الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَالٌّ لِلْعُقُودِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ، فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّهُ بَيِّنٌ.
وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذَا مُسْتَحِيلٌ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ، إِلَّا أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُوَ مَانِعٌ لَا حَالٌّ. فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ النَّظَرُ فِي الْكَفَّارَاتِ]
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ]
الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذَا الْقِسْمُ فِيهِ ثَلَاثُ قَوَاعِدَ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ.
الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي رَافِعِ الْحِنْثِ، وَهِيَ الْكَفَّارَاتُ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ: مَتَى تَرْفَعُ؟ وَكَمْ تَرْفَعُ؟
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مُوجِبَ الْحِنْثِ هُوَ الْمُخَالَفَةُ لِمَا انْعَقَدَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ: وَذَلِكَ إِمَّا فِعْلُ مَا حَلَفَ عَلَى أَلَّا يَفْعَلَهُ، وَإِمَّا تَرْكُ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ تَرَاخَى عَنْ فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ إِلَى وَقْتٍ لَيْسَ يُمْكِنُهُ فِيهِ فِعْلُهُ، وَذَلِكَ فِي الْيَمِينِ بِالتَّرْكِ الْمُطْلَقِ، مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ لَتَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ فَيَأْكُلُهُ غَيْرُهُ ; أَوْ إِلَى وَقْتٍ هُوَ غَيْرُ الْوَقْتِ الَّذِي اشْتُرِطَ فِي وُجُودِ الْفِعْلِ عَنْدَهُ، وَذَلِكَ فِي الْفِعْلِ الْمُشْتَرَطِ فِعْلُهُ فِي زَمَانٍ مَحْدُودٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ الْيَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُ إِذَا انْقَضَى النَّهَارُ وَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ ضَرُورَةً.
وَاخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ:
أَحَدُهَا: إِذَا أَتَى بِالْمُخَالِفِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا.
وَالثَّانِي: هَلْ يَتَعَلَّقُ مُوجَبُ الْيَمِينِ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ أَوْ بِجَمِيعِهِ؟
وَالْمَوْضِعِ الثَّالِثِ: هَلْ يَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِالْمَعْنَى الْمُسَاوِي لِصِيغَةِ اللَّفْظِ، أَوْ بِمَفْهُومِهِ الْمُخَصِّصِ لِلصِّيغَةِ وَالْمُعَمِّمِ لَهَا؟
وَالْمَوْضِعُ الرَّابِعِ: هَلِ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ أَوِ الْمُسْتَحْلِفِ؟
أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى السَّاهِيَ وَالْمُكْرَهَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِدِ. وَالشَّافِعِيُّ يَرَى أَنْ لَا حِنْثَ عَلَى السَّاهِي وَلَا عَلَى الْمُكْرَهِ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَامِدٍ وَنَاسٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَإِنَّ هَذَيْنِ الْعُمُومَيْنِ يُمْكِنُ أَنْ يُخَصَّصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَمِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَفَعَلَ بَعْضَهُ، أَوْ أَنَّهُ يَفْعَلُ شَيْئًا فَلَمْ يَفْعَلْ بَعْضَهُ، فَعِنْدَ مَالِكٍ إِذَا حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ لَا يَبْرَأُ إِلَّا بِأَكْلِهِ كُلِّهِ، وَإِذَا قَالَ: لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ أَنَّهُ يَحْنَثُ إِنْ أَكَلَ بَعْضَهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، حَمْلًا عَلَى الْأَخْذِ بِأَكْثَرِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْمُ.
وَأَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فَلَمْ يَجْرِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ أَخَذَ فِي التَّرْكِ بِأَقَلِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَأَخَذَ فِي الْفِعْلِ بِجَمِيعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الِاحْتِيَاطِ.
وأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فَمِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْقَصْدُ إِلَى مَعْنًى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي لَفَظَ بِهِ، أَوْ أَخَصَّ، أَوْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ وَيَنْوِي بِهِ مَعْنًى أَعَمَّ أَوْ أَخَصَّ، أَوْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ اسْمَانِ أَحَدُهُمَا لُغَوِيٌّ، وَالْآخَرُ عُرْفِيٌّ، وَأَحَدُهُمَا أَخَصُّ مِنَ الْآخَرِ. وَأَمَّا إِذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ إِلَّا بِالْمُخَالَفَةِ الْوَاقِعَةِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ، وَإِنْ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ مَعْنًى أَعَمَّ أَوْ أَخَصَّ مِنْ قِبَلِ الدَّلَالَةِ الْعُرْفِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِيمَ أَحْسَبُ لَا يَعْتَبِرُونَ النِّيَّةَ الْمُخَالِفَةَ لِلَّفْظِ، وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُونَ مُجَرَّدَ الْأَلْفَاظِ فَقَطْ.
وَأَمَّا مَالِكٌ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَّلًا عِنْدَهُ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي لَا يُقْضَى عَلَى حَالِفِهَا هُوَ النِّيَّةُ، فَإِنْ عُدِمَتْ فَقَرِينَةُ الْحَالِ، فَإِنْ عُدِمَتْ فَعُرْفُ اللَّفْظِ، فَإِنْ عُدِمَ فَدَلَالَةُ اللُّغَةِ، وَقِيلَ: لَا يُرَاعَى إِلَّا النِّيَّةُ أَوْ ظَاهِرُ اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ فَقَطْ، وَقِيلَ: يُرَاعَى النِّيَّةُ وَبِسَاطُ الْحَالِ، وَلَا يُرَاعَى الْعُرْفُ.
وَأَمَّا الْأَيْمَانُ الَّتِي يُقْضَى بِهَا عَلَى صَاحِبِهَا: فَإِنَّهُ إِنْ جَاءَ الْحَالِفُ مُسْتَفْتِيًا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْيَمِينِ الَّتِي لَا يُقْضَى بِهَا عَلَى صَاحِبِهَا مِنْ مُرَاعَاةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِيهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْضَى بِهَا عَلَيْهِ لَمْ يُرَاعَ فِيهَا إِلَّا اللَّفْظُ، إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ لِمَا يَدَّعِي مِنَ النِّيَّةِ الْمُخَالِفَةِ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ قَرِينَةُ الْحَالِ أَوِ الْعُرْفِ.
وأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ فِي الدَّعَاوِي، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِثْلَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمَوَاعِيدِ فَقَالَ قَوْمٌ: عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ. وَقَالَ قَوْمٌ: عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ. وَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ» . وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكُ» خَرَّجَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مُسْلِمٌ.
وَمَنْ قَالَ: الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ، فَإِنَّمَا اعْتَبَرَ الْمَعْنَى الْقَائِمَ بِالنَّفْسِ مِنَ الْيَمِينِ لَا ظَاهِرَ