المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الخامس في حكم ما افتتح المسلمون من الأرض عنوة] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - جـ ٢

[ابن رشد الحفيد]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزكاة]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزكاة مِنَ الْأَمْوَالِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ فِي مَعْرِفَةُ نصابِ الزكاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي نصاب الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي نِصَابِ الْإِبِلِ وَالْوَاجِبِ فِيهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي نِصَابِ الْبَقَرِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي نِصَابِ الْغَنَمِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي نِصَابِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي نِصَابِ الْعُرُوضِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي وَقْتِ الزَّكَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْخَامِسَةُ فِيمَنْ تَجِبُ لَهُ الصَّدَقَةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْأَصْنَافِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ الزَّكَاةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَاتُ أهل الزكاة الَّتِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهَا الصَّدَقَةَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ قَدْرُ مَا يُعْطَى أهل الزكاة منها]

- ‌[كِتَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْم زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زكاة الفطر وَعَنْ مَنْ تَجِبُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مِمَّاذَا تَجِبُ زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ مَتَّى تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ لِمَنْ تُصْرَفُ زكاة الفطر]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ] [

- ‌الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى أَنْوَاعُ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَرْكَان الصيام]

- ‌[الرُّكْنُ الْأَوَّلُ في الصيام هو الزَّمَانُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّانِي في الصيام وَهُوَ الْإِمْسَاكُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ في الصيام وَهُوَ النِّيَّةُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ وَهُوَ الْكَلَامُ فِي الْفِطْرِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[قَضَاءُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ]

- ‌[أَحْكَامُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ في الصيام]

- ‌[أَحْكَامُ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ إِذَا أَفْطَرَ]

- ‌[سُنَنُ الصَّوْمِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ الثَّانِي]

- ‌[الصيام الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ]

- ‌[الْأَيَّامُ الْمَنْهِيُّ عَنِ الصِّيَامِ فِيهَا]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ] [

- ‌الْجِنْسُ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ وُجُوبِ الحج وَشُرُوطِهِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّانِي أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي شُرُوطِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الْمَكَانِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الزَّمَانِ]

- ‌[مَا يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِلْحَلَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَنْوَاعِ هَذَا النُّسُكِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ]

- ‌[الْخُرُوجُ إِلَى عَرَفَةَ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَفْعَالِ الْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّالِثِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْإِحْصَارِ في الحج]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ جَزَاءِ الصَّيْدِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى وَحُكْمُ الْحَالِقِ رَأْسَهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْحَلْقِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْمُتَمَتِّعِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فَوَاتِ الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْكَفَّارَاتِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا في الحج]

- ‌ الْقَوْلُ فِي الْهَدْيِ

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ الجهاد]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الَّذِينَ يُحَارَبُونَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَايَةِ بِالْعَدُوِّ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي شَرْطِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَدَدِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ عَنْهُمْ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي جَوَازِ الْمُهَادِنَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ لِمَاذَا يُحَارَبُونَ]

- ‌ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْأَنْفَالِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْكُفَّارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْأَرْضِ عَنْوَةً]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي قِسْمَةِ الْفَيْءِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْجِزْيَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ ضُرُوبِ الْأَيْمَانِ وَأَحْكَامِهَا] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الْمُبَاحَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ اللَّغْوِيَّةِ وَالْمُنْعَقِدَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الَّتِي تَرْفَعُهَا الْكَفَّارَةُ وَالَّتِي لَا تَرْفَعُهَا]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ الرَّافِعَةِ لِلْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ وَأَحْكَامِهَا]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ النَّظَرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْيَمِينِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ النَّظَرُ فِي الْكَفَّارَاتِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي رَافِعِ الْحِنْثِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَتَى تَرْفَعُ الْكَفَّارَةُ الْحِنْثَ وَكَمْ تَرْفَعُ]

- ‌[كِتَابُ النُّذُورِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَصْنَافِ النُّذُورِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا يَلْزَمُ مِنَ النُّذُورِ وَمَا لَا يَلْزَمُ

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ الَّذِي يَلْزَمُ عَنْ النذر وَأَحْكَام ذلك]

- ‌[المسألة الأولى الْوَاجِبُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ]

- ‌[كِتَابُ الضَّحَايَا] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الضَّحَايَا وَمَنِ الْمُخَاطَبُ بِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي أَنْوَاعِ الضَّحَايَا وَصِفَاتِهَا وَأَسْنَانِهَا وَعَدَدِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ الذَّبْحِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ لُحُومِ الضَّحَايَا]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا تَكُونُ بِهِ الذَّكَاةُ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي شُرُوطِ الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَنْ تَجُوزُ تَذْكِيَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ]

الفصل: ‌[الفصل الخامس في حكم ما افتتح المسلمون من الأرض عنوة]

وَمَالَهُ ; هَلْ يَكُونُ لِمَا تَرَكَ حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ وَزَوْجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ فَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ إِنْ غَلَبُوا عَلَى ذَلِكَ ; أَمْ لَيْسَ لِمَا تَرَكَ حُرْمَةٌ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لِكُلِّ مَا تَرَكَ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَالِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ، فَقَالَ: لَيْسَ لِلْمَالِ حُرْمَةٌ، وَلِلْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ حُرْمَةٌ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُبِيحَ لِلْمَالِ هُوَ الْكُفْرُ، وَأَنَّ الْعَاصِمَ لَهُ هُوَ الْإِسْلَامُ، كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام:«فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» . فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَاهُنَا مُبِيحًا لِلْمَالِ غَيْرَ الْكُفْرِ مِنْ تَمَلُّكِ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَلَيْسَ هَاهُنَا دَلِيلٌ تُعَارَضُ بِهِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْأَرْضِ عَنْوَةً]

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْأَرْضِ عَنْوَةً. فَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُقَسَّمُ الْأَرْضُ، وَتَكُونُ وَقْفًا يُصْرَفُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَرْزَاقِ الْمُقَاتِلَةِ وَبَنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ، إِلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَقْتَضِي الْقِسْمَةَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُقَسِّمَ الْأَرْضَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَرَضُونَ الْمُفْتَتَحَةُ تُقَسَّمُ كَمَا تُقَسَّمُ الْغَنَائِمُ يَعْنِي: خَمْسَةَ أَقْسَامٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُقَسِّمَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يَضْرِبَ عَلَى أَهْلِهَا الْكُفَّارِ فِيهَا الْخَرَاجَ وَيُقِرَّهَا بِأَيْدِيهِمْ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مَا يُظَنُّ مِنَ التَّعَارُضِ بَيْنَ آيَةِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَآيَةِ سُورَةِ الْحَشْرِ. وَذَلِكَ أَنَّ آيَةَ الْأَنْفَالِ تَقْتَضِي بِظَاهِرِهَا أَنَّ كُلَّ مَا غُنِمَ يُخَمَّسُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: 41]، وقَوْله تَعَالَى فِي آيَةِ الْحَشْرِ:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] عَطْفًا عَلَى ذِكْرِ الَّذِينَ أَوْجَبَ لَهُمُ الْفَيْءَ يُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ الْحَاضِرِينَ وَالْآتِينَ شُرَكَاءُ فِي الْفَيْءِ كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] ، مَا أَرَى هَذِهِ الْآيَةَ إِلَّا قَدْ عَمَّتِ الْخَلْقَ حَتَّى الرَّاعِيَ بِكَدَاءٍ، أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ تُقَسَّمِ الْأَرْضُ الَّتِي افْتُتِحَتْ فِي أَيَّامِهِ عَنْوَةً مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ وَمِصْرَ.

فَمَنْ رَأَى أَنَّ الْآيَتَيْنِ مُتَوَارِدَتَانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَأَنَّ آيَةَ الْحَشْرِ مُخَصِّصَةٌ لِآيَةِ الْأَنْفَالِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْأَرْضَ.

وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْآيَتَيْنِ لَيْسَتَا مُتَوَارِدَتَيْنِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، بَلْ رَأَى أَنَّ آيَةَ الْأَنْفَالِ فِي الْغَنِيمَةِ ; وَآيَةَ الْحَشْرِ فِي الْفَيْءِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: تُخَمَّسُ الْأَرْضُ وَلَا بُدَّ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَسَّمَ خَيْبَرَ بَيْنَ الْغُزَاةِ» . قَالُوا: فَالْوَاجِبُ أَنْ تُقَسَّمَ الْأَرْضُ لِعُمُومِ

ص: 163

الْكِتَابِ، وَفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام الَّذِي يَجْرِي مَجْرَى الْبَيَانِ لِلْمُجْمَلِ فَضْلًا عَنِ الْعَامِّ.

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُقَرَّ الْكُفَّارُ فِيهَا عَلَى خَرَاجٍ يُؤَدُّونَهُ، لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ، ثُمَّ أَرْسَلَ ابْنَ رَوَاحَةَ فَقَاسَمَهُمْ» . قَالُوا: فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُقَسِّمْهَا، قَالُوا: فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالْإِقْرَارِ بِأَيْدِيهِمْ، وَهُوَ الَّذِي فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه.

وَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْغَلَبَةِ عَلَيْهِمْ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ أَوْ قِسْمَتِهَا عَلَى مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ أَعْنِي: مِنَ الْمَنِّ، وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى أَنَّهُ افْتَتَحَهَا عَنْوَةً، فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ افْتَتَحَهَا عَنْوَةً لِأَنَّهُ الَّذِي خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ.

وَيَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ آيَةَ الْفَيْءِ وَآيَةَ الْغَنِيمَةِ مَحْمُولَتَانِ عَلَى الْخِيَارِ ; وَإِنَّ آيَةَ الْفَيْءِ نَاسِخَةٌ لِآيَةِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مُخَصِّصَةٌ لَهَا أَنَّهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ يَدُلَّانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَالْآيَتَانِ مُتَعَارِضَتَانِ، لِأَنَّ آيَةَ الْأَنْفَالِ تُوجِبُ التَّخْمِيسَ، وَآيَةَ الْحَشْرِ تُوجِبُ الْقِسْمَةَ دُونَ التَّخْمِيسِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى، أَوْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا بَيْنَ التَّخْمِيسِ وَتَرْكِ التَّخْمِيسِ، وَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ الْمَغْنُومَةِ.

وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ مَذْهَبٌ لِبَعْضِ النَّاسِ وَأَظُنُّهُ حَكَاهُ عَنِ الْمَذْهَبِ، وَيَجِبُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا تَرْكَ قِسْمَةِ الْأَرْضِ، وَقِسْمَةُ مَا عَدَا الْأَرْضِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْآيَتَيْنِ مُخَصِّصَةً بَعْضَ مَا فِي الْأُخْرَى أَوْ نَاسِخَةً لَهُ، حَتَّى تَكُونَ آيَةُ الْأَنْفَالِ خَصَّصَتْ مِنْ عُمُومِ آيَةِ الْحَشْرِ مَا عَدَا الْأَرَضِينَ فَأَوْجَبَتْ فِيهَا الْخُمُسَ، وَآيَةُ الْحَشْرِ خَصَّصَتْ مِنْ آيَةِ الْأَنْفَالِ الْأَرْضِ فَلَمْ تُوجِبْ فِيهَا خُمُسًا، وَهَذِهِ الدَّعْوَى لَا تَصِحُّ إِلَّا بِدَلِيلٍ، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ آيَةِ الْحَشْرِ أَنَّهَا تَضَمَّنَتِ الْقَوْلَ فِي نَوْعٍ مِنَ الْأَمْوَالِ مُخَالِفٍ الْحُكْمَ لِلنَّوْعِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ آيَةُ الْأَنْفَالِ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى:{فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: 6] هُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى الْعِلَّةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا لَمْ يُوجَبْ حَقٌّ لِلْجَيْشِ خَاصَّةً دُونَ النَّاسِ، وَالْقِسْمَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ إِذْ كَانَتْ تُؤْخَذُ بِالْإِيجَافِ.

ص: 164