الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاخْتَلَفُوا مِنَ الْعَبِيدِ فِي مَسَائِلَ:
إِحْدَاهَا - كَمَا قُلْنَا -: وُجُوبُ زَكَاتِهِ عَلَى السَّيِّدِ إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ أَوْ لَا يَمْلِكُ.
وَالثَّانِيَةُ: فِي الْعَبْدِ الْكَافِرِ هَلْ يُؤَدِّي عَنْهُ زَكَاتَهُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ الْكَافِرِ زَكَاةٌ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهِ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمُ: اخْتِلَافُهُمْ فِي الزِّيَادَةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ:«مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ، فَإِنَّهُ قَدْ خُولِفَ فِيهَا نَافِعٌ بِكَوْنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا الَّذِي هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ مِنْ مَذْهَبِهِ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنِ الْعَبِيدِ الْكُفَّارِ.
وَلِلْخِلَافِ أَيْضًا سَبَبٌ آخَرُ: وَهُوَ كَوْنُ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ هَلْ هِيَ لِمَكَانِ أَنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ أَوْ أَنَّهُ مَالٌ؟ فَمَنْ قَالَ: لِمَكَانِ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ اشْتَرَطَ الْإِسْلَامَ، وَمَنْ قَالَ: لِمَكَانِ أَنَّهُ مَالٌ لَمْ يَشْتَرِطْهُ. قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أُعْتِقَ وَلَمْ يُخْرِجْ عَنْهُ مَوْلَاهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَاتِ.
وَالثَّالِثَةُ: فِي الْمُكَاتَبِ: فَإِنَّ مَالِكًا وَأَبَا ثَوْرٍ قَالَا: يُؤَدِّي عَنْهُ سَيِّدُهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: تَرَدُّدُ الْمَكَاتَبِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ.
وَالرَّابِعَةُ: فِي عَبِيدِ التِّجَارَةِ: ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ فِي عَبِيدِ التِّجَارَةِ صَدَقَةٌ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ: مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلْعُمُومِ، وَذَلِكَ أَنَّ عُمُومَ اسْمِ الْعَبْدِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي عَبِيدِ التِّجَارَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ هَذَا الْعُمُومَ مُخَصَّصٌ بِالْقِيَاسِ، وَذَلِكَ هُوَ اجْتِمَاعُ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي عَبِيدِ الْعَبِيدِ، وَفُرُوعُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ.
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مِمَّاذَا تَجِبُ زكاة الفطر]
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
مِمَّاذَا تَجِبُ؟
وَأَمَّا مِمَّاذَا تَجِبُ؟ فَإِنَّ قَوْمًا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهَا تَجِبُ إِمَّا مِنَ الْبُرِّ أَوِ التَّمْرِ أَوِ الشَّعِيرِ أَوِ الزَّبِيبِ أَوِ الْأَقِطِ، وَأَنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّخْيِيرِ لِلَّذِي تَجِبُ عَلَيْهِ، وَقَوْمٌ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ هُوَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ، أَوْ قُوتُ الْمُكَلَّفِ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قُوتِ الْبَلَدِ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنِ الْمَذْهَبِ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمُ: اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مَنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مَنْ تَمْرٍ» . فَمَنْ فَهِمَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ التَّخْيِيرَ قَالَ: أَيًّا أَخْرَجَ مِنْ هَذَا أَجْزَأَ عَنْهُ، وَمَنْ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمُخْرَجِ لَيْسَ سَبَبُهُ الْإِبَاحَةَ، وَإِنَّمَا سَبَبُهُ اعْتِبَارُ قُوتِ الْمُخْرِجِ أَوْ قُوتُ غَالِبِ الْبَلَدِ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي.
وَأَمَّا كَمْ يَجِبُ؟ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ أَقَلُّ مِنْ صَاعٍ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ مَا يُؤَدَّى مِنَ الْقَمْحِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِئُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ صَاعٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يُجْزِئُ مِنَ الْبُرِّ نِصْفُ صَاعٍ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: تَعَارُضُ الْآثَارِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ:«كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مَنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مَنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» . وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالطَّعَامِ الْقَمْحَ.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ بُرٍّ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَتْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» .
فَمَنْ أَخَذَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَ: نِصْفُ صَاعٍ مِنَ الْبُرِّ، وَمَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَقَاسَ الْبُرَّ فِي ذَلِكَ عَلَى الشَّعِيرِ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْوُجُوبِ.