المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌تفسيُر السورةِ التى يُذكَرُ فيها يوسفُ صلى - تفسير الطبري جامع البيان - ت التركي - جـ ١٣

[ابن جرير الطبري]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌تفسيُر السورةِ التى يُذكَرُ فيها يوسفُ صلى الله عليه وسلم

-

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ

(1)}.

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ رحمةُ اللهِ عليه: قد ذكَرنا اختلافَ أهلِ التأويلِ في تأويلِ قولِه: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ}

(1)

، والقولَ الذي نختارُه في تأويلِ ذلك فيما مضَى بما أغنَى عن إعادتِه هاهنا

(2)

.

وأما قولُه: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} . فإن أهلَ التأويلِ اختلَفوا في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: معناه: تلك آياتُ الكتابِ [المُبين؛ بيَّن]

(3)

حلالَه وحرامَه، ورُشْدَه وهُدَاه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني سعيدُ بنُ عمرٍو السَّكُونيُّ، قال: ثنا الوليدُ بنُ سَلَمَةَ الفِلَسطينيُّ، قال: أخبرَني عبدُ الوهابِ بنُ مجاهدٍ، عن أبيه فى قولِ اللهِ تعالى:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} قال: بَيَّن

(4)

حلالَه وحرامَه

(5)

.

(1)

بعده في م: "المبين".

(2)

تقدم في 12/ 105، 106.

(3)

زيادة من: م.

(4)

في ف: يبين.

(5)

عزاه السيوطي فى الدر المنثور 4/ 3 إلى المصنف.

ص: 5

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} : إى واللهِ، لمبينٌ بركتَه

(1)

، هُدَاه ورُشْدَه

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بن يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاق، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} . قال بَيَّنَ اللهُ رُشْدَه وهُدَاهُ

(3)

.

وقال آخرون في ذلك بما حدَّثني سعيدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا الوليدُ بنُ سَلَمةَ، قال: ثني ثورُ بنُ يزيدَ، عن خالدِ بنِ مَعْدانَ، عن معاذٍ أنه قال في قولِ اللهِ عز وجل:{الْكِتَابِ الْمُبِينِ} . قال: بَيَّن الحروفَ التي سقَطت عن ألسنِ الأعاجمِ، وهى ستةُ أحرفٍ

(4)

.

والصوابُ مِن القولِ فى ذلك عندى أن يقالَ: معناه: هذه آياتُ الكتابِ المبينِ، لمَن تَلَاه، وتَدَبَّرَ ما فيه، مِن حلالِه وحرامِه ونهيِه، وسائرِ ما حَواه مِن صنوفِ معانيه؛ لأن اللهَ، جل ثناؤُه، أخبرَ أنه مبينٌ، ولم يخصَّ إبانتَه

(5)

عن بعضِ ما فيه دونَ جميعِه، فذلك على جميعِه، إذ كان جميعُه مبينًا عما فيه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

(2)}.

يقولُ تعالى ذكرُه: إنا أنزلنا هذا الكتاب المبين قرآنًا عربيًّا على العربِ؛ لأن لسانَهم وكلامَهم عربيٌّ، فأنْزلنا هذا الكتاب بلسانِهم، ليَعْقِلوه ويفْقَهوا منه، وذلك

(1)

فى م: "تركيبه".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2099، 8/ 2748 من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 3 إلى ابن المنذر.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 317.

(4)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 3 إلى المصنف.

(5)

فى ت 1، ت 2، س، ف:"آياته".

ص: 6

قولُه عز وجل: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} .

‌القولُ في تأويل قولِه تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ

(3)}.

يقولُ جلَّ ثناؤُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} ، يا محمدُ، {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} ، بوَحْيِنا إليك هذا القرآنَ، فنُخْبِرُك فيه عن الأخبارِ الماضيةِ، وأنباءِ الأمم السالفةِ، والكُتُبِ التي أنزَلناها في العصورِ الخاليةِ، {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}. يقولُ تعالى ذكرُه: وإن كنتَ يا محمدُ، مِن قبلِ أن نوحيَه إليك، {لَمِنَ الْغَافِلِينَ} عن ذلك لا تعلمُه ولا شيئًا منه، كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} ، من الكتبِ الماضيةِ، وأمورِ اللهِ السالفةِ في الأممِ، {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}

(1)

.

وذُكِر أن هذه الآيةَ نزَلت على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لمسألةِ أصحابِه إياه أن يقصَّ عليهم.

ذكرُ [الروايةِ بذلك]

(2)

حدَّثني نصرُ بنُ عبدِ الرحمنِ الأَوْدِيُّ، قال: ثنا حَكَّامٌ الرازيُّ، عن أيوبَ، عن عمرٍو المُلائيِّ، عن ابنِ عباسٍ، قال: قالوا: يا رسولَ اللهِ، لو قصصتَ علينا؟ قال: فنزَلت {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2100 (11326) من طريق سعيد به.

(2)

في ص: "من قال الرواية بذلك"، وفى ت 2:"من قال ذلك".

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 295 عن المصنف.

ص: 7

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا حكامٌ، عن أيوبَ بنِ سيّارٍ أبي عبدِ الرحمنِ، عن عمرِو بنِ قيسٍ، قال: قالوا: يا نبيَّ اللهِ، فذكَر مثلَه.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن المسعوديِّ، عن عونِ بنِ عبدِ اللهِ، قال: مَلَّ أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَلَّةً، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، حَدِّثنا. فأنزَل اللهُ عز وجل:{اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [الزمر: 23]، ثم مَلُّوا مَلَّةً أخرى، فقالوا: يا رسول اللهِ حدِّثْنا فوقَ الحديثِ، و [دونَ القرآنِ. يعنون القصصَ]

(1)

، فأنزَل اللهُ:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)} . فأرادوا الحديثَ، فدلَّهم على أحسنِ الحديثِ، وأرادوا القصصَ، فدلَّهم على أحسنِ القصصِ

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ سعيدٍ العطارُ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: أخبرَنا خلَّادٌ الصَّفَّارُ، عن عمرِو بنِ قيسٍ، [عن عمرِو بنِ مرةَ]

(3)

، عن مصعبِ بنِ سعدٍ، عن سعدٍ، قال: أُنزِل على النبيِّ صلى الله عليه وسلم القرآنُ. قال: فتَلَاه عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، لو قَصَصْتَ علينا؟ فأنزَل اللهُ:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} إلى قولِه: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} الآية. قال: ثم تَلَاه عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو حدَّثْتَنا؟ فأنزَل اللهُ تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} .

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"دون القصص. يعنون القصص". وفى الحلية: "دون القصص قال وكيع: يعنون القرآن". وينظر فضائل القرآن، وجامع بيان العلم وفضله.

(2)

أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 4/ 248 من طريق وكيع به، وأخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 22 من طريق المسعودى به. وينظر جامع بيان العلم وفضله (1914).

(3)

سقط من النسخ. والمثبت من مصادر التخريج. وينظر تهذيب الكمال 22/ 232.

ص: 8

قال خَلَّادٌ: [وزَاد فيه رجلٌ]

(1)

آخرُ: قالوا: يا رسولَ اللهِ لو

(2)

. . . .؟ -قال أبو يحيى: ذَهَبَت مِن كتابي كلمةٌ- فأنزل اللهُ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ}

(3)

[الحديد: 16].

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ

(4)}.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: وإن كنتَ، يا محمدُ

(4)

، لمِن الغافِلين عن نبأ يوسفَ بنِ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ، إذ قال لأبيه يعقوبَ بنِ إسحاقَ:{يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} . يقولُ: إني رأيتُ في مَنامي أحدَ عَشَرَ كوكبًا.

وقيل: إن رؤيا الأنبياءِ كانت وحيًا.

حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن سِماكِ بنِ حربٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ

(1)

فى م: "زادوا فيه رجلا".

(2)

في النسخ: "أو". وواضح أنه تصحيف. وهذه النقاط التي بعدها إشارة إلى مكان الكلمة التي قال أبو يحيى محمد بن سعيد العطار أنها ذاهبة من كتابه، وهذه الكلمة -كما فى المطالب وعند ابن حبان وأبى يعلى- هي:"ذكرتنا".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2099 (11323) من طريق محمد بن سعيد العطار به، وأخرجه إسحاق بن راهويه -كما في المطالب (4013) - ومن طريقه ابن حبان (6209)، والحاكم 2/ 345، والواحدى فى أسباب النزول ص 203 وابن مردويه -كما في المطالب (4014) - وأبو يعلى (740)، والبزار (1152، 1153) من طريق عمرو بن محمد به. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 3 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(4)

بعده في س: "من قبله".

ص: 9

وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}. قال: كانت رؤيا الأنبياءِ وحيًا

(1)

.

وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن سفيانَ، عن سِماكٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ:{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} . قال: كانت الرؤيا فيهم وحيًا.

وذُكِرَ أن الأحدَ العشَرَ الكوكبَ التي رآها فى منامه ساجدةً مع الشمسِ والقمرِ، ما حدَّثنى عليُّ بن سعيدٍ الكنديُّ، قال: ثنا الحكمُ بنُ ظُهَيرٍ، عن السديِّ، عن عبد الرحمنِ بنِ سابطٍ، عن جابرٍ، قال: أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ من يهودَ يقالُ له: بستانةُ اليهوديُّ، فقال له: يا محمدُ، أخبِرْني عن الكواكبِ التي رآها يوسفُ ساجدةً له، ما أسماؤُها؟ قال: فسَكَت رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلم يُجِبْه بشيءٍ، ونَزَل عليه جبريلُ، وأخبَره بأسمائِها، قال: فبَعَثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إليه: فقال: "هَلْ أَنْتَ مؤمنٌ إن أخبَرتُك بأسمائها؟ " قال: نعم. فقال: "حرثانُ

(2)

، والطارقُ، والذيالُ، وذو الكنفانِ

(3)

وقابسٌ، ووثابٌ

(4)

وعمودان، والفيلقُ

(5)

، والمصبحُ، والصروحُ

(6)

، وذو الفرعِ، والضياءُ، والنُّورُ

(7)

". فقال اليهوديُّ: واللهِ

(1)

أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (463)، وابن أبي حاتم 7/ 2101 (11328) من طريق أبي أحمد به: وأخرجه الحاكم 2/ 431، والطبراني (12302) من طريق سفيان به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 4 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه.

(2)

في م، وتفسير ابن أبي حاتم:"جربان". ووقع اختلاف كبير في بعض أسماء هذه الكواكب فيما رجعنا إليه من مصادر، وأثبتنا ما تواترت عليه نسخنا.

(3)

في م، وتفسير ابن أبي حاتم:"الكتفين". وفى غالب مصادر التخريج: "الكنفات". وورد في بعضها: "الكفقان" و "الكتفان". وينظر المستدرك 4/ 396.

(4)

في ص، س:"وبان"، وفى ت 1، ف:"وبان"، وفي ت 2:"ويان".

(5)

فى م: "الفليق". وأما مصادر التخريج فبعضها فيه: "الفيلق"، وبعضها فيه:"الفليق".

(6)

فى م، والدلائل:"الضروح".

(7)

بعده عند العقيلي: "يعنى أباه وأمه". يريد الضياء والنور؛ الشمس والقمر.

ص: 10

إنها لأسماؤها

(1)

.

وقولُه: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} . يقولُ: والشمسَ والقمرَ رأيتُهم فى منامى سجودًا.

وقال: {سَاجِدِينَ} والكواكبُ والشمسُ والقمرُ، إنما يُخْبَرُ عنها بـ "فاعلةٍ" و "فاعلاتٍ" لا بالواوِ والنونِ؛ إنما هي

(2)

علامةُ جمعِ أسماءِ ذكورِ بنى آدمَ، أو الجنِّ أو الملائكةِ. وإنما قيل ذلك كذلك؛ لأن السجودَ مِن أفعالِ مَن يُجمعُ أسماءُ ذكورِهم بالياءِ والنونِ، أو الواوِ والنونِ، فأخرَج جمعَ أسمائِها مخرجَ جمعِ أسماءِ مَن يفعلُ ذلك، كما قيل:{يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل: 18].

وقال: {رَأَيْتُهُمْ} . وقد قيل: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} . فكَرَّر الفعلَ، وذلك على لغةِ مَن قال: كَلَّمتُ أخاك كَلَّمتُه. توكيدًا للفعلِ بالتكريرِ.

وقد قيل: إن الكواكبَ الأحدَ عشَرَ كانت إخوتَه، والشمسَ والقمرَ أبويه.

(1)

أخرجه البزار (2220 - كشف) من طريق على بن سعيد به، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (1111 - تفسير) - ومن طريقه العقيلى 1/ 259، والبيهقى فى الدلائل 6/ 277، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 145، 146، وأبو يعلى (كما في المطالب 8/ 598)، وابن حبان في المجروحين 1/ 250، 251 - وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2101 (11332) من طريق الحكم بن ظهير به. والحكم متروك، وقد تفرد بهذا الحديث، وأما رواية الحاكم لهذا الحديث 4/ 396 من طريق عمرو بن حماد عن أسباط عن السدى، فينظر تعليق العلامة المعلمى على الفوائد المجموعة ص 464.

وقد أخرجه السهمى فى تاريخ جرجان ص 202، 257 من طريق إبراهيم بن الحكم بن ظهير عن السدى به. وليس بشيء أيضا، فإبراهيم كذاب.

(2)

أى الواو والنون.

ص: 11

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} : إخوتَه أحدَ عَشَرَ كوكبًا، {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} ، يعنى بذلك أبويه

(1)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا شَرِيكٌ، عن السديِّ في قولِه:{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} الآية. قال: رأى أبويه

(2)

وإخوتَه سجودًا له. فإذا قيل له: عمن؟ قال: إن كان حقًّا، فإن ابنَ عباسٍ فسَّره

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ، عن قتادةَ في قوله:{أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} . قال: الكواكبُ إخوتُه، والشمسُ والقمرُ أبواه

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ قولَه:{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} : إخوتَه، والشَّمسُ أمُّه، والقمرُ أبوه

(5)

.

حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: قال سفيانُ: كان أبويه وإخوتَه

(6)

.

حُدِّثتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ، قال: ثنا عبيدُ بنُ

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 298.

(2)

في ت 1، ت 2، س، ف:"أبواه".

(3)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 4 إلى المصنف.

(4)

في ت 1، ت 2، س، ف:"أبويه". والأثر في تفسير عبد الرزاق 1/ 317، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 4 إلى أبى الشيخ.

(5)

ذكره البغوى فى تفسيره 4/ 213.

(6)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 298. وهو في تفسير سفيان ص 137 عقب قول مجاهد: أبوه وإخوته وخالته. قال سفيان: وكان غيره يقول: أبوه وإخوته وخالته.

ص: 12

سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحاكَ في

(1)

قولِه: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} : هم إخوةُ يوسفَ، {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}: هما أبواه

(2)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} الآية. قال: أبَواه وإخوتُه. قال: فبغاه

(3)

إخوتُه، وكانوا أنبياءَ. فقالوا: ما رَضِيَ أن يَسْجُدَ له إخوتُه حتى سجَد له أبواه، حينَ بلَغَهم

(4)

.

ورُوِيَ عن ابنِ عباسٍ أنه قال: الكواكبُ إخوتُه، والشمسُ والقمرُ أبوه وخالتُه، من وجهٍ غيرِ محمودٍ، فكرِهتُ ذكرَه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)} .

يقولُ جلّ ذكره: {قَالَ} يعقوبُ لابنه يوسفَ: {يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ} هذه {عَلَى إِخْوَتِكَ} فيَحْسُدوك {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} . يقولُ: فيَبْغوك

(5)

الغَوائلَ، ويُناصِبوك

(6)

العداوةَ، ويُطِيعوا فيك الشيطانَ، {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}. يقولُ: إن الشيطانَ لآدمَ وبَنِيه عدوٌّ، قد أبان لهم عداوتَه وأظهرَها. يقولُ: فاحذرِ الشيطانَ أن يُغْرِىَ إخوتَك بك، بالحسدِ منهم لك، إن أنت قَصَصتَ عليهم رؤياك. وإنما قال يعقوبُ ذلك له

(7)

؛ لأنه قد كان تبيَّن من

(1)

ليست في م، ت 2، ص، س، ف.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 298.

(3)

في ص: "ىىعاه"، وفى س، م:"فنعاه". وبدون نقط فى ت 1، ف. وينظر مصدر التخريج.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2101 (11330) من طريق أصبغ عن ابن زيد.

(5)

فى ت 1، ت 2:"فيبغون".

(6)

فى ت 1، ت 2:"يناصبون".

(7)

سقط من: م.

ص: 13

إخوتِه له قبلَ ذلك حسدًا

(1)

.

كما حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدِ العَنْقَزِيُّ، عن أسباطَ، عن السديِّ، قال: نزَل يعقوبُ الشامَ، فكان همُّه يوسفَ وأخاه

(2)

، فحسَدَه إخوتُه لمَّا رَأَوا حبَّ أبيه له، ورأى يوسفُ فى المنامِ كأن أحدَ عشَرَ كوكبًا والشمسَ والقمرَ رآهم

(3)

له ساجدين، فحدَّث أباه بها، فقال:{يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} الآية

(4)

.

واختَلَف أهلُ العربيةِ فى وجهِ دخولِ "اللامِ" في قولِه: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} .

فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: معناه: فيَتَّخِذوا لك كيدًا، وليست مثل {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43]، تلك أراد

(5)

أن يوصَلَ الفعلُ إليها باللامِ، كما يوصلُ بالباءِ

(6)

، كما تقولُ: قَدَّمتُ له طعامًا. تريدُ: قَدَّمتُ إليه. وقال: {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} [يوسف: 48]. ومثلُه قولُه: {قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} [يونس: 35]. قال: وإن شئتَ كان {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} في معنى: فيَكِيدوك

(7)

، وتَجعَلُ "اللامَ" مثلَ {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154]. وقد قال:

(1)

في م: "حسده".

(2)

في ت 1: "أخواه".

(3)

فى ت 2: "رأيتهم لى"، وفى س:"يراهم".

(4)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 321 عن الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي عن أبيه به، وأخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره 7/ 2102 (11333) من طريق أسباط به، كلاهما ضمن أثر طويل.

(5)

في ص، م:"أرادوا".

(6)

في ت 1، ت 2، س، ف:"بالياء".

(7)

في ت 1، ت 2:"فيكيدون".

ص: 14

{لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} . إنما هو بمكان: ربَّهم يَرْهَبون.

وقال بعضُهم: أدخلت "اللامُ" فى ذلك، كما تدخلُ في قولِهم: حَمِدتُ لك، وحَمِدتُك وشَكَرتُ لك، وشَكَرتُك. وقال: هذه "لامٌ" جلبها

(1)

الفعلُ، فكذلك قولُه:{فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} تقولُ: فيَكِيدوك، ويَكيدوا لك، فيَقْصِدوك، ويَقْصِدوا لك. قال: وكيدًا توكيدٌ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)} .

يقولُ تعالى ذكرُه مخبرًا عن قيلِ يعقوبَ لابنِه يوسفَ، لمَّا قصَّ عليه رؤياه:{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} : وهكذا يَجْتَبِيك ربُّك. يقولُ: كما أراك ربُّك الكواكبَ والشمسَ والقمرَ لك سجودًا، فكذلك يَصْطَفِيك ربُّك، كما حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو العَنْقَزِيُّ، عن أبى بكرٍ الهُذَليِّ، عن عكرمةَ:{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} . قال: يَصْطَفِيك.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} : فاجْتَباه واصْطَفاه وعَلَّمه مِن عِبَرِ الأحاديثِ، وهو تأويلُ الأحاديثِ

(2)

.

وقولُه: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} . يقولُ: ويُعَلِّمُك ربُّكَ مِن علمِ ما يَئولُ إليه أحاديثُ الناسِ، عما يَرَونه فى منامِهم، وذلك تعبيرُ الرؤيا.

(1)

فى النسخ: "عليها". والمثبت ما يقتضيه السياق.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2103 (11337) من طريق سعيد به نحوه.

ص: 15

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ:{وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} . قال: عبارةُ الرؤيا

(1)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} . قال: تأويلُ الكلامِ؛ العلمُ والحُكْمُ

(2)

، وكان يوسفُ أعبرَ الناسِ. وقرأ:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}

(3)

[يوسف: 22].

وقولُه: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} : باجْتبائِه إياك واختيارِه وتعليمِه إياك تأويلَ الأحاديثِ، {وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ}. يقولُ: وعلى أهلِ دينِ يعقوبَ وملتِه، من ذريتِه وغيرِهم، {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} باتخاذِه هذا خليلًا وتَنْجيتِه مِن النارِ، وفديتِه هذا بذبحٍ عظيمٍ.

كالذي حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، قال: أخبرَنا أبو إسحاقَ، عن عكرمةَ فى قولِه:{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} . قال: فنعمتُه على إبراهيمَ أن نجَّاه من النارِ، وعلى إسحاقَ أن نَجَّاه مِن الذَّبْحِ

(4)

.

وقولُه: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} . يقولُ: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ} بمواضعِ الفضلِ، ومَن هو أهلٌ للاجتباءِ والنعمةِ، {حَكِيمٌ} في تدبيرِه خلقَه.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 11/ 82، وابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2103 (11339) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 4 إلى أبى الشيخ.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف: الكلام، وفى م، والدر المنثور:"الحلم". وأثبتناه كما في مصدر التخريج، وهو مقتضى السياق بعده.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2103 (11341) من طريق أصبغ عن ابن زيد.

(4)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 4 إلى المصنف وقال أكثر المفسرين: الذبيح هو إسماعيل، والقول بأنه إسحاق، قول مرجوح. وينظر ما سيأتى فى سورة الصافات الآية 107.

ص: 16

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} الأحَدَ عشَرَ {آيَاتٌ} . يعني: عِبَرٌ وذِكْرٌ {لِلسَّائِلِينَ} . يعنى: السائلين عن أخبارِهم وقصصِهم. وإنما أرادَ جلّ ثناؤُه بذلك نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أنه يقالُ: إن اللهَ تبارك وتعالى إنما أنزَل هذه السورةَ على نبيِّه، يُعْلِمُه فيها ما لقى يوسفُ مِن أدانيه

(1)

وإخوتِه من الحسدِ، مع تكرمةِ اللهِ إياه، تسليةً له بذلك مما يَلْقَى مِن أدانيه

(1)

وأقاربِه من مشركي قريشٍ. كذلك كان ابنُ إسحاقَ يقولُ.

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، قال: إِنما قَصَّ اللهُ تبارك وتعالى على محمدٍ خبرَ يوسفَ، وبَغْىِ إخوتِه عليه وحسدِهم إياه، حينَ ذَكَرَ رؤْياه، لِمَا رأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن بَغْيِ قومِه وحسدِه، حينَ أكرَمه اللهُ عز وجل بنبوّتِه؛ ليأْتَسىَ به

(2)

.

واختَلَفت القرأةُ فى قراءةِ قولِه: {آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ}

(3)

؛ فقرأته عامةُ قرأةِ الأمصارِ {آيَاتٌ} ، على الجِماعِ.

ورُوِى عن مجاهدٍ وابنِ كثيرٍ أنهما قرآ ذلك على التوحيدِ.

والذى هو أولى القراءتين بالصوابِ قراءةُ مَن قرأ ذلك على الجماعِ

(4)

،

(1)

فى م، س:"إذايته"، وفى ف:"إذايه". والأدانى: الأقارب. وبينهما دناوة أى قرابة. والدناوة القرابة والقربى. يقال: ما تزداد منا إلا قربًا ودناوة. اللسان (د ن و).

(2)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 4 إلى المصنف.

(3)

قرأ بالجمع نافع وعاصم وحمزة وأبو عمرو وابن عامر والكسائي، وقرأ بالإفراد شبل وأهل مكة. ينظر السبعة لابن مجاهد ص 344، والبحر المحيط 5/ 282.

(4)

قراءة ابن كثير متواترة، فالقراءتان -الجمع والتوحيد- كلتاهما صواب.

ص: 17

لإجماعِ الحجةِ مِن القرأةِ عليه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: لقد كان فى يوسفَ وإخوتِه آياتٌ لمن سأل عن شأنِهم، حينَ قال

(1)

إخوةُ يوسفَ: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ} مِن أُمِّه {أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} . يقولون: ونحن جماعةٌ ذوو عددٍ، أحدَ عشَرَ رجلًا.

والعصبةُ مِن الناسِ، هم عشرةٌ فصاعدًا، قيل: إلى خمسةَ عشرَ

(2)

، ليس لها واحدٌ مِن لفظِها، كالنَّفَرِ والرهطِ.

{إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} . يعنون: إن أبانا يعقوبَ لفي خطإٍ مِن فعلِه، في إيثارِه يوسفَ وأخاه من أمِّه علينا بالمحبةِ. ويعنى بالمبينِ: أنه خطأٌ يُبِينُ عن نفسِه أنه خطأٌ لمن تأمَّله ونَظَر إليه.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ العَنْقَزِيُّ، عن أسباطَ، عن السديِّ:{إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} . قال: يعنون بنيامينَ. قال: وكانوا عشرةً

(3)

.

(1)

في م، ت 1، ت 2، س، ف:"قالوا".

(2)

بعده فى م: "فصاعدا عشر".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2104، 2105 (11348، 11351) مفرقًا من طريق أسباط به.

ص: 18

قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسباط، [عن السديِّ]

(1)

: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} . قال: في ضلالٍ مِن أمرِنا

(2)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زِيدٍ، في قولِه:{وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} . قال: العصبةُ الجماعةُ

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)} .

يقولُ جلّ ثناؤُه: قال إخوةُ يوسفَ بعضُهم لبعضٍ: اقتُلوا يوسفَ أو اطرَحوه في أرضٍ مِن الأرضِ -يعنون مكانًا من الأرضِ- {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} . يعنون: يَخْلُ لكم وجهُ أبيكم مِن شغلِه بيوسفَ، فإنه قد شغَله عنا، [وصرَف وجهَه عنا]

(4)

إليه، {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} . يعنون أنهم يتوبون من قتلِهم يوسفَ، وذنبِهم الذى يَرْكَبونه فيه، فيكونون بتوبتِهم مِن قتلِه، مِن بعدِ هلاكِ يوسفَ، قومًا صالحين.

وبنحوِ الذي قلنا ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسباطَ، عن السديِّ: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا

(1)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2105 (11355) من طريق أسباط به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2105 (11354) من طريق أصبغ بن الفرج عن ابن زيد.

(4)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

ص: 19

صَالِحِينَ (9)}، قال: تَتوبون مما صَنَعتم. أو: من صنيعِكم

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال قائلٌ مِن إخوةِ يوسفَ: {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} .

وقيل: إن قائلَ ذلك روبيلُ، كان ابنَ خالةِ يوسفَ.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} : ذُكِرَ لنا أنه روبيلُ، كان أكبرَ القومِ، وهو ابنُ خالةِ يوسفَ، فنَهاهم عن قتلِه

(2)

.

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{اقْتُلُوا يُوسُفَ} إلى قوله: {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} . قال: ذُكِرَ لى -واللهُ أعلمُ- أن الذي قال ذلك منهم روبيلُ الأكبرُ، مِن بنى يعقوبَ، وكان أقصدَهم فيه رأيًا

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ، عن قتادةَ قولَه:{لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} . قال: كان أكبرَ إخوتِه، وكان ابنَ خالةِ يوسفَ، فنَهاهم عن قتلِه

(4)

.

وقيل: كان قائلُ ذلك منهم شمعونَ.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2105 (11356) من طريق أسباط به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2106 (11357) من طريق سعيد به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2106 (11360) من طريق سلمة به مطولًا.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 317، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 8 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 20

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ، عن سفيانَ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ، في قولِه:{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} . قال: هو شمعونُ

(1)

.

وقولُه: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} . يقولُ: وأَلْقُوه في قعرِ الجبِّ، حيث يغيبُ خبرُه.

واختلفت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأته عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ (غيَاباتِ الجُبّ)، على الجماعِ

(2)

، وقرأ ذلك عامةُ قرأة سائرِ الأمصارِ {غَيَابَتِ الْجُبِّ} ، بتوحيدِ الغَيابةِ. وقراءةُ ذلك بالتوحيدِ أحبُّ إليَّ، والجُبُّ بئرٌ.

وقيل: إنه اسمُ بئر ببيتِ المقدسِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} . قال: بئرٌ ببيتِ المقدسِ

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ، عن

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2106 (11359) من طريق سفيان عن رجل عن مجاهد. قال ابن أبي حاتم: قال أبي: وفى كتاب غيرى: عن ابن جريج عن مجاهد

(2)

وهى قراءة نافع، وقرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وابن كثير بالإفراد. التيسير ص 104.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2107 (11363) من طريق محمد بن عبد الأعلى به. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 8 إلى أبي الشيخ.

ص: 21

ءقتادةَ في قولِه: {غَيَابَتِ الْجُبِّ} . قال: بئرٌ ببيتِ المقدسِ

(1)

.

والغَيابةُ: كلُّ شيءٍ غَيَّبَ شيئًا فهو غَيابةٌ، والجُبُّ البئرُ غيرُ المطويةِ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ، عن قتادةَ:{فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} : في بعضِ نواحِيها، في أسفلِها

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قولَه:{وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} . يقولُ: فى بعضِ نواحيها

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ مثلَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} . قال: قالها كبيرُهم الذي تخلَّفَ. قال: والجُبُّ بئرٌ بالشامِ

(3)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} . يعنى الرَّكِيَّةَ

(4)

.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ بنِ الفرجِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ، قال: ثنا عبيدُ بنُ

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 318.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2107 (11362) من طريق سعيد به.

(3)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 8 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2106 (11361) عن محمد بن سعد به.

ص: 22

سليمانَ، قال: سمعتُ الضحاكَ يقولُ: الجُبُّ البئرُ.

وقولُه: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} . يقولُ: يأخُذْه بعضُ مارَّةِ الطريقِ من المسافرين، {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}. يقولُ: إن كنتم فاعلين ما أقولُ لكم. فذُكِر أنه التقَطَه بعضُ الأعرابِ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} . قال: التقطه ناسٌ مِن الأعرابِ.

وذُكِرَ عن الحسنِ البصريِّ أنه قرأ (تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) بالتاءِ

(1)

، حدَّثنى بذلك

(2)

أحمدُ بنُ يوسفَ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن هارونَ، عن مطرٍ الورَّاقِ، عن الحسنِ

(3)

.

وكأن الحسنَ ذهَب فى تأنيثِه {بَعْضُ السَّيَّارَةِ} إلى أن فعلَ بعضِها فعلُها. والعربُ تفعلُ ذلك في خبرٍ كان عن مضافٍ

(4)

إلى مؤنثٍ، يكونُ الخبرُ عن بعضِه خبرًا عن جميعِه. وذلك كقولِ الشاعرِ

(5)

:

أَرَى مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي

كما أخَذ السِّرارُ مِن الهلالِ

فقال: أَخَذْنَ منى، وقد ابتدأ الخبرَ عن المرِّ

(6)

، إذ كان الخبرُ عن المَرِّ خبرًا عن السنينَ، وكما قال الآخرُ

(7)

:

(1)

قرأ الحسن ومجاهد وقتادة وأبو رجاء: (تلتقطه) بتاء التأنيث، أنَّث على المعنى. البحر المحيط 5/ 284.

(2)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

(3)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 9 إلى المصنف وابن المنذر.

(4)

فى م: "المضاف".

(5)

تقدم تخريجه في 5/ 658.

(6)

فى م: "المراد".

(7)

معاني القرآن للفراء 2/ 37.

ص: 23

إذا ماتَ منهم سيدٌ قامَ سَيِّدٌ

فَدَانَت له أهلُ القُرَى والكنائِسِ

فقال: دانَت له، والخبرُ عن أهلِ القرى؛ لأن الخبرَ عنهم كالخبرِ عن القرى، ومَن قال ذلك لم يقلْ: فَدَانت له غلامُ هندٍ. لأن الغلامَ لو أُلْقِى من الكلامِ، لم تدلَّ هندٌ عليه، كما يدلُّ الخبرُ عن القريةِ على أهلِها، وذلك أنه لو قيل: فَدَانت له القرى. كان معلومًا أنه خبرٌ عن أهلِها، وكذلك {بَعْضُ السَّيَّارَةِ} ، لو أُلْقِى البعضُ، فقيل: تَلْتَقِطْه

(1)

السيارةُ. عُلِمَ أنه خبرٌ عن البعضِ أو الكلِّ، [ودلَّ]

(2)

عليه الخبرُ عن السيارةِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال إخوةُ يوسفَ إذ تآمَروا بينَهم، وأجمَعوا على الفُرْقَةِ بينَه وبينَ والدِه يعقوبَ لوالدِهم يعقوبَ:{يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} فتتركَه معنا إذا نحن خَرَجْنا خارجَ المدينةِ إلى الصحراءِ؟! ونَحْنُ لَه نَاصِحُونَ، نحوطُه ونكلؤُه.

‌‌

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا [يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ]

(3)

وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)}.

واختَلَفت القرأةُ فى قراءةِ ذلك؛ فقرأته عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ (يَرْتَعِ ويَلْعَبْ) بكسرِ العينِ مِن (يرتعِ)، وبالياءِ في (يَرْتَعِ ويَلْعَبْ)

(4)

، على معنى:

(1)

فى ت 1، ت 2، س، ف:"يلتقطه".

(2)

في ت 1، ت 2، س، ف:"فدل".

(3)

فى ص، ت 1، ت 2، س:"نرتع ونلعب".

(4)

وهى قراءة نافع. ينظر السبعة لابن مجاهد ص 345.

ص: 24

يفتعلُ، من الرعى: ارتعيتُ فأنا أرتَعِى، كأنهم وَجَّهوا معنى الكلامِ إلى: أرسِلْه معنا غدًا يرتعِ الإبلَ ويلعبْ، {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .

وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ أهلِ الكوفةِ: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} . بالياءِ في الحرفين جميعًا، وتسكينِ العينِ

(1)

، من قولِهم: رتَع فلانٌ في مالِه. إذا لَهَا فيه ونَعِمَ، وأنفَقَه فى شهواتِه. ومن ذلك قولُهم فى مَثَلٍ مِن الأمثالِ: القَيْدُ والرَّتَعَةُ

(2)

. ومنه قولُ القطاميِّ

(3)

:

أكفْرًا بعد ردِّ الموتِ عَنِّى

وبعدَ عَطَائِك المائةَ الرِّتَاعَا

وقرأ بعضُ أهلِ البصرةِ: (نَرْتَعْ)، بالنونِ (وَنَلْعَبْ)، بالنونِ فيهما جميعًا، وسكونِ "العينِ" من (نَرْتَعْ)

(4)

.

حدَّثني أحمدُ بنُ يوسفَ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنا حجاجٌ، عن هارونَ، قال: كان أبو عمرٍو يقرأُ: (نَرْتَعْ وَنَلْعَبْ) بالنونِ. قال: فقلتُ لأبي عمرٍو: كيف يقولون: (نلعب) وهم أنبياءُ؟ قال: لم يكونوا يومئذٍ أنبياءَ

(5)

.

وأولى القراءاتِ

(6)

فى ذلك عندى بالصواب، قراءةُ مَن قرَأه في الحرفين كليهما بالياء، وبجزمِ العينِ في {يَرْتَعْ}

(7)

؛ لأن القومَ إنما سألوا أباهم إرسالَ يوسفَ معهم، وخَدَعوه بالخبرِ عن مسألتِهم إياه ذلك، عما ليوسفَ في إرسالِه معهم

(1)

وهى قراءة عاصم وحمزة والكسائي. ينظر السبعة لابن مجاهد ص 346.

(2)

الفاخر للمفضل بن سلمة ص 208، 209.

(3)

تقدم تخريجه في 1/ 114.

(4)

وهى قراءة أبي عمرو وابن عامر. ينظر السبعة لابن مجاهد ص 346.

(5)

ذكره النحاس في معانى القرآن 3/ 401، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 9 إلى المصنف وابن المنذر.

(6)

في م: "القراءة".

(7)

القراءات كلها صواب.

ص: 25

من الفرحِ والسرورِ والنشاطِ بخروجِه إلى الصحراءِ وفُسْحتِها ولَعِبه هنالك، لا بالخبرِ عن أنفسِهم، وبذلك أيضًا جاء تأويلُ أهلِ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثنا عمى، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا [يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ]

(1)

}. يقولُ: يسعى

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ [{يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}]

(3)

. قال: يَلْهو ويَنْشَطُ ويسعى

(4)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا [يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ]

(5)

}. يقولُ

(6)

: [ينشطُ ويلهو]

(7)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ بنحوِه.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن

(1)

في ص، ت 2، س:"نرتع ونلعب". وفى ت 1: "نرتع ويلعب"، ولم نجد ما يشير إلى أن ابن عباس قرأه بالنون غير ما في الدر المنثور. ينظر الأثر التالى.

(2)

فى م: "يسع".

(3)

في ت 2: "نرتع ونلعب".

(4)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 9 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(5)

في ص، ت 2، س:"نرتع ونلعب". وذكر أبو حيان فى البحر 5/ 285 أن قتادة ومجاهد وابن محيصن قرءوا "نرتع" بنون مضمومة. ولكن سوق المصنف لهذا الأثر ههنا يقتضى أن قتادة قرأ بالنون.

(6)

فى م: "قال".

(7)

فى ص: "ىىط ونلهو".

ص: 26

قتادة: [{يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}]

(1)

. قال: يسعى ويلهو

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ قوله:[{يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}]

(3)

. قال: يتلهَّى ويلعبُ.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ، قال: ثنا عبيدُ بنُ سليمان، قال: سمعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: [{يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}]

(4)

. قال: يتلهَّى ويلعبُ.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:[{يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}]

(4)

. قال: ينشطُ ويلعبُ

(5)

.

قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا [يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ]

(3)

}: [هو

(6)

.

قال: ثنا حسينُ بنُ عليٍّ، عن شيباَن، عن قتادةَ: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا [يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ]

(7)

}. قال: ينشطُ ويلعبُ.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا نعيمُ بنُ ضَمْضَمٍ العامريُّ، قال: سمعتُ الضحاكَ بنَ مُزاحمٍ فى قولِه: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا [يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ] (3)} قال: يسعى وينشطُ.

(1)

فى ت 2، ف:"نرتع ونلعب".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2108 (11371) من طريق محمد بن عبد الأعلى.

(3)

في ت 2، س:"نرتع ونلعب".

(4)

في ت 2: "نرتع ونلعب".

(5)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 301.

(6)

فى م: "يلهو". والأثر عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 9 إلى المصنف.

(7)

سقط من: ت 1.

ص: 27

وكأن الذين يقرءون ذلك (يَرْتعِ وَيَلْعَبْ) بكسرِ "العينِ" مِن {يَرْتَعْ} ، يتأوَّلونه على الوجهِ الذى حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعِ ويَلْعَبْ). قال: يرعى غنمَه، وينظرُ ويعقلُ، فيعرفُ ما يعرفُ الرجلُ

(1)

.

وكان مجاهدٌ يقولُ فى ذلك بما حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:(نَرْتَعِ): يحفظُ بعضُنا بعضًا، نتكالأُ، نتحارسُ

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسي، عن ابنِ أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ:(نَرْتَعِ). قال: يحفظُ بعضُنا بعضًا؛ نتكالأُ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ.

وحدَّثني المثنى قال: ثنا إسحاقُ، [قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ أبي جعفرٍ، عن ورقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ]

(3)

، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ بنحوِه

(4)

.

فتأويلُ الكلامِ: أرسِلْه معنا غدًا نلهو ونلعبُ [ونَنْعَمُ]

(5)

، وننشطُ في

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2108 (11372) من طريق أصبغ عن ابن زيد، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 9 إلى المصنف.

(2)

تفسير مجاهد ص 393، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 9 إلى ابن المنذر.

(3)

سقط من: ت 1.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2107 (11369) من طريق عن ابن جريج عن مجاهد.

(5)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

ص: 28

الصحراءِ، ونحن حافِظوه من أن ينالَه شيءٌ يكرهُه أو يُؤْذِيه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: {قَالَ} يعقوبُ لهم: {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} معكم إلى الصحراءِ؛ مخافةً عليه من الذئبِ أن يَأْكُلَه، {وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} لا تَشْعُرون به.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال إخوةُ يوسفَ لوالدِهم يعقوبَ: لئن أكل يوسُفَ الذئبُ في الصحراءِ، ونحن أحدَ عشَرَ رجلًا معه نَحْفَظُه، وهم العُصْبةُ، {إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ}. يقول: إنا إذن لعجزةٌ هالكون.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)} .

وفى الكلامِ متروكٌ حُذِف ذكرُه اكتفاءً بما ظهَر عما تُرِك، وهو:"فَأَرْسَلَه معهم"، {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا}. يقولُ: وأُجْمِع رأيُهم، وعزَموا على أن يَجْعَلُوه في غيابةِ الجُبِّ، كما حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسباطَ، عن السديِّ قولَه:{إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} الآية. قال: قال: لن أُرْسِلَه معكم، إنى أَخافُ أن يَأْكُلَه الذئبُ وأنتم عنه غافِلون. {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)} . فأَرْسَلَه معهم، فأخْرَجوه وبه عليهم كَرامةٌ؛ فلما برَزوا به إلى البَرِّيَّةِ، أظْهَروا له العَداوةَ، وجعَل أخوه يَضْرِبُه،

ص: 29

فيَسْتَغِيثُ بالآخرِ فيَضْرِبُه، فجعَل لا يَرَى منهم رحيمًا، فضرَبوه حتى كادوا يَقْتُلونه، فجعَل يَصِيحُ ويقول: يا أبتاه، يا يعقوبُ، لو تَعْلَمُ ما صنَع بابنِك بنو الإماءِ. فلما كادوا يَقْتُلونه قال يَهُوذَا: أليس قد أعْطَيْتُمُونِي مَوْثِقًا أَلَّا تَقْتُلوه؟ فانْطَلَقوا به إلى الجُبِّ ليَطْرَحوه، فجعَلوا يُدْلُونه فى البئرِ، فيَتَعَلَّقُ بشَفيرِ البئرِ، فربَطوا يديه، ونزَعوا قميصَه، فقال: يا إخْوتاه، رُدُّوا عليَّ قميصى، أَتَوارَى به في الجُبِّ. فقالوا: ادعُ الشمسَ والقمرَ والأحدَ عشرَ كوكبًا تُؤْنِسْك. قال: إني لم أَرَ شيئًا، فدلَّوْه فى البئرِ، حتى إذا بلَغ نصفَها، ألْقَوْه إرادةَ أن يَموتَ، وكان في البئرِ ماءٌ، فسقط فيه، ثم أوى إلى صخرةٍ فيها، فقام عليها، قال: فلما أَلْقَوْه في البئرِ جعَل يبكي، فنادَوْه، فظنَّ أنها رحمةٌ أَدْرَكَتهم، فلبَّاهم، فأرادوا أن يَرْضَخوه بصخرةٍ فيَقْتُلوه، فقام يَهُوذَا فمنَعَهم، وقال: قد أعْطَيْتُمونى موْثِقًا ألا تَقْتُلُوه. وكان يَهوذا يَأْتِيه بالطعامِ

(1)

.

وقولُه: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا} . فأُدْخِلَت الواوُ في الجوابِ، كما قال امرُؤُ القيسِ

(2)

:

فلمَّا أَجَزْنا ساحةَ الحيِّ وانْتَحَى

بنا بَطْنُ [خبْتٍ ذي قفافٍ]

(3)

عَقَنْقَلِ

فأَدْخَل الواوَ في جوابِ لما، وإنما الكلامُ: فلمَّا أجَزْنا ساحةَ الحَيِّ انْتَحَى بنا، وكذلك:{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا} . لأن قولَه: {وَأَجْمَعُوا} هو الجوابُ.

(1)

أخرجه المصنف فى تاريخه 1/ 332 بنفس الإسناد، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2108، 2109 (11375، 11376) من طريق أسباط به.

(2)

ديوانه ص 15.

(3)

في م: "خبت ذى حقاف"، وفى الديوان:"حقف ذى ركام". والخبت: ما اطمأن من الأرض واتسع. والقفاف جمع قُف والقُفُّ: ما ارتفع من الأرض وغلظ ولم يبلغ أن يكون جبلا. والعقنقل، كسفرجل: الوادى العظيم المتسع. التاج (خ ب ت، ق ف ف، ع ق ل)

ص: 30

وقولُه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ} . يقولُ: وأَوْحَيْنا إلى يوسُفَ: لتُخْبِرَنَّ إخوتَك {بِأَمْرِهِمْ هَذَا} . يقولُ: بفعلِهم هذا الذي فعَلوه بك {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} . يقولُ: وهم لا يَعْلَمون، ولا يَدْرُون.

ثم اخْتَلَف أهلُ التأويلِ فى المعنى الذي عناه اللهُ عز وجل بقولِه: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ، فقال بعضُهم: عُنِى بذلك: أن اللهَ أَوْحَى إِلى يُوسُفَ أَن يُوسُفَ سَيُنْبِيءُ إخوتَه بفعلِهم به ما فعَلوه، من إلقائِه فى الجبِّ، وبيعِهم إياه، وسائرِ ما صنَعوا به مِن صَنيعِهم، وإخوتُه لا يَشْعُرون بوحْيِ اللهِ إليه بذلك

(1)

.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} إلى يوسُفَ

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا} . قال: أَوْحَيْنَا إلى يوسُفَ لَتُنَبِّئَنَّ إخوتَك

(3)

.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن وَرْقاءَ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} . قال: أوْحى إلى يوسُفَ وهو فى الجبِّ أنْ سيُنَبِّئُهم بما صنَعوا به

(4)

، وهم لا يَشْعُرون

(1)

بعده في ت 1: "كله".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2109 (11377) من طريق أبي عاصم به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2109 (11378) من طريق أبي حذيفة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 9 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(4)

زيادة من: ت 1.

ص: 31

بذلك الوحيِ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} . قال: إلى يوسُفَ.

وقال آخرون: معنى ذلك: وأوْحَيْنا إلى يوسُفَ بما إخوتُه صانعون به، وإخوتُه لا يَشْعُرون بإعلامِ اللهِ إِيَّاه بذلك.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بما أطْلَع اللهُ عليه يوسُفَ مِن أمرِهم، وهو في البئرِ

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا

(2)

}. قال: أَوْحَى اللهُ إلى يوسُفَ، وهو في الجبِّ أن يُنَبِّئَهم بما صنَعوا به {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بذلك الوحيِ

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سُويدٌ، قال: أخْبرَنا ابنُ المباركِ، عن معمرٍ، عن قتادةَ بنحوِه، إلا أنه قال: أن سيُنبِّئُهم

(4)

.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن يوسُفَ سيُنبِّئُهم بصَنيعِهم به، وهم لا

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2109 (11379) من طريق سعيد به.

(2)

بعده في م: "وهم لا يشعرون".

(3)

أخرجه المصنف فى تاريخه 1/ 332، وأخرجه عبد الرزاق فى تفسيره 1/ 318 عن معمر به.

(4)

في ت 1، ت 2:"ستنبئهم". والأثر أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 333، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 9 إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.

ص: 32

يَشْعُرون أنه يوسُفُ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ، قولَه:{وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} . [يقولُ: وهم لا يَشْعُرون]

(1)

أنه يوسُفُ

(2)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا صَدَقةُ بنُ عُبادةَ الأَسَديُّ، عن أبيه، قال: سمِعْتُ ابنَ عباسٍ يقولُ: لما دخَل إخوةُ يوسفَ، فعرَفهم وهم له مُنْكِرون، قال: جِيء بالصُّوَاعِ، فوضَعه على يدِه، ثم نقَره، فطنَّ، فقال: إنه لَيُخْبِرُني هذا الجامُ أنه كان لكم أخٌ من أبيكم، يقال له: يوسُفُ. يُدْنِيه دونَكم، وأنكم انْطَلَقْتُم به، فأَلْقَيْتُموه في غَيابةِ الجبِّ. قال: ثم نقَره، فطنَّ. فأتَيْتُم أباكم فقلتم: إن الذئبَ أكلَه. وجئتُم على قميصِه بدَمٍ كذِبٍ. قال: فقال بعضُهم لبعضٍ: إن هذا الجامَ لَيُخْبِرُه بخبرِكم. قال ابنُ عباسٍ: فلا نَرَى هذه الآية نزَلَت إلا فيهم {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)} .

يقولُ جلَّ ثناؤُه: وجاء إخوةُ يوسُفَ أباهم بعدَما أَلْقَوْا يُوسُفَ فِي غَيابَةِ الجبِّ

(1)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

(2)

ذكره المصنف في تاريخه 1/ 333 عن ابن جريج بلا إسناد، وعزاه السيوطى في الدر المنثور 4/ 9 إلى المصنف.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2162 (11729) من طريق صدقة به.

ص: 33

عشاءً يَبْكون.

وقيل: إن معنى قولِه: {نَسْتَبِقُ} : نَنْتَضِلُ مِن السباقِ، كما حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ، قال: أقْبَلوا إلى أبيهم عِشاءً يَبْكون، فلمَّا سمِع أصواتَهم فزِع، وقال: مالكم يا بَنِيَّ؟ هل أصابكم في غنمِكم شيءٌ؟ قالوا: لا. قال: فما فعَل يوسُفُ؟ {قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} . فبكَى الشيخُ، وصاح بأعلى صوتِه، وقال: أين القميصُ؟ فجاءوه بالقميصِ عليه دمٌ كذِبٌ، فأخَذ القميصَ، فطرَحه على وجهِه، ثم بكَى، حتى تخَضَّب وجهُه مِنْ دمِ القميصِ

(1)

.

وقولُه: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} . يقولون: وما أنت بمُصَدِّقِنا على قِيلِنا: إن يوسُفَ أكَلَه الذئبُ ولو كنا صادقين.

كما حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسباطَ، عن السديِّ:{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} قال: بمُصَدِّقٍ لنا.

[فإن قال لنا قائلٌ: كيف قيل: {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}، وقد علِمتَ أن قولَه: {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}]

(2)

إما خبرٌ عنهم أنهم غيرُ صادقين، فذلك تكذيبٌ منهم أنفسَهم، أو خبرٌ منهم عن أبيهم أنه لا يُصَدِّقُهم لو صدَقوه، فقد علِمْتَ أنهم لو صدَقوا أباهم الخبرَ صدَّقهم؟

قيل: ليس معنى ذلك بواحدٍ منهما، وإنما معنى ذلك: وما أنت بمصدِّقٍ لنا ولو كنا مِن أهلِ الصدقِ الذين لا يُتَّهَمون، لسوء ظنِّك بنا، وتُهَمَتِك لنا.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2110 (11387) من طريق أسباط به.

(2)

زيادة يستقيم بها السياق.

ص: 34

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} . وسمَّاه اللهُ كذبًا؛ لأن الذين جاءوا بالقميصِ وهو فيه كذَبوا، فقالوا ليعقوبَ: هو دمُ يوسُفَ، ولم يَكُنْ دمَه، وإنما كان دمَ سَخْلَةٍ فيما قيل.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني أحمدُ بنُ عبدِ الصَّمَدِ الأنصاريُّ، قال: ثنا أبو أسامة، عن شبلٍ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} ، قال: دمِ سَخْلَةٍ

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} . قال: دمِ سَخْلةٍ، شاةٍ.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبى نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{بِدَمٍ كَذِبٍ} . قال: دمِ سَخْلةٍ، يعني: شاةً.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{بِدَمٍ كَذِبٍ} . قال: دمِ سَخْلةٍ، شاةٍ.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن وَرْقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{بِدَمٍ كَذِبٍ} . قال: كان ذلك الدمُ كذبًا، لم يَكُنْ دمَ يوسفَ.

(1)

تفسير مجاهد ص 393، وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 111 عقب الأثر (11391).

ص: 35

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ:{بِدَمٍ كَذِبٍ} . قال: دمِ سَخْلةٍ، شاةٍ.

حدَّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاقِ، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله:{بِدَمٍ كَذِبٍ} . قال: بدمِ سَخْلةٍ

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السديِّ، قال: ذبحوا جَديًا من الغنم، ثم لطَّخوا القميص بدمه، ثم أقْبَلوا إلى أبيهم، فقال يعقوب: إن كان هذا الذئب لرحيمًا، كيف أكل لحمَه، ولم يَخْرِقْ قميصه؟ يا بُنَيَّ، يا يوسُفَ، ما فعل بك بنو الإماءِ

(2)

.

حدَّثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان الثوريُّ، عن سماك بن حربٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس:{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} . قال: لو أكله السَّبُع لخَرَّق القميص.

حدَّثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو خالد، قال: ثنا سفيان بإسنادِه، عن ابن عباسٍ مثلَه، إلا أنه قال: لو أكله الذئبُ لخرَّق القميص.

حدَّثنا محمد بن بشارٍ، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن سماكٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قوله:{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} . قال: لو كان الذئبُ أكله لخرَّقه

(3)

.

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 318، وأخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2111 (11391) عن الحسن بن يحيى به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2111 (11394) من طريق أسباط به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2111 (11390) من طريق أبى أحمد به، وفيه: السبع بدلًا من الذئب. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 10 إلى الفريابي وابن المنذر وأبي الشيخ.

ص: 36

حدَّثني عبيدُ الله بن أبي زِيادٍ، قال: ثنا عثمان بن عمرٍو، قال: ثنا قُرَّةُ، عن الحسن، قال: جِيء بقميص يوسُفَ إلى يعقوبَ، فجعَل يَنْظُرُ إِليه، فيَرَى أثر الدم، ولا يَرَى فيه خَرْقًا، قال: يا بَنِيَّ، ما كنتُ أَعْهَدُ الذئبَ حليمًا؟

حدَّثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصارىُّ، قال: ثنا أبو عامرٍ

(1)

العَقَدىُّ، عن قُرَّةَ، قال: سمِعْتُ الحسن يقولُ: لما جاءوا بقميص يوسفَ، فلم يَرَ يعقوبُ شَقًّا، قال: يا بَنِيَّ، واللهِ ما عهِدتُ الذئب حليمًا!

حدَّثنا محمد بن المُثنَّى، قال: ثنا حمادُ بنُ مَسْعَدةَ، عن عِمْرانَ بنِ مسلمٍ، عن الحسن، قال: لما جاء إخوة يوسف بقميصه إلى أبيهم، قال: جعَل يُقَلِّبُه، فيقولُ: ما عهِدْتُ الذئب حليمًا، أكل ابنى، وأبقى على قميصِه

(2)

!

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قوله:{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} . قال: لما أَتَوْا نبيَّ الله يعقوبَ بقميصه، قال: ما أَرَى أَثرَ سَبُعٍ ولا طَعْنٍ ولا خَرْقٍ

(3)

.

حدَّثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قَتادةَ:{بِدَمٍ كَذِبٍ} : الدمُ كذبٌ، لم يَكُنْ دمَ يوسُفَ

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أَخْبَرنا مُجالِدٌ، عن الشعبيِّ، قال: ذبحوا جَدْيًا، ولطَّخوه مِن دمه، فلمَّا نظَر يعقوبُ إلى القميصِ

(1)

في النسخ: "عاصم". وينظر تهذيب الكمال 18/ 364، 23/ 577.

(2)

عزاه السيوطى في الدر المنثور 4/ 10 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 10 إلى المصنف.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 318 عن معمر به.

ص: 37

صحيحًا، عرف أن القومَ كذبوه، فقال لهم: إن كان هذا الذئب لحليمًا، حيث رحم القميص، ولم يَرْحَم ابنى! فعرف أنهم قد كذبوه

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن سماكٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} . قال: لما أُتى يعقوب بقميص يوسُفَ، فلم ير فيه خرقًا، قال: كذَبْتُم، لو أكَلَه السَّبُعُ لخَرَّق قميصه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا إسحاق الأزرقُ ويَعْلَى، عن زكريا، عن سماكٍ، عن عامرٍ، قال: كان فى قميص يوسُفَ ثلاثُ آياتٍ، حين جاءوا على قميصه بدمٍ كذب. قال: وقال يعقوب: لو أكَلَه الذئبُ لخَرَّق قميصه

(2)

.

حدَّثنا [الحسن بن محمدٍ]

(3)

، قال: ثنا محمد، قال: ثنا زكريا، عن سماك، عن عامر أنه كان يقولُ: فى قميص يوسُفَ ثلاث آياتٍ؛ حين أُلْقِي على وجه أبيه فارْتَدَّ بصيرًا، وحين قُدَّ مِن دُبُرٍ، وحين جاءوا على قميصه بدم كذبٍ

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عامر، قال: كان في قميص يوسُفَ ثلاث آياتٍ؛ الشَّقُّ، والدمُ، وأَلْقاه على وجه أبيه فارْتَدَّ بصيرًا

(5)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا أبو عامرٍ، قال: ثنا قُرَّةُ، عن الحسن، قال: لما جيء بقميص يوسُفَ إلى يعقوب، فرأى الدم، ولم يَرَ الشَّقَّ، قال: ما عهدتُ الذئب حليمًا!

(1)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 10 إلى المصنف.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2111 (11392) من طريق سماك به.

(3)

في ت 1: "الحسين بن يحيى".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2196 (11954) من طريق زكريا به.

(5)

أخرجه عبد الرزاق فى تفسيره 1/ 318 عن إسرائيل به.

ص: 38

قال: ثنا حمادُ بنُ مَسْعَدةَ، قال: ثنا قُرةُ، عن الحسن بمثله.

فإن قال قائلٌ: كيف قيل: {بِدَمٍ كَذِبٍ} وقد علِمْتَ أنه كان دمًا لا شكَّ فيه، وإن لم يَكُنْ كان دمَ يوسُفَ؟ قيل: فى ذلك من القول وجهان؛ أحدهما: أن يكون قيل: {بِدَمٍ كَذِبٍ} ؛ لأنه كُذِب فيه، كما يقالُ: الليلةَ الهلالُ. وكما قيل: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} [البقرة: 16]. وذلك قولٌ كان بعضُ نحويى البصرة يقولُه.

والوجه الآخرُ: وهو أن يقال: هو مصدرٌ بمعنى مفعولٍ، وتأويلُه: وجاءوا على قميصه بدمٍ مكذوبٍ، كما يقالُ: ماله عقلٌ ولا معقولٌ، ولا له جَلَدٌ، ولا مجْلودٌ. والعربُ تَفْعَلُ ذلك كثيرًا، تَضَعُ مفعولًا في موضع المصدر، والمصدرَ في موضعِ مفعولٍ، كما قال الراعي

(1)

:

حتى إذا لم يَتْرُكوا لعِظامِه

لحمًا ولا لفؤادِه مَعقولا

وذلك كان يقولُه بعضُ نحويى الكوفة.

وقولُه: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} . يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه الذين أخْبَروه أن الذئب أكَل يوسُفَ، مكذِّبًا لهم في خبرهم ذلك: ما الأمرُ كما تقولون: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} . يقولُ: بل زيَّنت لكم أنفسكم أمرًا في يوسُفَ وحسَّنَته، ففَعَلْتُموه.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ:{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} . قال: يقولُ: بل زَيَّنَت لكم أنفسكم أمرًا

(2)

.

(1)

ديوانه ص 210.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2184 (11870) من طريق سعيد به.

ص: 39

وقولُه: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} . يقولُ: فصبرى

(1)

على ما فعلتُم بي في أمرِ يوسُفَ صبرٌ جميلٌ، أو فهو صبرٌ جميلٌ.

وقولُه: {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} . يقول: واللهَ أَسْتَعِينُ على كفايتي شرَّ ما تَصِفون من الكذب.

وقيل: إن الصبر الجميل هو الصبرُ الذي لا جَزَعَ فيه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن نميرٍ، عن وَرْقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} . قال: ليس فيه جَزَعٌ

(2)

.

حدَّثني محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو نعيمٍ، قال: ثنا سفيان، عن مجاهدٍ:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} : في غيرِ جَزَعٍ.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبد الله، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.

قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن

(1)

فى ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فصبر".

(2)

تفسير مجاهد ص 393، ومن طريقه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2112 (11398).

ص: 40

حِبَّانَ بنِ أَبي جَبَلةَ، قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} ، قال:"صبرٌ لا شَكْوَى فيه". قال: مَن بَثَّ فلم يَصْبِرْ

(1)

.

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عبد الرحمن ابنُ يحيى، عن حِبَّانَ بن أبي جَبَلَةَ، أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم سُئل عن قوله:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} . قال: "صبرٌ لا شكوى فيه".

قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} : ليس فيه جَزَعٌ.

حدَّثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.

حدَّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريُّ، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ في قوله:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} . قال: في غيرِ جَزَعٍ

(2)

.

حدَّثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا الثوريُّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.

حدَّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أَخْبَرنا الثوريُّ، عن بعض أصحابه، قال: يقالُ: ثلاثٌ من الصبر؛ ألَّا تُحَدِّثَ بوجعك ولا بمصيبتِك

(3)

. ولا تُزَكِّى نفسَك

(4)

.

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر 83 (110)، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2112 (11397) من طريق هشيم به، بدون زيادة: من بث فلم يصبر، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 10 إلى ابن المنذر. وينظر تفسير القرطبي 9/ 247.

(2)

تفسير الثورى ص 138، وعنه عبد الرزاق فى تفسيره ص 138.

(3)

في ت 1: "بمعصيتك".

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 319.

ص: 41

قال: أخبرنا الثورىُّ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، أن يعقوب النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان قد سقط حاجباه، فكان يَرْفَعُهما بخرقةٍ، فقيل له: ما هذا؟ قال: طول الزمانِ، وكثرة الأحزان. فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: يا يعقوب أتشكُوني؟ قال: يا ربِّ، خطيئةً أخطَأْتُها، فاغْفِرْها لي

(1)

.

وقوله: {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} . حدَّثنا بشرٌ قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ:{وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ، أي: على ما تكذبون

(2)

.

‌القولُ في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَى

(3)

هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19)}.

يقول تعالى ذكره: وجاءت مارَّةُ الطريقِ مِن المسافرين {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} ، وهو الذي يَرِدُ المَنْهَلَ والمَنْزِلَ، ووُرودُه إياه مصيره إليه ودخولُه، {فَأَدْلَى دَلْوَهُ}. يقولُ: أَرْسَل دَلْوَه فى البئرِ. يقالُ: أَدْلَيْتُ الدلو في البئرِ، إِذا أَرْسَلْتَها فيها

(4)

، فإذا اسْتَقَيْتَ فيها

(5)

قلتَ: دَلَوْتُ أَدْلُو دَلْوًا.

وفى الكلام محذوفٌ اسْتُغْنى بدَلالة ما ذُكر عليه فتُرِك، وذلك: فأَدْلى دلْوَه، فتعلَّق به يُوسُفُ فخرج، فقال المُدْلى: يا بُشْرَى

(6)

هذا غلامٌ.

(1)

سيأتى تخريجه في ص 308.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2112 (11400) من طريق سعيد به.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س:"بشراى"، وهي قراءة، وستأتى.

(4)

فى م: "فيه".

(5)

في ص: "منها".

(6)

في ص، ت 1، ت 2، س:"بشراي".

ص: 42

وبالذي قلنا في ذلك جاءت الأخبارُ عن أهل التأويل.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدىِّ:{وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ} : فتعلَّق يوسُفُ بالحبل فخرج، فلمَّا رآه صاحب الحبل نادى رجلًا من أصحابه يقال له: بُشْرَى: {يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ}

(1)

.

حدَّثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قَتادةَ:{فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ} : فتشَبَّث الغلامُ بالدَّلْوِ، فلمَّا خرج قال: {يَابُشْرَى

(2)

هَذَا غُلَامٌ}

(3)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قوله:{فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} . يقالُ: أرْسَلوا رسولَهم، فلمَّا أدْلَى دَلْوَه تَشَبَّث بها الغلامُ قال:{يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ}

(4)

.

واختلفوا في معنى قوله: {يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ} ؛ فقال بعضُهم: ذلك تَبْشِيرٌ من المُدلى دلوه أصحابه في إصابته يوسف بأنه أصاب عبدًا.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ: {قَالَ يَابُشْرَى

(5)

هَذَا

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2114 (11410) من طريق أسباط به.

(2)

فى ت 1، ت 2، س:"بشراي".

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 320 عن معمر به.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2113 (11408) من طريق سعيد به، بالزيادة في الأثر بعده.

(5)

فى ت 1، ت 2، س:"بشراي".

ص: 43

غُلَامٌ}: تباشروا به حين أخرجوه، وهى بئرٌ بأرض بيت المقدس معلومٌ مكانُها

(1)

.

حدَّثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثور، عن معمرٍ، عن قَتادةَ:{يَابُشْرَى (7) هَذَا غُلَامٌ} . قال: بشَّرَهم واردهم حين وجد يوسُفَ

(2)

.

وقال آخرون: بل ذلك اسم رجل من السيَّارة بعينه ناداه المُدْلِى لمَّا خرج يوسُفُ مِن البئرِ مُتَعَلِّقًا بالحبل.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {يَابُشْرَى

(3)

هَذَا غُلَامٌ}. قال: نادَى رجلًا من أصحابه يقال له: بُشْرَى. فقال: {يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ} (2).

حدَّثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا خلف بن هشام، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن قيس بن الربيع، عن السدىِّ فى قوله: {يَابُشْرَى

(4)

هَذَا غُلَامٌ}. قال: كان اسم صاحبِه بُشْرَى

(5)

.

حدَّثني المُثنَّى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حمادٍ، قال: ثنا الحكمُ بنُ ظُهَيْرٍ، عن السدىِّ فى قوله: {يَابُشْرَى

(6)

هَذَا غُلَامٌ}. قال: اسمُ

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 333.

(2)

تتمة الأثر المتقدم في الصفحة السابقة.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س:"بشراي".

(4)

في ص، ت 2، س:"بشراي".

(5)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 333، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2113 (11409) من طريق يحيى بن آدم به.

(6)

في ص، ت 1، ت 2، س:"بشراي".

ص: 44

الغلامِ بُشْرَى. قال: يا بُشْرَى. كما تقولُ: يا زيد

(1)

.

واخْتَلَفَت القرأةُ فى قراءة قوله

(2)

ذلك؛ فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة: (يا بُشْرَىَّ)

(3)

. بإثباتِ ياءِ الإضافة، غير أنه أدْغَم الألفَ في الياء طلبًا للكسرة التي تَلْزَمُ ما قبل ياء الإضافة من المتكلم فى قولهم: غلامي وجاريتي. في كلِّ حالٍ، وذلك من لغة طيِّىٍ، كما قال أبو ذُؤَيبٍ

(4)

:

سبقوا هَوَىَّ وأَعْنَقوا لَهَواهُمُ

فتُخُرِّموا ولكلِّ جنبٍ مَصْرَعُ

(5)

وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفيين: {يابُشْرَى} . بإرسال الياء وترك الإضافة

(6)

.

وإذا قُرِئ ذلك كذلك، احْتَمَل وجهين من التأويل: أحدهما: ما قاله السدىُّ، وهو أن يكونَ اسم رجلٍ دعاه المُسْتَقِى باسمه، كما يقال: يا زيد، ويا عمرُو. فيكونُ "بُشْرَى" في موضع رفعٍ بالنداء.

والآخرُ: أن يكون أراد إضافةَ البُشْرَى إلى نفسه، فحذف الياء وهو يُرِيدُها، فيكونُ مُفْرَدًا وفيه نيَّةُ الإضافة، كما تَفْعَلُ العرب فى النداء فتقولُ: يا نفسُ اصْبِرى،

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 334.

(2)

سقط من: م.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س:"بشراى". وبإثبات ياء الإضافة وإدغام الألف في الياء قرأ أبو الطفيل والحسن وابن أبي إسحاق والجحدري، وهى قراءة شاذة، وبفتح الياء وإثبات الألف -كما في النسخ الأخرى- قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر، ورواية عن ورش، عن نافع، بسكون الياء. ينظر السبعة لابن مجاهد ص 347، والبحر المحيط 5/ 290.

(4)

ديوان الهذليين 1/ 2.

(5)

أعنقوا: تبع بعضهم بعضا، فتخرموا: أخذوا واحدا واحدا، ينظر شرح أشعار الهذليين 1/ 7.

(6)

قرأ بها عاصم وحمزة والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص 347.

ص: 45

ويا نَفْسِ

(1)

اصْبرى، ويا بُنيُّ لا تَفْعَلْ، ويا بُنَيِّ لا تَفْعَلْ. فتُفْرِدُ وتَرْفَعُ وفيه نيةُ الإضافة، وتُضِيفُ أحيانًا فتَكْسِرُ، كما تقولُ: يا غلامُ أَقْبِلْ، ويا غلامِ

(2)

أَقْبِلْ.

وأعْجَبُ القراءاتِ

(3)

فى ذلك إلىَّ قراءة من قرأه بإرسال الياء وتسكينها؛ لأنه إن كان اسم رجلٍ بعينه، كان معروفًا فيهم، كما قال السدىُّ، فذلك هي القراءة الصحيحة لاشكَّ فيها، وإن كان من التبشير فإنه يَحْتَمِلُ ذلك إِذا قُرِئَ كذلك على ما بيَّنتُ.

وأما التشديد والإضافة فى الياء فقراءةٌ شاذَّةٌ لا أرى القراءة بها، وإن كانت لغةً معروفةً؛ لإجماع الحُجَّة من القرأة على خلافها.

وأما قوله: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} . فإن أهل التأويل اخْتَلَفوا في تأويله؛ فقال بعضُهم: وأسَرَّه الواردُ المُسْتَقِى وأصحابُه من التُّجار الذين كانوا معهم، وقالوا لهم: هو بضاعةٌ اسْتَبْضَعْناها بعضَ أهل مصر؛ لأنهم خافوا إن علموا أنهم اشْتَرَوْه بما اشْتَرَوْه به أن يطلبوا منهم

(4)

فيه الشَّركة.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} . قال: صاحبُ الدَّلْوِ ومن معه قالوا لأصحابهم: إنما اسْتَبْضَعْناه. خِيفةَ أن يَشْرَكوهم فيه إن علموا بثمنه، وتبعهم إخوتُه

(1)

في م: "نفسي".

(2)

في م: "غلامي".

(3)

فى م: "القراءة".

(4)

فى ص، ت 1، ت 2، س، ف:"منه".

ص: 46

يقولون للمُدْلِى وأصحابه: اسْتوثِقْ منه لا يَأْبَقْ. حتى وقفوه بمصر، فقال: مَن يبْتاعُنى ويُبَشَّرَ؟ فاشتراه الملِك، والملكُ مُسْلِمٌ

(1)

.

حدَّثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، غير أنه قال: خِيفةَ أن يَسْتَشْرِكوهم إن علموا به، واتَّبَعَهم إخوته يقولون للمُدْلِى وأصحابه: اسْتوثِقوا منه لا يَأْبَق. حتى أوْقَفوه بمصر. وسائر الحديث مثل حديثِ محمدِ بنِ عمرٍو

(2)

.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ.

قال: وثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن وَرْقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، غير أنه قال: خيفة أن يُشاركوهم فيه إن علموا بثمنه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، إلا أنه قال: خيفةَ أن يَسْتَشْرِكوهم فيه إن علموا ثمنه. وقال أيضًا: حتى أوْقَفوه بمصر.

حدَّثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: ثنا أسباط، عن السديِّ:{وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} . قال: لما اشْتَراه الرجلان فَرِقَا مِن الرُّفْقَةِ أَن يقولوا: اشْتَرَيْناه. فيسألونهم

(3)

الشركة، فقالا: إن سألونا: ما هذا؟ قلنا: بضاعةٌ اسْتَبْضَعْناه أهل الماء.

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 334.

(2)

أخرجه المصنف فى تاريخه 1/ 334، وهو في تفسير مجاهد ص 393، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2114، 2117 (11411، 11434)، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

في م: "فيسألوهم".

ص: 47

فذلك قولُه: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} بينَهم

(1)

.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأسَرَّه

(2)

التجارُ بعضُهم من بعض.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ:{وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} . قال: أسرَّه

(3)

التجارُ بعضُهم من بعض

(4)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نُعَيْمٍ الفضلُ، قال: ثنا سفيان، عن مجاهدٍ:{وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} . قال: أَسَرَّه

(5)

التجارُ بعضُهم من بعض.

وقال آخرون: معنى ذلك: وأَسَرُّوا بيعَه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاقِ، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة:{وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} . قال: أَسَرُّوا بيعَه

(6)

.

حدَّثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا قيسٌ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ:

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 334 عن ابن وكيع، عن عمرو بن حماد، عن أسباط به. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2114 (11415) من طريق عامر بن الفرات، عن أسباط به.

(2)

في ت 1، ت 2، س، ف:"أسروه".

(3)

في ت 1، ت 2، س، ف، وتفسير ابن أبي حاتم:"أسروه".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2114 (11412) من طريق سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 11 إلى أبي الشيخ.

(5)

في ف: "أسروه".

(6)

تفسير عبد الرزاق 1/ 320، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى أبي الشيخ.

ص: 48

{وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} . قال: قالوا لأهل الماء: إنما هو بضاعةٌ

(1)

.

وقال آخرون: إنما عَنى بقوله: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} . إخوة يوسفَ أنهم أسَرُّوا شأن يوسُفَ أن يكون أخاهم، قالوا: هو عبدٌ لنا.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} . يعنى: إخوة يوسُفَ أَسَرُّوا شأنه، وكتموا أن يكون أخاهم، وكتم يوسُفُ شأنه، مخافة أن يَقْتُلَه إخوته، واختار البيع، فذكره إخوته لوارد القوم، فنادى أصحابه، قال: يا بُشْرَى

(2)

، هذا غلامٌ يُباع. فباعه إخوته

(3)

.

وأولى هذه الأقوال بالصواب قولُ مَن قال: وأسرَّ وارد القوم المُدْلِى دلوه ومن معه من أصحابه مِن رُفقته السيَّارةِ، أمْرَ يوسُفَ أنهم اشْتَرَوْه؛ خيفةً منهم أن يَسْتَشْرِكوهم، وقالوا لهم: هو بضاعةٌ أبْضَعها معنا أهلُ الماءِ. وذلك أنه عَقِبَ

(4)

الخبر عنه، فلأن يكونَ ما وليه من الخبر خبرًا عنه، أشبهُ مِن أن يكون خبرًا عمَّن هو بالخبر عنه غيرُ متَّصِل.

وقولُه: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} . يقول تعالى ذكره: والله ذو علمٍ بما يَعْمَلُه باعةُ يوسُفَ ومُشْتَروه في أمره، لا يَخْفَى عليه من ذلك شيءٌ، ولكنه ترك تغيير

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2114 (11413) من طريق جابر، عن مجاهدٍ بلفظ: استبضعوه أهل الماء، وقد باعوه سرا.

(2)

فى ت 1، ت 2، س، ف:"بشراي".

(3)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى المصنف.

(4)

في م: "عقيب".

ص: 49

ذلك ليُمْضِىَ فيه وفيهم حكمه السابق فى علمه، وليُرِيَ إخوة يوسُفَ ويوسُفَ وأباه قدرته فيه.

وهذا وإن كان خبرًا مِن الله تعالى ذكره عن يوسُفَ نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فإنه تذكيرٌ من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وتسليةٌ منه له عما كان يَلْقى من أقربائه وأنسبائه المشركين من الأذى فيه، يقولُ له: فاصْبِرْ يا محمد على ما نالك في الله، فإني قادرٌ على تغيير ما ينالُك به هؤلاء المشركون، كما كنتُ قادرًا على تغيير ما لقِى يُوسفُ مِن إخوته

(1)

في حال ما كانوا يَفْعَلون به ما فعلوا، ولم يَكُن ترْكى ذلك لهوانٍ بيوسُفَ

(2)

علىَّ، ولكن لماضى

(3)

علمى فيه وفى إخوته. فكذلك تركي تغيير ما يَنالُك به هؤلاء المشركون لغيرِ هَوانٍ بك علىَّ، ولكن لسابق علمى فيك وفيهم، ثم يَصِيرُ أمرك وأمرهم إلى عُلُوِّك عليهم، وإذعانهم لك، كما صار أمر إخوة يوسف إلى الإذعان ليوسُفَ بالسُّؤْدُدِ عليهم، وعلوِّ يوسف عليهم.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)} .

يعنى تعالى ذكره بقوله: {وَشَرَوْهُ}

(4)

: وباع إخوة يوسُفَ يوسُفَ.

فأما إذا أراد الخبر عن أنه ابتاعه، قال: اشْتَرَيْتُه. ومنه قولُ ابنِ مُفَرِّغٍ الحميريِّ

(5)

.

(1)

بعده في ت 2: "فكذلك".

(2)

في م: "يوسف".

(3)

في ف: "لما مضى".

(4)

بعده فى ص، م، ت 2، س، ف:"به".

(5)

تقدم تخريج البيت في 2/ 247.

ص: 50

وشرَيْتُ بُرْدًا ليْتَنى

مِن قَبْلِ بُرْدٍ كنتُ هامَهْ

يقولُ: بِعْتُ بُرْدًا. وهو عبدٌ كان له.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يعقوب، قال: ثنا إبراهيمُ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، عن مغيرةَ، عن أبي مَعْشَرٍ، عن إبراهيم أنه كره الشراء والبيع للبدوىِّ، قال: والعربُ تقول: اشْرِ

(1)

لى كذا وكذا. أى: بِعْ لى كذا وكذا. وتلا هذه الآية: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} . يقولُ: باعوه، وكان بيعُه حرامًا

(2)

.

حدَّثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: إخوة يوسفَ أحد عشر رجلًا، باعوه حينَ أَخْرَجه المُدْلِى بدَلْوه

(3)

.

حدَّثني محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بمثله.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن وَرْقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ مثله.

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"اشتر".

(2)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى المصنف مختصرًا.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2116 (11427) من طريق شبابة به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى ابن المنذر.

ص: 51

مجاهدٍ مثله.

قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ:{وَشَرَوْهُ} . قال: قال ابن عباس: فبيع بينهم

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ فى قوله:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} . قال: باعوه

(2)

.

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ مثله.

حدَّثني محمد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ: فباعه إخوته بثمنٍ بخسٍ (1).

وقال آخرون: بل عنَى بقوله: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} . السيَّارَةَ أنهم باعوا يوسُفَ بثمنٍ بخسٍ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قَتادةَ:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} : وهم السيارةُ الذين باعوه

(3)

.

وأولى القولين فى ذلك بالصواب قولُ من قال: تأويل ذلك: وشرى

(4)

إخوةُ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 11 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 320 عن معمر به.

(4)

فى م: "شروا".

ص: 52

يوسُفَ يوسفَ بثمنٍ بخسٍ. وذلك أن الله عز وجل قد أَخْبَر عن الذين اشْتَرَوه أنهم أسَرُّوا شراءَ يوسُفَ مِن أصحابهم

(1)

؛ خيفةَ أن يَسْتَشْرِكوهم

(2)

بادِّعائهم أنه بضاعةٌ، ولم يقولوا ذلك إلا رغبة فيه أن يَخْلُص لهم دونَهم، واستِرْخاصًا لثمنِه الذى ابْتاعوه به؛ لأنهم ابتاعوه كما قال جلّ ثناؤُه:{بِثَمَنٍ بَخْسٍ} . ولو كان مُبتاعوه من إخوتِه فيه من الزاهدين، لم يَكُنْ لقيلهم لرفقائهم: هو بضاعةٌ. معنًى، ولا كان لشرائهم إياه. وهم فيه من الزاهدين وجهٌ، إلا أن يكونوا كانوا مغلوبًا على عقولهم؛ لأنه محالٌ أن يَشْتَرِى صحيحُ العقل ما هو فيه زاهد، من غير إكراه مُكْرِهٍ له عليه، ثم يَكْذِبَ فى أمره الناس بأن يقول: هو بضاعةٌ لم أَشْتَرِه. مع زهده فيه، بل هذا القولُ مِن قولِ مَن هو بسلعتِه

(3)

ضَنينٌ؛ لنفاستها عندَه، ولما يَرْجُو مِن نفيسِ الثمنِ لها وفضلِ الربحِ.

وأما قوله: {بَخْسٍ} . فإنه يعنى: نَقْصٍ. وهو مصدر من قول القائل: بخَسْتُ فلانًا حقَّه -إذا ظلمَه

(4)

فنقصه عما يَجِبُ له مِن الوفاءِ- أَبْخَسُه بَخْسًا. ومنه قوله: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف: 85]. وإنما أُريد: بثمنٍ مَبْخوسٍ مَنْقوصٍ، فوُضِع البخسُ وهو مصدرٌ، مكان "مفعولٍ"، كما قيل:{بِدَمٍ كَذِبٍ} . وإنما هو: بدمٍ مكذوبٍ فيه.

واخْتَلَف أهل التأويل فى معنى ذلك؛ فقال بعضُهم: قيل: {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} . لأنه كان حرامًا عليهم.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س:"أصحابه".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س:"يستشركهم".

(3)

في ص، ت 1، س، ف:"لسلعته".

(4)

فى م: "ظلمته يعني ظلمه".

ص: 53

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربيُّ، عن جُويبرٍ، عن الضحاك:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} . قال: البخسُ الحرامُ

(1)

.

حدَّثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا على بن عاصم، عن [جويبرٍ، عن الضحاك:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} . قال: حرامٍ.

حُدِّثت عن]

(2)

الحسين بن الفرج، قال: سمعْتُ أَبا مُعاذٍ يقولُ: ثنا عُبيدُ بنُ سليمان، قال: سمِعْتُ الضحاك يقولُ: كان ثمنه بخسًا حرامًا، لم يَحِلَّ لهم أن يأكُلوه

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عَونٍ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاك في قوله:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} . قال: باعوه بثمنٍ بخسٍ. قال: كان بيعُه حرامًا، وشراؤُه حرامًا

(4)

.

حدَّثنى القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هُشَيْمٌ، قال: أَخْبَرنا جُويبرٌ، عن الضحاك:{بِثَمَنٍ بَخْسٍ} . قال: حرام.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمِّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{بِثَمَنٍ بَخْسٍ} . يقولُ: لم يَحِلَّ لهم أن يَأْكلوا ثمنه

(5)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2115 (11422) من طريق جويبر به.

(2)

سقط من: م.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2117 (11430) من طريق أبي معاذ به نحوه.

(4)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 11 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 54

وقال آخرون: معنى البَخْسِ هاهنا الظلمُ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قوله:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} . قال: البخسُ هو الظلم، وكان بَيْعُ يوسُفَ

(1)

حرامًا عليهم [بيعُه وثمنُه]

(2)

.

حدَّثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: قال قتادة: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} . قال: ظلمٍ

(3)

.

وقال آخرون: عنى بالبخس فى هذا الموضع القليل.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن قيسٍ، عن جابرٍ، عن عامرٍ، قال: البخسُ القليلُ

(4)

.

حدَّثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا قيسٌ، عن جابرٍ، عن عكرمة مثله

(5)

.

(1)

بعده في م: "وثمنه".

(2)

سقط من: م.

والأثر أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2116 (11423) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 11 إلى أبي الشيخ.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 320 عن معمر به.

(4)

فى ص، ت 1، ت 2، ف:"القليلة".

والأثر عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى المصنف وابن المنذر.

(5)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ، وسيأتى تخريجه عند ابن أبي حاتم مختصرًا في ص 59.

ص: 55

وقد بيَّنا الصحيحَ مِن القولِ فى ذلك.

وأما قولُه: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} . فإنه يعنى عز وجل أنهم باعوه بدراهم غير موزونةٍ، ناقصةٍ غيرِ وافيةٍ، لزهدهم كان فيه.

وقيل: إنما قيل

(1)

: {مَعْدُودَةٍ} . ليُعْلَمَ بذلك أنها كانت أقلَّ من أربعين درهمًا؛ لأنهم كانوا فى ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنُه أقلَّ من أربعين، لأن أقلَّ أوزانِهم وأصغرَها كان الأوقية، وكان وزنُ الأوقية أربعين درهمًا. قالوا: وإنما دلَّ بقوله: {مَعْدُودَةٍ} ، على قلة الدراهم التي باعوه بها.

فقال بعضُهم: كان عشرين درهمًا.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا حميدُ بنُ عبد الرحمن، عن زُهَيْرٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي عُبيدةَ، عن عبدِ اللهِ، قال: إن ما اشْتُرِى به يوسُفُ عشرون درهمًا

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شَريكٌ، عن أبي إسحاق، عن أبي عُبيدةَ، عن عبدِ اللهِ:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} . قال: عشرون درهمًا.

حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمن، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي إسحاق، عن نَوفٍ البكالىِّ فى قوله:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} . قال:

(1)

في س: "قال".

(2)

أخرجه الحاكم 2/ 572 من طريق زهير به مطولًا، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر والطبراني.

ص: 56

عشرون درهمًا

(1)

.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوفٍ الشاميِّ

(2)

: {بَخْسٍ دَرَاهِمَ} . قال: كانت عشرين درهمًا.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شَريكٌ، عن أبي إسحاق، عن نوفٍ مثلَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ في قوله: {بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} . قال: عشرون درهمًا

(3)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السدىِّ:{دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} . قال: كانت عشرين درهمًا

(4)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ: ذُكِر لنا أنه بِيع بعشرين درهمًا، {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} .

حدَّثنا محمدُ بنُ عبد الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قَتادةَ مثله

(5)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن ابن

(6)

إدريس، عن عطية،

(1)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(2)

فى م: "البكالى". وهما واحد، وينظر تهذيب الكمال 30/ 65.

(3)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ، وهو عند ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2116 (11424) من طريق مجاهد، عن ابن عباس.

(4)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 305.

(5)

جزء من الأثر المتقدم تخريجه في ص 52.

(6)

في النسخ: "أبي". والمثبت من مصدر التخريج، وينظر تهذيب الكمال 14/ 293.

ص: 57

قال: كانت الدراهمُ عشرين درهمًا، اقْتَسَموها درهمين درهمين

(1)

.

وقال آخرون: بل كان

(2)

عددُها اثنين وعشرين درهمًا

(3)

، أَخَذ كلُّ واحدٍ مِن إخوة يوسُفَ، وهم أحدَ عشَرَ رجلًا، درهمين درهمين منها.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، [قال: ثنا شبابةُ]

(4)

، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} . قال: اثنين وعشرين درهمًا

(5)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ فى قولِ اللهِ:{دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} . قال: اثنان وعشرون درهمًا، لإخوة يوسُفَ أحدَ عَشَرَ رجلًا.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ فى قولِ اللهِ:{دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} .

قال: وثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عَن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2116 (11425) من طريق ابن إدريس به، وعزاه السيوطي في الدر المنشور 2/ 11 إلى أبي الشيخ.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"كانت".

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(4)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف. وفى م:"قال ثنا أسباط"، وتقدم هذا الإسناد في ص 51، وينظر تهذيب الكمال 12/ 343.

(5)

تفسير مجاهد ص 393، وتقدم تخريجه بتمامه في ص 51.

ص: 58

مجاهدٍ بنحوه.

وقال آخرون: بل كانت أربعين درهمًا.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيز، قال: ثنا قيسٌ، عن جابرٍ، عن عكرمة:{دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} . قال: أربعين درهمًا

(1)

.

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاق، قال: باعوه، ولم يَبْلُغْ ثمنُه الذي باعوه به أُوقيةً، وذلك أن الناس كانوا يتبايعون في ذلك الزمانِ بالأَواقىِّ، فما قصَّر عن الأُوقيَّةِ فهو عددٌ، يقولُ اللهُ:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} . أى: لم تَبْلُغ

(2)

الأوقية.

والصوابُ مِن القولِ فى ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكرُه أخْبرَ أنهم باعوه بدراهمَ معدودةٍ غير موزونةٍ، ولم يَحُدَّ مبلغَ ذلك بوزنٍ ولا عددٍ، ولا وضَع عليه دلالةً في كتاب، ولا خبر من

(3)

الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد يَحْتَمِلُ أن يكون كان عشرين، ويَحْتَمِلُ أن يكونَ كان اثنين وعشرين، وأن يكون كان أربعين، وأقلَّ من ذلك وأكثر، وأىُّ ذلك كان، فإنها كانت معدودةً غير موزونةٍ، وليس في العلم بمبلغ وزنِ ذلك فائدةٌ تَقَعُ فى دينٍ، ولا فى الجهل به دخولُ ضُرٍّ فيه، والإيمانُ بظاهر التنزيل فرضٌ، وما عداه فموضوعٌ عنا تكلُّفُ علمِه.

وقولُه: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وكان إخوةُ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2116 (11426) من طريق جابر به.

(2)

في م: "يبلغ".

(3)

في ت 1: "عن".

ص: 59

يوسُفَ في يوسُفَ من الزاهدين، لا يَعْلَمون كرامته على

(1)

اللهِ، ولا يَعْرِفون مَنْزِلَتَه عنده، فهم مع ذلك يُحِبُّون أن يَحولوا بينه وبين والدِه ليَخْلُو لهم وجهُه منه، ويَقْطَعوه عن القرب منه؛ لتكونَ المنافعُ التي كانت مصروفةً إلى يوسُفَ دونَهم مصروفةً إليهم.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أبي روْقٍ

(2)

، عن جويبرٍ، عن الضحاك:{وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} . قال: لم يَعْلَموا بنبوَّته ومنزلتِه من الله

(3)

.

حُدِّثْتُ عن الحسين بن الفرج، قال: سمِعْتُ أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عبيدُ بنُ سليمان، قال: سمِعْتُ الضحاك فى قوله: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ} : فنزَلَت على الجُبِّ {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} ، فاسْتَقَى مِن الماءِ، فاسْتَخْرَج يوسُف، فاسْتَبْشَروا بأنهم أصابوا غلامًا، لا يَعْلَمون علمَه ولا منزلتَه من ربِّه، فزهدوا فيه، فباعوه، وكان بيعُه حرامًا، وباعوه بدراهمَ معدودةٍ

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى هُشيمٌ، قال: أَخْبَرنا جُويبرٌ، عن

(1)

فى م: "عند".

(2)

فى النسخ: "مرزوق". وتقدم على الصواب.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2117 (11431) من طريق عمرو بن محمد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 11 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(4)

عزاه السيوطى في الدر المنثور 4/ 10 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 60

الضحاك: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} . قال: إخوتُه زهِدوا [فيه، لم]

(1)

يَعْلَموا منزلته من الله ونبوتَه ومكانتَه

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، قال: إخوتُه زهِدوا فيه، لم يَعْلَموا منزِلتَه مِن اللهِ.

‌القولُ في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)} .

يقولُ جلَّ ثناؤُه: وقال الذى اشْتَرَى يوسُفَ من بائعه بمصر. وذُكر أن اسمَه قُطْفيرُ

(3)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ، قال: كان اسمُ الذى اشْتَراه قُطْفيرَ

(4)

.

وقيل: إن اسمَه أطفيرُ بنُ روحيبَ، وهو العزيزُ، وكان على خَزائن مصرَ، وكان الملكُ يومَئذٍ الرَّيَّانَ بنَ الوليدِ، رجلٌ مِن العَمالِيقِ.

كذا

(5)

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ

(6)

.

(1)

في م: "فلم".

(2)

في ص، م، ف:"مكانه".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"قطيفين". وينظر الكامل لابن الأثير 1/ 141.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"قطيفين".

والأثر أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 335، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2117 (11433).

(5)

في م: "كذلك".

(6)

أخرجه المصنف فى تاريخه 1/ 335، وأخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2117 (11436) =

ص: 61

وقيل: إن الذي باعه

(1)

بمصر كان مالك بن دعرَ

(2)

بن تويب

(3)

بن عفقا

(4)

بن مَدْيان بن إبراهيمَ.

كذلك حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاق، عن محمدِ بنِ السائب، عن أبي صالحٍ، عن ابن عباسٍ

(5)

.

{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ} . واسمُها فيما ذكر ابنُ إسحاق راعيلُ [بنتُ رعائيل]

(6)

.

حدَّثنا بذلك ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاق

(7)

.

{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} . يقولُ: أَكْرِمى موضع مُقامه، وذلك حيث يثوى ويُقِيمُ فيه، يقالُ: ثوَى فلانٌ بمكان كذا. إذا أقام فيه.

وبنحو الذى قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل.

= من طريق سلمة به.

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(2)

فى ص، م، ت 1، ت 2:"ذعر".

(3)

فى م، ت 1:"ثويب"، وفى ت:"يوبت"، وغير منقوطة في ص، س، والمثبت موافق لنسخة من تاريخ المصنف، وفى نسخة منه:"يوبب"، وفي نسخة:"بويب".

(4)

فى م: "عنقاء"، وفى ت 1، ت 2، س، ف:"عققا"، وفى تاريخ المصنف:"عفقان". والمثبت موافق لما في البداية والنهاية 1/ 467.

(5)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 335، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى المصنف وابن إسحاق وأبى الشيخ مطولًا.

(6)

فى ص: "ابنة رعاىىل"، وفى ت 1:"ابنة زعائيل"، وفى ت 2:"ابنة رغابيل"، وفى س، ف:"ابنة زعابيل".

(7)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 336. وهو تمام الأثر السابق.

ص: 62

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قوله:{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} : منزلته، وهى امرأةُ العزيز

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ قوله:{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} . قال: منزلته.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال

(2)

: اشتراه الملكُ، والملكُ مسلمٌ

(3)

.

وقولُه: {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} . ذُكِر أَن مُشْتَرِيَ يوسُفَ قال هذا القول لامرأته حين دفعه إليها؛ لأنه لم يكن له ولدٌ، ولم [يكنْ يَأْتي]

(4)

النساء، فقال لها: أكْرِميه عسى أن يَكْفِينا بعض ما نُعانى مِن أمورنا، إذا فهم الأمورَ التي يُكَلَّفُها وعرَفها، {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}. يقولُ: أَو نَتَبَنَّاه.

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: كان أطفيرُ فيما ذُكر لى رجلًا لا يأتى النساء، وكانت امرأتُه راعيلُ امرأةً حسناءَ ناعمةً طاعِمةً في مُلكٍ ودُنْيا

(5)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2117 (11437) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 11 إلى أبي الشيخ.

(2)

سقط من: م.

(3)

تقدم تخريجه في ص 47.

(4)

في م: "يأت".

(5)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 336.

ص: 63

الأحوص، عن عبدِ اللهِ، قال: أَفْرَسُ الناس ثلاثةُ؛ العزيزُ حينَ تفَرَّس فى يوسُفَ، فقال لامرأته:{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} . وأبو بكرٍ حين تفَرَّس في عمرَ، والتى قالت:{يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}

(1)

[القصص: 26].

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال:، قال: ثنا أسباطُ، عن السدىِّ، قال: انطُلِق بيوسُفَ إلى مصر، فاشْتراه العزيزُ ملكُ مصرَ، فانطَلَق به إلى بيتِه، فقال لامرأته:{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}

(2)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي عُبيدةَ، عن عبدِ اللهِ، قال: أفرسُ الناس ثلاثةٌ؛ العزيزُ حينَ قال لامرأتِه: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} . والقومُ فيه زاهدون، وأبو بكرٍ حين تفَرَّس في عمر فاسْتَخْلَفه، والمرأةُ التي قالت:{يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ}

(3)

.

وقولُه: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} . يقولُ عز وجل: وكما أنْقَذْنا يوسُفَ مِن أيدى إخوته وقد همُّوا بقتله، وأَخْرَجْناه مِن الجُبِّ بعدَ أن أُلْقِيَ فيه، فصيَّرْناه إلى الكرامة والمنزلة الرفيعة عند عزيز مصر، كذلك مكَّنَّا له في الأرض

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 8/ 575، والحاكم 2/ 345، 346، والخلال في السنة (340) من طريق وكيع به، وأخرجه الطبراني (8829)، والبيهقي في الاعتقاد ص 506 من طريق محمد بن كثير، عن سفيان به، وأخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2118 (11438) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، به، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 273 من طريق الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله به، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (1113 - تفسير) - ومن طريقه الطبراني (8830) - عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن ناس من أصحاب عبد الله، قالوا: قال عبد الله. فذكره، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 11 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2117 (11435) من طريق أسباط به.

(3)

أخرجه البيهقي في الاعتقاد ص 506 من طريق إسرائيل به.

ص: 64

فجعَلْناه على خزائنها.

وقولُه: {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وكى نُعَلِّمَ يوسُفَ من عبارةِ الرُّؤْيا مكَّنَّا له في الأرضِ.

كما حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} . قال: عبارةِ الرُّؤْيا

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بمثله

(2)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ:{وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} . قال: تعبير الرُّؤْيا.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامة، عن شِبْلٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، [عن مجاهدٍ]

(3)

: {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} . قال: عبارةِ الرُّؤْيا

(4)

.

وقولُه: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} . يقولُ تعالى ذكرُه: واللهُ مُسْتَوْلٍ على أمرِ يوسُفَ يَسُوسُه ويُدَبِّرُه ويَحوطُه.

والهاءُ فى قوله: {عَلَى أَمْرِهِ} . عائدةٌ على يوسُفَ.

ورُوى عن سعيد بن جبيرٍ فى معنى: {غَالِبٌ} . ما حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {وَاللَّهُ

(1)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 12 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

تفسير مجاهد ص 394، ومن طريقه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2118 (11440).

(3)

سقط من: م.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة 11/ 82 عن أبي أسامة به.

ص: 65

غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}. قال: فَعَّالٌ

(1)

.

وقولُه: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} . يقولُ: ولكنَّ أكثرَ

(2)

الذين زهِدوا في يوسُفَ فباعوه بثمنٍ خَسيسٍ، والذين صار بينَ أظهرِهم مِن أهلِ مصرَ حينَ بِيع فيهم، لا يَعْلَمون ما اللهُ بيوسُفَ صانعٌ، وإليه يوسُفُ مِن أمرِه صائرٌ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)} .

يقول تعالى ذكرُه: {وَلَمَّا بَلَغَ} يوسُفُ {أَشُدَّهُ} . يقولُ: ولمَّا بَلَغَ مُنْتَهى شدتِه وقوتِه فى شبابِه وحَدِّه، وذلك فيما بينَ ثمانيَ عشرةَ سنةً إلى ستين سنةً، وقيل: إلى أربعين سنةً.

يقالُ منه: مضَت أشُدُّ الرجلِ. أى: شدتُه. وهو جمعٌ مثلُ الأضُرِّ والأُشُرِّ

(3)

لم يُسْمَعْ له بواحدٍ مِن لفظِه، ويَجِبُ فى القياسِ أن يكونَ واحدُه "شَدٌّ"، كما واحدُ الأضُرِّ ضَرٌّ، وواحدُ [الأشُرِّ شَرٌّ]

(4)

، كما قال الشاعرُ

(5)

:

هل غيرُ أن كثُر الأشُرُّ

(6)

وأَهْلَكَت

حَرْبُ المُلوكِ أكاثِرَ الأموالِ

وقال حُميدٌ:

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2118 (11441) من طريق عبد العزيز به.

(2)

بعده في م: "الناس".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الأشد"، وفى م:"الأسر". والمثبت هو الصواب كما تقدم في 9/ 663.

(4)

في النسخ: "الأسرسر".

(5)

التبيان 6/ 117.

(6)

في م: "الأشد".

ص: 66

وقد أتَى لو تُعْتِبُ العَواذِلُ

بعدَ الأَشُدِّ أربعٌ كَوامِلُ

وقد اخْتَلَف أهلُ التأويلِ فى الذى

(1)

عنَى اللهُ به فى هذا الموضعِ مِن مبلغِ "الأشُدِّ"؛ فقال بعضُهم: عُنِى به ثلاثٌ وثلاثون سنةً.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ والحسنُ بنُ محمدٍ، قالا: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} . قال: ثلاثًا وثلاثين سنةً

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

[حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ مثلَه]

(3)

.

حُدِّثْتُ عن علىِّ بنِ الهيثمِ، عن بشرِ بنِ المفضلِ، عن عبدِ اللهِ بنِ عثمانَ بنِ خُثَيْمٍ

(4)

، عن مجاهدٍ، قال: سمعتُ ابنَ عباسٍ يقولُ في قولِه: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} . قال: بضعًا وثلاثين سنةً

(5)

.

وقال آخرون: بل عُنِى به عشرون سنةً.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"التى".

(2)

تفسير سفيان ص 139، وهو في تفسير مجاهد ص 525.

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(4)

في ت 1، ت 2، س، ف:"خيثم". وينظر تهذيب الكمال 15/ 279.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 9/ 2951 (16744) من طريق عبد الله بن إدريس عن عبد الله بن عثمان به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 5/ 122 إلى عبد بن حميد والمصنف وابن المنذر وأبى الشيخ والمحاملى فى أماليه، وسيأتي في تفسير سورة القصص.

ص: 67

ذكرُ مَن قال ذلك

حُدِّثْتُ عن علىِّ بنِ المسيبِ، عن أبي رَوْقٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} . قال: عشرين سنةً

(1)

.

ورُوِى عن ابنِ عباسٍ مِن وجهٍ غيرِ مَرْضىٍّ أنه قال: ما بينَ ثمانيَ عشْرةَ سنةً إلى ثلاثين.

وقد بيَّنْتُ معنى "الأشُدِّ".

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أن يقالَ: إن اللهَ عز وجل أخْبَر أنه آتَى يوسُفَ لمَّا بلَغ أشُدَّه حُكْمًا وعلمًا. والأشُدُّ هو انتهاءُ قوتِه وشبابِه، وجائزٌ أن يكونَ آتاه ذلك وهو ابنُ ثمانيَ عشْرةَ سنةً، وجائزٌ أن يكونَ آتاه وهو ابنُ عشرين سنةً، وجائزٌ أن يكونَ آتاه وهو ابنُ ثلاثٍ وثلاثين سنةً، ولا دلالةَ [له في كتابٍ]

(2)

ولا أثرٍ عن الرسولِ صلى الله عليه وسلم ولا في إجماعِ الأمةِ، على أىِّ ذلك كان، وإذ لم يَكُنْ ذلك موجودًا مِن الوجهِ الذى ذكَرْتُ، فالصوابُ أن يقالَ فيه كما قال عز وجل حتى تَثْبُتَ حجةٌ بصحةِ ما قيل في ذلك مِن الوجهِ الذى يَجِبُ التسليمُ له، فيُسَلَّمَ لها حينَئذٍ.

وقولُه: {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} . يقولُ تعالى ذكرُه: أعْطَيْناه حينَئذٍ الفهمَ والعلمَ.

كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} . قال: العقلَ والعلمَ قبل النبوةِ

(3)

.

(1)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 12 إلى المصنف.

(2)

فى م: "في كتاب الله".

(3)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 336 عن المثنى به، وسيأتى فى سورة القصص من طريق آخر عن ابن أبي نجيح.

ص: 68

وقولُه: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وكما جزَيْتُ يوسُفَ فآتَيْتُه بطاعتِه إياى الحكمَ والعلمَ، ومكَّنْتُه فى الأرضِ، واسْتَنْقَذْتُه مِن أيدى إخوتِه الذين أرادوا قتلَه، كذلك نَجْزِى مَن أَحْسَن فى عملِه فأطاعنى فى أمرى، وانْتَهَى عما نهَيْتُه عنه مِن معاصىَّ.

وهذا وإن كان مخرجُ ظاهرِه على كلِّ محسنٍ، فإن المرادَ به محمدٌ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ له عز وجل: كما فعَلْتُ هذا بيوسُفَ مِن بعدِ ما لقِى مِن إخوتِه ما لقِى وقاسَى مِن البلاءِ ما قاسَى، فمكَّنْتُه في الأرضِ، ووطَّأْتُ له في البلادِ، فكذلك أَفْعَلُ بك، فأُنَجِّيك مِن مشركي قومِك الذين يَقْصِدونك بالعَداوةِ، وأُمَكِّنُ لك في الأرضِ، وأُوتِيك الحكمَ والعلمَ؛ لأن ذلك جَزائي أهل

(1)

الإحسانِ في أَمْرِى ونهيي.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن علىٍّ، عن ابنِ عباسٍ:{وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} . يقولُ: المُهْتدِين

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: وراوَدَت امرأةُ العزيزِ، وهى التي كان يوسفُ في بيتِها، عن نفسِه أن يُواقِعَها.

كما حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ: ولما بلَغ أَشُدَّه،

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(2)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 12 إلى المصنف.

ص: 69

راوَدَته التي هو في بيتِها عن نفسِه، امرأةُ العزيزِ

(1)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السدىِّ:{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} . قال: أحَبَّته

(2)

.

قال: ثني أبي، عن إسرائيلَ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: قالت: تَعالَهْ

(3)

.

وقولُه: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} . يقولُ: وغلَّقَت المرأةُ أبوابَ البيوتِ عليها وعلى يوسُفَ، لما أرادت منه وراوَدَته عليه، بابًا بعدَ بابٍ.

وقولُه: {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} . اختَلَفَت القرَأَةُ في ذلك؛ فقرَأَته عامةُ قرَأَةِ الكوفةِ والبصرةِ: {هَيْتَ لَكَ} بفتحِ الهاءِ والتاءِ

(4)

، بمعنى: هلمَّ لك، وادْنُ وتقَرَّبْ. كما قال الشاعرُ لعلىِّ بنِ أبى طالبٍ رضوانُ الله عليه

(5)

:

أبلِغْ أميرَ المؤمنـ

ــين أخا العِراقِ إذا أتَيْتَا

أنّ العِراقَ وأهلَه

عُنُقٌ

(6)

إليك فَهَيْتَ هَيْتَا

يعني: تعالَ واقْرُبُ.

وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك تأوَّله مَن قرَأه كذلك.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2120 (11459) من طريق سلمة به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2120 (11459) من طريق أسباط به.

(3)

أخرجه أبو الشيخ فى تفسيره من طريق المصنف كما في الفتح 8/ 364، وعلقه البخاري في كتاب التفسير قبل حديث (4692).

(4)

قرأ بها أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي. ينظر السبعة ص 347.

(5)

مجاز القرآن 1/ 305، والمحتسب 1/ 337.

(6)

أراد أنهم أقبلوا إليك بجماعتهم، وقيل: هم مائلون إليك ومنتظروك. اللسان (ع ن ق) والبيتان فيه.

ص: 70

حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ اللهِ المُخَرِّمىُّ، قال: ثنا أبو الجَوَّابِ، قال: ثنا عمارُ بنُ رُزَيقٍ

(1)

، عن الأعمشِ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ:{هَيْتَ لَكَ} . قال: هلُمَّ لك

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن علىٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه:{هَيْتَ لَكَ} . قال: هلمَّ لك

(3)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ [قولَه: {قَالَتْ]

(4)

هَيْتَ لَكَ}. تقولُ

(5)

: هلمَّ لك

(6)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا حجاجٌ، قال: ثنا حمادٌ، عن عاصمِ ابنِ بَهْدَلةَ، عن زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ أنه كان يَقْرِأُ هذا الحرفَ:{هَيْتَ لَكَ} نصبًا، أيْ: هلُمَّ لك

(7)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، قال: قال ابنُ جريجٍ: قال ابنُ عباسٍ قولَه: {هَيْتَ لَكَ} . قال: تقولُ: هَلُمَّ لك.

حدَّثني أحمدُ بنُ سُهَيْلٍ الواسطىُّ، قال: ثنا قُرَّةُ بنُ عيسى، قال: ثنا النَّضْرُ بنُ عربيٍّ

(8)

الجَزَرىُّ، عن عِكرمةَ مولى ابنِ عباسٍ في قولِه:{هَيْتَ لَكَ} . قال: هلُمَّ

(1)

فى م، ت 1، ت 2، س، ف:"زريق"، وغير منقوطة فى ص، وينظر تهذيب الكمال 21/ 189.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2121 (11460) من طريق الأعمش، عن أصحابه، عن سعيد به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2121 (11461) من طريق عبد الله بن صالح به.

(4)

في ص، ت 1، س:"قالت"، وفى م، ف:"قال".

(5)

فى ت 2، س، ف:"يقول"، وغير منقوطة في ص، ت 1.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2121 (11462) معلقا من طريق عطية به. وزاد: بالقبطية.

(7)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 12 إلى المصنف.

(8)

فى م: (على). وينظر تهذيب الكمال 29/ 396.

ص: 71

لك. قال: هي بالحَوْرانيةِ

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} . قال: كان الحسنُ يقولُ: هَلُمَّ لك.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، عن الحسنِ:{هَيْتَ لَكَ} . يقولُ بعضُهم: هلُمَّ لك

(2)

.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسْباطَ، عن السدىِّ:{وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} . قال: هلُمَّ لك، وهى بالقِبْطيةِ

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الوهَّابِ بنُ عطاءٍ، عن عمرٍو، عن الحسنِ:{هَيْتَ لَكَ} ، قال: كلمةٌ بالسُّرْيانيةِ، أي: عليك

(4)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الوهَّابِ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن الحسنِ:{هَيْتَ لَكَ} . قال: هلمَّ لك.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا خلفُ بنُ هشامٍ، قال: ثنا محبوبٌ، عن قتادةَ، عن الحسنِ:{هَيْتَ لَكَ} . قال: هلمَّ لك.

قال: ثنا عفَّانُ، قال: ثنا حمادٌ، عن عاصمٍ، عن زِرٍّ:{هَيْتَ لَكَ} . أى: هلمَّ.

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 307 عن المصنف، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 12 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(2)

تفسير عبد الرزاق 18/ 320 عن معمر به.

(3)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 12 إلى المصنف.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2122 (11467) من طريق عمرو به، عن الحسن بلفظ: يقول: عليك عليك، أي: دونك حاجتك.

ص: 72

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا الثوريُّ، قال: بلَغَني في قولِه: {هَيْتَ لَكَ} . قال: هلمَّ لك

(1)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ يُوسُفَ، قال: ثنا أبو عُبيدٍ، قال: ثنا علىُّ بنُ عاصمٍ، عن خالدٍ الحَذَّاءِ، عن عِكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ أنه قرَأ:{هَيْتَ لَكَ} . وقال: تَدْعُوه إلى نفسِها

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ تعالى:{هَيْتَ لَكَ} . قال: لغةٌ عربيةٌ

(3)

تَدْعُوه بها.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه، إلا أنه قال: لغةٌ بالعربيةِ تَدْعُوه بها إلى نفسِها.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا شَبابةُ، عن وَرْقاءَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثل حديثِ محمدِ بنِ عمرٍو سَواءً

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

(5)

.

(1)

تفسير الثورى ص 139، 140.

(2)

عزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 12 إلى المصنف وأبى عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس، وينظر ما تقدم في ص 69.

(3)

في ص، ف:"غريبة".

(4)

تفسير مجاهد ص 394، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2121 (11464) من طريق ابن أبى نجيح به، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور 4/ 12 إلى أبى الشيخ.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره 7/ 2121 (11463) من طريق ابن جريج به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 12 إلى أبى الشيخ.

ص: 73

حدَّثنا أحمدُ بنُ يوسُفَ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنا هُشيمٌ، عن يونُسَ، عن الحسنِ:{هَيْتَ لَكَ} بفتح الهاءِ والتاءِ، وقال: تقولُ

(1)

: هلمَّ لك.

حدَّثني الحارثُ، قال

(2)

: قال أبو عبيدٍ

(3)

: كان الكِسائيُّ يَحْكِيها -يعنى: {هَيْتَ لَكَ} - قال: وقال: وهى لغةٌ لأهلِ حَوْرانَ وقَعَت إلى الحجازِ، معناها: تعالى. قال: وقال أبو عبيدٍ: سأَلْتُ شيخًا عالمًا من أهل حَوْرانَ، فذكَر أنها لغتُهم يَعْرِفُها

(4)

.

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ:{هَيْتَ لَكَ} . قال: تَعالَ

(5)

.

حدَّثني يونُسُ، قال: أَخْبَرنا ابنُ وَهْبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} . قال: هلمَّ لك إلىَّ

(5)

.

وقرَأ ذلك جماعةٌ مِن المتقدِّمين: (وقالت هِئْتُ لكَ). بكسرِ الهاءِ وضمِّ التاءِ والهمزِ

(6)

، بمعنى: تهَيَّأْتُ لك، من قولِ القائلِ: هِئْتُ للأمرِ أَهِيءُ هَيْئةً.

وممَّن رُوِى ذلك عنه ابنُ عباسٍ وأبو عبدِ الرحمنِ السُّلَميُّ وجماعةٌ غيرُهما. حدَّثنا أحمدُ بنُ يوسُفَ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنا الحجّاجُ، عن هارونَ، عن أبانٍ العَطَّارِ، عن قتادةَ، أن ابنِ عباسٍ قرَأها كذلك مكسورةَ الهاءِ مضمومةَ

(1)

في ص، ت 2، س:"يقول".

(2)

سقط من: م، ت 1، ت 2، س، ف.

(3)

في م، ت 2:"عبيدة".

(4)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 307، والسيوطى في الدر المنثور 4/ 12.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2122 (11468) من طريق سلمة به.

(6)

هذه القراءة رواية هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر. السبعة لابن مجاهد ص 347.

ص: 74

التاءِ. قال أحمدُ: قال أبو عُبيدٍ: لا أَعْلَمُها إلا مهموزةً

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الوهَّابِ، عن أبانٍ العَطَّارِ، عن عاصمٍ، عن أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَميُّ:(هِئْتُ لك). أي: تهَيَّأتُ لكَ.

قال: ثنا عبدُ الوهَّابِ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن عكرمةَ مثلَه

(2)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: كان عكرمةُ يقولُ: تهَيأْتُ لك.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، قال:(هِئْتُ لك). قال عكرمةُ: تهَيَّأتُ لك.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجاجُ، قال: ثنا حمادٌ، عن عاصمِ بن بَهْدَلةَ، قال: كان أبو وائلٍ يقولُ: (هِئْتُ لك). أي: تَهَيَّأْتُ لك. وكان أبو عمرِو بنُ العَلاءِ والكِسائيُّ يُنكِران هذه القراءةَ

(3)

.

حُدِّثْتُ عن عليّ بن المغيرةِ، قال: قال أبو عُبيدةَ مَعْمَرُ بنُ المثنَّى: شَهِدْتُ أبا عمرٍو، وسأَله أبو أحمدَ، أو أحمدُ، وكان عالمًا

(4)

بالقرآنِ، عن قولِ من قال:(هِئتُ لكَ). بكسرِ الهاءِ وهمزِ الياءِ، فقال أبو عمرٍو: نَبْسِيٌّ

(5)

- أي: باطلٌ -

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 12 إلى المصنف وأبي عبيد وابن أبي حاتم، وهو في تفسير ابن أبي حاتم 7/ 2121 (11466) من طريق الضحاك عن ابن عباس.

(2)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2121 عقب حديث (11466) معلقا.

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 307 بالشطر الأخير.

(4)

بعده في مجاز القرآن: "وكان لأَلاءً ثم كبر فقعد في بيته فكان يؤخذ عنه القرءان ويكون مع القضاة فسأله".

(5)

في م، ت 2، ف:"ينسى"، وفى ت 1:"بييسى"، وغير منقوطة في ص، س، والمثبت كما في مجاز القرآن.

ص: 75

جعَلَها "فِلْتُ"

(1)

مِن "تهَيَّأَت"، فهذا الخَنْدقُ

(2)

، فاسْتَعْرِضِ العربَ حتى تنتهىَ إلى اليمنِ، هل تَعْرِفُ أحدًا يقولُ: هِئْتُ لك

(3)

؟

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا القاسمُ، قال: لم يكنِ الكسائيُّ يَحْكِي: (هِئْتُ لك) عن العربِ.

وقرَأ ذلك عامةُ قرَأةِ أهلِ المدينةِ: (هِيتَ لك). بكسرِ الهاءِ وتسكينِ الياءِ وفتحِ التاءِ

(4)

.

وقرَأه بعضُ المكِّيين: (هَيْتُ لك). بفتحِ الهاءِ وتسكينِ الياءِ وضمِّ التاءِ

(5)

.

وقرَأه بعضُ البصريِّين، وهو عبدُ اللهِ بنُ أبي

(6)

إسحاقَ: (هَيْتِ لكَ). بفتحِ الهاءِ وكسرِ التاءِ

(7)

.

وقد أنْشَد بعضُ الرُّواةِ بيتًا لطَرَفةَ بن العَبدِ في "هَيْتُ" بفتحِ الهاءِ وضمِّ التاءِ، وذلك

(8)

:

ليس قومى بالأبْعَدِين إذا ما

قال داعٍ مِن العَشِيرةِ هَيْتُ

وأولى القِراءاتِ

(9)

في ذلك قراءةُ مَن قرَأه: {هَيْتَ لَكَ}

(10)

بفتحِ الهاءِ

(1)

في النسخ: "فعلت"، وفى مجاز القرآن:"قلت". والمثبت هو الصواب.

(2)

الخندق: هو خندق سابور، في برية الكوفة، حفره سابور بينه وبين العرب خوفا من شرهم. معجم البلدان 2/ 476. وينظر كلام أبي عبيد عليه في مجاز القرآن.

(3)

مجاز القرآن 1/ 305، 306.

(4)

قرأ بها نافع وابن عامر في رواية ابن ذكوان. السبعة ص 347.

(5)

قرأ بها ابن كثير. ينظر المصدر السابق.

(6)

سقط من: النسخ، وينظر تهذيب الكمال 14/ 305.

(7)

مختصر الشواذ لابن خالويه ص 67.

(8)

ديوان طرفة ص 143.

(9)

في م: "القراءة".

(10)

القراءات المذكورة كلها صواب عدا قراء عبد الله بن أبي إسحاق فهي شاذة.

ص: 76

والتاءِ وتسكينِ الياءِ؛ لأنها اللغةُ المعروفةُ في العربِ دونَ غيرِها، وأنها - فيما ذُكر - قراءةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يَحيى، قال: أخْبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا الثوريُّ، عن الأعمشِ، عن أبي وائلٍ، قال

(1)

: قال ابن مسعودٍ: قد سمِعْتُ القَرَأَةَ فسمِعْتُهم مُتقارِبِين، فاقْرَءوا كما عُلِّمْتُم، وإياكم والتَّنطُّعَ والاختلافَ، فإنما هو كقولِ أحدِكم: هلمَّ وتعالَ. ثم قرَأ

(2)

عبدُ اللهِ: {هَيْتَ لَكَ} . قال (1): فقلتُ: يا أبا عبدِ الرحمنِ، إن ناسًا يَقْرَءُونها:(هيتُ لك). فقال عبدُ اللهِ: [إني أَقْرَؤُها]

(3)

كما عُلِّمْتُ، أَحبُّ إليَّ

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا جَريرٌ، عن الأعمشِ، عن أبي وائلٍ، قال: سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ يَقْرَأُ هذه الآيةَ: {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} . قال: فقالوا له: ما كنا نَقْرَؤُها إلا: (هيتُ لك). فقال عبدُ اللهِ: إنى أَقْرَؤُها كما عُلِّمْتُ أَحَبُّ إليَّ

(5)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن عُيَينةَ، عن منصورٍ، عن أبي وائلٍ، قال: قال عبدِ اللهِ: {هَيْتَ لَكَ} . فقال له مسْروقٌ: إن ناسًا يَقْرَءُونها: (هيتُ لك)؟ فقال: دَعُوني، فإني أَقْرَأُ كما أُقْرِئْتُ أَحبُّ إليَّ

(6)

.

(1)

سقط من: ص، م، ت 2، س، ف.

(2)

في م: "قال".

(3)

في تفسير عبد الرزاق وابن أبي حاتم: "إنى أن أقرأها"، وفى تفسير الثورى:"أن أقرأها".

(4)

بعده في تفسير عبد الرزاق وابن أبي حاتم: "إن".

(5)

تفسير الثورى ص 139، وتفسير عبد الرزاق 1/ 320 وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2121 (11465) من طريق الحسن بن يحيى به، وأخرجه أبو داود (4004، 4005)، وأخرجه الطبراني في الكبير (8680، 8681)، وابن مردويه - كما في الفتح 8/ 364 - من طريق شيبان وزائدة، عن الأعمش به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 12 إلى أبى الشيخ.

(6)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 308 عن المصنف.

ص: 77

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا آدمُ العَسْقَلانيُّ، قال: ثنا شعبةُ، عن الأعمشِ، عن شَقِيقٍ، عن ابن مسعودٍ، قال:{هَيْتَ لَكَ} . بنصبِ الهاءِ والتاءِ وبلا همزٍ

(1)

.

وذكَر أبو عُبيدةَ مَعْمَرُ بنُ المَثَنَّى أن العربَ لا تُثَنِّي "هَيْتَ" ولا تَجْمَعُ ولا تُؤَنِّثُ، وأنها تُصَوِّرُه في كلِّ حالٍ، وإنما يَتَبَيَّنُ العددُ بما بعدُ، وكذلك التأنيثُ والتذكيرُ. وقال: تقولُ للواحدِ: هَيتَ لك. وللاثنين: هيتَ لكما. وللجمعِ: هَيْتَ لكم. وللنساءِ: هَيْتَ لَكُنّ

(2)

.

وقولُه: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} . يقولُ جلَّ ثناؤُه: قال يوسُفُ إذ دَعَتْه المرأةُ إلى نفسِها، وقالت له: هلمَّ إلى: أعْتَصِمُ باللهِ مِن الذي تدعُونِي

(3)

إليه، وأَسْتَجِيرُ به منه.

وقولُه: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} . يقولُ: إن صاحبَك وزوجَك سيدى.

كما حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسْباطَ، عن السديِّ:{مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي} . قال: سيدى.

قال: ثنا ابن نُمَيْرٍ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، [عن مجاهدٍ]

(4)

: {إِنَّهُ رَبِّي} . قال: سيدى

(5)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي

(1)

أخرجه البخارى (4692) من طريق شعبة به.

(2)

ينظر مجاز القرآن 1/ 305.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"تدعونني".

(4)

سقط من: ص، م، ت 2، س، ف.

(5)

تفسير مجاهد ص 394. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 13 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 78

نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ

(2)

: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي} . قال: سيدى. يعني زوجَ المرأةِ.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي} : يعنى

(3)

أطفيرَ. يقولُ

(4)

: إنه سيدى

(5)

.

وقولُه: {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} . يقولُ: أَحْسَن مَنْزِلَتى وَأَكْرَمَنى، وائتَمَنَنِي فَلا أَخونُه.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال:{أَحْسَنَ مَثْوَايَ} : أمِنَنِى على بيتِه وأهلِه

(5)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ:{أَحْسَنَ مَثْوَايَ} : فلا أَخونُه في أهلِه.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2122 (11469) من طريق شبابة به.

(2)

بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"مثله، حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد". وهو تكرار.

(3)

بعده في س: "إنه"

(4)

في س: "يعني".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2122 (11471) من طريق سلمة به.

ص: 79

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ:{أَحْسَنَ مَثْوَايَ} . قال: يُرِيدُ يوسُفُ سيدَه زوجَ المرأةِ.

وقولُه: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} . يقولُ: إنه لا يُدْرِكُ البقاءَ ولا يُنْجِحُ مَن ظلَم، ففعَل ما ليس له فعلُه، وهذا الذي تدْعوني

(1)

إليه مِن الفُجورِ ظلمٌ وخِيانةٌ لسيدى الذي ائْتَمَنَنى على منزلِه.

كما حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} . قال: هذا الذي تَدْعُونى

(2)

إليه ظلمٌ، ولا يُفْلِحُ مَن عمِل به

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)} .

ذُكِر أن امرأةَ العزيزِ لما هَمَّت بيوسُفَ، وأرادَت مُراودتَه، جعَلَت تَذْكُرُ له محاسنَ نفسِه، وتُشَوِّقُه إلى نفسِها.

كما حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا

(4)

عمرُو بنُ محمدٍ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} . قال: قالت له: يا يوسُفُ، ما أَحْسَنَ شَعَرَك! قال: هو أولُ ما يَنْتَثِرُ من جسدى. قالت: يا يوسُفُ

(5)

، ما أحْسَنَ وجهَك! قال: هو للترابِ يَأْكُلُه. فلم تَزَلْ حتى أَطْمَعَتْه

(6)

، فهمَّت

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"تدعونني".

(2)

تمام الأثر المتقدم في ص 79.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2122 (11472) من طريق سلمة به.

(4)

بعده في ت 2: "محمد بن".

(5)

بعده في مصدرى التخريج: ما أحسن عينيك قال هما أول ما يسيلان إلى الأرض من جسدى قالت يا يوسف".

(6)

في تاريخ الطبري: "أطمعها".

ص: 80

به، وهمَّ بها، فدخَلا البيتَ، وغلَّقَت الأبوابَ، وذهَب ليحُلَّ سَراويلَه، فإذا هو بصورةِ يعقوبَ قائمًا في البيتِ، قد عضَّ على أصبعِه، يقولُ: يا يوسُفُ تُواقِعُها! فإنما مَثَلُك ما لم تُواقِعْها مَثَلُ الطيرِ في جوِّ السماءِ لا يُطاقُ، ومَثَلُك إن واقعْتَها مَثَلُه إذا مات، وقَع

(1)

إلى الأرضِ، لا يَسْتَطِيعُ أَن يَدْفَعَ عن نفسِه، ومَثَلُك ما لم تُواقِعْها مَثَلُ الثَّوْرِ الصَّعبِ الذي لا يُعْمَلُ عليه، ومَثَلُك إن واقَعْتَها مَثَلُ الثورِ حينَ يموتُ فيَدْخُلُ النَّمْلُ في أصلِ قرْنَيْه، لا يَسْتَطِيعُ أَن يَدْفَعَ عن نفسِه، فربَط سَراويلَه، وذهَب ليَخْرُجَ يَشْتَدُّ

(2)

، فأَدْرَكَته، فأَخَذَت

(3)

بمؤخَّرِ قميصِه مِن خلفِه، فخرَقَتْه حتى أَخْرَجَته منه، وسقَط، وطرَحه يوسُفُ، واشتدَّ نحوَ البابِ

(4)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: أكَبَّت عليه - يعنى المرأةَ - تُطْمِعُه مرةً، وتُخيفه أخرى، وتَدْعُوه إلى لذَّةٍ مِن حاجةِ الرجالِ، في جَمالِها وحُسْنِها ومُلْكِها، وهو شابٌّ مُسْتَقْبِلٌ

(5)

، يَجِدُ مِن شَبَقِ الرجالِ ما يَجِدُ الرجلُ، حتى رَقَّ لها مما يَرَى مِن كَلْفِها به، ولم يَتَخَوَّفُ منها، حتى همَّ بها، وهمَّت به، حتى خَلَوَا في بعض بُيوتِه

(6)

.

ومعنى الهمِّ بالشيءِ في كلامِ العربِ حَديثُ المرءِ نفسَه بمواقعتِه، ما لم يُواقِعْ،

(1)

في م: "ووقع".

(2)

الشدُّ: العدو، ويشتد: يعدو. القاموس (ش د د).

(3)

في ت 1، ت 2، س:"فأجرت".

(4)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 337 بهذا الإسناد، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2123 (11475) من طريق أسباط به.

(5)

في مصدر التخريج: "مقتبل". وهما بمعنى، يقال: رجل مقتبل الشباب. أي: مستقبل الشباب، إذا لم يُرَ عليه أثر كبر. اللسان (ق ب ل).

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2123 (11476) من طريق سلمة به.

ص: 81

فأما ما كان من همِّ يوسُفَ بالمرأةِ وهمِّها به، فإن أهل العلمِ قالوا في ذلك ما أنا ذاكرُه

(1)

:

وذلك ما حدَّثنا أبو كريبٍ وسفيانُ بنُ وكيعٍ وسهلُ بنُ موسى الرازيُّ، قالوا: ثنا ابن عُيينةَ، عن عثمانَ بن أبي سليمانَ، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ، عن ابن عباسٍ، سُئِل عن همِّ يوسُفَ ما بلَغ؟ قال: حَلَّ الهِمْيانَ، وجلس منها مجلسَ الخاتنِ

(2)

لفظُ الحديثِ لأبي كُريبٍ

(3)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابن عُيينةَ، قال: سمِع عبيدُ اللهِ بنُ أَبي يَزِيدَ ابنَ عباسٍ في قولِه: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} . قال: جلَس منها مجلسَ الخاتنِ، وحَلَّ الهِمْيانَ

(4)

.

حدَّثنا زيادُ بنُ عبدِ اللهِ الحَسَّانيُّ، وعمرُو بنُ عليٍّ، والحسنُ بنٌ محمدٍ، قالوا: ثنا سفيانُ بنُ عيينةَ، عن عبيدِ

(5)

اللهِ بن أبى يزيدَ، قال: سَمِعْتُ ابنَ عباسٍ سُئِل: ما بلَغ مِن هِمِّ يوسُفَ؟ قال: حَلَّ الهِمْيانَ، وجلَس منها مجلسَ الخاتنِ.

حدَّثني زيادُ بنُ عبدِ اللهِ، قال: ثنا محمدُ بنُ أبي عديٍّ، عن ابن جُريجٍ، عن ابن أبي مُلَيْكةَ، قال: سأَلْتُ ابن عباسٍ: ما بلَغ مِن همِّ يوسُفَ؟ قال:

(1)

اختلف المفسرون في تفسير الهم، وقد نسب بعضهم ليوسف عليه السلام ما لا يجوز نسبته لآحاد الفساق، وهذه الأقوال قسمان: قسم منها لم يثبت نقله عمن نقل عنه بسند صحيح، وهذا لا إشكال في سقوطه، وقسم ثبت عن بعض من ذكر، ومن ثبت عنهم منهم شيء من ذلك، فالظاهر أنه إنما تلقاه عن الإسرائيليات، وأما أقوال أهل السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك؛ لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضًا مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين فضلًا عن المقطوع لهم بالعصمة، فالذي يصح إذن أن يوسف عليه السلام لم يقع منه هم بها ألبته. ينظر البحر المحيط 5/ 295، أضواء البيان 3/ 68.

(2)

في تاريخ المصنف: "الحائز". والمثبت موافق لإحدى نسخه.

(3)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 337، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 321، وسعيد بن منصور في في سننه (1116 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره (7/ 2122 (11473) من طريق ابن عيينة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 13 إلى الفريابي وابن المنذر وأبى الشيخ والحاكم.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور (1117 - تفسير) من طريق سفيان به.

(5)

في م، ت 1، ت 2، س، ف:"عبد". وينظر تهذيب الكمال 19/ 178.

ص: 82

اسْتَلْقَت له، وجلَس بينَ رِجْلَيْها

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يحيى بنُ يمانٍ، عن ابن جُريجٍ، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} . قال: اسْتَلْقَت له، وحلَّ ثيابَه.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا قَبيصةُ بنُ عقبةَ، قال: ثنا سفيانُ، عن ابن جريجٍ، عن ابن أبي مُلَيْكةَ، عن ابن عباسٍ:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} . ما بلَغ؟ قال: اسْتَلقَت له، وجلَس بينَ رجليها، وحلَّ ثيابَه، أو ثيابَها

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقَ، قال: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن ابن جُريجٍ، عن ابن أبي مُلَيْكةَ، قال: سأَلْتُ ابن عباسٍ: ما بلَغ مِن همِّ يوسُفَ؟ قال: اسْتَلْقَتْ على قَفاها، وقعَد بينَ رجليها ليَنْزِعَ ثيابَه

(2)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن نافعِ

(3)

بن عمرَ، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ، قال: سُئِل ابن عباسٍ عن قولِه: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} . ما بلَغ مِن همِّ يوسُفَ؟ قال: حَلَّ الهِمْيانَ. يعنى السَّراويلَ

(4)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابن إدريسَ، قال: سمعتُ الأعمشَ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} . قال: حلَّ السراويلَ، حتى ثُنَّتَه

(5)

،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2123 (11474) من طريق آخر عن ابن أبي مليكة به.

(2)

تفسير سفيان الثورى ص 140 عن ابن جريج به بنحوه.

(3)

بعده في م والنسخ: "عن". والمثبت كما في مصدر التخريج. وينظر ما تقدم في 9/ 117.

(4)

أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/ 323، 324 من طريق نافع بن عمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 13 إلى أبي الشيخ.

(5)

في م: "التبان" وفى سنن سعيد بن منصور: الثفن، وفى ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الس". والمثبت من ابن أبي حاتم. والثنة: ما دون السرة فوق العانة. الفائق 1/ 177.

ص: 83

واسْتَلْقَت له

(1)

.

حدَّثني زيادُ بنُ عبدِ اللهِ الحسَّانيُّ، قال: ثنا مالكُ بنُ سُعَيْرٍ

(2)

، قال: ثنا الأعمشُ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} . قال: حلَّ سَراويلَه، حتى وقَع على المِيتَنَيْن

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} . قال: جلَس منها مجلسَ الرجلِ من امرأتِه.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، قال: ثني القاسمُ بنُ أبي بَزَّةَ: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} . قال: أما همُّها به، فاسْتَلْقَت له، وأما همُّه بها فإنه قعَد بينَ رجليها، ونزَع ثيابَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثني حجاجُ بنُ محمدٍ، عن ابن جُريجٍ، قال: أخبرني عبدُ اللهِ بنُ أبي مُلَيْكةَ، قال: قلتُ لابنِ عباسٍ: ما بلَغ مِن همِّ يوسُفَ؟ قال: اسْتَلْقَت له، وجلَس بينَ رجليها يَنْزِعُ ثيابَه.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2123 (11475) من طريق ابن نمير وأبى معاوية عن الأعمش به، وأخرجه سعيد بن منصور (1121 - تفسير) عن أبي المغيرة عن الأعمش به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 321 من طريق معمر عن ابن أبي نجيح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 13 إلى عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(2)

في ت 1: "سعد". وينظر تهذيب الكمال 27/ 145.

(3)

في م: "التبان"، وفى ص، ت 1، ت 2، ف:"اليتنين". والمثبت موافق للسياق. والميتنان: هي بواطن الأفخاذ. النهاية 5/ 292، واللسان (ي ت ن).

ص: 84

حدَّثني المُثَنَّى، قال:[ثنا الحِمَّانيُّ]

(1)

، قال: ثنا يحيى بنُ اليَمانِ، عن سفيانَ، عن عليّ بن بَذِيمةَ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ وعكرمةَ، قالا: حَلَّ السَّراويلَ، وجلَس منها مجلسَ الخاتنِ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ العَنْقَزيُّ، عن شَريكٍ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} . قال: اسْتَلْقَت، وحلَّ ثيابَه حتى بلَغ الثُّنَّاتِ

(3)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا قيسٌ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} . قال: أَطْلَق تِكَّةَ سَراويلِه

(4)

.

حدَّثني الحسنُ بنُ يحيى، قال: أَخْبَرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا ابن عُيينةَ، عن عثمانَ بن أبي سليمانَ، عن ابن أبي مُلَيْكَة، قال: شَهِدْتُ ابنَ عباسٍ سُئِل عن همِّ يوسفَ ما بلَغ؟ قال: حَلَّ الهِمْيانَ، وجلَس منها مجلسَ الخاتنِ

(5)

.

فإن قال قائلٌ: وكيف يَجوزُ أن يُوصَفَ يوسُفُ [بمثلِ هذا]

(6)

، وهو للهِ نبيٌّ؟ قيل: إن أهلَ العلمِ اخْتَلَفوا في ذلك؛ فقال بعضُهم: كان من ابْتُلِى مِن الأنبياءِ بخَطيئةٍ، فإنما ابْتلاه اللهُ بها؛ ليَكونَ مِن اللهِ عز وجل على وَجَلٍ إِذا ذكَرها، فيَجِدُّ في طاعتِه إشفاقًا منها، ولا يَتَّكِلُ على سَعةِ عفوِ اللهِ ورحمتِه.

(1)

سقط من: ت 1.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2125 (11485) من طريق الحماني به مطولًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 13 إلى المصنف وأبى الشيخ وابن أبي حاتم.

(3)

في م: "التبان".

(4)

تفسير البغوي 4/ 228.

(5)

تقدم تخريجه في ص 83.

(6)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

ص: 85

وقال آخرون: بل ابْتلاهم اللهُ بذلك، ليُعَرِّفَهم موضعَ نعمتِه عليهم، بصَفْحِه عنهم، وترْكِه عقوبتَهم

(1)

عليه في الآخرةِ.

وقال آخرون: بلِ ابْتَلاهم بذلك؛ ليَجْعَلَهم أئمةً

(2)

لأهل الذنوبِ في رَجاءِ رحمةِ اللهِ، وتركِ الإياسِ من عفوِه عنهم إذا تابوا.

وأما آخرون، ممَّن خالَف أقوالَ السلفِ، وتأوَّلوا القرآنَ بآرائِهم، فإنهم قالوا في ذلك أقوالًا مختلفةً؛ فقال بعضُهم: معناه: ولقد همَّت المرأةُ بيوسُفَ، وهمَّ بها يوسُفُ أن يَضْرِبَها، أو يَنالَها بمكروهٍ، لهمِّها به مما أرادتْه مِن المكروهِ، لولا أن يوسفَ رأَى برهانَ ربِّه، وكفَّه ذلك عما همَّ به مِن أذاها، لا

(3)

أنها ارْتَدَعَت مِن قِبل نفسِها، قالوا: والشاهدُ على صحةِ ذلك قولُه: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} . قالوا: فالسوءُ

(4)

هو ما كان همَّ به مِن أذاها، وهو غيرُ الفحشاءِ.

وقال آخرون منهم: معنى الكلامِ: ولقد همَّت به، فتَناهَى الخبرُ عنها، ثم ابْتُدِئ الخبرُ عن يوسُفَ، فقيل: وهمَّ بها يوسُفُ لولا أن رأَى برهانَ ربِّه، كأنهم وجَّهوا معنى الكلامِ إلى أن يوسُفَ لم يَهُمَّ بها، وأن الله إنما أخْبر أن يوسُفَ لولا رؤيتُه برهانَ ربِّه لَهمَّ بها، ولكنه رأَى برهانَ ربِّه فلم يَهُمَّ بها، كما قيل:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83].

ويُفْسِدُ هذين القولين أن العربَ لا تُقَدِّمُ جوابَ "لولا" قبلَها، لا تقولُ: لقد قمتُ

(5)

لولا زيدٌ. وهى تريدُ: لولا زيدٌ لقد قمتُ، هذا مع خلافِهما جميعَ أهلِ

(1)

في م، ص، ت 2، س، ف:"عقوبته".

(2)

في ت 2: "آية ".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"إلا".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"افليس".

(5)

في ت 1، ت 2، س:"فهمت".

ص: 86

العلمِ بتأويلِ القرآنِ، الذين عنهم يُؤْخَذُ تأويلُه.

وقال آخرون منهم: بل قد همَّت المرأةُ بيوسُفَ، وهمَّ يوسُفُ بالمرأةِ، غيرَ أن همَّهما كان تمثيلًا منهما بين الفعل والتركِ، لا عزمًا ولا إرادةً، قالوا: ولا حرجَ في حديثِ النفسِ، ولا في ذكرِ القلبِ، إذا لم يَكُنْ معهما عزمٌ ولا فعلٌ

(1)

.

وأما البرهانُ الذي رآه يوسُفُ، فترَك مِن أجلِه مُواقعةَ الخَطيئةِ، فإن أهلَ العلمِ مختلفون فيه؛ فقال بعضُهم: نُودِى بالنَّهيِ عن مُواقَعةِ الخَطيئةِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا ابن عُيينةَ، عن عثمانَ بن أبي سليمانَ، عن ابن أبي مُلَيْكةَ، عن ابن عباسٍ:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: نُودِى: يا يوسُفُ أتَزْنِى، فتَكونَ كالطيرِ وقَع ريشُه فذهَب يَطيرُ، فلا ريشَ له

(2)

؟

قال: ثنا ابن عُيينةَ، عن عثمانَ بن أبي سليمانَ، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ، عن ابن عباسٍ، قال: لم يُعطِ

(3)

على النداءِ حتى رأَى برهانَ ربِّه. قال: تمثالَ صورةِ وجهِ أبيه. قال سفيانُ: عاضًّا على إصبَعِه، فقال له: يا يوسُفُ، تَزْنى فتكونَ كالطيرِ ذهَب

(1)

قال أبو حيان: والذي أختاره: أن يوسف عليه السلام لم يقع منه هم بها ألبتة، بل هو منفى لوجود رؤية البرهان كما تقول: لقد قارفت لولا أن عصمك الله. ولا نقول: إن جواب "لولا" متقدم عليها، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك، بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها، وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون، ومن أعلام البصريين أبو زيد الأنصارى وأبو العباس المبرد. البحر المحيط 5/ 295، وينظر أضواء البيان 3/ 60.

(2)

تقدم تخريجه في ص 82.

(3)

في م: "يتعظ". والمراد بقوله: لم يعط: لم يطع. كما سيأتي.

ص: 87

ريشُه

(1)

؟!

حدَّثني زيادُ بنُ عبدِ اللهِ الحَسَّانيُّ، قال: ثنى محمدُ بنُ أَبي عَدِيٍّ، عن ابن جريجٍ، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ، قال: قال ابن عباسٍ: [نُودِى: يا بنَ يعقوبَ، لا تَكُنْ كالطائرِ له ريشٌ، فإذا زنَى ذهَب ريشُه، أو قعَد لا ريشَ له. قال: فلم يُعْطِ

(2)

على النداءِ. فلم يَزِدْ على هذا

(3)

. قال ابن جريجٍ: وحدَّثني [غيرُ واحدٍ أنه رأَى أباه عاضًا على إصبَعِه.

حدَّثنا]

(2)

أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن نافعِ

(4)

بن عمرَ، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ، قال: قال ابن عباسٍ]

(5)

: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: نُودِى فلم [يَسْمَعْ، فقيل له]

(6)

: يا بنَ يعقوبَ، تُرِيدُ أَن تَزْنِيَ فتكون كالطيرِ نُتِف فلا ريشَ له

(7)

؟

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن طلحةَ بن

(8)

عمرٍو الحَضْرميِّ، عن ابن أبي مُليكة، قال: بلَغَنى أن يوسُفَ لما جلَس بينَ رِجْلَي المرأةِ [فهو يَحُلُّ]

(9)

هِمْيانَه، نُودِي: يا يوسُفُ بنَ يعقوبَ، لا تَزْنِ، فإن الطيرَ إذا زنَى تَناثَر ريشُه. فأَعْرَض، ثم

(1)

سبق تخريجه في ص 83.

(2)

سقط من: ت 1.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2123 (11474) من طريق آخر عن ابن أبي مليكة به.

(4)

بعده في م، ص، ت 1، ف:"عن". وينظر تهذيب الكمال 29/ 288.

(5)

سقط من: ت 2، س، ف.

(6)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

(7)

سبق تخريجه ص 83.

(8)

في م: "عن". وينظر تهذيب الكمال 13/ 427.

(9)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فهى تحل".

ص: 88

نُودِى. فأَعْرَض، فتمَثَّل له يعقوبُ عاضًّا على إصبَعِه، فقام.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا قَبيصةُ بنُ عقبةَ

(1)

، قال: ثنا سفيانُ، عن ابن جريجٍ، عن ابن أبي مُليكةَ، عن ابن عباسٍ، قال: نُودِى: يا بنَ يعقوبَ، لا تَكُنْ كالطيرِ إذا زنَى ذهَب ريشُه، وبقِى لا ريشَ له، فلم يعطِ

(2)

على النداءِ، فَفُزِّع

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا حجاجُ بنُ محمدٍ، عن ابن جريجٍ، قال: أَخْبرَنى عبدُ اللهِ بنُ أبي مُليكةَ، قال: قال ابن عباسٍ: نُودِى: يا بنَ يعقوبَ، لا تكونَنَّ كالطائرِ

(4)

له ريشٌ، فإذا زنَى ذهَب ريشُه. قال: أو قعَد لا ريشَ له. فلم يُعطِ

(5)

على النداءِ شيئًا

(6)

، حتى رأَى

(7)

برهانَ ربِّه، ففرِق ففرَّ

(8)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخْبرَنا ابن عُيينةَ، عن عثمانَ بن أبي سليمانَ، عن ابن أبي مُليكةَ، قال: قال ابن عباسٍ: نُودِى: يا بنَ يعقوبَ، أتزْنِى فتكونَ كالطيرِ وقَع ريشُه فذهَب يطيرُ، فلا ريشَ له

(9)

؟

حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبرنا ابن وهبٍ، قال: أخْبرنى نافعُ بْنُ يَزِيدَ، عن همامِ بن يحيى، عن قتادةَ، قال: نُودِى يوسفُ، فقيل: أنت مكتوبٌ في الأنبياءِ، تَعْمَلُ

(1)

في ت 1، ت 2:"عتبة".

(2)

في م: "يتعظ". وفى النسخ: "يطع". والمثبت من تفسير الثورى ص 140.

(3)

تقدم تخريجه ص 83.

(4)

في ف، ت 1:"كالطير".

(5)

في م، وابن أبي حاتم "تفسيس" 7/ 2123:"يتعظ".

(6)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف. والمثبت من: ص، ومصدر التخريج.

(7)

في ص: "أرى". والمثبت من مصدر التخريج.

(8)

تقدم أوله ص 84.

(9)

تقدم تخريجه في ص 83.

ص: 89

عملَ الشفهاءِ

(1)

؟

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يحيى بنُ يمانٍ، عن ابن جريجٍ، عن ابن أبي مليكةَ، قال: نودى: يوسفُ بنَ يعقوبَ، تزنى فتكونَ كالطيرِ نُتِف فلا ريشَ له؟

وقال آخرون: البرهانُ الذي رأه

(2)

يوسُفُ فكفَّ عن مواقعةِ الخطيئةِ من أجلِه، صورةُ يعقوبَ عليهما السلام يتَوَعَّدُه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ العَنْقزيُّ، قال: أخْبرنا إسرائيلُ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: رأَى صورةَ - أو تمثالَ - وجهِ يعقوبَ عاضًّا على إصبعِه، فخرَجَت شهوتُه من أناملِه

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ العَنْقَزِى، عن إسرائيلَ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: مَثَل له يعقوبُ، فضرَب في صدرِه، فخرَجَت شهوتُه مِن أناملِه

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ بشرٍ، عن مِسْعَرٍ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: رأَى تمثالَ وجهِ أبيه قائلًا بكفِّه هكذا، وبسَط كفَّه، فخرَجَت شهوتُه مِن أناملِه

(4)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2124 (11483) من طريق خليد وسعيد عن قتادة به.

(2)

في م: "رأى".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2123 (11477)، والحاكم 2/ 346 كلاهما من طريق إسرائيل به.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور (1118 - تفسير) عن سفيان عن مسعر عمن حدثه عن سعيد به.

ص: 90

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ. وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن أبي حَصينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: مَثَل له يعقوبُ عاضًّا على أصابعِه، فضرَب صدرَه، فخرَجَت شهوتُه من أناملِه

(1)

.

حدَّثنا يونُسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ وهبٍ، قال: أخْبرني ابن جُريجٍ، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: رأَى صورةَ يعقوبَ واضعًا أَنْمُلتَه على فِيه يَتَوَعَّدُه، ففرَّ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ عبَّادٍ، قال: ثنا جريرُ بنُ حازمٍ، قال: سَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أبى مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عن ابن عباسٍ في قولِه: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} . قال: حينَ رأى يعقوبَ في سقفِ البيتِ، قال: فنُزِعَت شهوتُه التي كان يَجِدُها، [فخرَج يَسْعَى]

(3)

إلى بابِ البيتِ، فتبِعَته المرأةُ.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ. وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن قُرَّةَ بن خالدٍ السَّدوسيِّ، عن الحسنِ، قال: زعَموا - واللهُ أعلمُ - أن سقفَ البيتِ انْفَرَج، فرأَى يعقوبَ عاضًّا على أصابعِه

(4)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُليةَ، عن يونُسَ، عن الحسنِ في قولِه:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: رأى تمثالَ يعقوبَ عاضًّا على إصبعِه يقولُ:

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 321 عن الثورى به، وسفيان الثوري في تفسيره 141.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2124 (11478) من طريق جرير به. وأخرجه أيضًا 7/ 2124 (11479) من طريق آخر عن ابن عباس.

(3)

في م: "حتى خرج يسعى". وفى ص، ت 1، ت 2، س، ف:"حتى يرجع". والمثبت من مصدر التخريج.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 13 إلى ابن أبي شيبة والمصنف وابن المنذر وأبي الشيخ، وينظر الأثر الآتي.

ص: 91

يوسُفُ، يوسُفُ

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن عُلَيةَ، عن يونُسَ، عن الحسنِ نحوَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عمرٌو العَنْقَزيُّ، قال: أخْبرنا سفيانُ الثوريُّ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: رأَى تمثالَ وجهِ يعقوبَ، فخرَجَت شهوتُه مِن أناملِه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يحيى بنُ يمانٍ، عن سفيانَ، عن عليِّ بن بَذِيمةً، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: رأَى صورةً فيها وجهُ يعقوبَ عاضًّا على أصابعِه، فدفَع في صدرِه، فخرَجت شهوتُه مِن أناملِه، فكلُّ ولدِ يعقوبَ وُلِد له اثنا عشر رجلًا إلا يوسُفَ، فإنه نقَص بتلك الشهوةِ، ولم يُولَدْ له غيرُ أحدَ عَشَرَ

(2)

.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: أخبرَني يونُسُ بنُ يزيدَ، عن ابن شِهابٍ، أن حميد بنَ عبدِ الرحمنِ أخبرَه أن البرهانَ الذي رأَى يوسُفُ، يعقوبُ

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عيسى بنُ المنذرِ، قال: ثنا أيوبُ بنُ سُوَيْدٍ، قال: ثنا يونُسُ بنُ يزيدَ الأَيْليُّ، عن الزهريِّ، عن حميدِ بن عبدِ الرحمنِ مثلَه

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {لَوْلَا أَنْ رَأَى

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 13 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2124 (11480) من طريق ابن علية به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 421، وسعيد بن منصور (1120 - تفسير) كلاهما من طرق عن يونس به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2125 (11485) من طريق يحيى بن يمان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 13 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور (1115 - تفسير) من طريق آخر عن يونس بن يزيد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14 إلى المصنف.

ص: 92

بُرْهَانَ رَبِّهِ}. قال: مَثَل له يعقوبُ

(1)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا حكَّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: يعقوبَ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ. وحدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخْبرنا الثوريُّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: مثَل له يعقوبُ

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: جلَس منها مجلسَ الرجلِ من امرأتِه حتى رأَى صورةَ يعقوبَ في الجُدُرِ

(4)

(5)

.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1119 - تفسير) عن جرير به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 13 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

تفسير سفيان ص 140، 141 عن ابن أبي نجيح به. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 125 (11486) بسنده عن مجاهد.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 321 عن الثورى به.

(4)

في م: "الجدار". وهو موافق لإحدى نسخ تفسير عبد الرزاق.

(5)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 321 عن معمر به.

ص: 93

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: مَثَل له يعقوبُ.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، قال: ثنا القاسمُ بنُ أبي بَزَّةَ، قال: نُودِى: يا بنَ يعقوبَ، لا تكونَنَّ كالطيرِ له ريشٌ، فإذا زنَى قعد ليس له ريشٌ. فلم يَعْرِضْ للنداءِ، وقعَد، فرفَع رأسَه فرأَى وجةَ يعقوبَ [عاضًّا على إصبعِه، فقام مرعوبًا اسْتِحياءً مِن اللهِ تعالى ذكرُه، فذلك قولُ اللهِ سبحانه وتعالى: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}؛ وجةَ يعقوبَ]

(1)

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن النضرِ بن عربيٍّ، عن عكرمةَ، قال: مَثَل له يعقوبُ عاضًّا على أصابعهِ.

حدَّثنا أبو كريبٍ

(3)

، قال

(4)

: ثنا وكيعٌ

(5)

، عن نضرِ بن عربيٍّ، عن عكرمةَ مثلَه.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا قيسٌ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: مَثَل له يعقوبُ، فدفَع في صدرِه، فخرَجَت شهوتُه مِن أناملِه

(6)

.

قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن عليٍّ بن بَذِيمةَ، قال: كان يُولَدُ لكلِّ رجلٍ منهم اثنا عشَرَ ابنًا إلا يوسُفَ، وُلِد له أحدَ عَشَرَ، مِن أجلِ ما خرَج مِن

(1)

سقط من: ت 1، س.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14 إلى المصنف.

(3)

بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"وابن وكيع".

(4)

في ص، ت 2، ف:"قالا".

(5)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"ابن وكيع".

(6)

تقدم تخريجه في 91.

ص: 94

شهوتِه

(1)

.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال أبو شُريحٍ: سمِعْتُ عبيدَ اللهِ بنَ أبي جعفرٍ يقولُ: بلَغ من شهوةِ يوسُفَ أن خرَجَت مِن بَنَانِه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبيدٍ، عن محمدٍ الخراسانيِّ، قال: سأَلْتُ محمدَ بنَ سِيرينَ عن قولهِ: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: مثَل له يعقوبُ عاضًا على أصابعِه يقولُ: يوسُفُ بنَ يعقوبَ بن إسحاقَ بن إبراهيمَ خليلِ اللهِ، اسمُك اسمُ

(2)

الأنبياءِ وتَعْمَلُ عملَ السفهاءِ

(3)

؟!

حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، عن يونُسَ، عن الحسنِ في قولِه:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: رأَى يعقوبَ عاضًا على إصبعِه يقولُ: يوسفُ

(4)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، قال: قال قتادةُ: رأَى صورةَ يعقوبَ، فقال: يا يوسُفُ، تَعْمَلُ عملَ الفُجَّارِ وأنت مكتوبٌ في الأنبياءِ؟! فاسْتحْيَا منه.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . رأَى آيةً من آياتِ ربهِ، حجَزه اللهُ بها عن معصيتِه، ذُكِر لنا أنه مَثَل له يعقوبُ حتى كلَّمه، فعصَمه اللهُ، ونزَع كلَّ شهوةٍ كانت في مَفاصلِه

(5)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14 إلى المصنف.

(2)

في م، ومصدرى التخريج:"في".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2124 (11484) من طريق يعلى به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 13 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(4)

تقدم تخريجه ص 91.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2124 (11483،11482) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي=

ص: 95

قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن الحسنِ، أنه مَثَل له يعقوبُ وهو عاضٌّ على إصبعٍ مِن أصابعِه

(1)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، قال: أخْبرنا إسماعيلُ بنُ أبي سالمٍ، عن أبي صالحٍ، قال: رأَى صورةَ يعقوبَ في سقفِ البيتِ عاضًا على إصبعِه، يقولُ: يا يوسُفُ يا يوسفُ يعنى قولَه: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخْبرنا هُشيمٌ، عن منصورٍ، ويونُسُ، عن الحسنِ في قولِه:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: رأَى صورةَ يعقوبَ في سقفِ البيتِ عاضًّا على إصبعهِ

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرنا هُشيمُ، عن إسماعيلَ بن سالمٍ، عن أبي صالحٍ مثلَه، وقال: عاضًّا على إصبعِه يقولُ: يوسُفُ، يوسُفُ

(4)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ القُمِّيُّ، عن حفصِ بن حميدٍ، عن شِمْرِ بن عطيةَ، قال: نظَر يوسُفُ إلى صورةِ يعقوبَ عاضًّا على إصبعِه يقولُ: يا يوسُفُ. فذاك حيث كفَّ، وقام فانْدَفَعَ

(4)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شَريكٌ، عن سالمٍ وأبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: رأَى صورةً فيها وجهُ

= في الدر المنثور 4/ 13 إلى المصنف وأبي الشيخ.

(1)

تقدم تخريجه ص 91.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14 إلى أبي عبيد والمصنف وابن المنذر.

(3)

تقدم ص 91.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14 إلى المصنف.

ص: 96

يعقوبَ عاضًّا على أصابعِه، فدفَع في صدرِه، فخرَجَت شهوتُه مِن بين أناملِه

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نُعيمٍ، قال: ثنا مِسْعَرٌ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: رأَى تمثالَ وجهِ أبيهِ، فخرَجَت الشهوةُ مِن أناملِه

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا يحيى - يعنى ابنَ عَبَّادٍ - قال: ثنا أبو عَوانةَ، عن إسماعيلَ بن سالمٍ، عن أبي صالحٍ:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: تمثالَ صورةِ يعقوبَ في سقفِ البيتِ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، [قال: ثنا عبدُ الرزاقِ]

(3)

، قال: أخْبرنا جعفرُ بنُ سليمانَ، عن يونُسَ بن عُبيدٍ، عن الحسنِ، قال: رأى يعقوبَ عاضًّا على يدِه

(4)

.

قال: أخْبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخْبرنا الثوريُّ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جبير في قولِه:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: يعقوبَ، ضرَب بيدِه على صدرِه، فخرَجَت شهوتُه مِن أناملِه

(5)

.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعْتُ أبا مُعاذٍ، قال: أخْبرنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعْتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} ؛ آيةً مِن ربِّه يَزْعُمون أنه مَثَل له يعقوبُ فاسْتَحْيَا منه

(6)

.

(1)

تقدم تخريجه ص 90.

(2)

تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.

(3)

سقط من النسخ. والمثبت من مصدر التخريج. وينظر تهذيب الكمال 18/ 52.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 321، وتقدم ص 91.

(5)

تفسير عبد الرزاق 1/ 321، وتقدم ص 92.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14 إلى المصنف.

ص: 97

وقال آخرون: بل البرهانُ الذي رأَى يوسُفُ، ما أَوْعَد اللهُ عز وجل على الزنى أهله.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن أبي مَوْدودٍ، قال: سَمِعْتُ محمدَ بنَ كعبٍ القُرظيَّ، قال: رفع يوسُفُ رأسَه إلى سقفِ البيتِ، فإذا كتابٌ في حائطِ البيتِ:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}

(1)

[الإسراء: 32].

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن أبي موْدودٍ، عن محمدِ بنِ كعبٍ، قال: رفَع يوسُفُ رأسَه إلى سقفِ البيتِ حينَ همَّ، فرأَى كتابًا في حائطِ البيتِ:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً (1) وَسَاءَ سَبِيلًا}

(2)

.

قال: ثنا زيدُ بنُ الحُبابِ، عن أبي مَعْشَرٍ، عن محمدِ بن كعبٍ:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . قال: لولا ما رأَى في القرآنِ من تعظيمِ الزنى

(3)

.

حدَّثنا يونُسُ، قال: أَخْبَرنا ابن وهبٍ، قال: أَخْبَرنى نافعُ بنُ يزيدَ، عن أبي صخرٍ، قال: سمِعْتُ القُرَظيَّ يقولُ في البرهانِ الذي رأَى يوسُفُ: ثلاثُ آياتٍ مِن كتابِ اللهِ: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار: 10] الآية. وقولُه: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ} [يونس: 61] الآية. وقولُه: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}

(4)

[الرعد: 33].

(1)

بعده في م: "ومقتا".

(2)

عزاه السيوطي في الدر 4/ 14 إلى ابن أبي شيبة والمصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2125 (11487) من طريق أبي معشر به.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2125 (11489) عن يونس به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

ص: 98

قال نافعٌ: سمِعْتُ أبا هلالٍ يقولُ مثلَ قولِ القُرَظيِّ، وزاد آيةً رابعةً:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} .

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: أخْبرنا أبو مَعْشَرٍ، عن محمد بنُ كعبٍ القُرظيِّ:{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . فقال: ما حرَّم اللهُ عليه مِن الزنى.

وقال آخرون: بل رأَى تمثالَ الملكِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} . يقولُ: آياتِ ربِّه، أُرِى تمثالَ الملكِ

(1)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: كان بعضُ أهلِ العلمِ فيما بلَغِنى يقولُ: البرهانُ الذي رأَى يوسُفُ، فصرَف عنه السوءَ والفَحْشاء، يعقوبُ عاضًّا على أصبعِه، فلمَّا رآه انْكَشَف هاربًا

(2)

.

و

(3)

يقولُ بعضُهم: إنما هو خَيالُ إطفيرَ سيدِه حينَ دنا مِن البابِ، وذلك أنه لما هرَب منها واتَّبَعَته، ألْفَياه لدَى البابِ.

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أن يُقال: إن الله جَلَّ ثناؤُه أخْبر عن هَمِّ يوسُفَ وامرأةِ العزيزِ، كلَّ واحدٍ منهما بصاحبِه، لولا أن رأَى يوسُفُ برهانَ ربِّه،

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14 إلى المصنف.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2123 (11476) من طريق سلمة به. وينظر ابن كثير 4/ 309.

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

ص: 99

وذلك آيةٌ من آياتِ اللهِ، زجَرَته

(1)

عن ركوبِ ما همَّ به يوسُفُ

(2)

مَن الفاحشةِ، وجائزٌ أن تكونَ تلك الآيةُ صورةً يعقوبَ، وجائزٌ أن تكونَ صورةَ الملكِ، وجائزٌ أن يكونَ الوعيدَ في الآياتِ التي ذكَرها اللهُ في القرآنِ على الزنا، ولا حجةَ للعذرِ قاطعةً بأيِّ ذلك من أيٍّ.

والصوابُ أن يقالَ في ذلك، ما قاله اللهُ تبارك وتعالى، والإيمانُ به، وتركُ ما عدا ذلك إلى عالمِهِ.

وقولُه: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} . يقولُ تعالى ذكرُه: كما أَرَيْنا يوسُفَ بُرهاننا على الزجْرِ عما همَّ به مِن الفاحشةِ، كذلك نُسَبِّبُ

(3)

له في كلِّ ما عرَض له مِن هَمٍّ يَهُمُّ به فيما لا يَرْضاه، بما يَزْجُرُه ويَدْفَعُه عنه، كي نَصْرِفَ عنه ركوبَ ما حرَّمْنا عليه، وإتيانَ الزنا، لنُطَهِّرَه مِن دَنَسِ ذلك.

وقولُه: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ، اخْتَلَفت القرَأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأَته عامةُ قرأة المدينةِ والكوفةِ:{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} بفتحِ اللامِ مِن المخلَصين

(4)

، بتأويلِ: إن يوسُفَ من عبادِنا الذين أخْلَصْناهم لأنفُسِنا، واخْتَرْناهم لنبوّتِنا ورسالَتِنا.

وقرَأ ذلك بعضُ قرأةِ البصرةِ: (إنه مِن عبادِنا المُخْلِصِين) بكسرِ اللامِ

(5)

.

(1)

في ت 1: "وحجزه"، وفى ت:2: "وحرية"، وفى س:"حرنه"، وفى ف:"وجريه". والمثبت من: م، ص.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(3)

في ت 2، س:"نسب".

(4)

حجة القراءات ص 359، والسبعة 348

(5)

قرأ بها ابن كثير وأبى عمرو وابن عامر. حجة القراءات 358، والسبعة 348.

ص: 100

بمعنى: إِنَّ يُوسُفَ مِن عبادِنا الذين أخْلَصوا توحيدَنا وعبادتَنا، فلم يُشْرِكوا بنا شيئًا، ولم يَعْبُدوا شيئًا غيرَنا.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أن يُقالَ: إنهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بهما جميعًا جماعةٌ كثيرةٌ من القرأةِ، وهما متقاربتًا

(1)

المعنى، وذلك أن مَن أَخْلَصه اللهُ لنفسِه

(2)

فاخْتاره، فهو مُخْلِصٌ للهِ التوحيدَ والعبادةَ، ومَن أَخْلَص توحيدَ اللهِ وعبادتَه، فلم يُشْرِكْ باللهِ شيئًا، فهو ممَّن أخْلَصه اللهُ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فهو للصوابِ مصيبٌ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)} .

يقولُ جلَّ ثناؤُه: واسْتَبَق يوسُفُ وامرأةُ العزيزِ بابَ البيتِ؛ أما يوسُفُ ففِرارًا مِن ركوبِ الفاحشةِ، لمَّا رأَى برهانَ ربِّه، فزجَره عنها. وأما المرأةُ تطلُّبَها ليوسُفَ لتَقْضِي حاجتَها منه التي راوَدَته عليها، فأدْرَكَته، فتعلَّقَت بقميصِه، فجذَبَته إليها مانعةً له مِن الخروجِ مِن البابِ، فقدَّته من دُبُرٍ، يعني: شقَّتْه مِن خَلْفٍ، لا مِن قُدَّامٍ؛ لأن يوسُفَ كان هو الهاربَ، وكانت هي الطالبةَ.

كما حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} . قال: اسْتَبَق هو والمرأةُ البابَ: {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ

(1)

في م: "متفقتا".

(2)

في ت 1: "لنبوته"، وفى ت 2، س، ف:"لبنيه". والمثبت من: م، ص.

ص: 101

دُبُرٍ}

(1)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لمَّا رأَى برهانَ ربِّه، انْكَشَف عنها هاربًا، واتَّبَعَتْه، فأَخَذَت قميصَه مِن دُبُرٍ فشقَّتْه عليه

(2)

.

وقولُه: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} . يقولُ جلَّ ثناؤُه: وصادَفا سيدَها، وهو زوجُ المرأةِ {لَدَى الْبَابِ} يعنى: عندَ البابِ.

كالذي حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا الثوريُّ، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا} . قال: سيدُها زوجُها، {لَدَى الْبَابِ}. قال: عندَ البابِ

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن أشعثَ، عن الحسنِ، عن زيدِ بن ثابتٍ، قال: السيدُ الزوجُ

(4)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} . أي: عندَ البابِ (1).

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ

(5)

محمدٍ، عن أسباطَ، عن السديِّ:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} . قال: جالسًا عندَ البابِ، وابنُ عمِّها معه، فلمَّا رأَتْه

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2126 من طريق محمد بن عبد الأعلى به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 322 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(2)

تقدم تخريجه ص 99.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2127 (11497، 11498) من طريق أبي أحمد الزبيرى عن سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14 إلى المصنف وأبى الشيخ وابن أبي حاتم.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14 إلى المصنف.

(5)

في ص، ت 1، س:"عن".

ص: 102

{قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا} إنه راوَدَني عن نفسي، فدفَعْتُه عن نفسي، فشقَقْتُ قميصَه. قال يوسُفُ: بل هي راوَدَتْني عن نفسي، وفَرَرْتُ منها فأَدْرَكَتْني، فشقَّت قميصي. فقال ابن عمِّها: تِبْيانُ هذا في القميصِ، فإن كان القميصُ قُدَّ مِن قُبُل، فصدَقَت وهو مِن الكاذبين، وإن كان القميصُ

(1)

قُدَّ مِن دبرٍ، فكذَبَت وهو مِن الصادقين. فأُتِى بالقميصِ، فوجَدَه قُدَّ مِن دبرٍ، {قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)}

(2)

.

حدّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} : إطفيرَ قائمًا على بابِ البيتِ، فقالت وهابَتْه:{مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . ولطَخَته مكانَها بالسيئةِ، فَرَقًا مِن أن يَتَّهِمَها صاحبُها على القبيحِ، فقال هو، وصدَقه الحديثَ:{قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} .

وقولُه: {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا} الآية. يقولُ تعالى ذكرُه: قالت امرأةُ العزيزِ لزوجِها لمَّا ألْفَياه عند البابِ، فخافت أن يَتَّهِمَها بالفُجورِ: ما ثوابُ رجلٍ أراد بامرأتِك الزنى {إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ} في السجنِ، أو إلا {عَذَابٌ أَلِيمٌ}. يقولُ: مُوجِعٌ.

وإنما قال: {إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ؛ لأن قولَه: {إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ} . بمعنى: إلا السجنُ، فعَطف العذابَ عليه، وذلك أن "أنْ" وما عمِلَت فيه بمنزلةِ الاسمِ.

(1)

في م، ت 1، ت 2، س، ف:"قميصه". والمثبت من: ص.

(2)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 338.

ص: 103

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال يوسفُ لَمَّا قذَفَتْه

(1)

امرأةُ العزيزِ بما قذَفَتْه

(1)

، من إرادتِه الفاحشةَ منها؛ مكذَّبًا لها فيما قذَفَتْه

(1)

به، ودفعًا

(2)

لما نُسِب إليه: ما أنا راودتُها [عن نفسها]

(3)

، بل هي راودَتْني عن نفسي.

وقد قيل: إن يوسفَ لم يُرِدْ ذكرَ ذلك، لو لم تَقْذِفْه

(4)

عندَ سيِّدِها بما قذَفَتْه

(1)

به.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عُمارةَ، قال: ثنا عبيدُ اللهِ بنُ موسى، قال: أَخبَرنا شَيْبانُ، عن أبي إسحاقَ، عن نَوْفٍ الشَّامِيِّ

(5)

، قال: ما كان يوسفُ يريدُ أن يذكُرَه حتى قالت: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا} الآية. قال: فغضِب، فقال:{هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}

(6)

.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"قرفته".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"ودفعها عن نفسه".

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"تقرفه".

(5)

في م، ت 1، ت 2، س، ف:"الشيباني". وهو تحريف. ينظر تهذيب الكمال 30/ 65.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2127 (11499) من طريق شيبان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14 إلى أبى الشيخ.

ص: 104

وأما قولُه: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} فإن أهلَ العلمِ اختلفوا في صفةِ الشاهدِ؛ فقال بعضُهم: كان صبيًّا في المهدِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا العلاءُ بنُ عبدِ الجبارِ، عن حمادِ بن سلَمةَ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: تكلم أربعةٌ في المهدِ وهم صغارٌ؛ ابن ماشطةِ بنتِ فرعونَ، وشاهدُ يوسفَ، وصاحبُ جُريجٍ، وعيسى ابن مريمَ عليه السلام

(1)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ قال: ثنا وكيعٌ عن أبي بكرٍ الهُذَليِّ، عن شَهرِ بن حَوْشبٍ، عن أبي هريرةَ، قال: عيسى، وصاحبُ يوسفَ، وصاحبُ جُريجٍ. يعنى تكلَّموا في المهدِ

(2)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا زائدةُ، عن أبي حَصينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: صبيٌّ

(3)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي حَصينٍ، عن سعيدِ بنُ جبيرٍ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . . قال: كان في المهدِ صبيًّا

(3)

.

(1)

أخرجه أحمد 5/ 30 - 33 (2821، 2823، 2824)، والطبراني (12279، 12280)، وابن حبان (2903، 2904)، وأبو يعلى (2017)، والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 389 من طرق عن حماد به، وسيأتي في الصفحة التالية.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15 إلى المصنف، وأخرجه الحاكم 2/ 595 من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة، بلفظ:"لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وابن ماشطة بنت فرعون" مرفوعًا، وينظر الضعيفة (880).

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2128 عقب حديث (11503) معلقا، والفراء في معاني القرآن =

ص: 105

حدَّثني محمدُ بنُ عبيدٍ المُحاربيُّ، قال: ثنا أيوبُ بنُ جابرٍ، عن أبي حَصينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ في قولِه:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: صبيٌّ.

حدَّثني يحيى بنُ طلحةَ اليَرْبوعيُّ، قال: ثنا أبو بكرِ بنُ عَيَّاشٍ، عن أبي حِصينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ بمثلَه.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن شريكٍ، عن سالمٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: كان صبيًّا في مهدِه

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن إدريسَ، عن حُصينٍ، عن هلالِ بن يِسافٍ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: صبيٌّ في المهدِ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أبي مرزوقٍ، عن جُويبرٍ، عن الضحَّاكِ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: صبيٌّ أَنْطَقه اللهُ. ويقالُ: ذو رأْي برأيِه

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: أخبرنا عفَّانُ، قال: ثنا حمادٌ، قال: أخبرني عطاءُ بنُ السائبِ، عن سعيدِ بنُ جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"تكلَّم أربعةُ وهم صِغارٌ". فذكَر فيهم شاهدَ يوسفَ

(4)

.

= 2/ 41 عن قيس بن الربيع عن أبي حصين به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

(1)

تقدم في الصفحة السابقة.

(2)

ينظر تفسير ابن كثير 4/ 310.

(3)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2128. عقب الحديث (11503) معلقا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15، إلى أبى الشيخ.

(4)

أخرجه أحمد 5/ 32 (2822)، والبزار (54 - كشف)، والحاكم 2/ 496، 497، والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 389 من طرق عن عفان به.

ص: 106

حُدِّثتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عُبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحَّاكَ يقولُ في قولِه: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} : يزعُمون أنه كان صبيًّا في الدارِ.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمى، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنٍ عباسٍ قولِه:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: كان صبيًّا في المهدِ

(1)

.

وقال آخرون: كان رجلًا ذا لحيةٍ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٍ، [وحدَّثنا ابن وكيعٍ]

(2)

، قال: ثنا أبي، عن إسرائيلَ، عن سماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، قال: كان ذا لحيةٍ

(3)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن جابرٍ، عن ابن أبي مُليكةَ، عن ابن عباسٍ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: كان من خاصَّةِ الملكِ

(4)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2128 (11503) من طريق آخر عن ابن عباس. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14، 15 إلى أبى الشيخ.

(2)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 322، عن إسرائيل به، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2128 (11504). وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15 إلى الفريابي وابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه.

(4)

تفسير الثورى ص 141، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2129 (11509)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15، إلى الفريابي وأبي الشيخ.

ص: 107

وبه قال: حدَّثنا أبى، عن عِمرانَ بن حُديرٍ

(1)

، سمِع عكرمةَ يقولُ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: ما كان بصبيٍّ، ولكن كان رجلًا حكيمًا

(2)

.

حدَّثنا سَوَّارُ بنُ عبدِ اللهِ، قال: ثنا عبدُ الملكِ بنُ الصَّبَّاحِ، قال: ثنا عِمْرانُ بنُ حدُيرٍ، عن عكرمةَ، وذُكِر عندَه:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . فقالوا: كان صبيًّا. فقال: إنه ليس بصبيٍّ، ولكنه رجلٌ حكيمٌ

(2)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدُّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: كان رجلًا

(3)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: رجلٌ

(3)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: رجلٌ

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو بكرِ بنُ عيَّاشٍ، عن أبي حَصينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: رجلٌ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: أخبرَنا إسرائيلُ، عن

(1)

في ت 2، س:"جرير"، وفى ف:"جريج". وهو تصحيف. ينظر تهذيب الكمال 22/ 314، 315.

(2)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2129 عقب الأثر (11507) معلقا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15 إلى أبى الشيخ.

(3)

تفسير الثورى ص 141، وأخرجه الفراء في معاني القرآن 2/ 41 عن قيس بن الربيع، عن رجل، عن مجاهد، وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2128 عقب حديث (11504) معلقا.

ص: 108

سِماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: ذو لحيةٍ

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّديِّ، قال: ابن عمِّها، كان الشاهدُ من أهلِها

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا إسرائيلُ، عن سِمَاكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: ذو لحية

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو غسَّانَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، قال: كان ذا لحيةٍ

(1)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا قَيْسٌ، عن جابرٍ، عن ابن أبي مُلَيكةَ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: كان من خاصَّةِ الملكِ

(3)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: رجلٌ حكيمٌ كان من أهلِها

(4)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ قولَه:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: رجلٌ حكيمٌ من أهلِها

(4)

.

(1)

تقدم في ص 107 من طريق وكيع عن إسرائيل به.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 310.

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 310.

(4)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2129 (11507) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة به. وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 322 عن معمر عن قتادة بلفظه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15 إلى أبى الشيخ.

ص: 109

حدَّثنا المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نُعيمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: كان رجلًا.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرنا هُشيمٌ، عن بعضِ أصحابِه، عن الحسنِ في قولِه:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: رجلٌ له رأىٌ أشار برأيِه

(1)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلَمةُ، عن ابن إسحاقَ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: يقالُ: إنما كان الشاهدُ مشيرًا، رجلًا من أهلِ إطْفيرَ، وكان يستعينُ برأيِه، إلا أنه قال: أشهدُ إن كان قميصُه قُدَّ من قُبُلٍ

(2)

لقد صدَقَتْ وهو مِن الكاذبين

(3)

.

وقيل: معنى قولِه: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} : حكَم حاكمٌ.

حدَّثت بذلك عن الفرَّاءِ، عن مُعَلَّى بن هلالٍ، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ

(4)

.

وقال آخرون: إنما عُنِى بالشاهدِ: القميصُ المقدودُ

(5)

.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: قميصُه

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2129 (11508)، من طريق يونس عن الحسن به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15 إلى ابن أبي حاتم.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"دبر". والمثبت من م هو الصواب.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2129، 2130 (11513) من طريق سلمة به.

(4)

معاني القرآن 2/ 41 وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 14 إلى المصنف.

(5)

بعده في ص: "وقده".

ص: 110

مشقوقٌ من دُبُرٍ، فتلك الشهادةُ

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} : قميصُه مشقوقٌ من دُبُرٍ، فتلك الشهادةُ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المُحاربيُّ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} : لم يكنْ من الإنسِ

(3)

.

قال: ثنا حفصٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} . قال: كان من أمرِ اللهِ، ولم يكنْ إنسيًّا

(4)

.

والصوابُ من القولِ في ذلك قولُ مَن قال: كان صبيًّا في المهدِ. للخبرِ الذي ذكَرناه عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أنه ذكَر من تكلَّم في المهدِ، فذكَر أن أحدَهم صاحبُ يوسفَ. فأما ما قاله مجاهدٌ من أنه القميصُ المقدودُ فما لا معنى له؛ لأن الله تعالى ذكرُه أَخْبَر عن الشاهدِ الذي شهِد بذلك أنه من أهلِ المرأةِ، فقال:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} ، ولا يقالُ للقميصِ: هو من أهلِ الرجلِ ولا المرأةِ.

وقولُه: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ؛ لأن المطلوبَ إذا كان هاربًا، فإنما يُؤْتَى من قِبَلِ دُبُرِه، فكان معلومًا أن الشَّقَّ لو كان

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 339 عن محمد بن عمرو به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15 إلى ابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(2)

تفسير مجاهد ص 350.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2128 (11505) من طريق المحاربي به.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2128 (11506) من طريق حفص به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15 إلى أبى الشيخ.

ص: 111

من قُبُل لم يكنْ هاربًا مطلوبًا، ولكن كان يكونُ طالبًا ممنوعًا

(1)

مَدْفوعًا، وكان يكونُ ذلك شهادةً على كَذِبه.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلَمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: قال: أَشْهَدُ إن كان قميصُه قُدَّ من قُبُلٍ لقد صدَقتْ وهو مِن الكاذبين؛ وذلك أن الرجلَ إنما يريدُ المرأةَ مُقْبِلًا، وإن كان قميصُه قُدَّ من دُبُرٍ فكذَبتْ وهو من الصادقين؛ وذلك أن الرجلَ لا يأتى المرأةَ من دُبُرٍ. و

(2)

قال: إنه لا ينبغى أن يكونَ في الحقِّ إلا ذاك. فلما رأى إطفيرُ قميصَه قُدَّ من دُبُرٍ، عرَف أنه من كيدِها، فقال:{إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}

(3)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: قال - يعني الشاهدَ من أهلِها -: القميصُ يقضى بينهما؛ {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)}

(4)

.

وإنما حُذِفت "أنَّ" التي تُتَلَقى بها الشهادةُ؛ لأنه ذهُب بالشهادةِ إلى معنى القولِ، كأنه قال: وقال قائلٌ من أهلِها: إن كان قميصُه. كما قيل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]؛ لأنه ذهَب بالوصيةِ إلى القولِ.

(1)

سقط من: م.

(2)

بعده في ت 1، ت 2، س:"أو".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2129، 2130 (11513، 11515) من طريق سلمة به.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2129 (11512)، من طريق سعيد بن أبي عروبة به.

ص: 112

وقولُه: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} . خبرٌ عن زوجِ المرأةِ، وهو القائلُ لها: إن هذا الفعلَ من كيدِكنَّ: أي صنيعِكنَّ، يعنى من صنيعِ النساءِ، {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}. وقيل: إنه خبرٌ عن الشاهدِ أنه القائلُ ذلك.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)} .

وهذا فيما ذُكر عن ابن عباسٍ خبرٌ من اللهِ تعالى ذكرُه عن قيلِ الشاهدِ أنه قال للمرأةِ وليوسفَ.

يعنى بقولِه: {يُوسُفُ} : يا يوسفُ {أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} . يقولُ: أَعرِضْ عن ذكرِ ما كان منها إليك فيما راودتْكَ عليه، فلا تذكُرْه لأحدٍ.

كما حدَّثنا يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} . قال: لا تذكُرْه

(1)

.

{وَاسْتَغْفِرِي} أنت زوجَكِ. يقولُ: سَلِيه أن لا يعاقبَكِ على ذنبكِ الذي أذنبتِ، وأن يصفَحَ عنه، فيستُرَه عليكِ، {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ}. يقولُ: إنكِ كنتِ من المذنبين في مراودةِ يوسفَ عن نفسِه. يقالُ منه: خطِئ في الخطيئةِ يَخْطَأُ خَطَأً وخِطْأً. كما قال جلَّ ثناؤُه إنَّهُ

(2)

: {كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31]. والخَطَأُ في الأمرِ.

وحُكِى في الصوابِ أيضًا الصَّوَبُ والصَّوْبُ، كما قال الشاعرُ

(3)

:

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2130 (11517) بإسناده عن ابن زيد.

(2)

كذا في النسخ. ولعله وهم من الناسخ سبق به قلمه.

(3)

البيت لأوس بن غلفاء، كما في النوادر ص 46، وطبقات فحول الشعراء 1/ 167، ومجاز القرآن 1/ 241.

ص: 113

لَعَمْرُكِ

(1)

إِنما خَطَئِي وصَوْبي

(2)

عليَّ [وإنَّ ما]

(3)

أَهْلَكتُ مالُ

ويُنْشَدُ بيتُ أُميَّةَ

(4)

.

عبادُك يَخْطأُون وأنتَ رَبٌّ

بكفَّيْكَ المَنَايا والحُتُومُ

(5)

من خَطِئ الرجلُ.

وقيل: {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} . و

(6)

لم يُقلْ: من الخاطئاتِ؛ لأنه لم يقصِدْ بذلك قصدَ الخبرِ عن النساءِ، وإنما قصَد به الخبرَ عمن يَفْعَلُ ذلك فيَخْطَأُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: وتحدَّث النساءُ بأمرِ يوسفَ وأمرِ امرأةِ العزيزِ في مدينةِ مصرَ، وشاع من أمرِهما فيها ما كان، فلم يَنْكَتمْ، وقُلْن:{امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا} : عبدَها {عَنْ نَفْسِهِ} .

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: وشاع الحديثُ في القريةِ، وتحدَّث النساءُ بأمرِه وأمرِها، وقُلْن: {امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا

(1)

في النوادر، والطبقات:"ذرينى"، وفى المجاز:"دعينى".

(2)

صوبى؛ أي: صوابى. ينظر اللسان (ص و ب).

(3)

قال صاحب اللسان: "وإن ما" كذا منفصلة. قوله: "مالُ"، بالرفع؛ أي: وإن الذي أهلكت إنما هو مال. اللسان (ص و ب).

(4)

ديوانه ص 53

(5)

الحتومُ: جمع حتم، والحتم: القضاء، وقال ابن سيده: الحتم: إيجابُ القضاءِ. وفي التنزيل العزيز: {كان على ربك حتما مقضيا} . اللسان (ح ت م).

(6)

سقط من: م.

ص: 114

عَنْ نَفْسِهِ}. أي: عبدَها

(1)

.

وأما العزيزُ فإنه الملكُ في كلامِ العربِ، ومنه قولُ أبي داودَ

(2)

:

دُرَّةٌ غاص عَلَيْها تاجرٌ

جُلِيتْ عندَ عزيزٍ يَوْمَ طَلُّ

(3)

يعنى بالعزيزِ: الملكَ، وهو من العِزَّةِ.

وقولُه: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . يقولُ: قد وصَل حبُّ يوسفَ إلى شَغَافِ قلبِها، فدخَل تحتَه حتى غلَب على قلبِها. وشَغَافُ القلبِ: حِجابُه وغِلافُه الذي هو فيه. وإيَّاه عنى النابغةُ الذُّبْيانى بقولِه

(4)

:

وقَدْ حال همٌّ دونَ ذلك داخلٌ

دخولَ شَغَافٍ

(5)

تَبْتَغِيه

(6)

الأصابعُ

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا حجَّاجُ بنُ محمدٍ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عمرُو بنُ دينارٍ أنه سمِع عكرمةَ يقولُ في قولِه: {شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: دخَل حبُّه تحتَ الشَّغَافِ

(7)

.

(1)

جه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2131 (11521) من طريق سلمة به.

(2)

هو أبو دواد الإيادى، والبيت في التبيان 6/ 128.

(3)

الغوص: النزول تحت الماء، وقيل: الدخول في الماء. اللسان (غ و ص)، وجلا الأمر وجلَّاه وجلَّى عنه: كشفه وأظهره، وجلا الصيقل السيف والمرآة ونحوهما جلوًا وجلاءً صقلهما. اللسان (ج ل و)، والطَّلُّ: المطر الصغارُ القطرِ الدائم. اللسان (ط ل ل).

(4)

ديوانه ص 45.

(5)

في الديوان: الشغاف.

(6)

تبتغيه: تلتمسه. يعنى أصابع المتطببين ينظرون أنزل في الموضع أم لا وإنما ينزل عند البُرء.

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16 إلى المصنف وأبى الشيخ.

ص: 115

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبَابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: دخَل حبُّه في شَغَافِها

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: دخَل حبُّه في شَغَافِها

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: كان حبُّه في شَغافِها

(1)

.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثلَ حديثِ الحسنِ بن محمدٍ، عن شَبَابةَ

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ

(2)

، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . يقولُ: علِقها حبًّا

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن بن عباسٍ قولَه:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: غَلَبها

(4)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ. وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن أيوبَ بن عائذٍ الطائيِّ، عن الشعبيِّ:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: المَشْغُوفُ

(1)

تفسير مجاهد ص 395، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(2)

في ص، ت 1، س:"معمر"، وفى ت 2، ف:"عمرو".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2131 (11522) من طريق آخر عن ابن عباس.

(4)

في ص: "عليها" دون نقط، وفى ت 2، س:"عليها"، وفى ف:"غليها".

ص: 116

المُحِبُّ، والمَشْعوفُ

(1)

المجنونُ

(2)

.

وبه قال: حدَّثنا أبي، عن أبي

(3)

الأَشْهبِ، عن أبي رَجاءٍ والحسنِ:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال أحدُهما: قد بطَنها حبًّا. وقال الآخرُ: قد صدَقها حبًّا

(4)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُلَيةَ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ في قولِه:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: قد بطَنها حبًّا. قال يعقوبُ: قال أبو بشرٍ: أهلُ المدينةِ يقولون: قد بطَنها حبًّا.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن عُليةَ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ، قال: سمِعته يقولُ في قولِه: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: بطَنها حبًّا، وأهلُ المدينةِ يقولون ذلك.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، عن قُرَّةَ، عن الحسنِ:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: قد بطَن لها

(5)

حبًّا.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا أبو قَطَنٍ، قال: ثنا أبو الأَشْهَبِ، عن الحسنِ: {قَدْ

(1)

في م: "الشغوف"، ووردت في ص دون نقط العين، والمشعوفُ: المجنون، ومن أصيب شعفة قلبه بحب أو ذعر أو جنون. ووقع في تفسير ابن أبي حاتم: المشغوف: المجنون، والمشعوف المحب. ينظر القاموس المحيط (ش ع ف). وجاء في اللسان: قرئت بالعين والغين، فمن قرأها بالعين المهملة فمعناه تيمها، ومن قرأها بالغين المعجمة أي أصاب شَغافها. اللسان (ش ع ف).

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2123 (11525) من طريق ابن وكيع به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف. وهو جعفر بن حيان السعدى، أبو الأشهب العطاردى. تنظر ترجمته في تهذيب الكمال 5/ 22.

(4)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2131 (11524) من طريق ابن علية به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15 إلى ابن أبي شيبة والمصنف وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبى الشيخ.

(5)

في م: "بها".

ص: 117

شَغَفَهَا حُبًّا}. قال: بطَنها

(1)

حبُّه

(2)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن الحسنِ:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: بطَن بها.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: استبطنها

(3)

حُبُّها إيَّاه

(4)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قوله:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} ، أي: قد علِقها

(4)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: قد علِقها حبًّا

(5)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المُحَاربيُّ، عن جُوَيْبرٍ، عن الضحَّاكِ، قال: هو الحبُّ اللازقُ بالقلبِ

(6)

.

حُدِّثتُ عن الحسينِ، قال: سمعتُ أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عبيدٌ، قال: سمعتُ الضحَّاكَ في قولِه: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . يقولُ: هلَكتْ عليه حبًّا، والشَّغافُ: شَغافُ القلبِ

(7)

.

(1)

في ف: "بطن بها".

(2)

في ت 1، س:"حبا".

(3)

في م: "استبطنا".

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 322 عن معمر به، وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2131 عقب الأثر (11522) معلقا.

(5)

تقدم في ص 116.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15 إلى ابن أبي شيبة والمصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16 إلى المصنف.

ص: 118

حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدي:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: والشَّغَافُ: جِلْدةٌ على القلبِ، يقالُ لها: لسانُ القلبِ. يقولُ: دخَل الحبُّ الجلدَ حتى أصاب القلبَ

(1)

.

وقد اخْتَلفت القرأةُ في قراءةِ ذلك، فقرأته عامةُ قرأَةِ الأمصارِ بالغين

(2)

: {قَدْ شَغَفَهَا} . على معنى ما وصَفتُ من التأويلِ. وقرأ ذلك أبو رجاءٍ: (قَدْ شَعَفَها)

(3)

بالعين

(4)

.

حدَّثنا الحسينُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا أبو قَطَنٍ، قال: ثنا أبو الأَشْهبِ، عن أبي رجاءٍ:(قَدْ شَعَفَها)

(5)

.

قال: ثنا خلَفٌ، قال: ثنا هُشَيمٌ، عن أبي الأشهبِ، أو عوفٍ، عن أبي رجاءٍ:(قَدْ شَعَفَها حُبًّا) بالعينِ.

قال: ثنا خَلَفٌ، قال: ثنا محبوبٌ، قال: قرأه عوفٌ: (قد شَعَفَها).

قال: ثنا عبدُ الوهابِ، عن هارونَ، عن أَسِيدٍ، عن الأعرجِ:(قَدْ شَعَفَها حُبًّا). وقال: شغَفها

(6)

إذا

(7)

كان هو يُحِبُها.

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 340 بهذا الإسناد، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2131 (11526) من طريق عامر عن أسباط به.

(2)

في ص، ف:"بالعين".

(3)

في ت 1، ت 2:"شغفها".

(4)

سقط من ف، وغير منقوطة في ص. وهى أيضا قراءة على رضي الله عنه، والحسن وقتادة ويحيى بن يعمر ومجاهد وابن محيصن وابن السميفع، بخلاف عن بعضهم والقراءة شاذة. ينظر المحتسب 1/ 339، والبحر المحيط 5/ 301.

(5)

في م، ت 2:"شغفها".

(6)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف. وفى ص:"شعفها". وهو الموافق للقراءة هنا.

(7)

في ت 1، ت 2، س، ف:"إذ".

ص: 119

ووجَّه هؤلاء معنى الكلامِ إلى أن الحبَّ قد عمَّها

(1)

.

وكان بعضُ أهلِ العلمِ بكلامِ العربِ من الكوفيين يقولُ: هو من قولِ القائلِ: قد شُعِف

(2)

بها. كأنه ذهب بها كلَّ مذهبٍ من شَعَف

(3)

الجبالِ، وهى رءوسُها.

ورُوِى عن إبراهيمَ النَّخَعيِّ أنه قال: [الشَّغَفُ شَغَفُ]

(4)

الحبِّ. [والشعَفُ شعَفُ]

(5)

الدابَّةِ حِينَ تُذْعَرُ.

حدَّثني بذلك الحارثُ، عن القاسمِ أنه قال: يُروى ذلك عن أبي عوانةَ، عن مغيرةَ: عنه

(6)

.

قال الحارثُ: قال القاسمُ: يذهَبُ إبراهيمُ إلى أن أصلَ [الشعفِ هو الذعرُ. قال: وكذلك هو كما قال إبراهيمُ في الأصلِ، إلا أن العربَ ربما استعارت الكلمةَ فوضَعتُها]

(7)

في غيرِ موضعها، قال امرؤٌ القيسِ

(8)

:

أتقتُلُنى

(9)

وقد شعَفْتُ

(10)

فؤادَها

كما شعَف المهنوءةَ

(11)

الرجلُ الطالِي

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16 إلى المصنف.

(2)

في ت 2 "شغف"، وفى ف:"شغفت".

(3)

في م، ت 2:"شغف".

(4)

في ص، ت 1، س:"الشعف شعف".

(5)

في ت:1: "والسعف سعف"، وفى ت 2:"والشغف شغف".

(6)

أخرجه سعيد بن منصور (1122 - تفسير) عن أبي عوانة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

(7)

سقط من: ت 2.

(8)

ديوانه ص 33.

(9)

في الديوان: "أيقتلني".

(10)

في الديوان: "شغف".

(11)

المهنوءة: المطلية بالقطران، من قولهم: هنأ الإبل إذا طلاها. اللسان (هـ ن أ).

ص: 120

قال: وشعفُ

(1)

المرأةِ من الحبِّ، وشعفُ

(1)

المهنوءةِ من الذعرِ، فشبَّه لوعةَ الحبِ وجَوَاه بذلك.

وقال ابن زيدٍ في ذلك ما حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} . قال: إن [الشغفَ والشعفَ]

(2)

مختلفان، والشعفُ في البغضِ، والشغفُ في الحبِ

(3)

.

وهذا الذي قاله ابن زيدٍ لا معنَى له؛ لأن الشعفَ

(4)

في كلامِ العربِ، بمعنى عمومِ الحبِّ، أشهرُ من أن يجهَلَه ذو علمٍ بكلامِهم.

والصوابُ في ذلك عندنا من القراءةِ: {قَدْ شَغَفَهَا} ، بالغينِ

(5)

؛ لإجماعِ الحجةِ من القرأَةِ عليه.

وقولُه: {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} : قلن: إنا لنرى امرأةَ العزيزِ في مراودتِها فتاها عن نفسِه، وغلبةِ حبِّه عليها، لفى خطأٍ من الفعلِ وجَوْرٍ

(6)

عن قصدِ السبيلِ. {مُبِينٍ} لمن تأمَّله وعلِمه أنه ضلالٌ وخطأٌ غيرُ صوابٍ ولا سدادٍ. وإنما كان قيلُهن ما قلن من ذلك، وتحدُّثُهن بما تحدَّثن به من شأنِها وشأنِ يوسفَ، مكرًا منهن فيما ذُكِر

(7)

لِتُرِيَهُنَّ يوسفَ.

(1)

في ت 1: "سغف"، وفى ت 2:"شغف".

(2)

في ت 1، س، ف:"الشعف والشغف".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2132 (11529) من طريق آخر عن ابن زيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 15 إلى أبى الشيخ.

(4)

في ت 2: "الشغف"، وفى س:"السعف".

(5)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"بالعين".

(6)

في ت 1، ت 2، ف:"جوز".

(7)

في م: "ذكرا".

ص: 121

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: فلما سمِعت امرأةُ العزيزِ بمكرِ النِّسوةِ اللاتي قلن في المدينةِ ما ذكَره اللهُ عز وجل عنهن.

وكان مكرُهن ما حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ:{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} . يقولُ: بقولِهن.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلَمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لما أَظْهَر النساءُ ذلك من قولِهن: تراودُ عبدَها. مكرًا بها؛ لِتُريَهُنَّ يوسفَ، وكان يُوصفُ لهن بحسنِه وجمالِه، {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً}

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} . أي: بحديِثِهن.

{أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنّ} . يقولُ: أرسلت إلى النِّسوةِ اللاتي تحدَّثْنَ بشأنِها وشأنِ يوسفَ.

{وَأَعْتَدَتْ} . "أَفْعَلَتْ"

(2)

، من العَتادِ، وهو العُدَّةُ، ومعناه: أَعدَّتْ لهن متَّكأً. يعني مجلسًا للطعامِ وما يتَّكِئْنَ عليه من النمارقِ و

(3)

الوسائدِ.

(1)

ذكره البغوي في تفسيره 4/ 237.

(2)

في ت 1، ت 2، س، ف:"افتعلت".

(3)

بعده في ت 1: "من".

ص: 122

وهو "مُفْتَعَلٌ"، من قولِ القائلِ: اتكأتُ. يقال: ألقِ له مُتَّكَأً. يعني ما يَتَّكِئُ عليه.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يحيى بنُ اليَمانِ، عن أشعثَ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} . قال: طعامًا وشرابًا ومُتَّكَأً

(1)

.

قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسباطَ، عن السُّديِّ:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} . قال: يَتَّكِئْنَ عليه

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدِ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} . قال: مجلسًا

(3)

.

قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرنا هُشيمٌ، عن أبي الأَشْهَبِ، عن الحسنِ أنه كان يقرأُ:(مُتَّكاءً). ويقولُ: هو المجلسُ والطعامُ

(4)

.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ يزيدَ: من قرأ: (مُتَكًا) خفيفةً

(5)

، يعنى طعامًا. ومن قرَأ:{مُتَّكَأً} . يعنى: المتكأ.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16 إلى المصنف وابن المنذر.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2134 (11544) من طريق عامر بن الفرات، عن أسباط.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2134 (11543) من طريق الضحاك، عن ابن عباس، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2133 (11537) من طريق ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن.

(5)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س وهذه القراءة شاذة.

ص: 123

فهذا الذي ذكَرنا

(1)

عمن ذكَرنا عنه من تأويلِ هذه الكلمةِ، هو معنى الكلمةِ وتأويلُ المتكأِ، وأنها أعدَّت للنِّسوةِ مجلسًا فيه مُتَّكَأٌ وطعامٌ وشرابٌ وأُتْرُجٌّ

(2)

. ثم فسَّر بعضُهم المتكأَ بأنه الطعامُ، على وجهِ الخبرِ عن الذي أُعِدَّ [من أجلِه]

(3)

المتكأُ، وبعضُهم عن الخبرِ عن الأُتْرُجِّ، إذ كان في الكلامِ:{وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} . لأن السكينَ إنما تُعَدُّ

(4)

للأُتْرُجِّ وما أَشْبَه مما يُقْطَعُ به، وبعضُهم على البَزْماوَرْدِ

(5)

.

حدَّثني هارونُ بنُ حاتمٍ المقرئُ، قال: ثنا إبراهيمُ

(6)

بنُ الزِّبْرِقانِ، عن أبي رَوْقٍ: عن الضحاكِ في قولِه: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} . قال: البَزْماوَرْدُ

(7)

(8)

.

وقال أبو عُبيدةَ معمرُ بنُ المُثَنَّى

(9)

: المتكأُ هو النُّمْرُقُ يُتَّكأُ عليه. وقال: زعَم قومٌ أنه الأُتْرُجُّ. قال: وهذا أبطلُ باطلٍ في الأرضِ، ولكن عسى أن يكونَ مع المتكأِ أُتْرُجٌّ

(1)

في ت 1: "ذكر".

(2)

الأترج: شجر يعلو ناعم الأغصان والورق والثمر، وثمره كالليمون الكبار، وهو ذهبي اللون، داكن الرائحة، حامض الماء، وهو كثير ببلاد العرب، ولا يكون بَرّيًّا. الوسيط (أترج).

(3)

في ت 1: "لأجله".

(4)

في ص: "تعد" هكذا حرف المضارعة منقوط من أعلى ومن أسفل بناء على جواز ذلك، وفي ت 2:"يعد".

(5)

البزماورد والزُّماورد: طعام من البيض واللحم، معرب. القاموس المحيط (ورد). وقال الشهاب الخفاجي: وهو الرقاق الملفوف باللحم

وفى كتب الأدب: هو طعام يقال له: لقمة القاضي، ولقمة الخليفة. ينظر شفاء الغليل ص 113.

(6)

في م، ت 1، ت 2، س، ف:"هشيم". وينظر الجرح والتعديل 2/ 100.

(7)

في ص: "الرماورد".

(8)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2133 (11541) من طريق أبى روق به، كما أخرجه أيضا 7/ 2133 (11540) من طريق إبراهيم بن الزبرقان، عن أبي سنان، عن الضحاك بلفظ: كنا نقول ونحن غلمان: هو البزماورد.

(9)

مجاز القرآن 1/ 309.

ص: 124

يأكُلونه.

وحكى أبو عُبيدٍ

(1)

القاسمُ بنُ سلَّامٍ قولَ أبي عُبيدةَ هذا

(2)

، ثم قال: والفقهاءُ أعلمُ بالتأويلِ منه. ثم قال: ولعله

(3)

بعضُ ما ذهب من كلامِ العربِ، فإن الكِسائيَّ كان يقولُ: قد ذهَب من كلامِ العربِ شيءٌ كثيرٌ انْقَرض أهلُه.

والقولُ في أن الفقهاءَ أعلمُ بالتأويلِ من أبى عُبيدةَ، كما قال أبو عُبيدٍ

(4)

، لا شكّ فيه، غيرَ أن أبا عبيدةَ لم يَبعُدْ من الصوابِ في هذا القولِ، بل القولُ كما قال، من أن من قال للمتكإِ: هو الأُتْرُجُّ، إنما بيَّن المُعَدَّ في المجلسِ الذي فيه المتكأُ، والذي من أجلِه أُعْطِين السكاكينَ؛ لأن السكاكينَ معلومٌ أنها لا تُعَدُّ للمتكإِ إلا لتخريقِه، ولم يُعطيَن السكاكينَ لذلك. ومما يبيِّنُ صحةَ ذلك القولُ الذي ذكَرناه عن ابن عباسٍ، من أن المتكأَ هو المجلسُ.

ثم روَى

(5)

مجاهدٌ عنه ما حدَّثني به سليمانُ بنُ

(6)

عبدِ الجبارِ، قال: ثنا محمدُ بن الصَّلْتِ، قال: ثنا أبو كُدَينَةَ، عن حُصينٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} . قال: أَعْطَتهنَّ أُتُرجًّا، وأَعْطت كلَّ واحدةٍ منهن سكينًا

(7)

.

فبيَّن ابن عباسٍ في روايةِ مجاهدٍ هذه، ما أَعْطَت النِّسوة، وأَعْرض عن ذكرِ

(1)

في ص، ت 2، س، ف:"عبيدة"، وغير واضحة في: ت 1.

(2)

سقط من م.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س:"لعل".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س:"عبيدة".

(5)

بعده في م: "عن".

(6)

في س: "عن".

(7)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 340، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16 إلى ابن مردويه.

ص: 125

بيان معنى (المتكأِ)؛ إذ كان معلومًا معناه.

‌ذكرُ مَن قال في تأويل "المتكأِ" ما ذكَرنا

حدَّثني يحيى بنُ طلحةَ اليَرْبوعيُّ، قال: ثنا فُضيلُ بن عِياضٍ، عن حُصينٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} . قال: التُّرُنْجُ

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: ثنا هُشيمٌ، عن عوفٍ، قال: حُدِّثتُ عن ابن عباسٍ أنه كان يقرؤُها: (مُتْكًا). مخففةً، ويقولُ: هو الأُتُرْجُّ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن إدريسَ، عن أبيه، عن عطيةَ:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} . قال: الطعامَ

(2)

.

حدَّثني يعقوبُ والحسنُ بن محمدٍ، قالا: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ في قولِه:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} . قال: طعامًا.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن عُلَيةَ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ مثلَه

(3)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا غُنْدَرٌ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ في قولِه:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} . قال: طعامًا.

حدَّثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنا وهبُ بن جريرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ نحوَه

(4)

.

(1)

أخرجه مسدد - كما في المطالب العالية 8/ 600 (4018) - عن يحيى به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2132 (11534) من طريق فضيل بن عياض به، وهو في تفسير مجاهد ص 395 من طريق حصين به. وعزاه السيوطي - كاللفظ الآتى - في الدر المنثور 4/ 16 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2133 (11538) من طريق عبد الله بن إدريس به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2133 (11537) من طريق ابن علية به.

(4)

ينظر ما تقدم تخريجه في ص 123.

ص: 126

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، قال: من قرَأها

(1)

: {مُتَّكَأً} . فهو الطعامُ، ومن قرأها:(مُتَكًا). فخفَّفها، فهو الأُتْرُجُّ

(2)

.

حدَّثني محمدُ بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{مُتَّكَأً} . قال: طعامًا.

حدَّثنا الحسنُ بن محمدٍ، قال: ثنا شَبَابَةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وحدَّثني المُثَنَّى قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا أبو خالدٍ القُرشيُّ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، قال: من قرأ: (مُتْكًا). خفيفةً، فهو الأُتْرُجُّ

(4)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه.

حدَّثنا ابن وكيع قال: ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، قال: سمعتُ بعضهم يقولُ: الأُتْرُجُّ.

(1)

في م: "قرأ".

(2)

تفسير الثوري ص 141، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2133 (11539) من طريق ابن مهدي به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16 إلى أبي عبيد وابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

تفسير مجاهد ص 390.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16 إلى المصنف وابن أبي شيبة وابن المنذر.

ص: 127

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} . أي: طعامًا.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ مثلَه

(1)

.

قال: ثنا يزيدُ، عن أبي رجاءٍ، عن عكرمةَ في قولِه:{مُتَّكَأً} . قال: طعامًا.

حدَّثني محمدُ بن سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} : يعنى الأُتْرُجَّ.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} : والمتكأُ الطعامُ.

قال: ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} . قال: الطعامُ.

حدَّثني يونس، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيد في قولِه: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} . قال: طعامًا.

حُدِّثت عن الحسينِ، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: ثنا عُبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {مُتَّكَأً} : فهو كلُّ شيءٍ يُحَزُّ بالسكينِ

(2)

.

قال الله تعالى ذكرُه مخبرًا عن امرأةِ العزيزِ والنسوةِ اللاتي تحدَّثن بشأنِها في

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 322 عن معمر به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2133 عقب الأثر (11542) معلقا عن عبيد بن سليمان وعلى بن الحكم، عن الضحاك.

ص: 128

المدينةِ: {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} . يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وأعطت كلَّ واحدةٍ من النسوةِ اللاتي حضَرْنها سكِّينًا؛ لتقطَعَ به من الطعامِ ما تَقْطَعُ

(1)

به. وذلك ما ذكرتُ أنها آتَتْهن، إما من الأُثْرُجِّ، وإما من البَزْماوَرْدِ

(2)

، أو غيرِ ذلك مما يُقْطَعُ بالسكِّينِ.

كما حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بن محمدٍ، عن أسباطَ، عن السُّديِّ:{وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} : وأُتْرُجًّا يَأْكُلْنه

(3)

.

حدَّثنا سليمانُ بنُ عبدِ الجبارِ، قال: ثنا محمدُ بنُ الصَّلْتِ، قال: ثنا أبو كُدَينةَ، عن حُصينٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ:{وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} . قال: أعطتْهن أُتْرُجًّا، وأعطَت كلَّ واحدةٍ منهن سكِّينًا

(4)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} : ليحتزِزن به من طعامِهن.

حدَّثني يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} : وأعطتهن تُرُنْجًا وعسلًا، فكُنَّ يَحْزُزْن التُّرُنجَ بالسكِّين، ويأكُلْنَ بالعسلِ

(5)

.

وفي هذه الكلمةِ بيانُ صحةِ ما قلنا وأَخْبَرنا

(6)

في قولِه: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ

(1)

في ت 1، ت 2، س:"يقطع".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س:"الرماورد".

(3)

تقدم تخريجه في ص 123.

(4)

تقدم تخريجه في ص 125.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2134 (11547) من طريق أصبغ، عن ابن زيد، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16 إلى أبى الشيخ.

(6)

في ت 1: "اخترنا".

ص: 129

مُتَّكَأً}. وذلك أن الله تعالى ذكرُه أَخْبَر عن إيتاءِ امرأةِ العزيز النسوةَ السكاكينَ، وترَك ما له آتتهُنَّ السكاكينَ؛ إذ كان معلومًا أن السكاكينَ لا تُدْفَعُ إلى من دُعى إلى مجلسٍ إلا لقطعِ ما يُؤكلُ إذا قُطِع بها، فاستَغنى بفهمِ السامعِ بذكرِ إيتائِها صواحباتِها السكاكينَ، عن ذكرِ ماله آتتهنَّ ذلك، فكذلك استَغنى بذكرِ اعتدادِها لهن المتكأَ عن ذكرِ ما يُعْتَدُّ له المتكأُ، مما يحضُرُ المجالسَ من الأطعمةِ والأشربةِ والفواكهِ وصنوفِ الإلتهاءِ؛ لفهمِ السامعين بالمرادِ من ذلك، ودلالةِ قولِه:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} عليه. فأما نفسُ المُتَّكأَ، فهو ما وصَفنا خاصةً دونَ غيرِه.

وقولُه: {وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وقالت امرأةُ العزيزِ ليوسفَ: اخْرُج عليهنَّ. فخرَج عليهنَّ يوسفُ، {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ}. يقولُ جلَّ ثناؤُه: فلما رأَيْنَ يوسفَ أَعْظَمُنه وأَجْلَلْنه.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبَابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ. عن مجاهدٍ قولَه:{أَكْبَرْنَهُ} : أَعْظَمْنَهُ

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

(1)

تفسير مجاهد ص 396، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16، 17 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

ص: 130

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، [عن مجاهدٍ]

(1)

، قال، وحدَّثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} . أي: أَعْظَمُنه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بن محمدٍ، عن أسباطَ، عن السُّديِّ:{وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} : ليوسفَ، {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ}: عظَّمْنه

(2)

.

حدَّثنا إسماعيلُ بن سيفٍ العِجْليُّ، قال: ثنا عليُّ بنُ عابسٍ، قال: سمِعتُ السُّديَّ يقولُ في قولِه: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} . قال: أَعْظَمْنه.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} : فخرَج، فلما رَأَيْنَه أَعْظَمْنه وبُهتْنَ

(3)

.

حدَّثنا إسماعيلُ بنُ سيفٍ

(4)

، قال: ثنا عبدُ الصمدِ بنُ عليٍّ الهاشميُّ، عن أبيه، عن جدِّه في قولِه:{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} . قال: حِضْنَ

(5)

.

حدَّثنا عليُّ بن داودَ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن

(1)

سقط من: م.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2135 عقب الأثر (11553) من طريق عمرو بن حماد، عن أسباط به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2135 (11554) من طريق أصبغ، عن ابن زيد، وينظر ما تقدم تخريجه في ص 129.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"يوسف".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2135 (11551، 11552) من طريق عبد الصمد بن علي الهاشمي به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16 إلى ابن المنذر. وفيهما زيادة بيت الشعر الآتى.

ص: 131

عباسٍ في قولِه: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} . يقولُ: أَعْظَمْنه

(1)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا يحيى بنُ أبي زائدةَ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

وهذا القولُ - أَعْنى القولَ الذي رُوِى عن عبدِ الصمدِ، عن أبيه، عن جدِّه، في معنى:{أَكْبَرْنَهُ} أنه

(2)

"حِضْن" - إن لم يكنْ عنَى به أنهن حِضْنَ من إجلالِهنَّ يوسفَ، وإعظامِهنَّ لما كان اللهُ قسَم له من البهاءِ والجمالِ، ولما يجِدُ

(3)

من مثلِ ذلك النساءُ عندَ معاينِتهنَّ إِيَّاه - فقولٌ لا معنى له

(4)

؛ لأن تأويلَ ذلك: فلما رأَيْن يوسفَ أَكْبَرنه. فالهاءُ التي في {أَكْبَرْنَهُ} من ذكرِ يوسفَ، ولا شكَّ أن من المحالِ أن يَحِضْن يوسفَ. ولكن الخبرَ إن كان صحيحًا عن ابن عباسٍ على ما رُوى، فخليقٌ أن يكونَ كان معناه في ذلك أنهن حِضْنَ لِما أَكْبَرن من حسنِ يوسفَ وجمالهِ في أنفسِهن، ووجَدن ما يجِدُ

(5)

النساءُ من مثلِ ذلك.

وقد زعَم بعضُ الرواةِ أن بعض الناسِ أَنْشَده في "أَكْبَرْن" بمعنى: حِضْن، بيتًا لا أَحْسَبُ أن له أصلًا؛ لأنه ليس بالمعروفِ عند الرواةِ، وذلك

(6)

:

نأتى

(7)

النساءَ على أطهارِهنَّ ولا

نأتى

(7)

النساء إذا أَكْبَرْن إكْبارَا

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2135 (11553) من طريق الضحاك، عن ابن عباس.

(2)

في ت 1: "أنهن".

(3)

في ت 2: "تجد".

(4)

سقط من: ص، ت 2، ف.

(5)

في ص، ت 1، س، ف:"يجدن"، وفي ت 2:"تجدن".

(6)

اللسان (ك ب ر) دون نسبة.

(7)

في ص غير منقوطة، وفي ت 1، ت 2، س، ف:"يأتي".

ص: 132

وزعَم أن معناه: إذا حِضْن.

وقوله: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} . اختلف أهلُ التأويلِ في معنى ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه أنهن حزَزْن بالسكِّينِ في أيديهن، وهن يَحْسَبن أنهنَّ يُقَطِّعْن الأُتْرُجَّ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا شبَابةُ، قال: ثنا وَرْقَاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله:{وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} له: حزًّا حزًّا بالسكِّينِ

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} . قال: حزًّا حزًّا بالسكاكين.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال، وحدَّثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} . قال: حزًّا حزًّا بالسكِّينِ.

حدَّثنا ابن

(2)

وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّديِّ:{وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} . قال: جعَل النسوةُ يحزُزْن أيديَهن، يَحْسَبْن أنهن يقطِّعْنَ الأُتْرُجَّ

(3)

.

حدَّثنا إسماعيلُ بنُ سيفٍ، قال: ثنا عليُّ بن عابسٍ، قال: سمِعتُ السُّديَّ

(1)

تفسير مجاهد ص 396، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2136 (11557)، وينظر ما تقدم تخريجه في ص 130.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2137 (91568) من طريق عامر، عن أسباط به نحوه.

ص: 133

يقولُ: كانت في أيديهن سكاكينُ مع الأُتْرُجِّ، فقطَّعن أيديَهن، وسالت الدماءُ، فقلن: نحن نلومُكِ على حبِّ هذا الرجلِ، ونحن قد قطَّعنا أيديَنا، وسالت الدماءُ!

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: جعَلن يحزُزْن أيديَهن بالسكِّين، ولا يحسَبْن إلا أنهن يحزُزْن التُّرُنْجَ، قد ذهَبت عقولُهن مما رأَيْن

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدُ، عن قتادةَ:{وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} : وحزَزْن أيديَهن.

حدَّثني سليمانُ بنُ عبدِ الجبارِ، قال: ثنا محمدُ بنُ الصَّلْتِ، قال: ثنا أبو

(2)

كُدينةَ، عن حُصينٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ، قال: جعَلن يقطِّعْنَ أيديَهن وهن يحسَبْن أنهن يقطِّعن الأُتْرُجَّ

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} . قال: جعَلن يحزُزْنَ أيديَهن، ولا يشعُرْن بذلك

(4)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلَمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: قالت ليوسفَ: {اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} . فخرَج عليهن، {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} ، وغُلِبت

(5)

عقولُهن عجبًا منه

(6)

حينَ رَأَيْنه، فجعَلن يقطَّعْنَ أيديَهن بالسكاكينِ التي معهن، ما يعقِلْن شيئًا

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16 إلى المصنف وأبى الشيخ، ومن تمام الأثر المتقدم في ص 129.

(2)

في م، ت 1، ت 2، س:"ابن".

(3)

تفسير مجاهد ص 396.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 322 عن معمر به.

(5)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"عال"، وفي تفسير ابن أبي حاتم:"غارت".

(6)

سقط من: م.

ص: 134

مما يصنَعْن، وقُلْنَ:{حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا}

(1)

.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهن قطَّعن أيديَهن حتى أبَنَّها وهن لا يشْعُرْن.

‌ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: قطَّعن أيديَهن حتى أَلْقَينها

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه:{وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} . قال: قطَّعن أيديَهن حتى أَلْقَينها

(3)

.

والصوابُ من القولِ في ذلك أن يقالَ: إِن اللَّهَ أَخْبَر عنهن أنهن قطَّعن أيديهن وهن لا يشعُرْن؛ لإعظام يوسفَ، وجائزٌ أن يكونَ ذلك كان قطعًا بإبانةٍ، وجائزٌ أن يكونَ كان قطعَ حزٍّ وخَدْشٍ، ولا قولَ في ذلك أصوبُ من التسليمِ لظاهرِ التنزيلِ.

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمن، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الأحوصِ، عن عبدِ اللهِ، قال: أُعْطِيَ يوسفُ وأمُّه ثُلُثَ الحُسْنِ

(4)

.

حدَّثنا محمدُ بن المُثَنَّى، قال: ثنا محمدُ بن جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2135 (11555) من طريق سلمة به مختصرا.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 322 عن معمر به.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 322.

(4)

تفسير الثورى ص 142، ومن طريقه الطبراني (8556)، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2136 (11561)، والطبراني (8557) من طريق زهير، عن أبي إسحاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 17 إلى ابن سعد وأبى الشيخ.

ص: 135

إسحاقَ، عن أبي الأحوصِ، عن عبدِ اللهِ مثلَه.

(1)

.

وبه عن أبي الأحوصِ، عن عبدِ اللهِ، قال: قُسِم ليوسفَ وأُمِّه ثلثُ الحسنِ.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الأحوصِ، عن عبدِ اللهِ، قال: أُعْطِيَ يوسفُ وأُمُّه ثُلُثَ حُسْنِ الخَلْقِ

(2)

.

حدَّثني أحمد بن ثابتٍ، وعبدُ الله بن محمدٍ الرازيَّان

(3)

، قالا: ثنا عفانُ، قال: أخبَرنا حمادُ بن سلَمةَ، قال: أخبَرنا ثابتٌ، عن أنسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"أُعْطِيَ يوسفُ وأمُّه شَطْرَ الحسنِ"

(4)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا حكَّامٌ، عن أبي معاذٍ، عن يونسَ، عن الحسنِ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"أُعْطِي يوسفُ وأُمُّه ثُلُثَ حسنِ أهلِ الدنيا، وأُعْطِيَ الناسُ الثُّلُثين". أو قال: "أُعْطِىَ يوسفُ وأمُّه الثُّلُثين، وأُعْطِي الناسُ الثُّلُثَ"

(5)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ربيعةَ الجُرَشيِّ، قال: قُسِم الحسنُ نصفين؛

(1)

أخرجه الطبراني (8555) من طريق شعبة به.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 396، 11/ 565، 566 عن وكيع به.

(3)

في ت 1: "الرازي".

(4)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 330، وأخرجه ابن أبي شيبة 4/ 396، 11/ 565، وأحمد 21/ 441 (14050)، وابن عدى 5/ 2021، والحاكم 2/ 570 من طرق عن عفان به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2136 (11559) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت به موقوفا، وأخرجه أبو يعلى (3373)، وأبو نعيم في الحلية 6/ 253 من طريق شيبان بن فروخ، عن حماد، عن ثابت به موقوفا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 17 إلى ابن مردويه.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 17 إلى أبى الشيخ.

ص: 136

فأُعْطِىَ يوسفُ وأُمه سارَّةُ نصفَ الحسنِ، والنصفُ الآخرُ بينَ سائرِ الخلقِ

(1)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا أبو أحمدَ الزُّبيريُّ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ربيعةَ الجُرَشِيِّ، قال: قُسِم الحسنُ نصفين؛ فقُسِم ليوسفَ وأمِّه النصفُ، والنصفُ لسائرِ الناسِ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ وابنُ حُميدٍ، قالا: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن ربيعةَ الجُرَشيِّ، قال: قُسِم الحسنُ نصفين؛ فجُعِل ليوسفَ و

(2)

سارَّةَ النصفُ، وجُعِل لسائرِ الخلقِ النصفُ

(3)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا حكَّامٌ، عن عيسى بن يزيدَ، عن الحسنِ: أُعْطِيَ يوسفُ وأمُّه ثُلُثَ حسنِ الدنيا، وأُعْطِىَ الناسُ الثُّلُثين

(4)

.

وقولُه: {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} . اخْتَلَفت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأته عامَّةُ قرأةِ الكوفيين: {حَاشَ لِلَّهِ} بفتحِ الشينِ وحذفِ الياءِ

(5)

.

وقرأه بعضُ البصريِّين بإثباتِ الياءِ: (حَاشَى اللهِ)

(6)

. وفيها

(7)

لغاتٌ لم يُقْرَأَ بها: (حاشَى اللهِ). كما قال الشاعرُ

(8)

:

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2136 (11560) من طريق أبي نعيم، عن سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 17 إلى ابن المنذر.

(2)

بعده في ت 1: "أمه".

(3)

في م: "نصف".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2136 (11563) من طريق يونس، عن الحسن به، وليس فيه ذكر أم يوسف عليه السلام، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 17 إلى ابن المنذر.

(5)

هي قراءة السبعة عدا أبي عمرو البصرى

(6)

هي قراءة أبي عمرو، وقرأ الباقون كالقراءة الأولى. حجة القراءات ص 359.

(7)

في م: "وفيه".

(8)

هو الجميح الأسدى، منقذ بن الطماح، والبيت في المفضليات ص 367، والأصمعيات ص 218، =

ص: 137

حاشَى أبى

(1)

ثَوْبَانَ

(2)

إِنَّ بِهِ

(3)

ضَنًّا عن المَلْحاةِ

(4)

والشَّتْمِ

وذُكِر عن ابن مسعودٍ أنه كان يقرأُ بهذه اللغةِ

(5)

، [و (حَشَى اللهِ]

(6)

. و (حاشْ اللهِ

(7)

). بتسكينِ الشينِ والألفِ، يجمَعُ بين الساكنين

(8)

.

وأما القراءةُ فإنما هي بإحدى اللغتين الأُولَيَين

(9)

، فمن قرَأ:{حَاشَ لِلَّهِ} . بفتحِ الشينِ وإسقاطِ الياءِ، فإنه أراد لغةَ من قال: حاشَى للهِ. بإثباتِ الياءِ، ولكنه حذف الياء لكثرتِها على ألسنِ العربِ، كما حذَفتِ العربُ الألفَ من قولِهم: لا أبَ لغيرِك، ولا أبَ لشانِيكَ. وهم يعنون: لا أبًا لغيرِك، ولا أبًا لشانِيك.

وكان بعضُ أهلِ العلمِ بكلام العرب يزعُمُ أن لقولِهم: حاشَى

(10)

. موضعين في الكلامِ: أحدُهما: التنزيهُ، والآخرُ الاستثناءُ. وهو في هذا الموضعِ عندَنا بمعنى التنزيهِ للهِ، كأنه قيل: معاذَ اللهِ.

= ونسب في نسخة من مجاز القرآن 1/ 310 إلى سبرة بن عمرو الأسدى، والبيت هنا وفي مجاز القرآن مركب من صدر بيت على عجز آخر، ينظران في المفضليات والأصمعيات.

(1)

في المفضليات: "أبا".

(2)

في ص، ت 1، س:"بروان". وفى ف: "برقان"، وكذا في ت 2 ولكن غير منقوطة.

(3)

في ص: "له".

(4)

الملحاة من: لحا الرجل لحوًا: شتمه. اللسان (ل ح و).

(5)

هي قراءة أبيّ أيضا، ينظر مختصر الشواذ ص 68، والمحتسب 1/ 341.

(6)

سقط من: م.

(7)

في م: "لله". وكما في المطبوعة روى القطعى عن نافع، ورويت عن الحسن بخلاف عنه. ينظر المصدرين السابقين، وأثبتنا ما وافق النسخ الأخرى، وإن لم نجد من قرأ بها لموافقته كلام المصنف قبل ذلك ولقوله بعد: بتسكين الشين والألف.

(8)

قراءات ابن مسعود هذه لغة، وهى شاذة، وليس كل ما جاز لغة جاز قراءةً؛ لأن القراءة سنة متبعة، وسيأتي قريبا قول المصنف في ذلك.

(9)

في ص: "الأولتين".

(10)

بعده في م، ت 2:"لله".

ص: 138

وأما القولُ في قراءة ذلك، فإنه يقالُ: للقارئ الخيارُ في قراءته بأي هاتين

(1)

القراءتين شاء، إن شاء بقراءة الكوفيِّين، وإن شاء بقراءةِ البصريِّين، وهو:{حَاشَ لِلَّهِ} . و: (حاشَى للَّهِ). لأنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان بمعنًى واحد، وما عدا ذلك فلغاتٌ لا تجوزُ القراءةُ بها؛ لأنَّا لا نعلمُ قارئًا قرَأ بها.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن نُميرٍ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} . قال: معاذَ اللهِ

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ؛ عن مجاهدٍ في قولِه:{حَاشَ لِلَّهِ} : معاذَ اللهِ.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} : معاذَ اللهِ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبَابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{حَاشَ لِلَّهِ} : معاذَ اللهِ.

قال: ثنا عبدُ الوهابِ، عن عمرٍو، عن الحسنِ:{حَاشَ لِلَّهِ} : معاذَ اللهِ.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا يحيى، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

(1)

سقط من: م.

(2)

ينظر تفسير مجاهد ص 396، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2136 (11558).

ص: 139

وقولُه: {مَا هَذَا بَشَرًا} . يقولُ: قلن: ما هذا ببشرٍ

(1)

. لأنهن لم يَرَيْنَ في حُسنِ صورته من البشر أحدًا، فقلن: لو كان من البشرِ لكان كبعضِ ما رأينا من صورةِ البشرِ، ولكنه من الملائكةِ لا من البشرِ.

كما حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا} : ما هكذا تكونُ البشرُ

(2)

وبهذه القراءِة قرَأ

(3)

عامَّةُ قرأَةِ

(4)

الأمصارِ.

وقد حُدِّثت عن يحيى بن زيادٍ الفرَّاءِ، قال: ثنى دِعامةُ بنُ رجاءٍ التَّيْمِيُّ - وكان غرًّا - عن أبي الحُوَيرثِ الحنفيِّ أنه قرَأ: (ما هذا بِشِرًى). أي: ما هذا بمُشْتَرًى

(5)

.

يريدُ بذلك أنهن أَنْكَرن أن يكون مثله مستعبَدًا يُشْتَرى ويُباعُ.

وهذه قراءةٌ

(6)

لا أستجيزُ القراءةَ بها؛ لإجماعِ قرأةِ الأمصارِ على خلافِها. وقد بيَّنا أن ما أَجْمعت عليه فغيرُ جائزٍ خلافُها فيه.

وأما نصبُ "البشرِ"، فمن لغةِ أهلِ الحجازِ، إذا أَسْقَطوا الباءَ من الخبرِ نصَبوه، فقالوا: ما عمرٌو قائمًا. وأما أهلُ نجدٍ، فإن من لغتِهم رفعَه، يقولون: ما عمرٌو قائمٌ. ومنه قولُ بعضِهم حيث يقولُ

(7)

:

(1)

في م: "بشرًا".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 16 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(3)

في ص، ت 2، س، ف:"قرأت".

(4)

سقط من: ص، ت، س، ف.

(5)

معاني القرآن للفراء 2/ 44.

(6)

في م، ت 1، ت 2، س، ف:"القراءة".

(7)

معاني القرآن للفراء 2/ 42، 43، ونسب البيت الثاني في شرح التصريح 1/ 180 إلى الفرزدق، وليس في ديوانه

ص: 140

لَشَتَانَ ما أَنْوِى ويَنْوِى بنو أبي

جميعًا فما هذانِ مُسْتوِيانِ

تمنَّوا لىَ الموتَ الذي يشعَبُ

(1)

الفتى

وكلُّ فتًى والموتُ يَلْتَقيانِ

وأما القرآنُ فجاء بالنصبِ في كلِّ ذلك؛ لأنه نزَل بلغةِ أهلِ الحجازِ.

وقولُه: {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} . يقولُ: قلن: ما هذا إلا ملَكٌ من الملائكةِ.

كما حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} . قال: قلن: ملَكٌ من الملائكةِ

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)} .

يقول تعالى ذكره: قالت امرأةُ العزيزِ للنسوةِ اللاتي قطَّعن أيديَهن: فهذا الذي أصابكن في رؤيتِكن إياه، وفي نظرةٍ منكن نظَرتُن إليه ما أصابكن من ذهابِ العقلِ، وغروبِ

(3)

الفهمِ ولهًا

(4)

إليه

(5)

، حتى قطَّعتن أيديَكن - هو الذي لمتُنَّني في حبى إياه، وشغفِ فؤادى به، فقلتنَّ: قد شغف امرأةُ العزيز فتاها حبًّا، إنا لنراها في ضلالٍ مبينٍ. ثم أقرَّت لهن بأنها قد راودته عن نفسِه، وأن الذي تحدَّثن به عنها في أمرِه حقٌّ، فقالت:{وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} مما راودته عليه من ذلك.

(1)

التشعب: التفرق. اللسان (ش ع ب).

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 322، 323 عن معمر به، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2137 (11566)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 17 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

في ت 1: "عزوب".

(4)

الوله: ذهاب العقل لفقدان الحبيب. اللسان (و ل هـ).

(5)

في ص، س، ف:"إليهن"، وفى ت 1:"الهتهن"، وفي ت 2:"الهن".

ص: 141

كما حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمد، عن أسباط، عن السدي:{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} : تقولُ: بعدَ ما حلَّ السراويلَ اسْتَعْصَى، لا أَدْرِى ما بدا له

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَاسْتَعْصَمَ} . أي: فاسْتَعْصَى

(2)

.

حدَّثنى عليُّ بنُ داودَ، قال: ثنا عبدُ الله بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{فَاسْتَعْصَمَ} . يقولُ

(3)

: فَامْتَنَع

(4)

.

وقولُه: {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} . تقولُ

(5)

: ولئن لم يُطاوِعْنى على ما أدعوه إليه من حاجتي إليه، {لَيُسْجَنَنَّ} . تقولُ

(5)

: ليُحْبَسَنَّ في السَّجْنِ، وليَكونَنْ من أهلِ الصَّغارِ والذِّلةِ، بالحبسِ والسِّجْنِ، ولأُهِينَنَّه.

والوقفُ على قولِه: {لَيُسْجَنَنَّ} بالنونِ، لأنها مشدَّدةٌ، كما قيل:{لَيُبَطِّئَنَّ} [النساء: 72].

وأما قولُه: هو {وَلَيَكُونًا} . فإن الوقفَ عليه بالألفِ؛ لأنها النونُ الخفيفةُ،

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 341، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2138 (11571) من طريق عامر بن الفرات، عن أسباط به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2137 (11570) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 17 إلى أبى الشيخ.

(3)

في ت 1: "تقول".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2137 (11569) من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 17 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(5)

في ت 2، س:"يقول".

ص: 142

وهي شبيهةُ نونِ الإعرابِ في الأسماءِ في قولِ القائلِ: رأيت رجلًا عندَك. فإذا وُقِف على الرجلِ قيل: رأيت رجلا. فصارت النونُ ألفًا

(1)

، فكذلك ذلك في:{وَلَيَكُونًا} . ومثلُه قولُه: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ} [العلق: 15، 16]. الوقفُ عليه بالألفِ؛ لما ذكرت، ومنه قولُ الأعشى

(2)

:

وصَلِّ على حينِ العشيَّاتِ والضُّحَى

ولا تعبُدِ الشيطانِ واللهَ فاعبُدَا

وإنما هو: فاعبُدَنْ. ولكن إذا وُقِف عليه كان الوقفُ بالألفِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)} .

وهذا الخبرُ من اللهِ يدلُّ على أن امرأةَ العزيزِ قد كانت

(3)

عاودت يوسفَ في المراودةِ عن نفسِه، وتوعَّدَتْه بالسِّجْنِ والحَبْسِ إن لم يفعَلْ ما دعَتْه إليه، فاختار السِّجْنَ على ما دعته إليه من ذلك؛ لأنها لو لم تكنْ عاودته وتوعَّدته بذلك، كان محالًا أن يقولَ:{رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} . وهو لا يُدْعَى إلى شيءٍ، ولا يخوَّفُ بحبسٍ.

والسِّجْنُ هو المَحْبِسُ

(4)

نفسُه، وهو بيتُ الحبسِ. وبكسرِ السِّينِ قرأه قرأَةُ الأمصارِ كلِّها، والعربُ تضعُ الأماكنَ المشتقةَ من الأفعالِ مواضعَ الأفعال، فتقولُ: طلَعت الشمسُ مَطْلِعًا، وغرَبَت مَغْرِبًا. فيجعَلونها وهي أسماءٌ، خَلَفًا من المصادرِ، فكذلك السِّجْنُ، فإذا فتحت السينَ من السِّجْنِ كان مصدرًا

(1)

المراد بالنون هنا التنوين. ينظر مصطلحات النحو الكوفي ص 132، 133.

(2)

ديوانه ص 137، وروايته:

وذا النصب المنصوب لا تنسكنه

ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا

وصلّ على حين العشيّات والضحى

ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا

(3)

سقط من: م.

(4)

في م: "الحبس".

ص: 143

صحيحًا.

وقد ذُكِر عن بعضِ المتقدِّمين أنه كان

(1)

يَقْرَؤُه: (السَّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ). بفتحِ السينِ

(2)

.

ولا أَسْتجِيزُ القراءةَ بذلك؛ لإجماعِ الحُجَّةِ مِن القرَأةِ على خلافِها.

وتأويلُ الكلامِ: قال يوسُفُ: يا ربِّ، الحبسُ في السِّجنِ أحبُّ إليَّ مما يَدْعُوننى إليه من معصيتك، ويُراوِدْنَني

(3)

عليه مِن الفاحشةِ.

كما حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسْباطُ، عن السُّديِّ:{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} : مِن الزنى

(4)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: قال يوسُفُ، وأضاف

(5)

إلى ربِّه، واسْتعانه

(6)

على ما نزَل به: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} . أي: السجنُ أحَبُّ إليَّ مِن أن أتِىَ ما تكرَهُ

(7)

.

وقولُه: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} . يقولُ: وإن لم تَدْفَعْ عنى يا ربِّ فعْلَهن الذي يَفْعَلْن بي، في مُراوَدتِهن إياى على أنفسِهن، {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ}. يقولُ: أَمِيلُ إليهن، وأُتابِعُهن على ما يُرِدْنَ منى ويَهْوَيْنَ. مِن قولِ القائلِ: صبَا فلانٌ

(1)

سقط من: م.

(2)

هي قراءة يعقوب الحضرمي. النشر 2/ 221.

(3)

في ت 1 ت 2، س، ف:"تراودني".

(4)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 341، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2138 من طريق عامر، عن أسباط به.

(5)

في ص: "أحاف"، وفى ت 1، ت 2، س، ف:"أخاف".

(6)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"استغاثه"، وفى س:"استعان به".

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2138 (11575) من طريق سلمة به.

ص: 144

إلى كذا. ومنه قولُ الشاعرِ

(1)

:

إلى هندٍ صَبَا قلْبي

وهندٌ مِثْلُها يُصْبِى

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةً:{أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} . يقولُ: أُتابِعُهن

(2)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ} . أي: ما أَتَخَوَّفُ منهنّ، {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ}

(3)

.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} . قال: إِلا يَكُنْ منك أنت العَوْنُ والمَنَعةُ، لا يَكُنْ منى ولا عندى

(4)

.

وقولُه: {وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} . يقولُ: وأَكُنْ بصَبْوتى إليهن مِن الذين جهِلوا حقَّك، وخالَفوا أمرَك ونهيَك.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ: {وَأَكُنْ مِنَ

(1)

هو يزيد بن ضبة، والبيت في مجاز القرآن 1/ 311، والأغانى 7/ 102.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2138 (11576) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 17، 18 إلى أبى الشيخ.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2138 (11576) من طريق سلمة به.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2138 من طريق أصبغ، عن ابن زيد، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 17 إلى أبى الشيخ.

ص: 145

الْجَاهِلِينَ}. أي: جاهلًا إذا ركِبْتُ معصيتَك

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)} .

إن قال قائلٌ: وما وجهُ قولِه: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} . ولا مسألةَ تقدَّمَت مِن يوسُفَ لربِّه، ولا دعا بصَرْفِ كيدِهن عنه، وإنما أَخْبَر ربَّه أن السجنَ أحبُّ إليه مِن معصيتِه؟

قيل: إن في إخبارِه بذلك شِكايةً منه إلى ربِّه مما لقِى منهن، وفي قولِه:{وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} . معنى دعاءٍ ومسألةٍ منه ربَّه صرفَ كيدِهن، ولذلك

(2)

قال اللهُ تعالى ذكرُه: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} . وذلك كقولِ القائلِ لآخر

(3)

: إن

(4)

لا تَزُرْنى أُهِنْك. فيجيبه الآخرُ: إذن أَزُورَك. لأن في قولِه: إن

(4)

لا تَزُرْنِي أُهِنْك. معنى الأمرِ بالزيارةِ.

وتأويلُ الكلامِ: فاسْتَجاب اللهُ ليوسُفَ دعاءَه، فصَرَف عنه ما أرادَت منه امرأةُ العزيزِ وصَواحباتُها من معصية اللهِ.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} . أي: نجَّاه مِن أَن يَرْكَبَ المعصيةَ فيهن، وقد نزَل به بعضُ ما حذِر منهن

(5)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2139 من طريق سلمة به.

(2)

في ص، ت 2، ف:"كذلك".

(3)

في س، ف:"الآخر".

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2139 (11580) من طريق سلمة به.

ص: 146

وقولُه: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} . [أي سميعٌ]

(1)

دعاءَ يوسُفَ حينَ دعاه بصرفِ كيدِ النِّسوةِ عنه، ودعاءَ كلِّ داعٍ مِن خلقِه، {الْعَلِيمُ} بمطلبِه وحاجتِه وما يُصْلِحُه، وبحاجةِ جميعِ خلقِه وما يُصْلِحُهم.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: ثم بدا للعزيزِ زوجِ المرأةِ التي راوَدَت يوسُفَ عن نفسِه.

وقيل: {بَدَا لَهُمْ} . وهو واحدٌ؛ لأنه لم يُذْكَرْ باسمِه، ويُقْصَدْ بعينِه، وذلك نظيرُ قولِه:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173]. وقيل: إن قائلَ ذلك كان واحدًا.

وقيل

(2)

: معنى قوله: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} : [ثم بدا لهم]

(3)

في الرأيِ الذي كانوا رأَوْه، مِن تركِ يوسُفَ مطلقًا، ورأَوْا أن يَسْجُنوه {مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ} ببراءتِه مما قرفته به

(4)

امرأةُ العزيزِ.

وتلك الآياتُ كانت قدَّ القميصِ مِن دُبُرٍ، وخَمْشًا في الوجهِ، وقَطَّعَ أيديهن، كما حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن [نضرِ بن عربيٍّ]

(5)

، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ:{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ} . قال: كان مِن الآياتِ قَدٌّ في

(1)

زيادة من: ت 1.

(2)

سقط من: ص.

(3)

سقط من: م، ت 1، ت 2.

(4)

في م: "قذفته". وقرفته: رمته. ينظر اللسان (ق ر ف).

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2، س:"نصر بن عوف"، وفى ف:"نضر بن عوف". والمثبت هو الصواب وقد تقدم مرارًا.

ص: 147

القميصِ، وخَمْشٌ في الوجهِ

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبى وابنُ تُميرٍ، عن نضر، عن عكرمة مثله

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ} . قال: قدُّ القميصِ مِن دبرٍ

(3)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ} . قال: قدُّ القميصِ مِن دبرٍ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ. قال: وثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ أبي جعفرٍ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ} . قال: الآياتُ: حَزُّهن أيديَهن، وقدُّ القميصِ

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: قَدُّ القميصِ مِن دبرٍ.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2139 (11582) من طريق عكرمة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 18 إلى أبى الشيخ.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2139 (11583) من طريق النضر بن عربي به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 18 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.

(3)

تفسير مجاهد ص 396، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 18 إلى المصنف وابن المنذر.

(4)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 323 عن معمر به.

ص: 148

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ} : ببراءتِه مما

(1)

أتُّهِم به مِن شقَّ قميصِه مِن دبرٍ، {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ}

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ:{مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ} . قال: الآياتُ: القميصُ، وقَطْعُ الأيدى

(3)

.

وقولُه: {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} . يقولُ: ليسجُنُنَّه إلى الوقت الذي يَرَوْن فيه رأيَهم. وجعَل اللهُ ذلك الحبسَ ليوسُفَ فيما ذُكِر عقوبةً له مِن همِّه بالمرأةِ، أو

(4)

كفارةً لخطيئتِه

(5)

.

حُدِّثْتُ عن يحيى بن أبي زائدةَ، عن إسرائيلَ، عن حُصَيْفٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ:{لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} : عثَر يوسُفُ عليه السلام ثلاثَ عَثَراتٍ؛ حينَ همَّ بها فسُجِن، وحينَ قال:{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . فَلَبِثَ في السجنِ بضْعَ سنينَ، وأنساه الشيطانُ ذكرَ ربِّه، وقال لهم:{إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70]. فقالوا: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}

(6)

[يوسف: 77].

وذُكِر أن سببَ حبسِه في السجنِ كان شكوى امرأةِ العزيزِ إلى زوجِها أمرَها

(1)

في ت 2، س:"بما".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2140 (11586) من طريق سلمة به.

(3)

ذكره المصنف في تاريخه 1/ 341، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2139 (11584) من طريق أسباط به مطولًا.

(4)

في م: "و".

(5)

في ت 2، س، ف:"بخطيئته".

(6)

أخرجه الحاكم 2/ 346 من طريق إسرائيل به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2140 (11587) من طريق خصيف به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 18 إلى عبد بن حميد وابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 149

وأمرَه، كما حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسباطَ، عن السديِّ:{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} . قال: قالت المرأةُ لزوجِها: إن هذا العبدَ العِبْرانيَّ قد فضَحنى في الناسِ، يَعْتَذِرُ إليهم ويُخْبِرُهم أنى راوَدْتُه عن نفسِه، ولستُ أُطِيقُ أن أَعْتَذِرَ بعُذْري، فإِما أن تَأْذَنَ لِي فَأَخْرُجَ فَأَعْتَذِرَ، وإما أن تَحْبِسَه كما حبَسْتَنى. فذلك قولُ اللهِ:{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ}

(1)

.

وقد اخْتَلَف أهلُ العربيةِ في وجهِ دخولِ هذه اللامِ في: {لَيَسْجُنُنَّهُ} ؛ فقال بعضُ البصريين: دخَلَت هاهنا؛ لأنه موضعٌ يَقَعُ فيه "أيٌّ"، فلمَّا كان حرفُ الاستفهام يَدْخُلُ فيه دخَلَته النونُ؛ لأن النونَ تَكونُ في الاستفهامِ، تقولُ: بدا لهم أيُّهم

(2)

يَأْخُذُنَّ. أي: اسْتَبان لهم.

وأَنْكَر ذلك بعضُ أهلِ العربيةِ، فقال: هذا يمينٌ، وليس قولُه: هل تَقُومَنَّ؟ بيمينٍ، و: لَتَقومَنَّ. لا يكونُ إلا يمينًا.

وقال بعضُ نحويى الكوفةِ: {بَدَا لَهُمْ} بمعنى القولِ. والقولُ يَأْتى بكلِّ الكلامِ بالقسمِ وبالاستفهامِ، فلذلك جاز: بدا لهم قام زيدٌ، وبدا لهم لَيَقومَنَّ.

وقيل: إن الحينَ

(3)

في هذا الموضعِ معنِيٌّ به سبعُ سِنينَ.

(1)

ذكره المصنف في تاريخه 1/ 342، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 139 (11584) من طريق أسباط به.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أنهم".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الخبر".

ص: 150

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المُحاربيُّ، عن داودَ، عن عكرمةَ:{لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} . قال: سبعَ سنينَ

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: ودخَل مع يوسُفَ السجنَ فَتَيان، فدَّل بذلك على متروكٍ قد تُرِك مِن الكلامِ، وهو:{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} ، فسجَنوه وأدْخَلوه السجنَ، ودخَل معه فَتَيان، فاسْتَغْنَى بدليلِ قولِه: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ

(2)

}. على إدخالِهم يوسُفَ السجنَ مِن ذكرِه.

و

(3)

كان الفَتيان فيما ذُكِر غلامين مِن غِلْمَانِ ملكِ مصرَ الأكبرِ؛ أحدُهما صاحبُ شرابِه، والآخرُ صاحبُ طعامِه.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: فطُرِح في السجنِ، يعنى يوسُفَ، {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ}: غلامان

(4)

كانا للملكِ الأكبرِ الرَّيَّانِ بن الوليدِ، كان أحدُهما على شرابِه، والآخرُ على بعضِ أمرِه، في

(1)

ذكره المصنف في تاريخه 1/ 342، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2141 (11591) من طريق عاصم عن عكرمة.

(2)

سقط من ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(3)

سقط من ص، ت 1، ت 2، س.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"غلامين". وينظر مصدر التخريج.

ص: 151

سَخْطةٍ سخِطها عليهما، اسمُ أحدِهما مجلثُ، والآخرُ [نبو، ونبو]

(1)

الذي كان على الشرابِ

(2)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} . قال: كان أحدُهما [خبَّاز الملكِ]

(3)

على طعامِه، وكان الآخرُ ساقِيَه على شرابِه

(4)

.

وكان سببَ حبسِ الملكِ الفتَيَين، فيما ذُكِر، ما حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ، قال:[حبَسه الملكُ وغضِب]

(5)

على خبَّازِه؛ بلَغه أنه يُرِيدُ أن يَسُمَّه، فحبَسه وحبَس صاحبَ شرابِه، ظنَّ أنه مالأه على ذلك، فحبَسهما جميعًا، فذلك قولُ اللهِ تعالى:{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ}

(6)

.

وقولُه: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} . ذُكِر أن يوسُفَ صلواتُ اللهِ

(7)

عليه لما أُدْخِل السجنَ، قال لمن فيه مِن المُحَبَّسين، وسأَلوه عن عملِه

(8)

:

(1)

في ت 1، س:"بنو". وهو موافق لما في البداية والنهاية. وينظر تاريخ الطبرى 1/ 343، والتعريف والإعلام ص 145.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2142 (11598) من طريق سلمة به.

(3)

في م: "خبازًا للملك".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2141 (11596) من طريق آخر عن سعيد به.

(5)

في م: "إن الملك غضب".

(6)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 343، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2142، 2143 (11597، 11602) من طريق أسباط به.

(7)

بعده في م: "وسلامه".

(8)

بعده في ت 1: "قال".

ص: 152

إنى أَعْبُرُ

(1)

الرؤيا. فقال أحدُ الفتيَين اللذين أُدْخِلا معه السجنَ لصاحبِه: تعالَ فلْنُجَرِّبْه.

كما حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسْباطَ، عن السديِّ، قال: لما دخَل يوسُفُ السجنَ قال: أنا أَعْبُرُ الأحلامَ، فقال أحدُ الفتيَين لصاحبِه: هَلُمَّ نُجَرِّبْ هذا العبدَ العِبْرانيَّ؛ نتراءى له، فسأَلاه مِن غيرِ أن يكونا رأَيا شيئًا، فقال الخبَّازُ:{إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} . وقال الآخرُ: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ وابنُ حميدٍ، قالا: ثنا جريرٌ، عن عُمارةَ بن القَعْقاعِ، عن إبراهيمَ، عن عبدِ اللهِ، قال: ما رأَى صاحبا يوسُفَ شيئًا، إنما كانا تَحالَما؛ ليُجَرِّبا علمَه

(3)

.

وقال قومٌ

(4)

: إنما سأَله الفَتَيان عن رُؤْيَا كانا رأَيَاها على صحةٍ وحقيقةٍ، وعلى تصديقٍ منهما ليوسُفَ؛ لعلمِه بتَعْبيرِها.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لما رأَى الفَتَيان يوسُفَ، قالا: واللهِ يا فتى، لقد أحْبَبْناك حينَ رأَيْناك.

(1)

عبر الرؤيا يعبُرُها عبرًا وعبارة، وعبّرها: فسّرها وأخبر بما يئول إليه أمرها. اللسان: (ع ب ر).

(2)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 342، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2143 (11602) من طريق أسباط به.

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 314 عن المصنف بلفظ: "ليجربا عليه".

(4)

بعده في ص: "بل".

ص: 153

قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، عن عبدِ اللهِ

(1)

بن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، أن يوسُفَ قال لهم حينَ قالا له ذلك: أَنْشُدُكما اللَّهَ أن لا تُحِبَّانى، فواللهِ ما أَحَبَّنى أحدٌ قطُّ، إلا دخل عليَّ مِن حبِّه بلاءٌ، لقد أحَبَّتْنى عمَّتى فدخَل عليَّ مِن حبَّها بلاءٌ، ثم لقد أحَبَّنى أبي، فدخَل عليَّ بحبِّه بلاءٌ، ثم لقد أحَبَّتْني زوجةُ صاحبي هذا، فدخَل عليَّ بحبِّها إياىَ بلاءٌ، فلا تُحِبَّانى بارَك اللهُ فيكما. قال: فأبَيا إلا حبَّه وإلْفَه حيثُ كان، وجعَلا يُعْجِبُهما ما يَرَيان مِن فهمِه وعقلِه، وقد كانا رأيا حينَ أُدْخِلا السجنَ رُؤْيَا، فرأَى مجلثُ: أنه يَحْمِلُ فوقَ رأسِه خبزًا تَأْكُلُ الطيرُ منه، ورأَى نبو

(2)

أنه يَعْصِرُ خمرًا، فاسْتفْتَياه

(3)

فيها، وقالا له:{نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} إِن فَعَلْتَ

(4)

.

وعنَى بقولِه: {أَعْصِرُ خَمْرًا} . أي: إنى أرَى في نومي أنى أَعْصِرُ عنبًا. وكذلك ذلك في قراءةِ ابن مسعودٍ، فيما ذُكِر عنه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن أبي سلمةَ الصائغِ، عن إبراهيمَ بن بَشيرٍ الأنصاريِّ، عن محمدِ ابن الحَنَفيةِ، قال: في قراءةِ ابن مسعودٍ: (إني أَرَانِي أَعْصِرُ عِنَبًا)

(5)

.

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(2)

في ت 1، ت 2، ف:"بنو".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فاستفتيا".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2142، 2143 (11598، 11601، 11604) من طريق سلمة به.

(5)

أخرجه البخاري في تاريخه 1/ 274، 275 تعليقا عن وكيع به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2142 (11599) من طريق آخر عن عبد الله به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 19 إلى ابن المنذر وابن الأنبارى، وأبى الشيخ وابن مردويه.

ص: 154

وذُكِر أن ذلك من لغةِ أهلِ عمانَ، وأنهم يُسَمُّون العنبَ خمرًا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حُدِّثْتُ عن الحسينِ، قال: سمِعْتُ أبا مُعاذٍ، يقولُ: ثنا عُبيدٌ، قال: سَمِعْتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} . يقولُ: أَعْصِرُ عِنَبًا، وهو بلغة

(1)

أهلِ عمانَ، يُسَمُّون العنبَ خمرًا

(2)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ. وثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سلمةَ بن نُبَيْطٍ، عن الضحاكِ:{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} . قال: عنبًا، أرضُ كذا وكذا يَدْعُون العنب خمرًا.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، قال: قال ابن عباسٍ: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} . قال: عنبًا

(3)

.

حُدِّثْتُ عن المسيَّبِ بن شَريكٍ، عن أبي حمزةَ، عن عكرمةَ، قال: أتاه فقال: رأيْتُ فيما يَرَى النائمُ أنى غرَسْتُ حَبَلَةً

(4)

مِن عنبٍ، فنبَتَت، فخرَج فيها

(5)

عَناقيدُ فعصَرْتُهن، ثم سقَيْتَهن الملكَ. فقال: تمْكُثُ في السجنِ ثلاثةَ أَيامٍ، ثم تَخْرُجُ فتَسْقِيه خمرًا.

(1)

في ت 2: "لغة".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2142 من طريق آخر عن الضحاك به بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 19 إلى ابن المنذر.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 19 إلى المصنف.

(4)

الحَبَلةُ والحُبَلةُ: الكرمُ، وقيل: الأصل من أصول الكرم، والحبلةُ: طاقٌ من قضبان الكرم، والحبَلُ: شجر العنب، واحدته حَبَلةٌ. اللسان (ح ب ل).

(5)

في ص، م:"فيه".

ص: 155

وقوله: {وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وقال الآخرُ مِن الفَتيَين: إني أراني في مَنامي {أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا} . يقولُ: أَحْمِلُ على رأسى، فوُضِعَت "فوقَ" مكانَ "على"، {تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} يعنى مِن الخبزِ.

وقولُه: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} . يقولُ: أخْبِرْنا بما يَئُولُ إِليه ما أَخْبَرْنَاكَ أَنّا رَأَيْناه في منامِنا، ويَرجِعُ إليه.

كما حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنا يزيدُ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} . قال: به.

قال الحارثُ: قال [أبو عُبيدٍ]

(1)

: يعنى مجاهدٌ: إن تأويلَ الشيءِ هو الشيءُ. قال: ومنه تأويلُ الرؤيا، إنما هو الشيءُ الذي تَئُولُ إليه.

وقولُه: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} . اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في معنى الإحسانِ الذي وصَف به الفَتَيان يوسُفَ؛ فقال بعضُهم: هو أنه كان يَعودُ مريضَهم، ويُعَزِّي حزينَهم، وإذا احْتاج منهم إنسانٌ جمَع له.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا سعيدُ بنُ منصورٍ، قال: ثنا خلفُ بنُ خَليفةَ، عن سلمةَ بن نُبَيْطٍ، عن الضحاكِ بن مُزَاحِمٍ، قال

(2)

: كنتُ جالسًا [معه ببَلْخَ

(3)

، فسُئِل عن قولِه:{نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} . قال: قيل

(1)

في ت 2: "أبو عبيدة". وأبو عبيد هو القاسم.

(2)

هو سلمة بن نبيط. وينظر تفسير ابن أبي حاتم، وشعب البيهقى.

(3)

في ت 1: "مع شيخ". وفي ت 2، س، ف:"مع ببلخ". وينظر سنن ابن منصور. وبلخ مدينة مشهورة بخراسان. معجم البلدان 2/ 713، وينظر مصادر التخريج.

ص: 156

له: ما كان إحسانُ يوسفَ؟ قال: كان إذا مرِض إنسانٌ قام عليه، وإذا احْتاج جمَع له، وإذا ضاق أوْسَع له

(1)

.

حدَّثنا إسحاقُ بنُ

(2)

أبي إسرائيلَ، قال: ثنا خلفُ بنُ خليفةَ، عن سلمةَ بن نُبَيْطٍ، عن الضحاكِ، قال: سأَل رجلٌ الضحاكَ عن قولِه: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} . ما كان إحسانُه؟ قال: كان إذا مرِض إنسانٌ في السجنِ قام عليه، وإذا احْتاج جمَع له، وإذا ضاق عليه المكانُ وسَّع

(3)

له

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي بكرِ بن عبدِ اللهِ، عن قتادةَ قولَه:{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} . قال: بلَغَنا أن إحْسانَه

(5)

أنه كان يُداوِى مريضَهم، ويُعَزِّي حزينَهم، ويَجْتَهِدُ لربِّه. وقال: لما انْتَهَى يوسُفُ إلى السجنِ، وجَد فيه قومًا قد انْقَطَع رجاؤُهم، واشْتَدَّ بلاؤُهم، فطال حزنُهم، فجعَل يقولُ: أبْشِروا واصْبِروا تُؤْجَروا، إن لهذا أجرًا

(6)

، إن لهذا ثوابًا. فقالوا: يا فتى بارَك اللهُ فيك، ما أَحْسَنَ وجهَك، [وأحسنَ خَلَقَك]

(7)

وأحسنَ خُلُقَك! لقد

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1124 - تفسير)، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2143 (11605)، والبيهقى في شعب الإيمان (9579) من طريق خلف بن خليفة به، وخلف بن خليفة صدوق، اختلط قبل موته، وادعى أنه رأى عمرو بن حريث الصحابي فأنكر عليه ذلك ابن عيينة، وأحمد، ترجمته في التهذيب 8/ 284، والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 19 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

في النسخ: "عن". وهو إسحاق بن أبى إسرائيل، ترجمته في تهذيب الكمال 2/ 398. وينظر تاريخ المصنف 1/ 343 حيث أخرج هذا الأثر، وينظر أيضا تاريخه 5/ 501، 622. حيث أخرج عنه غير هذا الأثر.

(3)

في م: "أوسع".

(4)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 343.

(5)

بعده في ص، ت 2، س:"كان".

(6)

بعده في س: "إن لهذا جزاء".

(7)

سقط من: م.

ص: 157

بُورِك لنا في جوارِك، ما نُحِبُّ أنا كنا في غيرِ هذا منذُ حُبِسْنا؛ لما تُخْبِرُنا مِن الأجرِ والكفارةِ والطَّهارةِ، فمَن أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسُفُ، ابن صَفِيِّ اللَّهِ يعقوبَ، ابن ذَبيحِ اللهِ إسحاقَ بن إبراهيمَ خليلِ اللهِ. وكانت عليه مَحبَّةٌ، وقال له عاملُ السجنِ: يا فتى، واللهِ لو اسْتَطَعْتُ لَخَلَّيْتَ سبيلَك، ولكن سأُحْسِنُ جوارَك، وأُحْسِنُ إِسارَك، فكُنْ في أيِّ بيوتِ السجنِ شِئْتَ

(1)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن خلفٍ الأشْجَعيِّ، عن سلمةَ بن نُبَيْطٍ، عن الضحاكِ في:{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} . قال: كان يُوسِّعُ للرجلِ في مجلسِه، ويَتَعاهدُ المرضَى.

وقال آخرون: معناه: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} إِن

(2)

نَبَّأْتَنا بتأويلِ رُؤْيانا هذه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: اسْتَفْتَياه في رُؤياهما، وقالا له:{نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} إِن فَعَلْتَ.

وأولى الأقوالِ في ذلك عندَنا بالصوابِ القولُ الذي ذكَرْناه عن الضحاكِ وقتادةَ.

فإن قال قائلٌ: وما وجهُ الكلامِ إن كان الأمرُ إذن كما قلتَ، وقد علِمْتَ أن مسألتَهما يوسُفَ أن يُنَبِّئَهما بتأويلِ رُؤْياهما ليست مِن الخبرِ عن صفتِه بأنه يَعودُ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 19 إلى المصنف وأبى الشيخ، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2143 (11606) من طريق آخر عن قتادة.

(2)

في م: "إذ".

ص: 158

المريضَ، ويَقومُ عليه، ويُحْسِنُ إلى مَن احْتاج في شيءٍ، وإنما يقالُ للرجلِ: نبِّئْنا بتأويلِ هذا، فإنك عالمٌ. وهذا من المواضع التي تَحْسُنُ بالوصفِ بالعلمِ لا بغيرِه؟

قيل: إن وجهَ ذلك أنهما قالا له: نَبِّئْنا بتأويلِ رُؤْيانا مُحْسِنًا إلينا في إخبارِك إيانا بذلك، كما نراك تُحسِنُ في سائرِ أفعالِك؛ {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} .

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: {قَالَ} يوسفُ للفَتَيَين اللذين اسْتَعْبَرَاه الرُّؤْيا: {لَا يَأْتِيكُمَا} ، أيُّها الفتيان، في مَنامِكما {طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} في يَقظَتِكما، {قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} .

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ، قال: قال يوسفُ لهما: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} في النومِ {إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} في اليقظة

(1)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: قال يوسفُ لهما. بنحوِه

(2)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2144 (11609) من طريق أسباط به.

(2)

في ص، م، س:"لا يأتيكما طعام ترزقانه. يقول: في نومكما. إلا نبأتكما بتأويله". وفي ت 2، ف:"لا يأتيكما بتأويله". =

ص: 159

ويعنى بقولِه: {بِتَأْوِيلِهِ} : ما يَئولُ إليه ويصيرُ ما رَأيا في منامِهما مِن الطعامِ الذي رَأيا أنه أتاهما فيه.

وقولُه: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} . يقولُ: هذا الذي أذكُرُ أني أَعْلَمُه مِن تعبيرِ الرؤيا، مما عَلَّمَنى ربِّي فَعَلِمْتُه، {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} . وجاءَ الخبرُ مبتدأً، أي: تَرَكتُ ملةَ قومٍ، والمعنى: ما قلْتُ

(1)

. وإنما ابْتَدأَ بذلك؛ لأن في الابتداءِ الدليلَ على معناه.

وقولُه: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} . يقولُ: إنى [بَرِئْتُ مِنْ]

(2)

ملةِ مَن لا يُصدِّق الله

(3)

، ويُقِرُّ بوحدانيتِه، {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}. يقولُ: وهم مع تَرْكِهم الإيمانَ بوحدانيةِ اللهِ لا يُقِرُّون بالمعادِ والبعثِ، ولا بثوابٍ ولا عقابٍ.

وكُرِّرَت "هم" مرَّتين، فقيل:{وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} . لمَّا دَخَل بينَهما قولُه: {بِالْآخِرَةِ} . فصارت (هم) الأولى كالملغاةِ، وصار الاعتمادُ على الثانيةِ، كما قيل:{وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [النمل: 3]، وكما قيل:{أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} [المؤمنون: 35].

فإن قال قائلٌ: و

(4)

ما وَجْهُ هذا الخبرِ ومعناه مِن يوسفَ، وأين جوابُه الفَتَيَين عما سَألاه مِن تعبيرِ رُؤْياهما مِن هذا الكلامِ؟

= ينظر ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2144 (11608) من طريق سلمة عن محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.

(1)

في م: "ملت".

(2)

في ف: "تركت".

(3)

في م: "بالله".

(4)

سقط من: م.

ص: 160

قيل له: إن يوسفَ كَرِه أن يُجيبَهما عن تأويلِ رُؤْياهما؛ لما عَلِم مِن مَكْرُوهِ ذلك على أحدِهما، فأعْرَضَ عن ذكرِه

(1)

، وأَخَذ في غيرِه؛ ليُغرِضا عن مسألتِه الجوابَ عمّا

(2)

سألاه مِن ذلك.

وبنحوِ ذلك قال بعضُ

(3)

أهلِ العلمِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ في قولهِ:{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} . قال: فكَرِهَ العبارةَ لهما، وأخبرَهما بشيءٍ لم يَسألاه عنه؛ ليُرِيَهما أن عندَه علمًا، وكان المِلِكُ إذا أرادَ قَتْلَ إنسانٍ، صَنَع له طعامًا معلومًا، فأرسَل به إليه، فقال يوسفُ:{لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} إلى قولِه: {لَا يَشْكُرُونَ} . فلم يَدَعاه، فعَدَل بهما، وكَرِهَ العبارةَ لهما، فلم يَدَعاه حتى يَعْبُرَ لهما، فعَدَل بهما، وقال:{يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} إلى قولِه: {يَعْلَمُونَ} . فلم يَدَعاه حتى عَبَر لهما، فقال:{يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} . قالا: ما رَأَينا شيئًا، إنما كُنَّا نَلْعَبُ. قال:{قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}

(4)

.

(1)

في ت 1، ت 2، س، ف:"ذكر".

(2)

في م: "بما".

(3)

سقط من: ت 1.

(4)

ينظر ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2147 (11629) من طريق آخر عن ابن جريج، قال: زعم محمد بن عباس. فذكر نحوه. والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 19 إلى أبي عبيد وابن المنذر.

ص: 161

وعلى هذا التأويلِ الذي تأوَّله ابن جريجٍ فقولُه

(1)

: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ [إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} . معناه: لا يأتيكما طعامٌ ترزقانه]

(2)

في اليَقَظةِ. لا في النومِ، وإنما أعْلَمُهما - على هذا القولِ - أن عندَه عِلْمَ ما يَئُولُ إليه أمرُ الطعامِ، الذي يَأْتِيهما مَن عندِ الملكِ ومِن عندِ غيرِه؛ لأنه قد عَلِمَ النوعَ الذي إذا أتاهما كان علامةً لقَتْلِ مَن أتاه ذلك منهما، والنوعَ الذي إذا أتاه كان علامةً لغيرِ ذلك، فأخبرَهما أن عندَه علمَ ذلك.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)} .

يعني بقولِه: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} : واتَّبَعتُ دينَهم لا دينَ أهلِ الشركِ. {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} . يقولُ: ما جازَ لنا أن نجعلَ للهِ شريكًا في عبادتِه وطاعتِه، بل الذي علينا إفرادُه بالألوهةِ والعبادةِ، {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا}. يقولُ: اتِّباعى ملَّةَ آبائي إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ على الإسلام، وتَرْكى {مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} ، مِن فضلِ اللهِ الذي تفضَّلَ به علينا، فأنْعَم إذ أكْرَمَنا به، {وَعَلَى النَّاسِ}. يقولُ: وذلك أيضًا مِن فضلِ اللهِ على الناسِ، إذ أرسَل

(3)

إليهم دُعاةً إلى تَوْحيدِه وطاعتِه، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}. يقولُ: ولكنّ مَن يَكْفُرُ باللَّهِ لا يَشْكُرُ ذلك مِن فضلِه عليه؛ لأنه لا يعلمُ مَن أنعَمَ به عليه، ولا يعرِفُ المُتَفضِّلَ به.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"في قوله".

(2)

سقط من: م، ت 1، ت 2، س، ف.

(3)

في ص، ت 2، س:"أرسلت"، وفى م:"أرسلنا".

ص: 162

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قالُ أهل التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني عليٌّ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} : أَنْ جَعَلَنا أنبياءَ {وَعَلَى النَّاسِ} . يقولُ: أن بَعَثَنا إليهم رسلًا

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ} : ذُكِرَ لنا أن أبا الدرداءِ كان يقولُ: يا رُبَّ شاكرٍ نعمةً غيرِ مُنْعِمٍ عليه لا يَدْرِى، ورُبَّ حاملِ فقهٍ غيرُ فقيهٍ

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} .

ذُكِرَ أن يوسفَ، صلواتُ اللهِ عليه، قال هذا القولَ للفَتَيَين اللذين دَخَلا معه السجنَ؛ لأن أحدَهما كان مشرِكًا، فَدَعاه بهذا القولِ إلى الإسلامِ، وتَركِ عبادةِ الآلهةِ والأوثانِ، فقال:{يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ} . يعنى: يا مَن هو في السجنِ. وجَعَلهما صاحبَيه؛ لكونِهما فيه، كما قال اللهُ لسكانِ الجنةِ: فـ {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 82]. وكذلك قال لأهلِ النارِ، وسَمَّاهم أصحابَها؛ لكونِهم فيها.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2145 (11614، 11615) من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 19 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2145 (11616) من طريق آخر عن قتادة به وفيه زيادة في أوله، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 19، 20 إلى أبي الشيخ.

ص: 163

وقولُه: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} . يقولُ: أعبادةُ أربابٍ شَتَّى مُتَفرِّقين وآلهةٍ لا تنفعُ ولا تضرُّ، خيرٌ أم عبادةُ اللهِ

(1)

المعبودِ الواحدِ الذي لا ثانيَ له في قدرتِه وسلطانِه، الذي قَهَرَ كلَّ شيءٍ، فَذَلَّلَه وسَخَّرَه، فأطاعَه طَوعًا وكَرْها؟!

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} إلى قولِه: {لَا يَعْلَمُونَ} . لمَّا عَرَف نبيُّ اللهِ يوسفُ أن أحدَهما مقتولٌ

(2)

، دَعاهما إلى حَظِّهما مِن ربِّهما، وإلى نصيبِهما مِن آخرتِهما

(3)

(4)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ} : يوسفُ يقولُه

(5)

.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ أبى جعفرٍ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، [قال: ثم]

(6)

دَعاهما إلى

(1)

سقط من: ص، م، ت 2، س، ف.

(2)

في ص، ت 2، س، ف:"مقبول". وينظر مصدر التخريج.

(3)

في ف: "أجريهما".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2146 (11619) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى أبى الشيخ.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى المصنف.

(6)

سقط من: ت 1.

ص: 164

اللهِ، وإلى الإسلامِ، فقال:{يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} . أي: خيرٌ أن تَعْبُدوا إلهًا واحدًا، أو آلهةً مُتفرِّقةً، لا تُغْنِى عنكم شيئًا؟

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)} .

يعنى بقولِه: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ} : ما تَعْبُدون مِن دونِ اللَّهِ.

وقال: {مَا تَعْبُدُونَ} ، وقد ابتدَأَ الخطابَ بخطابِ اثنين، فقال:{يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ} ؛ لأنه قَصَدَ المُخاطَبَ به، ومَن هو على الشِّرْكِ باللَّهِ مُقيمٌ مِن أهلِ مصرَ، فقال للمخاطَبِ بذلك: ما تَعْبُدُ أنت، ومَن هو على مثلِ ما أنت عليه مِن عبادةِ الأوثانِ. {إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ}: وذلك تَسْمِيتُهم أوثانَهم آلهةً أربابًا، شِرْكًا منهم، وتَشْبِيهًا لها في أسمائِها التي سمَّوها بها باللهِ، تعالى عن أن يكونَ له مِثْلٌ أو شَبيهٌ، {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}. يقولُ: سَمَّوها بأسماءٍ لم يأذَنْ لهم بتَسْميتِها بها

(1)

، ولا وَضَعَ لهم على أن تلك الأسماءَ أسماؤُها دلالةً ولا حجةً، ولكنها اختلاقٌ منهم لها وافتراءٌ.

وقولُه: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} . يقولُ: وهو الذي أَمَر ألا تَعْبدوا أنتم وجميعُ خلقِه إلا الله الذي له الألوهةُ والعبادةُ خالصةً دونَ كلِّ ما سِواه مِن الأشياءِ.

كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ بن أنسٍ، عن أبي العاليةِ في قولِه: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا

(1)

سقط من: م.

ص: 165

تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}. قال: أُسِّسَ الدينُ على الإخلاصِ للهِ وحدَه لا شريكَ له

(1)

.

وقولُه: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} . يقولُ: هذا الذي دعوتُكما إليه مِن البراءةِ مِن عبادةِ ما سِوي اللَّهِ مِن الأوثانِ، وأن تُخْلِصا العبادةَ للهِ الواحدِ القهارِ - هو الدينُ القويمُ الذي لا اعْوجاجَ فيه، والحقُّ

(2)

لا شكَّ

(3)

فيه. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} . يقولُ: ولكنَّ أكثرَ

(4)

أهلِ الشركِ باللَّهِ يَجْهَلُون ذلك، فلا يَعْلَمون حقيقتَه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)} .

يقولُ جل ثناؤُه مخبرًا عن قيلِ يوسفَ للَّذَين دَخلا معه السجنَ: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} . هو الذي رأى أنه يعصِرُ خمرًا، فيَسْقى ربَّه - يعنى سيِّدَه، وهو مَلِكُهم - خمرًا، يقولُ: يكونُ صاحبَ شَرابِه.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} . قال: سيِّدَه

(5)

.

{وَأَمَّا الْآخَرُ} وهو الذي رأى أن على رأسِه خبزًا تأكُلُ الطيرُ منه،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2146 (11621) من طريق الربيع به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى أبى الشيخ.

(2)

بعده في م: "الذي".

(3)

في ت 2: "شرك".

(4)

سقط من: م.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى المصنف.

ص: 166

{فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} ، فذُكِر أنه لمَّا عَبَر ما أخبَراه [به أنهما رأياه]

(1)

في منامِهما، قالا له: ما رَأَينا شيئًا. فقال لهما: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} . يقولُ: فُرِغَ مِن الأمرِ الذي فيه اسْتَفْتَيتُما، ووَجَب حكمُ اللَّهِ عليكما بالذي أخبَرتُكما به.

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ العلمِ

(2)

.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن عمارةَ، عن إبراهيمَ، عن عبدِ اللَّهِ، قال: قال اللذان دَخَلا السجنَ على يوسفَ: ما رأَينا شيئًا. فقال: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}

(3)

.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن عمارةَ بن القَعْقاعِ، عن إبراهيمَ، عن عبدِ اللَّهِ:{قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} . قال: لمَّا قالا ما قالا، أخبَرهما، فقالا: ما رَأَينا شيئًا. فقال: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} .

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ فُضيلٍ، عن عمارةَ، عن إبراهيمَ، عن علقمةَ، عن عبدِ اللَّهِ في الفَتَيَين اللَّذين أَتَيا يوسفَ والرؤيا: إنما كانا تَحالَما ليُجَرِّباه،

(1)

سقط من: ت 2.

(2)

في ت 1، ف:"التأويل".

(3)

تفسير سفيان ص 142، 143، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 346 من طريق سفيان به، وزاد في إسناده (الأسود) بين إبراهيم، وابن مسعود.

ص: 167

فلما أَوَّلَ رُؤْياهما قالا: إنما كُنَّا نلعَبُ. قال: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن عمارةَ، عن إبراهيمَ، عن عبدِ اللهِ، قال: ما رأى صاحبا يوسفَ شيئًا، إنما كانا تَحالما ليُجَرِّبا علمَه، فقال أحدُهما: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا

(2)

}. وقال الآخرُ: {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} . قال: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} . فلما عَبَر، قالا: ما رَأَينا شيئًا. قال: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} : على ما عَبرَ يوسفُ.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: قال لمجلثَ: أما أنت فتُصْلَبُ فتأكُلُ الطيرُ مِن رأسِك. وقال لنبو: أما أنت فتُردُّ على عملِك، فيَرْضَى عنك صاحبُك، {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} . أو كما قال

(3)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: {فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}

(4)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 343، 344، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2148 (11632) من طريق محمد بن فضيل به.

(2)

في ص، م، س، ف:"عنبا".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2147 (11628). ولكنه قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. فذكره.

(4)

كذا في النسخ، والظاهر أن ههنا سقطا من الكلام.

ص: 168

نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال:{قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} . عندَ قولِهما: ما رَأَينا رُؤْيا، إنما كُنَّا نلعبُ. قال: قد وَقَعَت الرؤيا على ما أَوَّلتُ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} . فَذَكَر مثلَه

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال يوسفُ للذى عَلِمَ أنه ناجٍ من صاحبَيه اللَّذين اسْتَعْبَراه الرؤيا: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . يقولُ: اذْكُرْني عندَ سَيِّدِك، وأخْبِرْه بمظْلِمَتى، وأنى محبوسٌ بغيرِ جُرْمٍ.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: قال - يعني لنبو -: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . أي: اذكُرُ للمَلِكِ الأعظمِ مَظْلِمتى وحَبْسى في غير شيءٍ. قال: أفعلُ.

حدَّثنا محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ:{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . قال: للَّذى نَجَا مِن صاحبى السجنِ؛ يوسفُ يقولُ: اذكُرْني عندَ المَلِكِ

(2)

(1)

تفسير مجاهد ص 396، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى أبى الشيخ.

(2)

في ت 2: "ربك". والأثر في تفسير مجاهد ص 396، 397، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2148 (11636)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 21 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.

ص: 169

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يحيى بنُ يَمانٍ، عن سفيانَ، عن جابرٍ، عن ابن سابطٍ

(1)

: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . قال: عندَ مَلِكِ الأرضِ

(2)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} : يعنى بذلك المَلِكَ

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} : الذي نَجا مِن صاحبى السجنِ

(4)

؛ يقولُ يوسفُ له

(5)

: اذكُرْنى للملكِ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبَرنا العَوَّامُ بنُ حوشبٍ، عن إبراهيمَ التَّيميِّ: إنه لمَّا انتُهى

(6)

إلى بابِ السجنِ، قال له [صاحبٌ له: حاجَتَك]

(7)

؛ أوصِني بحاجَتِك. قال: حاجتى أن تَذْكُرَنى عندَ رَبِّك. سِوَى

(8)

(1)

في م: "أسباط".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى أبي الشيخ.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى المصنف.

(4)

بعده في م: "للملك".

(5)

سقط من: م.

(6)

بعده في م، والدر المنثور:"به".

(7)

في ت 1: "صاحبه".

(8)

في م، والدر المنثور:"ينوى".

ص: 170

الربِّ [الذي ملك]

(1)

يوسفَ

(2)

.

وكان قتادةُ يوجِّهُ معنى الظنِّ في هذا الموضعِ، إلى الظَّنِّ الذي هو خلافُ اليقينِ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} : وإنما عبارةُ الرؤيا

(3)

بالظَّنِّ، فيُحِقُّ اللَّهُ ما يشاءُ ويُبْطِلُ ما يشاءُ

(4)

.

وهذا الذي قاله قتادةُ؛ مِن أن عبارةَ الرؤيا ظَنٌّ، فإن ذلك كذلك مِن غيرِ الأنبياءِ، فأَمَّا الأنبياءُ فغيرُ جائزٍ منها أن تُخْبِرَ بخبرٍ عن أمرٍ أنه كائنٌ ثم لا يكونُ، أو أنه غيرُ كائنٍ ثم يكونُ، مع شهادتها على حقيقةِ ما أخْبَرَت عنه أنه كائنٌ أو [غيرُ كائنٍ]

(5)

؛ لأن ذلك لو جاز عليها في أخبارِها، [لم يؤمَنْ مثلُ ذلك في كلِّ أخبارِها، وإذا لم يؤمَنْ ذلك في أخبارِها]

(5)

، سَقَطَت حُجَّتُها على مَن أُرسِلت إليه، فإذ كان ذلك كذلك، كان غيرُ جائزٍ عليها أن تُخْبِرَ بخبرٍ إلا وهو حقٌّ وصِدْقٌ؛ فمعلومٌ، إذ كان الأمرُ على ما وصفتُ، أن يوسفَ لم يقطَع الشهادةَ على ما أخبَرَ الفَتَيَين اللذَين اسْتَعْبَراه أنه كائنٌ، فيقولُ لأحدِهما:{أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} . ثم يؤكِّدُ ذلك بقولِه: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} . عندَ قولِهما: لم نَرَ شيئًا. إلا وهو على يقينٍ أن ما أخبَرهما

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"قال". وغالب الظن أنها تصحفت عن كلمة "مالك"، والمثبت من م موافق لما في الدر المنثور.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى المصنف.

(3)

بعده في ت 2: "ظن فإن ذلك".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(5)

سقط من: ت 2.

ص: 171

بحُدُوثِه وكونِه، أنه كائنٌ لا محالةَ، لا شكَّ فيه، وليَقينِه بكونِ ذلك، قال للناجِي منهما:{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . فبَيِّنٌ إذن بذلك فسادُ القولِ الذي قاله قتادةُ في معنى قولِه: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا} .

وقولُه: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} : وهذا خبرٌ مِن الله جل ثناؤُه عن غفلةٍ عَرَضَت ليوسفَ

(1)

مِن قِبَل الشيطانِ، نَسِيَ لها ذكرَ ربِّه الذي لو به اسْتَغاثَ لأسْرَعَ بما هو فيه خَلاصُه، ولكنه زَلَّ بها فأطالَ مِن أَجْلِها في السجنِ حَبْسَه، وأوجَعَ لها عقوبتَه.

كما حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا جعفرُ بنُ سليمانَ الضُّبَعيُّ، عن بِسْطامِ بن مسلمٍ، عن مالكِ بن دينارٍ، قال: لما قال يوسُفُ للساقي: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . قال: قيل: يا يوسُفُ، أَتَّخَذْتَ مِن دونِى وكيلًا! لأُطِيلَن حبسَك

(2)

. فبكى يوسُفُ وقال: يا ربِّ أَنْسَى قلبى كثرةُ البَلْوَى، فقلتُ كلمةً، فويلٌ لإخوتى

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا ابن عُيينةَ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن عكرمةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أنه - يعنى يوسُفَ - قال الكلمةَ التي قال، ما لبِث في السجنِ طولَ ما لبِث"

(4)

.

(1)

سقط من: ت 1.

(2)

في ت 2: "سجنك". وبعده في ص: "قال".

(3)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 344، وأخرجه ابن أبي الدنيا في العقوبات (158) من طريق عبد العزيز القرشى به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2149 (11638) من طريق جعفر بن بسطام عن مالك، عن الحسن. وذكره السيوطي أيضا عن الحسن في الدر المنثور 4/ 20، 21 وعزاه إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 323، وفى أوله زيادة ستأتى في الصفحة 202، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى أبي الشيخ.

ص: 172

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابن عُلَيَّةَ، قال: ثنا يونُسُ، عن الحسنِ، قال: قال نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رحِم اللهُ يوسُفَ، لولا كلمتُه ما لبِث في السجنِ طولَ ما لبِث". يعنى قولَه: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . قال: ثم يَبْكِي الحسنُ، فيقولُ: نحن إذا نزَل بنا أمرٌ فزِعْنا إلى الناسِ

(1)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُليةَ، عن أبي رَجاءٍ، عن الحسنِ في قولِه:{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . قال: ذُكِر لنا أن نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لولا كلمةُ يوسُفَ ما لبث في السجنِ طولَ ما لبِث".

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو بنُ محمدٍ، عن إبراهيمَ بن يزيدَ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لو لم يَقُلْ - [يعنى يوسفَ]

(2)

- الكلمةَ التي قال، ما لبث في السجن طولَ ما لبث

(3)

، حيثُ يَبْتَغِى الفرجَ مِن عندِ غيرِ اللَّهِ

(4)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، قال: بَلَغنى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لو لم يَسْتَعِنْ يوسُفُ على ربِّه، ما لبِث في السجنِ طولَ ما لبِث"

(5)

.

(1)

أخرجه أحمد في الزهد ص 80، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2148 (11635) من طريق إسماعيل ابن علية به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ. وينظر البداية والنهاية 1/ 478، وتفسير ابن كثير 4/ 317.

(2)

في م: "يوسف يعنى". وفى س: "يوسف".

(3)

بعده في م: "يعني".

(4)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 344، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده - ومن طريقه الطبراني (11640) - وابن مردويه - كما في تخريج الكشاف 2/ 167 - وابن أبي الدنيا في العقوبات (160) من طريق عمرو بن محمد به بنحوه.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى المصنف وأبى الشيخ، وينظر تفسير ابن كثير 4/ 317، والبداية والنهاية 1/ 478.

ص: 173

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: ذُكِر لنا أن [نبيَّ اللهِ]

(1)

كان يقولُ: "لولا أن يوسُفَ اسْتَشْفَع على ربِّه، ما لبِث في السجنِ طولَ ما لبِث، ولكن إنما عُوقِب باسْتِشْفاعِه على ربِّه".

حدَّثني محمدُ بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: قال له: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . قال

(2)

: فلم يَذْكُره حتى رأَى الملكُ الرؤيا، وذلك أن يوسُفَ أنساه الشيطانُ ذكرَ ربِّه، وأَمَرَه بذكرِ

(3)

الملكِ، وابتغاء الفرجِ مِن عندِه، فلبِث في السجنِ بضعَ سِنينَ، بقولِه:{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} .

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه، غيرَ أنه قال:{فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} ؛ عقوبةً لقولِه: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} .

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَ حديثِ محمدِ بن عمرٍو سواءً.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَ حديثِ المُثَنَّى عن أبي حُذيفةَ

(4)

.

وكان محمدُ بنُ إسحاقَ يقولُ: إنما أَنْسَى الشيطانُ الساقيَ ذكر أمرِ يوسُفَ لملكِهم.

(1)

سقط من: ص.

(2)

سقط من: ت 2.

(3)

في ت 2: "بذلك".

(4)

تقدم في ص 170.

ص: 174

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لما خرَج - يعنى الذي ظنَّ أنه ناجٍ منهما

(1)

- رُدَّ على ما كان عليه، ورضِى عنه صاحبُه، فأنْساه الشيطانُ ذكْرَ ذلك للملكِ، الذي أمَرَه يوسُفُ أن يَذْكُرَه، فلبِث يوسُفُ بعدَ ذلك في السجنِ بضعَ سنينَ، يقولُ جلَّ ثناؤُه: فلبِث يوسُفُ في السجنِ؛ لقِيلِه

(2)

للناجي مِن صاحبَيِ السجنِ مِن القيلِ: اذْكُرْنى عندَ سيدِك - بضع سنينَ؛ عقوبةً مِن الله له بذلك.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في قدرِ البضْعِ الذي لبِث يوسُفُ في السجنِ؛ فقال بعضُهم: هو سبعُ سِنينَ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بن بشارٍ، قال: ثنا محمدٌ أبو عَثْمةَ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: لبِث يوسُفُ في السجنِ سبعَ سنينَ

(3)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} . قال: سبعَ سنينَ.

حدَّثنا الحسنُ، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخْبَرنا عِمْرانُ أبو الهُذَيْلِ الصَّنْعانيُّ، قال: سمِعْتُ وهْبًا يقولُ: أصاب أيوبَ البلاءُ سبعَ سنين، وتُرِك يوسفُ في السجنِ سبعَ سنينَ، وعُذِّب بختُنصرَ يَجولُ

(4)

في السِّباعِ سبعَ

(1)

بعده في ت 1: "قال: اذكرنى عند ربك"، وفى س، ف:"اذكرني عند ربك".

(2)

في ت 2: "بعد قيله".

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 323 عن معمر، عن قتادة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 21 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(4)

في تاريخ المصنف: "محول"، وفى الدر المنثور:"خون".

ص: 175

سنينَ

(1)

.

حدَّثنا

(2)

المُثَنَّى، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال زعَموا أنها - يعنى البضعَ - سبعُ

(3)

سِنينَ، كما لبِث يوسُفُ.

وقال آخرون: البضعُ ما بين الثلاثِ إلى التسعِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا سليمانُ، قال: ثنا أبو هلالٍ، قال: سمِعْتُ أبا قتادةَ يقولُ: البضعُ ما بينَ الثلاثِ إلى التسعِ

(4)

.

حدَّثنا وكيعٌ، قال: ثنا يحيى بنُ آدمَ، عن إسرائيلَ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{بِضْعَ سِنِينَ} . قال: ما بينَ الثلاثِ إلى التسعِ

(5)

.

وقال آخرون: بل هو ما دونَ العشرِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: قال ابن عباسٍ: {بِضْعَ سِنِينَ} : دونَ العشرةِ

(6)

.

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 344 بنفس السند، وهو في تفسير عبد الرزاق 1/ 323، ومن طريقه أحمد في الزهد ص 42 مقتصرا على ذكر أيوب، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 21 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"حدثني".

(3)

سقط من: ت 1، س، ف.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 21 إلى المصنف عن قتادة. وفى الدر (قتادة) وليس (أبا قتادة).

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2150 (11644) من طريق يحيى بن آدم به بنحوه. والأثر في تفسير مجاهد ص 397 من طريق ابن أبي نجيح عنه.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 21 إلى المصنف.

ص: 176

وزعم الفَرَّاءُ أن البضعَ لا يُذْكَرُ إلا مع عشرٍ

(1)

، ومع العشرين إلى التسعين، وهو نَيِّفٌ ما بين الثلاثةِ إلى التسعةِ، وقال: كذلك رأيْتُ العربَ تَفْعَلُ، ولا يَقولون: بضعٌ ومائةٌ، ولا بضعٌ وألفٌ، وإذا كانت للذُّكْرانِ قيل: بِضعٌ.

والصوابُ في البضعِ: مِن الثلاثِ [إلى التسعِ]

(2)

، إلى العشرِ، ولا يَكونُ دونَ الثلاثِ، وكذلك ما زاد على العَقْدِ إلى المائةِ، وما زاد على المائةِ فلا يكونُ فيه بضعٌ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)} .

يعنى جلَّ ذكرُه بقولِه: وقال ملكُ مصرَ: إنى أَرَى في المنامِ {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ} مِن البقرِ {عِجَافٌ} . وقال: إنى أَرَى. ولم يَذْكُرْ أنه رأَى في منامِه ولا في غيرِه؛ لتعارُفِ العرب بينَها في كلامِها إذا قال القائلُ منهم: أرَى أنى [أَفْعَلُ كذا وكذا. أنه خبرٌ عن رؤيتِه ذلك في منامِه، وإن لم يَذْكُرِ النومَ

(3)

، وأَخْرَج الخبرَ جلَّ ثناؤُه]

(4)

على ما قد جرَى به استعمالُ العربِ ذلك بينَهم.

{وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ} . يقولُ: وأرى سبعَ سُنبلاتٍ خُضْرٍ في منامي، {وَأُخَرَ}. يقولُ: وسبعًا أُخَرَ مِن السنبلِ {يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلأُ} . يقولُ: يا أيُّها الأشرافُ مِن رجالى وأصحابي، {أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ} فاعْبُروها {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا} عَبَرَةً.

(1)

في ت 2: "عشرة".

(2)

سقط من: ت 2.

(3)

في ص، س، ف:"اليوم".

(4)

سقط من: ت 1.

ص: 177

وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسْباطَ، عن السديِّ، قال: إن الله أَرَى الملكَ في منامِه رُؤْيَا هالَتْه، فرأى سبع بقراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهن سبعٌ عِجافٌ، وسبعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ، وأُخَرَ يابساتٍ، فجمَع السَّحَرةَ والكَهَنةَ والحُزاةَ

(1)

والقَافةَ

(2)

، فقصَّها عليهم، فـ {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ}

(3)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: ثم إن الملكَ الرَّيَّان بنَ الوليدِ، رأَى رُؤْياه التي رأَى

(4)

، فهالَتْه، وعرَف أنها رُؤْيا واقعةٌ، ولم يَدْرِ ما تأويلُها، فقال للمَلأِ حولَه مِن أهلِ مملكتِه:{إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} ، إلى قولِه:{بِعَالِمِينَ} .

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال المَلأُ الذين سأَلهم ملكُ مصرَ عن تعبيرِ رُؤْياه: رُؤْياك

(5)

(1)

في ت 1، ت 2، س:"الحراة". والحُزاةُ: جمع حاز، وهو الذي يحزر الأشياء ويقدرها بظنه. النهاية 1/ 380.

(2)

القافةُ: جمع قائف، وهو الذي يعرف الأنساب والآثار بفراسته. التاج (ق ى ف)، والتعريفات للجرجاني ص 73.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2150، 2151 (11648) من طريق أسباط به نحوه.

(4)

في ص، ت 1، س، ف:"أرى"، وفي ت 2:"أراها".

(5)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أو قال".

ص: 178

هذه {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} . يَعْنُون أَنها أَخْلاطُ رُؤْيا كاذبةٍ، لا حقيقة لها.

وهي جمعُ ضِغْثٍ، والضِّغْتُ أصلُه الحُزْمةُ مِن الحَشيشِ، تُشَبَّهُ

(1)

بها

(2)

الأحلامُ المختلطةُ، التي لا تأويل لها، والأحلامُ جمعُ حُلْمٍ، وهو ما لم يَصْدُقُ مِن الرُّؤْيا. ومِن الأضغاثِ قولُ ابن مقبلٍ

(3)

:

خَوْدٌ

(4)

كأَنَّ فِراشَها وُضِعَت به

أضغاثُ رَيْحَانٍ غَداةَ شَمالِ

(5)

ومنه قولُ الآخرِ

(6)

:

يَحْمِي

(7)

ذِمارَ

(8)

جَنِينٍ

(9)

قلَّ مانعُه

(10)

طاوٍ كضِغْثِ الخَلَا في البطنِ مُكْتَمِنِ

وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} . يقولُ: مُشْتَبِهةٌ

(11)

.

(1)

في ص، م، ت 2، ف:"يشبه".

(2)

في ت 1، ت 2، س:"به".

(3)

ديوان ابن مقبل ص 260.

(4)

الخَوْدُ: الفتاة الحسنة الخلق الشابة ما لم تصر نَصَفًا، وقيل: الجارية الناعمة، والجمع: خوداتٌ وخُودٌ. اللسان (خ و د).

(5)

الشَّمالُ: الريحُ التي تهب من ناحية القطب. اللسان (ش م ل).

(6)

هو ابن مقبل أيضًا، والبيت في ديوانه ص 310.

(7)

في ت 1، س:"يحيى".

(8)

في ت 1، ت 2، س:"دمار".

(9)

الجنين هنا يقصد به ولد الناقة. ينظر الديوان ص 310.

(10)

في ص: "مانعةٍ"، وفى س:"مايعة". وفى الديوان: "ما معه".

(11)

عزاه الشوكاني في فتح القدير 3/ 32 إلى المصنف.

ص: 179

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} : كاذبةٌ

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: لما قصَّ

(2)

الملكُ رُؤْياه التي رأَى على أصحابِه، قالوا:{أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} . أي: فعلُ الأحْلامِ.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} . قال: أخلاطُ أحلامٍ، {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ}

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أبي مَرْزُوقٍ، عن جُوَيْبرٍ، عن الضحاكِ، قال

(4)

: {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} : كاذبةٌ.

قال: ثنى المُحارِبيُّ، عن جُويبرٍ، عن الضحاكٍ:{قَالُوا أَضْغَاثُ} . قال: كذبٌ.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفَرَجِ، قال: سمِعْتُ أبا مُعاذٍ، قال: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعْتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} : هي الأحلامُ الكاذبةُ

(5)

.

وقولُه: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} . يقولُ: وما نحن بما تَئُولُ إليه

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 21 إلى المصنف. لكن بلفظ: قال: من الأحلام الكاذبة.

(2)

في ص: "قضى".

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 324 عن معمر به.

(4)

في ت 1، س، ف:"قالوا".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2151 (11650) من طريق أبي معاذ به.

ص: 180

الأحلامُ الكاذبةُ بعالِمين. والباءُ الأولى التي في التأويلِ مِن صلةِ العالمين، والتي في العالمين الباءُ التي تَدْخُلُ في الخبرِ مع ما التي بمعنى الجَحْدِ. ورُفعَ {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ}؛ لأن معنى الكلامِ: ليس هذه الرؤيا بشيءٍ، إنما هي أضْغَاتُ أحلامٍ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ

(1)

بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)}.

يقولُ تعالى ذكرُه: وقال الذي نجا مِن القتلِ من صاحبَيِ السجنِ، اللذين اسْتَعْبَرا يوسُفَ الرؤيا، {وَادَّكَرَ}

(2)

. يقولُ: وتذَكَّر ما كان نسِى مِن أمرِ يوسُفَ وذِكْرِ حاجتِه للملكِ، التي

(3)

كان سأَله عندَ تعبيره رُؤْياه أن يَذْكُرَها له بقولِه: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . {بَعْدَ أُمَّةٍ} : يعنى بعدَ حينٍ.

كالذي حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن عاصمٍ، عن أبي رَزِينٍ، عن ابن عباسٍ:{وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} . قال: بعدَ حِينٍ

(4)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن

(1)

في ص، ت 2:"اذكر" بذال معجمة، وهى قراءة الحسن البصرى. انظر الإتحاف ص 160، ومختصر الشواذ لابن خالويه ص 61.

(2)

في ص: "واذكر".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س:"الذي".

(4)

تقدم في 12/ 337، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 21 إلى الفريابي وأبي الشيخ وابن المنذر.

ص: 181

سفيانَ، عن عاصمٍ، عن

(1)

أبى رَزِينٍ، عن ابن عباسٍ مثلَه

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخْبَرنا الثوريُّ، عن عاصمٍ، عن

(3)

أبى رَزِينٍ، عن ابن عباسٍ مثلَه.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا

(4)

أبو بكرِ بنُ عياشٍ: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} : بعد حِينٍ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: أخْبَرنا سفيانُ، عن عاصمٍ، عن أبي رَزِينٍ، قال: {وَادَّكَرَ

(5)

بَعْدَ أُمَّةٍ}. قال: بعدَ حِينٍ

(6)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نُعَيْمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن عاصمٍ، عن أبي رَزِينٍ، عن ابن عباسٍ مثلَه

(7)

.

قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} . يقولُ: بعدَ حِينٍ.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمِّي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:{وَادَّكَرَ (5) بَعْدَ أُمَّةٍ} . قال: ذكَر بعدَ حينٍ.

(1)

بعده في ف: "ابن".

(2)

تقدم في 12/ 337.

(3)

تفسير عبد الرزاق، 1/ 324، وتقدم بلفظ آخر في 12/ 337.

(4)

في ص: "قال".

(5)

في ص: "واذكر".

(6)

تفسير سفيان ص 143.

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2151 (11653) من طريق أبي نعيم به، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 324 من طريق سفيان به. وتقدم بلفظ آخر عند المصنف في 12/ 337.

ص: 182

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن الحسنِ:{وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} : بعدَ حينٍ

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، عن الحسنِ مثلَه

(2)

.

[حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عفانُ، قال: ثنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، قال: ثنا سعيدُ بنُ أبي عَروبةَ، عن قتادةَ، عن الحسنِ مثلَه]

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وَادَّكَرَ

(4)

بَعْدَ أُمَّةٍ}: بعدَ حينٍ

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن كثيرٍ: {بَعْدَ أُمَّةٍ} : بعدَ حينٍ. قال ابن جريجٍ: وقال ابن عباسٍ: {بَعْدَ أُمَّةٍ} قال: بعدَ سِنينَ

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسْباطَ، عن السديِّ:{وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} . قال: بعدَ حينٍ

(1)

.

[حدَّثني المُثَنَّى، قال: حدَّثنا الحِمَّانيُّ، قال: حدَّثنا شريكٌ، عن سماكٍ، عن عكرمةَ:{وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} . قال

(5)

: بعدَ حينٍ]

(6)

(1)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 21 إلى المصنف.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 324 عن معمر به.

(3)

سقط من: ت 1.

(4)

في ص، س:"اذكر".

(5)

سقط من: ت 1.

(6)

سقط من: ص، م.

ص: 183

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شَريكٌ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ:{وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} : أي: بعدَ حِقْبةٍ

(1)

مِن الدهرِ.

وهذا التأويلُ على قراءةِ مَن قرَأ: {بَعْدَ أُمَّةٍ} بضمِّ الألفِ، وتشديدِ الميمِ، وهى قراءةُ القرأةِ في أمصارِ الإسلامِ.

وقد رُوِى عن جماعةٍ مِن المتقدِّمين أنهم قرَءوا ذلك: (بَعدَ أَمَهٍ) بفتح الألفِ، وتخفيفِ الميمِ وفتحِها، بمعنى: بعدَ نسيانٍ

(2)

. وذكَر بعضُهم أن العربَ تقولُ مِن ذلك: أمِه

(3)

الرجلُ يأْمَهُ أَمَهًا، إذا نسِى. وكذلك تأوَّله مَن قرَأ ذلك كذلك.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

(4)

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عفَّانُ، قال: ثنا همامٌ، عن قتادةَ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ أنه كان يَقْرَؤها

(5)

: (بعدَ أمهٍ)، ويُفَسِّرُها: بعدَ نسيانٍ

(6)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا بَهْزُ بنُ أَسَدٍ، عن همامٍ، عن قتادةَ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ أنه قرَأ:(بَعْدَ أَمَهٍ). يقولُ: بعد نِسيانٍ.

(1)

في ف: "حين".

(2)

هذه قراءة ابن عباس وزيد بن علي والحسن والضحاك وقتادة وأبو رجاء وشبيل بن عزرة والضبعي وربيعة بن عمرو: (بعد أمه)، بفتح الهمزة وتخفيف الميم مفتوحة وتنوين الهاء مكسورة، وهي شاذة. مختصر الشواذ لابن خالويه ص 28، والبحر المحيط 5/ 314، وإتحاف فضلاء البشر ص 160.

(3)

في ت 2، س:"أمة".

(4)

بعده في ص، ت 2:"وقرأه".

(5)

في م: "يقرأ".

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2152 (11657، 11658) من طريق همام به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 22 إلى ابن المنذر.

ص: 184

حدَّثني أبو غَسَّانَ مالكُ بنُ الخليلِ

(1)

اليَحْمَدِيُّ، قال: ثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عن أبي هارونَ الغنَويِّ، عن عكرمةَ أنه قرَأ: (بعدَ أمهٍ

(2)

). والأَمَهُ

(3)

النِّسيانُ

(4)

.

حدَّثني يعقوبُ وابنُ وكيعٍ قالا: ثنا ابن عُلَيَّةَ، قال: ثنا أبو هارونَ الغَنَويُّ، عن عكرمةَ مثلَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الوهَّابِ، قال: قال هارونُ، وثنى أبو هارونَ الغَنَويُّ، عن عكرمةَ:(بعدَ أمهٍ (2)): [بعدَ نسيانٍ]

(5)

.

[قال: ثنا عبدُ الوهَّابِ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن عكرمةَ: (وادَّكَر

(6)

بعدَ أَمَهٍ): بعدَ نسيانٍ]

(7)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن ابن عباسٍ: أي: بعدَ نسيانٍ

(8)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا [محمدُ بنُ]

(9)

ثورٍ، عن معمرٍ، عن

(1)

في ت 2: "الجليل"

(2)

في ت 1، ت 2، س:"أمةٍ".

(3)

في ت 1، ت 2، س:"الأمة".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 22 إلى المصنف.

(5)

في ت:2 "النسيان".

(6)

سقط من: ت 1، س، ف.

(7)

في ص: "اذكر".

(8)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2152 (11658) من طريق همام عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 22 إلى ابن المنذر.

(9)

في ت 1، س، ف:"أبو".

ص: 185

قتادةَ: (وادَّكَر بعدَ أَمَهٍ

(1)

). قال: مِن بعدِ نسيانِه

(2)

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو النعمانِ عارمٌ، قال: ثنا حمادُ بنُ زيدٍ، عن

(4)

عبدِ الكريمِ أبى أميةَ المُعَلِّمِ، عن مجاهدٍ أنه قرَأ:(وادَّكَر بعدَ أَمَهٍ (1))

(5)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أبي مرزوقٍ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ:(وادَّكَر بعدَ أمَهٍ (1)). قال: بعدَ نسيانٍ

(6)

.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعْتُ أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعْتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: (وادَّكَر بعد أَمَهٍ (1)). يقولُ: بعدَ نسيانٍ.

وقد ذُكِر فيها قراءةٌ ثالثةٌ، وهى ما حدَّثني به المُثَنَّى، قال: أخْبَرنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ

(7)

بنُ الزبيرِ، عن سفيانَ، عن حميدٍ، قال: قرَأ مجاهدٌ: (وادَّكَر بعدَ أَمْهٍ (1)) مجزومةَ الميمِ مخففةً

(8)

.

وكأن قارئَ ذلك كذلك أراد به المصدرَ، مِن قولِهم: أمِه يَأْمَهُ أمْهًا، وتأويلُ هذه القراءةِ نظيرُ تأويلِ من فتَح الألفَ والميمَ

(9)

.

(1)

في ت 1، ت 2، س، ف:"أمةٍ".

(2)

في ت 1: "نسيان".

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 324 عن معمر به.

(4)

بعده في ف: "عكرمة".

(5)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1126 - تفسير) من طريق جويبر به، وفى آخره زيادة: أي بعد نسيان.

(6)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1126 - تفسير) من طريق جويبر به.

(7)

في ت 1، س، ف:"العزيز". وعبد الله هو عبد الله بن الزبير الحميدى. ينظر تهذيب الكمال 11/ 185.

(8)

وهى قراءة شاذة.

(9)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 22 إلى المصنف وعبد بن حميد.

ص: 186

وقولُه: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} . يقولُ: أنا أُخْبِرُكم بتأويلِه، {فَأَرْسِلُونِ}. يقولُ: فأطْلِقونى أَمْضِى لآتِيَكم بتأويلِه مِن عندِ العالمِ به.

وفى الكلامِ محذوفٌ قد تُرِك ذكرُه استغناءً بما ظهَر عما تُرِك، وذلك: فأرْسَلوه فأتَى يوسُفَ، فقال له: يا يوسُفُ يا أيُّها الصدِّيقُ.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: قال الملكُ للملأِ حولَه: {إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} الآية. وقالوا له ما قالوا

(1)

، سمِع نبو

(2)

مِن ذلك ما سمِع، ومسألتَه عن تأويلِها، ذكَر يوسُفَ، وما كان عبَر له ولصاحبِه، وما جاء مِن ذلك على ما قال مِن قولِه، قال:{أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} . يقولُ اللهُ تعالى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} : أي: حِقْبةٍ مِن الدهرِ، فأتاه فقال: يا يوسُفُ، إن الملكَ قد رأَى كذا وكذا. فقصَّ عليه الرؤيا، فقال فيها يوسُفُ ما ذكَر اللهُ تعالى لنا في الكتابِ، فجاءهم مثلَ فَلَقِ الصبحِ تأويلُها، فخرَج نبو

(2)

مِن عندِ يوسُفَ، بما أفْتاهم به مِن تأويلِ رُؤْيا الملكِ

(3)

، وأخْبَره بما قال.

وقيل: إن الذي نجا منهما إنما قال: أرْسِلونى؛ لأن السجنَ لم يَكُنْ في المدينةِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسْباطَ، عن السدِّيِّ: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ

(4)

بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ}،

(1)

في م، ت 2، س، ف:"قال".

(2)

في ت 1، ت 2، س:"بنو". وينظر تاريخ الطبرى 1/ 343،345.

(3)

بعده في ت 1، ت 2، س:"حتى أتى الملك".

(4)

في ص: "اذّكر".

ص: 187

قال

(1)

: قال ابن عباسٍ: لم يَكُنِ السجنُ في المدينةِ، فانْطَلَق الساقى إلى يوسُفَ، فقال:{أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} . الآياتِ

(2)

.

قولُه: {أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} ، فإن معناه: أفْتِنا في سبعٍ بقراتٍ سِمانٍ رُئِين في المنامِ، يأْكُلُهن سبعٌ منها عَجافٌ، وفى سبعِ سُنْبِلاتٍ خُضْرٍ رُئِين أيضًا، وسبعٍ أُخَر منهن يابساتٍ.

فأما السَّمانُ مِن البقرِ، فإنها السِّنونُ المُخْصِبةُ.

كما حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} . قال: أما السَّمانُ فسِنونَ منها مُخْصِبةٌ. وأما السبعُ العِجافُ فسِنون مُجْدِبةٌ، لا تنبتُ شيئًا

(3)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} : فالسِّمانُ المخَاصِيبُ

(4)

، والبقراتُ العِجافُ هي السِّنون المُحولُ الجُدُوبُ

(5)

.

قولُه: {وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} . أما الخضرُ فهن السِّنون

(1)

سقط من: م، ت 1.

(2)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 345 بنفس الإسناد، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2152 (11661) من طريق أسباط به.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 324 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 22 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ. ويأتى تمامه في ص 193.

(4)

في ت 1، ت 2، س، ف:"المخاصب".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2152، 2153 (11662 - 11665) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة به نحوه.

ص: 188

المَخَاصِيبُ

(1)

، وأما اليابساتُ فهن الجُدُوبُ المُحُولُ.

والعِجافُ

(2)

جمعُ عَجِفٍ

(3)

، وهى المَهازِيلُ.

وقولُه: {لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} . يقولُ: كى أَرْجِعَ إلى الناسِ فأُخْبِرَهم، {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}. يقولُ: ليَعْلَموا تأويلَ ما سألْتُك عنه مِن الرؤيا.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال يوسُفُ لسائلِه

(4)

عن رُؤْيا الملكِ: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} . يقولُ: تَزْرَعون هذه السبعَ السنينَ كما كنتم تَزْرَعون سائرَ السنينَ قبلَها، على عادتِكم فيما مضَى.

والدأْبُ العادةُ، ومِن ذلك قولُ امرئِ القيسِ

(5)

:

كدأْبِك مِن أُمِّ الحُوَيْرِثِ قبلَها

وجارتِها أمِّ الرَّبابِ بمأْسَلِ

يعني: كعادتك منها.

وقولُه: {فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ} . وهذه

(6)

(1)

في ت 1: "المخاصب".

(2)

سقط من: ت 1، س.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"عجفة".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"لسائليه".

(5)

تقدم في 5/ 237.

(6)

في م، ف:"هذا".

ص: 189

مَشورةٌ أشار بها نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم على القومِ، ورأْىٌ رآه لهم صلاحًا؛ يأمُرهم

(1)

باسْتِبْقاء

(2)

طعامِهم.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: قال لهم نبيُّ اللهِ يوسُفُ

(3)

: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} الآية: فإنما أراد نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم البقاءَ

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)} .

يقولُ: ثم يَجِئُ مِن بعدِ السِّنينَ السبعِ التي تَزْرَعون فيها دأَبًا سِنون {سَبْعٌ شِدَادٌ} . يقولُ: جُدوبٌ قَحْطةٌ، {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ}. يقولُ: يُؤْكَلُ فيهن ما قدَّمتم في إعدادِ ما أعْدَدْتم لهن في السنين السبعةِ الخَصْبةِ، مِن الطعامِ والأقواتِ.

وقال جلَّ ثناؤُه: {يَأْكُلْنَ} . فوصَف السنين بأنهن يَأْكُلْن، وإنما المعنى أن أهلَ تلك

(5)

الناحية

(6)

يَأْكُلون فيهن

(7)

، كما قيل

(8)

:

(1)

في ت 1، ت 2، س:"بأمرهم".

(2)

في ت 1: "باستيفاء".

(3)

بعده في ص، ت 1، س:"و".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2153 (11670) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 22 إلى أبى الشيخ.

(5)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"البلاد".

(6)

في ت 1: "الناحية"، وفى س:"الناجية".

(7)

في ت 2: "فيها".

(8)

البيت في الأخبار الطوال 331، والدر الفريد 5/ 185 (مخطوط) بلا نسبة، ونسبه ابن عساكر في تاريخ دمشق 13/ 314 (مخطوط)، والعاملى في الكشكول 2/ 382 إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. وينظر صفة الصفوة 2/ 125.

ص: 190

نَهارُك يا مَغرُورُ سَهْوٌ وغَفْلَةٌ

وليلُك نومٌ والرَّدَى لك لازِمُ

فوصَف النهارَ بالسهوِ والغَفْلةِ، والليلَ بالنومِ، وإنما يُسْهَى في هذا ويُغْفَلُ فيه

(1)

، ويُنامُ في هذا؛ لمعرفةِ

(2)

المخاطَبِين بمعناه والمرادِ منه.

{إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ} . يقولُ: إلا يَسيرًا

(3)

مما تُحْرِزونه

(4)

.

والإحصانُ التَّصْييرُ في الحصنِ، وإنما المرادُ منه الإحْرازُ.

وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ قولَه:{يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} . يقولُ: يَأْكُلْن ما كنتم اتَّخَذْتم فيهن مِن القُوتِ {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ}

(5)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ} ، وهن الجُدوبُ المُحُولُ، {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ} .

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ

(1)

في ت 1، س، ف:"عنه".

(2)

في ص، ت 1، س، ف:"بمعرفة".

(3)

في ت 1: "قليلا".

(4)

في ت 2: "تخزنونه".

(5)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 324 عن معمر به، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2154 (11673) وهو تمام الأثر المتقدم في ص 188.

ص: 191

سَبْعٌ شِدَادٌ} [وهن الجُدُوبُ]

(1)

(2)

، {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ}: مما تَدَّخِرون

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ} . يقولُ: تَخْزُنون

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عباسٍ: {تُحْصِنُونَ} : تُحْرْزون.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ:{يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ} . قال: مما تَرْفَعون.

وهذه الأقوالُ في قولِه: {تُحْصِنُونَ} . وإن اخْتَلَفَت ألفاظُ قائليها فيه، فإن معانيَها مُتقاربةٌ، وأصلُ الكلمةِ وتأويلُها على ما بيَّنْتُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)} .

وهذا خبرٌ مِن يوسُفَ عليه السلام للقومِ، عما لم يَكُنْ في رؤيا

(5)

مَلكِهم، ولكنه مِن علمِ

(6)

الغيبِ الذي آتاه اللهُ دلالةً على نبوتِه، وحجةً على صدقِه.

(1)

سقط من: ت 2.

(2)

بعده في ص، ت 1، س، ف:"المحول".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2154 (11671، 11676) من طريق سعيد به.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2154 (11675) من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 22 إلى ابن المنذر.

(5)

في ت 1، س:"رؤياهم".

(6)

في ت 2: "عالم".

ص: 192

كما حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، قال: ثم زاده اللهُ علمَ سَنَةٍ لم يَسْأَلوه عنها، فقال:{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}

(1)

.

ويعنى بقولِه: {فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} : بالمطرِ والغيثِ.

وبنحوِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قوله:{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} . [قال: فيه يُغاثون بالمطرِ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ يزيدَ الواسطيُّ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ:{فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} . قال]

(3)

: بالمطرِ

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، قال: قال ابن عباسٍ: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ} . قال: أخْبَرَهم بشيءٍ لم يَسْأَلوه عنه، وكان اللهُ قد علَّمه إياه؛ {عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ}: بالمطرِ

(5)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن

(1)

تمام الأثر المتقدم ص 188.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 154 (11678) من طريق سعيد بن بشير بلفظ: "يغاث الناس بالمطر".

(3)

سقط من: ت 1.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 22 إلى المصنف وأبى الشيخ وسيأتي تمامه في ص 195 حاشية (3).

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 22 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 193

مجاهدٍ: {فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} بالمطرِ

(1)

.

وأما قولُه: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} . فإن أهلَ التأويلِ اخْتَلَفوا في تأويِله؛ فقال بعضُهم: معناه: وفيه يَعْصِرون العنبَ والسِّمْسِمَ وما أشبَه ذلك.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} . قال: الأعنابَ والدُّهْنَ

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، قال: قال ابن عباسٍ: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} السِّمْسِمَ دُهْنُا، والعنبَ خمرًا، والزيتونَ زيتًا

(3)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} . يقولُ: يُصِيبُهم غيثٌ

(4)

، فيَعْصِرون فيه العنبَ، ويَعْصِرون فيه الزيتَ، ويَعْصِرون مِن كلِّ الثَّمراتِ.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} . قال: يَعْصِرون أعنابَهم

(5)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسْباطَ، عن السديِّ:{وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} . قال: العنبَ.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 22 إلى المصنف.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2155 (11679) من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 22 إلى ابن المنذر.

(3)

تمام الأثر المتقدم في الصفحة السابقة.

(4)

في س، ف:"عنب".

ص: 194

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، [قال: ثنا محمدُ بنُ يزيدَ الواسطيُّ، عن جُوَيْبرٍ، عن الضحاكِ:{وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}

(1)

]. [قال: الزيتَ

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، [قال: حدثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} ]

(1)

(3)

. قال: كانوا يَعْصِرون الأعنابَ والثَّمراتِ

(4)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} . قال: يَعْضِرون الأعنابَ والزيتونَ والثمارَ مِن الخَصْبِ، هذا علمٌ آتاه اللهُ يوسُفَ لم يُسْأَلْ عنه

(5)

(6)

.

وقال آخرون: معنى قولِه: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} : وفيه يَحْلِبون.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى [فرجُ بنُ فضالةَ]

(7)

، عن عليّ بن أبى طلحةَ، عن ابن عباسٍ:{وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} . قال: فيه يَحْلِبون

(8)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: أخْبَرنا إسحاقُ

(9)

، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ أبى حمادٍ،

(1)

سقط من: ت 2.

(2)

تمام الأثر المتقدم في ص 193.

(3)

سقط من: م.

(4)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 324 عن معمر به.

(5)

سقط من: ت 2.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2155 (11681) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 22 إلى أبى الشيخ.

(7)

في النسخ: "فضالة". والمثبت من مصدرى التخريج وهو الفرج بن فضالة أبو فضالة. ينظر الأثر التالى وتهذيب الكمال 20/ 491.

(8)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1127 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2155 (11682) من طريق فرج بن فضالة به، ولفظ سعيد بن منصور:"تعصرون"، و"تحتلبون" بالتاء.

(9)

في ت 1: "ابن إسحاق".

ص: 195

قال: ثنا الفرجُ بنُ فَضالةَ، عن عليّ بن أبى طلحةَ، قال: كان ابن عباسٍ يَقْرَأُ

(1)

: (فيه [تَعْصِروا) بالتاءِ]

(2)

، يعنى تَحْتَلِبون

(3)

(4)

.

واخْتَلَفَت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأه بعضُ قرأةٍ أهلِ المدينةِ والبصرةِ والكوفةِ: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} بالياءِ

(5)

، بمعنى ما وصَفْتُ مِن قولِ مَن قال: عصرُ الأعنابِ والأدْهانِ.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفيين: (وفيه تَعْصِرون)

(6)

بالتاءِ

(7)

، وقرَأه بعضُهم:(وفيه يُعْصَرون). بمعنى: يُمْطَرون

(8)

.

وهذه قراءةٌ لا أَسْتَجِيرُ

(9)

القراءةَ بها؛ لخلافِها ما عليه قرأةُ الأمصارِ.

والصوابُ مِن القراءةِ

(10)

في ذلك أن لقارئِه الخيارَ في قراءتِه بأيِّ القراءتين الأُخْرَيَينْ شاء؛ إن شاء بالياءِ ردًّا على [الخبرِ به]

(11)

عن الناسِ، على معنى: فيه يُغاثُ الناسُ وفيه يَعْصِرون أعنابَهم وأدهانَهم، وإن شاء بالتاءِ ردًّا على قولِه:{إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ} ، وخطابًا به لمن خاطَبه بقولِه: {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا

(1)

في ت 2: "يقول".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"يعصرون" بالياء وقراءة: "تعصروا" شاذة.

(3)

في ص، ت 1، ف:"يحلبون"، وفى ت:2 "يجتلبون"، وفى س:"يحتلبون".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 22 إلى المصنف.

(5)

قرأ بها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر. السبعة لابن مجاهد ص 349.

(6)

في ت 2، س:"يعصرون".

(7)

قرأ بها حمزة والكسائى، المصدر السابق.

(8)

في ت 2: "تمطرون"، وقراءة:"يُعصَرون" قرأ بها جعفر بن محمد والأعرج وعيسى البصرى. البحر المحيط 5/ 316.

(9)

بعده في م، ت 1، ت 2، س، ف:"من".

(10)

في ت 2: "القول".

(11)

في ت 1، ت 2، س:"الخبرية".

ص: 196

مِمَّا تُحْصِنُونَ} - لأنهما قراءتان مُسْتَفِيضتان في قرأةِ الأمصارِ باتفاقِ المعنى، وإن اخْتَلَفت الألفاظُ بهما. وذلك أن المخاطَبِين بذلك كان لا شكَّ أنهم إذا

(1)

أُغِيثوا وعصَروا، أُغِيث الناسُ الذين كانوا بناحيتِهم وعصَروا، وكذلك كانوا إذا أُغِيث الناسُ بناحيتِهم وعصَروا، أُغِيث المخاطَبون وعصَروا. فهما متفقتا المعنى، وإن اخْتَلَفَت الألفاظُ بقراءةِ ذلك.

وكان بعضُ مَن لا علمَ له بأقوالِ السلفِ مِن أهلِ التأويلِ، ممن يُفَسِّرُ القرآنَ برأيِه على مذهبِ كلامِ العربِ، يُوَجِّهُ معنى قولِه:{وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} . إلى: وفيه يَنْجُون من الجَدْبِ والقَحْطِ بالغَيْثِ، ويَزْعُمُ أَنه مِن العَصَرِ، والعَصَرُ التي بمعنى المَنْجاةِ، مِن قولِ أبى زُبَيْدٍ الطائيِّ

(2)

:

صادِيًا يَسْتَغِيثُ غيرَ مُغاثٍ

ولقد كان عُصْرةَ المنجودِ

(3)

أي: المقهورِ، ومِن

(4)

قولِ لَبيدٍ

(5)

:

فبات [وأسْرَى]

(6)

القومُ آخرَ ليلِهم

وما كان وَفَّافًا بغيرِ مُعَصَّرٍ

(7)

وذلك تأويلٌ يَكْفِى

(8)

مِن الشهادةِ على خطئِه

(9)

خلافُه قولَ جميعٍ أهلِ العلمِ مِن الصحابةِ والتابعين.

(1)

سقط من: م.

(2)

البيت في أمالى اليزيدى ص 8، وجمهرة أشعار العرب 2/ 733، واللسان (ن ج د).

(3)

في ص، م:"الجنود". المنجود: الهالك والمغلوب. التاج (ن ج د).

(4)

في ت 2: "منه".

(5)

البيت في شرح ديوان لبيد ص 49، والتاج (ع ص ر)، وشطره الثاني في اللسان (ع ص ر).

(6)

في ت 1: "فأسرى".

(7)

في ت 1، س، ف:"مصير".

(8)

في ت 1، س:"يلقى".

(9)

في ت 1، ت 2، س، ف:"خطابه".

ص: 197

وأما القولُ الذي روَى الفرجُ بنُ فَضَالةَ، عن عليّ بن أبى طلحةَ، فقولٌ لا معنى له؛ لأنه خلافُ المعروفِ مِن كلامِ العربِ، وخلافُ ما يُعْرَفُ مِن قولِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: فلمَّا رجَع الرسولُ الذي أرْسَلوه إلى يوسُفَ - الذي قال: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} - فأخْبَرَهم بتأويلِ رُؤيا الملكِ عن يوسُفَ، علِم الملكُ حقيقةَ ما [أصابه يوسفُ]

(1)

مِن تأويلِ رُؤْياه، وصحةَ ذلك، وقال الملكُ: ائْتُونى بالذي عبَر رؤياىَ هذه.

كالذى حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: فخرَج نبو

(2)

مِن عندِ يوسُفَ بما أفْتاهم به مِن تأويلِ رؤيا الملكِ، حتى أتى الملكَ فأخْبَره بما قال، فلما أخْبَره بما في نفسِه بمثلِ النهارِ، وعرَف أن الذي قال كائنٌ كما قال، قال

(3)

: {ائْتُونِي بِهِ} .

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ، قال: لما أتَى الملكَ رسولُه قال: {ائْتُونِي بِهِ}

(4)

.

(1)

في م: "أفتاه به".

(2)

في ت 1، ت 2، س:"بنو".

(3)

سقط من: ت 1، س، ف.

(4)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 345، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2155 (11684) من طريق أسباط به.

ص: 198

وقولُه: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ} . يقولُ: فلما جاء

(1)

رسولُ الملكِ يَدْعُوه إلى الملكِ، {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}. يقولُ: قال يوسُفُ للرسولِ: ارْجِعْ إلى سيدِك، {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} ، وأبَى أن يَخْرُجَ مِع الرسولِ، [وإجابةَ]

(2)

الملكِ حتى يَعْرِفَ صحةَ أمرِه عندَه مما كانوا قذَفوه به مِن شأنِ النساءِ، فقال للرسولِ: سَلِ الملكَ ما شأنُ النسوةِ اللاتى قطَّعْن أيديَهن، والمرأةِ التي سُجِنْتُ بسببِها

(3)

؟

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن

(4)

إسحاقَ: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} ، والمرأةِ التي سُجِنْتُ [بسببِ أمرِها]

(5)

عما كان مِن

(6)

ذلك؟

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ، قال: لما أتَى الملكَ رسولُه فأخبَره، قال:{ائْتُونِي بِهِ} . فلما أتاه الرسولُ ودعاه إلى الملكِ، أبَى يوسُفُ الخروجَ معه، وقال:{ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} الآية؟ قال السديُّ: قال ابن عباسٍ: لو خرَج يوسُفُ يومَئِذٍ قبلَ أن يَعْلَمَ الملكُ بشأنِه، ما زالت في نفسِ العزيزِ منه حاجةٌ، يقولُ: هذا الذي راوَد

(1)

في م: "جاءه".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فأجابه".

(3)

في ص: "فيها"، وفى س، ف:"منها".

(4)

سقط من: ت 2.

(5)

في ت 2: "بسببها".

(6)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

ص: 199

امرأتَه

(1)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، عن رجلٍ، عن أبي الزِّنادِ، [عن الأعرجِ]

(2)

، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُ اللهُ يوسُفَ؛ إن

(3)

كان ذا أَناةٍ، لو كنتُ أنا المحبوسَ ثم أُرْسِل إليَّ، لخرَجْتُ سريعًا، إن كان لحَليمًا ذا أَناةٍ"

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ بشرٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو سلمةَ، عن أبي هريرةَ، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لو لبِثْتُ في السجنِ ما لبِث يوسُفُ، ثم جاءنى الداعى لأَجَبْتُه، إذ جاءه الرسولُ فقال: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} " الآية

(5)

.

حدَّثني يونُسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخْبَرنا ابن وهبٍ، قال: أخبَرنى سليمانُ بنُ بلالٍ، عن محمدِ بن عمرٍو، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمثلِه

(6)

.

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 345، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2155 (11684) من طريق أسباط به دون آخره، وتقدم أوله ص 198.

(2)

سقط من: م، ف. وينظر تهذيب الكمال 17/ 469.

(3)

في ت 2: "إذ"، وفى ف:"لو".

(4)

ذكره الزيلعى في تخريج الكشاف 2/ 168 عن ابن إسحاق به، وعزاه إلى المصنف، وقال: ورواه ابن مردويه من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن أبى بكر عن الزهرى

عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(5)

أخرجه النسائي في الكبرى (11254)، والحاكم 2/ 346، 347، وتمام في فوائده (1442 - الروض البسام) من طريق محمد بن عمرو به. وينظر ما تقدم في 12/ 511، وينظر أيضا البداية والنهاية 1/ 478، والسلسلة الصحيحة (1867، 1945).

(6)

تقدم تخريجه في 4/ 633، 634.

ص: 200

حدَّثنا زكريا بنُ أبانٍ المصريُّ

(1)

، قال: ثنا سعيدُ بنُ تَلِيدٍ

(2)

، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ القاسمِ، قال: ثنى بكرُ بنُ مُضَرَ، عن عمرِو بن الحارثِ، عن يونُسَ بن يزيدَ، عن ابن شِهابٍ، قال: أخبَرنى أبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، وسعيدُ بنُ المسيبِ، عن أبي هريرةَ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:"لو لبِثْتُ في السجنِ ما لبِث يوسُفُ لأَجَبْتُ الداعىَ".

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: أخبَرنى يونُسُ، عن ابن شِهابٍ، عن أبي سلمةَ بن عبدِ الرحمنِ، وسعيدِ بن المسيبِ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمثلِه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عفانُ بنُ مسلمٍ، قال: ثنا حمادٌ، عن محمدِ بن عمرٍو، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وقرَأ هذه الآيةَ:{ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} - قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لو كنتُ أنا لأَسْرَعْتُ الإجابةَ، وما ابْتَغَيْتُ

(3)

العُذْرَ"

(4)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجاجُ بنُ المِنْهالِ، قال: ثنا حمادٌ، عن ثابتٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومحمدُ بنُ عمرٍو، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قرَأ:{ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} الآية، فقال

(1)

في م: "المقرئ". وهو شيخ الطبرى، وتقدم في 4/ 633.

(2)

في ص، ف:"بليد"، وفى ت 2:"لبيد". وينظر تهذيب الكمال 11/ 29.

(3)

في ت 2: "انبعثت".

(4)

أخرجه أحمد 14/ 228، 15/ 25، 26 (8554، 9060) عن عفان به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 2155/ 7، 2156 (11685) من طريق حماد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 23 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه.

ص: 201

النبيُّ صلى الله عليه وسلم

(1)

: "لو [كنت، أنا لو]

(2)

بُعِث إليَّ، لأسْرَعْتُ في الإجابةِ وما ابْتَغَيْتُ العُذْرَ".

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخْبَرنا ابن عُيينةَ، عن عمرٍو بن دينارٍ، عن عكرمةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لقد عجِبْتُ مِن يوسُفَ وصبرِه وكرمِه، واللَّهُ يَغْفِرُ له، حينَ سُئِل عن البَقَراتِ العِجافِ والسِّمانِ، ولو كنتُ مكانَه ما أخبَرْتُهم بشيءٍ حتى أَشْتَرِطَ أن يُخْرِجونى، ولقد عجِبْتُ مِن يوسُفَ وصبرِه وكرمِه، واللَّهُ يَغْفِرُ له حينَ أتاه الرسولُ، ولو كنتُ مكانَه لبادَرْتُهم البابَ، ولكنه أراد أن يكونَ له العُذْرُ"

(3)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} : أَراد نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن لا يَخْرُجَ حتى يَكونَ له العذرُ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ قولَه:{ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} . قال: أراد يوسُفُ العذرَ قبلَ أن يَخْرُجَ مِن السجنِ

(4)

.

وقولُه: {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} . يقولُ: إن الله تعالى ذكرُه ذو علمٍ

(1)

بعده في ت 2: "أنا".

(2)

سقط من: م، ت 2.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 323 بزيادة تقدّمت في ص 172 وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2156 (11686) من طريق ابن عيينة به مختصرا.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 23 إلى المصنف وأبى عبيد وابن المنذر بزيادة: قال ابن جريج: وبين هذا وبين ذلك ما بينه. قال: وهذا من تقديم القرآن وتأخيره.

ص: 202

بصَنيعِهن وأفعالِهن التي

(1)

فعَلْن بى

(2)

ويَفْعَلْن بغيرى مِن الناسِ، لا يَخْفَى عليه ذلك كلُّه، وهو مِن وَرَاءِ جَزائِهن على ذلك.

وقيل: إن معنى ذلك: إن سيدى إطفيرَ العزيزَ زوجَ المرأةِ التي راوَدَتْنى عن نفسى، ذو علمٍ ببَراءتى مما قَرَفتنى

(3)

به مِن السوءِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ

(4)

لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)}.

وفى هذا الكلامِ متروكٌ، قد اسْتُغْنِى بدلالةِ ما ذُكِر عليه عنه

(5)

، وهو: فرجَع الرسولُ إلى الملكِ مِن عندِ يوسُفَ برسالتِه، فدعا الملكُ النِّسْوةَ اللاتى قطَّعْنَ أيديَهن، وامرأةَ العزيزِ، فقال لهن:{مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} ؟

كالذى حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ: فلمَّا جاء الرسولُ الملكَ مِن عندِ يوسُفَ بما أرسَلَه إليه، جمَع

(6)

النِّسوة، وقال:{مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} .

ويعنى بقولِه: {مَا خَطْبُكُنَّ} : ما كان أمْرُكن، وما كان شأنُكن {إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ}؟ فأَجَبْنَه فقُلْن:{حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} .

(1)

سقط من: م.

(2)

في ت 2، ف:"في".

(3)

في م: "قذفتنى". وقرفه: أي اتهمه. التاج (ق ر ف).

(4)

في ص: "حاشى" بالألف، وهى قراءة أبى عمرو وحده. السبعة ص 348.

(5)

سقط من: ت 2.

(6)

في م: "جميع".

ص: 203

{قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} . تقولُ: الآنَ تبَيَّن الحقُّ، وانكَشَف فظهَر، {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ

(1)

}، وإن يوسُفَ لمن الصادقين في قولِه:{هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} [يوسف: 26].

وبمثلِ ما قلْنا في معنى: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} - قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، قال: ثنا معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} . قال: تبَيَّن

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ

(3)

في قولِ اللَّهِ: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} : تبَيَّن

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن نُمَيْرٍ

(5)

، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبَابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

(1)

في ت 2: "نفسى".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2156 (11690) من طريق عبد الله به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن المنذر.

(3)

بعده في ت 2: "مثله".

(4)

تفسير مجاهد ص 397.

(5)

في ص، ف:"نمر".

ص: 204

[حدَّثني المُثَنَّى، [قال: ثنا إسحاقُ]

(1)

، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ أبى جعفرٍ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه]

(2)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} يقولُ

(3)

: الآن تبَيَّن الحقُّ

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

(5)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا معمرٌ

(6)

، عن قتادةَ:{الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} . قال: تبيَّن

(7)

(8)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ [محمدٍ، قال: حدَّثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: حدَّثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ]

(9)

: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} . قال: تبيَّن

(10)

.

حدَّثنا

(11)

ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسباطَ، عن السديِّ مثلَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبَرنا جويبرٌ، عن

(1)

سقط من: ت 1.

(2)

سقط من: ت 2.

(3)

سقط من: م.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2156 (11691) من طريق سعيد به بزيادة.

(5)

ينظر ما تقدم ص 202.

(6)

في ت 2: "محمد بن عمرو".

(7)

بعده في م: "حدثنا القاسم، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله" وهو تكرار.

(8)

تفسير عبد الرزاق 1/ 324.

(9)

في م: "يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة".

(10)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 23 إلى المصنف.

(11)

بعده في ت 2: "الحسن".

ص: 205

الضحاكِ مثلَه

(1)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: قالت راعيلُ امرأَةُ أطفيرَ

(2)

العزيزِ: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} . أي: الآن برَز الحقُّ وتبيَّن، {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} فيما كان قال يوسُفُ مما ادَّعَت عليه

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ، قال: قال الملكُ: ائْتُونى بهن. فقال: {مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} ؟ {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} ، ولكن امرأةُ العزيزِ أخبَرتْنا

(4)

أنها راوَدَتْه عن نفسِه

(5)

، ودخَل معها البيتَ، وحلَّ سراويلَه، ثم شدَّه بعدَ ذلك، فلا تَدْرِى

(6)

ما بدا له، فقالت امرأةُ العزيزِ:{الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ}

(7)

.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} : تبيَّن (1).

وأصلُ حَصْحَص "حصَّ". ولكن قيل: حَصْحَص. كما قيل: {فَكُبْكِبُوا} [الشعراء:94] في كُبُّوا. وقيل: كَفْكَف في "كَفَّ"، [وذَرْذَر في "ذَرَّ"]

(8)

. وأصلُ الحَصِّ: اسْتِئْصالُ الشئِ، يقالُ منه: حصَّ شعرَه. إذا اسْتَأْصَله

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 23 إلى المصنف.

(2)

في ص، ت 2:"أظفير". وينظر تاريخ الطبرى 1/ 346.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2157 (11692، 11694) من طريق سلمة به.

(4)

في ص، ت 2، س، ف:"أخبرها". والصواب ما أثبت.

(5)

في ص، ت 2، س، ف:"نفسها".

(6)

في ت 1، ت 2، ف:"ندرى"، وفى س:"يدرى".

(7)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 346 بنحوه. وينظر ما سيأتي في ص 214.

(8)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"ردرد في رد".

ص: 206

جَزًّا، وإنما أُرِيد في هذا الموضعِ بقولِه

(1)

: {حَصْحَصَ الْحَقُّ} : ذهَب الباطلُ والكذبُ فانْقَطَع، وتبَيَّن الحقُّ فظهَر.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)} .

يعنى بقولِه: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} : هذا الفعلُ الذي فَعَلْتُه، مِن ردِّى رسولَ الملكِ إليه، وترْكى إجابتَه والخروجَ إليه، ومسألتى إياه أن يَسْأَلَ النِّسوةَ اللاتى قطَّعْن أيديَهن، عن شأنِهن إذ قطَّعْن أيديَهن - إنما فعَلْتُه ليَعْلَمَ أنى لم أَخُنْه في زوجتِه، {بِالْغَيْبِ} . يقولُ

(2)

: لم أَرْكَبُ منها فاحشةً في حالِ غيبتِه عنى، وإذا لم يَرْكَبْ

(3)

ذلك بمَغيبِه

(4)

، فهو (2) في حالٍ مَشْهَدِه إياه أُخْرَى أن يَكونَ بعيدًا مِن ركوبِه.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: يقولُ يوسُفُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ} إطفيرُ

(5)

سيدُه {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} : أنى لم أَكُنْ لأُخالِفَه إلى أهلِه مِن حيثُ لا يَعْلَمُه

(6)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} ؛ يوسُفُ يقولُه

(7)

.

(1)

سقط من: م.

(2)

سقط من: ت 2.

(3)

من هنا خرم في المخطوطة (س) وينتهى في ص 385.

(4)

في ت 1: "في حال غيبته".

(5)

في ت 2: "إظفير"، وفى تفسير ابن أبي حاتم:"أطيفير".

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2157 (11697) من طريق سلمة به.

(7)

ينظر الأثر التالى.

ص: 207

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} ؛ يوسُفُ يقولُه: لم أَخُنْ سيدى

(1)

.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . قال: يوسُفُ يقولُه.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . قال: هذا قولُ يوسُفَ

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: ثنا هشيمٌ، عن إسماعيلَ بن سالمٍ، عن أبي صالحٍ في قولِه:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . [قال: هو يوسفُ، لم يَخُنِ العزيزَ في امرأتِه.

حدِّثت عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعت أبا معاذٍ يقولُ: حدَّثنا عبيدٌ

(3)

، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} ]

(4)

: هو يوسُفُ، يقولُ: لم أَخُنِ الملكَ بالغيبِ

(5)

.

وقولُه: {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} . يقولُ: فعَلْتُ ذلك ليعلَمَ سيدى

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 23 إلى المصنف وأبى عبيد وابن المنذر، وينظر تفسير الثورى ص 143.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 325 عن معمر به بزيادة. وينظر ما سيأتي في ص 214.

(3)

بعده في ت 2: "بن سليمان".

(4)

سقط من: م، س.

(5)

ذكره الطوسى في التبيان 6/ 154 عن الضحاك.

وهذا الرأى الذي ذهب إليه المصنف من أن ذلك من كلام يوسف عليه السلام قد ذهب بعض المفسرين إلى غيره؛ فقد استظهره ابن كثير وأبو حيان، اعتمادا على أن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك، ولم يكن يوسف عليه السلام عندهم بل بعد ذلك أحضره الملك. وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام. ينظر البحر المحيط 5/ 317، 318، وتفسير ابن كثير 4/ 320.

ص: 208

أنى لم أَخُنْه بالغيبِ، {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}. يقولُ:[فقلت ذلك ليعلَمَ سَيِّدى أنى لم أخُنْه بالغيبِ، {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}. يقولُ]

(1)

: وأن الله لا يُسَدِّدُ

(2)

صَنيعَ من خان الأماناتِ، ولا يُرْشِدُ فعالَهم في خيانتِهموها.

واتَّصَل قولُه: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . بقولِ امرأةِ العزيزِ: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} . لمعرفةِ السامعين لمعناه، كاتِّصالِ قولِ اللَّهِ تعالى:{وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النحل: 34). بقولِ المرأةِ: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً}. وذلك أن قولَه: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}. خبرٌ مبتدأٌ، وكذلك قولُ فرعونَ لأصحابِه في سورةِ الأعرافِ: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}. وهو متصلٌ بقولِ الملأِ: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} [الأعراف: 110].

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)} .

يقولُ يوسُفُ صلواتُ اللهِ عليه

(3)

: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} . مِن الخطأِ والزَّلَلِ فأُزَكِّيَها، {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}. يقولُ: إن النفوسَ - نفوسَ العبادِ - تَأْمُرُهم بما تَهْواه، وإن كان هواها في غيرِ ما فيه رضا اللهِ، {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}. يقولُ: إلا أن يَرْحَمَ ربِّي مَن شاء مِن خلقِه، فيُنْجِيَه مِن اتِّباعِ هواها، وطاعتِها

(4)

فيما تَأْمُره به مِن السُّوءِ، {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

(1)

سقط من: م، ت 1، ت 2، س.

(2)

في ت 2: "يُسَيد".

(3)

قد سبق ذكر الخلاف بين العلماء في القائل هل هو يوسف عليه السلام أم امرأة العزيز. وتنظر الصفحة السابقة.

(4)

في م، ف:"طاعته".

ص: 209

و"ما" في قولِه: {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} . في موضعٍ نصبٍ، وذلك أنه استثناءٌ مُنْقَطِعٌ عما قبلَه، كقولِه:{وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا} [يس: 43، 44] بمعنى: إلا أن يُرْحَموا، و"أن" إذا كانت في معنى المصدرِ تُضارِعُ "ما".

ويعنى بقولِه: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} . إِن اللَّهَ ذو صَفْحٍ عن ذنوبٍ مَن تاب مِن ذنوبِه، بتركِه عقوبتَه عليها، وفضيحتَه بها {رَحِيمٌ} به بعدَ توبتِه أن يُعَذِّبَه عليها.

وذُكِر أن يوسُفَ قال هذا القولَ، مِن أجلِ أن يوسُفَ لما قال:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . قال مِلَكٌ مِن الملائكةِ: ولا يومَ همَمْتَ بها؟! فقال يوسُفُ حينَئذٍ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} . وقد قيل: إن القائلَ ليوسُفَ: ولا يومَ همَمْتَ بها، فحلَلْتَ سَراويلَك؟! هو امرأةُ العزيزِ، فأجابها يوسُفُ بهذا الجوابِ.

وقيل: إن يوسُفَ قال ذلك ابتداءً مِن قِبَلِ نفسِه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن إسرائيلَ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ قال: لما جمَع الملكُ النسوةَ، فسأَلهن: هل راوَدْتُنَّ يوسُفَ عن نفسِه؟ {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} الآيةَ، قال يوسُفُ:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . قال: فقال له جِبريلُ: ولا يومَ همَمْتَ بما همَمْتَ؟! فقال: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}

(1)

.

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 346، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2157 (11693) من طريق =

ص: 210

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن إسرائيلَ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ قال: لما جمَع الملكُ النِّسْوةَ، قال لهن: أنتن راوَدْتُنَّ يوسُفَ عن نفسِه؟ ثم ذكَر سائرَ الحديثِ، مثلَ حديثِ أبى كُرَيْبٍ، عن وكيعٍ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عمرٌو، قال: أخبرنا إسرائيلُ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ قال: لما جمَع الملكُ

(1)

النسوةَ، قال: أنتن راوَدْتُن يوسُفَ عن نفسِه؟ ثم ذكَر نحوَه، غيرَ أنه قال: فغمَزه جِبريلُ، فقال: ولا حينَ همَمْتَ بها؟! فقال يوسُفُ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}

(2)

.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن مِسْعَرٍ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: لما قال يوسُفُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . قال جبريلُ أو مَلَكٌ: ولا يومَ [همَمْتَ بها]

(3)

؟! فقال: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}

(4)

.

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، قال: ثنا وكيعٌ، قال: ثنا مِسْعَرٌ، عن أبي

= سماك به بنحوه. والبيهقى في الشعب (7290)، والزهد (361) من طريق إسرائيل عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس بنحوه مطولا.

(1)

في ص، ت 1، ف:"فرعون".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2158 (11698) من طريق إسرائيل به بنحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 23 إلى الفريابى وابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

في ص، ت 1، ف:"هممت بما هممت به".

(4)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2158 عقب الأثر (11699) معلقا نحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 23 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 211

حَصِينٍ، [عن سعيدِ بن جبيرٍ بنحوِه، إلا أنه قال

(1)

: قال له المَلَكُ: ولا حينَ همَمْتَ بها

(2)

؟ ولم يَقُلْ: أو جبريلُ. ثم ذكَر سائرَ الحديثِ مثلَه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ]

(3)

، قال: ثنا محمدُ بنُ بشرٍ

(4)

وأحمدُ بنُ بَشِيرٍ، عن مِسْعَرٍ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . قال: فقال له الملكُ أو جبريلُ: ولا حينَ همَمْتَ بها؟ فقال يوسُفُ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} .

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن أبي سِنانٍ، عن ابن أبي الهُذَيْلِ، قال: لما قال يوسُفُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . قال له جبريلُ: ولا يومَ همَمْتَ [بما همَمْتَ به]

(5)

؟! فقال: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}

(6)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن أبي

(7)

سِنانٍ، عن ابن

(8)

أبى الهُذَيْلِ بمثلِه.

(1)

سقط من: ص، ف، وبعده في ت 2:"له".

(2)

في ص، ف:"به".

(3)

في ت 1: "عن أبي وكيع".

(4)

في ت 1: "بشير".

(5)

في ت 2: "بها".

(6)

عزاء السيوطي في الدر المنثور 4/ 23 إلى المصنف.

(7)

في ت 2: "ابن". وهو ضرار بن مرة الكوفى أبو سنان الشيبانى الكوفى. وينظر تهذيب الكمال 13/ 306.

(8)

سقط من: ص، ت 1، ن 2، ف. وهو عبد الله بن أبى الهذيل العنزى أبو المغيرة الكوفى، وينظر تهذيب الكمال 16/ 244.

ص: 212

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عمرٌو، قال: أخبرنا مِسْعَرٌ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، مثلَ حديثِ ابن وكيعٍ، عن محمدٍ بن بشرٍ وأحمدَ بن بَشيرٍ، سواءً.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا العَلاءُ

(1)

بنُ عبدِ الجبارِ، وزيدُ بنُ حُبابٍ، عن حمادِ بن سلمةَ، عن ثابتٍ، عن الحسنِ:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . قال له جبريلُ: اذْكُرْ همَّك

(2)

. فقال: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا عفَّانُ، قال: ثنا حمادٌ، عن ثابتٍ، عن الحسنِ:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . قال جبريلُ: يا يوسُفُ، اذْكُرُ همَّك. قال

(4)

: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}

(5)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا هُشيمٌ، عن إسماعيلَ بن سالمٍ، عن أبي صالحٍ في قولِه:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . قال: هذا قولُ يوسُفَ. قال: فقال له جبريلُ: ولا حينَ حلَلْتَ سَراويلَك؟ قال: فقال يوسُفُ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} الآية.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخْبرنا هُشيمٌ، عن إسماعيلَ بن سالمٍ، عن أبي صالحٍ بنحوِه.

(1)

في ت 2: "المعلا".

(2)

بعده في ت 1: "بها".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2158 (11703) من طريق مبارك عن الحسن نحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 23 إلى ابن المنذر. وأخرجه البيهقى في الزهد (315) من طريق مؤمل عن حماد عن ثابت عن أنس مرفوعا.

(4)

في ف: "فقال".

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 23 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ بزيادة.

ص: 213

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . ذُكِر لنا أن الملكَ الذي كان مع يوسُفَ قال له: اذْكُرُ ما همَمْتَ به، قال نبيُّ اللَّهِ:{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، قال: بلَغَنى أن المَلَكَ قال له حينَ قال ما قال: أتَذْكُرُ همَّك؟ فقال: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمةَ قولَه:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} . قال الملكُ، وطعَن في جنبِه: يا يوسُفُ، ولا حينَ همَمْتَ؟ قال: فقال: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}

(3)

.

‌ذكرُ مَن قال: قائلُ ذلك له المرأةُ

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} قال: قاله

(4)

يوسُفُ حينَ جِئ به ليُعْلِمَ العزيزَ أنه لم يَخُنْه بالغيبِ في أهلِه، {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}. فقالت امرأةُ العزيزِ: يا يوسُفُ، ولا يومَ حلَلْتَ سَراويلَك؟ فقال يوسُفُ:{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}

(5)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2158 (11702) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 325 عن معمر به. وتقدم أوله في ص 208.

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 320 عن عكرمة.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"قاله له".

(5)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 346 بنحوه، وفى أوله زيادة تقدمت في ص 206. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2157، 2158 (11696، 11701) من طريق أسباط به.

ص: 214

‌ذكرُ مَن قال: قائلُ ذلك يوسُفُ لنفسِه، مِن غيرِ تذكيرِ مذكِّرٍ ذكَّره، ولكنه تذكَّر ما كان سلَف منه في ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} . هو قولُ يوسُفَ لمَليكِه

(1)

حينَ أراه اللهُ عُذْرَه، فذكَّره أنه قد همَّ بها وهمَّت به، فقال يوسُفُ:{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} الآية

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: {وَقَالَ الْمَلِكُ} يعنى ملكَ مصرَ الأكبرَ، وهو فيما ذكَر ابن إسحاقَ [الوليدُ بنُ الريَّانِ]

(3)

.

حدَّثنا بذلك ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ عنه، حينَ تبيَّن عُذْرَ يوسُفَ، وعرَف أمانتَه وعلمَه. قال

(4)

لأصحابِه: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} . يقولُ: أَجْعَلْه من خُلَصائى دونَ غيرى

(5)

.

(1)

في ت 1، ف:"للملائكة"، وفى ت 2:"لملائكة".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2157 (11695) عن محمد بن سعد به دون آخره. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 23 إلى ابن المنذر، دون آخره أيضًا.

(3)

كذا في النسخ، وقد تقدم في 12/ 175 وسيأتي في 13/ 6:"الريان بن الوليد". وقد اختلف في اسمه، ففى تاريخ الطبرى 1/ 335، 363، والبداية والنهاية 1/ 467:"الريان بن الوليد"، ثم في تاريخ الطبرى 1/ 336، 343، والبداية والنهاية 1/ 484، وتفسير القرطبي 9/ 158، 217، وتفسير الثعالبى 2/ 236، وزاد المسير 4/ 227:"الوليد بن الريان".

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(5)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 335، 386. وأخرجه ابن أبي حاتم 7/ 2159 (11706) من طريق سلمة به.

ص: 215

وقولُه: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ} . يقولُ: فلمَّا كلَّم الملِكُ يوسفَ

(1)

وعرَف براءتَه، وعِظَمَ أمانتِه، قال له: إنك يا يوسُفُ {لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} . أي: مُتَمَكِّنٌ مما أرَدْتَ وعرَض لك مِن حاجةٍ قِبَلَنا؛ لرفعةِ مكانِك ومنزلتِك لدينا، أمينٌ على ما اؤْتُمِنْتَ عليه مِن شيءٍ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ، قال: لما وجَد الملكُ له عُذْرًا قال: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} .

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} . يقولُ: أَتَّخِذْه لنفسى

(2)

.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن أبي سِنانٍ، عن ابن

(3)

أبى الهُذَيْلِ، قال

(4)

: قال الملِكُ: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} . قال: قال له الملك: إنى أُرِيدُ [أن أُخْلِصَك لنفسى]

(5)

، غيرَ أنى آنَفُ أن تَأْكُلَ معى. فقال يوسُفُ: أنا أحقُّ أن آنَفَ؛ أنا ابن إسحاقَ. أو [قال: ابن]

(6)

إسماعيلَ - شك أبو جعفرٍ - وفى كتابى: ابن إسحاقَ ذبيحِ اللهِ

(7)

، ابن إبراهيمَ خليلِ اللهِ.

(1)

في ص، ت 1، ت 2:"ليوسف".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2159 (11709) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 24 إلى أبى الشيخ.

(3)

سقط من: ت 1، ت 2، ف.

(4)

سقط من: م، ت 1، ف.

(5)

في ت 1: "أن أخلك بنفسى"، وفى ت 2:"أخلطك بنفسى"، وفى ف:"أن أخاطبك بنفسى".

(6)

في م: "أنا ابن"، وفى ت 2:"قال"، وفى ف:"نال ابن".

(7)

ينظر الخلاف في اسم الذبيح في سورة الصافات الآية (102).

ص: 216

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنى أبى، عن سُفيانَ، عن أبي سِنانٍ، عن ابن أبي الهُذَيْلِ بنحوِه، [غيرَ أنه]

(1)

قال: أنا ابن إبراهيمَ خليلِ اللَّهِ، ابْنُ إسماعيلَ ذبيحِ اللَّهِ.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي سِنانٍ، عن عبدِ اللهِ بن أبى الهُذَيْلِ، قال: قال العزيزُ ليوسُفَ: ما مِن شيءٍ إلا وأنا أُحِبُّ أن تَشْرَكُنى فيه، إلا أنى أحبُّ أن لا تَشْرَكَنى في أهلى وأن لا [يَأْكُل معى عبدى]

(2)

. قال: أتَأْنَفُ أن آكُلَ معك؟ فأنا أحَقُّ أن آنَفَ منك، أنا ابن إبراهيمَ خليلِ اللَّهِ، وابنُ إسحاقَ الذبيحِ، وابنُ يعقوبَ الذي ابْيَضَّتْ عيناه مِن الحزنِ

(3)

.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا سفيانُ بنُ عقبةَ، عن حمزةَ الزَّيَّاتِ، عن أبى

(4)

إسحاقَ، عن أبي مَيْسَرةَ، قال: لما رأَى العزيزُ لَبَقَ يوسُفَ وكَيْسَه وظَرْفَه دعاه، فكان يَتَغَدَّى ويتعشَّى معه دونَ غِلمانِه، فلما كان بينَه وبينَ المرأةِ ما كان، قالت له: تُدْنى هذا! مُرْه فلْيَتَغَدَّ الغلمانِ. قال له: اذْهَبْ فتَغَدَّ [معى الغلمانِ]

(5)

. فقال له يوسُفُ في وجهِه: تَرْغَبُ أَن تَأْكُلَ معى - أو تَنْكَفَ - أنا والله يوسُفُ بنُ يعقوبَ [نبيِّ اللهِ]

(6)

، ابن إسحاقَ ذبيحِ اللهِ، ابن إبراهيمَ خليلِ

(1)

سقط من: ت 2، وفى ص، ت 1، ف:"به".

(2)

في ف: "تأكل معى عندى".

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1129 - تفسير) من طريق أبى سنان به دون ذكر إبراهيم، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2159 (11707) من طريق سفيان عن أبي سنان عن ابن أبي الهذيل عن ابن عباس نحوه دون ذكر يعقوب. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 24 إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبى الشيخ عن ابن عباس.

(4)

في ص، م، ف:"ابن". وهو عمرو بن عبد الله بن عبيد، أبو إسحاق السبيعى. وينظر تهذيب الكمال 22/ 102.

(5)

زيادة من: م.

(6)

سقط من: ت 1.

ص: 217

اللهِ

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)} .

يقولُ جلَّ ثناؤُه: قال يوسُفُ للملِكِ: اجْعَلْنى على خَزائنِ أَرضِك. وهى جمعُ خِزانةٍ، والألفُ واللامُ دخَلَتا في الأرضِ خَلَفًا مِن الإضافةِ، كما قال الشاعرُ

(2)

:

.....................

..... والأحلامُ غيرُ عَوازِبٍ

وهذا مِن يوسُفَ صلواتُ اللهِ عليه مسألةٌ منه للملكِ أن يُوَلِّيَه أمرَ طعامِ بلدِه وخَراجِها، والقيامَ بأسبابِ بلدِه، ففعَل ذلك الملكُ به فيما بلَغَنى.

كما حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} . قال: كان لفرعونَ خَزائنُ كثيرةٌ غيرُ الطعامٍ، قال: فأسْلَم سلطانَه كلَّه إليه، وجعَل القضاءَ إليه، أمرُه وقضاؤُه نافذٌ

(3)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا إبراهيمُ بنُ المختارِ، عن شَيْبَةَ الضَّبِّيِّ في قولِه:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} . قال: على حفظِ الطعامِ

(4)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 24 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(2)

تقدم تخريجه في 4/ 337.

(3)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 347، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 24 إلى ابن أبي حاتم.

(4)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 347 مطولًا. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2160 (11712) من طريق إبراهيم به بلفظ أثر ابن زيد السابق، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 24 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ بلفظ: جميع الطعام. وإبراهيم ضعيف.

ص: 218

وقولُه: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} . اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: إنى حفيظٌ لما اسْتَوْدَعْتَنى، عليمٌ بما ولَّيْتَنى.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} : إنى حافظٌ لما اسْتَوْدَعْتَنى، عالمٌ بما ولَّيْتَنى. قال: قد فعَلْتُ

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} . يقولُ: حفيظٌ لما وُلِّيتُ، عليمٌ

(2)

بأمرِه

(3)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا إبراهيمُ بنُ المختارِ، عن شَيْبةَ الضَّبِّيِّ في قولِه:{إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} . يقولُ: إنى حفيظٌ لما اسْتَوْدَعْتَنى، عليمٌ (2) بِسِنِيِّ المَجاعةِ

(4)

.

وقال آخرون: إنى حافظٌ للحسابِ، عليمٌ (2) بالألسنِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن الأشْجَعيِّ:{إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} : حافظٌ للحسابِ، عليمٌ بالألسنِ

(5)

.

وأولى القولين عندَنا بالصوابِ قولُ مَن قال: معنى ذلك: إنى حافظٌ لما

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2160، 2161 (11714، 11720) من طريق سلمة به.

(2)

في ت 2: "عليهم".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2160 (11713، 11716) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة.

(4)

في ت 1، ف:"الجماعة".

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 24 إلى المصنف وأبى الشيخ. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2160 (11715، 11718) من طريق عمرو.

ص: 219

اسْتَوْدَعْتَنى، عالمٌ بما أوْلَيْتَنى؛ لأن ذلك عَقِيبُ قولِه:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} ومسألتِه الملكَ اسْتِكْفاءَه خَزائنَ الأرضِ. فكان إعلامُه بأنَّ عندَه خبرةً في ذلك، وكفايتِه إياه، أشبهَ مِن إعلامِه حِفْظَه الحسابَ ومعرفتَه بالألسنِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: وهكذا وطَّأْنا ليوسُفَ في الأرضِ - [يعنى أرضَ مصرَ]

(1)

- {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} . يقولُ: يَتَّخِذُ مِن أَرضِ مصرَ مَنْزِلًا حيث يَشاءُ، بعدَ الحبسِ والضِّيقِ، {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} مِن خَلقِنا، كما أصَبْنا يوسُفَ بها، فمكَّنَّا له في الأرضِ بعد العُبودةِ والإسارِ، وبعد الإلقاءِ في الجُبِّ، {وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. يقولُ: ولا نُبْطِلُ جزاءَ عملِ مَن أحْسَن، فأطاع ربَّه، وعمِل بما أمَرَه وانْتَهَى عما نهاه عنه، كما لم نُبْطِلْ جزاءَ عملِ يوسُفَ، إذ أحْسَن فأطاع اللَّهَ.

وكان تَمْكينُ اللهِ ليوسُفَ في الأرضِ، كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لما قال يوسُفُ للملك: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} . قال الملكُ: قد فعَلْتُ. فولَّاه - فيما يَذْكُرون - عملَ إطفيرَ، وعزَل إطفيرَ عما كان عليه، يقولُ اللهُ:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} الآيةَ.

قال: فذُكِر لى - واللهُ أعلمُ - أن إطفيرَ هلَك في تلك الليالى، وأن الملكَ الريانَ بنَ الوليدِ زوَّج يوسُفَ امرأةَ إطفيرَ راعيلَ، وأنها حينَ دخَلَت عليه، قال: أليس

(1)

في ص، ت 2:"يعنى في أرض ملك مصر".

ص: 220

هذا خيرًا مما كنتِ تُرِيدين؟ قال: فيَزْعُمون أنها قالت: أيُّها الصِّدِّيقُ، لا تَلُمْنى؛ فإنى كنتُ امرأةً كما تَرَى [حَسْناءَ جَمْلاءَ]

(1)

، ناعمةً في مُلْكٍ ودُنْيا، وكان صاحبى لا يَأْتى النساءَ. وكنتَ كما جعَلَك اللهُ في حُسْنِك وهيئتِك، فغلَبَتْنى نفسى على ما رأيْتَ، فيَزْعُمون أنه وجَدها عَذْراءَ. فأصابها، فولَدَت له رجلين؛ أفراييمَ

(2)

بنَ يوسُفَ، ومنشا

(3)

بنَ يوسفَ

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} . قال: اسْتَعْمَله الملكُ على مصرَ، وكان صاحبَ أمرِها، وكان يَلِى البيعَ والتجارةَ، وأمْرَها كلَّه، فذلك قولُه:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ}

(5)

.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} . قال: [ملَّكْناه فيما]

(6)

يَكونُ فيها حيث يشاءُ مِن [تلك الدنيا]

(7)

، يَصْنَعُ فيها ما يَشاءُ؛ [فُوِّضَت إليه]

(8)

. قال: ولو شاء أن يَجْعَلَ [فرعونَ مِن]

(9)

(1)

في م: "حسنا وجمالا". والجملاء: الجميلة المليحة. اللسان (ج م ل).

(2)

في م: "أفراثيم"، وفى ت 1:"أفرايتم"، وفى ت 2:"أفراهيم".

(3)

في م، ت 1، ت 2:"ميشا".

(4)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 347، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2161 (11720، 11723) من طريق سلمة به.

(5)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 347، 348، وأخرجه ابن أبي حاتم 7/ 2161 (11719) من طريق أسباط به.

(6)

في ص، ت 1:"ملكناه فيها"، وفى ت 2، ف:"مكناه فيها".

(7)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"ملك الدنيا".

(8)

في ص، ف:"فوصفت"، وفى ت 1، ت 2:"فوضعت".

(9)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

ص: 221

تحتِ يديه، ويَجْعَلَه فوقَه، لَفعَل

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرٌو، قال: أخبرنا هُشَيْمٌ، عن أبي إسحاقَ الكُوفيِّ، عن مجاهدٍ، قال: أسْلَم الملكُ الذي كان معه يوسُفُ

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: ولثَوابُ اللهِ في الآخرةِ: {خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا} . يقولُ: للذين

(3)

صدَّقوا الله ورسولَه مما أَعْطَى يوسُفَ في الدنيا مِن تَمْكينِه له في أرضِ مصرَ {وَكَانُوا يَتَّقُونَ} . يقولُ: وكانوا يَتَّقون اللَّهَ فيَخافون عقابَه في خلافِ أمرِه، واسْتِحلالِ مَحارمِه، فيُطِيعونه في أمرِه ونهيِه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: وجاء إخوةُ يوسفَ فدخَلوا عليه، فعرَفهم يوسُفُ، وهم ليوسُفَ مُنكِرون، لا يَعْرِفونه.

وكان سببُ مَجيئِهم يوسُفَ، فيما ذُكِر لى، كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لما اطْمَأَنَّ يوسُفُ في ملكِه، وخرَج مِن البلاءِ الذي كان فيه، وخلَت السِّنون المُخْصِبةُ، التي كان أمَرَهم بالإعدادِ فيها للسنين التي

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2161 (11721، 11723) من طريق أصبغ بن الفرج عن ابن زيد.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 24 إلى المصنف.

(3)

في ت 2: "الذين".

ص: 222

أخْبَرهم بها أنها كائنةٌ

(1)

، جُهِد

(2)

الناسُ في كلِّ وجهٍ، وضرِبوا إلى مصرَ يَلْتَمِسون بها المِيرةَ مِن كلِّ بَلْدةٍ، وكان يوسُفُ حينَ رأَى ما أصاب الناسَ مِن الجَهْدِ، قد آسى

(3)

بينَهم، وكان لا يُحَمِّلُ للرجلِ إلا بعيرًا واحدًا، ولا يُحَمِّلُ للرجلِ

(4)

بعيرين؛ تَقْسيطًا بينَ الناسِ، وتَوسيعًا عليهم، فقدِم إخوتُه [فيمَن قَدِم]

(5)

عليه مِن الناسِ يَلْتَمِسون المِيرةَ مِن مصرَ، فعرَفهم، وهم له مُنْكرون، لِما أراد اللَّهُ أَن يَبْلُغَ ليوسُفَ عليه السلام فيما

(6)

أراد

(7)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ، قال: أصاب الناسَ الجوعُ، حتى أصاب بلادَ يعقوبَ التي هو بها، فبعَث بنيه إلى مصرَ، وأمْسَك أخا يوسُفَ بنيامينَ، فلمَّا دخَلوا على يوسُفَ عرَفهم، وهم له مُنْكِرون، [فلمَّا نظَر إليهم](5)، قال: أخْبِرونى ما أمْرُكم، فإنى أُنْكِرُ شأنَكم؟ قالوا: نحن قومٌ مِن أرضِ الشامِ، قال: فما جاء بكم؟ قالوا: جئْنا نمتارُ طعامًا. قال: كذَبْتُم، أنتم عُيونٌ، كم أنتم؟ قالوا: عشرةٌ. قال: أنتم عشرةُ آلافٍ، كلُّ رجلٍ منكم أميرُ ألفٍ، فأخْبِرونى خبرَكم. قالوا: إنا إخْوةٌ، بنو رجلٍ صِدِّيقٍ، وإنا كنا اثنى عشَرَ، وكان أبونا يُحِبُّ أخًا لنا، وإنه ذهَب معنا البَرِّيَّةَ، فهلَك منا فيها، وكان أحبَّنا

(8)

إلى أبينا. قال:

(1)

في ت 1، ف:"كانت".

(2)

في ت 2: "جهز". وجهد الناس: أجدبوا. التاج (ج هـ د).

(3)

في م: "أسا". وآسى بينهم: سوَّى بينهم. اللسان (أ س و).

(4)

بعده في م: "الواحد".

(5)

سقط من: ت 2.

(6)

في م: "ما".

(7)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 349، دون أوله.

(8)

في ت 2: "أخينا".

ص: 223

فإلى

(1)

مَن سكَن

(2)

أبوكم بعدَه؟ قالوا: إلى أخٍ لنا أصغرَ منه. قال: فكيف تُخْبِروننى أن أباكم صِدِّيقٌ، وهو يُحِبُّ الصغيرَ منكم دون الكبيرٍ؟ ائْتُونى بأخيكم هذا، حتى أَنْظُرَ إليه {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ}. قالوا:{سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} قال: فضعُوا بعضَكم رَهينةً حتى تَرْجِعوا، فوضَعوا شمعونَ

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} . قال: لا يَعْرِفونه

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59)} .

يقولُ: ولما حمَّل يوسُفُ لإخوتِه أباعرَهم مِن الطعامِ، [فأوْقر لكلِّ]

(5)

رجلٍ منهم بعيرَه، قال لهم:{ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} كيما أُحَمِّلَ لكم بعيرًا آخرَ، فتَزْدادوا به حِمْلَ بعيرٍ آخرَ، {أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ} فلا أَبْخَسُه أحَدًا؟ {وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ}: وأنا خيرُ مَن أنْزَل ضيفًا على نفسِه مِن الناسِ بهذه البَلْدةِ، فأنا أُضِيفُكم.

(1)

في ت 1، ت 2، ف:"قال".

(2)

بعده في ت 1: "إليه".

(3)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 348، 349، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2163، 2164 (11735، 11741) من طريق أسباط به. وقوله: "قال: فضعوا بعضكم رهينة". قال ابن كثير في تفسيره 4/ 323: في هذا نظر؛ لأنه أحسن إليهم ورغبهم كثيرا، وهذا لحرصه على رجوعهم.

(4)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 325 - ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2163 (11731) - عن معمر به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 25 إلى ابن المنذر.

(5)

في ص، ت 1، ت 2:"فأوقروا كل". وأوقر فلانٌ الدابة إيقارا: حمَّلها حملا ثقيلا. اللسان (و ق ر).

ص: 224

كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} : يوسفُ يقولُه

(1)

: أنا خيرُ مَن يُضِيفُ بمصرَ

(2)

.

حدَّثني ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لما جهَّز يوسُفُ فيمَن جهَّز مِن الناسِ، حمَّل لكلِّ رجلٍ منهم

(3)

بعيرًا بعِدَّتِهم

(4)

، ثم قال لهم

(3)

: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} أَجْعَلْ لكم بعيرًا آخرَ، أو كما قال، {أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ}. أي: لا أَبْخَسُ الناسَ شيئًا، {وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ}. أي: خيرٌ لكم مِن غيرى، فإنكم إن أتَيْتُم به، أَكْرَمْتُ منزلتَكم

(5)

، وأحْسَنْتُ إليكم، وازْدَدْتُم به بعيرًا مع عِدَّتِكم، فإنى لا أُعْطِى كلَّ رجلٍ منكم إلا بعيرًا، {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ}

(6)

: لا تَقْرَبوا بلدى

(7)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} . يعنى بنيامينَ، [وهو]

(8)

أخو يوسُفَ لأبيه وأمِّه

(9)

.

(1)

في م: "يقول".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 25 إلى المصنف.

(3)

سقط من: ت 2.

(4)

سقط من: ت 1، ت 2.

(5)

في ت 2: "منزلكم".

(6)

في ص: "تقربونى".

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2163، 2164 (11733، 11736، 11739، 11740) من طريق سلمة به.

(8)

سقط من: ت 2.

(9)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2163 (11734) من طريق سعيد به.

ص: 225

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60)} .

يقولُ تعالى ذكرُه مُخْبرًا عن قيلِ يوسُفَ لإخوتِه: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ}

(1)

[بأخيكم مِن أبيكم]

(2)

{فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي} . يقولُ: فليس لكم عندى طعامٌ أَكِيلُه لكم فلا تقربون. يقولُ: فلا تَقْرَبوا بلادى.

وقولُه: {وَلَا تَقْرَبُونِ} . في موضعِ جزمٍ بالنهى، والنونُ في موضعِ نصبٍ، وكُسِرَت لمَّا حُذِفَت ياؤُها، والكلامُ: ولا تَقْرَبونى.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ

(3)

اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)}.

يقولُ تعالى ذكرُه: قال إخوةُ يوسُفَ ليوسُفَ، إذ قال لهم:{ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ}

(4)

: سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أبَاهُ، ونَسْأَلُه أَن يُخَلِّيَه معنا، حتى نَجِئَ به إليك، {وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ}. يعنون بذلك: وإنا لَفاعِلون ما قلْنا لك أنَّا نَفْعَلُه، مِن مُراوَدةِ أبينا عن أخينا منه، ولَنَجْتَهدَنَّ

(5)

.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} :

(1)

سقط من: ت 1.

(2)

سقط من: ت 2.

(3)

في ص، ت 2:"لفتيته". وهى قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو وابن عامر، وعاصم في رواية أبى بكر عنه. وينظر السبعة ص 349.

(4)

بعده في م: "قالوا".

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"لنجهدن". وهما بمعنى.

ص: 226

لنَجْتَهِدَنَّ

(1)

(2)

.

وقولُه: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} يقولُ تعالى ذكرُه: وقال يوسُفُ {لِفِتْيَانِهِ}

(2)

وهم غِلْمانُه.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ}

(3)

، [أي: لغلمانِه]

(4)

(5)

.

{اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} . يقولُ: اجْعَلوا أثمانَ الطعامِ التي

(6)

أخَذْتُموها منهم، في رحالهم.

و"الرِّحالُ" جمعُ "رَحْلٍ"، وذلك جمعُ الكثيرِ، فأما القليلُ مِن الجمعِ منه، فهو "أرْحُلٌ"، وذلك جمعُ ما بينَ الثلاثةِ إلى العشرةِ.

وبنحوِ الذي قلْنا في معنى البضاعةِ قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} . أي: أوراقَهم

(7)

.

(1)

في ص، ت 1 ف:"لنجهدن". وينظر مصدر التخريج.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2164 (11742) من طريق سلمة به.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"لفتيته".

(4)

سقط من: ت 2.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2165 (11743) من طريق سعيد به.

(6)

في م: "الذي".

(7)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 349، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2165 (11744) من طريق سعيد به.

ص: 227

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: ثم أمَر ببضاعتِهم التي أعْطاهم بها ما أعطاهم من الطعامِ، [فجُعِلَت في رحالِهم، وهم لا يَعْلَمون

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ

(2)

، قال]

(3)

: وقال لفِتْيتِه، وهو يَكِيلُ لهم: اجْعَلوا بضاعتَهم في رحالِهم، لعلَّهم يَعِرفونها إذا انقلَبوا إلى أهلِهم، لعلَّهم يرجِعون إليَّ

(4)

.

فإن قال قائلٌ: ولأيَّةِ علةٍ أمَر يوسُفُ فِتْيانَه أن يَجْعَلوا بضاعةَ إخوتِه في رحالِهم؟

قيل: يَحْتَمِلُ ذلك أوجهًا:

أحدُها: أن يَكونَ خشِى ألا يَكونَ عندَ أبيه دراهمُ - إذ كانت السنةُ سنةَ جَدْبٍ وقَحْطٍ - فيَضُرَّ أخْذُه ذلك منهم به، وأحَبَّ أن يَرْجِعوا

(5)

إليه.

و

(6)

أراد أن يَتَّسِعَ بها أبوه وإخْوتُه، مع حاجتِهم إليه، فردَّه عليهم مِن حيث لا يَعْلَمون سببَ ردِّه؛ تكرُّمًا وتفضُّلًا.

والثالثُ: وهو أن يكونَ أراد بذلك ألا يُخْلِفوه الوعدَ في الرجوعِ، إذا وجَدوا في رحالِهم ثمنَ طعامٍ قد قبَضوه، وملَكَه عليهم غيرُهم، عِوَضًا مِن طعامِه

(7)

،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2165 (11746) من طريق سلمة به.

(2)

سقط من: ت 2.

(3)

سقط من: ت 1.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2165 (11745، 11748) من طريق أسباط به.

(5)

في ص، م، ت 2، ف:"يرجع".

(6)

في م: "أو". وقد تأتى الواو بمعنى "أو". وينظر مغنى اللبيب 1/ 33.

(7)

في م: "طعامهم".

ص: 228

ويَتَحَرَّجوا مِن إمساكِهم ثمنَ طعامٍ قد قبضَوه، حتى يُؤَدُّوه

(1)

على صاحبِه، فيكونَ ذلك أدْعَى لهم إلى العودِ إليه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: فلمَّا رجَع إخوةُ يوسُفَ [إلى أبيهم]

(2)

قالوا: {يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} .

يقولُ: مُنِع منا الكيلُ فوقَ الكيلِ الذي كِيل لنا، ولم يُكَلْ لكلِّ رجلٍ منا إلا كيلُ بعيرٍ، فأرسل معنا أخانا بنيامينَ يَكُتَلْ لنفسِه كيلَ بعيرٍ آخرَ، زيادةً على كيلِ أباعِرِنا، {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} مِن أن يَنالَه مكروهٌ في سفرِه.

وبنحوِ الذي قُلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ: فلمَّا رجَعوا إلى أبيهم قالوا: يا أبانا، إن ملكَ مصرَ أكْرَمَنا كرامةً ما

(3)

لو كان رجلٌ مِن ولدِ يعقوبَ ما أكْرَمَنا كرامتَه، وإنه ارْتَهَن شمعونَ، وقال: ائْتُونى بأخيكم هذا الذي عكَف

(4)

عليه أبوكم بعدَ أخيكم الذي [هلَك، فإن لم تَأْتونى به فلا تَقْرَبوا بلادى. قال يعقوبُ: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ]

(5)

مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ

(1)

في ت 1: "يردوه".

(2)

سقط من: ت 2.

(3)

سقط من: ت 2.

(4)

في مصدرى التخريج: "عطف".

(5)

سقط من: ت 2.

ص: 229

حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}

(1)

. قال: فقال لهم يعقوبُ: إذا أتَيْتُم مَلِكَ مصرَ فأقْرِئوه منى السلامَ، وقولوا له

(2)

: إن أبانا يُصَلِّي عليك، ويَدْعُو لك بما أوْلَيْتَنا

(3)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: خرَجوا حتى قدِموا على أبيهم، وكان مَنزِلُهم، فيما ذكَر لى بعضُ أهلِ العلمِ، بالعَرَباتِ

(4)

من أرضِ فِلَسْطِينَ بغَوْرِ الشامِ، وبعضٌ يقولُ: بالأوْلاجِ

(5)

مِن ناحيةِ الشِّعْبِ أسفلَ مِن حِسْمَى

(6)

، وكان صاحبَ باديةٍ، له شاءٌ وإبلٌ، فقالوا: يا أبانا، قدِمْنا على خيرٍ رجلٍ، أنْزَلَنا فأكْرَم مُنزَلَنا، وكال لنا فأوْفانا ولم يَبْخَسْنا، وقد أَمَرَنا أن نأتِيَه بأخٍ لنا مِن أبينا، وقال: إن أنتم لم تَفْعَلوا فلا تَقْرَبُنِّي

(7)

، ولا تَدْخُلُنَّ

(8)

بلدى. فقال لهم يعقوبُ: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا

(9)

وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}

(10)

.

واخْتَلَفَت القرأةُ في قراءةِ قولِه: {نَكْتَلْ} ؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ أهلِ

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"حفظا". وهى قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبى بكر. ينظر السبعة ص 350.

(2)

سقط من: ص، م، ت 1، ف.

(3)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 349، 350، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2165، 2166 (11749) من طريق أسباط به، إلى قوله:"فلا تقربوا بلادى".

(4)

في ت 2: "بالعريات". وينظر معجم البلدان 3/ 632.

(5)

في ت 2: "بالألواح". وينظر معجم البلدان 1/ 407.

(6)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"حسو". وحسمى: أرض ببادية الشام. معجم البلدان 2/ 267.

(7)

في ت 2: "تقربوننى".

(8)

في ت 2: "تدخلوا".

(9)

في ت 1، ت 2:"حفظا".

(10)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 350، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2166 (11750) من طريق سلمة به.

ص: 230

المدينةِ، وبعضُ أهلِ مكةَ والكوفةِ:{نَكْتَلْ} بالنونِ، بمعنى: نَكْتَلْ نحن وهو.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ أهلِ الكوفةِ: (يَكْتَلْ) بالياءِ، بمعنى يَكْتَلْ هو لنفسه، كما نَكتالُ لأنفسِنا

(1)

.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، مُتَّفِقتا المعنى، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ الصوابَ

(2)

، وذلك أنهم إنما أخْبَروا أباهم، أنه مُنع منهم زيادةُ الكيلِ على عددِ رءوسِهم، فقالوا:{يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} ، ثم سأَلوه أن يُرْسِلَ معهم أخاهم؛ ليَكْتالَ لنفسِه، فهو إذا

(3)

اكْتال لنفسِه، واكْتالوا هم لأنفسِهم فقد دخَل الأخُ في عِدادِهم

(4)

، فسواءٌ كان الخبرُ بذلك عن خاصَّةِ نفسِه، أو عن جميعِهم بلفظِ الجميعِ، إذ كان مفهومًا معنى الكلامِ، وما أُرِيد به.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا

(5)

وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)}.

يقولُ تعالى ذكرُه: قال أبوهم يعقوبُ: {هَلْ آمَنُكُمْ} على أخيكم مِن أبيكم الذي تَسْأَلونى أن أُرْسِلَه معكم، {إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ} يوسُفَ، {مِنْ قَبْلُ}. يقولُ: مِن قبلِه.

(1)

قرأ حمزة والكسائى وخلف بالياء وقرأ الباقون بالنون. النشر 2/ 222.

(2)

سقط من: ص.

(3)

في م: "إذن".

(4)

في ص، م، ف:"عددهم".

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"حفظًا".

ص: 231

واخْتَلَفَت القرأةُ في قراءةِ قولِه: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا}

(1)

؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ وبعضُ الكوفيين والبصريين: (فاللَّهُ خيرٌ حِفْظًا). بمعنى: واللهُ خيرُكم حِفْظًا.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفيين وبعضُ أهلِ مكةَ: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا} بالألفِ، على توجيهِ الحافظِ إلى أنه تفسيرٌ للخيرِ

(2)

، كما يقالُ: هو خيرٌ رجلًا، والمعنى: فاللهُ خيرُكم حافظًا، ثم حُذِفَت الكافُ والميمُ

(3)

.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان مُتَقارِبتا المعنى، قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما أهلُ علمٍ بالقرآنِ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ، وذلك أن مَن وصَف الله بأنه خيرُهم حفظًا، فقد وصَفه بأنه خيرُهم حافظًا، ومَن وصَفَه بأنه خيرُهم حافظًا فقد وصَفه بأنه خيرُهم حفظًا.

{وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} . يقولُ: واللهُ أرحمُ راحمٍ بخلقِه، يَرْحَمُ ضَعْفِى على كِبَرِ سِنِّى، ووَحْدتى بفقدِ ولدى [ولا]

(4)

يُضَيِّعُه، ولكنه يَحْفَظُه، حتى يَرُدَّه عليَّ برحمتِه

(5)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)} .

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"حفظا".

(2)

في ت 2: "الخير"، وفى ف:"للخبر".

(3)

قرأ حمزة والكسائى وخلف وحفص: {حافظا} بألف. وقرأ الباقون بغير ألف وكسر الحاء. النشر 2/ 222.

(4)

في م: "فلا".

(5)

في ص، ت 2:"لرحمته بى"، وفى م، ف:"لرحمته".

ص: 232

يقولُ تعالى ذكرُه: ولما فتَح إخوةُ يوسُفَ متاعَهم الذي حمَلوه مِن مصرَ مِن عندِ يوسُفَ {وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ} ، وذلك ثمنُ الطعامِ الذي اكْتالوه منه، {رُدَّتْ إِلَيْهِمْ} ، قالوا:{يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} . يعنى أنهم قالوا لأبيهم: ماذا نَبْغى؟ هذه بضاعتُنا رُدَّت إلينا. تَطْييبًا منهم لنفسِه

(1)

، بما صُنِع [بهم في ردِّ]

(2)

بضاعتِهم إليه

(3)

.

وإذا وُجِّه الكلامُ إلى هذا المعنى كانت "ما" استفهامًا في موضعِ نصبٍ بقولِه: {نَبْغِي} . وإلى هذا التأويلِ كان يُوَجِّهُه قتادةُ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{مَا نَبْغِي} . يقولُ: ما نَبْغى وراءَ هذا؟ إن بضاعتَنا رُدَّت إلينا، وقد أُوفِى لنا الكيلُ

(4)

.

وقولُه: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} . يقولُ: ونَطْلُبُ لأهلِنا طعامًا، فنَشْتَرِيه لهم. يقالُ منه: مار فلانٌ أهلَه يَمِيرُهم مَيْرًا. ومنه قولُ الشاعرِ

(5)

:

بعَثْتُك مائِرًا فمَكَثْتَ حولًا

متى يَأْتِى غِياثُك مَن تُغِيثُ

{وَنَحْفَظُ أَخَانَا} الذي تُرْسِلُه معنا، {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ}. يقولُ: ونَزْدادُ على أحمالِنا الطعامِ حِمْلَ بعيرٍ، يُكالُ لنا ما حمَل بعيرٌ آخرُ مِن إبلِنا، {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ}. يقولُ: هذا حِمْلٌ يسيرٌ.

(1)

في ص، ت 2، ف:"بنفسه".

(2)

في ت 1: "برد".

(3)

كذا في النسخ. لعله يريد: إلى يعقوب. أو أنه خطأ والصواب: إليهم.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2166 (11753) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى أبى الشيخ.

(5)

البيت في الدر الفريد 3/ 71 غير منسوب. والبيت قالته عائشة بنت سعد بن أبى وقاص - وكانت قد أرسلت مولى لها يقال له: فند؛ ليقتبس لها نارا فتوجه إلى مصر، فأقام بها سنة، ثم جاءها بنار، وهو يعدو، فعثر فتبدد الجمر، فقال: تعست العجلة. فصارت كلمته مثلًا. ينظر اللسان (غ و ث) مجمع الأمثال 1/ 243.

ص: 233

كما حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنا حجاجٌ، عن ابن جريجٍ:{وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِير} . قال: كان لكلِّ رجلٍ منهم حِملُ بعيرٍ، فقالوا: أرْسِلْ معنا أخانا نَزْدَدْ

(1)

حملَ بعيرٍ. وقال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ: {كَيْلَ بَعِير} : حملَ حمارٍ. قال: وهى لغةٌ. قال القاسمُ: يعنى مجاهدٌ أن الحمارَ يقالُ له في بعضِ اللغاتِ: بعيرٌ

(2)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِير} . يقولُ: حملَ بعيرٍ

(3)

.

[حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ: {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِير}: نَعُدُّ به بعيرًا مع إبلِنا، {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ}]

(4)

(5)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال يعقوبُ لبنيه: لن أُرْسِلَ أخاكم معكم إلى ملكِ مصرَ {حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ} . يقولُ: حتى تُعْطُونِ مَوْثِقًا مِن اللهِ. بمعنى الميثاقِ،

(1)

في م، ت 1:"ترداد".

(2)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 350، 351 وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى أبى عبيد وابن المنذر وأخرج ابن أبي حاتم قول مجاهد فقط في تفسيره 7/ 2174 (11808) من طريق حجاج به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2166 (11754) من طريق سعيد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى أبى الشيخ.

(4)

سقط من: ت 1.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2167 (11755) من طريق سلمة به بنحوه.

ص: 234

وهو ما يُوثَقُ به مِن يمينٍ وعهدٍ؛ [{لَتَأْتُنَّنِي بِهِ}. يقولُ: لَتَأْتُنَّنِى بأخيكم]

(1)

، {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}. يقولُ: إلا أن يُحِيطَ بجميعِكم ما لا تَقْدِرون معه على أن تَأْتُونى به.

وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ} . قال: عهدَهم.

[حدَّثني المثنى، قال: أخْبرنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه]

(2)

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} : إلا أن تَهْلِكوا جميعًا

(4)

.

[حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ. قال: وحدَّثنا إسحاقُ، قال: أخبرنا عبدُ اللَّهِ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثلَه](2)

(5)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا معمرٌ، عن

(1)

في ص، ت 2، ف:"لتأتننى بأخيكم"، وفى ت 1:"لتأتننى به".

(2)

سقط من: ت 1.

(3)

تفسير مجاهد ص 398، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2167 (11761).

(4)

تفسير مجاهد ص 398، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2167 (11758) وعزاه الشوكانى في فتح القدير 3/ 40 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

(5)

تفسير مجاهد ص 398.

ص: 235

قتادةَ: {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} . قال: إلا أن تُغْلَبوا، حتى لا تُطِيقوا ذلك

(1)

.

[حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ قولَه: {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}: إلا أن يُصِيبَكم أمرٌ يَذْهَبُ بكم جميعًا، فيَكونُ ذلك عُذْرًا لكم عندى]

(2)

(3)

.

وقولُه: {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ} . يقولُ: فلمَّا أعْطَوْه عهودَهم وقال يعقوبُ: الله على ما نقولُ أنا وأنتم {وَكِيلٌ} . يقولُ: هو شهيدٌ علينا بالوفاءِ بما نقولُ جميعًا.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: وقال يعقوبُ لبنيه لما أرادوا الخروجَ مِن عندِه إلى مصرَ ليَمْتاروا الطعامُ: يا بَنِيَّ، لا تَدْخُلوا مصرَ مِن طريقٍ واحدٍ، وادْخُلوها

(4)

مِن أبوابٍ متفرقةٍ.

وذُكِر أنه قال ذلك لهم؛ لأنهم كانوا رجالًا لهم جَمالٌ وهَيْئةٌ

(5)

، فخاف عليهم العينَ إذا دخَلوا جماعةً

(6)

مِن طريقٍ واحدٍ، وهم ولدُ رجلٍ واحدٍ، فأمَرَهم أن

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 325 ومن طريق ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2167 (11759)، وعزاه الشوكاني في فتح القدير 3/ 40 إلى ابن المنذر.

(2)

سقط من: ت 1.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2167 (11760) من طريق سلمة به.

(4)

في م، ف:"ادخلوا".

(5)

في م، ف:"هيبة" وينظر تاريخ المصنف 1/ 351 وما سيأتي تخريجه عند ابن أبي حاتم.

(6)

في ت 1: "جميعًا".

ص: 236

يَتَفَرَّقوا

(1)

في الدخولِ إليها.

كما حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا يزيدُ الواسِطيُّ، عن جُويبرٍ، عن الضحاكِ:{لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} . قال: خاف عليهم العينَ

(2)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} : خشِى نبيُّ اللهِ [صلى الله عليه وسلم]

(3)

العينَ على بنيه؛ كانوا ذَوِى صُورةٍ وجَمالٍ

(4)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} . قال: كانوا قد أُوتُوا صورةً وجمالًا، فخشِى عليهم أنفُسَ الناسٍ

(5)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} . قال: خاف

(6)

يعقوبُ عليه السلام عليهم العينَ

(7)

.

(1)

في ص، م، ت 2:"يفترقوا".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2168 (11767) من طريق جويبر به.

(3)

في ت 2: "يعقوب عليه السلام".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2169 (11771) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(5)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 351، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 325 - ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2168، 2169 (11770) - عن معمر به.

(6)

في ص، م، ت 2، ف:"رهب".

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2168 (11767) عن محمد بن سعد به.

ص: 237

حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعْتُ أبا مُعاذٍ، قال: أخبرنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعْتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} : خشِى يعقوبُ على ولدِه العينَ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا زيدُ بنُ الحُبابِ، عن أبي مَعْشَرٍ؛ عن محمدِ بن كعبٍ:{لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} . قال: خشِى عليهم العينَ

(1)

.

قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ، قال: خاف يعقوبُ صلى الله عليه وسلم على بنيه العينَ، فقال:{يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} ، فيقالَ: هؤلاء لرجلٍ واحدٍ! ولكن ادْخُلوا مِن أبوابٍ متفرقةٍ

(2)

.

[حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لما أجْمَعوا الخروجَ - يعنى ولدَ يعقوبَ - قال يعقوبُ: {يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} . خشِى عليهم أعينَ الناسِ لهيئتِهم

(3)

، وأنهم لرجلٍ واحدٍ]

(4)

.

وقولُه: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} . يقولُ: وما أَقْدِرُ أن أَدْفَعَ عنكم مِن قضاءِ اللهِ الذي قد قضَاه عليكم مِن شيءٍ صغيرٍ ولا كبيرٍ؛ لأن قضاءَه نافذٌ في خلقِه، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}. يقولُ: ما القضاءُ والحكمُ إلا للهِ، دونَ ما سواه مِن الأشياء، فإنه يَحْكُمُ في خلقه بما يَشاءُ، فيُنْفِذُ فيهم حكمه، ويَقْضِى فيهم ولا

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى المصنف وابن أبي شيبة وابن المنذر.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2168 (11768) من طريق أسباط به بنحوه.

(3)

في م، ت 1، ف:"لهيبتهم".

(4)

سقط من: ت 1.

ص: 238

يُرَدُّ قضاؤُه، {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ}. يقولُ: على اللَّهِ توكَّلْتُ، فوثِقْتُ به فيكم وفى حفظِكم عليَّ، حتى يَرُدُّكم إليَّ وأنتم سالمون مُعافَوْن - لا على دخولِكم مصرَ، إذا دخَلْتُموها، مِن أبوابٍ متفرقةٍ، {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}. يقولُ: وإلى اللهِ فلْيُفَوَّضُ أمورَهم المفوِّضون.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: ولما دخَل ولدُ يعقوبَ مِن حيث أمَرهم أبوهم، وذلك دخولُهم مصرَ مِن أبوابٍ متفرقةٍ، {مَا كَانَ يُغْنِي} دخولُهم إياها كذلك {عَنْهُمْ} مِن قضاءِ اللَّهِ الذي قضاه فيهم فحتَمه، {مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}: إلا أنهم قضَوْا وطَرًا ليعقوبَ [بدخولِهموها من طرقٍ متفرقةٍ فبرُّوا صدْرَه

(1)

مما كان يَخاف عليهم بدخولِهم]

(2)

مِن طريقٍ واحدٍ

(3)

؛ مِن العينِ عليهم، فاطْمَأنت نفسُه؛ أن يكونوا أُتُوا مِن قِبَلِ ذلك، أو نالهم مِن أجلِه مكروهٌ.

كما حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ. قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} : خيفةَ العينِ على بنيه

(4)

.

(1)

أي طيبوا نفسه. وينظر تفسير الثعالبى 2/ 248.

(2)

في م: "بدخولهم لا". وفى ت 1، ف:"بدخولهم".

(3)

بعده في م: "خوفا".

(4)

تفسير مجاهد 1/ 399، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2169 (11773) من طريق شبابة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 239

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

قال: أخْبرنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن نُميْرٍ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} . قال: خشيةَ العينِ عليهم.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ قولَه:{إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} : ما تخَوَّف على بنيه مِن أعينِ الناسِ، لهيئتِهم

(1)

وعِدَّتِهم

(2)

.

وقولُه: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وإن يعقوبَ لَذو علمٍ لتَعْليمِنا إياه.

وقيل معناه: وإنه لذو حفظٍ لما اسْتَوْدَعْنا صدرَه مِن العلمِ.

واختُلِف عن قتادةَ في ذلك؛ فحدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} : أي: مما علَّمْناه

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ، عن سفيانَ، عن ابن أبي عَروبةَ، عن قتادةَ:{وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} . قال: إِنه لَعاملٌ بما علِم

(4)

.

(1)

في م: "لهيبتهم".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2169 (11774) من طريق سلمة به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2169 (11776) من طريق يزيد به.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2170 (11777) من طريق سفيان به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ بزيادة ما في الأثر التالى.

ص: 240

قال المثنى: قال إسحاقُ: قال عبدُ اللَّهِ: قال سفيانُ: {وَإِنَّهُ لَذُو [عِلْمٍ} : أي عمِلٍ بما]

(1)

علَّمْناه، وقال: من لا يَعْمَلُ لا يكونُ عالمًا

(2)

.

{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} . يقولُ جلَّ ثناؤُه: ولكن كثيرًا مِن الناسِ غيرِ يعقوبَ، لا يعلمون ما يعْلَمُه؛ لأنَّا حرَمْناه ذلك، فلم يَعْلَمُه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: ولما دخل ولدُ يعقوبَ على يوسُفَ {آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} . يقولُ: ضمَّ إليه أخاه لأبيه وأمِّه.

وكان

(3)

[إيواؤه إياه]

(4)

كما حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ:{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} . قال: عرَف أخاه، فأنْزَلهم منزلًا، وأجْرَى عليهم الطعامَ والشرابَ، فلما كان الليلُ جاءهم بمُثُلٍ

(5)

، فقال: لِيَنمْ كلُّ أخوين منكم على مِثالٍ. فلما بقِى الغلامُ وحدَه قال يوسُفُ: هذا يَنامُ معى على فِراشى. فبات معه، فجعَل يوسُفُ يَشَمُّ ريحَه، ويضُمُّه إليه، حتى أصْبَح، وجعل روبيلُ يقول: ما رأيْنا مثلَ هذا، أرِيحونا

(6)

منه

(7)

.

(1)

في ص: "عمل بما"، وفى م:"علم مما"، وفى ت 2، ف:"علم بما".

(2)

ذكره الثعالبى في تفسيره 2/ 248 عن سفيان.

(3)

في النسخ: "كل"، والصواب المثبت، وبه يستقيم الكلام، وينظر تعليق الشيخ شاكر 16/ 169.

(4)

في م: "أخوه لأبيه".

(5)

المثل: جمع مثال، وهو الفراش. اللسان (م ث ل).

(6)

كذا في النسخ، وفى تاريخ المصنف:"إن نجونا".

(7)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 351، 352، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2170 (11779) من طريق أسباط به نحوه. وينظر ما سيأتي في ص 247.

ص: 241

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لما دخَلوا - [يعنى ولدَ يعقوبَ]

(1)

- على يوسُفَ، قالوا: هذا أخونا الذي أمَرْتَنا أن نأْتِيَك به، قد جِئْناك به. فذُكِر لى أنه قال لهم: قد أحْسَنْتُم وأصَبْتُم، وستَجِدون

(1)

ذلك عندى. أو كما قال، ثم قال: إنى أراكم رجالًا، وقد أردْتُ أن أُكْرِمَكم. ودعا [صاحبَ ضيافتِه]

(2)

، فقال: أنْزِلْ كلَّ رجلين على حِدةٍ، ثم أكْرِمْهما وأحْسِنْ ضِيافتَهما، ثم قال: إنى أرَى هذا الرجلَ الذي جئْتُم به ليس معه ثانٍ، فسأضُمُّه إليَّ، فيَكونُ منزلُه معى. فأنْزَلهم رجلين رجلين، في منازلَ شتَّى، وأنزَل أخاه معه، فآواه إليه، فلما خلا به، قال: إنى أنا أخوك، أنا يوسُفُ، فلا تبْتِئسُ بشيءٍ فعلوه بنا فيما مضى؛ فإن الله قد أحْسَن إلينا، ولا تُعْلِمْهم شيئًا مما أعْلمْتُك

(3)

. يقولُ اللهُ: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

(4)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} : ضمَّه إليه وأنْزَله، وهو بنيامينُ

(5)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ عبدِ الكريمِ، قال: ثنى عبدُ الصمدِ بنُ مَعْقِلٍ، قال: سمِعْتُ وهبَ بنَ منبهٍ، يقولُ: وسُئِل عن قولِ يوسُفَ: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا

(1)

سقط من: ت 1، ف.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"ضيافته"، وفى م:"ضافته"، والمثبت من مصدرى التخريج.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"أعلمنا".

(4)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 352 وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2170، 2171 (11780، 11782، 11784) من طريق سلمة به.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2170 (11778) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى أبى الشيخ.

ص: 242

تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. كيف أخافه

(1)

حينَ أُخِذ بالصُّوَاعِ، وقد كان أخْبَره أنه

(2)

أخوه، وأنتم تَزْعُمون أنه لم يزَلْ متنكرًا لهم يُكايِدُهم، حتى رجَعوا؟ فقال: إنه لم يعْتَرِفْ له بالنسبةِ

(3)

، ولكنه قال: أنا أخوك مكانَ أخيك الهالِك، {فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. يقولُ: لا يَحْزُنْك مكانُه

(4)

.

وقولُه: {فَلَا تَبْتَئِسْ} . يقولُ: فلا تسْتَكِنْ ولا تَحزنْ. وهو "فلا تَفْتَعِلْ"

(5)

مِن البُؤْسِ، يقالُ منه: ابْتَأَس يَبْتئِسُ ابْتِئاسًا.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{فَلَا تَبْتَئِسْ} . يقولُ: فلا تحزَنْ، و

(6)

لا تَيْأَسْ

(7)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ عبدِ الكريمِ، قال: ثنى عبدُ الصمدِ، قال: سمِعْتُ وهبَ بنَ مُنبهٍ يقولُ: {فَلَا تَبْتَئِسْ} . يقولُ: [لا يحْزُنْك مكانُه]

(8)

.

(1)

في النسخ: "أجابه". والمثبت موافق لمعنى ما في الدر المنثور.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(3)

في مصدر التخريج: "بالنسب".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 28 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وأبى الشيخ بنحوه.

(5)

في ص، ف:"يفعل"، وفى ت 1، ت 2:"تفعل".

(6)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2170 (11783) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى أبى الشيخ.

(8)

في ت 2: "لا تحزن بمكاتبة".

ص: 243

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ:{فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . يقولُ: لا تَحْزَنْ

(1)

[على ما كانوا يَعْمَلون]

(2)

.

فتأويلُ الكلامِ إذن: فلا تَحْزَنْ ولا تَسْتَكِنْ

(3)

لشيءٍ سلَف مِن إخوتِك إليك، في نفسِك وفى أخيك مِن أمِّك، وما كانوا يفْعَلون قبلَ اليومِ بك.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)} .

يقولُ: ولما حمَّل يوسُفُ إبلَ إخوتِه ما حمَّلها مِن الميرةِ، وقضَى حاجتَهم، كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} . يقولُ: لما قضَى لهم حاجتَهم ووفَّاهم كيلَهم

(4)

.

وقولُه: {جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} . يقولُ: جعَل الإناءَ الذي يكِيلُ به الطعامَ في رحْلِ أخيه.

والسِّقايةُ هي المِشْرَبةُ، وهى الإناءُ الذي كان يشْربُ فيه الملِكُ، ويكِيلُ

(5)

به الطعامَ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

(1)

في ت 1، ف:"يحزنك".

(2)

في ت 1: "مكانه".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"تسكن".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2171 (11785) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة نحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى أبى الشيخ.

(5)

في ف: "يكال".

ص: 244

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عفانُ، قال: ثنا عبدُ الواحدِ، عن يونُسَ، عن الحسنِ، أنه كان يقولُ: الصُّوَاعُ والسِّقايةُ سواءٌ، هو الإناءُ الذي يُشْربُ فيه

(1)

.

قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورْقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: السَّقايةُ والصُّواعُ شيءٌ واحدٌ، كان يَشْربُ فيه يوسُفُ

(2)

.

قال: أخْبرنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورْقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: السِّقايةُ الصُّواعُ الذي يشْرَبُ فيه يوسُفُ.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة:{جَعَلَ السِّقَايَةَ} . قال: مِشْرَبةُ الملِكِ

(3)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: {جَعَلَ

(4)

السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ}: وهو إناءُ الملكِ، الذي كان يشْرَبُ فيه

(5)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قوله:{قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} .

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 352، ومسدد في مسنده - كما في المطالب العالية (4020) - من طريق يونس به.

(2)

تفسير مجاهد ص 399، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2171 (11788). من طريق شبابة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى ابن المنذر وابن الأنبارى.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 325 عن معمر به.

(4)

سقط من: م.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2171 (11789) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى أبى الشيخ.

ص: 245

وهي السِّقايةُ التي كان يشْربُ فيها الملكُ، يعنى مَكُّوكَه

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{جَعَلَ السِّقَايَةَ} ، وقولَه:{صُوَاعَ الْمَلِكِ} . قال: هما شيءٌ واحدٌ، السقايةُ والصُّواعُ شيءٌ واحدٌ يَشْرَبُ فيه يوسُفُ

(2)

.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ، قال: سمِعْتُ أبا مُعاذٍ، يقولُ: أخبرنا عبيدُ بنُ سليمانَ قال: سمِعْتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {جَعَلَ السِّقَايَةَ}

(3)

: هو الإناءُ الذي كان يَشْرَبُ فيه الملكُ.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} . قال: السِّقاية هو الصُّواعُ، وكان كأسًا مِن ذهبٍ فيما يَذْكُرون

(4)

.

قولُه: {فِي رَحْلِ أَخِيهِ} . فإنه يعنى: في متاعِ أخيه ابن أمِّه وأبيه، وهو بنيامينُ، وكذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{فِي رَحْلِ أَخِيهِ} . أي: في متاعِ أخيه

(5)

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2171، 2173 (11787، 11800) من طريق آخر عن ابن عباس بنحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى ابن الأنباري في المصاحف.

(2)

تقدم تخريجه ص 245.

(3)

بعده في م: "في رحل أخيه".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2171 (11791) من طريق أصبغ بن الفرج عن ابن زيد.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2172 (11793) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى أبى الشيخ.

ص: 246

وقولُه: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} . يقولُ: ثم نادَى مُنادٍ، وقيل: أَعْلَمَ مُعْلِمٌ، {أَيَّتُهَا الْعِيرُ} . وهى القافلُة فيها الأحمالُ {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} .

وبنحوِ

(1)

ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ:{فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} : والأخُ لا يَشْعُرُ، فلمَّا ارْتحلوا أذَّن مؤذِّنٌ قبلَ أن ترْتَحِلَ

(2)

العِيرُ: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}

(3)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: ثم جهَّزهم بجَهازِهم وأكْرَمهم وأعْطاهم وأوْفاهم، وحمَّل لهم بعيرًا بعيرًا، وحمَّل لأخيه بعيرًا باسمِه، كما حمَّل لهم، ثم أمَر بسِقايةِ الملكِ - وهو الصُّواعُ، وزعَموا أنها كانت مِن فضةٍ - فجُعِلت في رحلِ أخيه بنيامينَ، ثم أمْهلَهم حتى إذا انْطلقوا فأمْعَنوا

(4)

مِن القرية، أمَر فأُدْرِكوا، فاحْتُبِسوا، ثم نادى منادٍ:{أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} ، قِفُوا، وانْتهى إليهم رسولُه، فقال لهم - فيما يَذْكُرون -: ألم نُكْرِمْ ضِيافتَكم، ونُوفِّكم

(5)

كيلَكم، ونُحْسِنُ منزلتَكم، ونَفْعَلْ بكم ما لم نَفْعلْ بغيرِكم، وأَدْخَلْناكم علينا في بيوتِنا ومنازلِنا؟ أو كما قال لهم. قالوا: بلى، وما ذاك؟ قال:

(1)

بعده في م، ت 2:"الذي قلنا في".

(2)

في ت 1، ت 2، ف:" يرتحل".

(3)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 352، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2172 (11795) من طريق أسباط به.

(4)

في م: "وأمعنوا"، وفى ت 1:"فغيبوا"، وفى ت 2:"فامضوا". وأمعنوا: ابتعدوا. اللسان (م ع ن).

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"نوفيكم".

ص: 247

سِقايةُ الملكِ فقَدْناها، ولا نَتَّهِمُ عليها غيرَكم. قالوا:{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ}

(1)

.

وقولُه: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ} . قد بيَّنا فيما مضى معنى العيرِ، وهو جمعٌ لا واحدَ له مِن لفظِه.

وحُكِى عن مجاهدٍ أن عِيرَ بني يعقوبَ كانت حميرًا.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ، عن سفيانَ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ:{أَيَّتُهَا الْعِيرُ} . قال: كانت حَميرًا

(2)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، قال: ثنى رجلٌ، عن مجاهدٍ في قولِه:{أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} . قال: كانت العِيُر حميرًا

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال بنو يعقوبَ لمَّا نُودُوا: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} . وأقْبلوا على المنادى ومن بحضرتهم يقولون لهم: {مَاذَا تَفْقِدُونَ} ؟ ما الذي تفْقِدون

{قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} . يقولُ: فقال لهم

(4)

القومُ: نفْقِدُ مِشْربةَ الملكِ.

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 353، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2173، 2173 (11794، 11796، 11798) من طريق سلمة به نحوه.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2172، 2183 (11797، 11868) من طريق سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى أبي الشيخ.

(3)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 353.

(4)

في ص، ت 2:"له".

ص: 248

واخْتَلفَت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فذُكِر عن أبي هريرةَ أنه قرَأه: (صَاعَ المَلِكِ) بغيرِ واوٍ، كأنه وجَّهه إلى الصاعِ الذي يُكالُ به الطعامُ

(1)

.

وروى عن أبي رَجاءٍ، أنه قرأه:(صوْعَ الملكِ)

(2)

.

ورُوِى عن يحيى بن يعْمرَ أنه قرأه (صَوْعَ الملك) بالغينِ

(3)

، كأنه وجَّهه إلى أنه مصدرٌ من قولِهم: صاغَ يَصُوغُ صوغًا.

وأما الذي عليه قرأةُ الأمصارِ: فـ {صُوَاعَ الْمَلِكِ} . وهى القراءةُ التي لا أَسْتَجِيزُ القراءةَ بخلافها؛ لإجماعِ الحُجَّةِ عليها.

والصُّواعُ هو الإناءُ الذي كان يوسُفُ يَكِيلُ به الطعامَ، وكذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في هذا الحرفِ:{صُوَاعَ الْمَلِكِ} . قال: كهيئةِ المَكُّوكِ. قال: وكان للعباسِ مثلُه في الجاهليةِ، يشْرَبُ فيه

(4)

.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1136 - تفسير)، وابن الأنبارى - كما في الدر المنثور 4/ 27 - عن أبي هريرة، وينظر البحر المحيط 5/ 330.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى ابن الأنبارى، وينظر البحر المحيط 5/ 330.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 2173 (11804) عن يحيى بن يعمر. وفيه "صواغ" بدلًا من "صوغ". وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى أبى الشيخ. وينظر البحر المحيط 5/ 330.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في تفسيرهما - كما في التغليق 4/ 228، والفتح 8/ 359 - وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2173 (11800)، وابن منده في غرائب شعبة وابن مردويه - كما في التغليق والفتح والحافظ في التغليق من طرق عن شعبة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى ابن الأنبارى وأبى الشيخ والضياء وقال الحافظ: إسناده صحيح.

ص: 249

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن شعبةَ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{صُوَاعَ الْمَلِكِ} . قال: كان مِن فضةٍ مثلَ المكُّوكِ، وكان للعباسِ منها واحدٌ في الجاهليةِ.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ. وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن شَريكٍ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ في قولِه:{قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} . قال: كان مِن فضةٍ

(1)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ أنه قرَأ:{صُوَاعَ الْمَلِكِ} . قال: وكان إناءه الذي يَشْرَبُ فيه، وكان إلى الطولِ ما هو

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا سُويْدُ بنُ عمرٍو، عن أبي عوانةَ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{صُوَاعَ الْمَلِكِ} . قال: المكُّوكُ الفارسيُّ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا الحجاجُ بنُ المِنْهالِ، قال: ثنا أبو عَوانةَ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال:{صُوَاعَ الْمَلِكِ} . قال: هو الْمَكُّوكُ الفارسيُّ الذي يَلْتَقِى طَرَفاه، كانت تَشْرَبُ فيه الأعاجمُ

(3)

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بن مَغْراء، عن جُويبرٍ، عن الضحاكِ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2171 (11790) من طريق شريك به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى أبى الشيخ.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1135) - تفسير)، دون قوله:"وكان إلى الطول ما هو"، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2173 (11801) من طريق هشيم به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى أبي عبيد وابن المنذر، وفيه يبين القراءة فقط.

(3)

أخرجه مسدد في مسنده - كما في التغليق 4/ 228، والمطالب (4019) - ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2173 (11803) عن أبي عوانة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ. وقال البوصيرى في الإتحاف: إسناده صحيح.

ص: 250

في قولِه: {صُوَاعَ الْمَلِكِ} . قال: إناءُ الملك الذي كان يشْرَبُ فيه

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا يحيى - يعنى ابنَ عَبَّادٍ - قال: [ثنا شعبةُ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال:]

(2)

{صُوَاعَ الْمَلِكِ}

(3)

: مكُّوكٌ من فضةٍ يَشْرَبون فيه، وكان للعباسِ واحدٌ في الجاهليةِ

(4)

.

حدَّثنا ابن عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثور، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{صُوَاعَ الْمَلِكِ} : إناءَ الملكِ الذي يَشْرَبُ فيه

(5)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا سعيدٌ بن منصورٍ، قال: ثنا أبو عَوانةَ، عن أبى بشرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ في قولِه:{صُوَاعَ الْمَلِكِ} . قال: هو المكُّوكُ الفارسيُّ، الذي يَلْتَقِى طرَفاه

(6)

.

حدَّثنا القاسمُ القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: الصُّواعُ كان يشْرَبُ فيه يوسُفُ

(7)

.

حدَّثنا محمدُ [بنُ مَعْمرٍ]

(8)

البحْرانيُّ، قال: ثنا عبدُ الصمدِ بنُ عبدِ الوارثِ، قال: ثنا صدَقةُ بنُ عباد، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{صُوَاعَ الْمَلِكِ} . قال: كان

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2173 (11802) من طريق جويبر به

(2)

سقط من: ت 2.

(3)

بعده في ت 2: "يعني".

(4)

ينظر في تخريجه ما تقدم في ص 249

(5)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 325 عن معمر به.

(6)

سنن سعيد بن منصور (1134 - تفسير) بزيادة فيه.

(7)

تقدم في ص 245.

(8)

سقط من: ت 2، وفى ت 1:"بن جعفر". وهو محمد بن معمر بن ربعي البحراني. ينظر تهذيب الكمال 26/ 485.

ص: 251

مِن نُحاسٍ

(1)

.

وقولُه: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِير} . يقولُ: [ولمن جاء بالصُّواع حِمْلُ بعيرٍ من الطعامِ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} . يقولُ]

(2)

: وِقْرُ بعيرٍ

(3)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ تعالى:{حِمْلُ بَعِيرٍ} . قال: [حِمْلُ حمارٍ طعامًا]

(4)

، وهي لغةٌ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: وحدَّثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورْقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ [قولَه:{حِمْلُ بَعِيرٍ} ]

(5)

. قال: حمل حمارٍ طعامًا، وهى لغةٌ

(6)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(2)

سقط من: ت 1.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2173 (11807) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة.

(4)

في النسخ وتفسير ابن أبي حاتم 7/ 2173 (11806): "حمل طعام"، والمثبت موافق لما في تفسير مجاهد ص 399، وتفسير ابن أبي حاتم 7/ 2174 (11808)، وينظر ما تقدم في ص 235، وتعليق الشيخ شاكر 16/ 178.

(5)

سقط من: ت 2.

(6)

تفسير مجاهد ص 339، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 252

عن مجاهدٍ [مثله.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ]

(1)

، قال: قولُه: {حِمْلُ بَعِيرٍ} . قال: حملُ حمارٍ.

وقولُه: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} . يقولُ: وأنا بأن أُوَفِّيه حملَ بعيرٍ مِن الطعامِ إذا جاءني بصُواع الملكِ كفيلٌ

(2)

.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ من قال ذلك

حدَّثني عليٌّ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولُه:{وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} . يقولُ: كفيلٌ

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} . الزعيمُ: هو المؤذِّنُ الذي قال: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ}

(4)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

(1)

سقط من: ت 2.

(2)

سقط من: ت 1.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما في الإتقان 2/ 21 - من طريق عبد الله به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى ابن المنذر.

(4)

تفسير مجاهد ص 399، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2174 (11812) من طريق شبابة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

ص: 253

[حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله]

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ بكرٍ

(2)

وأبو خالدٍ الأحمرُ، عن ابن جريجٍ: قال: بلغنى عن مجاهدٍ، ثم ذكر نحوه.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْديٍّ، قال: ثنا عبدُ الواحدِ بنُ زيادٍ، عن وِقاءِ

(3)

بن إياس، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} . قال: كفيلٌ

(4)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولُه:{وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} . أي: وأنا به كفيل.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبد الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} . قال: حميلٌ

(5)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو خالدٍ الأحمرُ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ:{وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} . قال: كفيلٌ

(6)

.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفرج، قال: سمِعْتُ أَبا مُعاذٍ يقولُ: ثنا عُبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعْتُ الضحاكَ، فذكر مثلَه.

(1)

سقط من: ت 1، ت 2، ف.

(2)

في ت 2: "بكير" وينظر تهذيب الكمال 24/ 530.

(3)

في النسخ: "ورقاء". وسيأتي على الصواب في النسخة الأصل في 16/ 36، وينظر تهذيب الكمال 30/ 455.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى المصنف.

(5)

في م: "كفيل"، وفي ت 2:"جميل". والحميل هو الكفيل. التاج (ح م ل). والأثر أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 325 عن معمر به.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2174 (11810) من طريق جويبر به.

ص: 254

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، عن سفيانَ، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ:{وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} . قال: كفيلٌ.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ: قال لهم الرسولُ: إنه مَن جاءنا به فله حملُ بعيرٍ، وأنا به كفيلٌ بذلك، حتى أُودِّيَه إليه.

ومِن الزعيمِ الذي بمعنى الكفيلِ قولُ الشاعرِ

(1)

:

فلسْتُ بآمِرٍ فيها بسِلْمٍ

ولكنى على نفسى زَعيمُ

وأصلُ الزعيم في كلامِ العربِ: القائمُ بأمرِ القومِ، وكذلك الكفيلُ والحميلُ، ولذلك قيل: رئيسُ القومِ زعيمُهم، ومُدَبِّرُهم، يقال منه: قد زعُم فلانٌ زعامةً وزعامةً، ومنه قولُ ليلى الأخْيَليةِ

(2)

:

حتى [إذا إذا برَز]

(3)

اللِّواءُ رأيْتَه

تحت اللواءِ على الخَميسِ

(4)

زعيمَا

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال إخوةُ يوسفَ: {تَاللَّهِ} . يعنى: واللَّهِ.

وهذه التاءُ في تاللهِ إنما هي واوٌ قُلِبَت تاءً، كما فُعِل ذلك في التوراةِ، وهي مِن وَرَّيْتُ، والتُّراثِ، وهى مِن ورِثْتُ، والتُّخمةِ، وهى مِن الوَخامة، قُلِبَت الواوُ في

(1)

مجاز القرآن 1/ 315، ونسبه للمؤسى الأزدى.

(2)

البيت في الأمالي 1/ 248 ضمن أبيات رواها الأصمعي الحميد بن ثور الهلالي، ونسب في شرح الحماسة 4/ 169 لليلى الأخيلية كما ههنا. والبيت في ديوان حميد بن ثور ص 131.

(3)

الرواية في المصادر: "إذا رفع".

(4)

في ت 2: "الجيش".

ص: 255

ذلك كلِّه تاءً، والواؤ في هذه الحروفِ كلِّها حرفٌ

(1)

من الأسماء، وليست كذلك في {تَاللَّهِ} ؛ لأنها إنما هي واوُ القسم، وإنما جُعِلَت تاءً لكثرةِ ما جرَى على ألسُنِ العربِ في الأيمانِ في قولِهم: واللهِ. فخُصَّت في هذه الكلمةِ بأن قُلِبت تاءً، ومن قال ذلك في اسمِ اللهِ، فقال: تاللهِ - لم يقُلْ: تالرحمنِ و تالرحيمِ، ولا مع شيءٍ من أسماءِ اللهِ، ولا مع شيءٍ مما يُقسم به، ولا يُقالُ ذلك إلا في {تَاللَّهِ} وحده.

وقولُه: {لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ} . يقولُ: لقد علِمْتُم ما جئْنَا لَنَعْصِيَ الله في أرضِكم.

كذلك كان يقولُ جماعةٌ من أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ من قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ بن أنسٍ في قولِه:{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ} . يقولُ: ما جئنا لنعْصِىَ في الأرضِ

(2)

.

فإن قال قائلٌ: وما كان عِلْمُ

(3)

مَن قيل له: {لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ} . بأنهم لم يَجِيئوا لذلك، حتى اسْتَجاز قائلو ذلك أن يقُولوه؟

قيل: اسْتَجازوا أن يقولوا ذلك؛ لأنهم، فيما ذُكِر، ردُّوا البضاعة التي وجَدوها في رحالهم، فقالوا: لو كنا سُرَّاقًا لم نَرُدَّ عليكم البضاعةَ التي وجَدْناها في

(1)

سقط من: م.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2174 (11813) من طريق ابن أبي جعفر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى أبي الشيخ.

(3)

في م: "أعلم".

ص: 256

رحالِنا.

وقيل: إنهم كانوا قد عُرِفوا في طريقهم ومسيرِهم أنهم لا يظْلِمون أحدًا، ولا يتَناولون ما ليس لهم، فقالوا ذلك حين قيل لهم:{إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} .

‌القول في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال أصحابُ يوسُف لإخوتِه: فما ثوابُ السَّرَقِ إن كنتم كاذبين في قولكم: {مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} .

قالُوا: {جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} . يقولُ جلَّ ثناؤُه: قال

(1)

إخوةُ يوسُفَ: ثوابُ السَّرَقِ

(2)

مَن وُجِد في متاعِه السَّرِقُ {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} . يقولُ: فالذي وُجِد ذلك في رحلِه، ثوابُه بأن يُسَلَّمَ بسرِقِته

(3)

إلى مَن سرَق منه حتى يَسْتَرِقَه. {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} . يقولُ: كذلك نفْعَلُ بمن ظلَم ففعل ما ليس له فعلُه، مِن أخذِه مالَ غيرِه سَرقًا.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{فَهُوَ جَزَاؤُهُ} ، أَي: سُلِّم به. {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} ، أي: كذلك نَصْنَعُ بمن سرَق منا

(4)

.

(1)

في م: "وقال".

(2)

في ت 1: "السارق". والسرَق بمعنى السرقة. النهاية 2/ 362.

(3)

في ص: "بسرقه"، وفى ت 1:"في سرقته".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2174، 2175 (11816، 11817) من طريق سلمة به.

ص: 257

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرزاقِ، عن معمرٍ، قال: بلَغنا في قولِه: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} . أخبروا يوسُفَ بما يُحْكم في بلادِهم مَن سرق أُخِذ عبدًا، فقالوا:{جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ}

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ:{قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} تأْخُذونه فهو لكم

(2)

.

ومعنى الكلامِ قالوا: ثوابُ السَّرَقِ الموجودُ في رحلِه. كأنه قيل: ثوابُه اسْتِرْقاقُ الموجودِ في رحلِه. ثم حُذِف "اسْتِرقاقُ"، إذ كان معروفًا معناه، ثم ابْتُدِئ الكلامُ فقيل:{فَهُوَ جَزَاؤُهُ} ، {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} .

وقد يَحْتَمِلُ وجهًا آخر أن يكونَ معناه: قالوا: ثوابُ السَّرَقِ الذي يُوجدُ السَّرقُ في رحله، فالسارقُ جزاؤُه. فيكونُ "جزاؤُه" الأولُ مرفوعًا بجملةِ الخبرِ بعدَه، ويكونُ مرفوعًا بالعائد من ذكرُه في "هو"، و "هو "مرافعُ

(3)

"جزاؤُه" الثاني.

ويَحْتَمِلُ وجهًا ثالثًا: وهو أن تكونَ "مَن" جزاءً

(4)

، وتكون مرفوعةً بالعائدِ مِن ذكرِه في الهاءِ التي في "رحلِه"، والجزاءُ الأولُ مرفوعًا بالعائدِ مِن ذكرِه في

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 326، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى ابن المنذر. وستأتي بقيته في ص 265.

(2)

أخرجه المصنف في التاريخ 1/ 353، 354، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2174 (11815) من طريق أسباط به.

(3)

في م: "رافع".

(4)

في م: "جزائية".

ص: 258

وِعَاءِ أَخِيهِ}

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، قال: فاسْتَخْرَجها مِن وعاءِ أخيه، قال: كان كلما فتَح متاعًا اسْتغْفَر تائبًا

(2)

مما صنَع، حتى بلغ متاعَ الغلامِ، فقال: ما أظُنُّ هذا أخذ شيئًا، قالوا: بلى، فاستبْرَئْه

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أسْباطَ، عن السدِّيِّ، قال:{فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ} : فلمَّا بقِى رحلُ الغلامِ، قال: ما كان هذا الغلامُ لِيَأْخُذَه، قالوا: واللهِ، لا يُتركُ

(4)

حتى تَنْظُرَ في رحله؛ لنذْهبَ وقد طابَت نفسُك، فأدْخَلَ يدَه، فاسْتَخْرَجها مِن رحلِه

(5)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لما قال لهم الرسولُ {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72]. قالوا: ما نَعْلَمُه فينا ولا معنا، قال: لستم ببارِحِين حتى أُفتِّشَ أمتعتَكم، وأُعْذِرَ في طلبِها منكم، فبدأ بأوعيتِهم وعاءً وعاءً، يُفتِّشُها وينْظُرُ ما فيها، حتى مرَّ على وعاءِ أخيه ففتَّشه، فاسْتخْرجها منه، فأخَذ منه، فأخذ برقبته، فانْصَرَف به إلى يوسُفَ، يقولُ اللَّهُ:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}

(6)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال:

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 354، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2175 (11818) من طريق سعيد بن بشير به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

في ت 1: "تأثما".

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 325، 326 عن معمر به.

(4)

في ت 2 ف: "نترك"، وفى ابن أبي حاتم:"ترك".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2175 (11819) من طريق سلمة به.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2175 (11820) من طريق سلمة به.

ص: 259

"وُجد"، ويكونَ جوابُ الجزاءِ الفاءَ في "فهو"، والجزاءُ الثاني مرفوعُ "فهو"

(1)

، فيكونَ معنى الكلامِ حينَئذٍ: قالوا: جزاءُ السَّرَقِ، من وُجِد السَّرَقُ في رحلِه فهو ثوابُه، يُسْتَرَقُّ ويُسْتَعْبَدُ

‌القول في تأويل قولُه: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: ففتَّش يوسُفُ أوعيتَهم ورحالَهم؛ طالبًا بذلك صُواعَ الملكِ، فبدَأ في تفتيشِه بأوعيةِ إخوتِه من أبيه، فجعَل يُفتِّشُها وِعاءً وِعاءً، قبل وعاءِ أخيه من أبيه وأمِّه، فإنه أخَّر تفتيشَه، ثم فتَّش آخرَها

(2)

وعاء أخيه، فاسْتخْرج الصُّواعَ مِن وعاءِ أخيه.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بِشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قولُه:{فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ} : ذُكِر لنا أنه كان لا يَنْظُرُ في وعاءٍ إِلا اسْتَغْفر اللَّهَ؛ تأثُّمًا مما قذَفهم به، حتى بقى أخوه، وكان أصغرَ القومِ، قال: ما أرَى هذا أخذ شيئًا قالوا: بلى فاسْتبْرِئْه

(3)

. ألا وقد علِموا حيث وضَعوا سِقايتَهم، {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ

(1)

في م: "بهو".

(2)

في ت 2: "آخرا".

(3)

أي: تأكد من براءته.

ص: 260

ذُكِر لنا أنه كان كلما بَحَث متاعَ رجلٍ منهم اسْتَغْفر ربَّه تأَثُّمًا، قد علِم أين

(1)

موضعُ الذي يَطْلُبُ، حتى إذا بقِى أخوه، وعلِم أن بُغْيَتَه فيه، قال: لا أَرَى

(2)

هذا الغلامَ أخذه، ولا أُبالى أن لا أبْحث متاعَه. قال إخوتُه: إنه

(3)

أطْيبُ لنفسِك وأنفسِنا أن تَسْتبْرِئَ متاعَه أيضًا، فلمَّا فتَح متاعَه، اسْتَخْرَج بُغْيَتَه منه. قال اللهُ:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} .

واخْتلَف أهلُ العربيةِ في الهاءِ والألفِ اللتين في قولِه {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} . فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: هي مِن ذِكْرِ الصُّواع، قال: وأَنَّث. وقد قال: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} ؛ لأنه عنى الصُّواعَ

(4)

، قال: والصُّواعُ مذكَّرٌ، ومنهم من يُؤنِّتُ الصُّواع

(5)

، وعُنى هاهنا السِّقاية، وهى مؤنثةٌ. قال: وهما اسمانِ لواحدٍ، مثلُ الثوب والملِحفةِ، مذكَّرٌ ومُؤنَّتٌ لشيءٍ واحدٍ.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ في قولِه: {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} . ذهب إلى تأنيث السرقةِ، قال

(6)

: وإن

(7)

يَكنِ الصُّواعُ في معنى الصاعِ، فلعل هذا التأنيثَ مِن ذلك، قال: وإن شئت جعلتَه

(8)

لتأنيثِ السقايةِ. قال: والصُّواعُ: ذَكَرٌ، والصاعُ يُؤَنَّثُ ويُذكَّرُ، فمن أنَّثه قال: ثلاثُ أَصْوُعٍ، مثلُ: ثلاثُ أَدْوُرٍ، ومَن ذكَّرُه قال: أصْواعٌ مثلُ أبوابٌ.

(1)

في ت 1، ت 2:"أي".

(2)

في ت 1، ف:"أدرى".

(3)

في ص، ت 1، ت 2:"إن".

(4)

في ص، ت 1، ف:"بالصواع"، وفي ت 2:"بالصواب".

(5)

بعده في ص، ت 1، ت 2:"قال".

(6)

معاني القرآن 2/ 52.

(7)

بعده في ص: "لم".

(8)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"جعلت".

ص: 261

وقال آخرُ منهم: إنما أُنِّث الصُّواعُ حينَ أُنِّث؛ لأنه أُرِيدَت به السَّقاية، وذُكِّر حين ذُكِّر؛ لأنه أُريد به الصُّواعُ. قال: وذلك مثلُ الخِوان والمائدةِ، وسِنانِ الرمحِ وعاليتِه، وما أشبهَ ذلك من الشيءِ الذي يَجْتمِعُ فيه

(1)

اسمان؛ أحدُهما مذكَّرٌ، والآخرُ مُؤَنَّثٌ.

وقولُه: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} . يقولُ: هكذا صنَعْنا ليوسُفَ، حتى يُخلِّص أخاه لأبيه وأمِّه مِن إخوتِه لأبيه، بإقرارٍ منهم أَنَّ له أَنْ يَأْخُذَه منهم، ويحْتبِسَه في يديه، ويحُول بينه وبينهم، وذلك أنهم قالوا إذ قيل لهم:{قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} [يوسف: 74]: جزاءُ مَن سرَق الصُّواعَ أن من وُجد ذلك في رحلِه فهو مُسْتَرَقٌ به. وذلك كان حكمَهم في

(2)

دينِهم، فكاد اللهُ ليوسُفَ كما وصَف لنا، حتى أخَذ أخاه منهم، فصار عندَه بحكمهم وصُنْعِ اللَّهِ له.

وقولُه: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} . يقولُ: ما كان يوسُفُ لِيَأْخُذَ أخاه في حكمِ ملِكِ مصرَ وقضائِه وطاعتِه منهم؛ لأنه لم يَكُنْ من حكمِ ذلك الملكِ وقضائِه أن يُسْترَقَّ أحدٌ بالسَّرَقِ، فلم يكُنْ ليوسُفَ أَخْذُ أخيه في حكمِ مَلك أرضِه، إلا أن يَشاءَ اللهُ بكيدِه الذي كاده له، حتى أسْلم مَن وُجد في وعائِه الصُّواعُ إخوته ورُفقاؤُه، بحكيهم عليه، وطابت أنفسُهم بالتسليمِ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن

(1)

في ص، ت 1، ت 2:"فيها".

(2)

في ص: "سه وفى"، وفي ت 1:"وفى"، وفى ت 2:"بنيه وفى"، وفى ف:"بينه وفي".

ص: 262

مجاهدٍ، قولُه:{مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} . إلا فَعْلةً

(1)

كادها اللهُ له، فاعْتَلَّ بها يوسُفُ

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثلَه.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} كادها اللهُ له، فكانت عِلَّةً ليوسُفَ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ:{لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} . قال: إلا فَعْلةً كادها اللهُ، فاعْتل بها يوسُفُ.

قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قولُه:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} قال: صنَعْنا

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} . يقولُ: صنَعْنا ليوسُفَ

(4)

.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ، قال: سمِعْتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: أخبَرنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعْتُ الضَّحَّاكَ يقولُ في قولِه: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} . يقولُ:

(1)

في تاريخ المصنف: "علة".

(2)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 354، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2176 (11827) من طريق شبابة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

بعده في ت 2: "ليوسف".

(4)

ذكره أبو حيان في البحر المحيط 5/ 332.

ص: 263

صنَعْنا ليوسُفَ

(1)

.

واختلف أهلُ التأويلِ في تأويل قولُه: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} . فقال بعضُهم: ما كان ليأخُذَ أخاه في سلطانِ الملكِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمِّي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ، قولُه:{مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} . يقولُ: في سلطانِ الملكِ

(2)

.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ، قال: سمِعْتُ أبا مُعاذٍ، يقولُ: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ قال: سمِعْتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} . يقولُ: في سلطان الملكِ

(3)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: في حكمِه وقضائِه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قولَه:{مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} . يقولُ: ما كان ذلك في قضاءِ الملكِ أن يَسْتَعْبِدَ رجلًا بسرقةٍ

(4)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2176 (11822) من طريق أبى روق عن الضحاك، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2176 (11824) عن محمد بن سعد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى أبى الشيخ.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2176 (11825) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة، وعزاه =

ص: 264

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{فِي دِينِ الْمَلِكِ} . قال: لم يَكُنْ ذلك في دين الملكِ، قال: حُكمِه

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ محمدُ بنُ ليثٍ المرْوزيُّ، عن رجلٍ قد سمَّاه، عن عبدِ اللَّهِ بن المباركِ، عن أبي مَوْدودٍ المَدِينيِّ، قال: سمِعْتُ محمدَ بنَ كعبٍ القُرَظيَّ يقولُ

(2)

: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} . قال: دينُ الملكِ لا يُؤْخَذُ به مَن سرَق أصلًا، ولكنَّ الله كاد لأخيه، حتى تكَلَّموا ما تكَلَّموا به، فأَخَذَهم بقولِهم، وليس في قضاءِ المَلِكِ

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يَحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، عن مَعمرٍ، قال: بلَغه في قولِه: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} . قال: كان حكمُ الملكِ أن مَن سرَق ضُوعِف عليه

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ:{مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} . يقولُ: في حكمِ الملكِ.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي

= السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 326 عن معمرٍ به بنحوه.

(2)

بعده في ص، ت 2:" قالوا جزاؤه من وجد في رحله كذلك كدنا ليوسف ما كان"، وبعده في م: قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك كدنا ليوسف ما كان"، وبعده في ت 1، ف: "قالوا". و المثبت كما في الدر المنثور.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى المصنف.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 326، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى المصنف وابن المنذر. وتقدم أوله في ص 258.

ص: 265

دِينِ الْمَلِكِ}. أي: بظلم، ولكنَّ اللَّهَ كاد ليوسُفَ ليَضُمَّ إليه أخاه

(1)

.

حدَّثني يُونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} . قال: ليس في دينِ الملكِ أن يُؤْخَذَ

(2)

السارقُ بسرقتِه، قال: وكان الحكمَ عندَ الأنبياءِ يعقوبَ وبنيه أن يُؤْخَذَ السارقُ بسرقتِه عبدًا يُسْتَرقُ

(3)

.

وهذه الأقوال وإن اخْتَلَفَت ألفاظُ قائليها في معنى دينِ الملكِ، فمُتقاربُة

(4)

المعانى؛ لأن

(5)

مَن أخَذه في سلطانِ الملكِ عامَلَه بعملِه، [فيريناه أخذَه إذا لم يغيره]

(6)

، وذلك منه حكمٌ عليه، وحكمُه عليه قضاؤُه.

وأصلُ الدِّين الطاعةُ، وقد بيَّنْتُ ذلك في غيرِ هذا الموضعِ بشَواهده، بما أغْنى عن إعادتِه في هذا الموضعِ

(7)

.

وقولُه: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ، كما حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ:{إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} . ولكن صنَعْنا له، بأنهم قالوا:{فَهُوَ جَزَاؤُهُ} .

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2176 (11823) من طريق سلمة به.

(2)

في ص، ف:"يأخذ".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2174 (11814) من طريق أصبغ عن ابن زيد بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27 إلى المصنف.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"متقارب".

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"لا".

(6)

كذا في المطبوعة، وفى ص:"فيربناه أخذه إذا لم يعيره"، وفى ت 1:"فريناه أخذه إذا لم يغيره"، وفى ت 2:"فبرفاه أخذه إذا لم يعره"، وفى ف:"فبريناه أخذه إذا لم يغبره".

(7)

ينظر ما تقدم في 3/ 292.

ص: 266

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} . إلا بعلَّةٍ كادها اللهُ، فاعْتلَّ بها يوسُفُ

(1)

.

وقولُه: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} . اختَلَفَت القرَأَةُ في قراءةِ ذلك، فقرَأه بعضُهم: (نرفع

(2)

دَرجاتِ مَن نَشاءُ). بإضافةِ الدرجاتِ إلى "مَن" بمعنى: نَرْفَعُ منازلَ مَن نشاءُ رفْعَ منازله ومَراتبِه في الدنيا، بالعلمِ. على غيرِه، كما رفَعْنا مرتبةَ يوسُفَ في ذلك، ومنزلتَه في الدنيا، على منازلِ إخوتِه ومراتبِهم.

وقرَأ ذلك آخرون: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} بتنوينِ الدرجاتِ

(3)

، بمعنى: نَرْفَعُ من نشاءُ مَراتب ودرجاتٍ في العلمِ على غيرِه، كما رفَعْنا يوسُفَ، فمَن على هذه القراءةِ نَصَبَ، وعلى القراءةِ الأولى خَفَضَ. وقد بيَّنا ذلك في سورةِ الأنعامِ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، قال: قال ابن جُرَيج، قولُه:{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} . يوسُفُ وإخوتُه أُوتُوا علمًا، فرفَعْنا يوسُفَ فوقَهم

(4)

في العلمِ

(5)

.

وقولُه: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وفوقَ كلِّ

(1)

تقدم تخريجه في ص 263.

(2)

في ت 2: "يرفع". وهى قراءة يعقوب. وينظر النشر 2/ 222، والإتحاف ص 161.

(3)

قراءة التنوين هي قراءة عاصم وحمزة والكسائى وخلف، والباقون بإضافة الدرجات إلى "من". وينظر المصدرين السابقين.

(4)

في ص، ت 2، ف:"فوقه".

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 27، 28 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 267

عالمٍ مَن هو أعْلَمُ منه، حتى يَنْتَهِيَ ذلك إلى اللهِ تعالى. وإنما عنَى بذلك أن يُوسُفَ أعْلَمُ إخوتِه، وأن فوقَ يوسُفَ مَن هو أعلمُ مِن يوسُفَ، حتى ينتهىَ ذلك إلى اللَّهِ تعالى.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا أبو عامر العَقَدى، قال: ثنا سفيانُ، عن عبدِ الأعلى الثعلبيِّ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، أنه حدَّث بحديثٍ، فقال رجلٌ عندَه:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . فقال ابن عباسٍ: بئسما قلتَ، إن الله هو عليمٌ، وهو فوق كلِّ عالمٍ.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ؛ وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن عبدِ الأعلى، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: حدَّث ابن عباسٍ بحديثٍ، فقال رجلٌ عندَه: الحمدُ للهِ {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . فقال ابن عباسٍ: العالِمُ اللهُ، وهو فوق كلِّ عالمٍ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يَحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريِّ، عن عبدِ الأعلى، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: كنا عند ابن عباسٍ، فحدَّث حديثًا، فتعَجَّب رجلٌ فقال: الحمدُ للهِ {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . فقال ابن عباسٍ: بئْسما قلتَ: الله العليمُ، وهو فوقَ كلِّ عالمٍ

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، قال: أخبَرنا

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 326، 327، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2177 (11829) عن الحسن بن يحيى به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 28 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 268

إسرائيلُ، عن سالمٍ

(1)

، عن عِكرمةَ، عن ابن عباسٍ:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} قال: يكونُ هذا أعلمَ مِن هذا، وهذا أعلمَ مِن هذا، واللهُ فوقَ كلِّ عالمٍ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا سعيدٌ بن منصورٍ، قال: أخبَرنا أبو الأحوصِ، عن عبدِ الأعلى، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . قال: اللهُ الخبيرُ العليمُ فوقَ كلِّ عالمٍ

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبيدُ اللهِ، قال: أخبَرنا إسرائيلُ، عن عبدِ الأعلى، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} قال: اللَّهُ فوقَ كلِّ عالمٍ

(4)

.

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا وكيعٌ؛ وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن أبي مَعْشَرٍ، عن محمد بن كعبٍ، قال: سأَل رجلٌ عليًّا عن مسألةٍ، فقال فيها، فقال الرجلُ: ليس هكذا، ولكن كذا وكذا. قال عليٌّ: أصبتَ وأخطأتُ، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}

(5)

.

حدَّثني يعقوبُ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا ابن عُلَيَّةَ: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن خالد، عن عكرمةَ، في قولُه:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . قال: علم الله فوق كلِّ أحدٍ

(6)

.

(1)

كذا في النسخ. وفي مصدر التخريج: "سماك". ولعله هو الصواب، فإن سماك بن حرب روى عن عكرمة، وروى عنه إسرائيل بن يونس. وليس في الرواة من اسمه سالم يروى عن عكرمة ويروى عنه إسرائيل بن يونس. والله أعلم.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2177 (11830) من طريق إسرائيل به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 26، 28 إلى الفريابي وابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

سنن سعيد بن منصور (1137 - تفسير).

(4)

أخرجه البيهقى في الأسماء والصفات (236) من طريق إسرائيل به.

(5)

أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (865) من طريق وكيع به.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2177 (11831)، والبيهقى في الأسماء والصفات (237) =

ص: 269

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن نُمَيرٍ، عن نضرٍ

(1)

، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . قال: اللَّهُ عز وجل.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبيد، عن سفيانَ، عن عبدِ الأعلى، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . قال: الله أعلمُ مِن كلِّ أحدٍ

(2)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن ابن شُبْرُمةَ، عن الحسنِ في قولِه:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . قال: [ليس عالمٌ]

(3)

إلا فوقَه عالمٍ، حتى يَنْتَهِيَ العلمُ إلى اللهِ

(4)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عاصمٌ، قال: ثنا جُوَيْرِيَةُ، عن بَشِيرٍ الهُجَيْميِّ، قال: سَمِعْتُ الحسن قرَأ هذه الآية يومًا: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . ثم وقَف، فقال: إنه والله ما أمْسَى على ظهرِ الأرضِ عالمٌ إلا فوقَه مَن هو أعلمُ منه، حتى يعودَ العلمُ إلى الذي علَّمه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عليٌّ، عن جَرِيرٍ، عن ابن شُبْرُمةَ، عن الحسنِ:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . قال: فوقَ كل عالمٍ عالمٌ، حتى يَنْتهَى العلمُ إلى اللهِ.

= من طريق خالد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 28 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.

(1)

في ص: "نصر" غير منقوطة، وفى م:"نصر" وهو النضر بن عبد الرحمن، أبو عمر الخزاز. ينظر ترجمته في تهذيب الكمال 29/ 393.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 28 إلى المصنف.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"عليم".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 28 إلى المصنف وأبى الشيخ.

ص: 270

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولُه:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . حتى يَنْتهىَ العلمُ إلى اللهِ، منه

(1)

بُدِئ، وتعَلَّمَت العلماءُ، وإليه يعودُ. [وفى]

(2)

قراءةِ عبدِ اللَّهِ: (وفوق كلِّ عالمٍ عليمٌ)

(3)

.

قال أبو جعفرٍ: إن قال لنا قائلٌ: وكيف جاز ليوسُفَ أَن يَجْعَلَ السِّقايةَ في رَحْلِ أخيه، ثم يُسَرِّقَ قومًا أبْرِياءَ مِن السَّرَقِ، ويقول:{أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} ؟ [يوسُفَ: 70].

قيل: إن قولَه: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} . إنما هو خبرٌ مِن اللَّهِ عن مؤذِّنٍ أذَّن به، لا خبرٌ عن يوسُفَ، وجائزٌ أن يكونَ المؤذِّنُ أذَّن بذلك إذ

(4)

فقَد الصُّواعَ، ولا يَعْلَمُ بصنيع يوسُفَ، وجائزٌ أن يكونَ كان أذَّن المؤذِّنُ بذلك عن أمرِ يوسُفَ، واسْتَجاز الأمرَ بالنداءِ بذلك؛ لعلمِه بهم أنهم قد كانوا سرَقوا سرقةً في بعضِ الأحوالِ، فأمَر المؤذِّنَ أن يُنادِيَهم بوصفِهم بالسَّرَقِ، ويوسُفُ يعني ذلك السَّرَقَ، لا سَرَقَهم الصُّواعَ. وقد قال بعضُ أهلِ التأويلِ: إن ذلك كان خطأً من فعلِ يوسُفَ، فعاقَبه الله بإجابةِ القومِ إياه:{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} . وقد ذكَرْنا الروايةَ بذلك فيما مضَى.

‌القول في تأويل قولُه: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)} .

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"ومنه".

(2)

في م، ف:"في".

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 326. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2177 (11832) من طريق سعيد بن بشير به من غير ذكر القراءة، والقراءة شاذة.

(4)

في النسخ: "أن" وهو تحريف. والمثبت هو الصواب.

ص: 271

يقولُ تعالى ذكرُه: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ} هذا

(1)

{فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} يعْنون أخاه لأبيه وأمِّه، وهو يوسُفُ.

كما حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} . لِيوسفَ

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} . قال: يعنى يوسُفَ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ:{فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} . قال: يوسُفُ.

وقد اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في السَّرَقِ الذي وصَفُوا به يوسُفَ؛ فقال بعضُهم: كان صنمًا لجدِّه أبى أمِّه، كسَره وألْقاه على الطريقِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أحمدُ بنُ عمرٍو البَصْرِيُّ، قال: ثنا الفيضُ بنُ الفَضْلِ، قال: ثنا مِسْعَرٌ، عن أبي حَصِينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ

(1)

سقط من: م، ت 2.

(2)

تفسير مجاهد ص 399، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 28 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 272

قَبْلُ}. قال: سرَق يوسُفُ صنمًا لجدِّه أبى أمِّه، كسره وأَلْقاه في الطريقِ، فكان إخوتُه يَعِيبُونه بذلك

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} . ذُكِر أنه سرَق صنمًا لجدِّه أبي أمِّه، فعيَّروه بذلك

(2)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} . أرادوا بذلك عيبَ نبيِّ اللهِ يوسُفَ، وسرقتُه التي عابوه بها صنمٌ كان الجدِّه أبى أمِّه، فأَخَذَه، إنما أراد نبيُّ الله بذلك الخيرَ، فعابوه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ في قولِه:{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} . قال: كانت أمُّ يوسفَ أَمَرَت يوسُفَ يَسْرِقُ صنمًا لخالِه يَعْبُدُه، وكانت مسلمةً

(3)

.

وقال آخرون في ذلك ما حدَّثنا به أبو كريبٍ، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمِعْتُ أبي، قال: كان بنو يعقوبَ على طعامٍ [إِذْ نظَر]

(4)

يوسُفُ إلى عَرْقٍ

(5)

، فخَبَّأَه، فعيَّروه بذلك:{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}

(6)

.

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 354، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2177 (11834) من طريق الفيض به.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 326 عن معمر به.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 28 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(4)

في النسخ: اضطر". وهو خطأ. والمثبت من تاريخ المصنف.

(5)

العرق: العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم. اللسان (ع ر ق).

(6)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 355، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2178 (11836) من طريق ابن إدريس عن أبيه عن عطية مختصرًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 28 إلى المصنف وأبى الشيخ عن عطية بنحوه.

ص: 273

وقال آخرون في ذلك بما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، عن عبدِ اللهِ بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ أبى الحجاجِ، قال: كان أولَ ما دخَل على يوسُفَ مِن البلاءِ، فيما بلَغَني، أن عمَّتَه ابنةَ إسحاقَ، وكانت أكبرَ ولدِ إسحاقَ، وكانت إليها

(1)

مِنْطقَةُ إسحاقَ، وكانوا يَتَوارَثونها بالكِبَرِ، فكان من اخْتانَها

(2)

ممَّن ولِيَها كان له سَلَمًا لا يُنازَعُ فيه، يَصْنَعُ فيه ما شاء، وكان يعقوبُ حينَ وُلِد له يوسُفُ، كان قد حضَنته عمَّتُه، فكان معها وإليها، فلم يُحِبَّ أحدٌ شيئًا مِن الأشياء حُبَّها إياه، حتى إذا تَرَعْرَع وبلَغ سنواتٍ، وقَعَت نفسُ يعقوبَ عليه، أتاها فقال: يا أُخَيَّةُ، سلِّمى إليَّ يوسفَ، فواللهِ ما أَقْدِرُ على أن يَغِيبَ عنى ساعةً. قالت: واللهِ، ما أنا بتارِكتِه، واللهِ ما أقْدِرُ أن يَغِيبَ عنى ساعةً. قال: فواللهِ، ما أنا بتاركِه. قالت: فدَعْه عندى أيامًا أَنْظُرْ إليه، وأَسْكُن عنه، لعل ذلك يُسَلِّيني عنه. أو كما قالت. فلما خرَج مِن عندِها يعقوبُ عمَدت إلى مِنْطَقة إسحاقَ، فحزَمَتها على يوسُفَ مِن تحتِ ثيابِه. ثم قالت: لقد فقَدْتُ مِنْطقة إسحاقَ، فانْظُروا مَن أخَذَها ومَن أصابها. فالتُمِسَتْ ثم قالت: كَشِّفوا أهلَ البيت، فكشَّفوهم، فوجَدوها مع يوسفَ، فقالت: واللهِ، إنه لى لسَلَمٌ تصْنَعُ فيه ما شئتُ. قال: وأتاها يعقوبُ، فأخْبَرته الخبرَ، فقال لها: أنت وذاكِ إن كان فعَل ذلك فهو سَلَمٌ لك، ما أَسْتَطِيعُ غير ذلك. فأمْسكَته، فما قدَر عليه يعقوبُ حتى ماتَت. قال: فهو الذي يقولُ إخوةُ يوسُفَ حينَ صنَع بأخيه ما صنَع حين أخَذه: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}

(3)

.

قال ابن حميدٍ: قال: ابن إسحاق: لما رأى بنو يعقوبَ ما صنعَ أخُو يوسُفَ،

(1)

بعده في التاريخ: "صارت".

(2)

في م: "اختص بها". واختانها: سرقها.

(3)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 330، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2178 (11837) من طريق سلمة به.

ص: 274

ولم يَشُكُّوا أنه سرق، قالوا - أسَفًا عليهم، لِما دخَل عليهم في أنفسِهم تَأْنِيبًا له -:{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} . فلما سمِعها يوسُفُ قال: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا} ، سِرًّا في نفسه، ولم يُبْدِها لهم، {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ}

(1)

.

وقولُه: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} . يعنى بقولِه: {فَأَسَرَّهَا} : فَأَضْمَرها.

وقال: {فَأَسَرَّهَا} . فأنَّت؛ لأنه عُنِى بها الكلمةُ، وهى {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} ، ولو كانت جاءت بالتذكير كان جائزًا، كما قيل: {تِلْكَ

(2)

مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} [هود: 49]، {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى} [هود: 100].

وكنى عن الكلمةِ، ولم يَجْرِ لها ذكرٌ مُتَقَدِّمٌ. والعربُ تَفْعَلُ ذلك كثيرًا، إذا كان مفهومًا المعنى المراد عند سامِعِى الكلامِ، وذلك نظيرُ قولِ حاتمٍ الطائيِّ

(3)

:

أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّراءُ عن الفتى

إذا حشْرَجَت يومًا

(4)

وضاق بها الصَّدْرُ

يُرِيدُ: وضاق بالنَّفَسِ الصدرُ، فكنَى عنها، ولم يَجْرِ لها ذكرُ، إذ كان في قولِه: إذا حشرَجت يومًا دَلالةٌ لسامعِ كلامِه على مرادِه بقولِه: وضاق بها. ومنه قولُ اللَّهِ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 110].

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2180 (11841) من طريق سلمة عن ابن إسحاق مختصرًا.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"ذلك". وينظر معاني القرآن 2/ 52.

(3)

ديوانه ص 210، وغيره كثير.

(4)

في الديوان: "نفس" والمثبت هو المشهور من رواية البيت.

ص: 275

فقال: مِن بعدِها. ولم يجْرِ قبلَ ذلك ذكرٌ لاسمٍ مؤنثٍ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بِشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} . أما الذي أسَرَّ في نفسِه فقولُه: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} .

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} . قال: هذا القولُ

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمِّى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} . يقول: أسَرَّ في نفسِه قولَه: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ}

(2)

.

وقولُه: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} . يقولُ: واللَّهُ أعلمُ بما تَكْذِبون فيما تَصِفون به أخاه بنيامينَ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 326 عن معمر به، وعزاه الشوكانى في فتح القدير 3/ 47 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2179 (11839) عن محمد بن سعد به.

ص: 276

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} . يقولون: يوسُفُ يقولُه

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: أخبرنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن وَرْقاءَ، عن ابن أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا بِشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} . أي: بما تَكْذِبون

(2)

.

فمعنى الكلامِ إذن: فأسَرَّها يوسُفُ في نفسِه ولم يُبْدِها لهم، قال: أنتم شرٌّ عندَ اللَّهِ مَنْزِلًا ممَّن وصَفْتُموه بأنه سرَق، وأخبثُ مكانًا بما سلَف مِن أفعالِكم، واللَّهُ عالمٌ بكذبِكم، وإن جهِله كثيرٌ ممن حضَر مِن الناسِ.

وذُكِر أن الصُّواعَ لما وُجِد في رحلِ أخى يوسُفَ تلاوَمَ القومُ بينَهم، كما حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسْباطَ، عن السديِّ، قال: لما اسْتُخْرِجَت السَّرِقةُ مِن رَحلِ الغلامِ انْقَطَعَت ظهورُهم، وقالوا: يا بَنى راحيلَ، ما يَزالُ لنا منكم بلاءٌ، متى

(3)

أخَذْتَ هذا الصُّواعَ؟ فقال بنيامينُ: بل بنو راحيلَ الذين لا يَزالُ لهم منكم

(1)

تفسير مجاهد ص 400، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2180 (11840، 11842) من طريق شبابة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 29 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2180 (11843) من طريق سعيد به.

(3)

في م، ف:"حتى".

ص: 277

بلاءٌ، ذهَبْتُم بأخى فأهْلكْتُموه في البَرِّيَّةِ، وضَع هذا الصُّواع في رحلى الذي وضَع الدراهمَ في رِحالِكم! فقالوا: لا تَذْكُرِ الدَّراهمَ، فتُؤْخَذَ

(1)

بها! فلمَّا دخَلوا على يوسُفَ دعا بالصُّواعِ، فنقَر فيه، ثم أدْناه مِن أذنِه، ثم قال: إن صُواعى هذا لَيُخْبِرُنى أنكم كنتم اثنَىْ عشَرَ رجلًا، وأنكم انْطَلَقْتُم بأخٍ لكم فبِعْتُموه. فلمَّا سمِعها بنيامينُ، قام فسجَد ليوسُفَ، ثم قال: أيُّها الملكُ، سَلْ صُواعَك هذا عن أخى، أحيٌّ هو؟ فنقَره، ثم قال: هو حيٌّ، وسوف تَراه. قال: فاصْنَعْ بى ما شئتَ، فإنه إن علِم بى فسوف يَسْتَنْقِذُنى. قال: فدخَل يوسفُ فبكَى، ثم توضَّأ، ثم خرَج، فقال بنيامينُ: أيُّها الملكُ، إنى أُرِيدُ أن تَضْرِبَ صُواعَك هذا فيُخْبِرَك بالحقِّ، فسَلْه: مَن سرَقه، فجعَلَه في رَحْلى؟ فنقَره فقال: إن صُواعى هذا غضبانُ، وهو يقولُ: كيف تَسْأَلُنى. مَن

(2)

صاحبى؟ وقد رَأيتَ مع مَن كنتُ؟ قال: وكان بنو يعقوبَ إذا غضِبوا لم يُطاقوا. فغضِب رُوبيلُ، وقال: أيُّها المَلِكُ، واللَّهِ لتَتْرُكَنَّا، أو لأَصِيحَنَّ صيحةً لا تَبْقَى بمصرَ امرأةٌ حاملٌ إلا أَلقَتْ ما في بطنِها، وقامت كلُّ شَعرةٍ في جسدِ رُوبيلَ، فخرَجت مِن ثيابِه، فقال يوسُفُ لابنِه: قُمْ إلى جنبِ رُوبيلَ فمَسَّه. وكان بنو يعقوبَ إذا غضِب أحدُهم فمسَّه الآخَرُ ذهَب غضبُه، فمرَّ الغلامُ إلى جنبِه فمَسَّه، فذهَب غضبُه، فقال رُوبيلُ: مَن هذا؟ إن في هذا البلدِ لبَزْرًا مِن بَزْرِ يعقوبَ! فقال يوسُفُ: مَن يعقوبُ؟ فغضِب روبيلُ، فقال: يا أيُّها الملكُ، لا تَذْكُرْ يعقوبَ؛ فإنه سَرِيُّ

(3)

اللَّهِ، ابن ذَبيحِ اللَّهِ، ابن خليلِ اللَّهِ. قال يوسُفُ: أنت إذن إن

(4)

(1)

في م: "فنؤخذ"، وفى ت 2:"فيؤخذ".

(2)

في م، ف:"عن".

(3)

في التاريخ: "إسرائيل".

(4)

سقط من: م.

ص: 278

كنتَ صادقًا

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قالت إخوةُ يوسُفَ ليوسُفَ: {يَاأَيُّهَا الْعَزِيز} : يا أيُّها الملكُ، {إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} كَلِفًا بحبِّه، يَعْنون يعقوبَ، {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ}. يعنون: فخُذْ أحدًا منا بدَلًا من بِنيامينَ، وخلِّ عنه، {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}. يقولون: إنا نراك مِن المحسنينَ في أفعالِك.

وقال محمدُ بنُ إسحاقَ في ذلك، ما حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} : إنا نرى ذلك منك إحسانًا إن فعَلْتَ

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال يوسفُ لإخوتِه: {مَعَاذَ اللَّهِ} : أعوذُ باللَّهِ. وكذلك تَفْعَلُ العربُ في كلِّ مصدرٍ وضَعَتْه

(3)

موضعَ "يَفْعَل" و "تفْعَل"، فإنها تَنْصِبُ؛ كقولِهم: حمدًا للَّهِ وشكرًا له. بمعنى: أَحْمَدُ اللَّهَ وأَشْكُرُه، والعربُ تقولُ في ذلك: معاذَ اللَّهِ، ومعاذَةَ اللَّهِ. فتُدْخِلُ فيه هاءَ التأنيثِ، كما يقولون: ما أحْسَنَ

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 355، 356، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2179 (11838) من طريق أسباط به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2180 (11845) من طريق سلمة به.

(3)

في ص، ت 1، ت 2:"وصفته".

ص: 279

مَعْناةَ

(1)

هذا الكلامِ. وعوذَ اللَّهِ، وعوذةَ اللَّهِ، وعياذَ اللَّهِ. ويقولون: اللهمَّ عائذًا بك. كأنه قيل: أعوذُ بك عائذًا، أو: أدْعوك عائذًا.

{أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} . يقولُ: أَسْتَجِيرُ باللَّهِ مِن أن نَأْخُذَ بريئًا بسقيمٍ.

كما حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ} . يقولُ: إن أخَذْنا غيرَ الذي وجَدْنا متاعَنا عندَه، إنا إذًا نَفْعَلُ ما ليس لنا فعلُه، ونَجورُ على الناسِ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ:{قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ} يوسفُ: إذا أتَيْتُم أباكم فأقْرِئوه السلامَ، وقولوا له: إن ملِكَ مصرَ يدعو لك أن لا تموتَ حتى تَرَى ابنَك يوسفَ، حتى يَعْلَمَ

(3)

أن في أرضِ مصرَ صِدِّيقِين مثلَه

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)} .

يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ} . فلمَّا يَئِسوا منه مِن أن

(1)

في م: "معناه".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2180 (11846) من طريق سلمة به نحوه.

(3)

في ت 1، ت 2:"تعلم".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2181 (11848) من طريق أسباط به.

ص: 280

يُخَلِّىَ يوسفُ عن بنيامينَ، ويَأْخُذَ منهم واحدًا مكانَه، وأن يُجِيبَهم إلى ما سأَلوه من ذلك. وقولُه:{اسْتَيْأَسُوا} اسْتَفْعَلوا، مِن يَئِس الرجلُ مِن كذا، يَيْأَسُ.

كما حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ} : يَئِسوا

(1)

منه ورَأَوْا شدَّتَه في أمرِه

(2)

.

وقولُه: {خَلَصُوا نَجِيًّا} . يقولُ: بعضُهم لبعضٍ يَتَناجَوْن، لا يَخْتَلِطُ بهم

(3)

غيرُهم. والنَّجِيُّ جماعةُ القومِ المُنْتَجِين، يُسَمَّى به الواحدُ والجماعةُ، كما يُقالُ: رجلٌ عَدْلٌ، ورجالٌ عَدْلٌ، وقومٌ زَورٌ، وفِطْرٌ

(4)

. وهو مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: نجَوْتُ فلانًا أَنْجوهُ نَجِيًّا. جُعِل صفةً ونعتًا. ومن الدليلِ على أن ذلك كما ذكَرْنا قولُ اللَّهِ تعالى: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52] فوصَف به الواحدَ، وقال في هذا الموضع:{خَلَصُوا نَجِيًّا} فوصَف به الجماعةَ. ويُجْمَعُ النَّجِيُّ أَنْجِيةً، كما قال لَبيدٌ

(5)

:

وشهِدْتُ أَنْجِيةَ الأُفاقَةِ عاليًا

كَعْبِى وأْردافُ الملوكِ شهودُ

(6)

وقد يُقالُ للجماعةِ مِن الرجالِ: نجوى؛ كما قال جل ثناؤه: {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} [الإسراء: 47]. وقال: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} [المجادلة: 7]. وهم القومُ الذين يَتَناجَوْن. وتكونُ النَّجْوَى أيضًا مصدرًا؛ كما قال

(1)

في ص: "أيسوا".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2181 (11847) من طريق سلمة به.

(3)

في ت 1، ف:"بعضهم".

(4)

رجل فطر، وقوم فطر: مفطرون. ينظر اللسان (ف ط ر).

(5)

شرح ديوان لبيد ص 35.

(6)

الأفاقة: موضع. عاليا كعبى: فلجت عليهم. أرداف الملوك: جمع ردف، وهو الذي يكون مع الملك لا يفارقه. المصدر السابق.

ص: 281

اللَّهُ: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} [المجادلة: 10]. يُقالُ

(1)

منه: نَجَوْتُ أَنْجو نَجْوَى، فهى في هذا الموضعِ: المناجاةُ نفسُها، ومنه قولُ الشاعرِ

(2)

:

بُنَىَّ بَدا خِبُّ نَجْوَى الرجالِ

فكُنْ عندَ سرِّك خَبَّ النَّجِى

(3)

فالنَّجْوَى والنَّجِيُّ في هذا البيتِ بمعنى واحدٍ، وهو المناجاةُ، وقد جمَع بين اللُّغتيْن

(4)

.

وبنحوِ الذي قلنا في تأويلِ قولِه: {خَلَصُوا نَجِيًّا} ، قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السُّدِّيِّ:{فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} . وأخْلَص لهم شِمْعونُ وقد كان ارْتَهنه، خلَوْا

(5)

بينَهم نجيًّا: يَتَناجَوْن بينَهم.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قولَه:{خَلَصُوا نَجِيًّا} : خلَصوا وحدَهم نجيًّا

(6)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{خَلَصُوا نَجِيًّا} ؛ أي: خلا بعضُهم ببعضٍ، ثم قالوا: ماذا تَرَوْن

(7)

؟

(1)

في م: "تقول".

(2)

هو الصلتان العبدى، كما في شرح الحماسة 3/ 1210، وهو في الخزانة 2/ 183 غير منسوب.

(3)

الخِب بالكسر: الخِداع والخُبث والغِش. والخِب بالفتح والكسر: الخدَّاع والخبيث. اللسان (خ ب ب).

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"البيتين".

(5)

في ت 1: "خلصوا".

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2181 (11849) من طريق سعيد به.

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2181 (11850) من طريق سلمة به. دون قوله: ثم قالوا ماذا ترون.

ص: 282

وقولُه: {قَالَ كَبِيرُهُمْ} . اخْتَلف أهلُ العلمِ في المعنيِّ بذلك، فقال بعضُهم: عُنِى به كبيرُهم في العقلِ والعلمِ، لا في السِّنّ، وهو شِمْعونُ. قالوا: وكان رُوبيلُ أكبرَ منه في الميلادِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قولِ اللَّهِ:{قَالَ كَبِيرُهُمْ} . قال: هو شِمْعونُ الذي تخلَّف، وأكبرُ منه - أو

(1)

أكبرُ منهم في الميلادِ - رُوبيلُ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{قَالَ كَبِيرُهُمْ} شِمْعونُ الذي تخلَّف، وأكبرُ منه في الميلادِ رُوبيلُ

(2)

.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثني المثنى، قال: أخْبَرنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ الزبيرِ، عن سفيانَ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ:{قَالَ كَبِيرُهُمْ} . قال: شِمْعونُ الذي تخلَّف، وأكبرُهم في الميلادِ رُوبيلُ.

وقال آخرون: بل عنَى به كبيرَهم في السِّنِّ، وهو روبيلُ.

(1)

في م: "و".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2181 (11851) من طريق شبابة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 29 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 283

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{قَالَ كَبِيرُهُمْ} : وهو روبيلُ أخو يوسفَ، وهو ابن خالتِه، وهو الذي نهاهم عن قتلِه

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{قَالَ كَبِيرُهُمْ} . قال: رُوبيلُ، وهو الذي أشار عليهم أن لا يَقْتُلوه

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ:{قَالَ كَبِيرُهُمْ} في العلمِ

(3)

: إن {أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} الآية. فأقام روبيلُ بمصرَ، وقبَل

(4)

التسعةُ إلى يعقوبَ فأخْبَروه الخبرَ، فبكَى وقال: يا بَنِيَّ، ما تذهبون مرَّةً إلا نقَصْتُم واحدًا؟! ذهَبْتُم مرةً فنقَصْتُم يوسفَ، وذهَبْتُم الثانيةَ فنقَصْتُم شِمْعونَ، وذهَبْتُم الآنَ فنقَصْتُم روبيلَ

(5)

!

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} . قال: ماذا تَرَوْن؟ فقال رُوبيلُ - كما ذُكِر لى، وكان كبيرَ القومِ -: {أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ

(6)

وَمِنْ قَبْلُ مَا

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2181 (11853) من طريق سعيد بن أبى عروبة به، دون قوله: وهو الذي نهاهم عن قتله. وأخرجه أيضًا (11852) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة نحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 29 إلى أبى الشيخ.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 327 عن معمر به.

(3)

كذا في النسخ، ومقتضى الترجمة أن يكون في السن.

(4)

في م: "أقبل" وكلاهما بمعنى. ينظر اللسان (ق ب ل).

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2181، 2182، 2184 (11854، 11857، 11872) من طريق أسباط به.

(6)

بعده في النسخ: "لتأتننى به إلا أن يحاط بكم" وهو وهم من النساخ، أو سبق قلم من المصنف.

ص: 284

فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ} الآية

(1)

.

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصحةِ قولُ مَن قال: عُنِى بقولِه: {قَالَ كَبِيرُهُمْ} رُوبيلُ؛ لإجماعِ جميعِهم على أنه كان أكبرَهم سنًّا، ولا تَفْهَمُ العربُ في المخاطَبَةِ - إذا قيل لهم: فلانٌ كبيرُ القومِ. مطلقًا بغيرِ وصلٍ - إلا أحدَ مَعْنَيَيْن؛ إما في الرِّياسةِ عليهم والسؤدَدِ، وإما في السنِّ؛ فأما في العقلِ فإنهم إذا أرادوا ذلك وصَلوه، فقالوا: هو كبيرُهم في العقلِ. فأما إذا أُطْلِق بغيرِ صلتِه بذلك، فلا يُفْهَمُ إلا ما ذكَرْتُ.

وقد قال أهلُ التأويلِ: لم يكن لشِمْعُونَ - وإن كان قد كان مِن العلمِ والعقلِ بالمكانِ الذي جعَله اللَّهُ به - على إخوتِه رياسةٌ وسُؤْدَدٌ، فيُعْلَمَ بذلك أنه عُنِى بقولِه:{قَالَ كَبِيرُهُمْ} .

فإذ

(2)

كان ذلك كذلك، فلم يَبْقَ إلا الوجهُ الآخرُ؛ وهو الكِبَرُ في السنِّ، وقد قال الذين ذكَرْنا جميعًا: رُوبيلُ كان أكبرَ القومِ سنًّا. فصحَّ لذلك

(3)

القولُ الذي اخْتَرْناه.

وقولُه: {أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ} . يقولُ: ألم تَعْلَموا أيُّها القومُ أن أباكم يعقوبَ قد أخَذ عليكم عهودَ اللَّهِ ومواثيقَه لنأتِيَنَّه به

(4)

جميعًا، إلا أن يُحاطَ بكم، [{وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ}]

(5)

ومِن قبلِ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2181، 2182 (11855) من طريق سلمة به.

(2)

في م: "فإذا".

(3)

في م: "بذلك".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"بهم".

(5)

سقط من النسخ، وسياق الكلام يقتضى هذه الزيادة.

ص: 285

فعلتِكم هذه تفريطُكم في يوسفَ. يقولُ: أو لم تَعْلَموا مِن قبلِ هذا تفريطَكم في يوسفَ؟

وإذا صُرِف [تأويلُ الكلامِ]

(1)

إلى هذا الذي قلناه، كانت "ما" حينئذٍ في موضعِ نصبٍ. وقد يجوزُ أن يكونَ قولُه:{وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ} خبرًا مبتدَأً، ويكونَ قولُه:{أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ} خبرًا متناهيًا، فتكونَ "ما" حينئذٍ في موضعِ رفعٍ، كأنه قيل: ومِن قبلِ هذا تفريطُكم في يوسفَ، فتكونَ "ما" مرفوعةً بـ {وَمِنْ قَبْلُ} هذا وقد

(2)

يجوزُ أن تكونَ "ما"

(3)

صلةً في الكلامِ، فيكونَ تأويلُ الكلامِ: ومِن قبلُ ما

(4)

تفريطُكم في يوسفَ.

وقولُه: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} التي أنا بها - وهى مصرُ - فأُفَارِقَها {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} بالخروجِ منها.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} التي أنا بها اليومَ {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} بالخروجِ منها

(5)

.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: قال شِمْعونُ: {لَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ

(1)

في ت 1: "الكلام وتأويله".

(2)

سقط من: م.

(3)

بعده في ص، ت 1، ت 2، ف:"التي"، وبعده في م:"التي تكون"، والمثبت مناسب للسياق. ويريد المصنف بالصلة الزيادة.

(4)

في م: "هذا".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2182 (11856) من طريق سلمة به.

ص: 286

خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}.

وقولُه: {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} : أَو يَقْضِىَ لى ربى بالخروجِ منها، وترْكِ أخى بنيامينَ، وإلا فإنى غيرُ خارجٍ، {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}. يقولُ: واللَّهُ خيرُ مَن حكَم، وأعدلُ مَن فصَل بينَ الناسِ.

وكان أبو صالحٍ يقولُ في ذلك بما حدَّثني الحسينُ بنُ يزيدَ السَّبِيعيُّ، قال: ثنا عبدُ السلامِ بنُ حربٍ، عن إسماعيلَ بن أبى خالدٍ، عن أبي صالحٍ في قولِه:{حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} . قال: بالسيفِ

(1)

.

وكأن أبا صالحٍ وجَّه تأويلَ قولِه: {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} إلى

(2)

: أو يَقْضِىَ اللَّهُ لى بِحربِ مَن منَعنى مِن الانصرافِ بأخى بنيامينَ إلى أبيه يعقوبَ، فأُحارِبَه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)} .

يقولُ تعالى ذكرُه مخبرًا عن قيلِ رُوبيلَ لإخوتِه حينَ أخَذ يوسفُ أخاه بالصُّواعِ الذي اسْتُخْرِج من وعائِه: {ارْجِعُوا} إخوتى {إِلَى أَبِيكُمْ} يعقوبَ. فقولوا له: {يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ} بنيامينَ {سَرَقَ} .

والقَرَأةُ على قراءةِ هذا الحرفِ بفتحِ السينِ والراءِ والتخفيفِ: {إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} .

ورُوِى عن ابن عباسٍ: (إِنَّ ابنَك سُرِّقَ) بضمِّ السينِ وتشديدِ الراءِ. على وجهِ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2182 (11858) من طريق عبد السلام به.

(2)

سقط من: ت 1، ت 2، ف.

ص: 287

ما لم يُسَمَّ فاعلُه

(1)

، [بمعنى: أنه سُرَّق]

(2)

.

{وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} . واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك، فقال بعضُهم: معناه: وما قلنا: إنه سرَق. إلا بظاهرِ علْمِنا بأن ذلك كذلك؛ لأن صُواعَ الملكِ أُصِيب في وعائِه دونَ أوعيةِ غيرِه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ} فإنى ما كنتُ راجعًا حتى يَأْتِيَنى أمرُه، {فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا}؛ أي: قد وُجِدت السرقةُ

(3)

في رحْلِه ونحن نَنْظُرُ، لا علمَ لنا بالغيبِ {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ}

(4)

.

وقال آخَرون: بل معنى ذلك: وما شهِدْنا عندَ يوسفَ بأن السارقَ يُؤْخَذُ بسرقتِه إلا بما علِمْنا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخْبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: قال لهم يعقوبُ عليه السلام: ما دَرَى

(5)

هذا الرجلُ أن السارقَ يُؤْخَذُ بسرقتِه إلا بقولِكم! فقالوا: {مَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} لم نَشْهَدْ أن السارقَ يُؤْخَذُ بسَرِقتِه إلا وذلك الذي

(1)

وقد رويت هذه القراءة أيضًا عن أبي رزين والكسائى في رواية، وهى قراءة شاذة. ينظر البحر المحيط 5/ 337، والدر 4/ 29.

(2)

سقط من: ت 1.

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2182، 2183 (11859، 11861، 11865) من طريق سلمة به نحوه.

(5)

في ص، م، ت 1، ت 2:"يدرى".

ص: 288

علِمْناه

(1)

. قال: وكان الحكمُ عندَ الأنبياءِ يعقوبَ وبنيه أن يُؤْخَذَ السارقُ بسرقتِه عبدًا يُسْتَرَقُّ

(2)

.

وقولُه: {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} . يقولُ: وما كنا نُرَى أن ابنَك يَسْرِقُ ويصيرُ أمرُنا إلى هذا، وإنما قلنا:{وَنَحْفَظُ أَخَانَا} [يوسف: 65]. مما لنا إلى حفظِه منه السبيلُ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسينُ بنُ الحُرَيْثِ أبو عمارٍ المَرْوَزيُّ، قال: ثنا الفضلُ بنُ موسى، عن الحسينِ بن واقدٍ، عن يزيدَ، عن عكرمةَ:{وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} . قال: ما كنا نَعْلَمُ أن ابنَك يَسْرِقُ

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبى نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، قولَه:{وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} : لم نَشْعُرْ أنه سَيَسْرِقُ

(4)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} . قال: لم نَشْعُرْ أنه سَيَسْرِقُ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن

(1)

في م: "علمنا".

(2)

في م: "فيسترق". والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2182، 2183 (11862) من طريق آخر عن ابن زيد دون قول يعقوب.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2183 (11863) من طريق الفضل به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 29 إلى أبى الشيخ.

(4)

تفسير مجاهد ص 400، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 29 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.

ص: 289

مجاهدٍ: {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} . قال: لم نَشْعُرْ أنه سَيَسْرِقُ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ. وأبو سفيانَ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} . قال: ما كنَّا نَظُنُّ ولا نَشْعُرُ أنه سَيَسْرِقُ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} . قال: ما كنا نُرَى أنه سَيَسْرِقُ

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} . قال: ما كنا نَظُنُّ أن ابنَك يَسْرِقُ

(2)

.

وأَوْلى التأويلين بالصوابِ عندَنا في قولِه: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} قولُ مَن قال: وما شهِدْنا بأن ابنَك سرَق إلا بما علِمْنا من رؤيتِنا للصُّواعِ في وعائِه. لأنه عَقيبُ قولِه: {إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} ، فهو بأن يكونَ خبرًا عن شهادتِهم بذلك أَوْلى مِن أن يكونَ خبرًا عما هو منفصلٌ.

وذُكر أن الغيبَ في لغةِ حِمْيَر هو الليلُ بعينِه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)} .

يقولُ: وإن كنتَ متَّهِمًا لنا لا تُصَدِّقُنا على ما نقولُ من أن ابنَك سرَق، فاسْألِ {الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} ، وهى مصرُ. يقولُ: سَلْ مَن فيها من أهلِها،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2183 (11864) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 29 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 327 عن معمر به.

ص: 290

{وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} وهى القافلةُ التي كنَّا فيها، التي أقبلنا منها معها

(1)

، عن خبرِ ابنِك، وحقيقةِ ما أخْبَرْناك عنه مِن سَرَقِه

(2)

، فإنك تُخْبَرُ مصداقَ ذلك، {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} فيما أخْبَرْناك من خبرِه.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قولَه:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} : وهى مصرُ

(3)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، قال: قال ابن عباسٍ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} . قال: يَعْنون مصرَ

(4)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: قد عرَف رُوِبيلُ في رجْعِ قولِه لإخوتِه أنهم أهلُ تُهَمةٍ عندَ أبيهم، لِمَا كانوا صنَعوا في يوسفَ. وقولُهم له:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} ، فقد علِموا ما علِمْنا، وشهِدوا ما شهِدْنا إن كنتَ لا تُصَدِّقُنا، {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}

(5)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)} .

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"معنا".

(2)

في ت 1: "سرقته"، وكلاهما بمعنى.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2183 (11867) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 29 إلى أبى الشيخ.

(4)

عزاه الشوكانى في فتح القدير 3/ 47 إلى المصنف وابن المنذر.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2183 (11869) من طريق سلمة به.

ص: 291

قال أبو جعفرٍ: وفى الكلامِ متروكٌ، وهو: فرجَع إخوةُ بنيامينَ إلى أبيهم، وتخلَّف روبيلُ، فأخْبَروه خبرَه، فلمَّا أخْبَروه أنه سرَق قال:{بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} . يقولُ: بل زيَّنتْ لكم أنفسُكم أمرًا همَمْتُم به وأرَدْتُموه

(1)

{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} . يقولُ: فصبرى على ما نالنى مِن فقدِ ولدى صبرٌ جميلٌ، لا جزعَ فيه ولا شكايةَ، عسَى اللَّهُ أن يَأْتِيَنى بأولادى جميعًا فيَرُدُّهم عليَّ، {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} بوَحْدَتى

(2)

بفقدِهم، وحُزْنى عليهم، وصدْقِ ما يقولون مِن كذبِه

(3)

، {الْحَكِيمُ} في تدبيرِه خلقَه.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قولَه:{بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} . يقولُ: زيَّنت، وقولُه:{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} . يقولُ: بيوسفَ وأخيه ورُوبيلَ

(4)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لما جاءوا بذلك إلى يعقوبَ - يعنى بقولِ روبيلَ لهم - اتَّهمهم، وظنَّ أن ذلك كفعلتِهم بيوسفَ، ثم قال:{بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} ؛ أي بيوسفَ وأخيه ورُوبِيلَ

(5)

.

(1)

بعده في ت 1: "بأولادى جميعًا".

(2)

بعده في م: "و".

(3)

أي: وصدق أو كذب ما يقولون.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2184 (11870) من طريق سعيد به بأوله. و (11873) من طريق سعيد بن بشير بآخره. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 29 إلى أبى الشيخ.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2184 (11871، 11874) من طريق سلمة به.

ص: 292

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)} .

يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} : وأعْرَض عنهم يعقوبُ، {وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}. يعنى: يا حَزَنَا عليه! يُقالُ: إن الأسفَ هو أشدُّ الحزنِ والتندُّمِ، يُقالُ منه: أسِفْتُ على كذا آسَفُ عليه أسَفًا.

يقولُ اللَّهُ جلَّ ثناؤُه: وابيضَّتْ عينا يعقوبَ مِن الحزنِ {فَهُوَ كَظِيمٌ} . يقول: فهو مكظومٌ على الحزنِ، يعنى أنه مملوءٌ منه ممسِكٌ عليه لا يُبِينُه. صُرِف "المفعولُ" منه إلى "فعيلِ". ومنه قولُه:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134]. وقد بيَّنا معناه بشواهدِه فيما مضَى

(1)

.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ما قلنا في تأويلِ قولِه: {وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} : أعْرَض عنهم، وتتامَّ حزنُه، وبلَغ مجهودَه حين لحِق بيوسفَ أخوه، وهُيِّج عليه حزنُه على يوسفَ، فقال:{يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ، قولَه:{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} . يقولُ

(1)

ينظر ما تقدم في 6/ 57.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2184، 2185 (11876) من طريق سلمة به.

ص: 293

يا حَزَنَا على يوسفَ

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ؛ وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن نُميرٍ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، قولَه:{يَاأَسَفَى} : يا حَزَنَا.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} : يا جزَعاه.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} : يا جَزَعاه

(2)

حَزَنًا.

حدَّثني المثنى، قال: أخْبَرنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبى نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} . قال: يا جَزَعَا

(3)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قولَه:{يَاأَسَفَى} ؛ أي حَزَناه.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} . قال: يا حَزَناه

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ حميدٍ المَعْمَريُّ، عن معمرٍ، عن قتادةَ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2185 (11878) من طريق آخر عن ابن عباس. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 29 إلى ابن المنذر.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"جزعا".

(3)

تفسير مجاهد ص 400 ومن طريقه ابن أبي حاتم 7/ 2185 (11879).

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 327 عن معمر. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 29 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.

ص: 294

نحوَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: قال ابن عباسٍ: {وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}

(1)

.

[حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ؛ وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن أبى حُجيرةَ، عن الضحَّاكِ:{يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} . قال: يا حَزَنا على يوسفَ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أبي مرزوقٍ، عن جُويبرٍ، عن الضحَّاكِ]

(3)

: {يَاأَسَفَى} : يا حَزَناه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجَّاجٌ، قال: ثنى هُشْيمٌ، قال: أخْبَرنا جويبرٌ عن الضحَّاكِ: {يَاأَسَفَى} : يا حَزَنا على يوسفَ

(4)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبَرنا عبدُ الرزاقِ قال: أخْبَرنا الثوريُّ، عن سفيانَ العُصْفُريِّ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، قال: لم يُعْطَ أحدٌ غيرُ هذه الأمةِ الاسترجاعَ؛ ألا تَسْمَعون إلى قولِ يعقوبَ: {يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}

(4)

؟

حدَّثني المُثنَّى، قال: ثنا أبو نُعيمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ نحوَه.

(1)

كذا بدون ذكر المتن، ولعله سقط من النساخ.

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الهم والحزن (90) من طريق هشيم بلفظ الأثر السابق.

(3)

سقط من: ص، ت 1.

(4)

تقدم تخريجه في 2/ 708 من طريق سفيان العصفرى. وهو أيضا في تفسير عبد الرزاق 1/ 327.

وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2185 (11881)، والبيهقى في الشعب (9691) من طريق الثورى به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى ابن المنذر. قال البيهقى: رفعه بعض الضعفاء إلى ابن عباس ثم إلى النبي صلى الله عليه وسلم) اهـ. وهو الذي أخرجه الثعلبى في تفسيره - كما في تخريج الكشاف 2/ 174، من طريق سفيان العصفرى، عن ابن جبير، عن ابن عباس مرفوعًا.

ص: 295

‌ذكرُ مَن قال ما قلنا في تأويلِ قولِه تعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَهُوَ كَظِيمٌ} . قال: كظيمُ الحزنِ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَهُوَ كَظِيمٌ} . قال: كظيمُ الحزنِ

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن نُميرٍ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوَه.

حدَّثني المثنَّى، قال: أخْبَرنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبى نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَهُوَ كَظِيمٌ} . قال: الحزنُ.

حدَّثني المثنَّى، قال: أخْبَرنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَهُوَ كَظِيمٌ} : مكمودٌ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ:{فَهُوَ كَظِيمٌ} . قال: كظيمٌ على الحزنِ.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخْبَرنا هشيمٌ، عن جُويبرٍ، عن الضحَّاكِ، في قولِه:{فَهُوَ كَظِيمٌ} . قال: الكظيمُ الكَمِيدُ

(2)

.

(1)

تفسير مجاهد ص 400. ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2187 (11887)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20، 30 إلى أبى الشيخ.

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الهم والحزن (88)، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2187 (11889) من طريق هشيم به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 30 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 296

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المحاربيُّ، عن جُويبرٍ، عن الضحَّاكِ:{فَهُوَ كَظِيمٌ} . قال: كَميدٌ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخْبَرنا جويبرٌ، عن الضحَّاكِ، قولَه:{كَظِيمٌ} . قال: كميدٌ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} . يقولُ: يُرَدِّدُ حزنَه في جوفِه ولم يَتَكَلَّمْ بسوءٍ

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ، في قولِه:{فَهُوَ كَظِيمٌ} . قال: كظيمٌ على الحزنِ فلم يَقُلْ بأسًا

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا الحسينُ

(3)

بنُ الحسنِ، قال: ثنا ابن المباركِ، قال: أخْبَرنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ، في قولِه:{وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} . قال: كظيمٌ على الحزنِ فلم يَقُلْ إلا خيرًا

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا يحيى بنُ يمانٍ، عن يزيدَ بن زُرَيْعٍ

(5)

، عن عطاءٍ الخُراسانيِّ:{فَهُوَ كَظِيمٌ} . قال: مكروبٌ

(6)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ: {فَهُوَ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2187 (11890) من طريق سعيد بن بشير نحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 20 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 327 عن معمر به، وفيه: فلم يقل شيئًا.

(3)

في ت 1، ف:"الحسن". وينظر ترجمته في تهذيب الكمال 6/ 361.

(4)

الزهد لابن المبارك (468). ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2187 (11888)، وأخرجه ابن أبى الدنيا في الهم والحزن (89) من طريق آخر عن قتادة.

(5)

في ت 1، ف:"بريع". وفى ت 2: "يزيع" وقد مضى مرارًا.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 30 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 297

كَظِيمٌ}. قال: مِن الغيظِ.

حدَّثني يونسُ، قال: أخْبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قولِه:{وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} . قال: الكظيمُ: الذي لا يَتَكَلَّمُ، بلَغ به الحزنُ حتى كان لا يُكَلِّمُهم

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)} .

يعنى تعالى ذكرُه: قال ولدُ يعقوبَ الذين انْصَرفوا إليه من مصرَ له حين قال: {يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} : تاللَّهِ لا تَزالُ تَذْكُرُ يوسفَ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{تَفْتَأُ} : تَفْتُرُ من حبِّه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{تَفْتَأُ} : ما

(2)

تَفْتُرُ مِن حُبِّه.

هكذا

(3)

قال الحسنُ في حديثِه، وهو غلطٌ، إنما هو: تَفْتُرُ من حُبِّهِ، تَزالُ تَذْكُرُ يوسفَ

(4)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 30 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(3)

في م: "كذا".

(4)

تفسير مجاهد ص 400، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2187 (11892)، وعزاه =

ص: 298

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن نُميرٍ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} . قال: لا تَفْتُرُ من حبِّه.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{تَفْتَأُ} : تَفْتُرُ من حبِّه.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} . قال: لا تَزالُ تَذْكُرُ يُوسفَ.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن إسرائيلَ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ:{قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} . قال: لا تزالُ تَذْكُرُ يوسفَ. قال: لَا تَفْتُرُ من حبِّه

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} قال: لا تزالُ تَذْكُرُ يوسفَ.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} قال: لا تَزالُ تَذْكُرُ يوسفَ

(2)

.

يُقال منه: ما فتِئْتُ أقولُ ذاك، وما فتَأْتُ لغةٌ، أفْتِئُ وأفْتَأُ فَتْئًا وفُتُوءًا. وحُكِى أيضًا: ما أَفْتَأْتُ به. ومنه قولُ أوسِ بن حَجَرٍ

(3)

:

=السيوطي في الدر المنثور 4/ 31 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2187 (11891) من طريق إسرائيل به دون آخره. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 31 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ، دون آخره.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 327 عن معمر به. وتكرر هذا الأثر في ص، م ت 2، ف بسنده ومتنه.

(3)

ديوانه ص 59.

ص: 299

فما فَتِئَتْ حتى كأنَّ غُبارَها

سُرادِقُ يومٍ ذى رِياحٍ ترَفَّعُ

وقولُه

(1)

الآخرُ

(2)

:

فما فتِئَتْ خِيلٌ تَثُوبُ وتدَّعِى

ويَلْحَقُ منها لاحقٌ وتَقَطَّعُ

بمعنى: فما زالت.

وحُذِفت "لا" مِن قولِه: {تَفْتَأُ} . وهى مرادةٌ في الكلامِ؛ لأن اليمينَ إذا كان ما بعدَها خبرًا لم يَصْحَبْها الجحدُ، ولم تَسْقُطِ اللامُ التي يُجابُ بها الأيمانُ، وذلك كقولِ القائلِ: واللَّهِ لآتينَّك. وإذا كان ما بعدَها مجحودًا تُلُقِّيتْ بـ "ما" أو بـ "لا"، فلما عُرِف موقعُها حُذِفت من الكلامِ، لمعرفةِ السامعِ بمعنى الكلامِ، ومنه قولُ امرئَ القَيْس

(3)

:

فقلْتُ يمينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قاعدًا

ولو قَطَّعوا رأسى لديكِ وأوْصالى

فحُذِفت "لا" من قولِه

(4)

: أَبْرَحُ قاعدًا؛ لِمَا ذكَرْتُ من العلَّةِ، كما قال الآخرُ

(5)

:

فلا وأبى دَهْماءَ زالت عزيزةً

على قومِها ما فتَّل الزَّنْدَ قادحُ

يُريدُ: لا زالتْ.

وقولُه: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} . يقولُ: حتى تكونَ دنِفَ الجسمِ،

(1)

في م، ت 1، ت 2، ف:"قول".

(2)

ديوانه ص 58.

(3)

تقدم البيت في 4/ 12.

(4)

بعده في ص، ت 1، ت 2:"لا".

(5)

البيت في معاني القرآن للفراء 2/ 54، وتأويل مشكل القرآن ص 174، وينظر الكلام عليه في الخزانة 9/ 237 وما بعدها.

ص: 300

مخبولَ العقلِ.

وأصلُ الحرَضِ الفسادُ في الجسمِ والعقلِ؛ من الحزنِ أو العشقِ، ومنه قولُ العَرْجيِّ

(1)

:

إنى امرُؤٌ لجَّ بى حُبٌّ فأحْرَضَنى

حتى بَلِيتُ وحتى شفَّنى السَّقَمُ

يعنى بقولِه: فأحرضنى: أذابنى فترَكنى مُحْرَضًا. يُقالُ منه: رجلٌ حَرَضٌ، وامرأةٌ حَرَضٌ، وقومٌ حَرَضٌ، ورجلانِ حَرَضٌ. على صورةٍ واحدةٍ للمذكَّرِ والمؤنثِ، وفى التثنيةِ والجمعِ. ومن العربِ مَن يقولُ للذكَرِ: حارضٌ. وللأنثى حارضةٌ. فإذا وصَف بهذا اللفظِ ثنَّى وجمَع، وذكَّر وأنَّث. ووُحِّد "حَرَضٌ" بكلِّ حالٍ ولم يَدْخُلْه التأنيثُ؛ لأنه مصدرٌ. فإذا أُخْرِج على "فاعلٍ" على تقديرِ الأسماءِ، لزِمه ما يَلْزَمُ الأسماءَ مِن التثنيةِ والجمعِ، والتذكيرِ والتأنيثِ. وذكَر بعضُهم سماعًا: رجلٌ مُحرضٌ. إذا كان وَجِعًا، وأنْشَد في ذلك بيتًا:

طلَبَتْه الخيلُ يومًا كاملا

ولو الْفَتْه لأَضْحَى مُحْرَضا

وذُكر أن منه قولَ امرِئَ القيسِ

(2)

:

أرَى المرءَ ذا الأذْوادِ يُصْبِحُ مُحْرَضًا

كإحراضِ بَكْرٍ في الديارِ مرِيضِ

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} : يعنى الجهدَ في

(1)

مجاز القرآن لأبى عبيدة 1/ 317، والأغانى 1/ 389.

(2)

ديوانه ص 77.

ص: 301

المرضِ، البالىَ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن نُميرٍ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} . قال: دونَ الموتِ

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ قال: ثنا ابن فُضيلٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} . قال: الحَرَضُ ما دونَ الموتِ

(2)

.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

(2)

.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا حجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ،، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} : حتى تَبْلَى أو تَهْرَمَ.

(1)

تفسير مجاهد ص 400. وينظر ما تقدم في ص 299.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2187 (11894) من طريق ابن فضيل به.

ص: 302

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} : حتى تكونَ هَرِمًا

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ قال: ثنا عمرٌو عن أبي بكرٍ الهُذَليِّ، عن الحسنِ:{حَرَضًا} . قال: هَرِمًا

(2)

.

قال: ثنا المحاربيُّ، عن جُويبرٍ، عن الضحَّاكِ، قال: الحَرَضُ الشئُ البالى

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخْبَرنا هشيمٌ، عن جُويبرٍ، عن الضحَّاكِ في قولِه:{حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} . قال: الحَرَضُ الشئُ البالى الفانى.

قال: ثنا سُوَيْدُ بنُ نصرٍ، قال: أخْبَرنا ابن المباركِ، عن أبي معاذٍ، عن عُبيدِ بن سليمانَ، عن الضحَّاكِ:{حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} : الحَرَضُ البالى.

حُدِّثت عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ، يقولُ: أخبَرنا عبيدُ بنُ سليمانَ، عن الضحَّاكِ، يقولُ في قولِه:{حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} : هو البالى المُدْبرُ

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السُّدِّيِّ:{حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} : باليًا.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لمَّا ذكَر يعقوبُ يوسفَ، قالوا - يعنى ولدَه الذين حضَروه في ذلك الوقتِ، جهلًا وظلمًا -:

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 327 عن معمر به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2188 (11896) من طريق أبى بكر به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2188 (11898) من طريق جويبر به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 31 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

(4)

في م: "المندثر".

ص: 303

{قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} . أي: تكونَ فاسدًا لا عقلَ لك، {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}

(1)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخْبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} . قال: الحَرَضُ الذي قد رُدَّ إلى أرذلِ العمرِ، حتى لا يَعْقِلَ، أو تهلِكَ فتكونَ هالكًا قبلَ ذلك.

وقولُه: {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} . يقولُ: أو تكونَ ممن هلَك بالموتِ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن فُضيلٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} . قال: الموتُ

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} : من الميِّتين.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المُحاربيُّ، عن جُويبرٍ، عن الضحَّاكِ:{أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} . قال: الميِّتين

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمْرُو بنُ عونٍ، قال: أخْبَرنا هشيمٌ، عن جُويبرٍ، عن الضحَّاكِ مثلَه.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2185، 2188 (11880، 11899) من طريق سلمة به.

(2)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2188 عقب الأثر (11900) معلقًا.

(3)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2188 عقب الأثر (11900) معلقًا، وهو في الدر المنثور من تمام الأثر المتقدم في الصفحة السابقة.

ص: 304

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، عن أبي بكرٍ الهُذليِّ، عن الحسنِ:{أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} . قال: الميِّتين

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} . قال: أو تموتَ.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} . قال: من الميِّتين

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ:{أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} . قال: من

(3)

الميِّتين

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال يعقوبُ للقائلين له مِن ولدِه: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} لستُ إليكم أشْكُو بثِّي وحُزْنى، وإنما أَشكو ذلك إلى اللَّهِ.

ويعنى بقولِه: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي} : ما أَشكو همِّى وحُزنى إلَّا إلى اللهِ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

(1)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2188 عقب الأثر (11900) معلقًا.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 327 عن معمر به.

(3)

زيادة من: م.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2188، عقب الأثر (11900) من طريق عمرو به.

ص: 305

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي} . قال ابن عباسٍ: {بَثِّي} : همِّي

(1)

.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سَلَمَةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: قال يعقوب عن علمٍ باللَّهِ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ؛ لِمَا رأَى مِن فَظاظَتِهم وغلظتِهم وسوءِ لفظِهم به: لم أَشْكُ ذلك إليكم {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

(2)

.

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن عوفٍ، عن الحسنِ:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} . قال: حاجتى وحُزْنى إلى اللَّهِ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا هَوْذَةُ بنُ خليفةَ، قال: ثنا عوفٌ، عن الحسنِ مثلَه

(3)

.

وقيل: إن البثَّ أشدُّ الحزنِ. وهو عندى مِن: بثَّ الحديثَ. وإنما يُرادُ منه: إنما أَشْكو خبرى الذي أنا فيه من الهمِّ، وأَبُثُّ حديثى وحُزْنى إلى اللَّهِ.

حدثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن عوفٍ، عن الحسنِ:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي} . قال: حُزْني.

حدَّثنا ابن بشَّارٍ، قال: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن عوفٍ، عن الحسنِ: {إِنَّمَا

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 32 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2189 (11907) من طريق سلمة به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2189 (11903) من طريق هوذة به.

ص: 306

أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي}. قال: حاجتي

(1)

.

وأما قولُه: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} . فإن ابنَ عباسٍ كان يقولُ في ذلك - فيما ذُكِر عنه - ما حدَّثني به محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمى، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ في قولِه:{وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} . يقولُ: أَعْلَمُ أن رُؤْيا يوسفَ صادقةٌ، وأنى سأَسْجُدُ

(2)

له

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السُّديِّ:{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} . قال: لمَّا أَخْبَروه بدعاءِ المَلِكِ، أحسَّتُ نفسُ يعقوبَ، وقال: ما يكونُ في الأرضِ صِدَّيقٌ إلا نبيٌّ. فطَمِع، قال: لعلَّه يوسفُ

(4)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} الآية: ذُكِر لنا أن نبيَّ اللَّهِ يعقوبَ لم يَنْزِلْ به بلاءٌ قطُّ إِلا أَتَى حُسْنُ ظنِّه باللَّهِ مِن ورائِه

(5)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا حَكَّامٌ، عن عيسى بن يزيدَ، عن الحسنِ، قال: قيل: ما بلَغ وَجْدُ يعقوبَ على ابنِه؟ قال: وَجْدَ سبعيَن ثَكْلَى. قال: فما كان له من الأجرِ؟ قال: أجرُ مائةِ شهيدٍ. قال: وما ساء ظَنُّه باللَّهِ ساعةً مِن ليل ولا نهارٍ

(6)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 32 إلى المصنف وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

في ت 1، ت 2، ف:"ساجد".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2189 (11908) من طريق محمد بن سعدٍ به.

(4)

ذكره البغوي في تفسيره 4/ 270.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2189 (11906) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 32 إلى أبى الشيخ.

(6)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 357.

ص: 307

حدَّثنا به ابن حميدٍ مرّةً أخرى، قال: ثنا حكَّامٌ، عن أبي معاذٍ، عن يُونسَ، عن الحسنِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثلَه

(1)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن المباركِ بن

(2)

مجاهدٍ، عن رجلٍ من الأَزْدِ، عن طلحةَ بن مُصَرِّفٍ الإياميِّ، قال: ثلاثةٌ لا تَذْكُرْهنَّ، وَاجْتَنِبْ ذَكْرَهنَّ؛ لا تَشْكُ مرضَك، ولا تَشْكُ مصيبتَك، ولا تُزَكِّ نفسَك. قال: وأُنْبِئتُ أن يعقوبَ بنَ إسحاقَ دخَل عليه جارٌ له، فقال له: يا يعقوبُ، ما لى أَراك قد انْهَشَمْتَ وفَنِيتَ، ولم تَبْلُغْ مِن السِّنِّ ما بلَغ أبوك؟ قال: هشَمنى وأفنانى ما ابتلاني اللَّهُ به؛ مِن همِّ يوسفَ وذكْرِه. فَأَوْحَى اللَّهُ إليه: يا يعقوبُ، أَتَشْكُوني إلى خَلْقى؟ فقال: يا ربِّي، خطيئةٌ أخْطَأْتُها، فاغْفِرْها لى. قال: فإنِّي قد غفَرْتُ لك. وكان بعدَ ذلك إذا سُئِل، قال:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

(3)

.

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، قال: ثنى مُؤَمَّلُ بنُ إسماعيلَ، قال: ثنا سفيانُ، عن حَبيبِ بن أبي ثابتٍ، قال: بلَغنى أن يعقوبَ كبِر حتى سقَط حاجباه على وَجْنَتَيْه، فكان يَرْفَعُهما بخِرْقَةٍ، فقال له رجلٌ: ما بلَغ بك ما أَرَى؟ قال: طولُ الزمانِ، وكثرةُ الأحزانِ. فَأَوْحى اللَّهُ إليه: يا يعقوبُ تَشْكوني؟ قال: خطيئةٌ فاغْفِرْها

(4)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا ثورُ بنُ يزيدَ، قال: دخَل

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 357.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"عن". وينظر تهذيب الكمال 11/ 305، 306.

(3)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 357 دون أوله.

(4)

أخرجه أحمد في الزهد ص 84 عن مؤمل به، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2189 (11904) من طريق سفيان، عن أسلم، عن حبيب نحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 32 إلى عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 308

يعقوبُ على فرعونَ وقد سقَط حاجباه على عينيْه، فقال: ما بلَغ بك هذا يا إبراهيمُ؟ فقالوا

(1)

: إنه يعقوبُ. فقال: ما بلَغ بك هذا يا يعقوبُ؟ قال: طولُ الزمانِ، وكثرةُ الأحزانِ. فقال اللَّهُ: يا يعقوبُ أَتَشْكوني؟ فقال: يا ربِّ، خطيئةٌ أخطأتُها، فاغْفِرْها لي.

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، قال: ثنا عبدُ الوَهَّابِ، قال: ثنا هشامٌ، عن ليثِ بن أبي سُليمٍ، قال: دخَل جِبْرِيلُ على يوسفَ السجنَ، فعرَفه، فقال: أيُّها الملَكُ الحَسَنُ وجهُه، الطيبُ

(2)

ريحُه، الكريمُ على ربِّه، ألا تُخْبِرُني عن يعقوبَ؛ أحيٌّ هو؟ قال: نعم. قال: أيُّها الملَكُ الحسنُ وجهُه، الطيبُ

(2)

ريحُه، الكريمُ على ربِّه، فما بلَغ مِن حزنِه؟ قال: حُزنَ سبعين مُثْكَلَةٍ. قال: أيُّها الملَكُ الحسنُ وجهُه، الطيبُ

(2)

ريحُه، الكريمُ على ربِّه، فهل في ذلك من أجرٍ؟ قال: أجرُ مائةِ شهيدٍ

(3)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، عن ليثِ بن أبي سُليمٍ، عن مجاهدٍ، قال: حُدِّثتُ أن جبريلَ أتَى يوسفَ صلَّى اللَّهُ عليهما وهو بمصَر في صورةِ رجلٍ، فلمَّا رآه يوسفُ عرَفه، فقام إليه، فقال: أيُّها الملَكُ الطيبُ ريحُه، الطاهرُ ثيابُه، الكريمُ على ربِّه، هل لك بيعقوبَ مِن علم؟ قال: نعم. قال: أيُّها الملَكُ [الطيبُ ريحُه]

(4)

، الطاهرُ ثيابُه، الكريمُ على ربِّه، [فكيف هو؟ قال: ذهَب بصرُه. قال: أيُّها الملَكُ الطاهرُ ثيابُه، الكريمُ على ربِّه]

(5)

، وما الذي أَذْهَب بصرَه؟

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"فقال".

(2)

في ص، م، ت 1، ت 2:"الطيبة".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 186 (11884) من طريق الحسنُ بن الحر، عن ليث بنحوه، مختصرًا.

(4)

ليست في ص، م، ت 2، ف.

(5)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

ص: 309

قال: الحزْنُ عليك. قال: أيُّها المَلَكُ الطيبُ ريحُه، الطاهرُ ثيابُه، الكريمُ على ربِّه، فما أُعْطِي على ذلك؟ قال: أجرَ سبعين شهيدًا

(1)

.

حدَّثني يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخْبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال أبو

(2)

شُريحٍ: سَمِعتُ مَن يُحدِّثُ أن يوسفَ سأل جبريلَ: ما بلَغ مِن حزنِ يعقوبَ؟ قال: حزُنَ سبعين ثَكْلَى. قال: فما بلَغ أجرُه؟ قال: أجرَ سبعين شهيدًا.

قال: أَخْبَرنا ابن وهبٍ، قال: أخْبَرني نافعُ بنُ يَزِيدَ، عن [عُبيدِ اللَّهِ]

(3)

بن أبي جعفرٍ، قال: دخَل جبريلُ على يوسفَ في البئرِ، أو في السجنِ، فقال له يوسفُ: يا جبريلُ، ما بلَغ حُزْنُ أبي؟ قال: حُزْنَ سبعين ثَكْلَى. قال: فما بلَغ أجرُه من اللَّهِ؟ قال: أجرَ مائةِ شهيدٍ

(4)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ عبدِ الكريمِ، قال: ثني عبدُ الصمدِ بنُ مَعْقِلٍ، قال: سمِعتُ وهَبَ بنَ مُنَبِّهٍ يقولُ: أَتَى جبريلُ يوسفَ بالبُشْرَى وهو في السجنِ، فقال: هل تَعْرِفُنى أيُّها الصِّدِّيقُ؟ قال: أرَى صورةً طاهرةً، ورُوحًا طيبةً، لا تُشْبِهُ أرواحَ الخاطِئينَ. قال: فإني رسولُ ربِّ العالَمينَ، وأنا الرُّوحُ الأمينُ. قال: فما الذي أدْخَلك عليَّ مُدْخَلَ المُذْنِيين، وأنت أطيبُ الطَّيِّبينَ، ورأسُ المُقرَّبينَ، وأمينُ ربِّ العالَمين؟ قال: ألم تَعْلَمُ يا يوسفُ أنّ اللَّهَ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2186 (11886) من طريق محمد بن إسحاق به.

(2)

في ت 2: "ابن". وكلاهما صواب؛ فهو عبد الرحمن بن شريح، أبو شريح الإسكندراني: ينظر تهذيب الكمال 17/ 167.

(3)

في ت 2، والدر المنثور:"عبد الله". والظاهر أنه عبيد الله بن أبى جعفر المصري أبو بكر الفقيه، ترجمته في تهذيب الكمال 19/ 18.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 30 إلى المصنف.

ص: 310

يطَهِّرُ البيوتَ بطُهْرِ النَّبيِّين، وأن الأرضَ التي تَدْخُلونها

(1)

هي أطهرُ الأَرَضِينَ، وأن اللَّهَ قد طهَّر بك السِّجنَ وما حولَه [يا طَهِرَ]

(2)

الطاهرين وابنَ المُطَهَّرين؟ إنما يُتَطَهَّرُ بفضلِ طُهْرِك وطُهرِ آبائِك الصالحين المخلَصين. قال: كيف لي باسمِ الصِّدِّيقينَ، وتَعُدُّنى مِن المخلَصين، وقد أُدْخِلْتُ مُدْخَلَ المذنبينَ، وسُمِّيتُ بالضَّالِّين المُفْسِدينَ؟ قال: لم يَفْتَتِنُ قلبُك، ولم تُطِعْ سيِّدتَك

(3)

في معصيةِ ربِّك، ولذلك سمَّاك اللَّهُ في الصِّدِّيقينَ، وعَدَّك مِن المخلَصين، والْحَقَك بآبائِك الصالحينَ. قال: هل

(4)

لك علمٌ بيعقوبَ أيُّها الرُّوحُ الأمينُ؟ قال: نعم، وهَب اللَّهُ له الصبرَ الجميلَ، وابتلاه بالحزْنِ عليك فهو كظيمٌ. قال: فما قَدْرُ حزنِه؟ قال: حزنُ سبعين ثَكْلَى. قال: فماذا له مِن الأجرِ يا جبريلُ؟ قال: قدرُ مائةِ شهيدٍ

(5)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن ثابتٍ البُنانيِّ، قال: دخَل جبريلُ على يوسفَ في السجنِ، فعرَفه يوسفُ. قال: فأتاه فسلَّم عليه، فقال: أيُّها الملَكُ الطَّيِّبُ ريحُه، الطاهرُ ثيابُه، الكريمُ على ربِّه، هل لك مِن علمٍ بيعقوبَ؟ قال: نعم. قال: أيُّها الملَكُ الطيِّبُ ريحُه، الطاهرُ ثيابُه، الكريمُ على ربِّه، هل تَدْرِى ما فعَل؟ قال:[ابيضَّت عيناه]

(6)

. قال: أيُّها الملَكُ الطيِّبُ ريحُه، الطاهِرُ ثيابُه، الكريمُ

(1)

في م، ت 2:"يدخلونها".

(2)

غير واضحة في ت 2، وفى ت 2، ف:"يا أطهر"، وطَهِر كطاهرٍ. تاج العروس (ط هـ ر).

(3)

في ف: "سيدك".

(4)

ليست في م، ص، ت 2، ف.

(5)

ذكره البغوي في تفسيره 4/ 269، 270 بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 30 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(6)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"قد ابيضت عيناه من الحزن عليك".

ص: 311

على ربِّه، [مم ذاك؟ قال: من الحزنِ عليك. قال: أيُّها الملَكُ الطيِّبُ ريحُه، الطاهرُ ثيابُه، الكريمُ على ربِّه]

(1)

، وما بلَغ مِن حزْنِه؟ قال: حُزْنَ سبعين مُثْكَلَةٍ. قال: أيُّها الملَكُ الطَّيِّبُ ريحُه، الطاهرُ ثيابُه، الكريمُ على ربِّه، هل له على ذلك مِن أجرٍ؟ قال: نعم، أجرُ مائةِ شهيدٍ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السُّديِّ، قال: أتى جبريلُ يوسفَ وهو في السجنِ فسلَّم عليه، وجاءه في صورةِ رجلٍ حسنِ الوجهِ، طيِّبِ الريحِ، نقيِّ الثيابِ، فقال له يوسفُ: أيُّها الملَكُ الحسنُ وجهُه، الكريمُ على ربِّه، الطيِّبُ ريحُه، حَدَّثْنى كيف يعقوبُ؟ قال: حزِن عليك حزنًا شديدًا. قال: فما بلَغ مِن حزنِه؟ قال: حُزنَ سبعين مُثْكَلةٍ. قال: فما بلَغ مِن أجرِه؟ قال: أجرَ سبعين أو مائةِ شهيدٍ. قال يوسفُ: فإلى مَن أوَى بعدى؟ قال: إلى أخيك بنيامينَ. قال: فتُراني ألْقاه أبدًا؟ قال: نعم. فبكَى يوسفُ لما لقِى أبوه بعدَه، ثم قال: ما أُبالي ما لقِيتُ إنِ اللَّهُ أَرانِيه

(3)

.

قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن إبراهيمَ بن يزيدَ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن عكرمةَ، قال: أتَى جبريلُ يوسفَ وهو في السِّجنِ فسلَّم عليه، فقال له يوسفُ: أيُّها الملَكُ الكريمُ على ربِّه، الطيِّبُ ريحُه، الطاهرُ ثيابُه، هل لك

(4)

مِن علمٍ بيعقوبَ؟ قال: نعم

(5)

، ما أشدَّ حزنَه

(6)

! قال: أيُّها الملَكُ الكريمُ على ربِّه، الطيبُ ريحُه،

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 30 إلى المصنف.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2186 (11885) من طريق محمد بن عبد العزيز التيمي، عن السدي.

(4)

سقط من: م.

(5)

بعده في ص، ت 1، ت 2:"قال".

(6)

بعده في ت 1: "حزنًا شديدًا".

ص: 312

الطاهرُ ثيابُه، ماذا له من الأجرِ؟ قال: أجرُ سبعين شهيدًا. قال: أفتُراني لاقيه؟ قال: نعم. قال: فطابت نفْسُ يوسفَ

(1)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، قال: لَمَّا دخَل يعقوبُ على المَلِكِ وحاجباه قد سقَطا على عينَيْه، قال الملِكُ: ما هذا؟ قال: السِّنونَ والأحزانُ. أو: الهمومُ والأحزانُ. فقال ربُّه: يا يعقوبُ، لمَ تَشْكوني إلى خَلْقى، ألم أَفْعَلْ بك وأَفْعَلْ؟

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخْبَرنا الثوريُّ، عن عبدِ الرحمنِ بن زيادٍ، عن مسلمِ بن يسارٍ رفَعه

(2)

إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: "مَن بَثَّ فلم

(3)

يَصْبِرُ". ثم قرَأ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}

(4)

.

حدَّثني عمرُو بنُ عبدِ الحميدِ الآمُليُّ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن هشامٍ، عن الحسنِ، قال: كان منذُ خرَج يوسفُ من عندِ يعقوبَ إلى يومِ رجَع ثمانون سنةً، لم يُفارِقِ الحزنُ قلبَه، يَبْكِي حتى ذهَب بصرُه. قال الحسنُ: واللَّهِ، ما على الأرضِ يومئذٍ خَليقةٌ

(5)

أكرمُ على اللَّهِ مِن يعقوبَ عليه السلام

(6)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 31 إلى المصنف، وعنده: سبعين ثكلى، بدل: سبعين شهيدًا.

(2)

في ص، م، ت 2، ف:"يرفعه".

(3)

في م: "لم". والمثبت من بقية النسخ موافق لما في تفسير عبد الرزاق، وإن غيرها المحقق كما في المطبوعة عندنا.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 327، 328.

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"خليفة". والمثبت من م موافق لما في مصدري التخريج القادمين.

(6)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 358، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 30 إلى عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبي الشيخ.

ص: 313

تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)}.

يقولُ تعالى ذكرُه، حين طمِع يعقوبُ في يوسفَ [قال لبنيه]

(1)

: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا} إلى الموضعِ الذي جئْتُم منه، وخلَّفتُم أخويْكم

(2)

به، {فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ}. يقولُ: الْتَمِسوا يوسفَ وتَعَرَّفوا مِن خبرِه - وأصلُ التَّحَسُّسِ التفعُّلُ من الحَسِّ - {وَأَخِيهِ} . يعنى بنيامينَ، {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}. يقولُ: ولا تَقْنَطُوا من أن يُرَوِّحَ اللَّهُ عنا ما نحن فيه مِن الحزنِ على يوسفَ وأخيه، بفرَجٍ مِن عندِه، فيُرِيَنِيهما

(3)

، {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}. يقولُ:[لا يَقْنَطُ]

(4)

مِن فرَجِه ورحمتِه، ويَقْطَعُ رجاءَه منه، {إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}. يعنى: القومُ الذين يَجْحَدون قدرتَه على ما شاء تكْوينَه.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السُّديِّ:{يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} : بمصرَ، {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}. قال: مِن فرَجِ اللَّهِ أَن يَرُدَّ يوسفَ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} . أي: مِن رحمةِ

(5)

اللَّهِ

(6)

.

(1)

سقط من: ت 2، وفى ص، ف:"لبنيه"، وغير واضحة في ت 1.

(2)

في ص، ت 2:"إخوتكم".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"فيرينهما".

(4)

في ت 1، ف:"يقنط"، وفى ت 2:"لا تقنطوا".

(5)

في ت 2: "روحة".

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2190 (11911) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، وعزاه=

ص: 314

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ نحوَه

(1)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: ثم إن يعقوبُ قال لبَنيه - وهو على حُسْنِ ظنِّه بربِّه، مع الذي هو فيه من الحزْنِ -:{يَابَنِيَّ اذْهَبُوا} إلى البلادِ التي منها جِئْتُم، {فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}. أي: مِن فَرَجِه، {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}

(2)

.

حُدِّثتُ عن الحسينِ بن الفرَجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: أَخْبَرنا عُبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحَّاكَ يقولُ في قولِه: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} . يقولُ: مِن رحمةِ اللَّهِ

(3)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخْبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} . قال: مِن فرَجِ اللَّهِ، يُفَرِّجُ عنكم الغمَّ الذي أنتم فيه

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)} .

وفي هذا

(5)

الكلامِ متروكٌ قد اسْتُغْنِى بذكرِ ما ظهَر عما حُذِف؛ وذلك:

= السيوطي في الدر المنثور 4/ 33 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 328 عن معمر به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2190 (11910، 11912) من طريق سلمة به.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 33 إلى المصنف.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 33 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(5)

سقط من: م.

ص: 315

فخرَجوا راجعينَ إلى مصرَ حتى صاروا إليها، فدخَلوا على يوسفَ، {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ}. أي: الشدَّةُ مِن الجَدْبِ والقَحْطِ، {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} .

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: وخرَجوا إلى مصرَ راجعينَ إليها ببضاعةٍ مُزْجاةٍ؛ أي قليلةٍ، لا تَبْلُغُ ما كانوا يَتَبايَعون

(1)

به، إلا أن يُتَجاوَزَ لهم فيها، وقد رأَوْا ما نزل بأبيهم، [وتتابُعَ]

(2)

البلاءِ عليه في ولدِه وبصرِه، حتى قدِموا على يوسفَ، {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ} ، رجاةَ

(3)

أن يَرْحَمَهم في شأنِ أخيهم، {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ}

(4)

.

وعنَى بقولِه: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} : بدراهمَ، أو ثَمَنٍ

(5)

لا يجوزُ في ثمنِ الطعامِ إلا لمن يَتَجاوَزُ فيها.

وأصلُ الإزجاءِ السَّوْقُ بالدَّفْعِ. كما قال النابغةُ

(6)

الذُّبْيانيُّ

(7)

:

وهَبَّتِ الرِّيحُ مِن تِلْقَاءِ ذى أُرُلٍ

(8)

تُزْجِي معَ الليلِ مِن صُرَّادِها

(9)

صِرَمًا

(10)

(1)

في ت 2: "يبتاعون".

(2)

في ت 2: "من".

(3)

في م، وتفسير ابن أبي حاتم:"رجاء".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2191، 2192 (11917، 11927) من طريق سلمة به ببعضه.

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"تمر".

(6)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"نابغة".

(7)

ديوانه ص 107.

(8)

في ت 2: "أرك". وأُرُل: جبل بأرض غطفان. معجم البلدان 1/ 210.

(9)

الصُّرَّاد: سحاب بارد تَسْفِرُه الريح. وقيل: سحاب بارد نَدِيٌّ ليس فيه ماء. اللسان (ص رد).

(10)

الصِّرَم، جمع صِرْمَة: وهى القطعة من السحاب. اللسان (ص ر م).

ص: 316

يعنى: تَسُوقُ وتَدْفَعُ. ومنه قولُ أَعْشَى بنى ثَعْلَبَةَ

(1)

:

الواهِبُ المائةَ الهِجانَ

(2)

وعَبْدَها

عُوذًا

(3)

تُزَجِّي خلفَها أطفالَها

وقولُ حاتمٍ

(4)

:

لِيَبْكِ على مِلْحانَ ضَيْفٌ مُدَفَّعٌ

وأَرْمَلَةٌ

(5)

تُزْجِي مَعَ الليلِ أَرْمَلا

يعنى أنها تَسُوقُه بينَ يَدَيْها، على ضَعفٍ منه عن المشيِ وعجزٍ. ولذلك قيل:{بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} ؛ لأنها غيرُ نافِقَةٍ، وإنما تُجَوَّزُ تجويزًا على دَفْعٍ

(6)

مِن آخِذِيها.

وقد اخْتَلف أهلُ التأويلِ في البيانِ عن تأويل. ذلك، وإن كانت معاني بيانِهم متقاربةً.

‌ذكرُ أقوالِ أهلِ التأويلِ في ذلك

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن إسرائيلَ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ:{بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال: رَدِيئةٌ زُيُوفٌ، لا تَنْفُقُ حتى يُوضَعَ منها.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ العَنْقَزيُّ، قال: ثنا

(1)

ديوانه ص 29.

(2)

الهجان من الإبل: البِيض الكِرام. اللسان (هـ ج ن).

(3)

العُوذ؛ جمع عائِذ: وهى حَدِيثة النَّتاج من الإبل والظِّباء والخيل. اللسان (ع و ذ).

(4)

ديوانه ص 282.

(5)

رجل أرْمَل وامرأةٌ أرملةٌ: مُحْتاجة.

(6)

في النسخ: "نفع". والمثبت هو الصواب، وهو متسق مع تفسير المصنف للإزجاء وأنه السوق بالدفع، وقال القرطبي: والمعنى أنها بضاعة تدفع، ولا يقبلها كل أحد. تفسير القرطبي 9/ 253، وينظر البحر المحيط 5/ 339.

ص: 317

إسرائيلُ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} قال: الرَّديئةُ التي لا تَنْفُقُ حتى يُوضَعَ منها

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن عُيينَةَ، عن عثمانَ بن أبي سليمانَ، عن ابن أبي مُليكةَ، عن ابن عباسٍ:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال: خَلَقُ الغِرارَةِ والحبلِ والشيءِ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أَخْبَرنا ابن عُيينةَ، عن عثمانَ بن أبي سليمانَ، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ، قال: سمِعتُ ابنَ عباسٍ

(2)

، وسُئِل عن قولِه:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال: رِثَّةُ المتاعِ؛ الحبلِ والغِرارةِ والشئِ

(3)

.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخْبَرنا ابن عُيينةَ، عن عثمانَ بن أبي سليمانَ، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ، عن ابن عباسٍ مثلَه.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال: البِضاعةُ الدراهمُ، والمُزْجاةُ غيرُ طائلٍ

(4)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخْبَرنا هُشَيْمٌ، عن ابن أبي زيادٍ، عمَّن حدَّثه، عن ابن عباسٍ، قال: كاسدةٌ غيرُ طائلٍ.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا أبو بكرِ بنُ عيَّاشٍ، قال: ثنا أبو حَصينٍ، عن سعيدِ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2191 (11922) من طريق إسرائيل به.

(2)

بعده في ت 1: "يقول".

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 328، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه 5/ 407 (1141 - تفسير) عن ابن عيينة به، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2191 (11919) من طريق الحسن بن يحيى به.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 33 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

ص: 318

ابن جُبيرٍ وعكرمةَ: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال سعيدٌ: ناقصةٌ. وقال عكرمةُ: دراهمُ فُسُولٌ

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو بكرِ بنُ عيَّاشٍ، عن أبي حَصينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ وعكرمةَ مثلَه.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن إسرائيلَ، عن أبي حَصينٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ وعكرمةَ:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال أحدُهما: ناقصةٌ. وقال الآخرُ: رَدِيئةٌ.

وبه قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن يزيدَ بن أبي زيادٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن الحارثِ، قال: كان سمنًا وصوفًا.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا عليُّ بنُ عاصمٍ، عن يزيدَ بن أبي زيادٍ، قال: سأَل رجلٌ عبدَ اللَّهِ بنَ الحارثِ وأنا عنده عن قولِه: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال: قليلةٌ؛ متاعُ الأعرابِ، الصوفُ والسمنُ

(2)

.

حدَّثنا إسحاقُ بنُ زيادٍ القطَّانُ أبو يعقوبَ البصريُّ

(3)

، قال: ثنا محمدُ بنُ إسحاقَ البَلْخيُّ، قال: ثنا مروانُ بنُ معاويةَ الفَزاريُّ، عن مروانَ بن عمرٍو

(1)

فسول: يقال: أفسل فلان على فلان متاعه، إذا أرذله، وأفسل عليه دراهمه، إذا زيفها. اللسان (ف س ل). والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2191، 2192 (11924) من طريق أبي بكر بن عياش به، كما أخرجه أيضا 7/ 2192 (11931) من طريق أبى حصين، عن سعيد بن جبير به، وذكره معلقا عن أبي حصين، عن عكرمة عقب الأثر (11931)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 33 إلى أبي الشيخ.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1140 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2191 (11920) من طريق يزيد به.

(3)

تقدم شيخ المصنف هذا باختلاف لم نستطع الفصل فيه، فينظر في 9/ 661، 12/ 53، وينظر تعليق الشيخ شاكر على هذا الإسناد.

ص: 319

العُذْريِّ

(1)

، عن أبي إسماعيلَ، عن أبي صالحٍ في قولِه:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال: الصَّنَوْبَرُ وحَبَّةُ

(2)

الخضراءِ

(3)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مغيرةَ، عن يزيدَ بن الوليدِ، عن إبراهيمَ في قولِه:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال: قليلةٌ، ألا تَسْمَعُ إلى

(4)

قولِه: (فَأَوْقِرْ رِكابَنا)؟ وهم يَقْرءُون كذلك

(5)

.

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخْبَرنا مغيرةُ، عن إبراهيمَ أنه قال: ما أُراها إلا القليلةَ؛ لأنها في مصحفِ عبدِ اللَّهِ: (وأَوْقِرْ ركابَنا). يعنى قولَه: {مُزْجَاةٍ} .

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن القَعْقاعِ بن يزيدَ، عن إبراهيمَ، قال: قليلةٌ، ألم

(6)

تَسْمَعْ إلى قولِه: (وأَوْقِرْ رِكابَنا).

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ، عن أبي بكرٍ الهُذليِّ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ والحسنِ:{بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال سعيدٌ: الرَّدِيئة. وقال الحسنُ: القليلةُ

(7)

.

(1)

في ص، ف:"العدري".

(2)

في ت 2: "الحبة".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2191 (11921) من طريق مروان بن معاوية الفزاري، عن أبي أسماء العدوي، عن مروان بن عمرو العدوي، عن أبي صالح، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 33 إلى أبي الشيخ.

(4)

سقط من: م.

(5)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2192 معلقا عقب الأثر (11926) بلفظ: قليلة. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 33 إلى المصنف مقتصرا على قراءة ابن مسعود.

(6)

في ت 1: "ألا".

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2192 (11926) من طريق عمرو بن محمد به عن الحسن وحده.

ص: 320

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن إدريسَ، عن يزيدَ، عن عبدِ اللَّهِ بن الحارثِ، قال: متاعُ الأعرابِ؛ سمنٌ وصوفٌ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن إدريسَ، عن أبيه، عن عطيةَ قال: دراهمُ ليست

(1)

بطائلٍ

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي، نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مُزْجَاةٍ} . قال: قليلةٌ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مُزْجَاةٍ} . قال: قليلةٌ

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

قال: ثنا قَبيصةُ بنُ عقبةَ، قال: ثنا سفيانُ، عن يزيدَ بن أبي زيادٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن الحارثِ:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال: شيءٌ مِن صوفٍ، وشيءٌ مِن سمنٍ.

قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخْبَرنا هُشيمٌ، عن منصورٍ، عن الحسنِ، قال: قليلةٌ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ بكرٍ

(4)

، عن ابن جُريجٍ، عمَّن

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"ليس".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2192 (11925) من طريق ابن إدريس به.

(3)

تفسير مجاهد ص 400.

(4)

في ت 1: "عمرو".

ص: 321

حدَّثه، عن مجاهدٍ:{مُزْجَاةٍ} . قال: قليلةٌ.

حدَّثنا القاسمُ،، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا أبو بكرِ بنُ عيَّاشٍ، عن أبي حَصينٍ، عن عكرمةَ، قال: ناقصةٌ. وقال سعيدُ بنُ جُبيرٍ: فُسُولٌ.

قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال: رَدِيئةٌ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المحاربيُّ، عن جُويبرٍ، عن الضَّحَّاكِ، قال: كاسدةٌ [لا تَنْفُقُ]

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أَخْبَرنا هُشيمٌ، عن جُويبرٍ، عن الضحَّاكِ، قال: كاسدةٌ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عَبْدَةُ، عن جويبرٍ، عن الضحَّاكِ، قال: كاسدةٌ غيرُ طائلٍ.

حُدِّثتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عبيدٌ، قال: سمِعتُ الضحَّاكَ يقولُ في قولِه: {بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . يقولُ: كاسدةٌ غيرُ نافِقَةٍ

(2)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ الزُّبَيْرِيُّ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن

(1)

سقط من ت 2. والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 33 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

في ص، ت 1، ف:"نافعة".

ص: 322

أبي حَصينٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال: الناقصةُ. وقال عكرمةُ: فيها تَجَوُّزٌ.

قال: ثنا إسرائيلُ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، قال: الدراهمُ الرَّدِيئةُ التي لا تَجوزُ إلا بنقصانٍ

(1)

.

قال: ثنا إسرائيلُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الدراهمُ الرُّذالُ التي لا تَجوزُ إلا بنقصانٍ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السُّديِّ قال: السُّديِّ قال: دراهمُ فيها جوازٌ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} أي: يسيرةٌ.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ مثلَه

(2)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أَخْبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . قال: المُزْجاةُ: القليلةٌ.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} . أي قليلة لا تَبْلُغُ ما كنَّا نَشْتَرِى به منك إلا أن تَتجاوَزَ لنا فيها

(3)

.

وقولُه: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} : بها، وأعْطِنا بها ما كنتَ تُعْطِينا قبلُ بالثمنِ

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 331.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 328 عن معمر به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2192 (11927) من طريق سلمة به.

ص: 323

الجيِّدِ، والدراهمِ الجائزةِ الوافيةِ التي لا تُرَدُّ.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} . أي: أعْطِنا ما كنتَ تُعْطِينا قبلُ، فإِن بضاعتَنا مُزْجَاةٌ

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ:{فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} . قال: كما كنتَ تُعْطِينا بالدراهمِ الجيادِ

(2)

.

وقولُه: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} . يقولُ تعالى ذكرُه: قالوا: وتَفَضَّلْ علينا بما بينَ سعرِ الجيادِ والرَّدِيئةِ، فلا تَنْقُصْنا مِن سعرِ طعامِك لرَدِيءِ بضاعتِنا. {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}. يقولُ: إن اللَّهَ يُثِيبُ المتفضِّلينَ على أهلِ الحاجةِ بأموالِهم.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ:{وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} . قال: [بفَضْلِ ما]

(3)

بينَ الجيادِ والرَّدِيئةِ

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} : لَا تنْقُصْنا من السعرِ مِن أجْلِ رَدِيءِ دراهمِنا

(5)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2192 (11930) من طريق سلمة به نحوه.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2192 (11928) من طريق أسباط به.

(3)

في م: "تفضل بما".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2193 (11933) من طريق عمرو به.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2192 (11932) من طريق أبى بكر به نحوه وفيه زيادة عن الحسن.

ص: 324

واخْتَلفوا في الصدقةِ، هل كانت حلالًا للأنبياءِ قبل نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم أو كانت حرامًا؟

فقال بعضُهم: لم تكن حلالًا لأحدٍ مِن الأنبياءِ عليهم السلام.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، قال: ما سأل نبيٌّ قطُّ الصدقةَ، ولكنَّهم قالوا:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} : لا تَنْقُصْنا مِن السعرِ

(1)

.

ورُوِى عن ابن عُيينةَ ما حدَّثني به الحارثُ، قال: ثنا القاسمُ، قال: يُحْكَى عن سفيانَ بن عُيَيْنَةَ أنه سُئِل: هل حَرُمتِ الصدقةُ على أحدٍ مِن الأنبياءِ قبلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألم تَسْمَعْ قولَه: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} . قال الحارثُ: قال القاسمُ: يَذْهَبُ ابن عُيينة إلى أنهم لم يقولوا ذلك إلا والصدقةُ لهم حَلالٌ وهم أنبياءُ؛ فإن الصدقةَ إنما حرُمت على محمدٍ صلى الله عليه وسلم و

(2)

عليهم

(3)

.

وقال آخَرون: إنما عنَى بقولِه: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} : وتَصَدَّقْ علينا بردِّ أخينا إلينا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ قولَه:

(1)

بعده في ت 2: "من أجل رديء دراهمنا".

(2)

بعده في م: "لا".

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 331.

ص: 325

{وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} . قال: رُدَّ إلينا أخانا

(1)

.

وهذا القولُ الذي ذكَرْناه عن ابن جُريجٍ و

(2)

إن كان قولًا له وجهٌ، فليس بالقولِ المختارِ في تأويلِ قولِه:{وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} . لأن الصدقةَ في المتعارَفِ

(3)

إنما هي إعطاءٌ الرجلَ ذا الحاجةِ

(4)

بعضَ أملاكِه؛ ابتغاءَ ثوابِ اللَّهِ عليه، وإن كان كلُّ معروفٍ صدقةً. فتوجيهُ تأويلِ كلامِ اللَّهِ إلى الأغلبِ مِن معناه في كلامِ مَن نزَل القرآنُ بلسانِه أوْلَى وأحْرَى.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال مجاهدٌ.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنا مَرْوانُ بنُ معاويةَ، عن عثمانَ بن الأسودِ، قال: سمِعتُ مجاهدًا، وسُئل: هل يُكْرَهُ أن يقولَ الرجلُ في دعائه: اللهمَّ تَصَدَّق عليَّ؟ فقال: نعم، إنما الصدقةُ لمن يَبْتَغى

(5)

الثوابَ

(6)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)} .

ذُكِر أن يوسفَ صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه، لمَّا قال له إخوتُه: {يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 33 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

زيادة من: م.

(3)

في ص: "متعارف".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"حاجة".

(5)

في ص، م، ت 2، ف:"يبغي".

(6)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 332 عن المصنف، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (1143 - تفسير) من طريق عثمان به نحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 33 إلى أبي عبيد وابن المنذر. وهذا الكلام مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم (686):"صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته".

ص: 326

يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}. أدْرَكَتْه الرِّقَّةُ، وباح لهم بما كان يَكْتُمُهم

(1)

مِن شأنِه.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: ذُكِر لي أنهم لمَّا كلَّموه بهذا الكلامِ غَلَبَتْه نفسُه، فارْفَضَّ دمعُه باكيًا، ثم باح لهم بالذي يَكْتُمُ منهم، فقال:{هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} . ولم يَعْنِ بذِكْرِ أخيه ما صنَعه هو فيه حين أخَذه، ولكن للتفريقِ بينَه وبين أخيه، إذ صنَعوا بيوسفَ ما صنَعوا

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ:{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} الآية. قال: فرحِمهم عند ذلك، فقال لهم:{هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}

(3)

.

فتأويلُ الكلامِ: هل تَذْكُرون ما فعَلْتم بيوسفَ وأخيه إذ فرَّقْتُم بينَهما، وصَنَعْتم ما صنَعْتم، {إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} . يعنى في حالِ جهلِكم بعاقبةِ ما تَفْعَلون بيوسفَ، وما إليه صائرٌ أمرُه وأمرُكم؟

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال إخوةُ يوسفَ له حينَ قال لهم ذلك يوسفُ: {أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ} . فقال: نعم {أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} ، بأن

(1)

في ت 1: "يكتمه"، وفى ت 2، ف:"يتهمهم".

(2)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 359، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2193 (11937) من طريق سلمة به.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2193 (11936) من طريق أسباط به.

ص: 327

جمَع بينَنا بعدَ ما فرَّقتم بينَنا، {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ}. يقولُ: إنه مَن يَتَّقِ اللَّهَ فيُرَاقِبْه بأداءِ فرائضِه، واجتنابِ معاصيه، {وَيَصْبِرْ}. يقولُ: ويَكُفَّ نفسَه، فيَحْبِسْها عما حرَّم اللَّهُ عليه مِن قولٍ أو عملٍ، عند مصيبةٍ نزَلت به مِن اللَّهِ؛ {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. يقولُ: فإن اللَّهَ لا يُبْطِلُ ثوابَ إحسانِه، وجزاءَ طاعتِه إيَّاه، فيما أمَره ونهاه.

وقد اخْتَلفت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: {أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ} ؛ فقرَأ ذلك عامَّةُ قَرَأةِ الأمصارِ: {أَإِنَّكَ} على الاستفهامِ

(1)

. وذُكِر أن ذلك في قراءةِ أُبَيِّ بن كعبٍ: (أَوَ أنت يوسفُ). وُرِوى عن ابن مُحَيْصِنٍ أنه قرَأ: (إِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ) على الخبرِ، لا على الاستفهامِ

(2)

.

والصوابُ من القراءةِ في ذلك عندنا قراءةُ مَن قرَأه بالاستفهامِ؛ لإجماعِ الحجَّةِ من القَرَأَةِ عليه.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لمَّا قال لهم ذلك، يعني قولَه:{هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} ؟ كَشَفَ الغطاءَ فعرَفوه، فقالوا:{أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ} الآية

(3)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى مَن سمِع عبدَ اللَّهِ بنَ إدريسَ يَذْكُرُ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} . يقولُ

(4)

: يَتَّقِ

(1)

قرأ ابن كثير "إنك" بهمزة مكسورة على الخبر، والباقون على الاستفهام. السبعة لابن مجاهد 351، وحجة القراءات ص 363، والكشف عن وجوه القراءات 2/ 14، والنشر 2/ 222.

(2)

ذكر صاحب البحر المحيط 5/ 342 قراءة أبى وابن محيصن والقراءتان من الشواذ.

(3)

أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2194 (11940) من طريق سلمة به.

(4)

بعده في م: "من".

ص: 328

معصيةَ اللَّهِ ويَصْبِرْ على السَّجْنِ

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)} .

يقولُ جلّ ثناؤُه: قال إخوةُ يوسفَ له: تاللَّهِ لقد فضَّلك اللَّهُ علينا، وآثَرَك بالعلمِ والحلمِ والفضلِ، {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}. يقولُ: وما كنا في فعْلِنا الذي فعَلْنا بك - في تفريقِنا بينَك وبينَ أبيك وأخيك، وغيرِ ذلك من صنيعنا الذي صنَعْنا بك - إلا خاطئين: يعنون مُخْطِئين. يُقالُ منه: خطِئَ فلانٌ يَخْطَأُ خَطَأً وخِطْأً. وأَخْطَأَ يُخطِئَ إخطاءً. ومن ذلك قولُ أميةَ بن الأَسْكَرِ

(2)

:

وإنَّ مُهاجِرَيْنِ تكنَّفاهُ

لعَمْرُ اللَّهِ قد خطِئا وحابا

(3)

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ، قال: لمَّا قال لهم يوسفُ: {أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي} . اعْتَذَروا إليه، وقالوا:{تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} .

[حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: حدَّثنا سلمةُ

(4)

، عن ابن إسحاقَ:{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} ]

(5)

. فيما كنا صنَعْنا بك

(6)

.

(1)

تفسير البغوي 4/ 274.

(2)

تقدم في 1/ 722.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"خابا".

(4)

بعده في ص، ف:"قال".

(5)

سقط من: م.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2194 من طريق سلمة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 34 =

ص: 329

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} . وذلك بعدما عرَّفهم أنفسَهم، يقولُ: جعَلك اللَّهُ رجلًا حليمًا

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: قال يوسفُ لإخوتِه: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} . يقولُ: لا تعييرَ

(2)

عليكم ولا إفسادَ لما بينى وبينَكم من الحُرْمَةِ، وحقِّ الأُخُوَّةِ، ولكن لكم عندى الصفحُ والعفوُ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} : لم يُثَرِّبْ عليهم أعمالَهم

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبيرِ قولَه: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} . قال: قال سفيانُ: لا تغييرَ

(4)

عليكم

(5)

.

=إلى أبى الشيخ.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2194 (11943) من طريق سعيد به بنحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 34 إلى أبى الشيخ.

(2)

في النسخ: "تغيير". وهو تصحيف. قال صاحب اللسان: التثريب كالتأنيب والتعيير والاستقصاء في اللوم. لسان العرب (ث ر ب).

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2195 (11947) من طريق سعيد به.

(4)

في ت 1، ف:"تغيير".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2195 (11949) من طريق آخر عن سفيان به.

ص: 330

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} : أي لا تأنيبَ عليكم اليومَ عندى فيما صنَعتم

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ، قال: اعْتَذَروا إلى يوسفَ، فقال:{لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} . يقولُ: لا أَذْكُرُ لكم ذنبَكم

(2)

.

وقولُه: {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} . وهذا دعاءٌ من يوسفَ لإخوتِه بأن يَغْفِرَ اللَّهُ لهم ذنبَهم فيما أتَوْا إليه وركِبوا منه مِن الظلمِ، يقولُ: عفا اللَّهُ لكم عن ذنبِكم وظلمِكم، فستَره عليكم، {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. يقولُ: واللَّهُ أرحمُ الراحمين بمن

(3)

تاب مِن ذنبِه، وأناب إلى طاعتِه، بالتوبةِ مِن معصيتِه.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ:{يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} . حين اعْتَرفوا بذنبِهم

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)} .

قال أبو جعفرٍ: ذُكِر أن يوسفَ صلى الله عليه وسلم لمَّا عرَّف نفسَه إخوتَه، سأَلهم عن أبيه

(5)

، فقالوا: ذهَب بصرُه من الحزنِ. فعندَ ذلك أعطاهم قميصَه، وقال لهم:{اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا} .

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2195 (11948) من طريق سلمة به.

(2)

ذكره البغوي في تفسيره 4/ 274.

(3)

في ص، م:"ممن "، وفى ت 1، ت 2، ف:"فمن "، وما أثبتناه هو الصواب.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2195، 2196 (11953) من طريق سلمة به.

(5)

في م: "أبيهم".

ص: 331

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباطَ، عن السديِّ، قال: قال لهم يوسفُ: ما فعَل أبى بعدى؟ قالوا: لما فاته بنيامينُ عمِى من الحزنِ. قال: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}

(1)

.

وقولُه: {يَأْتِ بَصِيرًا} . يقولُ: يَعُدْ بصيرًا. {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} . يقولُ: وجِيئوني بجميعِ أهلِكم.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)} .

يقولُ تعالى ذكره: ولمَّا فصَلت عِيرُ بنى يعقوبَ من عند يوسفَ متوجِّهةً إلى يعقوبَ، قال أبوهم يعقوبُ:{إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} . ذُكِر أن الريحَ استأذنت ربَّها في أن تَأْتىَ يعقوبَ بريحِ يوسفَ قبلَ أن يَأْتِيَه البشيرُ، فأذِن لها؛ فأتَتْه بها.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخْبَرنا ابن وهبٍ، قال: ثني أبو شُرَيْحٍ، عن أبي أيوبَ الهَوْزَنيِّ، حدَّثه، قال: استأذنتِ الريحُ أن تَأْتىَ يعقوبَ بريحِ يوسفَ - حين بعَث بالقميصِ إلى أبيه - قبلَ أن يَأْتِيَه البشيرُ، ففعَل؛ قال يعقوبُ:{إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ}

(2)

.

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 359. كما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2196 (11955) من طريق أسباط به.

(2)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 360.

ص: 332

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن إسرائيلَ، عن أبي سنانٍ، عن ابن أبي الهُذَيْلِ، عن ابن عباس في قولِه: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ

(1)

قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}. قال: هاجت ريحٌ، فجاءت بريحِ يوسفَ من مسيرةِ ثمانِ ليالٍ، فقال:{إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ}

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن إسرائيلَ، عن أبي سنانٍ، عن ابن أبي الهذيلِ، عن ابن عباسٍ:{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} . قال: هاجت ريحٌ، فجاءت بريحِ قميصِ يوسفَ من مسيرةِ ثمانِ ليالٍ.

حدَّثني أبو السائبِ، قال: ثنا ابن فُضَيْلٍ، عن ضِرارٍ، عن ابن أبي الهُذَيْلِ، قال: سمِعْتُ ابنَ عباسٍ يقولُ: وجَد يعقوبُ ريحَ يوسفَ وهو منه على مسيرةِ ثمانِ ليالٍ

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ والحسنُ بنُ محمدٍ، قالا: ثنا سفيانُ بنُ عيينةَ، عن أبي سِنانٍ، عن ابن أبي الهُذَيْلِ، قال: كنتُ إلى جنبِ ابن عباسٍ، فسُئل: مِن كم وجَد يعقوبُ ريحَ القميصِ؟ قال: مِن مسيرةِ سبعِ ليالٍ أو ثمانِ ليالٍ

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن أبي سنانٍ، عن ابن

(5)

أبي الهُذَيْلِ، قال:

(1)

بعده في ص، ت 1:"قال: لما خرجت العير".

(2)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 360. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 35 إلى الفريابي وابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2197 (11961) من طريق ابن فضيل به.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2197 (11964) من طريق سفيان به بنحوه، لكن قال: ثمانين فرسخا.

(5)

سقط من: م.

ص: 333

قال لي أصحابي: إنك تأتى ابنَ عباسٍ، فسَلْه لنا. قال: فقلتُ: ما أَسْأَلُه عن شيءٍ، ولكنى (2) أَجْلِسُ خلفَ السَّرِيرِ، فيَأْتِيه الكوفيُّون فيَسْأَلون عن حاجتِهم وحاجتي، فسمِعْتُه يقولُ: وجَد يعقوبُ ريحَ قميصِ يوسفَ من مسيرةِ ثمانِ ليالٍ. قال ابن أبى الهُذَيْلِ: فقلتُ: ذاك كمكانِ البصرةِ من الكوفةِ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عليُّ بنُ عاصمٍ، عن ضِرارِ بن مرةَ، عن عبدِ اللَّهِ بن أبى الهُذيْلِ، قالَ: سمِعْتُ ابنَ عباسٍ يقولُ: وجَد يعقوبُ ريحَ قميصِ يوسفَ من مسيرةِ ثمانِ ليالٍ. قال: فقلتُ في نفسي: هذا كمكانِ البصرةِ من الكوفةِ.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ؛ وحدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن أبي سنانٍ، عن ابن أبي الهُذَيْلِ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} . قال: وجَد ريحَ قميصِ يوسف من مسيرةِ ثمانِ ليالٍ. قال: قلتُ له: ذاك كما بينَ البصرةِ إلى الكوفةِ. واللفظُ لحديثِ أبي كُريبٍ.

حدَّثنا الحسينُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عاصمٌ وعليٌّ، قالا: أَخْبَرنا شعبةُ، قال: أخْبَرني أبو سنانٍ، قال: سمِعْتُ عبدَ اللَّهِ بنَ أبى الهُذَيْلِ، عن ابن عباسٍ في هذه الآيةِ:{إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} . قال: وجَد ريحَه من مسيرةِ ما بينَ البصرةِ إلى الكوفةِ

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا آدمُ العَسْقَلانيُّ، قال: ثنا شعبةُ، قال: ثنا أبو سِنانٍ، قال: سمِعْتُ عبدَ اللَّهِ بنَ أبى الهُذَيْلِ يُحَدِّثُ عن ابن عباسٍ مثلَه.

قال: ثنا أبو نُعيمٍ، قال: ثنا سفيانُ، [عن أبي سنانٍ]

(2)

، عن عبدِ اللَّهِ بن أبى

(1)

في م، ف:"لكن".

(2)

سقط من: ت 1، ف.

ص: 334

الهُذيلِ، قال: كنَّا عند ابن عباسٍ فقال: {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} . قال: وجَد ريحَ قميصِه من مسيرةِ ثمانِ ليالٍ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبَرنا عبدُ الرزّاقِ، قال: أخْبَرنا إسرائيلُ، عن أبي سنانٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن أبى الهُذيلِ، قال: سمِعْتُ ابنَ عباسٍ يقولُ: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} . قال: لمَّا خرَجتِ العيرُ هاجت ريحٌ، فجاءت يعقوبَ بريحِ قميصِ يوسفَ، فقال:{إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال: فوجَد ريحَه من مسيرةِ ثمانِ ليالٍ

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن الحسنِ: ذُكِر لنا أنه كان بينَهما يومَئذٍ ثمانون فَرْسَخًا، يوسفُ بأرضِ مصرَ، ويعقوبُ بأرضِ كَنْعانَ، وقد أتَى لذلك زمانٌ طويلٌ

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ قولَه:{إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} . قال: بلَغنا أنه كان بينَهم يومَئذٍ ثمانون فَرْسخًا. وقال: {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} . وكان قد فارقه قبلَ ذلك سبعًا وسبعين سنةً

(2)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي سِنانٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن أبى الهُذَيْلِ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} . قال: وجَد ريحَ القميصِ من مسيرةِ ثمانيةِ أيامٍ.

قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي سنانٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن أبى

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 329.

(2)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 360.

ص: 335

الهُذَيْلِ، عن ابن عباس قوله:{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} . قال: فلما خرجتِ العيرُ هبَّتْ ريحٌ، فذهبت بريح قميص يوسف إلى يعقوب، فقال:{إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} . قال: ووجد ريحَ قميصه من مسيرة ثمانية أيام

(1)

.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما فصلت العير من مصرَ اسْتَرْوَح يعقوب ريحَ يوسف، فقال لمن عندَه مِن ولده:{إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} .

وأمَّا قوله: {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . فإنه يعنى: لولا أن تُعَنِّفونى، وتُعجِّزوني، وتلوموني، وتُكذِّبوني. ومنه قول الشاعرِ

(2)

:

يا صاحِبَى دَعَا لَوْمِي وتَفْنِيدى

فليس ما فات من أمري

(3)

بمردود

ويُقالُ: أَفْنَد فلانًا الدهرُ. وذلك إذا أفْسَده، ومنه قولُ ابن مُقْبِلٍ

(4)

:

دع الدهرَ يَفْعَلُ ما أراد فإنه .... إذا كُلف الإفنادَ بالناسِ أفندا

(5)

واختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضُهم: معناه: لولا أن تُسَفِّهوني.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عُيَيْنَةَ، عن أبي سنانٍ، عن ابن أبي الهُذَيْلِ، عن ابن عباس:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال: تُسَفِّهون.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2197، (11959، 11961) من طريق أبي سنان به.

(2)

نسبه أبو عبيدة في مجاز القرآن 1/ 318 لهانئ بن شكيم العدوى.

(3)

في مجاز القرآن: "أمر".

(4)

ديوانه ص 60.

(5)

رواية الديوان:

دعا الدهر يعمل ما أراد فإنه

إذا كلف الإفساد بالناس أفسدا

ص: 336

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبى، عن إسرائيل، عن أبي سنانٍ، عن ابن أبي الهُذَيْلِ، عن ابن عباس مثله

(1)

.

وبه قال: ثنا أبى، عن سفيان، عن حُصَيْفٍ، عن مجاهد:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} قال: تُسَفِّهون

(2)

.

حدثني المثنى وعليُّ بن داودَ، قالا: ثنا عبدُ اللَّهِ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عباس قوله:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . يقولُ: تُجَهِّلون

(3)

.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي سنانٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن أبى الهُذَيْلِ، عن ابن عباس:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال: لولا أن تُسَفِّهون.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيمٍ، قالا جميعًا: ثنا سفيان، عن خُصَيْفٍ، عن مجاهد:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال: لولا أن تُسَفِّهون.

حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شَريكٌ، عن أبي سنانٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وسالم، عن سعيدٍ:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال أحدهما: تُسَفِّهون. وقال الآخرُ: تُكَذِّبون.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2198 (11966) من طريق إسرائيل به.

(2)

تفسير سفيان ص 146.

(3)

ذكره البغوي في تفسيره 4/ 275. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 35 إلى المصنف وأبى الشيخ.

ص: 337

عطاءٍ: {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال: لولا أن تُكَذِّبون، لولا أن تُسَفِّهون

(1)

.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، قال: تُسَفِّهون.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . يقولُ: لولا أن تُسَفِّهون

(2)

.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن قتادة:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال

(3)

: لولا أن تُسَفِّهون.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزَّاقِ، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبدِ اللَّهِ بن أبى الهُذَيْلِ، قال: سَمِعْتُ ابن عباس يقولُ: {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . يقولُ: تُسَفِّهون

(4)

.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد قوله:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال: ذهَب عقله

(5)

.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال: قد ذهب عقله.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد؛ وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن وَرْقاءَ، عن ابن

(1)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2198 معلقًا.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 333.

(3)

في م: "يقول".

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 329.

(5)

تفسير مجاهد ص 400. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 35 إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

ص: 338

أبي نجيح، عن مجاهد:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال: قد ذهَب عقله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال: لولا أن تقولوا: ذهَب عقلك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . يقولُ: لولا أن تُضَعِّفونى

(1)

.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال: الذي ليس له عقلٌ ذلك المُفَنَّدُ. يقولُ

(2)

: لا يَعْقِلُ

(3)

.

وقال آخرون: معناه: لولا أن تُكَذِّبون.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سويدُ بنُ عمرو الكلبى، عن شريك، عن سالم [عن سعيد]

(4)

: {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} قال: تُكَذِّبون

(5)

.

قال: ثنا عمرٌو، عن أسباط، عن السدي، قال: لولا أن تُهَرِّمونِ وتُكَذِّبون.

قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جُريجٍ، قال: بلغنى عن مجاهد، قال: تُكَذِّبون.

قال: ثنا عَبْدة وأبو خالدٍ، عن جويبرٍ، عن الضحاك، قال: لولا أن

(1)

ذكره الطوسي في التبيان 4/ 192.

(2)

في م: "يقولون".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2198 (11969) من طريق آخر عن ابن زيد.

(4)

سقط من: م.

(5)

ذكره صاحب البحر المحيط 5/ 345.

ص: 339

تكذِّبونِ

(1)

.

حدثتُ عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقولُ: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعتُ الضَّحَّاكَ يقولُ في قوله: {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} : تُكَذِّبون.

حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرو، قال: أخبرنا هُشَيْمٌ، عَنْ عبد الملكِ، عن عطاء في قوله:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قالَ: تُسفِّهونِ أَوْ تَكذِّبون.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . يقولُ: تكذِّبون

(2)

.

وقال آخرون: معناه: تُهرِّمون.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن [أبي يحيى]

(3)

، عن مجاهد:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال: لولا أن تهرِّمون

(4)

.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عُبيدُ اللَّهِ، عن إسرائيل، عن [أبي يحيى]

(5)

، عن مجاهدٍ مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال:

(1)

ذكره الطوسي في التبيان 6/ 192.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2198 (11967) من طريق مجاهد عن ابن عباس به.

(3)

في م، ت 1، ف:"ابن أبي نجيح". وأبو يحيى هو القتات. انظر ترجمته في تهذيب الكمال 34/ 401، 402. وإسرائيل لم يرو عن عبد الله بن أبي نجيح.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2198 (11968) من طريق إسرائيل به.

(5)

في ت 1، ت 2:"أبي نجيح".

ص: 340

تُهرِّمون

(1)

.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هُشيمٌ، قال: أخبرنا أبو الأَشْهَبِ، عن الحسن:{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} . قال: تهرِّمون

(1)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن أبي الأشهبِ وغيره، عن الحسن مثله

(1)

.

وقد بيَّنَّا أن أصل التفنيد الإفساد، وإذ كان ذلك كذلك فالسفاهة

(2)

والهرم والكَذِبُ، وذَهابُ العقل، وكلُّ معاني الإفساد، تدخل في التفنيد؛ لأن أَصْلَ ذلكَ كلِّه الفساد. والفساد في الجسم: الهَرَمُ وذَهابُ العقل والضعفُ. وفى الفعل: الكذبُ واللوم بالباطل، ولذلك قال جرير بن عطية

(3)

:

يا عاذِلَيَّ دَعَا المَلامَ وأَقْصِرَا

طالَ الهَوَى وأطلْتُما التَّفْنِيدا

يعني الملامة.

فقد تبيَّن - إذْ كانَ الأمْرُ على ما وصفنا - أَنَّ الأقوال التي قالها من ذكرنا قوله في قوله: {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} ، على اختلافِ عباراتهم عن تأويله، متقاربةُ المعانى، محتملٌ جميعها ظاهرُ التنزيل؛ إذ لم يكن في الآية دليل على أنَّه مَعْنيٌّ به بعض ذلك دون بعضٍ.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)} .

(1)

تفسير الثورى ص 146.

(2)

في ص، ت 2، ف:"فسالق". وفى م: "فالضعف". والمثبت من ت 1 هو الصواب؛ لأن السفاهة والهرم والكذب وذهاب العقل هي تفسير التفنيد في الآثار التي ساقها المصنف.

(3)

ديوان جرير 1/ 337.

ص: 341

يقول تعالى ذكره: قال الذين قال لهم يعقوبُ مِنْ ولده: {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} : تالله أيها الرجلُ إنك منْ حُبِّ يُوسُفَ وذِكْرِه، لَفى خَطائك

(1)

[وزَلَلِكَ]

(2)

القديم لا تنساه ولا تتسلَّى عنه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

‌ذكرُ مِن قال ذلك

حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عباس قوله:{إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} . يقولُ: خَطائك (1) القديم

(3)

.

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} . أي: من حُبَّ يوسف لا تنساه ولا تسلاه

(4)

. قالوا لوالدهم كلمةً غليظةً لم يكن ينبغى لهم أن يقولوها لوالدهم ولا لنبيِّ الله صلى الله عليه وسلم

(5)

.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسْباطَ، عَنِ السُّدِّيِّ:{قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} . قال: في شأن يوسف

(6)

.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: قال سفيان: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} . قال: من حبّك ليوسُفَ

(7)

.

(1)

في م: "خطئك"، والخطأ والخطاء كلاهما بمعنًى.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ت، ف:"في ذلك"، وفى م:"وزلك". والمثبت هو الصواب.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2198 (11970) من طريق أبي صالح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 35 إلى ابن المنذر.

(4)

في ص، ف "تتسلاه"، وفى ت 2:"تتسلى عنه".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2198، 2199 (11973) من طريق سعيد به.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2199 (11974) من طريق أسباط به.

(7)

تفسير الثورى ص 147.

ص: 342

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن سفيان نحوه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ:{قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)} . قال: في حبِّك القديم

(1)

.

حدثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق:{قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} . أي: إنَّكَ لمن

(2)

ذكر يوسف في الباطل الذي أنتَ عليه

(3)

.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيد في قوله: {تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} . قال: يَعْنونَ حزنه القديم على يوسف. وفى {ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} : لقى خطائِكَ القديم.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)} .

يقولُ تعالى ذكره: فلما أن جاء يعقوب البشير من عند ابنه يوسف، وهو المبشِّرُ برسالة يوسفَ، وذلك بريدٌ، فيما ذُكر، كان يوسف أبرَدَهُ

(4)

إليه، وكان البريد فيما ذكر والبشير يهوذا بن يعقوب أخا يوسف لأبيه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني محمد بن سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ} . يقولُ:

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 360.

(2)

في ص، ف:"لغى".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2199 (11976) من طريق سلمة به.

(4)

في م: "يرده". وبرده وأبرده: أرسله. اللسان (ب رد).

ص: 343

البشير: البريدُ

(1)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك:{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} . قال: البريدُ

(2)

.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا محمد بن يزيد الواسطى، عن جويبر، عن الضحاك:{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} . قال: البريدُ.

قال: ثنا شَبَابَةُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} . قال: يهوذا بن يعقوب

(3)

.

[حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {الْبَشِيرُ}. قال: يهوذا بن يعقوبَ]

(4)

.

حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، قال: هو

(5)

يهوذا بن يعقوبَ.

[قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: هو يهوذا بن يعقوب]

(6)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: {فَلَمَّا أَنْ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2199 (11977) من طريق محمد بن سعد به.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 35 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(3)

تفسير مجاهد ص 400، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2199 (11978). وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 35 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(4)

سقط من: ف.

(5)

سقط من: م.

(6)

سقط من: ت 2.

ص: 344

جَاءَ الْبَشِيرُ}. قال: يهوذا بن يعقوبَ كان البشيرَ

(1)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد:{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} . قال: هو يهوذا بن يعقوبَ. قال سفيان: وكان ابن مسعودٍ يقرأ: (وجاء البشيرُ من بين يدي العيرِ)

(2)

.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبرٍ، عن الضحاك:{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} . قال: البريدُ هو يهوذا بن يعقوبَ.

قال: ثنا عمرو، عن أسباطَ، عن السديِّ، قال: قال يوسُفُ: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} . قال يهوذا: أنا ذهبتُ بالقميص ملطَّخًا بالدم إلى يعقوبَ، فَأَخبَرتُه أَنَّ يُوسُفَ أكله الذئبُ، وأنا أذهب اليوم بالقميص وأخبره أنه حيٌّ، فأُفرِحه كما أحزَنتُه. فهو كان البشير

(3)

.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا هشيمٌ، عن جويبر، عن الضحاك:{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} . قال: البريد.

وكانَ بعضُ أهل العربية من أهل الكوفة يقولُ: "أَنْ" في قوله: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} وسقوطها بمعنى واحدٍ. وكان يقولُ هذا في "لما" و "حتّى" خاصةً، يَذْكُرُ أَنَّ العرب تُدْخِلُها فيهما أحيانا وتسقطها أحيانًا، كما قال جل ثناؤه: {وَلَمَّا

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 360.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2199 (11980) من طريق سفيان به، وقراءة ابن مسعود شاذة لمخالفتها رسم المصحف.

(3)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 360، كما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2196 (11955) من طريق أسباط به.

ص: 345

أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا} [العنكبوت: 33]. وقال في موضع آخر: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا} [هود: 77] وقال: هي صلة لا موضع لها في هذين الموضعين. يُقالُ: حتَّى كان كذا وكذا، وحتى أن كان كذا وكذا.

وقوله: {أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ} . يقولُ: ألقى البشير قميص يوسُفَ على وجه يعقوبَ.

كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق:{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} ألقى القميص على وجهه.

وقوله: {فَارْتَدَّ بَصِيرًا} . يقولُ: رجع وعاد مُبصِرًا بعينيه بعدما قد عَمِي، {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}. يقولُ عز وجل: قال يعقوب لمن كان بحضرته حينئذ من ولده: ألم أَقُلْ لَكُمْ يا بَنيَّ إِنِّي أعلمُ من اللهِ أَنَّهُ سيَرُدُّ عليَّ يوسُفَ، ويجمعُ بينى وبينه؟ وكنتم لا تعلمون أنتم من ذلك ما كنتُ أعلَمُه، لأنَّ رُؤْيا يوسُفَ كانت صادقةً، وكانَ اللهُ قد قضَى أَن أَخِرَّ أنا وأنتم له سُجودًا، فكنتُ موقنًا بقضائه.

‌القولُ في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)} .

يقول تعالى ذكره: قال ولد يعقوب الذين كانوا فرَّقوا بينه وبين يوسُفَ: يا أبانا، سَلْ لنا ربَّكَ يَعْفُ عنَّا، ويَسْتُرُ علينا ذنوبنا التي أذنبناها فيك وفي يوسُفَ، فلا يُعاقبنا بها في القيامة {إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} ، فيما فعلنا به، فقد اعترفنا بذنوبنا،

{قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} . يقولُ جلَّ ثناؤُه: قال يعقوبُ: سوف أسألُ ربِّي أن يعفو عنكم ذنوبكم التي أذْنَبتُموها فيَّ وفى يوسُفَ.

ص: 346

ثم اختلف أهل التأويل

(1)

في الوقت الذي أَخَّرَ الدعاء إليه يعقوب لولده بالاستغفار لهم من ذنبهم، فقال بعضُهم: أَخَّرَ ذلك إلى السَّحَرِ.

‌ذكر من قال ذلك

حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكرُ عَنْ مُحارب بن دثارٍ، قال: كان عمٌّ لى يأتى المسجد، فسمع إنسانًا يقولُ: اللهم دعوتَنى فَأَجِبتُ، وأمَرتَنى فَأَطعتُ، وهذا سَحَرٌ، فاغْفِرْ لي. قال: فاستمع الصوت فإذا هو من دارِ عبدِ الله بن مسعودٍ، فسأل عبدَ اللَّهِ عن ذلك، فقال: إنَّ يعقوبَ أَخَّرَ بنيه إلى السحَرِ بقوله: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي}

(2)

.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن محارب بن دثارٍ، عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ:{قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} . قال: أخَّرهم إلى السحر.

قالَ: ثنا أبو سفيان الحِمْيَرِيُّ، عن العوَّامِ، عن إبراهيم التيمي في قول يعقوبَ لبنيه:{قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} . قال: أَخَّرهم إلى السَّحَرِ

(3)

.

قال: ثنا عمرو، عن خَلَّادٍ الصَّفَّارِ، عن عمرو بن قيس: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ

(1)

في ص، ت 2:"العلم"، وفي ت 1:"التفسير".

(2)

أخرجه سعيد بن منصور 5/ 410 (1144 - التفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2200. (11983)، والطبراني 9/ 108 (4548) من طرق عن عبد الرحمن به. وفيه عبد الرحمن وهو ضعيف، وعم محارب مجهول.

(3)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2200 عقب الأثر (11983) معلقا عن إبراهيم، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 334.

ص: 347

لَكُمْ رَبِّي}. قال: في صلاة الليل

(1)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريجٍ:{سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} . قال: أَخَّرَ ذلكَ إِلى السَّحَرِ

(2)

.

وقال آخرون: أخَّر ذلك إلى ليلة الجمعة.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني المثنى، قال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقيُّ، قال: ثنا الوليد، قال: أخبرنا [ابن جريجٍ، عن عطاءٍ وعكرمة، عن]

(3)

ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:{سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} . يقولُ: حتَّى تأتي لَيْلَةُ الجمعة، وهو قول أخى يعقوب لبنيه"

(4)

.

حدثنا أحمد بن الحسن الترمذيُّ، قال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقيُّ، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء وعكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَدْ

(5)

قال أَخِي يَعْقُوبُ: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} . يَقُولُ: حتى تأتِيَ لَيْلَةُ الجُمُعَةِ"

(6)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2200 (11984) من طريق عمرو به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 37 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 334 وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 37 عن ابن جريج بمعناه إلى المصنف وأبى عبيد وابن المنذر.

(3)

سقط من: ت 2.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 36 إلى المصنف وابن مردويه.

(5)

سقط من: ص، ت 2.

(6)

أخرجه الترمذى (3570) عن أحمد بن الحسن به. والحاكم 1/ 316 من طريق سليمان بن عبد الرحمن به، وهو حديث صحيح لولا عنعنة ابن جريج، وهو لم يسمع من عكرمة.

ص: 348

وقوله: {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} . يقولُ: إِنَّ رَبِّي هو الساتر على ذنوب التائبين إليه من ذنوبهم، الرحيمُ بهم أن يعذِّبَهم بعد توبتهم منها.

‌القول في تأويل قوله عز وجل: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)} .

يقول جل ثناؤه: فلما دخل يعقوب وولده وأهلوهم على يوسُفُ {آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} . يقولُ: ضمَّ إليه أبويه، فقال لهم:{ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} .

فإن قال قائلٌ: وكيف قال لهم يوسُفُ: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} بعد ما دخلوها، وقد أخبر الله عز وجل عنهم أنَّهم لما دخلوها على يوسُفَ، وضم إليه أبويه، قال لهم هذا القول؟

قيلَ: قد اختلف أهل التأويل في ذلكَ؛ فقال بعضُهم: إِنَّ يعقوبَ إِنما دخل على يوسف هو وولده، وآوَى يوسُفُ أبويه إليه قبل دخول مصر؛ وذلك أن يوسف تلقَّى أباه - تَكرِمةً له - قبل أن يدخُلَ مصر، فآواه إليه، ثُمَّ قال له ولَمَنْ معه:{ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} بها. قبل الدخول

(1)

.

(1)

بعده في ت 1: "إليها".

ص: 349

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباط، عن السدي: فحملوا إليه أهلهم وعيالهم، فلما بلغوا مصر، كلَّم يوسُفُ الملك الذي فوقه، فخرج هو والملوك يتلقَّونهم، فلما بلغوا، مصر، قال: ادْخُلُوا مِصْرَ إن شاءَ اللهُ آمِنِينَ. فَلَمَّا دَخَلُوا على يوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ

(1)

.

حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز. قال: ثنا جعفر بن سليمانَ، عن فَرْقَدٍ السَّبَخيِّ، قال: لما أُلقى القميص على وجهه ارتدَّ بصيرًا، وقال:{وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] فحمل يعقوب وإخوة يوسُفَ، فلما دنَا أُخبِر يوسُفُ أنه قد دنا منه، فخرج يتلقاه. قال: وركب معه أهل مصر، وكانوا يعظِّمونَه، فلما دنا أحدهما من صاحبه، وكان يعقوب يمشى وهو يتوكَّأُ على رَجُلٍ من ولده يُقال له: يهوذا. قال: فنظر يعقوب إلى الخيل والناس، فقال: يا يهوذا، هذا فرعون مصر؟ قال: لا، هذا ابنك. قال: فلما دنا كلُّ واحدٍ منهما من صاحبه، فذهب يوسف يبدؤه بالسلام، فمنع من ذلك، وكان يعقوب أحق بذلك منه وأفضل، فقال: السلام عليك يا ذاهب الأحزانِ عنِّى. هكذا قال: يا ذاهب الأحزانِ عنى

(2)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: قال

(3)

حجاجٌ

(4)

: بلغنى أن يُوسُفَ والملك خرجا في أربعة آلاف يستقبلون يعقوب وبنيه.

(1)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 361. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2200، 2201 (11986) من طريق أسباط به.

(2)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 362. وقوله: يا ذاهب الأحزان. عنى. يريد: يا مذهب الأحزان عنى. وهى هكذا في التاريخ: يا مذهب الأحزان عنى.

(3)

في ت 2: "ثنى".

(4)

بعده في ت 2: "عن ابن جريج".

ص: 350

قال: وحدَّثنى من سمِع جعفر بن سليمان يحكى عن فرقد السَّبَخيِّ، قال: خرج يوسف يتلقَّى يعقوب، وركب أهل مصر مع يوسفَ. ثم ذكر بقية الحديثِ، نحو حديثِ الحارث، عن عبد العزيز.

وقال آخرون: بل قوله: {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} . استثناء من قول يعقوب لبنيه: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} . قال: وهو

(1)

من المؤخَّرِ الذي معناه التقديم. قالوا: وإنما معنى الكلام: قال: أستغفر لكم ربِّى

(2)

إن شاء الله، إنه هو الغفور الرحيم. فلما دخلوا على يوسف آوَى إليه أبويه وقال: ادخلوا مصر، ورفع أبويه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريج: قال سوف أسْتَغْفِرُ لكم ربي إن شاء الله آمنين. وبين ذلك ما بينه من تقديم القرآنِ

(3)

.

يعنى ابن جريج: وبين ذلك ما بينَه من تقديم القرآن. أنه قد دخل بين قوله: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} . وبين قوله: {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} من الكلامِ ما قد دخل. وموضعه عنده أن يكونَ عَقِيبَ قوله: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} .

والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله السُّديُّ، وهو أن يوسف قال ذلك لأبويه ومن معهما من أولادهما وأهاليهم قبل دخولهم مصر حين تلقَّاهم؛ لأن ذلك في ظاهر التنزيل كذلك، فلا دلالة تدلُّ على صحة ما قال ابن جريجٍ، ولا وجهَ لتقديم شيءٍ من كتاب الله عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلا بحجةٍ واضحةٍ.

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت، ف.

(2)

سقط من: ت 1، ف.

(3)

ذكره القرطبي 9/ 263 عن ابن جريج.

ص: 351

وقيل: عُنى بقوله: {آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} : أبوه وخالته. وقال الذين قالوا هذا القولَ: كانت أمُّ يوسف قد ماتت قبلُ، وإنما كانت عند يعقوب يومئذٍ خالته أختُ أمِّه، كان نكحها بعد أمِّه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباط، عن السديِّ:{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} . قال: أبوه وخالته

(1)

.

وقال آخرون: بل كان أباه وأمَّه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق:{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} . قال: أباه وأمَّه

(2)

.

وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن إسحاق؛ لأن ذلك هو الأغلب في استعمال الناس، والمتعارفُ بينهم في أبوين، إلا أن يصح ما يُقالُ من أن أمَّ يوسف كانت قد ماتت قبل ذلك، بحجة يجب التسليم لها، فيُسَلَّمُ حينئذٍ لها.

وقوله: {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} مما كنتم فيه في باديتكم من الجدب والقحط.

وقوله: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} . يعنى: على السرير.

كما حدثنا ابن وكيعٍ قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السديِّ: {وَرَفَعَ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2201 (11991) من طريق أسباط به.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 335 عن ابن إسحاق.

ص: 352

أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} قال

(1)

: السريرِ.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا محمد بن يزيد الواسطيُّ، عن جويبرٍ، عن الضحاك، قال: العرش السرير.

قال: ثنا شَبَابَةُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} . قال: السرير

(2)

.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد مثله.

[حدثني المثنّى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ.

وحدثنى المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهد مثله]

(3)

.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله:{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} . قال

(4)

: سريره.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمر، عن قتادة:

(1)

بعده في ت 1: "على".

(2)

تفسير مجاهد ص 401.

(3)

تكررت هذه الأسانيد في النسخ مرة أخرى فحذفناها.

(4)

زيادة من: م.

ص: 353

{عَلَى الْعَرْشِ} . قال: على السرير

(1)

.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} . يقولُ: رفع أبويه على السرير

(2)

.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: قال سفيان: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} . قال: على السرير

(3)

.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} . قال: مجلسه

(4)

.

حدثني ابن عبدِ الرحيم البرقيُّ، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سألت ابن

(5)

زيد بن أسلم عن قولِ اللهِ تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} . فقلت: أبلغك أنها خالته؟ قال: قال ذلك بعضُ أهل العلم، يقولون: إن أمه ماتت قبل ذلك، وإن هذه خالتُه

(6)

.

وقوله: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} . يقولُ: وخرَّ يعقوب وولده وأمه ليوسف سجدا.

(1)

أخرجه عبد الرزاق 1/ 328 عن معمر به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2201 (11992) من طريق آخر عن ابن عباس به.

(3)

تفسير سفيان 147.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم 7/ 2202 (11994) من طريق آخر عن ابن زيد عن أبيه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 38 عن ابن زيد إلى المصنف وأبى الشيخ.

(5)

سقط من: م.

(6)

ذكره ابن كثير 4/ 335 عن زيد بن أسلم بنحوه.

ص: 354

حدثني محمد بن سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمِّي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:{وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} . يقولُ: ورفع أبويه على

(1)

السرير، وسجدا له، وسجد له إخوته.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: تَحمَّل - يعنى يعقوب - بأهله حتى قدِموا على يوسفَ، فلما اجتمع إلى يعقوب بنوه، دخلوا على يوسف، فلما رأوه وقعوا له سجودًا - وكانت تلك تحية الملوك في ذلك الزمان - أبوه وأمه وإخوته.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة:{وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} . وكانت تحية من كان

(2)

قبلكم، كان بها يُحَيِّى بعضُهم بعضًا، فأعطى الله هذه الأمة السلام، تحية أهل الجنة، كرامة من الله تبارك وتعالى عَجَّلَها لهم، ونعمةً منه

(3)

.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة:{وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} . قال: وكانت تحية الناس يومئذٍ أن يسجد بعضُهم لبعضٍ.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو إسحاق، قال: قال سفيان: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} . قال: كانت تحيةً فيهم

(4)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ

(5)

:

(1)

بعده في ت 2: "العرش على".

(2)

سقط من: ص، م، ت 2، ف.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم 7/ 2202 (11996) من طريق سعيد به.

(4)

تفسير سفيان ص 147.

(5)

في ت 2: "أبي نجيح".

ص: 355

{وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} أبواه وإخوته، كانت تلك تحيتهم، كما تصنَعُ ناسٌ اليوم

(1)

.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبرٍ، عن الضحاك:{وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} . قال: تحيةُ بينهم

(2)

.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}

(3)

: ذلك السجود تشرفةٌ

(4)

، كما سجدتِ الملائكة لآدم تشرفةً، ليْسَ بسجود عبادة

(5)

.

وإنما عَنَى مَنْ ذكر بقوله: إن السجود كان تحيةً

(6)

بينهم. أن ذلك كان منهم على وجه

(7)

الخُلُقِ، لا على وجه العبادة من بعضهم لبعضٍ. ومما يدلُّ على أن ذلك لم يزَلْ من أخلاق الناس قديمًا [قبل الإسلام]

(8)

على غير وجه العبادة من بعضهم لبعضٍ، قولُ أعشى بني ثعلبة

(9)

:

فَلَمَّا أَتانا بُعَيْدَ الكَرَى

سَجَدْنا لَهُ وَرَفَعْنا عَمارَا

وقوله: {وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} . يقول جلَّ ثناؤه: قال يوسف لأبيه: يا أبتِ، هذا السجود الذي سجدتَ أنتَ وأمِّي

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 38 إلى أبى الشيخ وابن المنذر والمصنف.

(2)

ذكره القرطبي 9/ 265 عن الضحاك.

(3)

بعده في م: "قال".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"لشرفه".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2202 (11997) من طريق آخر عن ابن زيد به.

(6)

في ت 1، ت 2:"تحيتهم".

(7)

ليست في: ص، م، ت 1، ف.

(8)

سقط من: م.

(9)

ديوانه ص 51.

ص: 356

وإخوتى لي {تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} . يقول: ما آلت إليه رؤياي التي كنتُ رأيتها. وهي رؤياه التي كان رآها قبل صنيع إخوته به ما صنعوا، أن أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر له ساجدون. {قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}. يقولُ: قد حقَّقها ربي لمجيء تأويلها على الصحة.

وقد اختلف أهل العلم في قدر المدّةِ التي كانت بين رؤيا يوسف وبين تأويلها؛ فقال بعضُهم: كانت مدة ذلك أربعين سنة.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا المعتمرُ، عن أبيه، قال: ثنا أبو عثمان، سلمان الفارسيِّ، قال: كان بين رؤيا يوسف إلى أن رأى تأويلها أربعون سنةً

(1)

.

حدثني يعقوب بن برهان، ويعقوب بن إبراهيم؛ قالا: ثنا ابن عُلَيةَ، قال: ثنا سليمان التيميُّ، عن أبي عثمان النهديِّ، قال: قال عثمانُ: كانت بين رؤيا يوسفَ وبين أن رأى تأويله. قال: فذكر أربعين سنةً.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عُليَّةَ، عن التيميِّ، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنةً

(2)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيمٍ، قال: ثنا سفيان، عن أبي سنانٍ، عن

(1)

تاريخ الطبرى 1/ 363 به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2202، والبيهقي في شعب الإيمان 4/ 194 (4780) من طريق سليمان التيمى به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 38 إلى الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ والحاكم.

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في العقوبات (157) من طريق ابن علية به.

ص: 357

عبدِ اللَّهِ بن شدّادٍ، قال: رأَى تأويل رؤياه بعد أربعين عامًا

(1)

.

قال: ثنا سفيان، عن سليمان التيمى، عن أبي عثمان، عن سلمان مثله.

حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابنُ فضيلٍ، عن ضرارٍ، عن عبدِ اللهِ بن شدادٍ أنه سمع قومًا يتنازعون في رؤيا رآها بعضُهم وهو يصلِّي، فلما انصرف سألهم عنها، فكتموه. فقال: أما إنه جاء تأويل رؤيا يوسف بعد أربعين عامًا

(1)

.

حدثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، وحدثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن إسْرائيل، عن ضِرارِ بن مُرَّةَ أبى سِنانٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن شدّادٍ، قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة

(1)

.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابنُ فضيلٍ وجريرٌ، عن أبي سنانٍ، قال: سمع عبد الله بن شدّادٍ قوما يتنازعون في رؤيا، فذكر نحو حديث أبي السائب، عن ابن فُضَيلٍ.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن سليمان التيميِّ، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عامًا.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: أخبرنا ابن عُيَيْنةَ، عن أبي سنانٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن شدادٍ، قال: وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنةً، وإليها تنتهى أقصى

(2)

الرؤيا.

قال: ثنا معاذُ بن معاذٍ، قال: ثنا سليمانُ التيميُّ، عن أبي عثمان، عن سلمانَ، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنةً.

(1)

أخرجه البيهقى في شعب الإيمان 4/ 195 (4781) من طريق سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 38 إلى ابن أبي شيبة وأبى الشيخ.

(2)

في م، ت 1، ت 2، ف:"أيضا".

ص: 358

قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسفَ وبين عبارتها أربعون سنةً.

قال: حدثنا سعيد بن سليمان، قال: ثنا هُشَيْم، عن سليمان التيمي، عن أبي سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسفَ وبين أن رأى تأويلها أربعون سنةً.

قال: ثنا عمرُو بنُ محمدٍ العَنْقَزَيُّ، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي سنانٍ، عن عبدِ اللهِ بن شدّادٍ، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين تعبيرها أربعون سنة.

وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمانين سنةً.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا عمرُو بنُ عليٍّ، قال: ثنا عبد الوهاب الثقفى، قال: ثنا هشام، عن الحسن، قال: كان منذُ فارقَ يوسف يعقوبَ إلى أن التقيا ثمانون سنةً، لم يفارِقِ الحزن قلبه، ودموعُه تجرى على خديه، وما على وجه الأرض يومئذ عبد أحب إلى الله من يعقوب

(1)

.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن أبي جعفر جَسرِ

(2)

بن فَرْقَدٍ، قال: كان بين أن فقد يعقوب يوسفَ إلى يومَ رُدّ عليه ثمانون سنة

(3)

.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حسين

(4)

بن عليٍّ، عن فُضَيْلِ بن عياضٍ، قال:

(1)

أخرجه الطبري في تاريخه 1/ 263.

(2)

في م: "حسن". ينظر الجرح والتعديل 2/ 538 وتبصير المنتبه 1/ 256.

(3)

ذكره القرطبي 9/ 264 عن جسر بن فرقد به.

(4)

في النسخ: "حسن"، والصواب المثبت، وهو موافق لما في المستدرك، وينظر تهذيب الكمال 6/ 449.

ص: 359

سمعت أنه كان بينَ فِراقِ يوسفَ حِجْرَ يعقوبَ إلى أن التقيا ثمانون سنةً

(1)

.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا داودُ بنُ مهرانَ، قال: ثنا عبد الواحد بنُ زيادٍ، عن يونُسَ، عن الحسن، قال: ألقى يوسف في الجبِّ وهو ابن سبع عشرة سنةً، وكان بين ذلك وبين لقائه يعقوب ثمانون سنةً، وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنةً، ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة

(2)

.

قال: ثنا سعيد بن سليمان، قال: ثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن نحوه، غير أنه قال: ثلاث وثمانون سنة

(3)

.

قال: ثنا داود بن مهران، قال: ثنا ابن عُلَيةَ، عن يونس، عن الحسن، قال: أُلقى يوسف في الجبِّ وهو ابن سبع عشرة سنةً، وكان في العبودية وفي السجن وفي المُلْكِ ثمانين سنةً، ثم جمع اللهُ عز وجل شمله، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنةً

(4)

.

حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: أُلقى يوسف في الجب، وهو ابن سبع عشرة سنةً، فغاب عن أبيه ثمانين سنةً، ثم عاش بعد ما جمع الله له شمله ورأى تأويل رؤياه، ثلاثًا وعشرين سنةً، فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة

(5)

.

(1)

أخرجه الحاكم 2/ 572 من طريق حسين بن علي الجعفى به، وعزاه السيوطي في الدر 4/ 38 إلى المصنف وابن مردويه.

(2)

أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر ص 19 من طريق عبد الواحد بن زياد به.

(3)

أخرجه الطبرى في تاريخه 1/ 363 من طريق يونس به، وذكره ابن كثير 4/ 336 - 337 عن يونس به، وعزاه السيوطي في الدر 4/ 38 إلى ابن أبي شيبة والمصنف وابن المنذر وأبى الشيخ والحاكم وابن مردويه.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2202 من طريق ابن علية به، وأحمد في الزهد ص 80 - 81 من طريق يونس به.

(5)

تاريخ الطبرى 1/ 363 من طريق مبارك به، وذكره ابن كثير 4/ 336 - 337 عن مبارك به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 38 إلى ابن أبي شيبة والمصنف وابن المنذر وأبى الشيخ والحاكم وابن مردويه.

ص: 360

حدثنا مجاهدٌ، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا هشيم، عن الحسن، قال: غاب يوسف عن أبيه في الجبِّ [وعند الملكِ]

(1)

وفى السجن حتى التقيا ثمانين عامًا، فما جفَّت عينا يعقوب، وما على الأرض أحدٌ أكرمَ على الله من يعقوب

(2)

.

وقال آخرون: كانت مدة ذلك: ثمانِ عشرة سنةً.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذُكِر لى - والله أعلم - أن غَيبة يوسفَ عن يعقوب كانت ثمانِ عشرة سنة. قال: وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنةً أو نحوها، وأن يعقوبَ بقى مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنةً، ثم قبضه الله إليه

(3)

.

وقوله: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} . يقولُ جلَّ ثناؤُه مخبرًا عن قيل يوسفَ: وقد أحسن الله بي في إخراجه إياى من السجن الذي كنتُ فيه محبوسًا، وفى مجيئه بكم من البدو، وذلك أن مسكن يعقوبَ وولده فيما ذُكِر، كان ببادية فلسطين كذلك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان منزلُ يعقوب وولده فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالعَرَباتِ، من أرض فلسطين بغور

(4)

الشام.

(1)

سقط من: م.

(2)

ذكره ابن كثير 4/ 336 - 337 عن هشيم به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 38 إلى ابن أبي شيبة والمصنف وابن المنذر وأبى الشيخ والحاكم وابن مردويه.

(3)

أخرجه المصنف في تاريخه 1/ 364.

(4)

في م: "ثغور".

ص: 361

وبعض يقولُ بالأَوْلَاجِ

(1)

من ناحية الشعب، وكان صاحب باديةٍ، له إبلٌ وشاءٌ

(2)

.

حدثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، قال: أخبرنا شيخٌ لنا أن يعقوبَ كان ببادية فلسطين.

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} . وكان يعقوب وبنوه بأرض كنعان، أهل مواشٍ وبريةٍ

(3)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج:{وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} . قال: كانوا أهل بادية وماشيةٍ

(4)

.

والبدو مصدرٌ من قول القائل: بدا فلانٌ: إذا صار بالبادية يبدو بدوًا.

وذُكِر أن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهاليهم وأبنائهم يومَ دخلوها، وهم أقل من مائة، وخرجوا منها يوم خرجوا منها وهم زيادة على ستمائة ألف.

‌ذكرُ الرواية بذلك

حدثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا زيد بن الحبابِ وعمرُو بنُ محمد، عن موسى بن عُبيدة، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن شداد، قال: اجتمع آل [يعقوبَ إلى]

(5)

يوسف بمصر وهم ستةٌ وثمانون إنسانًا، صغيرُهم

(1)

الأولاج: بنواحي حِسْمَى ببادية الشام. ينظر البلدان 2/ 407، 2/ 317.

(2)

ذكره ابن كثير 4/ 336.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2203 من طريق سعيد به.

(4)

ذكره ابن كثير 4/ 336 عن ابن جريج به.

(5)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

ص: 362

وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وخرجوا من مصر يومَ أخرجهم فرعون وهم ستمائة ألفٍ ونيّفٌ

(1)

.

قال: ثنا عمرٌو، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عُبيدةَ، عن عبدِ اللَّهِ، قال: خرج أهلُ يوسفَ من مصر وهم ستمائة ألف وسبعون ألفًا، فقال فرعون: إن هؤلاء لشرذمة قليلون

(2)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن إسرائيل والمسعودى، عن أبي إسحاق، عن أبي عُبيدةَ، عن ابن مسعود، قال: دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاثة وستون إنسانًا، وخرجوا منها وهم ستمائة ألف. قال إسرائيل في حديثه: ستمائة ألفٍ وسبعون ألفًا

(2)

.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق، قال: دخل أهلُ يوسفَ مصر وهم ثلاثمائة وتسعون من بين رجل وامرأة

(3)

.

وقوله: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} . يعنى: من بعد أن أفسد ما بينى وبينهم، وحمل

(4)

بعضنا على بعض. يقالُ منه: نزغ الشيطان بين فلانٍ وفلانٍ، ينزَغ وينزِعُ

(5)

نَزْغًا ونزوغًا.

وقوله: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} . يقولُ: إن ربي ذو لُطف وصنعٍ لما

(1)

ذكره ابن كثير 4/ 337 عن عبد الله بن شداد.

(2)

ذكره ابن كثير 4/ 337 عن ابن مسعود.

(3)

ذكره ابن كثير 4/ 337 عن مسروق به.

(4)

في م: "جهل". وفى التاج (ن زغ): نزغ بينهم نزعًا: أفسد وأغرى - وحمل بعضَهم على بعض.

(5)

سقط من: م، ف.

ص: 363

يشَاء، ومن لطفه وصنعه أنه أخرجنى من السجن، وجاء بأهلي من البدو، بعد

(1)

الذي كان بينى وبينهم من بُعدِ الدارِ، وبَعدَ ما كنت فيه من العبودة والرقِّ والإسار.

كالذي حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله:{إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} لَطَف ليوسف

(2)

وصنع له، حتى أخرجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع من قلبه نَزْغَ الشيطان وتحريشه على إخوته

(3)

.

وقوله: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} بمصالح خلقه وغير ذلك، لا يخفى عليه مبادئ الأمور وعواقبها {الْحَكِيمُ} في تدبيره.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)} .

يقول تعالى ذكره: قال يوسف بعد ما جمع الله له أبويه وإخوته، وبسط عليه من الدنيا ما بسط من الكرامة، ومكَّنه في الأرض، متشوقًا إلى لقاء آبائه الصالحين:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} . يعنى: من مُلْكِ مصرَ {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} . يعنى من عبارة الرؤيا، تعديدًا لنعم الله عليه، وشكرًا له عليها {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. يقول: يا فاطر السموات والأرض، يا خالقها وبارئها {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}. يقولُ: أنت ولي في دنياي على من عاداني

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"يعني".

(2)

في م: "بيوسف".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2203 من طريق سعيد به.

ص: 364

وأرادني بسوءٍ بنصرك، وتغذُوني فيها بنعمتِك، وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا}. يقول: اقبِضْنى إليك مسلمًا، {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}. يقولُ: وألحقنى بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك.

وقيل: إنه لم يتمنَّ أحدٌ من الأنبياء الموت قبل يوسف.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباط، عن السديِّ:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} الآية. قال: ابن عباس يقولُ: أَوّلُ نبي سأل الله الموت يوسف

(1)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاج، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عباسٍ قوله: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} الآية. قال: اشتاق

(2)

إلى لقاء ربه، وأحب أن يلحق به وبآبائه، فدعا الله أن يتوفاه، ويلحقه بهم، ولم يسأل نبيٌّ قَطُّ الموتَ غير يوسف، فقال:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} الآية. قال ابن جريجٍ: في بعض القرآن قد قال من الأنبياء: تَوَفَّنى

(3)

.

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: {تَوَفَّنِي

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2204 (12012) من طريق أسباط به، وذكره ابن كثير 4/ 338 عن السدى به.

(2)

في ص، ف، ت 1، ت 2:"اشتياقًا".

(3)

ذكره ابن كثير 4/ 338 عن ابن عباس. وعزاه السيوطي في الدر 4/ 39 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

ص: 365

مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}: لما جمع شمله، وأقرّ عينه

(1)

، وهو يومئذٍ مغموسٌ في نبتِ

(2)

الدنيا وملكها وغضارتها، فاشتاق إلى الصالحين قبله. وكان ابن عباسٍ يقولُ: ما تمنَّى نبيٌّ قَطُّ الموتَ قبلَ يوسفَ

(3)

.

حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الله بن الزُّبيرِ، عن سفيان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادةَ، قال: لما جُمِع ليوسفَ شملُه، وتكاملت عليه النعمُ، سأل لقاءَ ربِّه، فقال:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} . قال قتادة: ولم يتمنَّ الموتَ أحدٌ قطُّ، نبيٌّ ولا غيرُه، إلا يوسف

(4)

.

حدثني المُثنَّى، قال: ثنا هشامٌ، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنى غيرُ واحدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد، أن يوسف النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما جمع بينه وبين أبيه وإخوته، وهو يومئذ ملكٌ بمصر، اشتاق إلى الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق، قال:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} .

حدثني المُثَنَّى، قال: أخبرنا إسحاقُ، قال: ثنا هشامٌ، عن مسلمِ بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد في قوله:{وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} . قال:

(1)

في ص، ت 2، ت 3:"بعينه".

(2)

في م: "نعيم"، وفى تفسير ابن أبي حاتم:"في بيت نعيم من الدنيا".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2204 من طريق سعيد به.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2204 من طريق ابن أبي عروبة به.

ص: 366

العبارة

(1)

.

حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقولُ: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقولُ في قوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} . يقول: توفَّنى على طاعتِك، واغفر لى إذا توفّيتنى

(2)

.

حدثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف - حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله عليه وعلى أهل بيته حين جمع الله له شمله، وردَّه على والده، وجمع بينه وبينه فيما هو فيه من المُلْكِ والبهجة -:{يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} إلى قوله: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} . ثم ارعوى يوسفُ، وذكر أن ما هو فيه من الدنيا بائدٌ وذاهبٌ، فقال:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إِلى قوله: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}

(3)

.

وذكر أن بني يعقوب الذين فعلوا بيوسفَ ما فعلوا، استغفر لهم أبوهم، فتاب الله عليهم وعفا عنهم، وغفر لهم ذنبهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن صالح المريِّ، عن يزِيدَ الرَّقَاشيِّ، عن أنس بن مالك، قال: إن الله تبارك وتعالى لما جمع ليعقوبَ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2203 (1208) من طريق ابن أبي نجيح به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2204 - 2205 من طريق أبي معاذ به، وذكره ابن كثير 4/ 337، وعزاه السيوطي في الدر 4/ 39 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2204 من طريق سلمة مختصرًا.

ص: 367

شمله، وأقرَّ بعينه، خلا ولده نجيًّا، فقال بعضُهم لبعض: ألستم قد علمتم ما صنعتم، وما لقى منكم الشيخُ، وما لقى منكم يوسفُ؟ قالوا: بلى. قالوا

(1)

: فيغرُّكم عفوهما عنكم، فكيف لكم بربِّكم؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ، فجلسوا بين يديه - ويوسف إلى جنب أبيه قاعدٌ - قالوا: يا أبانا أتيناك في أمرٍ لم يَأْتِك مثله قَطُّ، ونزل بنا أمرٌ لم ينزل بنا مثله. حتى حرَّكوه - والأنبياء أرحم البرية - فقال: ما لكم يا بَنِيَّ؟ قالوا: ألستَ قد علمت ما كان منا إليك، وما كان منا إلى أخينا يوسف؟ قال: بلى. قالوا: أفلستما قد عفوتما؟ قالا: بلى. قالوا: فإنَّ عفوَكما لا يُغنى عنا شيئًا إن كان الله لم يعفُ عنا. قال: فما تُرِيدُون يا بني؟ قالوا: نُرِيدُ أن تدعو الله لنا

(2)

، فإذا جاءك الوحيُ من عندِ اللهِ بأنه قد عفا عما صنعنا، قرَّت أعينُنا، واطمأنت قلوبنا، وإلا فلا قرّةَ عينٍ في الدنيا لنا أبدًا. قال: فقام الشيخ، واستقبل القبلة، وقام يوسفُ خلفَ أبيه، وقاموا خلفَهما أذلةً خاشعين. قال: فدعا، وأمَّن يوسفُ، فلم يُجَبْ فيهم عشرين سنةً - قال صالحٌ المُرِّيُّ: يُخيفُهم - قال: حتى إذا كان رأسُ العشرين، نزل جبريل عليه السلام على يعقوب عليه السلام، فقال: إن الله تبارك وتعالى بعثني إليك أُبشِّرُك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك. وأنه قد عفا عما صنعوا، وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوّة

(3)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا الحارثُ، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا جعفرُ بنُ سليمان، عن أبي عمران الجونى، قال: والله لو كان قتل يوسفَ مضَى، لأدخلهم الله النارَ كلَّهم، ولكن الله جلَّ ثناؤُه أمسك نفس يوسفَ، ليبلُغَ فيه أمره

(1)

في م، ت 1، ت 2، ف:"قال".

(2)

بعده في م: "في أمر".

(3)

عرائس المجالس للثعالبي ص 124 عن صالح المرى به، وذكره ابن كثير 4/ 339 - 340 نقلًا عن الطبري.

ص: 368

ورحمةً لهم، ثم يقولُ: والله ما قصَّ الله نبأَهم يُعَيِّرُهم بذلك، إنهم لأنبياء من أهل الجنة، ولكن الله قصَّ علينا نبأَهم، لئلا يَقْنَطَ عبده.

وذُكِر أن يعقوبَ تُوُفِّي قبل يوسفَ، وأوصى إلى يوسف، وأمره أن يدفنه عند قبر أبيه إسحاق.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمرٌو، عن أسباط، عن السدي، قال: لما حضر الموتُ يعقوبَ، أوصى إلى يوسف أن يدفنه عندَ إبراهيم وإسحاق، فلما مات نُفخ فيه المرُّ، وحُمِل إلى الشام. قال: فلما بلغوا إلى ذلك المكان أقبل عيصا

(1)

أخو يعقوب، فقال: غلبني على الدعوة، فواللهِ لا يَغْلِبُنى على القبرِ، فأبَى أَن يَتْرُكَهم

(2)

يَدفنوه، فلما احتبسوا قال هشام بن دانِ

(3)

بن يعقوبَ - وكان هشامٌ أصمَّ - لبعض إخوته: ما لجدِّى لا يُدفَنُ؟ قالوا: هذا عمك يَمْنَعُه، قال: أرُونيه أين هو؟ فلما رآه رفع هشامٌ يدَه، فوجأ بها رأس العيص وجأةً، سقطت عيناه على فخذ يعقوب، فدفنا في قبرٍ واحدٍ

(4)

.

‌القولُ في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)} .

يقول تعالى ذكره: هذا الخبر الذي أخبرتك به من خبر يوسف ووالده يعقوب

(1)

في م: "عيص".

(2)

بعده في م: "أن".

(3)

في م: "دار".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2205 من طريق أسباط به، وذكره ابن كثير 4/ 340 عن السدى بنحوه.

ص: 369

وإخوته وسائر ما في هذه السورةِ {مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} . يقولُ: من أخبار الغيب الذي لم تُشَاهِدَه، ولم تُعاينه، ولكنا {نُوحِيهِ إِلَيْكَ} ونُعَرِّفُكَه، لنثِّبت به فؤادك، ونُشَجِّعَ به قلبك، وتَصْبِرَ على ما نالك من الأذى من قومِك في ذاتِ اللهِ، وتَعْلَمَ أَن من قبلك من رسل الله، إذ صبَروا على ما نالهم فيه، وأخَذوا بالعفو، وأمروا بالعرفِ، وأعرضوا عن الجاهلين - فازوا بالظَّفَرِ، وأُيِّدوا بالنصر، ومُكِّنوا في البلادِ، وغلبوا من قصدوا من أعدائهم وأعداء دين اللهِ، يَقُولُ الله تبارك وتعالى لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: فيهم يا محمد فتأسَّ، وآثارهم فقُصَّ {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}. يقولُ: وما كنت حاضرًا عند إخوة يوسف، إذ أجمعُوا، واتفقت آراؤهم، وصحَّت عزائمُهم، على أن يُلْقُوا يوسفَ في غيابة الجبِّ، وذلك كان مكرهم الذي قال الله عز وجل:{وَهُمْ يَمْكُرُونَ} .

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة. قوله:{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ} . يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، يقول: ما كنت لديهم وهم يلقونه في غيابة الجبِّ {وَهُمْ يَمْكُرُونَ} ، أي: بيوسفَ

(1)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريج، عن عطاءٍ الخراسانيِّ، عن ابن عباسٍ:{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} الآية. قال: هم بنو يعقوب.

‌القول في تأويل قوله: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)} .

يقول جلَّ ثناؤه: وما أكثر مشركي قومك يا محمد، ولو حرَصتَ على أن يُؤمنوا بك فيُصدِّقوك، ويَتَّبِعوا ما جئتهم به من عندِ ربِّك، بمصدِّقيك ولا مُتَّبِعيك.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 39 إلى المصنف وابن المنذر وأبي الشيخ.

ص: 370

‌القول في تأويل قوله: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)} .

يقول تعالى ذكره لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم: وما تسأل يا محمد هؤلاء الذين يُنكرون نبوَّتَك، ويمتنعون من تصديقك، والإقرار بما جئتهم به من عندِ ربِّك على ما تَدعُوهم إليه من إخلاص العبادة لربِّك، وهجر عبادة الأوثان، وطاعة الرحمن، {مِنْ أَجْرٍ}. يعنى: من ثواب وجزاءٍ منهم، بل إنما ثوابُك وأجرُ عملِك على الله. يقولُ: ما تسألهم على ذلك ثوابًا، فيقولوا لك: إنما تُريدُ بدعائك إيَّانا إلى اتِّباعِك، لتَنْزِلَ لك عن أموالنا إذا سألتنا ذلك، وإذ

(1)

كنت لا تسألهم ذلك، فقد كان حقًّا عليهم أن يعلموا أنك إنما تَدعُوهم إلى ما تدعوهم إليه، اتباعًا منك لأمرِ ربِّك، ونصيحةً منك لهم، وأن لا يَسْتغِشُّوك.

وقوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} . يقول تعالى ذكره: ما هذا الذي أرسلك به ربُّك يا محمد من النبوَّة والرسالة، إلا ذكرٌ، يقول: إلا عظة وتذكيرٌ للعالمين، ليتعظوا ويتذكروا به.

‌القول في تأويل قوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)} .

يقول جلَّ وعزَّ: وكم من آية في السماوات والأرض لله، وعبرةٍ وحُجَّةٍ؛ وذلك كالشمس والقمر والنجوم، ونحو ذلك من آيات السماوات، وكالجبال والبحار والنبات والأشجار، وغير ذلك من آياتِ الأَرضِ. {يَمُرُّونَ عَلَيْهَا}. يقولُ: يُعاينونها، فيمرُّون بها معرضين عنها، لا يعتبرون بها، ولا

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"إن".

ص: 371

يُفكِّرون فيها، وفيما دلَّت عليه من توحيدِ ربِّها، وأن الألوهة لا تنبغى

(1)

إلا للواحد القهار، الذي خلقها وخلق كل شيءٍ، فدبَّرها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة:{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا} : وهى في مصحفِ عبدِ اللَّهِ: (يَمْشُون عليها)؛ السماء والأرضُ آيتان عظيمتان

(2)

.

‌القول في تأويل قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} .

يقول تعالى ذكره: وما يُقِرُّ أكثر هؤلاء - الذين وصف عز وجل صفتهم بقوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} - بالله أنه خالقه ورازقه وخالقُ كلِّ شيءٍ، إلا وهم به مشركون في عبادتهم الأوثان والأصنام، واتخاذهم من دونه أربابًا، وزعمهم أن له ولدًا، تعالى الله عما يقولون [عُلوًّا كبيرًا]

(3)

.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا عمران بنُ عُيَيْنَةَ، عن عطاء بن السائبِ، عن سعيدِ

(1)

في م: "تبتغى".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2207 (12033)، من طريق سعيد بن بشير به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 39، 40 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(3)

ليست في م، ص، ت 2، ف.

ص: 372

ابن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ} الآية. قال: من إيمانهم إذا قيل لهم: مَنْ خلق السماء، ومَنْ خلق الأرض، ومَنْ خلق الجبال؟ قالوا: الله. وهم مشركون

(1)

.

حدثنا هَنَّادٌ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة في قوله:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} . قال: تَسأَلهم من خلقهم، ومن خلق السماواتِ والأرضَ؟ فيقولون: الله. فذلك إيمانهم باللهِ، وهم يَعْبُدون غيره

(2)

.

حدثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامرٍ وعكرمة:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ} الآية. قالا: يعلمون أنه ربُّهم، وأنه خلقهم، وهم مشركون به

(3)

.

حدثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامر وعكرمة بنحوه.

قال: ثنا ابن نُمَيْرٍ، عن نصرٍ، عن عكرمة:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} . قال: من إيمانهم إذا قيل لهم: من خلق السماواتِ؟ قالوا: الله. وإذا سئلوا: ومَن خلقهم؟ قالوا: الله. وهم يشركون به بعد.

قال: ثنا أبو نُعَيْمٍ، عن الفَضْلِ

(4)

بن يزيد الثُّماليِّ، عن عكرمة

(5)

، قال: هو

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2207 (12034) بإسناد آخر عن ابن عباس، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 40 إلى أبى الشيخ.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 341.

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 341 عن عكرمة وعامر.

(4)

في النسخ: "الفضيل". والمثبت من مصادر ترجمته. وانظر تهذيب الكمال 23/ 260.

(5)

بعده في ص: "عن ابن عباس".

ص: 373

قولُ اللَّهِ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25، والزمر: 38]. فإذا سئلوا عن الله وعن صفتِه، وصفوه بغير صفته، وجعلوا له ولدًا، وأشركوا به.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شَبَابَةُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} . إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويَرْزُقُنا ويُميتنا

(1)

.

حدثني محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} . فإيمانهم قولُهم: الله خالقنا، ويَرْزُقُنا ويُميتنا.

حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} إيمانهم قولهم: الله خالقنا، ويرزقنا ويميتُنا. فهذا إيمان مع شركِ عبادتِهم غيرَه.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} . قال: إيمانهم قولهم: الله خالقنا، ويرزقنا ويميتنا.

حدثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا هانئ بن سعيدٍ وأبو معاوية، عن حجاجٍ، عن القاسم، عن مجاهد، قال: يقولون: الله ربُّنا، وهو يرزقنا. وهم يشركون به بعد

(2)

.

(1)

تفسير مجاهد ص 401، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 40 إلى ابن المنذر.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2207 (12035)، من طريق حجاج به بنحوه.

ص: 374

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهد، قال: إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقُنا ويميتُنا.

قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو تُميْلَةَ، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد وعامر، أنهم قالوا في هذه الآية:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} . قال: ليس أحدٌ إلا وهو يَعلَمُ أن الله خلقه، وخلق السماواتِ والأرضَ، فهذا إيمانهم، ويكفرون بما سوى ذلك

(1)

.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} : في إيمانهم هذا، إنك لست تلقى أحدًا منهم إلا أنبأك أن اللَّهَ ربُّه، وهو الذي خلقه ورزقه، وهو مشركٌ في عبادتِه

(1)

.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} الآية. قال: لا تَسأَلُ أحدًا من المشركين: مَنْ ربُّك؟ إلا قال: ربي الله. وهو يُشْرِكُ في ذلك

(2)

.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} . يعنى النصارى، يقولُ:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25]. {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87]. ولئن سألتهم: من يرزُقُكم من السماء والأرض؟ ليقولُنَّ: الله. وهم مع ذلك يُشْرِكُون به، ويعبدون غيره، [ويَسْجُدُون]

(3)

للأنداد دونَه.

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 341.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 328.

(3)

في م: "يسجدون".

ص: 375

حدثني المثنى، قال: أخبرنا عمرُو بنُ عَوْنٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاك، قال: كانوا يُشركون به في تلبيتهم

(1)

.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نُميرٍ، عن عبد الملكِ، عن عطاء:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ} الآية. قال: يعلمون أن الله ربهم، وهم يشركون به بعد.

حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ في قوله:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} . قال: يعلمون أن الله خالقهم ورازقهم، وهم يُشْرِكُونَ به

(2)

.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعتُ ابْنَ زِيدٍ يقولُ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ} الآية. قال: ليس أحدٌ يَعْبُدُ مع الله غيره إلا وهو مؤمنٌ باللهِ، ويَعْرِفُ أن الله ربُّه، وأن الله خالقه ورازقه، وهو يُشْرِكُ به، ألا ترى كيف قال إبراهيم:{قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 75 - 77]. قد عرَف أَنهم يَعْبُدُونَ ربَّ العالمين مع ما يَعْبُدُونَ. قال: فليس أحدٌ يُشْرِكُ به إلا وهو يؤمنُ

(3)

به، ألا تَرَى كيف كانت العرب تُلَبِّى تقولُ: لبيك اللهم لبيك، لبيك

(4)

لا شريك لك، إلا شريكٌ هو لك، تملكه وما مَلَكَ؟ المشركون كانوا يقولون هذا

(5)

.

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 341، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 40 إلى ابن المنذر.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه 5/ 411 (1146 - تفسير) من طريق هشيم به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 40 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

في م: "مؤمن ". والمثبت موافق لما في مصدر التخريج.

(4)

سقط من: م، ت 2.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2208 (12038) عن عبد الرحمن به، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 341.

ص: 376

‌القولُ في تأويل قوله: {أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)} .

يقول جل ثناؤه: أفَأَمِن هؤلاء الذين لا يُقرون بأنَّ الله رَبُّهم إلا وهم مشركون في عبادتهم إيَّاه غيره، {أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} تغشاهم من عقوبةِ اللهِ وعذابه، على شركهم بالله، أو تأتيهم القيامة فجأةً وهم مقيمون على شركهم وكفرهم بربِّهم، فيُخَلِّدَهم اللهُ عز وجل في ناره، وهم لا يدرون بمجيئها وقيامها

(1)

.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} . قال: تَعْشَاهم.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله:{غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} . قال: تغشاهم

(2)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن

(1)

في ص، ت 1، ت 2:"قيامتها".

(2)

تفسير مجاهد ص 401، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2208 (12041)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 40 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 377

مجاهدٍ مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله:{أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} . أي: عقوبة من عذاب الله

(1)

.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة:{غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} . قال: غاشيةٌ: وقِيعَةٌ

(2)

تَغْشاهم من عذابِ اللهِ

(3)

.

‌القولُ في تأويل قوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} .

يقول تعالى ذكره لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُل} يا محمد: {هَذِهِ} الدعوة التي أَدْعُو إليها، والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيدِ اللهِ، وإخلاص العبادة له، دونَ الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته، وترك معصيته - {سَبِيلِي} وطريقتي ودعوتى، {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} وحده لا شريك له {عَلَى بَصِيرَةٍ} بذلك، ويقين علم منى به {أَنَا} ويَدْعُو إليه على بصيرة أيضًا {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} وصدَّقني، وآمن بي، {وَسُبْحَانَ اللَّهِ}. يقول له تعالى ذكره: وقل: تنزيها لله وتعظيما له من أن يكون له شريكٌ في ملكه، أو معبودٌ سواه في سلطانه،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2209 (12042)، من طريق سعيد بن أبي عروبة به بنحوه.

(2)

في م: "واقعة".

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 329 عن معمر به، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2209 (12043)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 40 إلى ابن المنذر.

ص: 378

{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} . يقول: وأنا برئ من أهل الشرك به، لستُ منهم، ولا هم مني.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} . يقول: هذه دعوتى

(1)

.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيد في قوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} . قال: {هَذِهِ سَبِيلِي} : هذا أمرى وسنتى ومنهاجي، {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}. قال:[وحقٌّ والله على]

(2)

من اتَّبَعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويذكِّر بالقرآنِ والموعظة، ويَنْهَى عن معاصي الله

(3)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الربيع بن أنس قولَه:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} : هذه دعوتى.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حَكَّامٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الربيع:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} . قال: هذه دعوتى.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 40 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(2)

في م: "وحق الله وعلى"، وفى ت 2:"وحق الله على".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2209، 2210 (12048، 12050) عن ابن زيد به، وذكره البغوي في تفسيره 4/ 284.

ص: 379

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي

(1)

إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)

(2)

}.

يقول تعالى ذكره: {وَمَا أَرْسَلْنَا} يا محمد {مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا} لا نساءً، ولا ملائكةً، {نُوحِي إِلَيْهِمْ} آياتنا، بالدعاء إلى طاعتنا، وإفراد العبادة لنا. {مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} ، يعنى: من أهل الأمصار، دون أهل البوادى.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي

(3)

إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}: لأنهم كانوا أعلم وأحلم

(4)

من أهل العمود

(5)

.

وقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} . يقول تعالى ذكره: أفلم يَسِرْ هؤلاء المشركون الذين يُكَذِّبونك يا محمد، ويَجْحَدون نبوَّتك، ويُنكرون ما جئتهم به من توحيد الله، وإخلاص الطاعة والعبادة له في الأرضِ، {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} إذ كذَّبوا رسلنا، ألم نُحِلَّ بهم عقوبتنا، فنهلكهم بها، ونُنَجِّ منها رسلنا وأتباعهم

(6)

، فيتفكَّروا في ذلك ويعتبروا؟

(1)

في ت 1، ت 2:"يوحى". وهى - بالياء مبنيًا للمفعول - قراءة السبعة غير عاصم في رواية حفص عنه. ينظر السبعة ص 373.

(2)

في ص، ت 1، ت 2:"يعقلون" بالياء، وهى قراءة حمزة وابن كثير وأبى عمرو والكسائي. ينظر حجة القراءات ص 365.

(3)

في ت 1، ت 2، ف:"يوحى".

(4)

في ص، ف:"أحكم".

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2210 (12052) من طريق سعيد به، وأهل العماد: أهل الأخبية؛ وهم الذين لا ينزلون غيرها. ويقال لهم: أهل العمود أيضًا. ينظر تاج العروس (ع م د).

(6)

في م: "وأتباعنا".

ص: 380

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريجٍ قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي

(1)

إِلَيْهِمْ}. قال: إنهم قالوا: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 91]. قال: وقوله: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} . وقوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا} . وقوله: {أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} . وقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا} من

(2)

أهلكنا؟ قال: فكلُّ ذلك قال لقريش: أفلم يسيروا في الأرض، فينظروا في آثارهم، فيعتبروا ويتفكروا

(3)

؟

وقوله: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ} . يقول تعالى ذكره: هذا فعلنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا، أن عقوبتنا إذا نزلت بأهل معاصينا والشرك بنا، أنجيناهم منها، وما في الدار الآخرة لهم خيرٌ.

وترك ذكر ما ذكرنا اكتفاءً بدلالة قوله: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} . عليه، وأضيفت الدار إلى الآخرة، وهى الآخرة، لاختلافِ لفظيهما

(4)

. كما قيل: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)} [الواقعة: 95]. وكما قيل: أتيتُك عام

(1)

في ت 1، ت 2، ف:"يوحى".

(2)

في الدر المنثور: "كم".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 40 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(4)

في ص، م، ت 1، س، ف:"لفظهما".

ص: 381

الأوّل

(1)

، وبارحة الأولى، وليلة الأولى، ويوم الخميس. وكما قال الشاعرُ

(2)

:

أَتَمْدَحُ فَقْعَسًا وتَذُمُّ عَبْسًا

أَلا لِلهِ أُمُّكَ مِنْ هَجِينِ

ولَوْ أَقْوَتْ

(3)

عَلَيْكَ دِيَارُ عَبْسٍ

عَرَفْتَ الذُّلَّ عِرفانَ اليَقِينِ

يعني عرفانًا به يقينًا.

فتأويل الكلام: وللدَّارُ الآخرة خير للذين اتقوا الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه.

وقوله: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ

(4)

}. يقولُ: أفلا يعقل هؤلاء المشركون باللهِ حقيقةً ما نقول

(5)

لهم، ونُخْبِرُهم

(6)

به من سوء عاقبة الكفر، وغِبِّ ما يَصِيرُ إليه حال أهله، مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا، مما حلَّ بمن

(7)

قبلهم من الأمم الكافرة المكذِّبةِ رسل ربها.

‌القولُ في تأويل قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)} .

يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا نُوحِى إليهم مِن أَهلِ

(1)

في ص، ت 1، ف:"الأولى".

(2)

معاني القرآن للفراء 2/ 56 غير منسوبين.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"أقرت". ويقال: أقوت الدار إقواء: إذا أقفرت وخلت من أهلها. اللسان (ق و ي).

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"يعقلون".

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"يقول".

(6)

في ت 1، ت 2 ف:"يخبرهم".

(7)

في ص، ت 2:"بهم بمن"، وفى م:"بما"، وفى ف:"بهم عن قيلهم".

ص: 382

القُرى، فَدعَوْا مَنْ أرسلنا إليهم، فكذَّبوهم، وردُّوا ما أتوا به من عندِ اللَّهِ، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} الذين أرسلناهم إليهم، منهم أن يُؤْمِنُوا بالله، ويُصَدِّقُوهم فيما أتوهم به من عندِ اللهِ، وظنَّ الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذبةِ، أن الرسل الذين أرسلناهم، قد كذبوهم، فيما كانوا أخبروهم عن الله، من وعده إياهم نصرهم عليهم، {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} ، وذلك قول جماعة من أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا أبو السائب سَلْمُ بن جُنادَةً، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس في قوله:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . قال: لما أيست الرسلُ أن يَسْتَجِيبَ لهم قومهم، وظن [قومهم أن الرسل قد]

(1)

كَذَبوهم، جاءهم النصر على ذلك، فننجِّى من نشاء

(2)

.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو معاوية الضرير، قال: ثنا الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس بنحوه. غير أنه قال في حديثه، قال: أيست الرسل. ولم يَقُلْ: لما أيست.

حدثنا محمد بن بشارٍ، قال: ثنا مُؤَمَّلٌ، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبيرٍ:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} أن يُسلم قومهم، وظنّ قومُ الرسل أن الرسل قد كَذَّبوا - {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}

(3)

.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"الرسل أن قومهم". ينظر مصدرى التخريج.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1151 - تفسير) من طريق أبى معاوية به، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2212 (12067) من طريق الأعمش به.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1148 - تفسير) من طريق عطاء به.

ص: 383

حدثنا ابن بشار قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن ابن عباس مثله

(1)

.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمران بن عيينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . قال: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} من قومهم، وظنّ قومُهم أن الرسل قد كَذَبوا {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}

(2)

.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حُصينٍ، عن عمران السُّلَمى، عن ابن عباس:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} : أيس الرسل من قومهم أن يُصَدِّقُوهم، وظنّ قومهم

(3)

أن الرسل قد كذبتهم

(4)

.

حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن حُصين، عن عِمرانَ بن الحارث السلمي، عن عبدِ اللهِ بن عباس في قوله:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} . قال: استيأس الرسل من قومهم أن يَسْتَجِيبُوا لهم، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا}. قال: ظنّ قومُهم أنهم جاءوهم بالكذب

(5)

.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت حصينا، عن عِمرانَ بن الحارث، عن ابن عباس:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} من أَن يَسْتَجِيبَ لهم

(1)

تفسير الثورى ص 148.

(2)

أخرجه الثوري في تفسيره ص 148، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2211 (12059)، عن عطاء به.

(3)

في ص، ت 1، ت 2:"قوم".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2211 (12057) من طريق عبد الرحمن به.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1147 - تفسير من طريق حصين به، والأثر في تفسير مجاهد ص 402 عن حصين به.

ص: 384

قومُهم، وظنّ قومُهم أن قد كَذَّبوهم، {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} .

حدثني أبو حَصِينٍ عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عَبْثَرٌ، قال: ثنا حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس في هذه الآية:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ}

(1)

. قال: استيأس الرسل من قومهم أن يُؤمنوا، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كَذَّبوهم فيما وعدوا، وكذَّبوا - {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} .

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدى، عن شعبةَ، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، قال:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} من نصر قومهم، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا}: ظنَّ قومهم أنهم قد كَذبوهم.

حدثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا محمد بن الصباح، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حُصَيْنٌ، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس في قوله:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} . قال: من قومهم أن يُؤمنوا بهم، وأن يستجيبوا لهم، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذبوهم - {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}. يعنى: الرسل.

حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن حُصين، عن عمران بن الحارثِ، عن ابن عباس بمثله سواء.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن هارونَ، عن عباد القُرَشي، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن ابن عباس:{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} ، خفيفةً

(2)

، وتأويلها عندَه: وظنَّ القوم أن الرسل قد كَذبوا

(3)

.

(1)

إلى هنا ينتهى الخرم بالمخطوطة (س)، والمشار إليه في ص 207.

(2)

في ت 1، ت 2، س، ف:"حقيقة".

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 348.

ص: 385

حدثنا أبو بكر، قال: ثنا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، عن زائدة، عن الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، قال:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} من قومهم أن يُصدِّقوهم، وظنَّ قومهم أن قد كذبتهم رسلهم - {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}

(1)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . يعنى: أيس الرسل من أن يَتَّبِعَهم قومُهم، وظنَّ قومُهم أن الرسل قد كَذَبوا، فينصرُ اللهُ الرسل، ويبعَثُ العذاب

(2)

.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يُطيعوهم ويَتَّبعوهم، وظنَّ قومُهم أن رسلهم كذبوهم - {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}

(2)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا محمدُ بنُ فُضيل، عن حُصينٍ، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} من قَومِهم، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا}. قال: فما أبطأ عليهم إلا من ظنَّ أنهم قد كذبوا.

قال: ثنا آدم العسقلاني، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمران بن الحارث قال: سمعت ابن عباس يقولُ: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . خفيفة

(3)

. وقال ابن عباسٍ: ظنَّ القوم أن الرسل قد كَذَبوهم،

(1)

ينظر ما تقدم في ص 383.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 348.

(3)

في ت 2، س، ف:"حقيقة".

ص: 386

خفيفةً

(1)

.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير في قوله:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} [الآية. قال: حتى إذا استيأس الرسل]

(2)

من قومهم، وظنَّ قومُهم أن الرسل قد كَذَّبوهم

(3)

.

قال: ثنا محمدُ بنُ فُضَيلٍ، عن خُصَيفٍ، قال: سألت سعيد بن جبير عن قوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} : من قومهم، وظن الكفار أنهم هم كُذبوا.

حدثني يعقوب والحسنُ بنُ محمد، قالا: ثنا إسماعيل ابن عُليَّةَ، قال: ثنا كلثوم بن جبرٍ

(4)

: عن سعيد بن جبير قوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ [وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . قال: استيأس الرسل]

(2)

من قومهم أن يُؤمنوا، وظنَّ قومُهم أن الرسل قد كَذبتهم.

حدثني المثنى، قال: ثنا عارمٌ أبو النعمان، قال: ثنا حماد بن زيدٍ، قال: ثنا شعيب، قال: ثنى إبراهيم بن أبى حُرَّة

(5)

الجزَرِيُّ

(6)

، قال: سأل فتى من قريش سعيد بن جبيرٍ، فقال له: يا أبا عبدِ اللهِ، كيف تقرأ هذا الحرف؟ فإنى إذا

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه 5/ 416 (1149 - تفسير) من طريق حصين به.

(2)

سقط من: م، ت 1، س، ف.

(3)

تقدم تخريجه في ص 383 حاشية (3).

(4)

في ص: "نصر"، وفى ت 2:"جبير". وانظر تهذيب الكمال 24/ 200.

(5)

في م: "حمزة". وانظر التاريخ الكبير 1/ 281، والجرح والتعديل 2/ 96.

(6)

في س، ف:"الحررى"، وفى ت 1:"الخدري"، وفى ت 2:"الحدرى". وانظر تهذيب الكمال 23/ 88.

ص: 387

أتيتُ عليه تمنيتُ أن لا أَقرَأَ هذه السورة: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . قال: نعم، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يُصدِّقوهم، وظنَّ المُرسَلُ

(1)

إليهم أن الرسلَ كَذَبوا. قال: فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كاليومِ قَطُّ رجلًا يُدْعَى إلى علمٍ فيتلكَّأُ، لو رحلتُ في هذه إلى اليمن كان قليلًا

(2)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا ربيعة بن كلثوم، قال: ثنى أبي، أن

(3)

مسلم بن يسار سأل

(4)

سعيد بن جبيرٍ، فقال: يا أبا عبدِ اللَّهِ، آيةٌ بلغت منى كلَّ مبلغ:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} ، [فهذا الموتُ أن تظن

(5)

الرسل أنهم قد كذبوا]

(6)

، [أو نظنَّ]

(7)

أنهم قد كذبوا - مخففة - قال: فقال سعيد بن جبير: يا أبا عبد الرحمن، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم، وظنَّ قومُهم أن الرسلَ كَذَبتهم - {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} ، {فَنُجِّيَ

(8)

مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}. قال: فقام مسلمٌ إلى سعيد فاعتنقه، وقال:

(1)

في ت 1، س، ف:"الرسل".

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 348 عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 41 إلى المصنف وابن المنذر.

(3)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

(4)

بعده في ص، ت 1، ت 2، س:"رجل"، وبعده في ف:"رجلا".

(5)

في الدر المنثور: "نظن".

(6)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(7)

في ص، ت، ت 1، ت 2، س، ف:"ويظن".

(8)

في ص، ت 1 ت 2، س، ف:"فننجى"، وهى قراءة ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي، وخلف العاشر، بنونين الأولى مضمومة والثانية ساكنة والياء فيها ساكنة أيضا. ينظر السبعة ص 352، والنشر 2/ 222.

ص: 388

فرج الله عنك كما فرَّجت عنى

(1)

.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يحيى بن عبّادٍ، قال: ثنا وُهَيبٌ، قال: ثنا أبو المعلى العطارُ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كَذَبوهم ما كانوا يُخبرونهم ويبلغونهم

(2)

.

قال: ثنا شَبابَةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد قوله:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} من أن يُصدِّقهم قومهم، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كَذَبوا - جاء الرسل نصرنا

(3)

.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن، عن مجاهد مثله.

[حدثني المثنَّى، قال: أخبرنا أبو حذيفةَ، قال: حدثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله]

(4)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير في هذه الآية:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} من قومهم، وظنّ قومُهم أن الرسل قد كذبت

(5)

.

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 349 عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 41 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(2)

ينظر ما تقدم في ص 384 حاشية (2).

(3)

تفسير مجاهد ص 402.

(4)

سقط من: م، ت، س، ف.

(5)

تقدم تخريجه في ص 383 حاشية (3).

ص: 389

قال: ثنا حماد، عن كُلْثُومِ بن جَبرٍ، قال: قال لي سعيد بن جبير: سألني سيدٌ من ساداتكم

(1)

عن هذه الآية، فقلتُ: استيأس الرسل من قومهم، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذبت.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . قال: استيأس الرسل أن يُؤمِنَ قومهم بهم، وظنّ قومُهم المشركون أن الرسل قد كُذبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم عليهم وأُخْلِفُوا. وقرأ:{جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} . قال: جاء الرسل النصر حينئذٍ. قال: وكان أَبَيٌّ يَقْرَؤُها: (كَذَبوا)

(2)

.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيدٍ، عن أبي المتوكل، عن أيوب بن أبى صفوان، عن عبدِ اللهِ بن الحارثِ، أنه قال:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} من إيمانِ قومهم، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا}: وظنَّ القومُ أنهم قد كذبوهم فيما جاءُوهم به

(3)

.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهَّابِ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ، قال: ظنَّ

(4)

قومُهم أن رسلهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به

(5)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا محمدُ بنُ فُضيلٍ، عن جحش بن زياد الضَّبيِّ، عن تميمِ بن حَذْلَمٍ، قال: سمعت عبد الله بن مسعودٍ يقولُ في هذه

(1)

في ت 1، ت 2 س:"سادات لهم"، وفى ف:"ساداتهم".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2212 (12065) من طريق آخر عن ابن زيد.

(3)

ذكره ابن حجر في فتح البارى 8/ 369 عن عبد الله بن الحارث.

(4)

بعده في ت 1، ف:"أن".

(5)

ذكره أبو حيان في البحر المحيط 5/ 355 عن الضحاك بنحوه.

ص: 390

الآية: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . قال: استيأس الرسل من إيمان قومِهم أن يُؤمنوا بهم، وظنَّ قومهم حين أبطأ الأمرُ، أنهم قد كذبوا

(1)

؛ بالتخفيف

(2)

.

حدثنا أبو المثنّى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي المُعَلَّى، عن سعيد بن جبير في قوله:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} . قال: استيأس الرسل من نصر قومهم

(3)

، وظنَّ قومُ الرسل أن الرسل قد كذبوهم

(4)

.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عمرو بن ثابتٍ، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} أن يُصدقوهم

(5)

، وظن قومُهم أن الرسل قد كذبوهم.

قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} أَن يُصدِّقَهم قومهم، [وظنَّ قومهم]

(6)

أن الرسل قد كذبوهم

(7)

.

حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقولُ: ثنا عُبيدُ بنُ سليمان، قال: سمعت الضحاك

(8)

في قوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} .

(1)

بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"مخففة".

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1150 - تفسير)، وعبد الرزاق 1/ 329، والطبراني في الكبير 9/ 148 (8675) من طريق تميم بن حذلم به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 41 ابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

بعده في ف: "وظنوا".

(4)

ينظر ما تقدم في ص 387، 388.

(5)

في ت 2: "يصدقهم قومهم".

(6)

سقط من: س، ف.

(7)

ينظر ما تقدم في ص 384.

(8)

بعده في ص، ت 2:"يقول".

ص: 391

يقولُ: استيأسوا من قومهم أن يُجيبوهم ويُؤمنوا بهم، {وَظَنُّوا}. يقول: وظنَّ قومُ الرسل أن الرسل قد كذبوهم الموعد.

والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله: {كُذِبُوا} ، بضم الكافِ، وتخفيف الذال، وذلك أيضًا قراءة بعض قرأَةِ أهل المدينة، وعامة قرأة أهل الكوفة

(1)

.

وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة؛ لأن ذلك عقيب قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي

(2)

إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}. فكان ذلك دليلا على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذين أُهلكوا، وأن المضمر في قوله:{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . إنما هو من ذكرِ الذين من قبلهم من الأمم الهالكة، وزاد ذلك وضوحًا أيضًا إتْبَاعُ اللَّهِ في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله: {فَنُجِّيَ

(3)

مَنْ نَشَاءُ} إذ الذين أُهلكوا هم الذين ظنُّوا أن الرسل قد كَذبتهم، فكذبوهم ظنًّا منهم أنهم قد كذبوهم.

وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءةَ إلى غير التأويل الذي اخترنا، ووجهوا معناه إلى: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنَّت الرسل أنهم قد كُذبوا فيما وُعِدوا من النصر.

(1)

هي قراءة عاصم، وحمزة والكسائي، وأبو جعفر وخلف العاشر، والباقون بتشديد الذال (كُذِّبوا). وينظر السبعة ص 350، والنشر 2/ 222، والإتحاف ص 162.

(2)

في ت 1، ت 2، س:"يوحى". وهى قراءة السبعة غير عاصم في رواية حفص عنه. وتقدمت نسبة هذه القراءة في ص 380.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فننجي".

ص: 392

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عثمان بن عمر

(1)

، قال: ثنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قرأ ابن عباس: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . قال: كانوا بشرًا، ضَعُفوا ويئسوا

(2)

.

قال: ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قرأ

(3)

{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} ، خفيفةً. قال ابن جريجٍ: أَقُولُ كما يَقولُ: أُخْلِفُوا. قال عبد الله: قال

(4)

لى ابن عباسٍ: كانوا بشرًا. وتلا ابن عباسٍ: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]. قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: ذهب بها إلى أنهم ضعفوا، فظنُّوا أنهم

(5)

أُخلفوا.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مُؤمَّلٌ، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضُّحَى، عن مسروق، عن عبدِ اللهِ أنه قرأ:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} ، مخففةً. قال عبد الله: هو الذي تكره

(6)

.

(1)

في ت، س:"عمرو". وانظر تهذيب الكمال 19/ 461.

(2)

أخرجه البخارى (4524)، والنسائى في الكبرى (11256) من طريق ابن جريج به بنحوه، والطبراني في الكبير 11/ 124 (11245) من طريق ابن أبي مليكة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 40 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه.

(3)

في ص، ت 2، س، ف:"قرأها".

(4)

في ص، س، ف:"ثم قال".

(5)

بعده في ت 1: "قد".

(6)

في ت 2: "يكره"، وفى ف:"نكره". والأثر في تفسير الثورى ص 148.

ص: 393

قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن سليمان

(1)

، عن أبي الضُّحَى، عن مسروق، أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . قال: هو الذي تكره

(2)

، مخففةً.

قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بِشْرٍ، عن سعيد بن جُبَيرٍ أنه قال في هذه الآية {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا}. قلت: كذبوا! قال: نعم، ألم

(3)

يكونوا بشرًا؟

حدثنا الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . قال: كانوا بشرًا، قد ظنُّوا.

وهذا تأويل، وقولُ غيره من أهل التأويل أولى عندى بالصواب، وخلافه من القول أشبه بصفاتِ الأنبياء والرسل، إن جاز أن يرتابوا بوعدِ اللَّهِ إياهم، ويَشكُوا في حقيقة خبره، مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعانيه المرسل إليهم، فيُعذَروا في ذلك؛ إِنَّ المرسَلَ إليهم لأولى في ذلك منهم بالعذر

(4)

. وذلك قول إن قاله قائل لا يَخْفَى أمرُه، وقد ذكر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرًا عن ابن عباس لعائشة فأنكرته أشدَّ النُّكرةِ فيما ذُكر لنا.

(1)

في ت 1: "سلمان".

(2)

في س: "يكره"، وفى ف:"نكره".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"لم".

(4)

يعنى أنه لا مانع من عروض مثل هذا الظن للكل من الخلق على وجه لا يستقر ولا يستمر عليه ولئن كان هذا الظن يعرض للأنبياء على هذا الوجه الذي لا يستمر، فإن المرسل إليهم لَهُمْ أولى منهم في ذلك عذرا. ينظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/ 127.

ص: 394

‌ذكرُ الرواية بذلك عنها، رضوان الله عليها:

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا ابن جُريجٍ، عن ابن أبي مُلَيْكةً، قال: قرأ ابن عباس: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . فقال: كانوا بشرًا ضَعُفوا ويَئِسُوا. قال ابن أبي مليكة: فذكرت ذلك لعروةَ، فقال: قالت عائشةُ: مَعَاذَ اللَّهِ، ما حدَّث الله رسوله شيئًا قط إلا علم أنه سيكونُ قبل أن يموت، ولكن لم يَزَلِ البلاء بالرسل، حتى ظنَّ الأنبياءُ أن من تبعهم قد كذبوهم، فكانت تقرؤُها (قد كُذِّبوا) تُنقِّلُها.

قال: ثنا حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني ابن أبي مليكة أن ابن عباس قرأ: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} ، خفيفةً. قال عبد الله: ثم قال لى ابن عباس: كانوا بشرًا. وتلا ابن عباس: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]. قال ابن جُرَيجٍ: قال ابن أبي مليكة: يَذْهَبُ بها إلى أنهم ضَعُفوا؛ فظنُّوا أنهم أُخْلِفُوا. قال ابن جُريجٍ: قال ابن أبى مُليكةَ: وأخبرنى عروة عن عائشةَ، أنها خالفت ذلك وأبته، وقالت: ما وعد الله محمدًا صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وقد علم أنه سيكونُ، حتى مات، ولكنه لم يَزَلِ البلاء بالرسل، حتى ظنُّوا أن من معهم من المؤمنين قد كَذَبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة: كانت عائشة تقرؤُها: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبوا)، مثقَّلةً للتكذيبِ.

قال: ثنا سليمان بن داودَ الهاشميُّ، قال: ثنا إبراهيم بن سعدٍ، قال: ثنى صالح بن كيسان، عن ابن شهابٍ، عن عروةَ، عن عائشةَ، قال: قلت لها: قولُه: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} ؟ قال: قالت عائشة:

ص: 395

لقد استيقنوا أنهم قد كُذِّبوا. قلت: كُذِبوا؟ قالت: مَعاذَ اللهِ، لم تَكُنِ الرسلُ تظنُّ [ذلك بربِّها]

(1)

، إنما هم أتباعُ الرسلِ؛ لما استأخَر عنهم الوحيُ واشتدَّ عليهم البلاءُ، ظنَّت الرسلُ أن أتباعَهم قد كَذَّبوهم - {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن مَعْمَرٍ

(3)

، عن الزُّهريِّ، عن عُروةَ، عائشةَ، قالت: حتى إذا استيأَس الرسلُ ممن كذَّبهم من قومِهم أن يُصَدِّقوهم، وظنَّت الرسلُ أن مَن قد آمَن من قومِهم قد كَذَّبوهم، جاءهم نصرُ اللهِ عندَ ذلك.

فهذا ما رُوِى في ذلك عن عائشةَ، غيرَ أنها كانت تَقرأُ:(كُذِّبُوا) بالتشديدِ وضمِّ الكافِ، بمعنى ما ذكَرنا عنها، من أن الرسلَ ظنَّت بأتباعِها الذين قد آمنوا بهم، أنهم قد كَذَّبوهم، فارتدُّوا عن دينِهم، استبطاء منهم للنصرِ.

وقد بيَّنا أن الذي نَخْتَارُ من القراءةِ في ذلك والتأويلِ غيرُه في هذا الحرفِ خاصةً

(4)

.

وقال آخرون ممن قرَأ قوله: (كُذِّبُوا) بضمِّ الكافِ وتشديدِ الذالِ: معنى ذلك: حتى إذا استيأَس الرسلُ من قومهم أن يُؤْمِنوا ويُصَدِّقوهم، وظنَّت

(1)

في النسخ: "يوما". والمثبت من مصادر التخريج.

(2)

أخرجه البخاري (4695) من طريق إبراهيم به، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2211 (12060) من طريق الزهرى به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 40 إلى أبي عبيد وابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه.

(3)

بعده في ص، س، ف:"عن قتادة".

(4)

ينظر ما تقدم في ص 392.

ص: 396

الرسلُ - بمعنى: واستيقَنت - أنهم قد كذَّبهم أممُهم، جاءت الرسلُ نُصْرَتُنا.

وقالوا: الظنُّ في هذا الموضِعِ

(1)

بمعنى العلمِ، من قولِ الشاعرِ

(2)

:

فَظَنُّوا بألْقَىْ فَارِسِ مُتَلَبِّبٍ

سَرَاتُهُم في الفارِسِيِّ المُسَرَّدِ

(3)

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن الحسنِ، وهو قولُ قتادةَ:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} من إيمانِ قومِهم، (وظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا)، أي: استيقَنوا أنه لا خيرَ عندَ قومهم ولا إيمانَ - {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} .

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَورٍ، عن مَعمرٍ، عن قتادةَ:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} . قال: من قومِهم، (وظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا). قال: وعلمِوا أنهم قد كُذِّبوا - {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}

(4)

.

وبهذه القراءة كانت تَقْرَأُ عامةُ قرَأَةِ المدينةِ والبصرةِ والشامِ، أعنى بتشديدِ الذالِ من (كُذِّبوا)، وضمِّ كافِها

(5)

.

وهذا التأويلُ الذي ذهَب إليه الحسنُ وقتادةُ في ذلك - إذا قِرئ بتشديدِ الذالِ وضمِّ الكافِ - خلافٌ لما ذكرنا من أقوالِ جميعِ مَنْ حكينا قولَه من الصحابة؛ لأنه

(1)

سقط من: م.

(2)

هو دريد بن الصمة، وتقدم البيت في 1/ 624. وروايته هناك: فقلت لهم ظنوا بألفى مدجج.

(3)

في ص، ت 1:"المشرو".

(4)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 329 عن معمر به، وذكره البغوي في تفسيره 4/ 286 عن قتادة بنحوه.

(5)

هي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر ويعقوب. انظر النشر 2/ 222، وإتحاف فضلاء البشر ص 162. وينظر ما تقدم في ص 392.

ص: 397

لم يوجِّهِ

(1)

الظنَّ في هذا الموضعِ منهم أحدٌ إلى معنى العلمِ واليقينِ، مع أن الظنَّ إنما استعمَله العربُ في موضعِ العلمِ، فيما كان من علمٍ أُدرِك من جهةِ الخبرِ، أو من غيرِ وجهِ المشاهدةِ والمعاينةِ؛ فأما ما كان من علمٍ أُدْرِك من وجهِ المشاهدةِ والمعاينة، فإنها لا تستعملُ فيه الظنَّ، لا تَكَادُ تَقولُ: أَظُنُّني حَيًّا، وأَظُنُّني إنسانًا، بمعنى: أعلَمُنى إنسانًا، وأعْلَمُنى حيًّا. والرسلُ الذين كذَّبتْهم أممُهم، لا شك أنها كانت لأممِها شاهدةٌ، ولتكذيبِها إياها منها سامعةٌ، فيقال فيها: ظنَّت بأممِها أنها كذَّبتها.

ورُوِى عن مجاهدٍ في ذلك قولٌ هو خلافُ جميعِ ما ذكَرنا من أقوالِ الماضين الذين سمَّينا أسماءَهم وذكَرنا أقوالَهم، وتأويلٌ خلافُ تأويلِهم، وقراءةٌ غيرُ قراءةِ جميعِهم؛ وهو أنه، فيما ذُكِر عنه، كان يَقْرَأُ:(وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كَذَّبُوا) بفتح الكاف والذّال وتخفيف الذّال.

‌ذكرُ الروايةِ عنه بذلك

حدَّثنى أحمدُ بنُ يوسفَ، قال: ثنا أبو عُبيدٍ، قال: ثنا حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ أنه قرَأها:(كَذَبُوا) بفتحِ الكافِ، بالتخفيفِ

(2)

.

وكان يتأوَّلُه كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: استيأَس الرسلُ أن يعذَّبَ قومُهم، وظنَّ قومُهم أن الرسلَ قد كَذَبَوا - {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}. قال: جاء الرسلَ نصرُنا. قال مجاهدٌ: قال في

(1)

في ص، ت 2، ف:"يوجد"، وفي ت 1:"يوحد".

(2)

ذكره البغوي في تفسيره 4/ 286، والثعالبي في تفسيره، 2/ 354 وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 41 إلى المصنف، وهذه القراءة شاذة لم يقرأ بها أحد من العشرة.

ص: 398

"المؤمنِ": {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [غافر: 83]. قال: قولُهم نحن أعلمُ منهم، ولن نُعذَّبَ. وقوله:{وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [غافر:83]. قال: حاق بهم ما جاءت به رسلُهم من الحقِّ.

وهذه قراءةٌ لا أستجيزُ القراءةَ بها، لإجماعِ الحجةِ من قرَأةِ الأمصارِ على خلافِها، ولو جازت القراءةُ بذلك لاحتملَ وجهَا من التأويلِ وهو أحسنُ مما تأوَّله مجاهدٌ، وهو: حتى إذا استيأَس الرسلُ من عذابِ اللهِ قومَها المكذِّبة بها، وظنَّت الرسلُ أن قومَها قد كَذَّبوا وافترَوا على اللَّهِ بكفرِهم بها. ويكونُ الظنُّ حينئذٍ موجَّهًا إلى معنى العلمِ، على ما تأوَّله الحسنُ وقتادةُ.

وأما قولُه: {فَنُجِّيَ

(1)

مَنْ نَشَاءُ}. فإن القرَأةَ اختلَفت في قراءتِه؛ فقرَأه عامةُ قرَأةِ أهلِ المدينةِ ومكةَ والعراقِ: (فَنُنْجِى) - مُخَفَّفَةً

(2)

- {مَنْ نَشَاءُ} بنونين

(3)

؛ بمعنى: فنُنْجى نحن من نشاء من رسلِنا والمؤمنين بنا، دونَ الكافرين الذين كذَّبوا رسلَنا، إذا جاء الرسلَ نصرُنا. واعتلَّ الذين قَرءوا ذلك كذلك، أنه إنما كُتب في المصحفِ بنونٍ واحدةٍ، وحكمُه أن يَكُونَ بنونين، لأن إحدى النونين حرفٌ من أصلِ الكلمةِ، من أنجى يُنْجِى، والأخرى النونُ التي تأتِي لمعنى

(4)

الدَّلالةِ على الاستقبالِ، من فعلِ جماعةٍ مخبرةٍ عن أنفسِها، لأنهما

(5)

حرفان، أعنى النونين من

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فننجي".

(2)

سقط من: م.

(3)

تقدمت نسبة هذه القراءة في ص 388.

(4)

في ت 1، ت 2، س:"بمعنى".

(5)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"لأنها".

ص: 399

جنسٍ واحدٍ. يُخْفَى الثاني منهما عن الإظهارِ في الكلامِ، فحُذِفت من الخطِّ، واجتزِئ بالمثْبَتةِ

(1)

من المحذوفةِ، كما يُفعل ذلك في الحرفين اللَّذين يُدغمُ أحدُهما في صاحبِه.

وقرَأ ذلك بعضُ الكوفيِّين على هذا المعنى، غير أنه أدغَم النونَ الثانيةَ وشدَّد الجيمَ.

وقرَأه [آخرُ منهم]

(2)

بتشديدِ الجيمِ، ونصبِ الياءِ، على معنى: فُعِل ذلك به، من نجَّيتُه أُنَجِّيه.

وقرَأ ذلك بعضُ المكيين

(3)

: (فَنَجا

(4)

مَنْ نَشاءُ) بفتحِ النونِ والتخفيفِ، من: نجا من عذابِ اللَّهِ مَنْ نشاءُ - يَنْجُو

(5)

.

والصوابُ من القراءة في ذلك عندَنا قراءةُ من قرَأه: (فَنُنْجِي مَنْ نَشَاءُ) بنونين؛ لأن ذلك هو القراءةُ التي عليها القرَأةُ في الأمصارِ، وما خالَفه ممن قرَأ ذلك ببعضِ الوجوهِ التي ذكرناها، فمنفردٌ بقراءته عما عليه الحجةُ مجمعةٌ من القرَأةِ، وغيرُ جائزٍ خلافُ ما كان مستفيضًا بالقراءةِ في قرَأةِ الأمصارِ.

وتأويلُ الكلامِ: فنُنَجِّي الرسلَ، ومن نشاءُ من عبادِنا المؤمنين، إذا جاء نصرُنا.

كما حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمِّي، قال: ثني

(1)

في ت 2، س:"بالمبينة".

(2)

في س: "آخرون". وهى قراءة عاصم، وهى أيضا قراءة ابن عامر. السبعة ص 352.

(3)

في س: "الكوفيين".

(4)

في ص، ت 1 س، ف:"فننجى"، وفي ت 2:"فنجي".

(5)

هي قراءة ابن محيصن. انظر الإتحاف ص 162، القراءة شاذة.

ص: 400

أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:(فَنُنْجى مَنْ نَشاءُ)؛ فننجِّى الرسلَ ومَنْ نشَاءُ، {وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} ؛ وذلك أن الله تبارك وتعالى بعثَ الرسلَ فدعَوا قومَهم، وأخبَروهم أنه من أطاع نجَا، ومن عصَاه عُذِّب وغَوَى

(1)

.

وقولُه: {وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} . يَقُولُ: ولا تُرَدُّ عقوبتُنا وبطشُنا بمن بطَشْنا به من أهلِ الكفرِ بنا، عن القومِ الذين أجرَموا فكَفروا باللهِ، وخالَفوا رسلَه، وما أتَوهم به من عندِه.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: لقد كان في قصصِ يوسفَ وإخوتِه عِبرةٌ لأهلِ الحِجا والعقولِ، يعتبِرون بها، وموعظةٌ يتعِظون بها، وذلك أن الله جلَّ ثناؤُه بعدَ أن أُلقِى يوسفُ في الجبِّ ليَهْلِكَ، ثم بِيع بَيعَ العبيدِ بالخسيسِ من الثمنِ، وبعدَ الإسارِ والحبسِ الطويلِ ملَّكه، مصرَ، ومكَّن له في الأرضِ، وأعلَاه على مَن بغاه سوءًا من إخوتهِ، وجمَع بينَه وبينَ والديه وإخوتِه بقدرتِه، بعد المدّةِ الطويلةِ، وجاء بهم إليه من الشُّقَّةِ النائيةِ

(2)

البعيدةِ، فقال جلَّ ثناؤُه للمشركين من قريشٍ، من قومِ نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: لقد كان لكم أيُّها القومُ في قَصَصِهم عبرةٌ لو اعتبَرتم به؛ إن الذي فعَل ذلك بيوسفَ وإخوتِه لا يَتَعَذَّرُ عليه أن

(3)

يفعلَ مثلَه بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2212، 2213 (12068، 12069) من طريق محمد بن سعد به.

(2)

في ص: "الثابتة".

(3)

سقط من: ص، س، ف.

ص: 401

فيُخْرِجَه من بين أظهرِكم، ثم يُظهرَه عليكم، ويُمَكِّنَ له في البلادِ، ويُؤَيِّده بالجندِ والرجالِ، من الأتباعِ والأصحابِ، وإن مرّت به شدائدُ، [وأتَت]

(1)

دونَه الأيامُ والليالي [والدهورُ]

(2)

والأزمانُ.

وكان مجاهدٌ يقولُ: معنى ذلك: لقد كان في قصصِهم عبرةٌ ليوسفَ وإخوتِه.

‌ذكرُ [الروايةِ بذلك]

(3)

حدَّثنا محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} ليوسفَ وإخوتِه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: عبرةٌ ليوسفَ وإخوتِه

(4)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} . قال: يوسفُ وإخوتُه.

وهذا القولُ الذي قاله مجاهدٌ وإن كان له وجهٌ يَحْتَمِلُه التأويلُ، فإن الذي قلنا

(1)

في ت 1، س، ف:"رأيت".

(2)

سقط من: ص، ت 2، س، ف.

(3)

في ت 2، س:"من قال ذلك".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2213 (12071) من طريق ورقاء به.

ص: 402

في ذلك أولى به؛ لأن ذلك عقيبَ الخبرِ عن نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعن قومِه من المشركين، وعقيبَ تهديدِهم ووعيدِهم، على الكفرِ باللهِ وبرسولِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم. ومنقطِعٌ عن خبرِ يوسفَ وإخوتِه، ومع ذلك أنه خبرٌ عامٌّ عن جميعِ ذوى الألبابِ أن قصصَهم لهم عبرةٌ، [وغيرُ مخصوصٍ]

(1)

بعضٌ به دونَ بعضٍ. فإذا كان الأمرُ على ما وصَفْنا في ذلك، فهو بأن يَكُونَ خبرًا عن أنه عِبرةٌ لغيرِهم

(2)

أشبه

(3)

، والروايةُ التي ذكَرناها عن مجاهدٍ روايةُ ابن جريجٍ أشبهُ به أن تَكُونَ من قولِه؛ لأن ذلك موافقٌ القولَ الذي قلناه في ذلك.

وقولُه: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} . يقولُ تعالى ذكرُه: ما كان هذا القولُ حديثًا يُختلَقُ ويُتَكَذَّبُ ويُتَخَرَّصُ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} . والفِرْيةُ: الكذبُ، {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}. يقولُ: ولكنه تصديقُ الذي بينَ يديه من كتبِ اللهِ التي أنزَلها قبلَه على أنبيائِه؛ كالتوراةِ والإنجيلِ والزَّبورِ، ويُصَدِّقُ ذلك كلَّه ويَشْهَدُ عليه، أن جميعَه حقٌّ من عند اللهِ

(4)

.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} . والفرقانُ تصديقُ الكتب التي قبلَه، ويشهَدُ عليها.

(1)

في ت 1، س:"من خصوص"، وفى ت 2:"وعبرة من خصوص".

(2)

سقط من: ف، وفى ت 1: بغيرهم"، وفى س: "تعبرهم".

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2213 (12072) من طريق سعيد به بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 41 إلى المصنف وأبى الشيخ.

ص: 403

وقولُه: {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وهو أيضًا تفصيلُ كلِّ ما بالعبادِ إليه حاجةٌ؛ مِن بيانِ أمرِ اللهِ ونَهْيه، وحلالِه وحرامِه، وطاعتِه ومعصيتِه.

وقولُه: {وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وهو بيانُ أمرِه، ورشادُه

(1)

مَن جَهِلَ سبيل الحقِّ فَعَمِى عنه، إذا اتَّبَعه فاهْتَدى به مِن ضلالتِه، {وَرَحْمَةً} لَمَنْ آمَن به وعَمِل بما فيه، يُنْقِذُه مِن سَخَطِ اللَّهِ وأليمِ عذابِه، ويُورِثُه في الآخرةِ جِنانَه والخلودَ في النعيمِ المقيمِ، {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. يقولُ: لقومٍ يُصدِّقون بالقرآنِ، وبما فيه مِن وعْدِ اللهِ ووعيدِه، وأمرِه ونَهْيِه، فيَعْمَلون بما فيه من أمرِه، ويَنْتَهون عما فيه مِن نَهْيِه.

آخِرُ تفسيرِ سورةِ يوسفَ [صلى الله عليه وسلم، يتلوه تفسير السورة التي يُذكرُ فيها الرعدُ. وصلَّى اللهُ على محمد وآلِه وسلَّم كثيرًا]

(2)

.

(1)

في م: " رشاد".

(2)

سقط من: م.

ص: 404

بسم الله الرحمن الرحيم

‌أولُ تفسيرِ السورةِ التي يُذكرُ فيها الرعدُ

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ

(1)}.

قال أبو جعفرٍ: قد بَيَّنَّا القولُ في تأويلِ قولِه: {الر} [يوسف: 1]، و {المر} ، ونظائرِها من حروفِ المعجمِ، التي افْتُتِح بها أوائلُ بعضِ سورِ القرآنِ فيما مَضَى، بما فيه الكفايةُ مِن إعادتها، غيرَ أنَّا نذكُرُ من الروايةِ ما جاء خاصًّا به كلَّ سورةٍ افتُتِح أوَّلُها بشيءٍ منها.

فمما جاءِ من الروايةِ في ذلك في هذه السورةِ عن ابن عباسٍ مِن نَقْلِ أبى الضُّحى مسلمِ بن صُبيحٍ، وسعيدِ بن جبيرٍ عنه، التفريقُ بينَ معنى ما ابْتُدِئَ به أَوَّلُها، مع زيادةِ الميمِ التي فيها، على سائرِ السورِ

(1)

ذواتِ الراءِ، ومعنى ما ابُتدِئ به أخواتُها، مع نُقْصانِ ذلك منها عنها.

‌ذكرُ الرواية بذلك عنه

حدَّثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، عن هشيمٍ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{المر} . قال: أنا اللهُ أرى

(2)

.

(1)

في ص، م، ت 1، س، ف:"سور".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 42 إلى المصنف وأبى الشيخ.

ص: 405

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا شريكٌ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن أبي الضُّحَى، عن ابن عباسٍ قولَه:{المر} قال: أنا اللهُ أرى

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نعيمٍ الفضلُ بنُ دُكَينٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن مجاهدٍ:{المر} : فواتحُ يَفْتحُ بها كلامَه

(2)

.

وقولُه: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} . يقولُ تعالى ذكرُه: تلك التي قَصَصتُ عليك خبرَها، آياتُ الكتابِ الذي أنزلتُه قبلَ هذا الكتابِ الذي أنزلتُه إليك، إلى مَن أنزلتُه إليه مِن رسلي قبلَك.

وقيل: عَنَى بذلك التوراةَ والإنجيلَ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} : الكتب التي كانت قبلَ القرآنِ

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نعيمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن مجاهدٍ:{المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} . قال: التوراةُ والإنجيلُ

(4)

.

وقولُه: {وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} فاعمَلْ بما فيه، واعتصِمْ به.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2215 (12080) من طريق شريك به.

(2)

تقدم تخريجه في 1/ 205.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 42 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 42 إلى المصنف.

ص: 406

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نعيمٍ الفضلُ بنُ دُكَينٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن مجاهدٍ:{وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} . قال: القرآنُ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} . أي: هذا القرآنُ

(1)

.

وفى قولِه: {وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ} . وَجْهان من الإعرابِ؛ أحدُهما، الرفعُ على أنه كلامٌ مبتدأٌ، فيكونُ مرفوعًا بـ {الْحَقُّ} ، و {الْحَقُّ} به. وعلى هذا الوجهِ تأويلُ مجاهدٍ وقتادةَ، الذي ذَكَرنا قبلُ عنهما.

والآخَرُ، الخفضُ على العطفِ به على {الْكِتَابِ} ، فيكونُ معنى الكلامِ حينئذٍ: تلك آياتُ التوراةِ والإنجيلِ والقرآنِ. ثم يَبْتَدِئُ {الْحَقُّ} . بمعنى: ذلك الحقُّ. فيكونُ رفعه بمضمرٍ مِن الكلامِ قد اسْتُغْنِي بدلالةِ الظاهرِ عليه منه.

ولو قيل: معنى ذلك: تلك آياتُ الكتابِ الذي أُنزِل إليك من ربِّك الحقُّ. وإنما أُدْخِلت الواوُ في {وَالَّذِي} ، وهو نعتٌ لـ {الْكِتَابِ} ، كما أَدْخَلها الشاعرُ في قولِه

(2)

:

إلى المَلِكِ القَوْمِ وابنِ الهُمَامِ

ولَيْثِ الكَتِيبة في المُزْدَحَمْ

فعَطَف بالواوِ، وذلك كلُّه مِن صفةِ واحدٍ - كان مذهبًا من التأويلِ، ولكن ذلك إذا تُؤُوِّل كذلك، فالصوابُ من القراءةِ في:{الْحَقُّ} الخفضُ

(3)

، على أنه

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2215 (12085) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة.

(2)

تقدم البيت في 3/ 89.

(3)

لم يقرأ أحد من العشرة (الحق) بالخفض.

ص: 407

نعتٌ لـ {وَالَّذِي} .

وقولُه: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} مِن مشركي قومِك [{لَا يُؤْمِنُونَ}]

(1)

: لا يُصدِّقون بالحقِّ الذي أُنزِل إليك مِن ربَّك، ولا يُقِرُّون بهذا القرآنِ وما فيه مِن مُحْكَمِ آيِه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ

(2)}.

يقولُ تعالى ذكرُه: اللهُ يا محمدُ هو الذي رَفَع السماواتِ السبعَ بغيرِ عَمَدٍ تَرَونها، فجَعَلها للأرضِ سَقْفًا مَسْموكًا.

والعَمَدُ جمعُ عمودٍ، وهى السَّوارى، وما يُعْمَدُ به البناءُ، كما قال النابغةُ

(2)

:

وَخَيِّسِ

(3)

الجِنِّ إلى قد أذِنْتُ لهم

يَبْنُون تَدْمُرَ بِالصُّفَّاحِ

(4)

والعَمَدِ

وجمعُ العمودِ عَمَدٌ، كما جمعُ الأديم أَدَمٌ. ولو جُمِع بالضمِّ فقيل: عُمُدٌ. جاز، كما يُجْمَعُ الرسولُ رُسُلٌ، والشَّكورُ شُكُرٌ.

واختَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} ؛ فقال بعضُهم: تأويلُ ذلك: اللَّهُ الذي رَفَع السماواتِ بِعَمَدٍ

(5)

لا تَرَونها.

(1)

زيادة يقتضيها السياق.

(2)

ديوانه ص 13.

(3)

خيَّس: ذلَّل. اللسان (خ ى س).

(4)

الصفاح: جمع صفاحة، وهى الحجارة العراض. اللسان (ص ف ح).

(5)

في ت 1: "بغير عمد".

ص: 408

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أحمدُ بنُ هشامٍ، قال: ثنا معاذُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا عمرانُ بنُ حُدَيرٍ، عن عكرمةَ، قال: قلتُ لابنِ عباسٍ: إن فلانًا يقولُ: إنها على عَمَدٍ. يعنى السماء. قال: فقال: اقرأْها: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} ، أي: لا تَرَونها.

(1)

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدِ بن الصبَّاحِ، قال: ثنا معاذُ بنُ معاذٍ، عن عمرانَ بن حُدَيرٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ مثلَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عفانُ، قال: ثنا حمادٌ، قال: ثنا حميدٌ، عن الحسنِ بن مسلمٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} . قال: بِعَمَدٍ لا تَرَونها

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجاجُ، قال: ثنا حمادٌ، عن حميدٍ، عن الحسنِ بن مسلمٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللَّهِ:{بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} . قال: هي لا تَرَونها.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةً، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{بِغَيْرِ عَمَدٍ} . يقولُ: عَمَدٍ لا

(3)

تَرَوْنها

(4)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرزاقِ، عن معمرٍ، عن الحسنِ وقتادةَ قولَه:

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2216 (12089) من طريق معاذ به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 42 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2216 (12090) من طريق حماد به.

(3)

سقط من النسخ، والمثبت من تفسير مجاهد وتفسير ابن أبي حاتم.

(4)

تفسير مجاهد ص 403، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2216 (12091).

ص: 409

{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} . قال قتادةُ: قال ابن عباسٍ: بعَمَدٍ ولكن لا تَرَونها

(1)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريكٌ، عن سماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ قوله:{رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} . قال: ما يُدْرِيك، لعلها بعَمَدٍ لا تَرَونها

(2)

؟

ومَن تأوَّلَ ذلك كذلك، قصدَ مذهبَ تقديمِ العربِ الجحدَ مِن آخرِ الكلامِ إلى أوَّلِه، كقولِ الشاعرِ

(3)

؟

ولا أَرَاهَا تَزَالُ ظالمةً

تُحْدِثُ لى نَكْبَةً

(4)

وتَنْكَؤُها

(5)

يريدُ: وأَرَاها لا تزالُ ظالمةً. فقَدَّم الجَحْدَ عن موضعِه من "تزالُ"، وكما قال الآخرُ

(6)

:

إذا أَعْجَبَتْكَ الدَّهْرَ حَالٌ مِن امْرِيءٍ

فَدَعْه وَوَاكِلْ حاله واللَّيَاليا

يَجِئْنَ على ما كان مِن صالحٍ به

وإنْ كان فيما لا يَرَى الناسُ الِيَا

يعني: وإن كان فيما يرى الناسُ لا يَأْلو.

وقال آخرون: بل هي مرفوعةٌ بغيرِ عَمَدٍ.

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 331.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 42 إلى المصنف وابن المنذر.

(3)

هو ابن هرمة، والبيت في ديوانه ص 56.

(4)

في الديوان: "قرحة".

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"تنكارها". ونكأ القرحة: قشرها قبل أن تبرأ فنديت. اللسان (ن ك أ).

(6)

البيتان في معاني القرآن للفراء 2/ 57، والأضداد ص 268.

ص: 410

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ خَلَفٍ العَسْقَلانيُّ، قال: أخبَرنا آدمُ، قال: ثنا حمادٌ بنُ سَلمةَ، عن إياسِ بن معاويةَ في قولِه:{رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} . قال: السماءُ مُقَبَّبَةٌ على الأرضِ مثلَ القُبَّةِ

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} . قال: رَفَعها بغيرِ عَمَدٍ

(2)

.

وأَولى الأقوالِ في ذلك بالصحةِ أن يقالَ كما قال اللهُ جلَّ ثناؤُه: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} . فهى مرفوعةٌ بغيرِ عَمَدٍ نَراها، كما قال ربُّنا جلَّ ثناؤُه، ولا خبرَ بغيرِ ذلك، ولا حجةَ يجبُ التسليمُ لها بقولٍ سِواه.

وأما قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} . فإنه يعنى: عَلَا عليه.

وقد بَيَّنَّا معنى الاستواءِ، واختلافَ المختلفِين فيه، والصحيحَ مِن القولِ فيما قالوا فيه، بشواهده فيما مَضَى، بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ

(3)

.

وقولُه: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} . يقولُ: وأجْرَى الشمسَ والقمرَ في السماءِ، فسَخَّرهما فيها

(4)

لمصالحِ خلقِه، وذَلَّلَهما لمنافعِهم، ليَعْلموا بجَرْيِهما فيها عَدَدَ السنين والحسابَ، ويَفْصِلوا به بين الليلِ والنهارِ.

وقولُه: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} . يقولُ جلَّ ثناؤُه: كلُّ ذلك يَجْرِى في السماءِ لأَجَلٍ مُسَمًّى، أي: لوقتٍ معلومٍ، وذلك إلى فَناءِ الدنيا وقيامِ

(1)

أخرجه أبو الشيخ في العظمة (542) من طريق آدم به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2216 (12092) من طريق سعيد به.

(3)

ينظر ما تقدم في 1/ 454.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س:"فيهما".

ص: 411

القيامةِ التي عندَها تُكَوَّرُ الشمسُ، ويُخْسَفُ القمرُ، وتَنْكَدِرُ النجومُ. وحُذِف "ذلك" مِن الكلامِ لفَهْمِ السامعِين مِن أهلِ لسانِ مَن نَزَل بلسانِه القرآنُ معناه، وأن {كُلٌّ}

(1)

لابدَّ لها مِن إضافةٍ إلى ما تُحيطُ به.

وبنحوِ الذي قُلنا في [قولِه: {لِأَجَلٍ مُسَمًّى}]

(2)

. قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} . قال: الدنيا

(3)

.

وقولُه: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} . يقولُ تعالى ذكرُه: يَقْضِي اللَّه الذي رَفَع السماواتِ بغيرِ عَمَدٍ تَرَونها أمورَ الدنيا والآخرةِ كلَّها، ويُدبِّرُ ذلك كلَّه وحده بغيرِ شريكٍ ولا ظهيرٍ ولا معينٍ، سُبْحانه.

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} : يَقْضِيه وحدَه

(3)

.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه

(4)

.

(1)

في ص، ت 1، س:"الكل"، وفي ت 2:"لكل".

(2)

في ت 2: "ذلك".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 42 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2217 (12098) من طريق ورقاء به.

ص: 412

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه.

وقولُه: {يُفَصِّلُ الْآيَاتِ} . يقولُ: يُفصِّلُ لكم ربُّكم آياتِ كتابِه فيُبَيِّنُها لكم، احْتجَاجًا بها عليكم أيُّها الناسُ، {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}. يقولُ: لتُوقِنوا بلقاءِ اللَّهِ والمعادِ إليه، فتُصَدِّقوا بوَعْدِه ووَعِيدِه، وتَنْزَجروا عن عبادةِ الآلهةِ والأوثانِ، وتُخلِصوا له العبادةَ إذا تَيَقَّنتُم

(1)

ذلك.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} : وأن الله تبارك وتعالى إنما أنزَل كتابه وأَرسَل رُسُلَه؛ ليُؤْمَنَ بوَعْدِه، وليُسْتَيْقَنَ بلقائِه

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

(3)}.

يقولُ تعالى ذكرُه: والله الذي مَدَّ الأرضَ، فبَسَطَها طولًا وعرضًا.

وقولُه: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} . يقولُ جلَّ ثناؤُه: وجَعَل في الأرضِ جبالًا ثابتةً.

(1)

سقط من: ت 1، وفى ص، ت 2 ف:"اتقيتم"، وفى س:"أيقنتم".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2217 (12100) من طريق يزيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 42 إلى أبى الشيخ.

ص: 413

والرَّواسي جمعُ راسيةٍ، وهى الثابتةُ، يقالُ منه: أرسيتُ الوَتِدَ في الأرضِ. إذا أثبَتَّه، كما قال الشاعرُ

(1)

:

بهِ

(2)

خاِلداتٌ

(3)

ما يَرِمْنَ

(4)

وهايدٌ

(5)

وأَشْعَثُ

(6)

أَرْسَتْه الوَلِيدَةُ بالفِهْرِ

(7)

يعني: أَثْبَتَتْه.

وقولُه: {وَأَنْهَارًا} . يقولُ: وجَعَل في الأرضِ أنهارًا مِن ماءٍ.

وقولُه: {وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} . فـ {وَمِنْ} الله في قولِه: {وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} . مِن صلةِ {جَعَلَ} الثاني، لا الأولِ.

ومعنى الكلامِ: وجَعَل فيها زوجَين اثنين من كلِّ الثمراتِ.

وعنى بـ {زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} : مِن كلِّ ذَكَر اثنان، ومن كلِّ أنثى اثنان، فذلك أربعةٌ؛ من الذكورِ اثنان، ومِن الإناثِ اثنتان

(8)

، في قولِ بعضِهم.

وقد بَيَّنَّا فيما مَضَى أن العرب تُسَمِّي الاثنين زوجَين، والواحدَ مِن الذكورِ زوجًا لأُنثاه، وكذلك الأُنثى الواحدةَ زَوْجًا، وزوجةً لذَكَرِها، بما أغنَى عن إعادتِه

(1)

هو الأحوص الأنصارى، والبيت في شعر الأحوص ص 372.

(2)

في شعر الأحوص: "سوى".

(3)

الخالدات والخوالد: الأثافى في مواضعها. اللسان (خ ل د).

(4)

ما يرمن: ما يبرحن. اللسان (ر ي م).

(5)

الهامد: الرماد البالى المتلبد بعضه على بعض. اللسان (هـ م د).

(6)

الأشعث: الوتد، سمي به لشعث رأسه. اللسان (ش ع ث).

(7)

الفهر: الحجر قدر ما يدق به الجوز ونحوه. اللسان (ف هـ ر).

(8)

في م: "اثنان".

ص: 414

في هذا الموضعِ

(1)

.

ويزيدُ ذلك إيضاحًا قولُ اللَّهِ عز وجل: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [النجم: 45]. فسَمَّى الاثنين الذكر والأنثى زوجَين.

وإنما عَنَى بقولِه

(2)

: {زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} . نوعَين وضَربَين.

وقولُه: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} . يقولُ: يجلِّلُ الليلَ النهارَ فيُلْبِسُه ظُلْمتَه، والنهارَ الليلَ بضيائِه.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} . أي: يُلْبِسُ الليل النهارَ

(3)

.

وقولُه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} . يقولُ تعالى ذكرُه: إن فيما وَصَفتُ وذَكَرتُ من عجائبِ خلقِ اللَّهِ وعظيمِ قدرتِه التي خَلَق بها هذه الأشياءَ - لَدَلالاتٍ وحُجَبًا وعِظاتٍ لقومٍ يتفكَّرون فيها، فيَسْتَدِلُّون ويَعْتَبِرون بها، فيَعْلَمون أن العبادةَ لا تَصْلُحُ ولا تجوزُ إلا لَن خَلَقها ودَبَّرها، دونَ غيرِه مِن الآلهةِ والأصنامِ التي لا تقدِرُ على ضَرٍّ ولا نفعٍ، ولا لشيءٍ غيرها، إلا لمَن أنشأ ذلك فأحْدَثه مِن غيرِ شيءٍ، تبارك وتعالى، وأن القُدْرةَ التي أبْدَع بها ذلك، هي القدرةُ التي لا يتعذَّرُ عليه إحياءُ مَن هَلَك من خلقِه، وإعادةُ ما فني وابتداعُ ما شاء ابْتِداعَه بها.

والقولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ

(1)

ينظر ما تقدم في 1/ 549.

(2)

بعده في النسخ: "من كل". وهى الآية 40 من سورة "هود"، والمثبت هنا هو الصواب.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2219 (12109) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 43 إلى أبى الشيخ.

ص: 415

فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)}

[يعنى تعالى ذكرُه بقوله]

(1)

: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} : وفي الأرضِ قِطَع منها مُتقارباتٌ مُتَدانياتٌ، يَشْرَبُ بعضُها مِن بعضٍ بالجوارِ، وتختلِفُ بالتفاضُلِ مع تَجاورِها وقربِ بعضِها من بعضٍ، فمنها قطعةٌ سَبِخةٌ

(2)

لا تُنْبِتُ شيئًا، في جِوارِ قطعةٍ طيبةٍ تُنْبِتُ وتَنفَعُ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} . قال: السَّبَخةُ والعَذِية

(3)

، والمالحُ والطيبُ

(4)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} . قال: سِباخٌ وعُذُوبةٌ

(5)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا سعيدٌ بن سليمانَ، قال: ثنا إسحاقُ بنُ

(1)

في م: "يقول تعالى ذكره".

(2)

السبخة: أرض ذات ملح ونز. اللسان (س ب خ).

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ص، ف:"العذبة". والعذية: الأرض الطيبة التربة البعيدة من المياه والسباخ. اللسان (ع ذ ى).

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 43 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(5)

تفسير الثورى ص 150 ولفظه: سباخ وجدول. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2219 (12114) من طريق سفيان به بلفظ: ملح وعذوبة.

ص: 416

سليمانَ، عن أبي سنانٍ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} . قال: العَذِيَةُ

(1)

والسَّبَخَةُ.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} : يعنى الأرضَ السَّبِخةَ والأرضَ العَذِيَة

(1)

، يكونان جميعًا مُتجاوراتٍ، يُفضَّلُ

(2)

بعضُها على بعضٍ في الأُكُلِ

(3)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: قال ابن عباسٍ: {قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ}

(4)

: العَذِيَةُ والسَّبَخةُ، مُتجاوراتٌ جميعًا، تُنْبِتُ هذه، وهذه إلى جَنْبِها لا تُنْبِتُ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ عن مجاهدٍ قولَه:{قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} : طَيِّبُها [وعَذْبُها]

(5)

، وخبيثُها السِّباخُ

(6)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوِه.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"العذبة".

(2)

في ص، م، ف:"نفضل".

(3)

عزاه السيوطي بنحوه في الدر المنثور 4/ 43 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ وابن المنذر، وهو عند ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2219 (12112) من طريق عكرمة، عن ابن عباس بنحوه أيضًا.

(4)

بعده في ص، ت 1، ت 2، س تكرار لأثر ابن عباس السابق وصدر هذا الأثر باختلاف يسير.

(5)

في م: "عذيها".

(6)

تفسير مجاهد ص 403، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2220 (12116).

ص: 417

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} : قُرًى قَرُبَت، متجاوراتٌ بعضُها مِن بعضٍ

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن مَعمرٍ، عن قتادةَ:{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} . قال: قُرًى متجاوراتٌ

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا هشيمٌ، عن أبي إسحاقَ الكوفيِّ، عن الضحاكِ في قولِه:{قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} . قال: الأرضُ السَّبِخَةُ، بينها الأرضُ العَذِيَةُ

(2)

.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} : يعنى الأرضَ السَّبِخَةَ والأرضَ العَذِيَة

(3)

، متجاوراتٌ، بعضُها عند بعضٍ.

حدَّثنا الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيلُ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} . قال: الأرضُ تُنْبِتُ حُلوًا، والأرضُ تُنْبِتُ، حامضًا، وهى متجاورةٌ، تُسقَى بماءٍ واحدٍ

(4)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} .

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 43 إلى المصنف وأبى الشيخ، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2220 (12118) من طريق سعيد، عن قتادة بلفظ: أي: قريب بعضها من بعض.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 331 عن معمر به.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"العذبة".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 43 إلى المصنف

ص: 418

قال: يكون هذا حُلوًا وهذا حامضًا، وهو يُسْقَى بماءٍ واحدٍ، وهُنَّ مُتجاوراتٌ

(1)

.

حدَّثني عبدُ الجبارِ بنُ يحيى الرَّمْليُّ، قال: ثنا ضَمْرةُ بنُ ربيعةَ، عن ابن شَوْذبٍ في قولِه:{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} . قال: عَذِيَةٌ

(2)

ومالحةٌ.

وقولُه: {وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى

(3)

بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ}. يقولُ تعالى ذكرُه: وفي الأرضِ مع القطَعِ المختلفاتِ المعانى منها، بالملوحةِ والعذوبةِ، والخبيثِ والطيبِ، مع تجاورِها وتقاربِ بعضِها من بعضٍ، بساتينُ من أعنابٍ، وزرعٌ ونخيلٌ أيضًا، متقاربةٌ في الخِلْقةِ، مختلفةٌ في الطعومِ والألوانِ، مع اجتماعِ جميعِها على شِرْبٍ واحدٍ، فمِن طيِّبٍ طعمُه منها، حَسَنٍ منظرُه، طيبة رائحتُه، ومِن حامضٍ طعمُه، ولا رائحةَ له.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ في قولِه:{وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} . قال: مجتمِعٌ وغيرُ مجتمِعٍ، {يُسْقَى

(4)

بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ}. قال: الأرضُ الواحدةُ يكُونُ فيها الخَوْجُ والكمَّثْرى والعنبُ الأبيضُ والأسودُ،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2219 معلقا عن أبي أحمد به مختصرا.

(2)

في ت 1، ت 2، س، ف:"عذبة"، وغير منقوطة في ص.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"تسقى".

(4)

في ت 1، ت 2، س، ف:"تسقى"، وحرف المضارعة غير منقوط في ص.

ص: 419

بعضُها أكثر حملًا من بعض، وبعضُه حلوٌ وبعضُه حامضٌ، وبعضُه أفضلُ من بعضٍ

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: حدَّثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَجَنَّاتٌ} . قال: وما معها

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ. قال المثنى: وثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.

واختلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} ؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ أَهلِ المدينةِ والكوفةِ: (وَزَرْعٍ وَنَخِيلٍ). بالخفضِ

(3)

، عطفًا بذلك على "الأعنابِ"، بمعنى: وفي الأرضِ قطعٌ متجاوراتٌ، وجنَّاتٌ من أعنابٍ ومن زرعٍ ونخيلٍ.

وقرَأ ذلك بعضُ

(4)

أهل البصرة: {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} . بالرفعِ

(5)

، عطفًا بذلك على "الجنَّاتِ"، بمعنى: وفى الأرضِ قطعٌ متجاوراتٌ وجناتٌ من أعنابٍ، وفيها أيضًا زرعٌ ونخيلٌ.

والصوابُ من القول في ذلك أن يُقالَ: إنهما قراءتان متقاربتا المعنى، وقرَأ بكلِّ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 43 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

تفسير مجاهد ص 403، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2220 (12119)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 43 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

هي قراءة نافع وابن عامر وحمزة والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر. السبعة لابن مجاهد ص 356.

(4)

بعده في م: "قراء".

(5)

هي قراءة أبي عمرو البصرى، وقرأ بها أيضًا ابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه. السبعة ص 356.

ص: 420

واحدةٍ منهما قراءٌ مشهورون، فبأيتهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ؛ وذلك أن الزرعَ والنخلَ إذا كانا في البساتينِ، فهما في الأرضِ، وإذا كانا في الأرضِ، فالأرضُ التي هما فيها جنةٌ، فسواءٌ وُصِفا بأنهما في بستانٍ أو في أرضٍ.

وأما قولُه: {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} . فإن الصِّنْوانَ جمعُ صِنْو، وهى النخَلاتُ يَجْمَعُهن أصلٌ واحدٌ، لا يفرَّق فيه بيَن جميعِه واثْنيه إلا بالإعرابِ في النونِ. وذلك أن تكون نونُه في اثنيه مكسورةً بكلِّ حالٍ، وفي جميعه متصرفةً

(1)

في وجوهِ الإعرابِ، ونظيرُه القِنْوانُ، واحدُها قِنْوٌ.

وبنحوِ الذي قلنا في معنى الصِّنوان قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن أبي إسحاقَ، عن البراءِ:{صِنْوَانٌ} . قال: المُجْتَمِعُ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} المُتفرِّقُ

(2)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا الحسينُ، عن أبي إسحاقَ، عن البراءِ، قال:{صِنْوَانٌ} : هي النخلةُ التي إلى جنبِها نخلاتٌ إلى أصلِها، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: النخلةُ وحدَها

(3)

.

حدَّثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن البراءِ بن عازبٍ:{صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} . قال: الصِّنوانُ النَّخْلتان

(1)

في ص، ت 2، ف:"منصرفة".

(2)

تفسير الثورى ص 150.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1153 - تفسير) من طريق أبي إسحاق به بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 43 إلى الفريابي وابن المنذر وأبى الشيخ وابن مردويه.

ص: 421

أصلُهما واحدٌ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: النخلةُ والنخلتان المتفرِّقتان

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ، قال: سمِعتُ البراءَ يقُولُ في هذه الآيةِ، قال: النخلةُ يكونُ لها النخلاتُ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: النخلُ المتفرقُ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عمرُو بن الهيثمِ أبو قَطَنٍ، ويحيى بن عبّادٍ، وعفانُ - واللفظُ لفظُ أبي قَطَنٍ - قال: ثنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ، عن البراءِ في قولِه:{صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} . قال: الصنوانُ النخلة إلى جنبها النخلات، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: المتفرِّقُ.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن البراءِ في قولِه:{صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} . قال: الصنوانُ النخَلاتُ الثلاثُ والأربعُ والثنتان، أصلُهنَّ واحدٌ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: المتفرِّقُ

(2)

:

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ وشريكٌ، عن أبي إسحاقَ، عن البراءِ في قولِه:{صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} . قال: النخلتان يكون أصلُهما واحدًا، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: المتفرّقُ.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه {صِنْوَانٌ}. يقولُ: مجتمعٌ

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2220، 2221 (12120، 12124) من طريق سفيان به بنحوه.

(2)

تفسير مجاهد ص 403 من طريق إسرائيل وشريك به بنحوه.

(3)

عزاه السيوطي بنحوه في الدر المنثور 4/ 43 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم، وهو في تفسير ابن أبي حاتم 7/ 2220 (12121) من طريق الضحاك، عن ابن عباس بلفظ: الصنوان: النخل المجتمع الأصل.

ص: 422

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} : يعنى بالصنوانِ النخلةَ يَخْرُجُ من أصلها النخَلاتُ، فيَحمِلُ بعضُه، ولا يَحْمِلُ بعضُه، فيكونُ أصلُه واحدًا، ورءوسُه متفرِّقةً.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} : النخيلُ في أصلٍ واحدٍ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: النخيلُ المتفرِّقُ.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ بن جبيرٍ:{وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} . قال: مجتمعٌ، وغيرُ مجتمعٍ

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا النُّفَيْليُّ، قال: ثنا زهيرٌ، قال: ثنا أبو إسحاقَ، عن البراءِ، قال: الصنوانُ ما كان أصلُه واحدًا وهو متفرِّقٌ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: الذي نبَت وحدَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{صِنْوَانٌ} : النخلتان وأكثرُ في أصلِ واحدٍ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: وحدَها

(2)

.

حدَّثنا المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{صِنْوَانٌ} : النخلتان أو أكثرُ في أصلٍ واحدٍ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: واحدةٌ.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 43 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

(2)

تفسير مجاهد ص 404، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 44 إلى المصنف وأبي الشيخ.

ص: 423

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن سلمةَ بن نُبَيْطٍ، عن الضحاكِ:{صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} . قال: الصنوانُ المجتمِعُ، أصله واحدٌ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: المتفرِّقُ أَصله.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} . قال: الصنوانُ المجتمِعُ، الذي أصلُه واحدٌ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: المتفرِّقُ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} : أما الصنوانُ فالنخلتان والثلاثُ، أصولُهن واحدةٌ وفروعُهن شتى، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: النخلةُ الواحدةُ.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن مَعمرٍ، عن قتادةَ:{صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} . قال: {صِنْوَانٌ} : النخلةُ التي يكونُ في أصلِها نخلتان وثلاثٌ أصلُهنَّ واحدٌ.

حدَّثني يونس

(1)

، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيد في قولِه: {وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} . قال: الصنوانُ النخلتان أو الثلاثُ يَكُنَّ في أصلٍ واحدٍ، فذلك يَعُدُّه الناسُ صنوانًا.

حدَّثنا ابن عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن مَعمرٍ، قال: حدثني

(1)

في ص، ت 1، س، ف:"يوسف".

ص: 424

رجلٌ، أنه كان بين

(1)

عمرَ بن الخطابِ وبين العباسِ قولٌ، فأسرَع إليه العباسُ، فجاء عمرُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، أَلم تَرَ عباسًا فعَل بي وفعل، فأردتُ أن أُجيبَه، فذكَرتُ مكانَه منك فكفَفْتُ؟ فقال:"يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أبيه"

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ:{صِنْوَانٌ} : الصنوانُ

(3)

النخلةُ التي يَكُونُ في أصلِها نخلتان وثلاثٌ أصلُهن واحدٌ. قال: فكان بينَ عمرِ بن الخطابِ وبينَ العباسِ رضي الله عنهما قولٌ

(4)

، فأسرَع إليه العباسُ، فجاء عمرُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبيَّ اللهِ، ألم تَرَ عباسًا فعَل بي وفعَل، فأردتُ أن أجيبَه، فذكَرتُ مكانَه منك، فكفَفْتُ عندَ ذلك؟ فقال:"يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبيه"

(5)

.

قال: أخبَرنا عبد الرزاق، قال: أخبَرنا ابن عيينةَ، عن داودَ بن شابورَ

(6)

، عن مجاهدٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تُؤذُوني في العَبَّاسِ، فَإِنَّه بَقِيَّةُ آبائى، وإِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْو أبيه"(5).

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبَرنا حجاجٌ، عن عطاءٍ وابنِ أبى مُليكةَ، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لعمرَ: "يا عُمَرُ، أما عَلِمْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ

(1)

بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"يدى".

(2)

قوله صلى الله عليه وسلم: "عم الرجل صنو أبيه". أخرجه مسلم (983) من طريق الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا.

(3)

سقط من: م.

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(5)

تفسير عبد الرزاق 1/ 331.

(6)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"سابور". وينظر تهذيب الكمال 8/ 399.

ص: 425

أبيه"

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني القاسمُ بنُ أبي بَزَّةَ

(2)

، عن مجاهدٍ:{صِنْوَانٌ} . قال: في أصلٍ واحدٍ ثلاثُ نَخَلاتٍ، كمثلِ ثلاثةِ بنى أمٍّ وأبٍ يَتَفَاضَلُون في العملِ، كما يَتَفَاضَلُ ثمرُ هذه النخلاتِ الثلاثِ في أصلٍ واحدٍ. قال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ: كمثلِ صالحِ بنى آدمَ وخبيثِهم، أبوهم واحدٌ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا حجاجُ بنُ محمدٍ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني إبراهيمُ بنُ أبي بكرٍ

(3)

، عن مجاهدٍ نحوَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي بكرِ بن عبدِ اللهِ، عن الحسنِ، قال: هذا مثلٌ ضرَبه اللهُ لقلوبِ بني آدمَ، كانت الأرضُ في يدِ الرحمنِ طينةً واحدةً، فسَطَحها وبطَحَها، فصارت الأرضُ قطعًا متجاورةً

(4)

، فيَنزِلُ عليها الماءُ من السماءِ، فتُخْرِجُ هذه زهرتَها وثمرَها وشجرَها، وتُخْرِجُ نباتَها، وتُحْيِي مَواتَها، وتُخرِجُ هذه سَبَخَها ومِلْحَها وخَبَثَها، وكلتاهما تُسْقَى بماءٍ واحد، فلو كان الماءُ مالِحًا، قيل: إنما استسبَخت هذه من قِبَلِ الماءِ. كذلك الناسُ خُلِقُوا من آدمَ، فيَنزِلُ عليهم من السماءِ تذكرةٌ، فترِقُّ قلوبٌ، فتخشَعُ وتخضَعُ، وتقسُو قلوبٌ، فتلهُو وتسهُو وتجفُو. قال الحسنُ: واللهِ ما جالس القرآنَ أحدٌ إلا قام من عندِه بزيادةٍ أو نقصانٍ، قال اللهُ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 44 إلى المصنف.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف: بكر". وينظر تهذيب الكمال 23/ 338.

(3)

بعده في م: "بن عبد الله". وينظر تهذيب الكمال 2/ 63.

(4)

في م، ت 1:"متجاورات".

ص: 426

وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}

(1)

[الإسراء:82].

وقولُه: {يُسْقَى

(2)

بِمَاءٍ وَاحِدٍ}. اختلفت القرأَةُ في قولِه: (تُسْقَى)؛ فقرَأ ذلك عامَّةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ والعراقِ من أهل الكوفةِ والبصرةِ: (تُسْقَى). بالتاءِ

(3)

، بمعنى: تُسقَى الجناتُ والزرعُ والنخيلُ. وقد كان بعضُهم يقولُ: إنما قيل: (تُسقى). بالتاءِ لتأنيثِ "الأعناب".

وقرَأ ذلك بعضُ المكيين والكوفيين: {يُسْقَى} بالياءِ

(4)

.

وقد اختلَف أهلُ العربيةِ في وجهِ تذكيرِه إذا قُرِئ كذلك، وإنما ذلك خبرٌ عن الجناتِ والأعنابِ والنخيلِ والزرعِ أنها تُسْقَى بماءٍ واحدٍ، فقال بعضُ نَحْويِّى البصرةِ: إذا قُرِئ ذلك بالتاءِ، فذلك على "الأعنابِ"، كما ذَكَّرَ

(5)

"الأنعامَ" في قولِه: {مِمَّا فِي بُطُونِهِ} [النحل: 66]. وأَنَّث بعدُ فقال: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [المؤمنون: 22، غافر: 80]. فمَنْ قال: {يُسْقَى} بالياءِ جعَل. "الأعنابَ" مما يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، مثلَ "الأنعامِ".

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ

(6)

: مَنْ قال: (تُسْقَى). ذهَب إلى تأنيثِ الزرعِ والجناتِ والنخيلِ، ومَن ذكر ذهَب إلى النَّبتِ

(7)

: ذلك كلُّه يُسقَى بماءٍ واحدٍ،

(1)

ذكره البغوي في تفسيره 4/ 295 عن الحسنِ، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 44 إلى المصنف.

(2)

في ص، ت 1، س، ف:"تسقى".

(3)

وهى قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص 356.

(4)

وهى قراءة عاصم وابن عامر. ينظر المصدر السابق.

(5)

في النسخ: "ذكروا". موافق للسياق.

(6)

هو الفراء في معاني القرآن 2/ 59.

(7)

في النسخ: "أن"، والمثبت من معاني القرآن.

ص: 427

أُكُلُه

(1)

مختلِفٌ، حامضٌ وحلوٌ. ففى هذا آيةٌ.

وأعجبُ القراءتين إليّ أن أقرَأَ بها قراءةُ مَن قرأ ذلك بالتاءِ: (تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ). على أن معناه: تُسقَى الجناتُ والنخلُ والزرعُ بماءٍ واحدٍ؛ لمجيء (تُسْقَى) بعدَ ما قد جرَى ذكرُها، وهى جِمَاعٌ مِن غيرِ بنى آدمَ، وليس الوجهُ الآخرُ بممتنِعٍ على معنى: يُسقى ذلك بماءٍ واحدٍ. أي

(2)

: جميعُ ذلك يُسقَى بماءٍ واحدٍ عَذبٍ دونَ المالحِ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:(تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ). ماءُ السماءِ، كمثلِ صالحِ بنى آدمَ وخبيثِهم، أبوهم واحدٌ

(3)

.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ عن سفيانَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:(تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ). قال: ماءُ السماءِ

(4)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

(1)

في مصدر التخريج: "كله".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أن".

(3)

تفسير مجاهد ص 404، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2221 (12126).

(4)

تفسير الثورى ص 150 وفيه زيادة.

ص: 428

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرٌو، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن أبي إسحاقَ الكوفيِّ

(1)

، عن الضحاكِ:(تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ). قال: ماءُ المطرِ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، قرَأه ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ:(تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ). قال: ماءُ السماءِ، كمثلِ صالحِ بنى آدمَ وخبيثِهم، أبوهم واحدٌ.

قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، وحدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ نحوَه.

حدَّثنا عبدُ الجبار بنُ يحيى الرمليُّ، قال: ثنا ضَمْرةُ بنُ ربيعةَ، عن ابن شَوْذَبٍ:(تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ). قال: بماءِ السماءِ.

وقوله: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} . اختلَفت القرأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأه عامةُ قرأَةِ المكيين والمدنيين والبصريين وبعضُ الكوفيين: {وَنُفَضِّلُ} . بالنونِ

(2)

، بمعنى: ونُفَضِّلُ نحن بعضَها على بعضٍ في الأُكُلِ.

وقرَأته عامَّةُ قرأَةِ الكوفيين: (ويُفَضِّلُ). بالياءِ

(3)

، ردًّا على قوله:{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} . ويُفَضِّلُ بعضَها على بعضٍ.

وهما قراءتان مستفيضتان بمعنًى واحدٍ، فبأيتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ، غير

(1)

في النسخ: "الصوفى". وتقدم في ص 418.

(2)

وبها قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر. السبعة لابن مجاهد ص 356.

(3)

وبها قرأ حمزة والكسائي. ينظر السابق.

ص: 429

أن الياءَ أعجبُهما إليَّ في القراءةِ؛ لأنه في سياقِ كلامٍ ابتداؤُه: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ} . فقراءتُه بالياءِ، إذ كان كذلك، أولى.

ومعنى الكلامِ، أن الجناتِ من الأعنابِ والزرعِ والنخيلِ، الصنوانِ وغيرِ الصنوانِ، تُسقَى بماءٍ واحدٍ عذبٍ لا مِلْح، ويُخَالِفُ اللَّهُ بينَ طُعومِ ذلك، فيُفَضَّلُ بعضُها على بعض في الطعمِ، فهذا حلوٌ وهذا حامضٌ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن عطاءٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} . قال: الفارسيُّ والدَّقَلُ

(1)

، والحلوُ والحامضُ.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} . قال: الأرضُ الواحدةُ يكونُ فيها الخَوْخُ والكُمَّثْرَى، والعنبُ الأبيضُ والأسودُ، وبعضُها أكثرُ حَمْلًا من بعضٍ، وبعضُه حلوٌ، وبعضُه حامضٌ، وبعضُه أفضلُ من بعضٍ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عارمٌ أبو النعمانِ، قال: ثنا حمادُ بنُ زيدٍ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} . قال: بَرْنِيٌّ وكذا وكذا، وهذا بعضُه أفضلُ من بعضٍ.

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا مُؤَمَّلٌ، قال: ثنا سفيانُ، عن عطاءٍ

(1)

الدقل: أردأ التمر. اللسان (د ق ل).

ص: 430

السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ في قولِه:{وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} . قال: هذا حامضٌ، وهذا حلوٌ، وهذا مُزٌّ

(1)

.

حدَّثني محمودُ بنُ خِدَاشٍ، [قال: ثنا سيفُ بنُ محمدٍ ابن أختِ

(2)

سفيانَ الثوريِّ، قال: ثنا الأعمشُ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ، قال: قال]

(3)

النبيُّ صلى الله عليه وسلم [في قولِه]

(4)

: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} . قال: "الدَّقَلُ والفارسيُّ، والحلوُ والحامضُ"

(5)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ الحسنِ الترمذيُّ، قال: ثنا سليمانُ بنُ عبيدِ

(6)

اللهِ الرَّقِّيُّ، قال: ثنا عبيدُ اللهِ بنُ عمرٍو

(7)

الرَّقِّيُّ، عن زيدِ بن أَبِي أُنَيْسةً، عن الأعمشِ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في قولِه:{وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} . قال: "الدَّقَلُ والفارسيُّ، والحلوُ والحامضُ"

(8)

.

وقولُه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} . يقولُ تعالى ذكرُه: إن في مخالفةِ اللهِ عز وجل بينَ هذه القطعِ الأرضِ المتجاوراتِ وثمارِ جناتِها وزروعِها

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"مر". والمُزّ: بين الحامض والحلو. اللسان (م ز ز).

(2)

في ص: "أحمد"، وفى م، ت 1، س، ف:"أحمد عن". والمثبت هو الصواب، وينظر تهذيب الكمال 12/ 328.

(3)

سقط من: ت 2.

(4)

زيادة من: م.

(5)

أخرجه الترمذى (3118)، وابن حبان في المجروحين 1/ 347، وابن عدي 3/ 1270، والخطيب 9/ 226، وابن الجوزى في العلل المتناهية 2/ 169، والمزى في تهذيب الكمال 12/ 331.

(6)

في النسخ: "عبد". والمثبت من مصدرى التخريج، وينظر تهذيب الكمال 12/ 36.

(7)

في م: "عمر"، وينظر تهذيب الكمال 19/ 136.

(8)

أخرجه ابن عدى في الكامل 3/ 1270 من طريق سليمان بن عبيد الله به، وأشار إليه الترمذي عقب الحديث السابق، وينظر العلل لابن أبي حاتم 2/ 80.

ص: 431

على ما وصَفنا وبيَّنا، لَدليلًا واضحًا وعبرةً لقوم يعقِلون اختلافَ ذلك، أن الذي خالَف بينَه على هذا النحو الذي خالَف بينَه - هو المخالفُ بين خلقِه فيما قسَم لهم من هدايةٍ وضلالٍ، وتوفيقٍ وخذلانٍ، فوفَّق هذا وخذَل هذا، وهدَى ذا وأضلَّ ذا، ولو شاء لسوَّى بين جميعهم، كما لو شاء سوَّى بينَ جميعِ أُكُل ثمارِ الجنةِ التي تشرَبُ شِرْبًا واحدًا، وتُسقَى سِقيًا واحدًا، وهى متفاضلةٌ في الأُكُل.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: وإن تَعجَبْ يا محمدُ من هؤلاء المشركين المتخذين ما لا يَضُرُّ ولا ينفَعُ آلهةً يَعْبُدُونها من دونى، فَعَجَبٌ قولُهم: أئذا كنا ترابًا وبَلِينا فعُدِمنا، {أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}: إنا لمجدَّدٌ إنشاؤُنا وإعادتُنا خلقًا جديدًا كما كنا قبلَ وفاتِنا؟ تكذيبًا منهم بقدرةِ اللهِ، وجحودًا للثوابِ والعقابِ، والبعثِ بعد المماتِ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ} : إن عجِبتَ يا محمدُ فعجبٌ قولُهم: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} . عجب الرحمنُ تبارك وتعالى من تكذيبِهم بالبعثِ بعدَ الموتِ

(3)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا [ابن وهبٍ]

(4)

، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَإِنْ

(1)

ليست في ص، م، ت 2، س، ف.

(2)

في ص، ت 2، س:"إنا".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2221 (12129) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 44 إلى أبي الشيخ.

(4)

في م، ت 1، ت 2، س، ف:"إبراهيم".

ص: 432

تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ}. قال: إِن تَعْجَبْ من تكذيبِهم، وهم قد رأَوا من قدرةِ اللَّهِ وأمرِه، وما ضرَب لهم من الأمثالِ، فأَراهم من حياةِ الموتى في الأرضِ الميتةِ، إن تَعْجَبْ من هذه، فتَعَجَّبْ من قولِهم:{أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} . أو لا يَرَوْن أَنَّا خلَقناهم من نطفة، فالخلقُ من نطفةٍ أشدُّ أم الخلقُ من ترابٍ وعظامٍ

(1)

؟

واختلَف في وجهِ تكريرِ الاستفهامِ في قولِه: {أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} . بعد الاستفهامِ الأولِ في قولِه: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا} - أهلُ العربيةِ؛ فقال بعضُ نحويِّي البصرةِ: الأولُ ظرفٌ، والآخرُ هو الذي وقَع عليه الاستفهامُ، كما تَقُولُ: أيومَ الجمعةِ زيدٌ منطلِقٌ؟ قال: ومَن أوقَع استفهامًا آخرَ على قولِه: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا} . جعله ظرفًا لشيءٍ مذكورٍ قبله، كأنهم قيل لهم: تُبعثون. فقالوا: {أَإِذَا

(2)

كُنَّا تُرَابًا}؟ ثم جعَل هذا استفهامًا آخرَ. قال: وهذا بعيدٌ. قال: وإن شئتَ لم تجعَلْ في قولِك: {أَإِذَا} . استفهامًا، وجعلت الاستفهامَ في اللفظِ على "أثنا". كأنك قُلتَ: أيومَ الجمعةِ أعَبدُ اللَّهِ منطلقٌ؟ وأُضْمِرَ نفيُه، فهذا موضعٌ قد ابتدَأت فيه "أَئذَا"

(3)

، وليس بكثيرٍ

(4)

في الكلام، لو قُلتَ: اليومَ إِنَّ

(5)

عبدَ اللَّهِ منطلقٌ. لم يَحْسُن. وهو جائزٌ. وقد قالت العربُ: ما علِمتُ إنه لصالحٌ. تُرِيدُ: إنه لصالحٌ ما علِمتُ

(6)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2221 (12130) من طريق أصبغ بن الفرج، عن ابن زيد، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 44 إلى أبى الشيخ.

(2)

بعده في النسخ: "متنا و" والمثبت تلاوة للآية.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"بكذا".

(4)

في النسخ: "بكبير". والمثبت هو الصواب.

(5)

في م: "أثن".

(6)

ينظر تعليق الشيخ شاكر على كلام المصنف في هذا الموضع.

ص: 433

وقال غيرُه: {أَإِذَا} جزاءٌ وليست بوقتٍ، وما بعدَها جوابٌ لها إذا لم يَكُنْ في الثاني استفهامٌ، والمعنى له؛ لأنه هو المطلوبُ. وقال: ألا تَرَى أنك تَقُولُ: أإن

(1)

تَقُمْ يَقُومُ زيدٌ، ويَقُمْ؟ مَنْ جَزَم فلأنه وقَع موقع جوابِ الجزاءِ، ومن رَفَع فلأن الاستفهامَ. له. واستشهَد بقول الشاعرِ

(2)

:

حلَفْتُ له إِن تُدْلِج الليلَ لا يَزَلْ

أمامَك بيتٌ من بُيوتِىَ سائرُ

فجزَم جوابَ اليمينِ؛ لأنه وقَع موقعِ جوابِ الجزاءِ، والوجهُ الرفعُ. قال: فهكذا هذه الآيةُ. قال: ومَنْ أدخَل الاستفهامَ ثانيةً؛ فلأنه المعتمَدُ عليه، وترَك الجزاءَ الأول.

وقولُه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} . يقولُ تعالى ذكرُه: هؤلاء الذين أنكَروا البعثَ، وجَحَدوا الثوابَ والعقابَ، وقَالُوا:{أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} . هم الذين جَحَدوا قُدْرةَ ربِّهم، وكَذَّبوا رسولَه، وهم الذين في أعْناقِهم الأغلالُ يومَ القيامةِ في نارِ جهنمَ، فـ {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ}. يقولُ: هم سكانُ النارِ يومَ القيامة، {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. يقولُ: هم فيها ماكثون أبدًا، لا يَمُوتُون فيها، ولا يَخْرُجون منها.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: ويَسْتَعْجِلُونك يا محمدُ مشركو قومِك بالبلاءِ

(1)

في النسخ: "إن". والمثبت ما يدل عليه السياق.

(2)

تقدم في 6/ 105.

ص: 434

والعقوبةِ، قبَل الرخاءِ والعافية، فيَقُولُون:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32]. وهم يَعْلَمُون ما حلَّ بَمَنْ خلَا قبلَهم من الأممِ التي عصَت ربَّها، وكذَّبت رسلَها، من عقوباتِ اللهِ وعظيمِ بلائِه، فمن بين أمةٍ مُسِخت قِرَدةً وأخرى خنازيرَ، ومن بين أمةٍ أُهْلِكت بالرجْفَةِ، وأخرى بالخسفِ، وذلك هو المَثُلاثُ التي قال جلَّ ثناؤُه:{وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} .

والمَثُلاتُ: العقوباتُ المنكِّلاتُ، والواحدةُ منها مَثُلةٌ، بفتحِ الميمِ وضمِّ الثاءِ. ثم تُجمَعُ: مَثُلاتٍ، كما واحدةُ الصَّدُقاتِ صَدُقَةٌ، ثم تُجمَعُ صَدُقاتٍ. وذُكر أن تَمِيمًا من بين العربِ تَضُمُّ الميم والثاء جميعًا من المُثُلاتِ، فالواحدةُ على لغتهم منها مُثْلةٌ، ثم تُجمَعُ مُثُلاتٍ، مثلُ غُرْفَةٍ وغُرُفاتٍ. والفعلُ منه: مَثَلْتُ به أَمْثلُ مَثلًا، بفتحِ الميمِ وتسكينِ الثاءِ، فإذا أردتَ أنك أقصصتَه من غيرِه، قُلْتَ: أمثُلتَه من صاحبِه أُمثلُه إمثالًا. وذلك إذا أقصَصته منه.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} : وقائعُ اللهِ في الأممِ، فيمَن خَلا قبلكم

(1)

.

وقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} . وهم مشركو العرب، اسْتَعْجَلوا بالشرِّ قبلِ الخيرِ، وقالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2223 (12137) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 44 إلى المصنف وابن المنذر وعبد الرزاق.

ص: 435

فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32].

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} . قال: بالعقوبةِ قبلَ العافيةِ، {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ}. قال: العقوباتُ

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{الْمَثُلَاتُ} : الأمثالُ

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ؛ وحدَّثني المثنى قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

(3)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} . قال: المَثُلاتُ: الذي مَثَل الله به الأممَ من العذابِ الذي عذَّبهم، تولَّت المَثُلاثُ من العذابِ، قد خَلَت من قبلهم، وعرَفوا ذلك، وانتهَى إليهم ما مَثَل اللَّهُ بهم، حينَ عَصَوه وعصَوا رسلَه

(4)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سليمٌ، قال: سمعتُ الشَّعْبيَّ يقولُ في قولِه: {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} . قال: القِردَةُ والخنازيرُ هي المثلاتُ

(5)

.

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 331، 332 عن معمر به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2223 (1242) من طريق شبابة به.

(3)

تفسير مجاهد ص 404، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 44 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2223 (12143) من طريق أصبغ بن الفرج عن ابن زيد به.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 44 إلى المصنف.

ص: 436

وقولُه: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وإن ربَّك يا محمدُ لذو سِتْرٍ على ذنوبِ مَنْ تاب من ذنوبِه من الناسِ، فتاركٌ فضيحتَه بها في موقفِ القيامةِ، وصافحٌ له عن عقابِه عليها، عاجلًا وآجلًا، {عَلَى ظُلْمِهِمْ}. يقولُ: على فعلِهم ما فعلَوا من ذلك بغيرِ إذنى لهم بفعلِه. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} لمن هلَك مُصِرًّا على معاصيه في القيامةِ، إن لم يُعَجَّلْ له ذلك في الدنيا، أو يجمَعُهما له في الدنيا والآخرةِ.

وهذا الكلامُ وإن كان ظاهرُه ظاهرَ خبرٍ، فإنه وعيدٌ من اللهِ، وتهدُّدٌ

(1)

للمشركين من قومِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إن هم لم يُنيبوا ويَتُوبُوا من كفرِهم، قبلَ حلولِ نقمةِ اللهِ بهم.

حدَّثني عليُّ بنُ داودَ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ} . يقولُ: ولكنَّ ربَّك

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا} يا محمدُ، مِن قومِك:{لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} : هلّا أُنزِل على محمدٍ آيةٌ من ربِّه. يعنون: علامةٌ وحُجةٌ له على نبوَّتِه، وذلك قولُهم:{لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} [هود:12]. يقولُ الله له: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} لهم، تُنْذِرُهم بأسَ اللَّهِ أَن

(1)

في م، ف:"تهديد".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 44 إلى المصنف بنحوه.

ص: 437

يَحِلَّ بهم على شركِهم، {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}. يقولُ: ولكلِّ قوم إمام يَأْتُّمون به، وهادٍ يَتَقَدَّمُهم، فيَهْدِيهم إما إلى خيرٍ، وإما إلى شرٍّ، وأصلُه من هادِى الفَرَس: وهو عنقُه التي تَهْدِى سائرَ جسدِه.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ، على اختلافٍ منهم في المعنيِّ بالهادِ في هذا الموضع؛ فقال بعضُهم: هو رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} : هذا قولُ مشركي العربِ، قال اللهُ:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} : لكلّ قوم داعٍ يَدْعُوهم إلى اللهِ

(1)

.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ عن سفيانَ، عن السُّديِّ، عن عكرمةَ، ومنصورٍ، عن أبي الضُّحى:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قالا: محمدٌ هو المنذِرُ، وهو الهادِ

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن السديِّ، عن عكرمةَ مثلَه.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبيه، عن عكرمةَ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2223 (12137) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 45 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(2)

تفسير الثورى ص 151، وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2224 عقب الأثر (12148) عن أبي الضحى به معلقا، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 356، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 45 إلى المصنف.

ص: 438

مثلَه

(1)

.

وقال آخرون: عُنى بالهادي في هذا الموضعِ: اللهُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ عن سفيانَ، عن عطاءٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . [قال: محمدٌ المنذرُ، واللهُ الهادي]

(2)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: محمدٌ المنذرُ، واللهُ الهادى.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا الأشجعيُّ، عن سفيانَ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٍ} . قال: أنت يا محمدُ منذرٌ، واللهُ الهادى.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن عبدِ الملكِ، عن قيسٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: المنذرُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: اللهُ هادى كلِّ قومٍ

(3)

.

(1)

ذكره البغوي في تفسيره 4/ 297 عن عكرمة به، وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2224 عقب الأثر (12148) عن عكرمة به معلقا وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 356 عن عكرمة به.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

والأثر ذكره البغوي في تفسيره 4/ 297 عن سعيد به، وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2224 عقب الأثر (12148) عن سعيد به معلقا كما أخرجه في 7/ 2224 - 2225 (12149) من طريق سفيان به.

(3)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2224،2225 عقب الأثر (12148) عن مجاهد به، معلقًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 45 إلى المصنف وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

ص: 439

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . يقولُ: أنت يا محمدُ منذرٌ، وأنا هادى كلِّ قومٍ

(1)

.

حُدثت عن الحسينِ، قال: سِمعتُ أبا معاذٍ، يقولُ: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعت الضحاكَ، يقولُ:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}

(2)

: المنذرُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، والهادى اللهُ عز وجل

(3)

.

وقال آخرون: الهادى في هذا الموضعِ، معناه: نبيٌّ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: المنذر محمدٌ صلى الله عليه وسلم {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: نبيٌّ

(4)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا حَكَّامٌ، عن عنبسةَ، عن محمدِ بن عبد الرحمنِ، القاسمُ بنُ أبي بَزَّةَ، عن مجاهدٍ في قولِه:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: نبيٌّ.

قال: ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ. و

(5)

عن عبدِ الملكِ، عن قيسٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

(6)

.

(1)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2225 عقب الأثر (12149) عن العوفي عن ابن عباس به معلقًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 45 إلى المصنف وابن مردويه.

(2)

بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"و".

(3)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2225 عقب الأثر (12149) عن الضحاك به مختصرًا معلقًا.

(4)

تفسير الثورى ص 151.

(5)

سقط من: م.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2225 (12150) من طريق عبد الملك به

ص: 440

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا أسباطُ بنُ محمدٍ، عن عبدِ الملكِ، عن قيسِ، عن مجاهدٍ في قولِه:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: لكلِّ قومٍ نبيٌّ، والمُنْذِرُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم.

قال: ثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنى عبدُ الملكِ، عن قيسٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللَّهِ:{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: نبيٌّ.

قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله:{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . يعنى: لكلِّ قومٍ نبيٌّ

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: نبيٌّ.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: نبيٌّ يَدْعُوهم إلى اللهِ

(2)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: لكلِّ قوم نبيٌّ، الهادي النبيُّ صلى الله عليه وسلم، والمنذرُ أيضًا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وقرَأ:{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]. وقال: {نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} [النجم: 56]. قال: نبيٌّ من الأنبياءِ

(3)

.

وقال آخرون: بل عُنى به: ولكلِّ قومٍ قائدٌ.

(1)

تفسير مجاهد ص 404.

(2)

أخرجه عبد الرزاق 1/ 332 من طريق معمر به.

(3)

ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2224 عقب الأثر (12148) عن ابن زيد به معلقًا.

ص: 441

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا جابرُ بنُ نوحٍ، عن إسماعيلَ بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: إنما أنت يا محمدُ منذرٌ، ولكلِّ قومِ قادةٌ

(1)

.

قال: ثنا الأشجعيُّ، قال: ثني إسماعيلُ أو سفيانُ، عن إسماعيلَ بن أبى خالدٍ، عن أبي صالحٍ:{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: لكلِّ قومٍ قادةٌ

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: الهادى القائدُ، والقائدُ الإمامُ، والإمامُ العملُ

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا محمدٌ - وهو ابن يزيدَ - عن إسماعيلَ، عن يحيى بن رافعٍ في قولِه:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . قال: قائدٌ

(4)

.

وقال آخرون: هو عليٌّ بن أبى طالبٍ، رضي الله عنه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أحمدُ بنُ يحيى الصوفيُّ، قال: ثنا الحسنُ بنُ الحسينِ الأنصاريُّ، قال:

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2226 (12156) من طريق إسماعيل به، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 356 عن أبي صالح به.

(2)

تفسير الثوري ص 151 بنحوه.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2225 (12153) من طريق أبي جعفر به، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 356 عن أبي العالية به.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2226 (12157) من طريق محمد به، وذكره ابن كثير 4/ 356 عن يحيى بن رافع به.

ص: 442

ثنا معاذُ بنُ مسلمٍ بيّاعُ

(1)

الهرويِّ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: لمَّا نَزَلت: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} ، وضَع صلى الله عليه وسلم يَدَه على صدِره فقال:"أنا المُنْذِرُ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ". وأومَأ بيدِه إلى مَنْكِب عليٍّ، فقال:"أنت الهادى يا عليُّ، بك يهتدى المهتدون بعدى"

(2)

.

وقال آخرون: معناه: لكلِّ قوم داعٍ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} . يقولُ: داعٍ

(3)

.

وقد بَيَّنتُ معنى الهدايةِ، وأنه الإمامُ المتَّبِعُ الذي يَقْدُمُ القومَ، فإذ كان ذلك كذلك، فجائزٌ أن يكونَ ذلك هو الله، الذي يَهْدِى خلقَه، ويَتْبعُ خلقُه هدَاه، ويَأْتَمُّون بأمرِه ونهيِه، وجائزٌ أن يكون نبيَّ اللهِ الذي تأتمُّ به أمّتُه، وجائزٌ أن يكونَ إمامًا من الأئمةِ يؤتمُّ به، ويَتَّبِعُ مِنهاجَه وطريقتَه أصحابُه، وجائزٌ أن يكون داعيًا من الدُّعاةِ إلى خيرٍ أو شرٍّ.

وإذ كان ذلك كذلك، فلا قولَ أولى في ذلك بالصوابِ، من أن يقالَ كما قال جلَّ ثناؤُه: إن محمدًا هو المنذِرُ مَن أُرْسِل إليه بالإنذارِ، وإن لكلِّ قوم هاديًا يَهْدِيهم، فيَتَّبِعُونه ويَأْتمُّون به.

(1)

في م: "ثنا"، وهو معاذ بن مسلم الهراء النحوى الكوفى. تنظر ترجمته في وفيات الأعيان 5/ 221، وإنباه الرواة 3/ 288.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 356 نقلًا عن المصنف.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2225 (12154) من طريق أبي صالح به.

ص: 443

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد: 5]. منكرين قدرةَ اللهِ على إعادتِهم خلقًا جديدًا بعدَ فنائهم وبلائِهم، ولا يُنكِرون قدرتَه على ابتدائِهم وتصويرِهم في الأرحامِ، وتدبيرِهم وتصريفِهم فيها حالًا بعد حالٍ، فابتدَأ الخبرَ عن ذلك ابتداءً، والمعنى فيه ما وُصِف، فقال جلَّ ثناؤُه:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} . يقولُ: وما تَنْقُصُ الأرحامُ من حملِها في الأشهرِ التسعةِ، بإرسالِها دمَ المحيض، وما تزدادُ في حملِها على الأشهرِ التسعةِ، لتمامِ ما نقَص من الحملِ في الأشهرِ التسعةِ، بإرسالِها دمَ المحيضِ. {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} لا يُجَاوِزُ شيءٌ من قَدَرِه عن تقديرِه، ولا يَقْصُرُ أمرٌ أراده فدبَّره عن تدبيره، كما لا يَزْدَادُ حملُ أنثى على ما قُدِّر له من الحملِ، ولا يَقْصُرُ عما حُدَّ له من القَدْرِ. والمقدارُ: مِفْعَالٌ من القدرَ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يعقوب بن ماهانَ، قال: ثنا القاسمُ بنُ مالكٍ، عن داودَ بن أبي هندٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} . قال: ما رأَت المرأة من يومٍ دمًا على حملِها، زاد في الحملٍ يومًا

(1)

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2226 (1216) عن ابن عباس بنحوه، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 357، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 45 إلى ابن المنذر.

ص: 444

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قوله:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} . [يعني: السِّقطَ]

(1)

، {وَمَا تَزْدَادُ}. يقولُ: ما زادت الرحمُ في الحمل على ما غاضت، حتى ولَدته تمامًا، وذلك أن منِ النساءِ مَنْ تحملُ عشرةَ أشهرٍ، ومنهنَّ من تحمِلُ تسعةَ أشهرٍ، ومنهنَّ مَنْ تَزِيدُ في الحملِ، ومنهنَّ مَنْ تَنْقُصُ، فذلك الغَيْضُ والزيادةُ التي ذكر اللهُ، وكلُّ ذلك بعلمِه

(2)

.

حدَّثنا سعيدُ بنُ يحيى الأُمويُّ، قال: ثنا عبدُ السلامِ، قال: ثنا خُصيفٌ، عن مجاهدٍ أو سعيدِ بن جبيرٍ في قولِ اللَّهِ:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} . قال: غيضتُها

(3)

دونَ التسعةِ، والزيادةُ فوقَ التسعةِ

(4)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبَرنا أبو بشرٍ، عن مجاهدٍ، أنه قال: الغيضُ: ما رأَت الحاملُ من الدمِ في حَمْلِها، فهو نقصانٌ من الولدِ، والزيادةُ: ما زاد على التسعةِ أشهرِ، فهو تمامٌ للنقصانِ، وهو زيادةٌ

(5)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الصمدِ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} . قال: ما تَرَى من الدمِ،

(1)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 357 عن العوفي عن ابن عباس به، وأخرج الجزء الأخير منه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2228 (1271) عن محمد بن سعد به، وذكره ابن عبد البر في الاستذكار 3/ 200 عن ابن عباس بنحوه.

(3)

في م: "غيضها".

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2226 (12161) من طريق عبد السلام به عن مجاهد أو سعيد وزاد فيه ابن عباس، كما أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1156 - تفسير) من طريق خصيف بنحوه.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1154) - تفسير) من طريق هشيم به، كما أخرجه سعيد أيضًا (1155 - تفسير) من طريق أبي بشر به.

ص: 445

وما تَزْدَادُ على تسعةِ أشهرٍ.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، أنه قال: يَعْلَمُ {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} . قال: ما زاد على التسعةِ الأشهرِ، {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ}: قال: الدمُ تراه المرأةُ في حَملِها.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ والحجاجُ بنُ المنهالِ، قالا: ثنا هشيمٌ، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} . قال: الغيضُ: الحاملُ ترى الدمَ في حملِها، فهو الغيضُ، وهو نقصانٌ من الولدِ، وما زاد على تسعةِ أشهرٍ، فهو تمامٌ لذلك النقصانِ وهى الزيادةُ.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا عبدُ السلامِ، عن خُصَيفٍ، عن مجاهدٍ:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} . قال: إذا رأت

(1)

دونَ التسعةِ

(2)

، زاد على التسعةِ مثلَ أيامِ الحيضِ.

حدَّثنا أحمدُ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} . قال: خروجُ الدمِ، {وَمَا تَزْدَادُ}. قال: استمساكُ الدمِ

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} : إراقةُ المرأةِ، حتى يَخِسَّ الولدُ، {وَمَا تَزْدَادُ}. قال: إذا لم تُهْرِقِ المرأةُ تمَّ الولدُ وعَظُم

(4)

.

(1)

في ت 1، ت 2، س:"زادت".

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س:"السقطة".

(3)

تفسير الثورى ص 151.

(4)

تفسير مجاهد ص 404.

ص: 446

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا شعبةُ، عن جعفرٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} . قال: المرأةُ تَرَى الدمَ، وتحملُ أكثرَ من تسعةِ أشهرٍ.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا محمدُ بنُ الصبَّاحِ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبَرنا أبو بشرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ في قولهِ:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} . قال: هي المرأةُ تَرَى الدمَ في حملِها

(1)

.

قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} : إهراقَةُ الدمِ، حتى يَخسَّ الولدُ، {تَزْدَادُ} إِن لم تُهْرِقِ المرأةُ تمَّ الولُد وعظُم.

قال: ثنا الحكمُ بنُ موسى، قال: ثنا هِقْلٌ، عن عثمانَ بن الأسود، قال: قلت لمجاهدٍ: امرأتي رأَت دمًا، وأرْجُو أن تَكُونَ حاملًا - قال أبو جعفرٍ: هكذا هو في الكتابِ - فقال مجاهدٌ: ذاك غَيْضُ الأرحامِ، يَعْلَمُ ما تغيضُ الأرحامُ وما تزدادُ وكلُّ شيءٍ عنده عنده بمقدارِ الولدُ لا يَزَالُ يَقَعُ في النقصانِ ما رأت الدمَ، فإذا انقطَع الدمُ وقَع في الزيادةِ، فلا يَزَالُ حتى يتمَّ، فذلك قولهُ:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} .

قال: ثنا محمدُ بنُ الصبَّاحِ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبَرنا أبو بشرٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} . قال: الغَيْضُ: الحاملُ تَرَى الدمَ في حملِها، وهو الغَيضُ، وهو نقصانٌ من الولدِ، فما زادت على التسعةِ الأشهر، فهى الزيادة، وهو تمامٌ

(1)

للولادة.

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 358 عن سعيد به.

ص: 447

حدَّثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، قال: ثنا داودُ، عن عكرمةَ في هذه الآيةِ:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} . قال: كلما غاضت بالدمِ، زاد ذلك في الحملِ.

قال: ثنا عبدُ الأعلى، قال: ثنا داودُ، عن عكرمةَ نحوَه.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا عبّادُ بنُ العوَّامِ، عن عاصمٍ، عن عكرمةَ:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} . قال: غيضُ الرحمِ: الدمُ على الحملِ، كلما غاض الرحمُ من الدمِ يومًا، زاد في الحملِ يومًا، حتى تستكملَ وهى طاهرةٌ

(1)

.

قال: ثنا عبّادٌ، عن سعيدٍ، عن يَعْلَى بن مسلمٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ مثلَه

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا الوليد بنُ صالحٍ، قال: ثنا أبو يزيدَ، عن عاصمٍ، عن عكرمةَ في هذه الآية:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} . قال: هو الحيضُ على الحملِ، {وَمَا تَزْدَادُ}. قال: فلها بكلِّ يوم حاضت على حملِها، يومٌ تَزْدَادُه في طهِرها، حتى تستكملَ تسعةَ أشهرٍ طاهرًا

(3)

.

قال: ثنا يزيدُ بنُ هارونَ، قال: أخبَرنا عمران بنُ حُدَيرٍ، عن عكرمةَ في قولِه:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} . قال: ما رأت الدمَ في حملِها، زاد في حملِها.

حدَّثنا عبد الحميد بنُ بَيانٍ، قال: أخبَرنا إسحاقُ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ في

(1)

أخرجه سعيد بن منصور 5/ 426 (1157)، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 358 عن عكرمة بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 45 إلى ابن أبي شيبة والمصنف وأبى الشيخ.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2227 (12169) بسنده عن سعيد بنحوه.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2227 (12168) من طريق أبي يزيد بنحوه.

ص: 448

قوله: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} : ما تغيضُ: أقلَّ من تسعةٍ، وما تَزْدَادُ: أكثرَ من تسعةٍ

(1)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا ابن المباركِ، عن الحسنِ بن يحيى، قال: سمِعتُ الضحاكَ يَقُولُ: قد يُولدُ المولودُ لسنتين، قد كان الضحاكُ وُلِد لسنتين، والغَيْضُ: ما دونَ التسعةِ، وما تَزْدَادُ: فوقَ تسعةِ أشهرٍ.

قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} . قال: دونَ التسعةِ، {وَمَا تَزْدَادُ}. قال: فوقَ التسعةِ

(2)

.

قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ، قال: وُلِدتُّ لسنتين.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، عن الحسنِ بن يحيى، قال: ثنا الضحاكُ أن أمَّه حمَلته سنتين، قال:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} . قال: ما تَنْقُصُ من التسعةِ: {وَمَا تَزْدَادُ} . قال: ما فوقَ التسعةِ

(3)

.

قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} . قال: كلُّ أنثى من خلقِ اللهِ.

قال: ثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ ومنصورٍ، عن الحسنِ، قالا:

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2227 (12164) من طريق سفيان به.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2226 (12162) بسنده عن الضحاك به، وهو في تفسير الثورى ص 151 عن ابن جريج عن الضحاك.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور 5/ 426 (1158) من طريق ابن المبارك به.

ص: 449

الغَيْضُ ما دونَ التسعةِ الأشهرِ

(1)

.

قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، عن داودَ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن ابن جريجٍ، عن جميلةَ بنتِ سعيدٍ، عن عائشةَ، قالت: لا يَكُونُ الحملُ أكثرَ من سنتين، قدْرَ ما يَتَحَوَّلُ ظَلُّ مِغْزَلٍ

(2)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا فضيلُ بنُ مرزوقٍ، عن عطيةَ العوفيِّ:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} . قال: هو الحملُ لتسعةِ أشهرٍ وما دونَ التسعةِ، {وَمَا تَزْدَادُ}. قال: على التسعةِ

(3)

.

قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا عمرٌو بن ثابتٍ، عن أبيه، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} . قال: حيضُ المرأة على ولدِها.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} : قال: الغيضُ: السِّقْطُ، وما تزدادُ: فوقَ التسعةِ الأشهرِ

(4)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ: إذا رأَت المرأة الدمَ على الحملِ، فهو الغيضُ للولدِ. يقولُ: نقصانٌ في غذاءِ الولدِ، وهو زيادةٌ في الحملِ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: قتادةَ قولَه: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 358 عن الضحاكِ به.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 358 نقلًا عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 45 إلى المصنف.

(3)

ذكره ابن عبد البر في الاستذكار 3/ 200، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 358 عن عطية به.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 332 عن معمر به

ص: 450

تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ}. قال: كان الحسنُ يقولُ: الغيضوضةُ أن تَضَعَ المرأةُ لستةِ أشهرٍ أو سبعةِ

(1)

أشهرٍ، أولمِا دونَ الحدِّ. قال قتادةُ: وأما الزيادةُ: فما زاد على تسعةِ أشهرٍ

(2)

.

حدَّثني الحارث، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا قيسٌ، عن سالمٍ الأفطسِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، قال: غَيْضُ الرحم: أن ترى الدمَ على حملِها، فكلُّ شيءٍ رأت فيه الدمَ على حملِها، ازدادت على حملِها مثلَ ذلك.

قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا حمادُ بنُ سلمةَ، عن قيسٍ بن سعدٍ، عن مجاهدٍ، قال: إذا رأَت الحاملُ الدمَ كان أعظمَ للولدِ

(3)

.

حُدِّثتُ عن الحسينِ، قال: سِمعتُ أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سِمعتُ الضحاكَ يَقُولُ في قولِه: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} : الغيضُ: النقصانُ من الأجلِ، والزيادةُ

(4)

: ما زاد على الأجلِ، وذلك أن النساء لا يَلِدْنَ لِعِدَّةٍ واحدةٍ؛ يُولَدُ المولود لستةِ أشهرٍ فيَعِيشُ، ويُولَدُ لسنتين فيَعِيشُ، وفيما بينَ ذلك. قال: وسمِعتُ الضحاكَ يَقُولُ: وُلِدتُ لسنتين، وقد نبَتَت ثناياىَ

(5)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} . قال: غَيضُ الأرحامِ: الإهراقةُ التي تَأْخُذُ النساءِ على الحملِ،

(1)

في م: "لسبعة".

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 358 عن الحسنِ وقتادة بنحوه.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2227 (12163) بسنده عن مجاهد به، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 358 عن مجاهد بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 45، 46 إلى ابن أبي شيبة والمصنف وابن المنذر.

(4)

بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"علي".

(5)

ذكره الطوسى في التبيان 6/ 224 عن الضحاك به.

ص: 451

وإذا جاءت تلك الإهراقةُ، لم يُعتدَّ بها من الحملِ، ونقَص ذلك حملَها حتى يَرْتَفِعَ ذلك؛ وإذا ارتفعَ استقبلت عِدَّةً مستقبلةً تسعةَ أشهرٍ؛ وأما ما دامت تَرَى الدمَ، فإن الأرحامَ تَغِيضُ

(1)

، والولدُ يَرِقُّ، فإذا ارتفَع ذلك الدمُ، رَبَا الولدُ، واعتَدَّت حينَ يرتفع عنها ذلك الدمُ، عدَّةَ الحمل تسعةَ أشهرٍ، وما كان قبلَه فلا تَعْتَدُّ به، هو هراقةٌ، يُبْطِلُ ذلك أجمعَ أكتعَ

(2)

.

وقوله: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} .

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} : إى واللهِ، لقد حفِظ عليهم رزقَهم وآجالَهم، وجعَل لهم أجلًا معلومًا

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: واللهُ عالمُ ما غاب عنكم وعن أبصاركِم فلم تَرَوْه، وما شاهدتموه فعاينتم بأبصارِكم، لا يَخْفَى عليه شيءٌ؛ لأنهم خَلْقُه وتدبيرُه، {الْكَبِيرُ} الذي كلُّ شيءٍ دونَه، {الْمُتَعَالِ} المستعلى على كلِّ شيءٍ بقدرته، وهو المتفاعلُ من العلوِّ، مثلُ المتقاربِ من القربِ، والمتدانى من الدنوِّ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ

(1)

بعده في م: "وتنقص".

(2)

ذكره الطوسى في التبيان 2246، وابن كثير في تفسيره 4/ 358 عن ابن زيد بنحوه.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2228 (12172) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 46 إلى المصنف وأبى الشيخ.

ص: 452

هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)}.

يقولُ تعالى ذكرُه: معتدلٌ عندَ اللهِ منكم أيها الناسُ، الذي أسرَّ القولَ والذي جهَر به، والذي {هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} في ظلمتِه بمعصيةِ اللهِ، {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}. يقولُ: وظاهرٌ بالنهارِ في ضوئِه، لا يَخْفَى عليه شيءٌ من ذلك، سواءٌ عنده سِرُّ خلقِه وعلانيتُهم؛ لأنه لا يَسْتَسِرُ عندَه شيءٌ ولا يَخْفَى.

يُقَالُ منه: سَرَب يَسْرُب سُروبًا. إذا ظهرَ، كما قال قيسُ بنُ الخَطِيمِ

(1)

:

أَنَّى سَرَبْتِ

(2)

وكنتِ غيرَ سَروبِ

وتُقَرِّبُ الأَحْلامُ غيرَ قَرِيبٍ

(3)

.

يَقُولُ: كيف سرَبتِ

(4)

بالليل بُعد هذا الطريقِ، ولم تَكُونِى تَبْرُزِين وتَظْهَرِين. وكان بعضُهم يَقُولُ: هو السالكُ في سِرْبِه: أي في مَذهبِه ومكانِه.

واختلَف أهلُ العلم بكلامِ العربِ في السرْبِ؛ فقال بعضُهم: هو آمنٌ في سَربِه، بفتحِ السينِ، فقال

(5)

بعضُهم: هو آمنٌ في سِربِه، بكسرِ السين.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولِه: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ

(1)

ديوانه ص 15.

(2)

في ت 1: "سريت" وهى رواية، وينظر الديوان ص 15 واللسان (س رب).

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"مريب".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"سرب" وفى م: "سريت". والمثبت هو الصواب.

(5)

في ص، ت 2، س، ف:"وقال"، وفي ت 2:"قال".

ص: 453

مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}. يقولُ: هو صاحبُ رِيبةٍ مستخفٍ بالليلٍ، وإذا خرَج بالنهارِ أرى الناس أنه بريءٌ من الإثمِ

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عباسٍ: {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} . قال: ظاهرٌ

(2)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا ابن أَبي عَدِيٍّ، عن عوفٍ، عن أبي رجاءٍ في قولِه:{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} . قال: إن الله أعلمُ بهم

(3)

، سواءٌ من أسرَّ القولَ، ومن جهَر به، ومن هو مستخفٍ بالليلِ، وساربٌ بالنهارِ.

حدَّثنا الحسنُ

(4)

بنُ محمدٍ، قال: ثنا عليٌّ بنُ عاصمٍ، عن عوفٍ، عن أبي رجاءٍ:{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} . قال: من هو مستخفٍ في بيتِه، {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} . ذاهبٌ على وجهه؛ علمُه فيهم واحدٌ

(5)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} . يَقولُ: السرُّ والجهْرُ عندَه سواءٌ، {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}

(6)

. أما المستخفى ففى بيتِه، وأما الساربُ: الخارجُ بالنهارِ، حيثما كان المستخفِى غيبُه الذي يَغِيبُ فيه،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2229 (12181) عن محمد بن سعد به دون أوله.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 46 إلى المصنف وأبي عبيد وابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

في ت 1، س، ف:"فيهم".

(4)

في ص، ت 1، س:"الحسين".

(5)

ذكره الطوسى في التبيان 6/ 226 مختصرًا.

(6)

بعده في ت 1، ت 2، س:"و".

ص: 454

والخارجُ عندَه سواءٌ.

قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شريكٌ، عن خُصَيفٍ، في قولِه:{مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} . [قال: راكبٌ رأسَه في المعاصى]

، {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}. قال: ظاهرٌ بالنهارِ

(2)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} : كلُّ ذلك عندَه تبارك وتعالى سواءٌ، السرُّ عندَه علانيةٌ، قولَه:{وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} : أي: في ظلمةِ الليلِ، {وَسَارِبٌ}: أي ظاهرٌ بالنهارِ

(3)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا شريكٌ، عن خُصَيفٍ، عن مجاهدٍ وعكرمةَ:{وَسَارِبٌ} . قال: ظاهرٌ بالنهارِ.

و "مَن" في قولِه: {مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} . رفعٌ؛ الأولى منهنّ بقوله سواءٌ، والثانيةُ معطوفةٌ على الأولى، والثالثةُ على الثانيةِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)} .

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2229 (12178، 12182) من طريق آخر عن خصيف عن مجاهد به. دون أوله، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 46 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبى الشيخ.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2228، 2229 (12176، 12179) من طريق آخر عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 46 إلى أبى الشيخ.

(1)

ص: 455

اختلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه: للَّهِ تعالى ذكرُه مُعَقِّباتٌ. قالوا: و

(1)

الهاءُ في قولِه: {لَهُ} من ذكرِ اسمِ اللَّهِ، والمعقِّباتُ: التي تَتعَقَّبُ

(2)

على العبدِ، وذلك أن ملائكةَ الليلِ إذا صَعِدت بالنهارِ، أعقَبتها ملائكةُ النهارِ، فإذا انقضى النهارُ، صعِدت ملائكةُ النهارِ، ثم أعقَبتها ملائكةُ الليلِ. وقالوا: و

(1)

قيل: معقِّباتٌ. والملائكةُ جمعُ مَلَكٍ، مذكرٌ غيرُ مؤنثٍ، وواحدُ الملائكةِ معقِّبٌ، وجماعتُها مُعقِّبةٌ، ثم جُمِع جمعُه، أعنى جمعَ معقِّبٍ بعدَما جُمِع معقبةً، فقيلَ: معقِّباتٌ. كما قيل: أبناواتُ سعدٍ، ورجالاتُ بنى فلانٍ، جمعُ رجالٍ.

وقولُه: {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} . [يعنى بقولِه: {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} : من قُدَّامِ هذا المستخفى بالليلِ، والساربِ

(3)

بالنهارِ، {وَمِنْ خَلْفِهِ} ]

(4)

: من وراءِ ظهرِه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنَّى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن منصورٍ - يعنى ابنَ زاذانَ -، عن الحسنِ في هذه الآيةِ:{مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} . قال: الملائكةُ

(5)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إبراهيمُ بنُ عبدِ السلامِ بن صالحٍ القُشَيريُّ، قال: ثنا

(1)

سقط من: م.

(2)

كذا في النسخ، و لعل الصواب:"تعتقب".

(3)

في ص، ت 1، س، ف:"سارب".

(4)

سقط من: ت 2.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 47 إلى المصنف.

ص: 456

عليُّ بنُ جريرٍ، عن حمادِ بن سلمةَ، عن عبدِ الحميدِ بن جعفرٍ، عن كنانةَ العدويِّ، قال: دخَل عثمانُ بنُ عفَّانَ على رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، أخبِرْنى عن العبدِ كم معه من مَلَكٍ؟ قال: "مَلَكٌ على يمينِك؛ على حسناتِك، وهو أمينٌ

(1)

على الذي على الشِّمالِ، فإذا عمِلْتَ حَسَنَةً كُتِبَتْ عَشْرًا، وإذا عمِلْتَ سيِّئَةً، قال الذي على الشِّمالِ للذى على اليَمينِ: أكْتُبُ؟ قال: لا، لعَلَّه يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ويَتوبُ. فإذا قال ثَلاثًا، قال: نعم، اكْتُبْ، أرَاحَنا اللَّهُ منه، فبئْسَ القَرِينُ، ما أقَلَّ مُرَاقَبَتَه للَّهِ، وأقَلَّ اسْتِحْياءَه منَّا. يَقُولُ اللَّهُ:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. ومَلَكانِ من بين يَديْك ومن خَلْفِك، يَقُولُ اللَّهُ:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . ومَلَكٌ قابِضٌ على ناصيتِكَ، فإذا تَوَاضَعْتَ للَّهِ رفَعك، وإذَا تَجَبَّرْتَ على اللَّهِ قَصَمك، ومَلَكانِ على شَفَتَيْك ليس يَحْفَظان عليك إلا الصَّلاةَ على مُحَمَّدٍ، ومَلَكٌ قائمٌ على فِيك، لا يَدَعُ الحَيَّةَ تَدْخُلُ فِي

(2)

فِيك، ومَلَكانِ على عينيك، فهؤلاء عَشَرَةُ أمْلاكٍ على كُلَّ آدَميٍّ، ينزِلُونَ مَلائِكَةُ [اللَّيْلِ على مَلائِكَةِ]

(3)

النَّهارِ؛ [لأن ملائكةَ الليلِ سوى ملائكةِ النهارِ]

(4)

، فهؤلاء عِشْرُون مَلَكًا على كُلَّ آدَمِىٍّ، وَإبْليِسُ بالنَّهارِ، وولَدُه باللَّيْلِ"

(5)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ [وَمِنْ خَلْفِهِ} ]

(6)

: الملائكةُ

(1)

في م: "أمير"، وفى ابن كثير:"آمر" وفى بعض طبعات ابن كثير: "أمير".

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف، والمثبت موافق لما في مصدرى التخريج.

(4)

سقط من النسخ، والمثبت من مصدرى التخريج.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 48 إلى المصنف، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 360 عن المصنف. وقال: حديث غريب جدًّا.

(6)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

ص: 457

{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

قال: ثنا عمرُو بنُ عَوْنٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن عبدِ الملكِ، عن قيسٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ} . قال: مع كلِّ إنسانٍ حَفَظةٌ يَحفَظونه من أمرِ اللَّهِ.

قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} : فالمعقباتُ هنَّ

(2)

من أمرِ اللَّهِ، وهى الملائكةُ

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن إسرائيلَ، عن سِمَاكٍ، عن عِكرمةَ، عن ابن عباسٍ:{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . قال: ملائكةٌ يَحْفَظونه من بين يديه ومن خلفِه، فإذا جاء قَدَرُه خَلَّوا عنه

(4)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن سماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} ، فإذا جاء القدَرُ خَلَّوا عنه.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ في هذه الآيةِ،

(1)

تفسير مجاهد ص 405، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 47 إلى المصنف.

(2)

في ت 2، س، ف:"هو".

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2232 (12198) من طريق أبى صالح به.

(4)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 332، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2232 (12196) من طريق إسرائيل به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 47 إلى الفريابى وابن المنذر.

ص: 458

قال: الحفَظَةُ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . قال: ملائكةٌ.

حدَّثنا أحمدُ بنُ حازمٍ، قال: ثنا يَعْلى، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ أبى خالدٍ، عن أبى صالحٍ في قولِه:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} . قال: ملائكةُ الليلِ يَعْقُبون ملائكةَ النهارِ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} : هذه ملائكةُ الليلِ يَتَعَاقَبُون فيكم بالليلِ والنهارِ، وذُكِر لنا أنهم يَجْتَمِعُون عندَ صلاةِ العصرِ وصلاةِ الصبحِ.

وفى قراءةِ أبيِّ بن كعبٍ: (له معقِّباتٌ من بين يديه، ورقيبٌ من خلفِه، يَحْفَظُونه من أمرِ اللَّهِ)

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ قولَه:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} . قال: ملائكةٌ يَتَعَاقَبونه

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عباسٍ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} . قال: الملائكةُ. قال ابن جريجٍ: معقِّباتٌ، قال: الملائكةُ تَعَاقبُ الليلَ والنهارَ، وبلَغنا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "يَجْتَمِعُون

(3)

فيكم عندَ صلاةِ العصرِ وصلاةِ الصبحِ". وقولُه: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . قال ابن جريجٍ: مثلُ قولِه: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17]. قال:

(1)

هي قراءة شاذة لمخالفتها رسم المصحف، ينظر البحر المحيط 5/ 372.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 332 عن معمر به، وسيأتي تمامه في ص 464.

(3)

في ت 1، س، ف:"يجتمعن"، وبياض في ت 2.

ص: 459

الحسناتُ من بين يدَيْه، والسيئاتُ من خلفِه؛ الذي عن يمينِه يكتُبُ الحسناتِ، والذي عن شمالِه يكتُبُ السيئاتِ.

حدَّثنا سَوّارُ بنُ عبدِ اللَّهِ، قال: ثنا المعتمِرُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ ليثًا يحدِّثُ عن مجاهدٍ، أنه قال: ما من عبدٍ إلا له

(1)

ملَكٌ مُوَكَّلٌ بِحفظِه في نومِه ويقظتِه، من الجنِّ والإنسِ والهوامِّ، فما منها شيءٌ يأتيه يُريدُه إلا قال: وراءَك. إلا شيئًا يَأْذَنُ اللَّهُ فيه، فيُصِيبُه

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} . قال: يعنى: الملائكةُ.

وقال آخرون: بل عنَى بالمعقِّباتِ في هذا الموضعِ: الحرسَ الذي يتعاقبُ على الأميرِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو هشامٍ الرِّفَاعيُّ، قال: ثنا ابن يمانٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن حبيبِ بن أبى ثابتٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} . قال: [ذكَر مَلِكًا]

(3)

من ملوكِ الدنيا له حرسٌ، من دونِه حرسٌ.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} . يعنى: وليُّ

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"به".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 47 إلى المصنف.

(3)

في م: "ذلك ملك".

ص: 460

السُّلطانِ

(1)

يَكُونُ عليه الحرسُ

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن شَرَقيٍّ، أنه سمِع عكرمةَ يقولُ في هذه الآيةِ:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} . قال: هؤلاء الأمراءُ

(3)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا عمرُ

(4)

بنُ نافعٍ، قال: سمِعتُ عكرمةَ يقولُ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} . قال: المواكبُ من بين يدَيْه ومن خلفِه

(5)

.

حُدِّثتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: [ثنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعت الضحاكَ يقولُ]

(6)

في قولِه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . قال: هو السلطانُ [المحترسُ من أمرِ اللَّهِ]

(7)

، وهم أهلُ الشركِ

(8)

.

وأولى التأويلين في ذلك بالصوابِ قولُ مَنْ قال: الهاءُ في قولِه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} . من ذِكرِ "مَنْ" التي في قولِه: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} . وأن

(1)

في ت 1، ت 2 س، ف:"شيطان".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 47 إلى المصنف.

(3)

أخرجه أبو داود في كتاب القدر، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2230 (12190) من طريق شعبة به.

(4)

في م: "عمرو". وينظر تهذيب الكمال 21/ 514.

(5)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 360.

(6)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

(7)

في م: "المحروس من أمر الله"، وفى ت 1، س، ف:"المحترس من الله"، وفى ت 2:"المحرس من الله".

(8)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 360.

ص: 461

المعقِّباتِ من بين يديه ومن خلفِه، هي حَرَسُه وجَلاوِزَتُه

(1)

كما قال ذلك من ذكَرنا قولَه.

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصوابِ؛ لأن قولَه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} . أقربُ إلى قولِه: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} . منه إلى: {عَالِمُ الْغَيْبِ} ؛ فهى لقربِها منه أولى بأن تكُونَ من ذكْرِه، وأن يكُونَ المعنيُّ بذلك هذا، مع دَلالةِ قولِ اللَّهِ:{وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} . على أنهم المعنِيُّون بذلك، وذلك أنه جلَّ ثناؤُه ذكَر قومًا أهلَ معصيةٍ له وأهلَ رِيبةٍ، يَسْتَخْفُون بالليلِ، ويَظْهَرُون بالنهارِ، ويَمْتَنِعُون عندَ أنفسِهم بحرسٍ يَحْرُسُهم، ومَنَعَةٍ تَمْنَعُهم من أهلِ طاعتِه، أن يَحُولوا بينَهم وبينَ ما يَأْتُون من معصيةِ اللَّهِ، ثم أخبَر أن اللَّهَ تعالى ذكرُه إذا أراد بهم سوءًا لم يَنْفَعْهم حرسُهم، ولا يَدْفَعُ عنهم حِفْظُهم.

وقولُه: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . اختلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ هذا الحرفِ على نحوِ اختلافِهم في تأويلِ قولِه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} . فمَنْ قال: المعقباتُ هي الملائكةُ. قال: الذين يَحْفَظُونه من أمرِ اللَّهِ هم أيضًا الملائكةُ. ومَنْ قال: المعقباتُ هي الحرسُ والجلاوزةُ من بنى آدمَ، قال: الذين يَحْفَظُونه من أمرِ اللَّهِ هم أولئك الحرسُ.

واختلَفوا أيضًا في معنى قولِه: {مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . فقال بعضُهم: حِفْظُهم إياه: من أمرِه. وقال بعضُهم: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} : بأمرِ اللَّهِ.

(1)

الجِلْواز: الشرطى والجمع جَلاوِزة. اللسان (ج ل ز).

ص: 462

‌ذكرُ مَن قال: الذين يَحْفَظُونه هم الملائكةُ. ووَجَّه قولَه: بأمرِ اللَّهِ. إلى معنى: أن حفظَها إياه من أمرِ اللَّهِ

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . يقولُ: بإذنِ اللَّهِ، فالمعقِّباتُ: هي

(1)

من أمرِ اللَّهِ، وهى الملائكةُ

(2)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . قال: الملائكةُ الحَفَظةُ، وحِفْظُهم إياه من أمرِ اللَّهِ

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ عُبيدٍ، قال: ثنى عبدُ الملكِ، عن ابن عبيدِ اللَّهِ، عن مجاهدٍ في قولِه:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . قال: الحَفَظَةُ هم من أمرِ اللَّهِ.

قال: ثنا عليٌّ - يعنى ابنَ عبدِ اللَّهِ بن جعفرٍ - قال: ثنا سفيانُ، عن عمرٍو، عن ابن عباسٍ:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} رقباءُ

(4)

، {وَمِنْ خَلْفِهِ} . من أمرِ اللَّهِ {يَحْفَظُونَهُ}

(5)

.

قال: ثنا عبدُ الوهابِ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن الجارودِ، عن ابن عباسٍ:

(1)

في ت 1، ت 2، س، ف:"هو".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2232 (12198) من طريق أبى صالح به.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 47 إلى المصنف.

(4)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1159 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2230 (12191) من طريق سفيان، عن عمرو، عن ابن عباس أنه كان يقرأ:(له معقبات من بين يديه ورقباء من خلفه)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 47 إلى ابن المنذر.

ص: 463

{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} . رقيبٌ، {وَمِنْ خَلْفِهِ}

(1)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن خُصَيفٍ، عن مجاهدٍ:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . قال: الملائكةُ من أمرِ اللَّهِ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عباسٍ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . قال: الملائكةُ من أمرِ اللَّهِ.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . قال: الحَفَظةُ.

‌ذكرُ مَن قال: عُنِى بذلك: يَحْفَظُونه بأمرِ

(2)

اللَّهِ

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} : أي بأمرِ اللَّهِ

(3)

.

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} : وفى بعضِ القراءةِ

(4)

: (بأمرِ اللَّهِ)

(5)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن عبدِ الملكِ،

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1160 - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2230 (12192) من طريق عبد الله بن الجارود عن أبيه به مطولًا.

(2)

في ت 1، ت 2، س، ف:"من أمر".

(3)

تقدم تخريجه في ص 459.

(4)

في م: "القراءات".

(5)

هي قراءة على بن أبى طالب وابن عباس وعكرمة وزيد بن علي وجعفر بن محمد، وهى قراءة شاذة. المحتسب 1/ 355، والبحر المحيط. 5/ 372. والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 47 إلى المصنف.

ص: 464

عن قيسٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} . قال: مع كلِّ إنسانٍ حفظةٌ يَحْفَظُونه من أمرِ اللَّهِ.

‌ذكرُ مَنْ قال: تَحْفَظُه الحرسُ من بنى آدمَ من أمرِ اللَّهِ

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . يعنى: وليُّ السلطانِ

(1)

يَكُونُ عليه الحرسُ، يحفَظُونه من بين يديه ومن خلفِه، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: يَحْفَظُونَه من أمرِى، فإنى إذا أردتُ بقومٍ سوءًا فلا مردَّ له، وما لهم من دونِه من والٍ

(2)

.

حدَّثني أبو هريرةَ الضُّبَعيُّ، قال: ثنا أبو قتيبةَ، قال: ثنا شعبةُ

(3)

، عن شَرَقيٍّ، عن عكرمةَ:{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . قال: الجلاوزةُ

(4)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: يَحْفَظُونه من أمرِ اللَّهِ، وأمرُ اللَّهِ: الجنُّ ومَنْ يَبْغِى أذاه ومكروهَه قبلَ مجئِ قضاءِ اللَّهِ، فإذا جاء قضاؤُه خَلَّوا بينَه وبينَه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني أبو هريرةَ الضُّبَعيُّ، قال: ثنا أبو داودَ، قال: ثنا ورقاءُ، عن منصورٍ، طلحةَ، عن إبراهيمَ:{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . قال: من الجنِّ

(5)

.

حدَّثنا سَوَّارُ بنُ عبدِ اللَّهِ، قال: ثنا المعتمِرُ، قال: سمِعتُ ليثًا يُحَدِّثُ عن

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الشيطان".

(2)

تقدم تخريجه في ص 461.

(3)

في النسخ: "سعيد". والمثبت هو الصواب. وينظر تهذيب الكمال 12/ 433.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2230 (12189) من طريق آخر عن عكرمة به.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2232 (12199) من طريق أبى هريرة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 47 إلى أبى الشيخ.

ص: 465

مجاهدٍ أنه قال: ما من عبدٍ إلا له

(1)

ملَكٌ مُوَكَّلٌ بحفظِه في نومِه ويقظتِه من الجنِّ والإنسِ والهوامِّ، فما منهم شيءٌ يأتيه يُرِيدُه، إلا قال: وراءَك. إلا شيئًا يَأْذَنُ اللَّهُ فيه

(2)

فيُصِيبُه

(3)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ عرفةَ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ عياشٍ، عن محمدِ بن زيادٍ الأَلْهَانيِّ، عن يزيدَ بن شُرَيحٍ، عن كعبِ الأحبارِ، قال: لو تجلَّى لابنِ آدمَ كلُّ سهلٍ وحَزْنٍ، لرأَى على

(4)

كلِّ شيءٍ من ذلك شياطينَ

(5)

، لولا أن اللَّهَ وكَّلَ بكم ملائكةً يَذُبُّون عنكم في مطعمِكم ومشربِكم وعوراتِكم، إذنْ لتُخُطِّفتم

(6)

.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُلَيةَ، قال: ثنا عُمارةُ بنُ أبى حفصةَ، عن أبي مِجْلَزٍ، قال: جاء رجلٌ مِن مُرادٍ إلى عليٍّ رضي الله عنه وهو يصلِّي، فقال: احترِسْ، فإن ناسًا من مُرادٍ يُرِيدُون قتلَك. فقال: إن مع كلِّ رجلٍ مَلَكين يَحْفَظَانه مما لم يُقَدَّرْ، فإذا جاء القدَرُ خَلَّيا بينَه وبينَه، وإن الأجلَ جُنَّةٌ حصينةٌ

(6)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، عن الحسنِ بن ذَكوانَ، عن أبى غالبٍ، عن أبي أُمامةَ، قال: ما من آدميٍّ إلا ومعه مَلَكٌ

(7)

يَذُودُ عنه، حتى يُسْلِمَه للذى قُدِّر له

(6)

.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"به".

(2)

سقط من: م.

(3)

تقدم تخريجه في ص 460.

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(5)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"شيئًا بعينه".

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 47 إلى المصنف.

(7)

بعده في م: "موكل".

ص: 466

وقال آخرون: معنى ذلك: يَحْفَظُون

(1)

عليه من

(2)

اللَّهِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ:{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . قال: يَحْفَظُون عليه من اللَّهِ.

قال أبو جعفرٍ: يعنى ابن جريجٍ بقولِه: يحفَظُون عليه. الملائكةَ الموكَّلةَ بابنِ آدمَ؛ بحفظِ حسناتِه وسيئاتِه، وهى المعقِّباتُ عندَنا، تَحْفَظُ على ابن آدمَ حسناتِه وسيئاتِه من أمرِ اللَّهِ. وعلى هذا القولِ يَجِبُ أن يَكُون معنى قولِه:{مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} : أن الحَفَظَةَ من أمرِ اللَّهِ، أو تحفَظُ بأمرِ اللَّهِ، ويجِبُ أن تكونَ الهاءُ التي في قولِه:{يَحْفَظُونَهُ} . وُحِّدت وذُكِّرت. وهى مرادٌ بها الحسناتُ والسيئاتُ؛ لأنها كنايةٌ عن ذِكْرِ "من" الذي هو مستخفٍ بالليلِ، وساربٌ بالنهارِ، وأن يَكُونَ المستخفى بالليلِ، أُقيم ذكرُه مُقامَ الخبرِ عن سيئاتِه وحسناتِه، كما قيل:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: 82].

وكان عبدُ الرحمنِ بنُ زيدٍ يقُولُ في ذلك خلافَ هذه الأقوالِ كلِّها.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَار} . قال: أتى عامرُ بنُ الطفيلِ، وأرْبَدُ بنُ رَبيعةَ

(3)

إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال عامرٌ: ما تَجْعَلُ لى إنْ أنا اتبَعتُك؟ قال: "أنتَ فارِسٌ

(1)

في ت 1، ت 2، س، ف:"يحفظونه".

(2)

بعده في ت 1، ت 2:"أمر".

(3)

في ت 1، ت 2، س، ف:"زمعة". وهو أربد بن قيس بن مالك بن جعفر، أخو لبيد بن ربيعة لأمه. وينظر تاريخ الطبرى 3/ 144، 145.

ص: 467

أُعْطِيك أعِنَّةَ الخَيْلِ" قال: فقط

(1)

! قال: "فما تَبْغى؟ " قال: لى الشرقُ ولك الغربُ. قال: "لا". قال: فلى الوَبَرُ، ولك المدَرُ. قال:"لا". قال: لأَمْلأَنَّها عليك إذنْ خَيلًا ورجالًا. قال: "يَمْنَعُكَ اللَّهُ ذَاكَ، [وابنا قَيْلةَ]

(2)

. يريدُ الأوسَ والخزرجَ، قال: فخرَجا، فقال عامرٌ لأرْبَدَ: إن كان الرجلُ لنا لمُمَكَّنًا

(3)

، لو قتلناه ما انتطحت فيه عنزان، ولَرضُوا بأن نَعْقِلَه لهم، [وأحبوا السِّلمَ]

(4)

، وكَرِهوا الحربَ إذا رأَوا أمرًا قد وقَع. فقال الآخرُ: إن شئتَ. فتشاورا، وقال: ارجِعْ وأنا أَشْغَلُه عنك بالمجادلةِ، وكن وراءَه، فاضرِبْه بالسيفِ ضربةً واحدةً. فكانا كذلك، واحدٌ وراءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والآخرُ قال: افصُصْ علينا

(5)

قَصصَك. قال: "ما [تَقُولُ؟ " قال: قرآنُك]

(6)

. فجعَل يجادِلُه ويَسْتَبْطِئُه، حتى قال له: ما لك حُشِمتَ

(7)

؟ قال: وضَعتُ يدى على قائمِ سيفى فيبِست

(8)

، فما قَدَرْتُ على أن أُحْلِىَ ولا أُمِرَّ

(9)

ولا أحرِّكَها. قال: فخرَجا؛ فلما كانا بالحرَّةِ سمِع بذلك سعدُ بنُ مُعاذٍ وأُسيدُ بنُ حُضَيرٍ، فخرَجا إليهما

(10)

، على كلِّ واحدٍ منهما لأْمَتُه، ورمُحه بيدِه، وهو متقلِّدٌ سيفَه، فقالا لعامرِ بن

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أقط"، وفى م:"لا"، والمثبت من مصدر التخريج.

(2)

في م: "أبناء قيلة"، وفى ت 1، ت 2، س:"ابن قيلة"، وفى الدر:"وأتيا قبيلة".

(3)

في ت 1: "لمهلكنا"، وفى ت 2، س، ف:"لمملكنا".

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(5)

في الدر المنثور: "علَيّ".

(6)

في م: "ما يقول قرآنك".

(7)

في م: "أحشمت". والحشمة: الحياء والانقباض، وقال الأصمعى: في يديه حشوم، أي انقباض.

ينظر اللسان (ح ش م).

(8)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(9)

ما أُمِرُّ وما أُحلى، أي: ما آتى بكلمة ولا فَعْلة مرة ولا حلوة. اللسان (م ر ر).

(10)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"إليه".

ص: 468

الطفيلِ: يا أعورُ جئتنا

(1)

يا أبلَخُ

(2)

، أنت الذي تشرُطُ على رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟! لولا أنك في أمانٍ من رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ما رِمْتَ

(3)

المنزلَ حتى نضرِبَ

(4)

عنقَك، ولكن لا تُسْتبقَيَنَّ. وكان أشدَّ الرجلين عليه أُسيدُ بنُ حُضَيرٍ، فقال: لو كان أبوه حيًّا لم يَفْعَلْ بى هذا. ثم قال لأربدَ: اخرُجْ أنت يا أربدُ إلى ناحيةِ عَدَنةَ

(5)

، وأَخْرُجُ أنا إلى نجدٍ، فنجمَعُ الرجالَ، فنلتقِى عليه. فخرَج أربدُ حتى إذا كان بالرَّقَمِ

(6)

بعَث اللَّهُ سحابةً من الصيفِ فيها صاعقةٌ فأحرَقته. قال: وخرَج عامرٌ، حتى إذا كان بوادٍ يقالُ له: الجُرَيرُ

(7)

. أرسَل اللَّهُ عليه الطاعونَ، فجعَل يَصِيحُ: يا آلَ عامرٍ، أغُدَّةٌ كغُدَّةِ البَكْرِ

(8)

تَقْتُلُنى؟ [يا آلَ]

(9)

عامرٍ، أَغُدَّةٌ كغُدةِ البَكْرِ تَقْتُلُنى، وموتٌ أيضًا في بيتِ سَلُوليةٍ، وهى امرأةٌ من قيسٍ. فذلك قولُ اللَّهِ:{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} فقرَأ

(10)

حتى بلَغ: {يَحْفَظُونَهُ} . تلك المعقِّباتُ من أمرِ اللَّهِ، هذا مقدَّمٌ ومؤخرٌ؛ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا معقباتٌ يَحْفَظُونه من بين يديه ومن خلفِه، تلك المعقباتُ من أمرِ اللَّهِ، وقال لهذين:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} فقرأ حتى

(1)

في م: "يا خبيث".

(2)

في م: "أملخ"، والأبلخ: العظيم في نفسه، الجرئ على ما أتى من الفجور. اللسان (ب ل خ).

(3)

رام، يريم: إذا برح، ومارمت المكان وما رمت منه: أي ما برحته. ينظر اللسان (ر و م).

(4)

في م: "ضربت".

(5)

في ص: "عدية" غير منقوطة، وفى م:"عذية"، وفى ت 2 س، ف:"عدية". وعَدَنة: موضع بنجد في جهة الشمال من الشربة. معجم البلدان 3/ 623.

(6)

الرَّقَم، بفتح أوله وثانيه: موضع بالحجاز، قريب من وادى القرى. معجم ما استعجم 2/ 666.

(7)

الجُرَير: موضع بنجد. معجم ما استعجم 2/ 380.

(8)

في ص، ت 2، س، ف:"البكير"، وفى ت 1:"البعير". والبَكر: ولد الناقة. اللسان (ب ك ر).

(9)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"قال".

(10)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

ص: 469

بلَغ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} الآية. فقرَأ حتى بلَغ: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [الرعد: 13، 14]. قال: وقال لَبيدٌ في أخيه أربَدَ، وهو يَبْكِيه

(1)

:

أخشَى على أربدَ الحُتُوفَ

(2)

ولا

أرهبُ نَوْءَ السِّمَاكِ

(3)

والأَسَدِ

فجَّعنى الرعدُ والصواعقُ

(4)

بالـ

ـفارسِ يومَ الكريهةِ النجُدِ

(5)

قال أبو جعفرٍ: وهذا القولُ الذي قاله ابن زيدٍ في تأويلِ هذه الآيةِ، قولٌ بعيدٌ من تأويلِ الآيةِ، مع خلافِه أقوالَ من ذكَرنا قولَه من أهلِ التأويلِ، وذلك أنه جعَل الهاءَ في قولِه:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} . من ذكرِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولم يَجرِ له في الآيةِ التي قبلَها، ولا في التي قبلَ الأخرى ذكرٌ، إلا أن يَكُونَ أراد أن يردُّها على قولِه:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} . فإن كان أراد

(6)

ذلك، فذلك بعيدٌ لما بينَهما من الآياتِ، بغيرِ ذكرِ الخبرِ عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وإذا كان كذلك، فكونُها عائدةً على "مَن" التي في

(7)

قولِه: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} . أقربُ؛ لأنه قبلَها، والخبرُ بعدَها عنه، فإذا كان ذلك كذلك، فتأويلُ

(1)

شرح ديوان لبيد ص 158.

(2)

الحتف: الموت، وجمعه حتوف. اللسان (ح ت ف).

(3)

السماك نجم معروف، والنوء النجم إذا مال للمغيب، وكانوا في الجاهلية يقولون: مطرنا بنوء الثريا والدبران والسماك. فنهوا عن ذلك. اللسان (ن و أ)، (س م ك).

(4)

الصاعقة: نار تسقط من السماء في رعد شديد. اللسان (ص ع ق). وينظر ما تقدم في معناها 1/ 690، 691.

(5)

النجدة: الشدة، ورجل نَجُد ونَجِد: شديد البأس، والنَّجَد: العرق من عمل أو كرب. اللسان (ن ج د). والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 48، 49 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(6)

سقط من: ت 1، ت 2، س.

(7)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"و".

ص: 470

الكلامِ: سواءٌ منكم أيها الناسُ من أسرَّ القولَ ومن جَهَر به عند ربِّكم، ومن هو مستخفٍ بفسقِه وريبتِه

(1)

في ظلمةِ الليلِ، وساربٌ يَذْهَبُ ويَجِئُ في ضوءِ النهار، ممتنعًا بجندِه وحَرَسِه الذين يَتَعَقَّبُونه من أهلِ طاعةِ اللَّهِ، أن يَحُولُوا بينَه وبينَ ما يأتى من ذلك، وأن يُقِيموا حدَّ اللَّهِ عليه، وذلك قولُه:{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} .

وقولُه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} . يقولُ تعالى ذكرُه: إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بقومٍ من عافيةٍ ونعمةٍ، فيُزِيلُ ذلك عنهم ويُهْلِكُهم، حتى يُغَيِّرُوا ما بأنفسِهم من ذلك، بظلمِ بعضِهم بعضًا، واعتداءِ بعضِهم على بعضٍ، فيُحِلَّ

(2)

بهم حينئذٍ عقوبتَه وتغييرَه.

وقولُه: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} . يقولُ: وإذا أراد اللَّهُ بهؤلاء الذين يسْتَخْفُون بالليلِ، ويَسْرُبون

(3)

بالنهارِ، لهم [جندٌ و]

(4)

مَنَعَةٌ من بين أيديهم ومن خلفِهم، يَحْفَظُونهم من أمرِ اللَّهِ، - هلاكًا وخزيًا

(5)

في عاجلِ الدنيا، {فَلَا مَرَدَّ لَهُ}. يقولُ: فلا يَقْدِرُ على ردِّ ذلك عنهم أحدٌ غيرُ اللَّهِ. يقولُ تعالى ذكرُه: {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} . يقولُ: وما لهؤلاء القومِ - والهاءُ والميمُ في "لهم" من ذكرِ

(6)

القومِ الذين في قولِه: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا} - من دونِ اللَّهِ من والٍ

(7)

يَليهم، ويَلِى أمرَهم وعقوبتَهم.

(1)

في ت 1، ت 2، س، ف:"زينته".

(2)

في م: "فتحل"، وفى ف:"فيحيل".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"يستربون".

(4)

في ت 1، س:"حذر"، وفى ت 2، ف:"حدر".

(5)

في ص، ت 2، س، ف:"حزنا".

(6)

بعده في ت 1، ت 2، س، ف:"الله".

(7)

بعده في م: "يعنى من وال".

ص: 471

وكان بعضُ أهلِ العلمِ بكلامِ العربِ يقولُ: السُّوءُ الهَّلكةُ. ويقولُ: كلُّ جُذامٍ وبرصٍ وعَمًى وبلاءٍ عظيمٍ فهو "سُوءٌ" مضمومُ الأوّلِ، وإذا فُتِح أولُه فهو مصدرُ "سُؤْت"، ومنه قولُهم: رجلُ سَوْءٍ.

واختلَف أهلُ العربيةِ في معنى قولِه: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} ؛ فقال بعضُ نحويِّى أهلِ البصرةِ: معنى قولِه: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} : ومن هو ظاهرٌ بالليلِ، من قولِهم: خَفَيْتُ الشئَ، إذا أظهرتَه، وكما قال امرؤُ القيسِ

(1)

:

فإن تَكْتُمُوا الداءَ لا نَخْفِه

وإن تَبْعَثُوا الحربَ لا نَقْعُدِ

وقال: وقد قُرِئ: (أكادُ أَخْفِيها)

(2)

[طه: 15]. بمعنى: أُظْهِرُها. وقال في قولِه: {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} : الساربُ هو المتوارِى. كأنه وجَّهَه إلى أنه صار في السَّرَبِ بالنهارِ مستخفيًا.

وقال بعضُ نحويِّى البصرةِ والكوفةِ: إنما معنى ذلك {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ} ، أي مستَتِرٌ بالليلِ، من الاستخفاءِ، {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} ، وذاهبٌ بالنهارِ، من قولِهم: سَرَبَت الإبلُ إلى الرَّعْى. وذلك ذهابُها إلى المراعى، وخروجُها إليها وقيل: إن السُّروبَ بالعشيِّ، والسُّروحَ بالغداةِ.

واختلَفوا أيضًا في تأنيثِ "معقِّبات"، وهى صفةٌ لغيرِ الإناثِ؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: إنما أُنِّثَتْ لكثرةِ ذلك منها، نحوَ نَسَّابةٍ وعلّامةٍ، ثم ذُكِّر؛ لأن المعنى مذكرٌ، فقال: يَحْفَظُونه.

(1)

ديوانه ص 186.

(2)

القراءة شاذة، ينظر البحر المحيط 6/ 232.

ص: 472

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: إنما هي ملائكةٌ مُعَقِّبةٌ، ثم جُمِعت معقباتٍ، فهو جمعُ جمعٍ، ثم قيل: يَحْفَظُونه؛ لأنه للملائكةِ.

وقد تقدَّم قولُنا في معنى المستخفى بالليلِ والساربِ بالنهارِ.

وأما الذي ذكرناه عن نحويِّى البصريين في ذلك فقولٌ - وإن كان له في كلامِ العربِ وجهٌ - خلافٌ لقولِ أهلِ التأويلِ، وحَسْبُه

(1)

من الدلالةِ على فسادِه خروجُه عن قولِ جميعِهم.

وأما المعقباتُ، فإن التعقيبَ في كلامِ العربِ العَودُ بعدَ البدءِ، والرجوعُ إلى الشئِ بعدَ الانصرافِ عنه، من قولِ اللَّهِ:{وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النمل: 10]، أي: لم يَرْجِعْ، وكما قال سَلَامةُ بنُ جَنْدلٍ

(2)

:

وكَرُّنا الخيلَ في آثارِها رُجُعًا

كُسَّ السَّنابِكِ من بدءٍ وتَعقيبِ

يعنى: في غزوٍ ثانٍ عَقَّبوا؛ وكما قال طَرَفَةُ

(3)

:

ولقد كنتُ عليكم عاتِبًا

فعَقَبْتُم بِذَنُوبٍ غيرِ مُرّْ

يعنى بقولِه: عَقَبتم: رجَعْتم.

وأتاها التأنيثُ عندَنا، وهى من صفةِ الحَرَسِ الذين يحرُسُون المستخفىَ بالليلِ والساربَ بالنهارِ؛ لأنه عُنِى بها حَرَسٌ معقِّبةٌ، ثم جُمِعت المعقبةُ، فقيل: معقباتٌ. فذلك جمعُ جمعِ المعقِّبِ، والمعقبُ: واحدُ المعقبةِ، كما قال لبيدٌ

(4)

:

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"حسب".

(2)

المفضليات ص 121 وشرح المفضليات ص 227. الكس: جمع أكس، وهو الحافر المدقوق دقًّا شديدًا، والسُّنبك: طرف الحافر وجانباه من قُدُم. اللسان (ك س س)، (س ن ب ك).

(3)

ديوانه ص 72.

(4)

ديوانه ص 128.

ص: 473

حتى تهَجَّرَ في الرَّواحِ وهَاجَهُ

طَلَبَ المُعَقِّبِ حَقَّه المظلومُ

والمعقباتُ جمعُها، ثم قال:{يَحْفَظُونَهُ} . فردَّ الخبرَ إلى تذكيرِ الحرسِ والجندِ.

وأما قولُه: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . فإن أهلَ العربيةِ اختلَفوا في معناه؛ فقال بعضُ نحويِّي الكوفةِ: معناه: له معقباتٌ من أمرِ اللَّهِ يَحْفَظُونه، وليس من أمرِه، إنما هو تقديمٌ وتأخيرٌ. قال: ويَكُونُ يَحْفَظونه ذلك الحفظَ مِن أمرِ اللَّهِ وبإذنِه، كما تقولُ للرجلِ: أجَبتُك مِن دعائِك إياى، وبدعائِك إياى.

وقال بعضُ نحويِّى البصريين: معنى ذلك: يَحْفَظونه عن أمرِ اللَّهِ، كما قالوا: أطعَمنى مِن جوعٍ وعن جوعٍ، وكسانى من عُرْىٍ وعن عُرْىٍ.

وقد دلَّلنا فيما مضَى على أن أولى القولِ بتأويلِ ذلك: أن يكونَ قولُه: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} مِن صفةِ حَرَسِ هذا المسْتَخفِى بالليلِ، وهى تَحْرُسُه ظنًّا منها أنها تَدْفَعُ عنه أمرَ اللَّهِ، فأخبَر تعالى ذكرُه، أن حَرَسَه تلك لا تُغْنِى عنه شيئًا إذا جاءه أمرُه، فقال:{وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} .

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} : يعنى أن الربَّ هو الذي يُرِى عبادَه البَرقَ. وقولُه: {هُوَ} كنايةُ اسمِه جلَّ ثناؤُه. وقد بيَّنا معنى البرقِ فيما مضَى، وذكَرنا اختلافَ أهلِ التأويلِ فيه، بما أغْنَى عن إعادتِه في هذا

ص: 474

الموضعِ

(1)

. وقولُه: {خَوْفًا} . يقولُ: خوفًا للمسافرِ مِن أذاه.

وذلك أن البرقَ الماءُ في هذا الموضعِ، كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا حجاجٌ، قال: ثنا حمادٌ، قال: أخبرَنا موسى بنُ سالمٍ أبو جهضَمٍ، مولى ابن عباسٍ، قال: كتَب ابن عباسٍ إلى أبى الجَلْدِ يسألُه عن البرقِ، فقال: البرقُ الماءُ

(2)

.

وقولُه: {وَطَمَعًا} . يقولُ: وطمَعًا للمُقيمِ أن يُمْطَرَ فَيَنْتَفِعَ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} . يقولُ: خوفًا للمسافرِ في أسفارِه؛ يَخافُ أذاه ومشقتَه، وطَمَعًا للمقيمِ؛ يَرْجُو بَرَكتَه ومنفعتَه، ويَطْمعُ في رزقِ اللَّهِ

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{خَوْفًا وَطَمَعًا} : خوفًا للمسافرِ، وطمعًا للمقيمِ

(4)

.

وقولُه: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} : ويثيرُ السحابَ الثَّقالَ بالمطرِ، ويُبْدِئُه، يقالُ منه: أنشَأ اللَّهُ السحابَ، إذا أبدَأه، ونشَأ السحابُ: إذا بدَأ. يَنْشَأُ نَشْئًا، والسحابُ في هذا الموضعِ وإن كان في لفظٍ واحدٍ، فإنها جمعٌ، واحدتُها سحابةٌ، ولذلك

(5)

قال: {الثِّقَالَ} ، فنعَتها بنعتِ الجمعِ، ولو كان جاء: السحابَ الثقيلَ. كان جائزًا، وكان توحيدًا للَفظِ السحابِ، كما قيل:{جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ} [يس: 80].

(1)

ينظر ما تقدم في 1/ 362 - 380.

(2)

تقدم في 1/ 364 من طريق آخر عن ابن عباس.

(3)

عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 49 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(4)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 333، عن معمر به.

(5)

في ص، ت 2، س، ف:"كذلك".

ص: 475

وبنحو الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} . قال: الذي فيه الماءُ

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا

(2)

عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ:{وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} . قال: الذي فيه الماءُ.

وقولُه: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} . قال أبو جعفرٍ: وقد بيَّنا معنى الرعدِ فيما مضَى بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ

(3)

.

وذُكِرَ أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا سمِع صوتَ الرعدِ، قال كما حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا كثيرُ بنُ هشامٍ، قال: ثنا جعفرٌ، قال: بلَغنا أن

(1)

تفسير مجاهد ص 405، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 50 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(2)

بعده في س، ف:"شبل عن ابن".

(3)

ينظر ما تقدم في 1/ 356 - 362.

ص: 476

النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سمِع صوتَ الرعدِ الشديدَ، قال:"اللَّهُمَّ لَا تَقْتلْنا بغضَبِك، ولَا تُهْلِكُنا بعذَابِك، وعافِنا قبلَ ذلك"

(1)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبيه، عن رجلٍ، عن أبي هريرةَ، رفَع الحديثَ:"أنه كان إذا سمِع الرعدَ قال: "سُبحانَ مَن يُسَبِّحُ الرعدُ بحمدِه"

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا مَسْعَدةُ بنُ اليَسَعِ الباهليُّ، عن جعفرِ بن محمدٍ، عن أبيه، عن عليٍّ، رضي الله عنه، كان إذا سمِع صوتَ الرعدِ، قال: سبحانَ مَن سَبَّحْتَ لهُ

(3)

.

قال: ثنا إسماعيلُ ابن عُليَّةَ، عن الحكَمِ بن أبانٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، أنه كان إذا سمِع الرعدَ، قال: سبحانَ الذي سَبَّحْتَ له

(4)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا يَعْلَى بنُ الحارثِ، قال: سمِعتُ أبا صخرةَ يُحَدِّثُ عن الأسودِ بن يزيدَ، أنه كان إذا سمِع الرعدَ، قال: سبحانَ مَن سَبَّحْتَ له. أو: سبحانَ الذي يُسَبِّحُ الرعدُ بحمدِه، والملائكةُ مِن خِيفتِه

(5)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 214، 216 من طريقين عن جعفر بن برقان به مرسلًا. وأخرجه أحمد 10/ 47، 48 (5763)، والبخارى في الأدب المفرد (721)، والترمذى (3450)، والنسائى في الكبرى (10763، 10764)، وغيرهم من حديث ابن عمر مرفوعًا.

(2)

أخرجه ابن مردويه في تفسيره - كما في تخريج الكشاف للزيلعى 2/ 184 - من طريق عتاب بن زياد عن رجل، عن أبي هريرة مرفوعا.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 50 إلى ابن أبي الدنيا في كتاب المطر وابن المنذر والخرائطى في مكارم الأخلاق.

(4)

أخرجه البخارى في الأدب المفرد (722)، من طريق الحكم بن أبان به وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 50 إلى ابن أبي الدنيا في كتاب المطر.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 216، والطبرانى في الدعاء (984) من طريق يعلى بن الحارث به.

ص: 477

قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا ابن عُليَّةَ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، وعبدِ الكريمِ، عن طاوسٍ، أنه كان إذا سمِع الرعدَ، قال: سبحانَ مَن سبحتَ له

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا حجاجٌ، عن

(2)

ميسرةَ، عن الأوزاعيِّ، قال: كان ابن أبى زكريا يقولُ: مَن قال حينَ يَسْمَعُ الرعدَ: سبحانَ اللَّهِ وبحمدِه، لم تُصِبْه صاعقةٌ

(3)

.

ومعنى قولِه: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} : ويُعَظِّمُ اللَّهَ الرعدُ ويُمَجِّدُه، فيُثْنِى عليه بصفاتِه، ويُنَزِّهُه مما أضاف إليه أهلُ الشركِ به، ومما وصَفوه به، مِن اتخاذِ الصاحبةِ والولدِ، تعالى ربُّنا وتَقَدَّس.

وقولُه: {مِنْ خِيفَتِهِ} . يقولُ: وتُسَبِّحُ الملائكةُ مِن خيفةِ اللَّهِ ورَهْبَتِه.

وأما قولُه: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} ، فقد بيَّنا معنى الصاعقةِ فيما مضَى، بما أغنَى عن إعادتِه، بما فيه الكفايةُ مِن الشواهدِ، وذكَرْنا ما فيها مِن الروايةِ

(4)

.

وقد اخْتُلف فيمَن أُنْزِلت هذه الآيةُ؛ فقال بعضُهم: نزَلت في كافرٍ مِن الكفارِ، ذكَر اللَّهَ تعالى وتَقَدَّس، بغيرِ ما يَنْبَغى ذكرُه

(5)

، فأرسَل عليه صاعقةً أهْلَكَتْه.

(1)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (20005)، وابن أبي شيبة 10/ 215، من طريق ابن طاووس به.

(2)

سقط من: ص. وفى ت 1، ت 2، س، ف:"ابن".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 215، من طريق آخر عن ابن أبي زكريا به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 51 إلى أبى الشيخ.

(4)

ينظر ما تقدم في 1/ 690، 691.

(5)

بعده في ص، ت 2، س، ف:"به".

ص: 478

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عفانُ، قال: ثنا أبانُ بنُ يزيدَ، قال: ثنا أبو عمرانَ الجَوْنيُّ، عن عبدِ الرحمنِ بن صُحارٍ

(1)

العبديِّ، أنه بلَغه أن نبيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعَث إلى جبَّارٍ

(2)

يَدْعوه، فقال: أرأيتم ربَّكم، أذَهَبٌ هو، أم فِضةٌ [هو، أم لُؤْلُؤٌ]

(3)

هو؟ قال: فبينا هو يُجادِلُهم، إذ بعَث اللَّهُ سحابةً فرعَدت، فأرسَل اللَّهُ

(4)

عليه صاعقةً، فذهَبت بقِحْفِ

(5)

رأسِه، فأنزَل اللَّهُ هذه الآيةَ:{وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}

(6)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال

(7)

: ثنا إسحاقُ بنُ سليمانَ، عن أبي بكرِ بن عياشٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: جاء يهوديٌّ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أخبِرْنى عن ربِّك، مِن أيِّ شيءٍ هو؟ مِن لؤلؤٍ أو من ياقوتٍ؟ فجاءت صاعقةٌ فأخَذته، فأنزَل اللَّهُ:{وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}

(8)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا أبو بكرِ بنُ عياشٍ، عن ليثٍ، عن

(1)

في ص: "صجار". وينظر الجرح والتعديل 5/ 245.

(2)

في ت 1: "أحبار"، وفى ت 2، س:"حبار".

(3)

في ص: "هو ألؤلؤ"، وفى ت 1:"أو لؤلؤ"، وفى ت 2، ف:"هو".

(4)

سقط من: ت 1، ت 2، س.

(5)

القِحفُ: العظمُ الذي فوق الدماغ من الجمجمة، والجمجمة التي فيها الدماغ، وقيل: قحف الرجل: ما انفلق من جمجمته، فبان، ولا يدعى قحفا حتى يبين. لسان العرب (ق ح ف).

(6)

أخرجه الخرائطى في مكارم الأخلاق - كما في المنتقى منه لأبى طاهر السلفى ص 234 (568) - من طريق أبان بن يزيد به.

(7)

بعده في ص، ت 1، س، ف:"ثنا إسحاق قال".

(8)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 52، إلى الحكيم الترمذى وابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 479

مجاهدٍ مثلَه.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ هاشمٍ، قال: ثنا سيفٌ، عن أبي رَوْقٍ، عن أبي أيوبَ، عن عليٍّ، قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمدُ، حدَّثْنى، مَن هذا الذي تَدْعو إليه؟ أيَاقوتٌ هو، أذهَبٌ هو، أم ما هو؟ قال: فنزَلت على السائلِ الصاعقةُ فأحْرَقَته، فأنزَل اللَّهُ:{وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ} الآية

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ مرزوقٍ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ عبدِ الوهابِ، قال: ثنى عليُّ بنُ أبى سارةَ الشَّيْبَانيُّ، قال: ثنا ثابتٌ البُنانيُّ، عن أنسِ بن مالكٍ، قال: بعَث النبيُّ صلى الله عليه وسلم مرَّةً رجلًا إلى رجلٍ من فراعنةِ العربِ: أنِ: "ادْعُهُ لى". فقال: يا رسولَ اللَّهِ، إنه أعتَى مِن ذلك. قال:"اذْهَبْ إليه فادْعُه". قال: فأتاه، فقال: رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعوك. فقال: مَن رسولُ اللَّهِ؟ وما اللَّهُ؟ أمِن ذَهَبٍ هو، أم مِن فضةٍ، أم مِن نُحاسٍ؟ قال: فأتى الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبرَه، فقال:"ارْجِعْ إَليه فادْعُه". قال: فأتاه فأعاد عليه، وردَّ عليه مثلَ الجوابِ الأوّلِ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبَره، فقال:"ارْجِعْ إليه فادْعُه". قال: فرجَع إليه، فبينما هما يتراجَعان الكلامَ بينَهما، إذ بعَث اللَّهُ سحابةً بحيالِ رأسِه، فرعَدت، فوقَعت منها صاعقةً، فذهَبت بقِحْفِ رأسِه، فأنزَل الله:{وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}

(2)

.

وقال آخرون: نزَلت في رجلٍ مِن الكفارِ أنكَر القرآنَ، وكذَّب النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 52، إلى المصنف.

(2)

أخرجه النسائي في الكبرى (11259)، والطبرانى في الأوسط (2602)، والعقيلى في الضعفاء (3/ 232)، والواحدى في أسباب النزول ص 204، من طريق عبد الله بن عبد الوهاب به.

ص: 480

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: ذُكِر لنا أن رجلًا أنكَر القرآنَ، وكذَّب النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأرسَل اللَّهُ عليه صاعقةً فأهلَكته، فأنزل اللَّهُ عز وجل فيه:{وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}

(1)

.

وقال آخرون: نزَلت في أَرْبَدَ أخى لَبيدِ بن ربيعةَ، وكان هَمَّ بقتلِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هو وعامرُ بنُ الطفيلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: نزَلت، يَعْنى قولَه:{وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} في أرْبَدَ أخى لبيدِ بن ربيعةَ؛ لأنه قَدِم أرْبَدُ وعامرُ بنُ الطفيلِ بن مالكِ بن جعفرٍ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال عامرٌ: يا محمدُ، أَأُسْلِمُ وأكونُ الخليفةَ من بعدِك؟ قال:["لا". قال]

(2)

: فأكونُ على أهلِ الوَبَرِ وأنتَ على أهلِ المَدَرِ؟ قال: "لا". قال: فما ذاك؟ قال: "أُعْطِيك أعِنَّةَ الخيلِ تُقاتِلُ عليها، فإنك رجلٌ فارسٌ". قال: أو ليستْ أعنَّةُ الخيلِ بيَدِى، أما واللَّهِ لأَمْلأنَّها عليك خيلًا ورجالًا

(3)

مِن بنى عامرٍ. و

(4)

قال لأربَدَ: إما أن تَكْفِيَنيه وأضربَه بالسيفِ، وإما أن أكْفِيكَه وتضربَه بالسيفِ. قال أربدُ: اكْفِنيهِ

(5)

وأضربُه. فقال الطفيلُ: يا محمدُ، إن لى إليك حاجةً. قال:"ادْنُ". فلم يَزَلْ يَدْنُو،

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 52، إلى المصنف والخرائطى.

(2)

سقط من: ت 1، ت 2، س، ف.

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

(4)

سقط من: ص، ت 2، س.

(5)

في النسخ: "أكفيكه"، والمثبت ما يقتضيه السياق.

ص: 481

ويقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ادْنُ". حتى وضَع يَدَيه على ركبتيْه، وحنَى عليه، واستلَّ أرْبَدُ السيفَ، فاسْتَلَّ منه قليلًا؛ فلما رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بَرِيقَه، تعوَّذ بآيةٍ كان يَتَعَوَّذُ بها، فيَبِسَت يدُ أربدَ على السيفِ، فبعَث اللَّهُ عليه صاعقةً فأحْرَقَتْه

(1)

، فذلك قولُ أخيه

(2)

:

أخشى على أرْبَدَ الحتوفَ ولا

أرْهَبُ نَوْءَ السماكِ والأسَدِ

فجَّعَنى البرقُ

(3)

والصواعقُ بالـ

فارسِ يومَ الكَريهةِ النَّجُدِ

(4)

وقد ذكَرتُ قبلُ خبرَ عبدِ الرحمنِ بن زيدٍ بنحوِ هذه القصةِ

(5)

.

وقولُه: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ} . يقولُ: وهؤلاء الذين أصابهم اللَّهُ بالصواعقِ، أصابهم بها

(6)

في حالِ خُصومتِهم في اللَّهِ عز وجل لرسولِه صلى الله عليه وسلم.

وقولُه: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} . يقولُ تعالى ذكرُه: واللَّهُ شديدةٌ مُماحلتُه في عقوبةِ مَن طغَى عليه وعَتَا، وتمادى في كفرِه. والمِحالُ مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: ما حَلتُ فلانًا. فأنا أُماحِلُه مُماحلةً ومِحالًا، وفَعَلْتُ منه: مَحَلتُ أَمْحَلُ محْلًا: إذا عرَّض رجلٌ رجلًا لما يُهْلِكُه؛ ومنه قولُه:

(7)

: "وماحلٌ مُصَدَّقٌ"

(8)

؛ ومنه قولُ أعشى

(1)

في ص: "فاحترق".

(2)

البيتان للبيد بن ربيعة وقد تقدما في ص 470.

(3)

في الديوان، وفيما تقدم الموضع السابق:"الرعد".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 52 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(5)

انظر ما تقدم في ص 379.

(6)

سقط من: م.

(7)

أي: قول النبي صلى الله عليه وسلم.

(8)

هذا جزء من حديث أخرجه ابن حبان في صحيحه (124 - إحسان) من حديث جابر بلفظ: "القرآن مشفع، وماحل مصدق

".

ص: 482

بنى ثعلبةَ

(1)

:

فَرْعُ نَبْعٍ يَهْتَزُّ في غُصُنِ المجـ

ـدِ غزيرُ النَّدى شديدُ المِحالِ

(2)

هكذا كان يُنشِدُه مَعْمرُ بنُ المثنَّى، فيما حُدِّثتُ عن

(3)

عليِّ بن المغيرةِ عنه، وأما الرواةُ بعد فإنهم يُنشِدُونه:

فرعُ فرعٍ يَهْتَزُّ

(4)

في غُصُنِ المجـ

ـدِ كثيرُ

(5)

النَّدى عظيمُ المِحَالِ

وفسَّر ذلك مَعمرُ بنُ المثنى، وزعَم أنه عَنَى به العقوبةَ والمكرَ والنكالَ؛ ومنه قولُ الآخرِ

(6)

:

ولبَّس بينَ أقوامٍ فكلٌّ

أعدَّ له الشَّعَازِبَ

(7)

والمِحالا

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ هاشمٍ، قال: ثنا سيفٌ، عن أبي رَوْقٍ، عن أبي أيوبَ، عن عليٍّ رضي الله عنه:{وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} ، قال: شديدُ الأخذِ

(8)

.

(1)

هو ميمون بن قيس الملقب بالأعشى الكبير، والبيت في ديوانه ص 7. ومجاز القرآن 1/ 325، واللسان (م ح ل).

(2)

النبعُ: شجر صلب تتخذ منه القِسيُّ ومن أغصانه السهام، ينبت في قُلة الجبل: أي أعلاه. والندى: الكرم، والمحال: العقوبة والمكر. ديوان الأعشى الكبير ص 7، والوسيط (ق ل ل).

(3)

في م: "على".

(4)

في ص: "اهتزّ".

(5)

في ت 2: "كبير".

(6)

هو ذو الرمة، والبيت في ديوانه 3/ 1544.

(7)

الشغازب: الكيد والخصومة. ديوان ذى الرمة 3/ 1544.

(8)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 53، إلى المصنف.

ص: 483

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ:{وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} . قال: شديدُ القوَّةِ

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} . أي: القوَّةِ والحيلةِ

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلَى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسنِ:{شَدِيدُ الْمِحَالِ} يعنى الهلاكَ، قال: إذا محَل فهو شديدٌ. وقال قتادةُ: شديدُ الحيلةِ

(3)

.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا رجلٌ، عن عكرمةَ:{وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} . قال

(4)

: جدالُ أربَدَ، {هُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}. قال: ما أصاب أربدَ مِن الصاعقةِ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ:{وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} . قال: قال ابن عباسٍ: شديدُ الحَوْلِ

(5)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} . قال: شديدُ القُوَّةِ، المِحالُ: القوَّةُ.

والقولُ الذي ذكَرناه عن قتادةَ في تأويلِ المِحالِ أنه الحيلةُ، والقولُ الذي ذكَره

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 53 إلى ابن أبي حاتم.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 53، إلى عبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 333، عن معمر به. ووقع في تفسير عبد الرزاق:"قتادة" بدل "الحسن"، وهو خطأ. وإسناد معمر عن الحسن من الأسانيد الدوارة.

(4)

بعده في م: "المحال". وهو مقحم في الكلام.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 53 إلى المصنف.

ص: 484

ابن جريجٍ عن ابن عباسٍ يَدُلان على أنهما كانا يقرأان: (وهُوَ شَدِيدُ المحَالِ) بفتح الميمِ؛ لأن الحيلةَ لا يأتى مصدرُها مِحالًا بكسرِ الميمِ، ولكن قد يأتى على تقديرِ المَفْعَلةِ منها، فيكونُ مَحالةً، ومن ذلك قولُهم: المرءُ يَعْجِزُ لا مَحالةَ. والمَحالةُ في هذا الموضعِ المفْعَلةُ من الحيلةِ. فأما بكسرِ الميمِ، فلا تكونُ إلا مصدرًا من: ماحَلتُ فلانًا أُماحِلُه مِحالًا. والمماحلةُ بعيدةُ المعنى مِن الحيلةِ، ولا أعلمُ أحدًا قرَأه بفتحِ الميمِ.

فإذ كان ذلك كذلك، فالذى هو أولى بتأويلِ ذلك ما قلنا مِن القولِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ

(1)

مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)}.

يقولُ تعالى ذكرُه: للَّهِ مِن خلقِه الدعوةُ الحقُّ. والدعوةُ هي الحقُّ، كما أُضِيفت الدارُ إلى الآخرةِ في قولِه:{وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} . وقد بيَّنا ذلك فيما مضَى

(2)

. وإنما عنَى بالدعوةِ الحقِّ توحيدَ اللَّهِ، وشهادةَ أن لا إلهَ إلا اللَّهُ.

وبنحوِ الذي قلنا تأوَّله أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن سماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ:{دَعْوَةُ الْحَقِّ} . قال: لا إلهَ إلا اللَّهُ

(3)

.

(1)

في ت 2، س:"تدعون" وهذه قراءة اليزيدى عن أبي عمرو بن العلاء. ينظر البحر المحيط 5/ 376.

(2)

ينظر ما تقدم في 381، 382.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 334، والطبرانى في الدعاء (1580)، والبيهقى في الأسماء =

ص: 485

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} . قال: شهادةُ أن لا إلهَ إلا اللَّهُ

(1)

.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ هاشمٍ، قال: ثنا سيفٌ، عن أبي رَوْقٍ، عن أبي أيوبَ، عن عليٍّ رضي الله عنه:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} . قال: التوحيدُ

(2)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} . قال: لا إلهَ إلا اللَّهُ

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عباسٍ في قولِه: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} . قال: لا إلهَ إلا اللَّهُ.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} : لا إلهَ إلا اللَّهُ، ليست تَنْبَغى لأحدٍ غيرِه، لا يَنْبَغى أن يقالَ: فلانٌ إلهُ بنى

(3)

فلانٍ

(2)

.

وقولُه: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} . يقولُ تعالى ذكرُه: والآلهةُ التي يَدْعونها المشركون أربابًا وآلهةً. وقولُه: {مِنْ دُونِهِ} . يقولُ: مِن دونِ اللَّهِ. وإنما عنَى بقولِه: {مِنْ دُونِهِ} الآلهةَ، أنها مقصِّرةٌ عنه، وأنها لا تكونُ إلهًا، ولا يجوزُ أن يكونَ إلهًا إلا اللَّهُ الواحدُ القهارُ، ومنه قولُ الشاعرِ

(4)

:

= والصفات (204) من طريق إسرائيل به، والطبرانى في الدعاء (1581) من طريق آخر عن سماك به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 53 إلى الفريابى وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(1)

أخرجه الطبراني في الدعاء (1582) من طريق عبد الله بن صالح به.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 53 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"اين" وهو خطأ.

(4)

هو جرير بن عطية الخطفى والبيت في ديوانه 1/ 429، ومجاز القرآن 1/ 326.

ص: 486

أتُوعدُنى وراءَ بنى رِياحٍ

كذَبتَ لتَقْصُرَنَّ يدَاك دُونى

يعنى: لتَقْصُرنَّ يَداك عنِّي.

وقولُه: {لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} . يقولُ: لا تُجيبُ هذه الآلهةُ التي يَدْعُوها هؤلاء المشركون آلهةً، بشيءٍ يُريدونه، مِن نفعٍ أو دفعِ ضُرٍّ

(1)

، {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ}. يقولُ: لا يَنْفَعُ داعىَ الآلهةِ دعاؤه إيَّاها، إلا كما يَنْفَعُ باسطَ كفَّيه إلى الماءِ بسطُه إياهما

(2)

إليه مِن غيرِ أن يَرْفعَه إليه في إناءٍ

(3)

، ولكن ليرتفِعَ إليه

(4)

بدعائِه إياه

(5)

، وإشارتِه

(6)

إليه، وقبضِه

(7)

عليه، والعربُ تَضْرِبُ لمن سعَى فيما لا يُدْرِكُه مثلًا بالقابضِ على الماءِ، كما قال بعضُهم

(8)

:

فإنى وإياكم وشَوْقًا إليكُمُ

كقابضِ ماءٍ لم تَسِقُه

(9)

أنامِلُه

يَعْنى بذلك: أنه ليس في يدِه مِن ذلك، إلا كما في يدِ القابضِ على الماءِ؛ لأن القابضَ على الماءِ لا شيءَ في يدِه. وقال آخَرُ

(10)

:

(1)

ينظر مجاز القرآن 1/ 326.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"إياها".

(3)

بعده في ص، ت 2، س:"أو".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الله".

(5)

بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"إليه".

(6)

في ص، ت 2، س، ف:"وأشار به".

(7)

سقط من: ص، ف.

(8)

هو ضابئُ بنُ الحارث البُرْجُمى، والبيت في مجاز القرآن 1/ 327، والخزانة 9/ 323 وفى الخزانة "تُطِعْه" مكان "تَسقْه".

(9)

تَسِقْه من الوسق، والوسق مصدر وسقت الشئ: جمعته وحملته.

(10)

هو أبو دَهْبَل الجُمحى، والبيت في ديوانه ص 115 والأغانى 7/ 139، والدر الفريد 4/ 129، الزهرة 1/ 183 ونسب فيه للأحوص ولا يصح.

ص: 487

فأصبَحتُ ممَّا كان بينى وبينَها

[مِن الوُدِّ مثلَ القابضِ]

(1)

الماءَ باليدِ

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا سيفٌ، عن أبي رَوْقٍ، عن أبي أيوبَ، عن عليٍّ رضي الله عنه في قولِه:{إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} . قال: كالرجلِ العطشانِ يَمُدُّ يدَه إلى البئرِ ليَرتَفِعَ الماءُ إليه، وما هو ببالغِه

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبَابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه. {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ}: يدعو الماءَ بلسانِه، ويشيرُ إليه بيدِه، ولا يأتيه أبدًا

(3)

.

قال: ثنا حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرَنى الأعرجُ، عن مجاهدٍ:{لِيَبْلُغَ فَاهُ} : يَدْعوه ليأتيَه، وما هو بآتيه، كذلك لا

(4)

يَستجيبُ مَن هو دونَه.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} : يَدْعو الماءَ بلسانِه، ويُشِيرُ إليه بيدِه، فلا يأتيه أبدًا.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن

(1)

في مصادر التخريج: "سوى ذكرها كالقابض".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 53 إلى المصنف.

(3)

تفسير مجاهد ص 405، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 53 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

ص: 488

مجاهدٍ؛ قال: وثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثلَ حديثِ الحسنِ، عن حجاجٍ.

قال ابن جريجٍ: وقال الأعرجُ، عن مجاهدٍ:{لِيَبْلُغَ فَاهُ} . قال: يَدْعوه لأنْ يأتيَه، وما هو بآتيه، فكذلك لا يَسْتَجيبُ مَن

(1)

دونَه.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} . وليس ببالغِه حتى يَتَمَزَّعَ عنقُه، ويَهْلِكَ عَطَشًا. قال اللَّهُ تعالى:{وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} . هذا مَثَلٌ ضرَبه اللَّهُ؛ أي هذا الذي يَدْعو مِن دونِ اللَّهِ هذا الوَثَنَ وهذا الحَجَرَ، لا يَستَجيبُ له بشيءٍ أبدًا، ولا يَسُوقُ إليه خيرًا، ولا يَدْفَعُ عنه سوءًا، حتى يأتيَه الموتُ، كمثَلِ هذا الذي بسَط ذراعَيْه إلى الماءِ ليَبْلُغَ فاه، ولا يَبْلُغُ فاه، ولا يَصِلُ ذلك إليه، حتى يموتَ عَطَشًا

(2)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: والذين يَدْعون مِن دونِه لا يَسْتَجِيبون لهم بشيءٍ، إلا كباسطِ كفَّيْه إلى الماءِ؛ ليتناولَ خيالَه فيه، وما هو ببالغِ ذلك.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليّ بن أبى طلحةَ، عن ابن عباسٍ قولَه:{كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} . فقال: هذا مَثَلُ

(1)

بعده في م: "هو".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 53 إلى المصنف وأبى الشيخ.

ص: 489

المشركِ مع اللَّهِ غيرَه، فمثَلُه كمثَلِ الرجلِ العطشانِ الذي يَنْظُرُ إلى خيالِه في الماءِ مِن بعيدٍ، فهو يريدُ أن يَتَناولَه ولا يَقْدِرُ عليه

(1)

.

وقال آخرون في ذلك ما حدَّثني به محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} إلى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} . يقولُ: مَثَلُ الأوثانِ الذين يُعْبَدُون مِن دونِ اللَّهِ، كمثلِ رجلٍ قد بلَغه العَطَشُ، حتى كرَبه الموتُ، وكفَّاه في الماءِ قد وضَعهما لا يَبْلغان فاه. يقولُ اللَّهُ: لا تَسْتجيبُ له

(2)

الآلهةُ، ولا تَنْفَعُ الذين يَعْبُدونها، حتى يَبْلُغَ كفَّا هذا فاه، وما هما ببالغتَين فاه أبدًا.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} . قال: لا يَنْفعونهم بشيءٍ إلا كما يَنْفَعُ هذا بكفَّيه، يعنى بَسْطَهما إلى ما لا يُنالُ أبدًا.

وقال آخرون في ذلك ما حدَّثنا به محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} وليس الماءُ ببالغٍ فاه ما قام

(3)

باسطًا كفَّيْه لا يَقْبِضُهما، {وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}. قال: هذا مَثَلٌ ضرَبه اللَّهُ لمن اتخَذ مِن دونِ اللَّهِ إلهًا أنه غيرُ نافعِه، ولا يَدْفَعُ عنه سوءًا، حتى يموتَ على ذلك

(4)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم - كما في تغليق التعليق 4/ 230 - من طريق أبى صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 53 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

سقط من: ص، م.

(3)

كذا في النسخ، وفى تفسير عبد الرزاق:"ما دام".

(4)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 334، عن معمر به.

ص: 490

وقوله: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} . يقولُ: وما دعاءُ مَن كفَر باللَّهِ ما يَدْعو مِن الأوثانِ والآلهةِ، {إِلَّا فِي ضَلَالٍ}. يقولُ: إلا في غيرِ استقامةٍ ولا هُدًى؛ لأنه يُشْرِكُ باللَّهِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: فإن امتنَع هؤلاء الذين يَدْعون مِن دونِ اللَّهِ الأوثانَ والأصنامَ للَّهِ شركاءَ؛ من إفرادِ الطاعةِ وإخلاصِ العبادةِ له، فللهِ يَسْجُدُ مَن في السماواتِ مِن الملائكةِ الكرامِ، ومَن في الأرضِ مِن المؤمنين به طوعًا، فأما الكافرون به، فإنهم يَسْجُدون له كَرْها حينَ يُكْرَهون على السجودِ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} . فأما المؤمنُ فيَسْجُدُ طائعًا، وأما الكافرُ فيَسْجُدُ كارِهًا

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبرَنا ابن المباركِ، عن سفيانَ، قال: كان ربيعُ بنُ خُثَيمٍ إذا تلا هذه الآيةَ: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} . قال: بلى يا ربّاه

(1)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} . قال: مَن دخَل طائعًا هذا طوعًا، وكَرْهًا مَن لم يَدخُلْ إلا بالسيفِ

(2)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 54 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 54 إلى المصنف.

ص: 491

وقوله: {وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} . يقولُ: ويَسْجُدُ أيضًا ظلالُ كلِّ مَن سجَد للَّهِ طوعًا وكَرْهًا، بالغَدَواتِ والعَشَايا، وذلك أن ظِلَّ كلِّ شخصٍ فإنه يَفئُ بالعشيِّ، كما قال جلَّ ثناؤُه:{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} [النحل: 48].

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ مِن أهلِ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} . يَعْنى: حينَ يَفِئُ ظلُّ أحدِهم عن يمينِه أو شمالِه

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ الزبيرِ، عن سفيانَ، قال في تفسيرِ مجاهدٍ:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} . قال: ظِلُّ المؤمنِ يَسْجُدُ طوعًا وهو طائعٌ، وظِلُّ الكافرِ يَسْجُدُ طوعًا

(2)

وهو كارِهٌ

(3)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} . قال: ذُكِر أن ظلالَ الأشياءِ كلِّها تسجدُ له، وقرَأ:{سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} [النحل: 48]. قال: تلك الظلالُ تَسْجُدُ للَّهِ

(4)

.

(1)

تفسير سفيان ص 153، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 54 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(2)

في مصدرى التخريج: "كرها".

(3)

ذكره القرطبي في تفسيره 9/ 302 وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 53، 54 إلى المصنف وابن المنذر.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 54 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

ص: 492

والآصالُ جمعُ أُصُلٍ، والأُصُلُ: جمعُ أصيلٍ، والأصيلُ: هو العَشِيُّ، وهو ما بينَ العصرِ إلى مغربِ الشمسِ؛ قال أبو ذؤَيبٍ

(1)

.

لعَمرِى لأنتَ البيتُ أُكرِمُ أهْلَه

وأقْعُدُ

(2)

في أفيائِه

(3)

بالأصائلِ

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} .

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: قل يا محمدُ لهؤلاء المشركين باللَّهِ: مَنْ ربُّ السماواتِ والأرضِ ومدبرُها، فإنهم سيقولون: اللَّهُ. وأمَر اللَّهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقولَ: اللَّهُ. فقال له: قلْ يا محمدُ: ربُّها الذي خلَقَها وأنشأَها، هو الذي لا تَصْلُحُ العبادةُ إلا له، وهو اللَّهُ. ثم قال: فإذا أجابوك بذلك، فقُلْ لهم: أفَاتَّخَذْتم مِن دونِ ربِّ السماواتِ والأرضِ أولياءَ لا تَمْلِكُ لأنفسِها نفعًا تَجْلِبُه إلى نفسِها، ولا ضَرًّا تَدْفَعُه عنها، وهى إذ لم تَمْلِكْ ذلك لأنفسِها، فمِنْ مِلكِهِ لغيرِها أبعدُ

(4)

، فعبَدتُموها وترَكتُم عبادةَ مَن بيدِه النفعُ والضَّرُّ، والحياةُ والموتُ، وتدبيرُ

(5)

الأشياءِ كلِّها! ثم ضرَب لهم جلَّ ثناؤُه مثلًا فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِير} .

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} .

(1)

ديوان الهذليين 1/ 141، وشرح الديوان 1/ 142.

(2)

في الديوان: "أجلس".

(3)

أفيائه: جمع فئ؛ وهو ما كان شمسًا فنسخه الظل. اللسان (ف ى أ).

(4)

في ص، ت 2، س:"بعد".

(5)

في ت 1، ت 2، س، ف:"يدبر".

ص: 493

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: قل يا محمدُ لهؤلاء المشركين الذين عبَدوا مِن دونِ اللَّهِ الذي بيدِه نفعُهم وضَرُّهم، ما لا يَنْفَعُ ولا يَضُرُّ: هل يَسْتَوى الأعمى الذي لا يُبْصِرُ شيئًا، ولا يَهْتدى لمحَجَّةٍ يَسْلُكُها، إلا بأن يُهْدَى، والبصيرُ الذي يَهدى الأعمى لمحجَّةِ الطريقِ الذي لا يُبْصِرُه، إنهما لا شكَّ لَغَيرُ مستوِيَين، يقولُ: فكذلك لا يَسْتَوى المؤمنُ الذي يُبْصِرُ الحقَّ فيَتْبَعُه، ويَعْرِفُ الهُدَى فيَسْلُكُه؛ وأنتم أيها المشركون، الذين لا تَعْرِفون حقًّا، ولا تُبْصِرون رُشدًا.

وقولُه: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وهل تَسْتَوى الظُّلُماتُ التي لا تُرَى فيها المَحَجَّةُ فتُسْلَكَ، ولا يُرَى فيها السبيلُ فيُركَبَ، والنورُ الذي تُبصَرُ به الأشياءُ، ويَجلو ضوءُه الظلامَ؟ يقولُ: إنَّ هذين لا شكَّ لَغَيرُ مستوِيَين، فكذلك الكفرُ باللَّهِ إنما صاحبُه منه في حَيْرةٍ، يَضْرِبُ أبدًا في غَمْرةٍ لا يَرْجِعُ منه إلى حقيقةٍ، والإيمانُ باللَّهِ صاحبُه منه في ضياءٍ، يَعمَلُ على علمٍ بربِّه، ومعرفةٍ منه بأنَّ له مُثيبًا يُثيِبُه على إحسانِه، ومعاقِبًا يُعاقبُه على إساءتِه، ورازقًا يَرْزُقُه، ونافعًا يَنْفَعُه.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} : أما الأعمى والبصيرُ، فالكافرُ والمؤمنُ، وأما الظلماتُ والنورُ، فالهُدى والضلالُة

(1)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 54 إلى المصنف.

ص: 494

وقولُه: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} . يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: قل يا محمدُ لهؤلاءِ المشركين: أخلَق أوثانُكم التي اتَّخَذْتُموها أولياءَ مِن دونِ اللَّهِ خلْقًا كخلقِ اللَّهِ، فاشْتَبه عليكم أمرُها فيما خلَقتْ وخلقَ اللَّهُ، فجعَلتُموها له شركاءَ مِن أجلِ ذلك، أم إنما بكم الجهلُ والذَّهابُ عن الصوابِ؟ فإنه لا يُشْكِلُ على ذى عقلٍ أن عبادةَ ما لا يَضُرُّ ولا يَنْفَعُ مِن الفعلِ جهلٌ، وأن العبادةَ إنما تَصْلُحُ للذى يُرْجَى نَفْعُه، ويُخْشَى ضَرُّه، كما أن ذلك غيرُ مُشكِلٍ خطؤُه وجهلُ فاعلِه، كذلك لا يُشْكِلُ جهلُ مَن أشرَك في عبادةِ مَن يَرْزُقُه ويَكْفُلُه ويَمُونُه، عبادةَ مَن لا يَقْدِرُ له على ضَرٍّ ولا نفعٍ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال بعضُ أهلِ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} : حمَلهم ذلك على أن شَكُّوا في الأوثانِ

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ:{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} خلقوا كخلقِه

(1)

تفسير مجاهد ص 406، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 54 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

ص: 495

فحمَلهم ذلك على أن شكُّوا في الأوثانِ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

قال: ثنا حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن كثيرٍ: سمِعتُ مجاهدًا يقولُ: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} : ضُرِبَت مثلًا.

وقولُه: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} . يَقُولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: قلْ لهؤلاءِ المشركين إذا أقَرُّوا لك أن أوثانَهم التي أشرَكوها في عبادةِ اللَّهِ لا تَخْلُقُ شيئًا: فاللَّهُ خالِقُكم وخالِقُ أوثانِكم، وخلَق كلَّ شيءٍ، فما وجهُ إشراكِكم ما لا تَخْلُقُ ولا تَضُرُّه

(1)

؟

وقولُه: {وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} . يقولُ: وهو الفردُ الذي لا ثانىَ له، القهارُ الذي يَسْتَحقُّ الأُلوهةَ والعبادةَ، لا الأصنامُ والأوثانُ، التي لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)} .

قال أبو جعفرٍ: وهذا مَثَلٌ ضرَبه اللَّهُ للحقِّ والباطلِ، والإيمانِ به والكفرِ. يقولُ تعالى ذكرُه: مَثَلُ الحقِّ في ثباتِه والباطلِ في اضْمِحْلالِه مَثَلُ ماءٍ أنزَلَه اللَّهُ مِن السماءِ إلى الأرضِ، {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}. يَقُولُ: فاحتَمَلتُه الأوديةُ بمِلْئِها؛ الكبيرُ بكبرِه، والصغيرُ بصِغَرِه، {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا}. يقولُ: فاحتمَل السيلُ

(1)

بعده في ت 1: "ولا ينفع".

ص: 496

الذي حدَث عن ذلك الماءِ الذي أنزَله اللَّهُ مِن السماءِ زَبدًا عاليًا فوقَ السيلِ. فهذا أحدُ مَثَلَى الحقِّ والباطلِ، فالحقُّ هو الماءُ الباقى الذي أنزَله اللَّهُ مِن السماءِ، والزَّبَدُ الذي لا يُنتفَعُ به هو الباطلُ.

والمَثلُ الآخرُ: (وَمِمَّا تُوقُدونَ

(1)

عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ). يقولُ جلَّ ثناؤُه: ومثلٌ آخرُ للحقِّ والباطلِ، مَثَلُ فضةٍ أو ذهَبٍ يُوقِدُ عليها الناسُ في النارِ؛ طَلَبَ حليةٍ يَتَّخِذُونها، أو متاعٍ، وذلك مِن النُّحاس والرَّصاصِ والحديدِ، يُوقَدُ عليه ليُتَّخَذَ منه متاعٌ يُنْتَفَعُ به، {زَبَدٌ مِثْلُهُ}. يقولُ تعالى ذكرُه: ومما توقِدون عليه مِن هذه الأشياءِ زَبَدٌ مثلُه، بمعنى: مثلُ زَبَدِ السيلِ، لا يُنْتَفَعُ به ويَذْهَبُ باطلًا، كما لا يُنْتَفَعُ بزَبَدِ السيلِ ويَذْهَبُ باطلًا.

ورُفِع الزبدُ بقولِه: (وَمِمَّا تُوقُدونَ

(1)

عَلَيْهِ فِي النَّارِ). ومعنى الكلامِ: ومما تُوقِدون عليه في النارِ زبدٌ مثلُ زبَدِ السيلِ في بُطولِ زبَدِه، وبقاءِ خالصِ الذهبِ والفضةِ.

يقولُ اللَّهُ تعالى: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ} . يقولُ: كما مَثّل اللَّهُ

(2)

الإيمانَ والكفرَ في بطولِ الكفرِ وخيبةِ صاحبِه عندَ مجازاةِ اللَّهِ، بالباقى النافعِ مِن ماءِ السيلِ وخالصِ الذهبِ والفضةِ، كذلك يُمَثِّلُ اللَّهُ الحقَّ والباطلَ. {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً}. يَقُولُ: فأما الزَّبَدُ الذي علا السيلَ والذهبَ والفضةَ والنُّحاسَ والرَّصاصَ عندَ الوقودِ عليها، فيَذْهَبُ بدفعِ الرياحِ، وقذفِ الماءِ به،

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"توقدون" وكذا في المواضع الآتية، وسنثبتها بالياء دون إشارة وبالتاء هي قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبى بكر. وبالياء قرأ حمزة والكسائى وحفص عن عاصم. وهى رواية عن أبي عمرو السبعة لابن مجاهد ص 358،359.

(2)

بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"مثل".

ص: 497

وتَعَلُّقِه بالأشجارِ وجوانبِ الوادى، {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ} مِن الماءِ والذهبِ والفضةِ والرَّصاصِ والنُّحاسِ، فالماءُ يَمْكُثُ في الأرضِ فتشربُه، والذهبُ والفضةُ تَمْكُثُ للناسِ، {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} ، يَقُولُ: كما مثَّل هذا المثلَ للإيمانِ والكفرِ، كذلك يُمَثِّلُ الأمثالَ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} : فهذا مثلٌ ضرَبه اللَّهُ، احتَملت منه القلوبُ على قَدْرِ يقينِها وشكِّها، فأما الشكُّ فلا يَنْفَعُ معه العملُ، وأما اليقينُ فينْفَعُ اللَّهُ به أهلَه؛ وهو قولُه:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} ، وهو الشكُّ، {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} ، وهو اليقينُ، كما يُجْعَلُ الحُلِيُّ في النارِ، فيؤخذُ خالصُه ويُتْرَكُ خَبَثُه في النارِ، فكذلك يَقْبلُ اللَّهُ اليقينَ ويَتْرُكُ الشكَّ

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} . يقولُ: احتمَل السيلُ ما في الوادى مِن عُودٍ ودِمْنةٍ، {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ} ، فهو الذهبُ والفضةُ والحِليةُ، "والمتاعُ" النُّحاسُ

(2)

والحديدُ،

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 369، 370 وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 54 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(2)

في م: "والنحاس".

ص: 498

وللنُّحاسِ والحديدِ خَبَثٌ، فجعَل اللَّهُ مثَلَ خبَثهِ كزبدِ الماءِ، {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ} ، فالذهبُ والفضةُ، وأما ما يَنْفَعُ الأرضَ فما شرِبتْ مِن الماءِ فأنْبَتَت، فجعَل ذلك مَثَل العملِ الصالحِ يَبْقَى لأهلِه، والعملِ السيئَ يَضْمَحِلُّ عن أهلِه، كما يَذْهَبُ هذا الزَّبَدُ، فكذلك الهُدَى والحقُّ جاء مِن عندِ اللَّهِ، فمن عمِل بالحقِّ كان له، وبقِى كما يَبْقَى ما يَنْفَعُ الناسَ في الأرضِ، وكذلك الحديدُ لا يُسْتَطاعُ أن يُجْعَلَ منه سِكِّينٌ ولا سيفٌ حتى يُدخَلَ في النارِ، فتأكُلَ خَبَثَه، فيَخْرُجَ جَيِّدُه، فيُنْتَفَعَ به، فكذلك يَضْمَحِلُّ الباطلُ إذا كان يومُ القيامةِ، وأُقيم الناسُ، وعُرِضَت الأعمالُ، فيَزيغُ

(1)

الباطلُ ويَهْلِكُ، ويَنْتَفِعُ أهلُ الحقِّ بالحقِّ، ثم قال:{وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}

(2)

. حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُلَيةَ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ في قولِه:{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ} إلى {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} فقال: {ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ} : الذهبِ [والفضةِ]

(3)

، {أَوْ مَتَاعٍ}: الصُّفْرِ

(4)

والحديدِ. قال: كما أُوقِدَ على الذهبِ والفضةِ والصُّفْرِ والحديدِ، فخلَص خالِصُه، قال:{كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} ، كذلك بقاءُ الحقِّ لأهلِه فانْتَفَعوا به

(5)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ الزَّعفرانيُّ، قال: ثنا حجاجُ بنُ محمدٍ، قال: قال ابن

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فيرفع".

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 370. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 55 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(3)

في ص، ت 2، ف:"أو الفضة".

(4)

الصفر: النحاس الأصفر. الوسيط "ص ف ر".

(5)

سقط من: م. والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 56 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

ص: 499

جريجٍ: أخبرَنى عبدُ اللَّهِ بنُ كثيرٍ، أنه سمِع مجاهدًا يقولُ:{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} . قال: ما أطاقت مِلْأَها، {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا}. قال: انْقَضَى الكلامُ، ثم اسْتَقْبَل فقال:(وَمِمَّا تُوقُدونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ). قال: المتاعُ الحديدُ والنُّحاسُ والرَّصاصُ وأشباهُه. {زَبَدٌ مِثْلُهُ} . قال: خَبَثُ ذلك مثلُ زبدِ السيلِ. قال: وأمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ، وأمَّا الزَّبَدُ فيذهبُ جُفاءً. قال: فذلك مَثَلُ الحقِّ والباطلِ

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن كثيرِ، عن مجاهدٍ أنه سمِعه يقولُ. فذكَر نحوَه، وزاد فيه: قال: قال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ: قولَه: هو {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} . قال: جُمودًا في الأرضِ، {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}: يَعْنى الماءَ وهما مَثَلان؛ مَثَلُ الحقِّ والباطلِ.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{زَبَدًا رَابِيًا} : السيلُ

(2)

مِثْلُه

(3)

خَبَثُ الحديدِ والحلِيةِ، {فَيَذْهَبُ جُفَاءً}: جمودًا في الأرضِ، (وَمِمَّا تُوقُدونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ). الحديدُ والنُّحاسُ والرَّصاصُ وأشباهُه، وقولُه:{وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} ، إنما هما مَثَلان للحقِّ والباطلِ.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ. قال: وثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن

(1)

تفسير مجاهد ص 406، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 55 إلى المصنف وأبى عبيد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(2)

كذا في النسخ. ولعله: "الزبد".

(3)

في م: "مثل".

ص: 500

مجاهدٍ - يزيدُ أحدُهما على صاحبِه - في قولِه: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} . قال: بملئِها. {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} . قال: الزَّبَدُ السيلُ. {ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} . قال: خَبَثُ الحديدِ والحليةِ. {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} . قال: جمودًا في الأرضِ. {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} . قال: الماءُ، وهما مثَلان للحقِّ والباطلِ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} الصغيرُ بصِغَرِه، والكبيرُ بكِبَرِه، {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا}: أي عاليًا، {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} ، والجُفاء ما يَتَعَلَّقُ بالشجرِ، {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} . هذه ثلاثةُ أمثالٍ، ضرَبها اللَّهُ في مَثَلٍ واحدٍ. يقولُ: كما اضْمَحَلَّ هذا الزبدُ، فصار جُفاءً لا يُنْتَفَعُ به ولا تُرْجَى

(1)

بَرَكتُه، كذلك يَضْمَحِلُّ الباطلُ عن أهلِه كما اضْمَحَلَّ هذا الزبدُ، وكما مكَث هذا الماءُ في الأرضِ، فأمْرَعت هذه الأرضُ وأخرَجت نباتَها، كذلك يَبْقَى الحقُّ لأهلِه كما بَقِى هذا الماءُ في الأرضِ، فأخرَج اللَّهُ به ما أخرَج مِن النباتِ. قولُه:(وَمِمَّا تُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) الآيةُ، كما يَبْقَى خالصُ الذهبِ والفضةِ حينَ أُدْخِل النارَ وذهَب خَبَثُه، كذلك يَبْقَى الحقُّ لأهلِه. قولُه:{أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} ، يقولُ: هذا الحديدُ والصُّفْرُ الذي يُنْتَفَعُ به فيه منافعُ، يقولُ: كما يَبقى خالصُ هذا الحديدِ وهذا الصُّفْرِ حينَ أُدْخِل النارَ وذهَب خبثُه، كذلك يَبْقَى الحقُّ لأهلِه، كما بَقِى خالصُهما

(2)

.

(1)

في ت 2، س، ف:"يرجى".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 55 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

ص: 501

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال ثنا: محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} الكبيرُ بقدْرِه، والصغيرُ بقدْرِه، {زَبَدًا رَابِيًا}. قال: رَبَا فوقَ الماءِ الزَّبَدُ، (وَمِمَّا تُوقُدونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ). قال: هو الذهبُ إذا أُدْخِل النارَ بَقِى صَفْوُه، ونُفِى ما كان مِن كَدَرِه، وهذا مثلٌ ضرَبه اللَّهُ للحقِّ والباطلِ، {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} يتعلق بالشجرِ فلا يكونُ شيئًا، هذا

(1)

مَثَلُ الباطلِ، {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} ، وهذا يُخرِجُ النباتَ، وهو مثلُ الحقَّ، {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}. قال: المتاعُ الصُّفْرُ والحديدُ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا هَوْدَةُ بنُ خليفةَ، قال: ثنا عوفٌ، قال: بلَغنى في قولِه: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} . قال: إنما هو مَثلٌ ضرَبه اللَّهُ للحقِّ والباطلِ، {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}: الصغيرُ على قَدْرِه، والكبيرُ على قَدْرِه، وما بينَهما على قَدْرِه، {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا}. يقولُ: عظيمًا، وحيثُ استقرَّ الماءُ يَذْهَبُ الزَّبَدُ جُفاءً، فتَطِيرُ به الريحُ، فلا يَكُونُ شَيئًا، ويَبقَى صريحُ الماءِ الذي يَنْفَعُ الناسَ؛ منه شرابُهم ونباتُهم ومَنْفَعتُهم، {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} ، ومِثْلُ الزَّبَدِ كلُّ شيءٍ يُوقَدُ عليه في النارِ؛ الذهبُ والفضةُ والنُّحاسُ والحديدُ، فيَذْهَبُ خَبَثُه، ويَبْقَى ما يَنْفَعُ في أيديهم، والخَبَثُ والزَّبَدُ مَثَلُ الباطلِ، والذي يَنْفَعُ الناسَ مما تحصَّل في أيديهم مما يَنْفَعُهم المالُ الذي في أيديهم.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} . قال: هذا مَثَلٌ ضَرَبه اللَّهُ للحقِّ

(1)

سقط من: م.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 334، 335 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 55 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 502

والباطلِ. فقرَأ: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} ، هذا الزَّبَدُ لا يَنْفَعُ، {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} هذا

(1)

لا يَنْفَعُ أيضًا، قال: وبَقِى الماءُ في الأرضِ فنفَع الناسَ، وبَقى الحُلِيُّ الذي صلَح مِن هذا، فانْتَفَع الناسُ به، {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}. وقال: هذا مثلٌ ضرَبه اللَّهُ للحقِّ والباطلِ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عباسٍ: {أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} . قال: الصغيرُ بصِغَرِه، والكبيرُ بكِبَرِه

(2)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا طلحةُ بنُ عمرٍو، عن عطاءٍ: ضرَب اللَّهُ مثلًا للحقِّ والباطلِ، فضرَب مَثَلَ الحقَّ كمَثَلِ السيلِ الذي يَمْكُثُ في الأرضِ، وضرَب مَثَلَ الباطلِ كمَثَلِ الزَّبَدِ الذي لا يَنْفَعُ الناسَ

(3)

.

وعنَى بقولِه: {رَابِيًا} : عاليًا مُنْتَفِخًا، مِن قولِهم: ربَا الشئُ يَرْبُو رُبُوًّا فهو رابٍ. ومنه قيل للنَّشَزِ مِن الأرضِ كهيئةِ الأكَمَةِ: رابيةٌ. ومنه قولُ اللَّهِ تعالى: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5]، [فصلت: 39].

وقيل للنُّحاسِ والرَّصاصِ والحديدِ في هذا الموضعِ: المتاعُ. لأنه يُسْتَمْتَعُ به، وكلُّ ما يَتمتَّعُ به الناسُ فهو متاعٌ؛ كما قال الشاعرُ

(4)

:

تَمَتَّعْ يا مُشَعَّثُ إنَّ شيئًا

سَبَقْتَ به المماتَ هو المتاعُ

(1)

بعده في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الماء".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 55 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 55 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(4)

البيت للمشعث العامرى، وهو في الأصمعيات ص 148، ومعجم الشعراء ص 447، ومجاز القرآن 1/ 328، واللسان (م ت ع).

ص: 503

وأما الجُفاءُ، فإنى حُدِّثت عن أبي عُبيدةَ مَعْمَرِ بن المثنى قال: قال أبو عمرِو بنُ العلاءِ، يقالُ: قد أجْفَأَتِ القِدرُ؛ وذلك إذا غَلَتْ فانْصَبَّ زَبَدُها، أو سكَنت فلا يَبْقَى منه شيءٌ

(1)

.

وقد زعَم بعضُ أهلِ العربيةِ مِن أهلِ البصرةِ أن معنى قولِه: {فَيَذْهَبُ جُفَاءً} : تَنْشَفُه الأرضُ. وقال: يُقالُ: جَفا الوادى وأجْفَى في معنى نَشِف، وانْجَفَى الوادى: إذا جاء بذلك الغُثاءِ، وغَثى الوادى، فهو يَغْنِى غَثْيًا وغَثَيانا. وذَكَر عن العربِ أنها تَقُولُ: جَفَأْتُ القِدْرَ أجْفَؤُها: إذا أخرَجتَ جُفاءَها، وهو الزَّبَدُ الذي يَعْلُوها، وأجْفَأْتُها إِجْفَاءً، لغةٌ. قال: وقالوا: جَفَأتُ الرجلَ جَفْئًا: صرَعتُه.

وقيل: {فَيَذْهَبُ جُفَاءً} بمعنى جَفْئًا؛ لأنه مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: جَفَأً الوادى غُثَاءَه جُفاءً

(2)

. فخَرَج مخرَجَ الاسمِ وهو مصدرٌ. كذلك تفعَلُ العربُ في مصدرِ كلَّ ما كان مِن فعلِ شيءٍ اجْتَمع بعضُه إلى بعضٍ كالقُماشِ

(3)

والدُّقاقِ والحُطامِ والغُثاءِ. تُخْرِجُه على مذهبِ الاسمِ، كما فعَلت ذلك في قولِهم: أعْطَيتُه عطاءً، بمعنى الإعْطاءِ. ولو أُريد مِن القُماشِ المصدرُ على الصحةِ لقيل: قد قَمَشْتُه قَمْشًا.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: أما الذين استجابوا للَّهِ فآمَنوا به حينَ دعاهم إلى الإيمانِ به

(1)

مجاز القرآن 1/ 329.

(2)

سقط من: م.

(3)

القماش: ما يكون على وجه الأرض من فُتات الأشياء. الوسيط (ق م ش).

ص: 504

وأطاعوه، فاتَّبعوا رسولَه وصدَّقوه فيما جاءهم به مِن عندِ اللَّهِ، فإن لهم الحسنَى؛ وهى الجنةُ.

كذلك حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى} : وهى الجنةُ.

وقولُه: {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وأما الذين لم يَسْتَجِيبوا له حينَ دعاهم إلى توحيدِه والإقرارِ برُبوبيتِه، ولم يُطِيعوه فيما أمَرهم به، ولم يَتَّبِعوا رسولَه فيُصَدِّقوه فيما جاءهم به من عندِ ربِّهم، فلو أنَّ لهم ما في الأرضِ جميعًا من شيءٍ ومثلَه معه مِلْكًا لهم ثم قُبِلَ

(1)

مِثْلُ ذلك، وقُبِل ذلك منهم بدلًا مِن العذابِ الذي أعدَّه اللَّهُ لهم

(2)

في نارِ جهنمَ وعِوضًا، لافْتَدَوْا به أنفسَهم منه.

يَقُولُ اللَّهُ: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ} . يقولُ: هؤلاء الذين لم يَسْتَجِيبوا للَّهِ {لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ} . يقولُ: لهم عندَ اللَّهِ أن يَأْخُذَهم بذُنوبِهم كلِّها، فلا يَغْفِرَ لهم منها شيئًا، ولكن يُعَذِّبُهم على جميعِها.

كما حدَّثنا الحسنُ بنُ عرفةَ، قال: ثنا يونسُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عونٌ، عن فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، قال: قال لنا شهرُ بنُ حَوْشَبٍ: {سُوءُ الْحِسَابِ} أن لا يَتَجاوزَ له

(3)

عن شيءٍ

(4)

.

(1)

سقط من: م.

(2)

سقط من: س. وفى ص، ت 2، ف:"له".

(3)

في م: "لهم".

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1166 - تفسير) عن عون بن موسى به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 56 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 505

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، قال: ثنى الحجاجُ بنُ أبى عثمانَ، قال: ثنى فَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ، قال: قال إبراهيمُ النَّخَعيُّ: يا فرقدُ، أتدرى ما سوءُ الحسابِ؟ قلتُ: لا. قال: هو أن يُحاسَبَ الرجلُ بذنبِه كلِّه، لا يُغفَرُ له منه شيءٌ

(1)

.

وقولُه: {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} . يقولُ: ومَسْكنُهم الذي يَسْكُنُونه يومَ القيامةِ جهنمُ. {وَبِئْسَ الْمِهَادُ} . يقولُ: وبئسَ الفِراشُ والوِطاءُ جهنمُ التي هي مأواهم يومَ القيامةِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: أهذا الذي يَعْلمُ أن الذي أنزَله اللَّهُ عليك يا محمدُ حقٌّ، فيؤمنُ به ويصدِّقُ ويعملُ بما فيه، كالذى هو أعْمَى، فلا يَعْرِفُ مَوْقِعَ حُجَةِ اللَّهِ عليه به، ولا يَعْلَمُ ما ألزَمه

(2)

اللَّهُ مِن فرائضِه.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا إسحاقُ، قال: ثنا هشامٌ، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عن قتادةَ في قولِه:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} . قال: هؤلاء قومٌ انْتَفَعوا بما سمِعوا مِن كتابِ اللَّهِ، وعقَلوه ووَعَوْه. قال اللَّهُ:{كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} . قال: عن الخيرِ فلا يُبْصِرُه

(3)

.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1167 - تفسير) من طريق آخر عن إبراهيم بمعناه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 56 إلى أبى الشيخ.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"أكرمه".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 56 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

ص: 506

وقولُه: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} . يقولُ: إنما يَتَّعِظُ بآياتِ اللَّهِ ويَعْتَبِرُ بها ذوو العقولِ؛ وهى الألبابُ، واحدُها: لُبٌّ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: إنما يَتَّعِظُ ويَعْتَبِرُ بآياتِ اللَّهِ أولو الألبابِ، الذين يُوفون بوصيةِ اللَّهِ التي أوصاهم بها

(1)

، {وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ}: ولا يُخالفِون العهدَ الذي عاهَدوا اللَّهَ عليه إلى خِلافِه، فيَعْمَلوا بغيرِ ما أمَرهم به، ويخالِفوا إلى ما نهَى عنه.

وقد بيَّنا معنى العهْدِ والميثاقِ فيما مضَى بشواهدِه، فأغنى عن إعادتِه في هذا الموضعِ

(2)

.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا هشامٌ، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، قال:{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} ، فبيَّن مَن هم، فقال:{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} ، فعليكم بوفاءِ العهدِ، ولا تَنْقُضُوا هذا الميثاقَ، فإن اللَّهَ تعالى قد نهَى وقدَّم فيه أشدَّ التقدِمةِ، فذكَره في بضعٍ وعشرين موضعًا، نصيحةً لكم، وتَقْدِمةً إليكم، وحُجَّةً عليكم، وإنما [تَعْظُمُ الأمورُ]

(3)

بما عظَّمه اللَّهُ به عندَ أهلِ الفَهْمِ والعقلِ، فعظِّموا ما عظَّم اللَّهُ. قال قتادةُ: وذُكِر لنا أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ

(1)

سقط من: م.

(2)

تقدم في 1/ 435.

(3)

في م: "يعظم الأمر".

ص: 507

في خُطبتِه: "لا إيمانَ لمن لا أمانةَ

(1)

له، ولا دِينَ لمن لا عهدَ له"

(2)

.

وقولُه: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} . يقولُ تعالى ذكرُه: والذين يَصِلُون الرَّحِمَ التي أمَرهم اللَّهُ بوصلِها، فلا يَقْطَعُونها. {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}. يقولُ: ويخافون اللَّهَ في قطعِها أن يَقْطَعوها، فيعاقِبَهم على قطعِها، وعلى خلافِهم أمرَه فيها.

وقولُه: {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} . يقولُ: ويحذَرون مناقشةَ اللَّهِ إياهم في الحسابِ، ثم لا يَصْفَحُ لهم عن ذنبٍ، فهم لرهبتِهم ذلك جادُّون في طاعتِه، محافظون على حدودِه.

كما حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عفَّانُ، قال: ثنا جعفرُ بنُ سليمانَ، عن عمرِو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاءِ

(3)

في قولِه: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} . قال: المناقشةُ

(4)

بالأعمالِ

(5)

.

قال: ثنا عفانُ، قال: ثنا حمادٌ، عن فَرْقَدٍ، عن إبراهيمَ، قال:{سُوءَ الْحِسَابِ} أن يُحاسَبَ مَن لا يُغفَرُ له.

(1)

في ت 1، ت 2، س، ف:"أمان".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 56 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ، والحديث المرفوع أخرجه أحمد. 19/ 375، 20/ 32، 33، 423 (12383، 12567، 13199) وغيره من طرق عن قتادة عن أنس.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الحفنا" وهو أوس بن عبد الله الرَّبَعى. وينظر ترجمته في تهذيب الكمال 3/ 392.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"المقايسة".

(5)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 335، وابن أبي شيبة 14/ 44 من طريق جعفر بن سليمان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 56 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

ص: 508

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} . قال: فقال: وما سوءُ الحسابِ؟ قال: الذي لا جوازَ فيه.

حدَّثني ابن سنانٍ القزَّازُ، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن الحجاجِ، عن فَرْقَدٍ، قال: قال لى إبراهيمُ: تَدرِى ما سوءُ الحسابِ؟ قلتُ: لا أدرِى. قال: يُحاسَبُ العبدُ بذنبِه كلِّه لا يُغْفَرُ له منه شيءٌ

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا} على الوفاءِ بعهدِ اللَّهِ، وترْكِ نَقْضِ الميثاقِ، وصلةِ الرحمِ؛ {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِم}. ويعنى بقولِه:{ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِم} : طَلَبَ تعظيمِ اللَّهِ، وتنزيهًا له أن يُخالَفَ في أمرِه، أو يأتىَ أمرًا كَرِه إتيانَه فيَعْصِيَه به، {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}. يقولُ: وأدَّوا الصلاةَ المفروضةَ بحدودِها في أوقاتِها، {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}. يقولُ: وأدَّوا مِن أموالِهم زكاتَها المفروضةَ، وأنْفَقوا منها في السُّبلِ التي أمَرهم اللَّهُ بالنفقةِ فيها، سِرًّا في خفاءٍ، وعلانيةً في الظاهرِ.

كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} . يعنى: الصلواتِ الخمسَ، {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}. يقولُ: الزكاةُ.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: الصبرُ الإقامةُ.

(1)

تقدم تخريجه في ص 506.

ص: 509

قال: وقال: الصبرُ في هاتين؛ فصبرٌ للَّهِ على ما أحبَّ وإن ثَقُل على الأنفسِ والأبدانِ، وصبرٌ عما يَكْرَهُ وإن نازَعت إليه الأهواءُ، فمَن كان هكذا فهو مِن الصابرين. وقرَأ:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} .

وقولُه: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} . يقولُ: ويَدْفَعون إساءةَ مَن أساء إليهم مِن الناسِ بالإحسانِ إليهم.

كما حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} . قال: يَدْفَعون الشرَّ بالخيرِ، لا يُكافِئون الشرَّ بالشرِّ، ولكن يَدْفَعونه بالخيرِ

(1)

.

وقولُه: {أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} . يَقُولُ تعالى ذكرُه: هؤلاء الذين وصَفنا صِفتَهم هم الذين لهم عُقبى الدارِ، يَقُولُ: هم الذين أعْقَبهم اللَّهُ دارَ الجنانِ مِن دارِهم التي لو لم يَكُونوا مؤمنين كانت لهم في النارِ، فأعقَبهم اللَّهُ مِن تلك هذه. وقد قيل: معنى ذلك: أولئك الذين لهم عَقِيبَ طاعتِهم ربَّهم في الدنيا دارُ الجنانِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} ؛ ترجمةٌ عن {عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 22]. كما يقالُ: نِعْمَ الرجلُ عبدُ اللَّهِ. فعبدُ اللَّهِ هو الرجلُ المقولُ له: نِعْمَ الرجلُ. وتأويلُ الكلامِ: أولئك لهم عَقِيبَ طاعتِهم ربَّهم الدارُ التي هي جناتُ عدْنٍ.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 57 إلى المصنف.

ص: 510

وقد بيَّنا معنى قولِه: {عَدْنٍ} ، وأنه بمعنى الإقامةِ التي لا ظَعْنَ معها

(1)

.

وقولُه: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِم} . يقولُ تعالى ذكرُه: جناتُ عدنٍ يَدْخُلُها هؤلاء الذين وَصَفْتُ صفتَّهم، وهم الذين يُوفُون بعهدِ اللَّهِ، والذين يَصِلون ما أمَر اللَّهُ به أن يُوصَلَ، ويَخْشَون ربَّهم، والذين صبَروا ابتغاءَ وجهِ ربِّهم، وأقاموا الصلاةَ، وفعَلوا الأفعالَ التي ذكَرها جلَّ ثناؤُه في هذه الآياتِ الثلاثِ، {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ} ، وهى نساؤُهم وأهلوهم وذرِّياتُهم.

وصلاحُهم إيمانُهم باللَّهِ، واتباعُهم أمرَه وأمرَ رسولِه عليه الصلاة والسلام.

كما حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ} . قال: مَنْ آمَن في الدنيا

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وثنا إسحاق قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ} . قال: مَن آمَن مِن آبائِهم وأزواجِهم وذرِّياتِهم.

وقوله: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وتَدْخُلُ الملائكةُ على هؤلاء الذين وصَف جلَّ ثناؤُه صفتَهم في هذه الآياتِ الثلاثِ، في جناتِ عَدْنٍ، مِن كلِّ بابٍ منها، يقولون لهم: {سَلَامٌ

(1)

تقدم في 11/ 559.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 57 إلى المصنف وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

ص: 511

عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} على طاعةِ ربِّكم في الدنيا، {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} .

وذُكر أن لجناتِ عَدْنٍ خمسةَ آلافِ بابٍ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عليُّ بنُ جريرٍ، قال: ثنا حمادُ بنُ سلمةَ، عن يعلى بن عطاءٍ، عن نافعِ بن عاصمٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن عمرٍو، قال: إن في الجنةِ قصرًا يقالُ له: عَدْنٌ، حولَه البُروجُ والمُروجُ، فيه خمسةُ آلافِ بابٍ، على كلِّ بابٍ خمسةُ آلافِ حِبَرةٍ، لا يَدْخُلُه إلا نبيٌّ أو صدِّيقٌ أو شهيدٌ

(1)

.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَغْراءَ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{جَنَّاتُ عَدْنٍ} . قال: مدينةُ الجنةِ، فيها الرسلُ والأنبياءُ والشهداءُ وأئمةُ الهدى، والناسُ حولَهم [بعدُ، والجناتُ]

(2)

حولَها

(3)

.

وحُذِف من قولِه: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} "يقولون" اكتفاءً بدَلالةِ الكلامِ عليه، كما حُذِف ذلك مِن قولِه:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا} [السجدة: 12].

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، عن بقيةَ بن الوليدِ، قال: ثنى أرطاةُ بنُ المنذرِ، قال: سمِعتُ رجلًا مِن مشيخةِ الجندِ يقال له: أبو الحجاجِ. يقولُ: جلَستُ إلى أبى أُمامةَ، فقال: إن المؤمنَ ليكونُ متكئًا على أَرِيكتِه إذا دخَل الجنةَ، وعندَه سِماطان

(4)

مِن خدَمٍ، وعندَ طَرَفِ السِّماطَين [بابٌ مبوبٌ]

(5)

،

(1)

تقدم تخريجه في 11/ 563.

(2)

في م: "بعدد الجنات".

(3)

تقدم تخريجه في 11/ 564.

(4)

السماط: الصف. التاج (س م ط).

(5)

في م: "سور"، وفى ت 1، ت 2، س، ف:"مبوب".

ص: 512

فيُقبِلُ المَلَكُ يَسْتَأذِنُ، فيقولُ [أقصى الخدمِ]

(1)

للذى

(2)

يليه: ملَكٌ يَسْتَأذِنُ

(3)

. ويقولُ الذي يليه للذى يَليه: مَلَكٌ يَسْتَأْذِنُ. حتى يَبْلُغَ المؤمنَ، فيقولُ: ائذَنوا. فيقولُ أقربُهم إلى المؤمنِ: ائذَنوا. ويقولُ الذي يلِيه للذى يلِيه: ائذَنُوا. فكذلك حتى يَبْلُغَ أقصاهم الذي عندَ البابِ، فيَفتحَ له، فيدخلَ فيُسَلِّمَ ثم يَنْصَرِفَ

(4)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، عن إبراهيمَ بن محمدٍ، عن سهيلِ

(5)

بن أبى صالحٍ، عن محمدِ بن إبراهيمَ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأتى قبورَ الشهداءِ على رأسِ كلِّ حولٍ فيقولُ: "السلامُ عليكم بما صَبَرْتم، فنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ". وأبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ

(6)

.

وأما قولُه: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} . فإن أهلَ التأويلِ قالوا في ذلك نحوَ قولِنا فيه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرزاقِ، عن جعفرِ بن سليمانَ، عن أبي عمرانَ الجَوْنيِّ أنه تلا هذه الآيةَ:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} . قال: على دينِكم

(7)

.

(1)

سقط من النسخ، وكذلك سقط من تفسير ابن كثير، وأثبتناه من الدر المنثور.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"الذي".

(3)

بعده في م: "ويقول الذي يليه للذى يليه".

(4)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 374 عن ابن المبارك به، وعزاه إلى المصنف، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما في تفسير ابن كثير - من طريق أرطاة به.

(5)

في م: "سهل".

(6)

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (6716) من طريق سهيل بن أبى صالح به. وأخرجه البيهقى في دلائل النبوة 3/ 306 من طريق آخر موصولًا فقال: عن عباد بن أبى صالح عن أبيه عن أبي هريرة بنحوه.

(7)

تفسير عبد الرزاق 1/ 335، وأخرجه ابن أبي الدنيا في الصبر (23)، وأبو نعيم في الحلية 2/ 310 من طريق جعفر بن سليمان به نحوه.

ص: 513

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} . قال: حينَ صبَرو للَّهِ بما [يحبُّه اللَّهُ]

(1)

فقدَّموه. وقرَأ: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} حتى بلَغ: {وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان: 12 - 22]. وصبَروا عما كرِه اللَّهُ وحرَّم عليهم، وصبَروا على ما ثَقُل عليهم وأحَبَّه اللَّهُ، فسلَّم عليهم بذلك. وقرَأ:{وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} .

وأما قولُه: {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار} . فإن معناه إن شاء اللَّهُ كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال ثنا عبدُ الرزاقِ، عن جعفرٍ، عن أبي عِمْرانَ الجَوْنيِّ في قولِه:{فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار} . قال: الجنةُ مِن

(2)

النارِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: وأمَّا: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ} . ونَقْضُهم ذلك خِلافُهم أمرَ اللَّهِ، وعَمَلُهم بَمَعْصِيتِه، {مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}. يقولُ: مِن بعدِ ما وَثَّقوا على أنفسِهم للَّهِ أن يَعْمَلوا بما عهِد إليهم، {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}. يقولُ: ويَقْطَعون الرحمَ التي أمَرَهم اللَّهُ بَوصْلِها، {وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} . وإفسادُهم فيها عملُهم فيها

(3)

بمعاصى اللَّهِ، {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ}. يقولُ: فهؤلاء لهم اللعنةُ، وهى البُعدُ مِن رحمتِه، والإقصاءُ مِن جَنابِه

(4)

، {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} .

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"يحبون".

(2)

في ت 1، ت 2، س، ف:"و".

(3)

سقط من: م.

(4)

في م: "جنانه"، وفى ت 1، ت 2:"جناته"، وفى ف:"حياته"، وغير منقوطة في ص.

ص: 514

يقولُ: ولهم ما يسوءُهم في

(1)

الدارِ الآخرةِ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ، قال: أكبرُ الكبائرِ الإشراكُ باللَّهِ؛ لأن اللَّهَ يقولُ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} [الحج: 31]، ونقضُ العهدِ، وقطيعةُ الرحمِ؛ لأن اللَّهَ يقولُ:{أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} . يعنى: سوءُ العاقبةِ

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ في قولِه: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} . قال: بلَغنا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا لم تَمْشِ إلى ذى رَحمِك برِجْلِكَ، ولم تُعْطِه مِن مالِكَ، فقد قَطَعْتَه"

(3)

.

حدَّثني محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن عمرِو بن مُرَّةَ

(4)

، عن مُصْعبِ بن سعدٍ، قال: سأَلتُ أبى عن هذه الآيةِ: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 103، 104]. أَهُمْ الحَرُوريَّةُ؟ قال: لا. ولكنَّ الحَرُوريَّةَ {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} . فكان سعدٌ يُسَمِّيهم الفاسقين

(5)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داودَ، قال: ثنا شعبةُ، عن عمرِو بن مُرَّةَ، قال:

(1)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"من".

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما في الإتقان 2/ 21 - والطبرانى في الكبير (13023) من طريق عبد الله بن صالح به مطولا وقال الهيثمى في المجمع 7/ 116: إسناده حسن.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 56 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"ضمرة". وينظر تهذيب الكمال 22/ 232.

(5)

سيأتي تخريجه في سورة الكهف.

ص: 515

سمِعتُ مُصْعبَ بنَ سعدٍ، قال: كنتُ أمْسِكُ على سعدٍ المصحفَ، فأتى على هذه الآيةِ. ثم ذكَر نحوَ حديثِ محمدِ بن جعفرٍ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: اللَّهُ يُوَسِّعُ على مَن يشاءُ مِن خلقِه في رزقِه، فيَنْسُطُ له منه؛ لأن منهم مَن لا يُصْلِحُه إلا ذلك، {وَيَقْدِرُ}. يقولُ: ويُقَتِّرُ على مَن يشاءُ منهم في رزقِه وعَيْشِه، فيُضَيِّقُه عليه؛ لأنه لا يُصْلِحُه إلا الإقتارُ.

{وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . يقولُ تعالى ذكرُه: وفرِح هؤلاء الذين بُسِط لهم في الدنيا مِن الرزقِ على كفرِهم باللَّهِ ومَعْصِيتهم إياه، بما بُسِط لهم فيها، وجهِلوا ما عندَ اللَّهِ لأهلِ طاعتِه والإيمانِ به في الآخرةِ من الكرامةِ والنعيمِ.

ثم أخبَر جلَّ ثناؤُه عن قَدْرِ ذلك في الدنيا، فيما لأهلِ الإيمانِ به عندَه في الآخرةِ، وأعلَم عبادَه قِلَّتَه فقال:{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} . يقولُ: وما جميعُ ما أُعْطِى هؤلاء في الدنيا مِن السعةِ، وبُسِط لهم فيها مِن الرزقِ وَرَغَدِ العيشِ، فيما

(1)

عندَ اللَّهِ لأهلِ طاعتِه في الآخرةِ، إلا متاعٌ قليلٌ، وشيءٌ حقيرٌ ذاهبٌ.

كما حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{إِلَّا مَتَاعٌ} . قال: قليلٌ ذاهبٌ

(2)

.

(1)

في ص، ت 2، س، ف:"فيها"، وغير واضحة في ت 1.

(2)

تفسير مجاهد ص 406، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 58 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

ص: 516

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: وثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} . قال: قليلٌ ذاهبٌ.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن الأعمشِ، عن بُكَيرِ بن الأَخْنَسِ، عن عبدِ الرحمنِ بن سابطٍ في قولِه:{وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} . قال: كزادِ الراعى، يُزَوِّدُه أهلُه الكفَّ مِن التمرِ، أو الشيءَ مِن الدقيقِ، أو الشيءَ يُشْرَبُ عليه اللبنُ

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: ويقولُ لك يا محمدُ مشركو قومِك: هلَّا أُنْزِل عليك آيةٌ مِن ربِّك؛ إما مَلَكٌ يكونُ معك نذيرًا، أو يُلْقى إليك كَنْرٌ. فقلْ

(2)

: إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مِنكم مَن يشاءُ أَيُّها القومُ، فيَخْذُلُه عن تصديقي والإيمانِ بما جئتُه به مِن عندِ ربي، ويَهْدِى إليه من أناب فرجَع إلى التوبةِ مِن كفرِه، والإيمانِ به، فيوفِّقُه لاتِّباعي وتصديقي

(3)

على ما جئتُه به مِن عندِ ربِّه، وليس ضلالُ مَن يَضِلُّ منكم بأن لم يُنزَلْ عليَّ آيةٌ مِن ربي، ولا هدايةُ مَن يهتدى مِنكم بأنها أُنْزِلت عليَّ - بيدى

(4)

، وإنما ذلك بيدِ اللَّهِ، يُوفِّق من يشاءُ منكم للإيمانِ، ويَخْذُلُ مَن يشاءُ منكم فلا يؤمنُ.

وقد بيَّنتُ معنى الإنابةِ في غيرِ موضعٍ مِن كتابِنا هذا بشواهدِه، بما أغنَى عن

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 58 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(2)

في ص: "فقال لهم"، وفى ت 1، ت 2، س، ف:"فقال".

(3)

بعده في م: "به".

(4)

ليست في ص، م، ت 2، س، ف.

ص: 517

إعادتِه في هذا الموضعِ

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} . أي: مَن تاب وأقبَل

(2)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: ويَهْدِى إليه مَن أناب بالتوبةِ الذين آمنوا. {الَّذِينَ آمَنُوا} في موضعِ نصبٍ، ردٌّ

(3)

على {مَنْ} ؛ لأن {الَّذِينَ آمَنُوا} هم {مَنْ أَنَابَ} ، تُرجِم بها عنها.

وقولُه: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} . يقولُ: وتَسْكُنُ قلوبُهم وتَسْتَأْنِسُ بذكرِ اللَّهِ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} . يقولُ: سكَنت

(4)

إلى ذكرِ اللَّهِ واسْتَأْنَستْ به (2).

وقولُه: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} . يقولُ: ألا بذكرِ اللَّهِ تَسْكُنُ وتَسْتَأْنِسُ قلوبُ المؤمنين. وقيل: إنه عنَى بذلك قلوبَ المؤمنين مِن أصحابِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

(1)

ينظر ما تقدم في 12/ 493، 548 وما بعدها، وليس فيما تقدم شاهد على معنى الإنابة، وينظر أيضًا ما سيأتي في مواضعه من التفسير.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 58 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(3)

بعده في ص: "نصبا".

(4)

في ص، ف:"مست"، وفي ت 1:"هشت".

ص: 518

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} : لمحمدٍ وأصحابِه

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، وحدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} . قال: لمحمدٍ وأصحابِه.

قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا أحمدُ بنُ يونسَ، قال: ثنا سفيانُ بنُ عيينةَ في قولِه: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} . قال: هم أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم

(2)

.

وقولُه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} : الصالحات مِن الأعمالِ، وذلك العملُ بما أمَرهم ربُّهم، {طُوبَى لَهُمْ}. و {طُوبَى} في موضعِ رَفْعٍ بـ {لَهُمْ}. وكان بعضُ أهلِ البصرةِ والكوفةِ يقولُ: ذلك رفعٌ، كما يقالُ في الكلامِ: ويلٌ لعمرٍو. وإنما أُوثِر الرفعُ في {طُوبَى} لحُسْنِ

(3)

الإضافةِ فيه بغيرِ لامٍ، وذلك أنه يقالُ فيه: طوباك. كما يقالُ: ويلَك ووَيْبَك. ولولا حسنُ الإضافةِ فيه بغيرِ لامٍ، لكان النصبُ فيه أحسنَ وأفصحَ، كما النصبُ في قولِهم: تَعْسًا لزيدٍ، وبُعْدًا له، وسُحْقًا. أحسنُ، إذ كانت الإضافةُ فيها بغيرِ لامٍ لا تَحْسُنُ.

وقد اختلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: {طُوبَى لَهُمْ} . فقال بعضُهم: معناه: نِعمَ ما لهم.

(1)

تفسير مجاهد ص 407، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 58 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبي الشيخ.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1169 - تفسير)، عن سفيان.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"بحسن".

ص: 519

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني جعفرُ بنُ محمدٍ البُزُورِيُّ مِن أهلِ الكوفةِ، قال: ثنا أبو زكريا الكلبيُّ، عن عمرِو بن نافعٍ، قال: سُئل عكرمةُ عن: {طُوبَى لَهُمْ} . قال: نعمَ ما لهم

(1)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا عمرُو بنُ نافعٍ، عن عكرمةَ في قولِه:{طُوبَى لَهُمْ} . قال: نِعْمَ ما لهم.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثني عمرُو بنُ نافعٍ، قال: سمِعتُ عكرمةَ في قولِه: {طُوبَى لَهُمْ} . قال: نِعْمَ ما لهم.

وقال آخرون: معناه: غِبْطةٌ لهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو هشامٍ، قال: ثنا أبو خالدٍ الأحمرُ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ:{طُوبَى لَهُمْ} . قال: غِبْطَةٌ لهم

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَغْراءَ، عن جُويبرٍ، عن الضحاكِ مثلَه، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن جُوَيبرٍ، عن الضحاكِ مثلَه.

وقال آخرون: معناه: فَرَحٌ وقُرَّةُ عينٍ.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 58 إلى المصنف وابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 58 إلى المصنف وأبي الشيخ.

ص: 520

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني عليٌّ بنُ داودَ والمثنى بنُ إبراهيمَ، قالا: ثنا عبدُ اللَّهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{طُوبَى لَهُمْ} . يقولُ: فَرَحٌ وقرَّةُ عينٍ

(1)

.

وقال آخرون: معناه: حُسْنَى لهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{طُوبَى لَهُمْ} . يقولُ: حُسْنَى لهم، وهى كَلِمَةٌ مِن كلامِ العربِ

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{طُوبَى لَهُمْ} : هذه كلِمةٌ عربيةٌ، يقولُ الرجلُ: طُوبَى لك؛ أي: أصبتَ خيرًا

(3)

.

وقال آخرون: معناه: خيرٌ لهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو هشامٍ، قال: ثنا ابن يمانٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ، قال: خيرٌ لهم

(4)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ في قولِه: {طُوبَى

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق عبد الله بن صالح به - كما في الإتقان 2/ 22 - وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 58 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 58، إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 335، عن معمر به.

(4)

تفسير الثورى ص 153، و عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 376، إلى أبي الشيخ.

ص: 521

لَهُمْ}. قال: الخيرُ والكرامةُ التي أعطاهم اللَّهُ

(1)

.

وقال آخرون: {طُوبَى لَهُمْ} : اسمٌ مِن أسماءِ الجنةِ. ومعنى الكلامِ: الجنةُ لهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا ابن يمانٍ، عن أشعثَ، عن جعفرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{طُوبَى لَهُمْ} . قال: اسمُ

(2)

الجنةِ بالحَبَشيَّةِ.

[حدَّثنا أبو هشام، قال: حدَّثنا ابن يمانٍ، عن أشعثَ، عن جعفرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ: {طُوبَى لَهُمْ}. قال: اسمُ أرضِ الجنةِ بالحبشيةِ]

(3)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، عن جعفرٍ، عن سعيدِ بن مَسْجوحٍ

(4)

في قولِه: {طُوبَى لَهُمْ} . قال: طوبى اسمُ الجنةِ بالهنديَّةِ

(5)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا داودُ بنُ مهرانَ، قال: ثنا يعقوبُ، عن جعفرِ بن أبي المُغيرةِ، عن سعيدِ بن مَسْجوحٍ، قال: اسمُ الجنةِ بالهنديةِ طوبى.

(1)

أخرجه أبو نعيم في الحلية 4/ 231 من طريق جرير به.

(2)

بعده في س: "أرض".

(3)

سقط من: م، س. والأثر ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 376 عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

(4)

سقط من: ت 1، وفى م:"مشجوع"، وفى ت 2، س:"مسحوح"، وفى ف:"مشحوح". والمثبت من ص موافق لما في تفسير ابن كثير والدر المنثور، وينظر تهذيب الكمال 5/ 113.

(5)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 376، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 59 إلى المصنف وأبى الشيخ.

ص: 522

حدَّثنا أبو هشامٍ، قال: ثنا ابن يَمانٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن السديِّ، عن عكرمةَ:{طُوبَى لَهُمْ} . قال: الجنةُ

(1)

.

قال: ثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{طُوبَى لَهُمْ} . قال: الجنةُ

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} . قال: لما خلَق اللَّهُ الجنةَ وفرَغ منها، قال:{الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} . وذلك حينَ أعْجَبتْه

(3)

.

حدَّثنا أحمدُ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا شَريكٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{طُوبَى لَهُمْ} . قال: الجنةُ.

وقال آخرون: {طُوبَى لَهُمْ} : شجرةٌ في الجنةِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا قُرَّةُ بنُ خالدٍ، عن

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 59 إلى المصنف.

(2)

تفسير مجاهد ص 407، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 59 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 377 عن العوفي عن ابن عباس، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 59 إلى المصنف.

ص: 523

موسى بن سالمٍ، قال: قال ابن عباسٍ: {طُوبَى لَهُمْ} : شجرةٌ في الجنةِ

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن الأشعثِ بن عبدِ اللَّهِ، عن شهرِ بن حَوْشبٍ، عن أبي هريرةَ:{طُوبَى لَهُمْ} : شجرةٌ في الجنةِ يقولُ لها: تَفَتَّقى لعبدى عمَّا شاء. فتَتَفَتَّقُ

(2)

له عن الخيلِ بسرُوجِها ولُجُمِها، وعن الإبلِ بأزِمَّتِها، وعمَّا شاء مِن الكِسوةِ

(3)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، عن جعفرٍ، عن شهرِ بن حَوْشبٍ، قال طوبى شجرةٌ في الجنةِ، كلُّ شجرِ الجنةِ منها، أغْصَانُها مِن وراِء سورِ الجنةِ

(4)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، عن معمرٍ، عن الأشعثِ بن عبدِ اللَّهِ، عن شهرِ بن حَوْشبٍ، عن أبي هريرةَ، قال: في الجنةِ شجرةٌ يقالُ لها: طوبى. يقولُ اللَّهُ لها: تَفَتَّقى. فذكَر نحوَ حديثِ ابن عبدِ الأعلى، عن ابن

(5)

ثورٍ

(6)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الجبارِ، قال: ثنا مرْوانُ، قال: أخبَرنا العلاءُ، عن شِمْرِ بن عطيةَ في قولِه:{طُوبَى لَهُمْ} . قال: هي شجرةٌ في الجنةِ يقالُ لها: طوبى.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، عن سفيانَ، عن

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 59 إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"فتفتق".

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 366 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 59 إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.

(4)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 377 عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 60 إلى أبى الشيخ.

(5)

في ص، ت 1، ت 2، س، ف:"أبو".

(6)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (265 - زوائد نعيم)، ومن طريقه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (55)، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 336 عن معمر به.

ص: 524

منصورٍ، عن حسانَ بن

(1)

أبى الأشْرِسِ، عن مُغيثِ بن سُمَىٍّ، قال: طوبى شجرةٌ في الجنةِ، ليس في الجنةِ دارٌ إلا فيها غُصْنٌ، منها، فيجيءُ الطائرُ فيقعُ، فيدْعوه فيأكلُ مِن أحدِ جنْبَيْه قَدِيدًا

(2)

، ومِن الآخرِ شِواءً، ثم يقولُ: طِرْ. فيطيرُ

(3)

.

قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن بعضِ أهلِ الشامِ، قال: إن ربَّك أخَذ لُؤلُوةً فوضَعها على راحتَيْه، ثم دَمْلَجها بينَ كفَّيْه، ثم غرَسها وَسْطَ أهلِ الجنةِ، ثم قال لها: امتدِّي حتَّى تَبْلغى مرضاتى. ففعَلتْ، فلما اسْتوتْ تَفَجَّرت مِن أصولِها أنهارُ الجنةِ، وهى طوبى

(4)

.

حدَّثنا الفضلُ بنُ الصَّبَّاحِ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ عبدِ الكريمِ الصنعانيُّ، قال: ثنى عبدُ الصمدِ بنُ مَعْقِلٍ أنه سمِع وهبًا يقولُ: إن في الجنةِ شجرةً يقالُ لها: طوبى. يَسيرُ الراكبُ في ظلِّها مائةَ عامٍ لا يَقْطَعُها؛ زَهْرُها رِياطٌ

(5)

، ووَرَقُها بُرُودٌ، وقُضبانُها عَنْبرٌ، وبَطْحاؤُها ياقوتٌ، وتُرابُها كافورٌ، ووَحْلُها مِسْكٌ، يَخْرُجُ مِن أصلِها أنهارُ الخمرِ واللبنِ والعسلِ، وهى مجلِسٌ لأهلِ الجنةِ، فبيْنا هم في مجلِسِهم إذ أتَتْهم ملائكةٌ مِن ربِّهم، يَقُودون نُجُبًا مَزمومةً بسلاسلَ مِن ذهَبٍ، وُجوهُها كالمصابيحِ مِن حُسْنِها، ووَبَرُها كَخَزِّ المِرْعِزَّى

(6)

مِن لينِه، عليها رِحالٌ ألواحُها مِن ياقوتٍ، ودُفوفُها من ذهبٍ،

(1)

سقط من: ص، م، ت 1، ت 2، ف. وينظر تهذيب الكمال 6/ 12 وسيأتي على الصواب في 527 من هذا الجزء.

(2)

القديد: اللحم المملوح المجفف في الشمس. اللسان (ق د د).

(3)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (268 - زوائد نعيم) وابن أبي شيبة في المصنف 13/ 139، وأبو نعيم في الحلية 6/ 68، من طريق سفيان به، وسعيد بن منصور في سننه (1170 - تفسير)، من طريق حسان به.

وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 12، إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(4)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 37 فقال: وذكر بعضهم فذكر نحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 59 إلى ابن أبي حاتم وأبى الشيخ عن أبي جعفر، رجل من أهل الشام.

(5)

رياط: ثياب لينة رقيقة. القاموس المحيط (ر ى ط).

(6)

المرعزى: الزغب الذي تحت شعر العنز. القاموس المحيط (ر ع ز).

ص: 525

وثيابُها مِن سندسٍ وإِسْتَبْرَقٍ، فيُنيخُونَها ويَقولون: إِنَّ رَبَّنا أرسلَنا إليكم لتَزورُوه وتسلِّموا عليه. قال: فيرْكَبونها - قال: فهى أسرعُ مِن الطائرِ، وأوطأُ مِن الفِراشِ - نُجُبًا من غيرِ مَهَنةٍ

(1)

، يَسيرُ الرجلُ إلى جنبِ أخيه وهو يُكَلِّمُه ويُناجيه، لا تصيبُ أُذُنُ راحلةٍ منها أُذُنَ صاحبتِها، ولا بَرْكُ راحلةٍ بَرْكَ صاحبتِها، حتى إن الشجرةَ لتَتَنحَّى عن طُرُقِهم لئلا تفرِّقَ بينَ الرجلِ وأخيه، قال: فيأتون إلى الرحمنِ الرحيمِ، فيُسْفِرُ لهم عن وجهِه الكريمِ حتى يَنْظُروا إليه، فإذا رأَوْه قالوا: اللهمَّ أنتَ السلامُ ومنكَ السلامُ، وحُقَّ لك الجلالُ والإكرامُ. قال: فيقولُ تبارك وتعالى عندَ ذلك: أنا السلامُ ومنى السلامُ، وعليكم حَقَّتْ رحمتى ومَحَبَّتي، مرحبًا بعبادى الذين خَشَوْني بغيبٍ وأطاعوا أمرى. قال: فيقولون: ربَّنا إنا لَم نَعْبُدُك حقَّ عبادتِك، ولم نُقَدِّرْكَ حَقَّ قَدْرِكَ، فأْذَنْ لنا بالسجودِ قُدَّامَك. قال: فيقولُ اللَّهُ: إنها ليستْ بدارِ نَصَبٍ ولا عِبادةٍ، ولكنها دارُ مُلْكٍ ونعيمٍ، وإنى قد رفَعتُ عنكم نَصَبَ العبادةِ، فَسَلُونى ما شئتُم، فإِنَّ لِكُلِّ رجلٍ مِنكم أَمنيَّتَه، فيَسْأَلونه، حتى إنَّ أقصرَهم أمنيةً لَيقولُ: ربِّ تنافَس أهلُ الدنيا في دنياهم، فتضايَقوا فيها، ربِّ فآتِنى كلَّ شيءٍ كانوا فيه مِن يومِ خَلَقْتَها إلى أن انْتهت الدنيا. فيقولُ اللَّهُ: لقد قَصَّرَتْ بك اليومَ أمنيتُك، ولقد سأَلْتَ دونَ منزلتِك، هذا لك منى، وسأُتْحِفُك بمنزِلتي؛ لأنه ليس في عطائى نَكَدٌ ولا تَصْرِيدٌ

(2)

. قال: ثم يقولُ: اعرِضوا على عبادى ما لم تَبْلُغْ أمانيُّهم، ولم يَخْطُرْ لهم على بالٍ. قال: فيَعْرِضون عليهم حتى يَقْضُوهم أمانيَّهم التي في أنفسِهم، فيكونُ فيما يَعْرِضون عليهم بَرَاذِينُ مُقَرَّنَةٌ؛ على كلِّ أربعةٍ منها سريرٌ مِن ياقوتةٍ واحدةٍ، على كلِّ سريرٍ منها قبَّةٌ مِن ذَهَبٍ مُفْرَغةٌ، في كلِّ قبةٍ منها فُرُشٌ مِن فُرُشِ الجنةِ مُظَاهِرَةٌ، في كلِّ قبةٍ منها جاريتان من الحُورِ العِينِ، على كلِّ جاريةٍ مِنهن ثوبان مِن ثيابِ الجنةِ، ليس في الجنةِ لونٌ إلا وهو

(1)

المهنة بفتحتين: الخدمة والعمل. القاموس المحيط (م هـ ن).

(2)

التصريد: التقليل. اللسان (ص ر د).

ص: 526

فيهما، ولا رِيحٌ طَيِّبةٌ إلا قد عَبِقتَا

(1)

به، يَنْفُذُ ضَوْءُ وجوهِهما غِلَظَ القبةِ، حتى يَظُنُّ مَن يَراهما أنهما مِن دونِ القبةِ، يرَى مُخَّهما مِن فوقِ سُوقِهما كالسلكِ الأبيضِ مِن ياقوتةٍ حمراءَ، يَرَيان له مِن الفضلِ على صَحابتِه كفضلِ الشمسِ على الحجارةِ أو أفضلَ، ويَرى هو لهما مثلَ ذلك، ثم يَدْخُلُ إليهما فيُحيِّيانه ويُقَبِّلانه ويُعانِقانِه، ويَقولانِ له: واللَّهِ ما ظننَّا أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ مثلَك. ثم يَأْمرُ اللَّهُ الملائكةَ فيَسيرون بهم صفًّا في الجنةِ، حتى يَنْتَهىَ كلُّ رجلٍ منهم إلى منزلتِه التي أُعِدَّتْ له

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عليُّ بنُ جريرٍ، عن حمادٍ، قال: شجرةٌ في الجنةِ، في

(3)

دارِ كلِّ مؤمنٍ غُصْنٌ منها.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن حسانِ بن أبى الأشرسِ، عن مُغيثِ بن سُمَىٍّ، قال: طوبى شجرةٌ في الجنةِ، لو أن رجلًا ركِب قلُوصًا؛ جَذَعًا أو جَذَعةً ثم دار بها، لم يَبْلُغِ المكانَ الذي ارتَحَل منه، حتى يَمُوتَ هَرَمًا، وما مِن أهلِ الجنةِ مَنْزلٌ إلا فيه

(4)

غصنٌ مِن أغصانِ تلك الشجرةِ، متدلٍّ عليهم، فإذا أرادوا أن يأكُلوا مِن الثمرةِ تَدَلَّى إليهم، فيأكُلون منه ما شاءوا، ويجِيءُ الطيرُ فيأكُلون منه قدِيدًا وشِواءً ما شاءوا، ثم يَطيرُ

(4)

.

وقد رُوِى عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خبرٌ بنحوِ ما قال مَن قال: هي شجرةٌ.

(1)

عبقت الرائحة في الشيء: بقيت. اللسان (ع ب ق).

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 378 عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 60 إلى المصنف وأبى الشيخ. وينظر حادى الأرواح ص 202.

(3)

في ت: "في كل"، وفي ت 2:"قال في".

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، س، ف.

ص: 527

‌ذكرُ الروايةِ بذلك

حدَّثني سليمانُ بنُ داودَ القُومَسيُّ، قال: ثنا أبو توبةَ الربيعُ بنُ نافعٍ، قال: ثنا معاويةُ بنُ سلَّامٍ، عن زيدٍ، أنه سمِع أبا سلَّامٍ، قال: ثنا عامرُ بنُ زيدٍ البِكَاليُّ، أنه سمِع عُتْبةَ بنَ عبدٍ السلميَّ

(1)

يقولُ: جاء أعرابيٌّ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، إن في الجنةِ فاكهةً؟ قال:"نعم، فيها شجرةٌ تُدْعى طوبى، هي تطابقُ الفِردوسَ". قال: أيَّ شجرِ أرضِنا تُشْبِهُ؟ قال: "ليستْ تُشْبِهُ شيئًا مِن شجرِ أرضِك، ولكن أتَيْتَ الشامَ؟ ". فقال: لا يا رسولَ اللَّهِ. فقال: "فإنها تُشْبِهُ شجرةً تُدْعَى الجَوْزةَ، تَنْبُتُ على ساقٍ واحدةٍ، ثم يَنْتَشِرُ أعلاها". قال: ما عِظَمُ أصلِها؟ قال: "لو ارْتَحَلَتْ جَذَعةٌ مِن إبلِ أهلِك ما أحاطتْ بأصلِها حتى تَنْكَسِرَ تُرْقُوَتاها هَرَمًا"

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ شبيبٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ زيادٍ الجَريرِيُّ، عن فُراتِ بن أبى الفُراتِ، عن معاويةَ بن قُرَّةَ، عن أبيه، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} : شجرةٌ غرَسَها اللَّهُ بيدِه، ونفَخ فيها مِن رُوحِه، تَنْبُتُ

(3)

بالحُلِيِّ والحُلَلِ، وإن أغصانَها لتُرى مِن وراءِ سُورِ الجنةِ"

(4)

.

(1)

في النسخ: "السلام". والمثبت من مصادر التخريج، وينظر تهذيب الكمال 19/ 314.

(2)

أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ 2/ 341 - وعنه ابن أبي عاصم في السنة (715) - والطبراني في الكبير 17/ 126، وفى الأوسط (402)، والبيهقي في البعث والنشور (300، 301)، من طريق أبي توبة به، وابن حبان (6450) من طريق معاوية بن سلام، وأحمد 29/ 191 (17642)، وابن أبي عاصم في السنة (716)، والطبراني في الكبير 17/ 128، وابن عبد البر في التمهيد 3/ 320، من طريق يحيى بن كثير عن عامر بن زيد به - ووقع عندهم جميعا - عدا أحمد - عمرو بن زيد بدل: عامر. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 59 إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه.

(3)

سقط من: م، ت 1، ت 2، س، ف.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 59 إلى المصنف.

ص: 528

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: أخبَرني عمرُو بنُ الحارثِ، أن درَّاجًا حدَّثه، أن أبا الهيثمِ حدَّثه، عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أن رجلًا قال له: يا رسولَ اللَّهِ، ما طوبى؟ قال:"شجرةٌ في الجنةِ مسيرةُ مائةِ سنةٍ، ثيابُ أهلِ الجنةِ تَخْرُجُ مِن أكمامِها"

(1)

.

فعلى هذا التأويلِ الذي ذكَرنا عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الروايةَ به، يَجِبُ أن يَكونَ القولُ في رفعِ قولِه:{طُوبَى لَهُمْ} . خلافَ القولُ الذي حكيْناه عن أهلِ العربيةِ فيه، وذلك أن الخبرَ عن رسولِ صلى الله عليه وسلم من أن طُوبى اسمُ شجرةٍ في الجنةِ، فإذ كان

(2)

كذلك فهو اسمٌ لمعرفةٍ، كزيدٍ وعمرٍو، وإذ كان

(3)

كذلك، لم يكنْ في قولِه:{وَحُسْنُ مَآبٍ} . إلا الرفعُ عطفًا به على {طُوبَى} .

وأما قولُه: {وَحُسْنُ مَآبٍ} . فإنه يقولُ: وحُسْنُ منقلَبٍ.

كما حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ:{وَحُسْنُ مَآبٍ} . قال: حُسْنُ مُنْقَلَبٍ

(4)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)} .

(1)

أخرجه ابن أبي داود في البعث (67)، وابن حبان (7413)، والآجرى في الشريعة (624)، من طريق ابن وهب به. وأخرجه أحمد (11673)، وأبو يعلى (1374)، والخطيب في تاريخه 4/ 90، من طريق دراج به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 59 إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه. وينظر السلسلة الصحيحة (1985).

(2)

بعده في ف: "ذلك".

(3)

بعده في م: "ذلك".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 62 إلى المصنف.

ص: 529

يقولُ تعالى ذكرُه: هكذا

(1)

أرسَلْناك يا محمدُ في جماعةٍ مِن الناسِ، يَعْنى: إلى جماعةٍ قد خلَتْ مِن قبلِها جماعاتٌ على مثلِ الذي هم عليه، فمضَت - {لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}. يقولُ: لتبلِّغَهم ما أرسلتُكَ به إليهم مِن وَحْيِى الذي أوحيتُه إليك، {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}. يقولُ: وهم يَجْحَدُون وحدانيةَ اللَّهِ ويكذِّبون بها، {قُلْ هُوَ رَبِّي}. يقولُ: إِن كَفَر هؤلاء الذين أرسلتُكَ إليهم يا محمدُ بالرحمنِ، فقُلْ أنت: اللَّهُ ربي لا إلهَ إلا هو عليه توكَّلْتُ، {وَإِلَيْهِ مَتَابِ}. يقولُ: وإليه مرجعى وأَوْبَتَى. وهو مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: تُبتُ مَتَابًا وتَوبةً.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} : ذُكِر لنا أن نبيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زمنَ الحديبيةِ حين صالَح قريشًا كتَب: هذا ما صالَح عليه محمدٌ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فقال مشركو قريشٍ: لئن كُنتَ رسولَ اللَّهِ ثم قاتَلْناك لقد ظلَمْناك، ولكنِ اكْتُبْ: هذا ما صالَح عليه محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ. فقال أصحابُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: دَعْنا يا رسولَ اللَّهِ نُقاتِلُهم. فقال: "لا، ولكنِ اكْتُبوا [كما يُريدون]

(2)

؛ إنى محمدُ

(3)

بنُ عبدِ اللَّهِ"، فلما كتب الكاتبُ

(4)

: بسمِ اللَّهِ

= وإلى هنا ينتهى الجزء الثاني من النسخة "س"، وهو آخر الموجود منها لدينا.

(1)

في ت 1: "كذلك".

(2)

في ف: "ما تريدون".

(3)

في ص: "لمحمد".

(4)

في ت 1: "في الكتاب"، وفى ت 2، ف:"الكتاب".

ص: 530

الرحمنِ الرحيمِ. قالت قريشٌ: أما الرحمنُ فلا نَعْرِفُه. وكان أهلُ الجاهليةِ يَكْتُبون: باسمِك اللهمَّ. فقال أصحابُه: يا رسولَ اللَّهِ، دَعْنا نُقاتِلْهم. قال: "لا، ولكن اكتُبوا [كما يُريدون]

(1)

"

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: قولُه: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ} الآية. قال: هذا لما كاتَب رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قريشًا في الحديبيةِ، كتَب: بسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ. قالوا: لا تَكْتُبِ الرحمنَ، وما ندرى ما الرحمنُ؟ ولا نَكْتُبُ

(3)

إلا: باسمِك اللهمَّ. قال اللَّهُ: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} . الآية.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} .

اختلَف أهلُ التأويلِ في معنى ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه: وهم يَكْفُرون بالرحمنِ ولو أنّ قرآنًا سُيِّرت به الجبالُ. أي: يَكْفُرون باللَّهِ ولو سَيَّر لهم الجبالَ بهذا القرآنِ. وقالوا: هو مِن المؤخَّرِ الذي معناه التقديمُ، وجعَلوا جوابَ "لو" مقدَّمًا قبلَها. وذلك أن الكلامَ على معنى قبلِهم: ولو أنَّ هذا القرآنَ [سُيِّرت به]

(4)

الجبالُ أو قُطِّعت به الأرضُ لكفَروا بالرحمنِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي،، قال: ثنى أبي، عن

(1)

في ف: "ما تريدون".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 62 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(3)

في ت 1، ف:"تكتب"، وغير منقوطة في ص.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"سيرته".

ص: 531

أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} . قال: هم المشركون مِن قريشٍ، قالوا لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لو وسَّعتَ لنا أوديةَ مكةَ، وسيَّرتَ جبالَها، فاحترَثْناها، وأحيَيْتَ مَن مات منا، أو

(1)

قَطِّعْ به الأرضَ، أو

(1)

كَلِّمْ به الموتى. فقال اللَّهُ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} : قولُ كفارِ قريشٍ لمحمدٍ: سَيِّرْ جبالَنا تَتَّسِعْ لنا أرضُنا، فإنها ضيقةٌ، أو قرِّبْ لنا الشامَ، فإنا نَتَّجِرَ إليها، أو

(1)

أخْرِجْ لنا آباءَنا مِن القبورِ نُكلِّمْهم. فقال اللَّهُ تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، [وحدَّثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ]

(4)

بنحوِه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ نحوَه. قال ابن جريجٍ: وقال عبدُ اللَّهِ بنُ كثيرٍ

(5)

: قالوا: لو فَسَحْتَ عنا

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"و".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 62 إلى المصنف وابن مردويه.

(3)

تفسير مجاهد ص 407.

(4)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ف.

(5)

بعده في ص، ت 1، ت 2، ف:"قال".

ص: 532

الجبالَ، أو أجْرَيتَ لنا الأنهارَ، أو كلَّمتَ به الموتى. فنزَل ذلك. قال ابن جريجٍ: وقال ابن عباسٍ: قالوا: سَيِّرْ بالقرآنِ الجبالَ، قَطِّعْ بالقرآنِ الأرضَ، أخرِجْ به موتانا

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن كثيرٍ: قالوا: لو فَسَحْتَ عنا الجبالَ، أو أجْرَيتَ لنا الأنهارَ، أو كلَّمتَ به الموتى. فنزَل:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} .

وقال آخرون: بل قولُه

(2)

: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} . كلامٌ مبتدأٌ، مُنْقَطِعٌ عن قولِه:{وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} . قال: وجوابُ "لو" محذوفٌ، استُغْنِى بمعرفةِ السامعين المرادَ مِن الكلامِ عن

(3)

ذكرِ جوابِها. قالوا: والعربُ تَفْعلُ ذلك كثيرًا، ومنه قولُ امرئ القيسِ

(4)

:

فلو أنها نَفْسٌ تموتُ سريحةً

(5)

ولكنها نَفْسٌ تَقَطَّعُ

(6)

أَنْفُسًا

وهو آخرُ بيتٍ في القصيدةِ

(7)

، فتُرِك الجوابُ اكتفاءً بمعرفةِ سامعِه مرادَه.

وكما قال الآخرُ

(8)

:

فأُقسمُ لو شيءٌ أتانا رسولُه

سواك ولكن لم نَجِدْ لك مَدْفَعا

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 63 إلى المصنف وأبى الشيخ من قول ابن عباس وحده.

(2)

في م: "معناه".

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"من".

(4)

ديوانه ص 107.

(5)

في الديوان: "جميعة". والسريحة: السهلة. اللسان (س ر ح).

(6)

في الديوان: "تساقط".

(7)

ليس البيت - في ديوانه الذي بين أيدينا - آخر بيت في القصيدة، وإنما بعده ثلاثة أبيات.

(8)

هو امرؤ القيس أيضا، وتقدم البيت في 2/ 362، ينظر تخريجه والتعليق عليه هناك.

ص: 533

‌ذكرُ مَن قال نحوَ معنى ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} : ذُكِر لنا أن قريشًا قالوا: إنْ سَرَّكَ يا محمدُ اتباعُك، أو أن

(1)

نَتَّبِعَك، فسَيِّرْ لنا جبالَ تِهامةَ، أو زِدْ لنا في حَرَمِنا، حتى نَتَّخِذَ قطائعَ نَخْتَرِفُ

(2)

فيها، أو أحْيِ لنا فلانًا وفلانًا - ناسًا ماتوا في الجاهليةِ - فأنزَل اللَّهُ تعالى:{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} . يقولُ: لو فُعِل هذا بقرآنٍ قبلَ قرآنِكم، لفُعِل بقرآنِكم.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ أن كفارَ قريشِ قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أذهِبْ عنا جبالَ تِهامةَ حتى نَتَّخِذَها زرعًا فتكونَ لنا أرَضين، أو أحْيِ لنا فلانًا وفلانًا يُخْبِروننا: حقٌّ ما تقولُ؟ فقال اللَّهُ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} . يقولُ: لو كان فُعِل [ذلك بشيءٍ مِن الكتبِ]

(3)

فيما مضَى كان ذلك

(4)

.

حُدِّثت عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعت أبا معاذٍ يقولُ: أخبَرنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتْ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} الآية. قال: قال كفارُ قريشٍ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم: سَيِّرْ لنا الجبالَ كما سُخِّرت لداودَ، أو قَطِّعْ لنا الأرضَ كما قُطِّعت لسليمانَ، فاغْتَدَى

(5)

بها شهرًا وراح بها

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(2)

نحترف: نجتنى. اللسان (خ ر ف).

(3)

في ت 1: "شيء من ذلك بالكتاب"، وفى ت 2، ف:"ذلك بشيء من الكتاب".

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 336 عن معمر به.

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"فاغد".

ص: 534

شهرًا، أو كَلِّمْ لنا الموتى كما كان عيسى يُكَلِّمُهم. يقولُ: لم أُنزِلْ بهذا كتابًا، ولكن كان شيئًا أعطيتُه أنبيائي ورسلي

(1)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ في قولِه: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} الآية. قال: قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقًا فسيَّرْ عنا هذه الجبالَ واجعلْها حُروثًا كهيئةِ أرضِ الشامِ ومصرَ والبلدانِ، أو ابْعَثْ موتانا فأخبِرْهم، فإنهم قد ماتوا على الذي نحن عليه. فقال اللَّهُ:{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} . لم يُصْنَعْ ذلك بقرآنٍ قَطُّ ولا كتابٍ فيُصْنَعَ ذلك بهذا القرآنِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} .

اختلَف أهلُ المعرفةِ بكلامِ العربِ في معنى قولِه: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ} ؛ فكان بعضُ أهلِ البصرةِ يَزْعُمُ أَن معناه: ألم يَعْلَمُ ويَتَبَيَّنْ؟ ويَسْتَشْهِدُ لقيلِه ذلك ببيتِ سُحَيمِ بن وَثِيلٍ الرياحيِّ

(2)

:

أقولُ لهم بالشِّعْبِ إذ يَأْسِيرونَنى

أَلم تَيْأْسُوا أَنِي ابْنُ فَارِسِ زَهْدمِ

(3)

ويُروى: يَيْسِرونني. فمَن رواه: يَيْسُرِوننى. فإنه أراد: يَقْتسِمونني

(4)

. مِن الميسرِ، كما يُقْسَمُ الجَزورُ. ومَن رواه: يَأْسرونني، فإنه أراد الأسْرَ. وقال: عنَى

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 63 إلى المصنف.

(2)

مجاز القرآن 1/ 332، واللسان (ى س ر، ى أ س، ز هـ د م). وفى الموضعين الأخيرين: وذكر بعض العلماء أنه لولده جابر بن سحيم. وينظر تعليق ابن منظور (ى أ س).

(3)

زهدم: فرس سحيم بن وثيل.

(4)

في م: "يقسموني".

ص: 535

بقولِه: ألم تَيْأَسُوا: ألم تَعْلَموا. وأنشَدوا أيضًا في ذلك

(1)

:

ألم يَيْأسِ الأقوامُ أني أنا ابنُه

وإن كنت عن أرضِ العشيرةِ نائيا

وفسَّروا معنى

(2)

قولِه: ألم يَيْأَسُ: ألم يَعْلَمُ ويَتَبَيَّنْ. وذُكِر عن ابن الكلبيِّ أن ذلك لغةٌ لحيٍّ من النجَعِ يقالُ لهم: وَهْبيلٌ، تقولُ: ألم تَيْأسْ كذا. بمعنى: ألم تَعْلَمُه. وذُكر عن القاسمِ بن معنٍ أنها لغةُ هوازنَ، وأنهم يقولون: يَئِستُ كذا: علمتُ.

وأما بعضُ الكوفيين فكان يُنْكِرُ ذلك، ويَزْعُمُ أنه لم يَسْمَعْ أحدًا مِن العربِ يقولُ: يَئِسْت. بمعنى: علِمتُ. ويقولُ: هو في المعنى وإن لم يَكُنْ مسموعًا "يَئِستُ" بمعنى "علِمتُ". يَتَوجَّهُ إلى ذلك أن اللَّهَ قد أوقع إلى المؤمنين أنه لو شاء لهدَى الناسَ جميعًا، فقال: ألم

(3)

يَيْأَسوا علمًا. يقولُ: يُؤيسُهم العلمُ. فكان فيه العلمُ مضمرًا، كما يقالُ: قد

(4)

يَئِستُ منك ألا تُفْلِحَ علمًا. كأنه قيل: علِمتُه علمًا. قال: وقولُ الشاعرِ

(5)

:

حتى إذا يَئِسَ الرماةُ وأرْسَلُوا

غُضْفًا دَواجِنَ قافِلًا أَعْصامُها

(6)

معناه: حتى إذا يئِسوا من كلِّ شيءٍ مما يمكنُ إلا

(7)

الذي ظهَر لهم، أرسَلوا.

(1)

مسائل نافع ص 70 منسوبا لمالك بن عوف، وتفسير القرطبي 9/ 320 منسوبا لرباح بن عدى، وغير منسوب في أساس البلاغة (ى أ س).

(2)

سقط من: م.

(3)

في م: "أفلم".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"في".

(5)

هو لبيد بن ربيعة، والبيت في شرح ديوانه ص 311.

(6)

الغضف: المسترخية الآذان، والدواجن: المعودة للصيد، وقافل يابس، وأعصامها: قلائدها. ينظر شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ص 568.

(7)

في ص، ف:"لا".

ص: 536

فهو في معنى: حتى إذا علِموا أَنْ ليس وجهٌ إلا الذي رأَوْا، وانتهى عِلْمُهم، فكان ما سواه يأسًا.

وأما أهلُ التأويلِ، فإنهم تأوّلوا ذلك بمعنى: أفلم يعلَمْ ويتبيَّنْ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك منهم

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا هشيمٌ، عن أبي

(1)

إسحاقُ الكوفيِّ، عن مولًى يُخبرُ

(2)

أن عليًّا رضي الله عنه كان يَقْرَأُ

(3)

: (أفلم يَتَبَيَّنِ الذين آمَنوا)

(4)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، عن هارونَ، عن حنظلةَ، عن شهرِ بن حَوْشَبٍ، عن ابن عباسٍ:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ} . يقولُ: أفلم يَتَبَيَّنْ.

حدَّثنا أحمدُ بنُ يوسفَ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنا يزيدُ، عن جريرِ بن حازمٍ، عن الزبيرِ بن الخِرِّيتِ

(5)

، أو يَعْلى بن حكيمٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، أنه كان يَقْرَؤُها:(أَفَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا). قال: كتَب الكاتبُ الأخرى وهو ناعسٌ

(6)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا حجاجُ بنُ محمدٍ، عن ابن جريجٍ، قال:

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"ابن"، وينظر تهذيب الكمال 16/ 196.

(2)

في ت 1: "بجير".

(3)

في م، ت 1، ت 2، ف:"يقول".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 63 إلى المصنف.

(5)

في م: "الحارث"، وفى ت 1، ف:"الحريث". وينظر تهذيب الكمال 9/ 301.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 63 إلى المصنف وابن الأنباري في المصاحف.

وقال الزمخشري في الكشاف 2/ 360: وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتا بين دفتي الكتاب وكان متقلبا في أيدى أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله

هذه واللَّه فرية ما فيها مرية. وقال القرطبي في تفسيره 9/ 320: وهو باطل عن ابن عباس؛ لأن مجاهدا وسعيد بن جبير حكيا الحرف عن ابن عباس على ما هو في المصحف.

ص: 537

في القراءةِ الأولى - زعَم ابن كثيرٍ وغيرُه: (أفلم يَتَبَيَّنْ).

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} . يقولُ: ألم يَتَبَيَّنْ.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} . يقولُ: يَعْلَمُ

(1)

.

حدَّثنا عمرانُ بنُ موسى، قال: ثنا عبدُ الوارثِ، قال: ثنا ليثٌ، عن مجاهدٍ في قولِه:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} . قال: أفلم يَتَبَيَّنُ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ في قولِه:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} . قال: ألم يَتَبَيَّنِ الذين آمَنوا.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} . قال: ألم يَعْلَمِ الذين آمَنوا.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} . قال: ألم يَعْلمِ الذين آمَنوا.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك ما قالَه أهلُ التأويلِ: إن تأويلَ ذلك: أفلم يَتَبَيَّنْ ويَعْلَمْ؟ لإجماعِ أهلِ التأويلِ على ذلك، والأبياتِ التي أنشَدناها فيه.

فتأويلُ الكلامِ إذَنْ: ولو أنّ قرآنًا سوى هذا القرآنِ كان سُيِّرت به الجبالُ، لسُيِّر بهذا القرآنِ، أو قُطِّعت به الأرضُ، لقُطِّعت بهذا، أو كُلِّم به الموتى، لَكُلِّم بهذا،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما في الإتقان 2/ 22 - من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 63 إلى ابن المنذر.

ص: 538

ولم

(1)

يُفعلْ ذلك

(2)

بقرآنٍ قبلَ هذا القرآنِ فيُفعلَ

(3)

بهذا. {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} . يقولُ: ذلك كلُّه إليه وبيدِه، يَهْدِى مَن يشاءُ إلى الإيمانِ فيُوَفِّقُه له، ويُضِلُّ مَن يشاءُ فيَخْذُلُه، أفلم يَتَبَيَّنِ الذين آمنوا باللَّهِ ورسولِه إذ طمِعوا في إجابتي مَن سأَل نبيَّهم مِن تسييرِ الجبالِ عنهم، وتقريبِ أرضِ الشامِ عليهم، وإحياءِ موتاهم، أن لو يشاءُ اللَّهُ لهدَى الناسَ جميعًا إلى الإيمانِ به، من غيرِ إيجادِ آيةٍ، ولا إحداثِ شيءٍ مما

(4)

سأَلوا إحداثَه؟ يقولُ تعالى ذكرُه: فما معنى محبتِهم ذلك، مع علمِهم بأن الهدايةَ والإهلاكَ إليَّ ويبدِى، أنْزَلتُ آيةً أو لم أُنْزِلْهَا، أَهْدِى مَن أشاءُ بغيرِ إِنزالِ آيةٍ، وأُضِلُّ مَن أرَدتُ مع إنزالِها؟

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: {وَلَا يَزَالُ} يا محمدُ {الَّذِينَ كَفَرُوا} مِن قومِك {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا} مِن كفرِهم باللَّهِ، وتكذيبِهم إياك، وإخراجِهم لك مِن بين أظْهُرِهم، {قَارِعَةٌ} . وهى ما يَقْرَعُهم مِن البلاءِ والعذابِ والنِّقَم، بالقتلِ أحيانًا، وبالجدوبِ

(5)

والقَحْطِ أحيانًا، {أَوْ تَحُلُّ} أنت يا محمدُ. يقولُ: أو تَنْزِلُ أنت {قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} بجيشِك وأصحابِك {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} الذي وعدَك فيهم. وذلك ظهورُك عليهم، وفتحُك أرضَهم، وقهرُك إياهم بالسيفِ، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}. يقولُ: إن اللَّهَ منجزُك يا محمدُ ما وعَدك مِن الظهورِ عليهم؛

(1)

في م: "لو".

(2)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ف.

(3)

في م: "لفعل".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"بما".

(5)

في م: "بالحروب أحيانا".

ص: 539

لأنه لا يُخْلِفُ وعدَه.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو داودَ

(1)

، قال: ثنا المسعوديُّ، عن قتادةَ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} . قال: سَرِيَّةٌ، {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}. قال: محمدٌ، {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}. قال: فتحُ مكةَ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن المسعوديِّ، عن قتادةَ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ بنحوِه، غيرَ أنه لم يَذْكُرْ سَرِيةً.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا أبو قَطَنٍ، قال: ثنا المسعوديُّ، عن قتادةَ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ أنه

(3)

تلا هذه الآيةَ: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} . قال: القارعةُ السَّرِيةُ، {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}. قال: هو محمدٌ صلى الله عليه وسلم، {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} قال: فتحُ مكةَ.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو غسانَ، قال: ثنا زهيرٌ، أن خُصَيفًا حدَّثهم، عن عكرمةَ في قولِه:{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} . قال: نزَلت بالمدينةِ في سرايا النبيِّ صلى الله عليه وسلم، {أَوْ تَحُلُّ} أنت يا محمدُ

(1)

كذا في النسخ، وسقط منه شيخ المصنف.

(2)

تفسير مجاهد ص 408، عن المسعودي به، وأخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 168 من طريق المسعودي به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 63 إلى الطيالسي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ وابن مردويه.

(3)

زيادة: م.

ص: 540

{قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن النضرِ بن عربيٍّ، عن عكرمةَ:{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} . قال: سَرِيةٌ، {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}. قال: أنت يا محمدُ.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} . يقولُ: عذابٌ مِن السماءِ يَنْزِلُ عليهم، {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}: يعنى نزولَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بهم وقتالَه إياهم

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} : تُصابُ منهم سَرِيةٌ، أو تُصابُ منهم مصيبةٌ، أو يحُلُّ محمدٌ قريبًا من دارِهم. وقولَه {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}. قال: الفتحُ

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجاجُ، قال: ثنا حمادُ بنُ زيدٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن أبى نَجيحٍ:{أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} : يعنى النبىَّ صلى الله عليه وسلم.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ نحوَ حديثِ الحسنِ، عن شبابةَ.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 64 إلى المصنف.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 64، إلى المصنف وابن مردويه، وينظر تفسير ابن كثير 4/ 383.

(3)

تفسير مجاهد ص 407، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 64 إلى ابن المنذر وابن أبي شيبة وأبى الشيخ.

ص: 541

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا قيسٌ، عن خُصَيفٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، قال:{قَارِعَةٌ} . قال: السرايا

(1)

.

قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا عبدُ الغفارِ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{قَارِعَةٌ} . قال: مصيبةٌ مِن محمدٍ، {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}. قال: أنت يا محمدُ، {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}. قال: الفتحُ

(2)

.

قال: ثنا إسرائيلُ، عن خُصَيفٍ، عن مجاهدٍ:{قَارِعَةٌ} . قال: كتيبةٌ.

قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا عمرُو بنُ ثابتٍ، عن أبيه، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} . قال: سريةٌ، {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}. قال: أنت يا محمدُ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} أي: بأعمالِهم أعمالِ السوءِ. و

(3)

قولَه: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} أنت يا محمدُ، {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}: ووعدُ اللَّهِ فتحُ مكةَ.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن مَعْمرٍ، عن قتادةَ:{قَارِعَةٌ} . قال: وقيعةٌ، {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}. قال: يعنى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، يقولُ: أو تَحُلُّ أنت قريبًا من دارِهم.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا محمدُ بنُ طلحةَ، عن طلحةَ، عن مجاهدٍ:{تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} . قال: سريةٌ.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 63 إلى المصنف والفريابي وابن مردويه.

(2)

أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 168 من طريق شريك، عن منصور، عن مجاهد نحو حديث الحسن بن محمد، عن شبابة.

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

ص: 542

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} . قال: السرايا، كان يَبْعثُهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} أنت يا محمدُ، {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}. قال: فتحُ مكةَ

(1)

.

قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن بعضِ أصحابِه، عن مجاهدٍ:{تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} . قال: كتيبةٌ.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ في قولِه: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} . قال: قارعةٌ مِن العذابِ.

وقال آخرون: معنى قولِه: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} : تحُلُّ

(2)

القارعةُ قريبًا مِن دارِهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، قال: قال الحسنُ: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} . قال: أو تَحُلُّ القارعةُ قريبًا مِن دارِهم

(3)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن الحسنِ، قال:{أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} . قال: أو تَحُلُّ القارعةُ.

وقال آخرون في قولِه: {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} : هو يومُ القيامةِ.

(1)

تفسير الثوري ص 154.

(2)

في ص، ت 2، ف:"على"، وفى ت 1:"قال".

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 337 من طريق معمر به.

ص: 543

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا مُعَلَّى بنُ أسدٍ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ حكيمٍ، عن رجلٍ قد سمّاه، عن الحسنِ في قولِه:{حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} . قال: يومُ القيامةِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)} .

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: يا محمدُ، إن يَسْتَهزِئُ هؤلاء المشركون مِن قومِك، ويَطْلُبوا منك الآياتِ، تكذيبًا منهم ما جئتَهم به، فاصبِرْ على أذاهم لك، وامضِ لأمرِ ربِّك في إنذارِهم

(1)

والإعذارِ إليهم، فلقد استهزَأت أممٌ مِن قبلِك قد خلَت فمضَت - برسلٍ، فأطَلْتُ لهم في المَهَلِ، ومدَدتُ لهم في الأجلِ، ثم أحلَلتُ بهم عذابي ونِقْمتى حين تمادَوا في غيِّهم وضلالِهم، فانْظُرْ كيف كان عقابي إياهم حين عاقبتُهم، ألم أُذِقْهم أليمَ العذابِ، وأجعلْهم عبرةً لأولى الألبابِ؟

والإملاءُ في كلامِ العربِ الإطالةُ، يقالُ منه: أَمْلَيْتُ لفلانٍ. إذا أطَلتَ له في المَهَلَ. ومنه المُلاوةُ مِن الدهرِ، ومنه قولُهم: تملَّيْتَ حبيبًا

(2)

، ولذلك قيل لليلِ والنهارِ: الملَوان. لطولِهما، كما قال ابن مُقْبِلٍ

(3)

:

ألا يا ديارَ الحيِّ بالسَّبُعانِ

ألحَّ عليها بالبِلَى الملَوانِ

وقيل للخَرْقِ الواسِعِ مِن الأرضِ: مَلًا. كما قال الشاعرُ

(4)

:

(1)

في م، ت 1، ت 2، ف:"إعذارهم".

(2)

في م: "حينا". وينظر ما تقدم في 6/ 260.

(3)

تقدم البيت وتخريجه في 6/ 260.

(4)

هو الطرماح بن حكيم، والبيت في ديوانه ص 477.

ص: 544

فأَخْضَلَ

(1)

منها كلُّ بالٍ وعيِّنِ

(2)

وَجيفُ

(3)

الرَّوايا بالمَلا المتباطنِ

لطولِ ما بين طرَفيه وامتدادِه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: أفالربُّ الذي هو دائمٌ لا يَبِيدُ ولا يَهْلِكُ، قائمٌ بحفظِ

(4)

أرزاقِ جميعِ الخلقِ، مُتَضَمِّنٌ لها، عالمٌ بهم وبما يَكْسِبونه مِن الأعمالِ، رقيبٌ عليهم، لا يَعْزُبُ عنه منه

(5)

شيءٌ أينما كانوا، كمن هو هالكٌ بائدٌ، لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يَفْهَمُ شيئًا، ولا يَدْفَعُ عن نفسِه ولا عمن يَعْبُدُه ضَرًّا، ولا يَجْلِبُ إليهما نفعًا، كلاهما سواءٌ؟! وحذَف الجوابَ في ذلك، فلم يَقُلْ - وقد قيل:{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} -: ككذا وكذا. اكتفاءً بعلمِ السامعِ بما ذكَر

(6)

عما ترَك ذكرَه، وذلك أنه لما قال جلَّ ثناؤُه:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ} عُلِم أن معني الكلامِ: كشركائِهم التي اتخَذوها آلهةً. كما قال الشاعرُ

(7)

:

تَخَيَّري خُيِّرتِ [أمَّ عالِ]

(8)

(1)

في مطبوع الديوان: "فأخلق". والمثبت موافق لما في مخطوط الديوان.

(2)

العين: الجديد، طائية. اللسان (ع ى ن).

(3)

في م: "وجف". وهى رواية للبيت والوجيف: سرعة السير. ينظر اللسان (و ج ف).

(4)

في ت 2، ف:"يحفظ".

(5)

سقط من: م.

(6)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"ذكرنا".

(7)

هو القتال الكلابي، والبيت في ديوانه ص 93.

(8)

في الديوان: "في الرجال". وأم عال هي عالية، امرأة كان ينسب بها في أشعاره. ينظر الأغانى 27/ 189.

ص: 545

بينَ قصيرٍ شَبرُه

(1)

تِنبالِ

(2)

أذاك أم مُنْخرِقُ السربالِ

(3)

ولا يزالُ آخرَ الليالي

متلفَ مالٍ ومُفِيدَ مالِ

ولم يَقُلْ - وقد قال: شَبْرُه تنبالِ -: وبين كذا وكذا. اكتفاء منه بقوله: أذاك أم مُنْخَرِقُ السِّربال. ودلالة الخبر عن المنخرق السربال على

(4)

مرادِه في ذلك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا بشر بن معاذٍ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله:{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} : ذلكم ربُّكم تبارك وتعالى، قائمٌ على بنى آدمَ بأرزاقهم وآجالهم، وحفِظ عليهم - والله - أعمالهم.

حدَّثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمدُ بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} . [قال: الله قائمٌ على كلِّ نفس]

(5)

.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن

(1)

في الديوان: "باعه". والشبر: القامة. اللسان (ش ب ر).

(2)

التنبال: القصير. التاج (تنبل).

(3)

السربال: القميص، ومنخرق السربال: كناية عن كثرة السفر، يقال: رجل منخرق السربال، إذا طال سفره فتشققت ثيابه. ينظر التاج (خ ر ق).

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"عن".

(5)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ف.

ص: 546

أبيه، عن ابن عباس قوله:{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} : يعني بذلك نفسَه. يقول: هو معكم أينما كنتم، فلا يَعْمَلُ عاملٌ إلا والله

(1)

حاضره

(2)

.

ويقال: هم الملائكةُ الذين وُكِّلوا ببنى آدمَ

(3)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريج:{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} : و

(4)

على رزقهم، وعلى طعامهم، فأنا على ذلك قائم

(5)

، وهم عبيدى، ثم جعلوا لي شركاءَ

(6)

.

حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقولُ: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعتُ الضحاك يقولُ في قوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} : فهو الله، قائمٌ على كل نفس؛ بَرٍّ وفاجرٍ، يرزقهم ويَكْلؤُهم، ثم يُشرك به منهم من أشرك

(7)

.

وقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمَ بِظَاهِرِ مَّنَ الْقَوْلِ} . يقول تعالى ذكره: أنا القائمُ بأرزاقِ هؤلاء المشركين، والمدبِّرُ أمورهم، والحافظ عليهم أعمالَهم، وجعلوا لي شركاءَ من خلقى يَعْبُدونها دونى، قل يا محمد لهم: سَمُّوا هؤلاء الذين أشرَكْتموهم في عبادة الله. فإنهم إن قالوا: آلهةٌ. فقد كذَبوا؛ لأنَّه لا إله إلا الواحد القهَّارُ، لا شريك له. {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا

(1)

في م: "هو".

(2)

في م: "حاضر".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 64 إلى المصنف وابن مردويه مقتصرًا على قوله: يعنى بذلك نفسه.

(4)

سقط من: م.

(5)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 64 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 64 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

ص: 547

يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ} يقولُ: أَتُخْبِرونه بأنَّ في الأرضِ إلهًا، ولا إله غيرُه في الأرضِ ولا في السماءِ.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثت عن الحسين، قال: سمعتُ أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عبيدٌ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ} : ولو سمَّوْهم آلهةً لكذَبوا، وقالوا في ذلك غيرَ الحقِّ؛ لأنَّ اللَّهَ واحدٌ ليس له شريكٌ، قال الله: {[أَمْ تُنَبَّئُونَهُ]

(1)

بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمَ بِظَاهِرِ مِّنَ الْقَوْلِ}، يقول: لا يَعْلَمُ اللَّهُ في الأرضِ إلها غيرَه

(2)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قوله:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ} : واللَّهُ خلَقهم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُوهُمْ} : ولو سَمَّوهم كذَبوا، وقالوا في ذلك ما لا يَعْلَمُ الله، ما

(3)

من إلهٍ غيرُ اللَّهِ، فذلك

(4)

قوله: {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ]

(2)

.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"أتنبئونه".

(2)

تمام الأثر المتقدم في ص 547.

(3)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ف.

(4)

في ص، ت 1، ت،2، ف:"بذلك".

ص: 548

[وقولُه]: {أَم بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَولِ} . [يقولُ تعالى ذكره: أم تُنَبِّئُونه بظاهرٍ من القولِ]

(1)

مسموعٍ، وهو في الحقيقة باطلٌ لا صحة له.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم قالوا:{أَم بِظَاهِرٍ} . معناه: أم بباطلٍ. فأتَوا بالمعنى الذي تدلُّ عليه الكلمة دون البيان عن حقيقة تأويلها.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{بِظَاهِرِ مِّنَ الْقَوْلِ} : بظَنٍّ

(2)

.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن قتادةَ قوله:{أَم بِظَاهِرِ مِّنَ الْقَوْلِ} : والظاهرُ من القول هو الباطلُ

(3)

.

حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقولُ: ثنا عبيدُ بنُ سليمان، قال: سمعتُ الضحاك يقولُ في قوله: {أَم بِظَاهِرِ مَّنَ الْقَوْلِ} : يقولُ: أم بباطلٍ من القولِ وكذبٍ، ولو قالوا

(4)

، قالوا الباطل والكذبَ

(5)

.

وقوله: {بَلْ زُيَّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ} . يقول تعالى ذكرُه: ما للَّهِ مِن

(1)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ف.

(2)

تفسير مجاهد ص 408، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 64 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 64 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"قال".

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 64 إلى المصنف وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

ص: 549

شريكٍ في السماواتِ ولا في الأرضِ، ولكن زُيِّن للمشركين الذين يدعون من دونه إلهًا، مكرهم، وذلك افتراؤُهم وكذبُهم على الله.

وكان مجاهدٌ يقولُ: معنى المكرِ هاهنا: القولُ. كأنه قال

(1)

: يعنى: قولهم بالشرك بالله.

حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد قوله:{بَلْ زُيَّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ} . قال: قولُهم

(2)

.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

وأما قوله: {وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيل} . فإن القرَأةَ اختلفت في قراءته؛ فقرأته عامَّةُ قرأةِ الكوفيين: {وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ} بضم الصادِ

(3)

، بمعنى: وصدَّهم الله عن سبيلِه لكفرهم به. ثم جُعِلتِ الصادُ مضمومةً إذ لم يُسَمَّ فاعله.

وأما عامة قرأة الحجاز والبصرة، فقرَءوه بفتح الصادِ

(4)

، على معنى أن المشركين هم الذين صَدُّوا الناسَ عن سبيل الله.

والصوابُ مِن القول في ذلك عندى أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان، قد قرَأ بكلِّ واحدة منهما أئمة من القرأة، متقاربتا المعنى، وذلك أن المشركين بالله كانوا مصدودين عن الإيمان به، وهم مع ذلك كانوا يَصُدُّون غيرهم، كما

(1)

سقط من: م.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 64 إلى المصنف وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(3)

هي قراءة عاصم وحمزة والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص 359.

(4)

هي قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو وابن عامر. السابق.

ص: 550

وصَفهم الله به بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 36].

وقوله: {وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} . يقول تعالى ذكرُه: ومَن أضَلَّهُ اللَّهُ عن إصابة الحقِّ والهدى، بخذلانه إياه، فما له أحدٌ يهديه لإصابتهما

(1)

؛ لأن ذلك لا يُنالُ إلا بتوفيقِ الله ومعونيه، وذلك بيد الله وإليه، دونَ كلِّ أحدٍ سواه.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)} .

يقول تعالى ذكره: لهؤلاء الكفار الذين وصف صفتهم في هذه السورة، عذابٌ في الحياة الدنيا؛ بالقتل والإسار والآفاتِ التي يُصيبهم الله بها، {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ}. يقولُ: ولتعذيبُ اللهِ إياهم في الدار الآخرة أشدُّ من تعذيبه إياهم في الدنيا. و {أَشَقُّ} . إنما هو "أفعلُ" مِن المشقة.

وقوله: {وَمَا لَهُم مِنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ} . يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء الكفَّارِ من أحدٍ يقيهم من عذابِ اللَّهِ إذا عذَّبهم؛ لا حميم [ولا صديقٌ]

(2)

ولا وليٌّ ولا نصيرٌ؛ لأنَّه جل جلاله لا يُعادُّه

(3)

أحدٌ فيقهره فيَتَخَلَّصه

(4)

من عذابه بالقهرِ، ولا يَشْفَعُ عنده أحدٌ إلا بإذنِه

(5)

، وليس يَأذَنُ لأحدٍ

(6)

في الشفاعة لمن كفر به فمات على كفره قبل التوبة منه.

(1)

في ت 1، ت 2، ف:"لإصابتها".

(2)

ليست في ص، م، ت 2، ف.

(3)

عادّه: ناهضه في الحرب. الوسيط (ع د د).

(4)

في م: "فيخلصه" وينظر اللسان (خ ل ص).

(5)

بعده في ت 1: "وليس يأذن أحد إلا بإذنه".

(6)

في ص، ت 1:"أحد"، وفي ت 2، ف:"آخر".

ص: 551

‌القول في تأويل قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)} .

اختلف أهل العلم بكلام العرب في مُرافِعِ

(1)

"المثَلِ"؛ فقال بعضُ نحويِّي الكوفيين

(2)

: الرافع للمثلِ قولُه: {تَجْرِي مِن تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} في المعنى، وقال: هو كما تقولُ: حِلْيةُ فلانٍ أسمرُ و

(3)

كذا وكذا. فليس الأسمرُ بمرفوعٍ بالحلية، إنما هو ابتداءٌ، أي: هو أسمرُ، هو كذا. قال: ولو دخَل "أنَّ" في مثل هذا كان صوابًا. قال: ومثله في الكلام: مثلُك أنك كذا، وأنك كذا. وقوله:(فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا}

(4)

. [عبس: 24، 25] من وجهِ: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا} [محمد: 15]. ومن قال: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ} . أظهَر الاسمَ؛ لأنَّه مردود على الطعام بالخفضِ، ومستأنف، أي: طعامه أنا صبَننا، ثم فعلنا. وقال: معنى قوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ} : صفاتُ الجنةِ.

وقال بعضُ نحويى البصريين: معنى ذلك: صفة الجنة. قال: ومنه قولُ اللهِ تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [الروم: 27]. معناه: ولله الصفةُ العُليا. قال: فمعنى الكلام في قوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِى مِن تَحْتهَا الْأَنْهَارُ} . أو: {فِيهَا أَنْهَارٌ} . كأنه قال: وَصْفُ الجنةِ صفةٌ تجرى من تحتها الأنهار، أو صفةٌ فيها أنهارٌ. والله أعلم.

(1)

في م: "رافع".

(2)

هو الفراء في معاني القرآن 2/ 65.

(3)

سقط من النسخ، والمثبت من معاني القرآن.

(4)

القراءة بكسر الهمزة هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر، وقرأ حمزة وعاصم والكسائي بفتح الهمزة. السبعة لابن مجاهد ص 672.

ص: 552

قال: ووجه آخرُ، كأنه إذا قيل: مثلُ الجنة. قيل: الجنةُ التي وُعِد المتقون. قال: وكذلك قوله: {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30]، كأنه قال: بالله الرحمن الرحيم. والله أعلم.

قال: وقوله: {عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56]: في ذاتِ اللَّهِ، كأنه عندنا قيل

(1)

: في اللهِ. قال: وكذلك قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]. إنما المعنى: ليس كشيءٍ، وليس مثله شيءٌ؛ لأنَّه لا مثل له. قال: وليس هذا كقولك للرجل: ليس كمثلك أحدٌ. لأنَّه يجوز أن يكون له مثل، والله لا يجوز ذلك عليه. قال: ومثلُه قول لبيدٍ

(2)

:

* إلى الحولِ ثم اسمُ السلامِ عليكما *

قال: وفُسِّر لنا أنه أراد: السلام عليكما. قال

(3)

: [وقال]

(4)

أوسُ بنُ حَجَرٍ

(5)

:

وقتلَى كرامٍ كمِثْلِ الجُذُوعِ

تَغَشَّاهُمُ سَبَلٌ

(6)

مُنْهمرْ

قال: والمعنى عندنا: كالجذوعِ؛ لأنَّه لم يُرِدْ أَن يَجْعَلَ للجذوعِ مِثْلا ثم يُشبِّهَ القتلى به. قال: ومثله قولُ أُمَيَّةَ

(7)

:

رجُلٌ

(8)

وثَوْرٌ تحت رِجْلِ يمينه

والنَّسرُ للأُخرى ولَيْثٌ مُرْصَدُ

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"قليل".

(2)

تقدم في 1/ 117.

(3)

في ف: "وقال".

(4)

سقط من: م، ف.

(5)

ديوانه ص 30.

(6)

السَّبَل: المطر. الصحاح (س ب ل).

(7)

تقدم في 1/ 365.

(8)

في م: "زحل". وهى رواية للديوان.

ص: 553

قال: فقال: تحتَ رجلِ يمينِه. كأنه قال: تحت رجله. أو: تحتَ رجلِه اليمنى. قال: وقولُ لبيدٍ

(1)

:

أضلَّ صوارَه

(2)

وتَضَيَّفَتْه

نَطوفٌ

(3)

أمرها بيدِ الشَّمالِ

كأنه قال: أمرُها بالشَّمالِ، وإلى الشَّمالِ. وقولُ لبيد أيضًا

(4)

:

* حتى إذا ألْقَت يدًا في كافرٍ

(5)

*

فكأنه قال: حتى وقَعت في كافرٍ.

وقال آخر منهم

(6)

: هو من المكفوفِ عن خبرِه. قال: والعربُ تَفْعَلُ ذلك. قال: وله معنًى آخرُ: للذين استجابوا لربِّهم الحسنى مَثَلُ الجنةِ، موصولٌ، صفةٌ لها على الكلام الأوّل.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: ذكر المثلَ فقال: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ} . والمراد الجنةُ، ثم وُصفت الجنةُ بصفتها، وذلك أن مَثَلَها إنما هو صفتها، وليست صفتها شيئًا غيرَها. وإذ كان ذلك كذلك، ثم ذكر المثل، فقيل:{مَثَلُ الْجَنَّةِ} ، ومَثَلُها صفتها وصفة الجنة، فكان وصفها كوصف المثلِ، وكان كأن الكلام جرى بذكر الجنة، فقيل: الجنةُ تجرى من تحتها الأنهارُ. كما قال الشاعرُ

(7)

:

(1)

شرح ديوانه ص 77.

(2)

الصوار: القطيع من البقر. اللسان (ص و ر).

(3)

النطوف: القطور، وليلة نطوف: تمطر حتى الصباح. اللسان (ن ط ف).

(4)

شرح ديوانه ص 316.

(5)

كافر: ليل مظلم؛ لأنَّه ستر كل شيء بظلمته. الصحاح (ك ف ر).

(6)

هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1/ 333، 334.

(7)

هو جرير بن عطية، وتقدم البيت في 5/ 658.

ص: 554

أرى مرَّ السنينَ أخَذن منى

كما أخَذ السِّرارُ مِن الهلالِ

فذكَر "المرَّ"، ورجع في الخبر إلى "السنينَ".

وقوله: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} . يعنى: ما يُؤكَلُ

(1)

فيها. يقولُ: هو دائمٌ لأهلها، لا يَنْقَطِعُ عنهم، ولا يزول، ولا يَبيدُ، ولكنه ثابتٌ إلى غير نهايةٍ. {وَظِلُّهَا}. يقولُ: وظلُّها أيضًا دائمٌ؛ لأنَّه لا شمسَ فيها. {تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا} . يقولُ: هذه الجنةُ التي وصف جلَّ ثناؤُه عاقبةُ الذين اتَّقَوْا اللَّهَ، فاجتنبوا معاصيَه وأدَّوا فرائضَه.

وقوله: {وَعُقْبَى الكَافِرِينَ النَّارُ} . يقولُ: وعاقبة الكافرين باللَّهِ النارُ.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36)} .

يقول تعالى ذكره: والذين أنزَلنا إليهم الكتابَ ممن آمن بك واتَّبعك يا محمدُ، يَفْرَحون بما أُنزِل إليك منه، {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ}. يَقولُ: ومِن أهلِ الملل المتحزِّبين عليك، وهم أهلُ أديانٍ شتَّى، مَن يُنْكِرُ بعضَ ما أُنزِل إليك، فقل لهم:{إِنَّمَا أُمِرْتُ} أيها القومُ، {أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ} وحدَه دونَ ما سواه، {وَلَا أُشْرِكَ بِهِ}:[وأجعلَ]

(2)

له شريكًا في عبادتي، فأعبد معه الآلهة والأصنامَ، بل أُخْلِصُ له الدين حنيفًا مسلمًا، {إلَيْهِ أَدْعُوا}. يقول: إلى طاعته وإخلاص العبادة له أدعو الناسَ، {وَإِلَيْهِ مَتَابٍ}. يقولُ: وإليه مَصِيرى. وهو "مَفْعَلٌ"، من

(1)

بعده في ص، ت 2:"ما".

(2)

في م: "فأجعل".

ص: 555

قولِ القائلِ: آب يَئُوبُ أَوْبًا وَمآبًا.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قولَه:{وَالَّذِينَ آتَيْنَهُمُ الكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} : أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فرحوا بكتابِ الله وبرسوله وصدَّقوا به. قوله:{وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} : يعني اليهود والنصارى

(1)

.

حدثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله:{وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} . قال: مِن أهل الكتابِ.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجَّاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهد قوله:{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} : من أهل الكتاب، والأحزاب أهلُ الكُتُبِ، [تَفَرُّقُهم تحزُّبُهم]

(2)

. قوله: {وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ} [الأحزاب: 20]. قال: لتحزُّبِهم على النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن جريجٍ: وقال غيرُ

(3)

مجاهد: {يُنكِرُ بَعْضَهُ} . قال: بعض القرآنِ.

حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة:

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 65 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(2)

في م: "تفريقهم لحزبهم".

(3)

في م: "عن".

ص: 556

{وَإِلَيْهِ مَئَابِ} . قال

(1)

: إليه مصيرُ كلِّ عبدٍ

(2)

.

حدثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيد في قوله: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} . قال: هذا مَنْ آمَن برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، فيَفْرَحون بذلك. وقرَأ:{وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ} [يونس: 40]. وفى قوله: {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} . قال: الأحزاب الأمم؛ اليهود والنصارى والمجوسُ، منهم من آمن به، ومنهم من أنكره

(3)

.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)} .

يقول تعالى ذكره: وكما أنزلنا عليك الكتابَ يا محمد فأنكره بعضُ الأحزابِ، كذلك أيضًا أنزَلنا الحكم والدين حكمًا عربيًّا. وجعَل ذلك عربيًّا ووصَفه به؛ لأنَّه أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو عربيٌّ، فنُسب الدين إليه، إذ كان عليه أُنْزِل، فكذَّب به الأحزابُ. ثم نهاه جلَّ ثناؤه عن تَرْكِ ما أنزل إليه، واتباعِ الأحزاب، وتَهَدَّده على ذلك إن فعله فقال:{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ} يا محمدُ {أَهْوَاءَهُم} : أهواء هؤلاء الأحزابِ ورضاهم ومحبتهم، وانتقلت من دينك إلى دينهم، ما لك مَن يَقِيك عذابَ اللَّهِ إِن عذَّبَك على اتباعك أهواءهم، وما لك ناصر يَنْصُرُك، فيَسْتَنْقِذَك من الله إن هو عاقبك. يقولُ: فاحْذَرْ أَن تَتَّبِعَ

(1)

في م: "و".

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 337 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 65 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 65 إلى المصنف وأبى الشيخ.

ص: 557

أهواءَهم.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)} .

يقول تعالى ذكرُه: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا يا محمد رُسُلًا مِن قَبْلِكَ إِلى أَم قد خَلَتْ مِن قبل أُمَّتِك، فجعلناهم بشرًا مثلك؛ لهم أزواجٌ يَنْكِحُون، وذرِّيَّةٌ

(1)

أَنْسَلوهم، ولم نَجْعَلْهم ملائكةً لا يَأْكُلون ولا يَشْرَبون ولا ينكحون، فنَجْعَلَ الرسول إلى قومك من الملائكة مثلهم

(2)

، ولكن أرسَلْنا إليهم بشرًا مِثلَهم، كما أرسَلْنا إلى من قبلهم من سائر الأمم بشرًا مثلَهم، {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}. يَقولُ تعالى ذكرُه: وما يَقْدِرُ رسولٌ أَرسَلَه الله إلى خلقِه أن يَأْتي أمته بآية وعلامةٍ؛ من تسييرِ الجبال، ونقل بلدة من مكانٍ إلى مكان آخر، وإحياءِ الموتى، ونحوها من الآياتِ {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}. يقول: إلا بأمرِ اللهِ الجبال بالسير، والأرضَ بالانتقال، والميِّت بأن يَحْيَا، {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}. يقولُ: لكلِّ أَجَلِ أَمْرٍ قضاه اللَّهُ كتاب قد كتبه فهو عنده.

وقد قيل معناه: لكل كتاب أنزله اللهُ مِن السماء أجلٌ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ بن يوسفَ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ في قوله:{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} . يقولُ: لكلِّ كتابٍ يَنْزِلُ مِن السماءِ أَجلٌ، فيَمْحو

(1)

زيادة من: م.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"قبلهم".

ص: 558

الله ذلك ما يشاءُ ويُنْبِتُ، وعنده أم الكتاب

(1)

.

قال أبو جعفرٍ: وهذا، على هذا القول، نظيرُ قول الله:{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: 19]. وكان أبو بكر رضي الله عنه يقرؤُه

(2)

: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الحَقِّ بالمَوْتِ)

(3)

؛ وذلك أن سكرةَ الموتِ تأتى بالحقِّ، والحق يأتى بها، فكذلك الأجَلُ له كتاب، وللكتاب أجل.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضُهم: يَمْحو الله ما يشاءُ مِن أمورِ عبادِه فيُغَيِّرُه، إلا الشقاء والسعادةَ، فإنهما لا يُغَيَّران.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا يحيى

(4)

بن عيسى، عن ابن أبي ليلى، عن المنهالِ، عن سعيدِ بن جبير، عن ابن عباس في قوله:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} . قال: يُدبِّرُ اللَّهُ أمر العبادِ، فيَمْحُو ما يشاء، إلا الشقاء والسعادة والموت [والحياة]

(5)

(6)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 65 إلى المصنف وأبى الشيخ.

(2)

في م، ف:"يقول".

(3)

هذه قراءة أبيّ أيضًا، وهى قراءة شاذة. ينظر مختصر الشواذ لابن خالويه ص 145.

(4)

في النسخ: "بحر". وهو تحريف. والمثبت هو الصواب. ينظر تهذيب الكمال 31/ 489، وما سيأتي في تفسير الآية 33 من سورة الحج.

(5)

سقط من النسخ، والمثبت من مصدرى التخريج.

(6)

أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1129)، والبيهقى في الشعب (3666) من طريق ابن أبي ليلى به.

ص: 559

حدثنا [ابن بشارٍ، قال: ثنا ابن أبي ليلى]

(1)

، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس في قوله:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} . قال: كلَّ شيءٍ غير السعادة والشقاءِ، فإنهما قد فرغ منهما.

حدثني عليُّ بن سهلٍ، قال: ثنا يزيد، وحدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، عن سفيانَ، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، يقولُ:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} . قال: إلا الشقاءَ والسعادةَ، والحياة والموت

(2)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نُعيم الفضل بن دكينٍ وقَبِيصة، قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ مثلَه.

حدثنا عمرُو بنُ عليٍّ، قال: ثنا وكيعٌ، قال: ثنا ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس قوله:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} . قال: قال ابن عباسٍ: إلا الحياةَ والموتَ، والشقاء والسعادةَ

(3)

.

حدثني المثنَّى، قال: ثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن ابن أبي ليلى، عن المنهالِ بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . قال: يُقَدِّرُ اللَّهُ أَمَرَ السَّنةِ في ليلةِ القَدْرِ إِلا الشقاء والسعادة، والموت والحياة.

(1)

كذا في النسخ، وقد سقطت الواسطة بين ابن بشار وابن أبي ليلى.

(2)

تفسير الثورى ص 154، وعنه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 338.

(3)

أخرجه ابن المقرئ في معجمه (576) من طريق عمرو به، وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (897) من طريق وكيع به.

ص: 560

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهدٍ في قوله:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} . قال: إلا الحياة والموت، والسعادة والشقاوة، فإنهما لا يَتَغَيَّران

(1)

.

حدثنا عمرٌو، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا معاذ

(2)

بن عقبةَ، عن منصور، عن مجاهد مثله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد مثله.

قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيانُ، عن منصور، قال: قلتُ لمجاهد: إن كنتَ كتَبْتَنى سعيدًا فأنبتنى، وإن كنتَ كتَبْتَنى شَقِيًّا فَامْحُنى. قال: الشقاء والسعادةُ قد فُرِغ منهما.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيانُ، عن منصور، عن مجاهدٍ ح قال: ثنا سعيد بن سليمان، قال: ثنا شريك، عن منصور، عن مجاهد:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} . قال: اللَّهُ يُنْزِلُ كُلَّ شيءٍ في السنة في ليلة القدرِ، فيَمْحُو ما يشاءُ مِن الآجال والأرزاقِ والمقاديرِ، إلا الشقاء والسعادة، فإنهما ثابتان

(3)

.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، قال: سألتُ مجاهدا فقلت: أرأيتَ دعاءَ أحدِنا يقولُ: اللهم إن كان اسمى في السعداء فأثبته فيهم، وإن كان

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 67 إلى المصنف وابن المنذر.

(2)

كذا في النسخ، ولعل صوابه:"مصاد". ينظر الجرح والتعديل 8/ 440.

(3)

أخرجه اللالكائى في شرح اعتقاد أهل السنة (975) من طريق شريك، عن عطاء، عن مجاهد به.

ص: 561

في الأشقياءِ فامْحُه منهم واجْعَلْه في السعداءِ. فقال: حَسَنٌ. ثم أتيتُه بعد ذلك بحَوْلٍ أو أكثر من ذلك، فسألته عن ذلك فقال:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (2) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان: 3، 4]. قال: يُقضى في ليلة القدر ما يكونُ في السنةِ مِن رزقٍ أو مصيبةٍ، ثم يُقَدِّمُ ما يشاءُ، ويُؤخِّرُ ما يشاءُ، فأما كتاب الشقاء والسعادة فهو ثابت لا يُغَيَّرُ

(1)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: أن الله يمحو ما يشاءُ ويُثبتُ مِن كتاب سوى أمِّ الكتاب الذي لا يُغَيَّرُ منه شيء.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني المثَنَّى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حمادٌ، عن سليمان التيمي، عن عكرمةَ، عن ابن عباس: أنه قال في هذه الآية: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} . قال: كتابان؛ كتابٌ يَمْحو منه ما يَشاءُ ويُثْبِتُ، وعنده أمُّ الكتابِ

(2)

.

حدثنا عمرُو بنُ عليٍّ، قال: ثنا سهل بن يوسفَ، قال: ثنا سليمان التيميُّ، عن عكرمةَ في قوله:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} . قال: الكتاب كتابان؛ كتابٌ

(3)

يَمْحو الله منه ما يشاءُ ويُثْبِتُ، وعنده أم الكتاب.

قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا حماد بن سلمةَ، عن سليمان التيميِّ، عن عكرمة، عن ابن عباس بمثله.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 67 إلى المصنف.

(2)

أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 349 من طريق حماد به وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 65 إلى محمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(3)

سقط من: ص، ف.

ص: 562

حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا المعتمرُ بنُ سليمان، عن أبيه، عن عكرمة، قال: الكتاب كتابان {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}

(1)

. وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يمحو كل ما يشاء، ويُثْبت كل ما أراد.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عَثَّام، عن الأعمش، عن شقيق أنه كان يَقُولُ: اللهم إن كنتَ كتَبْتَنا أشقياء فامْحُنا واكتبنا سعداءَ، وإن كنتَ كتبتنا سعداء فأثْبِتْنا، فإنك تُمْحو ما تشاءُ وتُثْبِتُ، وعندَك أم الكتابِ

(2)

.

حدثنا عمرو، قال: ثنا وكيعٌ، قال: ثنا الأعمش، عن أبي وائلٍ، قال: كان مما يكثرُ أن يَدْعُوَ بهؤلاء الكلمات: اللهمَّ إن كنتَ كتَبْتَنا أشقياء فامْحُنا واكتُبْنا سعداءَ، وإن كنتَ كتَبْتَنا سعداء فأثْبِتْنا، فإنك تَمْحو ما تشاءُ وتُثْبِتُ، وعندك أمُّ الكتاب.

قال: ثنا معاذ بن هشامٍ، قال: ثنا أبي، عن أبي حكيمة، عن أبي عثمان النهديِّ، أن عمر بن الخطاب قال وهو يَطوفُ بالبيت ويبْكى: اللهم إن كنتَ كَتَبْتَ عليَّ شِقْوَةً أو ذنبًا فامْحُه، فإنك تَمحو ما تشاءُ وتُثْبِتُ، وعندك أم الكتاب، فاجْعَلْه سعادةً ومغفرةً.

قال: ثنا معتمرٌ، عن أبيه، عن أبي حَكيمةَ، عن أبي عثمانَ، قال: وأحسَبُني

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 338 عن المعتمر بن سليمان به.

(2)

أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ص 358، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية 4/ 104، من طريق عثام به.

ص: 563

قد سمعتُه مِن أبي عثمان مثله.

قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قُرَّةُ بن خالد، عن عِصْمة [أبي حكيمةَ]

(1)

، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر رضي الله عنه مثله مثلَه

(2)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حمادٌ، قال: ثنا أبو حكيمةَ، قال: سمِعت أبا عثمان النهديَّ، قال: سمعت عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه يقولُ وهو يَطوفُ بالكعبة: اللهم إن كنتَ كتَبْتَنى في أهل السعادة فأثْبِتنى فيها، وإن كنت كتَبْتَ عليَّ الذنب والشِّقرة فامْحُنى وأثْبِتنى في أهل السعادة، فإنك تَمحو ما تشاءُ وتُثْبتُ، وعندك أم الكتابِ.

قال: ثنا الحجاج بن المنهالِ، قال: ثنا حمادٌ، عن خالد الحذّاءِ، عن أبي قلابةَ، عن ابن مسعود، أنه كان يقولُ: اللهم إن كنتَ كتَبْتَني في أهلِ

(3)

الشقاءِ فامْحُنى، وأثْبِتنى في أهل السعادة

(4)

.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . يقولُ: هو الرجلُ يعملُ الزمانَ بطاعةِ اللهِ، ثم يَعُودُ لمعصية الله، فيَموتُ

(5)

على

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"بن حكيمة"، وفى م:"بن أبي حكيمة". والمثبت هو الصواب كما في الأثر التالي ومصادر التخريج، وينظر الجرح والتعديل 7/ 20، والثقات 7/ 298.

(2)

أخرجه البخارى في التاريخ الكبير 7/ 63 من طريق أبي عامر به، وأخرجه الدولابي في الكنى 1/ 155 من طريق قرة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

زيادة من: م.

(4)

أخرجه الطبراني (8847) من طريق الحجاج به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن المنذر.

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"فيعود".

ص: 564

ضلالِه، فهو الذي يَمْحُو. والذي يُثْبِتُ؛ الرجلُ يَعْمَلُ بطاعة

(1)

الله، وقد

(2)

سبَق له خيرٌ حتى يموت وهو في طاعةِ اللهِ، فهو الذي يُثْبِتُ

(3)

.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شَرِيكٌ، عن هلالِ بن حُمَيدٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن عُكَيمٍ

(4)

، عن عبد الله، أنه كان يقولُ: اللهم إن كنت كتَبْتَني في السعداءِ فأثْبِتنى في السعداء، فإنك تَمحو ما تشاءُ وتُثبتُ، وعندك أم الكتابِ

(5)

.

حدثني المثنَّى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن أبي حمزةَ، عن إبراهيم، أن كعبًا قال لعمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، لولا آيةٌ في كتابِ اللَّهِ لأنْبَأْتُك ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة. قال: وما هي؟ قال: قولُ اللَّهِ: {يَمْحُوا الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ}

(6)

.

حدثت عن الحسينِ، قال: سمعت أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاكَ يَقُولُ في قوله: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38] الآية. يقولُ: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} . يقولُ: أَنْسَخُ ما شِئْتُ، وأَصْنعُ مِن الأفعالِ ما شِئْتُ، إن شِئْتُ زِدْتُ فيها، وإن شِئْتُ نَقَصْتُ

(7)

.

حدَّثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا عفّانُ، قال: ثنا همامٌ، قال: ثنا الكلبيُّ

(1)

في م، وتفسير ابن كثير، والدر المنثور:"بمعصية".

(2)

بعده في م، وتفسير ابن كثير:"كان".

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 390 عن العوفي عن ابن عباس، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 65 إلى ابن أبي حاتم.

(4)

في م: "حكيم". وينظر تهذيب الكمال 15/ 317.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 10/ 331 من طريق آخر عن عبد الله بن مسعود ضمن أثر مطول بمعناه.

(6)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 390 عن المصنف.

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 67 إلى المصنف.

ص: 565

قال: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} . قال: يَمْحَى مِن الرزق ويزيدُ فيه، ويَمْحَى من الأجل ويزيدُ فيه. قلت: من حدَّثك؟ قال: أبو صالح، عن جابر بن عبدِ اللهِ بن رئابٍ الأنصاريِّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقدم الكلبي بعد، فسئل عن هذه الآية:{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} . قال: يَكْتُبُ القول كلَّه، حتى إذا كان يومُ الخميسِ، طرح منه كلَّ شيءٍ ليس فيه ثوابٌ ولا عليه عقابٌ، مثل قولك: أكلتُ، شَرِبتُ، دخَلتُ، خرجتُ، ونحو ذلك من الكلام وهو صادق، ويُثْبِتُ ما كان فيه الثواب وعليه العقاب

(1)

.

حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الوهابِ، قال: سمعتُ الكلبيَّ، عن أبي صالحٍ نحوه، ولم يجاوز أبا صالح

(2)

.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أن اللَّهَ يَنْسَخُ ما يشاءُ مِن أحكام كتابه، ويُثْبِتُ ما يشَاءُ منها فلا يَنْسَخُه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني المثنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عباس:{يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ} ، قال: من القرآنِ. يقولُ: يُبَدِّلُ الله ما يشاءُ فيَنْسَحُه، ويُنْبِتُ ما يشاءُ فلا يُبَدِّلُه، {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}. يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب: الناسخ والمنسوخُ، وما يُبَدِّلُ وما يُثْبِتُ، كلُّ ذلك

(1)

أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 574 عن عفان به، وأخرجه الحارث في مسنده - كما في المطالب (4024) - وابن علي 6/ 2131 من طريق همام به، وعزاه الحافظ في الإصابة 1/ 434 إلى ابن شاهين وابن مردويه.

(2)

ذكر الحافظ في الفتح 11/ 309 نحوه عن أبي صالح، ثم قال: لكنه ضعيف من رواية الكلبي، وهو ضعيف جدًّا.

ص: 566

في كتاب

(1)

.

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله:{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} : هي مثل قوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [سورة البقرة: 106]. وقوله: {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . أي جملة الكتاب وأصله

(2)

.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمر، عن قتادة: يَمْحُو اللهُ ما يَشاءُ

(3)

ويُثْبِتُ ما يشاءُ، وهو الحكيمُ، وَعِنْدَهُ أُمُّ الكتاب وأصله.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} : بما ينزِّل على الأنبياءِ، وَيُثْبِتُ ما يشاء مما يُنَزِّلُ على الأنبياء. قال:{وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} : لا يُغَيَّرُ ولا يُبَدَّلُ

(4)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} . قال: يَنْسَخُ. قال: {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . قال: الذِّكْرُ

(5)

.

وقال آخرون: معنى ذلك أنه يَمْحُو من قد حان أجلُه، ويُثبِتُ مَن لم يَجِئْ أجلُه إلى أجلِه.

(1)

أخرجه أبو عبيد في ناسخه ص 5، وابن الجوزى في النواسخ ص 85، من طريق عبد الله بن صالح به، وقد أخرجه ابن أبي حاتم - كما في تغليق التعليق 5/ 380، وفتح البارى 13/ 523 - من طريق عبد الله بن صالح به، لكن بلفظ مختلف كما سبق هنا. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 67 إلى ابن المنذر والبيهقي في المدخل.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 67 إلى المصنف.

(3)

بعده في ص: "قال: ينسى الله نبيه ما يشاء وينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 67 إلى المصنف.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 65 إلى المصنف.

ص: 567

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا محمدُ بن بشارٍ، قال: ثنا ابن أبي عديٍّ، عن عوفٍ، عن الحسن في قوله:{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . قال: يَمْحُو مَن جاء أجلُه فذهَب، والمثبتُ الذي هو حيٌّ يجرى إلى أجلِه

(1)

.

حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا عوف، قال: سمعتُ الحسن يقولُ: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} . قال: مَن جاء أجلُه، {وَيُثْبِتُ}. قال: مَن لم يَجِئْ أجلُه إلى أجله.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا هَوْذةُ، قال: ثنا عوفٌ، عن الحسن نحوَ حديث ابن بشار.

قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أخبرنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن في قوله:{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} . قال: آجالُ بني آدم في كتابٍ، {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} مِن أجله {وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} .

قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد قولَ اللهِ:{يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} : قالت قريشٌ حين أُنْزِل: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الرعد: 38]: ما نراك يا محمد تَمْلِكُ مِن شيءٍ، ولقد فرغ من الأمر. فأنزلت هذه الآية تخويفا ووعيدًا لهم، إنّا إن شِئْنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا، ونُحْدِثُ في كلِّ رمضانَ، فنَمْحو ونُثْبِتُ ما نشاءُ من أرزاق الناسِ ومصائبهم، وما نُعطيهم، وما نَقْسِمُ لهم

(2)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 67 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(2)

تفسير مجاهد ص 408، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 65 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 568

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد نحوه.

وقال آخرون: معنى ذلك: ويَغْفِرُ ما يشاءُ من ذنوب عباده، ويترك ما يشاءُ فلا يَغْفِرُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا حكامٌ، عن عمرو، عن عطاءٍ، عن سعيد في قوله:{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} . قال: يُثبِتُ في البطن الشقاء والسعادة وكلَّ شيء [هو كائن]

(1)

، فيَغْفِرُ منه ما يشاءُ، ويُؤَخِّرُ ما يشاءُ

(2)

.

وأولى الأقوال التي ذَكَرتُ في ذلك بتأويلِ الآية وأشبهها بالصواب، القولُ الذي ذكرناه عن الحسن ومجاهد، وذلك أن الله تعالى ذكرُه توعد المشركين الذين سأَلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات بالعقوبةِ، وتهددّهم بها، وقال لهم:{وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} . يُعْلِمُهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلًا مُثبَتًا في كتابٍ، هم مؤخَّرون إلى وقتِ مجئِ ذلك الأجل، ثم قال لهم: فإذا جاء ذلك الأجلُ، [مَحى الله ما شاء]

(3)

، ممن قد دنا أجله، وانقَطع رزقه، أو حان

(4)

هلاكه، أو اتضاعُه من رفعةٍ، أو هلاك مالٍ، فيَقْضِى ذلك في خلقِه، فذلك

(1)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ف.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى المصنف.

(3)

في م: "يجئ الله بما".

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"جاز".

ص: 569

مَحْوُه، ويُثبت ما شاء ممن بقى أجله، وأُكُلُه ورزقه، فيَتْرُكُه على ما هو عليه، فلا يَمْحُوه.

وبهذا المعنى جاء الأثرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ما حدثني محمد بن سهل بن عسكرٍ، قال: ثنا ابن أبي مريمَ، قال: ثنا الليثُ بنُ سعدٍ، عن زيادةَ بن محمد، عن محمد بن كعبٍ القرظيِّ، عن فَضالةَ بن عُبيدٍ، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يَفْتَحُ الذِّكر في ثلاثِ ساعاتٍ يَبْقَيْنَ مِن الليل؛ في الساعة الأولى منهن يَنْظُرُ في الكتاب الذي لا يَنْظُرُ فيه أحدٌ غيرُه، فيَمْحُو ما يشاءُ ويُثْبِتُ". ثم ذكر ما في الساعتين الآخرتين

(1)

.

حدثنا موسى بن سهلٍ الرمليُّ، قال: ثنا آدم، قال: ثنا الليث، قال: ثنا زيادة بن محمد، عن محمدِ بن كعبٍ القُرَظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يَنزِلُ في ثلاث ساعاتٍ يَبْقَين من الليل؛ يَفْتَحُ الذِّكرَ في الساعةِ الأولى الذي لم يَرَهُ أحدٌ غيرُه، يَمحو ما يشاء ويُثبِتُ ما يشاء"

(2)

.

حدثني محمد بن سهل بن عسكرٍ، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: إن للَّهِ لَوْحًا مَحْفُوظًا، مسيرة خمسمائة عامٍ، من دُرّةٍ بيضاءَ، لها دفَّتان من ياقوت، والدفتان لوحان الله، كل يوم ثلاثمائة

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 390، 5/ 100 عن المصنف، وأخرجه الدارمي في الرد على الجهمية ص 32، وابن خزيمة في التوحيد ص 98 من طريق ابن أبي مريم به، وأخرجه البزار (3516 - كشف)، وابن أبى شيبة في العرش ص 86، وابن خزيمة ص 90، والعقيلى 2/ 93، والطبري في الأوسط (8635) وفى الدعاء (135)، والدارقطني في المؤتلف 3/ 1151، 1152، وابن الجوزى في العلل المتناهية 1/ 25 من طريق الليث به، وقال ابن كثير في تفسيره 5/ 100 تفرد به زيادة، وقال الهيثمي: وفيه زيادة بن محمد الأنصاري، وهو منكر الحديث.

(2)

ذكره الزيلعي في تخريج الكشاف 2/ 80 عن المصنف، وأخرجه ابن مردويه - كما في تخريج الكشاف - من طريق آدم به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 65 إلى ابن أبي حاتم.

ص: 570

وستون لحظةً، يَمْحُو ما يشاءُ ويُثْبِتُ، وعنده أم الكتاب.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، قال: ثنا المعتمرُ بنُ سليمانَ، عن أبيه، قال: ثنى رجلٌ، عن أبيه، عن قيس بن عبّادٍ، أنه قال: العاشر من رجبٍ هو يومُ يمحو الله فيه ما يشاءُ

(1)

.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} ؛ فقال بعضُهم: معناه وعنده الحلال والحرام.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيمَ، قال: ثنا محمد بن عقبة، قال: ثنا مالك بن دينارٍ، قال: سألت الحسن، قلت:{أُمُّ الْكِتَابِ} ؟ قال: الحلال والحرام. قال: قلت له: فما {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ؟ قال: هذه أمُّ القرآنِ. وقال آخرون: معناه: وعنده جملة الكتاب وأصله.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله:{وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . قال: جملة الكتاب وأصلُه.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ مثله

(2)

.

(1)

أخرجه البيهقي في الشعب (3741) من طريق المعتمر به، وأخرجه أيضًا (3742) من طريق قيس به.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في التفسير 2/ 194، وأبو داود في ناسخه - ومن طريقه ابن حجر في تغليق التعليق 4/ 308 - من طريق معمر به.

ص: 571

حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقولُ: ثنا عُبَيدٌ، قال: سمعت الضحاكَ يقولُ في قوله: {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . قال: كتاب عند ربِّ العالمين

(1)

.

حدثني المثنَّى، قال: ثنا إسحاق بن يوسفَ، عن جويبرٍ، عن الضحاك:{وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . قال: جملة الكتاب وعلمُه، يعنى بذلك ما يَنْسَخُ منه وما يُثْبِتَ

(2)

.

حدثني المُثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عباس:{وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . يقولُ: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب؛ الناسخ والمنسوخُ، وما يبدِّلُ وما يُثْبِتُ، كل ذلك في كتاب.

وقال آخرون في ذلك ما حدثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا معتمرُ بنُ سليمان، عن أبيه، عن سيارٍ

(3)

، عن ابن عباس، أنه سأل كعبًا عن أمِّ الكتابِ فقال: عِلم الله ما هو خالق وما خلقُه عاملون، فقال لعِلْمِه: كن كتابًا. فكان كتابا

(4)

.

وقال آخرون: هو الذكرُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ - قال أبو جعفرٍ: لا أدرى فيه ابن جريجٍ أم لا - قال: قال ابن عباسٍ: {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . قال:

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 392.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 67 إلى المصنف.

(3)

في النسخ: "شيبان"، والمثبت من تفسير ابن كثير، وينظر تهذيب الكمال 12/ 317.

(4)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 362 عن الحسين بن داود؛ سنيد به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 338 عن معتمر عن أبيه عن ابن عباس، ليس فيه ذكر سيار.

ص: 572

الذكر

(1)

.

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصواب قولُ مَن قال: وعنده أصل الكتاب وجملته، وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه يَمْحُو ما يشاءُ ويُثبتُ ما يشاء، ثم عقَّب ذلك بقوله:{وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . فكان بيِّنًا أن معناه: وعنده أصلُ المثبت منه والمَمْحُو، وجملته في كتاب لديه.

واختلفت القرأة في قراءة قوله: {وَيُثْبِتُ} ؛ فقرَأ ذلك عامَّةُ قرأةِ أهلِ

(2)

المدينة والكوفةِ: (ويُثَبِّتُ) بتشديد الباءِ

(3)

، بمعنى: ويَتْرُكُه ويُقرُّه على حالِه، فلا يَمْحُوه. وقرَأه بعضُ المكيين وبعضُ البصريين وبعض الكوفيين:{وَيُثْبِتُ} بالتخفيف

(4)

، بمعنى: يَكْتُبُ.

وقد بيَّنَّا قبل أن معنى ذلك عندنَا: إقراره مكتوبًا وترْكُ مَحْوِه، على ما قد بَيَّنَّا، فإذا كان ذلك كذلك، فالتثبيتُ به أولى، والتشديد أصوبُ من التخفيف، وإن كان التخفيفُ قد يَحْتَمِلُ توجيهَه في المعنى إلى التشديد، والتشديد إلى التخفيف، لتقارب معنيَيْهِما.

وأما المحْوُ، فإن للعرب فيه لُغتيْن؛ فأما مُضَرُ فإنها تقولُ: مَحَوتُ الكتاب أمْحُوه مَحْوًا، وبه التنزيل، ومَحَوتُه

(5)

أمحاه محوًا. وذُكِر عن بعض قبائلِ ربيعة أنها

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى المصنف، وينظر تفسير ابن كثير 4/ 392.

(2)

سقط من: م.

(3)

هي قراءة نافع وابن عامر وحمزة والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص 359، وحجة القراءات ص 374، والتيسير ص 109.

(4)

هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم. المصادر السابقة.

(5)

في ص، ف:"محوت".

ص: 573

تقولُ: مَحَيْتُ أمْحِي.

‌القولُ في تأويل قوله تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)} .

يقولُ تعالى ذكره لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: وإما نُرِيَنَّك يا محمد في حياتك بعضَ الذي نَعِدُ هؤلاء المشركين بالله من العقاب على كفرهم، أو نَتوفَّينَّك قبل أن نُرِيَك ذلك، فإنما عليك أن تَنتهى إلى طاعة ربِّك فيما أمرك به من تبليغهم رسالته، لا طلبُ صلاحِهم ولا فسادِهم، وعلينا محاسبتهم، فمجازاتهم بأعمالهم؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرٌّ.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)} .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم: معناه أو لم يرَ هؤلاء المشركون من أهل مكةَ، الذين يَسْأَلُون محمدًا الآياتِ، أَنا نَأْتِي الأَرضَ، فنَفْتَحُها له أرضًا بعد أرضٍ، حوالَيّ أرضِهم؟ أفلا يخافون أن نَفْتَح له أرضهم، كما فتحنا له غيرها؟

‌ذكر من قال ذلك

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا محمد بن الصبّاح، قال: ثنا هشيم، عن حصينٍ، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله:{أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} . قال: أو لم يَرَوا أنا نَفْتَحُ لمحمد الأرض بعد الأرض

(1)

؟

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى المصنف.

ص: 574

حدثني محمد بن سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} . يَعْنى بذلك ما فتَح الله على محمدٍ. يقولُ: فذلك نُقصانُها

(1)

.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبى، عن سلمة بن نُبَيطٍ، عن الضحاك، قال: ما تَغَلَّبَ

(2)

عليه من أرض العدوِّ

(3)

.

حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمر، قال: كان الحسنُ يقولُ في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} : هو

(4)

ظهور المسلمين على المشركين

(5)

.

حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقولُ: ثنا عبيد بن سليمانَ، قال: سمعت الضحاك [يقولُ في]

(6)

قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِن أَطْرَافِهَا} : يعنى أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم كان يُنْتَقَصُ له ما حولَه مِن الأَرْضِين، يَنْظُرون إلى ذلك فلا يَعْتَبِرون، قال الله في سورةِ "الأنبياءِ":{نَأْتِي الْأَرْضَ تَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الأنبياء: 44]: بل نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم الغالبون

(7)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى المصنف وابن مردويه.

(2)

في م: "تغلبت".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى عبد بن حميد بنحوه.

(4)

في م: "فهو".

(5)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 339 عن معمر به.

(6)

سقط من: ص، ف.

(7)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1175 - تفسير) من طريق آخر عن الضحاك، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 575

وقال آخرون: بل معناه: أولم يَروا أنا نأتى الأرضَ فنُخرِبُها؟ أوَلا يخافون أن نَفْعَلَ بهم وبأرضهم مثل ذلك، فنُهْلِكهم ونُخْرِبَ أَرضَهم؟

‌ذكر من قال ذلك

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عليُّ بن عاصم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عكرمةَ، عن ابن عباس في قوله:{أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} . قال: أو

(1)

لم يَرَوْا إلى القريةِ تَخْرَبُ حتى يكونَ العُمْرانُ في ناحية

(2)

؟

قال: ثنا حجاج بن

(3)

محمدٍ، عن ابن جريجٍ، عن الأعرج، أنه سمع مجاهدًا يقولُ:{نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} . . قال: خرابُها

(4)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريج، عن الأعرج، عن مجاهد مثله.

قال: وقال ابن جريجٍ: خرائها وهلاك الناس.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي جعفر الفراء، عن عكرمة قوله:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} . قال: نُخْرِبُ

(5)

مِن أطرافها.

وقال آخرون: بل معناه: نَنْقُصُ مِن بَرَكَتِها وثمرتِها وأهلها بالموت.

(1)

سقط من: ص، ف.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(3)

في ص، ف:"عن".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى المصنف وابن المنذر.

(5)

في ف: "تخرب".

ص: 576

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عباس قوله:{نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} . يقولُ: نقصانُ أهلها وبَرَكتِها

(1)

.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جريرٌ، عن ليث، عن مجاهد في قوله:{نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} . قال: في الأنفسِ وفى الثمرات وفى خراب الأرضِ.

حدثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن طلحةَ القَنادِ، عمن سمع الشعبيَّ، قال: لو كانت الأرضُ تَنْقُصُ، لضاق عليك حُشُّك

(2)

، ولكن تَنْقُصُ الأنفسُ

(3)

والثمرات

(4)

.

وقال آخرون: معناه: أنا نأتى الأرضَ نَنْقُصُها من أهلها، فنَتَطرَّفُهم بأخذِهم بالموت.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد:{نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} . قال: موتُ أهلها

(5)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} . قال: الموتُ

(6)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(2)

الحش: موضعُ قضاء الحاجة. اللسان (ح ش ش).

(3)

في ص، ف:"الأرض".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى ابن أبي شيبة والمصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(5)

تفسير مجاهد ص 409.

(6)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 339، وابن أبي شيبة 13/ 566 من طريق سفيان به.

ص: 577

حدثني المثنَّى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا هارون النحويُّ، قال: ثنا الزبير بن الحارث، عن عكرمة في قوله:{نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} . قال: هو الموتُ. ثم قال: لو كانت الأرضُ تَنْقُصُ، لم نجد مكانًا نَجلس فيه

(1)

.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمر، عن قتادة:{نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} . قال: كان عكرمة يقولُ: هو قَبْضُ الناسِ

(2)

.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: سُئِل عكرمةُ عن نقص الأرضِ، قال: قَبْضُ الناسِ.

حدَّثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا جرير بن حازمٍ، عن يَعْلَى بَنِ حكيم، عن عكرمة في قوله:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} . قال: لو كان كما يقولون لما وجد أحدكم جُبًّا يَخْرَأُ فيه.

حدثنا الفضل بن الصباح، قال:[ثنا إسماعيل ابن عُلَيَّةَ، عن أبي رجاء، قال]

(3)

: سُئل عكرمة وأنا أسمع عن هذه الآية: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} . قال: الموتُ.

وقال آخرون: نَنْقُصُها من أطرافها بذَهَابِ فقهائها وخيارِها.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا طلحة بن عمرو، عن

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى المصنف.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 339 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.

(3)

سقط من: ت 1، ت 2، ف.

ص: 578

عطاء، عن ابن عباس، قال: ذهابُ علمائها وفقهائها وخيار أهلها

(1)

.

قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن مجاهد، قال: موتُ العلماء

(2)

.

وأوْلَى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قولُ مَن قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} بظهور المسلمين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عليها، وقهرهم أهلها، أفلا يَعْتَبرون بذلك، فيخافون ظهورهم على أرضهم، وقهرهم إياهم؟ وذلك أن الله توعد الذين سأَلوا رسولَه الآيات من مشركي قومه بقوله:{وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)} . ثم وبَّخَهُم تعالى ذكره بسوء اعتبارهم بما يُعاينون مِن فعلِ اللَّهِ بضُرَبائِهم من الكفار، وهم مع ذلك يسألون الآياتِ، فقال:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} بقهر أهلها والغَلَبة عليها من أطرافها وجوانبها، وهم لا يعتبرون بما يرون مِن ذلك!

وأما قوله: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} . يقولُ: والله هو الذي يَحْكُمُ فيَنْفُذُ حكمه، ويَقْضِى فيَمْضِى قضاؤُه، وإذا جاء هؤلاء المشركين باللَّهِ مِن أهل مكةَ حكم الله وقضاؤُه، لم يستطيعوا ردَّه.

ويعنى بقولِه: {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} : [لا رادَّ لحكمهِ]

(3)

.

(1)

أخرجه نعيم بن حماد في الفتن 1/ 243 (690)، والحاكم 2/ 350، والخطيب في الفقيه والمتفقه (154، 155) من طريق طلحة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 339 من طريق آخر عن مجاهد بنحوه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 68 إلى ابن أبي شيبة والمصنف.

(3)

سقط من: ت 1، ت 2، ف.

ص: 579

والمعقِّب في كلام العرب هو الذي يَكُرُّ على الشيء.

وقوله: {وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} . يقولُ: والله سريعُ الحسابِ، يُحْصى أعمال هؤلاء المشركين، لا يَخْفَى عليه شيءٌ منها

(1)

، وهو من وراء جزائهم عليها.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)} .

يقول تعالى ذكره: قد مكَر الذين من قبل هؤلاء المشركين من قريش من الأممِ التي سلَفت، بأنبياء الله ورسله، {فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا}. يقولُ: فلله أسباب المكرِ جميعًا، وبيده وإليه، لا يَضُرُّ مكرُ مَن مَكَر منهم أحدًا، إلا مَن أراد اللَّهُ ضُرَّه به. يقولُ: فلم يَضُرَّ الماكرون بمكرهم إلا من شاء الله أن يَضُرَّه ذلك، وإنما ضَرُّوا به أنفسهم؛ لأنهم أسْخَطوا ربَّهم بذلك على أنفسهم، حتى أهلَكهم ونجَّى رسله. يقولُ: فكذلك هؤلاء المشركون من قريش يَمكرون بك يا محمد، والله مُنجِّيك من مكرهم، ومُلْحِقٌ ضُرَّ مكرهم بهم دونَك.

وقوله: {يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} . يقولُ: يَعْلَمُ ربُّك يا محمد ما يعمَلُ هؤلاء المشركون من قومك، وما يَسْعَون

(2)

فيه من المكرِ بك، ويَعْلَمُ

(3)

جميعَ أعمال الخلق كلهم، لا يَخْفَى عليه شيءٌ منها، {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ}. يقول: وسيَعْلَمون إذا قدموا على ربِّهم يوم القيامة لمن عاقبة الدار الآخرة، حينَ يَدْخُلون النار ويَدْخُلُ المؤمنون بالله ورسوله الجنة.

(1)

سقط من: م.

(2)

في ص، ت 2:"يسمعون".

(3)

في ص، ت 1، ت،2 ف:"سيعلم".

ص: 580

واختَلفت القرأةُ في قراءة ذلك؛ فقرأته قرأةُ المدينة وبعضُ أهل البصرةِ: (وَسَيَعْلَمُ الكافرُ). على التوحيد

(1)

. وأما قرأة الكوفة فإنهم قرءوه: {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ} . على الجمع

(2)

.

والصواب من القراءة في ذلك

(3)

القراءةُ على الجمع: {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ} ؛ لأن الخبر جرى قبل ذلك عن جماعتهم، وأُتْبِع بعده الخبر عنهم، وذلك قوله:{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} . وبعده قوله: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا} .

وقد ذُكر أنها في قراءةِ ابن مسعودٍ: (وَسَيَعْلَم الكافِرُون)

(4)

، وفي قراءةِ أُبيٍّ:(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)

(5)

. وذلك كلُّه دليلٌ على صحة ما اخترنا من القراءة في ذلك.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)} .

يقول تعالى ذكره: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا} بِاللَّهِ مِن قومك يا محمد: {لَسْتَ مُرْسَلًا} ؛ تكذيبًا منهم لك، وجحودا لنبوّتك، فقلْ لهم إذا قالوا ذلك:{كَفَى بِاللَّهِ} . يقولُ: قُلْ حسبيَ اللَّهُ، {شَهِيدًا} . يعني شاهدًا، {بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}: عليَّ وعليكم، بصدقى وكذبِكم، {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}

(1)

قرأ بذلك ابن كثير ونافع وأبو عمرو السبعة لابن مجاهد ص 359، وحجة القراءات ص 375، والتيسير ص 109.

(2)

قرأ بذلك عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي. تنظر المصادر السابقة.

(3)

القراءتان كلتاهما صواب.

(4)

المصاحف لابن أبي داود ص 63.

(5)

ينظر البحر المحيط 5/ 401، وهى قراءة شاذة لمخالفتها رسم المصحف.

ص: 581

فـ {مَنْ} إذا قُرئ كذلك في موضعِ خفضٍ، عطفًا به على اسم الله، وكذلك قرأ به قرأة الأمصار، بمعنى: والذين عندهم علمُ الكُتُبِ

(1)

التي نزلت قبلَ القرآنِ كالتوراة والإنجيل، وعلى هذه القراءة فسَّر ذلك المفسرون.

‌ذكرُ الرواية بذلك

حدثني عليُّ بن سعيدٍ الكنديُّ، قال: ثنا أبو مُحَيَّاةَ؛ يحيى بن يعلى، عن عبد الملكِ بن عميرٍ، عن ابن أخى عبدِ اللهِ بن سلام، قال: قال عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ: نزلت فيَّ: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}

(2)

.

حدثنا الحسين بن عليٍّ الصُّدَائيُّ، قال: ثنا أبو داود الطيالسي، قال: ثنا شعيبُ بن صفوان، قال: ثنا عبد الملكِ بن عميرٍ، أن محمد بن يوسفَ بن عبدِ اللَّهِ بن سلامٍ، قال: قال عبد الله بن سلَامٍ: أُنزِل فيَّ: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}

(3)

.

حدثني محمد بن سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} : فالذين عندهم علم الكتاب هم أهل الكتاب، من اليهود والنصارى

(4)

.

حدثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا الأشجعي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد:

(1)

سقط من: ت 1 ت 2 ف.

(2)

أخرجه الترمذى (3256)، (3803)، والآجرى في الشريعة (1442) من طريق على بن سعيد الكندى به مطولا.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 69 إلى المصنف وابن مردويه.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 69 إلى المصنف.

ص: 582

{وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} . قال: هو عبدُ اللهِ بنُ سلامٍ

(1)

.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالح في قوله:{وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكِتَابِ} . قال: رجلٌ مِن الإنسِ. ولم يُسمِّه.

حدثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله:{وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} : عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ

(2)

.

قال: ثنا يحيى بن عبّادٍ، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد:{وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} .

حدثنا بشر، [قال: ثنا يزيد]

(3)

، قال: ثنا سعيد، عن قتادةَ قولَه:{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا} . قال: قول مشركي قريشٍ، {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}: أناسٌ مِن أهل الكتاب كانوا يَشْهَدون بالحقِّ ويُقِرُّون به، ويَعْلَمون أن محمدا رسولُ اللهِ، كنَّا

(4)

نُحَدَّثُ أن منهم عبدَ اللَّهِ بنَ سَلَامٍ

(5)

.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، [عن معمر]

(6)

، عن

(1)

تفسير الثورى ص 155 وأخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 353، ومن طريقه ابن عساكر 29/ 131 عن الفضل بن دكين عن سفيان عن رجل ثقة به، وأخرجه أيضًا ابن عساكر 29/ 131 من طريق حميد الأعرج عن مجاهد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 69 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.

(2)

تفسير مجاهد ص 409.

(3)

سقط من: ص، ف.

(4)

في النسخ: "كما".

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 69 إلى المصنف وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(6)

سقط من النسخ، وهو سند دائر عند المصنف.

ص: 583

قتادةَ: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} . قال كان منهم عبد الله بن سلام وسلمان الفارسيُّ وتميمٌ الداريُّ

(1)

.

حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيدٍ، عن قتادة:{وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} . قال: هو عبد الله بن سلامٍ.

وقد ذكر عن جماعةٍ من المتقدِّمين أنهم كانوا يَقْرَءونه: (وَمِنْ عِنْدِهِ عِلْمُ الكِتَابِ)

(2)

. بمعنى: مِن عندِ اللَّهِ عِلْمُ الكتاب.

‌ذكرُ مَن ذُكِر ذلك عنه

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهابِ بن عطاء، عن هارونَ، عن جعفر بن

(3)

أبي وَحْشِيَّةَ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:(ومن عندِه عِلْمُ الكِتَابِ). يقولُ: مِن عندِ اللهِ عِلْمُ الكتابِ

(4)

.

حدثني محمد بن المثنَّى، قال: ثنا محمد بن جعفرٍ، عن شعبة، عن الحَكَمِ، عن مجاهد:(وَمِنْ عِنْدِه عِلْمُ الكِتَابِ). قال: مِن عندِ اللهِ

(5)

.

قال: ثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن الحَكَمِ، عن مجاهد:(وَمِنْ عِندِه عِلْمُ الكِتَابِ). قال: مِن عندِ اللَّهِ عِلْمُ الكتاب

(4)

.

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 339 عن معمر به.

(2)

هي قراءة على وأبيّ وابن عباس وعكرمة وابن جبير وعبد الرحمن بن أبى بكرة والضحاك وسالم بن عبد الله بن عمر وابن أبي إسحاق ومجاهد والحكم والأعمش. ينظر البحر المحيط 5/ 402، مختصر شواذ القراءات ص 72.

(3)

في ص، ف، ت 2:"عن".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 69 إلى المصنف وأبي عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 69 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 584

وقد حدَّثنا هذا الحديث الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا شعبةُ، عن الحَكَمِ، عن مجاهد:(وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ). قال: هو الله، هكذا قرَأ الحسنُ

(1)

: (وَمِنْ عِندِه عُلِمَ الكِتَابُ).

قال: ثنا شعبة، عن منصور بن زَادَانَ، عن الحسنِ مثلَه

(2)

.

قال: ثنا عليٌّ، يعنى ابنَ الجَعْدِ، قال: ثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسنِ:(وَمِنْ عِنْدِه عُلِمَ الكِتَابُ). قال: اللَّهُ. قال شعبةُ: فذكرت ذلك للحَكَم، فقال: قال مجاهدٌ مثلَه.

حدثنا ابن المثنَّى، قال: ثنا محمد بن جعفرٍ، قال: ثنا شعبة، قال: سمعتُ منصورَ بنَ زَاذَانَ يُحَدِّثُ عن الحسنِ أنه قال في هذه الآية: (ومِن عنده عُلِمَ الكتابُ). قال: مِن عندِ اللهِ.

قال: ثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا هَوْذَةُ، قال: ثنا عوفٌ، عن الحسنِ:(وَمِنْ عِندِه عُلِمَ الكتابُ). قال: مِن عندِ اللهِ عُلم الكتابُ.

حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمر، عن الحسنِ:(وَمِنْ عِندِهِ عُلِمَ الكِتَابُ). قال: من عندِ اللهِ عُلِمَ الكتابُ، هكذا قال ابن عبد الأعلى.

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان الحسن يَقْرَؤُها: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَمِنْ عِندِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ). يَقُولُ: مِن

(1)

بعده في ص، ت 1، ت 2، ف:"بن محمد" وهو خطأ، فالمقصود البصرى، لا الحسن بن محمد شيخ المصنف، وهذه القراءة قرأ بها مع الحسن على رضي الله عنه وابن السميقع وهي شاذة. ينظر البحر المحيط 5/ 402 ومختصر شواذ القراءات ص 72.

(2)

ينظر تفسير عبد الرزاق 1/ 339.

ص: 585

عندِ اللَّهِ عُلِمَ الكتاب وجملتُه.

هكذا حدَّثنا به بشرٌ: (عُلِمَ الكتابُ). وأنا أحْسَبُه وَهِم فيه، وأنَّه (ومن عندِه عِلْمُ الكتابِ)؛ لأن قوله: وجملتُه. اسمٌ، لا يُعْطَفُ باسم على فعلٍ ماضٍ.

حدَّثنا الحسن، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، عن هارونَ:(ومن عندِه عِلْمُ الكتابِ). يقُولُ: مِن عندِ اللَّهِ عِلْمُ الكِتابِ.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا الحجاج بن المنهالِ، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، قال: قلتُ لسعيد بن جبير: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} : أهو عبدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟ قال: هذه السورة مكيةٌ، فكيف يكونُ عبد الله بنَ سلَام؟! قال: وكان يَقْرَؤُها (ومن عنده عِلْمُ الكتاب). يقول: مِن عندِ اللَّهِ

(1)

.

حدثنا الحسن، قال: ثنا سعيد بن منصورٍ، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، قال: سأَلتُ سعيد بن جبير عن قولِ اللَّهِ: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} . أهو عبدُ اللَّهِ بنُ سلامٍ؟ قال: فكيف وهذه السورة مكيةٌ؟! وكان سعيدٌ يَقْرَؤُها (ومِن عندِه عِلْمُ الكتاب)]

(1)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى عبّادٌ، عن عوفٍ، عن الحسن، وجويبرٍ عن الضحاكِ بن مزاحِمٍ قالا:(ومن عنده عِلْمُ الكتاب). قال: مِن عندِ الله.

وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرٌ بتصحيحِ هذه القراءة وهذا التأويل، غيرَ أن في إسنادِه نظرًا، وذلك ما حدثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى عبّادُ بنُ

(1)

أخرجه سعيد بن منصور (1177 - تفسير) والنحاس في ناسخه ص 536 من طريق أبي عوانة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 69 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وهي قراءة شاذة.

ص: 586

العوّامِ، عن هارونَ الأعور، عن الزهري، عن سالم بن عبدِ اللَّهِ، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ:(ومن عنده عِلْمُ الكتاب): عندَ اللهِ عِلْمُ الكتاب

(1)

.

وهذا خبر ليس له أصل عندَ الثقاتِ مِن أصحاب الزهري، فإذا كان ذلك كذلك، وكانت قرأةُ الأمصارِ مِن أهل الحجاز والشام والعراق على القراءة الأخرى، وهى:{وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} كان التأويل الذي على المعنى الذي عليه قرأة الأمصار أولى بالصواب مما

(2)

خالفه، إذ كانت القراءة بما هم عليه مجمعون أحق بالصواب.

آخر تفسير سورة الرعد، والحمد لله صادق الوعدِ

(1)

أخرجه أبو يعلى (5574) من طريق الزهرى به، وابن علي 6/ 2278 من طريق ابن عمر عن عمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 69 إلى ابن مردويه.

(2)

في م: "ممن"، وفى ت 1، ت 2، ف:"من".

ص: 587

بسم الله الرحمن الرحيم

‌تفسيرُ سورةِ إبراهيمَ عليه السلام

‌القول في تأويل قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

(1)

}.

قال أبو جعفر الطبريُّ: قد تقدَّم منا البيانُ عن معنى قوله: {الر} فيما مضَى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضعِ

(1)

.

وأما قوله: {كِتَابٌ أَنزَلْنَهُ إِلَيْكَ} . فإن معناه: هذا كتابٌ أنزلناه إليك يا محمدُ، يعنى القرآن. {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} ، يقول: لتَهْدِيَهم به مِن ظلماتِ الضلالة والكفر إلى نور الإيمان وضيائه، وتُبَصِّرَ به أهل الجهل والعَمَى سُبُلَ الرشادِ والهُدَى.

وقوله: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} . يعنى: بتوفيق ربِّهم لهم بذلك، ولطفه بهم، {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}. يعنى: إلى طريق الله المستقيم، وهو دينه الذي ارْتَضَاه وشرعه لخلقه.

و"الحميدُ" فعيلٌ، صُرِف مِن مفعول إلى فعيلٍ، ومعناه: المحمود بآلائه، وأضاف تعالى ذكره إخراج الناسِ من الظلمات إلى النور بإذن ربِّهم لهم بذلك، إلى نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وهو الهادى خلقَه، والموفِّقُ مَن أحبَّ منهم للإيمان؛ إذ كان منه دعاؤُهم إليه، وتعريفُهم ما لهم فيه وعليهم، فبيِّنٌ بذلك صحة قول أهل الإثبات الذين

(1)

انظر ما تقدم في 1/ 204.

ص: 588

أضافوا أفعالَ العباد إليهم كسبًا، وإلى الله جل ثناؤُه إنشاءً وتدبيرًا، وفساد قولِ أهلِ القَدَرِ الذين أنكروا أن يكونَ للَّه في ذلك صنعٌ.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيد، عن قتادةَ في قوله:{لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} : أي من الضلالة إلى الهُدَى

(1)

.

‌القول في تأويل قوله عزّ ذكرُه: {اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ

(2)}.

اختلفت القرأةُ في قراءة ذلك

(2)

، فقرأته عامة قرأةِ المدينة والشامِ:(اللَّهُ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ). برفعِ اسمِ الله على الابتداء، وتصييرِ قولِه:{الَّذِى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} خبرَه.

وقرأته عامَّةُ قرأة أهل العراقِ والكوفةِ والبصرة: {اللَّهِ الَّذِى} . بخفض اسم الله، على إتباع ذلك {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} ، وهما خفضٌ.

وقد اختلَف أهلُ العربية في تأويله إذا قُرِئ كذلك، فذُكر عن أبي عمرِو بن العلاء، أنه كان يَقْرَؤُه بالخفضِ، ويَقُولُ: معناه: بإذن ربهم إلى صراط الله

(3)

العزيز الحميدِ، الذي له ما في السماواتِ، ويَقُولُ: هو مِن المؤخَّرِ الذي معناه

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 69 إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(2)

قرأ برفع اسم "الله" نافع وابن عامر، وقرأ بالخفض ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي. ينظر السبعة ص 362، والكشف 2/ 25، والتيسير ص 109.

(3)

سقط من النسخ، وأثبته ليستقيم به الكلام.

ص: 589

التقديم. ويُمثِّله بقول القائل: مَرَرْتُ بالظريف عبد الله. والكلام الذي يوضع مكان الاسم النعتُ، ثم يُجْعَلُ الاسم مكان النعتِ، فيَتْبَعُ إعرابه إعراب النعتِ الذي وُضِع موضع الاسم، كما قال بعض الشعراء:

لو كنتُ ذا نَبْلٍ وذا شَرِيبٍ

(1)

ما خِفْتُ شَدَّات

(2)

الخبيث الذيبِ

وأما الكسائي فإنه كان يقولُ، فيما ذُكر عنه: مَن حَفَض أراد أن يَجْعَلَه كلاما واحدًا، وأتبع الخفض الخفض. وبالخفضِ كان يَقْرَأُ.

والصوابُ مِن القول في ذلك عندى أنهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكلِّ واحدةٍ منهما أئمةٌ مِن القرأة، معناهما واحدٌ، فبأيتِهما قرأ القارئ فمصيبٌ، وقد يجوزُ أن يكون الذي قرأه بالرفعِ، أراد معنى من خفض في إتباع الكلام بعضه بعضا، ولكنه رفع لانفصالِه من الآية التي قبلَه، كما قال جل ثناؤه:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالِهُم} إلى آخر الآية، ثم قال:{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} [التوبة: 111، 112].

ومعنى قوله: {اللَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} : الله الذي يملكُ جميعَ ما في السماوات وما في الأرضِ، يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أنزلنا إليك هذا الكتابَ، لتَدْعُوَ عبادى إلى عبادة من هذه صفتُه، ويدعوا عبادةَ مَن لا يَمْلك لهم ولا لنفسه ضَرًّا ولا نفعًا من الآلهة والأوثانِ. ثم توعد جلَّ ثناؤُه مَن كَفَر به ولم يَسْتَجِبْ لدعاءِ رسوله إلى ما دعاه إليه من إخلاص التوحيد له، فقال:{وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} . يقولُ: الوادى الذي يَسيلُ من صديد

(1)

الشزيب: القوس ليست بجديد ولا خَلَق. القاموس المحيط (ش ز ب).

(2)

جمع شَدَّة: وهي الحملة الواحدة، ومنه: شدَّ على القوم في القتال: حَمل عليهم. اللسان (ش د د).

ص: 590

أهلِ جهنم لمن جحد وحدانيته، وعبد معه غيرَه، مِن عذابِ اللَّهِ الشديدِ.

‌القول في تأويل قوله عزّ ذكرُه: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ

(3)}.

يعنى جلّ ثناؤُه بقوله: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} : الذين يختارون الحياةَ الدنيا ومتاعها ومعاصىَ الله فيها، على طاعة الله. وما يُقَرِّبُهم إلى رضاه من الأعمال النافعة في الآخرةِ. {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}. يقولُ: ويَمْنعون من أراد الإيمان بالله واتباع رسوله، على ما جاء به من عندِ الله، من الإيمان به واتباعه. {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا}. يقولُ: ويَلْتَمِسون سبيل الله، وهى دينُه الذي ابتَعَث به رسوله، {عِوَجًا}: تحريفا وتبديلا بالكذب والزور، و"العِوَج"، بكسرِ العَيْنِ وفتحِ الواوِ: في الدين والأرضِ وكلِّ ما لم يَكُنْ قائمًا، فأما في كلِّ ما كان قائما كالحائطِ والرُّمْحِ والسِّنِّ، فإنه يقالُ بفتح العين والواوِ جميعًا؛ "عَوَج". يقولُ اللَّهُ عزَّ ذكرُه:{أُولَئِكَ فِي ضَلَالِ بَعِيدٍ} يعنى هؤلاء الكافرين الذين يَسْتَحِبُّون الحياة الدنيا على الآخرةِ. يقولُ: هم في ذَهاب عن الحقِّ بعيدٍ، وأخذٍ على غير هدًى، وجَوْرٍ عن قصد السبيل.

وقد اختلف أهلُ العربية في وجهِ دُخول "على" في قوله: {عَلَى الْآخِرَةِ} ، فكان بعضُ نحويِّي البصرة يقولُ: أوصَل الفعلَ بـ (على)، كما قيل

(1)

: ضربوه في السيفِ. يريدُ بالسيفِ، وذلك أن هذه الحروفَ يُوصَلُ بها كلِّها وتحذفُ، نحو قولِ العربِ: نزَلتُ زيدًا، ومررتُ زيدا، يريدون: مررتُ به، ونزلتُ عليه.

وقال بعضُهم: إنما أدخل ذلك؛ لأن الفعل يؤدِّى عن معناه من الأفعال

(2)

،

(1)

بعده في م: "في".

(2)

هذا هو المعروف عند النحاة بالتضمين.

ص: 591

ففى قوله: {يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [معناه: يؤثرون بالحياة الدنيا]

(1)

على الآخِرَةِ. ولذلك أُدخلت "على". وقد بيَّنتُ هذا ونظائره في غير موضعٍ مِن الكتابِ بما أغنى عن الإعادة

(2)

.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

(4)}.

يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا إلى أمةٍ من الأمم يا محمد من قبلك، ومن قبل قومك، رسولا إلا بلسان الأمة التي أرسلناه إليها ولغتهم، {لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}. يقولُ: ليُفْهِمَهم ما أرسله الله به إليهم من أمره ونهيِه، ليُثْبِتَ حجة الله عليهم، ثم التوفيق والخِذلان بيدِ اللَّهِ، فيُخَذِّلُ عن قبول ما أتاه به رسوله من عنده من شاء منهم، ويُوفِّقُ لقبوله من شاء؛ ولذلك رفع {فَيُضِلُّ} ؛ لأنَّه أُريد به الابتداء لا العطف على ما قبلَه، كما قيل:{لِنُبَيَّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ} [الحج: 5]. {وَهُوَ الْعَزِيزُ} : الذي لا يَمتنِعُ مما أراده من ضلال أو هدايةٍ مَن أراد ذلك به، و {الْحَكِيمُ}

(3)

في توفيقه للإيمانِ مَن وفَّقه له، وهدايته له من هداه إليه، وفى إضلالِه مَن أضلَّ عنه، وفي غير ذلك من تدبيره.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

(1)

سقط من: م.

(2)

ينظر مثلًا 1/ 521، 530.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"الحكم".

ص: 592

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} : أي بلغة قومه ما كانت، قال الله عز وجل:{لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} الذي أُرسل إليهم، ليتخذَ بذلك الحجةَ، قال اللَّهُ عز وجل:{فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}

(1)

.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)} .

يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا وحججِنا من قبلك يا محمدُ، كما أرسلناك إلى قومك بمثلها من الأدلة والحُجَجِ، كما حدَّثنا محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ ح وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسنُ الأشيبُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد ح وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللَّهِ عز وجل:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} . قال: بالبينات

(2)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} . قال: التسعِ الآيات؛ الطوفانِ وما معه

(3)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 70 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(2)

تفسير مجاهد ص 410.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 70 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 593

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا [عبد اللهِ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح]

(1)

، عن مجاهد:{أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} . قال: التسع البينات.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله.

وقوله: {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} : كما أنزَلنا إليك يا محمدُ هذا الكتابَ، لتُخْرِجَ الناسَ مِن الظلماتِ إلى النورِ بإِذْنِ رَبِّهم. ويعنى بقوله:{أَن أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} : أَنِ ادعُهم من الضلالة إلى الهُدى، ومن الكفرِ إلى الإيمان، كما حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّور} . يقولُ: من الضلالة إلى الهدى

(2)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة مثله

(3)

.

وقوله: {وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} . يقولُ عز وجل: وعظهم بما سلَف من يعمى عليهم في الأيامِ التي خلَت. فاجتُزئَ بذكر الأيام من ذكر النعم التي عناها؛ لأنها أيامٌ كانت معلومةً عندَهم، أنعم الله عليهم فيها نعمًا جليلةً؛ أنقذهم فيها من آل فرعون، بعد ما كانوا فيما كانوا من العذاب المهين، وغرَّق عدوهم فرعونَ وقومَه، وأَوْرَثَهم أرضَهم وديارهم وأموالهم.

(1)

في م: "قال ثنا الحسين، قال ثنى حجاج، عن ابن جريج، وهو انتقال نظر للإسناد الذي بعده.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 70 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(3)

تقدم تخريجه في ص 589.

ص: 594

وكان بعضُ أهل العربية يقولُ: معناه خوِّفهم بما نزل بعاد وثمود وأشباههم مِن العذابِ، وبالعفو عن الآخرين. قال: وهو في المعنى كقولك: خُذهم بالشدَّةِ واللين.

وقال آخرون منهم

(1)

: قد وجَدنا لتسمية النعم بالأيام شاهدًا في كلامهم. ثم اسْتَشْهَد لذلك بقول عمرو بن كلثوم

(2)

.

وأيام لنا غُرٍّ طِوَالٍ

عصَينا المَلْكَ فيها أن نَدِينا

وقال: فقد يكون إنما جعَلها غرًّا طوالًا؛ لإنعامهم على الناس فيها. قال: فهذا شاهد لمن قال: {وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} بنِعَمِ اللهِ، ثم قال: وقد يكون تسميتها غرًّا، لعُلُوِّهم على الملِكِ وامتناعهم فأيامهم غرٌّ لهم، وطوالٌ على أعدائهم.

قال أبو جعفر: وليس للذى قال هذا القائلُ

(3)

؛ مِن أن في هذا البيت دليلا على أن الأيامَ معناها النعم - وجهٌ؛ لأن عمرو بن كلثوم إنما وصف ما وصف مِن الأيام بأنها غرٌّ، لعزِّ عشيرته فيها، وامتناعهم على الملكِ من الإذعانِ له بالطاعة، وذلك كقول الناس: ما كان لفلانٍ قطُّ يومٌ أبيضُ. يعنون بذلك أنه لم يَكُنْ له يوم مذكورٌ بخير، وأما وصفه إياها بالطُّولِ، فإنها لا توصف بالطول إلا في حال شدَّةٍ، كما قال النابغة

(4)

:

كِلِيني لهمٍّ يا أُميمَةَ ناصب

وليلٍ أُقاسيه بطيءِ الكواكبِ

فإنما وصَفها عمرٌو بالطولِ لشدةِ مكروهها على أعداء قومه، ولا وجه لذلك

(1)

نقل هذا القول أبو بكر الأنبارى عن أبي عبيدة، في شرح القصائد السبع ص 389.

(2)

شرح القصائد السبع لأبي بكر الأنبارى ص 388.

(3)

في م: "القول".

(4)

ديوانه ص 54.

ص: 595

غير ما قلت.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يحيى بن طلحة اليربوعيُّ، قال: ثنا فضيل بن عياضٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ:{وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} . قال: بأنعُمِ الله.

حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيدِ، قال: ثنا يحيى بن يمانٍ، عن سفيانَ، عن عبيد المكتب، عن مجاهدٍ:{وَذَكِرْهُم بِأَيَّام اللَّهِ} . قال: بنعمِ الله

(1)

.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عبيد المكتب، عن مجاهد مثله.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبثرٌ، عن حصين، عن حصين، عن مجاهد مثله.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ح وحدثنى الحارث، قال: ثنا الحسن

(2)

، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد: بِأَيَّامِ اللَّهِ}. قال: بنعم الله

(3)

.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ،

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 341 من طريق سفيان به، وأخرجه أبو نعيم في الحلية 3/ 294، من طريق عبيد به.

(2)

في م: "الحسين".

(3)

تفسير مجاهد ص 410.

ص: 596

عن مجاهد مثلَه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله.

حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:{وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} . قال: بالنعم التي أنعم بها عليهم؛ أنجاهم من آل فرعونَ، وفلق لهم البحرَ، وظلَّل عليهم الغمامَ، وأنزَل عليهم المنَّ والسلوى

(1)

.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا حبيب بن حسان، عن سعيدِ بن جبير:{وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} . قال: بنِعَمِ اللَّهِ

(2)

.

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة

(3)

: {وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} . يقولُ: ذكِّرْهم بنعَمِ الله عليهم.

حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} . قال: بِنِعَمِ اللَّهِ

(4)

.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيد في قولِ اللَّهِ: {وَذَكَّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} . قال: أيامه التي انتقم فيها من أهل معاصيه من الأمم، خوِّفْهم بها، وحذِّرهم إياها، وذكِّرهم أن يُصيبهم ما أصاب الذين من قبلهم.

حدثني المثنَّى، قال: ثنا الحمانيُّ، قال: ثنا محمد بن أبانٍ، عن أبي

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 70 إلى المصنف.

(2)

ينظر التبيان 6/ 274.

(3)

في ص، ف:"عبادة".

(4)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 341 عن معمر به.

ص: 597

إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ، عن أبيٍّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم:{وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} . قال: نعم الله

(1)

.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاقِ، عن الثوري، عن عبيد الله أو غيره، عن مجاهدٍ:{وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} . قال: بنعم الله. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} . يقولُ: إن في الأيامِ التي سلفت بنِعَمى عليهم - يعنى على قوم موسى - {لَآيَاتٍ} يعنى: لعِبَرًا ومواعظَ {لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} ، يقول: لكلِّ ذى صبر على طاعة الله، وشكر له على ما أنعم عليه مِن نِعَمِه.

حدثني المثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة في قولِ اللَّهِ عز وجل:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} .

قال: نِعْمَ العبد عبد، إِذا ابْتُلى صبَر، وإذا أُعْطِى شكَر

(2)

.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)} .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد إذ قال موسى بن عمران

(1)

أخرجه عبد بن حميد (168 - منتخب) عن الحمانى به، وأخرجه أحمد 5/ 122 (21166 - ميمنية) وابن أبي حاتم في تفسيره - كما في تفسير ابن كثير 4/ 368 - وأبو الفضل الزهري في حديثه (106) والبيهقى في الشعب (8/ 44) من طرق عن محمد بن أبان به، وأخرجه النَّسَائِي في الكبرى (11260) من طرق عن أبي إسحاق به، وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند 5/ 122 (21167) من طريق محمد بن أبان به موقوفًا. قال ابن كثير: وهو أشبه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 70 إلى ابن المنذر وابن مردويه.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 70 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 598

لقومه من بني إسرائيل {اذْكُرُوا} [أيُّها القومُ]

(1)

{نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} ، التي أنعَم بها عليكم؛ {إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} ، يقولُ: حين أنجاكم من أهل دينِ فرعونَ وطاعتِه، {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} . أي

(2)

يُذيقونكم شديد العذابِ، {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [مع إذاقتهم إيَّاكم شديدَ العذاب يذبِّحون

(3)

أبناءَكم]

(4)

. وأدخلت الواو في هذا الموضع لأنَّه أريد بقوله: {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} : الخبرُ عن أنَّ آلَ فرعون كانوا يُعَذِّبون بني إسرائيل بأنواعٍ من العذاب غير التذبيح، وبالتذبيحِ. وأما في موضع آخر من القرآن، فإنه جاء بغير الواو:{يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [البقرة: 49] في موضعٍ، وفى موضعٍ:{يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [الأعراف: 141]. ولم تدخلِ الواوُ في المواضع التي لم تَدْخلْ فيها؛ لأنَّه أريد بقوله: {يُذبِّحُونَ} وبقوله: {ويُقَتِّلُونَ} تبيينه صفاتِ العذابِ الذي كانوا يسُومونهم، وكذلك العمل في كل جملةٍ أُريد تفصيلها، فبغير الواوِ تفصيلها، وإذا أُريدَ العطفُ عليها بغيرها وغير تفصيلها فبالواو

(5)

.

حدثني المثنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبيرِ، عن ابن عيينة في قوله:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} . أيادىَ اللَّهِ عندكم وأيامه

(6)

.

وقوله: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} . يقولُ: ويبقون نساءكم، فيَتْرُكون

(1)

سقط من: م.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(3)

سقط من: النسخ، وأثبتناها لأن السياق يقتضيها.

(4)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ف.

(5)

في م: "فالواو".

(6)

تقدم تخريجه في 8/ 278.

ص: 599

قتلَهنّ، وذلك استحياؤهم كان إياهنَّ. وقد بيّنا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع

(1)

، ومعناه: ويَتْرُكونهم والحياةَ

(2)

. ومنه الخبر الذي روى عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "اقْتُلُوا شيوخَ المشركين، واسْتَحْيُوا شَرْخَهم

(3)

"

(4)

بمعنى: اسْتَبْقوهم فلا تَقْتُلوهم.

{وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} . يقول تعالى: وفيما يَصْنَعُ بكم آل فرعونَ من أنواع العذابِ بلاء لكم من ربِّكم {عَظِيمٌ} يقول

(5)

: أي ابتلاءٌ واختبارٌ لكم من ربِّكم عظيمٌ. وقد يكون البلاء في هذا الموضعِ نعماء [ويكونُ من البلاء الذي يصيب الناسَ من الشدائد]

(6)

.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)} .

يقولُ جلّ ثناؤه: واذكروا أيضًا حين اذنكم ربُّكم. و "تأذَّن" تفعّل من "آذن"، والعربُ ربما وضَعت تفعَّل موضع أفعل، كما قالوا: أَوْعَدتُه، وتَوَعَّدتُه. بمعنًى واحدٍ، وآذن: أعلَم، كما قال الحارثُ بن حِلِّزةَ

(7)

:

(1)

تقدم في 1/ 650.

(2)

بعده في م: "هي الترك" تفسيرا للحياة.

(3)

الشرح: الصغار الذين لم يدركوا، وقيل: أراد بهم الشباب أهل الجلد الذين ينتفع بهم في الخدمة. النهاية 2/ 457.

(4)

أخرجه أحمد 5/ 12، 20 (ميمنية)، وأبو داود (2670)، والترمذى (1583) من حديث سمرة بن جندب.

(5)

سقط من: م.

(6)

في م: "وقد يكون معناه من البلاء الذي قد يصيب الناس في الشدائد وغيرها".

(7)

شرح القصائد السبع ص 433.

ص: 600

آذَنَتْنا ببَيْنِها أسماءُ

رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ منه الثَّواءُ

يعنى بقوله: آذَنَتنا، أعلَمتنا.

وذكر عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، أنه كان يقرَأُ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ}:(وَإِذْ قَالَ رَبُّكُمْ)

(1)

.

حدثني بذلك الحارثُ، قال: ثنى عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش عنه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيد في قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} . قال: وإذ قال ربُّكم، ذلك التَّأذُّنُ.

وقوله: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} . يقولُ: لئن شكَرتم ربَّكم بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم. {لأَزِيدَنَّكُمْ} : في أياديه عندَكم، ونعمه عليكم، على ما قد أعطاكم مِن النجاةِ مِن آلِ فرعونَ، والخلاص من عذابهم

(2)

.

وقيل في ذلك قولٌ غيرُه، وهو ما حدثنا الحسنُ بن محمدٍ، قال: ثنا الحسين بن الحسن، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: سمعتُ عليَّ بنَ صالح، يقولُ في قولِ اللهِ عز وجل:{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} . قال: أي من طاعتى

(3)

.

حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا ابن المباركِ، قال: سمعت عليَّ ابن صالح. فذكر نحوه.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان: {لَئِن

(1)

وهى قراءة شاذة ينظر البحر المحيط 5/ 407.

(2)

في ت 1، ت:"أعدائهم".

(3)

أخرجه البيهقي في الشعب (4530) من طريق ابن المبارك به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 71 إلى ابن المبارك وابن أبي حاتم.

ص: 601

شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}. قال: مِن طاعتى

(1)

.

حدثني الحارثُ، قال: ثنا عبد العزيزِ، قال: ثنا مالك بنُ مِغْوَلٍ، عن أَبانِ بن أبي عياشٍ، عن الحسن في قوله:{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} . قال: مِن طاعتي

(2)

.

ولا وجه لهذا القولِ يُفْهَمُ؛ لأنَّه لم يَجْر للطاعةِ في هذا الموضعِ ذكرٌ فيقالَ: إن شكَرتمونى عليها زدتكم منها. وإنما جرَى ذكرُ الخبر عن إنعام الله على قومِ موسى بقوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} . ثم أخبرَهم أن الله أعلَمهم إن شكَروه على هذه النعمة زادهم. فالواجب في المفهوم أن يكون معنى الكلامِ: زادَهم من نعمِه. لا مما لم يَجْرِ له ذكرٌ من الطاعةِ، إلا أن يكونَ أُريد به: لئن شكَرتم فأطَعْتمونى بالشكرِ، لأزيدنَّكم من أسباب الشكرِ ما يُعينُكم عليه. فيكونَ ذلك وجهًا.

وقوله: {وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} . يقولُ: ولئن كفرتم أيها القومُ نعمةَ الله فجحَدتموها بترك شكره عليها، وخلافِه في أمره ونهيِه، وركوبكم معاصيَه {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} ، أعذِّبُكم كما أُعذِّبُ مَن كَفَر بي مِن خلقى.

وكان بعضُ البصريين يقولُ في معنى قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} : وتأذَّن ربُّكم. ويقولُ: "إذ" من حروفِ الزوائدِ، وقد دلَّلنا على فسادِ ذلك فيما مضى قبل

(3)

.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 71 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 11 إلى المصنف.

(3)

ينظر ما تقدم في 1/ 467 وما بعدها.

ص: 602

فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}.

يقول تعالى ذكره: {وَقَالَ مُوسَى} لقومه {إِن تَكْفُرُوا} أيُّها القوم، فتجحَدوا نعمة الله التي أنعمها عليكم {أَنتُمْ} ، ويَفْعَلُ في ذلك مثل فعلِكم {مَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} ، {فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ} عنكم وعنهم مِن جميعِ خلقِه، لا حاجةَ به إلى شكرِكم إياه على نعمه عند جميعكم {حَمِيدٌ} ذو حَمْدِ إلى خلقه بما أنعَم به عليهم.

كما حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبد الله بن هاشم، قال: أخبرنا سيفٌ، عن أبي رَوْقٍ، عن أبي أيوب، عن عليٍّ:{فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ} . قال: غنيٌّ عن خلقه. {حَمِيدٌ} . قال: مُسْتَحْمِدٌ إليهم.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)} .

يقولُ تعالى ذكره مخبرًا عن قيلِ موسى لقومِه: يا قومِ {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} . يقولُ: خبرُ الذين من قبلكم من الأممِ التي مضَت قبلكم، {قَومِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ} . و"قومِ نوحٍ

(1)

"، فبُيِّن بهم عن "الذين"، و "عادٍ" معطوفٌ بها على "قومِ نوحٍ"، {وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ}. يعنى: مِن بعدِ قومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ، {لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ}. يقولُ: لا يُحصى عددَهم، ولا يَعْلَمُ مبلغهم إلا الله.

(1)

في النسخ: "عاد".

ص: 603

كما حدَّثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاقَ، عن عمرو بن ميمونٍ:{وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِم لَا يَعْلَمُهُم إِلَّا اللَّهُ} . قال: كذَب النسَّابون

(1)

.

حدثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبد الرحمنِ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعودٍ بمثل ذلك.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابةُ، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاقَ، عن عمرو بن ميمون، قال: ثنا ابن مسعودٍ أنه كان يَقْرَؤُها: (وعادًا وَثَمُودَ وَالَّذِين منْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ). ثم يقولُ: كذَب النسابون

(2)

.

حدثني ابن المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عيسى بن جعفر، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبدِ اللَّهِ مثله.

وقوله: {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيَّنَاتِ} . يقولُ: جاءت هؤلاء الأمم رسلهم الذين أرسلهم الله إليهم، بدعائهم إلى إخلاص العبادة له، {بِالْبَيِّنَاتِ}. [يقولُ: بحُجَجٍ ودَلالاتٍ، على حقيقةِ ما دعَوهم إليه، معجزاتٍ]

(3)

.

وقوله: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: فعضُّوا على أصابعهم، تغيُّظًا عليهم في دعائهم إياهم إلى ما دعَوهم إليه.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 72 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 71، 72 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(3)

في م: "يعنى بالحجج الواضحات، والدلالات الظاهرات على حقيقة ما دعوهم إليه من معجزات".

ص: 604

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنَّى، قالا: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الأحوص، عن عبدِ اللَّهِ:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . قال: عضُّوا عليها تَغَيُّظًا.

حدَّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاقِ، قال: أخبرنا الثوريُّ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الأحوصِ، عن عبد الله في قوله:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . قال: غيظًا، هكذا. وعضَّ يدَه

(1)

.

حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوصِ، عن عبدِ اللَّهِ:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . قال: عَضُّوها

(2)

.

حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا عبد الله بن رجاءٍ البصريُّ، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الأحوص، عن عبدِ اللهِ في قولِ اللَّهِ عز وجل:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . قال: عَضُّوا على أصابعهم

(3)

.

حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا الحِمَّانيُّ، قال: ثنا شَرِيكٌ، عن أبي إسحاق، عن أبى الأحوصِ، عن عبدِ اللَّهِ:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . قال: عَضُّوا على أطراف أصابعهم.

حدثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا محمد بن جعفرٍ، قال: ثنا شعبة، عن أبي

(1)

تفسير عبد الرزاق 1/ 341، ومن طريقه الحاكم 2/ 351 وأخرجه الطبراني في الكبير (9119) من طريق سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 72 إلى الفريابي وأبي عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (9118) من طريق أبي نعيم به

(3)

أخرجه الحاكم 2/ 350 من طريق إسرائيل به.

ص: 605

إسحاق، عن هبيرة، عن هبيرة، عن عبدِ اللَّهِ، أنه قال في هذه الآية:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . قال: أن يَجْعَلَ إصبعه في فيه.

حدثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا أبو قَطَنٍ، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن هبيرةَ، عن عبدِ الله في قول الله جلّ وعزّ:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . ووضع شعبة أطراف أنامله اليسرى على فيه.

حدثنا الحسن، قال: ثنا يحيى بن عبَّادٍ، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرنا أبو إسحاق، عن هبيرة، قال: قال عبد اللهِ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . قال: هكذا. وأدخل أصابعه في فيه.

حدثنا الحسن، قال: وحدثناه عفان، قال: ثنا شعبة، قال أبو إسحاق: أنبأنا عن هبيرةَ، عن عبدِ اللهِ أنه قال في هذه الآية:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . قال أبو عليٍّ: وأرانا عفان، وأدخل أطراف أصابع كفِّه مبسوطةً في فيه، وذكر أن شعبةَ أراه كذلك.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الأحوص، عن عبدِ اللَّهِ:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . قال: عَضُّوا على أناملهم. وقال سفيانُ: عَضُّوا غيظًا

(1)

.

حدَّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . فقرأ: {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران: 119] قال: هذا

(2)

: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . قال:

(1)

ينظر تفسير ابن كثير 4/ 401.

(2)

في م: "ومعنى".

ص: 606

أدخَلوا أصابعَهم في أفواهِهم. وقال: إذا اغتاظَ الإنسانُ عضَّ يدَه

(1)

.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم لما سمعوا كتابَ اللَّهِ عجبوا منه، ووضَعوا أيديهم على أفواههم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني محمد بن سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . قال: لما سمعوا كتاب الله عجبوا، ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم

(2)

.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم كذبوهم بأفواههم.

‌ذكر من قال ذلك

حدَّثني محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، ح وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد في قولِ اللَّهِ:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . قال: ردُّوا عليهم قولهم وكذَّبوهم

(3)

.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 72 إلى ابن أبي حاتم.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 72 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(3)

تفسير مجاهد ص 410، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 72 إلى أبي عبيد وابن المنذر.

ص: 607

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله:{جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيَّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . يقولُ: قومُهم كذَّبوا رُسُلَهم، وردُّوا عليهم ما جاءوا به من البينات، وردُّوا عليهم بأفواههم، وقالوا:{إِنَّا لَفِي شَكّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمر، عن قتادةَ في قوله:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . قال: ردُّوا على الرسل ما جاءت به

(1)

.

وكأن مجاهدا وجَّه قولَه: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . إلى معنى: ردُّوا أياديَ الله التي لو قبلوها كانت أيادى ونعمًا له عندهم، فلم يقبلوها. ووجَّه قولَه:{فِي أَفْوَاهِهِمْ} إلى معنى: بأفواههم، يعني: بألسنتهم التي في أفواههم. وقد ذُكِر عن بعض العرب سماعا: أدخلك الله بالجنة. يَعْنون: في الجنة. ويُنْشَدُ هذا البيتُ

(2)

:

وأَرْغَبُ فيها عن لَقِيطٍ ورَهْطِه

ولكننى عن سِنْبِسٍ لستُ أرْغَبُ

(3)

يريدُ: وأرغب فيها، يعنى [بابنةٍ له]

(3)

، عن لقيطٍ، ولا أَرْغَبُ بها عن قبيلتي.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم كانوا يَضَعون أيديهم على أفواه الرسل، ردا عليهم قولهم وتكذيبًا لهم.

وقال آخرون: هذا مَثَلٌ، وإنما أُريد أنهم كفُّوا عما أُمروا بقبوله من الحقِّ، ولم يؤمنوا به ولم يسلموا، وقال: يقال للرجل إذا أمسك عن الجواب فلم يُجِبْ: ردَّ يده

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 341 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 72 إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(2)

البيت في معاني القرآن 2/ 70، 223، واللسان (ذ ر أ).

(3)

في م: "أرغب بها".

ص: 608

في فمه.

وذكر بعضُهم أن العرب تقولُ: كلَّمتُ فلانًا في حاجةٍ، فرد يده في فيه. إذا سكت عنه فلم يُجِبْ، وهذا أيضًا قول لا وجه له؛ لأن الله عزَّ ذكرُه، قد أخبر عنهم أنهم قالوا:{إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ} ، فقد أجابوا بالتكذيب.

وأشبه هذه الأقوال عندى بالصواب في تأويل هذه الآية، القولُ الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود؛ أنهم ردُّوا أيديهم في أفواههم، فعضوا عليها غيظًا على الرسل، كما وصف الله عز وجل به إخوانهم من المنافقين، فقال:{وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران: 119]. فهذا هو الكلام المعروف، والمعنى المفهوم من ردِّ اليدِ إلى الفم.

وقوله: {وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ} . يقول عز وجل: وقالوا لرُسُلِهم: إنا كفَرنا بما أَرْسَلَكم به مَن أَرْسَلَكم، من الدعاء إلى تركِ عبادة الأوثان والأصنام، {وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ} من حقيقة ما تَدْعوننا إليه، من توحيدِ اللهِ، {مُرِيبٍ}. يقولُ: يُرِيبنا ذلك الشك، أي يُوجِبُ لنا الرِّيبة والتهمة فيه، يقال منه: أراب الرجلُ: إذا أتى بريبةٍ، يُرِيب إرابةً.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10)} .

يقول تعالى ذكره: قالت رسلُ الأمم التي انتها رسلها: {أَفِي اللَّهِ} أنه المستحقُّ عليكم أيها الناسُ الألوهة والعبادةَ، دون جميع خلقه، {شَكٌّ} ؟

ص: 609

وقوله: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . يقولُ: خالق السماوات والأرضِ. {يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مَّن ذُنُوبِكُمْ} . يقولُ: يَدْعُوكم إلى توحيده وطاعته، {لِيَغْفِرَ لَكُم مَّن ذُنُوبِكُمْ}. يقولُ: فيستر عليكم بعض ذنوبكم بالعفو عنها، فلا يُعاقبكم عليها، {ويُؤَخِّرَكُمْ}. يقول: ويُنسى في آجالكم، فلا يُعاقبكم في العاجل فيُهلككم، ولكن يؤخرُكم إلى الوقت الذي كتب في أم الكتاب أنه يَقْبِضُكم فيه. وهو الأجلُ الذي سمَّى لكم، فقالت الأممُ لهم:{إِنْ أَنتُمْ} أيُّها القومُ {إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا} في الصورة والهيئةِ، ولستم ملائكةً، وإنما تُريدون بقولكم هذا الذي تقُولون لنا {أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}. يقولُ: إنما تُريدون أن تَصْرِفونا بقولكم عن عبادة ما كان يعبده من الأوثانِ آباؤنا، {فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}. يقولُ: فَأْتُونا بحجةٍ على ما تقولون، تُبَيِّنُ لنا حقيقتَه وصحته، فنَعْلَمَ أنكم فيما تقولون مُحِقُّون.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)} .

يقول تعالى ذكره: [قالت الرسلُ التي أتتهم لهم]

(1)

: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} ، صدَقتم في قولكم:{إنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا} [إبراهيم: 10]. فما: نحن إلا بشرٌ مِن بنى آدم، إنسٌ مثلُكم، {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}. يقولُ: ولكنّ اللَّهَ يتفَضَّلُ على من يشاءُ من خلقه، فيهدِيه ويوفِّقُه

(1)

في ص، ت 2، ف:"قالت الأمم التي أتتهم الرسل رسلهم"، وفى م:"قال الأمم التي أتتهم الرسل لرسلهم".

ص: 610

للحقِّ، ويفضِّله على كثير من خلقه، {وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ}. يقولُ: وما كان لنا أن نأتيكم بحجة وبرهان على ما ندعوكم إليه، {إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}. يقولُ: إلا بأمر الله لنا بذلك، {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}. يقولُ: وبالله فلْيثِقْ به مَن آمن به وأطاعه، فإنا به نثِقُ، وعليه نتوكلُ.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهد قولَه:{فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} . قال: السلطان المبينُ: البرهان والبيِّنةُ، وقوله:{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [آل عمران: 151]. قال: بينةً وبرهانًا

(1)

.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)} .

يقولُ تعالى ذكره مخبرًا عن قيل الرسل لأممِها: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ} ، فنثقَ به وبكفايته ودفاعه إياكم عنا، {وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا}. يقولُ: وقد بصَّرنا طريق النجاة من عذابِه، فبيَّن لنا، {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} في، الله، وعلى ما نلقَى منكم من المكروه فيه، بسبب دعائنا إليكم إلى ما ندعوكم إليه، من البراءة من الأوثان والأصنام، وإخلاص العبادة له، {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}. يقولُ: وعلى الله فليتوكلْ من كان به واثقًا من خلقه، فأما من كان به كافرًا، فإنّ وليَّه الشيطانُ.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ

(1)

تقدم تخريجه 7/ 619.

ص: 611

الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)}.

يقولُ عزّ ذكرُه: وقال الذين كفروا باللَّهِ لرسلهم الذين أرسلوا إليهم، حين دعَوْهم إلى توحيدِ اللَّهِ، وإخلاص العبادة له، وفراق عبادة الآلهة والأوثان:{لَنُخْرِجَنَّكُم مَّنْ أَرْضِنَا} يعنون: من بلادنا، فنطرُدَكم عنها، {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} يعنُون: إلا أن تعُودوا في ديننا الذي نحن عليه من عبادة الأصنام.

وأُدخِلت في قوله: {لَتَعُودُنَّ} لامٌ، وهو في معنى شرطٍ، كأنه جوابٌ لليمين، وإنما معنى الكلام: لنخرجنَّكم من أرضِنا، أو تعودون

(1)

في ملتنا.

ومعنى "أو" هاهنا معني "إلا" أو معنى "حتى"، كما يقال في الكلام: لأضرِبنك أو تُقِرَّ لي. فمن العربِ مَن يجعَلُ ما بعد "أو" في مثلِ هذا الموضع عطفًا على ما قبله؛ إن كان ما قبله جزمًا جزمُوه، وإن كان نصبًا نصبوه، وإن كان فيه لامٌ جعلوا فيه لامًا؛ إذ كانت "أو" حرفَ نسْقٍ، ومنهم مَن ينصِبُ ما بعد "أو" بكلِّ حالٍ، ليُعلم بنصبه أنه عن الأوَّلِ منقطع عما قبلَه، كما قال امرؤ القيس

(2)

:

بَكَى صاحبي لما رأى الدَّرْبَ دُونَهُ

وأَيْقَنَ أَنَّا لاحقانِ بِقَيْصَرَا

فَقُلْتُ لَه: لا تَبْكِ عَيْنُكَ إِنَّمَا

نحاوِلُ مُلْكا أو نَمُوتَ فَنُعْذَرَا

فنصب "نموتَ فنعذرا"، وقد رفع "نحاول"؛ لأنَّه أراد معنى: إلا أن نموتَ، أو حتى نموتَ، ومنه قولُ الآخر

(3)

:

لا أَسْتَطِيعُ نُزُوعًا عَنْ مَوَدَّتِها

أو يَصْنَعَ الحَبُّ بِي غيرَ الَّذِي صَنَعا

(1)

في م: "تعودن".

(2)

ديوانه ص 65، 66.

(3)

هو الأحوص الأنصارى، والبيت في ديوانه ص 153، وينسب أيضًا للمجنون وهو في ديوانه ص 200.

ص: 612

وقولُه: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكُنَّ الظَّالِمِينَ} . الذين ظلموا أنفسهم، فأوجبوا لها عقابَ الله يكفرهم، وقد يجوز أن يكون قيل لهم: الظالمون. لعبادتهم مَنْ لا تجوز عبادته من الأوثان والآلهةِ، فيكون بوضعهم العبادة في غير موضعها، إذ كان ظلمًا، سُمُّوا بذلك

(1)

.

وقوله: {وَلَنَسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ} . هذا وعدٌ مِن اللَّهِ مَن وَعَد من أنبيائِه النصرَ على الكفرة به من قومِه. يقولُ: لما تمادت أُمم الرسل في الكفرِ، وتوعَّدوا رسلَهم بالوقوعِ بهم، أوحى الله إليهم بإهلاكِ مَن كفَر بهم من أممهم، ووعدهم النصر، وكلُّ ذلك كان من الله وعيدًا وتهديدًا لمشركي قوم نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، على كفرهم به، وجراءتهم على نبيِّه، وتثبيتًا لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأمرًا له بالصبر على ما لَقِى من المكروه فيه، من مشركي قومه، كما صبَر مَن كان قبله من أولى العزم من رسله، ومعرَّفَهُ أن عاقبةَ أمرِ مَن كفر به الهلاكُ، وعاقبته النصرُ عليهم؛ {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ} [الأحزاب: 62].

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَلَنَسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِم} . قال: وعدَهم النصرَ في الدنيا، والجنة في الآخرة

(2)

.

وقولُه: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} . يقول جل ثناؤه: هكذا فعلى بمَن

(3)

خاف مَقَامَهُ بين يديَّ، وخاف وعيدى، فاتَّقانى بطاعتِه، وتجنَّب سُخْطِي، أنصُرُه على من أراد به سوءًا، وبغاه مكروها من أعدائى، أُهلِك عدوه وأخزيه، وأورثه أرضه ودياره. وقال:{لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} . ومعناه ما

(1)

بعده في م: "ظالمين".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 72 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(3)

في م: "لمن ".

ص: 613

قلتُ، من أنه: لمن خاف مقامه بين يدى، بحيث أُقيمه هنالك للحساب. كما قال:{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82]. معناه: وتجعلون رزقي إيَّاكم أنكم تكذبون. وذلك أن العرب تُضِيفُ أفعالَها إلى أنفسها، وإلى ما أوقعت عليه، فتقولُ: قد سُرِرتُ برؤيتك، وبرؤيتي إيَّاك. فكذلك ذلك.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)} .

يقول تعالى ذكرُه: واستفتَحت الرسلُ على قومها. أي استنصرت الله عليها، {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}. يقولُ: هَلَك كل متكبر جائرٍ عن الإقرار بتوحيدِ اللهِ، وإخلاص العبادة له. والعنيد والعاندُ والعَنُودُ، بمعنى واحد، ومن الجبار تقولُ: هو جبارٌ بَيْنُ الجَبَريَّةِ والجَبْريَّةِ

(1)

والجَبَرُوَّةِ [والجَبْرُوَّةِ]

(2)

والجَبَرُوتِ.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى وحدثنى الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد:{وَاسْتَفْتَحُوا} . قال: الرسل كلُّها. يقول: استنصروا. {عَنِيدٍ} . قال: معاند للحقِّ، مجانِبِه]

(3)

(4)

.

(1)

رسمت في ص، ت 1، ت 2، ف هكذا:"حبرسه" غير منقوطة، وفى م:"الجبروتية". وقد عدَّله صاحب التاج ثمانية عشر مصدرا. التاج (ج ب ر).

(2)

سقط من: م، ت 1، ت 2.

(3)

في م: "على أعدائهم ومعانديهم، أي على من عاند عن اتباع الحق وتجنبه". وينظر مصدرى التخريج.

(4)

تفسير مجاهد ص 410، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 73 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 614

حدَّثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، ح وحدثني الحارث، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبد الله، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:{وَاسْتَفْتَحُوا} . قال: الرسلُ كلُّها استنصروا، {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنيدٍ}. قال: معاند للحقِّ مجانبِه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله. وقال ابن جريج: استفتحوا على قومهم (5).

حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} ، قال: كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم، ويَقْهَرونهم ويكذبونهم ويدْعُونهم إلى أن يعودوا في ملَّتِهم، فأبى الله عز وجل لرسله وللمؤمنين أن يعودوا في ملَّةِ الكفر، وأمرَهم أن يتوكَّلوا على الله، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة، ووعدهم أن يُسْكنهم الأرضَ من بعدهم، فأنجَز الله لهم ما وعدهم، {وَاسْتَفْتَحُوا} كما أمرهم الله أن يستفتحوا، {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}

(1)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا أبو عوانةَ، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله:{عَنِيدٍ} . قال: هو الناكبُ عن الحقِّ

(2)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا مطرفٌ، عن

(3)

بشرٍ، عن هشيمٍ،

(1)

ينظر التبيان 6/ 282.

(2)

بعده في م: "أي الحائد عن اتباع طريق الحق". والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 73 إلى المصنف.

(3)

في ص، ف:"بن".

ص: 615

عن مغيرةَ، عن سماكٍ، عن إبراهيمَ:{وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} . قال: الناكبُ عن الحقِّ.

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قولَه:{وَاسْتَفْتَحُوا} . يقول: استنصرت الرسلُ على قومها. قوله: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} : والجبارُ العنيد: الذي أتى أن يقول: لا إله إلا الله.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمر، عن قتادة:{وَاسْتَفْتَحُوا} . قال: استنصرت الرسل على قومها. {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} . يقولُ: عنيد

(1)

عن الحقِّ، مُعرِض عنه.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاقِ، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة مثلَه، وزاد فيه: معرض عنه، أبَى أن يقولَ: لا إلهَ إلا الله

(2)

.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ في قوله: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} . قال: العنيد عن الحقِّ، الذي يعيد عن الطريقِ. قال: والعربُ تقولُ: شرُّ الإبل

(3)

العنيدُ، الذي يخرجُ عن الطريقِ.

حدَّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيد في قوله: [{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} . قال: الجبارُ هو المتجبِّرُ

(4)

.

وكان ابن زيد يقولُ في معنى قوله: {وَاسْتَفْتَحُوا} خلافَ قول هؤلاء،

(1)

في م: "بعيد".

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 341، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 73 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف: الأهل وينظر تفسير القرطبي 9/ 350.

(4)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

ص: 616

ويقولُ: إنما استفتحت الأممُ فأجيبت.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {وَاسْتَفْتَحُوا} . قال: استفتاحُهم بالبلاء، قالوا:{اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا} الذي أتى به محمدٌ {هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مَّنَ السَّمَاءِ} كما أمطرتَها على قوم لوطٍ، {أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32]. قال: كان استفتاحهم بالبلاء، كما استفتح قومُ هودٍ:{فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّدِقِينَ} [الأعراف: 70]. قال: فالاستفتاحُ: العذاب. قال: قيل لهم: إن لهذا أجلًا. حين سألوا اللَّهَ أَن يُنزِلَ عليهم، فقال: بل نؤخرهم [إلى يوم القيامة]

(1)

. فقالوا: لا نريد أن نؤخَّرَ إلى يوم القيامةِ؛ {رَبَّنا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} عذابنا {قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص: 16]. وقرأ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمَّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} حتى بلغ {وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}

(2)

[العنكبوت: 53 - 55].

‌القولُ في تأويل قوله تعالى: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)} .

يقولُ عزّ ذكره: {من وَرَائِهِ} من أمامِ كلِّ جبارٍ {جَهَنَّمُ} يَرِدُونها. و"وراء" في هذا الموضع، بمعنى "أمام"، كما يقال: إن الموتَ من ورائك: أي قُدَّامَك، وكما قال الشاعرُ

(3)

:

(1)

في م: "ليوم تشخص فيه الأبصار".

(2)

ينظر التبيان 6/ 282، وتفسير ابن كثير 4/ 403.

(3)

هو جرير، والبيت في ديوانه ص 429.

ص: 617

أتُوعِدُنِي وَرَاءَ بَنِي رِياحٍ

كَذَبْتَ لَتَقْصُرَنَّ يَداكَ

(1)

دُونِي

يعني: وراء بنى رياحٍ: قدام بنى رياحٍ وأمامَهم.

وكان بعضُ نحويِّى أهل البصرة يقولُ: إنما: {من وَرَائِهِ} . بمعنى: مِن أمامِه؛ لأنَّه وراء ما هو فيه، كما يقول لك: وكلُّ هذا من ورائك. أي: سيأتي عليك، وهو من وراءِ ما أنت فيه؛ لأن ما أنت فيه قد كان قبل ذلك، وهو من ورائه. وقال:{وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} الكهف: 79]. من هذا المعنى، أي: كان وراء ما هم فيه، أمامهم.

وكان بعضُ نحويِّى أهل الكوفة يقولُ: أكثر ما يجوز هذا، في الأوقاتِ؛ لأن الوقت يمرُّ عليك، فيصيرُ خلفَك إذا جُزْتَه، وكذلك {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} لأنهم يجوزُونه، فيصيرُ وراءهم.

وكان بعضُهم يقولُ: هو من حروف الأضداد، يعنى "وراء" يكون قداما وخلفًا.

وقوله: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} . يقولُ: ويُسقى من ماءٍ. ثم بين ذلك الماءَ جلّ ثناؤه، وما هو، فقال: هو صديدٌ. ولذلك ردَّ الصديد في إعرابه على الماء؛ لأنَّه بيان عنه، والصديدُ: هو القَيْحُ والدَّمُ. وكذلك تأوّلَه أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثنى الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، ح وحدَّثنا الحسنُ بنُ محمد، قال:

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"بذاك".

ص: 618

شبابةُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:{مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ} . قال: قيحٌ ودمٌ

(1)

.

حدثنا المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد مثله.

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله:{وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ} . والصديدُ: ما يسيلُ من

(2)

لحمِه وجلدِه

(3)

.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:{وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ} . قال: ما يسيلُ من بين لحمِه وجلده

(4)

.

حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا هشام، عمن ذكره، عن الضحاك:{وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ} . قال: يعنى بالصديد ما يخرج من جوف الكافرِ، قد خالط القيح والدم.

وقوله: {يَتَجَرَّعُهُ} : يتحسَّاه، {وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ}. يقولُ: ولا يكادُ يزدَرِدُه من شدَّةِ كراهيه، وهو مُسِيغُه

(5)

.

والعرب تجعل "لا يكاد" فيما قد فُعِل، وفيما لم يُفْعَل. فأما ما قد فعل، فمنه

(1)

تفسير مجاهد ص 410، ومن طريقه البيهقي في البعث والنشور (607).

(2)

بعده في م: "دمه و".

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة النار (87) من طريق سعيد به.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 341، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 74 إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(5)

في م: "يسيغه من شدة العطش".

ص: 619

هذا؛ لأن الله جلّ ثناؤه جعَل لهم ذلك شرابًا؛ وأمّا ما لم يُفعلْ، وقد دخلت فيه "كاد"، فقولُه:{إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40]. فهو لا يراها.

وبنحو ما قلنا من أن معنى قوله: {وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} : وهو يسيغه - جاء الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

‌ذكرُ الرواية بذلك

حدثني محمد بن المُثَنَّى، قال: ثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالَقانيُّ، قال: ثنا ابن المبارك، عن صفوانَ بن عمرو، عن عبيدِ اللَّهِ بن بُسرٍ

(1)

، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{وَيُسْقَى مِن مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ} : "فَإِذا شَرِبَهُ قَطَّعَ له أمْعَاءَهُ، حتى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِه، يقولُ الله عز وجل: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}: [محمد: 15]، ويقولُ: {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهُ بِئْسَ الشَّرَابُ} "

(2)

[الكهف: 29].

حدَّثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنا معمر، عن ابن المبارك، قال: ثنا صفوان بن عمرو، عن عبيدِ اللهِ بن بُسْرٍ، عن أبي أمامةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{وَيُسْقَى مِن مَاءٍ صَدِيدٍ} . فذكَر مثلَه، إلا أنه قال:{وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا} .

حدثني محمد بن خلفٍ العسقلانيُّ، قال: ثنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الحِمْصِيُّ، قال:

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"بشر"، وينظر تهذيب الكمال 19/ 13.

(2)

الزهد لابن المبارك (314 - زوائد نعيم)، ومن طريقه أحمد 5/ 265 (22339 - ميمنية)، وفي الزهد ص 20، والترمذى (2583)، والنسائى في الكبرى (11263)، وابن أبي الدنيا في صفة النار (73)، والطبراني في الكبير (7460)، والحاكم 2/ 351، وأبو نعيم في الحلية 8/ 182، والبيهقي في البعث (602)، والبغوى في تفسيره 4/ 342 وفي شرح السنة (4405)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 73 إلى أبي يعلى وابن المنذر وابن مردويه.

ص: 620

ثنا بقيةُ، عن صفوان بن عمرو، قال: ثنى عبيدُ الله بن بسرٍ، عن أبي أمامةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثله سواءً

(1)

.

وقوله: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيَّتٍ} . فإنه يقولُ: ويأتيه الموتُ من بين يديه، ومن خلفِه، وعن يمينه وشماله، ومن كل موضع من أعضاء جسده، {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} ؛ لأنَّه لا تخرج نفسه فيموت فيستريح، ولا يحيا؛ لتعلُّق نفسه بالحناجر، فلا ترجع إلى مكانها.

كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله:{يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} . قال: تَعْلَقُ نفسُه عند حنجرته، فلا تخرج من فيه فيموتَ، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه، فيجد لذلك راحةً، فتنفعه الحياة

(2)

.

حدثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ هارونَ، قال: ثنا العوّامُ بنُ حوشبٍ، عن إبراهيم التيمى قولَه:{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ} . قال: مِن تحتِ كلِّ شعرة في جسده

(3)

.

وقوله: {وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} . يقولُ: ومن وراء ما هو فيه من العذاب - يعنى: أمامه وقدَّامَه - عذابٌ غليظٌ.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبَّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما في تفسير ابن كثير 4/ 405 - من طريق بقية به.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 74 إلى المصنف.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 432، والبيهقى في البعث والنشور (611) من طريق يزيد بن هارون به، وأخرجه ابن أبي الدنيا في صفة النار (126) وأبو نعيم في الحلية 4/ 212 من طريق العوام بن حوشب به.

ص: 621

اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)}.

اختلف أهل العربية في رافع {مَثَلُ} ؛ فقال بعض نحويِّى البصرة: إنما هو كأنه قال: ومما نقُصُّ عليكم مثلُ الذين كفروا. ثم أقبل

(1)

يفسَّرُ، كما قال:{مَثَلُ الْجَنَّةِ} [الرعد: 35]، وهذا كثيرٌ.

وقال بعض نحويِّي الكوفيين: إنما المثلُ للأعمال، ولكن العرب تقدِّمُ الأسماء؛ لأنها أَعْرَفُ، ثم تأتى بالخبرِ الذي تخبرُ عنه مع صاحبه، ومعنى الكلام: مثلُ أعمال الذين كفروا بربهم كرمادٍ، كما قيل:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60]. ومعنى الكلام: ويوم القيامة ترى وجوة الذين كذبوا على الله مسودةً. قال: ولو خفض "الأعمال"[جاز، كما قال: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} الآية [البقرة: 217]. وقوله]

(2)

: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَار} [الرعد: 35]. قال: فـ "تجرى" هو في موضع الخبرِ، كأنه قال: أن تجرى، وأن يكون كذا وكذا. فلو أَدْخل "أن" جاز. قال: ومنه قول الشاعر

(3)

:

ذَرِينى إن أمرَكِ لن يُطَاعَا

وما أَلْفَيْتِنِي حِلْمِي مُضَاعًا

قال: فالحلمُ منصوبٌ بـ "ألفيتِ" على التكرير. قال: ولو رفعه كان صوابا. قال: وهذا مثَلٌ ضرَبه الله لأعمال الكفارِ، فقال: مثلُ أعمال الذين كفروا يومَ القيامةِ، التي كانوا يعملونها في الدنيا، يزعمون أنهم يريدون الله بها، مثل رمادٍ

(1)

في ت 1، ت 2، ف:"قيل".

(2)

سقط من: ت 1، ت 2، ف.

(3)

هو عدي بن زيد العبادي، والبيت في معاني القرآن 732، وخزانة الأدب 5/ 191.

ص: 622

عصَفت الريحُ عليه في يوم ريح عاصف فنسفته، وذهبت به، فكذلك أعمالُ أهلِ

الكفرِ به يومَ القيامة، لا يجدون منها شيئًا ينفَعُهم عندَ اللهِ، فينجيهم من عذابه؛

لأنهم لم يكونوا يعملونها لله خالصًا، بل كانوا يشركون فيها الأوثان والأصنامَ.

يقولُ اللهُ عز وجل: {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} . يعنى: أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا، التي يشركون فيها مع الله شركاء، هي أعمالٌ عُمِلت على غيرِ هُدًى واستقامة، بل على جَوْرٍ عن الهدى بعيد، وأخذ على غير استقامة شديد.

وقيل: {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} . فوصف بالعُصوف اليوم

(1)

، وهو من صفةِ الريحِ؛ لأن الريح تكون فيه، كما يقال: يومٌ باردٌ، ويوم حارٌّ. لأن البرد والحرارةَ يكونان فيه، وكما قال الشاعرُ

(2)

:

* يَومَينِ غَيْمَينِ ويومًا شَمْسَا *

فوصَف اليومين بالغيمين، وإنما يكونُ الغَيْمُ فيهما.

وقد يجوز أن يكونَ أُريد به في يوم عاصف الريح، فحذفت الريح؛ لأنها قد ذُكرت قبل ذلك، فيكون ذلك نظيرَ قول الشاعرِ

(3)

:

* إذا جاء يوم مُظْلِمُ الشمس كاسفُ *

يريدُ: كاسفُ الشمسِ.

(1)

سقط من: م.

(2)

البيت في معاني القرآن 2/ 73، وخزانة الأدب 5/ 92.

(3)

هو مسكين الدارمي ديوانه ص 53، وهذا عجز بيت صدره:

* وتضحك عرفان الدروع جلودنا *

ص: 623

و

(1)

قيل: هو من نعتِ الريح خاصةً، غير أنه لما جاء بعد اليوم أُتْبع إعرابَه، وذلك أن العرب تُتْبِعُ الخفض الخفضَ في النعوتِ، كما قال الشاعر

(2)

:

تُرِيكَ سُنَّةَ وَجْهٍ غيرِ مُقْرِفَةٍ

ملساءَ ليس بها خَالٌ ولا نَدَبُ

فخفَض "غير" إتباعًا لإعراب الوجه، وإنما هي من نعتِ السُّنَّةِ، والمعنى: سُنَّةَ وجهٍ غيرَ مُقْرِفَةٍ. وكما قالوا: هذا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ.

[وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك]

(3)

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج في {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ}. قال: حملته الريحُ في يوم عاصف

(4)

.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} . يقولُ: الذين كفروا بربِّهم، وعبدوا غيره، فأعمالهم يومَ القيامة كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون على شيءٍ من أعمالهم ينفَعُهم، كما لا يُقْدَرُ على الرمادِ إِذا أُرسل

(5)

في

(1)

بعده في ص، ت 1، ت 2، ف:"لو".

(2)

هو ذو الرمة، والبيت في ديوانه 1/ 29.

والسُّنَّة: الصورة، وقوله: غير مقرفة أي: ليست بهجينة، هي عتيقة كريمة، والنَّدَب: آثار الجراح. من شرح أبي نصر الباهلي للديوان ص 29، 30.

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 74 إلى المصنف وابن المنذر.

(5)

بعده في م: "عليه الريح".

ص: 624

يوم عاصفٍ. [وقولُه: {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ}. أي: الخطأُ البيِّنُ، البعيدُ عن طريق الحقِّ]

(1)

.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)} .

يقول عز ذكره لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تَرَ يا محمدُ بعين قلبك، فتعلم أن الله أنشأ السماوات والأرض بالحقِّ، منفردًا بإنشائها، بغيرِ ظَهِيرٍ ولا معينٍ. {إن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}. يقولُ: إن الذي تفرَّد بخلق ذلك وإنشائه، من غير معين ولا شريك، إن هو شاء أن يُذهبكم فيفنيكم، أذهَبكم وأفناكم {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ} آخر سواكم مكانكم، فيجدِّدُ خلقهم،

{وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} . يقولُ: وما إذهابُكم وإفناؤكم وإنشاء خلقٍ آخر سواكم مكانكم، على اللَّهِ بممتنِعٍ ولا متعذِّرٍ؛ لأنَّه القادر على ما يشاء.

واختلفت القرأة في قراءة قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله خَلَقَ} . فقرأ ذلك عامَّةُ قَرأةِ أهل المدينة والبصرة وبعضُ الكوفيين: {خَلَقَ} على "فعَل".

وقرأته عامَّةُ قرأة أهل الكوفة: (خالق)، على "فاعِل"، وهما قراءتان مستفيضتان، قد قرأ بكلِّ واحدة منهما أئمةٌ من القرّاء، متقاربتا المعنى، فبأيَّتِهما قَرَأ القارئُ فمصيبٌ

(2)

.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(2)

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: {خلق} على "فعل"، وقرأ حمزة والكسائي:(خالق) على "فاعل". السبعة ص 362 والتيسير ص 109، وحجة القراءات ص 377.

ص: 625

إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)}.

يَعْنى تعالى ذكرُه بقوله: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا} : وظهر هؤلاء الذين كفروا به - يوم القيامة - من قبورهم، فصاروا بالبَرَازِ مِن الأَرضِ، {جَمِيعًا}. يَعْنى: كلَّهم، {فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}. يقولُ: فقال التُّبَّاعُ

(1)

منهم للمَتبوعين، وهم الذين كانوا يَسْتَكْبِرون في الدنيا عن إخلاص العبادة لله، واتِّباعِ الرسل الذين أُرسلوا إليهم:{إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} في الدنيا.

والتَّبَعُ جمعُ تابعٍ. كما الغَيب جمعُ غائبٍ، وإنما عَنَوا بقولهم:{إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} . أنهم كانوا أتباعَهم في الدنيا، يَأْتَمِرُونَ لِمَا يَأْمُرُونهم به؛ مِن عبادة الأوثانِ، والكفرِ بالله، وينتَهُون عما نَهَوْهم عنه؛ مِن اتِّبَاعِ رسلِ اللَّهِ. {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}. يَعْنُون: فهل أنتم دافعون عنا اليوم من عذابِ الله من شيءٍ؟ وكان ابن جريجٍ يقولُ نحو ذلك.

حدثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج قوله:{فَقَالَ الضُّعَفَاءُ} . قال: الأتباعُ. {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} . قال: للقادةِ

(2)

.

وقوله: {لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَكُمْ} . يقول عز ذكره: قالت القادةُ على الكفرِ باللَّهِ لتُبَّاعِها: {لَوْ هَدَننَا اللَّهُ} - يَعْنُون: لو بَينَ اللَّهُ لنا شيئًا نَدْفَعُ به عذابَه عنا اليومَ - {لَهَدَيْنَاكُمْ} ، لبيَّنا ذلك لكم، حتى تدفعوا به العذاب عن أنفسكم، ولكنَّا قد جزِعْنا من العذابِ، فلم يَنْفَعْنا جَزَعُنا منه، وصَبْرُنا عليه. {سَوَاءٌ عَلَيْنَا

(1)

في ت 2، ف:"أتباع".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 74 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 626

أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ}. يَعْنُون: ما لهم

(1)

مِن [مَرَاغٍ يَرُوغُون]

(2)

. عنه يقالُ منه: حاص عن كذا. إذا راغ

(3)

عنه. يَحِيصُ حَيْصًا وحُيُوصًا وحَيَصَانًا.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الحكمِ، عن عمر

(4)

بن أبي ليلى، أحد بني عامرٍ، قال: سمعتُ محمد بن كعبٍ القُرَظِيَّ يقولُ: بلغنى، أو ذُكِر لي، أنَّ أهل النارِ قال بعضهم لبعضٍ: يا هؤلاء، إنه قد نزل بكم من العذابِ والبلاء ما قد تَرَوْن، فهلمَّ فلنصبرُ، فلعل الصبرَ يَنْفَعُنا، كما صبر أهلُ الدنيا على طاعة الله فنفعهم الصبرُ إذ صبروا فأَجْمَعوا

(5)

رأيَهم على الصبر. قال: فتَصَبَّروا

(6)

. فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادَوْا:{سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} ، أي منجًى

(7)

.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} . قال: إن أهل النار قال بعضُهم لبعضٍ: تعالَوْا، فإنما أدرك أهل الجنة الجنةَ ببكائهم وتضرعهم إلى اللهِ

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"بهم".

(2)

في م: "مزاغ يزوغون". والحَيص: الرَّواغ والتخلفُ. والمَحيص: المحيد والمعدل والمميل والمهرب. وراغ: مال وحاد عن الشيء. ينظر لسان العرب وتاج العروس (ح ي ص)، (ر و غ).

(3)

في م: "زاغ".

(4)

في م، ت 1، ت 2، ف:"عمرو". ترجمته في التاريخ الكبير 6/ 190، والجرح والتعديل 6/ 131.

(5)

في م: "قال فيجمعون".

(6)

في ص، ت 1، ف:"تصبروا"، وفى م:"فصبروا"، وفى ت 2:"يصبروا"، والمثبت من مصدر التخريج.

(7)

في صفة النار: "ملجأ". والأثر أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة النار (251) مطولًا بنحوه من طريق ابن المبارك به.

ص: 627

فتعالَوْا

(1)

نَبْكي: ونتضرَّعُ

(2)

إلى اللهِ، قال: فبَكَوا، فلمَّا رَأَوْا ذلك لا ينفعهم قالوا: تعالَوا، فإِنَّما أدرك أهل الجنة الجنةَ بالصبر، [تعالَوا نصبِرْ]

(3)

، فصبروا صبرًا لم يُرَ مثلُه، فلم ينفعهم ذلك، فعند ذلك قالوا:{سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}

(4)

.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)} .

يقول تعالى ذكره: وقال إبليسُ لمَّا قُضِى الأمرُ؛ يعنى لَمَّا أُدخِل أهل الجنة الجنةَ، وأهل النار النارَ، واستقر بكلِّ فريق منهم قَرارُهم: إِنَّ اللَّهَ وعَدَكم - أيُّها الأتباعُ - النار، ووعدتكم النُّصْرةَ، فأَخْلَفْتُكم وعدى، ووفَّى الله لكم بوعده. {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ}. يقولُ: وما كان لي عليكم فيما وعدتكم

(5)

من النُّصرة، من حُجَّةٍ تَثْبُتُ لي عليكم بصدق قولى. {إِلَّا أَن دَعَوْتُكُم} . وهذا هذا من الاستثناء المنقطع عن الأوّل، كما تقولُ: ما ضربته إلا أنه أحمقُ. ومعناه: ولكن دعوتُكم [{فَاسْتَجَبْتُم لِي}. يقول: إلا أن دعوتكم إلى طاعتي ومعصية الله]

(6)

، فاستجبتُم لدعائى [فَلَا تَلُومُونِي} على إجابتكم إِيَّايَ.

(1)

في ص، ت 2، ف:"فقالوا".

(2)

في ص، ت 2:"نضرع".

(3)

ليس في: ت 1، والدر المنثور.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 74 إلى المصنف بنحوه.

(5)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"دعوتكم".

(6)

سقط من: ت 1، ت 2، ف.

ص: 628

{وَلُومُوا أَنفُسَكُم} عليها. {ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ} . يقولُ: ما أنا بمُغِيثِكم. {وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيِّ} ، ولا أنتم بمُغِيثيَّ من عذابِ اللَّهِ فَمُنْجِيَّ منه. {إنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ}. يقولُ: إنى جَحَدتُ أن أكون شريكًا للهِ فيما أشركتموني فيه من عبادتِكم {مِن قَبْلُ} في الدنيا. {إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . يقولُ: إِنَّ الكافرين باللَّهِ {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} من اللَّهِ، مُوجِعٌ.

يقالُ: أَصْرَخْتُ الرجلَ. إذا أَغَثْتَه. إصْرَاخًا. وقد صرخ الصارحُ يَصْرُخُ، ويَصْرَخُ قليلةً، وهو الصَّرِيخُ والصُّرَاخُ.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر في هذه الآية:{مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} . قال: خَطِيبانِ يَقُومَان يومَ القيامةِ؛ إبليس، وعيسى ابن مريم؛ فأما إبليس فيقوم في حزبه، فيقولُ هذا القول؛ وأما عيسى عليه السلام فيقولُ:{مَا قُلْتُ لَهَم إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)} [المائدة: 117]

(1)

.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن داود، عن الشَّعْبيِّ، قال: يقومُ خطيبان يوم القيامةِ؛ أحدهما عيسى، والآخرُ إبليس؛ فأما إبليس فيقومُ في حزبه فيقولُ:{إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقَّ} . فتلا داود حتى بلغ: {بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} . فلا أدرى أتم الآية أم لا؛ وأما عيسى عليه السلام فيقال له:

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 629

{أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ} ، فتلا حتى بَلَغَ:{فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 116 - 118].

حدثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا على بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن عامر، قال: يقومُ خَطيبان يومَ القيامة على رءوسِ الناسِ، يقولُ اللهُ عز وجل: يا عيسى ابن مريمَ {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ} إلى قوله: {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 116 - 119]. قال: ويقوم إبليس فيقولُ: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مَّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ} أنا بمغيثكم، وما أنتم بمُغيثِيَّ.

حدثنا الحسين، قال: ثنا سعيد بن منصورٍ، قال: ثني خالدٌ، عن داود، عن الشعبيِّ في قوله:{ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ} . قال: خَطيبان يقومانِ يوم القيامةِ؛ فأما إبليس فيقولُ هذا، وأما عيسى فيقولُ:{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} [المائدة: 117].

حدثنا المثَنى، قال: ثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن رشدين بن سعد، قال: أخبرني عبد الرحمن بن زيادٍ، عن دُخَينٍ الحَجْريِّ، عن عقبةَ بن عامرٍ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر الحديثَ، قال: "يقولُ عيسى: ذلكُمُ النبيُّ الأُمِّيُّ. فيَأْتُونَنى، فيَأْذَنُ الله لي أن أقومَ، فيثُور

(1)

مجلسى مِن أطيب ريح شمها أحدٌ، حتى أتى رَبِّي، فيُشَفْعَنى ويَجْعَلَ لي نورًا إلى نورٍ، من شعر رأسى إلى ظُفْرِ

(1)

في م، وتفسير البغوي:"فيثور من"، وفى تاريخ دمشق:"فيفور". والمثبت موافق لسائر المصادر.

ص: 630

قَدمي، ثم يقولُ الكافِرُ

(1)

: قَدْ وجَد المؤمنونَ مَن يَشْفَعُ لهم، فقُمْ أنت فاشْفَعْ لنا؛ فإنك أنت أضْلَلْتَنا. فيقومُ، [فيَتُورُ مَجْلِسَه]

(2)

أنتَنُ ريح شمها أحدٌ، ثم [يعظمُ لجَهَنَّمَ]

(3)

، ويقولُ عند ذلكَ:{إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} الآية

(4)

.

حدثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن الحسن في قوله:{وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مَّن سُلْطَانٍ} . قال: إذا كان يوم القيامة. قام إبليس خطيبًا على منبرٍ من نارٍ، فقال:{إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقَّ} إلى قوله: {وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ} . قال: بناصِرِيَّ {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} . قال: بطاعتكم إِيَّايَ في الدنيا

(5)

.

حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا سُويدٌ، قال: أخبرنا ابن المباركِ عمَّن ذكره، قال: سمعت محمد بن كعبٍ القُرَظيَّ، قال في قوله:{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} . قال: قام إبليس يخطبهم فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقَّ} ، إلى قوله:{ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ} . يقولُ: بمُغْنٍ عنكم شيئًا {وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} . قال: فلمَّا سمعوا مقالته مَقتُوا أنفسهم،

(1)

كذا في: ص، ت 2، ف، والزهد وسنن الدارمي. وفى م وأغلب المصادر:"الكافرون". وجاء في بعضها بمعناه ولكن بلفظ "الكفار".

(2)

في م، والزهد، وتفسير البغوي:"فيثور من مجلسه". وفى خلق أفعال العباد، والدر المنثور:"فيثور مجلسه من". وفى تاريخ دمشق: "فيفور مجلسه من".

(3)

في م: "يعظم نحيبهم".

(4)

الزهد لابن المبارك (زوائد نعيم: 374) نحوه، ومن طريق ابن المبارك أخرجه البغوي في تفسيره 4/ 345، 346 بنحوه. وأخرجه البخارى في خلق أفعال العباد (469)، والدارمي (2/ 327)، والطبراني في الكبير 17/ 320، 321، وابن عساكر في تاريخ دمشق 7/ 453 من طريق عبد الرحمن بن زياد به بنحوه. وضعفه السيوطي في الدر المنثور 4/ 74، 75 وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75 إلى المصنف وابن أبي حاتم وابن المنذر.

ص: 631

قال: فنُودوا: {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} الآية [غافر: 110]

(1)

.

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله:{ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ} ، يقولُ: ما أنا بمُغيثِكم، وما أنتم بمغيثيَّ

(2)

.

وقوله: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} . يقولُ: عصيتُ اللَّهَ قبلكم.

حدَّثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِغِنَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} . قال: هذا قولُ إبليس يوم القيامة، يقولُ: ما أنتم بنافِعيَّ، وما أنا بنافِعِكم {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ}. قال: شَرِكَتُه عبادتُه

(3)

.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا ورقاء جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله جلَّ وعزَّ:{بِمُصْرِخِيَّ} قال: بمُغيثيَّ.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شَبَابَةُ، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد مثله.

حدثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

(1)

جزء من أثر طويل تقدم تخريجه في صفحة 627 من طريق ابن المبارك به، والمصنف يذكره هنا مفرقًا، وهو في صفة النار (251) مطولًا.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 341 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75 إلى ابن المنذر، وعند عبد الرزاق والسيوطى بلفظ:" {ما أنا بمصرخكم} قال: ما أنا بمغيثكم" دون الشطر الأخير.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75 لابن أبي حاتم.

ص: 632

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريجٍ، عن مجاهد مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنسٍ، قال: ما أنا بمنجيكم، وما أنتم بمنجيَّ.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيد: قال خطيبُ السوء [الصادقُ إبليسُ]

(1)

- أفرأيتم صادقًا لم ينفعه صدقه؟ -: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقَّ وَوَعَدتُكُمْ فَأَخْلَفَتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُم مَّن سُلْطَانٍ} أَقْهَرُكم به. {إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُم لِي} . قال: أطعتُموني. {فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُمْ} حين أطعتُمونى. {ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ} ، ما أنا بناصركم ولا مغيثكم. {وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ} ، وما أنتم بناصريَّ ولا مغيثيَّ لما يي. {إنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

حدثني المثنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: ثنا ابن المبارك، عن الحكم، عن عمرَ

(2)

ابن أبي ليلى، أحد بني عامرٍ، قال: سمعتُ محمد بن كعبٍ القُرَظيَّ يقولُ: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} . قال: قام إبليسُ عند ذلك - يعنى: حين قال أهلُ جَهَنَّمَ: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} - فَخَطَبهم فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقَّ وَوَعَدتُكُمْ فَأَخْلَفَتُكُمْ} ، إلى قوله:{مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ} . يقولُ: بمعن عنكم شيئًا {وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} . قال: فلمَّا سمعوا مقالَته مَقَتوا أنفسهم، قال: فنُودوا:

(1)

في م: "إبليس الصادق".

(2)

في م، ف:"عمرو". وفى ت 2 غير واضحة. وينظر ما تقدم في صفحة 627 حاشية (7).

ص: 633

{لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} الآية

(1)

.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)} .

يقول عز ذكره: وأُدْخِل الذين صدقوا الله ورسوله، فأَقَرُّوا بوحدانية اللهِ، وبرسالة رسله، وأنَّ ما جاءت به من عند الله حقٌّ، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}. يقولُ: وعملوا بطاعة الله، فانتهوا إلى أمر الله ونهيه. {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارِ}: بساتين تجرى من تحتها الأنهارُ، {خَالِدِينَ فِيهَا}. [يقولُ: ماكِثين فيها أبدًا. {بِإذْنِ رَبِّهِمْ} . يقول:]

(2)

أُدْخِلُوها بأمرِ الله لهم بالدخول، {تَحِيَّتُهُم فِيهَا سَلَامٌ} ، وذلك إن شاء الله كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريج، قال: قوله: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} . قال: الملائكة يُسلمون عليهم في الجنة

(3)

.

وقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا محمد بعين قلبِكَ، فتَعْلَمَ كيف مثل الله مَثَلًا، وشبَّه شَبَهَا. {كَلِمَةً طَيِّبَةً} ويعنى بالطيبةِ: الإيمان به جل ثناؤه. كشجرةٍ طيبة الثمرة. وترك ذكر الثمرة استغناءً بمعرفة السامعين عن ذكرها بذكرِ الشجرةِ.

(1)

تقدم تخريجه في صفحة 627.

(2)

في م: "يأذن ربهم. يقول"، وفى ت 1، ف:"يقول". وغير واضح في ت 2.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75 إلى المصنف وابن المنذر.

ص: 634

وقولُه: {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} . يقولُ عزّ ذِكرُه: أصل هذه الشجرةِ ثابتٌ في الأرضِ. {وَفَرْعُهَا} وهو أعلاها {في السَّمَاءِ} يقولُ: مُرتفعٌ عُلُوًّا نحو السماءِ.

وقوله: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} . يقولُ: تُطْعِمُ ما يُؤكَلُ منها من ثمرها، كُلَّ حينٍ بأمرِ ربِّها. {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} يَقولُ: ويُمثِّلُ اللَّهُ الأمثال للناس، ويُشبِّه لهم الأشباهَ. {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يَقولُ: لِيَتَذَكَّروا حُجَّةَ الله عليهم، فيعتبروا بها ويتَّعِظوا، فيَنْزَجروا عما هم عليه من الكفر به إلى الإيمان. وقد اختلف أهل التأويل في المعنى بالكلمة الطيبة؛ فقال بعضُهم: عَنَى بها إيمان المؤمن.

‌ذِكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا عبد الله بن صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قوله:{كَلِمَةً طَيِّبَةً} : شهادة أنْ لا إلهَ إلا الله. {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} : وهو المؤمنُ، {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} يقولُ: لا إله إلا الله ثابت في قلبِ المؤمن، {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} يقولُ: يُرفَعُ بها عملُ المؤمن إلى السماءِ

(1)

.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس:{كَلِمَةً طَيِّبَةً} ، قال: هذا مَثَلُ الإيمانِ؛ فالإيمانُ: الشجرة الطيبة، وأصله الثابتُ الذي لا يزولُ: الإخلاصُ للهِ. وفرعُه في السماءِ، فرعُه: خشيةُ اللَّهِ.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال

(1)

أخرجه الطبراني في الدعاء (1598)، والبيهقى في الأسماء والصفات 1/ 272، 273 (206)، من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 635

مجاهدٌ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} قال: كنخلة.

قال ابن جريجٍ: وقال آخرون: الكلمة الطيبة أصلها ثابتٌ؛ هي

(1)

ذات أصلٍ في القلب، {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} تَعْرُجُ فلا تُحْجَبُ، حتى تَنْتَهِيَ إلى اللَّهِ.

وقال آخرون: بل عَنَى بها المؤمن نفسَه.

‌ذِكرُ مَن قال ذلك

حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} . يَعنِي بالشجرة الطيبة: المؤمنَ. ويعنى بالأصلِ الثابت في الأرضِ وبالفرع في السماءِ: يكون المؤمن يعمل في الأرضِ ويَتَكَلَّمُ، فيَبْلُغُ عمله وقوله السماءَ وهو في الأرضِ

(2)

.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا فُضيل بن مرزوقٍ، عن عطية العَوْفيِّ في قوله:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} . قال: ذلك مَثَلُ المؤمن، لا يزالُ يَخرُجُ منه كلامٌ طيبٌ، وعملٌ صالح يَصْعَدُ إليه

(3)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفرٍ، عن الربيع بن أنسٍ، قال:(أصلُها ثابتٌ في الأرضِ). وكذلك كان يقرؤها. قال: ذلك المؤمنُ ضُرِب مَثَلُه. قال: الإخلاصُ لله وحده وعبادته، لا شريك له. قال:

(1)

في م: "في".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 76 إلى المصنف.

ص: 636

{أَصْلُهَا ثَابِتٌ} . قال: أصلُ عمله ثابت في الأرضِ. {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} . قال: ذكرُه في السماءِ

(1)

.

واختلَفوا في هذه الشجرة التي جُعِلتْ للكلمة الطيبة مَثَلًا؛ فقال بعضُهم: هي النخلة.

‌ذِكرُ مَن قال ذلك

حدثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنا محمد بن جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن معاويةَ بن قُرَّةَ، قال: سمعتُ أنس بن مالك في هذا الحرفِ {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} . قال: هي النخلة

(2)

.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو قَطَنٍ، قال: ثنا شعبة، عن معاوية بن قُرَّةَ، عن أنس مثله.

حدثنا الحسن، قال: ثنا شَبَابَةُ، قال: ثنا شعبة، عن معاويةَ بن قُرَّةَ، قال: سمِعتُ أنس بن مالكٍ يقولُ

(3)

: {كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} . قال: النخلُ.

حدثني يعقوب والحسن بن محمدٍ، قالا: ثنا ابن عليةَ، قال: ثنا شعيبٌ، قال: خرجتُ مع أبى العالية، نريد أنس بن مالك. قال: فأتيناه، فدعا لنا بقِنْعٍ

(4)

عليه

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75 إلى المصنف.

(2)

أخرجه البغوي في الجعديات 1/ 324 (111) من طريق شعبة به.

(3)

بعده في ص، ت 1، ت 2، ف:"مثل".

(4)

في م: "بقنو". والقنع والقناع: الطَّبق من عُسب النخل يوضع فيه الطعام، وقيل: هو الذي يجعل فيه الفاكهة. وقيل: القنع؛ الطبق الذي تؤكل فيه الفاكهة وغيرها. وحكى ابن بري عن ابن خالويه: القناع طبق الرطب خاصة. والقنو: العذق بما فيه من الرُّطب. والعذق: العرجون بما فيه من الشماريخ. ينظر لسان العرب (ق ن ع)، (ق ن و)، (ع ز ق).

ص: 637

رُطَبٌ، فقال: كلُوا مِن هذه الشجرة، التي قال الله عز وجل:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} . وقال الحسن في حديثه: بقناعٍ

(1)

.

حدثنا خَلَّادُ بنُ أسلمَ، قال: أخبرنا النَّضْرُ بنُ شُميلٍ، قال: أخبرنا حمادُ بنُ سَلَمَةَ، قال: أخبرنا شعيب بن الحَبْحَابِ

(2)

، عن أنسٍ، أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتى بقناعِ بُسْرٍ، فقال:"مَثَلُ كلمةٍ طَيِّبةٍ كَشَجَرَةٍ طَيِّبةٍ". قال: "هي النخلة"

(3)

.

حدَّثنا سَوَّارُ بنُ عبدِ اللهِ، قال: ثنا أبى، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن شعيبِ بن الحَبْحابٍ، عن أنسٍ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتِى بقناعٍ فيه بُسرٌ، فقال:"مَثَلُ كلمةٍ طيِّبة كشجرة طيبة". قال: "هي النخلةُ". قال شعيب: فأخبرتُ بذلك أبا العالية، فقال: كذلك كانوا يقولون

(4)

.

حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا حجاجٌ، قال: ثنا حماد بن سلمةَ، عن شعيب بن الحَبْحابِ، قال: كنا عند أنسٍ، فأُتينا بطبقٍ أو قمعٍ عليه رُطَبٌ، فقال: كل يا أبا العاليةِ، فإنّ هذا من الشجرةِ التي ذكر الله عز وجل في كتابه:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ} .

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجاجُ بنُ المنهالِ، قال: ثنا مَهْديُّ بن ميمونٍ، عن شعيبِ بن الحَبَّحابِ، قال: كان أبو العالية يأتينى، فأتاني يومًا في منزلي بعدما

(1)

أخرجه الترمذى 5/ 275، 276 عقيب الحديث (3119) من طريق شعيب به.

(2)

في ف: "الحنجاب"، وفى السنن الكبرى للنسائي:"الحباب". وهو أبو صالح البصرى شعيب بن الحبحاب الأزدى المعوليّ. ترجمته في تهذيب الكمال 12/ 509.

(3)

أخرجه النَّسَائِي في الكبرى (11262) من طريق النضر به.

(4)

أخرجه الترمذى (3119)، وأبو يعلى (4165)، وابن حبان (475) من طريق حماد به نحوه، وأخرجه الرامهرمزي في أمثال الحديث ص 72 من طريق شعيب به نحوه.

ص: 638

صلَّيتُ الفجرَ، فانطلقتُ معَه إلى أنسِ بن مالكٍ، فدَخَلْنا معه إلى أنس بن مالكٍ، فجِيءَ بطبقٍ عليه رُطَبٌ، فقال أنس لأبي العاليةِ: كُلْ يا أبا العالية، فإنَّ هذه مِن الشجرةِ التي قال الله في كتابه: (ألم تَرَ كيفَ ضَرَبَ الله مثلا كلمةً طيبةً كشجرة طيبةٍ [ثابتٌ أصْلُها}

(1)

. قال: هكذا قرأها يومئذٍ أنس

(2)

.

حدثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا طَلْقٌ، قال: ثنا شريكٌ، عن السُّدِّي، عن مرةً، عن عبد الله مثله

(3)

.

حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا عبد الغفار بن القاسم، عن جامع بن أبي راشدٍ، عن مُرَّةَ بن شَراحِيلَ الهَمْدانيِّ، عن مسروقٍ:{كَشَجَرَةٍ طَيَّبَةٍ} . قال: النخلة.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، ح وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، [قال: حدَّثنا وَرْقاءُ، جميعًا عن ابن أبي نجيح عن مجاهدٍ في قوله:{كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} . قال: كنخلةٍ

(4)

.

حدثنا الحسن]

(5)

، قال: ثنا شَبَابَةُ، قال: ثنا ورقاءُ، ح وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه

(6)

.

(1)

في م: "أصلها ثابت"، وفى ف:"أصلها".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 76 إلى عبد الرزاق والترمذى وابن المنذر وابن أبي حاتم والرامهرمزي في الأمثال.

(3)

أخرجه الخطيب البغدادى في موضح أوهام الجمع والتفريق 2/ 460، 461 من طريق السدى به نحوه.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 77 إلى المصنف، بزيادة:{كشجرة خبيثة} قال: هي الحنظلة.

(5)

سقط من: م.

(6)

أخرجه الرامهرمزى في أمثال الحديث ص 72 من طريق أبي حذيفة به، بلفظ:"الشجرة الطيبة النخلة، والخبيثة الحنظلة، مثل المؤمن والكافر".

ص: 639

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن السدي، عن مُرَّةَ، عن عبد الله مثله.

حدثني المثنى، قال: ثنا مُعَلَّى بن أسدٍ، قال: ثنا خالدٌ، قال: أخبرنا حُصَيْنٌ، عن عكرمةَ في قوله:{كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} . قال: هي النخلةُ، لا تَزَالُ فيها منفعةٌ

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبد الرحمن بنُ مَغْراءَ، عن جويبرٍ، عن الضحاك في قوله:{كَشَجَرَة طَيِّبَةٍ} . قال: ضرب الله مثل المؤمن كمثلِ النخلة؛ {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} .

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {مَثَلًا

(2)

كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}. كنا نُحَدَّثُ أنها النخلةُ.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة:{كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} . قال: يَزعمون أنها النخلة

(3)

.

حدثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} . قال: هي النخلةُ.

حدَّثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ عُبيد، قال: ثنا الْأَعْمَشُ، عن المنهالِ بن عمرو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس في قوله:{وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء} . قال: النخلة

(4)

.

(1)

أخرجه الرامهرمزى في أمثال الحديث ص 71، 72 من طريق حصين به نحوه، مطولًا.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"مثل".

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 342 عن معمرٍ به.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"النخل". والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 76، 77 إلى سعيد بن منصور والفريابي.

ص: 640

قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا سعيد بن منصورٍ، قال: ثنا خالد، عن الشَّيْبانيِّ، عن عكرمةَ:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} قال: هي النخلةُ.

حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمر، قال: قال شعيبُ بنُ الحَبْحابِ، عن أنس بن مالكٍ: الشجرة الطيبة: النخلة

(1)

.

وقال آخرون: بل هي شجرةٌ في الجنة.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا عفانُ، قال: ثنا أبو كُدَيْنةَ، قال: ثنا قابوسُ بن أَبي ظَبْيانَ، عن أبيه، عن ابن عباس في قولِ اللَّهِ عز وجل:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} . قال: هي شجرةٌ في الجنة.

وأولى القولين بالصواب في ذلك قول من قال: هي النخلة، لصحة الخبرِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما:

حدثنا به الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا سفيان بن عيينةَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: صحبت ابن عمرَ إلى المدينة، فلم أسمَعْهُ يُحدِّثُ عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلا حديثًا واحدًا، قال: كنا عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأتى بجُمَّارٍ

(2)

، فقال: "مِن [الشجَرِ شجرة]

(3)

مَثَلُها مَثَلُ الرَّجُلِ المسلمِ". فأردتُ أن أقول: هي النخلة. فإذا أنا أصغرُ القومِ،

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 342 عن معمر به، بزيادة "والشجرة الخبيثة الحنظلة".

(2)

الجُمَّار: هو جمع جُمَّارة. والجمارة: قلب النخلة وشحمتها. النهاية 1/ 294.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"الشجرة".

ص: 641

فسكَتُّ

(1)

.

حدثنا الحسن، قال: ثنا يزيد بن هارونَ، قال: أخبرنا سليمان، عن يوسف بن سَرْحٍ، عن رجلٍ، عن ابن عمرَ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"هل تدرون ما الشجرة الطيبةُ؟ ". قال ابن عمر: فأردتُ أن أقول: هي النخلة. فمنَعني مكان عمرَ، فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي النخلة"

(2)

.

حدثنا الحسن، قال: ثنا يحيى بن حمادٍ، قال: ثنا عبد العزيزِ، قال: ثنا عبد الله بن دينارٍ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه: "إِنَّ شجرةً من الشَّجَرِ لا يُطْرَحُ وَرَقُها، مَثَلُ المؤمنِ". قال: فوقع الناس في شجَرِ البَدْوِ، ووقع في قلبي أنها النخلةُ، فاسْتَحْيَيْتُ حتى قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"هي النخلةُ"

(3)

.

حدثنا الحسن، قال: ثنا عاصمُ بن عليٍّ، قال: ثنا عبد العزيز بن مسلم القَسْمَليُّ، قال: ثنا عبد الله بن دينارٍ، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ مِن الشجر شجرةً لا يَسْقُطُ وَرَقُها، وهى مَثَلُ المؤمن، فحَدِّثُونى ما هي". فذكر نحوه.

حدثنا الحسن، قال: ثنا عليٌّ، قال: ثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: ثنا عُبيدُ اللَّهِ

(1)

أخرجه الحميدى في مسنده 2/ 298 (676)، وأحمد 8/ 204، 205 (4599)، والبخاري (72)، ومسلم (64/ 2811)، من طريق سفيان به.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 76 إلى المصنف وابن مردويه.

(3)

أخرجه الإمام أحمد 10/ 237، 238 (6052) من طريق عبد العزيز به، بزيادة:"قال: فذكرت ذلك لعمر، فقال: يا بنى، ما منعك أن تتكلم؟ فوالله لأن تكون قلت ذلك أحب إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا".

وأخرجه أيضًا الإمام أحمد 9/ 20 (5274)، 10/ 490، 491 (6468)، وعبد بن حميد (790) والبخارى (61، 62، 131)، ومسلم (63/ 2811)، والنسائى في الكبرى (11261) من طرق عن ابن دينار به، وفى بعض المواضع بزيادة مثل التي ذكرناها عند أحمد.

ص: 642

قال: ثنى نافعٌ، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَخْبِرُونِي بشجرةٍ كَمَثَلِ الرجل المسلمِ، تُؤتى أُكُلَها كُلَّ حِينٍ، لا يَتَحاتُّ

(1)

وَرَقُها". قال: فوقع في نفسى أنها النخلةُ، فكرهتُ أن أتكلَّمَ، وثَمَّ أبو بكرٍ وعمرُ، فَلَمَّا لم يتكلموا قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هي النخلة"

(2)

.

حدثنا الحسنُ، قال: ثنا محمدُ بنُ الصَّبَّاح، قال: ثنا إسماعيل، عن عبيد الله، عن نافع نافع، عن ابن عمرَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

واختلف أهل التأويل في معنى الحينِ الذي ذكره اللَّهُ عز وجل في هذا الموضعِ، فقال:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} ؛ فقال بعضُهم: معناه: تؤتى أُكُلَها كُلَّ غَدَاةٍ وعَشِيَّةٍ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش، عن أبي ظَبْيانَ، عن ابن عباس، قال: الحِين قد يكونُ غُدْوةً وعَشِيَّةً

(3)

.

حدثنا الحسنُ بن محمد، قال: ثنا محمدُ بنُ عُبيدٍ، قال: ثنا الأعمش، عن أبي ظَبْيانَ، عن ابن عباسٍ في قوله:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} . قال:

(1)

يتحاتُّ: الحت والانحتات والتَّحات والتَّحتحُتُ: سقوط الورق عن الغصن وغيره. تاج العروس (ح ت ت).

(2)

أخرجه البخارى (6144)، وفي الأدب المفرد (360) - وجاء نحوه مطولًا فيهما، وبلفظ:"تحت" - ومحمد بن نصر المروزيُّ في تعظيم قدر الصلاة (770) نحوه مطولًا، والرامهرمزي في الأمثال ص 69 بنحوه، وابن منده في الإيمان (187) مطولًا، من طريق يحيى به. وأخرجه البخارى (4698)، ومسلم (64/ 2811) من طريق عبيد الله به نحوه مطولًا.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة ص 47 (القسم الأول من الجزء الرابع)، وابن حزم في المحلى 8/ 430، والبيهقي 10/ 61 من طريق أبي معاوية به.

ص: 643

غُدْوةً وعَشِيَّةً.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن الأعمشِ، عن أبي ظَبْيانَ، عن ابن عباس مثلَه.

حدثنا محمد بن المثنَّى، قال: ثنا محمدُ بنُ أبى عديٍّ، عن شعبةَ، عن سليمانَ، عن أبي ظبيان، عن [ابن عباس]

(1)

بمثله.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا طَلْقٌ، عن زائدةَ، عن الأعمش، عن أبي ظَبْيانَ. عن ابن عباسٍ مثله.

حدثنا الحسنُ، قال: ثنا علي بن الجعدِ، قال: ثنا شعبةُ، عن الأعمشِ، عن أبي ظَبْيانَ، عن ابن عباسٍ في قوله: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ]. قال: بُكرةً وعشيًّا

(2)

.

حدَّثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا شَريك، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} . قال: بكرةً وعشيةً.

حدَّثني محمد بن سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبَّهَا} . قال: يُذْكَرُ اللَّهُ كلَّ ساعةٍ من الليلِ والنهارِ

(3)

.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"سليمان".

(2)

أخرجه الضياء في المختارة 10/ 14 من طريق على بن الجعد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 76، 77 إلى الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75 إلى المصنف وابن أبي حاتم. وعزاه 4/ 77 إلى ابن أبي حاتم بلفظ: "كل ساعة بالليل والنهار والشتاء والصيف، وذلك مثل المؤمن يطيع ربه بالليل والنهار والشتاء والصيف".

ص: 644

حدثنا الحسن، قال: ثنا عفان، قال: ثنا أبو كُدينةَ، قال: ثنا قابوسُ، عن أبيه، عن ابن عباس:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} . قال: غدوةً وعشيَّةً.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبد الرحمن بنُ مَغْراءَ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ في قوله:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} . قال: المؤمنُ يُطيعُ اللَّهَ بالليل والنهار، وفي كل حينٍ.

حدثني المثنَّى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع بن أنسٍ:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} . يَصْعَدُ عملُه أَوَّلَ النهار وآخره

(1)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع ابن أنسٍ:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} . قال: يَصْعَدُ عمله غُدْوةً وعشية

(2)

.

حُدِّثْتُ عن الحسين، قال: سمعتُ أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عُبيد بن سليمانَ، قال: سمعتُ الضحاك يقولُ في قوله: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} . قال: تُخْرِجُ ثمرتَها كلَّ حينٍ، وهذا مثَلُ المؤمن يعمل كلَّ حينٍ؛ كلَّ ساعةٍ مِن النهارِ، وكلَّ ساعة من الليل، وبالشتاء والصيفِ، بطاعةِ اللَّهِ

(3)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: تؤتى أُكُلَها كلَّ ستةِ أشهرٍ، من بين صرامها

(4)

إلى حَمْلها.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75، 76 إلى المصنف وابن أبي حاتم مطولًا.

(2)

ذكره البغوي في تفسيره 4/ 347 مطولًا، وأبو حيان في البحر المحيط 5/ 422.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 76 إلى المصنف بنحوه مطولًا.

(4)

صرام النَّخل، وصَرامه: أوان إدراكه. لسان العرب (ص ر م).

ص: 645

‌ذِكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمد بن بشارٍ، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: الحِينُ ستة أشهرٍ

(1)

.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُليَّةَ، قال: أخبرنا أيوب، قال: قال عكرمة: سُئلتُ عن رجلٍ حلَف أن لا يصنعَ كذا وكذا إلى حينٍ، فقلتُ: إِنَّ مِن الحين حينًا يُدرَكُ، ومن الحين حينًا لا يُدرك، فالحِينُ الذي لا يُدرك قوله:{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88]. والحِينُ الذي يُدْرَكُ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} . قال: وذلك من حين تُصْرَمُ النخلةُ إلى حين تَطلُعُ، وذلك ستة أشهرٍ

(2)

.

حدثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن ابن الأصبهانيِّ، عن عكرمة، قال: الحين ستة أشهر

(3)

.

حدثنا الحسن، قال: ثنا سعيدُ بن منصورٍ، قال: ثنا خالد، عن الشَّيْبانيِّ، عن عكرمةَ في قوله:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} . قال: هي النخلةُ، والحين ستة أشهرٍ.

حدثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا كَثيرُ بن هشامٍ، قال: ثنا جعفرٌ، قال: ثنا عكرمة:

(1)

أخرجه ابن حزم في المحلى 8/ 429 من طريق يحيى به.

(2)

أخرجه ابن حزم في المحلى 8/ 430 من طريق هشام بن حسان عن عكرمة به نحوه، وفيه ذكر عمر بن عبد العزيز كما سيأتي في صفحة 648، وعنده {ومتعناهم إلى حين} بدل {ولتعلمن نبأه

}، و "فأراه من حين تثمر إلى حين تصرم

". وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 77 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (11325) عن سفيان به، وأخرجه ابن أبي شيبة (القسم الأول من الجزء الرابع) ص 47 من طريقى: داود عن عكرمة، وإبراهيم بن مهاجر عن عكرمة. وأخرجه البيهقي 10/ 62 من طريق إبراهيم بن المنهال، عن عكرمة.

ص: 646

{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بإذنِ رَبِّهَا} . قال: هو ما بينَ حَمْلِ النخلةِ إلى أن تُجْزَرَ

(1)

.

حدثني المثنَّى، قال: ثنا قبيصة بن عقبةَ، قال: ثنا سفيان، قال: قال عكرمة: الحين ستة أشهر.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحد، قال: ثنا قيس، عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه سئل عن رجل حلَف أن لا يكلِّم أخان حينًا، قال: الحين ستة أشهر. ثم ذكر النخلة ما بينَ حَمْلِها إلى صِرامِها ستةُ أشهر

(2)

.

حدثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن طارقٍ، عن سعيد بن جبير:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بإذنِ رَبِّهَا} . قال: ستة أشهر

(3)

.

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قال:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} . والحينُ ما بين السبعة والستةِ، وهى تُؤكَلُ شتاءً وصيفًا

(4)

.

حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: قال الحسنُ: ما بين الستة الأشهر والسبعة، يعنى الحين

(5)

.

(1)

في ص، ت 2، ف:"تحرر". غير منقوطة. وفى م: "تحرز". وحزر الشيءَ يجزُرُه ويجزِرُه جَزرًا: قطعه. اللسان (ج ز ر).

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 77 إلى المصنف بلفظه، وعزاه أيضا 4/ 77 إلى المصنف والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم بلفظ:"تطعم في كل ستة أشهر"، وعزاه أيضا 4/ 77 إلى ابن أبي حاتم بلفظ:"جذاذ النخل".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (القسم الأول من الجزء الرابع) ص 47 عن وكيع به، والأثر في تفسير مجاهد ص 411 من طريق عطاء بن السائب عن سعيد، وفي تفسير الثورى ص 156 بلفظ:"الحين السنة".

(4)

أخرجه البيهقي 10/ 62 من طريق سعيد به نحوه مطولًا - وفى أوله زيادة - بلفظ: "كل سبعة أشهر".

(5)

أخرجه ابن حزم في المحلى 8/ 429 من طريق محمد بن ثور به بلفظ: "ما بين ستة أشهر إلى تسعة"، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 342 عن معمر به.

ص: 647

حدثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبد الرحمنِ، قال: ثنا سفيان، عن عبدِ الرحمنِ بن الأصبهاني، عن عكرمة، قال: الحينُ ستة أشهر

(1)

.

وقال آخرون: بل الحين هاهنا سَنَةٌ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن أبي مكين، عن عكرمة أنه

(2)

نَذَر أن يقطَعَ يد غلامِه أو يحبسَه حِينًا. قال: فسألني عمرُ بنُ عبد العزيز. قال

(3)

: فقلت: لا تُقطَعُ

(4)

يدُه، ويَحْبِسُه سنةً، والحِين سنةٌ. ثم قرأ:{لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف: 35]. وقرأ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} .

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيعٌ، قال: وزاد أبو بكرٍ الهذليُّ، عن عكرمة، قال: قال ابن عباسٍ: الحينُ حينانِ: حينٌ يُعرَفُ، وحين لا يُعرَفُ؛ فأما الحين الذي لا يُعرَفُ:{وَلَنَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88]. وأما الحينُ الذي يُعرَفُ فقولُه: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}

(5)

.

حدثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنا محمدُ بن جعفرٍ، قال: ثنا شعبة، قال: سألتُ حمادًا والحكَمَ، عن رجلٍ حلف ألَّا يُكلِّم رجلًا إلى حِينٍ، قالا: الحِينُ سنةٌ

(6)

.

(1)

تقدم تخريجه في ص 646 حاشية (2) من طريق آخر عن سفيان به.

(2)

في م: "إن".

(3)

سقط من: م.

(4)

في ص، ت 1، ف:"يقطع"، وفى ت 2:"ـقطع".

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 77 إلى المصنف وابن المنذر.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (القسم الأول من الجزء الرابع) ص 47 عن محمد بن جعفر به، وعنده:"فقال" بدل "قالا".

ص: 648

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، ح وحدثنى الحارثُ، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاءُ، ح وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنى ورقاءُ، ح وحدثنى المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله:{كُلَّ حِينٍ} . قال: كلَّ سنةٍ

(1)

.

حدثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيد في قوله: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} . قال: كلَّ سنةٍ

(2)

.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سلَّامٌ، عن عطاء بن السائب، عن رجلٍ منهم، أنه سأل ابن عباسٍ، فقال: حلَفتُ أَلَّا أُكلِّم رجلًا حِينًا. فقرأ ابن عباسٍ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} . فالحِينُ سنةٌ

(3)

.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا ابن غَسِيلٍ

(4)

، عن عكرمةَ، قال: أرسَل إليَّ عمرُ بن عبد العزيزِ، فقال: يا مولى ابن عباسٍ، إنى حلفتُ أن لا أفعل كذا وكذا حِينًا، فما الحين الذي تَعْرِفُ

(5)

به؟ فقلتُ: إنَّ من الحين حينا لا يُدرك، ومن الحينِ حين يُدرَكُ؛ فأما الحين الذي لا يُدرك فقولُ اللهِ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِنَ

(1)

تفسير مجاهد ص 411، وبعده في ص:"يتلوه إن شاء الله تعالى: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {تؤتي أكلها كل حين}. قال: كل سنة. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله. وصحبه وسلم. بسم الله الرحمن الرحيم، رب يسر، قال أبو جعفر"، ومثله في ت 2 عدا قوله:"رب يسر" وبزيادة "رحمه الله" في آخر الكلام. وبعده أيضا في ت 1: "والله أعلم. قال أبو جعفر" ثم بياض يتلوه كلام غير واضح. وبعده أيضا في ف: "قال أبو جعفر رحمه الله".

(2)

ذكره الطوسي في التبيان 6/ 291.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (القسم الأول من الجزء الرابع) ص 47، وسحنون في المدونة 2/ 117 من طريق أبي الأحوص سلامٍ به، وعزاه الشوكاني في فتح القدير 3/ 108 إلى أبي عبيد وابن المنذر.

(4)

في ص، م، ت 2، ف:"عسيل". وينظر تهذيب الكمال 17/ 154.

(5)

في م، والدر المنثور:"يعرف".

ص: 649

الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مذكورًا} [الإنسان: 1]. والله ما يُدرَى

(1)

كم أتى له إلى أن خُلِقَ، وأما الذي يُدرك فقوله:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} . فهو ما بينَ العام إلى العام المقبل. فقال: أصبتَ يا مولى ابن عباسٍ، ما أحسن ما قلتَ

(2)

!

حدثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن عطاء، قال: أتى رجل ابن عباس، فقال: إنى نذَرتُ ألَّا أكلِّمَ رجلًا حِينًا. فقال ابن عباس: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} : فالحِين سنةٌ.

وقال آخرون: بل الحينُ في هذا الموضع شهران.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا محمد بن مسلمٍ الطائفيُّ، عن إبراهيم بن ميسرةً، قال: جاء رجل إلى سعيد بن المسيَّبِ، فقال: إنى حلَفتُ أَلَّا أَكلِّمَ فلانًا حِينًا. [فقال: قال الله تعالى: {تُوتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}

(3)

. قال: هي النخلةُ، لا يكون منها أُكُلُها إلا شهرين، فالحين شهران

(4)

.

وأولى الأقوالِ في ذلك عندى بالصوابِ قولُ مَن قال: عُنى بالحينِ في هذا

(1)

في الدر المنثور: "ندرى".

(2)

أخرجه البيهقي 10/ 62 من طريق ابن الغسيل به مختصرا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 77 إلى المصنف.

(3)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة ص 47 (القسم الأول من الجزء الرابع)، وابن حزم في المحلى 8/ 430، والبيهقى 10/ 62 من طريق محمد بن مسلم به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 77 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 650

الموضع غُدوةٌ وعَشيةٌ، وكلُّ ساعةٍ؛ لأن الله تعالى ذكره ضرَب ما تُؤْتى هذه الشجرةُ كلَّ حينٍ من الأكل لعمل المؤمن وكلامه مثلا، ولا شكّ أن المؤمنَ يرتفعُ له إلى اللَّهِ في كلِّ يومٍ صالحٌ من العمل والقولِ، لا في كل سنة، أو في كل ستة أشهرٍ، أو في كل شهرين. فإذ كان ذلك كذلك؛ فلا شك أن المثَل لا يكونُ خِلافًا للمُمَثَّل به في المعنى، وإذا كان ذلك كذلك؛ كان بيِّنًا صحةُ ما قلنا.

فإن قال قائلٌ: فأيُّ نخلةٍ تُؤتى في كلِّ وقتِ أُكُلًا صيفًا وشتاءً؟

قيل: أما في الشتاء فإن الطَّلْعَ من أُكُلِها، وأما في الصيف فالبلحُ والبسْرُ والرُّطَب والتمرُ، وذلك كله من أكُلها.

وقوله: {تُوتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} . فإنه كما حدثنا به محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بإِذْنِ رَبِّهَا} . قال: يُؤكَلُ ثمرُها في الشتاء والصيف

(1)

.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادةَ:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} . قال: هي تُؤكَلُ شتاءً وصيفًا.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنسٍ:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} : يصعَدُ عمله، يعني: عمل المؤمنِ، أوّلَ النهار وآخره

(2)

.

(1)

أخرجه ابن حزم في المحلى 8/ 429، من طريق محمد بن ثور به، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 342 معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 77 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

(2)

ذكره البغوي في تفسيره 4/ 347 مطولًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75، 76، إلى المصنف وابن أبي حاتم.

ص: 651

‌القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)} .

يقول تعالى ذكره: ومَثَلُ الشركِ باللَّهِ - وهى الكلمة الخبيثة - كشجرة خبيثة.

اختلف أهل التأويل فيها؛ أيُّ شجرةٍ هي؟ فقال أكثرهم: هي الحنظلُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا محمد بن المُثَنَّى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبةُ، عن معاويةَ بن قُرَّةَ، قال: سَمِعتُ أنس بن مالك، قال في هذا الحرفِ {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}. قال: الشِّرْيانُ

(1)

. فقلت: وما الشِّرْيانُ؟ قال رجلٌ عنده: الحنظلُ. فأقر به معاوية

(2)

.

حدثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: أخبرنا شعبةُ، عن معاويةَ بن قرةَ، قال: سمعتُ أنس بن مالك يقولُ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} . قال: الحنظلُ

(3)

.

حدثنا الحسنُ، قال: ثنا عمرُو بنُ الهَيثم، قال: ثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالكٍ، قال: الشِّريان. يعنى الحنظل.

حدثنا أحمد بن منصور، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن ابن جريج، عن الأعمشِ: عن حِبَّانَ بن شعبة، عن أنس بن مالكٍ في قوله:

(1)

قال في اللسان: (شرين): هو شجر صُلب تتخذ منه القِسِيّ، واحدته شريانة.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 77 إلى ابن مردويه. وانظر تفسير ابن كثير 4/ 413.

(3)

أخرجه البغوي في الجعديات 1/ 537، (1142) من طريق شعبة به.

ص: 652

{كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} . قال: الشِّريان. قلتُ لأنسٍ: ما الشِّريانُ؟ قال: الحنظل

(1)

.

حدثني يعقوبُ، قال: ثنا ابن عُليَّةَ، قال: ثنا شعيبٌ، قال: خرجتُ مع أبي العالية نريد أنس بن مالك، فأتيناه، فقال:{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} : تِلْكُم الحنظلُ.

حدثنا الحسن، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن شعيب بن الحَبْحابِ، عن أنس مثله.

حدثنا المثَنَّى، قال: ثنا آدم العسقلانيُّ، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبو إياسٍ، عن أنسِ بن مالك، قال: الشجرة الخبيثةُ الشِّريان. فقلتُ: وما الشِّريان؟ قال: الحنظل.

حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن شعيبٍ، عن أنسٍ، قال: تِلْكُم الحنظل

(2)

.

حدثني المثنَّى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا مهديُّ بن ميمونٍ، عن شعيبٍ، قال: قال أنسٌ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} الآية. قال: تِلْكُمُ الحنظلُ، ألم ترَوْا إلى الرياح كيف تُصَفِّقُها

(3)

يمينًا وشمالًا؟

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيح، عن

(1)

أخرجه البخاري في تاريخه 4/ 216، 217، من طريق ابن جريج به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 77 إلى ابن مردويه.

(2)

أخرجه الترمذى (3119) من طريق حماد بن سلمة عن شعبة به، والرامهرمزي في أمثال الحديث ص 72 من طريق حماد بن زيد عن شعيب به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 342 من طريق شعيب به.

(3)

صفَّقَت الريح الشيء: إذا قلبته يمينًا وشمالًا وردته. اللسان (ص ف ق).

ص: 653

مجاهد: {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} : الحنظلة

(1)

.

وقال آخرون: هذه الشجرة لم تُخْلَق على الأرض.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا الحسن بن محمد الزعفرانيُّ، قال: ثنا عفانُ، قال: ثنا أبو كُدَيْنةَ، قال: ثنا قابوسُ، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ أجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} . قال: هذا مثَلٌ ضربه الله، ولم تُخلق هذه الشجرةُ على وجه الأرض

(2)

.

وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - بتصحيحِ قولِ مَن قال: هي الحنظلة - خبرٌ، فإن صحَّ فلا قولَ يجوز أن يقال غيره، وإلا فإنها شجرةٌ بالصفة التي وصَفها الله بها.

‌ذكرُ الخبر الذي ذكَرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

-

حدَّثنا سَوَّارُ بنُ عبدِ اللَّهِ، قال: ثنا أبى، قال: ثنا حماد بن سلمةَ، عن شعيبِ بن الحَبْحَابِ، عن أنسِ بن مالكٍ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ أجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} ". قال: "هي الحنظلة". قال شعيبٌ: وأَخبَرتُ بذلك أبا العاليةِ، فقال: كذلك كانوا يقولون

(3)

.

وقوله: {اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ} . يقول: استؤصلت. يقال منه: اجتتَثتُ الشيءَ أجتَثُّه اجتثاثًا. إذا استأصَلتَه.

(1)

أخرجه الرامهرمزى في الأمثال ص 72 من طريق أبي حذيفة به.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 77 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(3)

أخرجه الترمذي (3119)، وابن حبان (475)، وأبو يعلى (4165) والحاكم (4165) من طرق عن حماد به.

ص: 654

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثورٍ، عن معمر، عن قتادةَ:{اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ} . قال: استؤصلتْ من فوق الأرضِ

(1)

.

{مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} . يقولُ: ما لهذه الشجرة من قَرارٍ، ولا أصلٍ في الأرضِ تَثْبُتُ عليه وتقومُ، وإنما ضُربت هذه الشجرةُ، التي وصفها الله بهذه الصفة لكفْرِ الكافر وشركه به، مثلًا، يقولُ: ليس لكفر الكافرِ وعمله الذي هو معصيةُ الله في الأرضِ ثباتٌ، ولا له في السماءِ مَصْعَدٌ؛ لأنَّه لا يَصْعَدُ إِلى اللَّهِ منه شيءٌ.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني محمد بن سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} : ضرَب الله مثل الشجرة الخبيثة كمثل الكافر، يقولُ: إن الشجرةَ الخبيثة اجتُثتْ من فوق الأرضِ، {مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}. يقولُ: الكافرُ لا يُقبل عمله، ولا يَصْعَدُ إلى الله، فليس له أصلٌ ثابتٌ في الأرضِ، ولا فرعٌ في السماءِ. يقول: ليس له عملٌ صالحٌ في الدنيا ولا في الآخرة.

حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيد، عن قتادةَ قولَه: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 342 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 78 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 655

خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}. قال قتادة: إِن رجلًا لقِى رجلًا من أهل العلم، فقال: ما تقولُ في الكلمة الخبيثةِ؟ فقال: ما أعلمُ لها في الأرضِ مُسْتقَرًّا، ولا في السماءِ مَصْعَدًا، إلا أن تلزم عنق صاحبها، حتى يوافيَ بها القيامة

(1)

.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أبي العالية، أن رجلا خالَجت الريحُ رداءَه، فلعنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تلعنْها؛ فإنها مأمورةٌ، وإنَّه من لعن شيئًا ليس له بأهلٍ، رجعت اللعنة على صاحبها"

(1)

.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الربيعِ بن أنسٍ:{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} . قال: هذا الكافرُ، ليس له عملٌ في الأرض، ولا ذِكْرٌ في السماءِ، {اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قرارٍ}. قال: لا يَصْعَدُ عمله إلى السماءِ، ولا يقوم على الأرضِ. فقيل: فأين تكونُ أعمالهم؟ قال: يَحْمِلون أوزارهم على ظهورهم

(2)

.

حدثنا أحمد بن إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا فُضَيلُ بن مرزوقٍ، عن عطية العوفيِّ:{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ أُجْتُنَّتْ مِن فَوقِ الْأَرْضِ} . قال: مَثَلُ الكافر، لا يَضعدُ له قولٌ طيِّبٌ، ولا عملٌ صالحٌ

(3)

.

حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ، قال:{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} . وهى الشركُ، {كَشَجَرَةٍ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 78 إلى المصنف.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75، 76 إلى المصنف.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 76 إلى المصنف.

ص: 656

خَبِيثَةٍ}. يعنى الكافر، قال:{اخْتُنَّتْ مِن فَوقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} . يقولُ: الشركُ ليس له أصل يأخذُ به الكافرُ ولا برهانٌ، ولا يقبلُ الله مع الشركِ عملًا

(1)

.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع:{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} . قال: مَثَلُ الشجرة الخبيثة مَثَلُ الكافرِ، ليس لقولِه ولا لعمله أصلٌ ولا فرعٌ، ولا قوله ولا عمله يستقر على الأرضِ، ولا يَصْعَدُ إلى السماء

(2)

.

حُدِّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ. يقولُ: أخبرنا عبيد بن سليمانَ، قال: سمعتُ الضحاك يقولُ: ضرَب الله مثل الكافرِ: {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} . يقولُ: ليس لها أصلٌ ولا فرعٌ، وليست لها ثمرةٌ، وليست فيها منفعةٌ، كذلك الكافر ليس يعمل خيرًا ولا يقوله، ولم يجعلِ الله فيه بركةً ولا منفعةً

(3)

.

‌القول في تأويل قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)} .

يعني تعالى ذكره بقوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} : يحقِّقُ الله أعمالهم وإيمانهم {بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} . يقولُ: بالقول الحقِّ، وهو فيما قيل: شهادة ألَّا إلهَ إلا الله، وأن محمدًا رسولُ اللَّهِ.

وأما قوله: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . فإن أهل التأويلِ اختلفوا فيه. فقال بعضُهم: عُنِى بذلك أن اللَّهَ يُثَبِّتُهم في قبورهم قبلَ قيامِ الساعةِ.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75 إلى المصنف وابن أبي حاتم وابن المنذر. وينظر البحر المحيط 4/ 422.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 75 إلى المصنف.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 76 إلى المصنف.

ص: 657

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني أبو السائبِ سَلْمُ بنُ جُنادةَ، قال: ثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن سعدِ

(1)

بن عبيدةَ، عن البَرَاءِ بن عازبٍ في قوله:{يُثَبَّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: التثبيتُ في الحياة الدنيا، إذا أتاه الملكان في القبرِ فقالا له: مَن ربُّك؟ فقال: ربىَ الله. فقالا له: ما دينك؟ قال: ديني الإسلام. فقالا له: مَن نبيُّك؟ قال: نبي محمد صلى الله عليه وسلم. فذلك التثبيتُ في الحياة الدنيا

(2)

.

حدثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا جابر بن نوحٍ، عن الأعمشِ، عن سعدِ

(1)

بن عبيدةَ، عن البراء بن عازب بنحوٍ منه في المعنى.

حدثني عبد الله بن إسحاق الناقد الواسطى، قال: ثنا وهب بن جريرٍ، قال: ثنا شعبة، عن علقمةَ بن مَرْثَدٍ، عن سعد بن عبيدةَ، عن البراء قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنَ والكافرَ، فقال:"إنَّ المؤمن إذا سُئل في قبره قال: ربىَ الله. فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} "

(3)

.

حدثنا محمد بن المثنَّى، قال: ثنا هشام بن عبد الملك، قال: ثنا شعبة

(4)

، قال: أخبَرنى علقمة بن مرثدٍ، قال: سمعتُ سعد بن عبيدةَ، عن البراء بن عازبٍ، أن رسول

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"سعيد"، وينظر تهذيب الكمال 10/ 290.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 377، 13/ 367، 368، والمروزى في زوائد الزهد (1356)، والآجرى في الشريعة (867)، والبيهقى في عذاب القبر (5) من طريق أبى معاوية به، وأخرجه الطبراني في الأوسط (3664) من طريق الأعمش به.

(3)

أخرجه الطيالسي (781)، والبخارى (1369)، ومسلم (2871)، والنسائي (2056)، وابن ماجه (4269) وغيرهم من طرق عن شعبة به.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"سعيد". وينظر مصادر التخريج.

ص: 658

اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ المسلم إذا سُئل فِي القبرِ يشهد أن لا إلهَ إلا الله، وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ". قال: "فذلك قوله: {يُثَبَّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} "

(1)

.

حدثني الحسينُ

(2)

بن سلمة بن أبى كبشة، ومحمد بن معمر البحرانيُّ، واللفظ لحديث ابن أبي كبشة، قالا: ثنا أبو عامرٍ عبد الملكِ بن عمرٍو، قال: ثنا عبادُ بنُ راشدٍ، عن داود بن أبى هند، عن أبي نَضْرةَ، عن أبي سعيدٍ، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فقال: "يا أيُّها الناسُ، إن هذه الأمةَ تُبتلى في قبورها، فإذا الإنسانُ دُفن وتفرَّق عنه أصحابُه، جاءه مَلَكٌ بيدِه مِطْرَاقٌ فأقعده، فقال: ما تقولُ في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنًا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. فيقول له: صدَقتَ. فيُفْتَح له باب إلى النار، فيقال: هذا كان منزِلَك لو كفَرتَ بربِّك، فأما إذْ آمَنْتَ به، فإِن اللَّهَ أَبْدَلَك به هذا. ثم يُفْتَحُ له بابٌ إلى الجنةِ، فيريدُ أن ينهضَ له، فيقال له: اسكنْ. ثم يُفْسَحُ له في قبره، وأما الكافر أو المنافقُ، فيقال له: ما تقولُ في هذا الرجل؟ فيقول: ما أدرى. فيقال له: لا دَرَيْتَ ولا تَليْتَ

(3)

ولا اهْتَدَيْتَ. ثم يُفْتَحُ له بابٌ إلى الجنةِ، فيقال له: هذا كان منزلك لو آمنت بربك، فأما إذ كفَرْتَ، فإن اللَّهَ أَبْدَلَك هذا. ثم يُفْتَحُ له باب إلى النارِ، ثم يَقْمَعُه الملك بالمِطْرَاقِ قَمْعَةً يَسمعُه خلقُ اللهِ كلُّهم إلا الثقلين". قال بعضُ أصحابِه:

(1)

أخرجه البخارى (4699)، وأبو داود (4750)، وابن منده في الإيمان (1062)، والبيهقي في عذاب القبر (3، 4)، والبغوى في شرح السنة (1520) من طريق هشام بن عبد الملك به.

(2)

في النسخ: "الحسن". وينظر تهذيب الكمال 6/ 380.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"تدريت". وقوله: "ولا تليت". قيل: معناه: ولا تلوت، أي لا قرأت ولا درست، من تلا يتلو، فقالوا: تليت. بالياء ليعاقب بها الياء في دريت، وقال يونس: إنما هو: ولا أتليت في كلام العرب معناه: أن لا تُتلى إبله، أي لا يكون لها أولاد تتلوها. وقال غيره: إنما هو: لا دريت ولا اتَّليت، على افتعلت من ألوت أي أطقت واستطعت. وقال ابن الأثير: والصواب، ولا ائتليت. ينظر النهاية 14/ 195، واللسان (ت ل و).

ص: 659

يا رسول الله، ما منا أحدٌ يقومُ على رأسه ملك بيده مطراقٌ، إلا هيل عند ذلك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} "

(1)

.

حدثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا أبو بكر بن عياشٍ، عن الأعمش، عن المنهال، عن زاذانَ، عن البَرَاءِ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وذكر قَبْضَ رُوحِ المؤمنِ:"فَتُعَادُ روحه في جسدِه، ويأتيه مَلَكان فيُجلسانه في قبره، فيقولان: من ربُّك؟ فيقولُ: ربى الله. فيَقُولان: ما دينك؟ فيقولُ: دينى الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجلُ الذي بُعِث فيكم؟ فيقولُ: هو رسولُ اللَّهِ. فيقولان: ما يُدريك؟ فيقولُ: قرأتُ كتاب اللهِ، فآمنتُ به، وصدَّقتُ. فَيُنادى مُنادٍ من السماءِ: أن صدَق عبدى. قال: فذلك قول الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} "

(2)

.

حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش، عن المنهال، عن واذان، عن البراء، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه

(3)

.

حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن الأعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه

(4)

.

(1)

أخرجه البزار (872 - كشف) عن الحسين ومحمد بن معمر البحراني به، وابن أبي عاصم في السنة (865) عن الحسين به، وأحمد 17/ 32 - 34 (11000) من طريق أبي عامر العقدى به.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6324)، وأحمد 30/ 506، 588 (18516، 18625)، والحاكم 1/ 38، 39، والبيهقى في عذاب القبر (35)، والبغوى في شرح السنة (1518) من طرق عن الأعمش به.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 310، 374، 380، والمروزى في زوائد الزهد (1219)، وأحمد 30/ 499 (18534)، وأبو داود (4753) وغيرهم من طريق أبي معاوية به.

(4)

أخرجه أبو داود (3212، 4753)، والبيهقى في عذاب القبر (29) من طريق جرير به.

ص: 660

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن نميرٍ، قال: ثنا الأعمش، قال: ثنا المنهالُ بنُ عمرٍو، عن زاذان، عن البراءِ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه

(1)

.

حدثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا الحكم بن بشيرٍ، قال: ثنا عمرو بن قيسٍ، عن يونسَ بن خَبَّابٍ، عن المنهالِ، عن زاذانَ، عن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه

(2)

.

حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمر، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا مهدى بن ميمون، جميعًا عن يونسَ بن خبابٍ، عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر قبض روح المؤمنِ، قال:"فيأتيه آت في قبره، فيقولُ من ربُّك؟ وما دينُك؟ ومن نبيك؟ فيقولُ: ربى الله، وديني الإسلام، ونبيِّىَ محمد صلى الله عليه وسلم، فينتهرُه، فيقولُ: مَن ربُّك؟ وما دينُك؟ فهى آخر فتنةٍ تُعْرَضُ على المؤمن، فذلك حينَ يقولُ الله عز وجل: {يُثَبَّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}. فيَقُولُ: ربى الله، ودينيَ الإسلام، ونبيِّىَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم. فيقال له: صدقتَ"

(3)

.

واللفظ لحديث ابن عبد الأعلى.

حدثنا محمدُ بنُ خَلَفٍ العسقلاني. قال: ثنا آدم، قال: ثنا حماد بن سلمة،

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 374، 382، وأحمد 30/ 506 (18535)، وأبو داود (4754)، وابن منده (1064)، والحاكم 1/ 37، والبيهقى في عذاب القبر (33، 34) من طرق عن ابن نمير به.

(2)

أخرجه النَّسَائِي (2000)، وابن ماجه (1549) من طريق عمرو بن قيس به.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6737)، وأحمد 30/ 576 (18614)، والحاكم 1/ 39 من طريق معمر به، وأخرجه الحاكم أيضًا 1/ 39 من طريق مهدى بن ميمون به.

ص: 661

عن محمد بن عمرٍو، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ، قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . قالَ: ذاك إذا قيل في القبرِ: مَن ربُّك؟ وما دينُك؟ فيقولُ: ربى الله، وديني الإسلامُ، ونبيِّى محمد صلى الله عليه وسلم، جاء بالبيِّنات من عندِ اللَّهِ، فَآمَنتُ به وصدَّقتُ. فيقال له: صدَقتَ، على هذا عِشْتَ، وعليه مِتَّ، وعليه تبعثُ"

(1)

.

حدثنا مجاهد بن موسى، والحسن بن محمدٍ، قالا: ثنا يزيد، قال: أخبرنا محمدُ بنُ عمرٍو، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرة، قال: إن الميتَ لَيسمعُ خَفْقَ نعالِهم حينَ يولُّون عنه مدبرين، فإذا كان مؤمنًا، كانت الصَّلاةُ عند رأسه، والزكاة عن يمينه، وكان الصيام عن يسَارِه، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروفِ والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيُؤتَى من عند رأسه، فتقولُ الصلاة: ما قبلى مدخل. فيُؤتَى عن يمينه، فتقولُ الزكاةُ: ما قِبَلى مدخَلٌ. فيُؤْتَى عن يساره، فيقولُ الصيامُ: ما قبلى مَدْخَلٌ. فَيُؤْتَى مِنْ عِندِ رجليه، فيقولُ فَعلُ الخيراتِ من الصدقةِ والصلة والمعروف والإحسان إلى الناسِ: ما قِبَلى مدخل. فيُقالُ له: اجلسْ. فيجلسُ، قد مُثِّلتْ

(2)

له الشمس قد دَنَت للغروبِ، فيُقالُ له: أخبرنا عما نسألُك. فيقولُ: دعُونى حتى أُصلِّىَ. فيقال

(3)

: إنك ستفعل، فأخبرنا عما نسألك عنه. فيقولُ: وعم تسألون؟ فيقالُ: أرأيتَ هذا الرجل الذي كان فيكم، ماذا تقولُ فيه؟ وماذا تشهد به عليه؟ فيقولُ: أمحمد؟ فيقال له: نعم. فيقولُ: أشهد أنه رسولُ اللَّهِ، وأنَّه جاء بالبينات من عندِ اللَّهِ فصدَّقناه. فيقال له: على ذلك حييتَ، وعلى

(1)

أخرجه البيهقي في عذاب القبر (8) من طريق آدم به، وأخرجه أحمد 14/ 234 (8563)، والطبراني في الأوسط (2630)، والحاكم 1/ 380، 381 من طرق عن حماد به.

(2)

في ص، ف:"تمثلت".

(3)

في م: "فيقول".

ص: 662

ذلك مِتَّ، وعلى ذلك تُبعثُ إن شاء اللَّهُ. ثم يُفسَحُ له في قبره سبعون ذراعًا، ويُنَوَّر له فيه، ثم يُفتَحُ له بابٌ إلى الجنةِ، فيُقالُ له: انظُرْ إلى ما أعد الله لك فيها. فيزدادُ غِبْطَةً وسرورًا، ثم يُفتَحُ له باب إلى النارِ، فيُقالُ له: انظرْ ما صرَف الله عنك لو عصيته. فيزدادُ غِبْطَةً وسرورًا، ثم يُجعلُ نَسمُه في النَّسَم الطيِّبِ، وهى طيرٌ خضرٌ تَعلَّقُ بشجرِ الجنة، ويُعاد جسده إلى ما بُدئ منه من الترابِ، وذلك قول الله تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} "

(1)

.

حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو قَطَنٍ، قال: ثنا المسعودى، عن عبد الله بن مخارق، عن أبيه، عن عبدِ اللَّهِ، قال: إن المؤمنَ إذا مات أُجلس في قبره، فيقالُ له: مَن ربُّك؟ وما دينُك؟ ومَن نبيُّك؟ فيُثبِّتُه اللَّهُ، فيقولُ: ربى الله وديني الإسلام، ونبيِّيَ محمدٌ. قال: فقرأ عبدُ اللَّهِ {يُثَبَّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}

(2)

.

حدثنا الحسن، قال: ثنا أبو خالد القرشى، عن سفيان، عن أبيه، وحدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أبيه، عن خيثمة، عن البراء في قوله:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: عذابُ القبرِ

(3)

.

حدثنا الحسن، قال: ثنا عفان، قال: ثنا شعبة، عن علقمة بن مَرثَدٍ، عن سعدِ

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 383 عن يزيد - هو ابن هارون - به، وعبد الرزاق في المصنف (6703) من طريق محمد بن عمرو به.

(2)

أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1429)، والطبراني (9145)، والبيهقي في عذاب القبر (9) من طريق المسعودى به.

(3)

أخرجه مسلم (74/ 2871)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1430)، والنسائي (2055)، وابن منده في الإيمان (1063)، والبيهقى في عذاب القبر (13) من طريق سفيان به.

ص: 663

ابن عبيدةَ، عن البراءِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى:{يُثَبَّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . قال شعبة شيئًا لم أحفظْه، قال: في القبرِ

(1)

.

حدَّثني محمد بن سعدِ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قوله:{يُثَبَّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} . إلى قوله: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} . قال: إن المؤمن إذا حضره الموتُ شهدته الملائكةُ، فسلَّموا عليه، وبشَّروه بالجنةِ، فإذا مات مشوا في جنازته، ثم صَلُّوا عليه مع الناس، فإذا دُفن أُجلِس في قبره، فيقال له: مَن ربُّك؟ فيقولُ: ربى اللَّهُ. ويقالُ له: مَن رسولُك؟ فيقول: محمد. فيقال له: ما شهادتك؟ فيقولُ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسولُ اللَّهِ. فيُوسَّعُ له في قبرِه مَدَّ بصره

(2)

.

حدثنا الحسنُ، قال: ثنا حجاجٌ، قال: قال ابن جريج: سمعتُ ابن طاوسٍ يخبرُ عن أبيه، قال: لا أعلمه إلا قال: هي في فتنة القبرِ. في قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}

(3)

.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جريرٌ، عن العلاء بن المسيَّبِ، عن أبيه، أنه كان يقولُ في هذه الآيةِ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}: هي في صاحبِ القبرِ.

حدثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن العوامِ، عن

(1)

أخرجه أحمد 30/ 435 (18482) عن عفان به، وقد تقدم تخريجه ص 658 حاشية (2)، ص 659 حاشية (1).

(2)

أخرجه البيهقي في عذاب القبر (256) من طريق محمد بن سعد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 79 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 81 إلى المصنف.

ص: 664

المسيَّبِ بن رافعٍ: {يُثَبَّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} . قال: نزلت في صاحبِ القبرِ

(1)

.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا عباد بن العوامِ، عن العلاء بن المسيَّبِ، عن أبيه المسيَّبِ بن رافع نحوَه

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعدٍ، قال: أخبَرنا أبو جعفر الرازيُّ، عن الربيع في قولِ اللَّهِ تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} . قال: بلغنا أن هذه الأمةَ تُسْألُ في قبورها، فيثبِّتُ الله المؤمنَ في قبره حين يُسْأَلُ.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو ربيعةً فهدٌ، قال: ثنا أبو عوانةَ، عن الأعمش، عن المنهالِ بن عمرو، عن زاذانَ، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكَر قبضَ روح المؤمنِ، قال: فترجع روحه في جسدِه، ويبعث الله إليه ملَكَين شدِيدَى الانتهارِ، فيُجلسانه وينتهرانه، يقولان: من ربُّك؟ ". قال: "فيقولُ: اللَّهُ. وما دينك؟ قال: الإسلام". قال: "فيقولان لَه: ما هذا الرجل أو النبيُّ الذي بُعِث فيكم؟ فيقولُ: محمدٌ رسولُ اللَّهِ". قال: "فيقولان له: وما يُدريك؟ قال: "فيقولُ: قرأتُ كتابَ اللَّهِ، فَآمَنْتُ به وصَدَّقْتُ. فذلك قولُ اللَّهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} "

(3)

.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيد في قوله: {يُثَبَّتُ

(1)

أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1431) من طريق هشيم به.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 330، 10/ 434 عن عباد به.

(3)

أخرجه الطيالسي (789)، وأبو نعيم في الحلية 9/ 56، والبيهقى في عذاب القبر (27) من طريق أبي عوانة به.

ص: 665

اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}. قال: نزَلت في الميِّتِ الذي يُسألُ في قبرِه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ في قولِ اللهِ:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . قال: بلَغَنا أن هذه الأمةَ تُسألُ في قبورِها، فيثبِّتُ اللهُ المؤمنَ حيث يُسألُ

(2)

.

حدَّثنا أحمدُ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا شريكٌ، عن إبراهيمَ بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: هذا في القبرِ مخاطبتُه، وفى الآخِرَةِ مثلُ ذلك

(3)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: يثبِّتُ اللهُ الذين آمنوا بالإيمانِ في الحياةِ الدنيا:

وهو القولُ الثابتُ، وفي الآخرةِ: المسألةُ في القبرِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . قال: لا إلهَ إلا اللهُ، {وَفِي الْآخِرَةِ}: المسألةُ في القبرِ

(4)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: {يُثَبِّتُ اللَّهُ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 81 إلى المصنف.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 342 عن معمر به.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 81 إلى المصنف.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 342، وأخرجه الطبراني في الدعاء (1626) من طريق عبد الرزاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 81 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 666

الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. أما الحياةُ الدنيا، فيثبتُهم بالخيرِ والعملِ الصالحِ، وقولُه:{وَفِي الْآخِرَةِ} : أي في القبرِ

(1)

.

والصوابُ من القولِ في ذلك ما ثبَت به الخبرُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ذلكِ، وهو أن معناه: يثبِّتُ اللهُ الذين آمنوا بالقولِ الثابتِ في الحياةِ الدنيا، وذلك تثبيتُه إياهم في الحياة الدنيا بالإيمانِ باللهِ وبرسولِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، {وَفِي الْآخِرَةِ} بمثلِ الذي ثبَّتهم به في الحياةِ الدنيا، وذلك في قبورِهم حين يُسأَلون عن الذي هم عليه من التوحيدِ والإيمانِ برسولِه صلى الله عليه وسلم.

وأما قولُه: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} . فإنه يعني أن الله لا يوفِّقُ المنافقَ والكافرَ في الحياةِ الدنيا، وفي الآخرةِ عند المسألةِ في القبرِ، لِما هدَى له المؤمنَ من الإيمانِ باللهِ ورسولِه صلى الله عليه وسلم.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك، قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ، قال: أما الكافرُ فتنزلُ

(2)

الملائكةُ إذا حضَره الموتُ، فيبسُطون أيديَهم - والبسطُ هو الضربُ - يضربون وجوهَهم وأدبارَهم عند الموتِ، فإذا أُدخِل قبرَه أُقعِد، فقيل له: مَنْ ربُّك؟ فلم يُرْجِعْ إليهم شيئًا، وأنساه اللهُ ذكرَ ذلك، وإذا قيل له: مَن الرسولُ الذي بُعِث إليك؟ لم يهتدِ له، ولم يُرجِعْ إليهم

(3)

شيئًا، يقولُ اللهُ:

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 81 إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(2)

في ص، ت 1، ف:"فتقول". وفي ت 2: "فيقول".

(3)

في النسخ: "إليه". والمثبت من مصدرى التخريج.

ص: 667

{وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} .

حدَّثني المثنى، قال: ثنا فهدُ بنُ عوفٍ أبو ربيعةَ، قال: ثنا أبو عوانةَ، عن الأعمشِ، عن المنهالِ بن عمرٍو، عن زاذانَ، عن البراءِ، قال: قال رسولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم، وذكَر الكافرَ حين تُقبضُ روحُه، قال:"فتُعادُ روحُه في جسدِه". قال: "فيأتيه ملكان شَدِيدَا الانتهارِ، فيُجْلِسانِه فينتهرانِه، فيقُولان له من ربُّك؟ فيقولُ: لا أدرى". قال: "فيَقولان له: ما دينُكَ؟ فيقولُ: لا أدرى". قال: "فيقالُ له: ما هذا النبيُّ الذي بُعثِ فيكم؟ ". قال: "فيقولُ: سمعتُ الناسَ يقولُون ذلك، لا أدْرى". قال: "فيقولان: لا دَرَيْتَ! ". قالَ: "وذلك قولُ اللهِ: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}

(1)

".

وقولُه: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} . يعنى تعالى ذكرُه بذلك: وبيدِ اللهِ الهدايةُ والإضلالُ، فلا تنكِروا أيها الناسُ قُدرتَه، ولا اهتداءَ مَن كان منكم ضالًّا، ولا ضلالَ من كان منكم مهتديًا، فإن بيدِه تصريفَ خلقِه، وتقليبَ قلوبِهم، يفعلُ فيهم ما يشاءُ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: ألم تنظُرْ يا محمدُ إلى الذين {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} . يقولُ: غيَّروا ما أنعَم اللهُ به عليهم مِن نعمةٍ

(2)

، فجعَلوها كُفْرًا به، وكان تبديلُهم نعمةَ اللهِ كفرًا في نبيِّ اللهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ أنعم اللهُ به على قريشٍ فأخرَجه منهم،

(1)

تقدم تخريجه في ص 665.

(2)

في م: "نعمه".

ص: 668

وابتعَثه فيهم رسولًا؛ رحمةً لهم، ونعمةً منه عليهم، فكفَروا به وكذَّبوه، فبدَّلوا نعمةَ اللهِ عليهم به كفرًا.

وقولُه: {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . يقولُ: وأنزَلوا قومَهم من مُشركي قريشٍ دارَ البَوارِ؛ وهى دارُ الهلاكِ. يقالُ منه: بار الشيءُ يبورُ بَوْرًا، إذا هلَك وبطَل. ومنه قولُ ابن الزِّبَعْرَى، وقد قيل: إنه لأبي سفيانَ بن الحارثِ بن عبدِ المطلبِ

(1)

:

يا رسولَ المَلِيكِ إِنَّ لِسانِي

رَائِقٌ

(2)

ما فَتَقْتُ إذ أنا بُورُ

ثم تُرْجِم عن دارِ البوارِ وما هي، فقيل:{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} . يقولُ: وبئس المستقرُّ هي جهنمُ لَمَن صلَاها.

وقيل: إن الذين بدَّلوا نعمةَ اللهِ كفرًا بنو أميةَ وبنو مخزومٍ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن بشارٍ وأحمدُ بنُ إسحاقَ، قالا: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ، عن عليّ بن زيدٍ، عن يوسفَ بن سعدٍ، عن عمرَ بن الخطابِ في قولِه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ} . قال: هما الأفجرانِ من قريشٍ، بنو المغيرةِ وبنو أميةَ؛ فأما بنو المغيرةِ فكفِيتُموهم يومَ بدرٍ، وأما بنو أميةَ فمُتِّعوا إلى حينٍ

(3)

.

(1)

في ص، ت 2، ف:"الملك".

والبيت في سيرة ابن هشام 2/ 419، وتاريخ المصنف 3/ 64 منسوبا إلى ابن الزبعرى.

(2)

الرائق: الساد، تقول: رتقت الشيء إذا سددته. شرح غريب السيرة 3/ 81.

(3)

أخرجه البخارى في تاريخه 8/ 373 من طريق سفيان به مختصرا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 84 إلى ابن المنذر وابن مردويه.

ص: 669

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو نُعَيْمٍ الفضلُ بنُ دُكَينٍ، قال: أخبَرنا حمزةُ الزياتُ، عن عمرِو بن مُرّةَ، قال: قال ابن عباسٍ لعمرَ رضي الله عنهما: يا أميرَ المؤمنين، هذه الآيةُ:{الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: هم الأفجرانِ من قريشٍ، أخوالى وأعمامُك؛ فأما أخوالى فاستأْصلهم اللهُ يومَ بدرٍ، وأما أعمامُك فأملَى اللهُ لهم إلى حينٍ

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن عمرٍو [ذى مُرٍّ]

(2)

، عن عليٍّ:{وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: الأفجران من قريشٍ

(3)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ، عن عمرو ذى مُرٍّ، عن عليٍّ مثلَه.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا سفيانُ وشريكٌ، عن أبي إسحاقَ، عن عمرٍو ذى مُرٍّ، عن عليٍّ قولَه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: بنو المغيرةِ وبنو أميةَ؛ فأما بنو المغيرةِ فقطَع اللهُ دابرَهم يومَ بدرٍ، وأما بنو أميةَ فمُتِّعوا إلى حينٍ.

حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 428 عن حمزة الزيات به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 84 إلى ابن مردويه.

(2)

في ت 1، وتفسير ابن كثير نقلا عن تفسير ابن أبي حاتم:"بن مرة". وينظر تهذيب الكمال 22/ 302.

(3)

تفسير سفيان ص 157، ومن طريقه الحاكم 2/ 352، وقال: صحيح الإسناد، وأخرجه ابن أبي حاتم - كما في تفسير ابن كثير 4/ 427 - من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمر بن مرة، وقال ابن كثير عقبه: ورواه أبو إسحاق، عن عمرو ذي مر، عن علي نحوه، وروى من غير وجه عنه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 84 إلى ابن المنذر وابن مردويه.

ص: 670

إسحاقَ، قال: سمِعتُ عمرًا ذا مُرٍّ، قال: سمِعتُ عليًّا يقولُ في هذه الآيةِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: الأفجرانِ من بني أسدٍ وبني مخزومٍ.

حدَّثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا شعبةُ، عن القاسمِ بن أبى بَزَّةَ، عن أبي الطفيلِ، عن عليٍّ، قال: هم كفارُ قريشٍ. يعنى في قولِه: {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ}

(1)

.

حدَّثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن القاسمِ بن أبى بَزَّةَ، عن أبي الطفيلِ، أنه سمِع عليَّ بنَ أبي طالبٍ، وسأَله ابن الكوّاءِ عن هذه الآيةِ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: هم كفارُ قريشٍ يومَ بدرٍ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو النضرِ هاشمُ بنُ القاسمِ، عن شعبةَ، عن القاسمِ بن أبي بَزّةَ، قال: سمِعتُ أبا الطفيلِ، قال: سمِعت عليًّا. فذكر نحوَه.

حدَّثنا أبو السائبِ، قال: ثنا أبو معاويةَ، عن إسماعيلَ بن سُمَيْعٍ، عن مسلمٍ البطينِ، عن أبي أرطاةَ، عن عليٍّ في قولِه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} . قال: هم كفَّارُ قريشٍ. هكذا قال أبو السائبِ: مسلمٌ البطينُ،

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم - كما في تفسير ابن كثير 4/ 427 - من طريق شعبة به، وأخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 95، من طريق أبي الطفيل، عن علي به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 84 إلى ابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه.

(2)

أخرجه النسائي في الكبرى (11267) من طريق محمد بن جعفر به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 342 من طريق أبي الطفيل، عن علي بلفظ آخر. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى ابن المنذر والحاكم في الكنى.

ص: 671

عن أبي أرطاةَ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ الزعفرانيُّ، قال: ثنا أبو معاويةَ الضريرُ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ سُميْعٍ، عن مسلمٍ، عن

(1)

أرطاةَ، عن عليٍّ في قولِه تعالى:{الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} . قال: كفارُ قريشٍ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا يعقوبُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا شعبةُ، عن القاسمِ بن أبي بَزةَ، عن أبي الطفيلِ، عن عليٍّ، قال في قولِ اللهِ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: هم كفارُ قريشٍ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا شعبةُ، عن القاسمِ بن أبى بَزةَ، قال: سمِعتُ أبا الطفيلِ يحدِّثُ، قال: سمِعتُ عليًّا يقول في هذه الآيةِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: كفارُ قريشٍ يومَ بدرٍ.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا الفضلُ بنُ دُكَيْنٍ، قال: ثنا بسامٌ

(3)

الصَّيرفيُّ، قال: ثنا أبو الطفيلِ عامرُ بنُ واثلةَ، ذكَر أن عليًّا قام على المنبرِ، فقال: سلونى قبلَ ألَّا تسألونى، ولن تسألوا بعدى مثلى. فقام ابن الكوّاءِ فقال:{بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قال: منافقو قريشٍ

(4)

.

(1)

في النسخ: "بن". والصواب ما أثبتناه، ومسلم المذكور هو البطين المتقدم في الإسناد قبله، وانظره في تهذيب الكمال 27/ 526.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى ابن مردويه بلفظ: الناس منها برآء غير قريش.

(3)

في ص، ت 1، ف:"يسار" وينظر تهذيب الكمال 4/ 58.

(4)

أخرجه الحاكم 2/ 352 من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين به، وأخرجه ابن أبي حاتم - كما في تفسير ابن كثير 4/ 427 - من طريق بسام به، وقال الحاكم: حديث صحيح عال.

ص: 672

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا محمدُ بنُ عبيدٍ، قال: ثنا بسامٌ، عن رجلٍ قد سماه الطَّنَافِسِيُّ، قال: جاء رجلٌ إلى عليٍّ فقال: يا أميرَ المؤمنين، {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قال: في قريشٍ.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا بسامٌ الصيرفيُّ، عن أبي الطفيلِ، عن عليٍّ أنه سُئلِ عن هذه الآيةِ:{الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} . قال: منافقو قريشٍ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عفانُ، قال: ثنا حمادٌ، قال: ثنا عمرُو بنُ دينارٍ، أن ابنَ عباسٍ قال في قولِ اللهِ:{وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: هم المشركون من أهلُ بدرٍ

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الجبارِ، قال: ثنا سفيانُ، عن عمرٍو، قال: سمِعتُ عطاءً يقولُ: سمِعتُ ابنَ عباسٍ يقولُ: هم واللهِ أهلُ مكةَ {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا صالحُ بنُ عمرَ، عن مُطَرِّفِ بن طَرِيفٍ، عن أبي إسحاقَ، قال: سمِعتُ عمرًا ذا مُرٍّ يقولُ: سمِعتُ عليًّا يقولُ على المنبرِ، وتلَا هذه الآيةَ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: هما الأفجرانِ من قريشٍ؛ فأما أحدُهما فقطَع اللهُ دابرَهم يومَ بدرٍ، وأما الآخرُ فمُتِّعوا إلى حينٍ

(3)

.

(1)

أخرجه البغوي في الجعديات (3371) من طريق حماد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى ابن مردويه.

(2)

أخرجه البخارى (3977، 4700) - ومن طريقه البغوي في تفسيره 4/ 352 - والبيهقي في الدلائل 3/ 95 من طريق سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 84 إلى سعيد بن منصور وابن أبي حاتم وابن مردويه.

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (776) من طريق صالح بن عمر به.

ص: 673

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثني الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا ورقاءُ، وحدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدِ قولِه:{بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} . قال: كفارُ قريشٍ

(1)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، عن مجاهدٍ، قال: كفارُ قريشٍ.

حدَّثنا المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} : كفارُ قريشٍ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرَنا ابن عيينةَ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن عطاءٍ، قال: سمِعتُ ابنَ عباسٍ يقولُ: هم واللهِ {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قريشٌ. أو قال: أهلُ مكةَ

(2)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ وابنُ بشارٍ، قالا: ثنا غُنْدَرٌ، عن شعبةَ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ في هذه الآية:{الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: قتلَى يومِ بدرٍ.

حدَّثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنى عبدُ الصمدِ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال:

(1)

تفسير مجاهد ص 412.

(2)

تفسير عبد الرزاق 1/ 342، 343.

ص: 674

هم كفارُ قريشٍ.

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ ومحمدُ بن المُثَنَّى، قالا: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا هشيمٌ، عن حُصَينٍ، عن أبي مالكٍ وسعيدِ بن جبيرٍ، قالا: هم قتلى بدرٍ من المشركين.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا ابن عيينةَ، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن ابن عباسٍ في:{الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: هم واللهِ أهلُ مكةَ. قال أبو كريبٍ: قال سفيانُ: يعني كفارَهم

(1)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا الحجاجُ، قال: ثنا حمادٌ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: هم المشركون من أهلِ بدرٍ.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن إسماعيلَ بن أبي خالدٍ، عن أبي إسحاقَ، عن بعض أصحابِ عليٍّ، عن عليٍّ في قولِه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} . قال: هم الأفجرانِ من قريشٍ، من بني مخزومٍ وبني أميةَ؛ أما بنو مخزومٍ فإن الله قطَع دابرَهم يومَ بدرٍ، وأما بنو أميةَ فمُتِّعوا إلى حينٍ.

حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا مُعَلَّى بنُ أسدٍ، قال: أخبرَنا خالدٌ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ في قولِ اللهِ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} . قال: هم القادةُ من المشركين يومَ بدرٍ.

حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرَنا هشيمٌ، عن حصينٍ،

(1)

أخرجه النسائي في الكبرى (11268) من طريق ابن عيينة به.

ص: 675

عن أبي مالكٍ وسعيد بن جبيرٍ، قالا: هم كفارُ قريشٍ، مَن قُتِل ببدرٍ.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرَنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ، قال: هم كفارُ قريشٍ، مَن قُتِل ببدرٍ.

حُدِّثتُ عن الحسينِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخبرَنا عبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} الآية. قال: هم مشركو أهلِ مكةَ.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ بنُ الفضلِ، قال: أخبرَني محمدُ بنُ إسحاقَ، عن بعضِ أصحابِه، عن عطاءِ بن يسارٍ، قال: نزَلت هذه الآيةُ في الذين قُتِلوا من قريشٍ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} الآية

(1)

.

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} : كنا نُحَدَّثُ أنهم أهلُ مكةَ؛ أبو جهلٍ وأصحابُه الذين قتَلهم

(2)

اللهُ يومَ بدرٍ، قال اللهُ:{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ}

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ في قولِه:{وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: هم قادةُ المشركين يومَ بدرٍ، أحلُّوا قومَهم دارَ البوارِ {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا}

(4)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى المصنف وفيه زيادة.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"قتل".

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 343 عن معمر به.

ص: 676

حدَّثنا يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ في قولِه: {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: هؤلاء المشركون من أهلِ بدرٍ.

وقال آخرون في ذلك بما حدَّثني به محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبي، [عن أبيه]

(1)

، عن ابن عباسٍ قولَه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} : فهو جَبَلةُ بنُ الأيهمِ، والذين اتبَعوه من العربِ فلحِقوا بالرومِ

(2)

.

وبنحوِ الذي قلنا في معنى قولِه: {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرَنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ:{وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: أحلُّوا مَن أطاعهم من قومِهم.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن ابن: عباسٍ: {دَارَ الْبَوَارِ} . قال: الهلاكِ. قال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ: {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} . قال: أصحابُ بدرٍ.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {دَارَ

(1)

سقط من: م.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 427 عن العوفي، عن ابن عباس، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى ابن أبي حاتم.

ص: 677

الْبَوَارِ}: النار. قال: وقد بَيَّنَ اللهُ ذلك وأخبَركَ

(1)

به، فقال:{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ}

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} : هي دارُهم في الآخرةِ

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)} .

يقولُ تعالَى ذكرُه: وجعَل هؤلاء الذين بدَّلوا نعمةَ اللهِ كفرًا لربَّهم أندادًا. وهي جماعُ نِدٍّ.

وقد بيَّنتُ معنى "الندِّ" فيما مَضَى بشواهدِه بما أغنَى عن إعادتِه

(4)

. وإنما أراد أنهم جعَلوا للهِ شركاءَ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} : والأندادُ الشركُ

(5)

.

وقولُه: {لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} . اختلَفت القرَأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأَته عامَّةُ قرأةِ الكوفيين: {لِيُضِلُّوا}

(6)

. بمعنى: كي يُضِلُّوا الناسَ عن

(1)

في ف: "أخبر".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 343 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى ابن أبي حاتم.

(4)

ينظر ما تقدم في 1/ 390، 391.

(5)

في م: "الشركاء".

والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى عبد بن حميد وابن المنذر بلفظ: أشركوا بالله.

(6)

وهى قراءة نافع وابن عامر والكسائي وحمزة وعاصم. حجة القراءات ص 378.

ص: 678

سبيلِ اللهِ بما فعلوا من ذلك.

وقرأته عامةُ قرأةِ أهلِ البصرةِ: (ليَضِلُّوا)

(1)

. بمعنى: كي يَضِلَّ جاعِلو الأندادِ للهِ عن سبيلِ اللهِ.

وقولُه: {قُلْ تَمَتَّعُوا} . يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم: قلْ يا محمدُ لهم: تمتَّعوا في الحياةِ الدنيا، وعيدًا من اللهِ لهم لا إباحةً لهم التمتعَ بها، ولا أمرًا على وجهِ العبادةِ، ولكنْ توبيخًا وتهدُّدًا ووعيدًا، وقد بيَّن ذلك بقولِه:{فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} . يقولُ: استمتِعوا في الحياةِ الدنيا، فإنها سريعةُ الزوالِ عنكم، وإلى النارِ تصيرون عن قريبٍ، فتعلَمون هنالك غِبَّ تمتُّعِكم في الدنيا بمعاصي اللهِ، وكفرِكم فيها به.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)} .

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم: قل يا محمدُ لعبادىَ الذين آمَنوا بك، وصدّقوا أن ما جئتهم به من عندِي {يُقِيمُوا الصَّلَاةَ}. يقولُ: قُلْ لهم: فلْيُقيموا الصلواتِ

(2)

الخمسَ المفروضةَ عليهم بحدودِها، ولْيُنْفِقوا مما رزَقناهم فخوّلْناهم من فضلِنا، {سِرًّا وَعَلَانِيَةً}: فليُؤدّوا ما أوجبتُ عليهم من الحقوقِ فيها سرًّا وإعلانًا، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ}. يقولُ: لا يُقبلُ فيه فديةٌ وعوضٌ من نفسٍ وجَب عليها عقابُ اللهِ، بما كان منها من معصيةِ ربِّها في الدنيا، فيقبلَ منها الفديةُ. وتُتركَ فلا تُعاقبَ. فسمَّى اللهُ جلّ ثناؤه الفديةَ عوضًا؛ إذ كان أَخْذَ عِوَضٍ

(3)

من

(1)

وهى قراءة ابن كثير وأبي عمرو. ينظر حجة القراءات ص 378.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"الصلاة".

(3)

في ص: "عوضا".

ص: 679

معتاضٍ منه.

وقولُه: {وَلَا خِلَالٌ} . يقولُ: وليس هنالك مُخالَّةٌ خليلٍ، فيصفَحُ عمَّن استوجبَ العقوبةَ عن العقابِ لمخالَّتِه، بل هنالك العدلُ والقسطُ. فـ "الخلالُ"، مصدرٌ من قولِ القائلِ: خاللتُ فلانًا، فأنا أُخالِلُه

(1)

مخالةً وخلالًا، ومنه قولُ امرئ القيسِ

(2)

:

صرَفْتُ الهَوَى عَنْهُنَّ مِن خَشْيَةِ الرَّدَى

ولستُ بِمَقْليِّ الخِلالِ ولا قالِ

وجزْمُ قولِه: {يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} . بتأويلِ الجزاءِ، ومعناه الأمرُ، يُرادُ: قلْ لهم: ليقيموا الصلاةَ.

حدَّثنى المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} . يعنى الصلواتِ الخمسَ، {وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}. يقولُ: زكاةً أموالِهم

(3)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا هشامٌ، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عن قتادةَ في قولِه:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ} . قال قتادةُ: إِنَّ الله تبارك وتعالى قد علِمَ أنَّ في الدنيا بيوعًا وخِلالًا يتخالُّون بها في الدنيا، فينظرُ

(4)

رجلٌ من يخالُّ

(5)

، وعلامَ يصاحبُ؟ فإن كان لله فليداومْ، وإن كان لغيرِ اللهِ، فإنها ستنقطعُ عنه

(6)

(7)

.

(1)

في م: "أخاله".

(2)

ديوانه ص 35.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 5/ 1656 من طريق أبي صالح به.

(4)

في ت 1، ت 2، ف:"فنظر".

(5)

في م: "يخالل".

(6)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ف.

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 680

‌القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: اللهُ الذي أنشَأ السماواتِ والأرضَ مِن غيرِ شيءٍ، أَيُّها الناسُ، وأنْزَل مِن السماءِ غَيْثًا أحْيا به الشجرَ والزرعَ، فأَثْمَرَت رزقًا لكم تأْكُلونه {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ} وهى السفنُ، {لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} لكم، تَرْكَبونها وتَحْمِلون فيها أمتعتَكم مِن بلدٍ إلى بلدٍ، {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ}؛ ماؤُها شرابٌ لكم. يقولُ تعالى ذكرُه: الذي يَسْتَحِقُّ عليكم العبادةَ وإخلاصَ الطاعةِ له، مَن هذه صفتُه، لا مَن لا يَقْدِرُ على ضُرٍّ ولا نفعٍ، لنفسِه ولا لغيرِه، مِن أوثانِكم، أيُّها المشركون، وآلهتِكم.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثنى الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، وحدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، يعنى الزَّعْفَرانيَّ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، وحدَّثنى المُثَنَّى، قال: أخبرنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، وحدَّثنى المُثَنَّى قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، جميعًا عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ} . قال: بكلِّ بَلْدةٍ

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: اللهُ الذي خلَق السماواتِ والأَرضَ، وفعل الأفعالَ التي

(1)

تفسير مجاهد ص 412 من طريق ورقاء به، وذكره السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 عن مجاهد به، وعزاه إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 681

وصَف، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَتَعاقَبان عليكم، أيُّها الناسُ، بالليلِ والنهارِ؛ لصلاحِ أنفسِكم ومعَاشِكم، دائبين في اختلافِهما عليكم.

وقيل: معناه أنهما دائِبان في طاعةِ اللهِ.

حدَّثنا خلفُ بنُ واصلٍ، عن رجلٍ، عن مُقاتِلِ بن حَيَّانَ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ في قولِه:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} . قال: دُءُوبُهما في طاعةِ اللهِ

(1)

.

وقولُه: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} : يَخْتَلِفان عليكم باعْتِقابٍ، إذا ذهَب هذا جاء هذا، [وإذا ذهَب هذا جاء هذا]

(2)

، بمنافعِكم وصلاحِ أسبابِكم، فهذا لكم لتصرُّفِكم فيه لمعَاشِكم، وهذا لكم للسَّكَنِ، تَسْكُنون فيه، ورحمةٌ منه بكم.

‌القولُ في تأويلِ قوله عز وجل: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} .

يقولُ تعالى ذكرُه: وأعْطاكم - مع إنعامه عليكم بما أنْعَم به عليكم؛ مِن تسخيرِ هذه الأشياءِ التي سخَّرها لكم، والرزقِ الذي رزقَكم من نباتِ الأرضِ وغروسِها - من كلِّ شيءٍ سَأَلْتُموه ورغِبْتُم إليه شيئًا. وحذَف الشيءَ الثانيَ اكْتِفاءً بـ "ما" التي أُضِيفَت إليها "كلِّ"، وإنما جاز حذفُه؛ لأن "مِنَ" تُبَعِّضُ ما بعدَها، فكفَتْ بدَلالِتها على التبعيضِ من المفعولِ، فلذلك جاز حذفُه، ومثلُه قولُه تعالى:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23]. يعنى به: وأُوتِيَت من كلِّ شيءٍ في زمانِها شيئًا.

(1)

ذكره البغوي 4/ 353 عن ابن عباس به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى المصنف.

(2)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ف.

ص: 682

وقد قيل: إن ذلك إنما قيل على التكثير، نحوَ قولِ القائلِ: فلانٌ يَعْلَمُ كُلَّ شيءٍ، وأتاه كلُّ الناسِ. وهو يعنى بعضَهم، وكذلك قولُه:{فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44].

وقيل أيضًا: إنه ليس شيءُ إلا وقد سأَله بعضُ الناسِ، فقيل:{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} . أي: قد أتَى بعضَكم منه شيئًا، وآتى آخر شيئًا مما قد سأَله. وهذا قولُ بعضِ نحويى أهلِ البصرةِ.

وكان بعضُ نحويى أهلِ الكوفةِ يقولُ: معناه: وآتاكم مِن كلِّ ما سأَلْتُموه لو سأَلْتُموه، كأنه قيل: وآتاكم مِن كلِّ سُؤْلِكم

(1)

، وقال: ألا تَرَى أنك تَقولُ للرجلِ لم يَسْأَلْك شيئًا: واللهِ لأُعْطِيَنَّك سُؤْلَك ما بلَغَتْ مسألتُك وإن لم تَسْأَلْ.

فأما أهلُ التأويلِ، فإنهم اخْتَلَفوا في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه: وآتاكم مِن كلِّ ما رغِبْتُم إليه فيه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثنى الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، وحدَّثنى الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، جميعًا عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: من كلِّ ما سألْتُموه ورغِبْتُم إليه فيه

(2)

.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، وحدَّثنى المُثَنَّى، [قال: ثنا إسحاقُ]

(3)

، قال: ثنا عبدُ اللهِ، عن وَرْقاءَ، عن

(1)

في معاني الفراء 2/ 78: "وآتاكم كل سؤلكم".

(2)

تفسير مجاهد ص 412، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى ابن المنذر.

(3)

سقط من: م، وفى ت 1:"قال ثنا أبو إسحاق".

ص: 683

ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وحدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ، مثلَه

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عن مَعْمَرٍ، عن الحسنِ:{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} . قال: مِن كلِّ الذي سأَلْتُموه.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وآتاكم مِن كلِّ الذي سأَلْتُموه والذي لم تَسْأَلُوه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا خلفٌ، يعني ابنَ هشامٍ، قال: ثنا مَحْبوبٌ، عن داودَ بن أبي هِنْدٍ، [عن رُكانةَ بن هاشمٍ]

(2)

: {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} . قال: ما سأَلْتُموه وما لم تَسْأَلُوه.

وقرَأ ذلك آخرون: (وآتاكم مِن كلِّ ما سأَلْتُموه)

(3)

بتنوينِ "كل"، وتركِ إضافتِها إلى "ما"، بمعنى: وآتاكم مِن كلِّ شيءٍ لم تَسْأَلُوه ولم تَطْلُبوه منه؛ وذلك أن العبادَ لم يَسْأَلُوه الشمسَ والقمرَ والليلَ والنهارَ، وخلَق ذلك لهم مِن غيرِ أن يَسْأَلُوه.

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 343 عن معمر به وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى المصنف.

(2)

في ص "عن ركان بن هاشم"، وسقط من: ت 1، وفى ت 2:"عن ابن هشام"، وفى ف:"عن ابن هاشم". وينظر تهذيب الكمال 9/ 221.

(3)

القراءة شاذة، وهى قراءة ابن عباس والضحاك والحسن ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وعمرو بن قائد وقتادة وسلام ويعقوب ونافع في رواية. البحر المحيط 5/ 428، ونسبت للحسن والأعمش في إتحاف فضلاء البشر ص 165.

ص: 684

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني أبو حَصِينٍ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بن يُونُسَ، قال: ثنا بَزِيعٌ

(1)

، عن الضحاكِ بن مزاحِمٍ في هذه الآيةِ:(وآتاكم من كلٍّ ما سأَلْتُموه). قال: ما لم تَسْأَلُوه

(2)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا عبيدٌ، عن الضحاكِ، أنه كان يَقْرَأُ:(من كلٍّ ما سأَلْتموه)، ويُفَسِّرُه: أعطاكم أشياءَ ما سأَلْتُموها ولم تَلْتَمِسوها، ولكن أعْطَيْتُكم برحمتى وسَعَتى. قال الضحاكُ: فكم مِن شيءٍ أعطانا اللهُ ما سأَلْناه ولا طلَبْناه

(2)

.

حُدِّثْتْ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعْتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخبرنا عبيدٌ

(3)

، قال: سمِعْتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: (وآتاكم من كلٍّ ما سأَلْتُموه). يقولُ: أعطاكم أشياءَ ما طلَبْتُموها ولا سأَلْتُموها، صدَق اللهُ، كم مِن شيءٍ أعْطاناه اللهُ ما سأَلْناه إياه، ولا خطَر لنا على بالٍ

(2)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:(وآتاكم من كلٍّ ما سأَلْتُموه). قال: لم تَسْأَلُوه من كلِّ الذي آتاكم

(4)

.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا: القراءةُ التي عليها قَرَأَةُ الأمصارِ؛ وذلك إضافةُ "كلِّ" إلى "ما"، بمعنى: وآتاكم من

(5)

سُؤْلِكم شيئًا، على ما قد بيَّنا قبلُ؛ لإجماعِ الحُجَّةِ من القرَأةِ عليها، ورفضِهم القراءةَ الأخرى.

(1)

في ت 2: "وكيع بن بزيع". وينظر تهذيب الكمال 13/ 292.

(2)

ذكره أبو حيان في البحر 5/ 428 عن الضحاك به.

(3)

بعده في م: "بن عبيد".

(4)

أخرجه عبد الرزاق 1/ 343 من طريق معمر به.

(5)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

ص: 685

‌القولُ في تأويلِ قوله عز وجل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: وإن تَعُدُّوا، أيها الناسُ، نعمةَ اللهِ التي أَنْعَمَها عليكم، لا تُطِيقوا إحصاءَ عددِها، والقيامَ بشكرِها، إلا بعونِ اللهِ لكم عليها، {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}. يقولُ: إن الإنسانَ الذي بدَّل نعمةَ اللهِ كفرًا {لَظَلُومٌ} . يقولُ: لشاكرٌ غيرَ مَن أَنْعَم عليه، فهو بذلك - من فعله -، واضعٌ الشكرَ في غيرِ موضعِه، وذلك أن الله هو الذي أنْعَم عليه بما أَنْعَم، واسْتَحَقَّ عليه إخلاصَ العبادةِ له، فعبَد غيرَه، وجعَل له أندادًا ليُضِلَّ عن سبيلِه، وذلك هو ظلمُه.

وقولُه: {كَفَّارٌ} . يقولُ: هو جَحودٌ نعمةَ اللهِ التي أنْعَم بها عليه؛ لصرفِه العبادةَ إلى غيرِ مَن أَنْعَم عليه، وتركِه طاعةَ مَن أَنْعَم عليه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ هارونَ، قال: ثنا مِسْعَرٌ، عن سعدِ بن إبراهيمَ، عن طَلْقِ بن حَبيبٍ، قال: إن حقَّ اللهِ أَثقلُ مِن أَن يَقومَ به العبادُ، وإِنَّ نعمَ اللهِ أكثرُ مِن أن يُحْصِيَها العبادُ، ولكن أَصْبِحوا تَوَّابِين، وأمْسُوا توابين

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: واذْكُرْ يا محمدُ {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} : يعنى الحرمَ، بلدًا آمنًا أهلُه وسكانُه، {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ

(1)

أخرجه البيهقى في الشعب (4522) من طريق يزيد بن هارون به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 85 إلى ابن أبي شيبة.

ص: 686

الْأَصْنَامَ}. يقالُ منه: جنَبْتُه الشرَّ، فأنا أَجْنُبُه جَنْبًا، وجنَّبْتُه الشرَّ، فأنا أُجَنِّبُه تَجْنيبًا، وأجْنَبتُه ذلك، فأنا أُجْنِبُه إجنابًا، ومِن "جنَبْتُ" قولُ الشاعرِ

(1)

:

وتنفضُ مهدَه شفَقًا عليه

وتَجْنُبُه قلائصَنا الصِّعابَا

ومعنى ذلك: أبْعِدْنى وبَنيَّ من عبادةِ الأصنامِ. والأصنامُ جمعُ صنمٍ، والصنمُ هو التمثالُ المصوَّرُ، كما قال رُؤْبةُ بنُ العَجَّاجِ في صفةِ امرأةٍ

(2)

:

وَهْنانةٌ كالزُّونِ

(3)

يُجْلَى صَنَمُهْ

تَضْحَكُ عن أَشْنَبَ عَذْبٍ مَلْثَمُهْ

وكذلك كان مجاهدٌ يقولُ.

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} . قال: فاسْتَجاب اللهُ لإبراهيمَ دعوتَه في ولدِه، قال: فلم يَعْبُدْ أحدٌ مِن ولدِه صنمًا بعدَ دعوتِه - والصنمُ: التمثالُ المُصَوَّرُ، ما لم يَكُنْ صنمًا

(4)

فهو وَثَنٌ - قال: واسْتجاب اللهُ له، وجعَل هذا البلدَ آمنًا، ورزَق أهلَه مِن الثمراتِ، وجعَله إمامًا، وجعَل من ذريتِه مَن يُقِيمُ الصلاةَ، وتقبَّل دعاءَه، فأراه مناسِكَه، وتاب عليه

(5)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مغيرةَ، قال: كان إبراهيمُ التيميُّ

(1)

البيت في مجاز القرآن 1/ 342 بدون نسبة.

(2)

ديوانه ص 150.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"كالزور". والزُّون: الصنم، وكل ما يعبد من دون الله، وهو موضع تجمع فيه الأنصاب. ينظر اللسان (ز و ن).

(4)

كذا في النسخ، ولعل الصواب:"مصوَّرا"، فقد جاء في لسان العرب (ص ن م): الصنم ما كان له جسم أو صورة، فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 86 إلى المصنف.

ص: 687

يَقُصُّ، ويقولُ في قَصصِه: مَن يَأْمَنُ

(1)

البلاءَ بعدَ خليلِ اللهِ إبراهيمَ حين يقولُ: رَبّ

اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنامَ

(2)

.

وقولُه: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} . يقولُ

(3)

: يا ربِّ، إن الأصنامَ {أَضْلَلْنَ} ، يقولُ: أَضْلَلْنَ

(4)

كثيرًا من الناسِ عن طريقِ الهُدَى وسبيلِ الحقِّ، حتى عبَدوهن، وكفَروا بك.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} . يعنى: الأوثانَ.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا هشامٌ، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عم قتادةَ:{إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} . قال: الأصنامُ.

وقولُه: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} . يقولُ: فمَن تَبِعنى على ما أنا عليه مِن الإيمانِ بك، وإخلاصِ العبادةِ لك، وفراقِ عبادة الأوثانِ، {فَإِنَّهُ مِنِّي}. يقولُ: فإنه مُشتَنٌّ بسُنَّتى، وعاملٌ بمثلِ عملى، {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. يقولُ: ومَن خالَف أمرى، فلم يَقْبَلْ منى ما دعَوْتُه إليه، وأَشْرَك بك، فإنك غفورٌ لذنوبِ المُذْنبين الخَطَّائين بفضلِك، رحيمٌ بعبادِك، تَعْفو عمن تَشاءُ منهم.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} : اسْمَعُوا إلى قولِ خليلِ اللهِ إبراهيمَ، لا واللهِ، ما كانوا طعَّانين ولا لعَّانين، وكان يقالُ: إِن مِن أَشْرِّ عِبادِ اللهِ كُلَّ طَعَانٍ

(1)

بعده في م: "من".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 86 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(3)

في ت 2: "يعنى الأوثان حدثني المثنى قال".

(4)

في م: "أزلن".

ص: 688

لعان، قال نبيُّ اللهِ ابن مريمَ عليه السلام:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}

(1)

[المائدة: 118].

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أصبغُ بنُ الفرجِ، قال: أخبَرني ابن وهبٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ الحارثِ، أن بكرَ بنَ سَوَادةَ حدَّثه، عن عبدِ الرحمنِ بن جبيرٍ، عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو بن العاصِ، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تلا قولَ إبراهيمَ:{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، وقالَ

(2)

عيسى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]. فرفَع يديه، ثم قال قال:"اللهم أمَّتى، اللهم أمَّتى". وبكَى، فقال اللهُ تبارك وتعالى: يا جبريلُ، اذْهَبْ إلى محمدٍ - وربُّك أعلمُ - فاسْأَله ما يُبْكِيه

(3)

؟ فأتاه جبريلُ فسأله، فأخْبرَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما

(4)

قال. قال: فقال اللهُ: يا جبريلُ، اذْهَبْ إلى محمدِ فقلْ له: إنا سنُرْضِيك في أمتِك ولا نَسُوءُك

(5)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)} .

وقال إبراهيمٌ خليلُ الرحمنِ هذا القولَ، حينَ أسْكن إسماعيلَ وأُمَّه هاجَرَ -

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 86 إلى عبد بن حميد والمصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(2)

قال النووى: هكذا هو في الأصول: "وقال عيسى"، قال القاضي عياض: قال بعضهم: قوله: "قال" هو اسم للقول لا فعل، يقال: قال قولًا وقالًا وقيلًا، كأنه قال: وتلا قول عيسى. صحيح مسلم بشرح النووى 3/ 78.

(3)

في ت 1، وصحيح مسلم:"يبكيك".

(4)

في صحيح مسلم: "بما".

(5)

صحيح مسلم (346/ 202) من طريق ابن وهب به.

ص: 689

فيما ذُكِر - مكةَ.

كما حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ والحسنُ بنُ محمدٍ، قالا: ثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ، عن أيوبَ، قال: نُبِّئتُ عن سعيدِ بن جبيرٍ، أنه حدَّث عن ابن عباسٍ، قال: إن أولَ من سعَى بينَ الصفا والمروةِ لأمُّ إسماعيلَ، وإن أولَ ما أَحْدَث نساءُ العربِ جَرَّ الذُّيولِ لِمن

(1)

أمِّ إسماعيلَ

(2)

. قال: لما فرَّت مِن سارةَ أَرْخَت مِن ذيلِها؛ لتُعَفِّىَ أثرَها، فجاء بها إبراهيمُ ومعها إسماعيلُ، حتى انْتَهى بهما إلى موضعِ البيتِ، فوضَعَهما ثم رجَع، فاتَّبَعَته فقالت: إلى إيشْ

(3)

تَكِلُنا؟ إلى طعامٍ تَكِلُنا؟ إلى شرابٍ تَكِلُنا؟ فجعَل لا يَرُدُّ عليها شيئًا، فقالت: آللهُ أمَرَك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يُضَيِّعَنا. قال: فرجَعَت، ومضَى حتى إذا اسْتَوى على ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ، أَقْبَل على الوادى، فدعا فقال:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} . قال: ومع الإنسانةِ شَنَّةٌ فيها ماءٌ، فنفد الماءُ، فعطِشَت وانْقَطَع لبنُها، فعطِش الصبيُّ، فنظَرَت: أيُّ الجبالِ أَدْنَى مِن الأَرضِ؟ فصعِدَت بالصفا، فتسَمَّعَت هل تَسْمَعُ صوتًا، أو تَرَى أنيسًا؟ فلم تَسْمَعْ، فانْحَدَرت، فلمَّا أتَت على الوادى سعَت، وما تُرِيدُ السعيَ، كالإنسانِ المجهودِ الذي يَسْعَى، وما يُرِيدُ السعيَ، فنظَرَت: أيُّ الجبالِ أدنى من الأرضِ؟ فصعِدَت المروةَ، فتسمَّعَت هل تَسْمَعُ صوتًا، أو تَرَى أَنيسًا؟ فسمِعَت صوتًا، فقالت كالإنسانِ الذي يُكَذِّبُ سمعَه: صَهٍ. حتى اسْتَيْقَنَت، فقالت: قد أَسْمَعْتَنى صوتَك فأغِثْنى،

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"لهن".

(2)

سياق العبارة في التاريخ: "وإن أول من أحدث من نساء العرب جرّ الذيول لأم إسماعيل".

(3)

في م، وتاريخ الطبري:"أي شيء".

ص: 690

فقد هلَكْتُ وهلَك مَن معى. فجاء الملَكُ، فجاء بها، حتى انْتَهَى بها إلى موضعِ زمزمَ، فضربَ بقدمِه ففارَت عينًا، فعجِلتْ الإنسانةُ، فجعَلتْ تُفْرِعُ

(1)

في شَنِّها، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"رحم اللهُ أمَّ إسماعيلَ، لولا أنها عجِلَت لَكانت زمزمُ عينًا مَعِينًا". وقال لها الملَكُ: لا تَخافى الظَّمَأَ على أهلِ هذا البلدِ، فإنما هي عينٌ لشربٍ ضِيفانِ اللهِ. وقال: إن أبا هذا الغلامِ سيَجِيءُ، فيَبْنيان للهِ بيتًا هذا موضعُه. قال: ومرَّت رُفْقةٌ مِن جُرْهُمَ تُرِيدُ الشامَ، فرأَوُا الطيرَ على الجبلِ، فقالوا: إن هذا الطيرَ لعائفٌ على ماءٍ، فهل علِمْتُم بهذا الوادى من ماءٍ؟ فقالوا: لا. فأشْرَفوا، فإذا هم بالإنسانةِ، فأتَوْها فطلَبوا إليها أن يَنْزِلوا معها، فأذِنَت لهم. قال: وأتَى عليها ما يأتى على هؤلاء الناسِ مِن الموتِ، فماتتْ، وتزوَّج إسماعيلُ امرأةً منهم، فجاء إبراهيمُ، فسأَل عن منزلِ إسماعيلَ حتى دُلَّ عليه، فلم يَجِدْه ووجَد امرأةً له فَظَّةً غليظةً، فقال لها: إذا جاء زوجُك فقولي له: جاء هاهنا شيخٌ مِن صفتِه كذا وكذا، وإنه يقولُ لك: إنى لا أَرْضَى لك عَتَبَةَ بابِك فحوِّلْها. وانْطَلَق، فلمَّا جاء إسماعيلُ أَخْبَرَتْه فقال: ذاك أبي، وأنتِ عَتَبَةُ بابى. فطلَّقها وتزوَّج امرأةً أخرى منهم، وجاء إبراهيمُ حتى انْتَهَى إلى منزلِ إسماعيلَ، فلم يَجِدْه ووجَد امرأةً له سهلةً طَليقةً، فقال لها: أين انْطَلَق زوجُك؟ فقالت: انْطَلَق إلى الصيدِ. قال: فما طعامُكم؟ قالت: اللحمُ والماءُ. قال: اللهم بارِكْ لهم في لحمِهم ومائهم، اللهم بارِكْ لهم في لحمِهم ومائِهم. ثلاثًا، وقال لها: إذا جاء زوجُك فأخْبِرِيه، قُولى: جاء هاهنا شيخٌ مِن صفتِه كذا وكذا، وإنه يقولُ لك: قد رضِيتُ لك عَتَبةَ بابِك فأثْبِتْها. فلما جاء إسماعيلُ أخْبَرَته. قال: ثم جاء الثالثةَ، فرفَعا القواعدَ مِن البيتِ

(2)

.

(1)

سقط من النسخ، أثبتناها من التاريخ.

(2)

أخرجه الطبرى في تاريخه 1/ 255، 257، والبغوي في تفسيره 4/ 355، 356 من طريق سعيد به بنحوه.

ص: 691

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثني يحيى بنُ عبَّادٍ، قال: ثنا حمادُ بنُ سلمةَ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: جاء إبراهيمُ نبيُّ اللهِ بإسماعيلَ وهاجَرَ، فوضَعَهما بمكةَ في موضعِ زمزمَ، فلما مضَى نادَته هاجَرُ: يا إبراهيمُ، إنما أَسْأَلُك - ثلاثَ مراتٍ - من أمرَك أن تَضَعَنى بأرضٍ ليس فيها زرعٌ، ولا ضرعٌ، ولا أنيسٌ ولا ماءٌ، ولا زادٌ؟ قال: ربى أمرَنى. قالت: فإنه لن يُضَيِّعنا. قال: فلما قفَّا إبراهيمُ قال: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ} . يعنى من الحزنِ، {وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} ، فلما ظمِئ إسماعيلُ جعَل يَدْحَضُ

(1)

الأَرضَ بِعَقِبِه، فذهَبَت هَاجَرُ حتى علَت الصفا، والوادى يومَئذٍ لاخٍ، يعني: عميقٌ، فصعِدَت الصفا، فأشْرَفَت لتَنْظُرَ هل تَرَى شيئًا؟ فلم تَرَ شيئًا، فانْحَدَرَت فَبَلَغَت الواديَ فسَعَت فيه، حتى خَرَجَت منه، فأتَت المروةَ، فصعِدَت، فاسْتَشْرَفَت هل تَرَى شيئًا؟ فلم تَرَ شيئًا، ففعَلَت ذلك سبعَ مراتٍ، ثم جاءت من المروةِ إلى إسماعيلَ وهو يَدْحَضُ الأَرضَ بعقبِه، وقد نبعَت العينُ وهى، زمزمُ، فجعَلَت تَفْحَصُ الأرضَ بيدِها عن الماءِ، فكلما اجتَمع ماءٌ أخَذَته بقَدَحِها، وأَفْرَغَته في سِقائِها. قال: فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُها اللهُ لو ترَكَتْها لكانت عينًا سائحةً تَجْرِى إلى يومِ القيامةِ". قال: وكانت جُرْهُم يومَئذٍ بوادٍ قريبٍ من مكةَ. قال: ولزِمت الطيرُ الواديَ حينَ رأَت الماءَ، فلمَّا رأَت جُرْهُمُ الطيرَ لزِمَت الواديَ. قالوا: ما لزِمَته إلا وفيه ماءٌ. فجاءوا إلى هاجَرَ فقالوا: إن شئتِ كنا معكِ وآنَسْناكِ، والماءُ ماؤُكِ. قالت: نعم. فكانوا معها حتى شبَّ إسماعيلُ، وماتت هاجَرُ، فتزَوَّج إسماعيلُ امرأةً منهم، قال: فاسْتَأْذن إبراهيمُ سارَةً أن يأتِيَ هَاجَرَ، فأذِنَت له، وشرَطت عليه ألا يَنْزِلَ، فقدم إبراهيمُ، وقد ماتت

(1)

في التاريخ: "يدحص"، وكلاهما بمعنى يفحص ويبحث ويحرك التراب. ينظر التاج (د ح ض، د ح ص).

ص: 692

هاجَرُ، فذهَب إلى بيتِ إسماعيلَ، فقال لامرأتِه: أين صاحبُكِ؟ قالت: ليس هاهنا، ذهَب يَتَصَيَّدُ. وكان إسماعيلُ يَخْرُجُ مِن الحرمِ فيَتَصَيَّدُ ثم يَرْجِعُ، فقال إبراهيمُ: هل عندَك ضِيافةٌ؟ هل عندَك طعامٌ أو شرابٌ؟ قالت: ليس عندى، وما عندى أحدٌ. فقال إبراهيمُ: إذا جاء زوجُك فأقْرِئيه السلامَ، وقُولى له: فلْيُغَيِّرْ عتبةَ بابِه. وذهَب إبراهيمُ، وجاء إسماعيلُ، فوجَد رِيحَ أبيه، فقال لامرأتِه: هل جاءك أحدٌ؟ فقالت: جاءنى شيخٌ، كذا وكذا - كالمُسْتَخِفَّة بشأنِه - قال: فما قال لكِ؟ قالت: قال لى: أقْرِئى زوجَك السلامَ، وقُولى له: فلْيُغَيِّرْ عتبةَ بابِه. فطلَّقها وتزَوَّج أخرى، فلبِث إبراهيمٌ ما شاء اللهُ أن يَلْبَثَ، ثم اسْتَأْذَن سارَةَ أَن يَزُورَ إسماعيلَ، فأذِنَت له، وشرَطَت عليه ألا يَنْزِلَ، فجاء إبراهيمُ حتى انْتَهَى إلى بابِ إسماعيلَ، فقال لامرأتِه: أين صاحبُكِ؟ قالت: ذهَب يَتصَيَّدُ، وهو يَجِيءُ الآن إن شاء اللهُ، فانْزِلْ يَرْحَمُك اللهُ. قال لها: هل عندَك ضِيافةٌ؟ قالت: نعم. قال: هل عندَك خبزٌ أو بُرٌّ أو تمرٌ أو شعيرٌ؟ قالت: لا. فجاءت باللبنِ واللحمِ، فدعا لهما بالبركةِ، فلو جاءت يومَئذٍ بخبزٍ أو بُرٌّ أو شعيرٍ أو تمرٍ، لكانت أكثرَ أَرضِ اللهِ بُرًّا وشعيرًا وتمرًا، فقالت له: انْزِلْ انْزِلْ حتى أَغْسِلَ رأسَك. فلم يَنْزِلْ، فجاءته بالمقَامِ فوضَعَته عن شقِّه الأيمنِ، فوضَع قدمَه عليه، فبقِى أثرُ قدمِه عليه، فعَسَلَت شِقَّ رأسِه الأيمنَ، ثم حوَّلت المَقامَ إلى شقِّه الأيسرِ، فغسَلَت شقَّه الأيسرَ، فقال لها: إذا جاء زوجُك فأقْرِئيه السلامَ، وقُولى له: قد اسْتَقامَت عَتَبةُ بابِك. فلما جاء إسماعيلُ وجَد رِيحَ أبيه، فقال لامرأتِه: هل جاءك أحدٌ؟ فقالت: نعم، شيخٌ أحسنُ الناسِ وجهًا، وأطيبُه رِيحًا، فقال لى: كذا وكذا، وقلتُ له: كذا وكذا، وغسَلْتُ رأسَه، وهذا موضعُ قدمَيْه

(1)

على المَقامِ. قال: وما قال لكِ؟ قالت: قال لي: إذا

(1)

في م، ت 1، ت 2، ف:"قدمه".

ص: 693

جاء زوجُك فأقْرِئيه السلامَ، وقُولى له: قد اسْتَقامت عتبةُ بابِك. قال: ذاك إبراهيمُ. فلبِث ما شاء اللهُ أن يَلْبَثَ، وأمَره اللهُ ببناءِ البيتِ، فبناه هو وإسماعيلُ، فلمَّا بَنَياه قيل:{أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27]. فجعَل لا يَمُرُّ بقومٍ إلا قال: أيُّها الناسُ، إنه قد بُنِى لكم بيتٌ فحُجُّوه، فجعَل لا يَسْمَعُه أحدٌ؛ صخرةٌ، ولا شجرةٌ

(1)

، ولا شيءٌ، إلا قال: لبْيك اللهم لبْيك. قال: وكان بينَ قوله: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} . وبينَ قولِه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39]. كذا وكذا عامًا. لم يَحْفَظْ عطاءٌ

(2)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} . وإنه بيتٌ طَهَّرِهِ اللهُ مِن السُّوءِ، وجعَله قبلةً، وجعَله حَرَمَه، اخْتارَه نبيُّ اللهِ إبراهيمُ لولدِه

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} . قال: مكةَ، لم يَكُنْ بها زرعٌ يومَئذٍ

(4)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني ابن كثيرٍ - قال القاسمُ في حديثِه: قال أخبرني عمرُو بنُ كثيرٍ - قال أبو جعفرٍ: فغيَّرْتُه أنا فجَعَلْتُه: قال: أخبرني ابن كثيرٍ، وأَسْقَطْتُ عمرًا؛ لأنى لا أَعْرِفُ إنسانًا يقالُ له: عمرُو بنُ كثيرٍ حدَّث عنه ابن جريجٍ، وقد حدَّث به معمرٌ عن كثيرِ

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"شجر".

(2)

تاريخ الطبرى 1/ 257 - 258.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 87 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(4)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 343 عن معمر به.

ص: 694

ابن كثيرِ بن المطلبِ بن أبى وَدَاعةَ، وأخْشَى أن يكونَ حديثُ ابن جريجٍ أيضًا عن كثيرِ بن كثيرٍ - قال: كنتُ أنا وعثمانُ بنُ أبي سليمانَ في أُناسٍ مع سعيدِ بن جبيرٍ ليلًا، فقال سعيدُ بنُ جبيرٍ للقوم: سَلُونى قبل ألَّا تَسْأَلُونى

(1)

. فسأَله القومُ فَأَكْثَرُوا، وكان فيما سُئِل عنه أن قِيل له: أحقُّ ما سمِعْنا في المقامِ؟ فقال سعيدٌ: ماذا سمِعْتُم؟ قالوا: سمِعْنا أن إبراهيمَ رسولَ اللهِ حينَ جاء مِن الشامِ، كان حلَف لامرأتِه ألا يَنْزِلَ مكةَ حتى يَرْجِعَ، فقُرِّب له المَقامُ، فنزَل عليه، فقال سعيدٌ: ليس كذاك، حدَّثنا ابن عباسٍ، ولكنه حدَّثنا حينَ كان بينَ أمِّ إسماعيلَ وسارَةَ ما كان، أقْبَل بإسماعيلَ، ثم ذكَر مثلَ حديثِ أيوبَ، غير أنه زاد في حديثِه، قال: قال أبو القاسمِ صلى الله عليه وسلم: "ولذلك طاف الناسُ بين الصفا والمروةِ". ثم حدَّث، وقال: قال أبو القاسمِ صلى الله عليه وسلم: "طلَبوا النزولَ معها وقد أحَبَّت أمُّ إسماعيلَ الأُنْسَ، فنزَلُوا وبعَثوا إلى أهلِهم فقدِموا، وطعامُهم الصيدُ، يَخْرُجون من الحرمِ، ويَخْرُجُ إسماعيلُ معهم يَتَصَيَّدُ، فلمَّا بلَغ أنْكَحوه، وقد تُوُفِّيَت أمُّه قبلَ ذلك". قال: وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لما دعا لها

(2)

أن يُبارَكَ لهم في اللحمِ والماءِ، قال لها: هل من حَبٍّ أو غيرِه مِن الطعامِ؟ قالت: لا. ولو وجَد يومَئذٍ لها حبًّا لدعا لها بالبركةِ فيه". قال ابن عباسٍ: ثم لبِث ما شاء اللهُ أن يَلْبَثَ، ثم جاء فوجَد إسماعيلَ قاعدًا تحتَ دَوْحةٍ إلى ناحيةِ البئرِ، يَيْرِى نَبْلًا له، فسلَّم عليه، ونزَل إليه، فقعَد معه، وقال: يا إسماعيلُ، إن الله قد أمرَنى بأمرٍ. قال إسماعيلُ: فأطِعْ ربَّك فيما أمرَك. قال إبراهيمُ: أمَرني أن أبْنيَ له بيتًا. قال إسماعيلُ: أيْنَ؟ قال ابن عباسٍ: فأشار له إبراهيمُ إلى أكمةٍ بينَ يديه مرتفعةٍ على ما حولَها، يَأْتِيها السيلُ مِن نَواحِيها ولا يَرْكَبُها. قال: فقاما يحْفِران عن القواعدِ،

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(2)

في م، ف:"لهما".

ص: 695

يَرْفَعانها، ويقولان:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]، ربَّنا تقَبَّلْ منا إنك سميعُ الدعاءِ. وإسماعيلُ يَحْمِلُ الحجارةَ على رقبتِه، والشيخُ إبراهيمُ يَبْنِى، فلمَّا ارْتَفع البنيانُ، وشقَّ على الشيخِ تناوُلُه، قرَّب إليه إسماعيلُ هذا الحجرَ، فجعَل يقومُ عليه ويَبْنى، ويُحَوِّلُه في نواحى البيتِ حتى انْتَهَى. يقولُ ابن عباسٍ: فذلك مَقامُ إبراهيمَ وقيامُه عليه

(1)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن شَريكٍ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} . قال: أسْكَن إسماعيلَ وأمَّه مكةَ

(2)

.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا شَريكٌ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} قال: حينَ وَضَع إسماعيلَ

(3)

.

قال أبو جعفر رحمه الله: فتأويلُ الكلامِ إذن: ربَّنا إني أَسْكَنْتُ بعضَ ولدى بوادٍ غيرِ ذي زرعٍ، وفي قولِه صلى الله عليه وسلم هذا دليل على أنه لم يَكُنْ هنالك يومَئذٍ ماءٌ؛ لأنه لو كان هنالك ماءٌ، لم يَصِفْه بأنه غيرُ ذى زرعٍ، عندَ بيتِك الذي حرَّمتَه على جميعِ خلقِك أن يَسْتَحِلُّوه.

وكان تحريمُه إياه فيما ذُكِر، كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: ذُكِر لنا أن عمرَ بنَ الخطابِ قال في خطبتِه: إن هذا البيتَ أولُ مَن

(1)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/ 105 (9107) من طريق كثير بن كثير به، وتاريخ الطبرى 1/ 259 - 230 من طريق كثير به مختصرا.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 87 إلى المصنف.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 87 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

ص: 696

وليه أُناسٌ مِن طَسْمٍ، فعصَوْا رَبَّهم، واسْتَحَلُّوا حُرْمتَه، واسْتَخَفُّوا بحقِّه، فأهْلَكهم اللهُ، ثم ولِيَه أُناسٌ مِن جُرْهُمَ، فعصَوْا رَبَّهم، واسْتَحَلُّوا حُرْمتَه، واسْتَخَفُّوا بحقِّه، فأهلَكَهم اللهُ، ثم ولِيتُموه معاشرَ قريشٍ، فلا تَعْصُوا ربَّه، ولا تَسْتَحِلُّوا حرمتَه، ولا تَسْتَخِفُّوا بحقِّه، فواللهِ لصَلاةٌ فيه أحبُّ إليَّ من مائةِ صلاةٍ بغيرِه، واعْلَموا أن المعاصيَ فيه على نحوٍ من ذلك

(1)

.

وقال: {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} ولم يَأْتِ بما وقَع عليه الفعلُ، وذلك أن حظَّ الكلامِ أن يُقالَ: إنى أسْكَنْتُ مِن ذريتى جماعةً، أو رجلًا، أو قومًا. وذلك غيرُ جائزٍ مع "مِن"، لدلالتِها على المرادِ مِن الكلامِ، والعربُ تَفْعَلُ ذلك معها كثيرًا، فتقولُ: قتَلْنا مِن بنى فلانٍ، وطعِمْنا مِن الكلإِ، وشرِبنا مِن الماءِ. ومنه قولُ اللهِ عز وجل:{أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأعراف: 50].

فإن قال قائلٌ: وكيف قال إبراهيمُ حينَ أسْكَن ابنَه مكةَ: {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} . وقد روَيْتَ في الأخبار التي ذكرْتَها أن إبراهيمَ بنَى البيتَ بعدَ ذلك بمدةٍ؟

قيل: قد قيل في ذلك أقوالٌ، قد ذكَرْتُها في سورةِ "البقرةِ"

(2)

، منها أن معناه: عندَ بيتِك المحرمِ، الذي كان قبلَ أن تَرْفَعَه مِن الأرضِ، حينَ رفَعْتَه أَيامَ الطُّوفانِ، ومنها: عندَ بيتِك المحرمِ الذي قد مضَى في سابقِ علمِك أنه يَحْدُثُ في هذا البلدِ.

وقولُه: {الْمُحَرَّمِ} على ما قاله قتادةُ، معناه: المُحَرَّمُ مِن استحلالِ حُرُماتِ اللهِ فيه، والاسْتِخْفافِ بحقِّه.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 87 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(2)

تقدم في 2/ 540 - 543.

ص: 697

وقولُه: {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} . يقولُ: فَعَلْتُ ذلك يا ربَّنا؛ كي تُؤَدَّى فرائضُك، مِن الصلاة التي أوْجَبْتَها عليهم في بيتِك المحرمِ.

وقولُه: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . يُخْبِرُ بذلك تعالى ذكرُه عن خليلِه إبراهيمَ، أنه سأَله في دعائِه أن يَجْعَلَ قلوبَ بعضِ خلقِهِ تَنْزِعُ إِلى مساكنِ ذريتِه، الذين أسْكَنهم بوادٍ غيرِ ذي زرعٍ، عندَ بيتِه المحرمِ، وذلك منه دعاءٌ لهم بأن يَرْزُقَهم حجَّ بيتِه الحرامِ.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا حَكَّامُ بنُ سَلْمٍ، عن عمرِو بن أبي قيسٍ، عن عطاءٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} : ولو قال: أفئدةَ الناسِ تَهْوِى إليهم، لحجَّت اليهودُ والنصارى والمجوسُ، ولكنه قال:{أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} فهم المسلمون

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . قال: لو كانت

(2)

: أفئدةَ الناسِ، لَازْدَحَمَت عليه فارسُ والرومُ، ولكنه:{أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ}

(3)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ وابنُ وكيعٍ قالا: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . قال: لو قال: أفئدةَ الناسِ تَهْوِى إليهم، لَازْدَحَمت عليهم

(4)

فارسُ والرومُ

(5)

.

(1)

تفسير البغوي 4/ 357 عن سعيد بن جبير به.

(2)

في ت 1: "قال".

(3)

تفسير سفيان ص 157.

(4)

في ص، ت 2:"عليه".

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 112 عن جرير به، تفسير البغوي 4/ 357، وتفسير ابن كثير 4/ 432 عن مجاهد به.

ص: 698

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عليٌّ، يعني ابنَ الجَعْدِ، قال: أخبرنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن الحكمِ، قال: سأَلْتُ عكرمةَ عن هذه الآيةِ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . فقال: قلوبُهم تَهْوِى إلى البيتِ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن شعبةَ، عن الحكمِ، عن عكرمةَ وعطاءٍ وطاوسٍ:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} : البيتُ تَهْوِى إليه قلوبُهم؛ يأْتُونه

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ عبَّادٍ، قال: ثنا سعيدٌ، عن الحكمِ، قال: سأَلْتُ عطاءً وطاوسًا وعكرمةَ عن قولِه: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . قالوا: الحجُّ.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا شَبَابَةُ وعليُّ بنُ الجَعْدِ، قالا: أخبرنا شعبة

(2)

، عن الحكمِ، عن عطاءٍ وطاوسٍ وعكرمةَ في قولِه:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . قالوا: هواهم إلى مكةَ أن يَحُجُّوا

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا آدمُ، قال: ثنا شعبةُ، عن الحكمِ، قال: سألتُ طاوسًا وعكرمةَ وعطاء بنَ أبي رَباحٍ عن قولِه: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . فقالوا: اجْعَلْ هواهم الحجَّ.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا يحيى بنُ عبادٍ، قال: ثنا حمادُ بنُ سلمةَ، عن عطاءِ بن

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع 4/ 111، عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 87 إلى المصنف وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم.

(2)

في النسخ: "سعيد". والمثبت من مصدر التخريج.

(3)

أخرجه البغوي في الجعديات (249) عن علي بن الجعد عن شعبة به.

ص: 699

السائبِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: لو كان إبراهيمُ قال: فاجْعَلْ أفئدةَ الناسِ تَهْوِى إليهم. لحَجَّه اليهودُ والنصارى والناسُ كلُّهم، ولكنه قال:{أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . قال: تَنْزِعُ إليهم

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا عبدُ الوهابِ بنُ عطاءٍ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ مثلَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادةَ مثلَه

(3)

.

وقال آخرون: إنما دعا لهم أن يَهْوَوُا السُّكْنى بمكَةَ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمى، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . قال: إن إبراهيمَ خليلَ الرحمنِ سأَل الله أن يَجْعَلَ أُناسًا من الناسِ يَهْوَوْن سُكْنَى - أو سَكَنَ - مكةَ

(4)

.

وقولُه: {وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} . يقولُ تعالى ذكرُه: وارْزُقُهم من ثمراتِ النباتِ والأشجارِ ما رزَقْتَ سكانَ الأرْيافِ والقرى، التي هي ذواتُ المياهِ

(1)

تفسير مجاهد ص 412 من طريق عطاء به، والبيهقى في الشعب 3/ 438 (3996) من طريق عطاء به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 87 إلى المصنف وابن المنذر.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 87 إلى المصنف وابن المنذر.

(3)

تفسير عبد الرزاق 1/ 343 به.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 87 إلى المصنف وابن أبي حاتم وابن مردويه.

ص: 700

والأنهارِ، وإن كنتَ أسْكَنْتَهم واديًا غيرَ ذى زرعٍ، ولا ماءٍ. فرزَقَهم جلَّ ثناؤُه ذلك.

كما حدَّثنا المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا هشامٌ، قال: قرَأْتُ على محمدِ بن مسلمٍ الطائفيِّ أن إبراهيمَ لما دعا للحرمِ: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 126]. نقَل اللهُ الطائفَ مِن فِلَسْطِينَ

(1)

.

وقولُه: {لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} . يقولُ: ليَشْكُروك على ما رزَقْتَهم، وتُنْعِمُ به عليهم.

‌القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38)} .

وهذا خبرٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه عن استشهادِ خليلِه إبراهيمَ إياه على ما نوَى وقصَد بدعائِه وقيلِه: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} الآية، وأنه إنما قصَد بذلك رضا اللهِ عنه

(2)

، في محبتِه أن يكونَ ولدُه مِن أهلِ

(2)

الطاعةِ للهِ تعالى، وإخلاصِ العبادةِ له، على مثلِ الذي هو له، فقال: ربَّنا إنك تَعْلَمُ ما تُخْفِى قلوبُنا عندَ مسألتِنا ما نَسْأَلُك، وفى غير ذلك [مِن أحوالِنا، وما نُعْلِنُ مِن دعائِنا، فنَجْهَرُ به، وغيرَ ذلك]

(3)

من أعمالِنا، وما يَخْفَى عليك يا ربَّنا مِن شيءٍ، يكونُ في الأرضِ، ولا في السماءِ؛ لأن ذلك كلّه ظاهرٌ لك، مُتَجَلٍّ بادٍ؛ لأنك مُدَبِّرُه وخالقُه، فكيف يَخْفى عليك؟!

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 87 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(3)

سقط من: ت 1، ت 2، ف.

ص: 701

‌القولُ في تأويلِ قوله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)} .

يقولُ: الحمدُ للهِ الذي رزَقَنى على كِبَرِ مِن السنِّ ولدًا؛ إسماعيلَ وإسحاقَ. {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} ، يقولُ: إن ربي لَسميعٌ دعائى الذي أَدْعُوه به، وقوله:{اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} ، وغيرَ ذلك من دعائى ودعاءِ غيرى، وجميعَ ما نطَق به ناطقٌ، لا يَخْفَى عليه منه شيءٌ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا ابن فُضَيْلٍ، عن ضرار بن مُرَّةً، قال: سمعتُ شيخًا يُحَدِّثُ سعيدَ بنَ جبيرٍ، قال: بُشِّر إبراهيمُ بعدَ سبعَ عشْرةَ ومائةِ سنةٍ

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه عز وجل: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40)} .

يقولُ: ربِّ اجْعَلْنى مُؤَدِّيًا ما أَلْزَمْتَنى من فريضتِك التي فرَضْتَها عليَّ مِن الصلاةِ، {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} ، يقولُ: واجْعَلْ أيضًا مِن ذريتى مُقِيمى الصلاةِ لك. {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} يقولُ: ربَّنا وتَقَبَّلْ عملى الذي أَعْمَلُه لك، وعبادتي إياك. وهذا نظيرُ الخبرِ الذي رُوِى عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إِنَّ الدعاءَ هو العبادةُ". ثم قرَأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} "

(2)

[غافر: 60].

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 87 إلى المصنف.

(2)

تقدم تخريجه في 3/ 222.

ص: 702

الْحِسَابُ (41)}.

وهذا دعاءٌ من إبراهيمَ صلواتُ اللهِ عليه لوالديه بالمغفرةِ، واستغفارٌ منه لهما، وقد أخْبَر اللهُ عزَّ ذكرُه أنه لم يَكُن {اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114].

وقد بيّنا وقتَ تبَرُّئِه منه فيما مضَى، بما أَغْنَى عن إعادتِه

(1)

.

وقولُه: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ} . يقولُ: وللمؤمنين بك، ممن تبِعَنى على الدينِ الذي أنا عليه، فأطاعك في أمرِك ونهيِك.

وقولُه: {يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} . يعنى: يقومُ الناسُ للحسابِ، فاكْتَفَى بذكرِ الحسابِ مِن ذكرِ الناسِ، إذ كان مفهومًا معناه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} .

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: ولا تَحْسَبَنَّ الله يا محمدُ {غَافِلًا} ، ساهيًا عما يَعْمَلُ هؤلاء المشركون من قومِك، بل هو عالمٌ بهم وبأعمالِهم، مُحْصِيها عليهم، ليَجْزِيَهم جزاءَهم في الحينِ

(2)

الذي قد سبَق في علمِه أنه يَجْزِيهم فيه.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا عليُّ بنُ ثابتٍ، عن جعفرِ بن بُرْقَانَ، عن ميمونِ بن مِهْرانَ في قولِه: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ

(1)

ينظر ما تقدم في 12/ 29.

(2)

في ص: "الحبر" وفى ف: "الخبر".

ص: 703

الظَّالِمُونَ}. قال: هي وعيدٌ للظالمِ، وتعزيةٌ للمظلومِ

(1)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: إنما يُؤَخِّرُ رَبُّك يا محمدُ هؤلاء الظالمين الذين يُكَذِّبونك، ويَجْحَدون نبوتَك، {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}. يقول: إنما يُؤَخِّرُ عقابَهم، وإنزال العذابِ بهم، إلى يومٍ تَشْخَصُ فيه أبصارُ الخلقِ؛ وذلك يومُ القيامةِ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} : شَخَصَت فيه، واللهِ، أبصارُهم فلا تَرْتَدُّ إليهم

(2)

.

وأما قولُه: {مُهْطِعِينَ} . فإن أهلَ التأويلِ اخْتَلَفوا في معناه؛ فقال بعضُهم: معناه: مُسْرِعين.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا هاشمُ بنُ القاسمِ، عن أبي سعيدٍ المؤدِّبِ، عن سالمٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:{مُهْطِعِينَ} . قال: النَّسَلانُ، وهو الخَبَبُ، أو ما دونَ الخَبَبِ - شكّ أبو سعيدٍ - يَخُبُّون وهم يَنْظُرون

(3)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:

(1)

أخرجه الخرائطى في مساوئ الأخلاق (636)، وأبو نعيم في الحلية 4/ 83، 84 من طريق آخر عن ميمون بن مهران به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 87 إلى ابن أبي حاتم.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 88 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 6/ 134 إلى عبد بن حميد.

ص: 704

{مُهْطِعِينَ} قال: مُسْرِعين

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{مُهْطِعِينَ} يقولُ: مُنْطَلِقين عامِدِين إلى الداعى

(2)

.

وقال آخرون: معنى ذلك: مُدِيمى النظرِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{مُهْطِعِينَ} ، يعنى بالإهْطاعِ النظرَ من غيرِ أن يَطْرِفَ

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن سعيدِ بن مسروقٍ، عن أبي الضُّحَى:{مُهْطِعِينَ} . قال: الإِهطاعُ التَّحْمِيجُ

(4)

الدائمُ الذي لا يَطْرِفُ

(5)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرنا هُشَيْمٌ، عن مغيرةَ، عن أبى الخيرِ بن تَميمِ بن حَذْلَمٍ، عن أبيه في قولِه:{مُهْطِعِينَ} . قال: الإِهطاعُ التَّحْميجُ

(6)

.

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 343 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 88 إلى ابن المنذر.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 6/ 134 إلى المصنف وعبد بن حميد.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 88 إلى المصنف وابن أبي حاتم مطولًا وستأتي بقيته في ص 708 وما بعدها.

(4)

التحميج: فتح العين وتحديد النظر كأنه مبهوت. اللسان (ح م ج).

(5)

تفسير الثورى ص 157 عن أبيه سعيد بن مسروق، وسيأتي هذا الأثر في تفسير الآية الثامنة من سورة القمر.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 88، 6/ 134 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن الأنبارى وسيأتي من طريق آخر عن تميم بن حذلم في تفسير الآية الثامنة من سورة القمر.

ص: 705

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المُحاربِيُّ، عن جُوَيْبرٍ، عن الضحاكِ:{مُهْطِعِينَ} . قال: شدةُ النظرِ الذي لا يَطْرِفُ.

حدَّثني المثنى، قال: أخبرنا عمرٌو، قال: أخبرنا هُشَيْمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{مُهْطِعِينَ} . قال: شدةُ النظرِ في غيرِ طَرْفٍ.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعْتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمِعْتُ الضحاكَ يقولُ في قوله: {مُهْطِعِينَ} : الإِهطاعُ شدةُ النظرِ في غيرِ طَرْفٍ.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى. وحدَّثنا الحسنُ بن محمدٍ، قال: ثنا شَبابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ. وحدَّثني الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا وَرْقَاءُ. وحدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ:{مُهْطِعِينَ} . قال: مُدِيمى النظرِ

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

وقال آخرون: معنى ذلك: لا يَرْفَعُ رأسَه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {مُهْطِعِينَ} . قال: المُهْطِعُ الذي لا يَرْفَعُ رأسَه

(2)

.

(1)

تفسير مجاهد ص 412، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 88 إلى ابن أبي حاتم.

(2)

ذكره القرطبي في تفسيره 9/ 376 عن ابن زيد.

ص: 706

والإهطاعُ في كلامِ العربِ بمعنى الإِسراعِ أشهرُ منه بمعنى إدامةِ النظرِ.

ومن الإهطاعِ بمعنى الإسراعِ قولُ الشاعرِ

(1)

:

وبمُهْطِعٍ سُرُحٍ كأن زِمامَهُ

في رأسِ جِذْعٍ مِن أَوَالَ مُشَذَّبِ

(2)

وقولُ الآخرِ

(3)

:

بمُسْتَهْطِعٍ رَسْلٍ كأَن جَدِيلَهُ

بقَيْدومٍ رَعْنٍ مِن صَوَامٍ مُمَنَّعِ

وقولُه: {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} . يعني: رافعي رءوسِهم. وإقناعُ الرأسِ رفعُه، ومنه قولُ الشَّمَّاخِ

(4)

:

يُباكِرْنَ العِضاهَ بمُقْنَعَاتٍ

نَواجِذُهن كالحَدَإِ الوَقيعِ

(5)

يعنى: أنهن يُباكِرْنَ العِضاهَ برءوسِهن مرفوعاتٍ إليها لتَتَناول منها.

ومنه أيضًا قولُ الراجزِ

(6)

:

(1)

البيت في مجاز القرآن 1/ 342، وفى اللسان (أول)، ونسبه في اللسان إلى أنيف بن جبلة.

(2)

رواية اللسان:

أما إذا استقبلته فكأنه

للعين جذع من أوال مشذب

والسرح: يقال: خيل سرح وناقة سرح يعنى سريعة. وأوال: قرية، وقيل: اسم موضع مما يلى الشام. مشذب: جذع مشذب أي مقشر اللسان (س ر ح، أ و ل، ش ذ ب).

(3)

البيت في مجاز القرآن 1/ 343، واللسان (ص و م، ق د م)، وأساس البلاغة ص 1062. والرسل: يقال: جمل رسل: سهل السير. والجديل: حبل مفتول من أدم أو شعر يكون في عنق البعير أو الناقة. والقيدوم: قيدوم كل شيء: مقدمه وصدره والرعن: الأنف العظيم من الجبل تراه متقدما.

والصوام: اسم جبل. اللسان (ر س ل، ج د ل، ق د م، ر ع ن، ص و م).

(4)

ديوانه ص 220.

(5)

العضاه: كل شجر ذى شوك يعظم، والحدأ جمع الحَدأة الفأس لها رأسان، الوقيع: المرققه المحددة. شبه أضراسها بفئوس محددة، اهـ من حاشية الديوان ص 221 بتصرف.

(6)

مجاز القرآن 1/ 344، وتفسير القرطبي 9/ 377.

ص: 707

أنْغَضَ

(1)

نحوى رأسه وأقْنَعا

كأنَّما أبْصَرَ شَيئًا أَطْمَعَا

وينحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} . قال: الإقناعُ رفعُ رءوسِهم

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى. وحدَّثني الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبَابَةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ. و [حدَّثني الحارثُ]

(3)

قال: حدَّثنا

(4)

الحسنُ قال: ثنا وَرْقاءُ. وحدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه:{مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} . قال: رافعيها

(5)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا أبو بكرٍ، عن أبي سعدٍ، قال: قال الحسنُ: وجوهُ الناسِ يومَ القيامةِ إلى السماءِ، لا يَنْظُرُ أحدٌ إلى أحدٍ

(6)

.

(1)

أنغض رأسه: حركه كالمتعجب من الشيء. اللسان (ن غ ض).

(2)

ينظر ما تقدم في ص 705.

(3)

سقط من النسخ. والمثبت هو الصواب، فهو من الأسانيد الدائرة.

(4)

سقط من: م، ت 1، ت 2، ف.

(5)

تفسير مجاهد ص 413.

(6)

ذكره البغوي في تفسيره 4/ 359 عن الحسن.

ص: 708

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سُوَيْدٌ، قال: أخبرنا ابن المباركِ، عن عثمانَ بن الأسودِ، أنه سمِع مُجاهدًا يقولُ في قولِه:{مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} . قال: رافعٌ

(1)

رأسَه - هكذا - لا يَرْتَدُّ إليهم طَرْفُهم

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبرنا هُشَيْمٌ، عن جُوَيْبرٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} . قال: رافعي رءوسِهم

(3)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} . قال: الإقناعُ رفعُ رءوسِهم.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} . قال: المُقْنِعُ الذي يَرْفَعُ رَأْسَه، شاخصًا بصرَه، لا يَطْرِفُ

(4)

.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ، قال: سمِعْتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخْبَرنا عبيدٌ، قال: سمِعْتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} . قال: رافعيها.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} . قال: المُقْنِعُ الذي يَرْفَعُ رأسَه

(5)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المحاربيُّ، عن جُويبرٍ، عن الضحاكِ: {مُقْنِعِي

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"رافعي". وبعده في ت 2: "رءوسهم" وضرب عليها. وقوله: "هكذا"، لعلها من الناسخ، لأن حق العبارة أن تكون:"رافعي رءوسهم".

(2)

زهد ابن المبارك (357 - زوائد نعيم بن حماد).

(3)

ذكره الطوسى في التبيان 6/ 303 عن الضحاك.

(4)

تفسير عبد الرزاق 1/ 343 عن معمر به.

(5)

ذكره الطوسى في التبيان 6/ 303 عن ابن زيد.

ص: 709

رُءُوسِهِمْ}. قال: رافعي رءوسِهم.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا هاشمُ بنُ القاسمِ، عن أبي سعيدٍ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ:{مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} . قال: رافعي رءوسِهم

(1)

.

وقولُه: {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} . يقول: لا تَرْجِعُ إليهم - لشدةِ النظرِ - أبصارُهم.

كما حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} ، قال: شاخصةٌ أبصارُهم

(2)

.

وقولُه: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} . اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِه، فقال بعضُهم: معناه: مُنْخَرقَةٌ، لا تَعِي من الخيرِ شيئًا.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن مُرَّةً في قولِه:{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} . قال: مُنْخَرِفةٌ لا تَعِى شيئًا.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا مالكُ بنُ مِغْوَلٍ، عن أبي إسحاقَ، عن مُرَّةَ بمثلِ ذلك.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن مُرَّةَ مثلَه

(3)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 88 إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.

(2)

تقدم تخريجه في ص 705.

(3)

الأثر في تفسير مجاهد ص 413 من طريق إسرائيل به. وفيه: "منحرقة". وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 88 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 710

حدَّثنا محمدُ بنُ عُمارةَ، قال: ثنا سهلٌ بنُ عامرٍ، قال: ثنا مالكٌ وإسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن مُرَّةَ مثلَه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن أبي إسحاقَ، عن مُرَّةَ:{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} . قال: مُنْخَرِقةٌ، لا تَعِى شيئًا مِن الخيرِ

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا يحيى بن عبادٍ، قال: ثنا مالكٌ - يعنى ابنَ مِغْوَلٍ - قال: سمِعْتُ أبا إسحاقَ، عن مُرَّةَ، إلا أنه قال: لا تَعِى شيئًا. ولم يَقُلْ: من الخيرِ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبَابةُ، قال: أخبرنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن مُرَّةَ مثلَه.

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا مالكُ بنُ مِغْوَلٍ وإسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن مُرَّةَ:{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} . قال أحدُهما: خَرِبةٌ. وقال الآخرُ: مُنْخَرِقَةٌ، لا تَعِى شيئًا.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ:{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} . قال: ليس فيها شيءٌ من الخيرِ، فهى كالخَرِبةِ

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: ليس من الخيرِ شيءٌ في أفئدِتهم، كقولِك للبيتِ الذي ليس فيه شيءٌ: إنما هو هواءٌ

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 13/ 408 عن وكيع به.

(2)

تقدم تخريجه في ص 705.

(3)

ذكره القرطبي في تفسيره 9/ 377 عن مجاهد.

ص: 711

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال: ابن زيدٍ في قولِه: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} . قال: الأفئدةُ: القلوبُ، هواءٌ كما قال اللهُ، ليس فيها عقلٌ ولا مَنْفعةٌ

(1)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا حَكَّامٌ، عن عَنْبَسَةَ، [عمن ذكَره]

(2)

، عن أبي صالحٍ:{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} . قال: ليس فيها شيءٌ مِن الخيرِ.

وقال آخرون: إنها لا تَسْتَقِرُّ في مكانٍ، تَرَدَّدُ في أجوافِهم.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ وأحمدُ بنُ إسحاقَ، قالا: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا شَريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ:{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} . قال: تَمورُ في أجوافِهم، ليس لها مكانٌ تَسْتَقِرُّ فيه.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا هاشمُ بنُ القاسمِ، عن أبي سعيدٍ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ بنحوِه.

وقال آخرون: معنى ذلك: أنها خرَجَت مِن أماكِنها، فنَشِبَت بالحُلُوقِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن وكيعٍ وأحمدُ بنُ إسحاق وأحمدُ بنُ إسحاقَ، قالا: ثنا أبو أحمدَ الزُّبَيْريُّ، عن إسرائيلَ، عن سعيدِ بن مسروقٍ، عن أبي الضُّحَى:{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} . قال: قد بلَغَت حناجرَهم.

(1)

ذكره القرطبي في تفسيره 9/ 377 عن ابن زيد.

(2)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"عن بكرة"، وفى م:"عن أبي بكرة" وهو تحريف فاحش. وهذا إسناد دائر. تقدم في 11/ 471 وسيأتي في تفسير سورة الحج آية 25، والأحزاب آية 25، والجاثية آية 14.

ص: 712

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ في قولِه:{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} . قال: هواءٌ ليس فيها شيء، خرَجَت من صدورِهم، فنشِبَت في حلوقِهم

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} . انْتُزِعَت حتى صارت في حناجرِهم، لا تَخْرُجُ مِن أفواهِهم، ولا تَعودُ إلى أمكنتِها

(2)

.

وأولى هذه الأقوالِ عندى بالصوابِ في تأويلِ ذلك قولُ مَن قال: معناه أنَّها خاليةٌ، ليس فيها شيءٌ من الخيرِ، ولا تعقلُ شيئًا. وذلك أنَّ العربَ تُسمِّى كلَّ أجوفَ خاوٍ هواءً، ومنه قولُ حسانَ بن ثابتٍ

(3)

:

ألا أَبْلِغْ أبا سفيانَ عنى

فأنت مُجَوَّفٌ نَخِبٌ

(4)

هَوَاءُ

ومنه قولُ الآخَرِ

(5)

:

ولا تَكُ مِن أَخْدانِ كُلِّ يَراعةٍ

هَواءً كَسَقْبِ البانِ جُوفٍ مَكَاسِرُهْ

(6)

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} .

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 343 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 88 إلى ابن المنذر.

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الأهوال (297) من طريق سعيد به.

(3)

ديوانه ص 75.

(4)

نخب: جبان كأنه منتزع الفؤاد، أي: لا فؤاد. اللسان (ن خ ب).

(5)

نسبه في اللسان (ع ى ر، هـ و ا) إلى كعب الأمثال وهو أيضًا في مجاز القرآن 1/ 344 غير منسوب.

(6)

اليراعة: الجبان الذي لا عقل له ولا رأى مشتق من القصب سقب البان: السقب: عمود الخباء، والبان: شجر يسمو ويطول في استواء. جوف: جمع أجوف. مكاسره: جمع مَكْسِر: وهو موضع الكسر اللسان (ي ر ع، س ق ب، ب ي ن، ك س ر).

ص: 713

يقولُ تعالى ذكرُه: وأَنْذِرْ يا محمدُ الناسَ الذين أرْسَلْتُك إليهم داعيًا إلى الإسلامِ، ما هو نازلٌ بهم يومَ يَأْتِيهم عذابُ اللهِ في القيامةِ، {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا}. يقولُ: فيقولُ الذين كفَروا بربِّهم، فظلَموا بذلك أنفسَهم:{رَبَّنَا أَخِّرْنَا} ، أي: أخِّرْ عنا عذابَك، وأمْهِلْنا {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ} الحقَّ، فنُؤمِنْ بك، ولا نُشْرِك بك شيئًا {وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}. يقولون: ونُصَدِّقُ رسلَك، فنَتَّبِعْهم على ما دَعوْتَنا إليه مِن طاعتِك واتباعِ أمرِك.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} . قال: يومَ القيامةِ، {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}. قال: مدَّةٍ يَعْمَلون فيها من الدنيا

(1)

.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} . يقولُ: أَنْذِرُهم في الدنيا قبل أن يَأْتِيَهم العذابُ

(2)

.

وقولُه: {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} رُفِع عطفًا على قولِه: {يَأْتِيهِمُ} في قولِه: {يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} . وليس بجوابٍ للأمرِ، ولو كان جوابًا لقولِه:{وَأَنْذِرِ النَّاسَ} جاز فيه الرفعُ والنصبُ؛ أما النصبُ فكما قال الشاعرُ

(3)

:

يا ناقُ سِيرِي عَنَقًا فَسِيحَا

إلى سليمانَ فنَسْتَرِيحا

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 88 إلى المصنف.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 88 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(3)

هو أبو النجم العجلى. والبيت تقدم في 12/ 269.

ص: 714

والرفعُ على الاستئنافِ. وذُكِر عن العَلاءِ بن سَيَابةَ أنه كان يُنْكِرُ النصبَ في جوابِ الأمرِ بالفاءِ، قال الفَرَّاءُ

(1)

: وكان العَلاءُ هو الذي علَّم مُعاذًا وأصحابَه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} .

وهذا تَقْريعٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه للمشركين مِن قريشٍ، بعدَ أن دخَلوا النارَ؛ بإنكارِهم في الدنيا البعثَ بعدَ الموتِ، يقولُ لهم إذ سأَلوه رفعَ العذابِ عنهم، وتأخيرَهم؛ ليُنِيبُوا ويَتُوبوا:{أَوَلَمْ تَكُونُوا} . في الدنيا {أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} . يقولُ: ما لكم مِن انتقالٍ مِن الدنيا إلى الآخرةِ، وإنكم إنما تَموتون، ثم لا تُبْعَثون.

كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال:{أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ} . كقولِه: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [النحل: 38]. ثم قال: {مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} . قال: الانتقالُ من الدنيا إلى الآخرةِ.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثنى الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، وحدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شَبَابةُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، وحدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ

(2)

، وحدَّثني المثنى، قال: أخبَرنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثنا ورقاءُ، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} . قال: لا تموتون؛

(1)

معاني القرآن 2/ 79.

(2)

في النسخ: "سلمة". وهو إسناد دائر.

ص: 715

لقريشٍ

(1)

.

حدَّثني القاسمُ، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابن المباركِ، عن الحكَمِ، عن عُمرَ

(2)

بن أبي ليلى أحد بني عامرٍ، قال: سمِعت محمدَ بنَ كعبٍ القُرَظيَّ يقولُ: بلَغني - أو ذُكِر لى - أن أهلَ النارِ ينادُون: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} . فردَّ عليهم: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} . إلى قولِه: {لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}

(3)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالَى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)} .

يقولُ تعالَى ذكرُه: {وَسَكَنْتُمْ} في الدنيا، {فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ} كفروا باللهِ - فظلموا بذلك {أَنْفُسَهُمْ} - من الأممِ التي كانت قبلَكم، {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ}. يقولُ: وعلِمتم كيف أهلَكناهم حين عَتَوا على ربِّهم، وتمادَوا في طغيانِهم وكفرِهم. {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ}. يقولُ: ومثَّلنا كم فيما كنتم عليه من الشركِ باللهِ مقيمين الأشباهَ، فلم تُنيبوا ولم تَتوبوا من كفرِكم، فالآن تسأَلون التأخيرَ للتوبةِ، حين نزَل بكم ما قد نزَل بكم من العذابِ، إن ذلك لغيرُ كائنٍ.

وبنحوِ

(4)

ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

(1)

تفسير مجاهد ص 413.

(2)

في م ف: "عمرو"، وينظر التاريخ الكبير 6/ 190، والجرح والتعديل 6/ 131.

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة النار (251) من طريق ابن المبارك به مطولًا. وسيأتي بتمامه في تفسير آية 105، 106 من سورة المؤمنون.

(4)

بعده في ص، ت 1، ت 2، ف:"معنى".

ص: 716

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه:{وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} . يقولُ: سكَن الناسُ في مساكنِ قومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ، وقرونٍ بين ذلك كثيرةٍ ممن هلَك من الأممِ، {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} . قد واللهِ بعَث رسلَه، وأنزَل كتبَه

(1)

، وضرَب لكم الأمثالَ، فلا يَصِمُّ فيها إلا أصمُّ، ولا يخيبُ فيها إلا الخائبُ، فاعقِلوا عن اللهِ أَمرَه

(2)

.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} . قال: سكَنوا في قُراهم مَدْينَ والحِجْرِ والقرى التي عذَّب اللهُ أهلَها، وتبيَّن لكم كيف فعَل اللهُ بهم، وضرَب لهم الأمثالَ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{الْأَمْثَالَ} . قال: الأشباهُ

(3)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالَى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)} .

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"كتابه".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 88، 89 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 89 إلى المصنف.

ص: 717

يقولُ تعالَى ذكرُه: و

(1)

قد مكَر هؤلاء الذين ظلموا أنفسَهم - فسكَنتم من بعدِهم في مساكنِهم - مكرَهم.

وكان مكرُهم الذي مكَروا ما حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيانُ، قال: ثنا أبو إسحاقَ، عن عبدِ الرحمنِ بن أُذُنانٍ

(2)

، قال: سمِعت عليًّا يقرأُ: (وَإنْ كاد

(3)

مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجبِالُ). قال: كان ملكٌ فَرِهٌ

(4)

أخذ فروخَ النسورِ، فعلَفها اللحمَ حتى شبَّت واستعلَجت

(5)

واستغلَظت، فقعَد هو وصاحبُه في التابوتِ، وربَطوا التابوتَ بأرجلِ النسورِ، وعلَّقوا اللحمَ فوقَ التابوتِ، فكانت كلما نظَرت إلى اللحمِ، صعِدت وصَعِدت، فقال لصاحبِه: ما ترَى؟ قال: أرَى الجبالَ مثلَ الدخانِ. قال: ما ترَى؟ قال: ما أرَى شيئًا. قال: ويحك صَوِّبْ

(6)

صوِّبْ. قال: فذلك قولُه: (وَإِنْ كادَ

(3)

مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ)

(7)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ الرحمنِ بن أُذنانٍ

(8)

، عن عليّ بن أبي طالبٍ، مثلَ حديثِ يحيى

(1)

زيادة من: ص، ف.

(2)

في ص، م، ف:"أبان" وهو على الصواب في تفسير ابن كثير 4/ 435، وينظر التاريخ الكبير 5/ 255، والجرح والتعديل 5/ 210، والثقات 5/ 87.

(3)

في النسخ: "كان"، والمثبت من البحر المحيط. وكان يقرأ بإبدال النون دالا أيضًا عمر وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو إسحاق السبيعى وزيد بن علي. ينظر البحر المحيط 5/ 437، ومختصر الشواذ ص 74.

(4)

فره: أشر بطر. القاموس المحيط (ف ر هـ).

(5)

في ص، ف:"استعجلت". واستعلج جلده: غلظ. ينظر القاموس المحيط (ع ل ج).

(6)

صوب: أي اخفض. اللسان (ص و ب).

(7)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 89 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنبارى.

(8)

في ص، ف:"وائل"، وفى م، ت 1، ت 2، س:"واصل".

ص: 718

ابن سعيدٍ. وزاد فيه: وكان عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ يقرَؤُها: (وَإِنْ كَادَ

(1)

مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ).

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ أبى عديٍّ، عن شعبةَ، عن أبي إسحاقَ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بن أُذنانٍ، أن عليًّا قال في هذه الآيةِ: (وَإِنْ كادَ

(1)

مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ). قال: أخَذ ذلك الذي حاجّ إبراهيمَ في ربِّه نَسْرين صغيرين، فربَّاهما، ثم استغلَظا واستعلَجا وشبَّا. قال: فأوثَقِ رِجْلَ كلِّ واحدٍ منهما بوَتِدٍ إلى تابوتٍ، وجوّعهما، وقعَد هو ورَجَلٌ آخرُ في التابوتِ. قال: ورفَع في التابوتِ عصًا على رأسِه اللحمُ. قال: فطارا، وجعل يقولُ لصاحبِه: انظُرْ ماذا ترَى؟ قال: أرَى كذا وكذا. حتى قال: أرَى الدنيا كأنها ذُبابٌ. فقال: صوِّبْ العصا. فصوّبها فهبَطا. قال: فهو قولُ اللهِ تعالى: (وَإنْ كادَ

(1)

مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ). قال أبو إسحاقَ: وكذلك في قراءةِ عبدِ اللهِ: (وَإِنْ كاد

(1)

مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ)

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:(وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجبالُ): مكرُ فارسَ. وزعَم أن بُخْتَنَصَّرَ خرَج بنُسورٍ، وجعَل له تابوتًا يدخُلُه، وجعَل رماحًا في أطرافِها، واللحمَ فوقَها، أُرَاه قال: فَعَلَت تذْهَبُ نحوَ اللحمِ، حتى انقطَع بصرُه من الأرضِ وأهِلها، فنُودِى: أيها الطاغيةُ أين تريدُ؟ ففرِق، ثم سمِع الصوتَ فوقَه، فصوَّب الرماحَ، فتصوَّبت النسورُ، ففزِعت

(3)

الجبالُ من هدَّتِها، وكادت الجبالُ أن تزولَ منه من حسِّ ذلك، فذلك قولُه: (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ

(1)

في النسخ: "كان"، وينظر التعليق المتقدم في الصفحة السابقة.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 435.

(3)

في ف: "فقرعت".

ص: 719

الجِبالُ)

(1)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ:(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ) كذا قرَأَها مجاهدٌ: (كان

(2)

مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ). وقال: إن بعضَ من مَضَى جوَّع نسورًا، ثم جعَل عليها تابوتًا فدخَله، ثم جعَل رماحًا في أطرافِها لحمٌ، فجعَلت تَرَى اللحمَ فتذهَبُ، حتى انتهى بصرُه، فنُودِى: أيها الطاغيةُ، أين تريدُ؟ فصوَّب الرِّماحَ، فتصوَّبت النسورُ، ففزِعت الجبالُ، وظنَّت أن الساعةَ قد قامت، فكادت أن تزولَ، فذلك قولُه تعالَى:(وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبَالُ).

قال ابن جريجٍ: أخبَرني عمرُو بنُ دينارٍ، عن عكرمةَ، عن عمرَ بن الخطابِ، أنه كان يقرَأُ، (وَإِنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجبالُ)

(3)

.

حدَّثني هذا الحديثَ أحمدُ بنُ يوسفَ، قال: ثنا القاسمُ بنُ سلَّامٍ، قال: ثنا حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ أنه كان يقرَأُ على نحوِ:(لَتَزُولُ) بفتحِ اللامِ الأولى، ورفعِ الثانيةِ

(4)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ الرحمنِ بن أُذنانٍ قال: سمعت عليًّا يقولُ: (وَإِنْ كَادَ

(5)

مَكْرُهُمْ لَتَزولُ مِنْهُ الجبالُ)

(6)

.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 189 إلى المصنف وابن المنذر، وينظر تفسير ابن كثير 4/ 435.

(2)

في النسخ: "كاد". ونسبت القراءة بالنون: "كان"، و "ولتزول" بفتح اللام الأولى ورفع الثانية - إلى مجاهد، وإلى ابن عباس وابن وثاب والكسائي. ينظر البحر المحيط.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 89 إلى ابن الأنبارى في المصاحف. ونسب هذه القراءة إلى عمر أبو حيان في البحر المحيط 5/ 437.

(4)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 435 عن ابن جريج به.

(5)

في النسخ "كان". والمثبت من مصدر التخريج.

(6)

أخرجه أحمد في العلل 1/ 115 (494) عن وكيع به.

ص: 720

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن إسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ الرحمنِ بن دانيلَ

(1)

، قال: سمِعت عليًّا يقولُ: (وَإِن كَادَ

(2)

مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبَالُ). قال: ثم أنشَأ عليٌّ يحدِّثُ فقال: نزَلت في جبَّارٍ من الجبابرةِ، قال: لا أنتهى حتى أعلَمَ ما في السماءِ. ثم اتخَذ نسورًا، فجعَل يُطعِمُها اللحمَ، حتى غلُظت واستعلَجت واشتدَّت. وذكَر مثلَ حديثِ شعبةَ

(3)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبو داودَ الحَفَرِيُّ

(4)

، عن يعقوبَ، عن حفصِ بن حميدٍ أو جعفرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ:(وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجبالُ). قال: نُمْرُودُ صاحبُ النسورِ، أمَر بتابوتٍ فجُعِل، وجعَل معه رجُلًا، ثم أمَر بالنسورِ فاحتُمِل، فلما صعِد قال لصاحبِه: أَيَّ شيءٍ ترَى؟ قال: أرَى الماءَ وجزيرةً. يعنى الدنيا، ثم صعِد فقال لصاحبِه: أيَّ شيءٍ ترَى؟ قال: ما نزدادُ من السماءِ إلا بُعْدًا، قال: اهبطْ. وقال غيره: نُودِى: أيُّها الطاغيةُ أين تريدُ؟ قال: فسمِعت الجبالُ حفيفَ النسورِ، فكانت ترَى أنها أمرٌ من السماءِ، فكادت تزولُ، فهو قولُه:(وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبال)

(5)

.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن أبي جعفرٍ، عن الربيعِ بن أنسٍ، أن أنسًا كان يقرأُ:(وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبال).

(1)

في ف: "وائل". وعبد الرحمن بن دانيل هو نفسه ابن أذنان، فهذا مما قيل في اسم أبيه، وينظر التعليق المتقدم في ص 718.

(2)

في النسخ "كان". وينظر التعليق المتقدم في ص 718.

(3)

أخرجه أحمد في العلل 1/ 115 (494) عن وكيع به، وأخرجه ابن الأعرابي في معجمة (1287) من طريق إسرائيل به.

(4)

في م: "الحضرمي". وينظر تهذيب الكمال 21/ 360.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 90 إلى المصنف.

ص: 721

وقال آخرون: كان مكرُهم شركَهم باللهِ، وافتراءَهم عليه.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ:(وإن كان مَكْرُهُمْ لَتَزُلُ مِنه الجبالُ). يقولُ: شركُهم، كقولِه:{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ}

(1)

[مريم: 90].

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا المُحاربيُّ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}

(2)

[مريم: 88 - 90].

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ في قولِه:{وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ} . ثم ذكَر مثلَه.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، أن الحسنَ كان يقولُ: كان أهونَ على اللهِ، وأصغرَ من أن تزولَ منه الجبالُ، يصِفُهم بذلك. قال قتادةُ: وفي مصحفِ عبدِ اللهِ بن مسعودٍ: (وَإِنْ كادَ

(3)

مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ). وكان قتادةُ يقولُ عندَ ذلك: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 90]؛ أي: لكلامِهم ذلك

(4)

.

(1)

ذكره ابن كثير في تفسير 4/ 436 عن علي به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 89 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 89 إلى المصنف.

(3)

في ف: "كان".

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 89 إلى المصنف.

ص: 722

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، في قولِه:(وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجبالُ): قال ذلك حِينَ دَعَوْا للهِ وَلَدًا، وقال في آيةٍ أخرى:{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا}

(1)

[مريم: 90، 91].

حُدِّثت عن الحسينِ، قال: سمِعت أبا معاذٍ يقولُ: أخبَرنا عُبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعت الضحاكَ يقولُ في قولِه: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} : في حرفِ ابن مسعودٍ: (وإنْ كادَ

(2)

مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجبال)، هو مثلُ قولِه:{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} .

واختلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: {لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} ؛ فقرَأ ذلك عامَّةُ قرأةِ الحجازِ والمدينةِ والعراقِ ما خلا الكسِائيَّ: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} ، بكسرِ اللامِ الأولى وفتحِ الثانيةِ

(3)

. بمعنى: وما كان مكرُهم لِتَزُولَ منه الجبالُ. وقرَأه الكسائيُّ: (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجبالُ) بفتحِ اللامِ الأولى ورفعِ الثانيةِ، على تأويلِ قراءةِ مَن قرَأ ذلك:(وإنْ كادَ (2) مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجبال) من المتقدمين الذين ذكرتُ أقوالَهم، بمعنى: اشتدَّ مكرُهم حتى زالت منه الجبالُ، أو كادت تزولُ منه، وكان الكسائيُّ يُحدِّثُ عن حمزةَ، عن شبلٍ، عن مجاهدٍ، أنه كان يقرَأُ ذلك على مثل قراءتِه (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ) برفعِ "تزولُ".

حدَّثني بذلك الحارثُ، عن القاسمِ، عنه.

والصوابُ من القراءةِ عندَنا قراءةُ مَن قرَأه: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 343 عن معمر به.

(2)

في ص، ف:"كان". وينظر ما تقدم في ص 718.

(3)

ينظر السبعة ص 363، وحجة القراءات ص 379.

ص: 723

مِنْهُ الْجِبَالُ} بكسرِ اللامِ الأولى وفتحِ الثانيةِ

(1)

، بمعنى: وما كان مكرهم لِتَزُولَ منه الجبالُ.

وإنما قلنا ذلك هو الصوابُ؛ لأن اللام الأولى إذا فُتِحت، فمعنى الكلامِ: وقد كان مكرُهم تزولُ منه الجبالُ، ولو كانت زالت لم تكن ثابتةً، وفي ثبوتِها على حالتها ما يُبين عن أنها لم تزل. وأخرى: إجماعُ الحجةِ من القرأَةِ على ذلك، وفى ذلك كفايةٌ عن الاستشهادِ على صحتِها وفسادِ غيرِها بغيرِه.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن ذلك ليس بإجماعٍ من الحجةِ، إذ كان من الصحابةِ والتابعينَ مَن قرَأ ذلك كذلك، فإن الأمرَ بخلافِ ما ظنَّ في ذلك، وذلك أن الذين قرَءوا ذلك بفتحِ اللامِ الأولى ورفعِ الثانيةِ، قرَءوا:(وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ) بالدالِ، وهى إذا قُرِئت كذلك، فالصحيحُ

(2)

من القراءةِ مع: (وَإنْ كادَ

(3)

) فتحُ اللامِ الأولى ورفعُ الثانيةِ على ما قرَءوا، وغيرُ جائزٍ عندَنا القراءةُ كذلك؛ لأن مصاحفَنا بخلافِ ذلك، وإنما خَطُّ مصاحفِنا:{وَإِنْ كَانَ} الله بالنونِ لا بالدالِ، وإذ كانت كذلك، فغير جائزٍ لأحدٍ تغييرُ رسمِ مصاحفِ المسلمينِ، وإذا لم يجُزْ ذلك، لم يكن الصَّحاحُ من القراءةِ إلا ما عليه قرأةُ الأمصارِ، دونَ مَن شَذَّ بقراءتِه عنهم.

وبنحوِ ما قلنا في معنى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ} . قال: جماعةٌ من أهلِ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمِّي، قال: ثنى أبي، عن

(1)

القراءتان كلتاهما صواب، وليست إحداهما بأولى من الأخرى.

(2)

في ص، ف:"بالصحة".

(3)

في ص، ف:"كان".

ص: 724

أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} . يقولُ: ما كان مكرُهم لتزولَ منه الجبالُ

(1)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، قال: قال الحسنُ في قولِه: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} : ما كان مكرُهم لتزول منه الجبالُ

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن عوفٍ، عن الحسنِ، قال: ما كان مكرُهم لتزولَ منه الجبالُ.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنا حجاجٌ، عن هارونَ، عن يونسَ وعمرٍو، عن الحسنِ:{وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} . قالا: وكان الحسنُ يقولُ: وإن كان مكرُهم لأوهنَ وأضعفَ من أن تزولَ منه الجبالُ.

قال: قال هارونُ: وأخبَرنى يونسُ، عن الحسنِ، قال: أربعٌ في القرآنِ: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} ما كان مكرُهم لتزولَ منه الجبالُ، وقولُه:{لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 17]. ما كنا فاعلين، وقولُه:{إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: 81]. ما كان للرحمن ولدٌ، وقولُه:{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} [الأحقاف: 26]. ما مكَّناكم فيه

(3)

.

قال هارونُ: وحدَّثني بهنّ عمرٌو

(4)

، عن الحسن، وزاد فيهنَّ واحدةً: {فَإِنْ

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 435 عن العوفي عن ابن عباس.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 344 عن معمر به.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 89 إلى المصنف وابن الأنباري في المصاحف.

(4)

بعده في ص، ف:"أسباط"، وبعده في م:"بن أسباط".

ص: 725

كُنْتَ فِي شَكٍّ}: ما كنتَ في شَكٍّ: {مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} [يونس: 94].

فالأَولَى من القولِ بالصوابِ في تأويلِ الآيةِ، إذ كانت القراءةُ التي ذكرتُ هي الصوابُ؛ لما بيَّنا من الدلالةِ في قولِه:{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} . وقد أشرَك الذين ظلَموا أنفسَهم بربِّهم، وافْتَرَوْا عليه فِرْيتَهم عليه، وعندَ اللهِ علمُ شركِهم به وافترائِهم عليه، وهو مُعاقِبُهم على ذلك عقوبتَهم التي هم أهلُها، وما كان شركُهم وفِرْيتُهم على اللَّهِ لتزولَ منه الجبالُ، بل ما ضرُّوا بذلك إلا أنفسَهم، ولا عادت مغبَّة

(1)

مكروهِه إلا عليهم.

حدَّثنا الحسنُ بن محمدٍ، قال: ثنا وكيعُ بنُ الجراحِ، قال: ثنا الأعمشُ، عن شِمْرٍ، عن عليٍّ، قال: الغدرُ مكرٌ، والمكرُ كفرٌ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالَى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)} .

يقولُ تعالَى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ [يا محمدُ]

(2)

مُخْلِفَ وَعْدِهِ الذي وعَدهم؛ [مِن عقوبةِ]

(3)

مَنْ كَذَّبهم وجحَد ما أتَوْهم به من عندِه. وإنما قال ذلك تعالَى ذكرُه لنبيِّه؛ تثبيتًا وتشديدًا لعزيمتِه، ومعرفةَ أنه منزِلٌ من سُخْطِه بمن كذَّبه، وجحَد نبوَّتَه، وردَّ عليه ما أتاه به من عندِ اللَّهِ، مثالَ ما أنزَل بمَن سلَكوا سبيلَهم من الأممِ الذين كانوا قبلَهم على مثلِ منهاجِهم؛ من تكذيبِ رُسُلِهم، وجحودِ نبوَّتِهم، وردَّ ما جاءُوهم به من عندِ اللَّهِ عليهم.

(1)

في م: "بغية".

(2)

سقط من: م.

(3)

سقط من: م، ف.

ص: 726

وقولُه: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} . يعنى بقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} : لا يمتنعُ منه شيءٌ أراد عقوبتَه، قادرٌ على كلِّ مَن طلَبه، لا يفوتُه بالهَرَبِ منه. {ذُو انْتِقَامٍ} ممن كفَر برسلِه وكذَّبهم، وجحَد نبوَّتَهم، وأشرَك به، واتَّخَذ معه إلهًا غيرَه.

وأُضِيف قولُه: {مُخْلِفَ} إلى الوعدِ وهو مصدرٌ؛ لأنه وقَع موقعَ الاسمِ، ونُصِب قولُه:{رُسُلَهُ} بالمعنى، وذلك أن المعنى: فلا تحسبنَّ الله مُخلِفَ رسلِه وعدَه. فالوعدُ وإن كان مخفوضًا بإضافةِ {مُخْلِفَ} إليه، ففى معنى النصبِ، وذلك أن الإخلافَ يقعُ على منصوبين مختلفين، كقولِ القائلِ: كسَوتُ عبدَ اللَّهِ ثوبًا، وأدخلتُه دارًا وإذا كان الفعلُ كذلك يقعُ على منصوبين مختلفين، جاز تقديمُ أيِّهما قُدِّم، وخَفْضُ ما وَلِىَ الفعلَ الذي هو في صورةِ الأسماءِ، ونصبُ الثاني، فيقالُ: أنا مدخِلُ عبدِ اللَّهِ الدارَ، وأنا مدخِلُ الدارِ عبدَ اللَّهِ. إن قدَّمتَ "الدارَ" إلى "المُدْخِلِ"، وأَخَّرْتَ "عبدَ اللَّهِ"، خفَضَتَ "الدار"، إذ أُضيف "مُدخلٌ" إليها، ونُصِب "عبدُ اللَّهِ"، وإن قُدَّم "عبدُ اللَّهِ" إليه، وأخِّرتْ "الدارُ"، خُفِض "عبدُ اللهِ" بإضافةِ "مُدْخلٍ" إليه، ونُصِب "الدارُ"؛ وإنما فُعِل ذلك كذلك لأن الفعلَ - أعنى "مُدْخل" - يعملُ في كلِّ واحدٍ منهما نصبًا، نحوَ عملِه في الآخرِ؛ ومنه قولُ الشاعرِ

(1)

:

تَرَى الثَّوْرَ فيها مُدْخِلَ الظِّلِّ رأسَهُ

وسائِرُهُ بادٍ إِلى الشَّمْسِ أَجْمَعُ

أضاف "مُدْخلَ" إلى "الظلِّ"، ونَصَب "الرأسَ"؛ وإنما معنى الكلامِ: مُدْخلٌ رأسَه الظلَّ.

(1)

البيت مجهول القائل، وينظر في معاني القرآن 2/ 80، وتأويل مشكل القرآن ص 148، والهمع 2/ 123 برواية:"أكتع"، وكذا في الدرر اللوامع 2/ 156.

ص: 727

ومنه قولُ الآخرِ

(1)

:

فَرِشْنِى بِخَيْرٍ لَا أَكُونَ وَمِدْحَتِى

كناحِتِ يَوْمٍ صَخْرَةً بعَسِيلٍ

والعَسِيلُ الريشةُ جُمِع بها الطِّيبُ. وإنما معنى الكلامِ: كناحِتِ صخرةٍ يومًا بعسيلٍ.

وكذلك قولُ الآخرِ

(2)

:

* رُبَّ ابن عمٍّ لسُلَيْمَى مُشْمَعِلْ

(3)

*

* طبّاخِ ساعاتِ الكَرَى زَادَ

(4)

الكَسِلْ

(5)

*

وإنما معنى الكلامِ: طباخُ زادِ

(6)

الكَسِلِ ساعاتِ الكَرَى.

فأما من قرَأ ذلك: (فَلا تَحْسَبنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِه). فقد بيَّنا وجهَ بُعْدِه من الصحةِ في كلامِ العربِ في سورةِ "الأنعامِ" عندَ قولِه: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137] بما أغنى عن إعادتِه في هذا الموضعِ

(7)

.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا

(1)

الشاهد بلا نسبة في معاني القرآن 2/ 80، والدرر اللوامع 2/ 66 واللسان (ع س ل).

(2)

البيتان نسبا للشماخ في سيبويه 1/ 177، والكامل 1/ 199. ونسب الأول منها مع أبيات أخر في أراجيز العرب للبكرى ص 133 للجميح بن أخى الشماخ، وفى ديوان الشماخ ص 389 نسب لجبار بن جزء، وفي التاج (رفل) نسب لجندل بن حرى، وهو تصحيف عن جبار بن جزء. وينظر الخلاف فيها في الخزانة 4/ 237.

(3)

المشمعل: السريع الماضي. النهاية 2/ 510.

(4)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"دار".

(5)

الكَسِل: الكسلان. اللسان (ك س ل).

(6)

في ص، ف:"دار".

(7)

ينظر ما تقدم في 9/ 576، 577.

ص: 728

لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)}.

يقولُ تعالى ذكرُه: إن الله ذو انتقامٍ - يومَ تُبَدَّلُ الأَرضُ غيرَ الأَرضِ والسماواتُ

(1)

- مِن مشركي قومِك يا محمدُ من قريشٍ، وسائرِ مَن كفَر باللهِ، وجحَد نبوَّتَك ونبوَّةَ رسلِه من قبلِك، فـ {يَوْمَ} مِن صلةِ الانتقامِ.

واختُلِف في معنى قولِه: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} ؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: يومَ تُبدَّلُ الأرضُ التي عليها الناسُ اليومَ في دارِ الدنيا غيرَ هذه الأرضِ، فتصيرُ أرضًا بيضاءَ كالفِضةِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ، قال: سمِعتُ عمرَو بنَ ميمونِ يُحدِّثُ، عن عبدِ اللَّهِ، أنه قال في هذه الآيةِ:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ}

(2)

. قال: أرضٌ كالفضةِ نقيةٌ، لم يَسِلْ فيها دمٌ، ولم يُعْمَلْ فيها خطيئةٌ، يُسمِعُهم الداعى، ويَنفُذُهم البصرُ

(3)

، حُفاةً عُراةً قيامًا - أحسبُ قال: كما خُلِقوا - حتى يُلْجِمَهم العرقُ قيامًا وَحْدَه.

قال شعبةُ: ثم سمِعتُه يقولُ: سمِعتُ عمرَو بنَ ميمونٍ. ولم يَذْكُرْ عبدَ اللَّهِ، ثم عاودتُه فيه، قال: حدَّثنيه هبيرةُ، عن عبدِ اللهِ

(4)

.

(1)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(2)

بعده في م: "والسموات".

(3)

قال ابن الأثير: يقال: نفذنى بصره. إذا بلغنى وجاوزنى، وقيل: المراد به ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتى عليهم كلهم. وقيل: أراد ينفذهم بصر الناظر؛ لاستواء الصعيد. النهاية 5/ 91.

(4)

أخرجه أحمد في العلل 2/ 176 (1215) عن محمد بن جعفر به، وأخرجه الحاكم 4/ 570 من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم عن عبد الله، وصحح إسناده. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 90 إلى عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث. =

ص: 729

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ عبادٍ، قال: أخبَرنا شعبةُ، قال: أخبَرنا أبو إسحاقَ، قال: سمِعتُ عمرَو بنَ ميمونٍ، وربما قال: قال عبدُ اللَّهِ. وربما لم يَقُلْ، فقلتُ له: عن عبدِ اللهِ؟ قال: سمِعتُ عمرَو بنَ ميمونٍ يقولُ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} . قال: أرضٌ كالفضةِ بيضاءُ نقيةٌ، لم يُسْفَكْ

(1)

فيها دمٌ، ولم يُعْمَلْ فيها خطيئةٌ، فيَنْفُذُهم البصرُ، ويُسْمِعُهم الداعى، حُفاةً عُراةً كما خُلِقوا - قال: أُرَاه قال: قيامًا - حتى يُلْجمهم العرقُ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن عمرِو بن ميمونٍ، عن ابن مسعودٍ في قولِه:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} . قال: تُبدَّلُ أرضًا بيضاء نقيةً كأنها فضةٌ، لم يُسفَكْ فيها دمٌ حرامٌ، ولم يُعملْ فيها خطيئةٌ

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، قال: أخبَرنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ، عن عمرٍو بن ميمونٍ، عن عبدِ اللهِ في قولِه:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} . قال: أرضُ الجنةِ بيضاءُ نقيةٌ، لم يُعمَل فيها خطيئةٌ، يُسْمِعُهم الداعى، ويَنفُذُهم البصرُ، حُفاةً عُراةً قيامًا، يُلْجِمُهم العرقُ.

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن

= وقد روى عن عبد الله مرفوعا؛ أخرجه البزار (1859)، والطبراني في الكبير (10323)، وفى الأوسط (7167)، وابن عدى 2/ 547، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 90، إلى ابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في البعث، وقال البيهقي: الموقوف أصح.

(1)

في م، ت 1، ت 2:"يسل"، والمثبت موافق لما في مصدر التخريج.

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 438 عن شعبة به.

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الأهوال (67)، وأبو الشيخ في العظمة (600)، والحاكم 4/ 570، من طريق إسرائيل به. وصحح الحاكم إسناده، وسقط أول إسناد ابن أبي الدنيا.

ص: 730

أبي إسحاقَ، عن عمرِو بن ميمونٍ:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} . قال: أرضٌ بيضاءُ كالفضةِ، لم يُسْفكْ فيها دمٌ حرامٌ، ولم

(1)

يُعمَلْ فيها خطيئةٌ

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ عبادٍ، قال: ثنا حمادُ بن زيدٍ، قال: أخبَرَنا عاصمُ بن بَهْدلةَ، عن زِرِّ بن حُبيشٍ، عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ: أنه تلا هذه الآيةَ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} . قال: يُجاءُ بأرضٍ بيضاءَ كأنها سبيكةُ فضةٍ، لم يُسْفكْ فيها دمٌ، ولم يُعمَلْ عليها خطيئةٌ. قال: فأوّلُ ما يُحكَمُ بينَ الناسِ فيه في الدماءِ

(3)

.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا معاويةُ بنُ هشامٍ، عن شيبانَ

(4)

، عن جابرٍ الجُعْفيِّ، عن أبي جَبيرةَ، عن زيدٍ، قال: أرسَل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى اليهودِ، فقال:"هلْ تَدْرون لِمَ أَرْسَلْتُ إليهم"؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ. قال: "فإنى أرْسَلْتُ إليهم أسأَلُهم عن قولِ اللَّهِ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} إِنَّهَا تَكُونُ يومَئِذٍ بَيْضَاءَ مثْلَ الفِضَّةِ". فلما جاءوا سأَلهم، فقالوا: تكونُ بيضاءَ مثلَ النَّقِيِّ

(5)

.

حدَّثنا أبو إسماعيلَ الترمذيُّ، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني ابن لَهِيعةَ، عن يزيدَ بن أبي حبيبٍ، عن سنانِ

(6)

بن سعدٍ، عن أنس بن مالك، أنه

(7)

تلَا هذه الآيةَ:

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"لا".

(2)

تفسير الثورى ص 158، وعنه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 344.

(3)

أخرجه الطبراني (9001) من طريق حماد بن زيد به.

(4)

في م، ت 2، وتفسير ابن كثير:"سنان". وينظر تهذيب الكمال 12/ 592.

(5)

النقى: يعنى به الخبز الحُوَّارَى. النهاية 5/ 112.

والأثر ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 438 عن المصنف. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 90 إلى ابن مردويه.

(6)

في ص، ت 1، ف:"شيبان". وينظر تهذيب الكمال 10/ 265، والجرح والتعديل 4/ 251.

(7)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"قال و".

ص: 731

{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} . قال: يُبدِّلُها اللَّهُ يومَ القيامةِ بأرضٍ من فضةٍ، لم يُعمَل عليها الخطايا، يَنزِلُها الجبَّارُ تبارك وتعالى

(1)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثني الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا ورقاءُ، وحدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاءُ، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} . قال: أرضٌ كأنها الفضةُ. زاد الحسنُ في حديثِه عن شبابةَ: والسماواتُ كذلك أيضًا كأنها الفضةُ

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قال: أرضٌ كأنها الفضةُ، والسماواتُ كذلك أيضًا.

حدَّثنا ابن البَرْقيِّ، قال: ثنا ابن أبى مريمَ، قال: أخبَرنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنى أبو حازمٍ، قال: سِمعتُ سهلَ بنَ سعدٍ يقولُ: سمِعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القيامةِ على أرضٍ بَيْضاءَ عَفراءَ كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ". قال سهلٌ أو غيرُه: ليس فيها مَعْلمٌ لأحدٍ

(3)

.

وقال آخرون: تُبدَّلُ نارًا.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 91 إلى المصنف وابن مردويه.

(2)

تفسير مجاهد ص 414. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 91 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

(3)

في النسخ: "لغيره". والأثر أخرجه البخاري (6521)، والروياني في مسنده (1069)، والطبراني (5831)، والبغوى في شرح السنة (4305) من طريق ابن أبي مريم به، ومسلم (2790)، والبغوى في تفسيره 4/ 361 من طريق محمد بن جعفر به. والطبراني (5908) من طريق أبي حازم به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 91 إلى ابن مردويه.

ص: 732

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا ابن فُضَيلٍ، عن الأعمشِ، عن المنهالِ بن عمرٍو، عن قيس بن السَّكن، قال: قال عبدُ اللهِ: الأرضُ كلُّها نارٌ يومَ القيامةِ، والجنةُ مِن ورائِها، تُرَى أكوابُها وكواعبُها، والذي نفسُ عبدِ اللهِ بيدِه، إن الرجلَ ليَفِيضُ عرقًا حتى يرشَحَ

(1)

في الأرضِ قدمُه، ثم يرتفعُ حتى يَبْلُغَ أَنفَه، وما مسَّه الحسابُ.

فقالوا: مِمَّ ذاك يا أبا عبدِ الرحمنِ؟ قال: مما يَرَى الناسُ و

(2)

يَلْقَون

(3)

.

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ

(4)

، عن الأعمشِ، عن خَيْثَمةَ، قال: قال عبدُ اللَّهِ: الأرضُ كلُّها يومَ القيامةِ نارٌ، والجنةُ من ورائِها، تُرَى كواعبُها وأكوابُها، ويُلْجِمُ الناسَ العرقُ، أو يَبلُغُ منهم العرقُ، ولم يَبلُغوا الحسابَ

(5)

.

وقال آخرون: بل تُبدَّلُ الأرضُ أرضًا من فضةٍ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، قال: سمِعتُ المغيرةَ بنَ مالكٍ، يُحدِّثُ عن المُجَاشِعِ أو المُجَاشِعيِّ - شكَّ أبو موسى - عمَّن سمِع عليًّا يقولُ في هذه الآيةِ:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} . قال: الأرضُ من فضةٍ، [والجنةُ]

(6)

من ذهبٍ.

(1)

في ت 1، وتفسير ابن كثير:"ترسخ".

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف، وابن كثير.

(3)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 439 عن الأعمش به.

(4)

في النسخ: "أبو سفيان". وينظر تهذيب الكمال 12/ 76، 17/ 430.

(5)

أخرجه الطبراني (8771) من طريق الأعمش به.

(6)

كذا في النسخ، وصفة الجنة والأهوال لابن أبي الدنيا، والذي في تفسير ابن كثير 4/ 439، والبداية والنهاية 19/ 400 نقلا عن الأهوال:"والسموات"، وفى الدر المنثور 4/ 91:"والسماء".

ص: 733

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن شعبةَ، عن المغيرةِ بن مالكٍ، قال: ثنى رجلٌ من بنى مُجاشِعٍ، يقالُ له: عبدُ الكريمِ، أو أبو

(1)

عبدِ الكريمِ، قال: ثنى هذا الرجلُ أَرَاه بسَمَرْقَنْدَ. أنه سمِع عليَّ بنَ أبي طالبٍ قرأ هذه الآيةَ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} . قال: الأرضُ من فضةٍ، [والجنةُ]

(2)

من ذهبٍ.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن شعبةَ، عن مغيرةَ بن مالكٍ، عن رجلٍ من بنى مُجاشعٍ، يقالُ له: عبد الكريمِ، أو

(3)

يكنى أبا عبدِ الكريمِ، قال: أقامني على رجلٍ بخُراسانَ، فقال: حدَّثني هذا أنه سمِع عليَّ بنَ أبي طالبٍ، فذكَر نحوَه

(4)

.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} الآية. فزعَم أنها تكونُ فضةً

(5)

.

حدَّثنا محمدُ بنُ إسماعيل، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني ابن لَهِيعةَ، عن يزيدَ بن أبي حبيبٍ، عن سنانِ

(6)

بن سعدٍ، عن أنسِ بن مالكٍ، قال: يُبدِّلُها اللَّهُ يومَ القيامةِ بأرضٍ من فضةٍ.

وقال آخرون: يُبدِّلُها خُبْزةً.

(1)

في النسخ: "ابن"، وينظر الأثر التالي ومصادر التخريج فيه.

(2)

ينظر التعليق على الأثر السابق.

(3)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"و".

(4)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (62)، وفى الأهوال (68) من طريق وكيع به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 91 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

(5)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 91 إلى المصنف.

(6)

في ص، ت 1، ف:"شيبان"، وينظر ما تقدم في ص 731.

ص: 734

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو سعدٍ سعيدُ بن دلٍّ من صَغانيانَ

(1)

، قال: ثنا الجارودُ بن معاذٍ الترمذِيُّ، قال: ثنا وكيعُ بنُ الجراحِ، عن عمرَ

(2)

بن بشير

(3)

الهَمْدانيِّ، عن سعيدِ بن جبيرٍ في قولِه:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} . قال: تُبدَّلُ خُبزةً بيضاءَ، يأكلُ المؤمنُ من تحت قدميه

(4)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا وكيعٌ، عن أبي معشرٍ، عن محمدِ بن كعبٍ القُرظَيِّ، أو عن محمدِ بن قيسٍ:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} . قال: خُبْزَةً يأكُلُ منها المؤمنون من تحت أقدامِهم.

وقال آخرون: تُبدَّلُ الأَرضُ غير الأرضِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا عليُّ بنُ سهلٍ، قال: ثنا حجاجُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ بن أنسٍ، عن كعبٍ في قولِه:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} . قال: تَصِيرُ السماواتُ جِنانًا، ويَصِيرُ مكانَ البحرِ النارُ. قال: وتُبدَّلُ الأرضُ غيرَها

(5)

.

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ محمدٍ المُحاربيُّ، عن إسماعيلَ

(1)

ولاية عظيمة بما وراء النهر، متصلة الأعمال بترمذ. ينظر البلدان 3/ 393.

(2)

في ت 1، ت 2، ف:"عمرو".

(3)

في م، ف:"بشر". وينظر الجرح والتعديل 6/ 100.

(4)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 439 عن وكيع به.

(5)

أخرجه أبو نعيم في الحلية 5/ 370 من طريق أبي جعفر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 91 إلى ابن أبي حاتم. ووقع في الدر "أبي بن كعب" بدلا من "كعب".

ص: 735

ابن رافعٍ المدنيِّ، عن يزيدَ، عن رجلٍ من الأنصارِ، عن محمدِ بن كعبٍ القرظيِّ عن رجلٍ من الأنصارِ، عن أبي هريرةَ، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: " [يُبَدِّلُ اللهُ]

(1)

الأَرْضَ غيرَ الأَرْضِ والسَّمَاوَاتِ، فَيبسطُها ويَسْطَحُها ويَمُدُّها مَدَّ الأديمِ العُكاظِيِّ، لا تَرَى فيها عِوَجًا ولا أمْتًا، ثُمَّ يَزْجرُ اللهُ الخَلْقَ زَجْرَةً، فإذا هم في هذه المُبَدَّلَةِ في مِثْلِ مَواضِعِهم من الأُولى؛ ما كانَ في بَطْنِها [ففي بَطْنِها]

(2)

، وما كانَ على ظَهْرِها كانَ على ظَهْرِها، وذلك حينَ يَطْوِى السماوَاتِ كَطَيِّ السِّجِلِّ للكِتَابِ، ثُمَّ يَدْحُو بهما، ثُمَّ تُبَدَّلُ الأرضُ غيرَ الأَرْضِ والسَّمَاوَاتُ"

(3)

.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا الحكمُ بنُ بشيرٍ، قال: ثنا عمرُو بنُ قيسٍ، عن أبي إسحاقَ، عن عمرِو بن ميمونٍ الأَوْدِيِّ، قال: يُجْمَعُ الناسُ يومَ القيامةِ في أرضٍ بيضاءَ، لم يُعْمَلْ فيها خطيئةٌ، مقدارَ أربعين سنةً، يُلْجمُهم العرقُ.

وقالت عائشةُ في ذلك ما حدَّثنا ابن أبى الشواربِ وحميدُ بنُ مسعدةَ وابنُ بَزِيعٍ، قالوا: ثنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، عن داودَ، عن عامرٍ، عن عائشةَ، قالت: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إذا بُدِّلَت الأرضُ غيرَ الأرضِ، وبَرَزُوا للهِ الواحدِ القهَّارِ، أين الناسُ يومئذٍ؟ قال:"على الصِّرَاطِ"

(4)

.

حدَّثنا حميدُ بنُ مسعدةَ وابنُ بَزِيعٍ، قالا: ثنا بشرُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا داودُ، عن عامرٍ، عن عائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوَه

(5)

.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"تبدل".

(2)

سقط من: ص، ت 1، ت 2، ف.

(3)

جزء من حديث الصور الطويل. وينظر ما تقدم في 3/ 597.

(4)

أخرجه أحمد 6/ 134، 218 (الميمنية) من طريق داود به.

(5)

في ص: "مثله".

ص: 736

حدَّثني إسحاقُ بنُ شاهينٍ، قال: ثنا خالدٌ، عن داودَ، عن عامرٍ، عن مسروقٍ، قال: قلت لعائشةَ: يا أمَّ المؤمنين، أرَأيتِ قولَ اللَّهِ:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} : أين الناسُ يومئذٍ؟ فقالت: سأَلتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "عَلى الصِّرَاطِ"

(1)

.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا الحسنُ بنُ عنبسةَ الورَّاقُ، قال: ثنا [عبدُ الرحيمِ]

(2)

- يعنى ابنَ سليمانَ الرازيَّ، عن داودَ بن أبي هندٍ، عن عامرٍ، عن مسروقٍ، عن عائشةَ، قالت: سأَلتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن قولِ اللهِ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} . قلت: يا رسولَ اللهِ، إِذا بُدِّلت الأرضُ غيرَ الأرضِ، أين يكونُ الناسُ؟ قال:"على الصِّرَاطِ".

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عاصمُ بنُ عليٍّ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ زكريا، عن داودَ، عن عامرٍ، عن مسروقٍ، عن عائشةَ بنحوِه.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبدُ الأعلى، قال: ثنا داودُ، عن عامرٍ، عن عائشةَ أمِّ المؤمنين، قالت: أنا أولُ الناسِ سأَل رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآيةِ. ثم ذكَر نحوَه.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا رِبْعِيُّ بنُ إبراهيمَ الأَسَديُّ، أخو إسماعيلَ بن إبراهيمَ

(3)

، عن داودَ بن أبي هندٍ، عن عامرٍ، قال: قالت عائشةُ: يا رسولَ اللَّهِ، أرأيتَ إذا بُدِّلت الأرضُ غيرَ الأرضِ، أين الناسُ يومَئذٍ؟ قال:"على الصِّراطِ".

(1)

أخرجه الدارمي 2/ 328، 329 من طريق خالد به، وأخرجه الحميدى (274)، وأحمد 6/ 35 (الميمنية)، ومسلم (2791)، والترمذي (3121)، وابن ماجه (4279)، وابن حبان (331، 7380)، وأبو الفضل الزهرى في حديثه (356)، والحاكم 2/ 352، والبغوى في تفسيره 4/ 362 من طريق داود به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 90 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.

(2)

في ص، ف:"عبد الرحمن". وينظر تهذيب الكمال 18/ 36.

(3)

في ص، ف:"هشيم". وينظر تهذيب الكمال 9/ 52.

ص: 737

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا عليُّ بنُ الجَعْدِ، قال: أخبَرنى القاسمُ، قال: سمِعتُ الحسنَ، قال: قالت عائشةُ: يا رسولَ اللَّهِ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} : فأين الناسُ يومئذٍ؟ قال: "إن هذا لشيءٌ

(1)

ما سأَلَني عنه أحدٌ". قال: "على الصراطِ يا عائشةُ"

(2)

.

حدَّثنا الحسنُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ إبراهيمَ، قال: ثني الوليدُ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن حسانَ بن بلالٍ المزنيِّ، عن عائشةَ، أنها سأَلتْ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن قولِ اللهِ:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} . قال: قالتْ: يا رسولَ اللهِ، فأين الناسُ يومئذٍ؟ قال:"لقد سألتِني عن شيءٍ ما سألنِي عنه أحدٌ مِن أمَّتي، ذاك إذا الناسُ على جِسْرِ جهنمَ".

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} : ذُكِر لنا أن عائشةَ قالت: يا نبيَّ

(3)

اللهِ، فأين الناسُ يومَئذٍ؟ فقال:"لقد سألتِني عن شيءٍ ما سأَلني عنه أحدٌ مِن أمتى قبلَكِ". قال: "هم يومَئِذٍ على جِسْرِ جَهَنَّمَ".

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ، أن عائشةَ سأَلت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فذكَر نحوَه، إلا أنه قال:"على الصراطِ"

(4)

.

حدَّثنا ابن عبدِ الأعلى، قال: ثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن يحيى بن أبى كثيرٍ،

(1)

في م: "الشيء".

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الأهوال (69) عن علي بن الجعد به، وأخرجه أحمد 6/ 101 (الميمنية) من طريق القاسم به.

(3)

في م: "رسول".

(4)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 344 عن معمر به.

ص: 738

عن أبي

(1)

أسماءَ، عن ثوبانَ، قال: سأل حَبْرٌ من اليهودِ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: أين الناسُ يومَ تُبدَّلُ الأرضُ غيرَ الأرضِ؟ قال: "هم في الظُّلْمَةِ دونَ الجِسْرِ"

(2)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عوفٍ

(3)

، قال: ثنا أبو المغيرةِ، قال: ثنا ابن أبي مريمَ، قال: ثنا سعيدُ بنُ ثَوْبَانَ الكَلاعيُّ، عن أبي أيوبَ الأنصاريِّ، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَبرٌ من اليهودِ، وقال: أرأيتَ إذ يقولُ اللهُ في كتابِه: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} : فأين الخلقُ عندَ ذلك؟ قال: "أَضْيافُ اللَّهِ، فلن يُعجِزَهم ما لديه"

(4)

.

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: معناه: يومَ تُبدَّلُ الأرضُ التي نحن عليها اليومَ، يومَ القيامةِ غيرَها، وكذلك السماواتُ اليومَ تُبدَّلُ غيرَها، كما قال جلَّ ثناؤُه، وجائزٌ أن تكونَ المبدَّلةُ أرضًا أُخرى من فضةٍ، وجائزٌ أن تكونَ نارًا، وجائزٌ أن تكونَ خُبزًا، وجائزٌ أن تكونَ غيرَ ذلك، ولا خبرَ في ذلك عندَنا من الوجهِ الذي يَجِبُ التسليمُ له أيُّ ذلك يكونُ، فلا قولَ في ذلك يَصِحُّ إلا ما دلَّ عليه ظاهرُ التنزيلِ.

وبنحوِ ما قلنا في معنى قولِه: {وَالسَّمَاوَاتُ} قال أهلُ التأويلِ.

(1)

سقط من النسخ. وينظر مصادر التخريج، وتهذيب الكمال 22/ 223.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (20884) عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن ثوبان مطولًا، وأخرجه مسلم (315)، والنسائى في الكبرى (9073)، وابن خزيمة (232)، وأبو عوانة 1/ 293، والطبراني (1414)، والحاكم 3/ 481، وأبو نعيم في الحلية 1/ 351، والبيهقي في سننه 1/ 169، وفي الدلائل 6/ 263 من طريق أبي سلام عن أبي أسماء به مطولًا.

(3)

في النسخ: "عون". والمثبت موافق لما في تفسير ابن كثير 4/ 438 نقلًا عن المصنف، وينظر تهذيب الكمال 26/ 236.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم - كما في تفسير ابن كثير 4/ 438 - من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 91 إلى أحمد وأبي نعيم في الدلائل، وينظر فتح البارى 11/ 375.

ص: 739

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} . قال: أرضًا كأنها الفضةُ، والسماواتُ كذلك أيضًا

(1)

.

وقولُه: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} . يقولُ: وظهَروا للهِ المنفردِ بالربوبيةِ - الذي يَقْهَرُ كُلَّ شيءٍ فيَغِلبُه، ويَصرِفُه لما يشاءُ، كيف يشاءُ، فَيُحْيِي خَلْقَه إِذا شاء، ويُمِيتُهم إذا شاء، لا يَغلِبُه شيءٌ ولا يَقهَرُه - من قبورِهم أحياءً الموقفِ القيامةِ.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالَى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)} .

يقولُ تعالى ذكرُه: وتُعايِنُ الذين كفَروا باللهِ، فاجتَرموا في الدنيا الشركَ {يَوْمَئِذٍ}. يعنى: يومَ تُبدَّلُ الأرضُ غيرَ الأرضِ والسماواتُ: {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} . يقولُ: مقرنةً أيديهم وأرجلُهم إلى رقابِهم بالأصفادِ، وهى الوَثاقُ من غُلٍّ وسلسلةٍ، واحدُها صَفَدٌ، يُقالُ منه: صَفَدْتُه في الصَّفَدِ صَفْدًا وصِفادًا، والصَّفَادُ: القيدُ، ومنه قولُ عمرِو بن كُلثومٍ

(2)

.

فَآبُوا بالنِّهابِ وبالسَّبابا

وأُبْنا بالمُلُوكِ مُصَفَّدِينا

ومن جعَل الواحدَ من ذلك صِفادًا، جمَعه صُفُدًا لا أصفادًا. وأما من العطاءِ، فإنه يقالُ منه: أصفدتُه إصفادًا، كما قال الأعشى

(3)

:

(1)

تقدم في ص 732.

(2)

البيت في شرح القصائد السبع 412، وشرح القصائد التسع لابن النحاس 2/ 820.

(3)

ديوانه ص 65.

ص: 740

تَضَيَّفْتُه

(1)

يَوْمًا [فَأَكْرَمَ مَجْلِسِى]

(2)

وأَصْفَدَنِي عندَ

(3)

الزَّمانَةِ قائِدًا

وقد قيل في العطاءِ أيضًا: صفَدنى صَفْدًا، كما قال النابغةُ الذبيانيُّ

(4)

:

هذا الثَّناءُ فَإِنْ تَسْمَعْ لقائلِه

[فما عَرَضْتُ]

(5)

أَبَيْتَ اللَّعْنَ بالصَّفَدِ

وبنحوِ الذي قلنا في معنى قولِه: {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} . قال أهلُ التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنى عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه:{مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} . يقولُ: في وَثَاقٍ

(6)

.

حدَّثني محمدُ بنُ عيسى الدامَغانيُّ، قال: ثنا ابن المباركِ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ، قال: الأصفادُ السلاسلُ.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:{مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} . قال: مقرّنين في القيودِ والأغلالِ

(7)

.

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا عليُّ بنُ هاشمِ بن البريدِ، قال: سمعتُ الأعمَشَ يقولُ: الصَّفَدُ القيدُ

(8)

.

(1)

في ص: "نصصه"، وفى ت 1:"بتضيفته"، وفى ت 2:"مصعفه"، وفى ف:"تنصفته".

(2)

في الديوان: "فقرب مقعدي".

(3)

في الديوان: "على".

(4)

ديوانه ص 24.

(5)

في الديوان: "فلم أعرض".

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 91 إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(7)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 344 عن معمر به.

(8)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 440.

ص: 741

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ في قولِه: {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} . قال: صُفِدت فيها أيديهم وأرجلُهم ورقابُهم، والأصفادُ الأغلالُ

(1)

.

وقولُه: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} . يقولُ: قُمُصُهم التي يَلْبَسونها، واحدُها سِرْبالٌ، كما قال امرؤ القيسِ

(2)

:

* لَعُوبٍ تُنَسِّينِى إِذَا قُمْتُ سِرْبالي *

حدَّثني يونس، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} . قال: السرابيلُ القُمْصُ

(3)

.

وقولُه: {مِنْ قَطِرَانٍ} . يقولُ: من القطِرانِ الذي يُهْنأُ

(4)

به الإبلُ، وفيه لغاتٌ ثلاثٌ؛ يقالُ:"قَطِران" و"قَطْران" بفتح القافِ وتسكينِ الطاءِ منه. وقيل: إن عيسى بنَ عمرَ

(5)

كان يقرَأُ: (مِنْ قِطْرَانٍ) بكسرِ القافِ وتسكينِ الطاءِ

(6)

. ومنه قولُ أبي النَّجمِ

(7)

:

* جَوْنٌ كَأَنَّ العَرَقَ المَنتُوحَا *

* لَبَّسَهُ القِطْرَانَ والمُسُوحَا *

بكسرِ القافِ، وقال أيضًا:

(1)

ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 440.

(2)

ديوانه ص 30.

(3)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 91 إلى المصنف.

(4)

هنا الإبل يَهنَؤُها ويهنئها ويَهنُؤُها مثلثة النون؛ طلاها بالهِنَاءِ وهو القطران. التاج (هـ ن أ).

(5)

بعده في ص، ت 1، ت 2، ف:"كذلك".

(6)

وهي قراءة شاذة.

(7)

ديوانه ص 83.

ص: 742

كأنَّ قِطْرَانًا إِذًا تَلاهَا

تَرْمى بِهِ الرِّيحُ إِلى مَجْرَاها

بالكسر.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك يقولُ مَن قرَأ ذلك كذلك.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن الحسنِ:{مِنْ قَطِرَانٍ} . يعني: الخَضْحَاضُ، هِنَاءُ الإبلِ.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسنِ:{مِنْ قَطِرَانٍ} . قال: قَطِرانُ الإبلِ

(1)

.

وقال بعضُهم: القَطِرانُ النُّحاسُ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال:{قَطِرَانٍ} : نُحاسٍ. قال ابن جريجٍ: قال ابن عباسٍ: {مِنْ قَطِرَانٍ} : نُحاسٍ

(2)

.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا أبو سفيانَ، عن معمرٍ، عن قتادةَ:

(1)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 4/ 344 عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 91 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

(2)

أثر مجاهد ذكره ابن كثير في تفسيره 4/ 440 عنه، وأثر ابن عباس سيأتي في ص 745.

ص: 743

{مِن قَطِرَانٍ} . قال: مِن

(1)

نُحاسٍ

(2)

.

وبهذه القراءةِ - أعنى: بفتحِ القافِ وكسرِ الطاءِ، وتصيِيرِ ذلك كلِّه كلمةً واحدةً - قرَأ ذلك جميعُ قرأةِ الأمصارِ، وبها نقرَأُ؛ لإجماعِ الحجةِ من القرأةِ عليه.

وقد رُوِى عن بعضِ المتقدمين أنه كان يقرَأُ ذلك: (مِنْ قَطْرٍ آنٍ)

(3)

بفتحِ القافِ وتسكينِ الطاءِ وتنوينِ الراءِ وتصيِيرِ "آنٍ" من نعتِه، وتوجيهِ معنى "القَطْرِ" إلى أنه النُّحاسُ، ومعنى "الآنِ" إلى أنه الذي قد انتهى حرُّه في الشدَّةِ.

وممن كان يقرأُ ذلك كذلك - فيما ذُكِر لنا - عكرمةُ مولي ابن عباسٍ، حدَّثني بذلك أحمدُ بنُ يوسفَ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبَرنا حُصَينٌ عنه

(4)

.

‌ذكرُ مَن تأوَّل ذلك على هذه القراءةِ التأويلَ الذي ذكرتُ فيه

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ في قولِه:(سرابيلُهم من قطرٍ آنٍ). قال: صفرٌ

(5)

، والآنُ الذي قد انتهى حرُّه

(6)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا داودُ بنُ مِهْرانَ، عن يعقوبَ، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ نحوَه.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا هشامٌ، قال: ثنا يعقوبُ القُمِّيُّ، عن

(1)

في النسخ: "هي". والمثبت من مصدر التخريج.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 344 عن معمر به.

(3)

وهي قراءة شاذة.

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 92 إلى المصنف وأبي عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر مطولًا.

(5)

في النسخ: "قطر". والصواب المثبت، وهو موافق لما في مصدر التخريج.

(6)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 92 إلى ابن أبي حاتم.

ص: 744

جعفرٍ، عن سعيدٍ بنحوِه.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ أبي حمادٍ، قال: ثنا يعقوبُ القُمِّيُّ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ بن جبيرٍ، أنه كان يقرَأُ:(سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ).

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عفانُ، قال: ثنا المباركُ بنُ فَضَالةَ، قال: سمِعتُ الحسنَ يقولُ: كانت العرب تقولُ للشيءِ إذا انتهى حرُّه: قد أَنَى حرُّ هذا، قد أُوقِدتْ عليه جهنمُ منذ خُلِقتْ، فَأَنَى حرُّها

(1)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ سعيدٍ، قال: ثنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ بن أنسٍ في قولِه:(سَرَابِيلُهُمْ من قَطْرٍ آنٍ). قال: القَطْرُ النُّحاسُ. والآنُ: يقولُ: قد أَنى حرُّه، وذلك أنه يقولُ:{حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44].

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عفانُ بنُ مسلمٍ، قال: ثنا ثابتُ بنُ يزيدَ، قال: ثنا هلالُ بنُ خَبَّابٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ في هذه الآيةِ:(سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ). قال: من نُحاسٍ. قال: آنٍ: أنى لهم أن يُعَذَّبُوا به

(2)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال: أخبَرنا هشيمٌ، عن حصينٍ، عن عكرمة في قولِه:(مِنْ قَطْرٍ آنٍ). قال: الآنُ

(3)

الذي قد انتهَى حرُّه.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن

(1)

ينظر البحر المحيط 5/ 440.

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 92 إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

في م: "الآني".

ص: 745

ابن عباسِ قولَه: (مِنْ قَطْرٍ آنٍ). قال: هو النحاسُ المذابُ

(1)

.

حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا عبدُ الوهابِ بنُ عطاءٍ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ:(مِنْ قَطْرٍ آنٍ). يعنى: الصُّفْرُ المذابُ.

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، [عن مَعْمَرٍ]

(2)

، عن قتادةَ:(سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ). قال: من نُحاسٍ

(3)

.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا هشامٌ، قال: ثنا أبو حفصٍ، عن هارونَ، عن قتادةَ أنه كان يقرأُ:(مِنْ قَطْرٍ آنٍ). قال: من صُفْرٍ قد انتهَى حرُّه. وكان الحسنُ يَقرؤُها: (مِنْ قَطْرٍ آنٍ).

وقولُه: {وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} . يقولُ: وتَلْفَحُ وجوهَهم النارُ، فتحرقُها؛ {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ}. يقولُ: فعَل اللهُ ذلك بهم؛ جزاءً لهم بما كسَبوا من الآثامِ في الدنيا، كيما يُثيبَ كلَّ نفسٍ بما كسَبت من خيرٍ وشرٍّ، فيَجْزِيَ المحسنَ بإحسانِه، والمسيءَ بإساءتِه، {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. يقولُ: إن الله عالمٌ بعملِ كلِّ عاملٍ، فلا يحتاجُ في إحصاءِ أعمالِهم إلى عَقْدِ كفٍّ ولا معاناةٍ، وهو سريعٌ حسابُه لأعمالِهم، قد أحاط بها عِلْمًا، لا يَعْزُبُ عنه منها شيءٌ، وهو مجازيهم على جميعِ ذلك صغيرِه وكبيرِه.

‌القولُ في تأويلِ قولِه تعالَى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} .

يقولُ تعالَى ذكرُه: هذا القرآنُ بلاغٌ للناسِ، أبلَغَ الله به إليهم، في الحجةِ عليهم وأعذَرَ إليهم، بما أنزَل فيه من مواعظِه وعبرِه.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم - كما في الإتقان 2/ 22 - من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 91، 92 إلى ابن المنذر.

(2)

سقط من النسخ، وهو إسناد دائر.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 344 عن معمر به.

ص: 746

{وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} . يقولُ: وليُنذَروا عقابَ اللَّهِ، ويحذَروا به نقمَاتِه، أَنزَله إلى نبيِّه صلى الله عليه وسلم.

{وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} . يقولُ: وليعلَمُوا بما احْتَجَّ به عليهم من الحُججِ فيه، أنما هو إله واحدٌ، لا آلهةٌ شتَّى، كما يقولُه المشركون باللهِ، وألَّا إلهَ إلا هو، الذي له ما في السماواتِ وما في الأرضِ، الذي سخَّر لهم الشمسَ والقمرَ، والليلَ والنهارَ، وأنزَل من السماءِ ماءً، فأخرَج به من الثمراتِ رزقًا لهم، وسخَّر لهم الفُلكَ لتجرى في البحرِ بأمرِه، وسخَّر لهم الأنهارَ.

{وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} . يقول: وليتذكَّرَ فيتعظَ بما احتجَّ اللهُ به عليه، من حُجَجِه التي في هذا القرآنِ، فينزجرَ عن أن يجعَلَ معه إلهًا غيرَه، ويُشْرِكَ

(1)

في عبادتِه شيئًا سواه - أهلُ الحِجَى والعقولِ، فإنهم أهلُ الإعتبارِ والادِّكارِ، دونَ الذين لا عقولَ لهم ولا أفهام، فإنهم كالأنعامِ، بل هم أضلُّ سبيلًا.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويلِ.

‌ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ} . قال: القرآنُ. {وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} . قال: بالقرآنِ. {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}

(2)

.

آخرُ تفسيرِ سورةِ إبراهيمَ صلى الله عليه وآله وسلم،

يتلوه تفسيرُ سورةِ الحجرِ، وصلَّى اللهُ على محمدٍ النبيِّ وآلِه وسلَّم.

(1)

في ص، ت 1، ت 2، ف:"يشركه".

(2)

عزاه السيوطي في الدر المنثور 4/ 92 إلى المصنف وابن أبي حاتم.

ص: 747