يوسفَ بنِ مهرانَ، عن ابنِ عباسٍ، قال: لمَّا كان نوحٌ في السفينةِ، قَرَضَ الفأرُ حبالَ السفينةِ، فَشَكا نوحٌ، فأوحَى اللَّهُ إليه، فمسَح ذَنَبَ الأسدِ، فخرَج سِنَّوْران، وكان في السفينةِ عَذِرةٌ، فشكا ذلك إلى ربِّه، فأوحى اللَّهُ إليه، فمسَح ذَنَبَ الفيلِ، فخرَج خِنْزيران.
حدَّثنا إبراهيمُ بنُ يعقوبَ الجُوزَجانيُّ، قال: ثنا الأسودُ بنُ عامرٍ، قال: أخبرَنا سفيانُ بنُ
(2)
سعيدٍ، عن عليِّ بنِ زيدٍ، عن يوسفَ بنِ مِهْرانَ، عن ابنِ عباسٍ بنحوِه.
حُدِّثْتُ عن المسيَّبِ، عن
(3)
أبي رَوْقٍ، عن الضّحّاكِ، قال: قال [سلمان الفارسي]
(4)
: عَمِل نوحٌ السفينةَ في أربعمائةِ سنةٍ، وأنبت السَّاجَ أربعين سنةً، حتى
(1)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 184، 185، وذكر أوله ابن كثير في البداية والنهاية 1/ 260.
(2)
في ت 1: "عن".
(3)
في النسخ: "بن" والصواب ما أثبتناه، وهو إسناد دوار.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"سليمان الفراسي". وفي م: "سليمان القراسي". والمثبت كما في تاريخ المصنف.
كان طولُه أربعَمائةِ
(1)
ذراعٍ، والذراعُ إلى المَنْكِبِ
(2)
.
يقولُ تعالى ذكرُه مخبرًا عن قيلِ نوحٍ لقومِه: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} : أيُّها القومُ، إذا جاء أمرُ اللَّهِ، مَن الهالكُ؟ {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ}. يقولُ: الذي يأتيه عذابُ اللَّهِ مِنَّا ومنكم يُهِينُه ويُذِلُّه، {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ}. يقولُ: وينزِلُ به في الآخرةِ مع ذلك، عذاب دائمٌ لا انقطاعَ له، مقيمٌ عليه أبدًا.
وقولُه: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} . يقولُ: ويصنَعُ نوحٌ الفلكَ حتى إذا جاء أمرُنا الذي وعدناه أن يجيءَ قومَه، مِن الطوفانِ الذي يُغْرِقُهم.
وقولُه: {وَفَارَ التَّنُّورُ} . اختلَف أهلُ التأويلِ في معنى ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه: انْبجَسَ الماءُ مِن وجهِ الأرضِ، وفارَ التنورُ، وهو وجهُ الأرضِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبرَنا العوامُ بنُ حوشبٍ، عن الضحاكِ، عن ابنِ عباسٍ أنه قال في قولِه:{وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال: التنورُ وجهُ الأرضِ. قال: قيل له: إذا رأيتَ الماءَ على وجهِ الأرضِ فاركَبْ أنت ومَن
(1)
في المصدر: "ثلاثمائة".
(2)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 180، 181 عن ابن أبي منصور عن علي بن الهيثم عن المسيب به.
اتَّبَعَك
(1)
. قال: والعربُ تُسمِّي وجهَ الأرضِ تَنُّورَ الأرضِ
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرَنا هشيمٌ، عن العوامِ، عن الضحاكِ بنحوِه.
حدَّثنا أبو كريبٍ وأبو السائبِ، قالا: ثنا ابنُ إدريسَ، قال: أخبرَنا الشيبانيُّ، عن عكرمةَ في قولِه:{وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال: وجهُ الأرضِ
(3)
.
حدَّثنا زكريا بنُ يحيى بنِ أبي زائدةَ وسفيانُ بنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابنُ إدريسَ، عن الشيبانيِّ، عن عكرمةَ:{وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال
(4)
: وجهُ الأرضِ.
وقال آخرون: هو تنويرُ الصبحِ. من قولِهم: نَوَّرَ الصبحُ تَنْويرَا.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أبو هشامٍ الرفاعيُّ، قال: ثنا محمدُ بنُ فُضَيلٍ
(5)
، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ إسحاقَ، عن زيادٍ
(6)
مولى أبي جُحَيفةَ، عن أبي جُحَيفةَ، عن عليٍّ - رضي الله
(1)
في م: "معك".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2029 من طريق يعقوب به. وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (1087 - تفسير) عن هشيم به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 329 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
(3)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2029 معلقًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 329 إلى أبي الشيخ.
(4)
بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"على".
(5)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فضل". وينظر تهذيب الكمال 26/ 293.
(6)
في ص، م، ت 1، ت 2، س:"عباس"، وفي ف:"ابن عباس"، والمثبت من مصدر التخريج. وهو زياد بن زيد السوائي، مولى أبي جحيفة. تهذيب الكمال 9/ 473، وينظر الأثر القادم.
عنه - قولَه: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال: هو تنويرُ الصبحِ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ وإسحاقُ بنُ إسرائيل، قالا: ثنا محمدُ بنُ فُضَيلٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ إسحاقَ، عن زيادٍ مولى أبي جُحَيفةَ، عن أبي جُحَيفةَ، عن عليٍّ في قولِه:{وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال: تنويرُ
(2)
الصبحِ.
حدَّثنا حمادُ بنُ يعقوبَ، قال: أخبرَنا ابنُ فُضيلٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ إسحاقَ، عن مولى أبي جُحَيفةَ - أُراه قد سَمَّاه - عن أبي جُحَيفةَ، عن عليٍّ:{وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال: تنويرُ
(3)
الصبحِ.
حدَّثني إسحاقُ بنُ شاهينٍ، قال: ثنا هشيمٌ، عن ابنِ إسحاقَ، عن رجلٍ مِن قريشٍ، عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه:{وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال: طلعَ الفجرُ.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ
(4)
، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبرَنا عبدُ الرحمنِ بنُ إسحاقَ، عن رجلٍ قد سمَّاه، عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قولَه:{وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال: إذا طلعَ الفجرُ.
وقال آخرون: [معنى ذلك]
(5)
: وفارَ أعْلَى الأرضِ وأشرفُ مكانٍ فيها بالماءِ. وقال: التنورُ أشرفُ الأرضِ.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2028 من طريق محمد بن فضيل بن غزوان به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 329 إلى أبي الشيخ.
(2)
في ت 2: "نور".
(3)
في ص، ت 1، س، ف:"نور".
(4)
بعده في ت 2: "قال حدثني الحجاج".
(5)
سقط من: ت 1، س.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} : كنا نُحَدَّثُ أنه أعلى
(1)
الأرضِ وأشرفُها، وكان عَلَمًا بينَ نوحٍ وبينَ ربِّه
(2)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا سليمانُ، قال: ثنا أبو هلالٍ، قال: سمعتُ قتادةَ في
(3)
قولِه: {وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال: أشرفُ الأرضِ وأرفعُها، فارَ الماءُ منه.
وقال آخرون: هو التنورُ الذي يُخْتَبَرُ
(4)
فيه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال: إذا رأيتَ تَنُّورَ أهلِك يخرُجُ منه الماءُ، فإنه هلاكُ قومِك
(5)
.
حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هشيمٌ، عن أبي محمدٍ، عن الحسنِ، قال: كان تنورًا من حجارةٍ كان لحواءَ، حتى صار إلى نوحٍ. قال: فقيل له: إذا رأيتَ الماءَ يفورُ مِن التنورِ فاركَبْ أنت وأصحابُك
(6)
.
(1)
في ت 1، م، ف:"على".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2029 من طريق سعيد بن بشير عن قتادة نحوه.
(3)
ليست في: ص، م، ت 2، ت 3، س، ف.
(4)
في ت 2: "يخبز".
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2029 عن محمد بن سعد به.
(6)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 186، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 328 إلى المصنف.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن شبلٍ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال: حينَ انْبَجَسَ الماءُ، وأُمِر نوحٌ أن يركَبَ هو ومَن معه في الفلكِ.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال: انبجسَ الماءُ منه؛ آيةً
(1)
أن يركَبَ بأهلِه ومَن معه في السفينةِ
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوَه، إلا أنه قال: آيةً
(3)
أن يركَبَ أهلُه ومَن معه
(4)
في السفينةِ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن
(5)
ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه، إلا أنه قال: آيةً
(6)
بأن يركبَ بأهلِه ومَن معهم في السفينةِ (2).
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنا خلفُ بنُ خليفةَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: نَبَعَ الماءُ في التنورِ، فعَلِمَتْ به امرأتُه فأخبرَته. قال: وكان ذلك في ناحيةِ الكوفةِ
(7)
.
قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنا عليُّ بنُ ثابتٍ، عن السَّرِيِّ بنِ إسماعيلَ، عن
(1)
في ت 1، ت 2، س، ف:"إنه".
(2)
تفسير مجاهد ص 387
(3)
في ت 2، س، ف:"إنه".
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"معهم".
(5)
في م: "بن".
(6)
في س، ف:"إنه".
(7)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 187.
الشعبيِّ أنه كان يحلِفُ باللَّهِ
(1)
: ما فارَ التنورُ إلا مِن ناحيةِ الكوفةِ
(2)
.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا عبدُ الحميدِ الحِمَّانيُّ، عن النضرِ أبي عمرَ الخَزَّازِ
(3)
، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه
(4)
: {وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال: فارَ التنورُ بالهندِ
(5)
.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ، يقولُ: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {وَفَارَ التَّنُّورُ} : كان آيةً لنوحٍ إذا خَرَجَ منه الماءُ، فقد أتَى الناسَ الهلاكُ والغَرَقُ. وكان ابنُ عباسٍ يقولُ في معنى "فارَ": نَبَعَ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَفَارَ التَّنُّورُ} . قال: نَبَعَ
(6)
.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: وفورانُ الماءِ سَوْرَةُ دَفْعَتِه، يقالُ منه: فارَ الماءُ يَفُورُ [فَوْرًا وفُؤورًا وفَوَرانًا]
(7)
. وذاك إذا سارت دَفْعَتُه.
وأَوْلى هذه الأقوالِ عندَنا بتأويلِ قولِه: {التَّنُّورُ} . قولُ مَن قال: هو التنورُ
(1)
بعده في ت 1: "بأنه"، وفي ف:"أنه".
(2)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 187.
(3)
في ت 2: "الخراز"، وفي س:"الحرار"، وفي ف:"الجزار".
(4)
سقط من: ص، ت 2، س، ف.
(5)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 186، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2029 من طريق أبي يحيى عبد الحميد الحماني به.
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2028 من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 328 إلى ابن المنذر.
(7)
في ت 1: "فورا"، وفي س:"فورا وفُؤرا"، وفي م:"فورانا وفورا".
الذي يُخْبَزُ فيه؛ لأن ذلك هو المعروفُ مِن كلامِ العربِ، وكلامُ اللَّهِ لا يُوَجَّهُ إلا إلى الأغلبِ الأشهرِ مِن معانيه عندَ العربِ، إلا أن تقومَ حجةٌ
(1)
على شيءٍ منه بخلافِ ذلك، فيُسَلَّمَ لها. وذلك أنه جل ثناؤُه إنما خاطَبَهم بما خاطَبَهم به، لإفهامِهم معنى ما خاطَبَهم به. قلنا لنوحٍ، حينَ جاء عذابُنا قومَه الذي وَعَدْنا نوحًا أن نعذِّبَهم به، وفارَ التنورُ الذي جَعَلْنا فَوَرَانَه بالماءِ آيةَ مجيءِ عذابِنا، بينَنا وبينَه، لهلاكِ قومِه:{احْمِلْ فِيهَا} . يعني في الفلكِ، {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}. يقولُ: مِن كُلٍّ ذكرٍ وأنثى اثنين
(2)
.
كما حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ نُمَيرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} . قال: ذكرٌ وأنثى مِن كلِّ صِنفٍ
(3)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} : فالواحدُ زوجٌ، والزوجين ذكرٌ وأنثى مِن كلِّ صنفٍ.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} . قال: ذكرٌ وأنثى مِن كلِّ صنفٍ
(3)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن
(1)
في م: "حجتهم"، وفي س:"الحجة".
(2)
سقط من: م.
(3)
تفسير مجاهد ص 387، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2030، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 329 إلى أبي الشيخ بلفظ: في كلام العرب يقولون للذكر والأنثى زوجان.
مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} . يقولُ: مِن كلِّ صنفٍ اثنين.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ، قال: ثنا عُبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} : يعني بالزوجين اثنين؛ ذكرًا وأنثى.
وقال بعضُ أهلِ العلمِ بكلامِ العربِ مِن الكوفيين: الزوجان في كلامِ العربِ: الاثنان. قال: ويقالُ: عليه زَوْجَا نعالٍ
(1)
. إذا كانت عليه نعلان، ولا يقالُ: عليه
(2)
زوجُ نعالٍ. وكذلك: عندَه زوجَا حَمامٍ، وعليه زوجَا قيودٍ. وقال: ألا تسمعُ إلى قولِه: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [النجم: 45]. فإنما هما اثنان.
وقال بعضُ البصريِّين مِن أهلِ العربيةِ في قولِه: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} . قال: فجَعَل الزوجين، الضَّرْبَين؛ الذكورَ والإناثَ. قال: وزعم يونسُ أن قولَ الشاعرِ
(3)
:
وأنتَ امْرُؤٌ تَغْدُو على كلِّ غِرَّةٍ
…
فَتُخْطِئُ فيها مَرَّةً وتُصِيبُ
يعني به الذئبَ. قال: فهذا أشذُّ مِن ذلك
(4)
.
وقال آخرُ منهم: الزوجُ اللونُ. قال: وكلُّ ضربٍ يُدْعَى لونًا. واسْتَشْهد ببيتِ
(1)
في س، ف:"فقال".
(2)
سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
ورد غير منسوب في الصحاح واللسان والتاج (م ر أ).
(4)
أي: تسمية الذئب امرءًا أشذ من ذلك.
الأعشى في ذلك
(1)
:
وكلُّ زَوْجٍ مِن الدِّيباجِ يَلْبَسُهُ
…
أبو قُدامةَ مَحْبُوًّا
(2)
بِذاك مَعَا
وبقول لَبيدٍ
(3)
:
بذي
(4)
بَهْجَةٍ كَنَّ المَقَانِبُ
(5)
صَوْبهُ
(6)
…
وَزَيَّنَهُ أَزْوَاجُ نَوْرٍ مُشَرَّبِ
وذُكِر أن الحسنَ قال في قولِه: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49]: السماءُ زوجٌ والأرضُ زوجٌ، والشتاءُ زوجٌ والصيفُ زوجٌ، والليلُ زوجٌ، والنهارُ زوجٌ، حتى يصيرَ الأمرُ إلى اللَّهِ الفردِ، الذي لا يُشْبِهُه شيءٌ.
وقولُه: {وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} . يقولُ: واحمِلْ أهلَك أيضًا في الفلكِ. يعني بالأهلِ: ولدَه ونساءَه وأزواجَه. {إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} . يقولُ: إلا مَن قلتُ فيهم
(7)
: إني مُهْلِكُه مع مَن أُهْلِكُ مِن قومِك.
ثم اختَلفوا في الذي اسْتَثْناه اللَّهُ مِن أَهلِه؛ فقال بعضُهم: هو بعضُ نساءِ نوحٍ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، قال: قال ابنُ جريجٍ:
(1)
ديوانه ص 107.
(2)
الاحتباء بالثوب: الاشتمال. ينظر اللسان (ح ب و).
(3)
شرح ديوان لبيد ص 11.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"وذي".
(5)
المقنب من الخيل: جماعة منه، ومن الفرسان، تجتمع للغارة. ينظر تاج العروس (ق ن ب).
(6)
في ص، ت 2:"صوته". وفي ت 1، س:"صورته"، وفي ف:"صدرته".
(7)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"منهم".
{وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} . قال: العذابُ، هي امرأتُه كانت من
(1)
الغابِرين في العذابِ
(2)
.
وقال آخرون: بل هو ابنُه الذي غَرِقَ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حُدِّثْتُ عن المسيَّبِ، عن أبي رَوْقٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} . قال: ابنُه
(3)
غَرِقَ في مَن غَرِقَ.
وقولُه: {وَمَنْ آمَنَ} . يقولُ: واحملْ معهم مَن صَدَّقَك واتَّبَعَك مِن قومِك. يقولُ اللَّهُ: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} . يقولُ: وما أقرَّ بوحدانيةِ اللَّهِ مع نوحٍ مِن قومِه إلا قليلٌ.
واختلفوا في عددِ الذين كانوا آمَنوا معه، فَحَمَلَهم معه في الفلكِ؛ فقال بعضُهم في ذلك: كانوا ثمانيةَ أنفسٍ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} . قال: ذُكِرَ لنا أنه لم يتمَّ في السفينةِ إلا نوحٌ وامرأتُه وثلاثةُ بَنيه، ونساؤُهم، فجميعُهم ثمانيةٌ
(4)
.
(1)
في ص، ت 2، ف:"في".
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 333 إلى المصنف وأبي الشيخ.
(3)
في ت 1، س، ف:"انه".
(4)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 188 عن بشر به، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2031 من طريق سعيد بن أبي عروبة به.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ والحسنُ بنُ عرفةَ، قالا: ثنا يحيى بنُ عبد الملكِ بنِ أبي غَنِيَّةَ
(1)
، عن أبيه، عن الحكمِ:{وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} . قال: نوحٌ، وثلاثةُ بَنيه، وأربعُ كَنائنِه
(2)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، قال: قال ابنُ جريجٍ: حُدِّثتُ أن نوحًا حَمَلَ معه
(3)
بَنيه الثلاثةَ، وثلاثَ نسوةٍ لبَنيه، وامرأةَ نوحٍ، فهم ثمانيةٌ بأزواجِهم، وأسماءُ بنيه: يافثُ، وسامٌ، وحامٌ. وأصابَ حامٌ زوجتَه في السفينةِ، فدَعا نوحٌ أن تُغَيَّرَ نُطْفتُه، فجاء بالسودانِ
(4)
.
وقال آخرون: بل كانوا سبعةَ أنفسٍ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن الأعمشِ:{وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} . قال: كانوا سبعةً؛ نوحٌ، وثلاثُ كنائنَ له، وثلاثةُ بنينَ
(5)
.
وقال آخرون: كانوا عشرةً سوى نسائِهم.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال: لمَّا فارَ التنورُ، حمل
(1)
في ص: "عنبة"، وفي ت 1، ف:"عتبة"، وفي ت 2:"عيينة"، وفي س:"عىىه" غير منقوطة. ينظر تهذيب الكمال 31/ 446.
(2)
الكَنَّة، بالفتح: امرأة الابن أو الأخ. تاج العروس (ك ن ن). والأثر أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 188 عن ابن وكيع والحسن به، وأخرجه ابن أبي حاتم 6/ 2031 من طريق يحيى بن أبي غنية به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 333 إلى أبي الشيخ.
(3)
بعده في ت 1: "في السفينة".
(4)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 188، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 333 إلى المصنف وأبي الشيخ.
(5)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 188.
نوحٌ في الفلكِ مَن أمَره اللَّهُ به، وكانوا قليلًا كما قال اللَّهُ، فحَمَل
(1)
بنيه الثلاثةَ؛ سامٌ وحامٌ ويافتُ، ونساءَهم، وستةَ أَناسيَّ ممن كان آمن
(2)
، فكانوا عشرةَ نفرٍ بنوحٍ وبَنيه وأزواجِهم
(3)
.
وقال آخرون: بل كانوا ثمانين نفسًا.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، قال: قال ابنُ جريجٍ، قال ابنُ عباسٍ: حمَل نوحٌ معه في السفينةِ ثمانين إنسانًا
(4)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ: كان
(5)
بعضُهم يقولُ: كانوا ثمانين. يعني القليلَ الذي قال اللَّهُ: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} (4).
حدَّثني موسى بنُ عبدِ الرحمنِ المسروقيُّ، قال: ثنا زيدُ بنُ الحُبابِ، قال: ثنى حسينُ بنُ واقدٍ الخُراسانيُّ، قال: ثنى أبو نَهِيكٍ، قال: سمعتُ ابنَ عباسٍ يقولُ: كان في سفينةِ نوحٍ ثمانون رجلًا، أحدُهم جُرْهُمٌ
(6)
.
والصوابُ مِن القولِ في ذلك، أن يقالَ كما قال اللَّهُ: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فجعل".
(2)
في ص، ت 1، س، ف:"أمره"، وفي ت 2:"أمر الله".
(3)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 189.
(4)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 187.
(5)
في ت 2: "قال".
(6)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 187 عن موسى به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2030 من طريق زيد بن الحباب به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 333 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
قَلِيلٌ}، يَصِفُهم بأنهم كانوا قليلًا، ولم يُحَدَّ
(1)
عددُهم بمقدارٍ ولا خبرٍ عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صحيحٍ. فلا ينبغي أن يُتَجاوزَ في ذلك حدُّ اللَّهِ، إذ لم يكنْ لمَبْلَغِ عددِ ذلك حدٌّ مِن كتاب اللَّهِ، أو أثرٍ عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وقال نوحٌ: اركَبوا في الفُلكِ {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} . وفي الكلامِ محذوفٌ قد استُغْنِي بدَلالةِ ما ذُكر مِن الخبرِ عليه عنه، وهو قولُه:{قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} . فحَمَلهم نوحٌ فيها، وقال لهم: اركَبوا فيها. فاستُغنى بدَلالةِ قولِه: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} عن
(2)
حملِه إياهم فيها، فتُرِك ذكرُه.
واختلفت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} . فقرأته عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ والبصرةِ وبعضُ الكوفيِّين: (بسمِ اللَّهِ مُجْرَاهَا ومُرساها) بضمِّ الميمِ في الحرفين كليهما
(3)
. وإذا قُرِئ كذلك، كان مِن أَجْرَى وأَرْسَى، وكان فيه وجهان من الإعرابِ؛ أحدُهما الرفعُ، بمعنى: بسمِ اللَّهِ إجراؤُها وإرساؤُها. فيكونُ المُجْرَى والمُرْسَى مرفوعَين حينَئذٍ بالباءِ التي في قولِه: {بِسْمِ اللَّهِ} . والآخرُ النصبُ، بمعنى: بسمِ اللَّهِ عندَ إجْرائِها وإرْسائِها [أو وقتَ
(4)
إجرائِها وإرسائِها]
(5)
.
(1)
في م: "يحدد"، وفي ف:"نجد".
(2)
في ص، ت 1، س، ف:"على".
(3)
وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر. ينظر التيسير ص 101، والكشف عن وجوه القراءات السبع 1/ 528، وإتحاف فضلاء البشر ص 154.
(4)
سقط من: ص، ت 2، س، ف.
(5)
سقط من: ت 1.
فيكونُ قولُه: {بِسْمِ اللَّهِ} . كلامًا مُكْتَفِيًا بنفسِه، كقولِ القائلِ عندَ ابتدائِه في عملٍ يعملُه: باسمِ اللَّهِ. ثم يكونُ المُجْرَى والمُرْسَى منصوبَين على ما نصَبت العربُ قولَهم: الحمدُ للَّهِ سِرارَك وإهلالَك. يعنون الهلالَ أولَه وآخرَه. كأنهم قالوا: الحمدُ للَّهِ أولَ الهلالِ وآخرَه. ومسموعٌ منهم أيضًا: الحمدُ للَّهِ ما إهلالَك إلى سِرارِك.
وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفيين: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} ، بفتحِ الميمِ مِن {مَجْرَاهَا} ، وضَمِّها مِن {وَمُرْسَاهَا}
(1)
، فجعلوا {مَجْرَاهَا} مصدرًا مِن جَرَى يَجْرِي مَجْرًى. و {وَمُرْسَاهَا} ، مِن أرسَى يُرْسِي إِرساءً. وإذا قُرِئ ذلك كذلك كان في إعرابِهما مِن الوجهين نحوُ الذي فيهما إذا قُرِئا:(مُجرَاها ومُرساها)، بضمِّ الميمِ فيهما على ما بيَّنتُ.
ورُوِي عن أبي رجاءٍ العُطارديِّ، أنه كان يقرأُ ذلك:(بسمِ اللَّهِ مُجْرِيها وَمُرْسِيها) بضمِّ الميمِ فيهما، ويُصَيِّرُهما نعتًا للَّهِ
(2)
. وإذا قُرِئا كذلك، كان فيهما أيضًا وجهان مِن الإعرابِ، غيرَ أن أحدَهما الخفضُ، وهو الأغلبُ عليهما مِن وَجْهيِ الإعرابِ؛ لأن معنى الكلامِ على هذه القراءةِ: بسمِ اللَّهِ مُجْرِي الفلكِ ومُرسِيها. فالمُجْرِي نعتٌ لاسمِ اللَّهِ. وقد يَحْتَملُ أن يكونَ نصبًا، وهو الوجهُ الثاني؛ لأنه يَحسُنُ دخولُ الألفِ واللامِ في المُجْرِي والمُرْسِي، كقولِك: بسم اللَّهِ المُجْرِيها والمُرْسِيها. وإذا حُذِفتا نُصِبتا على الحالِ، إذ
(3)
كان فيهما معنى النَّكرةِ وإن كانا مضافَين إلى المعرفةِ.
وقد ذُكِر عن بعضِ الكوفيِّين أنه قرَأ ذلك: (مَجْراها ومَرْساها)، بفتحِ الميمِ
(1)
وهي قراءة عاصم في رواية حفص، وحمزة والكسائي مع إمالة الراء. ينظر المصادر السابقة.
(2)
ينظر البحر المحيط 5/ 225.
(3)
في ت 1، ت 2، س، ف:"إذا".
فيهما جميعًا
(1)
مِن جرَى ورَسا، كأنه وجَّهه إلى أنه: في حالِ جَرْيِها، وحالِ رُسُوِّها. وجعل كلتا الصفتَين للفُلْكِ، كما قال عنترةُ
(2)
:
فصَبَرتُ [نفسًا عندَ ذلك]
(3)
حُرَّةً
…
تَرْسُو إذا نَفْسُ الجبانِ تَطَلَّعُ
والقراءةُ التي نختارُها في ذلك قراءةُ مَن قرَأ: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا} بفتح الميمِ {وَمُرْسَاهَا} بضمِّ الميمِ، بمعنى: بسمِ اللَّهِ حِينَ تَجْري وحينَ تُرْسِي. وإنما اخترتُ الفتحَ في ميمِ {مَجْرَاهَا} لقربِ ذلك مِن قولِه: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} . ولم يقلْ: تُجْرَى بهم. ومَن قرَأ: (بِسْمِ اللَّهِ مُجْراها). كان الصوابُ على قراءتِه أن يقرأَ: (وهي تُجْرَى بهم). وفي إجماعِهم على قراءةِ: (تَجْرِي). بفتحِ التاءِ دليلٌ واضحٌ على أن الوجهَ في {مَجْرَاهَا} فتحُ الميمِ. وإنما اخْترنا الضمَّ في {مُرْسَاهَا} لإجماعِ الحجةِ مِن القَرَأةِ على ضمِّها، ومعنى قولِه:{مَجْرَاهَا} ، مسيرُها. {وَمُرْسَاهَا}: وَقْفُها، من: وقَفها اللَّهُ وأَرْساها.
وكان مجاهدٌ يقرأُ ذلك بضمِّ الميمِ في الحرفين جميعًا.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ. قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن وَرقاءَ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:(بسم اللَّهِ مُجْراها ومُرْساها) قال: حينَ يَركَبون ويُجْرُون ويُرْسُون
(4)
.
(1)
وهي قراءة شاذة، وقد قرأ بها ابن مسعود وعيسى الثقفي وزيد بن علي والأعمش. ينظر البحر المحيط 5/ 225.
(2)
في شرح ديوانه ص 89، واللسان (ص ب ر).
(3)
في الديوان واللسان: "عارفة لذلك".
(4)
تفسير مجاهد ص 387، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2033.
[حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: حدَّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثنا عيسى، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: بِسمِ اللَّهِ حينَ يَرْكَبون ويُجْرون ويُرْسُون]
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ نُميرٍ، عن وَرقاءَ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مُجاهدٍ:(بسم اللَّهِ مُجْراها ومُرْساها) قال: بسمِ اللَّهِ حِينَ يُجْرُون وحينَ يُرْسُون.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا جابرُ بنُ نوحٍ، قال: ثنا أبو رَوْقٍ، عن الضحاكِ في قولِه:(ارْكَبُوا فيها بسمِ اللَّهِ مُجْراها ومُرْساها). قال: إذا أراد أن تُرْسِيَ قال: باسمِ اللَّهِ. فأرسَت. وإذا أرادَ أن تَجريَ قال: باسمِ اللَّهِ. فجَرت
(2)
.
وقولُه: {إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} . يقولُ: إن ربي لساتِرٌ ذنوبَ مَن تَابَ وأَنابَ إليه، {رَحِيمٌ} بهم أن يعذِّبَهم بعدَ التوبةِ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)} .
يعني تعالى ذكرُه بقولِه: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ} : والفلكُ تَجْري بنوحٍ ومَن معه فيها، {فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} يامٌ {وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ} عنه، لم يَرْكبْ معه الفلكَ:{يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} الفلكَ، {وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} .
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ
(1)
سقط من: م.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2033 من طريق جابر بن نوح به بنحوه، وفيه تقديم وتأخير. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 333 إلى المصنف.
مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: قال ابنُ نوحٍ لما دَعاه نوحٌ إلى أن يَركبَ معه السفينةَ، خوفًا عليه مِن الغَرَقِ:{سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} . يقولُ: سأصيرُ إلى جبلٍ أتحصَّنُ به مِن الماءِ، فيَمْنَعُني منه أن يُغْرِقَني. ويعني بقولِه:{يَعْصِمُنِي} : يمنعُني، مثلَ عِصامِ القربةِ الذي يُشَدُّ به رأسُها، فيمنعُ الماءَ أن يسيلَ منها.
وقولُه: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} . يقولُ: لا مانعَ اليومَ مِن أمرِ اللَّهِ الذي قد نزَل بالخلقِ مِن الغرقِ والهلاكِ إِلا مَن رَحِمَنا، فأنْقَذَنا منه، فإنه الذي يمنعُ مَن شاء مِن خلقِه ويعصِمُ.
فـ "مَنْ" في موضعِ رفعٍ؛ لأن معنى الكلامِ: لا عاصم يَعصِمُ اليومَ مِن أمرِ اللَّهِ إلا اللَّهُ.
وقد اختلف أهلُ العربيةِ في موضعِ "مَن" في هذا الموضعِ؛ فقال بعضُ نحويِّي الكوفةِ
(1)
: هو في موضعِ نصبٍ؛ لأن المعصومَ بخلافِ العاصمِ، والمرحومَ معصومٌ. قال: كأن
(2)
نصْبَه بمنزلةِ قولِه: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157]. قال: ومَن استجازَ "اتِّباعُ الظَّنِّ"، والرفعَ في قولِه
(3)
:
وبَلْدةٍ ليس بها أَنِيسُ
…
إلا اليَعافِيرُ وإلا العِيسُ
لم يجزْ له الرفعُ في "مَنْ"؛ لأن الذي قال: إلا اليعافيرُ. جعلَ أنيسَ البرِّ اليعافيرَ وما أشْبَهَها. وكذلك قولُه: "إِلَّا اتِّبَاعُ الظَّنِّ" يقولُ: علمُهم ظَنٌّ. قال:
(1)
هو الفراء. ينظر معاني القرآن 2/ 15.
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
البيت لجران العود النميري، وقد تقدم في 7/ 483.
وأنت لا يجوزُ لك في وجهٍ أن تقولَ: المعصومُ هو عاصمٌ في حالٍ. ولكن لو جعَلْتَ العاصمَ في تأويلِ معصومٍ؛ [كأنَّك قلتَ]
(1)
: لا معصومَ اليومَ مِن أَمرِ اللَّهِ. لجازَ رفعُ "مَنْ". قال: ولا يُنْكَرُ أن يَخْرُجَ المفعولُ على فاعلٍ، ألا تَرى قولَه:{مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6]. معناه - واللَّهُ أعلمُ - مدفوقٌ. وقولُه: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21]، معناها: مَرْضيَّةٌ. قال الشاعرُ
(2)
:
دَعِ المَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها
…
واقْعُدْ فإنك أنتَ الطَّاعِمُ الكاسِي
ومعناه: المكسوُّ.
وقال بعضُ نحويِّي البصرةِ: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} ، على: لكنْ مَن رَحِم. ويجوزُ أن يكونَ على: لا ذا عِصْمةٍ. أي: معصومٌ. ويكونُ {إِلَّا مَنْ رَحِمَ} رفعًا، بدلًا من العاصمِ.
ولا وجهَ لهذه الأقوالِ التي حَكَيناها عن هؤلاء؛ لأن كلامَ اللَّهِ تعالى ذكرُه إنما يُوَجَّهُ إلى الأفصحِ الأشهرِ مِن كلامٍ مَن نزَل بلسانِه، ما وُجِدَ إلى ذلك سبيلٌ. ولم يضطرَّنا شيءٌ إلى أن نجعلَ عاصمًا في معنى معصومٍ، ولا أن نجعلَ "إلا" بمعنى "لكن"، إذ كنا نجدُ لذلك في معناه - الذي هو معناه في المشهورِ مِن كلامِ العربِ - مَخْرجًا صحيحًا، وهو
(3)
ما قلنا مِن أن معنى ذلك: قال نوحٌ: لا عاصمَ اليومَ مِن أمرِ اللَّهِ إلا مَن رَحِمَنا، فأنْجانا مِن عذابِه. كما يقالُ: لا مُنْجِيَ اليومَ مِن عذابِ اللَّهِ إلا اللَّهُ، ولا مُطْعِمَ اليومَ مِن طعامِ زيدٍ إلا زيدٌ. فهذا هو الكلامُ المعروفُ، والمعنى المفهومُ.
(1)
سقط من: النسخ. والمثبت من معاني القرآن يقتضيه السياق.
(2)
هو الحطيئة، والبيت في ديوانه ص 284.
(3)
بعده في ت 1، س:"من".
وقولُه: {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} . يقولُ: وحالَ بينَ نوحٍ وابنِه موجُ الماءِ، فغَرِقَ، فكان ممن أهْلَكَه اللَّهُ بالغرقِ مِن قومِ نوحٍ صلى الله عليه وسلم.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وقال اللَّهُ للأرضِ [بعدَ ما]
(1)
تَناهى أمرُه في هلاكِ قومِ نوحٍ، بما أهْلَكَهم به مِن الغرقِ:{يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} ، أي: تَشَرَّبي. مِن قولِ القائلِ: بَلِع فلانٌ كذا يَبْلَعُه، و
(2)
بَلَعَه يَبْلَعُه. إذا ازْدَرَدَه
(3)
. {وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي} ، يقولُ: أقْلِعي عن
(4)
المطرِ، أمْسِكي، {وَغِيضَ الْمَاءُ} ، ذهَبت به الأرضُ ونَشِفَته، {وَقُضِيَ الْأَمْر}. يقولُ: قُضِي أمرُ اللَّهِ، فَمَضَى بهلاكِ قومِ نوحٍ، {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} ، يعني الفُلْكَ اسْتَوت، أرْسَت
(5)
على الجودِيِّ، وهو جبلٌ، فيما ذُكِرَ، بناحيةِ المَوصِلِ أو الجزيرةِ، {وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ، يقولُ: قال اللَّهُ: أبْعَدَ اللَّهُ القومَ الظالمين، الذين كفَروا باللَّهِ مِن قومِ نوحٍ.
حدَّثنا عبادُ بنُ يعقوبَ الأسديُّ، قال: ثنا المحاربيُّ، عن عثمانَ بنِ مَطرٍ، عن عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ الغفورِ، عن أبيه، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "في أولِ يومٍ مِن رجبٍ رَكِبَ نوحٌ السفينةَ، فصامَ هو وجميعُ مَن معه، وجَرَتْ السفينةُ ستةَ أشهرٍ، فانْتَهَى ذلك إلى المُحَرَّمِ، فأرْسَتِ السفينةُ على الجُودِيِّ يومَ عاشوراءَ، فصامَ
(1)
في ت 1: "بعد"، وفي ت 2:"لما".
(2)
في م: "أو".
(3)
ازدرده: ابتلعه. اللسان (ز ر د).
(4)
سقط من: ص، ت 2، س، ف.
(5)
في ت 1، س، ف:"أرسيت".
نوحٌ، وأمَرَ جميعَ مَن معه مِن الوحشِ والدوابِّ، فَصَامُوا شكرًا للَّهِ"
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: كانت السفينةُ أعْلاها للطيرِ، ووَسَطُها للناسِ، وفي أسفلِها السباعُ، وكان طولُها في السماءِ ثلاثين ذراعًا، ودُفِعَت مِن عينِ وَرْدةَ
(2)
يومَ الجُمعةِ لعشرِ ليالٍ مَضَين مِن رجبٍ، وأَرْسَت على الجوديِّ يومَ عاشوراءَ، ومَرَّت بالبيتِ، فَطافَت به سبعًا، وقد رفَعه اللَّهُ مِن الغرقِ، ثم جاءت اليمنَ، ثم رجَعت
(3)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن أبي جعفرٍ الرازيِّ، عن قتادةَ، قال: هبَط نوحٌ مِن السفينةِ يومَ العاشرِ مِن المحرَّمِ، فقال لمَن معه: مَن كان منكم اليومَ صائمًا فليُتِمَّ صومَه، ومَن كان مفطرًا فليَصُمْ
(3)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن أبي مَعْشرٍ، عن محمدِ بنِ قيسٍ قال: ما
(4)
كان
(5)
زمنَ نوحٍ شبرٌ مِن الأرضِ، إلا
(6)
إنسانٌ يَدَّعِيه
(3)
.
(1)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 189، 190 بهذا الإسناد. وأخرجه ابن عساكر في تاريخه 51/ 238 من طريق عبد الغفور بن عبد العزيز به. وهو حديث موضوع ذكره السيوطي في اللآلئ المصنوعة 2/ 116، 117. وعبد العزيز بن عبد الغفور هكذا، قال عنه الحافظ في الإصابة 5/ 250: وهذا مقلوب. وتقدم في 10/ 247 واسمه هناك عبد الغفار بن عبد العزيز.
(2)
عين وردة: هي مدينة رأس عين وهي مدينة كبيرة مشهورة من مدن الجزيرة بين حران ونصيبين ودنيسر. ينظر معجم البلدان 2/ 731، 3/ 764.
(3)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 190.
(4)
سقط من: النسخ، والمثبت من التاريخ.
(5)
بعده في م: "في".
(6)
في النسخ: "لا". والمثبت من التاريخ.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: ذُكِرَ لنا أنها - يعني الفُلكَ - استقلَّت بهم في عشرٍ خَلَون من رجبٍ، وكانت في الماءِ خمسين ومائةَ يومٍ، واسْتقرَّت على الجوديِّ شهرًا، وأُهبِطَ بهم في عشرٍ مِن المحرمِ يومَ عاشوراءَ
(1)
.
وبنحوِ ما قُلنا في تأويلِ قولِه: {وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَغِيضَ الْمَاءُ} قال: نَقَصَ. {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} قال: هلاكُ قومِ نوحٍ
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
قال: قال ابنُ جريجٍ: {وَغِيضَ الْمَاءُ} نَشِفَتْه الأرضُ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، قال: ثنا معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي} يقولُ: أمْسِكي. {وَغِيضَ الْمَاءُ} يقولُ: ذَهَب
(1)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 190.
(2)
تفسير مجاهد ص 387، 388، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2037، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 335 إلى أبي الشيخ.
الماءُ
(1)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَغِيضَ الْمَاءُ} الغُيوضُ ذهابُ الماءِ. {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}
(2)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ نُمَيرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} . قال: جبلٌ بالجزيرةِ، تشامَخت الجبالُ مِن الغرقِ، وتواضَعَ هو للهِ؛ فلم يغرَقْ، [وأُرسِيت]
(3)
عليه
(4)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} . قال: الجوديُّ جبلٌ بالجزيرةِ
(5)
، تَشامَخَت الجبالُ يومئذٍ من الغرقِ وتطاوَلت، وتَواضَعَ هو للهِ؛ فلم يَغرَقْ، [وأَرسَت]
(6)
سفينةُ نوحٍ عليه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قوله:{وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} . يقولُ: على الجبلِ، واسمُه
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2036 من طريق أبي صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 335 إلى ابن المنذر.
(2)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2036 معلقا.
(3)
في م، ت 1، س، ف:"فأرسيت"، وفي ت 2:"فأرسلت".
(4)
تفسير مجاهد ص 388، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2037 من طريق ورقاء به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 335 إلى أبي الشيخ.
(5)
بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"قال".
(6)
في ص، م، ت 1، س:"وأرسيت"، وفي ف:"فأرسيت".
الجُوديُّ
(1)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} . قال: جبلٌ بالجزيرةِ، شَمَخت الجبالُ، وتواضَع حينَ أرادتْ أن ترفأَ عليه سفينةُ نوحٍ.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} : أبقاها اللهُ لنا بوادي أرضِ الجزيرةِ عِبرةً وآيةً
(2)
.
حُدِّثتُ عن الحسينِ، قال: سَمِعتُ أبا معاذٍ، قال: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} : هو جبلٌ بالمَوصلِ
(3)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: ذُكرَ لنا أن نوحًا بعثَ الغرابَ لينظرَ إلى الماءِ، فوجدَ جِيفةً فوقعَ عليها، فبعَث الحمامةَ فأتَته بورقِ الزيتونِ، فأُعطِيَتِ الطوقَ الذي في عنُقِها، وخضابَ رِجليها
(4)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال: لما أرادَ اللهُ أن يَكُفَّ ذلك - يعني الطوفانَ - أرسلَ ريحًا على وجهِ الأرضِ، فسكَن الماءُ، واستدَّت
(5)
ينابيعُ الأرضِ الغمرَ الأكبرَ، وأبوابُ السماءِ. يقولُ اللَّهُ تعالى
(6)
: {وَقِيلَ يَاأَرْضُ
(1)
أخرج نحوه ابن سعد في طبقاته 1/ 40 من طريق آخر عن ابن عباس مطولًا.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2037، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 335 إلى أبي الشيخ.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2037 من طريق آخر عن الضحاك به.
(4)
تفسير عبد الرزاق 1/ 304 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 334 إلى أبي الشيخ.
(5)
في ت 2، س:"اشتدت".
(6)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"لمحمد".
ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي}، إلى {بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ، فَجَعَل الماءُ
(1)
ينقُصُ ويغيضُ ويُدبِرُ. وكان استواءُ الفلكِ على الجوديِّ - فيما يزعُمُ أهلُ التوراةِ - في الشهرِ السابعِ لسبعَ عشْرَةَ ليلةً مضَت منه، في أوّلِ يومٍ من الشهرِ العاشرِ رُئِي رءوسُ الجبالِ، فلما مَضَى بعد ذلك أربعون يومًا
(2)
، فتَح نوحٌ كُوَّةَ الفلكِ التي صنَع فيها، ثم أرسلَ الغرابَ لينظرَ له ما فعلَ الماءُ، فلم يرجِعْ إليه، فأرسلَ الحمامةَ فرجَعت إليه، ولم يَجدْ لرجلَيها موضعًا، فبسط يدَه للحمامةِ فأخَذها، ثم مكَث سبعةَ أيامٍ، ثم أرسَلها لتنظُرَ له، فرجَعت حينَ أمست وفي فِيها ورقُ زيتونةٍ، فعَلِم نوحٌ أن الماءَ قد قلَّ عن
(3)
وجهِ الأرضِ، ثم مكَث سبعةَ أيامٍ، ثم أرسَلها فلم ترجِعْ، فعَلِمَ نوحٌ أن الأرضَ قد برَزتْ، فلما كمَلت السنةُ فيما بينَ أن أرسَل اللهُ الطوفانَ إلى أن أرسلَ نوحٌ الحمامةَ، ودخَل يومٌ واحدٌ من الشهرِ الأوَّلِ مِن سنةِ اثنتين - برَز وَجهُ الأرضِ، وظهَر اليَبَسُ، وكشَف نوحٌ غِطاءَ الفلكِ، ورأى وجهَ الأرضِ، وفي الشهرِ الثاني مِن سنةِ اثنتَين في سبعٍ وعشرين ليلةً منه، قيل لنوحٍ:{اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} . حُدِّثتُ عن الحسين بن الفرج، قال: سمعتُ أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عبيد بنُ سليمان، قال: سمعتُ الضحاكَ يقولُ: يزعُمُ ناسٌ أن مَن غَرِقَ مِن الولدان مع آبائهم، وليس كذلك، إنما الولدان بمنزلة الطير وسائر من أغرَقَ الله بغير ذنب، ولكن
(1)
سقط من: م.
(2)
في ت 1: "ليله".
(3)
في ت 2: "على".
حضَرتْ آجالُهم فماتوا لآجالِهم، والمُدرِكون
(1)
مِن الرجالِ والنساءِ كان الغَرَقُ عقوبةً مِن اللهِ لهم في الدنيا، ثم مصيرُهم إلى النارِ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ونادى نوحٌ ربَّه، فقال: ربِّ إنك وَعَدتَّني أن تُنَجِّيَني مِن الغرقِ والهلاكِ وأهلي، وقد هلَك ابنِي، وابنِي من أهلي، {وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} الذي لا خُلفَ له، {وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} بالحقِّ، فاحكم لي بأن تَفيَ لي
(2)
بما وعدتَّني، من أن تُنَجِّي لي أهلي، وتُرجِعَ إليَّ ابني.
كما حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} . قال: أحكمُ الحاكمين بالحقِّ
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: قال اللهُ: يا نوحُ، إن الذي غرَّقتُه فأهلكتُه، الذي تذكُرُ أنه مِن أهلِك، ليس مِن أهلِك.
واختلف أهلُ التأويلِ في معنى قوله: {لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} ، فقال بعضُهم: معناه: ليس مِن ولدِك، هو مِن غيرِك. وقالوا: كان ذلك مِن حِنثٍ
(4)
.
(1)
في ف: "المذكورون".
(2)
سقط من: م.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2039 من طريق أصبغ عن ابن زيد به.
(4)
الحنث: الإثم، وأولاد الحنث: أولاد الزنى. تاج العروس (ح ن ث).
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هشيمٌ، عن عوفٍ، عن الحسنِ في قولِه:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} . قال: لم يكن ابنَه
(1)
.
حدَّثنا أبو كريبٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا يحيى بنُ يمانٍ، عن شَريكٍ، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} . قال: ابنَ امرأتِه
(2)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ عُليَّةَ، عن أصحابِه
(3)
، ابنُ أبي عَروبةَ فيهم، [عن]
(4)
الحسنِ، قال
(5)
: واللهِ ما هو بابنِه
(6)
.
قال: ثنا أبي، عن إسرائيلَ، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} . قال: هذه بلغةِ طَيِّئٍ
(7)
، لم يكنِ ابنَه، كان ابنَ امرأتِه (2).
حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عَونٍ، قال: ثنا هشيمٌ، عن عَوفٍ ومنصورٍ، عن الحسنِ في قولِه:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} . قال: لم يكن ابنَه. وكان يقرؤُها: (إنه عمِل غيرَ صالحٍ)
(8)
.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2039 من طريق هشيم به. وفيه: "أبيه" بدل "ابنه".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2034 من طريق إسرائيل عن جابر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 334 إلى أبي الشيخ وابن المنذر.
(3)
في م: "أصحاب".
(4)
سقط من النسخ. وما أثبتناه هو الصواب. فابن علية يروي عن ابن أبي عروبة، وهو يروي عن الحسن. ينظر تهذيب الكمال 11/ 5.
(5)
في ص، ت 1، س، ف:"قالا". وبعده في م: "لا".
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2034 من طريق قتادة عن الحسن بلفظ: ليس بابنه.
(7)
بعده في ت 2: "على من".
(8)
وهي قراءة الكسائي وحده من السبعة، ينظر السبعة ص 334، وتنظر الحاشية (1) من ص 435.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزّاقِ، قال: أخبرَنا مَعمرٌ، عن قتادةَ قال: كنتُ عندَ الحسنِ، فقال:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} : لعَمرُ اللهِ ما هو ابنَه. قال: قلتُ: يا أبا سعيدٍ، يقولُ اللَّهُ:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} ، وتقولُ: ليس بابنِه؟! قال: أفرأيت قولَه: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} ؟ قال: قلتُ: إنه ليس مِن أهلِك الذين وعدتُك أن أُنَجِّيَهم معك، ولا يختلِفُ أهلُ الكتابِ أنه ابنُه. قال: إن أهلَ الكتابِ يَكذِبون
(1)
.
حدَّثنا بشرٌ: قال: ثنا يزيدُ، قال ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: سمِعتُ الحسنَ يقرأُ هذه الآيةَ: (إنه ليس من أهْلِكَ إنه عَمِلَ غيرَ صالحٍ). فقال عندَ ذلك: واللهِ ما كان ابنَه
(2)
. ثم قرَأ هذه الآيةَ: {فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم: 10]. قال سعيدٌ: فذكرتُ ذلك لقتادةَ، قال: ما كان يَنبغي له أن يَحلِفَ.
حدَّثني محمدُ بنُ عمروٍ، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} . قال: تَبَيَّنَ لنوحٍ أنه ليس بابنِه
(3)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} . قال: بيَّن اللهُ لنوحٍ أنه ليس بابنِه.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 306.
(2)
في ت 1، ت 2، س:"بابنه".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2040 من طريق ابن أبي نجيح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 336 إلى أبي الشيخ.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
قال ابنُ جريجٍ في قولِه: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} . قال: ناداه وهو يحسَبُه أنه ابنُه، وكان وُلِدَ على فراشِه.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن ثُويرٍ
(1)
، عن أبي جعفرٍ:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} . قال: لو كان مِن أهلِه لنَجا.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا سفيانُ، عن عمرٍو، سَمِعَ
(2)
عُبيدَ بنَ عميرٍ يقولُ: نَرى أن ما قَضى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الولدُ للفِراشِ". [مِن أجلِ ابنِ نوحٍ]
(3)
(4)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ عُليَّةَ، عن ابنِ عَونٍ، عن الحسنِ، قال: لا واللهِ ما هو بابنِه.
وقال آخرون: معنى ذلك: ليس من أهلك الذين وعدتُك أن أُنجِّيَهم.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أبو كُريبٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابنُ يمانٍ، عن سفيانَ، عن أبي عامرٍ، عن الضحاكِ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} . قال:
(1)
في م، ت 1:"ثور". وينظر تهذيب الكمال 2/ 515، 4/ 429.
(2)
في م: "وسمع".
(3)
في التمهيد: "نوح".
(4)
أخرجه ابن عبد البر في التمهيد 8/ 194 من طريق سفيان بن عيينة به. وقال ابن حجر في الفتح 12/ 39: وجاء من مرسل عبيد بن عمير وهو أحد كبار التابعين، أخرجه ابن عبد البر بسند صحيح إليه.
هو ابنُه.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن سفيانَ، قال: ثنا أبو عامرٍ، عن الضحاكِ، قال: قال ابنُ عباسٍ: هو ابنُه، ما بَغتِ
(1)
امرأةُ نبيٍّ قطُّ.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن أبي عامرٍ الهمدانيِّ، عن الضحاكِ بن مُزاحمٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: ما بَغتِ امرأةُ نبيٍّ قطُّ، قال: وقولُه: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} : الذين وعدتُك
(2)
أن أُنجِّيَهم معك
(3)
.
حدَّثنا الحسنُ، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ وغيرِه، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ، قال: هو ابنُه، غيرَ أنه خالَفه في العملِ والنيةِ. قال عكرمةُ في بعضِ الحروفِ:(إنه عَمِلَ عملًا غيرَ صالحٍ)، والخيانةُ تكونُ على غيرِ بابٍ
(4)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: كان عكرمةُ يقولُ: كان ابنَه، ولكن كان مخالفًا له في النيةِ والعملِ، فمِن ثُمَّ قيل له:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} .
(1)
في تفسير ابن أبي حاتم: "بعث".
(2)
في ف: "وعدتهم".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2034، 2039 عن الحسن بن يحيى به، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 310، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (17/ 663 - مخطوط) عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 335 إلى الفريابي وابن المنذر وأبي الشيخ.
(4)
قوله: "على غير باب". يريد أنها تكون من عدة وجوه، وليست خيانة الزنا فقط. والأثر في تفسير عبد الرزاق 1/ 307 وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2034، 2039 عن الحسن بن يحيى عنه به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 333 إلى ابن المنذر وسعيد بن منصور.
حدَّثنا الحسنُ، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ وابنُ عُيينةَ، عن موسى بنِ أبي عائشةَ، عن سليمانَ بنِ قَتَّةَ، قال: سمِعتُ ابنَ عباسٍ يُسألُ - وهو إلى جنبِ الكعبةِ - عن قولِ اللهِ تعالى: {فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم: 10]. قال: أمَا إنه لم يكنْ بالزِّنى، ولكن كانت هذه تخبرُ الناسَ أنه مجنونٌ، وكانت هذه تَدُلُّ على الأضيافِ، ثم قرَأ:(إِنَّه عَمِل غيرَ صالحٍ)
(1)
.
قال ابنُ عُيينةَ: وأخبَرني عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ أنه سأَل سعيدَ بنَ جبيرٍ عن ذلك، فقال: كان ابنَ نوحٍ، إن اللهَ لا يَكذِبُ، قال:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ}
(2)
. قال: وقال بعضُ العلماءِ: ما فجَرتِ امرأةُ نبيٍّ قطُّ.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ. قال: ثنا ابنُ عُيينةَ، عن عَمَّارٍ الدُّهْنيِّ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، قال: قال اللهُ وهو الصادقُ - وهو ابنُه: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} .
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا ابنُ يمانٍ، عن سعيدٍ، عن موسى بنِ أبي عائشةَ، عن عبدِ اللهِ بنِ شدادٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: ما بَغَتِ امرأةُ نبيٍّ قطُّ
حدَّثنا يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: سألتُ أبا بشرٍ عن قولِه: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} . قال: ليس مِن أهلِ دينِك، وليس ممن وعدتُك أن أُنجِّيَهم
(3)
.
قال يعقوبُ: قال: هشيمٌ: كان عامةُ ما كان يحدِّثُنا أبو بشرٍ، عن سعيدِ بنِ
(1)
تفسير الثوري ص 130، تفسير عبد الرزاق 1/ 310، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (1092 - تفسير) مختصرًا، والآجري في تحريم اللواط (11)، والحاكم 2/ 496 من طرق عن الثوري به.
(2)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2034 معلقا.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أنجيه منهم"، وفي سعيد بن منصور:"أنجيه معك". والأثر أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1090 - تفسير) عن هشيم به.
جبيرٍ.
[حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ عُبيدٍ، عن يعقوبَ بنِ قيسٍ، قال: أتَى سعيدَ بنَ جبيرٍ]
(1)
رجلٌ فقال: يا أبا عبدِ اللهِ، الذي ذكَر اللهُ في كتابِه، ابنُ نوحٍ، ابنُه هو؟ قال: نعم واللهِ، إن نبيَّ اللَّهِ أمَره أن يَركبَ معه في السفينة فعصَى، فقال:{سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} . قال: {قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} ؛ لمعصيةِ
(2)
نبيِّ اللهِ
(3)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: أخبَرني أبو صخرٍ، عن أبي معاويةَ البَجَليِّ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ أنه جاء إليه رجلٌ فسأَله، فقال: أرأيتَك ابنَ نوحٍ، ابنُه؟ فسبَّحَ طويلًا، ثم قال: لا إله إلا اللهُ، [يحدِّثُ اللهُ محمدًا]
(4)
: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} ، وتقولُ: ليس منه! ولكن خالَفه في العملِ، فليس منه مَن لم يؤمِنْ.
حدَّثني يعقوبُ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابنُ عُليَّةَ، عن أبي هارونَ الغَنَويِّ، عن عكرمةَ في قولِه:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} . قال: أشهدُ أنه ابنُه، قال اللهُ:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ}
(5)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن إسرائيلَ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ وعكرمةَ، قالا: هو ابنُه.
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
في ص، ت 1، س، ف:"لمعصيته".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2039 من طريق يعقوب بن قيس به بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 336 إلى سعيد بن جبير دون القصة.
(4)
سقط من: ت 1، ت 2.
(5)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2034 معلقا.
حدَّثني فضَالةُ بنُ الفضلِ
(1)
الكوفيُّ، قال: قال بَزِيعٌ: سأل رجلٌ الضحاكَ عن ابنِ نوحٍ، فقال: ألَا تَعجَبون إلى هذا الأحمقِ، يسألُني عن ابنِ نوحٍ، وهو ابنُ نوحٍ، كما قال اللهُ: قال نوحٌ لابنِه.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا عبيدٌ، عن الضحاكِ أنه قرأ:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} ، وقولَه:{لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} . قال: يقولُ
(2)
: ليس هو مِن أهل ولايتِك، ولا ممن وعدتُك أن أنجِّيَ مِن أهلِك، {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}. قال: يقولُ: كان عملُه في شركٍ
(3)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو معاويةَ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ، قال: هو والله ابنُه لصُلبِه.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} . قال: ليس مِن أهلِ دينِك، ولا ممن وعدتُك أن أنجِّيَه. وكان ابنَه لصُلبِه.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} . يقولُ: ليس ممن وَعَدناه النجاةَ.
حُدِّثتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ، قال: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} . يقولُ: ليس مِن أهلِ ولايتِك، ولا ممن وَعَدتُك أن أُنجِّيَ مِن أهلِك، إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ
(1)
في س: "الفضيل".
(2)
بعده في م: "ليس هو من أهلك، قال: يقول".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2039 من طريق آخر عن الضحاك بنحوه.
صَالِحٍ}
(1)
: كان عملُه في شركٍ
(2)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا خالدُ بنُ حيَّانَ، عن جعفرِ بنِ بُرقانَ، عن ميمونٍ وثابتِ بنِ الحجاجِ، قالا: هو ابنُه، وُلِدَ على فراشِه.
وأولى القولين في ذلك بالصوابِ، قولُ مَن قال: تأويلُ ذلك: إنه ليس مِن أهلِك الذين وعدتُك أن أُنجِّيَهم، لأنه كان لدينِك مُخالفًا وبي كافرًا، وكان ابنَه لأن اللهَ تعالى ذكرُه قد أخبَر نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه ابنُه، فقال:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} . وغيرُ جائزٍ أن يخبرَ أنه ابنُه، فيكونَ بخلافِ ما أخبَر. وليس في قولِه:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} دَلالةٌ على أنه ليس بابنِه، إذ كان قولُه:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} محتملًا مِن المعنى ما ذكَرنا، ومحتملًا أنه ليس من أهل دينِك، ثم يحذفُ الدينُ، فيقالُ: إنه ليس مِن أهلِك، كما قيل:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: 82].
وأما قولُه: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} . فإن القرأةَ اختلفت في قراءتِه؛ فقرأته عامةُ قرَأةِ الأمصارِ: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} بتنوينِ {عَمَلٌ} ، ورفعِ {غَيْرُ}
(3)
؛ واختلَف الذين قَرءوا ذلك كذلك في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: معناه: إن مسألتَك إياي هذه عملٌ غيرُ صالحٍ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مغيرةَ، عن إبراهيمَ:{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} . قال: إن مسألتَك إياي هذه، عملٌ غيرُ صالحٍ.
(1)
بعده في م: "يقول".
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 336 إلى أبي الشيخ.
(3)
هذه قراءة السبعة غير الكسائي.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} أي: سوءٌ، {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}
(1)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} . يقولُ: سؤالُك عما ليس لك به علمٌ
(2)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن حمزةَ الزياتِ، عن الأعمشِ، عن مجاهدٍ قولَه:{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} . قال: سؤالُك إياي عملٌ غيرُ صالحٍ، {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} .
وقال آخرون: بل معناه: إن الذي ذكرتَ أنه ابنُك، فسألتَني أن أُنَجِّيَه، عملٌ غيرُ صالحٍ؛ أي: إنه لغيرِ رِشدةٍ. وقالوا: الهاءُ في قولِه: {إِنَّهُ} عائدةٌ على الابنِ
(3)
.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ نُميرٍ، عن ابنِ أبي عَروبةَ، عن قتادةَ، عن الحسنِ أنه قرأ:{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} . قال: ما هو واللهِ بابنِه
(4)
.
ورُوِي عن
(5)
جماعةٍ مِن السلفِ أنهم قَرَءوا ذلك: (إنَّهُ عَمِلَ غيرَ صالحٍ)، على وجهِ الخبرِ عن الفعلِ الماضي، و (غيرَ) منصوبةٌ
(6)
. وممن رُوِي عنه أنه قرَأَ ذلك
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 310 عن معمر به، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (1093 - تفسير) من طريق آخر عن قتادة.
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 336 إلى المصنف.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الأثر".
(4)
ينظر ما تقدم في ص 426، 428.
(5)
بعده في ف: "حماد عن".
(6)
هي قراءة الكسائي. ينظر السبعة ص 334.
كذلك ابنُ عباسٍ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ عُيينةَ، عن موسى بنِ أبي عائشةَ، عن سليمانَ بنِ قتَّةَ، عن ابنِ عباسٍ أنه قرَأ:(عمِلَ غيرَ صالحٍ).
ووجَّهوا تأويلَ ذلك إلى ما حدَّثنا به ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عُندَرٌ، عن ابنِ أبي عَروبةَ، عن قتادةَ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ:(إِنَّه عَمِلَ غيرَ صالحٍ). قال: كان مخالفًا له في النيةِ والعملِ
(2)
.
ولا نعلمُ هذه القراءةَ قرَأ بها أحدٌ مِن قرَأةِ الأمصارِ إلا بعضَ المتأخرين، واعتَلَّ في ذلك بخبرٍ رُوِي عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قرَأ ذلك كذلك - غيرِ صحيحِ السندِ، وذلك حديثٌ رُوِيَ عن شهرِ بنِ حوشَبٍ؛ فمرةً يقولُ: عن أمِّ سلمةَ. ومرةً يقولُ: عن أسماءَ بنتِ يزيدَ. ولا نعلمُ [أيَّةَ يُريدُ]
(3)
، ولا نعلمُ لشَهرٍ سماعًا يَصحُّ عن أمِّ سلَمَةَ
(4)
.
(1)
البحر المحيط 5/ 229، وهي قراءة علي وأنس وعائشة. وهي في مصحف ابن مسعود، وقرأ بها أيضًا يعقوب. ينظر النشر 2/ 217.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1094 - تفسير) من طريق ابن أبي عروبة به. وينظر ما تقدم ص 429.
(3)
في ص، ت 2، ف:"ابنة يزيد"، وفي م:"لبنت يزيد"، وفي س:"ابنت يريد".
(4)
هذه قراءة سبعية، قرأ بها الكسائي ورويت عن ابن عباس وعائشة، وهي قراءة علي وأنس، وقرأ بها يعقوب الحضرمي. وأما الخبر الذي روي عن أم المؤمنين أم سلمة؛ فقد أخرجه الطيالسي (1699) وأحمد (6/ 294، 309 - الميمنية)، وأبو داود (3983)، والترمذي (2931، 2932)، من طرق عن شهر عن أم سلمة. وأخرجه الطيالسي أيضًا (1736)، وأحمد (6/ 454، 459، 460 - الميمنية)، وأبو داود (3982) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر عن أسماء بنت يزيد الأنصارية. وشهر يروي أحاديث يتفرد بها لم يشركه فيها أحد. ينظر تهذيب الكمال 12/ 586، والتعليق على مسند الطيالسي 3/ 173، 200.
والصوابُ مِن القراءةِ في ذلك عندَنا
(1)
ما عليه قرَأةُ الأمصارِ؛ وذلك رفعُ {عَمَلٌ} بالتنوينِ، ورفعُ {غَيْرُ} ، بمعنى: إن سؤالَك إيَّاي ما تَسألنيه في ابنِك - المُخالفِ دينَك، المُوالي أهلَ الشركِ بي؛ مِن النجاةِ مِن الهلاكِ، وقد مَضَتْ إجابتي إياك في دعائِك:{لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]، ما قد مضَى، مِن غيرِ استثناءِ أحدٍ منهم - عملٌ غيرُ صالحٍ؛ لأنه مسألةٌ منك إليَّ أن لا أفعلَ ما قد تقدَّمَ مني القولُ بأني أفعله في إجابتي مسألتَك إياي فِعْلَه. فذلك هو العملُ غيرُ الصالحِ.
وقولُه: {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} . نهيٌ من اللهِ تعالى ذكرُه نبيَّه نوحًا أن يسألَه عن أسبابِ أفعالِه التي قد طَوَى علمَها عنه وعن غيرِه مِن البشرِ. يقولُ له تعالى ذكرُه: إني يا نوحُ قد أخبرتُك عن سؤالِك سببَ إهلاكي ابنَك الذي أهلكتُه، فلا تَسألنِ بعدَها عما
(2)
قد طوَيتُ علمَه عنك مِن أسبابِ أفعالي، وليس لك به علمٌ:{إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [في مسألتِك إياي عن ذلك.
وكان ابنُ زيدٍ يقولُ في قولِه: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} ]
(3)
ما حدَّثني به يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} : أن تبلُغَ الجهالةُ بك أن لا أَفِيَ لك بوعدٍ وعدتُك، حتى تسألَني ما ليس لك به علمٌ، {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
(4)
.
واختلفت القرَأةُ في قراءةِ قولِه: {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} .
فقرأ ذلك عامةُ قرَأَةِ الأمصارِ: {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} بكسرِ النونِ
(1)
القراءتان المتقدمتان كلتاهما صواب.
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س:"عمل".
(3)
سقط من: ت 1، س، ف.
(4)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 336 إلى أبي الشيخ.
وتخفيفِها
(1)
، ونَحَوْا بكسرِها إلى الدَّلالةِ على الياءِ التي هي كنايةُ اسمِ اللهِ: فلا تسألْني
(2)
.
وقرَأ ذلك بعضُ المكيِّين، وبعضُ أهلِ الشامِ:(فلا تسألَنَّ) بتشديدِ النونِ وفتحِها
(3)
، بمعنى: فلا تَسألنَّ يا نوحُ ما ليس لك به علمٌ.
والصوابُ مِن القراءةِ في ذلك عندَنا، تخفيفُ النونِ وكسرُها؛ لأن ذلك هو الفصيحُ مِن كلامِ العربِ، المستعملُ بينَهم
(4)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)} .
يقولُ تعالى ذكرُه مخبرًا نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم عن إنابةِ نوحٍ، عليه السلام، [إليه بالتوبةِ]
(5)
مِن زَلَّتِه، في مسألتِه التي سألها ربَّه في ابنِه:{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ} . أي أستجيرُ بك أن أتكلَّفَ مسألتَك {مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} ، مما قد استأثرتَ بعلمِه، وطويتَ علمَه عن خلقِك، فاغفِرْ لي زلَّتي في مسألتي إياك ما سألتُك في ابني، وإن أنت لم تغفِرْها لي وتَرحمْني فتُنقِذْني مِن غضبِك {أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. يقولُ: مِن الذين غَبَنوا أنفسَهم حظوظَها وهَلَكوا.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: {يَانُوحُ اهْبِطْ} مِن الفلكِ إلى الأرضِ، {بِسَلَامٍ
(1)
هي قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي. السبعة ص 335.
(2)
في ص، م، ت 1، س، ف:"تسألن".
(3)
هي قراءة ابن كثير وقرأ نافع وابن عامر بفتح اللام وكسر النون والتشديد. السبعة ص 335.
(4)
القراءتان كلتاهما صواب.
(5)
في م: "بالتوبة إليه".
مِنَّا}. يقولُ: بأمنٍ مِنَّا أنت ومَن معك مِن إهْلاكِنا، {وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ}. يقولُ:[وبركاتٍ]
(1)
عليك، {وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ}. يقولُ: وعلى قرونٍ تجيءُ مِن ذريةِ مَن معك مِن ولدِك. فهؤلاء المؤمنون مِن ذريَّةِ نوحٍ الذين سَبَقَت لهم مِن اللَّهِ السعادةُ، وبارَكَ عليهم قبلَ أن يَخلُقَهم في بطونِ أمهاتِهم وأصْلابِ آبائِهم. ثم أخبَر تعالى ذكرُه نوحًا عما هو فاعلٌ بأهلِ الشَّقاءِ مِن ذُرِّيتِه، فقال له:{وَأُمَمٌ} . يقولُ: وقرونٌ وجماعةٌ، {سَنُمَتِّعُهُمْ} في الحياةِ الدنيا، يقولُ: نرزقُهم فيها ما يَتَمتَّعون به، إلى أن يَبْلُغوا آجالَهم، {ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}. يقولُ: ثم نُذِيقُهم إذا وَرَدوا علينا عذابًا مؤلمًا مُوجِعًا.
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن موسى بنِ عُبيدةَ، عن محمدِ بنِ كعبٍ القُرَظيِّ:{قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} إلى آخرِ الآيةِ. قال: دخَل في ذلك السلامِ كلُّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ إلى يومِ القيامةِ، ودخَل في ذلك العذابِ والمتاعِ كلُّ كافرٍ وكافرةٍ إلى يومِ القيامةِ
(2)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو داودَ الحَفَرِيُّ، عن سفيانَ، عن موسى بنِ عبيدةَ، عن محمدِ بنِ كعبٍ القُرَظيِّ:{قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} . قال: دخَل في السلامِ
(3)
كلُّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ، وفي
(1)
كذا في النسخ، ولعل الصواب:"وببركات".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2042 من طريق وكيع به، وأخرجه أيضًا 6/ 2041 من طريق موسى بن عبيدة بنحو شطره الأول، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 337 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الإسلام".
الشركِ كلُّ كافرٍ وكافرةٍ
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ قراءةً عن ابنِ جريجٍ: {وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} . يعني: ممن لم يُولَدْ: قد قَضَى
(2)
البركاتِ لمَن سبَق له في علمِ اللَّهِ وقضائِه [السعادةُ، {وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ}: مَن سبَق له في علمِ اللَّهِ وقضائِه]
(3)
الشقاوةُ
(4)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ بنحوِه، إلا أنه قال:{وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ} : متاعَ الحياةِ الدنيا، ممن قد سبَق له في علمِ اللَّهِ وقضائِه الشقاوةُ
(4)
. قال: ولم يَهْلِكِ الولدانُ
(5)
يومَ غَرِقَ قومُ نوحٍ بذنبِ آبائِهم، كالطيرِ والسباعِ، ولكن جاء أجلُهم مع الغَرَقِ.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ} . قال: هَبَطوا واللَّهُ عنهم راضٍ، هَبَطوا بسلامٍ مِن اللَّهِ، كانوا أهلَ رحمةٍ
(6)
مِن أهلِ ذلك الدهرِ، ثم أخرَجَ منهم نَسْلًا بعد ذلك أُممًا، منهم من رحِمَ، ومنهم من من عَذَّبَ. وقرَأ:{وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ} . وقال
(7)
: إنما افْتَرَقَت الأممُ مِن تلك
(8)
(1)
تفسير الثوري ص 130، 131.
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"مضى".
(3)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الشقوة".
(5)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الولد".
(6)
في تفسير ابن أبي حاتم والدر المنثور: "رحمته".
(7)
في النسخ: "وذلك"، والمثبت من مصدرى التخريج.
(8)
في ص، ت 2، س، ف:"ذلك".
العصابةِ التي خَرَجَت مِن ذلك الماءِ وسَلِمَت
(1)
.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ، قال: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمعتُ الضحّاكَ يقولُ في قولِه: {يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} الآية. يقولُ: بركاتٍ عليك وعلى أممٍ ممّن معك لم يُولَدوا، أوجب اللَّهُ لهم البركاتِ؛ لما سبَق لهم في علمِ اللَّهِ مِن السعادةِ، {وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ}. يعنِي: متاعَ الحياةِ الدنيا، {ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} ؛ لِما سبَق لهم في علمِ اللَّهِ مِن الشقاوةِ
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجاجُ بن المنهالِ، قال: ثنا حمادٌ، عن حميدٍ، عن الحسنِ، أنه كان إذا قرأ سورةَ "هودٍ" فأتَى على:{يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ} ، حتى
(3)
خَتَمَ الآيةَ، قال الحسنُ: فأنْجَى اللَّهُ نوحًا والذين آمَنوا
(4)
، وهَلَكَ المُتَمتِّعون. حتى ذَكَرَ الأنبياءَ، كلُّ ذلك يقولُ: أنْجاه اللَّهُ، وهَلَكَ المُتَمتِّعون.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} . قال: بعدَ الرحمةِ
(5)
.
حدَّثنا العباسُ بنُ الوليدِ، قال: أخبَرني أبي، قال: أخبرنا عبدُ اللَّهِ بنُ شَوْذَبٍ،
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2041، 2042 من طريق آخر عن ابن زيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 336 إلى أبي الشيخ.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2042 من طريق أبي معاذ ببعضه، وأخرجه أيضًا 6/ 2041 من طريق آخر عن الضحاك بنحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 337 إلى المصنف.
(3)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
بعده في ف: "معه".
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2042 من طريق آخر عن ابن زيد به.
قال: سمِعتُ داودَ بنَ أبي هندٍ يُحدِّثُ عن الحسنِ، أنه أتَى على هذه الآيةِ:{اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} . قال: فكان ذلك حينَ بعَث اللَّهُ عادًا، فأرسَل إليهم هودًا، فصَدَّقَه مُصَدِّقون، وكَذَّبَه مُكَذِّبون، حتى جاء أمرُ اللَّهِ، فلما جاء أمرُ اللَّهِ نجَّى اللَّهُ هودًا والذين آمنوا معه، وأهْلَك اللَّهُ المُتَمَتِّعين، ثم بعَث اللَّهُ ثَمودًا
(1)
، فبعَث إليهم صالحًا، فصَدَّقَه مُصَدِّقون، وكَذَّبَه مكذِّبون، حتى جاء أمرُ اللَّهِ، فلما جاء أمرُ اللَّهِ نَجَّى اللَّهُ صالحًا والذين آمنوا معه، وأهْلَك اللَّهُ المُتمتِّعين، ثم اسْتقرَأ الأنبياءَ نبيًّا نبيًّا على نحوٍ مِن هذا
(2)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: هذه القصَّةُ التي أنبأْتُك بها مِن قصةِ نوحٍ وخبرِه وخبرِ قومِه {مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} . يقولُ: هي مِن أخبارِ الغيبِ التي لم تَشْهَدْها فتعلَمَها، {نُوحِيهَا إِلَيْكَ}. يقولُ: نُوحِيها إليك نحن فنُعَرِّفُكَها، {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} الوحيِ الذي نُوحِيه إليك، {فَاصْبِرْ} على القيامِ بأمرِ اللَّهِ وتبليغِ رسالتِه، وما تَلْقَى مِن مُشركي قومِك، كما صبَر نوحٌ، {إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}. يقولُ: إن الخيرَ مِن عواقبِ الأمورِ لمَن اتَّقَى اللَّهَ، فأدَّى فرائضَه، واجْتَنَب معاصيَه، فهم الفائزون بما يُؤمِّلون
(3)
مِن النعيمِ في الآخرةِ، والظَّفَرِ في الدنيا بالطَّلِبةِ، كما كانت عاقبةُ نوحٍ إذ صَبَرَ لأمرِ اللَّهِ، أن نَجَّاه
(4)
مِن
(1)
في م: "ثمود"، وكلاهما صواب. ينظر التاج (ث م د).
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2041 من طريق داود بن أبي هند بنحوه.
(3)
في ت 2، س:"يأملون".
(4)
في ت 1: "أنجاه".
الهَلَكةِ مع مَن آمَن به، وأعْطاه في الآخرةِ ما أعْطاه مِن الكرامةِ، وغَرَّقَ
(1)
المكذِّبين به فأهْلَكَهم جميعَهم
(2)
.
وبنحوِ الذي قُلنا في تأويلِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} : القرآنِ، وما كان عَلِمَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم وقومُه ما صَنَعَ نوحٌ وقومُه، لولا ما بَيَّنَ اللَّهُ له
(3)
في كتابِه
(4)
(5)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وأرسَلْنا إلى قومِ عادٍ أخاهم هودًا، فقال لهم:{يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} وحدَه لا شريكَ له، دونَ ما تعبدون مِن دونِه مِن الآلهةِ والأوثانِ، {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}. يقولُ: ليس لكم معبودٌ يستحقُّ [عليكم العبادةَ]
(6)
غيرُه، فأخْلِصوا له العبادةَ، وأفْرِدوه بالألوهةِ، {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} .
(1)
في ت 2: "أغرق".
(2)
في ت 1، ت 2:"جميعا".
(3)
سقط من: م.
(4)
بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أو هذا القرآن".
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2043 من طريق سعيد وهو ابن بشير عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 337 إلى أبي الشيخ.
(6)
في م: "العبادة عليكم".
يقولُ: ما أنتم في إشْراكِكم معه الآلهةَ والأوثانَ إلا أهلُ فِرْيةٍ مُكذِّبون
(1)
تَخْتلقون الباطلَ؛ لأنه لا إلهَ سِواه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51)} .
يقولُ تعالى ذكرُه مخبرًا عن قيلِ هودٍ لقومِه: يا قومِ لا أسألُكم على ما أدْعوكم إليه مِن إخلاصِ العبادةِ للَّهِ وخلعِ الأوثانِ والبراءةِ منها - جزاءً وثوابًا، {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي}. يقولُ: إِن ثوابي وجزائي على نصيحتي لكم ودعائِكم إلى اللَّهِ إلَّا على الذي خلَقَني، {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. يقولُ: أفلا تَعْقِلون أنِّي لو كنتُ أبْتَغي بدعايتِكم إلى اللَّهِ غيرَ النصيحةِ لكم، وطلبِ الحظِّ لكم في الدنيا والآخرةِ - لالتمستُ منكم على ذلك بعضَ أعراضِ الدنيا، وطلبتُ منكم الأجرَ والثوابَ؟
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} : أي خَلَقَني
(2)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)} .
يقولُ تعالى ذكرُه مخبرًا عن قيلِ هودٍ لقومِه: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} . يقولُ: آمِنوا به حتى يغفِرَ لكم ذنوبَكم.
(1)
بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"و".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2044 من طريق سعيد بن بشير به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 337 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
[والاستغفارُ هو الإيمانُ باللَّهِ]
(1)
في هذا الموضعِ؛ لأن هودًا صلى الله عليه وسلم إنما دَعا قومَه إلى توحيدِ اللَّهِ ليغفرَ لهم ذنوبَهم، كما قال نوحٌ لقومِه:{اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (2) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [نوح: 3، 4]. وقولُه: {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} . يقولُ: ثم تُوبوا إلى اللَّهِ مِن سالفِ ذنوبِكم وعبادتِكم غيرَه بعدَ الإيمانِ به، {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}. يقولُ: فإنكم إن آمنتم باللَّهِ وتُبْتُم مِن كفرِكم به، أرسلَ قَطْرَ
(2)
السماءِ عليكم يُدِرُّ لكم الغيثَ في وقتِ حاجتِكم إليه، وتحيا بلادُكم مِن
(3)
الجَدْبِ والقَحْطِ.
وبنحوِ الذي قُلنا في قولِه {مِدْرَارًا} قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني عليُّ بنُ داودَ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنا معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{مِدْرَارًا} . يقولُ: يتبعُ بعضُها
(4)
بعضًا
(5)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} . قال: يُدِرُّ ذلك عليهم
(6)
[مطرًا مطرًا]
(7)
.
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"والإيمان بالله هو الاستغفار".
(2)
في ف: "مطر".
(3)
في ت 2: "بعد".
(4)
في تفسير ابن أبي حاتم: "بعضه".
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2045 من طريق أبي صالح به.
(6)
في ت 1: "عليكم".
(7)
في ص: "مطرا ومطرا"، وفي م:"قطرا ومطرا"، وفي ت 1، ف:"مطرا". والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2045 من طريق آخر عن ابن زيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 337 إلى أبي الشيخ.
وأما قولُه: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} ، فإن مجاهدًا كان يقولُ في ذلك ما حدَّثني به محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللَّهِ:{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} . قال: شِدَّةً إلى شدَّتِكم.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وإسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ، فذكَر مثلَه
(1)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} . قال: جَعَلَ لهم قوةً، فلو أنهم أطاعوه زادَهم قوةً إلى قوتِهم. وذُكِر لنا أنه إنما قيل لهم: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ
(2)
}؛ أنه [كان قد]
(3)
انقطعَ النسْلُ عنهم سنينَ، فقال هودٌ لهم: إن آمنتم باللَّهِ أحْيَا اللَّهُ بلادَكم، ورَزَقَكم المالَ والولدَ؛ لأن ذلك مِن القوةِ
(4)
.
وقولُه: {وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} . يقولُ: ولا تُدْبِروا عما أدْعوكم إليه مِن توحيدِ اللَّهِ، والبراءةِ مِن الأوثانِ والأصنامِ، {مُجْرِمِينَ}. يعني: كافرين باللَّهِ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)} .
(1)
تفسير مجاهد ص 389، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2045.
(2)
بعده في م: "قال".
(3)
في م: "قد كان".
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2045 من طريق آخر عن ابن زيد مقتصرا على أوله.
يقولُ تعالى ذكرُه: قال قومُ هودٍ لهودٍ: يا هودُ، ما أَتَيتَنا ببيانٍ ولا برهانٍ على ما تقولُ فنُسَلِّمَ لك، ونُقِرَّ بأنك صادقٌ فيما تَدْعونا إليه، مِن توحيدِ اللَّهِ، والإقرارِ بنبوتِك، {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا}. يقولُ:{وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا} يعني لقولِك، أو مِن أجلِ قولِك، {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} ، يقولُ: قالوا: وما نحن لك بما تَدَّعي مِن النبوةِ والرسالةِ مِن اللَّهِ إلينا بمُصدِّقين.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)} .
وهذا خبرٌ مِن اللَّهِ تعالى ذكرُه عن قولِ قومِ هودٍ، أنهم قالوا له، إذ نَصَح لهم، ودَعاهم إلى توحيدِ اللَّهِ وتصديقِه، وخَلْعِ الأوثانِ والبراءةِ منها: لا نتركُ عبادةَ آلهتِنا، وما نقولُ إلا أن الذي حَمَلَكَ على ذَمِّها والنَّهْيِ عن عبادتِها، أنه أصابَك منها خَبَلٌ مِن جنونٍ.
فقال هودٌ لهم: إني أُشْهِدُ اللَّهَ على نَفْسي، وأشهدُكم أيضًا أيُّها القومُ، أني بريءٌ مما تُشْرِكون في عبادةِ اللَّهِ مِن آلهتِكم وأوثانِكم [مِن دونِه]
(1)
. {فَكِيدُونِي جَمِيعًا} . يقولُ
(*)
: فاحْتالوا أنتم جميعًا وآلهتُكم في ضُرِّي ومَكْرُوهي، {ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ}. يقولُ: ثم لا تُؤَخِّرون ذلك، فانْظُروا: هل تَنالوني أنتم [وهي]
(2)
بما زَعَمتم أن آلهتَكم نالَتْني به مِن السوءِ؟
وبنحوِ الذي قُلنا في تأويلِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س:"من دونكم"، وفي ف:"منى دونكم".
(*) من هنا يبدأ الجزء الثالث والثلاثون من مخطوطة جامعة القرويين.
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"وهم".
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ نميرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} . قال: أصابَتْك الأوثانُ بجنونٍ
(1)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} . قال: أصابَك بعضُ
(2)
الأوثانِ بجنونٍ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا ابنُ دُكَينٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن عيسى، عن مجاهدٍ:{إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} . قالوا
(3)
: سَبَبْتَ آلهتَنا وعِبْتَها فَأَجَنَّتْك.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} . قال: أصابَك بعضُ آلهتِنا بسوءٍ، يَعْنون الأوثانَ.
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} . يقول
(4)
: تُصِيبُك آلهتُنا بالجنونِ
(5)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:
(1)
تفسير مجاهد ص 389، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2046، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 337 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قال".
(4)
في م: "قال".
(5)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 337 إلى المصنف.
{إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} . قال: ما يحملُك على ذمِّ الهتِنا إلا أنه أصابَك منها سوءٌ
(1)
.
حدَّثنا المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} . قال: أصابَك بعضُ
(2)
الأوثانِ بجنونٍ
(3)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} . قال: إنما تصنعُ هذا بآلهتِنا؛ أنها أصابَتك بسوءٍ
(4)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قال عبدُ اللَّهِ بنُ كثيرٍ: أصابَتك آلهتُنا بشرٍّ
(5)
.
حُدِّثْتُ عن الحسينِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ، قال
(6)
: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} . يقولون: نخشى أن يصيبَك من آلهتِنا سوءٌ، ولا نحبُّ أن تعتريَك، يقولون: يُصِيبُك منها سوءٌ.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} . قال: يقولون: اختلَط عقلُك
(7)
فأصابَك هذا، مما صَنَعَتْ بك آلهتُنا.
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 304 عن معمر به.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
وقع هذا الأثر قبل الأثرين السابقين في: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2046 من طريق سعيد به.
(5)
في الأصل: "بسوء".
(6)
في الأصل: "يقول".
(7)
في الأصل: "عملك".
وقولُه
(1)
: {اعْتَرَاكَ} . افتَعَلك
(2)
، مِن عَرَاني الشيءُ يَعْروني، إذا أصابَك، كما قال الشاعرُ
(3)
:
* مِن القومِ يَعْرُوه اجْتِراءٌ ومَأْثَمُ *
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} .
يقولُ: إني على اللَّهِ الذي هو مالِكي ومالِكُكم والقَيِّمُ على جميعِ خلقِه، توكَّلتُ من أن تُصِيبوني أنتم وغيرُكم مِن الخلقِ بسوءٍ، فإنه ليس مِن شيءٍ يَدِبُّ على الأرضِ إلا واللَّهُ مالكُه، وهو في قبضتِه
(4)
وسلطانِه، ذليلٌ له خاضعٌ.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} ، فخَصَّ بالأخذِ
(5)
الناصيةَ دونَ سائرِ أماكنِ الجسدِ؟
قيل: لأن العربَ كانت تستعملُ ذلك في وصفِها مَن وَصَفَته بالذلةِ والخضوعِ، فتقولُ: ما ناصيةُ فلانٍ إلا بيدِ فلانٍ. أي: إنه له مطيعٌ يُصرِّفُه كيف شاء. وكانوا إذا أسَروا الأسيرَ فأرادوا إطلاقَه والمَنَّ عليه جَزُّوا ناصيتَه؛ ليعتدُّوا بذلك عليه فخرًا عندَ المفاخرةِ، فخاطَبَهم
(6)
اللَّهُ بما يَعْرِفون في كلامِهم،
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"قولك".
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"افتعل".
(3)
هو أبو خراش الهذلي، وصدر البيت:
* تذكَّرَ ذحلا عندنا وهو فاتك *
ينظر ديوان الهذليين 2/ 147، وشرح أشعار الهذليين 3/ 1219.
(4)
في الأصل: "قبضه".
(5)
في الأصل، س:"الأخذ".
(6)
في الأصل: "فخاطبها".
والمعنى ما ذكرتُ.
وقولُه: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . يقولُ: إن ربِّي على طريقِ الحقِّ، يُجازي المحسنَ مِن خلقِه بإحسانِه والمسيءَ بإساءتِه، لا يظلمُ أحدًا منهم شيئًا، ولا يقبلُ منهم إلا الإسلامَ والإيمانَ به.
كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} : الحقِّ
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(1)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
القولُ في تأويلِ قولِه: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)} .
يقولُ عز وجل مخبرًا عن قيلِ هودٍ لقومِه: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} . يقولُ: فإن أدبَرتم
(2)
مُعرِضِين عما أدْعوكم
(3)
إليه مِن توحيدِ اللَّهِ وتركِ عبادةِ الأوثانِ، {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ} أيُّها القومُ {مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} ، وما على الرسولِ إلا
(1)
تفسير مجاهد ص 389، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 337 إلى أبي الشيخ.
(2)
في النسخ: "أدبروا"، ولعل الصواب ما أثبت.
(3)
في ص، م، ت 1، س، ف:"أدعوهم".
البلاغُ، {وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ}. يقولُ: يُهْلِكُكم ربِّي، ثم يَسْتَبْدِلُ ربِّي منكم قومًا غيرَكم، يُوحِّدونه ويُخْلِصون له العبادةَ، {وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا}. يقولُ: ولا تَقْدِرون له على ضُرٍّ إذا أرادَ هلاكَكم
(1)
أو أهْلَكَكم.
وقد قيل: لا يَضُرُّه هَلاكُكم إذا أهْلَكَكم، لا تُنْقِصونه شيئًا؛ لأنه سواءٌ عندَه كنتم أو لم تكونوا. {إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}. يقولُ: إن ربِّي على جميعِ خلقِه ذو حفظٍ وعلمٍ، يقولُ: هو الذي يَحْفَظُني مِن أن تَنالوني بسُوءٍ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)} .
يقولُ عز وجل: ولمَّا جاء قومَ هودٍ عذابُنا {نَجَّيْنَا} منه {هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا} بِاللَّهِ {مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} . يعني: بفضلٍ منه عليهم ونعمةٍ، {وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}. يقولُ: و
(2)
نجَّيناهم أيضًا مِن عذابٍ غليظٍ يومَ القيامةِ، كما نَجَّيناهم في الدنيا مِن السَّخْطةِ التي أنزلناها
(3)
بعادٍ.
القولُ في تأويلِ قولِه: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)} .
يقولُ عز وجل: [وهؤلاء]
(4)
الذين أَحْلَلنا بهم نِقْمَتَنا وعذابَنا عادٌ، جَحَدوا [بحُجَجِ اللَّهِ وأدلتِه]
(5)
، وعَصَوا رُسُلَه الذين أرسَلهم إليهم، للدعاءِ إلى توحيدِه واتباعِ أمرِه، {وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}. يعني: كلِّ مُسْتكبرٍ
(1)
في م: "إهلاككم".
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"أنزلتها".
(4)
في الأصل: "هؤلاء".
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"بأدلة الله وحججه".
على اللَّهِ، جائرٍ
(1)
عن الحقِّ، لا يُذْعِنُ له ولا يَقْبَلُه.
يقالُ منه: عَنَدَ عن الحقِّ، فهو يَعْنِدُ عُنُودًا، والرجلُ عانِدٌ وعَنُودٌ. ومِن ذلك قيل للعِرْقِ الذي ينفجِرُ فلا يَرْقأُ: عِرْقٌ عانِدٌ. أي ضارٍ، ومنه قولُ الراجزِ
(2)
:
* إنِّي كبيرٌ لا أُطِيقُ العُنَّدَا *
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} : المُشْرِكِ
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)} .
يقولُ عز وجل: وأُتبعَ عادٌ قومُ هودٍ في هذه الدنيا غَضَبًا مِن اللَّهِ وسَخْطةً يومَ القيامةِ مثلَها؛ لعنةً إلى اللعنةِ التي سَلَفَت لهم مِن اللَّهِ في الدنيا، {أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ}. يقولُ: أبعَدَهم اللَّهُ مِن الخيرِ.
يقالُ: كفَر فلانٌ ربَّه وكفَر بربِّه، وشَكَرتُ لك وشَكَرتُك. وقيل: إن معنى {كَفَرُوا رَبَّهُمْ} : كَفَرُوا نعمةَ ربِّهم.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)} .
يقولُ عز وجل: وأرسَلنا إلى ثمودَ أخاهم صالحًا، فقال لهم: يا قومِ، اعْبدُوا
(1)
في م: "حائد".
(2)
البيت في مجاز القرآن 1/ 291، واللسان (ع ن د).
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2047 من طريق سعيد به.
اللَّهَ وحدَه لا شريكَ له، وأَخْلِصوا له العبادةَ دونَ ما سِواه مِن الآلهةِ، فما لكم مِن إلهٍ غيرُه، يَسْتوجِبُ عليكم العبادةَ، ولا تجوزُ الألوهةُ إلا له
(1)
، {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}. يقولُ: هو ابْتَدَأَ خَلْقَكم مِن الأرضِ، وإنما قال ذلك؛ لأنه خلَق آدمَ مِن الأرضِ، فخرَج الخطابُ لهم؛ إذ كان ذلك فعْلَه بمَن
(2)
هم منه، {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}. يقولُ: وجَعَلكم عُمَّارًا
(3)
فيها. فكان المعنى فيه: أسْكَنَكم فيها أيامَ حياتِكم، مِن قولِهم: أعْمَرَ فلانٌ فلانًا دارَه، وهي له عُمْرَى
(4)
.
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللَّهِ:{وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} . قال: أعْمَرَكم فيها
(5)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، [وحدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ]
(6)
: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} . يقولُ: أعمَرَكم.
وقولُه: {فَاسْتَغْفِرُوهُ} . يقولُ: اعْمَلوا عملًا يكونُ سببًا لسَتْرِ اللَّهِ عليكم
(1)
بعده في م: "و".
(2)
في الأصل: "من".
(3)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س:"عمارها".
(4)
العُمْرَى: نوع من الهبة، وصورتها أن يقول الرجل: أعمرتك داري هذه، أو هي لك عمرى، أو نحو هذا. سميت عمرى؛ لتقييدها بالعمر. المغنى 8/ 281، 282.
(5)
تفسير مجاهد ص 389، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2048، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 338 إلى أبي الشيخ.
(6)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
ذنوبَكم، وذلك الإيمانُ به، وإخلاصُ العبادةِ له دونَ ما سِواه، واتِّباعُ رسولِه صالحٍ.
{ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} . يقولُ: ثم اتْرُكُوا مِن الأعمالِ ما يكرَهُه ربُّكم، إلى ما يَرْضاه ويُحِبُّه؛ {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}. يقولُ: إن ربِّي قريبٌ ممن أخْلَصَ له العبادةَ، ورَغِبَ إليه في التوبةِ، مجيبٌ له إذا دَعاه.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)} .
يقولُ عز وجل: قالت ثمودُ لصالحٍ نبيِّهم: {يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا} . أي: كُنَّا نَرْجو أن تكونَ فينا سيدًا قَبْلَ هذا القولِ الذي قلتَه لنا؛ مِن أنه مالَنا
(1)
إلهٌ غيرُ اللَّهِ. {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} ؟ يقولُ: أتَنْهانا أن نعبدَ الآلهةَ التي كانت آباؤُنا تَعْبُدُها
(2)
؟ {وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ
(3)
}: يَعْنون أنهم لا يَعْلَمون صحةَ ما يَدْعوهم إليه مِن توحيدِ اللَّهِ، وأن الألوهةَ لا تكونُ إلا له خالصًا.
وقولُه: {مُرِيبٍ} . أي: يُوجِبُ التُّهْمةَ، مِن: أَرَبتُه، فأنا أُرِيبُه إرابةً. إذا فعلتَ به فعلًا يوجِبُ له الرِّيبةَ، ومنه قولُ الهُذَليِّ
(4)
:
* كُنْتُ إِذا أَتَوْتُه مِن غَيْبِ *
* يَشَمُّ عِطْفِي وَيَبُرُّ
(5)
ثَوْبي *
(1)
بعده في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"من".
(2)
في م: "تعبد".
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
هو خالد بن زهير الهذلي. ديوان الهذليين 1/ 165، وشرح أشعار الهذليين 1/ 207، وهو في اللسان (أ ت ى).
(5)
في مصدر التخريج: "يمس". ويبز ثوبه: يجذبه إليه. اللسان (ب ز ز).
* [كأنَّما أَرَبْتُه]
(1)
بِرَيْبِ *
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)} .
يقولُ عز وجل: قال صالحٌ لقومِه مِن ثمودَ: {يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى [بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} . يقولُ: إن كنت على]
(2)
برهانٍ وبيانٍ مِن اللَّهِ قد عَلِمتُه وأيقَنتُه. {وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} . يقولُ: وآتَاني منه النبوَّةَ والحكمةَ والإسلامَ، {فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ}. يقولُ: فمَن الذي يدفَعُ عنى عقابَه إذا عاقَبَني إن أنا عَصَيتُه، فيُخَلِّصَني منه، {فَمَا تَزِيدُونَنِي} بِعُذْرِكم الذي تَعْتَذِرون به؛ مِن أنكم تَعْبدون ما كان يعبدُ آباؤُكم - {غَيْرَ تَخْسِيرٍ} لكم يُخْسِرُكم حُظُوظَكم مِن رحمةِ اللَّهِ.
كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} ، يقولُ: ما تَزْدادون أنتم إلا خَسارًا
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَيَاقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)} .
يقولُ عز وجل مخبرًا عن قيلِ صالحٍ لقومِه مِن ثمودَ، إذ قالوا له:{وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} وسألوه الآيةَ على ما دَعاهم إليه: {يَاقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ
(1)
في مصدر التخريج: "كأنني قد أربته".
(2)
ليس في: الأصل، م.
(3)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 338 إلى المصنف وأبي الشيخ.
اللَّهِ لَكُمْ آيَةً}. يقولُ: حُجَّةً وعلامةً، ودلالةً
(1)
على حقيقةِ ما أَدْعوكم إليه، {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} ، فليس عليكم رزقُها ولا مُؤْنتُها، {وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ}. يقولُ: لا تقْتُلوها ولا تَنالوها بعَقْرٍ؛ {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} . يقولُ: فإنكم إن تَمَسُّوها بسُوءٍ يأخُذْكم عذابٌ مِن اللَّهِ غيرُ بعيدٍ فيُهْلِكْكم.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)} .
يقولُ عز وجل: فعَقَرَت ثمودُ ناقةَ اللَّهِ. وفي الكلامِ محذوفٌ قد تُرِكَ ذكرُه؛ استغناءً بدلالةِ الظاهرِ عليه، وهو: فكَذَّبوه فعَقَروها، فقال صالحٌ لهم:{تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} . يقولُ: اسْتَمْتِعوا في دارِ الدنيا بحياتِكم ثلاثةَ أيامٍ، {ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}. يقولُ: هذا الأَجَلُ الذي أجَّلْتُكم وَعْدٌ مِن اللَّهِ، وَعَدَكم بانقضائِه الهلاكَ ونزولَ العذابِ بكم، {غَيْرُ مَكْذُوبٍ}. يقولُ: لم يَكْذِبْكم فيه مَن أعْلَمَكم ذلك.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} : وذُكِر لنا أن صالحًا حينَ أخْبَرَهم أن العذابَ أَتاهم، لَبِسوا الأنْطاعَ
(2)
والأَكْسيةَ، وقيل لهم: إن آيةَ ذلك أن تَصْفَرَّ ألوانُكم أولَ يومٍ، ثم تَحْمَرَّ في اليومِ الثاني، ثم تَسْودَّ في اليومِ الثالثِ. وذُكِر لنا أنهم لمَّا عَقَروا الناقةَ نَدِموا وقالوا: عليكم الفصيلَ
(3)
. فصَعِدَ الفَصِيلُ القارَّةَ -
(1)
سقط من: ت 1، س، ف.
(2)
الأنطاع: جمع نَطعٍ وهو بساط من الجلد، كثيرا ما كان يُقتل فوقه المحكوم عليه بالقتل. الوسيط (ن ط ع).
(3)
الفصيلُ: ولدُ الناقةِ إذا فصل عن أمه، والجمع فُصلان وفِصال. اللسان (ف ص ل).
والقارةُ الجبلُ - حتى إذا كان اليومُ الثالثُ، استقبلَ القبلةَ وقال: يا ربِّ أمي، [يا ربِّ أمي، يا ربِّ أمي]
(1)
، قال: فأُرْسِلَت الصيحةُ عندَ ذلك
(2)
.
وكان ابنُ عباسٍ يقولُ: لو صَعِدتُم القارةَ، لرأيتُم عظامَ الفصيلِ. وكانت منازلُ ثمودَ بحِجْرٍ، بينَ الشامِ والمدينةِ.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} . قال: بقيةَ آجالِهم
(3)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ، أن ابنَ عباسٍ قال: لو صَعِدتُم على القارةِ لرأيتُم عظامَ الفَصيلِ
(4)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)} .
يقولُ عز وجل: فلما جاء ثمودَ عذابُنا {نَجَّيْنَا صَالِحًا} منه، {وَالَّذِينَ آمَنُوا} به
(5)
{مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} . يقولُ: بنعمةٍ وفضلٍ مِن اللَّهِ، {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ}. يقولُ: ونَجَّيناهم مِن هَوانِ ذلك اليومِ وذُلِّه بذلك العذابِ. {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ} في بَطْشِه، إذا بَطَشَ بشيءٍ أهْلَكَه، كما أهلكَ ثمودَ حينَ بطَش بها {الْعَزِيزُ} فلا يَغْلِبُه غالبٌ، ولا يَقْهَرُه قاهِرٌ، بل يغلِبُ كُلَّ شيءٍ ويَقْهَرُه.
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"ثلاثا".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2049، 2050، 2051 من طريق آخر عن قتادة.
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 305 عن معمر به.
(4)
تفسير عبد الرزاق 1/ 305.
(5)
سقط من: ت 1، س، ف.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} . قال: نَجَّاه اللَّهُ برحمةٍ منه
(1)
، ونَجَّاه مِن خِزْيِ
(2)
يومِئذٍ
(3)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن أبي بكرِ بنِ عبدِ اللَّهِ، عن شهرِ بنِ حوشبٍ، عن عمرِو بنِ خارجةَ، قال: قلنا له: حدِّثْنا حديثَ ثمودَ. قال: أُحدِّثُكم عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن ثمودَ: "كانت ثمودُ قومُ صالحٍ أَعْمَرَهم اللَّهُ في الدنيا فأطالَ أعْمارَهم، حتى جعَل أحدُهم يَبْني المسكنَ مِن المَدَرِ، فيَنْهدِمُ والرجلُ منهم حيٌّ، فلما رَأَوا ذلك اتَّخَذوا مِن الجبالِ بيوتًا فَرِهِين، فنَحَتُوها
(4)
وجَوَّفوها، وكانوا في سَعَةٍ مِن معايشِهم، فقالوا: يا صالحُ، ادعُ لنا ربَّك يُخْرِجْ لنا آيةً، نعلمُ أنك رسولُ اللَّهِ. فَدَعا صالحٌ ربَّه، فأخرَج لهم الناقةَ، فكان شِرْبُها يومًا وشِرْبُهم يومًا معلومًا، فإذا كان يومُ شِرْبِها
(5)
خَلَّوا عنها وعن الماءِ وحَلَبوها لبنًا، مَلَئُوا كلَّ إناءٍ ووعاءٍ وسقاءٍ
(6)
حتى إذا كان يومُ شِرْبِهم صَرَفوها عن الماءِ، فلم تشربْ منه شيئًا، فمَلَئوا كلَّ إناءٍ ووعاءٍ وسقاءٍ، فأوحَى اللَّهُ إلى صالحٍ، أن قومَك سيَعْقِرون ناقتَك، فقال لهم، فقالوا: ما كُنَّا لنفعلَ. فقال: إلا تَعْقِروها أنتم أوشَك
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"منا".
(2)
بعده في ت 1، س، ف:"منّا ومن خزي".
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 305 عن معمر به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2051 من طريق محمد بن عبد الأعلى به.
(4)
بعده في الأصل: "وجابوها"، وفي ص:"وجابوها وحرقوها"، وفي ت 1، س:"وحابوها وخرفوها".
(5)
في ص، ت 1، ت 2:"شربهم"، وفي س:"شربهما".
(6)
بعده في الأصل: "فأوحى الله إلى صالح".
أن يولدَ فيكم مولودٌ يعقرُها
(1)
. قالوا: ما علامةُ ذلك المولودِ، فواللَّهِ لا نجدُه إلا قَتَلناه. قال: فإنه غلامٌ أشقرُ أزرقُ أصهَبُ أحمرُ. قال: وكان في المدينةِ شيخان عزيزان مَنِيعان، لأحدِهما ابنٌ [يُرْغَبُ به]
(2)
عن المناكحِ، وللآخرِ ابنةٌ لا يجدُ لها كُفُؤًا، فَجَمَعَ بينَهما مجلسٌ، فقال أحدُهما لصاحبِه: ما يمنَعُك أن تُزَوِّجَ ابنَك؟ قال: لا أجِدُ له كُفُؤًا. قال: فإن ابنتي كفؤٌ له، وأنا أزوِّجُك. فَزَوَّجَه، فوُلِدَ بينَهما ذلك المولودُ، وكان في المدينةِ ثمانيةُ رهطٍ يُفْسِدون في الأرضِ، ولا يُصلِحون، فلما قال لهم صالحٌ: إنما يَعقِرُها مولودٌ فيكم. اخْتاروا ثمانيَ نسوةٍ قوابلَ مِن القريةِ، وجَعَلوا معهنَّ شُرَطًا كانوا يَطُوفون في القريةِ، فإذا وَجَدوا المرأةَ
(3)
تُمخَضُ، نَظَروا
(4)
ما ولدُها؛ فإن كان غلامًا قَلَّبْنَه، فَنَظَرْنَ ما هو، وإن كانت جاريةً أَعرَضْنَ عنها، فلما وَجَدوا ذلك المولودَ صرَخ النسوةُ، وقُلنَ: هذا الذي يريدُ رسولُ اللَّهِ صالحٌ. فأرادَ الشُّرَطُ أن يأخُذوه، فحالَ جَدَّاه بينَهم وبينَه، وقالا: لو أن صالحًا أرادَ هذا قَتَلناه. فكان شَرَّ مولودٍ، وكان يَشِبُّ في اليومِ شبابَ غيرِه في الجمعةِ، ويَشِبُّ في الجمعةِ شبابَ غيرِه في الشهرِ، ويَشِبُّ في الشهرِ شبابَ غيرِه في السنةِ، فاجتمَع الثمانيةُ الذين يُفسِدون في الأرضِ ولا يُصلِحون، وفيهم الشيخان، فقالوا: استُعمِلَ
(5)
علينا هذا الغلامُ؛ لمنزلتِه وشَرَفِ جَدَّيه. فكانوا
(6)
تسعةً، وكان صالحٌ لا ينامُ معهم في القريةِ، كان في مسجدٍ يقالُ له: مسجدُ صالحٍ، فيه يبيتُ
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
في ص، س:"ىرعىله" بدون نقط، وفي ف:"يرغبله"، وفي م:"يرغب به"، وفي ت 1:"يرغبله"، وفي ت 2:"مرعنله".
(3)
في الأصل: "القرية".
(4)
بعده في ص، ت 1، ت 2، س:"المرأة وجدوا".
(5)
في م: "نستعمل".
(6)
في الأصل: "وكانوا".
بالليلِ، فإذا أصبَح أتاهم، فوعَظَهم وذَكَّرهم، وإذا أمسى خَرَجَ إلى مسجدِه فباتَ فيه".
قال حجاجٌ: وقال ابنُ جريجٍ: لمَّا قال لهم صالحٌ: إنه سيولَدُ غلامٌ يكونُ هلاكُكم على يدَيه. قالوا: فكيف تأمُرُنا؟ قال: آمُرُكم بقتلِهم. فقتَلُوهم إلا واحدًا. قال: فلما بَلَغ ذلك المولودُ قالوا: لو كنَّا لم نقتُلْ أولادَنا، لكان لكلِّ رجلٍ منَّا مثلُ هذا، هذا عَمَلُ صالحٍ. فائْتَمَرُوا بينَهم بقَتلِه، وقالوا: نخرُجُ مسافرين، والناسُ يَرَوننا علانيةً، ثم نرجِعُ مِن ليلةِ كذا، من شهرِ كذا وكذا، فنرصُدُه عندَ مُصلَّاه، فنقتُلُه، فلا يحسَبُ الناسُ إلا أنَّا مسافرون كما نحن. فأقبَلوا حتى دَخَلوا تحتَ صخرةٍ يرصُدُونه، فأرسَل اللَّهُ عليهم الصخرةَ فرَضَختهم
(1)
، فأصبَحوا رَضحًا. فانطَلَقَ رجالٌ ممن قد اطَّلَع على ذلك منهم، فإذا هم رَضخٌ، فرَجَعوا يصيحون في القريةِ: أي عبادَ اللَّهِ، أما رَضِيَ صالحٌ أن أَمَرَهم أن يَقتُلوا أولادَهم، حتى قَتَلهم؟! فاجتمَع أهلُ القريةِ على عقرِ
(2)
الناقةِ أجمعون، وأحجَموا عنها إلَّا ذلك الابنَ
(3)
العاشرَ.
ثم رَجَعَ الحديثُ إلى حديثِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال: "فأرادوا أن يمكُروا بصالحٍ، فمشَوا حتى أَتَوا على سَرَبٍ
(4)
على طريقِ صالحٍ، فاختبَأ فيه ثمانيةٌ
(5)
، وقالوا: إذا خرَج علينا قَتَلناه، وأتينا أهلَه فبيَّتناهم. فأمَر اللَّهُ عز وجل الأرضَ، فاستَوت عليهم، قال: فاجتمَعوا ومَشَوا إلى الناقةِ، وهي على حَوضِها قائمةٌ، فقال
(1)
الرّضخُ مثل الرّضح: كسر الرأسِ. اللسان (ر ض خ).
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قتل".
(3)
في الأصل، ص، ت 1، س، ف:"ابن".
(4)
السرَب: حفير تحت الأرض. اللسان (س ر ب).
(5)
بعده في الأصل: "وبقى".
الشقيُّ لأحدِهم: ائتِها فاعقِرْها. فأتاها، فَتعاظَمَه ذلك، فأضرَبَ عن ذلك، فبَعَث آخرَ، فأعظَمَ ذلك، فجَعَل لا يبعَثُ رجلًا إلا تَعاظَمه أمرُها، حتى مَشَى
(1)
إليها وتَطاوَلَ فضرَبَ عُرقوبيها، فوَقَعت تَركُضُ، وأتى رجلٌ منهم صالحًا، فقال: أدرِكِ الناقةَ فقد عُقِرت. فأقبَل، وخَرَجوا
(2)
يَتَلقَّونه، ويعتَذِرون إليه: يا نبيَّ اللَّهِ، إنما عَقَرها فلانٌ، إنه لا ذنبَ لنا. قال: فانظُروا هل تُدرِكون فصيلَها؟ فإن أدركتُموه، فعسى اللَّهُ أن يرفَعَ عنكم العذابَ. فخَرَجوا يَطلُبونه، ولمَّا رأى الفصيلُ أمَّه تضطرِبُ، أتَى جبلًا - يقالُ له: القَارةُ - قصيرًا، فصَعِدوا
(3)
وذهَبوا ليأخُذوه، فأوحَى اللَّهُ عز وجل إلى الجبلِ، فطالَ في السماءِ، حتى ما تنالُه الطيرُ. قال: ودخَل صالحٌ القريةَ، فلما رآه الفصيلُ بكَى، حتى سالت دموعُه، ثم استقبَل صالحًا، فَرَغا رَغوةً، ثم رغا أخرى، ثم رغا أخرى، فقال صالحٌ لقومِه: لكلِّ رغوةٍ أجلُ يومٍ
(4)
، {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} ، ألا إن آيةَ العذابِ أن اليومَ الأولَ تصبِحُ وجوهُكم مصفرَّةً، واليومَ الثانيَ محمرَّةً، واليومَ الثالثَ مسودةً. فلما أصبَحوا إذا وجوهُهم كأنها قد طُليت بالخلوقِ
(5)
، صغيرُهم وكبيرُهم، ذَكَرُهم وأُنثاهم، فلما أمسَوا صاحُوا بأجمعِهم: ألا إنه
(6)
قد مَضَى يومٌ من الأجلِ، وحَضَرَكم العذابُ، فلما أصبَحوا اليوم الثانيَ إذا وجوهُهم محمرَّةٌ، كأنها خُضِبت بالدماءِ، فصاحوا وضَجُّوا وبَكَوا وعَرَفوا أنه
(7)
العذابُ، فلما
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"مشوا".
(2)
في الأصل، ت 1، ت 2، س:"وخرج"، وفي ف:"خرجا".
(3)
في ص، م، ت 2، س، ف:"فصعد".
(4)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
الخلوقُ والخلاقُ: ضرب من الطيب. تغلب عليه الحمرة والصفرة. اللسان (خ ل ق).
(6)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(7)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"آية".
أمسَوا صاحُوا بأجمعِهم: ألا قد مضَى يومان مِن الأجلِ وحَضَركم العذابُ. فلما أصبَحوا اليومَ الثالثَ فإذا وجوهُهم مسودَّةٌ
(1)
، كأنها طُلِيَت بالقارِ، فَصاحوا جميعًا: ألا قد حَضَرَكم العذابُ. فتَكفَّنوا وتحَنَّطوا، وكان حَنوطُهم الصبرَ والمَغَرَ
(2)
، وكانت أكفاتُهم الأنطاعَ، ثم ألقَوا أنفسَهم بالأرضِ، فجعَلوا يُقلِّبون أبصارَهم، فينظُرون إلى السماءِ مرةً، وإلى الأرضِ مرةً، ولا يَدرون مِن حيثُ يأتيهم العذابُ؛ مِن فوقِهم مِن السماءِ أو مِن تحتِ أرجلِهم من الأرضِ، جَشَعًا
(3)
وفرقًا
(4)
، فلما أصبَحوا اليومَ الرابعَ، أتتهم صيحةٌ مِن السماءِ، فىها صوتُ كلِّ صاعقةٍ، وصوتُ كلِّ شيءٍ له صوتٌ في الأرضِ، فتقَطَّعت قلوبُهم في صدورِهم، فأصبَحوا في ديارِهم
(5)
جاثِمين"
(6)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: حُدِّثْتُ أنه لما أَخَذتهم الصَّيحةُ، أهلَكَ اللَّهُ مَن بينَ المشارقِ والمغاربِ منهم، إلا رجلًا واحدًا كان في حَرَمِ اللَّهِ، فمنَعه
(7)
حَرَمُ اللَّهِ مِن عذابِ اللَّهِ. قيل: ومَن هو يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: "أبو رِغالٍ"
(8)
. وقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حينَ أتَى على قريةِ ثمودَ لأصحابِه:"لا يَدخُلَنَّ أحدٌ منكم القريةَ، ولا تَشرَبوا مِن مائِهم".
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.
(2)
في ت 2، ف:"المقر" والمقرُ: إنقاع الشيء في الخلّ أو في الملح أو في الشيء المرِّ. اللسان بتصرف (م ق ر). والمَغَرةُ والمَغْرةُ: طين أحمر يصبغ به، والمغَرُ والمغْرةُ: لون إلى الحمرة. اللسان (م غ ر).
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"خسفا". والجشع: الجزع لفراق الإلف. النهاية 1/ 274.
(4)
في م: "غرقا". والفرق: شدة الخوف.
(5)
في ص، م، ت 2، س، ف:"دارهم" وفي ت 1: "جارهم".
(6)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 227 - 230 سندًا ومتنًا.
(7)
في الأصل، ص، ت 1، س، ف:"منعه".
(8)
بعده في ت 2: "واحدا كان".
وأَراهم مُرتَقى الفصيلِ حينَ ارتَقى في القارةِ.
قال ابنُ جريجٍ: وأخبَرني موسى بنُ عقبةَ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ دينارٍ، عن ابنِ عمرَ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم حينَ أتَى على قريةِ ثمودَ، قال:"لا تَدخُلوا على هؤلاء المُعذَّبين إلا أن تكونوا باكِين، فإن لم تكونوا باكِينَ فلا تَدخُلوا عليهم؛ أن يُصيبَكم ما أصابَهم".
قال ابنُ جريجٍ: قال جابرُ بنُ عبدِ اللَّهِ: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا أتَى على الحِجْرِ، حَمِدَ اللَّهَ وأثنَى عليه، ثم قال: "أما بعدُ، فلا تسألوا رسولَكم الآياتِ؛ هؤلاء قومُ صالحٍ سألوا رسولَهم الآيةَ، فبعَث اللَّهُ لهم الناقةَ، فكانت تَرِدُ من هذا الفجِّ، وتَصدُرُ
(1)
من هذا الفجِّ، فتشرَبُ ماءَهم يومَ وُرُودِها"
(2)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: ذُكِرَ لنا أن نبيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لمَّا مرّ بوادي ثمودَ، وهو عامِدٌ إلى تبوكَ، قال: فأمَر أصحابَه أن يُسرِعوا السيرَ، وألا يَنزِلوا به، ولا يَشرَبوا مِن مائِه، وأخبَرهم أنه وادٍ ملعونٌ. قال: ولقد ذكِرَ لنا أن الرجلَ الموسرَ من قومِ صالحٍ كان يُعطِي المُعسِرَ منهم ما يَتَكفَّنون به، وكان الرجلُ منهم يلحَدُ لنفسِه ولأهلِ بيتِه؛ لميعادِ نبيِّ اللَّهِ صالحٍ الذي وَعَدهم، وحدَّث من رآهم بالطرقِ والأفنيةِ والبيوتِ؛ فيهم شبانٌ وشيوخٌ، أبقاهم اللَّهُ عبرةً وآيةً.
حدَّثنا إسماعيلُ بنُ المتوكلِ الأشجعيُّ مِن أهلِ حمصَ، قال: ثنا محمدُ بنُ كثيرٍ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ واقدٍ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عثمانَ بنِ خُثيمٍ، قال: ثنا أبو الطفيلِ، قال: لمَّا غزَا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غزاةَ تبُوكَ، نَزَل الحِجرَ، فقال
(3)
: "أيُّها
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"تشرب".
(2)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 231 سندًا ومتنًا.
(3)
بعده في م: "يا".
الناسُ، لا تسألوا نبيَّكم الآياتِ، هؤلاء قومُ صالحٍ سألوا نبيَّهم أن يَبعَثَ لهم آيةً
(1)
. فبَعَث اللَّهُ لهم الناقةَ
(2)
آيةً، فكانت تَلِجُ عليهم يومَ وُرُودِهم [من هذا الفجِّ فتشرَبُ ماءَهم يومَ ورودِهم]
(3)
الذي كانوا يتروَّون منه، ثم يَحلِبونها مثلَ ما كانوا يَتروَّون مِن مائِهم قبلَ ذلك لبنًا، ثم تخرُجُ من ذلك الفجِّ، فعتَوا عن أمرِ ربِّهم وعَقَروها، فوعَدَهم اللَّهُ العذابَ بعدَ ثلاثةِ أيامٍ". قال
(4)
: "وكان وعدًا مِن اللَّهِ غيرَ مكذوبٍ، فأهلَك اللَّهُ مَن كان منهم في مشارقِ الأرض ومغاربِها، إلا
(5)
رجلًا واحدًا كان في حَرَمِ اللَّهِ، فمنَعَه حَرَمُ اللَّهِ مِن عذابِ اللَّهِ". قالوا: ومَن ذلك الرجلُ يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: "أبو رِغالٍ"
(6)
.
القولُ في تأويلِ قولِه: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ
(7)
كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: وأصابَ الذين فَعَلوا ما لم يكنْ لهم فعلُه، مِن عَقرِ ناقةِ اللَّهِ وكفرِهم به - الصيحةُ، {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}: قد جَثَمتهم المَنايا، وتَرَكَتهم خمودًا بأفْنيتِهم.
كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: {الصَّيْحَةُ
(1)
بعده في ت 2: "فبعث الله لهم آية".
(2)
في الأصل: "ناقة".
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
في ص، ت 2، س، ف:"ليس"، وبعده في ت 1:"إلّا".
(6)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 231، 232 سندًا ومتنًا.
(7)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س، ف:"ثمودا". بالتنوين، وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص 337.
فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}. يقولُ: أصبَحوا قد هَلَكوا
(1)
.
{كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} . يقولُ: كأن لم يَعِيشوا فيها، ولم يُعمَّروا بها
(2)
.
كما حدَّثنا المثنى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} : كأن لم يَعِيشوا فيها
(3)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ مثلَه
(3)
.
وقد بَيَّنا ذلك فيما مَضَى بشواهدِه، فأغنَى ذلك عن إعادتِه
(4)
.
وقولُه: {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ} . يقولُ: ألا إن ثمودَ
(5)
كَفَروا بآياتِ ربِّهم فجَحَدوها، {أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ}. يقولُ: ألا أبعَد اللَّهُ ثمودَ
(6)
؛ لنُزُولِ العذابِ بهم.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ولقد جاءت رسلُنا مِن الملائكةِ. وهم فيما ذُكرَ، كانوا جبريلَ ومَلَكين آخرَين، وقيل: إن المَلَكين الآخرَين كانا ميكائيلَ وإسرافيلَ معه. {إِبْرَاهِيمَ} . يعني إبراهيم خليلَ اللَّهِ، {بِالْبُشْرَى}. يعني: البشارةِ.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2052 من طريق سعيد به.
(2)
في الأصل: "فيها"، وكتب فوقها:"بها".
(3)
تقدم تخريجه في 10/ 326.
(4)
ينظر ما تقدم في 10/ 325، 326.
(5)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س، ف:"ثمودًا".
(6)
في الأصل: "ثمودا"، وفي ف:"بثمود".
واختلَفوا في تلك البشارةِ التي أَتَوه بها؛ فقال بعضُهم: هي البِشارةُ بإسحاقَ.
وقال آخرون: هي البِشارةُ بهلاكِ قومِ لوطٍ.
{قَالُوا سَلَامًا} . يقولُ: فسلَّموا عليه سلامًا.
ونَصَبَ {سَلَامًا} بإعمالِ {قَالُوا} فيه، كأنه قيل: قالوا قولًا، وسَلَّموا تَسليمًا.
{قَالَ سَلَامٌ
(1)
}. يقولُ: قال إبراهيم لهم: سلامٌ. فرفَعَ {سَلَامًا} ؛ بمعنى: عليكم السلامُ، أو بمعنى:[نحنُ سِلمٌ]
(2)
منكم.
وقد ذُكرَ عن العربِ أنها تقولُ: سِلمٌ. بمعنى السلامِ، كما تقولُ
(3)
: حِلٌّ وحلالٌ، وحِرمٌ وحرامٌ.
وذَكَرَ الفرَّاءُ أن بعضَ العربِ أنشَده
(4)
:
مَرَرنا فقلنا إيهِ سلمٌ فسلَّمت
…
كما اكتلَّ
(5)
بالبَرقِ الغَمامُ اللَّوائِحُ
بمعنى: سلامٌ. وقد رُوِيَ: كما انكلَّ.
وقد زَعَم بعضُهم أن معناه إذا قُرِئَ كذلك: نحنُ سِلمٌ لكم. من المُسالمةِ التي هي خلافُ المحاربةِ. وهذه قراءةُ عامةِ قرأَةِ الكوفيِّين
(6)
.
(1)
في ص، ت 2، س، ف:"سلم".
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"سلام".
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قالوا".
(4)
معاني القرآن 2/ 21.
(5)
اكتل السحاب عن البرق وانكل: تبسم. اللسان (ك ل ل) والبيت فيه.
(6)
وهي قراءة حمزة والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص 337.
وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الحجازِ والبصرةِ: {قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ}
(1)
. على أن الجوابَ مِن إبراهيمَ صلواتُ اللَّهِ عليه، لهم كان
(2)
بنحوِ تَسليمِهم: عليكم السلامُ.
والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندي أنهما قراءتان مُتقارِبتا المعنى؛ لأن السِّلمَ قد يكونُ بمعنى السلامِ على ما وصَفتُ، والسلامُ بمعنى السِّلْمِ؛ لأن التسليمَ لا يكادُ يكونُ إلا بينَ أهلِ السِّلمِ دونَ الأعداءِ، فإذا ذُكِرَ تسليمٌ مِن قومٍ على قومٍ، ورَدُّ الآخرين عليهم، دلَّ ذلك على مُسالمةِ بعضِهم بعضًا. وهما مع ذلك قراءتان قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ
(3)
أهلُ قُدوةٍ في القراءةِ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ
(4)
الصوابَ.
وقولُه: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} . [يقولُ: فما بطَّأَ إبراهيمُ إذ تَضَيَّفته رسلُ اللَّهِ أن جاءهم بعجلٍ حنيذٍ]
(5)
. وأصلُه مَحنوذٌ، صُرِفَ مِن مفعولٍ إلى فَعيلٍ.
وقد اختلَف أهلُ [العلمِ بالعربيةِ]
(6)
في معناه؛ فقال بعضُ أهلِ البصرةِ منهم
(7)
: معنى المحنوذِ: المشويُّ. وقال: يقالُ منه: حنَذتُ فرسي. بمعنى: سَخَّنتُه وعَرَّقتُه. واستشهَد لقولِه ذلك ببيتِ الراجزِ
(8)
:
* ورَهِبَا مِن حَنذِه أَن يَهرَجَا
(9)
*
(1)
وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وعاصم. المصدر السابق.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
بعده في م: "منهما".
(4)
بعده في ص: "فيها".
(5)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(6)
في م: "العربية"، وفي س:"العلم في العربية".
(7)
هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1/ 292.
(8)
هو العجاج، والبيت في ديوانه ص 375.
(9)
هرج: سدر من شدة الحر. اللسان (هـ ر ج).
وقال آخرُ منهم: حَنَذَ فرسَه. أي: أضمَرَه. وقال: قالوا: حنَذَه يَحنِذُه حنذًا. أي: عرَّقَه.
وقال بعضُ أهلِ الكوفةِ
(1)
: كلُّ [شيءٍ شُوى]
(2)
في الأرضِ، إذا خَدَدتَ له فيها
(3)
فدَفَنتَه وغَمَمتَه فهو الحَنيذُ والمحنوذُ. قال: والخيلُ تُحنَذُ إِذا أُلقيت عليها الجِلالُ
(4)
بعضُها على بعضٍ لتَعرَقَ. قال: ويقالُ: إذا سَقَيتَه فأحنِذْ. يعني: أخفِسْ، يريدُ: أقِلَّ الماءَ وأكثرِ النبيذَ.
قال
(5)
: وأما أهلُ التأويلِ فإنهم قالوا في معناه ما أنا ذاكِرُه.
وذلك ما حدَّثني به المثنى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} . يقولُ: نضيجٍ
(6)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} . قال: العجلُ حَسيلُ البقرةِ
(7)
، والحنيذُ الشَّويُّ
(8)
النضيجُ.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} . إلى: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} . قال: نَضِيجٍ سخنٍ، أُنضِجَ بالحجارةِ.
(1)
هو الفراء كما في تهذيب اللغة 4/ 465.
(2)
في ص، م، ف:"ما انشوى"، وفي ت 1، ت 2، س:"من شوى".
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"فيه".
(4)
الجلال: جمع الجلُ، وهي الذي تُلبَسه الدابة لتصان به. اللسان (ج ل ل).
(5)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(6)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 338 إلى المصنف وابن المنذر.
(7)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"البقر".
(8)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"المشوي".
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} : والحنيذُ النضيجُ.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} . قال: نَضِيجٍ. قال: وقال الكلبيُّ: الحنيذُ، الذي يُحنَذُ في الأرضِ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ القُمِّيُّ، عن حفصِ بنِ حميدٍ، عن شِمْرٍ في قولِه:{جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} . قال: الحنيذُ الذي يقطُرُ ماءً وقد شُوِيَ. وقال حفصٌ: الحنيذُ مثلُ حِنَاذِ الخيلِ
(2)
.
حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السدِّيِّ، قال: ذبَحه ثم شَواه في الرضْفِ، فهو الحنيذُ حين شواه
(3)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو يزيدَ، عن يعقوبَ، عن حفصِ بن حميدٍ، عن شِمْرِ بن عطيةَ:{جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} . قال: المشويُّ الذي يقطُرُ.
حدَّثنا المُثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا هشامٌ، قال: ثنا يعقوبُ، عن حفصِ بنِ حميدٍ، عن شِمْرِ بنِ عطيةَ، قال: الحَنيذُ الذي يَقطُرُ ماؤُه وقد شُوِيَ.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا المحاربيُّ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ:{بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} . قال: نَضيجٍ.
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 305 عن معمر به.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2053 من طريق يعقوب به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 338 إلى أبي الشيخ.
(3)
جزء من حديث أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 250 سندًا ومتنًا، وسيأتي بتمامه ص 473، 474.
حُدِّثتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} : الذي قد
(1)
أُنضِجَ بالحجارةِ
(2)
.
وحدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: قال سفيانُ: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} : مشويٍّ.
حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ عبدِ الكريمِ، قال: ثنى عبدُ الصمدِ أنه سَمِعَ وهبَ بنَ منبهٍ يقولُ: {حَنِيذٍ} . يعني: شَوِيٍّ.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال: الحِناذُ الإنضاجُ.
وهذه الأقوالُ التي ذكَرناها عن أهلِ العربيةِ وأهلِ التفسيرِ مُتقاربةُ
(3)
المعاني بعضُها مِن بعضٍ.
وموضعُ {أَنْ} من
(4)
قولِه: {أَنْ جَاءَ} . نصبٌ بقولِه: {فَمَا لَبِثَ} ؛ [لأن معناه: فما لبِث بأن]
(5)
(6)
جاء.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: فلما رأى إبراهيمُ أيديَهم لا تَصِلُ إلى العجلِ الذي أتاهم
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2053 من طريق أبي معاذ به.
(3)
في: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"متقاربات".
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"في".
(5)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(6)
في م: "إن".
به، والطعامِ الذي قَدَّمَ إليهم، نَكِرَهم، وذلك أنه لمَّا قَدَّمَ طعامَه عليه السلام إليهم، فيما ذُكِر، كَفُّوا عن أكلِه؛ لأنهم لم يكونوا ممن يأكُلُه، وكان إمساكُهم عن أَكلِه عندَ إبراهيمَ، وهم ضِيفانُه، مُستنكَرًا، ولم تكن تُثْبِتُهم
(1)
معرفةٌ، ورَاعَه أمرُهم، وأوجَسَ في نفسِه منهم خِيفةً.
وكان قتادةُ يقولُ: كان [إنكارُ إبراهيمَ]
(2)
ذلك مِن أمرِهم، لما
(3)
حدَّثنا به
(4)
بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قَولَه:{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} : وكانت العربُ إذا نَزَل بهم ضيفٌ فلم يَطعَمْ من طعامِهم، ظنُّوا أنه لم يجئْ بخيرٍ، وأنه يُحدِّثُ نفسَه بشرٍّ.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ} . قال: كانوا إذا نَزَل بهم ضيفٌ فلم يأكُلْ مِن طعامِهم، ظنُّوا أنه لم يأتِ بخيرٍ، وأنه يحدِّثُ نفسَه بشرٍّ، ثم حَدَّثوه عندَ
(5)
ذلك بما
(6)
جاءوا
(7)
.
وقال غيرُه في ذلك ما حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن الأسودِ بنِ قيسٍ، عن جُندبِ بنِ سفيانَ، قال: لمَّا دَخَل ضيفُ إبراهيمَ عليه السلام، قرَّب إليهم العجلَ، فجعَلوا ينكُتون بقِداحٍ في أيديهم مِن نَبلٍ، ولا
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف، وفي م:"بينهم".
(2)
في ص، ت 1، س:"إنكارهم ذلك"، وفي م:"إنكاره"، وفي ت 2:"إنكارهم".
(3)
سقط من: ف، وفي ص، م، ت 1، ت 2، س:"كما".
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
في الأصل: "بعد".
(6)
في ص، ت 1، ت 2، س:"لما".
(7)
تفسير عبد الرزاق 1/ 305، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 340 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
تَصلُ أيديهم إليه، نَكِرَهم عندَ ذلك
(1)
.
يقالُ منه: نكِرتُ الشيءَ أَنكِرُه، وأَنكرتُه أُنكِرُه، بمعنًى واحدٍ، ومِن "نَكِرتُ وأَنكرتُ" قولُ الأعشى
(2)
:
وأَنكرَتني وما كان الذي نَكرت
…
من الحوادثِ إلا الشَّيبَ والصَّلعا
فجمَع اللغتين جميعًا في البيتِ.
وقال أبو ذُؤيبٍ
(3)
:
فنَكِرنَه فنفَرنَ وامترَسَت به
…
هَوجاءُ هادِيةٌ وهادٍ جُرْشُعُ
(4)
.
وقولُه عز وجل: {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} . يقولُ: أحسَّ في نفسِه منهم خِيفةً وأضمَرَها. {قَالُوا لَا تَخَفْ} . يقولُ: قالت الملائكةُ لمَّا رَأت ما بإبراهيمَ من الخوفِ منهم: لا تخَفْ منَّا وكُنْ آمِنًا، فإِنَّا ملائكةُ ربِّك أُرسلنا إلى قومِ لوطٍ.
القولُ في تأويلِ قولِه: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} .
[يقولُ تعالى ذكرُه]
(5)
: {وَامْرَأَتُهُ} : سارةُ بنتُ هارانَ بنِ ناحورَ بنِ ساروغَ
(6)
بنِ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2054 من طريق الأسود بن قيس به.
(2)
ديوانه ص 101.
(3)
ديوان الهذليين 1/ 8.
(4)
الهوجاء: التي تركب رأسها، وامترست: احتكت، والهادية: المتقدمة، وجرشع: منتفخ الجنبين. ينظر شرح أشعار الهذليين 1/ 22.
(5)
في الأصل: "يعني عز وجل".
(6)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س، ف:"ساروح"، وفي م:"ساروج". والمثبت من تاريخ المصنف 1/ 233.
أرغوا
(1)
بنِ فالغَ
(2)
، وهي ابنةُ عمِّ إبراهيمَ، {قَائِمَةٌ}. قيل: كانت قائمةً من وراءِ السِّترِ، تستمعُ كلامَ الرسلِ وكلامَ إبراهيمَ. وقيل: كانت قائمةً تخدُمُ الرسلَ، وإبراهيمُ جالسٌ مع الرسلِ.
وقولُه: {فَضَحِكَتْ} . اختلفَ أهلُ التأويلِ في معنى قولِه: {فَضَحِكَتْ} . وفي السببِ الذي مِن أجلِه ضَحِكت؛ فقال بعضُهم: ضَحِكت الضَّحكَ المعروفَ؛ تعَجُّبًا مِن أنها وزوجَها إبراهيمَ يَخدُمان ضِيفانَهم بأنفسِهما، تَكرِمةً لهم، وهم عن طعامِهم مُمسِكون لا يأكُلون
(3)
.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ، قال: بَعَثَ اللَّهُ الملائكةَ لتُهْلِكَ قومَ لوطٍ، أقبَلَت تَمشي في صورةِ رجالٍ شبابٍ حتى نَزَلوا على إبراهيمَ، فتضيَّفُوه، فلما رَآهم إبراهيمُ أَجلَّهم، فراغَ إلى أهلِه فجاء بعجلٍ سمينٍ، فذَبَحه ثم شَواه في الرَّضْفِ، فهو
(4)
الحَنيذُ حينَ شَواه، وأَتاهم فقعَد معهم، وقامَت سارَةُ تَخدُمُهم، فذلك حينَ يقولُ:(وامرأتُه قائمةٌ وهو جالسٌ). في قراءةِ ابنِ مسعودٍ، فلما قَرَّبه إليهم قال: ألا تأكُلون؟ قالوا: يا إبراهيمُ، إنا لا نأكُلُ طعامًا إلا بثمنٍ. قال: فإن لهذا ثَمَنًا، قالوا: وما ثَمنُه؟ قال:
(1)
في الأصل، ص، ت 1، س، ف:"راعوا"، وفي م:"راعو"، وفي ت 2:"راعول". والمثبت من تاريخ المصنف.
(2)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2:"فالح"، وفي س، ف:"فالخ".
(3)
في ص، ت 1، س، ف:"يأكلونه".
(4)
في الأصل: "وهو".
تَذكُرون اسمَ اللَّهِ على أوَّلِه، وتحمَدونه على آخرِه. فنظَر جبريلُ إلى ميكائيلَ فقال: حُقَّ لهذا أن يتَّخِذَه ربُّه خليلًا. {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ} . يقولُ: لا يأكُلون، فَزِع منهم، وأوجَسَ منهم خِيفةً، فلما نَظَرت إليهم
(1)
سارَةُ أنه قد أكرَمهم، وقامَت هي تخدُمُهم، ضَحِكت، وقالت: يا
(2)
عجَبًا لأضيافِنا هؤلاء، إنا نخدُمهم بأنفسِنا تَكرِمةً لهم، وهم لا يأكُلون طعامَنا
(3)
!
وقال آخرون: بل ضَحِكت مِن أن قومَ لوطٍ في غفلةٍ وقد جاءتْ رسلُ اللَّهِ بإهلاكِهم
(4)
.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: لما أوجَسَ إبراهيمُ خِيفةً في نفسِه، حدَّثوه عند ذلك بما جاءوا فيه، فضَحِكت امرأتُه، وعَجِبت من أن قومًا أتاهم العذابُ وهم في غفلةٍ، فضَحِكت من ذلك وعَجِبت، فبشَّرْناها بإسحاقَ، ومن وراءِ إسحاقَ يعقوبَ
(5)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ أنه قال: ضحِكت
(6)
تعجُّبًا مما فيه قومُ لوطٍ من الغفلةِ، ومما أتاهم من العذابِ
(7)
.
وقال آخرون: بل ضَحِكَت ظنًّا منها بهم أنهم يُريدون عَملَ قومِ لوطٍ.
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"إليه".
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 249، 250 سندًا ومتنًا. وتقدم جزء منه ص 469.
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"لهلاكهم".
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2054 من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 340 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
(6)
في الأصل: "أضحكت".
(7)
تفسير عبد الرزاق 1/ 306 عن معمر به.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثني الحارثُ، ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا أبو معشرٍ، عن محمدِ بنِ قيسٍ في قولِه:{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} . قال: لمَّا جاءت الملائكةُ ظنَّت أنهم يُريدون أن يَعمَلوا كما يعملُ قومُ لوطٍ
(1)
.
وقال آخرون: بل ضَحِكَت لِما رَأت بزوجِها إبراهيمَ من الرَّوعِ.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن الكلبيِّ:{فَضَحِكَتْ} . قال: ضَحِكَت حينَ راعُوا إبراهيمَ، مما رَأت من الرَّوعِ بإبراهيمَ
(2)
.
وقال آخرون: بل ضَحِكَت حينَ بُشِّرت بإسحاقَ؛ تعَجُّبًا من أن يكونَ لها ولدٌ على كِبرِ سنِّها وسنِّ زوجها.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ عبدِ الكريمِ، قال: ثنى عبدُ الصمدِ، أنه سَمِع وهبَ بنَ منبهٍ يقولُ: لمَّا أتى الملائكةُ إبراهيمَ فَرَآهم، راعَه هيئتُهم وجَمالُهم، فسلَّموا عليه، وجَلَسوا إليه، فقامَ فأمَرَ بعجلٍ سمينٍ، فحُنِذَ له،
(1)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 265.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 306 عن معمر به. وذكر ابن كثير في تفسيره أن هذا القول والذي قبله ضعيفان جدا.
فقرَّب إليهم الطعامَ، فلما رأى أيديَهم لا تَصِلُ إليه نَكِرهم وأوجَس منهم خيفةً، وسارَةُ وراءَ البيتِ تسمَعُ، قالوا: لا تخَفْ إنا نُبَشِّرُك بغلامٍ حليمٍ مباركٍ. فبشَّر به امرأتَه سارةَ، فضَحِكت وعَجِبت: كيف يكونُ لسنِّي
(1)
ولدٌ، وأنا عجوزٌ وهو شيخٌ كبيرٌ؟! فقالوا:[لا تعجَبي]
(2)
من أمرِ اللَّهِ، فإنه قادرٌ على ما يشاءُ، فقد وَهَبه اللَّهُ لكم، فأبشِروا به
(3)
.
وقد قال بعضُ مَن كان يتأوَّلُ هذا التأويلَ: إن هذا من المُقدَّمِ الذي معناه التأخيرُ. كأنَّ معنى الكلامِ عندَه: وامرأتُه قائمةٌ، فبشَّرناها بإسحاقَ. ومِن وراءِ إسحاقَ يعقوبَ، فضَحِكت وقالت: يا ويلتا، ألِدُ
(4)
وأنا عجوزٌ؟!
وقال آخرون: بل معنى قولِه: {فَضَحِكَتْ} . في هذا الموضِع: حاضَت
(5)
.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثني سعيدُ بنُ عمرٍو السَّكُونيُّ، قال: ثنا بقيةُ بنُ الوليدِ، عن عليِّ بنِ هارونَ، عن عمرِو بنِ الأزهرِ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{فَضَحِكَتْ} . قال: حاضَت، وكانت ابنةَ بضعٍ وتسعين سنةً. قال: وكان إبراهيمُ ابنَ مائةِ سنةٍ
(6)
.
(1)
في م: "لي".
(2)
في م، ت 1، ت 2، س، ف:"أتعجبين".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم 6/ 2055 من طريق إسماعيل به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 339 إلى ابن المنذر، قال ابن كثير 4/ 265: وهذا مخالف لهذا السياق فإن البشارة صريحة مرتبة على ضحكها. اهـ.
(4)
في م، ت 1:"أألد".
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س:"فحاضت"، وفي ف:"فحضت".
(6)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 340 إلى المصنف.
وقال آخرون: بل ضَحِكت سرورًا بالأمنِ منهم، لمَّا قالوا لإبراهيمَ:{لَا تَخَفْ} . وذلك أنه قد كان خافَهم، وخافَتهم هي
(1)
أيضًا، كما خافَهم إبراهيمُ، فلما أَمِنت ضَحِكت، فأتبَعوها البشارةَ بإسحاقَ.
وقد كان بعضُ أهلِ العربيةِ من الكوفيِّين
(2)
يزعُمُ أنه لم يسمَعْ "ضَحِكت" بمعنى "حاضَت" من ثقةٍ.
وذكَر بعضُ أهلِ العربية من البصريِّين أن بعضَ أهلِ الحجازِ أخبَره عن بعضِهم أن العربَ تقولُ: ضَحِكَت المرأةُ: حاضَت. قال: وقد قالوا
(3)
: الضحكُ الحيضُ.
و
(4)
قال بعضُهم: الضحكُ العَجَبُ. وذَكَر بيتَ أبي ذؤيبٍ
(5)
:
فجاءَ بِمزجٍ
(6)
لم يَرَ الناسُ مثلَه
…
هو الضَّحكُ إِلا أنَّه عمَلُ النَّحلِ
وذَكر أن بعضَ أصحابِه أنشَده في الضحكِ بمعنى الحيضِ
(7)
:
وضِحكُ الأرانبِ فوقَ الصَّفا
…
كمثلِ دَمِ الجَوفِ يومَ اللِّقا
قال: وذَكَر له بعضُ أصحابِه أنه سَمِعَ للكُميتِ
(8)
:
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
هو الفراء في معاني القرآن 2/ 22.
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قال".
(4)
بعده في ص، م، ت 1، ت 2. س، ف: "قد".
(5)
ديوان الهذليين 1/ 42.
(6)
المزج: العسل. شرح أشعار الهذليين 1/ 96.
(7)
البيت بلا نسبة في اللسان (ض ح ك).
(8)
شعر الكميت 2/ 125.
فأضحَكتِ الضِّباعَ سُيُوفُ سعدٍ
…
بقَتلى ما دُفِنَّ ولا وُدِينَا
(1)
وقال: يريدُ الحيضَ.
قال: وبَلحارثُ بنُ كعبٍ يقولون: ضَحِكت النخلةُ، إذا أخرَجت الطَّلعَ أو البُسرَ. وقالوا: الضَّحْكُ: الطلعُ. قال: وسَمِعنا من يحكِي: أضحَكتُ حوضًا. أي ملَأتُه حتى فاضَ. قال: وكأنَّ المعنى قريبٌ بعضُه من بعضٍ كلُّه؛ لأنه كأنه شيءٌ يمتلئُ فيَفيضُ.
وأولى الأقوالِ التي ذُكِرت في ذلك بالصوابِ قولُ من قال: معنى قولِه: {فَضَحِكَتْ} : فعجِبت من غفلةِ قومِ لوطٍ عما أظلَّهم
(2)
مِن عذابِ اللَّهِ، وغفلتِهم
(3)
عنه.
وإنما قلنا: هذا القولُ أولى بالصوابِ؛ لأنه ذُكِر عقيبَ قولِهم لإبراهيمَ: {لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} . فإذا كان ذلك كذلك، وكان لا وجهَ للضحكِ والتعجبِ من قولِهم لإبراهيمَ:{لَا تَخَفْ} . كان الضَّحِكُ والتعجُّبُ، إنما هو من أمرِ قومِ لوطٍ.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} . يقولُ عز وجل: فبشَّرنا سارةَ امرأةَ إبراهيمَ، ثوابًا منَّا لها على نَكيرِها وتعجُّبِها من فعلِ قومِ لوطٍ - بإسحاقَ ولدًا لها، {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}. يقولُ: ومن
(1)
في ص، ت 1، ف:"درينا". وودن الشيء: بلَّه. اللسان (و د ن).
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2:"قد أحاط بهم".
(3)
في م: "غفلته".
خلفِ إسحاقَ بيعقوبَ
(1)
من ابنِها إسحاقَ.
والوراءُ في كلام العربِ: ولدُ الولدِ، وكذلك تأوَّلَه أهلُ التأويلِ.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثنا حميدُ بنُ مسعدةَ، قال: ثنا بشرُ بنُ المفضلِ، قال: ثنا داودُ، عن عامرٍ، قال:{وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} . قال: الوراءُ، ولدُ الولدِ
(2)
.
حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ ومحمدُ بنُ المثنى، قال كلُّ واحدٍ منهما: حدَّثني أبو الْيسَعَ إسماعيلُ بنُ حمادِ بنِ أبي المغيرةِ، مولى [أبي موسى]
(3)
الأشعريِّ، قال: كنتُ إلى جنب جدِّي أبي المغيرةِ بنِ مِهرانَ في مسجدِ عليِّ بنِ زيدٍ، فمرَّ بنا الحسنُ بنُ أبي الحسنِ، فقال: يا أبا المغيرةِ، مَن هذا الفتى؟ قال: ابني مِن وراءٍ
(4)
. فقال الحسنُ: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} .
حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ ومحمدُ بنُ المثنى، قالا: ثنا محمدُ بن أبي عديٍّ، قال
(5)
: ثنا داودُ بنُ أبي هندٍ، عن الشعبيِّ في قولِه:{فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} . قال: [الوراءُ هو ولدُ الولدِ]
(6)
.
حدَّثني إسحاقُ بنُ شاهينَ، قال: ثنا خالدٌ، عن داودَ، عن عامرٍ في قولِه:
(1)
في ص، م، ف:"يعقوب".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2056 من طريق داود به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 341 لابن الأنباري.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
في م: "ورائي".
(5)
في الأصل: "قالا".
(6)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"ولد الولد هو الوراء".
{وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} . قال: الوَراءُ: ولدُ الولدِ
(1)
.
حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابنُ عُليَّةَ، عن داودَ، عن الشعبيِّ مثلَه.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا أبو
(2)
عمرٍو الأزديُّ، قال: سمِعتُ الشعبيَّ يقولُ: ولدُ الولدِ هم الولدُ من الوَراءِ.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن حبيبِ بنِ أبي ثابتٍ، قال: جاء رجلٌ إلى ابنِ عباسٍ ومعه ابنُ ابنِه، فقال: من هذا معك؟ قال: هذا ابنُ ابني. قال: هذا ابنُك
(3)
من الوَراءِ. قال: فكأنه شقَّ [ذلك على]
(4)
الرجلِ، فقال ابنُ عباسٍ: إن اللَّهَ يقولُ: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} . فولدُ الولدِ هم الولدُ
(5)
من الوَراءِ
(6)
.
حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ، قال: لمَّا ضَحِكت سارَةُ وقالت: عجبًا لأضيافِنا هؤلاء، إنا نخدُمُهم بأنفسِنا تكرِمةً لهم، وهم لا يأكُلون طعامَنا! قال لها جبريلُ: أبشرِي بولدٍ اسمُه إسحاقُ، ومن وراءِ إسحاقَ يعقوبَ. فضَرَبت جبهتَها
(7)
عَجَبًا. فذلك قولُه: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} [الذاريات: 29]. وقالت: {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ
(1)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1096 - تفسير) عن خالد به.
(2)
سقط ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"ولدك".
(4)
في ص، م، ت 1، س، ف:"على ذلك".
(5)
سقط من: م.
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2056 من طريق حبيب به.
(7)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"وجهها".
الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}. قالت سارةُ لجبريلَ
(1)
: ما آيةُ ذلك؟ قال: فأخَذَ بيدِه عودًا يابِسًا فلَواه بينَ أصابعِه، فاهتَزَّ أخضرَ. فقال إبراهيمُ: هو للَّهِ إذن ذبيحًا
(2)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سَلَمَةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال:{فَضَحِكَتْ} . يعني: سارةُ لمَّا عَرَفت من أمرِ اللَّهِ جلَّ ثناؤه، ولِما تعلمُ من قومِ لوطٍ، فبشَّروها بإسحاقَ، ومن وَراءِ إسحاقَ يعقوبَ؛ بابنٍ وبابنِ ابنٍ، فقالت وصَكَّت وجهَها. يُقالُ: ضَرَبتْ على جَبينها: {يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ
(3)
وَأَنَا عَجُوزٌ}، إلى قولِه:{إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}
(4)
.
واختلفتِ القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأته عامةُ قرأةِ الحجازِ والعراقِ: (ومن ورَاءِ إسحاقَ يعقوبُ) برفعِ يعقوبَ
(5)
، بنيَّةِ
(6)
ابتداءِ الكلامِ بقولِه: (ومن ورَاءِ إسحاقَ يعقوبُ)، وذلك وإن كان خبرًا مبتدأً، ففيه دلالةٌ على معنى التبشيرِ
(7)
.
وقرَأه بعضُ قرأةِ أهلِ الكوفةِ والشامِ: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} نصبًا
(8)
.
فأما الشاميُّ منهما، فذُكِر أنه كان يَنحو بـ "يعقوبَ" نحوَ النصبِ، بإضمارِ فعلٍ آخرَ مُشاكِلٍ للبشارةِ، كأنه قال: ووهَبنا لها
(9)
من وَراءِ إسحاقَ يعقوبَ، فلما لم يظهَرْ "وَهَبنا"، عَمِل فيه التبشيرُ
(10)
، وعُطِف به
(11)
على موضعِ إسحاقَ، إذ
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 272، 273 سندًا ومتنًا.
(3)
في الأصل: "ألد".
(4)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 249 سندًا ومتنًا.
(5)
هذه قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر عنه. السبعة ص 338.
(6)
في ص، ت 2:"بقية"، وفي م:"يعيد"، وفي ف:"لغة".
(7)
في الأصل: "التبمثير"، وفي: ص، ت 2:"التبشر".
(8)
هذه قراءة ابن عامر وحمزة، وعاصم في رواية حفص عنه. السبعة ص 338.
(9)
في ص، م، ت 1، ت 2، ف:"له".
(10)
في ص، ت 2:"التبشر".
(11)
في الأصل: "له".
كان إسحاقُ وإن كان مخفوضًا
(1)
، فإنه بمعنى المنصوبِ، بعملِ "بشَّرنا" فيه، كما قال الشاعرُ جريرٌ
(2)
:
جِئْني بمِثلِ بني بَدرٍ لقومِهم
…
أو مِثلِ أُسرةِ منظورِ بنِ سيَّارِ
أو عامرِ بنِ طُفيلٍ في مُركَّبِه
…
أو حارِثًا يومَ نادى القومُ يا حَارِ
(3)
وأما الكوفيُّ منهما، فإنه قرَأه بتأويلِ الخفضِ، فيما ذُكر عنه، غيرَ أنه نَصَبه لأنه لا يُجرَى.
وقد أنكَر ذلك أهلُ العلمِ بالعربيةِ، من أجلِ دخولِ الصفةِ
(4)
بينَ حرفِ العطفِ والاسمِ، وقالوا: خطأٌ أن يقالَ: مررتُ بعمرٍو في الدارِ، وفي البيتِ زيدٍ. وأنت عاطفٌ بزيدٍ على عمرٍو، إلا بتكريرِ
(5)
الباءِ وإعادتِها، فإن لم تُعَدْ كان وجهُ الكلامِ عندَهم الرفعَ، وجازَ النصبُ، فإن قُدِّم الاسمُ على الصفةِ جازَ حينَئذٍ الخفضُ، وذلك إذا قيل
(6)
: مَررْتُ بعمرٍو في الدارِ، وزيدٍ في البيتِ. وقد أجازَ الخفضَ، والصفةُ معترضةٌ بينَ حرفِ العطفِ والاسمِ، بعضُ نحويِّي أهلِ
(7)
البصرةِ.
(1)
في ت 1، ف:"محفوظا"
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ف.
(3)
البيتان في ديوان جرير 1/ 237، 238. والرواية فيه:"أو حارث" بالخفض وعليها فلا شاهد فيهما.
(4)
أي حرف الجر. ينظر مصطلحات النحو الكوفي ص 27.
(5)
في الأصل: "بتقدير".
(6)
في م: "قلت".
(7)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
وأولى القراءتَين في ذلك بالصوابِ عندي قراءةُ مَن قرَأه رفعًا
(1)
؛ لأن ذلك هو الكلامُ المعروفُ من كلامِ العربِ، والذي لا يَتَناكرُه أهلُ العلمِ بالعربيةِ، وما عليه قرأةُ الأمصارِ. فأما النصبُ فيه، فإن له وجهًا
(2)
، غيرَ أني لا أحبُّ القراءةَ به؛ لأن كتابَ اللَّهِ نَزَل بأفصحِ ألسُنِ العربِ، والذي هو أولى [بأهلِ العلمِ]
(3)
[أن يتلوه]
(4)
بالذي نزَل به من
(5)
الفصاحةِ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: قالت سارةُ لما بُشِّرَت بإسحاقَ أنها تَلِدُ، تَعَجُّبًا مما قيل لها من ذلك، إذ كانت قد بَلَغت السنَّ التي لا يَلِدُ من كان قد بلَغَها من الرجالِ والنساءِ، وقيل: إنها كانت يومَئذٍ ابنةَ تسعٍ وتسعين سنةً، وإبراهيمُ ابنَ مائةِ سنةٍ. وقد ذكرتُ الروايةَ بما
(6)
رُوى في ذلك عن مجاهدٍ قبلُ
(7)
.
وأما ابنُ إسحاقَ، فإنه قال [في ذلك ما حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال]
(8)
: كانت سارَةُ [يومَ بُشِّرت بإسحاقَ]
(9)
، فيما ذكَر لي بعضُ
(1)
القراءتان كلتاهما صواب.
(2)
في ت 2: "وجهان".
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"بالعلم".
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فيما".
(7)
ينظر ص 476.
(8)
سقط من: ت 1، س، ف.
(9)
سقط من: الأصل.
أهلِ العلمِ، ابنةَ تسعين سنةً، وإبراهيمُ ابنَ عشرين ومائةِ سنةٍ
(1)
-: {يَاوَيْلَتَى} ، وهي كلمةٌ تقولُها العربُ عندَ التعجبِ مِن الشيءِ، أو الاستنكارِ للشيءِ، فيقولون عندَ التعجبِ: ويلُ امِّه رجلًا ما أرجَلَه!
وقد اختلَف أهلُ العربيةِ في هذه الألفِ التي في {يَاوَيْلَتَى} .
فقال بعضُ نحويِّي البصرةِ: هذه ألفٌ خفيفةٌ
(2)
، إذا وقفتَ قلتَ: يا ويلتاه. وهى مثلُ ألفِ النُّدبةِ، فلُطِّفت من أن تكونَ في السَّكتِ، وجُعِلت بعدَها الهاءُ لتكونَ أبينَ لها وأبعدَ في الصوتِ؛ وذلك أن الألفَ إذا كانت بينَ حرفَين، كان لها صدًى، كنحوِ الصوتِ يكونُ في جوفِ الشيءِ فيتردَّدُ فيه، فيكونُ أكثرَ وأبينَ.
وقال غيرُه: هذه ألفُ النُّدبةِ، فإذا وقفتَ عليها فجائزٌ. وإن وقفتَ على الهاءِ فجائزٌ. وقال: ألا تَرَى أنهم قد وَقَفوا على قولِه: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ} [الإسراء: 11]، فحَذَفوا الواو وأثبَتوها
(3)
، وكذلك:{مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64] بالياءِ، وغيرِ الياءِ
(4)
. قال: وهذا أقوى من ألفِ النُّدبةِ وهائِها.
والصوابُ من القولِ في ذلك عندَنا، أن هذه الألفَ ألفُ النُّدبةِ، والوقفُ عليها بالهاءِ وغيرِ الهاءِ جائزٌ في الكلامِ؛ لاستعمالِ العربِ ذلك في كلامِها.
(1)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 249 عن ابن حميد به، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2056 من طريق سلمة عن ابن إسحاق بنحوه.
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س:"حقيقة".
(3)
القرأة جميعهم على حذف الواو في: {وَيَدْعُ} وصلا ووقفا إتباعا للرسم، غير أن يعقوب الحضرمي كان يثبتها في الوقف. الإتحاف ص 171.
(4)
قرأ بإثبات الياء وصلا: نافع وأبو عمرو والكسائي وأبو جعفر المدني. وقرأ بإثباتها في الحالين ابن كثير ويعقوب الحضرمي. الإتحاف ص 178، والبحر 6/ 147.
وقولُها
(1)
: {أَأَلِدُ
(2)
وَأَنَا عَجُوزٌ}. تقولُ: أنَّى يكونُ لي ولدٌ {وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} . والبعلُ في هذا الموضعِ الزوجُ، وسُمِّيَ بذلك لأنه قَيِّمُ أمرِها، كما سَمَّوا مالكَ الشيء بعلَه، وكما قالوا للنخلِ الذي
(3)
يستَغنِي
(4)
بماءِ السماءِ عن سَقيِ ماءِ الأنهارِ والعيونِ: البعلُ؛ لأن مالكَ الشيءِ القيِّمُ به، والنخلُ البعلُ، بماءِ السماءِ حياتُه.
وقولُه: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} . يقولُ جلَّ ذِكره: إن كونَ الولدِ من مِثلي ومثلِ بَعْلي، على السنِّ التي نحن بها، لشيءٌ عجيبٌ. {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}. يقولُ عز وجل: قالت الرسلُ لها: أتعجَبين مِن أمرٍ
(5)
أمَر اللَّهُ به أن يكونَ، وقضاءٍ قَضاه اللَّهُ فيكِ وفي بعلِك؟!
وقولُه: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} . يقولُ: رحمةُ اللَّهِ وسعادتُه لكم أهلَ بيتِ إبراهيمَ. وجُعِلت الألفُ واللامُ خَلَفًا من الإضافةِ. وقولُه: {إِنَّهُ حَمِيدٌ} . يقولُ: إن اللَّهَ عز وجل محمودٌ في تَفَضُّلِه عليكم بما تفضَّلَ به من النِّعَمِ عليكم
(6)
وعلى سائرِ خلقِه، {مَجِيدٌ}. يقولُ: ذو مجدٍ ومَدحٍ وثناءٍ كريمٍ. يقالُ في "فَعُلَ" منه: مَجُدَ الرجلُ يَمجُدُ مَجادةً. إذا صارَ كذلك. وإذا أردتَ أنك مَدَحتَه قلتَ: مجَّدتُه تمجيدًا.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قوله".
(2)
في الأصل، ت 1، ت 2:"ألد". وفي س: "آلد".
(3)
في م: "التي".
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"يسقى".
(5)
سقط من: الأصل، ت 1، ت 2، س، ف.
(6)
في الأصل: "عليك". وفي ص، ف:"على".
يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)}.
يقولُ عز وجل: فلما ذَهَب عن إبراهيمَ الخوفُ الذي أوجَسَه في نفسِه مِن رُسُلِنا، حينَ رأى أيديَهم لا تَصِلُ إلى طعامِه، وأَمِنَ أن يكونَ قُصِد في نفسِه وأهلِه بسوءٍ، {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} بإسحاقَ - ظلَّ {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} .
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال بعضُ
(1)
أهلِ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قوله:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} . يقولُ: ذَهَب عنه الخوفُ، {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} بإسحاقَ
(2)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابنِ إسحاقَ:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} بإسحاقَ، ويعقوبَ - ولدٌ من صُلبِ إسحاقَ - وأمِن مما كان يخافُ، قال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}
(3)
[إبراهيم: 39]. وقد قيل: معنى ذلك: وجاءته البُشرى؛ أنهم ليسوا إياه يريدون.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} . قال: حينَ أخبَروه أنهم أُرسلوا إلى قومِ لوطٍ، وأنهم ليسوا إياه
(1)
سقط من ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2057 من طريق سعيد بن بشير عنه به، بشطره الأول، وأخرجه أيضًا 6/ 2057 من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه به بشطره الثاني، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 341 إلى ابن المنذر.
(3)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 249 سندًا ومتنًا.
يريدون
(1)
.
قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، قال: قال
(2)
معمرٌ. وقال آخرون: بشِّر بإسحاقَ
(3)
.
وأما {الرَّوْعُ} فهو الخوفُ، يقالُ منه: راعَني كذا يَرُوعُني رَوعًا. إذا خافَه. ومنه قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لرجلٍ
(4)
: "كيف لك برَوْعةِ المؤمنِ؟ "
(5)
: ومنه قولُ عنترةَ
(6)
:
ما رَاعَني إِلَّا حَمولَةُ أهلِها
…
وَسْطَ الدِّيارِ تَسَفُّ حبَّ الخِمخِمِ
(7)
بمعنى: ما أفزغَني.
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثني محمدُ بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{الرَّوْعُ} : الفَرَقُ.
حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ.
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 308 عن معمر به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2057 من طريق محمد بن عبد الأعلى به. وليس عنده:"أنهم ليسوا إياه يريدون". وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 341 إلى أبي الشيخ.
(2)
في م: "ثنا"، وفي ف:"ثنا محمد بن".
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 308 عن معمر به.
(4)
سقط من: م.
(5)
أخرجه الحاكم 2/ 421 من حديث زيد بن ثابت بمعناه.
(6)
البيت في شرح ديوان عنترة ص 123.
(7)
الخمخم: نبت له شوك دقيق لصاق بكل ما يتعلق. التاج (خ م م).
قال: وثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} . قال: الفَرَقُ
(1)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال
(2)
: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} . [قال: الفَرَقُ]
(3)
(4)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ]
(3)
}. يقولُ
(5)
: ذَهب عنه الخوفُ
(6)
.
وقولُه: {يُجَادِلُنَا} : يُخاصِمُنا.
كما حدَّثني محمدُ بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، [عن مجاهدٍ]
(7)
: {يُجَادِلُنَا} . قال
(8)
: يُخاصِمُنا.
حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(9)
.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2057 من طريق ورقاء به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 341 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
(2)
في الأصل: "وقال".
(3)
سقط من: الأصل، ت 1.
(4)
تفسير عبد الرزاق 1/ 304، 305.
(5)
في م: "قال".
(6)
بعده في م، ص، ت 2، س، ف:"في قوم لوط يقول". والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2057 من طريق سعيد بن بشير، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 241 إلى ابن المنذر.
(7)
سقط من: الأصل.
(8)
سقط من: م.
(9)
بعده في الأصل: قال: وحدثنا إسحاق قال ثنا عبد الله عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهد. وتقدم ذلك قبل قليل. والأثر في تفسير مجاهد ص 389، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2058، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 341 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
وزَعَم بعضُ أهلِ العربيةِ من أهلِ البصرةِ أن معنى قولِه: {يُجَادِلُنَا} : يُكلِّمُنا، وقال: لأن إبراهيمَ لا يُجادلُ اللَّهَ، إنما يسألُه ويطلبُ إليه
(1)
. وهذا من الكلامِ جهلٌ؛ لأن اللَّهَ عز وجل أخبرَنا في كتابهِ أنه يُجادِلُ في قومِ لوطٍ، فقولُ القائلِ: إبراهيمُ لا يُجادِلُ اللَّهَ
(2)
- مُوهِمًا بذلك أن قولَ من قال في تأويلِ قولِه: {يُجَادِلُنَا} . يُخاصمُنا، أن إبراهيم كان يُخاصِمُ ربَّه - جهلٌ من الكلامِ، وإنما كان جِدالُه الرسلَ على وجهِ المُحاجَّةِ لهم. ومعنى ذلك: وجاءته البُشرى يُجادِلُ رُسُلَنا، ولكنه لمّا عُرِف المرادُ من الكلامِ حَذَف الرُّسُلَ.
وكان جدالُه إياهم كما حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ القُمِّيُّ، قال: ثنا جعفرٌ، عن سعيدٍ:{يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} . قال: لما جاءه
(3)
جبريلُ ومن معه قالوا لإبراهيم: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت: 31]. قال لهم إبراهيمُ: أتُهلِكون قريةً فيها أربعُمائةِ
(4)
مؤمنٍ؟ قالوا: لا. قال: أفتُهلكون قريةً فيها ثلاثُمائةِ مؤمنٍ؟ قالوا: لا. قال أفتُهلكون قريةً فيها مائتا مؤمنٍ؟ قالوا: لا. قال: أفتُهلكون قريةً فيها أربعون مؤمنًا؟ قالوا: لا. قال: أفتُهلكون قريةً فيها أربعةَ عشرَ مؤمنًا؟ قالوا: لا. قال
(5)
: وكان إبراهيمُ يَعُدُّهم أربعةَ عشرَ بامرأةِ لوطٍ، فسكَتَ عنهم واطمأنَّت نفسُه
(6)
.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، عن الأعمشِ، عن المنهالِ، عن سعيدِ بنِ
(1)
في م، ف:"منه". وفي ت 1، ت 2، س:"الله".
(2)
سقط من: م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
في م: "جاء".
(4)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س، ف:"مائة". والمثبت موافق لما في مصدر التخريج.
(5)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(6)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 297 عن ابن حميد به، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2058 من طريق يعقوب به.
جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: قال المَلَكُ لإبراهيمَ: إن كان فيها خمسةٌ يُصلُّون، رُفِع عنهم العذابُ
(1)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} : ذُكر لنا أن مُجادلتَه إيَّاهم أنه قال لهم: أرأيتم إن كان فيها خمسون من المؤمنين، أمُعذِّبُوها أنتم؟ قالوا: لا. حتى صار ذلك إلى عشرةٍ. قال: أرأيتُم إن كان فيها عشرةٌ، أمُعذِّبوهم أنتم؟ قالوا: لا وهي ثلاثُ قرًى، فيها ما شاء اللَّهُ من الكثرةِ والعددِ.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} . قال: بَلَغنا أنه قال لهم يومَئذٍ: أرأيتُم إن كان فيهم خمسون من المسلمين؟ قالوا: وإن كان فيهم
(2)
خمسون [من المسلمين]
(3)
لم نعذِّبْهم. قال: و
(4)
وأربعون؟ قالوا: وأربعون. قال: ثلاثون؟ قالوا: و
(5)
ثلاثون. حتى بَلَغ عشرةً. قالوا: وإن كان فىهم عشرةٌ. قال: ما قومٌ لا يكونُ فيهم عشرةٌ فيهم خيرٌ
(6)
.
قال ابنُ عبدِ الأعلى: قال محمدُ بنُ ثورٍ: قال معمرٌ: وبَلَغنا أنه كان في قريةِ
(1)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 298 سندًا ومتنًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 342 إلى المصنف وابن المنذر.
(2)
في م: "فيها".
(3)
سقط من: الأصل، ص، م، ت 1، س، ف.
(4)
سقط من: م، ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
سقط من: م.
(6)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 298 عن محمد بن عبد الأعلى به، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 308، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه 14/ 635 (مخطوط) عن معمر عن قتادة من قوله دون قوله: بلغنا. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 341 إلى أبي الشيخ.
لوطٍ أربعةُ آلافِ ألفِ إنسانٍ، أو ما شاء اللَّهُ من ذلك
(1)
.
وحدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} - {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} [الحجر: 57]؟ قالوا: إنا أُرسِلنا إلى قومِ لوطٍ. فجادَلهم في قومِ لوطٍ. فقال: أرأيتُم إن كان فيها مائةٌ من المسلمين أتُهلِكونهم؟ قالوا: [لا. قال]
(2)
: فلم يَزَلْ يحُطُّ، حتى بلَغ عشرةً من المسلمين. فقالوا: لا تُعذِّبُهم إن كان فيهم عشرةٌ من المسلمين. ثم قالوا: يا إبراهيمُ أعرِض عن هذا، إنه ليس فيها إلا أهلُ بيتٍ مِن المؤمنين، هو لوطٌ وأهلُ بيتِه، وهو قولُ اللَّهِ عز وجل:{يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} . فقالت الملائكةُ: {يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} .
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} . يعني: إبراهيمَ، جادلَ عن قومِ لوطٍ، [ليَرُدَّ عنهم]
(3)
العذابَ. قال: فيزعُمُ أهلُ التوراةِ أن مُجادلةَ إبراهيمَ إيَّاهم، حينَ جادلَهم في قومِ لوطٍ، ليَرُدَّ عنهم العذابَ، إنما قال للرسُلِ فيما يُكلِّمهم به: أرأيتُم إن كان فيهم مائةُ مؤمنٍ أتُهلِكونهم؟ قالوا: لا. قال: أفرأيتُم إن كانوا تسعين؟ قالوا: لا. قال: أفرأيتُم إن كانوا ثمانين؟ قالوا: لا. قال: أفرأيتُم إن كانوا سبعين؟ قالوا: لا. قال أفرأيتُم إن كانوا ستين؟ قالوا: لا. قال: أفرأيتُم إن كانوا خمسين؟ قالوا: لا. قال
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 309 عن معمر به.
(2)
سقط من: م.
(3)
في ت 1، س:"لروعهم"، وفي ف:"ليروعهم".
: أفرأيتُم إن كان رجلًا واحدًا مسلمًا؟ قالوا: لا. قال: فلما لم يذكروا لإبراهيمَ أن فيها مؤمنًا واحدًا قال: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} . يدفَعُ به عنهم العذابَ. {قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت: 32]. قالوا: {يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} .
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، قال: قال ابنُ جريجٍ: قال إبراهيمُ: أتُهلِكونهم إن وجدتُم فيها
(1)
مائةَ مؤمنٍ؟ ثم تسعين
(2)
، حتى هبَط إلى خمسةٍ. قال: وكان في قريةِ لوطٍ أربعةُ آلافِ ألفٍ.
حدَّثني محمدُ بن عوفٍ، قال: ثنا أبو المغيرةِ، قال: ثنا صفوانُ، قال: ثنا أبو المُثنَّى ومسلمٌ أبو حِسْبةَ
(3)
الأشجعيُّ، قالا:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} إلى آخرِ الآيةِ. قال إبراهيمُ: أتعذِّبُ عالَمًا من عالمِك كثيرًا وفيهم مائةُ رجلٍ يعبدُك
(4)
؟ قال: لا وعزَّتي، ولا خمسين. قال: فأربعين؟ فثلاثين؟ حتى انتهى إلى خمسةٍ. قال: لا وعزَّتي، لا أُعذِّبُهم، ولو كان فيهم خمسةٌ يَعبُدُونني. قال اللَّهُ عز وجل:{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
(5)
[الذاريات: 36] لوطًا وابنتَيه. قال: فحلَّ
(1)
في ص، ت 2، س، ف:"فيهم".
(2)
في الأصل: "سبعين".
(3)
في الأصل: "الجميل"، وفي ص، م:"الحبيل"، وفي ت 1، ت 2:"الخيل"، وفي ف س:"الحل". وفي مصدر التخريج: "الحميل". والمثبت من الإكمال 2/ 471، ومؤتلف الدارقطني 2/ 677، 678، وتبصير المنتبه 1/ 440.
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
بعده في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"أي".
بهم
(1)
العذابُ. قال اللَّهُ عز وجل: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [الذاريات: 37]. وقال: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا}
(2)
.
والعربُ لا تكادُ تتَلقَّى "لمَّا"، إذا وَلِيها فعلٌ ماضٍ، إلا بماضٍ، يقولون: لمَّا قامَ قُمتُ. ولا يكادون يقولون: لمَّا قامَ أقومُ. وقد يجوزُ فيما كان من الفعلِ له تَطاوُلٌ، مثلَ الجدالِ والخصومةِ والقتالِ، فيقولون في ذلك: لمَّا لَقِيتُه أقاتِلُه. بمعنى: قاتلتُه
(3)
.
وقولُه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} . يقولُ تعالى ذكرُه: إن إبراهيمَ لبَطِيءُ الغضبِ، متذلِّلٌ لربِّه، خاشعٌ له، مُنقادٌ لأمرِه، {مُنِيبٌ} رَجَّاعٌ إلى طاعتِه.
كما حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ:{أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} . قال: القانِتُ الرجَّاعُ.
وقد بيَّنَّا معنى الأوَّاهِ فيما مضَى، باختلافِ المختلفِين، والشواهدَ على الصحيحِ منه عندَنا من القولِ بما أغنَى عن إعادتِه
(4)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)} .
(1)
بعده في ص، م، ف:"من".
(2)
أخرجه ابن عساكر في تاريخه 14/ 635 (مخطوط) من طريق أبي المغيرة به حتى قوله: "ابنتيه".
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"جعلت أقاتله".
(4)
ينظر ما تقدم في 33 - 46.
يقولُ تعالى ذكرُه مخبرًا عن قولِ رُسُلِه لإبراهيمَ: {يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} . وذلك قيلُهم له حينَ جادلَهم في قومِ لوطٍ، فقالوا له: دع عنك الجِدالَ في أمرِهم، والخُصومةَ فيه، فإنه قد جاء أمرُ ربِّك بعذابِهم، وحقَّ عليهم كلمةُ العذابِ، ومضَى فيهم بهلاكِهم القضاءُ، {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}. يقولُ: وإن قومَ لوطٍ نازلٌ بهم عذابٌ من اللَّهِ غيرُ مدفوعٍ عنهم
(1)
، وقد ذكَرنا
(2)
الروايةَ بما ذَكرنا فيه عمن ذُكِر ذلك عنه
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)} .
يقولُ عز وجل: ولمَّا جاءت ملائكتُنا لوطًا، ساءَه مَجِيئُهم، وهو "فُعِل"، مِن السُّوءِ، {وَضَاقَ بِهِمْ} . بمجيئِهم
(4)
، {ذَرْعًا}. يقولُ: وضاقَت نفسُه غَمًّا بمَجيئِهم. وذلك أنه لم يكُنْ يعلمُ أنهم رُسُلُ اللَّهِ في حالِ ما ساءَه مجيئُهم، وعلِم مِن قومِه ما هم عليه مِن إتْيانِهم الفاحشةَ، وخافَهم
(5)
عليهم، فضاقَ مِن أجلِ ذلك لمَجيئِهم
(6)
ذَرْعًا، وعلِم أنه سيحتاجُ إلى المُدافعةِ عن أضْيافِه؛ ولذلك قال:{هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} .
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(1)
سقط من: م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
في م، ص، ت 1، ت 2، س، ف:"ذكر".
(3)
بعده في ت 2: "بما أغنى عن إعادته". وينظر ما تقدم في 10/ 309، 310.
(4)
في الأصل: "بمجيئه".
(5)
في ص، م، ف:"خاف".
(6)
في ص، م، ف:"بمجيئهم".
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} . يقولُ: ساءَ ظَنًّا بقومِه، وضاقَ ذرعًا بأضْيافِه
(1)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن حذيفةَ، أنه قال: لما جاءتِ الرسلُ لوطًا أتَوه وهو في أرضٍ له يعملُ فيها، وقد قيل لهم، واللَّهُ أعلمُ: لا تُهْلِكوهم حتى يَشْهَدَ عليهم
(2)
لوطٌ. قال: فأتَوه فقالوا: إنا مُتَضَيِّفوك
(3)
الليلةَ. فانطَلَق بهم، فلما مشَى
(4)
ساعةً التفَتَ، فقال: أمَا تَعْلَمون ما يعملُ أهلُ هذه القريةِ؟ واللَّهِ ما أعلمُ على ظهرِ الأرضِ أُناسًا أخبثَ منهم. قال: فمضَى معهم. ثم قال الثانيةَ مثلَ ما قال، فانطَلَق بهم، فلمَّا بَصُرَت بهم
(5)
عجوزُ السَّوْءِ امرأتُه، انطَلَقَت فأنْذَرَتهم
(6)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، قال: قال حذيفةُ، فذكَر نحوَه
(7)
.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2061 من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 342 إلى أبي الشيخ.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
في الأصل: "نتضيفوك".
(4)
في م، ف:"مضى".
(5)
في ت 1، س، ف:"به".
(6)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 298، 299.
(7)
تفسير عبد الرزاق 1/ 307 عن معمر به، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه 14/ 636 (مخطوط) من طريق محمد بن حماد عن عبد الرزاق به، بدون ذكر حذيفة فيه.
حدَّثنا ابنُ
(1)
حميدٍ، قال: ثنا الحكمُ بنُ بشيرٍ
(2)
، قال: ثنا عمرُو بنُ قيسٍ المُلَائيُّ، عن سعيدِ بنِ بشيرٍ، عن قتادةَ، قال: أَتَتِ الملائكةُ لوطًا وهو في مَزْرعةٍ له، وقال اللَّهُ لملائكتِه
(3)
: إن شهِد لوطٌ عليهم أربعَ شهاداتٍ، فقد أَذِنْتُ لكم في هَلَكتِهم. فقالوا: يا لوطُ، إنا نريدُ أن نَضِيفَك الليلةَ. فقال: وما بلَغكم
(4)
أمرُهم؟ قالوا: وما أمْرُهم؟ فقال: أشهدُ باللَّهِ إنها لشَرُّ قريةٍ في الأرضِ عملًا. يقول ذلك أربعَ مراتٍ، فشَهِد عليهم لوطٌ أربعَ شهاداتٍ، فدخَلوا معه منزلَه
(5)
.
حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ، قال: خرَجت الملائكةُ مِن عندِ إبراهيمَ نحوَ قريةِ لوطٍ، فأَتَوها نصفَ النهارِ، فلمَّا بلَغوا نهرَ سَدُومَ لَقُوا ابنةَ لوطٍ تَسْتَقِي مِن الماءِ لأهلِها، وكانت له ابنتان، اسمُ الكُبرى ريثا، والصُّغْرى زُغرتا
(6)
، فقالوا لها: يا جاريةُ، هل مِن منزلٍ؟ قالت: نعم، فَمكانَكم لا تدخُلوا حتى آتِيَكم. فَرِقَتْ عليهم مِن قومِها فأتَتْ أباها، فقالت: يا أبتاه، أرادَك فِتْيانٌ على بابِ المدينةِ، ما رأيتُ وجوهَ قومٍ أحسنَ منهم، لا يأخُذْهم قومُك
(1)
في الأصل: "أبو".
(2)
في الأصل: "بشر". ينظر تهذيب الكمال 7/ 89.
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"للملائكة".
(4)
في ت 1، ت 2، س، ف:"بلغك"، وبعده في ص، م:"من".
(5)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 299.
(6)
في الأصل: "زعرتا"، وفي تاريخ الطبري:"رعزيا"، وفي البداية والنهاية 1/ 416:"دغوثا".
فيَفْضَحوهم - وقد كان قومُه نَهَوه أن يُضِيفَ رجلًا، فقالوا: خَلِّ عَنَّا فلنُضِفِ الرجالَ - فجاء بهم، فلم يعلَمْ أحدٌ إلا أهلُ بيتِ لوطٍ، فخرَجت امرأتُه، فأخْبَرَت قومَها، قالت: إن في بيتِ لوطٍ رجالًا ما رأيتُ
(1)
؛ مثلَ وجوهِهم قَطُّ. فجاءه قومُه يُهْرَعون إليه
(2)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال: خرَجت الرسلُ - فيما يزعمُ أهلُ التوراةِ - مِن عند إبراهيمَ إلى لوطٍ بالمؤتفِكةِ، فلما جاءتِ الرسلُ لوطًا سِيءَ بهم، {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} ، وذلك مِن خوفِ
(3)
قومِه عليهم، أن يَفْضَحُوه في ضيفِه، فقال:{هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} .
وأما قولُه: {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} . فإنه يقولُ: وقال لوطٌ: هذا اليومُ يومٌ شديدٌ شَرُّه، عظيمٌ بَلاؤُه.
يقالُ منه: عصِب يومُنا هذا يَعْصَبُ عَصَبًا، ومنه قولُ عديِّ بنِ زيدٍ
(4)
:
وكنتُ لِزَازَ
(5)
خَصْمِكَ لم أُعَرِّدْ
(6)
…
وقد سَلَكُوكَ في يومٍ عَصِيبِ
وقولُ الراجزِ
(7)
:
(1)
بعده في الأصل: "مثلهم".
(2)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 299 بإسناد السدي المعروف، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2060 والحاكم 2/ 562، 563 من طريق عمرو بن حماد به.
(3)
في ص، م، ف:"تخوف".
(4)
الأغاني 2/ 111، ومجاز القرآن 1/ 294، واللسان (س ل ك).
(5)
اللَّزَز: الشِّدَة، وإنه لَلِزاز خصومة ومِلَزٌّ، أي: لازم لها موكل بها يقدر عليها. ينظر اللسان (ل ز ز).
(6)
عرَّد الرجل عن قرنه، إذا أحجم ونكل، والتعريد: الفرار، ينظر اللسان (ع ر د).
(7)
مجاز القرآن 1/ 294.
يومٌ عصيبٌ يَعْصِبُ الأبْطالَا
عَصْبَ القَوِيِّ السَّلَمَ الطِّوَالَا
وقولُ الآخرِ
(1)
:
وإنَّك إلا تُرْضِ بكرَ بنَ وائلٍ
…
يكُنْ لك يومٌ بالعراقِ عَصِيبُ
وقال كعبُ بن جُعيلٍ
(2)
:
ويُلِبُّون
(3)
بالحَضِيضِ
(4)
قِيامٌ
(5)
…
عارِفاتٌ منه بيَوْمٍ عَصِيبِ
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{يَوْمٌ عَصِيبٌ} : شديدٌ.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قال:{هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} . يقولُ: شديدٌ.
(1)
مجاز القرآن 1/ 294.
(2)
ينظر التبيان 6/ 39.
(3)
لبَّ بالمكان لبًّا، وألبَّ: أقام به ولزمه. اللسان (ل ب ب).
(4)
الحضيض: قرار الأرض عند سفح الجبل، وقيل: هو في أسفله. ينظر اللسان (ح ض ض).
(5)
في م، ت 2، ص، ف:"فئام".
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال:{هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} . أي: يومُ بلاءٍ وشدةٍ.
حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{يَوْمٌ عَصِيبٌ} : شديدٌ
(1)
.
حدَّثني عليُّ بنُ داودَ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} . أي: يومٌ شديدٌ
(2)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)} .
يقولُ عز وجل: وجاء لوطًا قومُه يُسْتَحَثُّون إليه، يُرْعَدون مع سرعةِ
(3)
المَشْيِ، مما بهم مِن طلبِ الفاحشةِ.
يقالُ: أُهْرِعَ الرجلُ مِن بردٍ أو غضبٍ أو حُمَّى: إذا أُرْعِد، وهو مُهْرعٌ. إذا كان مُعْجَلًا حريصًا، كما قال الراجزُ
(4)
:
* بمُعْجَلاتٍ نحوَه مَهارِعُ *
ومنه قولُ مُهَلهَلٍ
(5)
:
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 309 عن معمر به.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2061 من طريق عبد الله به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 342 إلى أبي الشيخ. وتقدم أوله في ص 495 حاشية (1).
(3)
في ت 1، س، ف:"سعة".
(4)
مجاز القرآن 1/ 294.
(5)
البيت في اللسان والتاج (هـ ر ع).
فجاءوا يُهْرَعون وهم أُسارَى
…
تَقودُهُمُ على رَغْمِ الأُنُوفِ
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللَّهِ:{يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} . قال: يُهَرْوِلون إليه
(1)
، وهو الإسراعُ في المشيِ
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ نحوَه.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو خالدٍ والمحاربيُّ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ:{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} . قال: يَسْعَون إليه
(3)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: فأَتَوه يُهْرَعون إليه، يقولُ: سِراعًا إليه
(4)
.
حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} . قال: يُسْرِعون إليه
(5)
.
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، س، ف.
(2)
تفسير مجاهد ص 389، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2062.
(3)
ذكره القرطبي في تفسيره 9/ 75 عن الضحاك.
(4)
في الأصل: "إليهم".
(5)
تفسير عبد الرزاق 1/ 309 عن معمر به.
حدَّثني موسى، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} . يقولُ: يُسْرِعون إليه المشيَ
(1)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا يحيى بنُ زكريا، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ:{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} . قال: يُهَرْوِلون في المَشْيِ.
قال سفيانُ: {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} : يُسْرِعون إليه.
حدَّثنا سَوَّارُ بنُ عبدِ اللَّهِ، قال: قال سفيانُ بنُ عُيينةَ في قولِه: {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} . قال: كأنهم يُدْفَعون
(2)
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، قال: ثنا حفصُ بنُ حميدٍ، عن شِمْرِ بنِ عطيةَ، قال: أقبَلوا يُهرَعون
(3)
مشيًا بينَ الهَرْولةِ
(4)
والجَمْزِ
(5)
(6)
.
حدَّثني عليُّ بنُ داودَ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ:{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ} . يقولُ: مُسْرِعين
(7)
.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2061 معلقًا من طريق عمرو به.
(2)
ذكره القرطبي في تفسيره 9/ 75 عن ابن عيينة.
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"يسرعون".
(4)
الهرولة: بين العَدو والمشي، وقيل الهرولة الإسراع. ينظر اللسان (هـ ر و ل).
(5)
جَمَزَ الفرسُ ونَحْوُهُ، سار سيرًا قريبا من العدو. الوسيط (ج م ز).
(6)
سيأتي مطولًا في ص 516.
(7)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2061 من طريق عبد الله بن صالح به.
وقولُه: {وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} . [يقولُ: و
(1)
مِن قبلِ مجيئِهم إلى لوطٍ، كانوا]
(2)
يَأْتون الرجالَ [في أدْبارِهم]
(3)
.
كما حدَّثنا القاسمٌ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ قولَه:{وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} . قال: يَأْتون الرجالَ.
وقولُه: {قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} . يقولُ عز وجل: قال لوطٌ لقومِه لمَّا جاءوه يُراوِدونه عن ضيفِه: هؤلاء يا قومِ بناتي - يعني: نساءَ أُمَّتِه - انكِحوهن
(4)
كما حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} . قال: أمَرهم لوطٌ بتزويجِ النساءِ، وقال: هنَّ أطهرُ لكم
(5)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، قال: وبَلَغني هذا أيضًا عن مجاهدٍ
(6)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، [قال: ثنا أبي، وحدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ]
(7)
، عن سفيانَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} . قال: لم يَكُنَّ
(1)
سقط من: ص، م، ت 2.
(2)
في ت 1، س، ف:"قال".
(3)
سقط من: ت 1، س، ف.
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"فانكحوهن".
(5)
تفسير عبد الرزاق 1/ 306 ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه 14/ 636 (مخطوط) عن معمر به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 343 إلى أبي الشيخ.
(6)
تفسير عبد الرزاق 1/ 306 ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه 14/ 636 (مخطوط) عن معمر به.
(7)
سقط من: ص، م، ت 1، س، ف.
بناتِه، ولكنْ كُنَّ مِن أُمتِه، وكلُّ نبيٍّ أبو أمَّتِه
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، عن ابنِ أبي [نجيحٍ، عن مجاهدٍ]
(2)
في قولِه: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} . قال: أمَرهم أن يتزوَّجوا النساءَ، لم يَعْرِضْ عليهم سِفاحًا
(3)
.
حدَّثني يعقوبُ، قال: قال أبو بشرٍ: سمِعتُ ابنَ أبي نجيحٍ يقولُ في قولِه: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} . قال
(4)
: ما عَرَض عليهم نِكاحًا ولا سِفاحًا.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ في قولِه:{هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} . قال: أمَرهم أن يَتزوَّجوا النساءَ، وأراد نبيُّ اللَّهِ أن يَقِيَ أضيافَه ببناتِه
(5)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ سعدٍ، قال: أخبرَنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ في قولِه:{هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} : يعني التزويجَ
(6)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو النعمانِ عارمٌ، قال: ثنا حمادُ بنُ زيدٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ شَبيبٍ الزَّهْرانيُّ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ في قولِ
(7)
لوطٍ:
(1)
تفسير الثوري ص 131 ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد 11/ 171، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2062 وابن عبد البر في التمهيد 11/ 171 من طريق وكيع به.
(2)
في الأصل: "إسحاق".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2063 من طريق ابن علية به.
(4)
بعده في الأصل: "قال".
(5)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 103 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(6)
بعده في ص، م، ت 1، ت 2، ف:"حدثني أبو جعفر، عن الربيع في قوله: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}: يعني التزويج".
(7)
في ت 1، ت 2، س:"قوم".
{هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} : يعني نساءَهم
(1)
، هنَّ بَناتُه، هو نبيُّهم، وقال: في بعضِ القراءةِ: (النَّبِيُّ أوْلى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ)
(2)
.
حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} : قالوا: أوَ لم نَنْهَك أن تُضَيِّفَ العالمين؟ قال: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} إِنْ كنتُم فاعِلين، {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}
(3)
؟
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال: لمَّا جاءت الرسلُ لوطًا أقبَل قومُه إليهم حينَ أُخْبِروا بهم، يُهْرَعون إليه، فيَزْعُمون، واللَّهُ أعلمُ، أن امرأةَ لوطٍ هي التي أخبرَتْهم بمكانِهم، وقالت: إن عندَ
(4)
لوطٍ لَضَيْفًا
(5)
ما رأيتُ أحسنَ ولا أجملَ منهم قَطُّ. وكانوا يَأْتون الرجالَ شهوةً مِن دونِ النساءِ، فاحشةٌ لم يَسْبِقُهم بها أحدٌ من العالمين. فلما جاءوه قالوا:{أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} [الحجر: 70] أي: ألم
(6)
نَقُلْ لك: لا يَقْرَبَنَّك أحدٌ؟ فإنا لن نَجِدَ عندَك أحدًا إلا فَعَلْنا به الفاحشةَ. قال: {يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} ، فأنا أَفْدِي ضَيْفي منكم بهنَّ، ولم يَدْعُهم إلا إلى الحلالِ مِن النكاحِ.
(1)
في م: "نساؤهم".
(2)
كذا قرأ ابن مسعود. ينظر البحر المحيط 5/ 246، ومختصر شواذ القرآن ص 120.
والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2062 من طريق حماد به.
(3)
تقدم مطولًا في ص 496، 497.
(4)
بعده في الأصل: "قوم".
(5)
في الأصل: "تضيفا"، وفي م:"لضيفانا". والضيف: يكون للواحد والجميع، كعدل وخصم. ينظر التاج (ض ي ف).
(6)
في ص، س، ف:"لم".
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} . قال: النساءُ.
واختَلفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} ؛ فقرَأته عامةُ القرأةِ برفعِ: {أَطْهَرُ} ، على أن جَعَلوا "هنَّ" اسمًا، و {أَطْهَرُ} خبرَه، كأنه قال
(1)
: بناتي أطهرُ لكم مما تُريدون مِن الفاحشةِ مِن الرجالِ.
وذُكِر عن [عيسى بنِ عمرَ]
(2)
البصريِّ أنه كان يقرأُ ذلك: (هُنَّ أَطْهَرَ لكم) بنصبِ "أطهرَ"
(3)
.
وكان بعضُ نحويِّي أهلِ
(4)
البصرةِ يقولُ: هذا لا يكونُ، إنما يُنْصَبُ خبرُ الفعلِ الذي لا يَسْتَغْني عن خبرٍ
(5)
، إذا كان بينَ الاسمِ والخبرِ هذه الأسماءُ المضمرةُ.
وكان بعضُ نحويِّي الكوفةِ يقولُ: مَن نَصَبه جَعَله نكرةً خارجةً مِن المعرفةِ، فيكونُ
(6)
قولُه: {هُنَّ}
(7)
. عمادًا للفعلِ، فلا يُعْمِلُه.
وقال آخرُ منهم: مسموعٌ مِن العربِ: هذا زيدٌ إياه بعينِه. قال
(7)
: فقد جَعَله
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قيل".
(2)
في الأصل: "عمر بن عيسى". وهو عيسى بن عمر الثقفي. ينظر ترجمته في مراتب النحويين ص 43، 46، 47، وأخبار النحويين البصريين ص 31، 33.
(3)
قرأ ذلك سعيد بن جبير، والحسن بخلاف، وزيد بن علي، ومحمد بن مروان، وعيسى بن عمر الثقفي، وابن أبي إسحاق. ينظر المحتسب 1/ 325، ومختصر شواذ القرآن ص 65، والبحر المحيط 5/ 247.
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ص، ف.
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"الخبر".
(6)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"ويكون".
(7)
سقط من: الأصل.
خبرًا
(1)
لهذا، مثلَ قولِك: كان عبدُ اللَّهِ إياه بعينِه
(2)
.
وإنما لم يَجُزْ أن يقَعَ الفعلُ ههنا؛ لأن التقريبَ
(3)
ردُّ كلامٍ، فلم يَجْتَمِعا؛ لأنه يَتناقَضُ؛ لأن ذلك إخبارٌ عن معهودٍ، [وهذا إخبارٌ عن]
(4)
ابتداءِ ما هو فيه: هأنذا حاضرٌ، أو
(5)
زيدٌ هو العالمُ. فيناقِضُ
(6)
أن يُدخِلَ المعهودَ على الحاضرِ؛ فلذلك لم يَجُزْ.
والقراءةُ التي لا أستجيزُ خلافَها في ذلك الرفعُ: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} ؛ لإجماعِ الحجةِ مِن قرأةِ الأمصارِ عليه، مع صحتِه في العربيةِ، وبُعْدِ النصبِ فيه مِن الصحةِ.
وقولُه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} . يقولُ: فاخشَوُا اللَّهَ، أيُّها الناسُ، واحْذَروا عقابَه في إتْيانِكم الفاحشةَ التي تَأْتونها وتَطْلُبونها، {وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي}. يقولُ: ولا تُذِلُّوني بأن تَرْكَبوا مني في ضَيْفي ما يَكْرَهون أن تَرْكَبوه منهم.
والضيفُ في لفظِ واحدٍ في هذا الموضعِ، بمعنى جميعٍ
(7)
، والعربُ تُسَمِّي الواحدَ والجمعَ ضيفًا، بلفظِ واحدٍ، كما قالوا: رجلٌ عَدْلٌ، وقومٌ عَدْلٌ.
(1)
في ص، ت 2، س، ف:"خبر".
(2)
بعده في الأصل: "فقد جعله خبرًا" - ولعله ملغىً - وفي ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قال".
(3)
تقدم تعريف التقريب في 5/ 717.
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
في م: "و".
(6)
في م: "فتناقض".
(7)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"جمع".
وقولُه عز وجل: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} ؟ يقولُ: أليس منكم رجلٌ ذو رُشْدٍ، يَنْهَى مَن أراد ركوبَ الفاحشةِ مِن ضَيْفي، فيحولَ بينَهم وبينَ ذلك؟
كما حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} . أي: رجلٌ يعرِفُ الحقَّ، [يأمرُ بالمعروفِ]
(2)
، ويَنْهَى عن المنكرِ
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه: {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)} .
يقولُ عز وجل: قال قومُ لوطٍ للوطٍ: {لَقَدْ عَلِمْتَ} يا لوطُ {مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} ؛ لأنهن لسنَ لنا أزواجًا.
كما حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال:{قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} . أي: مِن أزواجٍ
(4)
.
{وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} . يقولُ: قالوا: وإنك لتعلمُ يا لوطُ أنّ حاجتَنا في غيرِ بناتِك، وأنّ الذي نريد هو ما تَنْهانا عنه.
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(1)
في الأصل: "امرأة".
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
ذكره البغوي في تفسيره 4/ 192 عن ابن إسحاق.
(4)
بعده في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"وإنك لتعلم ما نريد".
والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2063 من طريق سلمة به.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} . إنا نريدُ الرجالَ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ:{وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} . أي: إن بُغْيتَنا لغيرُ ذلك
(2)
.
فلمَّا لم يَتَناهَوا، ولم يَرُدَّهم قولُه، ولم يَقْبَلوا منه شيئًا مما عرَض عليهم مِن أمرِ
(3)
بناتِه قال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} .
القولُ في تأويلِ قولِه: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)} .
يقولُ عز وجل: قال لوطٌ لقومِه حينَ أَبَوا إلا المُضِيَّ لِما قد جاءوا له مِن طلبِ الفاحشةِ، ويئِس
(4)
مِن أن يَسْتَجِيبوا له إلى شيءٍ مما عرَض عليهم: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} بأنصارٍ تَنْصُرُني عليكم، وأعوانٍ تُعِينُني، {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}. يقولُ: أو أنضَمُّ إلى عشيرةٍ مانعةٍ تَمْنَعُني منكم، لحُلْتُ بينَكم وبينَ ما جئتُم تُرِيدونه مِنِّي في أضْيافي. وحُذِف جوابُ لو لدَلالةِ الكلامِ عليه، وأن معناه مفهومٌ.
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2064 من طريق عمرو به. وتقدم أوله في ص 496، 497.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2064 من طريق سلمة به.
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"أمور".
(4)
في ص، س، ف:"أنس"، وفي م، ت 1، ت 2:"أيس".
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمَّادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ: قال لوطٌ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . يقولُ: إلى جُنْدٍ
(1)
شديدٍ، لَقاتَلْتُكم
(2)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ، عن قتادةَ:{أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . قال: العشيرةُ
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرزاقِ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . قال: العشيرةُ.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا مباركُ بنُ فَضالةَ، عن الحسنِ:{أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . قال: إلى ركنٍ مِن الناسِ
(4)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قولُه: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . قال: بَلَغَنا أنه لم يُبْعَثُ نبيٌّ بعدَ لوطٍ إلا في ثَرْوَةٍ
(5)
مِن قومِه
(6)
، حتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم
(7)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ
(1)
في ت 1: "حي".
(2)
تقدم أوله في ص 496.
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 311، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه 14/ 633 (مخطوط).
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2064 من طريق المبارك به بزيادة.
(5)
سقط من: الأصل، ص، ت 1، ت 2، س، ف. والثروة: العدد الكثير. النهاية 1/ 210.
(6)
في الأصل: "قوم".
(7)
أخرجه الحاكم 2/ 561 من طريق آخر عن ابن جريج بدون قوله: "حتى النبي صلى الله عليه وسلم".
قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}. أي: عشيرةٍ تَمْنَعُني أو شيعةٍ تَنْصُرُني، لحَلْتُ بينَكم وبينَ هذا.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . قال: يعني به العشيرةَ.
حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا ابنُ أبي عديٍّ، عن عوفٍ، عن الحسنِ، أن هذه الآيةَ لمَّا نَزَلت:{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . [قال: فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللَّهُ لوطًا، لقد كان يَأْوِي إلى رُكْنٍ شديدٍ"]
(1)
.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا جابرُ بنُ نوحٍ، عن مباركٍ، عن الحسنِ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللَّهُ أخي لوطًا، لقد كان يَأْوِي إلى رُكْنٍ شديدٍ، فلأيِّ شيءٍ اسْتَكانَ"
(2)
.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا عبدةُ وعبدُ الرحيمِ، عن محمدِ بنِ عمرٍو، قال: ثنا أبو سلمةَ، عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رحمةُ اللَّهِ على لوطٍ إن كان لَيَأْوِي إلى ركنٍ شديدٍ، إذ قال لقومِه:{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . ما بَعَث اللَّهُ بعدَه
(3)
مِن نبيٍّ إلا في ثَرْوةٍ من قومِه". قال محمدٌ: والثَّرْوةُ الكثرةُ والمَنَعَةُ
(4)
.
(1)
سقط من: ت 1، س، ف.
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 343 إلى المصنف.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
أخرجه الترمذي (3116) عن أبي كريب به. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (605) من طريق عبدة به، والطحاوي في المشكل (330) من طريق عبد الرحيم، به. وأخرجه الترمذي (3116)، وابن عساكر في تاريخه 14/ 633 (مخطوط) من طريق محمد بن عمرو به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 343، 344 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ بشرٍ
(1)
، قال: ثنا محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو سَلَمةَ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمثلِه
(2)
.
حدَّثني يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: أخبرَني سليمانُ بنُ بلالٍ، عن محمدِ بنِ عمرٍو، عن أبي سَلَمَةَ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمثلِه
(3)
.
حدَّثني زكريا بنُ يحيى بنِ أبانٍ المصريُّ، قال: ثنا سعيدُ بنُ تَلِيدٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ القاسمِ، قال: ثنا بكرُ بنُ مُضَرَ، عن عمرِو بنِ الحارثِ، عن يونسَ، ابنِ يزيدَ، عن ابنِ شهابٍ الزهريِّ، قال: أخبرَني أبو سَلَمَةَ بنُ عبدِ الرحمنِ وسعيدُ بنُ المسيَّبِ، عن أبي هريرةَ، أنّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال:"رحِم اللَّهُ لوطًا، لقد كان يَأْوِي إلى رُكْنٍ شديدٍ"
(4)
.
حدَّثني يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: أخبرَني يونسُ، عن ابنِ شهابٍ، عن أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ وسعيدِ بنِ المسيبِ، عن أبي هريرةَ، أنّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال
(5)
. فذَكَر مثلَه
(6)
.
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"كثير". ومحمد بن بشر ومحمد بن كثير، كلاهما سمع من محمد بن عمرو، وروى عنه ابن وكيع، وأثبتنا ما في الأصل لموافقته ما في المصادر، وسيأتي كذلك في سورة يوسف.
(2)
أخرجه أحمد 14/ 121 (8392)، وابن حبان (6207) من طريق محمد بن بشر به، بزيادة ذكر يوسف عليه السلام، وسيأتي في سورة يوسف بهذا الإسناد.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2064 عن يونس به.
(4)
جزء من حديث تقدم تخريجه 4/ 629، وأخرجه الطحاوي في المشكل (327) من طريق سعيد بن تليد به.
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
جزء من حديث تقدم أوله في 4/ 629، 630.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجاجُ بنُ المنهالِ، قال: ثنا حمادُ بنُ سَلَمَةَ، عن محمدِ بنِ عمرٍو، عن أبي سَلَمَةَ، عن أبي هريرةَ، أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال في قولِه: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ
(1)
} "قد كان يَأْوِي إلى رُكْنٍ شديدٍ
(1)
". يعني اللَّهَ عز وجل، قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فما بعَث اللَّهُ بعدَه مِن نبيٍّ إلا في ثَرْوةٍ مِن قومِه"
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا محمدُ بنُ حربٍ، قال: ثنا ابنُ لَهِيعةَ، عن أبي يونسَ، سَمِع أبا هريرةَ يحدِّثُ
(3)
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "رَحِمَ اللَّهُ لوطًا، فإنه كان يَأْوِي إلى رُكْنٍ شديدٍ"
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا ابنُ أبي مريمَ؛ [سعيدُ بنُ الحكمِ]
(5)
، قال: ثنا عبدُ الرحمن بنُ أبي الزنادِ، عن أبيه، عن عبدِ الرحمنِ الأعرجِ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بنحوِه
(6)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ذُكِر لنا أن نبيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا قرَأ هذه الآيةَ، أو أتَى على هذه الآيةِ قال: "يرحَمُ
(7)
اللَّهُ لوطًا، إن كان ليَأْوِي إلى ركنٍ شديدٍ". وذُكِر لنا أن اللَّهَ عز وجل لم يَبْعَثْ نبيًّا بعدَ
(1)
في الأصل: "رشيد".
(2)
أخرجه أحمد 14/ 539، 16/ 524 (8987، 10903)، والحاكم 2/ 561، وتمام (1441 - الروض البسام) من طريق حماد به.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
أخرجه أحمد 14/ 259 (8605) من طريق ابن لهيعة به.
(5)
سقط من: ت 2، وفي ص، م، ت 1، س، ف:"سعيد بن عبد الحكم". وهو سعيد بن الحكم بن محمد، المعروف بابن أبي مريم. ينظر ترجمته في تهذيب الكمال 10/ 391.
(6)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1097 - تفسير)، وأحمد 14/ 31 (8279)، والبخاري (3375)، ومسلم 4/ 1840 (153)، والبغوي في تفسيره 4/ 192، وابن عساكر في تاريخه 14/ 633 (مخطوط) من طريق أبي الزناد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 344 إلى ابن مردويه.
(7)
في م، ت 1، س، ف:"رحم".
لوطٍ، عليه السلام، إلا في ثَرْوةٍ مِن قومِه، حتى بَعَث اللَّهُ نبيَّكم في ثروةٍ مِن
قومِه
(2)
.
يقالُ: من {آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} : أويتُ إليك، فأنا آوِي إليك أَوْيًا. بمعنى صِرْتُ إليك وانضَمَمْتُ، كما قال الراجزُ
(3)
:
يَأْوِي إِلى رُكْنٍ مِن الأَرْكَانِ
في عَدَدٍ طَيْسٍ
(4)
ومَجْدٍ بَانِ
وقيل: إن لوطًا لمَّا قال [هذا القولَ]
(5)
، وَجَدَت الرسلُ عليه لذلك.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ عبدِ الكريمِ، قال: ثنى عبدُ الصمدِ، أنه سمِع وهبَ بنَ مُنَبِّهٍ يقولُ: قال لوطٌ لهم
(6)
: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . فَوَجَد عليه الرُّسُلُ، وقالوا
(7)
: إن رُكْنَك لشديدٌ
(8)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)} .
سقط من: الأصل.
(2)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 343 إلى المصنف.
(3)
مجاز القرآن 1/ 294.
(4)
الطيس: الكثير من الطعام والشراب والماء، والعدد الكثير. اللسان (ط ي س).
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"هذه المقالة".
(6)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(7)
بعده في ت 1، ف:"يا لوط".
(8)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 300 بزيادة، وسيأتي مطولًا في ص 520.
(1)
يقولُ عز وجل: قالت الملائكةُ للوطٍ لمَّا قال لوطٌ لقومِه: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . ورَأَوا ما لَقِيَ مِن الكَرْبِ بسببِهم منهم: {يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} ، أُرْسِلنا لإهْلاكِهم، وإنهم لن يَصِلوا إليك، وإلى ضَيْفِك بمَكْروهٍ، فهَوِّنُ عليك الأمرَ، {فَأَسْرِ
(1)
بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}. يقولُ: فاخرُجْ مِن بينِ أظْهُرِهم أنت وأهلُك ببقيةٍ مِن الليلِ.
يقالُ منه: أَسْرى وسَرَى، وذلك إذا سارَ بليلٍ، {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} .
واختَلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: {فَأَسْرِ} ؛ فقرأ ذلك عامةُ قرأةِ المكيِّين والمدنيِّين: (فاسْرِ)، وصلٌ؛ بغيرِ همزِ الألفِ، مِن "سَرَى".
وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفةِ والبصرةِ: {فَأَسْرِ}
(2)
بهمزِ الألفِ، مِن "أَسْرى"
(3)
.
والقولُ في ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما أهلُ قُدْوةٍ في القراءةِ، وهما لغتان مشهورتان في العربِ، معناهما واحدٌ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ الصوابَ في ذلك.
وأما قولُه: {إِلَّا امْرَأَتَكَ} . فإن عامةَ القرأةِ مِن الحجازِ والكوفةِ، وبعضَ أهلِ البصرةِ، قَرءوا بالنصبِ:{إِلَّا امْرَأَتَكَ}
(4)
، بتأويلِ: فأسْرِ بأهلِك إلا امرأتَك، وعلى أن لوطًا أُمِر أن يسْرِيَ بأهْلِه سِوى زوجتِه؛ فإنه نُهِي أن يسْرِيَ بها،
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"وأسر".
(2)
بعده في ص، ت 2، س، ف:"بهم".
(3)
قرأ ابن كثير ونافع: (فاسرِ بأهلِك). من سريت [بغير همز] وقرأ الباقون: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} من أسريت. السبعة لابن مجاهد ص 338.
(4)
هي قراءة نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. المصدر السابق.
وأُمِر بتَخْليفِها مع قومِها.
وقرَأ ذلك بعضُ البصريِّين
(1)
: (إلَّا امْرَأَتُكَ) رفعًا، بمعنى: ولا يَلْتفِتْ منكم أحدٌ إلا امرأتُك، [وإن]
(2)
لوطًا قد أخرجَها معه، وأنه نُهِي لوطٌ ومَن معه ممن أَسْرى معه، أن يَلْتفِتَ سِوى زوجتِه، وإنها التفتَتْ، فهَلَكت لذلك.
وقولُه: {إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} . يقولُ: إنه مصيبٌ امرأتَك ما أصابَ قومَك مِن العذابِ {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} . يقولُ: إن موعدَ قومِك للهلاكِ
(3)
الصبحُ. فاسْتَبْطَأ ذلك منهم لوطٌ، وقال لهم: بل عَجِّلوا لهم الهلاكَ. فقالوا: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} . أي: عندَ الصبحِ نزولُ العذابِ بهم.
كما حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ:{أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} . أي: إنما ينزلُ بهم مِن صُبْحِ ليلتِك هذه، فامضِ لِما تؤمَرُ.
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، قال: فمَضَتِ الرُّسُلُ مِن عندِ إبراهيمَ إلى لوطٍ، فلما أَتَوا لوطًا، وكان مِن أمرِهم ما ذَكَر اللَّهُ عز وجل، قال جبريلُ للوطٍ: يا لُوطُ، {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت: 31]. فقال لهم لوطٌ: أهْلِكوهم الساعةَ. فقال له جبريلُ عليه السلام: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ
(1)
هي قراءة أبي عمرو وابن كثير، وينظر السبعة ص 338.
(2)
في م: "فإن".
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"الهلاك".
بِقَرِيبٍ}؟ فأُنزِلت على لوطٍ: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} ؟ قال: فأَمَره أن يسْرِيَ بأهلِه بِقِطْعٍ مِن الليلِ، ولا يَلْتَفِتَ منهم أحدٌ إلا امرأتَه. قال: فسارَ، فلما كانت الساعةُ التي أُهْلِكوا فيها أَدْخَل جبريلُ جناحَه فرفَعَها
(1)
حتى سَمِع أهلُ السماءِ صِياحَ الدِّيَكةِ ونُباحَ الكلابِ، فجَعَل عالِيَها سافلَها، وأمطَرَ عليها حجارةً مِن سِجِّيلٍ. قال: وسَمِعَت امرأةُ لوطٍ الهَدَّةَ
(2)
، فقالت: واقَوماه! فأَدْرَكَها حجرٌ فقَتَلها
(3)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، عن حفصِ بنِ حميدٍ، عن شِمْرِ بنِ عطيةَ، قال: كان لوطٌ أَخَذ على امرأتِه أن لا تُذِيعَ
(4)
شيئًا مِن سِرِّ أضْيافِه. قال: فلما دخَل عليه جبريلُ، عليه السلام، ومَن معَه، رَأَتهم
(5)
في صورةٍ لم تَرَ مثلَها [قَطُّ، فانطَلَقت]
(6)
تَسْعى إلى قومِها، فأتَتِ النادِيَ، فقالت بيدِها هكذا، وأقْبَلوا يُهْرَعون مَشْيًا بينَ الهرولةِ والجَمْزِ
(7)
، فلما انتَهَوا إلى لوطٍ، و
(8)
قال لهم لوطٌ ما قال اللَّهُ عز وجل في كتابِه، قال جبريلُ:{يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} . قال: فقال بيدِه، فطَمَس أعيُنَهم، قال
(8)
: فجَعَلُوا يَطْلُبونهم، يَلْمَسُون الحيطانَ
(1)
في ص، ف:"فرفعه".
(2)
الهدّة: صوت شديد تسمعه من سقوط ركن أو حائط أو ناحية جبل. اللسان (هـ د د).
(3)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 301 عن ابن حميد به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2067 من طريق يعقوب به بجزء منه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 345 إلى ابن المنذر.
(4)
في س: "ترفع"، وفي ف:"تدفع".
(5)
في الأصل: "ورأتهم".
(6)
في الأصل: "فانطلقت"، وفي مصدرى التخريج:"قط انطلقت".
(7)
تقدم تعريف الهرولة والجمز ص 501.
(8)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
وهم لا يُبْصِرون
(1)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن حذيفةَ، قال: لمَّا بَصُرتْ بهم - يعني بالرُّسُلِ - عجوزُ السَّوْءِ امرأتُه انطَلَقَت فأَنْذرَتهم، فقالت: قد تَضَيَّفَ لوطًا قومٌ، ما رأيتُ قومًا أحسنَ منهم
(2)
وجوهًا. قال: ولا أعْلَمُه إلا قالت: ولا
(3)
أشدَّ بياضًا، وأطيبَ ريحًا. قال: فأَتَوه يُهْرَعون إليه، كما قال اللَّهُ عز وجل، فأَصْفَقَ
(4)
لوطٌ البابَ. قال: فجَعَلوا يُعالجونه. قال: فاسْتأْذَنَ جبريلُ ربَّه في عقوبتِهم، فأَذِن له، فصَفَقَهم
(5)
بجَناحِه، فتَرَكَهم عُمْيانًا يَتَرَدَّدون في أخبثِ ليلةٍ
(6)
أَتَت عليهم قطُّ، فأخبَروه:{إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ}
…
{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} . قال: ولقد ذُكِر لنا أنه كانت مع لوطٍ حينَ خَرَجَ مِن القريةِ امرأتُه، ثم سَمِعَت الصوتَ، فالتفَتَت، وأرسَل اللَّهُ عز وجل عليها حجرًا فأهْلَكَها
(7)
.
وقولُه: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} : فأرادَ نبيُّ اللَّهِ ما هو أعجلُ مِن ذلك، فقالوا:{أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} ؟
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا الحكمُ بنُ بشيرٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ قيسٍ المُلائيُّ، عن سعيدِ بنِ بشيرٍ، عن قتادةَ، قال: انطَلَقت امرأتُه - يعني امرأةَ لوطٍ - حينَ رَأَتهم - يعني حينَ رأتِ الرسلَ - إلى قومِها، فقالت: إنه قد ضافَه
(1)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 301 عن ابن حميد به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2062 من طريق يعقوب به إلى قوله: ما قال الله في كتابه.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
أصفق الباب: أغلقه وردَّه. اللسان (ص ف ق).
(5)
صفق الطائر بجناحيه يصفق: ضرب بهما. اللسان (ص ف ق).
(6)
بعده في م: "ما".
(7)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 302.
الليلةَ قومٌ ما رأيتُ مثلَهم قطُّ أحسنَ وجوهًا، ولا أطيبَ ريحًا، فجاءوا يُهْرَعون إليه، فبادَرَهم لوطٌ إلى أن يَرْحَمَهم
(1)
على البابِ، فقال:{هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الحجر: 71]. فقالوا: {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} [الحجر: 70]. فدَخَلوا على الملائكةِ، فتَناوَلَتهم الملائكةُ، فطَمَسَت أعينَهم. فقالوا: يا لوطُ، جِئْتَنا بقومٍ سَحَرةٍ سَحَرونا، كما أنت حتى نصبحَ
(2)
. قال: فاحتَمَل جبريلُ قُرَيَّاتِ لوطٍ الأربعَ، في كلِّ قريةٍ مائةُ ألفٍ، فرَفَعَهم على جَناحِه بينَ السماءِ والأرضِ، حتى سَمِع أهلُ السماءِ الدنيا أصواتَ دِيَكتِهم، ثم قَلَبهم، فجَعَل اللَّهُ عاليَها سافلَها
(3)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، قال: قال حذيفةُ: لمَّا دَخَلوا عليه، ذَهَبَت
(4)
عجوزُه، عجوزُ السَّوْءِ، فأَتَتْ قومَها، فقالت: لقد تَضيَّفَ لوطًا الليلةَ قومٌ ما رأيتُ قومًا
(5)
قطُّ أحسنَ وجوهًا منهم. قال: فجاءوا يُسْرِعون، فعاجَلَهم لوطٌ
(6)
، فقامَ مَلَكٌ فَلَزَّ
(7)
البابَ، يقولُ: فَسَدَّه، واسْتأذَنَ جبريلُ في عقوبتِهم، فأُذِنَ له، فضَرَبهم جبريلُ بجَناحِه، فتَرَكَهم عُميًا فباتُوا بشَرِّ ليلةٍ. ثم قالُوا: (إِنَّا رُسُل رَبِّك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتُك
(8)
). قال: فبَلَغَنا أنها
(1)
في ص، ف:"ترحهم" غير منقوطة، وفي م:"يزجهم".
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"تصبح".
(3)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 302.
(4)
في ت 1: "انطلقت".
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
في ص، ت 2، س:"إلى لوط"، وفي ف:"إلى".
(7)
في ص، ت 2، س، ف:"فكز"، وفي ت 1:"فوكز".
(8)
تقدم توجيه الطبري لقراءة الرفع أن امرأته خرجت معهم وأنها التفتت فهلكت لذلك، وهو الموافق لما في هذا الأثر.
سَمِعَت صوتًا، فالتفَتَت فأصابَها حجرٌ، وهي شاذَّةٌ من القومِ، معلومٌ مكانُها
(1)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ، عن قتادةَ، عن حذيفةَ بنحوِه، إلا أنه قال: فعالجهم
(2)
لوطٌ
(3)
.
حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ، قال: لمَّا قال لوطٌ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . بسَط حينَئذٍ جبريلُ جَناحَه
(4)
، ففَقَأَ أعينَهم، وخَرَجوا يدوسُ بعضُهم في آثارِ
(5)
بعضٍ عُميانًا، يقولون: النَّجَاءَ النَّجَاءَ؛ فإنّ في بيتِ لوطٍ أَسْحَرَ قومٍ في الأرضِ. فذلك قولُه: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} [القمر: 37]. وقالوا للوطٍ: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ}
(6)
، واتَّبِعْ أدبارَ أهلِك. يقولُ: سِرْ بهم، {وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} [الحجر: 65]. فأَخْرَجَهم اللَّهُ إلى الشامِ. وقال لوطٌ: أهْلِكوهم الساعةَ. فقالوا: إنا لم نؤمَرْ إلا بالصبحِ، أليس الصبحُ بقريبٍ؟! فلما أن كان السَّحَرُ خَرَج لوطٌ وأهلُه معه
(7)
امرأتُه. فذلك قولُه: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}
(8)
[القمر: 34].
(1)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 303، وتقدم أوله في ص 490.
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"فعاجلهم".
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 307، 308، وأخرجه المصنف في تاريخه 1/ 303 عن الحسن بن يحيى عنه به.
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"جناحيه".
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"أدبار".
(6)
بعده في م، ت 1، س، ف:"إنه مصيبها".
(7)
بعده في التاريخ: "إلا".
(8)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 303 عن موسى به، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2065، 2067 من طريق عمرو به مختصرًا، وتقدم أوله في ص 496.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ عبدِ الكريمِ، قال: ثنى عبدُ الصمدِ، أنه سَمِع وهبَ بنَ منبهٍ يقولُ: كان أهلُ سَدُومَ الذين فيهم لوطٌ [قومَ سَوْءٍ]
(1)
قد اسْتَغْنَوا عن النساءِ بالرجالِ، فلما رأى اللهُ ذلك، بَعَث الملائكة ليُعَذِّبوهم، فأَتَوا إبراهيمَ، فكان مِن أمرِه وأمْرِهم ما ذَكَره اللهُ عز وجل فى كتابِه، فلما بَشَّروا سارَةَ بالولدِ، قاموا وقامَ معهم إبراهيمُ يَمْشى، قال: أخْبِروني، لِمَ بُعِثْتم وما خَطْبُكم؟ قالوا: إنا أُرْسِلنا إلى أهلِ سَدومَ لنُدمِّرَها؛ فإنهم
(2)
قومُ سَوْءٍ، قد اسْتَغْنَوا بالرجالِ عن النساءِ. قال إبراهيمُ: أرأيتم
(3)
إنْ كان فيهم خمسون رجلًا صالحًا؟ قالوا: إذن لا نُعذِّبُهم. [فلم يَزَلْ]
(4)
يَنْقُصُ حتى قال: أهلُ البيتِ؟ قالوا: فإن كان فيها بيتٌ صالحٌ. قال: فلوطٌ وأهلُ بيتِه؟ قالوا: إن امرأتَه هَوَاها معهم، فلما يَئِس إبراهيمُ انصَرَف، ومَضَوا إلى أهلِ سَدُومَ، فَدَخَلوا على لوطٍ، فلما رأَتْهم
(5)
امرأتُه أَعْجَبَها حُسْنُهم وجمالُهم، فأرسَلَت إلى أهلِ القريةِ: إنه قد نَزَل بِنا قومٌ لم نَرَ
(6)
قطُّ أحسنَ منهم ولا أجملَ. فَتَسامعوا بذلك، فغَشَوا دارَ لوطٍ مِن كلِّ ناحيةٍ، وتَسَوَّروا عليهم الجدرانَ، فلَقِيَهم لوطٌ، فقال: يا قومِ، لا تَفْضَحونِ في ضَيْفى، وأنا أزوِّجُكم بناتى، فهنَّ أطهرُ لكم. فقالوا: لو كُنَّا نريدُ بناتِك لقد عَرَفْنا مكانَهنَّ. فقال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . فوَجَد عليه الرُّسُلُ، وقالوا: إن رُكْنَك لشديدٌ، {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"قوم"، وفى م:"قوما".
(2)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س:"وإنهم".
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"فجعل".
(5)
في ص، ت 1، ت 2، س:"رأت".
(6)
بعده فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قوم"، وفي التاريخ:"قومًا".
غَيْرُ مَرْدُودٍ}. فمَسَح أحدُهم أعينَهم بجَناحِه
(1)
، فطَمَس أبصارَهم، فقالوا: سُحِرْنا، انْصَرِفوا بنا حتى نرجِعَ إليه. فكان مِن أمرِهم ما قد قَصَّ اللهُ تعالى في القرآنِ
(2)
فأدْخَل ميكائيلُ، وهو صاحبُ العذابِ، جَناحَه، حتى بَلَغ أسفلَ الأرضِ، فقَلَبَها، ونَزَلت حجارةٌ من السماءِ، فتَتَبَّعَت مَن لم يكنْ منهم في القريةِ حيثُ كانوا، فأهْلَكَهم اللهُ
(3)
، ونَجَّى لوطًا وأهلَه، إلا امرأتَه
(4)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ و
(5)
عن أبى بكرِ بنِ عبدِ اللهِ، وأبو سفيانَ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، عن حُذيفةَ، دَخَل حديثُ بعضِهم في بعضٍ، قال: كان إبراهيمُ، عليه السلام، يأتِيهم فيقولُ: وَيْحَكم! أَنْهاكم عن اللهِ أنْ تَعَرَّضوا لعقوبتِه. [فلم يطيعوا]
(6)
، حتى إذا بَلَغ الكتابُ أجلَه لمحِلِّ عذابِهم، وسطواتِ الربِّ بهم، قال: فانتَهَت الملائكةُ إلى لوطٍ وهو يعملُ فى أرضٍ له، فدَعاهم إلى الضيافةِ، فقالوا: إنا مُضَيِّفوك الليلةَ. وكان اللهُ تعالى ذكرُه عهِد إلى جبريلَ عليه السلام، أن لا يُعَذِّبَهم حتى يَشْهَدَ عليهم لوطٌ ثلاثَ شهاداتٍ، فلما تَوَجَّه بهم لوطٌ إلى الضيافةِ، ذكَر ما يعملُ قومُه مِن الشرِّ والدَّوَاهى العظامِ، فمشَى معهم ساعةً ثم التَفتَ إليهم، فقال: أمَا تَعْلَمون ما يعملُ أهلُ هذه القريةِ! ما أعلمُ على وجه الأرضِ شَرًّا منهم، أين أذهبُ بكم! إلى قومى وهم شَرُّ خلقِ اللهِ! فالتفت جبريلُ إلى الملائكةِ، فقال: احْفَظوا، هذه
(1)
فى م، ت 1، ف:"بجناحيه".
(2)
في م، ت 1، ت 2، س، ف:"كتابه".
(3)
بعده في الأصل: "كلهم".
(4)
أخرجه المصنف فى تاريخه 1/ 304، والمثنى به، وأخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2063 من طريق إسماعيل به مختصرًا نحوه.
(5)
سقط من: الأصل، ت 1.
(6)
سقط من: م، ف.
واحدةٌ. ثم مَشَى ساعةً، فلما تَوسَّطَ القريةَ وأشْفَقَ عليهم، واسْتَحْيى منهم، قال: أمَا تَعْلَمون ما يعملُ أهلُ هذه القريةِ! ما
(1)
أعلمُ على وَجْهِ الأَرضِ شَرًّا منهم، إن قومى شَرُّ خلقِ اللهِ. فالتفتَ جبريلُ إلى الملائكةِ، فقال: احْفَظوا، هاتان ثِنْتان. فلما انتَهَى إلى بابِ الدارِ بَكَى حياءً منهم، وشَفَقَةً عليهم، وقال: إن قومى شَرُّ خلقِ اللهِ، أَمَا تَعْلَمون ما يعملُ أهلُ هذه القريةِ! ما أعلمُ على وَجْهِ الأَرضِ أهلَ قريةٍ شرًّا منهم. فقال جبريلُ للملائكةِ: احْفَظوا، هذه ثلاثٌ، قد حَقَّ العذابُ. فلما دَخَلُوا ذَهَبَت عجوزُه، عجوزُ السَّوْءِ، فصعدت، فَلَوَّحت بِثَوْبِها، فأتاها الفُسَّاقُ يُهْرَعون سِراعًا. قالوا: ما عندَكِ؟ قالت: ضَيَّفَ لوطٌ الليلةَ قومًا
(2)
ما رأيتُ قطُّ
(3)
أحسنَ وجوهًا منهم، ولا أطيبَ ريحًا منهم. فهُرِعوا يُسارِعون
(4)
إلى البابِ، فعالجهم
(5)
لوطٌ على البابِ، فدافَعوه طويلًا، هو داخلٌ وهم خارجٌ، يُناشِدُهم اللهَ ويقولُ:{هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} . فقامَ المَلكُ فَلَزَّ بالبابِ
(6)
، يقولُ: فَسَدَّه، واسْتأْذَنَ جبريلُ في عقوبتِهم، فأَذِنَ اللهُ له، فقامَ في الصورةِ
(7)
التي يكونُ فيها في السماءِ، فنَشَرَ جَناحَه، ولجبريلَ جَناحان، وعليه وِشاحٌ
(8)
مِن دُرٍّ منظومٍ، وهو بَرَّاقُ الثنايا، أَجْلى الجَبينِ، ورأسُه حُبُكٌ حُبُكٌ
(9)
مثلُ المرجانِ، وهو
(1)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"وما".
(2)
فى ص، ت 1، ت 2، س، ف:"قوم".
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
فى م: "مسارعين"، وفى ت 1:"سارعين".
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"فعاجلهم".
(6)
فى ص، م، ف:"الباب". ولزّ بالباب: أى لصق به. ينظر اللسان (ل ز ز).
(7)
فى ص، ت 1، ت 2، س، ف:"القرية".
(8)
في س: "وشاحان".
(9)
أي: شعر رأسه متكسر من الجعودة. النهاية 1/ 332.
اللؤلؤُ، كأنه الثلجُ، وقَدَماه إلى الحضرةِ، فقال:{يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} ، امْضِ
(1)
يا لوطُ مِن البابِ، ودَعْنى وإياهم. فتنَحَّى لوطٌ عن البابِ، فخَرَج عليهم، فنَشَر جَناحَه، فضَرَب به وجوهَهم ضربةً شَدَخ أعينَهم، فصاروا عُمْيًا، لا يعْرِفون الطريقَ، ولا يهْتَدون إلى بيوتِهم، ثم أَمَر لوطًا، فاحْتَمَل بأهلِه مِن ليلتِه، قال:{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}
(2)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال: لمَّا قال لوطٌ لقومِه: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . والرُّسُلُ تسمعُ ما يقولُ وما يقالُ له، ويَرَون ما هو فيه مِن كَرْبِ ذلك، فلما رَأَوا ما بَلَغَه قالُوا:{يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} . أى: بشيءٍ تكرهُه، {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}. أى: إنما ينزلُ بهم العذابُ مِن صبحِ ليلتِك هذه، فامْضِ لِما تؤمَرُ
(3)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، عن محمدِ بن كعبٍ القُرَظِيِّ، أنه حَدَّث، أن الرسلَ عند ذلك سَفَعُوا
(4)
في وجوهِ القومِ
(5)
الذين جاءوا لوطًا من قومِه يُراودونه عن ضَيْفه، فرَجَعوا عُميانًا. قال: يقولُ اللهُ عز وجل:
(1)
في ص: "أمط".
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة 11/ 523 - 525، وابن أبي الدنيا في العقوبات (153)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2060، 2066، والآجرى فى تحريم اللواط (7) من طريق آخر عن حذيفة مطولا، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 344 إلى ابن المنذر.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2065، 2067 من طريق سلمة به مختصرًا.
(4)
في ت 2: "سبقوا"، وفى ف:"شفعوا"، وسفع وجهه بيده سفعًا: لطمه. ينظر اللسان (س ف ع).
(5)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ}
(1)
[القمر: 37].
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} . قال: بطائفةٍ من الليلِ
(2)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} : بطائفةٍ مِن الليلِ
(3)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ قولَه: {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} . قال: جوفِ الليلِ
(4)
.
وقولُه: {وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ} [الحجر: 65]. يقولُ: واتَّبِعْ أدبارَ أَهْلِك، {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} . كان
(5)
مجاهدٌ يقولُ في ذلك ما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ:{وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} . قال: لا ينظُرْ وراءَه أحدٌ، {إِلَّا امْرَأَتَكَ}
(6)
.
(1)
ينظر تاريخ المصنف 1/ 306، 307، وتفسير ابن أبي حاتم 6/ 2067، والدر المنثور 3/ 345.
(2)
ذكره البغوى فى تفسيره 4/ 193، والقرطبي في تفسيره 9/ 79، وأبو حيان في البحر المحيط 5/ 248 عن ابن عباس بهذا اللفظ. وأخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2065 من طريق عبد الله بن صالح به بلفظ: سواد الليل. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 344، 345 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم بلفظ: سواد الليل.
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 309 عن معمر به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2065 من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة به بزيادة: أى سواد.
(4)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 344 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.
(5)
في م: "وكان".
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2066 من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بدون قوله: إلا امرأتك. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 345 إلى ابن المنذر وينظر ما سيأتي في تفسير الآية 65 من سورة الحجر.
ورُوِيَ عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ أنه كان يقرأُ: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعِ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا امْرأتَكَ).
حدَّثني بذلك أحمدُ بنُ يوسفَ، قال: ثنا القاسمُ بنُ سَلَّامٍ، قال: ثنا حجاجٌ، عن هارونَ، قال: في حرفِ ابنِ مسعودٍ: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا امْرَأَتَكَ)
(1)
.
وهذا يدلُّ على صحةِ القراءةِ [في المرأةِ]
(2)
بالنصبِ.
القولُ في تأويلِ قوله: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: فلما جاءَ أَمْرُنَا بالعذابِ، وقضاؤُنا فيهم بالهلاكِ، {جَعَلْنَا عَالِيَهَا}. [يعنى: عالىَ]
(3)
القريةِ
(4)
سَافِلَهَا، {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا}. يقولُ: وأرسَلنا عليها {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} .
واختَلف أهلُ التأويلِ فى معنى {سِجِّيلٍ} ؛ فقال بعضُهم: هو بالفارسيةِ: سنكَ وكِلْ
(5)
.
(1)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 345 إلى المصنف وأبي عبيد. وينظر المصاحف ص 63، وقراءة ابن مسعود هذه شاذة.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
سقط من: ت 1، س، ف.
(4)
في ص، م، ت 2:"قريتهم"، وسقط من: ت 1، س، ف.
(5)
ينظر المعرب للجواليقي ص 229.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{مِنْ سِجِّيلٍ} . قال: بالفارسيةِ، أوَّلُها حَجَرٌ، وآخِرُها طينٌ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ نحوَه.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، عن جعفرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} . قال: فارسيةٌ أُعْرِبت سنكَ وكلْ
(2)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: السِّجِّيلُ الطينُ.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ وعكرمةَ:{مِنْ سِجِّيلٍ} . قالا: من طينٍ
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ عبدِ الكريمِ، قال:
(1)
تفسير مجاهد ص 390، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2068. وسيأتي بقيته في ص 530.
(2)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2068 معلقًا.
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 309، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه 14/ 639 (مخطوط) عن معمر به. بدون ذكر عكرمة.
ثنى عبدُ الصمدِ، عن وهبٍ، قال: سِجِّيلٌ بالفارسيةِ: سنك وكل.
حدَّثنى موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} : أما السِّجِّيلُ فقال ابنُ عباسٍ: هو بالفارسيةِ: سنْك وجِلْ، سَنْك هو الحجرُ، والجِلْ
(1)
هو الطينُ. يقولُ: أَرْسَلْنا عليهم حجارةً من طينٍ
(2)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا مِهْرَانُ، عن سفيانَ، عن السديِّ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ:{حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} . قال: طينٌ فى حجارةٍ
(2)
.
وقال ابنُ زيدٍ فى ذلك ما حدَّثني به يونسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} . قال: السماءُ الدنيا، قال: والسماءُ الدنيا اسمُها سجِّيلٌ
(3)
، وهى التى أنزلَ اللهُ على قومِ لوطٍ
(4)
.
وكان بعضُ أهلِ العلمِ بكلامِ العربِ من البصريِّين يقولُ: السِّجِّيلُ، هو مِن الحجارةِ، الصلبُ الشديدُ، ومِن الضربِ، ويستشهدُ على ذلك بقولِ الشاعرِ:
ضَرْبًا تَوَاصَى به الأَبْطالُ سِجِّيلَا
(5)
وقال: بعضُهم يُحوِّلُ اللامَ نونًا.
(1)
فى م: "جل"، وفى ت 2:"كل".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2068 من طريق الضحاك عن ابن عباس بلفظ: من طين. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 346 إلى عبد بن حميد.
(3)
في ف: "سجين".
(4)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 346 إلى المصنف، دون آخره. وذكره أبو حيان في البحر المحيط 5/ 249 عن ابن زيد، وقال: وهذا ضعيف لوصفه بمنضود.
(5)
في ت 1، س، ف:"سجلا". والشعر لابن مقبل فى ديوانه ص 333. وفيه: "سجينا".
وقال آخرُ منهم: هو "فِعِّيل"، من قولِ القائلِ: أسْجَلْتُه: أرسلتُه، فكأنه مِن ذلك. أي: مُرْسَلةٌ عليهم.
وقال آخرُ منهم: هو مِن سَجَلْتُ له سَجْلًا. مِن العطاءِ، فكأنه قيل: مُنِحوا ذلك البلاء فأُعْطُوه. وقالوا: أَسْجَلَه: أَهْمَلَه
(1)
.
وقال بعضُهم: بل هو من السِّجِلِّ؛ لأنه كان فيها عَلَمٌ كالكتابِ.
وقال آخرُ منهم: بل هو طينٌ يُطْبَحُ كما يُطْبَخُ الآجُرُّ، ويُنشِدُ بيتَ الفضلِ بنِ عباسٍ
(2)
:
مَنْ يُسَاجِلْنى يُسَاجِلْ ماجِدًا
…
يملأُ الدَّلْوَ إلى عَقْدِ الكَرَبْ
(3)
فهذا مِن: سَجَلْتُ له سَجْلًا: أعطيتُه.
والصوابُ مِن القولِ فى ذلك عندَنا ما قاله المفسرون، وهو أنها مِن طينٍ، وبذلك وَصَفها اللهُ عز وجل في كتابِه في موضعٍ آخَرَ، وذلك قولُه:{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات: 33، 34].
وقد رُوِيَ عن سعيدِ بن جبيرٍ أنه كان يقولُ: هي فارسيةٌ ونَبَطِيَّةٌ.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن عطاءِ بنِ السائبِ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، قال: "سجيلٌ
(4)
" فارسيةٌ ونَبَطيةٌ: سج إيل.
فذهَب سعيدُ بنُ جبيرٍ في ذلك إلى أن اسمَ الطينِ بالفارسيةِ جل لا إيل، وأن
(1)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أمهله".
(2)
الأغانى 16/ 178، والكامل للمبرد 1/ 193، ومجاز القرآن 2/ 229.
(3)
الكَرَب: الحبل يشد وسط خشبة الدلو فوق الرشاء ليقويه. الوسيط (ك ر ب).
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
ذلك لو كان بالفارسيةِ لكان سِجْل لا سِجِّيل؛ لأن الحجرَ بالفارسيةِ يُدْعَى: سنج، والطينَ: جل، فلا وجه لكون الياءِ فيها وهي فارسيةٌ.
وقد بيَّنا الصوابَ مِن القولِ عندَنا في ذلك في أولِ الكتابِ، بما أغْنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ
(1)
.
وقد ذُكر عن الحسنِ البصريِّ أنه قال: كان أصلُ الحجارةِ طينًا، فشُدِّدَت.
وأما قولُه: {مَنْضُودٍ} . فإن قتادةَ وعكرمةَ يقولان فيه ما حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ وعكرمةَ:{مَنْضُودٍ} . يقولُ: مصفوفة
(2)
.
وقال الربيعُ بنُ أنسٍ فيه ما حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ بنِ أنسٍ فى قوله:{مَنْضُودٍ} . قال: قد نُضِد بعضُه على بعضٍ
(3)
.
حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن أبى بكرِ بنِ عبدِ اللهِ الهُذَليِّ: أما قولُه: {مَنْضُودٍ} . فإنها في السماءِ مَنضودةٌ مُعَدَّةٌ، وهى مِن عُدَّةِ اللهِ التي أعَدَّ للظلَمةِ
(4)
.
وقال بعضُهم: منضودٌ: يَتْبَعُ
(5)
بعضُه بعضًا عليهم. قال: فذلك نَضْدُه.
(1)
ينظر ما تقدم في 1/ 15 - 20.
(2)
تقدم أوله في ص 526.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2069 من طريق عبد الله بن أبي جعفر به، وعزا السيوطي في الدر المنثور 3/ 346 إلى أبى الشيخ. وسيأتي بقيته في ص 531.
(4)
ذكره القرطبي في تفسيره 9/ 83 عن أبي بكر الهذلي.
(5)
في ص، ت 2، س، ف:"يتبعه".
والصوابُ مِن القولِ فى ذلك ما قاله الربيعُ بنُ أنسٍ، وذلك أن قولَه:{مَنْضُودٍ} . من نعتِ: {سِجِّيلٍ} . لا مِن نعتِ الحجارةِ، وإنما أُمْطِر القومُ حجارةً مِن طينٍ، صفةُ ذلك الطينِ، أنه نُضِد بعضُه إلى بعضٍ، فصُيِّر حجارةً، ولم يُمْطَروا الطينَ، فيكونَ موصوفًا بأنه تَتابَع على القومِ بمَجيئِه.
وإنما كان جائزًا أن يكونَ على ما تأوَّله هذا المتأوِّلُ، لو كان التنزيلُ بالنصبِ "منضودةً"
(1)
، فيَكونَ من نعتِ الحجارةِ حينَئذٍ.
وأما قولُه: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} . فإنه يقولُ: مُعَلَّمةً عندَ اللهِ، أَعْلَمَها اللهُ، والمسوَّمةُ من نعتِ الحجارةِ، ولذلك نُصِبَت وأُنِّثَتْ
(2)
.
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مُسَوَّمَةً} . قال: مُعَلَّمةً.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ أَبي جعفرٍ، عن وَرْقاءَ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(3)
.
(1)
في الأصل: "منضودا"، وفي ف:"منضدة".
(2)
في م: "نعت بها".
(3)
تفسير مجاهد ص 390، وتقدم أوله في ص 526.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه. قال ابنُ جريجٍ:{مُسَوَّمَةً} : لا تُشاكِلُ حجارةَ الأرضِ
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ وعكرمةَ:{مُسَوَّمَةً} . قالا: مُطَوَّقةً، بها نَضْحٌ
(2)
مِن حُمْرةٍ
(3)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{مُسَوَّمَةً} : عليها سِيما معلومةٌ، حدَّث بعضُ مَن رآها أنها حجارةٌ مُطَوَّقَةٌ عليها، أو بها نَضْحٌ مِن حُمرةٍ، ليست كحجارتِكم
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ فى قولِه:{مُسَوَّمَةً} . قال: عليها سِيما خُطوطٍ
(5)
.
حدَّثنى موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{مُسَوَّمَةً} . قال: المسوَّمةُ المختَّمةُ.
وأما قولُه: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} ، فإنه يقولُ تعالى ذكرُه مُتهَدِّدًا مُشْركي قريشٍ: وما هذه الحجارةُ التى أمْطَرْتُها على قومِ لوطٍ مِن مشركي قومِك يا محمدُ ببعيدٍ أن يُمْطَروها، إن لم يَتُوبوا مِن شركِهم.
وبنحوِ الذى قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(1)
ذكره أبو حيان فى البحر المحيط 5/ 250 عن ابن جريج.
(2)
في ص: "نضيح"، وفي ت 2:"تصح"، وفى س:"نضج". والنضح: أثر الشيء. اللسان (ن ض ج).
(3)
تقدم أوله في ص 526.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2069 من طريق سعيد به.
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2069 من طريق عبد الله به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 346 إلى أبى الشيخ، وتقدم أوله في ص 529.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا أبو عَتَّابٍ
(1)
الدَّلَّالُ سهلُ بنُ حمادٍ، قال: ثنا شعبةُ، قال: ثنا أبانُ بنُ تَغْلِبَ
(2)
، عن مجاهدٍ فى قولِه:{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} . قال: أن يُصِيبَهم ما أصاب القومَ.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} . قال: يُرْهِبُ بها قريشًا
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن وَرْقاءَ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} . يقولُ: ما أجار اللهُ منها ظالمًا بعدَ قومِ لوطٍ.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبد الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ
(1)
فى ت 1، ت 2، س، ف:"غياث". ينظر تهذيب الكمال 12/ 179.
(2)
في ت 2، ف:"ثعلب". ينظر تحرير التقريب 1/ 80.
(3)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"من يشاء".
(4)
تفسير مجاهد ص 390، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2069، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 346 إلى أبى الشيخ.
وعكرمةَ: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} . يقولُ: لم [يَبْرأْ منها ظالمٌ]
(1)
بعدَهم
(2)
. حدَّثنا عليُّ بنُ سهلٍ
(3)
، قال: ثنا ضَمْرةُ بنُ ربيعةَ، عن ابنِ شَوْذَبٍ، عن قتادةَ فى قولِه:{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} ، قال: يعنى ظالمي هذه الأمةِ، ثم قال: واللهِ ما أجار منها ظالمًا بعدُ
(4)
.
حدَّثنا موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرٌو
(5)
، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} . يقولُ: مِن ظَلَمةِ العربِ، إن لم يؤمنوا
(6)
فيُعَذَّبوا بها
(7)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي بكرٍ الهُذَليِّ بنِ عبدِ اللهِ، قال: يقولُ: وما هى مِن ظَلَمةِ أمتِك ببعيدٍ، فلا يَأْمَنُها منهم ظالمٌ.
وكان قلْبُ الملائكةِ عالىَ أرضِ
(8)
سَدُومَ سافلَها كما حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا جابرُ بنُ نوحٍ، قال: ثنا الأعمشُ، عن مجاهدٍ، قال: أخذَ جبريلُ
(1)
في ص، ت 2:"يرا منها ظالمًا"، وفى ت 1، س، ف:"يرا ظالمًا"، وبعده في الأصل: ببعيد.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2070 من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 309 عن معمر به، وتقدم أوله في ص 526.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"سعد". ينظر تهذيب الكمال 20/ 454.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2070 من طريق ضمرة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 346 إلى أبي الشيخ.
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"حماد". وهو عمرو بن حماد، تقدم مرارًا.
(6)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"يتوبوا".
(7)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2070 من طريق عمرو به.
(8)
سقط من: ت 1، س، ف.
قومَ لوطٍ من سَرْحِهم ودورِهم، و
(1)
حمَلهم بمواشيهم وأمتعتِهم، حتى سمِع أهلُ السماءِ نُباحَ كلابِهم، ثم أكْفَأَها
(2)
.
وحدَّثنا به أبو كريبٍ، مرةً أخرى، عن مجاهدٍ، قال: أدخَل جبريلُ جناحَه تحتَ الأرضِ السُّفلَى من قومِ لوطٍ، ثم أخذَهم بالجناحِ الأيمنِ، فأخذَهم من سَرْحِهم ومواشيهم، ثم رفعها
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ كان يقولُ:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} . قال: لما أصبحوا غدا جبريلُ على قريتِهم، ففتَقها من أركانِها، ثم أدخل جناحَه، ثم حمَلَها على خوافى
(4)
جناحيه
(5)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، قال: حدَّثني هذا ابنُ أبي نجيحٍ عن إبراهيمَ بنِ أبى بكرٍ، قال: ولم يسمعْه ابنُ أبي نجيحٍ من
(6)
مجاهدٍ، قال: فحملها على خوافى جناحيه بما فيها، ثم صعِد بها إلى السماءِ، حتى سمِع أهلُ السماءِ نُباحَ كلابِهم، ثم قَلَبها، فكان أوَّلَ ما سقَط منها شِرافُها
(7)
، فذلك قولُ اللهِ عز وجل: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"أكفأهم". والأثر أخرجه المصنف فى تاريخه 1/ 304 عن أبي كريب به، وأخرجه الآجرى فى تحريم اللواط (5)، وابن عساكر في تاريخه 14/ 640 (مخطوط) من طريق آخر عن الأعمش به نحوه.
(3)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 305.
(4)
فى ت 1، ت 2، س، ف:"حوافى". والخوافي: ريشات إذا ضم الطائر جناحيه خفيت. ينظر اللسان (خ ف ي).
(5)
فى م: "جناحه". والأثر أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 305.
(6)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"عن".
(7)
في م: "شرفها".
حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}. قال مجاهدٌ: فلم يُصِبْ قومًا ما أصابَهم؛ إن اللهَ طمَس على أعْينهم، ثم قلب قريتَهم، وأمطر عليهم حجارةً مِن سجيلٍ
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، قال: بلغنا أن جبريلَ عليه السلام أخَذ بعُرْوةِ القريةِ الوُسْطَى، ثم ألوى بها إلى السماءِ، حتى سمِع أهلُ السماءِ ضواغِيَ
(2)
كلابهم، ثم دمَّر بعضَها على بعضٍ، فجعل عاليَها سافلَها، ثم أتْبعهم
(3)
الحجارةَ. قال قتادةُ: وبلَغنا أنهم كانوا أربعةَ آلافِ ألفٍ
(4)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: ذُكِر لنا أنَّ جبريلَ عليه السلام أخذ بعرْوَتِها الوُسْطَى، ثم أَلْوَى بها إلى جَوِّ السماءِ، حتى سمِعَت الملائكةُ ضَواغيَ كلابِهم، ثم دمَّر بعضَها على بعضٍ، ثم أتبع شُذَّانَ
(5)
القومِ صخرًا. قال: وهى ثلاثُ قرًى يقالُ لها: سَدُومُ. وهى بينَ المدينةِ والشامِ. قال: وذُكِر لنا أنه كان فيها أربعةُ آلافِ ألفٍ. وذُكِر لنا أن إبراهيمَ عليه السلام كان يُشرِفُ
(6)
، يقولُ: سَدُومُ، يومٌ [مَا لكِ]
(7)
!
(1)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 305 بدون قول مجاهد.
(2)
ضغا القط ونحوه كالذئب والثعلب والكلب: صاح من الألم ونحوه. ينظر الوسيط (ض غ و).
(3)
في ت 1، ت 2، س، ف:"تبعهم".
(4)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 305، وأخرجه عبد الرزاق فى تفسيره 1/ 308 عن معمر به.
(5)
في الأصل: "شذاذ". وشُذَّان الناس وشذاذهم: متفرقوهم. ينظر اللسان (ش ذ ذ).
(6)
تشرّفت المربأ، وأشرفته: أى علوته، وأشرف عليه: اطلع عليه من فوق. ينظر التاج (ش ر ف).
(7)
في تاريخ المصنف: "يوما هالك". والأثر أخرجه المصنف فى تاريخه 1/ 305، 306 عن بشر به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2068 من طريق سعيد به مختصرًا. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 345 إلى أبى الشيخ.
حدَّثني موسى، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السدِّيِّ، قال: لما أصبحوا، يعني قومَ لوطٍ، نزَل جبريلُ فاقتلَع الأرضَ من سبعِ أَرَضِينَ، فحملَها حتى بلغ بها السماءَ الدنيا، [حتى سَمِع أهلُ السماءِ نُباحَ كلابِهم وأصواتَ ديوكِهم، ثم قلبها فقتلهم]
(1)
، فذلك حين يقولُ:{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم: 53]. المنقلبةَ حينَ أهوى بها جبريلُ الأرضَ، فاقتلَعها بجناحَيه
(2)
، فمَن لم يمتْ حين أسقَط
(3)
الأرضَ، أمطَر اللهُ عليه وهو تحت الأرضِ الحجارةَ، ومن كان منهم شاذًّا فى الأرضِ، وهو قولُ اللهِ عز وجل: فـ {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} . ثم تَتَبَّعهم في القرى، فكان الرجلُ [يتحدَّثُ فيأتيه]
(4)
الحجرُ فيقتلُه، فذلك قولُ اللهِ عز وجل:{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}
(5)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي بكرٍ، وأبو سفيانَ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، قالا
(6)
: بلَغنا أن جبريلَ عليه السلام لما أصبح نشَر جناحَه، فانتسَف به أرضَهم بما فيها من قصورِها ودوابِّها وحجارتِها وشجرِها وجميعِ ما فيها، فضمَّها فى جناحِه، فحواها وطواها في جوفِ جناحِه، ثم صعِد بها إلى السماءِ الدنيا، حتى سَمِع سكانُ السماءِ أصواتَ الناسِ
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
في م: "بجناحه".
(3)
في الأصل، ص، م، ت 1، ت 2، س:"سقط".
(4)
في الأصل: "يأتيه يتحدث فيأتيه"، وفى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"يأتيه". والمثبت موافق لما في المصادر.
(5)
أخرجه ابن أبي الدنيا في العقوبات (151) من طريق عمرو به نحوه. وأخرجه المصنف في تاريخه 1/ 306 عن السدي بإسناده المعروف.
(6)
في م: "قال".
والكلابِ، وكانوا أربعةَ آلافِ ألفٍ، ثم قلَبها فأرسَلها إلى الأرضِ منكوسةً، دَمْدَم بعضَها على بعضٍ، فجعَل عاليَها سافلَها، ثم أتبَعها حجارةً من سِجِّيلٍ.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، قال: ثنى ابنُ إسحاقَ، قال: ثنى محمدُ ابنُ كعبٍ القُرَظيُّ، قال: حُدِّثْتُ أن [الله عز وجل بعَث]
(1)
جبريلَ عليه السلام إلى المؤتفكةِ؛ قريةِ لوطٍ عليه السلام، التي كان لوطٌ فيها، فاحتَملها بجناحَيه، ثم أَصعَدَ
(2)
بها، حتى إنَّ أهلَ السماءِ الدنيا لَيسمعون نابحةَ
(3)
كلابِها وأصواتَ دَجاجِها، ثم كفَأها على وجهِها، ثم أتبَعَها اللهُ بالحجارةِ، يقولُ اللهُ:{جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} . فأهْلكها اللهُ وما حولَها من المؤتفكاتِ، وكنّ خمسَ قُرَيَّاتٍ
(4)
: [صبعةُ، وصعرةُ، وعمرةُ
(5)
]
(6)
، ودوما، وسدُومُ. وسدومُ هي القريةُ العظمى، ونجَّى اللهُ لوطًا ومن معه مِن أهلِه، إلا امرأتَه كانت فيمن هلَك
(7)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ
(1)
فى ص، م، ف:"نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: بعث الله". والمثبت موافق لما في تفسير ابن أبي حاتم والدر المنثور وتاريخ المصنف.
(2)
في مصدر التخريج: "صعد". وكلاهما بمعنى ارتقى ينظر الوسيط (ص ع د).
(3)
فى م، ت 1، ت 2، س، ف:"نباح".
(4)
في الأصل: "قرايات".
(5)
فى ص، ت 1، ت 2، س:"عره".
(6)
فى ص، م، ف:"صنعة، وصعوة، وعثرة"، وفى مصادر التخريج وغيرها اضطراب، لذا قال السهيلي:"وقد ذكرت الأسماء الأخرى ولكن بتخليط لا يتحصل منه حقيقة والله أعلم". ثم ذكر الأقرب إلى الصواب، وهو الموافق لما في الأصل، إلا "صعوة" فعنده "صعدة" وينظر تاريخ الطبري 1/ 307، والتعريف والإعلام للسهيلي ص 162.
(7)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 306 عن ابن حميد به، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2067 من طريق ابن إسحاق به.
بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: وإلى ولدِ
(1)
مدين أخاهم شعيبًا، فلما أتاهم {قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ}. يقولُ: أطيعوه، وتذلَّلُوا له بالطاعةِ لما أمرَكم به ونهاكم عنه، {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}. يقولُ: ما لكم مِن معبودٍ
(2)
يستحقُّ عليكم العبادةَ غيرَه، {وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ}. يقولُ: ولا تنقُصوا الناسَ حقوقَهم في مِكيالكم وميزانِكم؛ {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} .
واختلف أهلُ التأويلِ فى الخيرِ الذى أخبَر اللهُ عز وجل عن شعيبٍ أنه قال لمدينَ إنه يَراهم به؛ فقال بعضُهم: كان ذلك رُخْصَ السعرِ، وحذَّرهم غَلَاءَه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني زكريا بنُ يحيى بنِ أبي زائدةَ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ داودَ الواسطيُّ، قال: ثنا محمدُ بنُ موسى، عن زياد
(3)
بنِ عمرٍو، عن ابنِ عباسٍ:{إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} . قال: رُخْصُ السعرِ، {وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ}. قال: غلاءُ سعرٍ
(4)
.
حدَّثني أحمدُ بنُ عمرٍو
(5)
البصريُّ
(6)
، قال: ثنى عبدُ الصمدِ بنُ عبدِ الوارثِ، قال: ثنا صالحُ بنُ رستمَ، عن الحسنِ، وذكَر قومَ شعيبٍ، قال:
(1)
سقط من: الأصل.
(2)
بعده فى م، ف:"سواه".
(3)
في النسخ: "الذيال" وقد تقدم على الصواب 10/ 126.
(4)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 346 إلى المصنف وأبى الشيخ.
(5)
في م: "على".
(6)
في: م: "النصري"، وفى س:"النضرى". وينظر تاريخ الطبرى 1/ 354.
{إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} . قال: رُخْصُ السعرِ.
[حدَّثني محمدُ بنُ عمرَ
(1)
بن عليٍّ، قال: ثنا عبدُ الصمدِ بنُ عبدِ الوارثِ، عن أبي عامرٍ الخزازِ، عن الحسنِ في قولِه:{إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} . قال: الغنى ورُخْصُ السعرِ]
(2)
.
وقال آخرون: عنَى بذلك: إني أرى لكم مالًا وزينةً مِن زِيَنِ الدُّنيا.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} . قال: يعنى خيرَ الدنيا وزينتَها
(3)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} : أبصَر عليهم قِشْرًا
(4)
من قِشْرِ الدنيا وزينتِها
(5)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيد في قولِه: {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} . قال: في دُنياكم، كما قال اللهُ:{إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180]. سمَّاه اللهُ خيرًا؛ لأنَّ الناسَ يُسمون المالَ خيرًا
(6)
.
وأَوْلى الأقوالِ فى ذلك بالصوابِ: ما أخبَر اللهُ عن شعيبٍ أنَّه قال لقومِه، وذلك قولُه لهم:{إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} . يعنى: بخيرِ الدنيا، وقد يدخلُ في
(1)
في النسخ: "عمرو". وقد تقدم مرارًا على الصواب. وينظر تهذيب الكمال 26/ 174.
(2)
سقط من: ت 2.
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 311.
(4)
القشرة: الثوب الذى يلبس، ولباس الرجل: قشرة، وكل ملبوس قشر. اللسان (ق ش ر).
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2071 من طريق سعيد بن أبي عروبة به بنحوه.
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2071 من طريق آخر عن ابن زيد به.
خيرِ الدنيا المالُ وزينةُ الحياةِ الدنيا، ورُخْصُ السعرِ، ولا دَلالةَ على أنَّه عَنى بقيلِه ذلك بعضَ خيراتِ الدنيا دونَ بعضٍ، فذلك على كلِّ معانى خيراتِ الدنيا التي ذكَر أهلُ العلمِ أنهم كانوا أُوتوها، وإنما قالَ ذلك شعيبٌ؛ لأنَّ قومَه كانوا في سَعَةٍ من عيشِهم، ورخصٍ من أسعارِهم، كثيرةً أموالُهم، فقال لهم: لا تَنقُصوا الناسَ حقوقَهم فى مكاييلِكم وموازينِكم، فقد وسَّع اللهُ عليكم ورزَقَكم، {وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} بمخالفتِكم أمرَ اللهِ وبخسِكم الناسَ أموالَهم في مكاييلِكم وموازينِكم، {عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ}. يقولُ: أَن يَنزِلَ بكم عذابُ يومٍ محيطٍ بكم عذابُه، فجعَل "المحيطَ" نعتًا لليوم، وهو [من نعتِ العذابِ]
(1)
؛ إذ كان مفهومًا معناه، وكان العذابُ في اليومِ، فصار كقولِهم: بعضُ
(2)
جُبَّتِك متخرِّقةٌ
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)} .
يقولُ تعالى ذكرُه مُخبِرًا عن قيلِ شعيبٍ لقومِه: {وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} . يقولُ: بالعدلِ، وذلك بأن تُوفُّوا أهلَ الحقوقِ التى هى مما يُكالُ أو يُوزنُ حقوقَهم، على ما وجَب لهم مِن التمامِ بغيرِ بخسٍ، ولا نقصٍ.
وقولُه: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} . يقولُ: ولا تَنقُصوا الناسَ حقوقَهم التي يجبُ عليكم أن تُوَفوهم، كيلًا أو وزنًا أو غيرَ ذلك.
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س:"نعتا للعذاب".
(2)
سقط من: م.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"متحرقة"، وفى م:"محترقة".
كما حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا عليُّ بنُ صالحِ بنِ حيٍّ، قال: بلَغنى في قولِه: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} . قال: لا تَنقُصوهم.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}. يقولُ: لا تَظلِموا الناسَ أشياءَهم
(1)
.
وقولُه: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} . يقولُ: ولا تَسيروا في الأرضِ تَعملون فيها بمعاصى اللهِ.
كما حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ، عن قتادة في قولِه:{وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} . قال: لا تَسيروا في الأرضِ
(2)
.
وحُدِّثْتُ عن المسيبِ، عن أبى رَوْقٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} . يقولُ: لا تَسْعَوا في الأرضِ مُفْسدين. يعني: نقصانَ الكيلِ والميزانِ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)} .
يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} : ما أبْقاه اللهُ لكم بعدَ أن توفُّوا الناسَ حقوقَهم، بالمكيالِ والميزانِ بالقسطِ، فأحلَّه لكم، خيرٌ لكم من الذى يبقى لكم، ببخسِكم الناسَ من حقوقِهم بالمكيالِ والميزانِ، {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. يقول: إن كنتم مصدّقين بوعدِ اللهِ ووعيدهِ، وحلالهِ وحرامهِ. وهذا
(1)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2071 معلقا عن قتادة بنحوه.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 311. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2071 من طريق سعيد عن قتادة به.
قولٌ رُوى عن ابنِ عباسٍ بإسنادٍ غير مرتضًى عند أهلِ النقلِ.
وقد اختلَف أهلُ التأويلِ فى ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه: طاعةُ اللهِ خيرٌ لكم.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ؛ وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} . قال: طاعةُ اللهِ خيرٌ لكم
(1)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا حكامٌ، عن عنبسةَ، عن محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن القاسمِ بنِ أبي بَزَّةَ، عن مجاهدٍ: {بَقِيَّتُ اللَّهِ
(2)
خَيْرٌ لَكُمْ}. [قال: طاعةُ اللهِ خيرٌ لكم]
(3)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{بَقِيَّتُ اللَّهِ} . قال: طاعةُ اللهِ.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا الثوريُّ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} . قال: طاعةُ اللهِ خيرٌ لكم
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن
(1)
أخرجه أبو نعيم في الحلية 3/ 285 من طريق ليث به بنحوه وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 346 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
بعده في م: "قال طاعة الله".
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
تفسير عبد الرزاق 1/ 311.
مجاهدٍ: {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} . قال: طاعةُ اللهِ
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ، نحوَه.
وقال آخرون: معنى ذلك: حَظُّكم من ربِّكم خيرٌ لكم.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} : حظُّكم من ربِّكم خيرٌ لكم
(2)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} . قال: حَظُّكم مِن اللهِ خيرٌ لكم
(3)
.
وقال آخرون: معناه: رزقُ اللهِ خيرٌ لكم.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عمن ذَكَره، عن ابنِ عباسٍ:{بَقِيَّتُ اللَّهِ} . قال: رزقُ اللهِ
(4)
.
وقال ابنُ زيدٍ فى ذلك ما حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . قال: الهلاكُ في
(1)
تفسير مجاهد ص 390، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2072.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2072 من طريق سعيد بن أبي عروبة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 346 إلى أبى الشيخ.
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 311.
(4)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 346 إلى المصنف.
العذابِ، والبقيةُ في الرحمةِ.
وإنما اخترتُ في تأويلِ ذلك القولَ الذى اخترتُه؛ لأن اللهَ تعالى ذكرُه إنما تقدَّمَ إليهم بالنهيِ عن بخسِ [الناسِ أشياءَهم في]
(1)
المكيالِ والميزانِ، وإلى تركِ التطفيفِ في الكيلِ، والبخسِ فى الميزانِ، دعاهم شعيبٌ، فتعقيبُ ذلك بالخبرِ عما لهم من الحظِّ في الوفاءِ في الدنيا والآخرةِ أَولَى، مع أن قولَه:{بَقِيَّتُ} . إنما هي مصدرٌ من قولِ القائلِ: بَقَّيْتُ بَقِيَّةً من كذا. فلا وجهَ لتوجيه معنى ذلك إلا إلى: بقيةُ اللهِ التي أبقاها لكم، مما لكم بعدَ وفائِكم الناسَ حقوقَهم، خيرٌ لكم من بقيتِكم من الحرامِ الذى يبقى لكم من ظلمِكم الناسَ، ببخسِكم إياهم في الكيلِ والوزنِ.
وقولُه: {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} . يقولُ: وما أنا عليكم أيُّها الناسُ برقيبٍ، أرقُبُكم عندَ كيلِكم ووزنِكم: هل توفون الناسَ حقوقَهم أم تظلِمونهم؟ وإنما عليّ أن أبلِّغَكم رسالةَ ربى، فقد أبلَغتكموها.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ
(2)
تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)}.
يقولُ تعالى ذكرُه: قال قومُ شعيبٍ له
(3)
: {يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ} عبادةَ {مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} من الأوثانِ والأصنامِ {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ
(1)
سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س:"أصلواتك". وهى قراءة ابن كثير وأبي عمرو ونافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر. وأما قراءة التوحيد "أصلاتك" فهي قراءة حفص وحمزة والكسائي وينظر السبعة لابن مجاهد ص 317، والكشف عن وجوه القراءات 2/ 506، والتيسير ص 97.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} مِن كسرِ الدراهمِ وقَطْعِها، وبَخْسِ الناسِ في الكيلِ والوزنِ، {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ}: وهو الذى لا يحمِلُه الغضبُ أن يفعَلَ ما لم يكنْ ليفعَلَه في حالِ الرضا، {الرَّشِيدُ}. يعني: رشيدُ الأمرِ في أمرِه إياهم أن يتركوا عبادةَ الأوثانِ.
كما حدَّثنا محمودُ بنُ خِدَاشٍ، قال: ثنا حمادُ بنُ خالدٍ الخياطُ
(1)
، قال: ثنا داودُ بنُ قيسٍ، عن زيدِ بن أسلمَ فى قولِ اللهِ: {أَصَلَاتُكَ
(2)
تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ}. قال: كان مما نهاهم عنه حذفُ الدراهمِ. أو قال: قطعُ الدراهمِ. الشكُّ مِن حمادٍ
(3)
.
حدَّثنا [سهلُ بنُ موسى]
(4)
الرازيُّ، قال: ثنا ابنُ أبي فُدَيكٍ، عن أبي مودودٍ، قال: سمعتُ محمدَ بنَ كعبٍ القُرَظيِّ يقولُ: بلغنى أَنَّ قومَ شعيبٍ عُذِّبوا في قطعِ الدراهمِ، ثم
(5)
وجَدتُ ذلك فى القرآنِ: {أَصَلَاتُكَ
(6)
تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ}
(7)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا زيدُ بنُ حُبَابٍ، عن موسى بنِ عبيدةَ، عن محمدِ ابنِ كعبٍ القُرَظيِّ، قال: عُذِّبَ قومُ شعيبٍ في قطعِهم الدراهمَ، فقالوا: {يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ (6) تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا
(1)
فى س، ف:"الحناط". وينظر تهذيب الكمال 7/ 233.
(2)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س:"أصلواتك".
(3)
أخرجه المصنف فى تاريخه 1/ 329.
(4)
في الأصل: "موسى بن سهل".
(5)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(6)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أصلواتك".
(7)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 329، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 346 إلى ابن المنذر.
مَا نَشَاءُ}
(1)
؟
ثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا حمادُ بنُ خالدٍ الخياطُ، عن داودَ بنِ قيسٍ، عن زيدِ بنِ أسلمَ في قولِه:{أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} . قال: كان مما نهاهم عنه حذفُ الدراهمِ
(2)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} ؟ قال: نهاهم عن قطعِ الدنانيرِ والدراهمِ، فقالوا: إنما هي أموالُنا نفعلُ فيها ما نشاءُ؛ إن شِئْنا قطَّعْناها، وإن شِئْنا حرَّقناها، وإن شئنا طرَحْناها
(3)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: وأخبَرنى داودُ بنُ قيسٍ المرِّيُّ أنه سمِع زيد بنَ أسلمَ يقولُ فى قولِ اللهِ: {قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} ؟ قال زيدٌ: كان مِن ذلك قطعُ الدراهمِ.
وقولُه: {أَصَلَاتُكَ} . كان الأعمشُ يقولُ في تأويلِها ما حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ عن الأعمشِ في قولِه:
(1)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 329.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2073 من طريق حماد بن خالد به، وزاد فيه وحذف الدراهم من الفساد في الأرض، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 346، 347 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ وفيه الزيادة وحذَف الشيء حذفا: قطعه من طرفه. الوسيط (ح ذ ف).
(3)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 346 إلى المصنف وأبى الشيخ. وحرق الحديد، حرقًا: برده. الوسيط (ح ر ق).
{أَصَلَاتُكَ} . قال: قراءتُك
(1)
.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} أن نترُكَ ما يعبدُ آباؤنا، أو أن نفعلَ في أموالِنا ما نشاءُ. وإنما كان شعيبٌ نهاهم أن يفعَلوا فى أموالِهم ما قد ذكَرتُ أنه نهاهم عنه فيها؟ قيلَ: إنَّ معنى ذلك بخلافِ ما توهَّمتَ.
وقد اختلَف أهلُ العربيةِ فى معنى ذلك؛ فقال بعضُ البصريين: معنى ذلك: أصلواتُك تأمرُك أن نترُكَ ما يعبُدُ آباؤُنا، أو أن نترُكَ أن نفعلَ في أموالِنا ما نشاءُ، وليس معناه: تأمُرُك أن نَفعلَ فى أموالِنا ما نشاءُ، لأنه ليس بذا أمرهم.
وقال بعضُ الكوفيين نحوَ هذا القولِ، قال
(2)
: وفيها وجهٌ آخرُ يجعَلُ الأمرَ كالنهيِ، كأنه
(3)
قال: أصلاتُك تأمُرُك بذا، وتنهانا عن ذا؟ فهي حينئذٍ مردودةٌ، على أن الأُولى [لا إضمارَ فيها]
(4)
، [كأنك قلتَ: تأمُرُك
(5)
أن نفعلَ في أموالِنا ما نشاءُ. كما تقولُ: أضرِبُك أن تسئَ. كأنَّه قال: أنهاكَ أن تسئَ.
والصوابُ مِن القولِ فى ذلك أن يقالَ: إن "أن" الأُولى]
(6)
منصوبةٌ بقولِه "تأمرُك"، وأنَّ الثانيةَ منصوبةٌ عطفًا بها على "ما" التي في قولِه:{مَا يَعْبُدُ} . وإذا كان ذلك كذلك، كان معنى الكلامِ: أصلاتُك
(7)
تأمُرُك أن نترُكَ ما يعبُدُ
(1)
في ف: "قرآنك". والأثر في تفسير عبد الرزاق 1/ 311، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2072 عن الحسن به. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 346 إلى ابن المنذر.
(2)
معانى القرآن للفراء 2/ 25.
(3)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، ف:"لأنه".
(4)
سقط من: النسخ، والمثبت من معاني القرآن للفراء.
(5)
كذا في الأصل، ومعاني القرآن للفراء:"تنهانا".
(6)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(7)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أصلواتك".
آباؤنا، أو أن نترُكَ أن نفعَلَ فى أموالِنا ما نشاءُ. وقد ذُكِر عن بعضِ القرَأَةِ أنه قرَأه (ما تشاءُ
(1)
)، فمَن قرَأ ذلك كذلك فلا مُؤْنةَ
(2)
فيه، وكانت "أن" الثانيةُ حينَئذٍ معطوفةً على "أن" الأُولى.
وأما قولُهم لشعيبٍ: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} . فإنهم أعداءُ اللهِ، قالوا له ذلك استهزاءً به، وإنما سفَّهوه وجهَّلوه بهذا الكلامِ. وبما قلنا مِن ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذِكرُ من قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ:{إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} . قال: يستهزِئون
(3)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} : المستهزِئون يستهزِئون به
(4)
: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)} .
(1)
في ص م، ت 1، ت 2، س، ف:"نشاء"، والمثبت هو الصواب وهي قراءة على بن أبي طالب والضحاك وغيرهما:"تشاء" بالتاء. ينظر شواذ القراءات ص 65، والبحر المحيط 5/ 253.
(2)
في ت 2، س:"مرية".
(3)
ذكره الطوسي في التبيان 6/ 50.
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
يقولُ تعالى ذكرُه: قال شعيبٌ لقومِه: يا قومِ، أرأيتُم إن كنتُ على بيانٍ وبرهانٍ من ربِّى فيما أدعوكم إليه من عبادةِ اللهِ، والبراءةِ مِن عبادةِ الأوثانِ والأصنامِ، وفيما أنهاكم عنه مِن إفسادِ المالِ، {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا}. يعنى: حلالًا طيبًا، {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}. يقولُ: وما أريدُ أن أنهاكم عن أمرٍ، ثم أفعلَ خلافَه، بل لا أفعلُ إلا ما آمُرُكم به، ولا أنتهي إلا عما أنهاكم عنه.
كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} . يقولُ: لم أكنْ لأنهاكم عن أمرٍ ثم أركبَه وآتِيَه، {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ}. يقول: ما أريدُ فيما أمرُكم به وأنهاكم عنه، إلا إصلاحَكم وإصلاحَ أمرِكم، {مَا اسْتَطَعْتُ}. يقولُ: ما قدرْتُ على إصلاحِه، لئلا ينالَكم مِن اللهِ عقوبةٌ مُنكِّلةٌ بخلافِكم أمرَه، ومعصيتِكم رسولَه، {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ}. يقولُ: وما إصابتى الحقَّ في
(1)
محاولتي
(2)
إصلاحَكم وإصلاحَ أمرِكم إلا باللهِ، فإنه هو المعينُ على ذلك، إن لا يُعِنِّى عليه لم أُصِبِ الحقَّ فيه
(3)
.
وقولُه: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} . يقولُ: إِلى اللهِ أفوِّضُ أمرِى، فإنه ثقتى، وعليه اعتمادى في أمورِى. وقولُه:{وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} : وإليه أُقبِلُ بالطاعةِ، وأرجِعُ بالتوبةِ.
كما حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ نُميرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} . قال: أرجعُ.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبى
(1)
في الأصل: "من".
(2)
فى ص، ت 1، ت 2، س، ف:"مجادلتي".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2074 من طريق سعيد به مقتصرًا على قوله: لم أكن لأنهاكم عن أمر وأركبه.
نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ. [وحدَّثني المُثَنَّى قال: ثنا]
(1)
إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} قال: وإليه
(2)
أرجعُ
(3)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} . قال: أرجعُ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَيَاقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)} .
يقولُ تعالى ذِكرُه مخبرًا عن قِيلِ شعيبٍ لقومِه: {وَيَاقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي} . يقولُ: لا يَحْمِلَنَّكم عداوتى وبغضى وفراقُ الدينِ الذي أنا عليه، على الإصرارِ على ما أنتم عليه من الكفر باللهِ، وعبادةِ الأوثانِ، وبَخسِ الناسِ في المكيالِ والميزانِ، وتركِ الإنابةِ والتوبةِ، فيصيبَكم {مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} من الغَرَقِ، {أَوْ قَوْمَ هُودٍ} من العذابِ، {أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ} من الرجفةِ، {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ} ، الذين ائتفكتْ بهم الأرضُ {مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} هلاكُهم، [فلا تتعظوا به وتعتبروا]
(4)
. يقولُ: فاعتبروا بهؤلاء، واحذروا أن يُصيبَكم بشقاقي مثلُ
(1)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قال وحدَّثنا".
(2)
سقط من: م.
(3)
تفسير مجاهد ص 390، ومن طريقه عبد بن حميد في تفسيره -كما في تغليق التعليق 4/ 226. وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2074. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 347 إلى أبى الشيخ.
(4)
فى م: "أفلا تتعظون وتعتبرون". والعبارة المثبتة جواب طلب للنهى في قوله: "لا يحملنكم عداوتى وبغضى. . .".
الذي أصابَهم.
كما حدَّثنا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي} . يقولُ: لا يحملنَّكم فراقى {أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} الآيةَ
(1)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي} . يقولُ: لا يحملَنَّكم شقاقى
(2)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ قولَه:{لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي} . قال: عداوتي وبَغْضائى وفراقي.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} . قال: إنما كانوا حديثًا منهم قريبًا بعدَ
(3)
قومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ
(4)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} . قال: إنما كانوا حديثي عهدٍ قريبٍ بعدَ قومِ نوحٍ وعادٍ
(5)
وثمودَ
(6)
.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2075 من طريق سعيد بن أبي عروبة به. وأخرجه في 6/ 2074 من طريق سعيد بن بشير به دون قوله: "فراقي". عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 347 إلى أبي الشيخ.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 311.
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"يعني".
(4)
بعده في النسخ: "وصالح". وهو سبق قلم من الناسخ أو المصنف. والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2075 عن محمد بن عبد الأعلى به.
(5)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف، والمثبت من تفسير عبد الرزاق.
(6)
تفسير عبد الرزاق 1/ 310، 311.
قال أبو جعفرٍ: وقد يَحتمِلُ أن يقالَ: معناه: وما دارُ قومِ لوطٍ منكم ببعيدٍ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)} .
يقولُ تعالَى ذِكرُه مخبرًا عن قيلِ شعيبٍ لقومِه: {وَاسْتَغْفِرُوا} أيها القومُ {رَبَّكُمْ} من ذنوبِكم بينَكم وبينَ ربِّكم، التى أنتم عليها مقيمون، من عبادةِ الآلهةِ والأصنامِ، وبَخْسِ الناسِ حقوقَهم في المكاييل والموازينِ. {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}. يقولُ: ثم ارجعوا إلى طاعتِه والانتهاء إلى أمرِه ونهيِه. {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ} . يقولُ: هو رحيمٌ بمن تاب وأنابَ إليه، أن يعذِّبَه بعد التوبةِ. {وَدُودٌ}. يقولُ: ذو محبةٍ لمن أناب وتاب إليه، يَوَدُّه ويحبُّه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)} .
يقولُ تعالى ذِكرُه: قال قومُ شعيبٍ لشعيبٍ: {يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} . أى ما نعلمُ حقيقةَ كثيرٍ مما تقولُ وتخبرُنا به، {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} . ذُكِر لنا
(1)
أنَّه كان ضريرًا، فلذلك قالوا له:{إِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} .
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني عبدُ الأعلى بنُ واصلٍ الأسديُّ، قال: ثنا أَسِيدُ
(2)
بنُ زيدٍ
(3)
، قال:
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"أسد". وينظر تهذيب الكمال 3/ 238.
(3)
بعده فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف، وتاريخ المصنف:"الجصاص". والذى فى مصادر =
أخبرَنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ في قولِه:{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} . قال: كان أعمى
(1)
.
حدَّثنا عباسُ بنُ أبي طالبٍ، قال: ثنى إبراهيمُ بنُ مهديٍّ المِصِّيصيُّ، قال: ثنا خلفُ بنُ خليفةَ، عن سفيانَ، [عن سالمٍ]
(2)
، عن سعيدٍ مثلَه
(3)
.
حدَّثني أحمد بن الوليد الرمليُّ، قال: ثنا إبراهيمُ بنُ زيادٍ وإسحاقُ بنُ المنذرِ، وعبدُ الملكِ بنُ يزيدَ
(4)
، قالوا: ثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ، مثلَه
(5)
.
حدَّثني أحمدُ بنُ الوليدِ، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ ومحمدُ بنُ الصباحِ، قالا: سمعنا شريكًا، يقولُ فى قولِه:{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} . قال: أعمى
(5)
.
حدَّثنى أحمدُ بنُ الوليدِ، قال: حدَّثنا سَعْدُويَهْ، قال: ثنا عبادٌ، عن شريكٍ، عن سالمٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ مثلَه
(6)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نعيمٍ، قال: ثنا سفيانُ قولَه: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} . قال: كان ضعيفَ البصرِ. قال سفيانُ: وكان يقالُ له: خطيبُ
= ترجمته: "الجمال". ينظر المجروحين لابن حبان 1/ 180، والضعفاء الكبير للعقيلي 1/ 28، والجرح والتعديل 2/ 318، وتهذيب الكمال 3/ 238.
(1)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 325 عن عبد الأعلى به، وابن عساكر في تاريخه 23/ 72 من طريق أسيد به.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 326 عن عباس به وابن عساكر في تاريخه 23/ 71، 72 من طريق إبراهيم بن مهدى المصيصي به.
(4)
فى م: "زيد".
(5)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 326.
(6)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 326 عن أحمد بن الوليد به، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه 23/ 72 من طريق عباد بن العوام به.
الأنبياءِ
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمّانيُّ، قال: ثنا عبادٌ، عن شريكٍ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ:{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} . قال: كان ضريرَ البصرِ
(2)
.
وقولُه: {وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} . يقولُ: يقولون: ولولا [أنَّا نَتَّقي]
(3)
عشيرَتَك وقومَك لرجَمْناك، يعنون: لسبَبْناك. وقال بعضُهم: معناه لقتلناك
(4)
.
ذِكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} . قال: قالوا: لولا أنا
(5)
نَتَّقِى قومَك ورهطَك لرجمناك
(6)
.
وقولُه: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} . يعنون: ما أنت ممن يَكْرُمُ علينا، فيَعْظُمَ علينا إذلالُه وهَوَانُه، بل ذلك علينا هَينٌ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ يَاقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)} .
(1)
تفسير سفيان ص 133. وأخرجه المصنف في تاريخه 1/ 326 عن المثنى به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2076 من طريق أبي نعيم به. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 348 إلى أبي الشيخ.
(2)
أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 326.
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"أنت في".
(4)
في الأصل: "لقاتلناك".
(5)
في ص، م، ت 1، س، ف:"أن".
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2077 من طريق آخر عن ابن زيد به.
يقولُ تعالى ذِكرُه: قال شعيبٌ لقومِه: يا قومِ أَعْزَزْتُم قومَكم، فكانوا أعزَّ عليكم مِنَ اللهِ، واستخفَفْتُم بربِّكم، فجعَلتموه خَلْف ظهورِكم، لا تأتمرون لأمرِه، ولا تخافون عقابَه، ولا تعظِّمونه حقَّ عظمتِه.
يقالُ للرجلِ إذا لم يقضِ حاجةَ الرجلِ: نبذَ حاجتَه وراءَ ظهرِه. أى: ترَكَها لا يلتفتُ إليها، وإذا قضاها قيل: جعَلها أمامَه ونُصْبَ عينيه. ويقال: ظَهَرتَ بحاجتي، وجَعَلتَها ظِهْرِيَّةً أى: خلفَ ظهرِك، كما قال الشاعرُ
(1)
:
وَجَدْنا بنى البَرْصَاءِ مِنْ وَلَدِ الظُّهْرِ
بمعنى أنهم يَظْهَرون بحوائجِ الناسِ، فلا يلتفتون إليها.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذِكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{قَالَ يَاقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} . وذلك أن قومَ شعيبٍ ورهطَه كانوا أعزَّ عليهم مِنَ اللهِ، وصغُر شأنُ اللهِ عندهم عزَّ ربُّنا وجلَّ
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ:{وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} . قال: قَصًى
(3)
.
(1)
هو أرطاة بن سهية المرى. وصدر البيت: فمن مبلغ أبناء مرة أننا. والبيت في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1/ 298، واللسان (ظ هـ ر).
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2077 عن محمد بن سعد به.
(3)
في م: "قفا". وقصًى مصدر قصى بمعنى بَعُد. وينظر القاموس (ق ص ى). والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2077 من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح به.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{يَاقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} . يقول: عزَّزْتم
(1)
قومَكم، وأظهَرْتُم بربِّكم
(2)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} : قال: لم تراقبوه في شيءٍ، إنما تراقبون قومى {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا}: لا تخافونه
(3)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ} . قال: أعزَزْتُم قومَكم، واغترَرْتُم بربِّكم
(4)
.
قال أبو جعفرٍ: سمعتُ إسحاقَ بن أبى إسرائيلَ، قال: قال سفيانُ: {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} : كما يقولُ الرجلُ للرجلِ: خلَّفتَ حاجتي خلفَ ظهرِك، فـ {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} استخفَفْتُم بأمرِه، فإذا أراد الرجلُ قضاءَ حاجةِ صاحبِه جعَلها أمامَه بين يديه، ولم يستخِفَّ بها.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه:
(1)
في الأصل: "أعززتم".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2077 من طريق سعيد بن أبي عروبة به. وبعده في م: "حدَّثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} ، قال: لم تراقبوه في شيء، إنما تراقبون قومى {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} يقول: عززتم قومكم، وأظهرتم بربكم.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2077 من طريق محمد بن عبد الأعلى به مختصرًا. وأخرجه عبد الرزاق فى تفسيره 1/ 311، 312 عن معمر به.
(4)
تفسير عبد الرزاق 1/ 312.
{وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} . قال: الظِّهرِيُّ: الفضلُ. مثلُ الحمَّالِ
(1)
يخرجُ معه بإبلٍ ظَهَاريَّةٍ فضلٍ، لا يَحْمِلُ عليها شيئًا، إلا أن يُحتاج إليها. قال: فيقولُ: إنما ربُّكم عندَكم مثلُ هذا إن احتجْتُم إليه، وإن لم تحتاجوا إليه فليس بشيءٍ
(2)
.
وقال آخرون: معنى ذلك: واتخذتُم ما جاءَ به شعيبٌ وراءَكم ظِهريًّا، فالهاءُ التى فى قولِه:{وَاتَّخَذْتُمُوهُ} . على هذا القولِ
(3)
، مِن ذِكرِ ما جاء به شعيبٌ عليه السلام.
ذِكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ نميرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} . قال: تركتُم ما جاء به شعيبٌ
(4)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا جعفرُ بنُ عونٍ، عن سفيانَ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، قال: نَبذوا أمرَه
(5)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، عن سفيانَ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ:{وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} . قال: نبَذتُم أمرَه
(5)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} . قال: هم رهطُ شعيبٍ،
(1)
فى م ومصدرى التخريج: "الجمال".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2078 من طريق آخر عن ابن زيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 348 إلى أبي الشيخ.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
تفسير مجاهد ص 390.
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2077 من طريق سفيان به.
تَرْكُهم ما جاء به وراءَ ظهورِهم ظِهريًّا.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ. قال: وحدَّثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ. عن مجاهدٍ:{وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} . قال: استثناؤُهم رهطَ شعيبٍ و
(1)
تَرْكُهم ما جاءَ به شعيبٌ وراءَ ظهورِهم ظهريًّا
(2)
.
وإنما اختَرْنا القولَ الذى اختَرْناه في تأويلِ ذلك لقربِ قولِه: {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} مِن قولِه: {أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ} . فكانت الهاءُ التي في قولِه {وَاتَّخَذْتُمُوهُ} بأن تكونَ مِن ذِكرِ اللهِ؛ لقربِ جوارِها منه، أشبهُ وأَوْلَى.
وقولُه: {إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} . يقولُ: إِنَّ رَبِّي محيطٌ علمُه بعمَلِكم، فلا يَخْفَى عليه منه شيءٌ، وهو مجازيكم على جميعِه عاجلًا وآجلًا.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} .
يقولُ تعالى ذِكرُه مخبرًا عن قيلِ شعيبٍ لقومِه: {يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} . يقولُ: على تمكُّنِكم، يقالُ منه: الرجلُ يعملُ على مَكينَتِه ومَكِنتِه
(3)
. أى على اتئاده، ومَكُن الرجلُ يمكُن مَكْنًا ومَكانةً ومكانًا.
(1)
سقط من: الأصل، ص، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
تفسير مجاهد ص 390. ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2077، لكن بغير هذا المعنى، قال: " {ظهريا}. رهط شعيب جعلوا الله وراءهم ظهريا".
(3)
في الأصل، ص:"مكيته". وينظر اللسان (م ك ن).
وكان بعضُ أهلِ التأويلِ يقولُ في معنى قولِه: {عَلَى مَكَانَتِكُمْ} : على منازِلكم. فمعنى الكلامِ إذن: ويا قومِ اعملوا على تمَكُّنِكم من العملِ الذى تعملونَه، {إِنِّي عَامِلٌ} على تُؤَدةٍ مِن العملِ الذى أعملُه، {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} أيُّنا الجانى على نفسِه المخطئُ عليها، والمصيبُ فى فعله المحسنُ
(1)
إلى نفسِه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} .
يقولُ تعالَى ذِكرُه مخبرًا عن قيلِ نبيِّه شعيبٍ لقومِه: الذي يأتيه منا ومنكم أيُّها القومُ {عَذَابٌ يُخْزِيهِ} . يقولُ: يُذِلُّه ويهينُه. {وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ} . يقولُ: ويُخزِى أيضًا الذى هو كاذبٌ في قيلِه وخبرِه منا ومنكم. {وَارْتَقِبُوا} ، أى انتَظِرُوا وتَفَقَّدُوا، من "الرِّقْبةِ"، يقالُ منه: رَقَبْتُ فلانًا أرقُبُه رِقبةً. وقولُه: {إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} . يقولُ: إنى أيضًا ذو رِقبةٍ لذلك العذابِ معكم، وناظرٌ إليه بمَن هو نازلٌ منا ومنكم.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)} .
يقولُ تعالى ذِكرُه: ولما جاءَ قضاؤُنا فى قومِ شعيبٍ بعذابِنا، نجَّيْنا شعيبًا رسولَنا، والذين آمنُوا به، فصدَّقوه على ما جاءَهم به مِن عندِ ربِّهم، مع شعيبٍ، من عذابِنا الذي بَعَثْنا على قومِه، برحمةٍ مِنا له، ولمن آمَن به، واتَّبَعه على ما جاءَهم به من عندِ ربِّهم، وأخَذتِ الذين ظَلموا الصيحةُ مِن السماءِ أخمَدتْهم فأهلَكتْهم، بكفرِهم بربِّهم، وقيلَ: إنَّ جبريلَ عليه السلام، صاحَ بهم صيحةً
(1)
فى ص، ت 1، ت 2، س، ف:"المخطئ".
أخْرَجَتْ أرْواحَهم مِن أجسامِهم، {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} على ركبِهم، وصَرْعَى بأفنيتِهم.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)} .
يقولُ عز وجل: كأن لم يَعِشْ
(1)
قومُ شُعَيبٍ الذين أَهْلَكَهم اللهُ بعذابِه، حينَ أصبَحوا في ديارِهم جاثِمِين، قبلَ ذلك، ولم يَعْمُروها
(2)
، من قولِهم: غَنِيتُ بمكانِ
(3)
كذا. إذا أقمتَ به، ومنه قولُ النابغةِ:
غَنِيَتْ بذلكَ إِذْ هُمُ لَكَ
(4)
جِيرَةٌ
…
منْها بعَطْفِ رِسالَةٍ وتَوَدُّدِ
(5)
وكما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عَليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} . قال: يقولُ: كأن لم يعيشُوا فيها
(6)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ مثلَه
(7)
.
حدَّثنا بشرٌ قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ مثلَه (6).
(1)
فى ت 1، ت 2، س:"يغش".
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"يغنوا".
(3)
في ت 1، س، ف:"مكان".
(4)
في م: "لى".
(5)
تقدم تخريجه في ص 151.
(6)
تقدم تخريجه في 10/ 326.
(7)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2053 من طريق محمد بن عبد الأعلى بلفظ: "كأن لم ينعموا".
وقولُه: {أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ} . يقولُ تعالى ذكره: أَلَا أَبْعَد اللهُ مَدْيَنَ مِن رحمتِه بإحلالِ نِقْمَتِه بهم
(1)
، {كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ}. يقولُ: كما بَعِدَت من قبلِهم ثمودُ من رحمتِه، بإنزالِ سُخْطِه بهم.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)} .
يقولُ عز وجل: ولقد أرسَلنا موسى بأدلتِنا على توحيدِنا، وحُجَّةٍ تُبِين لمَن عايَنَها وتأمَّلَها بفِكْرٍ
(2)
صحيحٍ، أنها تدلُّ على توحيدِ اللهِ، وكَذِبِ كُلِّ مَن ادَّعَى الربوبيةَ دونَه، وبُطُولِ قولِ مَن أشرَك معه في الأُلوهَةِ غيرَه
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} . يعنى: وإلى أشرافِ جُندِه وأتْباعِه
(3)
، {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ}. يقول: فكذَّبَ فرعونُ وملؤُه موسى، وجحَدُوا وحدانيةَ اللهِ، وأبَوا قبولَ ما أَتاهم به موسى من عندِ اللهِ، واتَّبَع مَلَأُ فرعونَ [أمرَ فرعونَ]
(4)
دونَ أمرِ اللهِ، وأطاعُوه في تكذيبِ موسى، وردّ ما جاءهم به مِن عندِ اللهِ عليه. يقول عز وجل:{وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} . يعنى: أنه لا يُرْشِدُ أمرُ فرعونَ مَن [قبِلَه منه]
(5)
في تكذيبِ موسى، إلى خيرٍ، ولا يهدِيه إلى صلاحٍ، بل يُورِدُه نارَ جهنمَ.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)} .
(1)
سقط من: م.
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"بقلب".
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"تباعه".
(4)
سقط من: م.
(5)
فى م: "قيله" وفي ت 2: "قيله منه".
يقولُ عز وجل: يَقْدُمُ فرعونُ قومَه يومَ القيامةِ يقُودُهم، فيمضِى بهم إلى النارِ، حتى يُورِدَهموها، ويُصلِيَهم سَعِيرَها، {وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}. يقولُ: وبِئْسَ الوِرْدُ الذى يَرِدُونه.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} . [قال: فرعونُ يقدُمُ قومَه يومَ القيامةِ]
(1)
، يمضِى بين أيديهم، حتى [يهجُمَ بهم على]
(2)
النار
(3)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} . يقولُ: يقودُ قومَه يومَ القيامةِ، فأورَدَهم النارَ
(4)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ قولَه: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} . يقولُ: أَضلَّهم، فأورَدَهم النارَ
(5)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا ابنُ عيينةَ، عن عمرِو بن دينارٍ، عمَّن سمِع ابنَ عباسٍ يقولُ فى قولِه:{فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} .
(1)
سقط من: ت 2، وابن أبي حاتم.
(2)
في ت 1: "يجيء بهم إلى".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2080 عن محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 312 عن معمر به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 348 إلى أبى الشيخ.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2080 من طريق سعيد به.
(5)
عزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 348 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.
قال: الورودُ
(1)
الدخولُ
(2)
.
حُدِّثت عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ، يقولُ: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} . كان ابنُ عباسٍ يقولُ: الورودُ
(3)
فى القرآنِ أربعةُ أورادٍ: في "هود" قولُه: {وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} ، [ووِرْدٌ فى]
(4)
"مريم"{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71]، ووِرْدٌ فى "الأنبياء" {حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98]، ووِرْدٌ أيضًا فى "مريم" {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مريم: 86]. كان ابنُ عباسٍ يقولُ: كلُّ هذا
(5)
الدُّخُولُ، واللهِ ليَرِدنَّ جهنمَ كلُّ بَرٍّ وفاجرٍ {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}
(6)
[مريم: 72].
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)} .
يقولُ عز وجل: وأتبَعَهم اللهُ {فِي هَذِهِ} ، يعني في هذه الدنيا، مع العذابِ الذي عجَّلَه لهم فيها، من الغَرَقِ فى البحرِ، لعنةً
(7)
{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} . يقولُ: وفى يومِ القيامةِ أيضًا يُلْعَنُون لَعنةً أُخرَى.
(1)
فى م، ت 1، س، ف، وعبد الرزاق وابن أبي حاتم:"الورد". والمثبت موافق لما في الدر المنثور.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 313، ومن طريقه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2080، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 348 إلى ابن المنذر.
(3)
فى م، ت 1، س، ف:"الورد" وفى ابن أبي حاتم: "المورود"، ولعله تصحيف من:"الورود".
(4)
في ص، ف:"فى"، وفى م، ت 1، ت 2، س، ف:"وفي".
(5)
بعده في الأصل: "هو".
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2081 من طريق آخر عن الضحاك به مختصرا.
(7)
في م، ت 1، س، ف:"لعنته"، وفي ت 2:"أمنه".
كما حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا حكامٌ، عن عنبسةَ، عن محمدِ بنِ عبد الرحمنِ، عن القاسمِ بنِ أبي بَزَّةَ، عن مجاهدٍ:{وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} . قال: لعنةً أخرى.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} . قال: زِيدُوا بلعنتِه
(1)
لعنةً أُخرَى، فتلك لعنتان.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} . قال: لعنةً
(2)
في إثْرِ اللعنةِ.
قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن وَرْقاءَ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} . قال: زِيدوا لعنةً أخرى، فتلك لعنتان
(3)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ، عن مجاهدٍ:{فِي هَذِهِ لَعْنَةً} . قال: في الدنيا {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَرْدِفوا بلعنةٍ أخرى زِيدُوها، فتانِك
(4)
لعنتان.
(1)
فى م، ت 1:"بلعنة".
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"اللعنة".
(3)
تفسير مجاهد ص 391، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2081.
(4)
فى م، ت 2:"فتلك".
وقولُه: {بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} . يقولُ: بئس العَوْنُ المُعانُ اللعنةُ المَزيدةُ فيها أخرى منها
(1)
.
وأصلُ "الرِّفْدِ" العَوْنُ، يقالُ منه: رفَد فلانٌ فلانًا عندَ الأميرِ يَرْفِدُه رِفْدًا، بكسرِ الراءِ، وإذا فُتِحَت فهو السَّقْيُ فى القَدَحِ العظيمِ، والرَّفْدُ: القَدَحُ الضخمُ، ومنه قولُ الأعشى
(2)
:
رُبَّ رَفْدِ هرَقْتَه ذلك اليو
…
مَ وأَسْرَى مِن مَعْشَرٍ أَقْتَالِ
(3)
ويقالُ: رفَد فلانٌ حائطَه. وذلك إذا أسْنَده بخشبةٍ؛ لئلا يَسْقُطَ. و "الرَّفْدُ" بفتحِ الراءِ المصدرُ، يقالُ منه: رفَدَه يَرْفِدُه رَفْدًا. و "الرِّفْد": اسمُ الشيءِ الذى يُعْطاه الإنسانُ، وهو "المَرْفَدُ".
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} . قال: لعنةُ
(4)
الدنيا والآخرةِ
(5)
.
(1)
سقط من: ت 1، س، ف.
(2)
ديوانه ص 13.
(3)
في ص، س:"أقيال"، وفي ت 1، ت 2، ف:"اقبال"، وينظر الديوان. والأقتال: جمع قِتل وهو العدو والقِرن. اللسان (ق ت ل). وقال فى حاشية الديوان: يكنى بإراقة الرفد عن الموت. اهـ.
(4)
بعده في الأصل: "في".
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2081 من طريق عبد الله به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 348 إلى ابن المنذر.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} . قال: لعَنَهم اللهُ في الدنيا، وزِيد لهم فيها لعنةً
(1)
في الآخرةِ.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} . قال: لعنةٌ فى الدنيا، وزِيدوا فيها لعنةً في الآخرةِ
(2)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} . يقولُ: ترادَفَت
(3)
عليهم اللعنتان مِن اللهِ؛ لعنةٌ فى الدنيا، ولعنةٌ في الآخرةِ
(4)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو خالدٍ الأحمرُ، عن جُوَيْبرٍ، عن الضحاكِ، قال: أصابَتْهم لعنتان فى الدنيا، رَدِفَتْ
(5)
إحداهما الأخرى، فهو قولُه:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ}
(6)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)} .
يقولُ عز وجل لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: هذا القَصَصُ الذي ذكَرْناه لك في هذه
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"اللعنة".
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 312.
(3)
فى ص، ت 2، س، ف:"ترافدت".
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2081 من طريق سعيد به.
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"رفدت".
(6)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 278 عن الضحاك.
السورةِ، والنبأُ الذى أنْبَأْناكَه فيها مِن أخبارِ القرى التى أهْلَكْنا أهلَها بكفرِهم باللهِ، وتكذيبِهم رسلَه {نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} فنُخْبِرُك به. {مِنْهَا قَائِمٌ}. يقولُ:[من هذه القرى التي قصَصنا نبأَها عليك ما هو {قَائِمٌ}. يقولُ: منها قائمٌ بنيانُه غيرُ منهَدِمٍ، بائدٌ أهلُه]
(1)
هالكٌ، ومنها قائمٌ بنيانُه عامرٌ، ومنها حَصِيدٌ بنيانُه، خَرابٌ مُتَداعٍ، قد تَعَفَّى أثرُه، دارسٌ. من قولِهم: زَرْعٌ حَصِيدٌ. إذا كان قد اسْتُؤْصِل قَطْعُه، وإنما هو محصودٌ، ولكنه صُرِف إلى فَعيلٍ، كما قد بيَّنا في نظائرِه.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} . يعنى بالقائمِ قُرًى عامرةً، والحصيدِ قُرًى خامدةً
(2)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} . قال: قائمةٌ
(3)
على عروشِها، {وَحَصِيدٌ}: مُسْتَأْصَلةٌ
(4)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{مِنْهَا قَائِمٌ} يُرَى
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"منها بنيانه بائد أهله". وفى م: "منها بنيانه بائد بأهله".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2082 عن محمد بن سعد به.
(3)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قائم".
(4)
تفسير عبد الرزاق 1/ 312 عن معمر بلفظ "خاوية على عروشها". وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2082 من طريق سعيد بن بشير بنحوه.
مكانُه، {وَحَصِيدٌ} لا يُرَى له أثرٌ
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ:{مِنْهَا قَائِمٌ} . قال: خاوٍ على عروشِه، {وَحَصِيدٌ}: مُلْتَزِقٌ بالأرضِ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عبيدُ اللهِ، عن سفيانَ، عن الأعمشِ:{قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} . قال: خرَّ بنيانُه
(2)
.
وحدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن الأعمشِ:{مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} . قال: الحصيدُ الذى قد خَرَّ
(3)
بنيانُه.
حدَّثني يونُسُ، قال: أخبرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} . منها قائمٌ يُرَى أثرُه، وحَصِيدٌ قد بادَ لا يُرَى أَثَرُه
(4)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)} .
يقولُ عز وجل: وما عاقَبْنا أهلَ هذه القُرَى التي اقتصَصْنا نبأَها عليك يا محمدُ، بغيرِ استحقاقٍ منهم عقوبتَنا، فنكونَ بذلك
(5)
قد وضَعْنا عقوبتَناهم في غيرِ
(1)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 349 إلى أبى الشيخ.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2082 من طريق عبيد الله به.
(3)
في الأصل: "خرب".
(4)
سقط من: م.
(5)
بعده في الأصل: "ما".
موضعِها، {وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}. يقولُ: ولكنهم أوْجبوا لأنفسِهم بمعصيتِهم اللهَ وكفرِهم به عقوبتَه وعذابَه، فأحَلُّوا بها ما لم يَكُنْ لهم أن يُحِلُّوه بها، وأوْجَبوا لها ما لم يَكُنْ لهم أن يوجِبوه لها
(1)
، {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}. يقولُ: فما دفَعت عنهم آلهتُهم التي يعبُدُونها
(2)
مِن دونِ اللهِ، ويَدْعُونها
(3)
أربابًا، من عقابِ اللهِ وعذابِه، إذ
(4)
أحَلَّه بهم ربُّهم، {مِنْ شَيْءٍ} ، ولا ردَّت عنهم شيئًا منه، {لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} يا محمدُ. يقولُ: لمَّا جاء قضاءُ ربِّك بعذابِهم، فحقَّ عليهم عقابُه، ونزَل بهم سَخَطُه، {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ}. يقولُ: وما زادَتْهم آلهتُهم عندَ مَجِيءِ أمرِ ربِّك هؤلاء المشركين بعقابِ اللهِ غيرَ تخسيرٍ وإهلاكٍ وتدميرٍ. يقالُ منه: تبَّبْتُه أُتَبِّبُه تَتْبِيبًا، ومنه قولُهم للرجلِ: تَبًّا لك. كما قال جريرٌ
(5)
:
عَرَادَةُ
(6)
من بَقِيَّة قومِ لوطٍ
…
ألا تَبًّا لِمَا فَعَلُوا
(7)
تَبَابا
وبنحوِ الذى قلْنا فى ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا سعيدُ بنُ سَلَّامٍ أبو الحسنِ البصريُّ، قال: ثنا
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س:"بها".
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"يدعونها".
(3)
في ص، ت 1، س، ف:"يدعوا إنها"، وفى ت 2:"ويدعون أنهم".
(4)
فى م، ت 2:"إذا"، وفى ف:"إن".
(5)
ديوانه ص 819.
(6)
في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س، ف:"عرابة"، وهو راوية الراعي النميري.
(7)
في الديوان: "عملوا".
سفيانُ، عن [نُسَيْرِ بنِ ذُعْلُوقٍ]
(1)
، عن ابنِ عمرَ في قولِه:{وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} . قال: غيرَ تَخْسِيرٍ
(2)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، [عن مجاهدٍ]
(3)
: {غَيْرَ تَتْبِيبٍ} . قال: تَخْسِيرٍ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: [{غَيْرَ تَتْبِيبٍ} : غيرَ تخسيرٍ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ]
(4)
مثلَه
(5)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة:{غَيْرَ تَتْبِيبٍ} يقولُ: غيرَ تخسيرٍ.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{غَيْرَ تَتْبِيبٍ} . قال: غيرَ تخسيرٍ
(6)
.
وهذا الخبرُ مِن اللهِ عز وجل، وإن كان خبرًا منه عمَّن مضَى مِن الأممِ قبلنَا، فإنه وعيدٌ من اللهِ عز وجل لنا أيتُها الأُمَّةُ، أنا إن سلَكْنا سبيلَ الأممِ قبلَنا في الخلافِ عليه
(1)
فى ت 1، ت 2، س، ف:"بشير بن دعلوق". وينظر تهذيب الكمال 29/ 339.
(2)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 349 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ. وسعيد بن سلام متروك، والأثر فى تفسير سفيان الثورى ص 133، 134 من قوله.
(3)
ليس في الأصل.
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
تفسير مجاهد ص 391، ومن طريقه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2083، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 349 إلى ابن المنذر.
(6)
تفسير عبد الرزاق 1/ 312 عن معمر به.
وعلى رسولِه، سلَك بنا سبيلَهم في العقوبةِ، وإعلامٌ منه لنا أنه لا يَظْلِمُ أحدًا مِن خلقِه، وأن العبادَ هم الذين يَظْلِمون أنفسَهم.
كما حدَّثني يونُسُ، قال: أخبرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ، قال: اعْتَذَر -يعنى ربُّنا جلَّ ثناؤُه- إلى خلقِه، فقال:{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} . مما ذكَرْنا لك من عذابِ مَن عذَّبْنا من الأممِ، {وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ} حتى بلَغ:{وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} . قال: ما زادهم
(1)
الذين كانوا يَعْبُدونهم غيرَ تَتْبيبٍ
(2)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)} .
يقولُ عز وجل: وكما أخَذْتُ، أَيُّها الناسُ، أهلَ هذه القرى التي اقْتَصَصْتُ عليك نبأَ أهلِها، بما أخَذْتُهم به من العذابِ، على خلافِهم أمرِى، وتكذيبِهم رسلي، وجُحودِهم آياتِى، فكذلك أخْذى القرى وأهلَها، إِذا أَخَذْتُهم بعقابي، وهم ظَلمةٌ لأنفسِهم بكفرِهم باللهِ، وإشراكِهم به غيرَه، وتكذيبِهم رسلَه، {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ}. يقولُ: إِن أَخْذَ ربِّكم بالعقابِ مَن أَخَذه، {أَلِيمٌ}. يقولُ: مُوجِعٌ، شديدُ الإيجاعِ.
وهذا أمرٌ مِن اللهِ عز وجل، تحذيرٌ لهذه الأمَّةِ أن تسلكَ في معصيتِه طريقَ مَن قبلَهم مِن الأممِ الفاجرةِ، فيَحِلَّ بها
(3)
ما حلَّ بهم مِن المَثُلاتِ.
(1)
في ت 1، ت 2، س:"زادوهم".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2082 من طريق آخر عن ابن زيد دون آخره.
(3)
فى م: "بهم".
كما حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا أبو معاويةَ، عن بُرَيْدِ
(1)
بنِ أبي بُرْدةَ، عن أبيه، عن أبي موسى، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إن اللهَ يُمْلى -وربما
(2)
قال: يُمْهِلُ- للظالمِ
(3)
، حتى إذا أخَذه لم يُفْلِتْه"
(4)
، ثم قرَأ:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ}
(5)
.
حدَّثني يونُسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ: إن اللهَ حذَّر هذه الأمةَ سَطْوتَه بقولِه: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}
(6)
.
وكان عاصمٌ الجَحْدريُّ يَقْرَأُ ذلك: (وكذلك أَخَذَ رَبُّكَ إِذْ
(7)
أَخَذ القُرَى)
(8)
. وذلك قراءةٌ لا أَسْتَجِيزُ القراءةَ بها؛ لخلافِها مَصاحفَ المسلمين وما عليه قرأةُ الأمصارِ.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)} .
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"يزيد". وينظر الفتح 8/ 355 وتهذيب الكمال 4/ 50.
(2)
بعده في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"أمهل".
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"الظالم".
(4)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"يفلت".
(5)
أخرجه الترمذى (3110)، والبزار (3183)، وأبو يعلى (7322)، والروياني في مسنده (470) عن أبى كريب به، وأخرجه البخارى (4686)، ومسلم (2583)، وابن أبي الدنيا في العقوبات (248)، والنسائي في الكبرى (11245)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2083، والبغوي في تفسيره 4/ 199، من طرق عن أبي معاوية به.
(6)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 349 إلى المصنف.
(7)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"إذا".
(8)
ينظر البحر المحيط 5/ 261، وعنه أيضا:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذ أَخَذَ الْقُرَى} . ينظر تفسير القرطبي 9/ 95.
يقولُ عز وجل: إن فى أخْذِنا مَن أخَذْنا مِن أهلِ القرى التي قصَصْنا خبرَها عليكم أيُّها الناسُ {لَآيَةً} ، يقول: لعِبرةً وعِظَةً لمن خاف عقابَ اللهِ وعذابَه في الآخرةِ من عبادِه، وحجةً عليه لربِّه، وزاجِرًا يَزْجُرُه عن أن يَعْصِيَ اللهَ ويُخالِفَه فيما أمَره ونهاه. وقيل: بل معنى ذلك: إن فيه عبرةً لمن خاف عذابَ الآخرةِ؛ إنّ اللهَ سيَفِى له بوَعْدِه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ} : إنا سوف نَفِي لهم بما وعَدْناهم في الآخرةِ، كما وفَّيْنا للأنبياءِ أنا نَنْصُرُهم
(1)
.
وقولُه: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} . يقولُ عز وجل: هذا اليومُ، يعنى يومَ القيامةِ، {يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} ، يقولُ: يَحْشُرُ اللهُ له الناسَ مِن قبورِهم، فيَجْمَعُهم فيه للجزاءِ والثوابِ والعقابِ، {وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}. يقولُ: وهو يومٌ تَشْهَدُه الخلائقُ، لا يَتَخَلَّفُ عنه منهم أحدٌ، فيُنْتَقَمُ حينَئذٍ ممن عصَى اللهَ، وخالَف أمرَه، وكذَّب رسلَه.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، عن أبى بشرٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} . قال: يومُ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2083 من طريق آخر عن ابن زيد به.
القيامةِ
(1)
.
حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، عن أبي بشرٍ، عن عكرمةَ، مثلَه.
حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن شعبةَ، عن عليِّ بنِ زيدٍ، عن يوسُفَ المَكِّيِّ، عن ابنِ عباسٍ، قال: الشاهدُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، والمشهودُ يومُ القيامةِ. ثم قرَأ:{ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}
(2)
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجاج بن المنْهالِ، قال: ثنا حمادٌ، عن عليِّ بنِ زيدٍ عن ابنِ عباسٍ، قال: الشاهدُ محمدٌ، والمشهودُ يومُ القيامةِ. ثم تلا هذه الآيةَ:{ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} .
حُدِّثْتُ عن المسيبِ، عن جُوَيْبرٍ، عن الضحاكِ قولَه:{ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} . قال: ذاك يومُ القيامةِ، يَجْتَمِعُ فيه الخلقُ كلُّهم، ويَشْهَدُه أهلُ السماءِ وأهلُ الأَرضِ
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104)} .
يقولُ عز وجل: وما نُؤَخِّرُ يومَ القيامةِ عنكم؛ أن نَجيئَكم به إلّا [لأنّ اللهَ قضَى]
(4)
له أجلًا، فعدَّه وأحصاه، فلا يَأْتى به إلا لأجلِه ذلك، لا يَتَقَدَّمُ مجيئُه قبلَ
(1)
بعده في ت 1: "يقول: وهو يوم يشهده الخلائق لا يتخلف منهم أحد"، والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 349 إلى المصنف وأبى الشيخ.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 370، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2084 من طريق وكيع به، وأخرجه البزار (2283 - كشف) من طريق عكرمة عن ابن عباس، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 349 إلى أبي الشيخ، وينظر ما يأتي في تفسيره سورة البروج.
(3)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 349 إلى المصنف.
(4)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"لآن يقضى، فقضى".
ذلك، ولا يَتَأَخَّرُ عنه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ
(1)
لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)}.
يقولُ عز وجل: يومَ يأتى يومُ القيامةِ أيُّها الناسُ، وتقومُ الساعةُ، لا تتكَلَّمُ
(2)
نفسٌ إلا بإذنِ ربِّها.
واخْتَلَفَت القرأةُ فى قراءةِ قولِه: {يَوْمَ يَأْتِ} ؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ، بإثباتِ الياءِ فيها (يومَ يَأْتى لا تَكَلَّمُ نفسٌ)
(3)
.
وقرأ ذلك بعضُ أهلِ البصرةِ وبعضُ الكوفيين، بإثباتِ الياءِ فيها في الوَصْلِ، وحذفِها في الوقفِ
(4)
.
وقرَأ ذلك جماعةٌ من أهل الكوفةِ بحذف الياءِ فى الوصلِ والوقفِ: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ}
(5)
.
والصوابُ مِن القراءةِ عندى فى ذلك: {يَوْمَ يَأْتِ} بحذفِ الياءِ في الوصلِ والوقفِ؛ اتِّباعًا لخطِّ المصحفِ
(6)
، وأنها لغةٌ معروفةٌ لهذيلٍ، تقولُ: ما أَدْرِ ما تقولُ.
(1)
فى ص: "يأتى" يإثبات الياء، وسيأتى ذكر من قرأها كذلك.
(2)
فى م، ت 2، ف:"تكلم" كنص الآية، وفي ت 1:"يتكلم".
(3)
هي قراءة ابن كثير. ينظر السبعة ص 338، والحجة ص 348، والكشف 1/ 540.
(4)
هي قراءة نافع، وأبى عمرو، والكسائي. تنظر المصادر السابقة.
(5)
هي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة. تنظر المصادر السابقة.
(6)
القراءات المذكورة كلها صواب ومتواترة.
ومنه قولُ الشاعرِ
(1)
:
كَفَّاكَ كَفٌّ ما تُلِيقُ درهمَا
…
جُودًا وأخرى
(2)
تُعْطِ بالسيفِ الدَّمَا
وقيل: {لَا تَكَلَّمُ} . وإنما هو: لا تَتَكَلَّمُ. فحُذِفت إحدى التاءين؛ اجْتِزاءً بدلالةِ الباقيةِ
(2)
منهما عليها.
وقولُه: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} . [يقولُ: فمِن هذه النفوسِ التي لا تتكَلَّمُ يومَ القيامة إلا بإذن ربِّها، شقيٌّ وسعيدٌ]
(3)
، وعاد
(4)
على النفسِ، وهى فى ذِكْرِ
(5)
واحدةٍ، بذكرِ الجميعِ في قولِه:{فَمِنْهُمْ} ؛ [لأن النفسَ وإن كانت في لفظِ واحدةٍ، فإنها بمعنى الجميعِ، فلذلك قيل: {فَمِنْهُمْ]
(6)
شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}.
يقول تعالى ذكرُه: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا} [من هذه النفوسِ]
(6)
، {فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ}
(7)
وهو أولُ نُهاقِ الحمارِ وشِبْهِه، {وَشَهِيقٌ} . وهو آخرُ نَهِيقِه إذا ردَّده فى الجوفِ عندَ فراغِه مِن نُهاقِه، كما قال رُؤْبةُ بنُ العَجَّاجِ
(8)
:
حشْرَج
(9)
في الجوفِ سحِيلًا أو شَهَقْ
(1)
البيت في معاني القرآن للفراء 2/ 27، واللسان (ل ى ق)، بدون نسبة، وقوله:"ما تليق درهما" أي: ما تحبسه. كما في اللسان.
(2)
في ت 2: "الثانية".
(3)
سقط من: ت 1، س، ف.
(4)
في س: "دعا".
(5)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"لفظ"، وفى م:"اللفظ".
(6)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(7)
بعده فى م: "لهم".
(8)
ديوانه ص 106.
(9)
الحشرجة: تردد صوت النَّفَس، وهو الغرغرة فى الصدر. اللسان (ح ش ر ج)، والسحيل: الصوت الذي يدور فى صدر الحمار، وهو أيضا السُّحال. اللسان (س ح ل).
حتى يُقالَ ناهِقٌ وما نهَقْ
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} . يقولُ: صوتٌ
(1)
شديدٌ، وصوتٌ ضعيفٌ
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، [عن الربيعِ]
(3)
، عن أبي العاليةِ فى قولِه:{لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} . قال: الزفيرُ في الحَلْقِ، والشهيقُ في الصدرِ.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الربيعِ ابن أنسٍ، عن أبى العاليةِ بنحوِه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، قال: صوتُ الكافرِ فى النارِ صوتُ الحمارِ، أولُه زَفيرٌ، وآخرُه شَهِيقٌ
(4)
.
حدَّثنا أبو هشامٍ الرِّفاعيُّ ومحمدُ بنُ مَعْمَرٍ البَحْرانيُّ ومحمدُ بن المُثَنَّى ومحمدُ ابنُ بَشَّارٍ، قالوا: ثنا أبو عامرٍ، قال: ثنا سليمانُ بنُ سفيانَ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ
(1)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"ضرب".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2085، والبيهقى فى البعث (655) من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 3/ 350 إلى أبى الشيخ وابن مردويه.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
تفسير عبد الرزاق 2/ 49.
دينارٍ، عن ابنِ عمرَ، [عن عمرَ]
(1)
، قال: لمَّا نزَلَت هذه الآيةُ: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} . سأَلْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا نبيَّ اللهِ، فعلامَ عَمَلُنا؟ على شيءٍ قد فُرِغ منه أم على شيءٍ لم يُفْرَغْ منه؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"على شيءٍ قد فُرِغ منه يا عمرُ، وجرَت به الأقلامُ، ولكنْ كلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِق له"
(2)
. اللفظُ لحديثِ ابنِ مَعْمَرٍ.
وقولُه: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} . يعني بقولِه تعالى ذكرُه: {خَالِدِينَ فِيهَا} : لابِثين فيها. ويعنِى بقولِه: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} : أبدًا. وذلك أن العربَ إذا أرادت أن تَصِفَ الشيءَ بالدوامِ أبدًا، قالت: هذا دائمٌ دَوامَ السماواتِ والأرضِ. بمعنى أنه دائمٌ أبدًا، وكذلك يقولون: هو باقٍ ما اخْتَلَف الليلُ والنهارُ، وما سَمَر ابْنَا
(3)
سَمِيرٍ، وما لأْلأَتِ [العُفْرُ بأذنابِها]
(4)
. يعنُون بذلك كلِّه: أبدًا. فخاطَبَهم جلَّ ثناؤُه بما يتعارفونه
(5)
بينَهم، فقال: خالِدِينَ [في النارِ]
(6)
ما دامَتِ السَّمَاوَاتُ
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف. وفى م:"عنهما".
(2)
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (170)، والبزار (168) وابن عدى 3/ 1121 من طريق محمد بن المثنى به، وأخرجه الترمذى (3111) عن محمد بن بشار به، وأخرجه عبد بن حميد (20 - منتخب) وأبو يعلى -كما في تفسير ابن كثير 4/ 280 - وابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2084 من طريق أبي عامر به، وأخرجه ابن أبي عاصم (181) من طريق سليمان به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 349 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه، وسليمان بن سفيان ضعيف، وينظر مسند الطيالسي (11).
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"اتنا"، وفى م:"لنا". وقوله "سمر ابنا سمير" قيل: هم الناس يسمرون بالليل، وقيل: هو الدهر، وابناه الليل والنهار. اللسان (س م ر). وينظر المستقصى في أمثال العرب 2/ 249.
(4)
في ص، ت 2، ف:"العقربات بأنها" وفى ت 1، س:"العقوبات". والَّلأْلأة: التحريك، والعُفر: الظباء. ينظر مجمع الأمثال للميداني 3/ 174.
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"يتعارفون به".
(6)
في م، ت 2:"فيها" كنص الآية.
والأرْضُ. والمعنى في ذلك: خالدين فيها أبدًا.
وكان ابن زيدٍ يقولُ في ذلك بنحوٍ مما قلنا فيه.
حدَّثني يونُسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} . قال: ما دامَت الأرضُ أرضًا، والسماءُ سماءً
(1)
.
ثم قال جلّ ثناؤُه: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} . واختَلَف أهلُ العلمِ والتأويلِ في معنى ذلك؛ فقال بعضُهم: هذا استثناءٌ استثْناه اللهُ في أهلِ التوحيدِ [أنه يُخْرِجُهم]
(2)
من النار إذا شاء بعدَ أن أدْخَلَهم النارَ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، عن معمرٍ، عن قتادةَ في قولِه:{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} . قال: اللهُ أعلمُ بثُنْياه
(3)
. وقد ذُكِر لنا أن ناسًا يُصِيبُهم سَفْعٌ
(4)
من النارِ بذنوبٍ أصابوها، ثم يُدْخِلُهم الجنةَ
(5)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ} : واللهُ أعلمُ
(1)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 281.
(2)
في ت 2: "أنهم يخرجون".
(3)
الثُّنيا والثنية: ما استثنى. اللسان (ث ن ي).
(4)
سفع: علامة تغير ألوانهم. يقال: سفعت الشيء، إذا جعلت عليه علامة، يريد أثرا من النار. النهاية 2/ 374.
(5)
تفسير عبد الرزاق 1/ 312 وينظر مسند أحمد 20/ 100 (12662).
بثَنِيَّتِه
(1)
. ذُكِر لنا أن ناسًا يُصِيبُهم سَفْعٌ مِن النارِ بذنوبٍ أصابوها
(2)
، ثم يُدْخِلُهم اللهُ الجنةَ بفضلِ رحمتِه، يقالُ لهم: الجَهَنَّمِيُّون
(3)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا شيبانُ بنُ فَرُّوحَ، قال: ثنا أبو هلالٍ، قال: ثنا قتادةُ، وتلا هذه الآيةَ:{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} . إلى قولِه: {لِمَا يُرِيدُ} . فقال عندَ ذلك: ثنا أنسُ بنُ مالكٍ، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:"يَخْرُجُ قومٌ مِن النارِ". قال قتادةُ: ولا نقولُ ما يقولُ أهلُ حَرُوراءَ
(4)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، عن أبي مالكٍ -يعنى ثعلبةَ- عن أبي سِنانٍ فى قولِه:{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} قال: [استثنى به]
(5)
أهلَ التوحيدِ
(6)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن الضحاكِ بنِ مُزاحِمٍ:{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا} . إلى قولِه: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} . قال: يخرجُ قومٌ مِن النارِ، فيدخلون الجنةَ، فهم الذين استُثْنِى لهم
(7)
.
(1)
الثُّنيا والثنية: ما استثنى. اللسان (ث ن ى).
(2)
في ص، ف:"أصابهم"، وفى م، ت 1، ت 2:"أصابتهم".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2087 من طريق سعيد به بلفظ: الله أعلم بتثنيته على ما وقعت به.
(4)
أخرجه الطحاوى فى المشكل 14/ 347 من طريق شيبان به، وأخرجه الطحاوى أيضا 14/ 346، والبيهقي في البعث -كما في الفتح 11/ 426 - من طريق أبي هلال به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 350 إلى أبى الشيخ وابن مردويه، وأخرجه أحمد 21/ 334 (13839) والبخاري (6559) وغيرهما من طريق قتادة به، وينظر مسند الطيالسي (2122).
(5)
في ص، ت 1، ت 2، ف:"استثنى فى"، وفى م، س:"استثناء في".
(6)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 350 إلى أبى الشيخ.
(7)
سيأتى تخريجه في ص 585.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عامرِ بنِ جَشِيبٍ
(1)
، عن خالدِ بن مَعْدانَ في قولِه:{لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} . [النبأ: 23] وقولِه: {خَالِدِينَ فِيهَا} - {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} : إنهما فى أهلِ التوحيدِ
(2)
.
وقال آخرون: الاستثناءُ فى هذه الآيةِ فى أهلِ التوحيدِ. إلا أنهم قالوا: معنى قولِه: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} . إلا أن يَشَاءَ رَبُّك أن يَتَجاوَزَ عنهم فلا يُدْخِلَهم النارَ. ووجَّهوا الاستثناءَ إلى أنه من قولِه: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} - {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} لا مِن الخلودِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: ثنا ابنُ التَّيْميِّ، عن أبيه، عن أبي نَضْرةَ، عن جابرٍ، أو عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، أو عن رجلٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فى قولِه:{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} . قال: هذه الآيةُ تَأْتِى على القرآنِ كلِّه، يقولُ: حيث كان في القرآنِ: {خَالِدِينَ فِيهَا} . تَأْتِى عليه. قال: وسمِعْتُ أبا مِجْلَزٍ يقولُ: هو جزاؤُه، فإن شاء اللهُ تجاوَز عن عذابِه
(3)
.
(1)
فى م: "جشب"، وفي ت 1، ت 2، س:"حبيب"، وفى ف:"خبيب"، وغير منقوطة في ص، وينظر تهذيب الكمال 14/ 14.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2087 من طريق عبد الله بن صالح به دون آية سورة النبأ، وسيأتي في سورة النبأ.
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 313، وأخرجه إسحاق بن راهويه -كما في شفاء العليل ص 553 وحادى الأرواح ص 265 - والبيهقي في الأسماء والصفات (337) من طريق معتمر بن سليمان التيمي به، وأخرجه ابن الضريس وابن المنذر والطبراني -كما في الدر المنثور 3/ 350 - من طريق أبي نضرة به، وأخرجه أبو نعيم في الحلية 3/ 98، والبيهقى فى الأسماء والصفات (336) وفي الاعتقاد ص 84 من طريق الجريري، عن أبي نضرة من قوله. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 350 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.
وقال آخرون: عُنِى بذلك أهلُ النارِ، وكلُّ مَن دخَلَها.
ذكرُ مَن قال ذلك
حُدِّثتُ عن المسيبِ، عمَّن ذكَره، عن ابنِ عباسٍ:{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} : لا يَموتون، ولا هم منها يُخْرَجون، ما دامت السماواتُ والأرضُ، {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}. قال: استثنَى
(1)
اللهُ، قال: يَأْمُرُ النارَ أَن تَأْكُلَهم. قال: وقال ابنُ مسعودٍ: لَيَأْتِيَنَّ على جهنم زمانٌ تَخْفِقُ أبوابُها ليس فيها أحدٌ، وذلك بعد ما يَلْبَثون فيها أحقابًا
(2)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن بَيانٍ، عن الشعبيِّ، قال: جهنمُ أسرعُ الدارين عُمْرانًا، وأسرعُهما خَرابًا
(3)
.
وقال آخرون: أَخْبَرنا اللهُ بمشيئتِه لأهلِ الجنةِ، فعرَّفَنا معنى ثُنْياه بقولِه:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . أنها فى الزيادةِ على مقدارِ مدةِ السماواتِ والأرضِ. قالوا: ولم يُخْبِرْنا بمشيئتِه فى أهلِ النارِ، وجائزٌ أن تكونَ مشيئتُه فى الزيادةِ، وجائزٌ أن تكونَ في النقصانِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يونُسُ، قال: أَخْبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} . فقرَأ حتى بلَغ
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"استثناء".
(2)
ذكره ابن القيم في شفاء العليل ص 556، وحادي الأرواح ص 265. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 350 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ عن إبراهيم عن ابن مسعود.
(3)
ذكره ابن القيم في شفاء العليل ص 556، وحادى الأرواح ص 266 عن المصنف.
{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . قال: فأخبَرنا الذي يَشاءُ لأهلِ الجنةِ، فقال:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . ولم يُخْبِرْنا بالذى يَشاءُ لأهلِ النارِ
(1)
.
وأولى هذه الأقوالِ في تأويلِ هذه الآية بالصوابِ القولُ الذي ذكَرْناه عن قتادةَ والضحاكِ، من أن ذلك استثناءٌ فى أهلِ التوحيدِ من أهلِ الكبائرِ أنه مُدْخِلُهم النارَ، فتاركُهم
(2)
فيها أبدًا، إلا ما شاء من تركِهم فيها أقلَّ من ذلك، ثم يُخْرِجُهم منها فيُدْخِلُهم الجنةَ. كما
(3)
قد بيَّنَّا في غيرِ هذا الموضعِ بما أغْنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ
(4)
.
وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوالِ فى ذلك بالصحةِ؛ لأنَّ اللهَ، عز وجل، قد أَوْعَد أهلَ الشركِ به الخلودَ في النارِ، وتَظاهَرَت بذلك الأخبارُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فغيرُ جائزٍ أن يكونَ استثناءً فى أهلِ الشركِ، وأن الأخبارَ قد تَواتَرَت عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن اللهَ يُدْخِلُ قومًا مِن أهلِ الإيمانِ به بذنوبٍ أصابوها النارَ، ثم يُخْرِجُهم منها فيُدْخِلُهم الجنةَ، فغيرُ جائزٍ أن يكونَ ذلك استثناءً فى أهلِ التوحيدِ قبلَ دخولِها، مع صحةِ الأخبارِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بما ذكَرْنا، وأنّا إن جعَلْناه استثناءً في ذلك، كنا قد دخَلْنا في قولِ مَن يقولُ: لا يَدْخُلُ الجنةَ فاسقٌ، ولا النارَ مؤمنٌ. وذلك خلافُ مذاهبِ
(5)
أهلِ العلمِ، وما جاءت به الأخبارُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإذا فسَد هذانِ القولانِ
(6)
، فلا قولَ قال به القُدْوةُ من أهلِ العلمِ إلا الثالثُ. ولأهلِ العربيةِ في
(1)
ذكره ابن القيم فى حادى الأرواح ص 266 عن المصنف.
(2)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف، وفى م:"خالدين".
(3)
فى ص، م، ت 1، س، ف:"كذا".
(4)
ينظر ما تقدم 7/ 350.
(5)
في ت 2: "يذهب".
(6)
في م: "الوجهان".
ذلك مذهبٌ غيرُ ذلك سنَذْكُرُه بعدُ، ونبَيِّنُه إن شاءَ اللهُ تعالى.
وقولُه: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} . يقولُ عز وجل: إِنَّ رَبَّك يا محمدُ لا يَمْنَعُه مانعٌ عن فعلِ ما أرادَ
(1)
فعلَه بمَن عصاه وخالَف أمرَه، مِن الانتقامِ منه، ولكنه يَفْعَلُ ما يَشاءُ، فيَمْضِى فعلُه فيهم وفيمَن شَاءَ مِن خلقِه؛ فعلُه وقضاؤُه.
[القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)}]
(2)
.
اختلَفتِ القرأةُ فى قراءةِ ذلك؛ فقرَأتَه عامةُ قرأةِ المدينةِ والحجازِ والبصرةِ وبعضُ الكوفيين: (وأما الذين سَعِدوا) بفتحِ السينِ
(3)
.
وقرَأ ذلك جماعةٌ من قرأةِ الكوفيين {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} بضمِّ السينِ
(4)
، بمعنى: رُزِقوا السعادةَ.
والصوابُ مِن القولِ فى ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ الصوابَ.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {سُعِدُوا} . فيما لم يُسَمَّ فاعلُه، ولم يُقَلْ:"أُسْعِدوا"، وأنت لا تقولُ في الخبرِ فيما سُمِّى
(5)
فاعلُه: سعَده اللهُ. بل إنما تقولُ:
(1)
بعده فى ص، ت 2، س، ف:"من".
(2)
سقط من: م.
(3)
هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر. ينظر السبعة ص 339، والتيسير ص 103، والكشف 536.
(4)
هى قراءة حمزة والكسائى وعاصم فى رواية حفص. ينظر السابق.
(5)
في الأصل: "لم يسمَّ".
أسْعَده اللهُ؟ قيل: ذلك نظيرُ قولِهم: هو مجنونٌ، محبوبٌ فيما لم يُسَمَّ فاعلُه، فإذا سَمَّوْا فاعلَه، قالوا: أجَنَّه اللهُ وأحَبَّه. والعربُ تفعلُ ذلك كثيرًا. وقد بيَّنا بعضَ ذلك فيما مضَى مِن كتابِنا هذا.
وتأويلُ ذلك: وأما الذين سُعِدوا برحمةِ اللهِ، فهم
(1)
في الجنةِ، خالدين فيها {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}. يقولُ: أبدًا {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} .
واخْتَلَف أهلُ التأويلِ فى معنى ذلك؛ فقال بعضُهم: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} ، من قدرِ ما مكَثُوا في النارِ، قبلَ دخولِهم الجنةَ، قالوا: وذلك فيمَن أُخْرِج مِن النارِ مِن المؤمنين فأُدْخِل الجنةَ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ
(2)
، عن الضحاكِ فى قولِه:{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} . قال: هو أيضًا في الذين يَخْرُجون من النارِ، فيَدْخُلون الجنةَ، يقولُ: خالدين فى الجنةِ ما دامت السماواتُ والأرضُ، {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}. يقولُ: إلا ما مكَثُوا فى النارِ حتى أُدْخِلُوا الجنةَ
(3)
.
(1)
فى ت 2: "فيهم".
(2)
بعده في الأصل: "عن قتادة". وينظر مصدر التخريج.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2087، 2088 عن محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه الثوري في تفسيره ص 134 عن رجل عن الضحاك نحوه. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 350 إلى أبي الشيخ. وينظر حادي الأرواح ص 255.
وقال آخرون: معنى ذلك: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} مِن الزيادةِ على قدرِ مدةِ دَوامِ
(1)
السماواتِ والأرضِ، قالوا
(1)
: وذلك هو الخلودُ فيها
(1)
أبدًا.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، عن أبي مالكٍ -يعنى ثعلبةَ- عن أبي سنانٍ:{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} . قال: ومشيئتُه خلودُهم فيها، ثم أَتْبَعها فقال:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}
(2)
.
واخْتَلَف أهلُ العربيةِ فى وجهِ الاستثناءِ فى هذا الموضعِ؛ فقال بعضُهم
(3)
: في ذلك معنيان؛ أحدُهما: أن تَجْعَلَه استثناءً يَسْتَثْنِيه ولا
(4)
يَفْعَلُه، كقولِك: واللهِ لأَضْرِبَنَّك، إلا أن أرَى غيرَ ذلك. وعزمُك
(5)
على ضربِه، قال: فكذلك قال: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} . ولا يَشاؤُه.
قال: والقولُ الآخرُ: أن العرب إذا اسْتَثْنَت شيئًا كثيرًا مع مثلِه، ومع ما هو أكثرُ منه، كان معنى إلا، ومعنى الواو سَوَاءٌ
(6)
. فمن ذلك قولُه: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} ، سوى ما شاء اللهُ مِن زيادةِ الخلودِ. فَيَجْعَلُ "إلا" مكانَ "سوى"
(7)
فيَصْلُحُ، وكأنه قال: خالدين فيها ما دامت السماواتُ والأرضُ سوى
(1)
سقط من: الأصل.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2088 من طريق يعقوب به.
(3)
معاني القرآن للفراء 2/ 28.
(4)
سقط من: الأصل، ص، ف، والمثبت موافق لمعاني القرآن.
(5)
في معاني القرآن: "وعزيمتك".
(6)
في م: "سوى".
(7)
فى ت 1، ت 2، س:"سواء".
ما زادهم من الخلودِ والأبَدِ. ومثلُه فى الكلامِ أن تقول: لى عليك ألفٌ إلا الألفين اللذين قبلَها
(1)
. قال: وهذا أحبُّ الوجهين إليَّ؛ لأن اللهَ لا خُلْفَ لوعدِه. وقد وصَل الاستثناءَ بقولِه: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . فدلَّ على أن الاستثناءَ لهم
(2)
في الخلودِ غيرُ مُنْقَطِعٍ عنهم.
وقال آخرون
(3)
منهم بنحوِ هذا القولِ، وقالوا: جائزٌ فيه وجهٌ ثالثٌ، وهو أن يكونَ اسْتَثْنَى مِن خلودِهم فى الجنةِ احْتِباسَهم عنها ما بينَ الموتِ والبعثِ؛ وهو البرزخُ، إلى أن يَصِيروا إلى الجنةِ، ثم هو خلودُ الأبدِ
(4)
، يقولُ: فلم يَغِيبوا عن الجنةِ إلا بقدرِ إقامتِهم في البرْزَخِ.
وقال آخرون
(5)
منهم: جائزٌ أن يكون دَوامُ السماواتِ والأرضِ بمعنى الأبدِ
(6)
على ما تَعْرِفُ العربُ، وتَسْتَعْمِلُ وتَسْتَثْنى المَشيئةَ مِن دَوامِها؛ لأن أهلَ الجنةِ وأهلَ النارِ قد كانوا فى وقتٍ من أوقاتِ دَوامِ السماءِ
(7)
والأرضِ في الدنيا، لا فى الجنةِ، فكأنه قال: خالدين فى الجنةِ وخالدين في النارِ دوامَ السماءِ والأرضِ، إلا ما شاء ربُّك مِن تعميرِهم في الدنيا قبلَ ذلك.
وأولى الأقوالِ فى ذلك عندى بالصوابِ القولُ الذي ذكَرْتُه عن الضحاكِ؛
(1)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قبله"، وفى معانى القرآن للفراء:"من قبل فلان". والمثبت من الأصل.
(2)
بعده فى م: "بقوله".
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"آخر".
(4)
في ت 1، ت 2، س، ف:"الآية".
(5)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"آخر".
(6)
في ت 2: "الآية".
(7)
في م، ت 2، ف:"السماوات".
وهو: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
(1)
إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} مِن قدرِ مُكْثِهم فى النارِ، مِن لَدُنْ دخَلوها
(2)
، إلى أن أُدْخِلوا
(3)
الجنةَ، وتكونُ الآيةُ معناها الخصوصُ؛ لأن الأشهرَ من كلامِ العربِ في "إلا" توجيهُها إلى معنى الاستثناءِ، وإخراجُ معنى ما بعدَها مما قبلَها، إلا أن يكونَ معها دَلالةٌ تدُلُّ على خلافِ ذلك، ولا دلالةَ في الكلامِ -أعنى في قولِه:{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} - تَدُلُّ على أن معناها غيرُ معنى المفهومِ في
(4)
الكلامِ، فيُوَجَّهَ
(5)
إليه.
وأما قولُه: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . فإنه يعنى عطاءً مِن اللهِ غيرَ مقطوعٍ عنهم، من قولِهم: جذَذْتُ الشيءَ أَجُذُّه جَذًّا: إذا قطَعْتَه. كما قال النابغةُ
(6)
:
تَجُذُّ السَّلُوقيَّ
(7)
المُضَاعَف نَسْجُه
…
ويُوقِدْنَ بالصُّفَّاحِ
(8)
نارَ الحُبَاحِبِ
(9)
يعنى بقولِه: تَجُذُّ: تَقْطَعُ.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا المحاربيُّ، عن جُوَيْبَرٍ، عن الضحاكِ: {عَطَاءً غَيْرَ
(1)
بعده في الأصل: "أبدا".
(2)
فى ص، ت 1، ت 2، س:"دخولها".
(3)
فى ت 1، ت 2، س، ف:"دخلوا".
(4)
فى ت 1: "من".
(5)
في الأصل: "فيوجهه".
(6)
ديوانه ص 61.
(7)
السلوقي: الدروع السلوقية نسبة إلى سلوق؛ وهى قرية باليمن. معجم البلدان 3/ 125.
(8)
في الأصل: "الصفاج". والصفاح: حجارة عراض رقاق. التاج (ص ف ح).
(9)
نار الحباحب: ما اقتدح من شرر النار فى الهواء، من تصادم الحجارة. اللسان (ح ب ح ب).
مَجْذُوذٍ}. يقولُ: غيرَ مقطوعٍ
(1)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . يعنى
(2)
: غيرَ مُنْقَطِعٍ
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . يقولُ: عطاءً غيرَ مُنْقطعٍ
(4)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مَجْذُوذٍ} . قال: مقطوعٍ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن وَرْقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . قال: غيرَ مقطوعٍ
(5)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(6)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن أبيه، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ مثلَه
(7)
.
(1)
ذكره الطوسي في التبيان 6/ 71.
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"يقول".
(3)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2088 معلقًا.
(4)
في ص، م، ت 2:"مقطوع". والأثر أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره -كما في الإتقان 2/ 20 - والبيهقي في البعث (664) من طريق عبد الله به، وتقدم أوله ص 577.
(5)
تفسير مجاهد ص 391.
(6)
سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.
(7)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2088 من طريق عبد الله بن أبي جعفر به.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ، [عن مجاهدٍ]
(1)
مثلَه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الربيعِ بنِ أنسٍ، عن أبى العاليةِ قولَه:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . قال: أما هذه فقد أمْضاها، يقولُ: عطاءً غيرَ مُنْقَطِعٍ.
حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . يقولُ: غيرَ منزوعٍ منهم.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: فلا تَكُ في شَكٍّ يا محمدُ مما يَعْبُدُ هؤلاء المشركون من قومك من الآلهةِ والأصنامِ -أنه ضلالٌ وباطلٌ، وأنه باللهِ شركٌ، [{مَا يَعْبُدُونَ}. يقولُ]
(2)
. ما يَعْبُدُ هؤلاء [المشركون ذلك]
(2)
، {إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ}. يقولُ: إلا كعبادةِ آبائِهم إيَّاها
(3)
مِن قبلِ عبادتِهم لها. يُخْبِرُ تعالى ذكرُه أنهم لم يَعْبُدوا ما عبَدوا مِن الأوثانِ إلا اتِّباعًا منهم مِنْهَاجَ آبائِهم، واقتفاءً منهم آثارَهم في عبادتِهموها، لا عن أمرِ الله إياهم بذلك، ولا لحجةٍ
(4)
تَبَيَّنوها
(5)
تُوجِبُ عليهم عبادتَها.
(1)
سقط من: م.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"بحجة".
(5)
فى ت 1، ت 2:"يثبتوها".
ثم أخْبَر جلَّ ثناؤُه نبيَّه ما هو فاعلٌ بهم؛ لعبادتِهم ذلك، فقال جلَّ ثناؤُه:{وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} . يعنى: حظَّهم مما وعَدْتُهم أن أُوَفِّيَهموه، مِن خيرٍ أو شرٍّ، {غَيْرَ مَنْقُوصٍ}. يقولُ: لا أَنْقُصُهم مما وعَدْتُهم، بل أُتَمِّمُ ذلك لهم على التَّمامِ والكَمالِ.
كما حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابنِ عباسٍ:{وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} . قال: ما وُعِدوا فيه مِن خيرٍ أو شرٍّ
(1)
.
حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيمٍ؛ الفضلُ بنُ دكين، قال: ثنا سفيانُ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابنِ عباسٍ:{وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} . قال: ما قدِّر لهم من خيرٍ أو شرٍّ.
حدَّثنا أبو كريبٍ ومحمدُ بنُ بشارٍ، قالا: ثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابنِ عباسٍ مثلَه، إلا أن أبا كُرَيْبٍ قال في حديثِه: مِن خيرٍ وشرٍّ
(2)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: أخبَرنا سُوَيْدٌ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن شَريكٍ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابنِ عباسٍ:{وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} . قال: ما قُدِّر لهم مِن الخيرِ والشرِّ.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه: {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2089 من طريق وكيع به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 351 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
تفسير سفيان الثوري ص 134، 135.
غَيْرَ مَنْقُوصٍ}. قال: ما يُصِيبُهم مِن خيرٍ أو شرٍّ
(1)
.
حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} . قال: نُوَفِّيهم
(2)
نصيبَهم مِن العذابِ [غيرَ منقوصٍ]
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)} .
يقولُ تعالى ذكرُه مُسَلِّيًا نبيَّه، عليه السلام، فى تكذيبِ مشرِكي قريشٍ؛ قومِه إيَّاه فيما أتاهم به من عندِ اللهِ بفعْلِ بنى إسرائيلَ بموسَى فيما أتاهم به من عندِ اللهِ، يقولُ له تعالى ذكرُه: ولا يحزُنْك يا محمدُ تكذيبُ هؤلاء المشركين لك، وامضِ لما أمَرك به ربُّك، مِن تبليغِ رسالتِه، فإنَّ الذى يفعَلُ بك هؤلاء؛ من ردِّ ما جئتَهم به عليك من النصيحةِ، من فعلِ ضُرَبائِهم من الأممِ قبلَهم، وسنةٌ من سُننِهم.
ثم أخبَره جلّ ثناؤُه بما فعَل قومُ موسَى به، فقال:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} . يعنى: التوراةَ. كما آتيناك الفرقانَ، فاختلَف في ذلك الكتابِ قومُ موسَى، فكذَّب به بعضُهم وصدَّق به بعضُهم، كما قد فعَل قومُك بالفُرْقانِ؛ من تصديقِ بعضٍ به، وتكذيبِ بعضٍ، {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ}. يقولُ تعالى ذكرُه: ولولا كلمةٌ سبقَتْ يا محمدُ من ربِّك، بأنه لا يُعجِّلُ على خلْقِه بالعذابِ، ولكن يتأنَّى حتى يبلُغَ الكتابُ أجلَه، {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}. يقولُ: لقضَى بينَ المكذِّبِ منهم به والمصدِّقِ، بإهلاكِ اللهِ المكذِّبَ به منهم،
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 313.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
سقط من: م، ت 1، ت 2، س، ف. والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2089 من طريق آخر عن ابن زيد به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 351 إلى أبى الشيخ.
وإنجائِه المصدِّقَ به، {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ}. يقولُ: وإن المكذِّبين به منهم لفي شَكٍّ من حقيقَتِه، أنه من عندِ اللهِ، {مُرِيبٍ}. يقولُ: يُريبُهم فلا يدْرُونَ أحقٌّ هو أمْ باطلٌ؟ ولكنَّهم فيه مُمتَرونَ.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)} .
اختلَفت القرأةُ فى قراءةِ ذلك؛ فقرأَتْه جماعةٌ مِن قرأةِ أهلِ المدينةِ والكوفةِ: {وَإِنَّ} مُشدَّدةً، {كُلًّا لَمَّا} مُشدَّدةً
(1)
.
واختلَف أهلُ العربيةِ فى معنى ذلك [إذا قُرِئَ كذلك]
(2)
؛ فقال بعضُ نحويِّى الكُوفيين: معناه -إذا قُرِئَ كذلك-: وإِنَّ كلًّا لَمِمَّا ليوفِيَنَّهم رَبُّك أعمالَهم، ولكن لما اجتَمَعت الميماتُ حُذِفت واحدةٌ، فبَقِيت ثِنتانِ، فأُدْغِمَت واحدةٌ فى الأخرَى، كما قال الشاعرُ
(3)
:
وإني لَمِمَّا
(4)
أُصْدِرُ الأَمْرَ وَجْهَهُ
…
إذَا هُوَ أعيا بالسَّبيلِ
(5)
مَصَادِرُه
ثم تُخفَّفُ. كما قرَأ بعضُ القرأةِ: {وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ} [النحل: 90]. بحذفِ
(6)
الياءِ مع الياءِ
(7)
، وذكَر أن الكسائيَّ أنشَده
(3)
:
(1)
هي قراءة حمزة وابن عامر وحفص. السبعة لابن مجاهد ص 339، 340، والنشر 2/ 218، 219، والكشف 2/ 536، 537، وحجة القراءات ص 350.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
البيت فى معانى القرآن للفراء 2/ 29 غير منسوب.
(4)
فى م: "لما".
(5)
فى م: "بالنبيل".
(6)
في م: "يخفف".
(7)
ينظر معانى القرآن 2/ 29، وهي قراءة شاذة.
وأشْمَتَّ العُدَاةَ
(1)
بِنا فَأَضْحَوْا
(2)
…
لَدَيَّ تَبَاشَرُونَ
(3)
بِمَا لَقِينا
وقال: يريدُ: لَدَيَّ يتَباشرون بما لَقِينا، فحذَف ياءً؛ لحركَتهِن واجتماعِهن. قال: ومثلُه
(4)
:
كأنَّ مِنْ آخِرِها إلْقادِمِ
…
مَخْرِمَ
(5)
نَجْدٍ فارغَ
(6)
المَخارِمِ
وقال: أراد إلى القادمِ، فحذَف اللامَ عندَ اللامِ.
وقال آخرون: معنَى ذلك، إذا قُرِئَ كذلك:{وَإِنَّ كُلًّا} : شديدًا وحقًّا، {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} . قالوا
(7)
: وإنما يُرادُ إذا قُرِئَ ذلك كذلك: (وَإِنَّ كُلًّا لمًّا) بالتَّشديدِ والتنوينِ
(8)
، ولكن قارِئُ ذلك كذلك حذَف منه التنوينَ، فأخرَجه على لفظِ "فَعْلَى":"لَمَّا"، كما فعَل ذلك في قولِه:{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} [المؤمنون: 44] فقرَأ بعضُهم: (تترًى) بالتنوينِ -كما قرَأ من قرَأ: (لَمًّا) بالتنوينِ
(9)
- وقرأها آخرون بغيرِ تنوينٍ، كما قرَأ:(لَمَّا) مَن قرأه بغيرِ تنوينٍ
(10)
. وقالوا: أصلُه مِن اللَّمَمِ مِن قولِ اللهِ تعالى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا} [الفجر: 19]. يعنى: أكلًا شديدًا.
وقال آخرون: معنَى ذلك، إذا قُرِئَ كذلك: وإنَّ كُلَّا "إِلَّا" لَيُوفيَنَّهم؛ كما
(1)
في ص، ت 2، س:"الأعداء".
(2)
في س، ف:"فأصبحوا".
(3)
في م: "يتباشرون".
(4)
البيت في معانى القرآن للفراء 2/ 29، واللسان (ق د م) بغير نسبة.
(5)
المخرم: منقطع أنف الجبل، وقيل: الطرق في الجبال وأفواه الفجاج. اللسان (خ ر م).
(6)
فى م، ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فارع".
(7)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قال".
(8)
هي قراءة الزهري، وينظر معانى القرآن 2/ 30، ومختصر الشواذ ص 66.
(9)
سيأتى تخريج هذه القراءة فى سورة المؤمنون 17/ 49، 50.
(10)
قراءة (لمّا) بالتشديد هى قراءة عاصم وابن عامر وحمزة، وقراءة التخفيف هي قراءة الباقين وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي. التيسير ص 103.
يقولُ القائلُ: [باللَّهِ لَمّا]
(1)
قُمْتَ عنَّا، وباللهِ إِلَّا قُمْتَ عنَّا. ووجَدْتُ عامةَ أهلِ العلمِ بالعربيةِ يُنْكِرون هذا القولَ، ويأبَون أن يكونَ جائزًا توجِيهُ "لَمَّا" إلى معنى "إلَّا" إلا
(2)
في اليمينِ خاصةً؛ وقالوا: لو جاز أن يكونَ ذلك بمعنى "إلا"، لجاز أن يُقالَ: قامَ القومُ لمَّا
(3)
أخاكَ. بمعنى: إلَّا أخاك، ودُخولُها في كلِّ مَوضِعٍ صلُح دخولُ "إِلَّا" فيه.
وأنا أرَى
(4)
أن ذلك فاسدٌ من وجهٍ هو أبْيَنُ مما قالَه الذين حكَيْنا قولَهم مِن أهلِ العربيةِ [في فساده]
(5)
، وهو أنّ "إنَّ"
(6)
إثباتٌ للشيءِ وتحقيقٌ له، وإلَّا أيضًا تحقيقٌ وإيجابٌ
(7)
، وإنما تدخُلُ نقضًا لجحدٍ قد تقدَّمها، فإذا كان ذلك معناها، فواجِبٌ أن تكونَ عندَ متأوِّلِها التأويلَ الذي ذكَرنا عنه، أن تكون "إنَّ"
(8)
بمعنى الجحْدِ عندَه، حتى تكونَ "إلَّا" نقضًا لها، وذلك، إن قاله قائلٌ، قولٌ لا يخفَى جَهْلُ قائلِه، اللهمَّ إلا أن يُخفِّفَ قارئُ "إنَّ" فيجعَلها بمعنى:"إنْ" التي تكونُ بمعنى الجحْدِ، وإن فعَل ذلك فسَدت قراءتُه ذلك كذلك أيضًا من وجهٍ آخرَ، وهو أنه يصيرُ حينئذٍ ناصبًا الكُلَّ
(9)
بقولِه: {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} . وليس فى العربيةِ أن يَنْصِبَ ما بعدَ "إِلَّا" من الفعلِ الاسمَ الذى قبلَها؛ لا تقولُ العربُ: ما زيدًا
(10)
إِلَّا ضرَبْتُ،
(1)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"لقد".
(2)
سقط من: م، ت 1، س، ف.
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"إلا".
(4)
في س: "أدرى".
(5)
فى م: "إن في فساده".
(6)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(7)
فى ص، م، ت 2، س، ف:"أيضًا"، وفي ت 1:"له".
(8)
سقط من: م.
(9)
في م: "لكل".
(10)
فى ت 1، ت 2، س، ف:"زيد".
فيَفْسُدُ ذلك إذا قُرِئَ كذلك مِن هذا الوجهِ، إلا أن يَرْفَعَ رافعٌ الكلَّ، فيُخالِفَ بقراءتِه ذلك كذلك قراءةَ القرأةِ وخطَّ مصاحفِ المسلمين، ولا يَخْرُجَ بذلك مِن العيبِ لخروجِه
(1)
مِن معروفِ كلامِ العربِ.
وقد قرَأ ذلك بعضُ قرأةِ الكوفيين: (وإنْ كلًّا) بتخفيفِ "إِنَّ"، ونصبِ:{كُلًّا لَمَّا} مشددةً
(2)
.
وزعَم بعضُ أهلِ العربيةِ أن قارئَ ذلك كذلك أراد "إنَّ" الثقيلةَ فخفَّفها. وزُعِم
(3)
عن أبي زيدٍ البصريِّ أنه سمِع: كأَنْ ثَدْيَيْه حُقَّانِ، فنصَب بكأنْ، والنونُ مخففةٌ من كأنَّ، ومنه قولُ الشاعرِ
(4)
:
ووجهٍ مشرقِ النَّحْرِ
…
كأَنْ تَدْيَيْه حُقَّانِ
وقرَأ ذلك بعضُ المدنيين: بتخفيفِ "إنَّ" ونصبِ "كُلًّا" وتخفيفِ "لَمّا"
(5)
.
وقد يَحْتَمِلُ أن يكونَ قارئُ ذلك كذلك قصَد المعنى الذى حكَيْناه عن قارئ الكوفةِ، مِن تخفيفِه نونِ "إنَّ"، وهو يُريدُ تشديدَها، ويُرِيدُ بـ "ما" التي في "لَمَا""ما "
(6)
التي تَدْخُلُ في الكلامِ صلةً، وأن يَكونَ قصَد إلى تحميلِ الكلامِ معنَى: وإنْ كلًّا لَيُوَفِّيَنَّهم.
(1)
في ص، م، ت 1، ف:"بخروجه".
(2)
هو عاصم في رواية أبي بكر، ينظر السبعة لابن مجاهد ص 339، 340، والتيسير في القراءات السبع ص 103، والكشف عن وجوه القراءات السبع 1/ 536، 537، وحجة القراءات ص 350.
(3)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"ذكر".
(4)
البيت فى الخزانة 10/ 398، وسيبويه 2/ 135.
(5)
هى قراءة نافع وابن كثير. السبعة ص 339، والتيسير ص 103.
(6)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
وقد يجوزُ أن يكونَ معناه، كان في قراءتِه ذلك كذلك: وإِن كُلًّا لَيُوَفِّيَنَّهم؛ أى: ليُوَفِّيَنَّ كُلًّا، فتكونَ نيَّتُه فى نصبِ كلٍّ كانت بقولِه:{لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} . فإن كان ذلك أراد، ففيه مِن القُبحِ ما ذكَرْتُ مِن خلافِه كلامَ العربِ، وذلك أنها لا تَنْصِبُ بفعلٍ بعدَ لامِ اليمينِ اسمًا قبلَها.
وقرَأ ذلك بعضُ أهلِ الحجازِ والبصرةِ: (وإنَّ) مشددةً، (كُلًّا لَمَا) مخففةً، {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ}
(1)
. ولهذه القراءةِ وجهان من المعنى؛ أحدُهما: أن يكونَ قارِئُها أراد: وإنَّ كلًّا لَمَن ليُوَفِّيَنَّهم ربُّك أعمالَهم، فيُوجِّهَ "ما" التي في "لَمَا" إلى معنى "مَن"، كما قال جلَّ ثناؤُه:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]. وإن كان أكثرُ استعمالِ العربِ لها فى غيرِ بنى آدمَ، ويَنْوِى باللامِ التي في "لَمَا" اللامَ التى تُتَلَقَّى بها "إنْ" جوابًا لها، وباللامِ التى فى قولِه:{لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} لامَ اليمينِ، دَخَلَت فيما بينَ "ما" وصلتِها، كما قال جلَّ ثناؤُه:{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} [النساء: 72]. وكما يقالُ: هذا ما لَغَيرُه أَفْضَلُ منه.
والوجهُ الآخرُ: أن يَجْعَلَ "ما" التى فى "لَمَا" بمعنى "ما" التي تَدْخُلُ صلةً في الكلامِ، واللامُ التي فيها هى اللامُ التي يُجابُ بها، واللامُ التي في {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} هي أيضًا اللامُ التى يُجابُ بها "إنَّ"، كُرِّرَت وأُعِيدَت، إذ كان ذلك موضعَها، وكانت الأُولى مما تُدْخِلُها العربُ في غيرِ موضعِها، ثم تُعِيدُها بعدُ في موضعِها، كما قال الشاعرُ
(2)
:
فلو أنَّ قَوْمِي لم يَكُونوا أَعِزَّةً
…
لَبَعْدُ لَقَدْ لاقَيْتُ لا بُدَّ مَصْرَعِى
(3)
(1)
هي قراءة أبي عمرو والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص 339.
(2)
البيت في معاني القرآن للفراء 2/ 30.
(3)
في م، ومصدر التخريج:"مصرعا".
وقرَأ ذلك الزهريُّ فيما ذُكِر عنه: (وإنَّ كُلًّا لَمًّا). بتشديدِ: إِنَّ" و "لَمًّا" وتنوينِها، بمعنى: شديدًا وحقًّا وجميعًا
(1)
.
وأصحُّ هذه القراءاتِ مَخْرَجًا على كلامِ العربِ المُسْتَفِيض فيهم، قراءةُ مَن قرأه:{وَإِنَّ} بتشديدِ نونِها، (كُلًّا لَمَا) بتخفيفِ ما، {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ}. بمعنى: وإِنَّ كلَّ هؤلاء الذين قصَصْنا عليك يا محمدُ قَصَصَهم في هذه السورةِ، لَمَن لَيُوَفِّيَنَّهم ربُّك أعمالَهم؛ بالصالحِ منها الجزيلَ
(2)
مِن الثوابِ، وبالطالحِ منها الشديدَ
(3)
مِن العقابِ، فتكونُ "ما" بمعنى "مَن"، واللامُ التي فيها جوابًا لـ "إِنَّ"، واللامُ التي
(4)
في قولِه: {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} لامُ قسمٍ.
وقولُه: {إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} . يقولُ تعالى ذكرُه: إِنَّ ربَّك بما يَعْمَلُ هؤلاء المشركون باللهِ، مِن قومِك يا محمدُ، {خَبِيرٌ} لا يَخْفَى عليه شيءٌ مِن عملِهم، بل يَخْبُرُ ذلك كلَّه، ويَعْلَمُه ويُحِيطُ به، حتى يُجازِيَهم على جميعِ ذلك جزاءَهم.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: فاسْتَقِمْ أنت يا محمدُ على أمرِ ربِّك، والدينِ الذي ابْتَعَثك به، والدعاءِ إليه، كما أمَرَك ربُّك، {وَمَنْ تَابَ مَعَكَ}. يقولُ: ومَن رجَع معك إلى طاعةِ اللهِ، والعملِ بما أمَرَه به ربُّه مِن بعدِ كفرِه به،
(1)
ينظر شواذ القرآن لابن خالويه ص 66، وحجة القراءات ص 351، والتبيان 6/ 75.
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"بالجزيل".
(3)
في م: "بالشديد".
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
{وَلَا تَطْغَوْا} . يقولُ: ولا تَعْدُوا أمرَه إلى ما نهاكم عنه، {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. يقولُ: إن ربَّكم أيُّها الناسُ بما تَعْمَلون مِن الأعمالِ كلِّها؛ طاعتِها ومعصيتِها {بَصِيرٌ} : ذو علمٍ بها، لا يَخْفَى عليه منها شيءٌ، وهو لجميعِها مُبصِرٌ. يقولُ تعالى ذكرُه: فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها الناسُ، أن يَطَّلِعَ عليكم ربُّكم، وأنتم عامِلون بخلافِ أمرِه، فإنه ذو علمٍ بما تَعْمَلون، وهو لكم بالمِرْصادِ.
وكان ابنُ عُيَيْنَةَ يقولُ في معنى قولِه: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} . ما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ، عن سفيانَ في قولِه:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} . قال: اسْتَقِمْ على القرآنِ
(1)
.
حدَّثني يونُسُ
(2)
، قال: أخْبَرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَلَا تَطْغَوْا} . قال: الطغيانُ خِلافُ اللهِ، وركوبُ معصيتِه، ذلك الطغيانُ
(3)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ولا تَمِيلوا أيُّها الناسُ إلى قولِ هؤلاء الذين كفَروا باللهِ، فتَقْبَلوا منهم وتَرْضَوْا أعمالَهم، {فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} بفعلِكم ذلك، ومالكم مِن دونِ اللهِ مِن ناصرٍ يَنْصُرُكم، وولىٍّ يَلِيكم، {ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}. يقولُ: فإنكم إن فعَلْتُم ذلك لم يَنْصُرْكم اللهُ، بل يُخَلِّيكم مِن نُصْرتِه، ويُسَلِّطُ عليكم عدوَّكم.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(1)
عزاه السيوطى فى الدر المنثور 3/ 351 إلى أبى الشيخ.
(2)
في ف: "المثنى".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2089 من طريق آخر عن ابن زيد به.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثنا معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه: [{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} . يقولُ: ولا تذهبوا
(1)
.
وحدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثني عمِّي، قال: حدَّثني أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه]
(2)
: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}
(3)
. يعنى: الركون إلى الشركِ
(4)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ قال: ثنا ابنُ يَمانٍ، عن أبي جعفرٍ، عن الربيع، عن أبي العاليةِ:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} . يقولُ: لا تَرْضَوْا أعمالَهم
(5)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ في قولِه:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} . قال: لا تَرْضَوْا أعمالَهم. يقولُ: الركونُ الرضا
(6)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ فى قولِه:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} . قال: لا تَرْضَوْا أعمالَهم، {فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} .
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2089 من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 351 إلى ابن المنذر.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
بعده في م، س، ف:"فتمسكم النار".
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2090 عن محمد بن سعد به.
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2090 من طريق ابن يمان به.
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2090 من طريق إسحاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 351 إلى أبي الشيخ.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} . قال: قال ابنُ عباسٍ: ولا تَمِيلوا إلى الذين ظلَموا
(1)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} . يقولُ: لا تَلْحَقوا بالشركِ، وهو الذى خرَجْتُم منه
(2)
.
حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} . قال: الركونُ الإِدْهانُ. وقرَأ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} . قال: تَرْكَنُ إليهم، ولا تُنْكِرُ
(3)
عليهم الذي قالوا، وقد قالوا العظيمَ مِن كفرِهم باللهِ وكتابِه ورسلِه. قال: وإنما هذا لأهلِ الكفرِ وأهلِ الشركِ، وليس لأهلِ الإسلامِ، أما أهلُ الذنوبِ مِن أهلِ الإسلامِ، فاللهُ أعلمُ بذنوبِهم وأعمالِهم، ما يَنْبَغى لأحدٍ أن يُصالَحَ على شيءٍ مِن معاصى اللهِ، ولا يُرْكَنَ إليه فيها
(4)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} يا محمدُ، يعني: صَلِّ، {طَرَفَيِ النَّهَارِ}. يعني: الغداةَ والعشيَّ.
واخْتَلَف أهلُ التأويلِ فى التى عُنِيَت بهذه
(5)
الآيةِ مِن صَلواتِ العَشِيِّ، بعدَ
(1)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 351 إلى المصنف وابن المنذر. وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 284 عن ابن جريج عن ابن عباس.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2090 من طريق سعيد به.
(3)
فى ت 1، س، ف:"تركن".
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2090 من طريق آخر عن ابن زيد به، دون آخره.
(5)
فى ت 1، ت 2:"به هذه".
إجماعِ جميعِهم على أن التي عُنِيَت بها
(1)
مِن صلاةِ الغداةِ
(2)
الفجرُ؛ فقال بعضُهم: عُنِيَت بذلك صلاةُ الظهرِ والعصرِ. قالوا: وهما مِن صلاةِ العشىِّ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ. وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . قال: الفجرَ وصلاتَيِ العَشِيِّ. يعنى: الظهرَ والعصرَ
(3)
.
حدَّثني المُثَنى، قال: ثنا أبو نُعَيمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(4)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ فى قولِه:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . قال: صلاةَ الفجرِ وصلاةَ العشيِّ
(5)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن أفلحَ بنِ سعيدٍ، قال: سمِعت محمدَ بنَ كعبٍ القُرْظِيَّ يقولُ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . قال: فطَرَفا النهارِ: الفجرُ والظهرُ والعصرُ
(6)
.
(1)
سقط من: ص، م، ت 2، س، ف. وفي ت 1:"به".
(2)
في م: "الغد".
(3)
تفسير الثوري ص 135، وذكر ابن المنذر فى الأوسط 2/ 324 عن مجاهد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى أبى الشيخ.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2091 من طريق أبي نعيم به.
(5)
في ت 2: "العشاء"، وفى مصدر التخريج:"العصر". والأثر في تفسير عبد الرزاق 1/ 314.
(6)
أخرجه المروزي فى تعظيم قدر الصلاة 1/ 148 (82) من طريق ابن المبارك به.
حدَّثنا الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا أبو معشرٍ، عن محمدِ بنِ كعبٍ القُرْظَيِّ:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . قال: [طرفي النهارِ]
(1)
: الفجرُ والظهرُ والعصرُ.
[حدَّثني: المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَغْراءَ
(2)
، عن جُويبرٍ، عن الضحاكِ فى قولِه:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . قال: الفجرُ والظهرُ والعصرُ]
(3)
.
وقال آخرون: بل عُنِى بها صلاةُ المغربِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . يقولُ: صلاةُ الغداةِ وصلاةُ المغربِ
(4)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا يحيى، عن عوفٍ، عن الحسنِ:{أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . قال: صلاةُ الفجرُ
(5)
والمغربِ
(6)
.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَأَقِمِ
(1)
سقط من: م.
(2)
في ف: "معمر". وهو عبد الرحمن بن مغراء بن عياض، أبو زهير الكوفي. ينظر تهذيب الكمال 17/ 418.
(3)
سقط من: م. والأثر في تفسير ابن كثير 4/ 284 عن الضحاك به.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2091 من طريق أبي صالح به.
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"العذاة".
(6)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 351 إلى أبى الشيخ.
الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ}: الصبحُ والمغربُ
(1)
.
وقال آخرون: عُنِى بها صلاةُ العصرِ
(2)
.
ذكرُ مَن قال ذلك
[حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عَبْدَةُ بنُ سليمانَ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . قال: صلاةُ الفجرِ والعصرِ
(3)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا زيدُ بنُ حُبابٍ، عن أفلحَ بنِ سعيدٍ القُبائِيِّ، عن محمدِ بنِ كعبٍ:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} : الفجرُ والعصرُ]
(4)
.
حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، قال: ثنا أبو رجاءٍ، عن الحسنِ في قولِه:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . [قال: صلاةُ]
(5)
الصبحِ وصلاةُ العصرِ
(6)
.
حدَّثني الحسينُ
(7)
بنُ علىٍّ الصُّدائيُّ، قال: ثنا أبي، قال: ثنا مباركٌ، عن الحسنِ، قال: قال اللهُ عز وجل لنبيِّه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . [قال: طرَفى النهارِ]
(8)
: الغَداةُ والعَصرُ
(9)
.
(1)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 284 عن ابن زيد.
(2)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"المغرب".
(3)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 284 عن الضحاك به.
(4)
هذان الأثران جاءا في الأصل، ص، ت 1، ت 2، س، ف قبل الأثر السابق.
(5)
فى ت 1، ت 2، س، ف:"فالصلاة".
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2091 من طريق آخر عن الحسن.
(7)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الحسن".
(8)
ليست في الأصل.
(9)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 284.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . يعنى: صلاةَ العصرِ والصبحِ
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن مُباركِ بنِ فَضالةَ، عن الحسنِ:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} : الغداةُ والعصرُ
(2)
.
حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا أبو عامرٍ، قال: ثنا قُرَّةُ، عن الحسنِ:{أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . قال: الغداةُ والعصرُ
(3)
.
وقال بعضُهم: بل عُنِى بطرَفى النهارِ: الظهرُ والعصرُ، وبقولِه:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} : المغربُ والعشاءُ والصبحُ.
وأولى هذه الأقوالِ فى ذلك عندى بالصوابِ قولُ مَن قال: هي صلاةُ المغربِ. [كما ذكَرنا عن ابنِ عباسٍ]
(4)
.
وإنما قلنا: هو أولى بالصوابِ؛ لإجماعِ الجميع على أن صلاةَ أحدِ الطرَفين من ذلك صلاةُ الفجرِ، وهى تُصَلَّى قبلَ طلوعِ
(5)
الشمسِ، فالواجبُ -إذ كان ذلك من جميعِهم إجماعًا- أن تكونَ صلاةُ الطرَفِ الآخرِ المغربَ؛ لأنها تُصَلَّى بعدَ غروبِ الشمسِ، ولو كان واجبًا أن يكونَ مرادًا بصلاةِ أحدِ الطرَفين قبلَ غروبِ الشمسِ، وجَب أن يكونَ مرادًا بصلاةِ الطرَفِ الآخرِ بعدَ طلوعِها، وذلك ما لا نعلَمُ قائلًا قاله، إلا مَن قال: عُنِى بذلك صلاةُ الظهرِ والعصرِ. وذلك قولٌ لا
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 314 عن معمر به.
(2)
بعده في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حباب، عن أفلح بن سعيد، عن محمد بن كعب: {أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ}: الفجر والعصر". وقد تقدم هذا الأثر قريبًا.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2091 من طريق قرة به.
(4)
في ت 1: "والعشاء والصبح".
(5)
فى ت 2: "دلوك".
يُخِيلُ
(1)
فسادُه؛ لأنهما إلى أن يكونا جميعًا من صلاةِ أحدِ الطرَفين، أقربُ منهما إلى أن يكونا من صلاةِ طرَفي النهارِ، وذلك أن الظهرَ لا شكَّ أنها تُصَلَّى بعد مضىِّ نصفِ النهارِ فى النصفِ الثانى منه، فمحالٌ أن تكونَ من طرَفِ النهارِ الأوّلِ، وهى تُصَلَّى
(2)
في طرَفِه الآخرِ، فإذ
(3)
كان لا قائلَ من أهلِ العلمِ يقولُ: عُنِى بصلاةِ طرف النهارِ الأوّلِ صلاةٌ بعدَ طلوعِ الشمسِ. وجَب أن يكونَ غيرَ جائزٍ أن يقالَ: عُنِى بصلاةِ طرَفِ النهارِ الآخرِ صلاةٌ قبلَ غروبِها. وإذا كان ذلك كذلك، صحَّ ما قلنا في ذلك مِن القولِ، وفسَد ما خالَفه.
وأما قولُه: {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . فإنه يعنى: ساعاتٍ من الليلِ، وهى جمعُ زُلْفةٍ، والزلفةُ: الساعةُ والمنزِلةُ والقُربْةُ. وقيل: إنما سُمِّيت المزدلفةُ وجَمْعٌ من ذلك؛ لأنها منزلٌ بعدَ عرفةَ. وقيل: سُمِّيت بذلك لازدلافِ آدمَ من عَرَفةَ إلى حوّاءَ وهى بها، ومنه قولُ العجّاجِ في صفةِ بعيرٍ
(4)
:
ناجٍ طَوَاهُ الأَيْنُ
(5)
ممَّا وَجَفا
(6)
طَىَّ اللَّيالي زُلَفًا فَزُلَفَا
[سماوةَ الهلالِ حتى احْقَوقَفا]
(7)
(1)
في م: "بخيل"، وفي ت 1، س، ف:"يخل". وأخال الشيء: أشتبه. يقال: هذا الأمر لا يُخيل على أحد. أى لا يشكل. اللسان (خ ى ل).
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
في م: "فإذا".
(4)
ديوانه ص 495، 496.
(5)
الأين: الإعياء والتعب. اللسان (أ ى ن).
(6)
وجف البعير والفرس يجف وجفًا وجيفًا: أسرع. اللسان (و ج ف).
(7)
ليس في: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف. وسماوة الهلال: شخصه إذا ارتفع عن الأفق شيئًا. واحقوقف الهلال: اعوج. اللسان (س م و)، (ح ق ف).
واختلَفت القرأةُ فى قراءةِ ذلك؛ فقرَأته عامةُ قرأةِ المدينةِ والعراقِ: {وَزُلَفًا} بضمِّ الزاى وفتحِ اللامِ، وقرَأه بعضُ أهلِ المدينةِ بضمِّ الزايِ واللامِ
(1)
، كأنه وجَّهه إلى أنه واحدٌ، وأنه بمنزلةِ "الحُلُمِ"، وقرَأه بعضُ المكيِّين:(وزُلْفًا) بضمِّ الزايِ، وتسكينِ اللامِ
(2)
.
وأعجَبُ القراءةِ فى ذلك إلىّ أن [يُقرأَ بها]
(3)
: {وَزُلَفًا} . بضمِّ الزايِ وفتحِ اللامِ، على معنى جمعِ زُلْفةٍ، كما تُجمَعُ غرفةٌ غُرَفٌ، وحجرةٌ حُجَرٌ. وإنما اخترتُ قراءةَ ذلك كذلك؛ لأن صلاةَ العشاءِ الآخِرةِ إنما تُصَلَّى بعدَ مضىِّ زُلَفٍ مِن الليلِ، وهي التي عُنِيت عندى بقولِه:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} .
وبنحوِ الذي قلنا في قولِه: {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . قال جماعةٌ مِن أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ فى قولِه:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . قال: ساعاتٍ من الليلِ: صلاةَ العَتمةِ
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن
(1)
قراءة ضم اللام هي قراءة أبي جعفر، وقراءة فتح اللام هى قراءة الباقين وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف. ينظر النشر فى القراءات العشر 2/ 219، وإتحاف فضلاء البشر ص 157.
(2)
قرأ بذلك الحسن وابن محيصن واليماني. شواذ القرآن لابن خالويه ص 66.
(3)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"أقرأها".
(4)
تفسير مجاهد ص 391.
مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . يقولُ: صلاةُ العَتَمةِ
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا يحيى، عن عوفٍ، عن الحسنِ:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} : العشاءُ
(2)
.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا يحيى بنُ آدمَ، عن سفيانَ، عن عبيدِ اللهِ بنِ أبى يزيدَ، قال: سَمِعتُ
(3)
ابنَ عباسٍ يعجِبُه التأخيرُ بالعشاءِ، ويقرَأُ:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}
(4)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ نُميرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . قال: ساعةً من الليلِ؛ صلاةَ العَتَمةِ.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . قال: العَتَمَةُ، وما سمِعنا أحدًا من فقهائِنا ومشيختِنا
(5)
يقولون
(6)
: العشاءُ. ما يقولون إلا: العتمةُ.
(1)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 351 إلى المصنف وابن أبي حاتم.
(2)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 284.
(3)
في م: "كان".
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1103 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2091، والبيهقي 1/ 451 من طريق سفيان به، وعزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 351 إلى ابن مردويه.
(5)
في ص، م، ت 2، ف:"مشايخنا".
(6)
فى م: "يقول".
وقال قومٌ: الصلاةُ التى أمَر اللهُ
(1)
النبيَّ صلى الله عليه وسلم بإقامتِها زُلَفًا من الليلِ
(2)
، صلاةُ المغربِ والعشاءِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ وابنُ وكيعٍ -واللفظُ ليعقوبَ- قالا: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، قال: ثنا أبو رجاءٍ، عن الحسنِ:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . قال: هما زُلْفتان من الليلِ؛ صلاةُ المغربِ وصلاةُ العشاءِ
(3)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا جريرٌ، عن أشعثَ، عن الحسنِ في قولِه:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . قال: المغربُ والعشاءُ.
حدَّثني الحسينُ
(4)
بنُ علىٍّ - [يعنى الصُّدائيَّ]
(5)
- قال: ثنا أبي، قال: ثنا مباركٌ، عن الحسنِ، قال: قال اللهُ تبارك وتعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . قال: زُلَفًا من الليلِ؛ أى المغربُ والعشاءُ، وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هُما زُلْفَتَا اللَّيْلِ؛ المَغْرِبُ والعِشاءُ"
(6)
.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . قال: المغربُ والعشاءُ
(7)
.
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"قال".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2091 من طريق ابن علية به.
(4)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"الحسن".
(5)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(6)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 284 عن مبارك به، وعزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 351 إلى أبى الشيخ.
(7)
تفسير سفيان الثوري ص 135.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ مثلَه
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نُعيمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن المباركِ بنِ فَضالةَ، عن الحسنِ، قال: قد ييَّن اللهُ مواقيتَ الصلاةِ في القرآنِ، قال:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]. قال: دُلوكُها: إذا زالَت عن بطنِ السماءِ، وكان لها في الأرضِ فئٌ. وقال:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} : الغداةُ والعصرُ، {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}: المغربُ والعشاءُ. قال: فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هُمَا زُلْفَتَا اللَّيْلِ؛ المَغْرِبُ والعِشاءُ".
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . قال: يعني صلاةَ المغربِ وصلاةُ العشاءِ
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن أفلحَ بنِ سعيدٍ، قال: سمِعتُ محمدَ بنَ كعبٍ القُرَظيَّ يقولُ: {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} : المغربُ والعشاءُ
(2)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا زيدُ بنُ حُبابٍ، عن أفلحَ بنِ سعيدٍ، عن محمدِ بنِ كعبٍ مثلَه.
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 314.
(2)
أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة 1/ 147 - 148 (82) من طريق ابن المبارك به.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا أبو مَعشَرٍ، عن محمدِ بنِ كعبٍ القُرَظِيِّ:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} : المغربُ والعشاءُ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن عاصمِ بنِ سليمانَ، عن الحسنِ، قال: زُلْفتا الليلِ المغربُ والعشاءُ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَغْراءَ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ فى قولِه:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . قال: المغربُ والعشاءُ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ
(2)
، عن عاصمٍ، عن الحسنِ:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . قال: المغربُ والعشاءُ
(3)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عَبْدَةُ بنُ سليمانَ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} : المغربُ والعشاءُ
(4)
.
[حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا أبو عامرٍ، قال: ثنا قُرَّةُ، عن الحسنِ: {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}. قال: المغربُ والعشاءُ]
(5)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن عاصمٍ، عن الحسنِ:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . قال: صلاةُ المغربِ والعشاءِ.
وقولُه: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . يقولُ تعالى ذكرُه: إن الإنابةَ إلى طاعةِ اللهِ، والعملَ بما يرضيه، تُذهِبُ آثامَ معصيةِ اللهِ، وتُكفِّرُ
(1)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 284 عن الضحاك به.
(2)
بعده في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"عن الأعمش".
(3)
تقدم ص 609.
(4)
ينظر ما تقدم في ص 604.
(5)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
الذنوبَ.
ثم اختلَف أهلُ التأويلِ فى الحسناتِ التي عناها
(1)
اللهُ جلّ ثناؤُه في هذا الموضعِ، اللاتى يُذهِبْن السيئاتِ؛ فقال بعضُهم: هنّ الصلواتُ الخَمْسُ المكتوباتُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، عن الجُرَيرِيِّ، عن أبي الوردِ بنِ ثُمامةَ، عن أبى محمدٍ الحضرميِّ
(2)
، قال: ثنا كعبٌ في هذا المسجدِ، قال: والذي نفسُ كعبٍ بيدِه، إن الصلواتِ الخمسَ لهنّ الحسناتُ التي يُذهِبْن السيئاتِ، كما يغسِلُ الماءُ الدَّرَنَ
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن أفلحَ، قال: سمِعتُ محمدَ بنَ كعبٍ القُرَظِىَّ يقولُ في قولِه: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . قال: هنّ الصلواتُ الخمسُ
(4)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن عبدِ اللهِ بنِ مسلمٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . قال: هن الصلواتُ الخمسُ
(5)
.
حدَّثنا الحسنُ، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن منصورٍ،
(1)
فى م: "عنى".
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س:"ابن الحضرمي". ينظر تهذيب الكمال 34/ 260.
(3)
أخرجه أبو نعيم في الحلية 5/ 384 مطولا من طريق الجريري عن أبى الورد بن ثمامة عن كعب بدون ذكر أبي محمد الحضرمي.
(4)
أخرجه المروزي فى تعظيم قدر الصلاة 1/ 147 (82) من طريق ابن المبارك به.
(5)
تفسير الثوري ص 135، وتفسير عبد الرزاق 1/ 314، ومن طريقه المروزي فى تعظيم قدر الصلاة 1/ 157 (98)، وعزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 352 إلى الفريابي وابن المنذر وأبى الشيخ.
عن مجاهدٍ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ} : إنّ الصلواتِ
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا يحيى، وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ جميعًا، عن عوفٍ، عن الحسنِ:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . قال: الصلواتُ الخمسُ.
حدَّثني زُريقُ بنُ السَّخْتِ
(2)
، قال: ثنا قَبيصةُ، عن سفيانَ، عن عبدِ اللهِ بنِ مسلمٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . قال: الصلواتُ الخمسُ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . قال: الصلواتُ الخمسُ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن منصورٍ، عن الحسنِ، قال: الصلواتُ الخمسُ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحمَّانيُّ، قال: ثنا شَريكٌ، عن سماكٍ، عن إبراهيمَ، عن علقمةَ، عن عبدِ اللهِ:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . قال: الصلواتُ الخمسُ
(3)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن سعيدٍ الجُرَيريِّ، قال: ثنى أبو عثمانَ، عن سلمانَ، قال: والذي نفسي بيدِه، إن
(1)
تفسير عبد الرزاق 1/ 314.
(2)
في ص، م:"الشخب"، وفى ت 1:"السحت"، وفي ت 2:"السحب"، وفي س:"الشحب"، وغير منقوطة فى ف، وينظر المؤتلف والمختلف للدارقطنى 2/ 1020، 3/ 1339.
(3)
أخرجه المروزي فى تعظيم قدر الصلاة 1/ 143 (75) من طريق شريك به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 351 إلى ابن مردويه.
الحسناتِ التي يمحو اللهُ بهنّ السيئاتِ كما يغسِلُ الماءُ الدَّرَنَ، الصلواتُ الخمسُ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا حفصُ بنُ غِياثٍ، عن [عبدِ اللهِ بنِ مسلمٍ]
(2)
، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . قال: الصلواتُ الخمسُ
(3)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا [عبيدُ اللهِ]
(4)
، عن إسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ، عن مزْيَدَةَ
(5)
بنِ زيدٍ، عن مسروقٍ:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . قال: الصلواتُ الخمسُ.
حدَّثنا محمدُ بنُ عوفٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ عياشٍ، قال: ثنا أبي، قال: ثنا ضمضمُ بنُ زُرْعَةَ، عن شريحِ بنِ عبيدٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريِّ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "جُعِلَتِ الصَّلَواتُ كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهُنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ قال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} "
(6)
.
حدَّثنا ابنُ سنانٍ
(7)
القزازُ، قال: ثنا الحجاجُ، قال: ثنا حمادٌ، عن علىِّ بنِ زيدٍ، عن أبي عثمانَ النهديِّ، قال: كنت مع سلمانَ الفارسيِّ تحتَ شجرةٍ، فأخَذ غُصْنًا من أغصانِها يابسًا، فهزَّه حتى تحاتَّ ورقُه، ثم قال:
(1)
أخرجه المروزي فى تعظيم قدر الصلاة 1/ 196 (96) من طريق ابن المبارك به.
(2)
في مصدر التخريج: "محمد بن مسلم".
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 372، وابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2092 من طريق حفص به.
(4)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"عبد الله".
(5)
فى ت 1، ت 2، س:"بريدة" ولم نهتد إليه.
(6)
أخرجه الطبراني (3460) من طريق محمد بن إسماعيل به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 353 إلى ابن مردويه.
(7)
فى ص، م، ت 1، س، ف:"سيار".
[ألا تسأَلُنى: لِم أفعَلُ هذا؟ فقلتُ: ولِمَ تَفْعَلُه؟ فقال]
(1)
: هكذا فعَل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ كنت معه تحتَ شجرةٍ، فأخَذ غصنًا من أغصانِها يابسًا فهزَّه، حتى تحاتَّ ورقُه، ثم قال:"ألا تَسْأَلُنِي لِمَ أَفْعَلُ هَذَا يا سَلْمانُ؟ ". فقلت: ولم تفعَلُه؟ فقال: "إِنَّ المُسْلِمَ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، تَحاتَّتْ خَطاياهُ كما تَحاتَّ هَذَا الوَرَقُ". ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيةَ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} إلى آخرِ الآيةِ
(2)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عُمارةَ الأسديُّ وعبدُ اللهِ بنُ أبي زيادٍ القَطْوانيُّ، قالا: ثنا عبدُ اللهِ بنُ يزيدَ، قال: أخبَرنا حَيْوةُ، قال: أخبَرنا أبو عَقيلٍ زُهْرَةُ بن مَعْبَدٍ القُرَشِيُّ من بنى تَيْمٍ من رهطِ أبى بكرٍ الصديقِ رضي الله عنه، أنه سمِع الحارثَ مولى عثمانَ ابنِ عفانَ رحمه الله يقولُ: جلَس عثمانُ يومًا وجلَسنا معه، فجاءه المؤذِّنُ، فدعا عثمانُ بماءٍ فى إناءٍ أظُنُّه سيكونُ فيه قدرَ مُدٍّ، فتوضَّأ، ثم قال: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يتوضَّأُ وضوئى هذا، ثم قال: "مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئى هَذَا، ثُمَّ قامَ فَصَلَّى صَلاةَ الظُّهْرِ، غُفِرَ لَهُ مَا كانَ بَيْنَهُ وَبينَ صَلاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبينَ صَلاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَها
(3)
وبينَ صَلاةِ العَصْرِ، ثُمَّ صَلَّى العِشاءَ غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَها
(3)
وبينَ صَلاةِ المَغْرِبِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يَبِيتُ [يَتَمَرَّغُ لَيْلَتَه]
(4)
، ثُمَّ إِنْ قامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الصُّبْحَ، غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَها وبيَن صَلاةِ العِشَاءِ، وَهُنَّ الحَسَناتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ"
(5)
.
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
أخرجه المروزي فى تعظيم قدر الصلاة 1/ 150 (83) من طريق حجاج به.
(3)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"بينه".
(4)
في م: "ليلة يتمرغ".
(5)
أخرجه أحمد في المسند 1/ 537 (513)، والبزار (405) من طريق عبد الله بن يزيد به، وأخرجه ابن =
حدَّثني سعدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الحكمِ، قال: ثنا أبو زُرعةَ، قال: ثنا حَيْوةُ، قال: ثنا أبو عَقيلٍ زُهرةُ بنُ مَعبدٍ، أنه سمِع الحارثَ مولى عثمانَ بنِ عفانَ، قال: جلَس عثمانُ بنُ عفانَ يومًا على المقاعدِ. فذكَر نحوَه عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إلا أنه قال: "وَهُنَّ الحَسَناتُ، [إِنَّ الحَسَنَاتِ]
(1)
يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ".
حدَّثنا ابنُ البَرْقيِّ، قال: ثنا ابنُ أبي مريمَ، قال: أخبَرنا نافعُ بنُ يزيدَ ورِشْدِينُ بنُ سعدٍ، قالا: ثنا زُهرةُ بنُ مَعبدٍ، قال: سمِعتُ الحارثَ مولى عثمانَ بنِ عفانَ يقولُ: جلَس عثمانُ بنُ عفانَ يومًا على المقاعدِ ثم ذكَر نحوَه عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وقال آخرون: هى
(3)
قولُ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شريكٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . قال: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ.
=أبي حاتم في تفسيره 6/ 2092 من طريق حيوة به، وعزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 353 إلى أبي يعلى وابن المنذر وابن مردويه.
(1)
سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
بعده فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"إلا أنه قال: "وهن الحسنات، إن الحسنات يذهبن السيئات".
(3)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"هو".
وأولى التأويلين بالصوابِ فى ذلك قولُ مَن قال في ذلك: هنّ
(1)
الصلواتُ الخمسُ؛ لصحةِ الأخبارِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وتواتُرِها عنه، أنه قال: "مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ مَثَلُ نَهْرٍ جارٍ على بابِ أحَدِكم، يَغْتَمِسُ
(2)
فيه كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَماذا يُبْقِينَ مِنْ دَرَنهِ؟!
(3)
. وأن ذلك فى سياقِ أمرِ اللهِ بإقامةِ الصلواتِ، فالوعدُ على إقامتِها الجزيلَ من الثوابِ عَقيبَها، أولى من الوعدِ على ما لم يجرِ له ذكرٌ من سائرِ صالحاتِ الأعمالِ، إذا خُصَّ بالقصدِ بذلك بعضٌ دونَ بعضٍ.
وقولُه: {ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} . يقولُ عز وجل: هذا الذى أوَعدتُ عليه، من الركونِ إلى الظلمِ، وتهدَّدتُ فيه، والذي وعَدتُ فيه إقامةِ الصلواتِ اللواتى يُذهِبْن السيئاتِ، تذكرةٌ ذكَّرتُ بها قومًا يذكُرون وعدَ اللهِ فيرجون ثوابَه، ووعيدَه فيخافون عقابَه، لا مَن قد طُبع على قلبِه، فلا يجيبُ داعيًا، ولا يسمَعُ زاجرًا.
وذُكِر أن هذه الآيةَ نزَلت بسببِ رجلٍ نال من غيرِ زوجتِه ولا مِلكِ يمينِه بعضَ ما يحرُمُ عليه، فتاب من ذنبِه ذلك.
ذكرُ الروايةِ بذلك
حدَّثنا هنادُ بنُ السَّرِىِّ، قال: ثنا أبو الأحوصِ، عن سماكٍ، عن إبراهيمَ، عن علقمةَ والأسودِ، قالا: قال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:
(1)
فى ص، ت 1، ت 2، س، ف:"من".
(2)
فى ص، م، ف:"ينغمس"، وفى ت 2:"يلتمس".
(3)
أخرجه أحمد 22/ 177 (14275)، ومسلم (668)، من حديث جابر، وأخرجه البخاري (528)، ومسلم (667) من حديث أبي هريرة نحوه.
إنى عالَجتُ
(1)
امرأةً فى بعضِ أقطارِ المدينةِ، فأصَبتُ منها ما دونَ أن أمَسَّها، فأنا هذا، فاقضِ فيّ ما شئتَ. فقال عمرُ: لقد ستَرك اللهُ، لو ستَرتَ على نفسِك! قال: ولم يرُدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم شيئًا. قال: فقام الرجلُ، فانطلَق، فأتبَعه النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلًا، فدعاه، فلما أتاه قرَأ عليه:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} . فقال رجلٌ من القومِ: هذا له يا رسولَ اللهِ خاصةً؟ قال: "بَلْ للنَّاسِ كافَّةً"
(2)
.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن إسرائيلَ، عن سِماكِ بنِ حربٍ، عن إبراهيمَ، عن علقمةَ والأسودِ، عن عبدِ اللهِ، قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إني لقِيت امرأةً في البستانِ، فضمَمتُها إِليَّ، وباشَرْتُها وقَبَّلتُها، وفعَلتُ بها كلَّ شيءٍ، غيرَ أني لم أجامِعْها. فسكَت عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فنزَلت هذه الآيةُ:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} . فدعاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأها عليه، فقال عمرُ: يا رسولَ اللهِ، ألَه خاصةً، أم للناسِ كافةً؟ قال: لا، بَلْ للنَّاسِ كافَّةً". ولفظُ الحديثِ لابنِ وكيعٍ
(3)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا إسرائيلُ، عن سِماكِ بنِ حربٍ، أنه سمِع إبراهيمَ بنَ يزيدَ
(4)
يُحدِّثُ عن علقمةَ والأسودِ، عن ابنِ
(1)
في ف: "عاجلت".
(2)
أخرجه مسلم (2763/ 42)، وأبو داود (4468)، والترمذى (3112) من طرق عن أبي الأحوص.
(3)
أخرجه أحمد 7/ 281 (4250)، وأبو يعلى (5389)، وابن حبان (1730)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة 1/ 140 (70) من طريق وكيع به
(4)
فى م: "زيد".
مسعودٍ، قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنى أخَذتُ
(1)
امرأةً في بستانٍ، ففعَلتُ بها كلَّ شيءٍ، غيرَ أني لم أجامِعْها؛ قَبَّلتُها ولزِمتُها، ولم أفعَلْ
(2)
غيرَ ذلك، فافعَلْ بي ما شِئْتَ. فلم يقُلْ له رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيئًا، فذهَب الرجلُ، فقال عمرُ: لقد ستَر اللهُ عليه
(3)
، لو ستَر على نفسِه! فأتبَعه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بصرَه، فقال:"رُدُّوهُ عَليَّ". فرَدّوه، فقرَأ عليه:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} قال: فقال معاذُ بنُ جبلٍ: ألَه وحدَه يا نبيَّ اللهِ، أم للناسِ كافةً؟ فقال:"بَلْ للنَّاسِ كافَّةً"
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحمّانِيُّ، قال: ثنا أبو عَوانةَ، عن سماكٍ، عن إبراهيمَ، عن علقمةَ والأسودِ، عن عبدِ اللهِ، قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، أخَذتُ امرأةً فى البستانِ، فأصَبتُ منها كلَّ شيءٍ، غيرَ أني لم أنكِحْها، فاصنَعْ بي ما شئتَ. فسكَت النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلما ذهَب دعاه، فقرَأ عليه هذه الآيةَ:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} الآية
(5)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا أبو النعمانِ الحكمُ بنُ عبدِ اللهِ العِجْلىُّ، قال: ثنا شعبةُ، عن سماكِ بنِ حربٍ، قال: سمِعت إبراهيمَ يحدِّثُ عن خالِه
(6)
الأسودِ، عن عبدِ اللهِ، أن رجلًا لقِيَ امرأةً في بعضِ طرقِ المدينةِ،
(1)
فى م: "وجدت".
(2)
بعده في ف: "بها".
(3)
بعده في ص، ت 1، س، ف:"و".
(4)
أخرجه عبد الرزاق فى تفسيره 1/ 314، وفي مصنفه (13829)، ومن طريقه أحمد 7/ 319 (4290).
(5)
سقط من: م. والأثر أخرجه الطيالسي (283)، وأحمد 7/ 320 (4291)، والنسائي في الكبرى (7323)، وابن حبان (1728) من طرق عن أبي عوانة.
(6)
فى ص، ت 1، ت 2، س:"خالد".
فأصاب منها ما دونَ الجماعِ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذكَر ذلك له، فنزَلت:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} . فقال معاذُ بنُ جبلٍ: يا رسولَ اللهِ، لهذا خاصةً، أو لنا عامَّةً؟ قال:"بل لكم عامَّةً"
(1)
حدَّثنا [ابنُ المُثَنَّى]
(2)
، قال: ثنا أبو داودَ، قال: ثنا شعبةُ، قال: أنبَأني سماكٌ، قال: سمِعتُ إبراهيمَ يحدِّثُ عن خالِه
(3)
، عن ابنِ مسعودٍ، أن رجلًا قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: لقِيتُ امرأةً في حُشٍّ
(4)
بالمدينةِ، فأصَبتُ منها ما دونَ الجماعِ. فذكر
(5)
نحوَه.
حدَّثنا ابنُ المُثَنَّى، قال: ثنا أبو قَطَنٍ عمرُو بنُ الهيثمِ البغداديُّ، قال: ثنا شعبةُ، عن سماكٍ، عن إبراهيمَ، عن خالِه
(6)
، عن ابنِ مسعودٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بنحوِه
(7)
.
حدَّثني أبو السائبِ، قال: ثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، قال: جاء فلانُ بنُ مُعَتِّبٍ؛ رجلٌ مِن الأنصارِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، دخَلَت علىَّ امرأةٌ، فنلتُ منها ما ينالُ الرجلُ من أهلِه، إلا أنى لم أواقِعْها. فلم يدرِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بما يجيبُه، حتى نزَلت هذه الآيةُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ
(1)
أخرجه مسلم (2763/ 43)، والنسائي في الكبرى (7321) عن محمد بن المثنى به، وأخرجه النسائي في الكبرى (7319) من طريق شعبة به.
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"أبو المثنى".
(3)
في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"خالد".
(4)
الحش: البستان. التاج (ح ش ش).
(5)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(6)
فى ت 1، ت 2، س، ف:"خالد".
(7)
أخرجه النسائى فى الكبرى (7320) من طريق عمرو بن الهيثم به.
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}. فدعاه فقرَأها عليه
(1)
.
حدَّثني يعقوبُ وابنُ وكيعٍ قالا: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، وحدَّثنا حميدُ بنُ مَسْعَدةَ، قال: ثنا بشرُ بنُ المفضَّلِ، وحدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا المعتمرُ بنُ سليمانَ، جميعًا عن سليمانَ التيميِّ، عن أبي عثمانَ، عن ابنِ مسعودٍ: أن رجلًا أصاب مِن امرأةٍ شيئًا لا أدرى ما بلَغ، غيرَ أنه
(2)
دونَ الزنا، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذكَر ذلك له، فنزَلَت:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . فقال الرجلُ: ألى
(3)
هذه يا رسولَ اللهِ؟ قال: "لِمَنْ أَخَذَ بِها مِنْ أُمَّتِي، و
(4)
لمن عَمِلَ بِها"
(5)
.
حدَّثنا أبو كريبٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا قَبيصةُ، قال: ثنا حمادُ بنُ سلمةَ، عن عليِّ بنِ زيدٍ، [عن أبي عثمانَ]
(6)
، قال: كنت مع سلمانَ، فأخَذ غصنَ شجرةٍ يابسةٍ، فحَتَّه ثم
(7)
قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ تَحاتَّتْ خَطاياهُ كما يَتَحاتُّ هَذَا الوَرَقُ". ثم قرَأ
(8)
: " {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . إلى آخرِ الآيةِ
(9)
.
(1)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 287 عن المصنف، وعزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 353 إلى المصنف.
(2)
بعده في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"ما".
(3)
في ص: "أفى".
(4)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"أو".
(5)
أخرجه ابن ماجه (1398) من طريق سفيان بن وكيع به.
(6)
سقط من: م.
(7)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"و".
(8)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قال".
(9)
أخرجه الطيالسي (687)، وأحمد 5/ 437 (ميمنية)، والدارمي 1/ 183، والطبراني (6152) من=
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ وحسينٌ الجُعْفِيُّ، عن زائدةَ، قال: ثنا عبدُ الملكِ بنُ عميرٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبى ليلى، عن معاذٍ، قال: أتى رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، ما ترَى في رجلٍ لقِيَ امرأةً لا يعرِفُها، فليس يأتِى الرجلُ مِن امرأتِه شيئًا إلا قد أتاه منها، غيرَ أنه لم يجامِعْها؟ فأنزَل اللهُ عز وجل هذه الآيةَ:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} . فقال له رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ". فقال معاذٌ: قلت: يا رسولَ اللهِ، أله خاصةً، أم للمؤمنين عامةً؟ فقال:"بل للمؤمِنينَ عامَّةً"
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن عبدِ الملكِ بنِ عميرٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ليلى، أن رجلًا أصاب مِن امرأةٍ ما دونَ الجماعِ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسألَه
(2)
عن ذلك، فقرَأ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أو أُنزِلت -:{أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} . فقال معاذٌ: يا رسولَ اللهِ، ألَه خاصةً، أم للناسِ عامةً؟ فقال:"هيَ للنَّاس عامَّةً".
حدَّثنا ابنُ المُثَنَّى، قال: ثنا أبو داودَ، قال: ثنا شعبةُ، عن عبدِ الملكِ بنِ عميرٍ، قال: سمِعتُ عبدَ الرحمنِ بنَ أبي ليلى، قال: أتى رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذكَر نحوَه.
= طرق عن حماد به.
(1)
أخرجه عبد بن حميد (110)، والترمذي (3113)، من طريق حسين به، وأخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة 1/ 145 (78)، وأحمد 5/ 244 (الميمنية) من طريق زائدة به.
(2)
في م: "يسأله".
حدَّثني عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ شَبُّويَه، قال: ثنا إسحاقُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنى عمروُ بنُ الحارثِ، قال: ثنى عبدُ اللهِ بنُ سالمٍ، عن الزُّبيديِّ، قال: ثنا سليمُ بنُ عامرٍ، أنه سمِع أبا أُمامةَ يقولُ: إن رجلًا أتى رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ: أقِمْ فىَّ حدَّ اللهِ. مرَّةً أو
(1)
اثنتين، فأعرَض عنه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم أقيمت الصلاةُ، فلما فرَغ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من الصلاةِ، قال:"أين هذا القائِلُ: أقِمْ فِيَّ حَدَّ اللهِ؟ ". قال: أنا ذا. قال: "هَلْ أَتْمَمْتَ الوُضُوءَ، وَصَلَّيْتَ مَعَنا آنِفًا؟ "، قالَ: نعم، قالَ:"فإِنَّكَ مِنْ خَطيئَتِكَ كَمَا وَلَدَتْكَ أُمُّكَ، فلا تَعُدْ". وأنزَل اللهُ جلَّ ثناؤه حينَئذٍ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} إلى قولِه: {لِلذَّاكِرِينَ}
(2)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثني جريرٌ، عن عبدِ الملكِ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ليلى، عن معاذِ بنِ جبلٍ، أنه كان جالسًا عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجاء رجلٌ، فقال: يا رسولَ اللهِ، رجلٌ أصاب من امرأةٍ ما لا يحِلُّ له، لم يدَعْ شيئًا يصيبه الرجلُ من امرأتِه إلا أتاه، إلا أنه لم يجامِعْها. قال:"يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا حَسَنًا، ثُمَّ يُصَلِّى". فأنزَل اللهُ عز وجل هذه الآيةَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . إلى آخرِ الآيةِ، فقال: معاذٌ: هي له يا رسولَ اللهِ خاصةً، أم للمسلمين عامَّةً؟ قال:"بَلْ للمُسْلِمينَ عامَّةً"
(3)
.
حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا محمدُ بنُ
(1)
فى ص، م ت 1، ت 2، س، ف:"و".
(2)
أخرجه الطبراني (7675) من طريق إسحاق بن إبراهيم به.
(3)
أخرجه الدارقطني 1/ 134، والحاكم 1/ 135، والمروزي فى تعظيم قدر الصلاة 1/ 144 (77) من طرق عن جرير به.
مسلمٍ، عن عمرِو بنِ دينارٍ، عن يحيى بنِ جعدةَ، أن رجلًا من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ذكَر امرأةً، وهو جالسٌ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فاستأذَنه لحاجةٍ، فأذِن له، فذهَب فطلَبها
(1)
فلم يجِدْها، فأقبَل الرجلُ يريدُ أن يبشِّرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالمطرِ، فوجَد المرأةَ جالسةً على غديرٍ، فدفَع في صدرِها، وجلَس بينَ رِجلَيها، فصار ذكَرُه مثلَ الهُدْبَةِ، فقام نادمًا، حتى أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبَره بما صنَع، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ، وَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ". قال: وتلا عليه: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} الآية
(2)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا قيسُ بنُ الربيعِ، عن عثمانَ بنِ مَوْهَبٍ، عن موسى بنِ طلحةَ، عن أبى اليَسَرِ بنِ عمرٍو الأنصاريِّ، قال: أتَتْنى امرأةٌ تبتاعُ منى بدرهمٍ تمرًا، فقلتُ: إن فى البيتِ تمرًا أجودَ من هذا، فدخَلَت فأهْوَيتُ إليها، فقبَّلتُها، فأتيتُ أبا بكرٍ: فسألتُه، فقال: استُرْ على نفسِك وتُبْ، واستغفِرِ اللهَ. فأتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فسألتُه
(3)
، فقال:"أخَلَفْتَ رَجُلًا عَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فِي "أهْلِهِ بِمِثْل هَذَا؟! ". حتى ظنَنتُ أنى من أهلِ النارِ، حتى تمنَّيتُ أني أسلَمتُ ساعتَئذٍ. قال: فأطرَق رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ساعةً، فنزَل جبريلُ، فقال: "أين أبو اليَسَرِ؟ ". فجِئتُ، فقرَأ عَلَىَّ: "{أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} إلى {ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} ". قال إنسانٌ: يا رسولَ اللهِ، له خاصةً أم للناسِ عامَّةً؟ قال: "للنَّاسِ عامَّةً"
(4)
.
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"يطلبها".
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 315.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
أخرجه الترمذى (3115)، والمروزي فى تعظيم قدر الصلاة 1/ 145 (79)، والطبراني 19/ 165 (371) من طريق قيس به، وأخرجه البزار (2300)، والنسائي فى الكبرى (7327، 11248) من طريق عثمان بن موهب به وعزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 352 إلى ابن مردويه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمّانيُّ، قال: ثنا قيسُ بنُ الربيعِ، عن عثمانَ بنِ مَوْهَبٍ، عن موسى بنِ طلحةَ، عن أبى اليَسَرِ، قال: لقِيتُ امرأةً فالتزَمتُها، غيرَ أني لم أنكِحْها، فأتَيتُ عمرَ بنَ الخطابِ فسألتُه، فقال: اتقِ اللهَ واستُرْ على نفسِك، ولا تخبِرَنَّ أحدًا، فلم أصبِرْ حتى أتَيتُ أبا بكرٍ، فسألتُه
(1)
، فقال: اتقِ اللهَ واستُرْ على نفسِك، ولا تخبِرَنَّ أحدًا. قال: فلم أصبِرْ حتى أتَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبَرتُه، فقال
(2)
: "هل جهَّزتَ غازيًا؟ ". قلتُ: لا. قال: "فهل خَلَفْتَ غازِيًا في أهلِه؟ ". قلتُ: لا. فقال لى، حتى تمنَّيتُ أنى كنتُ دخَلتُ في الإسلامِ تلك الساعةَ. قال: فلما ولَّيتُ دعانى، فقرَأ علىَّ:" {أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} ". فقال له أصحابُه: ألهذا خاصةً، أم للناسِ عامَّةً؟ فقال:"بل للنَّاسِ عامَّةً".
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثني سعيدٌ، عن قتادةَ، أن رجلًا أصاب من امرأةٍ قُبلةً، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبيَّ اللهِ، هلَكتُ. فأنزَل اللهُ:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} .
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن سليمانَ التَّيمىِّ، قال: ضرَب رجلٌ على كَفَلِ
(3)
امرأةٍ، ثم أتى أبا بكرٍ وعمرَ رضي الله عنهما، فكلما سأل رجلًا منهما عن كفارةِ ذلك، قال: أمُغْزِيَةٌ
(4)
هي؟ فإذا
(5)
قال: نعم. قال: لا أدرى. ثم أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فسأله عن ذلك، فقال:"أمُغْزِيَةٌ هي؟ ". قال: نعم. قال: "لا أدْرِى". حتى أنزَل اللهُ عز وجل: {وَأَقِمِ
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
بعده في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"له".
(3)
الكَفَل، بالتحريك: العجُز. اللسان (ك ف ل).
(4)
المغزية: المرأة التي غزا زوجها وبقيت وحدها في البيت.
(5)
سقط من: ص، م، ت 2.
الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ
(2)
، عن قيسِ بنِ سعيدٍ، عن عطاءٍ فى قولِ اللهِ تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . أن امرأةً دخَلَت على رجلٍ يبيعُ الدقيقَ، فقبَّلها، فأُسْقِط في يدِه، فأتى عمرَ، فذكَر له ذلك، فقال: اتقِ اللهَ، ولا تكُنِ امرأةَ غازٍ. فقال الرجلُ: هي امرأةُ غازٍ. فذهَب إلى أبى بكرٍ، فقال مثلَ ما قال عمرُ، فذهَبوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم جميعًا، فقال له كذلك، ثم سكَت النبيُّ صلى الله عليه وسلم فلم يُجِبْهم، فأنزَل اللهُ عز وجل:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} -الصلواتُ المفروضاتُ- إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}.
حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: حدَّثني عطاءُ بنُ أبي رباحٍ، قال: أقبَلت امرأةٌ حتى جاءت إنسانًا يبيعُ الدقيقَ، لتبتاعَ منه، فدخَل بها البيتَ، فلما خلا بها
(3)
قبَّلها. قال: فسُقِط في يديه، فانطلَق إلى أبى بكرٍ، فذكَر ذلك له، فقال: أبصِرْ، لا تكونَنَّ امرأةَ رجلٍ غازٍ. [فانطلَق إلى عمرَ، فذكَر ذلك له، فقال له مثلَ ذلك، وانطلَق أبو بكرٍ وعمرُ والرجلُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فذكَروا ذلك له، فقال: "أبْصِرْ، لا تكونَنَّ امرأةَ رجلٍ غازٍ]
(4)
". فبينما هم على ذلك، نزَل فى ذلك:{أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} . قيل لعطاءٍ: المكتوبةُ هى؟ قال: نعم
(5)
. قال ابنُ جريجٍ: وقال عبدُ اللهِ بنُ
(1)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 353 إلى المصنف.
(2)
بعده في م، ت 1، س، ف:"عن ابن أبي نجيح".
(3)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"له".
(4)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(5)
بعده في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"هي المكتوبة".
كثيرٍ: هي المكتوباتُ.
قال ابنُ جريجٍ، عن يزيدَ بنِ رُومانَ: إن رجلًا من بني غَنْمٍ، دخَلَت عليه امرأةٌ فقبَّلها، ووضَع يدَه على دُبُرِها، فجاء إلى أبي بكرٍ رضي الله عنه، ثم إلى عمرَ رضي الله عنه، ثم أتى
(1)
إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فنزَلت هذه الآيةُ إلى قولِه:{ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} . فلم يزَلِ الرجلُ الذى قبَّل المرأةَ يذكُرُ، فذلك قولُه:{ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}
(2)
.
القولُ في تأويلِ قولِه: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: واصبِرْ يا محمدُ على ما تلقى من مشركي قومِك، من الأذى فى اللهِ والمكروهِ، رجاءَ جزيلِ ثوابِ اللهِ على ذلك، فإن اللهَ لا يضيعُ ثوابَ عملِ مَن أحسَن
(3)
فأطاعَ اللهَ واتَّبَع أمرَه، فيذهَبَ به، بل يوفِّرُه عليه
(4)
، أحوجَ ما يكونُ إليه.
القولُ في تأويلِ قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: فهلَّا كان من القرونِ الذين قصَصتُ عليكم
(5)
نبأَهم في هذه السورةِ، الذين أهلَكتُهم بمعصيتِهم إياى، وكفرِهم برسلى من قبلِكم، {أُولُو
(1)
سقط من: ص، ت 1، ت 2، ص، ف.
(2)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 353 إلى المصنف.
(3)
فى م: "عمل".
(4)
سقط من: م.
(5)
في ص، م ت 1، ت 2، س، ف:"عليك".
بَقِيَّةٍ}. يقولُ: ذَوُو
(1)
بقيةٍ من الفهمِ والعقلِ، يعتبِرون مواعظَ اللهِ، ويتدبَّرون حججَه، فيعرِفون ما لهم في الإيمانِ باللهِ، وعليهم في الكفرِ به، {يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ}. يقولُ: ينهَون أهلَ المعاصى عن معاصيهم، وأهلَ الكفرِ باللهِ عن كفرِهم به في أرضِه، {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}. يقولُ: لم يكُنْ من القرونِ من قبلِكم أولو بقيةٍ ينهَون عن الفسادِ في الأرضِ إلا يسيرًا، فإنهم كانوا ينهَون عن الفسادِ في الأرضِ، فنجّاهم اللهُ من عذابِه حينَ أخَذ مَن كان مقيمًا على الكفرِ باللهِ - عذابُه، وهم تُبَّاعُ الأنبياءِ والرسلِ. ونصَب "قليلًا" لأن قولَه:{إِلَّا قَلِيلًا} . استثناءٌ منقطِعٌ مما قبلَه، كما قال:{إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} [يونسُ: 98]. وقد بيَّنا ذلك في غيرِ موضعٍ، بما أغنَى عن إعادتِه
(2)
.
وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ: اعتذَر فقال: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ} حتى بلَغ: {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} . فإذا هم الذين نَجَوا حينَ نزَل عذابُ اللهِ. وقرَأ: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} .
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ قولَه:{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ} . إلى قولِه: {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} . قال: يستقِلُّهم اللهُ من كلِّ قومٍ
(3)
.
(1)
في الأصل، م، ت 1، ت 2، س، ف:"ذو".
(2)
ينظر ما تقدم في ص 291، 292.
(3)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 356 إلى أبى الشيخ.
حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا ابنُ أبي عَدىٍّ، عن داودَ، قال: سألني بلالٌ، عن قولِ الحسنِ في القَدرِ
(1)
. قال: فقلتُ
(2)
: سمِعتُ الحسنَ يقولُ: {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود: 48]. قال: بعَث اللهُ هودًا إلى عادٍ، فنجَّي اللهُ هودًا والذين آمَنوا معه، وهلك المتمتِّعون، وبعَث اللهُ صالحًا إلى ثمودَ، فنجَّي اللهُ صالحًا، وهلَك المتمتِّعون. فجعَلتُ أستقريه الأممَ، فقال: ما أراه إلا كان حسنَ القولِ في القَدرِ
(3)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} . أى: لم يكُنْ من قبلِكم من ينهَى عَنِ الفسادِ فِي الأرضِ {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}
(4)
.
وقولُه: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} . يقولُ تعالى ذكرُه: واتَّبَع الذين ظلَموا أنفسَهم وكفروا
(5)
باللهِ {مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} . [فاختلَف أهلُ التأويلِ فى تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه أنهم اتَّبَعوا ما أُبطِروا
(6)
فيه]
(7)
.
(1)
فى ص، م، ت 2، س، ف:"العذر".
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"فقال".
(3)
فى م: "العذر". والأثر أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2041 عن داود عن الحسن بنحوه.
(4)
عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 356 إلى المصنف وأبى الشيخ وابن أبي حاتم.
(5)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"فكفروا".
(6)
كذا بالأصل، ولعل صوابها:"أُنْظِرُوا" لدلالة ما يأتى بعد.
(7)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} قال: ما أُنظِروا فيه
(1)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} : من دنياهم
(2)
.
وكأنَّ هؤلاء وجَّهوا تأويلَ الكلامِ: واتَّبع الذين ظلَموا الشيءَ الذي أنظَرهم فيه ربُّهم، من نعيمِ الدنيا ولذَّاتِها، إيثارًا له على عملِ الآخرةِ، وما ينجِّيهم من عذابِ اللهِ.
وقال آخرون: معنى ذلك: واتَّبَع الذين ظلَموا ما تجبَّروا فيه من الملكِ، وعَتَوْا عن أمرِ اللهِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبى نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ عز وجل:{وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} . قال: في ملكِهم وتجبُّرِهم، وترَكوا الحقَّ
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، [قال: حدَّثنا إسحاقُ، قال: حدَّثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبى نَجيحٍ، عن مجاهدٍ]
(3)
نحوَه، إلا أنه قال: وتركِهم الحقَّ
(4)
.
(1)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 356 إلى المصنف وابن المنذر وأبي الشيخ وابن أبي حاتم.
(2)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 356 إلى ابن أبي حاتم وأبى الشيخ.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
تفسير مجاهد ص 392، وعزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 356 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَ حديثِ محمدِ بنِ عمرٍو سواءً.
وأولى الأقوالِ فى ذلك بالصوابِ أن يقالَ: إن اللهَ عز وجل أخْبَر أن الذين ظلَموا أنفسَهم مِن كلِّ أُمَّةٍ سَلَفَت، فكفَروا باللهِ، اتَّبَعوا ما أُنْظِروا فيه مِن لذاتِ الدنيا
(1)
، فاسْتَكْبروا عن أمرِ اللهِ وتجَبَّروا، وصدُّوا عن سبيلِه.
وذلك أن المُتْرَفَ فى كلامِ العربِ هو المُنَعَّمُ الذي قد غُذِّى باللذاتِ، ومنه قولُ الراجزِ
(2)
:
نُهدِى
(3)
رُءُوسَ المُتْرَفِين الصُّدَّادْ
إلى أميرِ المؤمنين المُمْتادْ
وقولُه: {وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} . يقولُ: وكانوا مُكْتَسبى الكفرِ باللهِ.
القولُ في تأويلِ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: وما كان ربُّك يا محمدُ لِيُهْلِكَ القرى التي أهْلَكها -التي قَصَّ عليك نبأَها- ظُلمًا وأهلُها مُصْلِحون فى أعمالِهم، غيرُ مُسِيئِين، فيكونَ إهلاكُه إياهم مع إصلاحِهم في أعمالِهم وطاعتِهم ربَّهم ظلمًا، ولكنه أهْلَكها لكُفْرِ
(4)
أهلِها باللهِ، وتَمادِيهم في غَيِّهم، وتكذيبِهم رسلَهم، وركوبِهم السيئاتِ.
(1)
بعده في ص، م، ت 1، س، ف:"فاستكبروا وكفروا بالله واتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا".
(2)
هو رؤبة بن العجاج، كما في ديوانه ص 40. وقد تقدم في 9/ 122.
(3)
في ص، م:"يهدى"، وفى ف:"تهدى".
(4)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"بكفر".
وقد قيل: معنى ذلك: لم يَكُنْ لِيُهْلِكَهم بِشركِهم
(1)
باللهِ، وذلك قولُه:{بِظُلْمٍ} . يعني: بشركٍ، {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}: فيما بينَهم لا يَتَظَالَمون، ولكنهم يَتَعاطَوْن الحقَّ بينَهم، وإن كانوا مشركين، وإنما يُهْلِكُهم إذا تَظالَموا.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)} .
يقولُ تعالى ذكرُه: ولو شاء ربُّك يا محمدُ لجعَل الناسَ كلَّهم جماعةً واحدةً، على ملةٍ واحدةٍ، ودينٍ واحدٍ. كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} . يقولُ: لجعَلهم مسلمين كلَّهم.
وقولُه: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} . يقولُ: ولا يزالُ النَّاسُ مختلفين، {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} .
ثم اختلَف أهلُ التأويلِ فى الاختلافِ الذى وصَف اللهُ الناسَ أنهم لا يزالون به؛ فقال بعضُهم: هو الاختلافُ فى الأديانِ، فتأويلُ ذلك على مذهبِ هؤلاء: ولا يزالُ الناسُ مختلِفين على أديانٍ شتَّى؛ من بينِ يهوديٍّ ونصرانيٍّ ومجوسيٍّ، ونحوِ ذلك. وقال قائلو هذه المقالةِ: استثنَى اللهُ من ذلك مَن رحِمهم، وهم
(2)
أهلُ الإيمانِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ نُميرٍ، عن طلحةَ بنِ عمرٍو، عن عطاءٍ: {وَلَا
(1)
في الأصل: "لشركهم".
يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}. قال: اليهودُ والنصارى والمجوسُ، والحنيفيةُ هم الذين رحِم ربُّك
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا قبيصةُ، قال: ثنا سفيانُ، عن طلحةَ بنِ عمرٍو، عن عطاءٍ:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} . قال: اليهودُ والنصارى والمجوسُ. {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} . قال: يعنى
(2)
الحنيفيةَ.
حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، قال: أخبَرنا منصورُ ابنُ عبدِ الرحمنِ، قال: قلت للحسنِ: قولَه: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} ؟ قال: الناسُ مختلفون على أديانٍ شتَّى، إلا من رحِم ربُّك، فمن رحِم غيرُ مختلِفين
(3)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن حسنِ بنِ صالحٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} . قال: أهلُ الباطلِ. {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} . قال: أهلُ الحقِّ
(4)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} . قال: أهلُ الباطلِ. {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} . قال: أهلُ الحقِّ.
(1)
في ص، ت 2، ف:"هو". والأثر أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2094 من طريق طلحة به، وعزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 356 إلى أبى الشيخ.
(2)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"هم".
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2094 من طريق ابن علية به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 356 إلى أبي الشيخ.
(4)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 356 إلى المصنف وأبى الشيخ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوَه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا مُعَلَّى بنُ أسدٍ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، عن منصورِ بنِ عبدِ الرحمنِ، قال: سُئِل الحسنُ عن هذه الآيةِ: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} . قال: الناسُ كلُّهم مختلِفون على أديانٍ شتَّى. {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} : فمن رحِم غيرُ مختلِفٍ. فقلت له: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} ؟ فقال: خلَق هؤلاء لجنتِه، وهؤلاء لنارِه، وخلَق هؤلاء لرحمتِه، وخلَق هؤلاء لعذابِه
(1)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ سعدٍ
(2)
، قال: ثنا أبو جعفرٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} . قال: أهلُ الباطلِ. {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} . قال: أهلُ الحقِّ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شريكٌ، عن خُصيفٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} . قال: أهلُ الحقِّ، وأهلُ الباطلِ. {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}. قال: أهلُ الحقِّ.
حدَّثني المُثّنَّى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شريكٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، [عن شريكٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}. قال: أهلُ الباطلِ]
(3)
. {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} . قال: أهلُ الحقِّ ليس فيهم اختلافٌ.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2095 من طريق منصور به.
(2)
في الأصل: "سعيد". وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الدشتكى. ينظر تهذيب الكمال 17/ 210.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ يمانٍ، عن سفيانَ، عن ابنِ جريجٍ، عن عكرمةَ:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} . قال: اليهودُ والنصارى. {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} . قال: أهلُ القبلةِ
(1)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: أخبَرني الحكمُ بنُ أبانٍ، عن عكرمةَ، [عن ابنِ عباسٍ]
(2)
: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} . قال: أهلُ الباطلِ: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} . قال: أهلُ الحقِّ
(3)
.
حدَّثنا هنَّادٌ، قال: ثنا أبو الأحوصِ، عن سماكٍ، عن عكرمةَ في قولِه:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} . قال: لا يزالون مختلِفين في الهوى
(4)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ
(5)
، عن قتادةَ قولَه:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} . فأهلُ رحمةِ اللهِ أهلُ جماعةٍ، وإن تفرَّقت دورُهم وأبدانُهم، وأهلُ معصيةِ اللهِ أهلُ فرقةٍ، وإن اجتمَعت دورُهم وأبدانُهم
(6)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن الأعمشِ:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} . قال: مَن جعَله على الإسلامِ.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2094 من طريق ابن يمان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 356 إلى أبي الشيخ.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2093، 2094 من طريق آخر عن ابن عباس به.
(4)
في ت 2: "اليهود". والأثر أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1107 - تفسير) عن أبى الأحوص به.
(5)
بعده في الأصل: "قال حدثنا. . .".
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2094 من طريق سعيد بن بشير عنه به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 356 إلى أبي الشيخ.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا الحسنُ عن
(1)
واصلٍ، عن الحسنِ:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} . قال: أهلُ الباطلِ، {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} .
حدَّثنا
(2)
ابنُ حميدٍ، قال: ثنا حكامٌ، عن عنبسةَ، عن محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن القاسمِ بنِ أبي بَزَّةَ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} . قال: أهلُ الباطلِ: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} . قال: أهلُ الحقِّ
(3)
.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ وابنُ وكيعٍ قالا: ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا يزالون مختلِفين في الرزقِ؛ فهذا فقيرٌ، وهذا غنيٌّ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا المعتمِرُ، عن أبيه، أن الحسنَ قال: مختلِفين فى الرزقِ، سخَّر بعضَهم لبعضٍ
(4)
.
وقال آخرون
(5)
: مختلِفين فى المغفرةِ والرحمةِ. أو كما قال.
وأولى الأقوالِ في تأويلِ ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: معنى ذلك: ولا يزالُ الناسُ مختلِفين في أديانِهم وأهوائِهم على أديانٍ ومِلَلٍ وأهواءٍ شتَّى، {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} ، فآمَن باللهِ، وصدَّق رسلَه، فإنهم لا يختلِفون في توحيدِ اللهِ، وتصديقِ
(1)
في النسخ: "بن". وينظر تهذيب الكمال 30/ 406، وميزان الاعتدال 1/ 528.
(2)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"قال: ثنا".
(3)
تقدم تخريجه في ص 633.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2094 من طريق المعتمر به.
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"بعضهم".
رسلِه، وما جاءهم من عندِ اللهِ.
وإنما قلتُ: ذلك أولى بالصوابِ في تأويلِ ذلك؛ لأن اللهَ جلَّ ثناؤُه أتْبَعَ ذلك قولَه: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} . ففى ذلك دليلٌ واضحٌ، أن الذى قبلَه من ذكرِ خبرِه عن اختلافِ الناسِ، إنما هو خبرٌ عن اختلافٍ مذمومٍ يوجِبُ لهم النارَ، ولو كان خبرًا عن اختلافِهم في الرزقِ لم يعقِّبْ ذلك بالخبرِ عن عقابِهم وعذابِهم
(1)
.
وأما قولُه عز وجل: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . فإن أهلَ التأويلِ اختلَفوا في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: معناه: وللاختلافِ خلَقهم.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن مباركِ بنِ فَضالةَ، عن الحسنِ:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . قال: للاختلافِ
(2)
.
حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، قال: ثنا منصورُ بنُ عبدِ الرحمنِ، قال: قلت للحسنِ: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . فقال: خلَق هؤلاء لجنتِه، وخلَق هؤلاء لنارِه، وخلَق هؤلاء لرحمتِه، وخلَق هؤلاء لعذابِه
(3)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، عن منصورٍ، عن الحسنِ مثلَه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا المُعَلَّى بنُ أسدٍ، قال: ثنا عبدُ العزيز، عن منصورِ بنِ
(1)
في الأصل: "عن عذابهم".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2096 من طريق ابن المبارك به، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 316 من طريق آخر عن الحسن به.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2095 من طريق ابن علية به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 356 إلى أبى الشيخ.
عبدِ الرحمنِ، عن الحسنِ بنحوِه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجاجُ بنُ المنهالِ، قال: ثنا حمادٌ، عن خالدٍ الحذّاءِ، أن الحسنَ قال فى هذه الآيةِ:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . قال: خلَق هؤلاء لهذه، وخلَق هؤلاء لهذه
(1)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا هَوْذَةُ بنُ خليفةَ، قال: ثنا عوفٌ، عن الحسنِ، قال:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . قال: أما أهلُ رحمةِ اللهِ فإنهم لا يختلِفون اختلافًا يضُرُّهم.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . قال: خلَقهم فريقين: فريقًا يُرحَمُ فلا يختلِفُ، وفريقًا لا يُرْحَمُ يختلِفُ، وذلك قولُه:{فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}
(2)
.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن طلحةَ بنِ عمرٍو، عن عطاءٍ فى قولِه:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} . قال: يهودُ، ونصارى، ومجوسٌ. {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}. قال: من جعَله على الإسلامِ، {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}. قال: مؤمنٌ وكافرٌ
(3)
.
[حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن الأعمشِ: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}. قال: "مؤمنٌ وكافرٌ"]
(4)
.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2095 من طريق حماد به بنحوه.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2095 من طريق أبي صالح به.
(3)
ينظر ما تقدم في ص 633.
(4)
سقط من: م، والأثر ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 292 بمعناه عن الأعمش.
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا أشهبُ
(1)
، قال: سُئِل مالكٌ عن قولِ اللهِ: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . قال: خلَقهم ليكونوا فريقين: فريقٌ فى الجنةِ، وفريقٌ فى السعيرِ
(2)
.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وللرحمةِ
(3)
خلَقهم.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن حسنِ بنِ صالحٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . قال: للرحمةِ
(4)
.
حدَّثنا ابن حميدٍ وابنُ وكيعٍ قالا: ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . قال: للرحمةِ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شريكٌ، عن ليثٍ
(5)
، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن شريكٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ سعدٍ، قال: أخبَرنا أبو حفصٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ مثلَه، إلا أنه قال: للرحمةِ
(1)
في ت 1: "ابن وهب".
(2)
ذكره البغوى فى تفسيره 4/ 206 عن مالك به، وذكره ابن كثير 4/ 292 عن ابن وهب عن مالك به.
(3)
فى ص، ت 1، س، ف:"للرحمن".
(4)
ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2095 عن مجاهد معلقًا.
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"خصيف".
خلَقهم.
[حدَّثني المُثَنَّى، حدَّثنا أبو حذيفةَ، قال: حدَّثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}. قال: للرحمةِ]
(1)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . قال: للرحمةِ خلَقهم
(2)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو معاويةَ، عمَّن ذكَره، عن ثابتٍ، عن الضحاكِ {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}. قال: للرحمةِ
(3)
.
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريج، قال: أخبَرني الحكمُ بنُ أبانٍ، عن عكرمةَ:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . قال: أهلُ الحقِّ ومَن اتبَعه لرحمتِه.
حدَّثني [سعدُ بنُ عبدِ اللهِ]
(4)
، قال: ثنا حفصُ بنُ عمرَ، قال: ثنا الحكمُ بنُ أبانٍ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ} . قال: للرحمةِ {خَلَقَهُمْ} ، ولم يخلُقْهم للعذابِ
(5)
.
وأولى القولين في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: وللاختلافِ بالشقاءِ والسعادةِ. خلَقهم. لأن اللهَ جلّ ثناؤُه، ذكَر صِنفين من خلقِه؛ أحدُهما: أهلُ اختلافٍ
(1)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(2)
تفسير عبد الرزاق 1/ 316 عن معمر به.
(3)
ذكره البغوى فى تفسيره 4/ 207 عن الضحاك به.
(4)
في الأصل: "عبيد الله بن عبد الحكم". وينظر الجرح 4/ 92.
(5)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 291 عن الحكم بن أبان به.
وباطلٍ. والآخرُ: أهلُ حقٍّ. ثم عقَّب ذلك بقولِه: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . فعمَّ بقولِه: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . صفةَ الصِّنفين، فأخبَر عن كلِّ فريقٍ منهما أنه ميسرٌ لما خُلِق له.
فإن قال قائلٌ: فإن كان تأويلُ ذلك كما ذكَرتَ، فقد ينبَغِي أن يكونَ المختلفون غيرَ ملومين على اختلافِهم، إذ كان لذلك خلَقهم ربُّهم، وأن يكونَ المتمتِّعون هم الملومين؟ قيل: إن معنى ذلك بخلافِ ما إليه ذهَبتَ، وإنما معنى الكلامِ: ولا يزالُ الناسُ مختلِفين بالباطلِ من أديانِهم ومللِهم، {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} فهداه للحقِّ ولعلمِه، وعلى علمِه النافذِ فيهم قبلَ أن يَخلُقَهم -أنه يكونُ فيهم المؤمنُ والكافرُ، والشقىُّ والسعيدُ- خلَقهم، فمعنى "اللامِ" في قولِه:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . بمعنى: "على". [كقولِك للرجلِ]
(1)
: أكرَمتُك على برِّك بي
(2)
. وأكرَمتُك لبرِّك بي.
وأما قولُه: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} . [يقولُ عز وجل: وسبَقت كلمةُ ربِّك يا محمدُ، فوجَبَت: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}]
(3)
. لعلمِه السابقِ فيهم أنهم يستوجِبون صِلِيَّها؛ بكفرِهم باللهِ، وخلافِهم إياه
(4)
.
وقولُه: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} . قَسَمٌ، كقولِ القائلِ: حَلِفى لأزورَنَّك،
(1)
في الأصل: "كقول الرجل للرجل".
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
فى ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"أمره".
وبدا لي لآتيَنَّك. ولذلك تُلُقِّيَت بلامِ اليمينِ.
وقولُه: {مِنَ الْجِنَّةِ} : وهى ما اجتنَّ عن أبصارِ بنى آدمَ، {وَالنَّاسِ}. يعني: بني آدمَ. وقيل: إنهم سُمُّوا جِنةً؛ لأنهم كانوا على الجنَانِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا [عبيدُ اللهِ]
(1)
، عن إسرائيلَ، عن السديِّ، عن أبى مالكٍ: إنما
(2)
سُمُّوا الجِنةَ؛ أنهم كانوا على الجنَانِ، والملائكةُ كلُّهم جِنةٌ.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا [عبيدُ اللهِ](1)، عن إسرائيلَ، عن السديِّ، عن أبى مالكٍ، قال: الجِنَّةُ الملائكةُ.
وأما معنى قولِ أبي مالكٍ هذا: أن إبليسَ كان من الملائكةِ، والجنَّ ذريَّتُه، وأن الملائكةَ تسمَّى عندَه
(3)
الجنَّ؛ لما قد بيَّنت فيما مضَى قبلُ من كتابِنا هذا
(4)
.
القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)} .
يقولُ عز وجل: [وكُلُّ ذلك]
(5)
{نَقُصُّ عَلَيْكَ} يا محمدُ {مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ} الذين كانوا قبلَك، {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} ، فلا تجزَعْ من تكذيبِ مَن كذَّبك من قومِك، ورَدَّ عليك ما جئتَهم به، ولا يَضِقْ صدرُك، فتترُكَ بعضَ ما
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"عبد الله".
(2)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"وإنما".
(3)
في س: "عبدة".
(4)
تقدم في 1/ 535.
(5)
في ص، م، ت 1، ت 2، س، ف:"وكلا".
أنزَلتُ إليك من أجلِ أن قالوا: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} [هود: 12]. إذا علِمتَ ما لَقِيَ مَن قبلَك من رسلى من أُمَمِها.
كما حدَّثني القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ قولَه:{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} . قال: لتعلمَ ما لقِيَتْ الرسلُ قبلَك من أُمَمِهم
(1)
.
واختلَف أهلُ العربيةِ فى وجهِ نصبِ {كُلًّا} ؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: نُصِب على معنى: ونقصُّ عليك من أنباءِ الرسلِ ما نثبِّتُ به فؤادَكَ كُلًّا. كأَنَّ الكلَّ منصوبٌ عندَه على المصدرِ من {نَقُصُّ} ، بتأويلِ: ونقصُّ عليك ذلك كُلَّ القَصَصِ. وقد أنكَر ذلك من قولِه بعضُ أهلِ العربيةِ، وقال: ذلك غيرُ جائزٍ. وقال: إنما نصَب {كُلًّا} بـ {نَقُصُّ} ؛ لأن {كُلًّا} بُنِيت على الإضافةِ، كان معها إضافةٌ أو لم يكُنْ. وقال: أراد: كلَّه نقصُّ عليك. وجعَل {مَا نُثَبِّتُ} ردًّا على {كُلًّا} . وقد بيَّنتُ الصوابَ من القولِ في ذلك
(2)
.
وأما قولُه: {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . فإن أهلَ التأويلِ اختلَفوا في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: معناه: وجاءك فى هذه السورةِ الحقُّ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا شعبةُ، عن خُليدِ بنِ جعفرٍ، عن أبي إياسٍ، عن أبي موسى:{وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . قال: في هذه
(1)
في الأصل، ص، س، ف:"أمنهم"، والمثبت موافق لما في مصدر التخريج. والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 356 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.
(2)
ينظر البحر المحيط 5/ 274.
السورةِ
(1)
.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ: وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن شعبةَ، عن خُليدِ بن جعفرٍ، عن أبى إياسٍ معاويةَ بنِ قُرَّةَ، عن أبي موسى مثلَه.
حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثني سعيدُ بنُ عامرٍ، قال: ثنا عوفٌ، عن أبى رجاءٍ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه:{وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . قال: في هذه السورةِ
(2)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا يحيى بنُ آدمَ، عن أبي عَوانةَ، عن أبي بشرٍ، عن عمرٍو العنبريِّ، عن ابنِ عباسٍ:{وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . قال: في هذه السورةِ
(3)
.
حدَّثنا ابنُ المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍّ، عَن أَبي عَوَانَةَ، عن أبي بشرٍ، عن رجلٍ مِن بنى العنبرِ، قال: خَطَبَنا ابنُ عباسٍ فقال: {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . قال: في هذه السورةِ
(3)
.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن الأعمشِ، عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، قال: سمِعتُ ابنَ عباسٍ قرَأ هذه السورةَ على الناسِ حتى بلَغ: {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . قال: في هذه السورةِ
(4)
.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن عوفٍ، عن مروانَ الأصفرِ، عن ابنِ عباسٍ، أنه قرَأ على المنبرِ:{وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . فقال: في هذه السورةِ.
(1)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 356 إلى المصنف وابن مردويه وأبى الشيخ.
(2)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 356 إلى ابن المنذر والفريابي وأبي الشيخ وابن مردويه.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1108 - تفسير)، وابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2096، من طريق أبي عوانة به.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2096 من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 316 عن معمر به.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . قال: في هذه السورةِ
(1)
.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى
(2)
، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . قال: في هذه السورةِ (1).
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
[حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه]
(3)
.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن شريكٍ، عن عطاءٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ مثلَه
(4)
.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن أبي جعفرٍ الرازيِّ، عن الربيعِ بنِ أنسٍ، عن أبي العاليةِ، قال: هذه السورةُ.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ سعد
(5)
، قال: أخبَرنا أبو جعفرٍ الرازيُّ، عن الربيعِ بنِ أنسٍ مثلَه.
حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابنُ عُلَيَّةَ، قال: أخبَرنا أبو رجاءٍ، عن
(1)
تفسير مجاهد ص 392.
(2)
في الأصل: "أبو عيسى".
(3)
ليس في الأصل.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2096 من طريق عطاء به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 357 إلى أبي الشيخ.
(5)
في الأصل، ت 1، ت 2، ت 3، م:"سعيد"، وفى ف:"مسعد" وقد تقدم مرارًا.
الحسنِ في قولِه: {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . قال: في هذه السورةِ
(1)
.
حدَّثنا ابنُ المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مهدىٍّ، عن شعبةَ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ بمثلِه.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٍ، وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن شعبةَ، عن أبى رجاءٍ، عن الحسنِ مثلَه.
حدَّثنا ابنُ المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، عن [شعبةَ، عن]
(2)
أبانِ بنِ تغلِبَ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . قال: في هذه السورةِ
(3)
.
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ مثلَه.
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا آدمُ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبى رجاءٍ، قال: سمِعتُ الحسنَ البصريَّ يقولُ فى قولِ اللهِ عز وجل: {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . قال: يعنى: فى هذه السورةِ (1).
وقال آخرون: معنى ذلك: وجاءك في هذه الدنيا الحقُّ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ ومحمدُ بنُ المُثَنَّى، قالا: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال:
(1)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 357 إلى أبي الشيخ.
(2)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(3)
تفسير عبد الرزاق 1/ 316 عن معمر به.
ثنا شعبةُ، عن قتادةَ:{وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . قال: في هذه الدنيا
(1)
.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن شعبةَ
(2)
، عن قتادةَ [مثلَه (1).
حدَّثنا بشرٌ، قال: حدَّثنا يزيدُ، قال: حدَّثنا سعيدٌ، عن قتادةَ]
(3)
: {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} . قال: كان الحسنُ يقولُ: في الدنيا
(4)
.
وأولى القولين بالصوابِ في تأويلِ ذلك قولُ مَن قال: وجاءك في هذه السورةِ الحقُّ؛ لإجماعِ الحجةِ من أهلِ التأويلِ على أن ذلك تأويلُه.
فإن قال لنا قائلٌ: أوَ لم يجِئْ النبىَّ صلى الله عليه وسلم الحقُّ من سُوَرِ القرآنِ إلا في هذه السورةِ، فيقالَ: وجاءك فى هذه السورةِ الحقُّ؟ قيل له: بلى، قد جاءه فيها كلِّها.
فإن قال: فما وجهُ خصوصِه إذنْ فى هذه السورةِ بقولِه: {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} ؟ قيل: إن معنى الكلامِ: وجاءك في هذه السورةِ الحقُّ، مع ما جاءك في سائرِ سُورِ القرآنِ، أو إلى ما جاءك من الحقِّ فى سائرِ سُوَرِ القرآنِ، لا أن معناه: وجاءَك فى هذه السورةِ الحقُّ، دونَ سائرِ سُوَرِ القرآنِ.
وقولُه: {وَمَوْعِظَةٌ} . يقولُ: وجاءك موعظةٌ تعِظُ الجاهلين باللهِ، وتُبَيِّنُ لهم عِبَرَه ممن كفَر به، وكذَّب رسلَه. {وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}. يقولُ: وتذكِرةٌ تذكَّرُ
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 6/ 2096، من طريق وكيع عن شعبة به.
(2)
فى ص: "سعيب"، وفى ت 1، ت 2، س:"شعيب"، وفى ف:"شيب".
(3)
سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، س، ف.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 6/ 2096، من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 357 إلى أبى الشيخ.
المؤمنين باللهِ ورسلِه؛ كى لا يغفُلوا عن الواجبِ للهِ عليهم.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: {وَقُلْ} يا محمدُ للذين لا يُصَدِّقونك، ولا يُقِرُّونَ بوحدانيةِ اللهِ:{اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} . يقولُ: على هِينتِكم وتمكُّنِكم ما أنتم عامِلوه، فإنا عامِلون ما نحن عاملوه من الأعمالِ التى أمَرنا اللهُ عز وجل بها،
وانتظِروا ما وعَدكم الشيطانُ، فإنا منتظِرون ما وعَدنا اللهُ من خِزْيِكم
(1)
ونصرتِنا عليكم.
كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ في قولِه:{وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} . قال: يقولُ: انتظِروا مواعيدَ الشيطانِ إياكم، على ما يُزيِّنُ لكم؛ إنا منتظِرون
(2)
.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)} .
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: وللهِ يا محمدُ مُلْكُ كلِّ ما غاب عنك في السماواتِ والأرضِ، فلم تطَّلِعْ عليه، ولم تعلَمْه، كلُّ ذلك بعلمِه وبيدِه، لا يخفَى عليه منه شيءٌ، وهو عالمٌ بما يعمَلُه مشركو قومِك، وما إليه مصيرُ أمرِهم؛ من إقامةٍ على الشركِ، أو إقلاعٍ عنه وتوبةٍ، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}. يقولُ: وإلى اللهِ
(1)
في ص، م، ت 1، ت 2:"حربكم".
(2)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 357 إلى المصنف، وأبي الشيخ.
مَعادُ كلِّ عاملٍ وعملِه، وهو مُجازٍ جميعَهم بأعمالِهم.
كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ:{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} . قال: فيقضِى بينَهم بحكمِه بالعدلِ. يقولُ
(1)
: {فَاعْبُدْهُ} : فاعبُدْ ربَّك يا محمدُ، {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}. يقولُ: وفوِّضْ أمرَك إليه، وثِقْ به وبكفايتِه، فإنه كافٍ مَن توكَّلَ عليه
(2)
.
وقولُه: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} . يقولُ: وما ربُّك يا محمدُ بساهٍ عما يعمَلُ هؤلاء المشركون من قومِك، بل هو محيطٌ به، لا يعزُبُ عنه شيءٌ منه، وهو لهم بالمرصادِ، فلا يَحزُنْك إعراضُهم عنك، ولا تكذيبُهم بما جئتَهم به من الحقِّ، وامضِ لأمرِ ربِّك، فإنك بأَعْينِنا.
حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا زيدُ بنُ الحُبابِ، عن جعفرِ بنِ سليمانَ، عن أبي عمرانَ الجَوْنيِّ، عن عبدِ اللهِ بنِ رباحٍ، عن كعبٍ، قال: خاتمةُ التوراةِ خاتمةُ هودٍ
(3)
(*).
آخرُ تفسيرِ سورةِ هودٍ، والحمدُ للهِ وحدَه.
يتلوه تفسيرُ السورةِ التي يُذكَرُ فيها يوسفُ. وهو آخرُ المجلدِ الثاني عشرَ. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على محمدٍ وآلِه وصحبِه وسلَّم.
(1)
سقط من: ص، ت 2، ف.
(2)
عزاه السيوطي فى الدر المنثور 3/ 357 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.
(3)
ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 293 عن المصنف، وأخرجه الدارمي 2/ 453، وابن الضريس في فضائل القرآن (199)، وأبو نعيم في الحلية 5/ 378، من طريق أبي عمران به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 357 إلى عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وأبى الشيخ.
(*) بعده في الأصل: "تم السفر بحمد الله". وبذلك ينتهى الجزء الثالث والثلاثون من مخطوطة خزانة القرويين (الأصل).