الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
99 - باب (متى)
(1)
يُصَلِّي الفَجْرَ بِجَمْعٍ
1682 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَارَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إِلَّا صَلَاتَيْنِ: جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَصَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ مِيقَاتِهَا. [انظر: 1675 - مسلم: 1289 - فبَح: 3/ 530]
1683 -
حَدَّثَنَا عبد اللهِ بْن رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا، فَصَلَّى الصَّلَأتَيْنِ، كلَّ صَلَاةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وِإقَامَةٍ، وَالعَشَاء بَينَهُمَا، ثمَّ صَلَّى الفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الفَجْرُ -قَائِلٌ يَقُولُ: طَلعَ الفَجْرُ. وَقَائِلٌ يَقولُ: لَمْ يَطْلُعِ الفَجْرُ- ثمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هذا المَكَانِ: المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ، فَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلَاةَ الفَجْرِ هذِه السَّاعَةَ". ثمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَمِيرَ الُمؤْمِنِينَ أفَاضَ الآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ. فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ رضي الله عنه، فَلَمْ يَزَلْ يلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ. [انظر: 1675 - مسلم: 1289 - فتح: 3/ 530]
ذكر فيه حديث عبد الله قال: مَا رَأَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى صَلَاةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إِلَّا صَلَاتَيْنِ: جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، وَصَلَّى الفَجْرَ قَبْلَ مِيقَاتِهَا.
وحديث عبد الرحمن بن يزيد قال: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللهِ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا، فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ، كُلَّ واحدة وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَالعَشَاءُ بَيْنَهُمَا .. الحديث.
(1)
كذا في الأصل و (ج)، وفي "اليونينية" 2/ 166: من، وفي هامشها: باب متى، وعليها (لا. ص. س. ظ) يعني: عند: أبي ذر والأصيلي والمستملي وأبي الوقت.
تقدم بيان حديث ابن مسعود، وأن المراد: لغير ميقاتها المعهود، وقد سلف عنه: حين يبزغ الفجر. وتأخير المغرب عن وقتها، بيِّن.
وقوله: (ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَر) أي: أضاء، وقوله:(أَصَابَ السُّنَّةَ) يعني: فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابن المنذر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الفجر بالمزدلفة (حَتَّى)
(1)
تبين له الصبح بأذان وإقامة.
(1)
في (ج): حين.
100 - باب مَتَى يُدْفَعُ مِنْ جَمْعٍ
1684 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ عُمَرَ رضي الله عنه صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ. وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. [3838 - فتح: 3/ 531]
ذكر فيه حديث عمرو بن ميمون: شَهِدْتُ عُمَرَ صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ. وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خالَفَهُمْ، ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
هذا الحديث من أفراده، وفي رواية له: لا يفيضون من جمع حَتَّى تشرق الشمس
(1)
، ولابن ماجه: أشرق ثبير، كيما نغير
(2)
، وللترمذي مصححًا من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أفاض قبل طلوع الشمس
(3)
.
ولمسلم عن جابر: فلم يزل صلى الله عليه وسلم واقفًا حَتَّى أسفر جدًا، فدفع قبل أن تطلع الشمس
(4)
.
وفي البيهقي من حديث محمد بن قيس بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة قَالَ: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: "أما بعد، فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ها هنا عند غروب
(1)
سيأتي برقم (3838) كتاب: مناقب الأنصار، باب: أيام الجاهلية.
(2)
ابن ماجه (3022) كتاب: المناسك، باب: الوقوف بجمع.
(3)
الترمذي (896) كتاب: الحج، باب: ما جاء أن الإقامة من جمع قبل طلوع الشمس.
(4)
مسلم (1218) كتاب: الحج، باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
الشمس حَتَّى تكون الشمس عَلَى رءوس الجبال، مثل عمائم الرجال عَلَى رؤوسها، هدينا مخالف لهديهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس عَلَى رءوس الجبال مثل عمائم الرجال عَلَى (رؤوسها)
(1)
هدينا مخالف لهديهم" قَال البيهقي: رواه عبد الله بن إدريس، عن ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة، فذكره مرسلًا
(2)
. وللبيهقي من حديث جبير بن الحويرث قَال: رأيتُ أبا بكر واقفًا عَلَى قزح، وهو يقول: أيها الناس أصبحوا، أيها الناس أصبحوا، ثم دفع، فكأني أنظر إلى فخذه قد انكشف مما يخرش بعيره بمحجنه
(3)
، وقد سلف. وقال ابن المنذر: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض من جمع حين أسفر جدًّا، وأخذ به ابن مسعود وابن عمر، وقال بذلك عامة العلماء أصحاب الرأي والشافعي، غير مالك، فإنه كان يرى أن يدفع قبل الطلوع وقبل الإسفار
(4)
.
وفيه من الفقه -كما قَالَ الطبري- بيان وقت الوقوف الذي أوجبه الله عَلَى عباده حجاج بيته بالمشعر الحرام إلا به، كذا أوجبه، وقد سلف ما فيه. قَالَ: فمن وقف بالمشعر الحرام ذاكرًا في الوقت الذي وقف به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في بعضه فقد أدركه وأدى ما ألزمه الله تعالى من ذكره به، وذلك حين صلاة الفجر بعد طلوع الفجر الثاني إلى أن يدفع
(1)
في الأصل: (رءوسنا) والمثبت من "السنن" وهو الصحيح.
(2)
"سنن البيهقي" 5/ 125 كتاب: الحج، باب: الدفع من المزدلفة قبل طلوع الشمس.
(3)
"سنن البيهقي " 5/ 125.
(4)
انظر: "المبسوط" 4/ 63، "المدونة": 1/ 323، "المنتقى" 3/ 23، "المجموع" 8/ 158 - 159.
الإمام منه قبل طلوع الشمس من يوم النحر، ومن لم يدرك ذَلِكَ حَتَّى تطلع فقد فاته الوقوف به بإجماع، وإنما عجَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة وزاحم بها أول وقتها؛ ليدفع قبل أن تشرق الشمس عَلَى جبل ثبير؛ ليخالف أمر المشركين، فكلما بعد دفعه من طلوع الشمس كان
أفضل، فلهذا اختار هذا مالك.
وقوله: (لَا يُفِيضُونَ) يعني: لا يرجعون من المشعر الحرام إلى حيث بدأوا، والمصير إليه من منى حَتَّى تطلع، ولذلك تقول العرب لكل راجع من موضع كان صار إليه من موضع آخر إلى الموضع الذي بدأ منه: أفاض فلان من موضع كذا. وكان الأصمعي يقول: الإفاضة: الدفعة، كل دفعة إفاضة. ومنه قيل: أفاض القوم في الحديث إذا (دفعوا)
(1)
فيه. وأفاض في معه يفيضه، فأما إذا سالت دموع العين فإنما يقال: فاضت عينه بالدموع.
وقوله: (أَشْرِقْ ثَبِيرُ) قَالَ الهروي: يريد: ادخل أيها الجبل في الشروق، كما تقول: أجنب إذا دخل في الجنوب، وأشمل إذا دخل في الشمال، وشروقها: طلوعها، وقال عياض:(أشرق ثبير): أدخل يا جبل، من شرق أي: أضاء.
وقال ابن التين: ضبطه أكثرهم بالفتح، وبعضهم بكسر الهمزة، كأنه ثلاثي من شرق، وفسره بعضهم: أي: أطلع الشمس يا جبل، وليس يبين؛ لأن شرق مستقبله يشرق بالضم
(2)
، والأمر منه بالضم لا بالكسر، والذي عليه الجماعة بالفتح أي: لتطلع عليك الشمس.
(1)
في (ج): (وقعوا)، والمثبت من الأصل.
(2)
في هامش الأصل: أي بضم الراء.
(وثبير) -بالمثلثة المفتوحة، ثم باء موحدة مكسورة، ثم ياء مثناة تحت، ثم راء-: جبل المزدلفة، عَلَى يسار الذاهب إلى منى، وقيل: هو أعظم جبال مكة، عُرف برجل من هذيل اسمه ثبير دفن به، وقد تقدم ذكر ثبير في باب طواف النساء مع الرجال، وأنها سبعة أجبل
(1)
.
وقال ابن التين: ثبير جبل عند مكة، ولم يذكر غير ذَلِكَ.
وقوله: (كيما نغير) أي: ندفع ونفيض للنحر وغيره، وذلك من قولهم: أغار الفرس إغارة الثعلب، وذلك إذا دفع وأسرع في دفعه.
قَالَ ابن التين: وضبطه بعض أهل اللغة بسكون الراء في الموضعين
(2)
.
(1)
انظر: "معجم ما استعجم" 1/ 335 - 336، "معجم البلدان" 2/ 72 - 74.
(2)
ورد بهامش الأصل: ثم بلغ في الثاني بعد الثلاثين، كتبه مؤلفه. ثم وفي هامشها أيضًا: آخر 4 من الجزء 6 من تجزئة المصنف.
101 - باب التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ غَدَاةَ النَّحْرِ، حِينَ يَرْمِى الجَمْرَةَ، وَالاِرْتِدَافِ فِي السَّيْرِ
1685 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَ الفَضْلَ، فَأَخْبَرَ الفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الجَمْرَةَ. [انظر: 1544 - مسلم: 1280، 1281 - فتح: 3/ 533]
1686 و 1687 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رضي الله عنهما كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَةَ إِلَى المُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ المُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى -قَالَ:- فَكِلَاهُمَا قَالَا: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. [انظر: 1543، 1544 - مسلم: 1280، 1281 - فتح: 3/ 532]
ذكر فيه حديث ابن عباس: أنه عليه السلام أَرْدَفَ الفَضْلَ، فَأَخْبَرَ الفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الجَمْرَةَ.
وقد سلف قريبًا في باب النزول بين عرفة وجمع
(1)
، وحديث أسامة السالف فيه أيضًا
(2)
.
ولم يذكر ما يدل عَلَى التكبير، واختلف السلف في الوقت الذي
يقطع فيه الحاج التلبية؛ فذهبت طائفة إلى حديثي الباب، وقالوا: يلبي الحاج حَتَّى يرمي جمرة العقبة، وروي هذا عن ابن مسعود
(3)
وابن عباس
(4)
، وبه قَالَ عطاء، وطاوس، والنخعي، وابن أبي ليلى، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقالوا:
(1)
سلف برقم (1670).
(2)
سلف برقم (1667، 1669).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 248 - 249 (13990، 13997).
(4)
ابن أبي شيبة 3/ 248 (13989).
يقطعها مع أول حصاة يرميها من جمرة العقبة، إلا أحمد وإسحاق: فإنه يقطعها عندهما إذا رمى الجمرة بأسرها عَلَى ظاهر الحديث
(1)
. وروي عن علي: أنه كان يلبي في الحج، فإذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطعها
(2)
.
قَالَ مالك: وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا
(3)
. وقال ابن شهاب: وفعل ذَلِكَ الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة وابن المسيب.
وذكر ابن المنذر عن سعد مثله، وذكر أيضًا عن مكحول. وكان ابن الزبير يقول: أفضل الدعاء يوم عرفة التكبير، وروي معناه عن جابر.
احتج ابن القصار لمالك وأهل المدينة فقال في حديث ابن عباس وأسامة: لو فعل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَلَى أنه المستحب عنده لم يخالفه الصحابة بعده، فيحتمل أنه أراد أن لا يقطع التلبية عند زوال الشمس؛ لأن الناس كانوا يتلاحقون به يوم عرفة، وليلة النحر إلى طلوع الفجر، وهو آخر الوقت الذي به يدرك عرفة، حَتَّى لا يبقى أحد إلا سمع تلبيته؛ لأنه صاحب الشرع، فأعلمهم أنها تجوز إلى هذا الوقت، ويكون المستحب لنا عند الزوال بعرفة؛ لما قد تقرر من اختيار الصحابة له، وهم الذين أمرنا بالاقتداء بهم؛ لأنهم المتلقون للسنن، والمفسرون لها، فوجب اتباع سبيلهم واختيار ما اختاروه والرغبة فيما رغبوا عنه.
(1)
انظر: "المبسوط" 4/ 187، "البيان" 4/ 132، "المغني" 5/ 297.
(2)
ابن أبي شيبة 3/ 248 (13991) عن عطاء قال: كان علي يلبي يقطع التلبية إذا رمى جمرة العقبة.
(3)
"الموطأ"223.
وتأول الطحاوي: في قطع الصحابة التلبية عند الرواح إلى عرفة: أن ذَلِكَ لم يكن عَلَى أن وقت التلبية قد انقطع، ولكن لأنهم كانوا يأخذون فيما سواها من الذكر والتكبير والتهليل، كما لهم أن يفعلوا ذَلِكَ قبل يوم عرفة أيضًا
(1)
.
وقد سلف في باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة، أن التلبية: هي الإجابة لما دعي إليه، فإذا بلغ عرفة فقد بلغ غاية ما يدركه الحاج بإدراكه ويفوت بفوته، فلذلك يقطع التلبية عند بلوغ النهاية.
وقد سلف ذكر الارتداف في السير في أول الحج، قَالَ ابن المنذر: وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة يوم النحر عَلَى راحلته
(2)
، وقال به مالك، فرأى أن يرمي جمرة العقبة راكبًا للاقتداء، وفي غير يوم النحر ماشيًا
(3)
، وكره جابر أن يركب إلى شيء من الجمار إلا من ضرورة
(4)
، وكان ابن عمر وابن الزبير وسالم يرمون الجمار وهم مشاة
(5)
، واستحب ذَلِكَ أحمد وإسحاق
(6)
.
(1)
"شرح معاني الآثار" 2/ 226.
(2)
ثبت في حديث رواه مسلم (1297) كتاب: الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا
…
من حديث جابر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: .. الحديث. ورواه كذلك أبو نعيم في "المستخرج" 3/ 378 (2996 - 2997) كتاب: الحج، باب: في رمي الجمار.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 402.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 224 (13741) كتاب: الحج، من كان إذا رمى الجمرة مشى إليها.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 223 (13735، 13737، 13739).
(6)
انظر: "مسائل أحمد برواية الكوسج" 1/ 536.
102 - باب {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
…
} إلى قوله: {الحَرَامِ} [البقرة: 196]
1688
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ المُتْعَةِ، فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلْتُهُ عَنِ الهَدْيِ، فَقَالَ: فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ. قَالَ: وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا، فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ إِنْسَانًا يُنَادِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ، وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ. فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَقَالَ آدَمُ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَغُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ: عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، وَحَجٌّ مَبْرُورٌ. [انظر: 1567 - مسلم: 1242 - فتح: 3/ 534]
ذكر فيه حديث شعبة عن أبي جمرة -بالجيم: قَالَ: سَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ عَنِ المُتْعَةِ، فَأَمَرَني بِهَا .. الحديث.
وقد سلف في باب التمتع
(1)
، ثم قَالَ: وَقَالَ آدمُ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَغُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ: عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، وَحَجّ مَبْرُورٌ.
أما تعليق آدم فأسنده في باب التمتع المذكور
(2)
، وأما تعليق غندر فأخرجه مسلم عن محمد بن مثني وابن بشار عنه
(3)
.
وقال الإسماعيلي: رواه علي بن أبي الجعد ومعاذ بن معاذ وأبو داود ووهب بن جرير وعبد الرحمن الرصاصي و (هشيم)
(4)
بن القاسم وآدم
(1)
سلف برقم (1567).
(2)
السابق.
(3)
مسلم (1242) كتاب: الحج، باب: جواز العمرة في أشهر الحج.
(4)
في الأصل: هاشم، والمثبت من (ج).
والأشيب، كل قَالَ فيه:(حج)
(1)
وعمرة، ولا أعلم أحدًا قَالَ فيه: متقبلة.
وقال أبو نعيم: أصحاب شعبة كلهم قالوا: عمرة متقبلة، خلا النضر؛ فإنه قَالَ فيه: متعة متقبلة.
والجزور المراد بها الإبل من الجزر وهو: القطع، أو شاة، وقد اختلف العلماء في:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْىِ} فقالت طائفة: شاة روي ذَلِكَ عن علي وابن عباس، رواه عنهما مالك في "موطئه"
(2)
، وأخذ به، وقال به جمهور العلماء واحتج بقوله تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ} [المائدة: 95] قَالَ: وإن ما يحكم به في الهدي شاة، وقد سماها الله تعالى هديًا. وروي عن طاوس، عن ابن عباس: ما يقتضي أن ما استيسر من الهدي في حق الغني بدنة، وفي حق غيره بقرة، وفي حق الفقير شاة
(3)
.
وعن ابن عمر وابن الزبير وعائشة: أنه من الإبل والبقر خاصة
(4)
، وكأنهم ذهبوا إلى ذَلِكَ من أجل قوله تعالى:{وَالبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} [الحج: 36] فذهبوا: أن الهدي ما وقع عليه اسم بدنة، ويرده قوله تعالى:{فَجَزَآء مِثلُ مَا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ} ، إلى قوله: {فًا أسْتَيْسَرَ
(1)
في (ج): (حجة).
(2)
"الموطأ" 1/ 476 (1220 - 1221) كتاب: المناسك، باب: ما استيسر من الهدي.
(3)
رواه الطبري 2/ 225 (3272)، وابن أبي حاتم 1/ 337 (1773) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 384 لابن جرير وابن أبي حاتم.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 132 (12779 - 12780، 12786) كتاب: الحج، باب: ما استيسر من الهدي، والطبري 2/ 225 - 226 (3281 - 3282)، وابن أبي حاتم 1/ 336 (1772).
مِنَ اَلهَدىِ} [المائدة: 95]. وقد حكم المسلمون في الظبي بشاة، فوقع عليها اسم هدي، وقوله تعالى:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْىِ} [البقرة: 196] يحتمل أن يشير به إلى أقل أجناس الهدي، وهو الشاة، وإلى أقل صفات كل جنس، فهو ما رُوِي عن ابن عمر: البدنة دون البدنة، والبقرة دون البقرة
(1)
فهذا عنده أفضل من الشاة، ولا خلاف نعلمه في ذَلِكَ، وإنما محل الخلاف أن الواجد للإبل والبقر هل يخرج شاة؟ فعند ابن عمر يمنع إما تحريمًا واما كراهة، وعند غيره نعم، روي عن ابن عمر وأنس: يجزئ فيها شرك في دم
(2)
، وروي عن عطاء وطاوس والحسن مثله
(3)
، وهو قول أبي حنيفة، والثوري والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور: لا تجزئ عندهم البدنة والبقرة عن أكثر من سبعة عَلَى حديث جابر، ولا تجزئ عندهم الشاة عن أكثر من واحد
(4)
.
قَالَ ابن بطال: ولا تعلق لهم في حديث ابن عباس، قَالَ إسماعيل القاضي وأبو جمرة: وإن كان من صالحي الشيوخ فإنه شيخ، وقد روى ثقات أصحاب ابن عباس عنه أن {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْىِ}: شاة
(5)
، وإنما
(1)
رواه سعيد بن منصور 3/ 751 (299)، والطبري 2/ 225 (3275، 3277، 3280).
(2)
"تفسير الطبري" 2/ 226 (3283).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 133 (12789 - 12791) كتاب: الحج، يجزئ المتمتع أن يشارك في دم، ومن كرهه.
(4)
انظر: "بدائع الصنائع " 2/ 224، "البيان" 4/ 479، "المغني" 5/ 451.
(5)
رواه مالك في "الموطأ" ص 251 كتاب: المناسك، باب: ما استيسر من الهدي، والطبري 2/ 223 - 225 (3244 - 3247، 3255، 3262، 3266، 3270، 3273).
المعتمد في العلم على الثقات المعروفين بالعلم، وقد روى ليث بن أبي سليم، عن طاوس، عن ابن عباس مثل رواية أبي حمرة. وليث ضعيف. وقد روى حماد بن زيد، عن أيوب عن محمد عن ابن عباس قال: ما كنت أرى أن دمًا واحدًا يقضي عن أكثر من واحد، وأما ما روي عن جابر أنه قَالَ: نحرنا يوم الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة
(1)
، فلا حجة فيه؛ لأن الحديبية لم يكن فيها تمتع، وإنما كان عليه السلام أحرم بالعمرة من ذي الحليفة، وساق الهدي، فلما صُدَّ نحو هديه
(2)
، وهو تطوع ليس فيه تمتع ولا غيره مما يوجب هديًا، وهذا كما يروى عنه أنه ضحى عن أمته
(3)
، وكما روي عن أبي أيوب: أن الرجل يُضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل
(1)
رواه مسلم (1318) كتاب: الحج، باب: الاشتراك في الهدي وإجزاء البقرة والبدنة كل منهما عن سبعة.
(2)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 242 كتاب: مناسك الحج، باب: الهدي يصد عن الحرم ..
(3)
روى مسلم (1967) كتاب: الأضاحي، باب: استحباب الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل والتسمية والتكبير، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد وينظر في سواد .. الحديث، وفيه، ثم قال: "باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحى به.
وروى أبو داود (2810) كتاب: الضحايا، باب: في الشاة يضحي بها عن جماعة، والترمذي (1521) كتاب: الأضاحي، باب: العقيقة بشاة -وقال: غريب من هذا الوجه- وأحمد 3/ 362، والدارقطني 4/ 285، والحاكم في "المستدرك" 4/ 229 كتاب: الأضاحي، والبيهقي 9/ 268 كتاب: الضحايا، باب: الرجل يضحي عن نفسه وعن أهل بيته، من حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن منبره، وأتُي بكبش فذبحه بيده وقال: "بسم الله والله أكبر، هذا
عني وعن من لم يضح من أمتي" وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2491).
بيته
(1)
. وروى ابن عبد الحكم عن مالك أنه قَالَ: تفسير حديث جابر في التطوع، والعمرة تطوع، لا بأس بذلك
(2)
. وروى عنه ابن القاسم أنه لا يشترك في هدي واجب ولا تطوع
(3)
.
فإن قلت: الهدي كان عليهم؛ لأنهم أحصروا
(4)
، أجيب: بأن الهدي كان قد أشعر، وأوجب هديًا من قبل أن يحصروا، ولم يذكر أحد أنهم استانفوا هديًا بعد الحصر.
وما رُوِي عن أنس: أنهم كانوا يشتركون السبعة في البدنة والبقرة
(5)
، فإنما يعني به الأضاحي، وليس المراد به أنهم يشتركون في الأضحية عَلَى أن لكل واحد منهم سهمًا من ملكها، وإنما يعني به أن أهل البيت يضحون بالجزور أو البقرة عن جماعة منهم، وهذا جائز عند المالكية، ولو كان أكثر من سبعة إذا كان ملكها رجل واحد، وضحى بها عن نفسه وأهله
(6)
.
(1)
رواه الترمذي (1505) كتاب: الأضاحي، باب: ما جاء أن الشاة الواحدة تجزي عن أهل البيت -وقال: حسن صحيح- وابن ماجه (3147) كتاب: الأضاحي، باب: من ضحى بشاة عن أهله، والبيهقي 9/ 268 كتاب: الضحايا، باب: الرجل يضحي عن نفسه وعن أهل بيته. وصححه الألباني في "الإرواء"(1142).
(2)
انظر: "التمهيد" 12/ 155.
(3)
انظر: "المدونة" 1/ 348.
(4)
في الأصل: صدوا.
(5)
روى ابن عدي في "الكامل" 8/ 139 عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يشرك بين السبعة من أصحابه في البدنة، وذكر ابن حزم في "المحلى" 7/ 151 عن قتادة، عن أنس كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يشركون السبعة في البدنة من الإبل.
(6)
انتهى من "شرح ابن بطال" 4/ 372 - 373.
وقال ابن التين: قوله: (أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ) هو مذهب سعد، ولم يتابعا عليه واحتج عليهما بأن من فعل ذَلِكَ فهو مخرجُ لحم لا دم، والله تعالى يقول:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْىِ} [البقرة: 196].
وقد سلف الكلام عَلَى صوم الأيام الثلاثة والسبعة فيما مضى فراجعه.
وقوله: (اللهُ أَكْبَرُ) هي كلمة تقال حين يسمع المرء ما يسر فيه.
وقوله: (سُنَّةُ أَبِي القَاسِمِ) أي: طريقه، وهو المبين عن الرب جل جلاله لما أجمل، وإنما حدَّث به ابن عباس؛ ليعرِّفه أن فتواه حق.
فإن قلت: المتعة في الآية للمحصرين بالحج، ولم يذكر معهم من لم يحصر، فكيف أبحتموها لمن لم يحصر؟ وأجيب: بأن في الآية ما يدل عَلَى أن غير المحصرين قد دخلوا فيها، بما قد أجمعوا عليه، وهو قوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] الآية، فلم يختلف أهل العلم في المحرم بالحج والعمرة ممن لم يحصر أنه إذا أصابه أذى في رأسه أو مرض أنه يحلق، وأن عليه الفدية المذكورة في الآية التي تليها، وأن القصد بها إلى المحصر لا يمنع دخول غيره فيها، وكذا قوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ} [البقرة: 196] لا يمنع أن يكون غيره فيه كهو، بل هو أولى مما ذكرنا من المعنى الأول الذي في الآية؛ لأنه قَالَ في المعنى الأول:{فَمَن كَانَ مِنكُم} [البقرة: 196] ولم يقل ذَلِكَ في المعنى الثاني منها.
103 - باب رُكُوبِ البُدْنِ
لِقَوْلِهِ {وَالبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} إلى قوله: {وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ} . [الحج 36 - 37].
قَالَ مُجَاهِدٌ: سُمِّيَتِ البُدْنَ لِبُدْنِهَا.
{القَانِعُ} السَّائِلُ، وَ {وَالمُعْتَرُّ}: الذِي يَعْتَرُّ بِالبُدْنِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، وَ {شَعَائِرُ اللهِ}: اسْتِعْظَامُ البُدْنِ وَاسْتِحْسَانُهَا، وَالعَتِيقُ عِتْقُهُ مِنَ الجَبَابِرَةِ، وَيُقَالُ:{وَجَبَتْ} : سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ، وَمِنْهُ وَجَبَتِ الشَّمْسُ.
1689 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ:"ارْكَبْهَا". فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. فَقَالَ: "ارْكَبْهَا". قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: "ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ". فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ. [1706، 2755، 6160 - مسلم: 1322 - فتح: 3/ 536]
1690 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشُعْبَةُ قَالَا: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ:"ارْكَبْهَا". قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: "ارْكَبْهَا". قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: "ارْكَبْهَا". ثَلَاثًا. [2754، 6159 - مسلم: 1323 - فتح: 3/ 536]
ثم ذكر حديث أبي هريرة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ:"ارْكَبْهَا". فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَة. فَقَالَ: "ارْكَبْهَا". قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: "ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ". فِي الثَّانيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ.
وحديث أنس: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ:"ارْكَبْهَا". قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. فقَالَ: "ارْكَبْهَا". قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَة. قَالَ: "ارْكَبْهَا". ثَلَاثًا.
الشرح:
(البدنة): سلف الكلام عليها في الجمعة، والبدن بإسكان الدال، وقريء بضمها، سميت لبدانتها. أي: لسمنها.
وقد ذكر البخاري قول مجاهد في ذَلِكَ، ويقال: بَدُن بضم الدال، وبَدّن بالتشديد إذا أسن. قَالَ الداودي: قيل: إن البدنة تكون من البقر، وهذا نقل عن الخليل.
{لَكُم فِيهَا خَيرٌ} [الحج: 36] تركب إذا احتاج إليه، و {القَانِعَ}: السائل في قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن، قالوا: بخلاف المعتر الذي يتعرض ولا يسأل
(1)
.
وقال مالك: أحسن ما سمعت فيه أن القانع الفقير، والمعتر: الدائر
(2)
(3)
، وقيل: القانع: السائل الذي لا يقنع بالقليل. وقرأ أبو رجاء (القَنِع). وهو مخالف للأول، يُقال: قنع إذا رضي، وبفتح النون إذا سأل. وقرأ الحسن:(والمعتَرِي)
(4)
، ومعناه: مثل المعتر، يُقال: أعتره واعتراه، وعره وعراه، إذا تعرض لما عنده أو طلبه. وعبارة صاحب "العين": القنوع: التذلل للمسألة
(5)
، إبراهيم قنع إليه: مال وخضع. وعنه: القانع: خادم القوم وأجيرهم، وقال الزجاج:
(1)
رواها الطبري 9/ 157 - 158 (25231، 25233 - 25237) وأوردها السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 653 وعزاها لابن المنذر وابن أبي شيبة وعبد بن حميد.
(2)
انظر: "المنتقى" 3/ 132.
(3)
الدائر: هو الذي يمر بجانبك ويتعرض لك أن تطعمه، لا يسأل شيئًا، انظر:"تفسير الطبري" 9/ 156 - 158.
(4)
وهي قراءة شاذة، انظر: مختصر في "شواذ القرآن" ص 98.
(5)
"العين" 1/ 170.
القانع: الذي يقنع بما (تعطيه)
(1)
، وقيل: الذي يقنع باليسير، وقال قطرب: كان الحسن يقول: هو السائل الذي يقنع بما آتيته، ويصير القانع من معنى القناعة والرضا.
وقوله: {لَن يَنَالَ اَللهَ لُحُومُهَا} [الحج: 37] يروى عن ابن عباس: أنهم كانوا في الجاهلية يضحون بدماء البدن ما حول البيت، فأراد المسلمون فعل ذَلِكَ فأنزلها الله
(2)
.
وقوله: {وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37] أي: ما أريد به وجه الله، و (الشعائر) تقدمت، و {العَتِيقِ}: عتقه من الجبابرة، كما ذكره البخاري، وقد روي ذَلِكَ مرفوعًا بزيادة:"فلم يغلب عليه جبار قط"
(3)
.
(1)
في الأصل: (يعطيه) وعليها: كذا.
(2)
ذكره البغوي في "معالم التنزيل" 5/ 387 - 388، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 654 لابن المنذر وابن مردويه.
(3)
رواه الترمذي (3170) كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة الحج، والبزار في "البحر الزخار" 6/ 172 - 173 (2215) - وقال: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن ابن الزبير عنه، ولا نعلم له طريقًا عن ابن الزبير إلا هذا الطريق- والطبري 9/ 142 (25117)، وابن الأعرابي في "المعجم" 3/ 1042 - 1043 (2243)، والحاكم في "المستدرك" 2/ 389 كتاب: التفسير- وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، والبيهقي في "دلائل النبوة" 1/ 125، وفي "شعب الإيمان" 3/ 443 (4010)، والواحدي في "الوسيط" 3/ 268 - 269، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 54/ 209 - 210، جميعًا من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعًا، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 643 للبخاري في "تاريخه" والترمذي وحسنه وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه وابن والبيهقي في "الدلائل".
قلت: رواه البخاري في "تاريخه" 1/ 201 مختصرًا دون قوله: "فلم يغلب عليه جبار قط". والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" 3/ 296 وقال: رواه البزار وفيه: عبد الله بن صالح كاتب الليث، قيل: ثقة مأمون وقد ضعفه الأئمة أحمد =
وقال الحسن: لقدمه، وحجته
(1)
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 96] الآية وجبت كما ذكر.
وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم ولفظه: فقال: "اركبها" في الثانية أو الثالثة
(2)
، وفي لفظ له: يسوق بدنة مقلدة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اركبها" فقال: بدنة يا رسول الله؟ فقال: "ويلك اركبها" ثلاثًا
(3)
.
وللبخاري في باب تقليد النعل قريبًا: قَالَ: "اركبها" قَالَ: إنها بدنة.
قَالَ: "اركبها" قَالَ: فلقد رأيته راكبها ليساير النبي صلى الله عليه وسلم، والنعل في عنقها
(4)
.
وحديث أنس أخرجه مسلم أيضًا بلفظ: "اركبها" مرتين أو ثلاثًا
(5)
.
وفي رواية للبخاري: "اركبها ويلك" قالها في الثانية أو في الثالثة
(6)
.
ولمسلم: مرَّ عليه ببدنة أو هدية فقال: "اركبها" قَالَ: إنها بدنة أو هدية، فقال:"وإن"
(7)
. ولأحمد: يسوق بدنة، وقد جهده المشي، وفيه قَالَ:"اركبها وإنها بدنة"
(8)
.
وانفرد مسلم بحديث ابن الزبير قَالَ: سمعت جابر بن عبد الله يسأل
= وغيره، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(2059)، وانظر:"الضعيفة"(3222).
(1)
رواه ابن أبي حاتم 8/ 2490 (13908) معلقًا.
(2)
مسلم (1322) كتاب: الحج، باب: جواز ركوب الدابة المهداة لمن احتاج إليها.
(3)
مسلم (1322/ 372).
(4)
سيأتي برقم (1706) باب: تقليد النعل.
(5)
مسلم (1323).
(6)
سيأتي برقم (2755) كتاب الوصايا، باب: هل ينتفع الواقف بوقفه.
(7)
مسلم (1323).
(8)
"مسند أحمد" 2/ 254.
عن ركوب الهدي، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حَتَّى تجد ظهرًا"
(1)
.
ولأحمد من حديث علي سئل: يركب الرجل هديه؟ قَالَ: لا بأس به، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بالرجال يمشون، فيأمرهم بركوب هديهم، ثم قال: ولاتتَّبعون شيئًا أفضل من سنة نبيكم
(2)
. وفي "مراسيل أبي داود" من حديث ابن جريج عن عطاء قَالَ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالبدنة إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها، ويركب غير منهوكة.
قلتُ: ماذا؟ قَالَ: الرجل الراجل، والمتبع اليسير، وإن نتجت حمل عليها ولدها وعدله
(3)
.
إذ تقرر ذَلِكَ: ففيه استعمال ما وُجِّه لله تعالى إذا احتيج إليه عَلَى خلاف ما كانت الجاهلية عليه من أمر البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فأعلم الشارع أن ما أهل به لله إنما هو دماؤها، وأما لحومها، والانتفاع بها قبل نحرها وبعده فغير ممنوع، بل هو مباح بخلاف سُنن الجاهلية.
وقد اختلف العلماء في ركوب الهدي الواجب والتطوع: فذهب أهل الظاهر إلى أن ذَلِكَ جائز من غير ضرورة، وبه قَالَ أحمد وإسحاق، وبعضهم أوجب ذَلِكَ، واحتج بحديثي الباب، وكره مالك، وأبو حنيفة، والشافعي وأكثر الفقهاء -فيما حكاه صاحب "الاستذكار"- ركوبها من غير ضرورة، وكرهوا شرب لبن الناقة بعد ري فصيلها، وقال أبو حنيفة والشافعي: إن نقصها الركوب والشرب فعليه قيمة ذلك.
(1)
مسلم (1324).
(2)
"مسند أحمد" 1/ 121، وقال الحافظ في "الفتح" 3/ 537: إسناده صالح.
(3)
"مراسيل أبي داود"(153).
واحتجوا: أن ما أخرج لله فغير جائز الرجوع في شيء منه والانتفاع به إلا عند الضرورة
(1)
. وركوبها يحتمل أن يكون لغير ضرورة، وأن يكون لها، ورواية جابر السالفة تشهد له، وكذا رواية أحمد: وقد جهده المشي، فأباح ركوبها للضرورة، وقد روى نافع، عن ابن عمر أنه كان يقول في الرجل إذا ساق بدنة وأَعيا ركبها: وما أنتم بمستنين سنة هي أهدى من سنة محمد
(2)
. وكذا لا يجوز بيع منافعها إجماعًا.
وقد قَالَ مجاهد في قوله تعالى: {لَكمُ فِيهَا مَنَفعُ إِلَى أَجَل مُّسَمّى} قَالَ: في ظهورها وألبانها وأصوافها وأوبارها حَتَّى تصير بدنًا
(3)
. وبه قَالَ النخعي وعروة. واختلف متى ذَلِكَ؟ فقال عروة: بعد أن يقلدها، وقال مجاهد: قبله، وهو أولى؛ لأن الأجل المسمى أن يقلد ولم يوجد.
وقال ابن القاسم: فإن ركبها محتاجًا فليس عليه أن ينزل إذا استراح
(4)
. وقال إسماعيل: مذهب مالك يدل عَلَى أنه إذا استراح نزل، وبه قَالَ ابن الجلاب
(5)
، وإذا نزل لحاجته أو لليل لم يركبها حَتَّى يحتاج إلى ذَلِكَ كأول مرة. وعن بعض الشافعية والحنفية فيما حكاه ابن التين: إن نقصها (ركوبه)
(6)
ضمن النقصان، إن ركب ركوبًا قادحًا.
(1)
"الاستذكار" 12/ 253 - 254.
(2)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 161 كتاب: مناسك الحج، باب: الهدي يساق لمتعة أو قران هل يُركب أم لا؟، "الأم" 2/ 231.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 341 (14913) كتاب: الحج، باب: في ركوب البدنة، والطبري 9/ 147 (25151 - 25152)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 647 لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم.
(4)
انظر: "المنتقى" 2/ 309.
(5)
"التفريع" 1/ 334.
(6)
في (ج): ركوبها.
وقوله: ("ويْلَكَ") مخرجه مخرج الدعاء عليه من غير قصد؛ إذ أبي من ركوبها أول مرة، وقال له:(إنها بدنة). وكان عليه السلام يعلم ذَلِكَ، فخاف أن لا يكون علمه، وكأنه قَالَ: لك الويل في مراجعتك إياي فيما لا تعرف وأعرف، وفي رواية:"ويحك"
(1)
ذكرها ابن التين، وكان الأصمعي يقول: ويل: كلمة عذاب، وويح كلمة رحمة، وقال سيبويه: ويح زجر لمن أشرف عَلَى هلكة، وفي الحديث أنه وادٍ في جهنم
(2)
.
فرع:
يجوز إهداء الذكر والأنثى من الإبل، وهو مذهبنا
(3)
، وقول جماعة من الصحابة، ونقل ابن التين عن الشافعي أنه قال: لا يهدى إلا الإناث، ثم قَالَ: دليلنا ما رواه في "موطئه" عن نافع عن عبد الله بن أبي بكر: أنه صلى الله عليه وسلم أهدى جملًا كان لأبي جهل بن هشام
(4)
، ثم قَالَ: وهذا نص في محل النزاع، ولا يسلم له ذَلِكَ، ومن جهة القياس: أن الهدي جهة من جهات القرب، فلم تختص بالذكور كالضحايا والزكاة والعتق والكفارات.
(1)
ستأتي برقم (2754) كتاب: الوصايا.
(2)
رواه الترمذي (3164) كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة الأنبياء، وقال: حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث ابن لهيعة، وأحمد 3/ 75، وابن المبارك في "الزهد والرقائق"(334)، وعبد بن حميد في "المنتخب" 2/ 82 - 83 (922)، وأبو يعلى 2/ 523 (1383)، وابن حبان 16/ 508 (7467) باب: صفة النار وأهلها، والحاكم في "المستدرك" 2/ 507 كتاب: التفسير، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، و 4/ 596 كتاب: الأهوال، وصححه أيضًا، والبيهقي في "البعث والنشور"(512 - 513، 537)، والبغوي في "شرح السنة" 15/ 247 (4409) كتاب: الفتن، باب: صفة النار وأهلها نعوذ بالله منها، من حديث أبي سعيد الخدري، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(6148).
(3)
"مختصر المزني" ص 109، "البيان" 4/ 413.
(4)
"الموطأ" ص 246 كتاب: المناسك، باب: ما يجوز في الهدي.
فرع:
فيه من العلم تكرير العالم الفتوى، وتوبيخ من لا يأتمر بها. وقوله:("ارْكبْهَا، وَيْلَكَ") في الثانية أو الثالثة، يحتمل أن يريد في الثانية من قوله:"اركبها" ابتداء، فيقول له ذَلِكَ زجرًا عن مراجعته عن أمر قد كان له في التعليق بما أمره به، وحمله عَلَى عمومه في الأحوال سعة، ويحتمل أن يريد الثانية من جوابه له عن قوله:(إِنَّهَا بَدَنَةٌ). فيكون في ذَلِكَ زجر عن تكرير سؤاله عن أمر قد بينه، ولم يقيد أمره بركوبها بحال الإعياء دون حال الإراحة، ولا قَالَ له: فإذا استطعت المشي، فانزل، فاقتضى ذَلِكَ استدامة ركوبها، وإن زال تعبه، كما سلف.
فرع:
بوَّب البخاري عليه أن من حبس شيئًا ينتفع به، وأنكره الداودي عليه، وقال: إنما جعلها الله إذا بلغت محلها، وفيه نظر.
104 - باب مَنْ سَاقَ البُدْنَ مَعَهُ
1691 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الهَدْيَ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، قَالَ لِلنَّاسِ:"مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِشَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلِلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالحَجِّ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ". فَطَافَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى أَرْبَعًا، فَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالبَيْتِ عِنْدَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الهَدْيَ مِنَ النَّاسِ. [مسلم: 1227 - فتح: 3/ 539]
1692 -
وَعَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَمَتُّعِهِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ، بِمِثْلِ الذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [مسلم: 1228 - فتح: 3/ 539]
ذكر فيه حديث ابن شهاب، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ، وَأَهْدى فَسَاقَ مَعَهُ الهَدْيَ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ .. الحديث بطوله.
وفي آخره: وَعَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَمَتُّعِهِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ، بِمِثْلِ الذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أبو نعيم الأصبهاني: خرجه البخاري مسندًا: عن ابن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة فذكره، ومسلم ساقه بطوله، إلى حديث عروة عن عائشة
(1)
.
ومعنى: تمتع: أي: أمر به وأباحه، وكذلك معنى:(قرن بينه): أنه قَالَ: فكان من الناس من أهدى وما في آخره من تعليم الناس يفسر ما في أوله من إشكال (تمتع). وقد صح عن ابن عمر أنه رد قول أنس أنه صلى الله عليه وسلم يتمتع، وقال: أهل بالحج وأهللنا
(2)
. كما سلف، فتعين التأويل. وقال المهلب والداودي: معنى: تمتع ها هنا: قرن، وقيل له: متمتع؛ لأنه (لا يسقط)
(3)
عمل العمرة المنفردة، ولا يعمل في الحج إلا عملًا واحدًا.
وقوله: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ من شيء حَرُمَ منه حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ" ولم يقل: وعمرته، وهو دال عَلَى أنه لم يتمتع؛ لأنه ساق الهدي، ولم يحل كما حل من لم يسقه.
وقوله: "فَلْيَطُفْ بِالبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ" ظاهر في وجوب السعي.
وقوله: (وَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالحَجِّ). ثم قَالَ ابن بطال: إنما يريد أنه بدأ حين أمرهم بالتمتع أن يهلوا بالعمرة أولًا، ويقدموها قبل الحج، وأن ينشئوا الحج قبلها إذا حلُّوا منها
(4)
.
وقوله: (فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: تمتعوا بحضرته
(5)
.
(1)
مسلم (1228) كتاب: الحج، باب: وجوب الدم على المتمتع.
(2)
انظر ما سيأتي برقمي (4353 - 4354) كتاب: المغازي، باب: بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(3)
في الأصل: (يسقط)، والمثبت من (ج).
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 376.
(5)
سلف برقم (1562) باب: التمتع والإقران والإفراد بالحج، وسيأتي برقم (4408) =
وأما قوله: (وعَنْ عُرْوَةَ) إلى مثل خبر سالم عن أبيه، فنعم، هو مثله
في الوهم؛ لأن أحاديث عائشة كلها من رواية عروة والأسود والقاسم وعمرة مسقطة لهذا الوهم؛ لأنهم يروون عنها: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا الحج. ورواية أبي الأسود عن عروة عنها: أنه أهل بالحج
(1)
مخالفة لرواية ابن شهاب، عن عروة عنها في تمتعه بالعمرة، وموافقة لرواية الجماعة عن عائشة.
وأما ترجمة الباب فساقها؛ ليعرف أن السنة في الهدي أن يساق من الحل إلى الحرم، واختلف العلماء في ذَلِكَ: فقال مالك: من اشترى هديه بمكة أو بمنى ونحره، ولم يقف به بعرفة في الحل فعليه بدله. وهو مذهب ابن عمر وسعيد بن جبير، وبه قَالَ الليث، وروي عن القاسم: أنه أجازه، وإن لم يوقف به بعرفة، وبه قَالَ أبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور
(2)
.
وقال الشافعي: وقف الهدي بعرفة سنة لمن شاء، إذا لم يسقه من الحل، وقال أبو حنيفة: ليس بسنة؛ لأنه عليه السلام إنما ساق الهدي من الحل؛ لأن مسكنه كان خارج الحرم، والحجة لمالك: أنه عليه السلام ساقه من الحل إلى الحرم
(3)
، وقال:"خذوا عني مناسككم"
(4)
.
= كتاب: المغازي، باب: حجة الوداع، ورواه مسلم (1211/ 118) كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج ..
(1)
شرح ابن بطال" 4/ 376.
(2)
"مختصر اختلاف العلماء" 2/ 173، "النوادر والزيادات" 2/ 443، 445، "البيان" 4/ 429.
(3)
تقدم تخريجه، وهو بنحوه في مسلم (1297).
(4)
انظر: "الاستذكار" 12/ 271.
105 - باب مَنِ اشْتَرَى الهَدْيَ مِنَ الطَّرِيقِ
1693 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم لأَبِيهِ: أَقِمْ، فَإِنِّي لَا آمَنُهَا أَنْ سَتُصَدُّ عَنِ البَيْتِ. قَالَ: إِذًا أَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَالَ اللهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عَلَى نَفْسِي العُمْرَةَ. فَأَهَلَّ بِالعُمْرَةِ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ، وَقَالَ: مَا شَأْنُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ إِلاَّ وَاحِدٌ. ثُمَّ اشْتَرَى الهَدْيَ مِنْ قُدَيْدٍ، ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، فَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. [انظر: 1639 - مسلم: 1230 - فتح: 3/ 541]
ذكر فيه: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعمانِ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ لأَبِيهِ: أَقِمْ، فَإنَّي لَا (إيمنها)
(1)
أَنْ سَتُصَدُّ عَنِ البَيْتِ. قَالَ: إِذًا أَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَالَ: {لَّقَد كاَنَ لَكُم في رَسُولِ أللهِ أسَوة حَسَنَة} [الأحزاب: 21] إلى أن قال: ثُمَّ اشْتَرى الهَدْيَ مِنْ قُدَيْدٍ، ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَا وَاحِدًا، فَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا.
وقد سلف في طواف القارن
(2)
، ولما رواه الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعًا قَالَ: غريب، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن اليمان، وأشار إلى صحة وقفه
(3)
.
(1)
كذا في الأصل (ج).
وفي اليونينية 2/ 168: (آمنها) وفي هامشها: (إيمنها) وعليها رموز رواتها من "الصحيح".
(2)
سلف برقم (1639 - 1640).
(3)
الترمذي (907) كتاب: الحج.
وقوله: (إِذَا أَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم): يعني: من الإحلال حين صُدَّ بالحديبية، عَلَى ما يأتي ذكره في باب المحصر بعد، إن شاء الله تعالى
(1)
.
ولم يصد ابن عمر، وأهل بعمرة من المدينة، فلما خرج إلى الميقات أردف الحج عَلَى العمرة، وقال: ما شأنهما إلا واحدًا، يعني: في العمل؛ لأن القارن لا يطوف عنده إلا طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا.
وقام الإجماع عَلَى أنَّ من أَهلَّ بعمرة في أشهر الحج، أنَّ له أن يدخل عليها الحج
(2)
، ما لم يفتتح الطواف بالبيت؛ لأن الصحابة أهلوا بعمرة في حجة الوداع، ثم قَالَ لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا"
(3)
.
وبهذا احتج مالك في "موطئه"
(4)
واختلفوا في إدخاله عليها إذا افتتح
الطواف، فقال مالك: يلزمه ذَلِكَ، ويصير قارنًا، وحكى أبو ثور أنه قول (الكوفي)
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (1812) كتاب: المحصر، باب: النحر قبل الحلق في الحصر.
(2)
"الإقناع" 2/ 847.
(3)
سلف برقم (1556)، ورواه مسلم (1211) كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام .. من حديث عائشة.
(4)
"الموطأ" 1/ 505 كتاب: المناسك.
(5)
قلت: كذا بالأصل، ولعل صوابه: الكوفيين، كما هي العبارة بنصها في "شرح ابن بطال" 4/ 379.
وقال الشافعي: لا يكون قارنًا وذكر أنه قول عطاء، وبه قَالَ أبو ثور، وأما إدخال العمرة عَلَى الحج فمنع منه مالك، وهو قول أبي إسحاق، وأبي ثور، والشافعي في الجديد، وأجازه الكوفيون، وقالوا: يصير قارنًا
(1)
، وقد أساء فيما فعل، وإنما جاز إرداف الحج عَلَى العمرة ولم يجز عكسه؛ لأن عمل الحج يستغرق عمل العمرة ويزيد عليها، وإذا أدخل العمرة عَلَى الحج فلم يأت بزيادة في العمل، ولا أفاد فائدة؛ فلم يكن لإدخالها عَلَى الحج معنى، والقياس عند أبي حنيفة لا يمنع إدخال عمرة عَلَى حجة، ومن أصله عَلَى القارن تعدد الطواف والسعي.
وأما ترجمة البخاري فإنما أراد أن يبين مذهب ابن عمر: أن الهدي ما أُدخل من الحل إلى الحرم؛ لأن قديدًا في الحل في نصف طريق مكة.
وقد روى مالك عن نافع عنه أنه كان يقول: الهدي ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة
(2)
، وكذا فعل الشارع، فمن خالفه يحتاج إلى دليل.
وقوله: (لَا إيمنها). قَالَ سيبويه: من العرب من يكسر زوائد كل فعل مضارع ماضيه فَعِل، ومستقبله يَفْعَل فيقولون: أنا إعلم، وأنت تِعلم، ونحن نِعلم، وهو يَعلم فيفتح الياء كراهية الكسرة فيها لثقلها، وعلى هذا جاز (لا إيمنها)؛ لأنهم يقولون: إيمن.
(1)
"مختصر الطحاوي" ص 61، "عيون المجالس" 2/ 900، "البيان" 4/ 73.
(2)
"الموطأ" 1/ 473 (1208) كتاب: المناسك، باب: العمل في الهدي حين يساق.
106 - باب مَنْ أَشْعَرَ وَقَلَّدَ بِذِي الحُلَيْفَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ
وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَهْدَى مِنَ المَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الحُلَيْفَةِ، يَطْعُنُ فِي سَنَامِهِ الأَيْمَنِ بِالشَّفْرَةِ، وَوَجْهُهَا قِبَلَ القِبْلَةِ بَارِكَةً.
1694، 1695 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قَالَا: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَدِينَةِ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الهَدْىَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالعُمْرَةِ.
الحديث 1694 - [1811، 2712، 2731، 4158، 4178، 4181 - فتح: 3/ 542]
الحديث 1695 - [2711، 2732، 4157، 4179، 4180 - مسلم: 1321 - فتح: 3/ 542]
1696 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِيَدَىَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَأَهْدَاهَا، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ أُحِلَّ لَهُ. [1698، 1699، 1700، 1701، 1702، 1703، 1704، 1705، 3317، 5566 - فتح: 3/ 542]
وذكر فيه من حديث عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قَالَا: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَدِينَةِ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم الهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالعُمْرَةِ.
وحديث عائشة: فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِيَدى، ثُمَّ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَأَهْدَاهَا، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ حِلا.
أما أثر ابن عمر، فأخرج نحوه ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر، عن عبد الله، عن نافع أن ابن عمر قَالَ: لا هدي إلا ما قلد وأشعر ووقف بعرفة
(1)
.
وحديث المسور بن مخرمة ومروان من أفراد البخاري، وهو قطعة من حديث طويل، ذكره البخاري في عشرة مواضع من كتابه، وبكماله يأتي إن شاء الله تعالى في الصلح متصلًا
(2)
، وهو من مراسيل الصحابة؛ لأن المسور كان سنه في الحديبية أربع سنين
(3)
، وأما مروان فلم تصح له صحبة
(4)
، وعن الدارقطني: أنه عليه السلام ساق يوم الحديبية سبعين
(1)
"المصنف" 3/ 172 (13205) كتاب: الحج، في الاشعار الواجب هو أم لا؟ و 3/ 347 (14972) كتاب: الحج، في التعريف بالبدن.
(2)
سيأتي برقم (1811) كتاب: المحصر، باب: ما يجوز من الشروط في الإسلام، و (2711 - 2712) كتاب: الشروط، باب: ما يجوز من الشروط في الإسلام، و (2731 - 2732) كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد، و (4157 - 4158)، (4178 - 4179، 4180 - 4181) كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية.
(3)
هو المسور بن مخرمة بن نوفل القرشي الزهري، أبو عبد الرحمن، أمه الشفاء بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف، ويقال: بل أمه عاتكة بنت عوف أخت عبد الرحمن، ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين، وقدم به أبوه المدينة في عقب ذي الحجة سنة ثمان، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسور ابن ثمان سنين، وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه، وحدث عن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف. انظر ترجمته في:"معجم الصحابة" لابن قانع 3/ 110 (1076)، "معرفة الصحابة" 5/ 2547 (2718)، "الاستيعاب" 3/ 455 (2434)، "أسد الغابة" 5/ 175 (4919)، "الإصابة" 3/ 419 (7993).
(4)
هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة اثنتين من الهجرة وقيل: عام الخندق، وقال مالك: ولد مروان يوم أحد، فعلى قوله توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان =
بدنة عن سبعمائة رجل
(1)
، وفي رواية: كانوا في الحديبية خمس عشرة مائة
(2)
وسيأتي في المغازي عن جابر وعن ابن أبي أوفى كانوا ألفًا وثلاثمائة
(3)
، وفي رواية أربع عشرة مائة
(4)
وكانت الحديبية سنة ست من الهجرة في ذي القعدة، قال ابن التين: والأشهر أربع عشرة مائة، وأقام في سفرته شهرًا ونصفًا، وقيل: خمسين ليلة، ورجع إلى المدينة لخمس مضين من المحرم.
وحديث عائشة أخرجه مسلم والأربعة
(5)
، وبوب له بعد فتل قلائد البدن والبقر، وليس فيه ذكر البقر
(6)
، لكن قد صح أنه عليه السلام أهداهما جميعًا، كما ذكره ابن المنير
(7)
، وفي أفراد مسلم من حديث ابن عباس: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم، وقلدها نعلين، ثم ركب راحلته، فلما استوت به عَلَى البيداء أهل بالحج
(8)
، وفي أبي داود:
= سنين أو نحوها ولم يره لأنه خرج إلى الطائف طفلًا لا يعقل. انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" 5/ 2632 (2814)، "الاستيعاب" 3/ 444 (2399)، "أسد الغابة" 5/ 144 (4841).
(1)
"سنن الدارقطني" 2/ 243 كتاب: الحج.
(2)
ستأتي برقم (4152 - 4153) كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، ورواه مسلم (1856/ 73) كتاب: الإمارة، باب: استحباب مبايعة الإمام الجيش ..
(3)
سيأتي برقم (4155)، ورواه مسلم (1857).
(4)
سيأتي برقم (4153)، ورواه مسلم (1856/ 69)، ويأتي أيضًا (4150) من حديث البراء.
(5)
مسلم (1321)، أبو داود (1757)، الترمذي (908)، النسائي 5/ 171 - 173، ابن ماجه (3098).
(6)
يأتي برقم (1697 - 1698).
(7)
"المتواري" ص 143.
(8)
مسلم (1243) كتاب: الحج، باب: تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام.
سلته بيده
(1)
، وفي أخرى: بأصبعه
(2)
.
وإذا تقرر ذَلِكَ: فغرض البخاري في الباب أن يبين أن من أراد أن يحرم بالحج أو العمرة، وساق الهدي معه، فإن المستحب له أن لا يشعر هديه ولا يقلده إلا من ميقات بلده، وكذلك يستحب له أيضًا أن لا يحرم إلا بذلك الميقات عَلَى ما عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية، وفي حجته أيضًا، وكذلك من أراد أن يبعث بالهدي إلى البيت ولم يرد الحج والعمرة وأقام في بلده، فإنه يجوز له أن يقلده، وأن يشعره في بلده، ثم يبعث به اقتداء بالشارع، إذ بعث بهديه مع أبي بكر سنة تسع، ولم يوجب عليه إحرامًا ولا تجردًا من ثيابه ولا غير ذَلِكَ، وعلى هذا جماعة أئمة الفتوى منهم: مالك، والليث، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، كلهم احتج بحديث عائشة في الباب، أن تقليد الهدي لا يوجب الإحرام عَلَى من لم ينوه وردوا قول ابن عباس فإنه كان يرى أن من بعث بهدي إلى الكعبة لزمه إذا قلده الإحرام، ويجتنب كل ما يجتنبه الحاج حَتَّى ينحر هديه
(3)
، وتابع ابن عباس عَلَى ذَلِكَ ابن عمر
(4)
، وبه قَالَ عطاء
(5)
، عَلَى خلاف عن ابن عمر وسعيد بن جبير
(6)
ومجاهد
(7)
.
(1)
أبو داود (1753) كتاب: المناسك، باب: في الإشعار.
(2)
أبو داود (1753).
(3)
رواه مالك في "الموطأ" 1/ 433 - 434 (1096) كتاب: المناسك، باب: ما لا يوجب الإحرام من تقليد الهدي، وابن أبي شيبة 3/ 124 (12697، 12703 - 12704).
(4)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 125 - 126 (12709، 12718).
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 124 (12701).
(6)
"المصنف" 3/ 124 (12702).
(7)
"المصنف" 3/ 124 - 125 (12706).
قَالَ أبو عمر: وقيس بن سعد بن عبادة، وسعيد بن المسيب -عَلَى اختلاف عنه
(1)
- وميمون بن أبي شبيب، وروي مثل ذَلِكَ في أثر مرفوع من حديث جابر
(2)
، رواه أسد بن موسى، عن حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن عطاء، عن ابن أبي لبيبة
(3)
، عن عبد الملك بن جابر عنه
(4)
. وابن أبي لبيبة شيخ ليس ممن يحتج به فيما ينفرد، فكيف فيما خالفه فيه من هو أثبت منه
(5)
، ولكنه قد عمل بحديثه بعض الصحابة
(6)
، وتابع ابن عباس أيضًا: النخعي، والشعبي، وأبو الشعثاء، ومجاهد، والحسن، ذكره في "المصنف"، وحكاه أيضًا عن عمر، وعلي، وابن سيرين
(7)
، وهم محججون بالسنة الثابتة، وليس أحد بحجة عليها.
(1)
كذا بالأصل، وفي "الاستذكار" 11/ 178 وهو المصدر المنقول منه هنا: وسعيد ابن المسيب، وسعيد بن جبير على اختلاف عنه.
(2)
كذا بالأصل، وفي "الاستذكار" 11/ 179: من حديث عمر، ولعل المثبت هنا هو الصواب.
(3)
في هامش الأصل ما نصه: محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة (د. س) هو ابن أبي لبيبة.
قال ابن معين: ليس بشيء. وقال الدارقطني: ضعيف ليس بقوي.
(4)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 264.
(5)
هو محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة، ويقال: ابن أبي لبيبة، ويقال: لبيبة أبوه، واسمه وردان. قال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: ابن أبي لبيبة الذي يحدث عن وكيع ليس حديثه بشيء، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال أبو زرعة: حديثه عن علي بن أبي طالب مرسل، وقال الحافظ: ضعيف كثير الإرسال. انظر ترجمته في: "القسم المتمم للطبقات الكبرى"(258)، "التاريخ الكبير" 1/ 151 - 152 (452)، "الثقات" 5/ 362 - 363، "تهذيب الكمال" 25/ 620 - 622 (5405)، "تقريب التهذيب"(6080).
(6)
انتهى من "الاستذكار" 11/ 781 - 182 بتصرف.
(7)
"المصنف" 3/ 124، 126 (12698 - 12700، 12706، 12717، 12720).
قَالَ الطحاوي: وقد رأى ربيعة بن الهدير -فيما رواه مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم- رجلًا متجردًا بالعراق، فسأل الناس عنه، فقالوا: أمر بهديه أن يقلد، فلذلك تجرد، فذكر ذَلِكَ لابن الزبير، فقال: بدعة ورب الكعبة
(1)
. فلا يجوز أن يكون ابن الزبير حلف عَلَى ذَلِكَ أنه بدعة، إلا وقد علم أن السنة خلاف ذَلِكَ
(2)
.
قَالَ أبو عمر: وأما ابن عباس فاعتمد عَلَى حديث جابر، وقد ذكرنا علته، ولو علم به ابن الزبير لم يقسم
(3)
.
وفي "المصنف" عن أنس، والحسن، وعائشة، وعلقمة، وابن مسعود مثل حديث عائشة
(4)
، وبين أن الذي رآه ربيعة بن الهدير متجردًا، وأخبر به ابن الزبير عبد الله بن عباس، زمن إمرته عَلَى البصرة
(5)
، ثم ذهب جماعة العلماء إلى سنية الإشعار إلا أبا حنيفة. قَالَ ابن حزم: لا نعلم له فيه سلفًا
(6)
.
ونقله ابن بطال، عن إبراهيم النخعي، وفي "المصنف" عن عائشة وابن عباس: إن شئت فأشعر، وإن شئت فلا، ومن حديث ليث، عن
(1)
رواه مالك في "الموطأ" 1/ 434 (1098) كتاب: المناسك، باب: ما لا يوجب الإحرام من تقليد الهدي، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 267 كتاب: مناسك الحج.
(2)
"شرح معاني الآثار" 2/ 267.
(3)
"الاستذكار" 11/ 189.
(4)
"المصنف" 3/ 125 (12710 - 12711، 12713، 12715 - 12716) كتاب: الحج، باب: في الرجل يبعث بهديه ويقيم، هل يجب عليه الإحرام أم لا؟
(5)
"المصنف" 3/ 126 (12719) من كان يمسك عما يمسك عنه المحرم.
(6)
"المحلى" 7/ 111 - 112.
عطاء وطاوس ومجاهد مثله
(1)
، وفي لفظ عنهم: ليس الإشعار بواجب
(2)
.
وقال الطحاوي: أبو حنيفة لم يكره أصل الإشعار، وإنما كره ما يفعل عَلَى وجه يخاف منه هلاكًا كسراية الجرح لا سيما في حر الحجاز مع الطعن بالسنان أو الشفرة، وأراد سد الباب عَلَى العامة؛ لأنهم لا يراعون الحد في ذَلِكَ، وأما من وقف عَلَى الحد (في ذَلِكَ)
(3)
فقطع الجلد دون اللحم فلا يكره. وذكر الكرماني عنه استحسانه، قَالَ: هو الأصح لا سيما إن كان بمتبيغ ونحوه، فيصير
كالفصد والحجامة
(4)
.
وفي "شرح الهداية": هو أن يطعنها في أسفل سنامها من الجانب الأيسر حَتَّى يسيل الدم. قاله أبو يوسف ومحمد، لما روي عن ابن عمر أنه كان يشعرها مرة في الأيمن ومرة في الأيسر، ذكره ابن بطال
(5)
. وحديث ابن عباس السالف، وأثر ابن عمر: الأيمن. وتأوله بعض المالكية لصعوبتها. وقد رُوِي عن نافع: كان ابن عمر إن كانت بدنته ذللًا أشعرها في الأيسر، وإن كانت صعبة قرن بدنتين، ثم قام بينهما وأشعر إحداهما من الأيمن، والأخرى من الأيسر
(6)
. وابن عمر
(1)
"المصنف" 3/ 171 - 172 (13203 - 13204، 13209) في الإشعار واجب هو أم لا؟
(2)
"المصنف" 3/ 171 (13202).
(3)
من (ج).
(4)
"شرح الكرماني" 8/ 180، وفيه: قال أبو حنيفة: هو بدعة؛ لأنه مثلة. وهذا مخالف لأحاديث الصحيحة، ثم أنه ليس مثلة بل هو نحو الختان والفصد وغيره.
(5)
"شرح ابن بطال" 4/ 383.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 233 (13845) في الإشعار من كان يشعر في الأيمن وفي الأيسر.
كان من التابعين للآثار. والذي عنه في "الموطأ": من الأيسر، رواه مالك، عن نافع عنه
(1)
. والذي عنه في البخاري مرسل لم يسنده.
قَالَ مالك في "العتبية": لم يشعرها ابن عمر في الشقين؛ لأنها سنة لكن ليذللها، وإنما السنة في الأيسر مطلقًا. قَالَ محمد: في الشقين أي: في أي الشقين أمكنه
(2)
.
قَالَ ابن قدامة: وعن أحمد من الجانب الأيسر؛ لأن ابن عمر فعله، وبه قَالَ مالك
(3)
.
قَالَ ابن التين: وهو الذي اشتهر في "المدونة"
(4)
وغيرها. وحكاه ابن حزم، عن مجاهد بقوله: كانوا يستحبون الإشعار في الأيسر
(5)
. وعند الشافعي وأحمد في قول، وأبي يوسف ومحمد: الأيمن.
وزعم القائلون بالأيسر، بأنه عليه السلام كان يدخل بين البعيرين من قبل رءوسهما فيضرب أولًا عادة عن يساره من قبل يسار السنام، ثم يعطف عَلَى الآخر فيضربه من قبل يمينه، فصار الطعن في الجانب الأيسر أصليًّا؛ لأنه المفعول أولًا، وفي الأيمن اتفاقيًا، والأصل أولى.
وزعم صاحب "المطالع" أن إشعارها هو تعليمها بعلامة بشق جلد سنامها عرضًا، من الجانب الأيمن، هذا عند الحجازيين، وأما العراقيون: فالإشعار عندهم تقليدها بقلادة.
(1)
"الموطأ" 1/ 472 - 473 (1206) كتاب: المناسك، باب: العمل في الهدي حين يساق.
(2)
"النوادر والزيادات" 2/ 440.
(3)
انظر: "التمهيد" 17/ 230، "المغني" 5/ 455 - 456.
(4)
"المدونة" 1/ 339.
(5)
"المحلى" 7/ 112.
وقال ابن حبيب: يشعرها طولًا
(1)
.
وقال ابن التين: عرضًا، والعرض: عرض السنام من العنق إلى الذنب. قَالَ ابن التياني: أشعرت الناقة إذا وجأت في كتفها. وفي "الجامع": أشعرها إشعارًا، وإشعارها أن يوجأ أصل سنامها بسكين، سميت بما حل فيها، وذلك أن الذي يغلب بها علامة تعرف بها.
وقال ابن سيده: هو أن يشق جلدها أو يطعنها حَتَّى يظهر الدم
(2)
.
واختلفوا -كما قَالَ ابن بطال
(3)
- في إشعار البقر، فكان ابن عمر يقول: تشعر في أسنمتها
(4)
، وحكاه ابن حزم، عن أبي بن كعب أيضًا
(5)
، وقال عطاء والشعبي: تقلد وتشعر، وهو قول أبي ثور.
وقال مالك: تشعر التي لها سنام وتقلد، ولا تشعر التي لا سنام لها وتقلد. قال سعيد بن جبير: تقلد ولا تشعر
(6)
. واختار ابن حبيب: أن تشعر وإن لم يكن لها أسنمة
(7)
.
قَالَ ابن التين: وما علمت أحدًا ذكر الخلاف في البقر المسنمة إلا الشيخ أبا الحسن، وما أراه موجودًا، وأما الغنم فلا يسن إشعارها لضعفها، ولأن صوفها يستر موضع الإشعار، وأما التقليد فسنة بالإجماع وهو تعليق نعل أو جلد، وما أشبهه ليكون علامة للهدي.
(1)
"النوادر والزيادات" 2/ 441.
(2)
"المحكم" 1/ 225.
(3)
"شرح ابن بطال" 4/ 383.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 396 (15482).
(5)
"المحلى" 7/ 112.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 172 (13208).
(7)
"المنتقى" 2/ 312 - 313.
قال الحنفيون: لو قلد بعروةٍ مزادة، أو لحاء شجرة، وشبه ذلك جاز؛ لحصول العلامة وذهب الشافعي والثوري إلى أنها تقلد بنعلين لحديث ابن عباس السالف، وبه قَالَ ابن عمر، وقال الزهري ومالك: تجزئ واحدة، وعن الثوري: تجزئ فم القربة، ونعلان أفضل لمن وجدهما
(1)
.
فائدة:
لم يذكر البخاري رحمه الله حكم الهدي إذا عطب، وقد أخرج مسلم في "صحيحه"(من أفراده)
(2)
: نحرها، وصبغ نعلها في دمها، ثم اجعله على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك
(3)
.
(1)
انظر: "الاستذكار" 12/ 265.
(2)
ورد بهامش الأصل: من حديث ابن عباس، من عدة طرق.
(3)
مسلم (1325 - 1326) كتاب: الحج، باب: ما يفعل بالهدي إذا عطب في الطريق.
107 - باب فَتْلِ القَلَائِدِ لِلْبُدْنِ وَالبَقَرِ
1697 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنهم قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ؟ قَالَ:"إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الحَجِّ". [انظر: 1566 - مسلم: 1229 - فتح: 3/ 543]
1698 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُهْدِي مِنَ المَدِينَةِ، فَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِهِ، ثُمَّ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ. [انظر: 1696 - مسلم: 1321 - فتح: 3/ 543]
ذكر فيه حديث حفصة قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ؟ قَالَ:"إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الحَجِّ".
وحديث عائشة: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُهْدِي مِنَ المَدِينَةِ، فَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِهِ، ثُمَّ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِب المُحْرِمُ.
هذان الحديثان أخرجهما مسلم أيضًا
(1)
.
وفيه من الفقه: أن ما عُمل لله من الأعمال فإنه يجب إتقانها وتحسينها، ألا ترى عائشة لم تقنع بالقلائد إلا بفتلها وإحكامها.
وأجمعَ العلماء على تقليدِ الهدي
(2)
، وهو علامة له، كأنه إشهادٌ على أنه أخرجه من مِلكِه لله تعالى، وليعلمَ الناسُ الذين يبتغون أكلَه، فيشهدون نحره.
(1)
حديث حفصة أخرجه مسلم (1229). وحديث عائشة برقم (1231).
(2)
انظر: "الأصل" 2/ 492، "مختصر الطحاوي"(73)، "الاستذكار" 12/ 272، "الإقناع" للفاسي 2/ 857.
وفيه: عملُ أمهات المؤمنين بأيديهن، وخدمتهن في بيوتهن، وقد كانَ عليه السلام يخدمُ في بيته
(1)
.
وفقهُهُ سلفَ في البابِ قَبلَه.
وهذِه فوائد نعطفها على الباب الأول:
الأولى: قوله: (كان ابن عمر إذا أهدى من المدينة) يقتضي أن الهدي قد يُساق من الموضع البعيد إذا كان يؤمن عليه في مثل تلك المسافة، والبقر أضعف من لِكَ فلا يهدى إلا من المسافة التي يسلم فيها مثلها، وأما الغنم فروى محمد والعتبي، عن مالك: لا تساق إلا من عرفة، أو ما قرب؛ وهذا لأنها تضعف عن قطع طويل المسافة
(2)
.
وقوله: (قلده وأشعره بذي الحليفة) يريد لأنها موضع إحرامه لا الجحفة، وروي عن مالك: أن ذَلِكَ لا بأس به، والسنة اتصال ذَلِكَ كله: يقلده، ثم يشعره، ثم يحلله إن شاء، ثم يركع، ثم يحرم، ودليل ذَلِكَ حديث المسور ومروان في الكتاب
(3)
.
الثانية: قوله في حديث المسور ومروان: قلد النبي صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره -وكذا حديث عائشة- ثم قلدها وأشعرها
(4)
؛ يقتضي مباشرته ذَلِكَ بنفسه، وهو أفضل من الاستنابة كذبح الأضحية، واختلف في المرأة مالك وابن شهاب.
(1)
سلف برقم (676) عن الأسود قال: سالت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله -تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.
(2)
"المنتقى" 2/ 311.
(3)
سبق برقم (1694 - 1695).
(4)
الحديث الآتي.
فقال ابن شهاب: تلي ذَلِكَ بنفسها، وأنكره مالك قال: ولا تفعل ذَلِكَ إلا أن لا تجد من يلي ذَلِكَ؛ لأنه لا يفعله إلا من ينحر
(1)
.
الثالثة: يقول عند شروعه في الإشعار: بسم الله والله أكبر. رواه مالك في "موطئه" عن ابن عمر
(2)
.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 443.
(2)
"الموطأ" 1/ 473 (1207) كتاب: المناسك، باب: العمل في الهدي حين يساق.
108 - باب إِشْعَارِ البُدْنِ
وَقَالَ عُرْوَةُ، عَنِ المِسْوَرِ رضي الله عنه: قَلَّدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالعُمْرَةِ. [انظر: 1694]
1699 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا -أَوْ قَلَّدْتُهَا- ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى البَيْتِ، وَأَقَامَ بِالمَدِينَةِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلٌّ. [انظر: 1696 - مسلم: 1321 - فتح: 3/ 544]
ذكر فيه حديث المسور وحديث عائشة السالفين في باب: من أشعر وقلد
(1)
، وقد أسلفنا أن جمهور العلماء يرون الإشعار؛ لأنه سنة ثابتة، وممن رأى ذَلِكَ عمر وابنه والحسن والقاسم وسالم وعطاء ومالك وأبو يوسف ومحمد والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور.
وأنكره أبو حنيفة وقال: إنما كان ذَلِكَ قبل النهي عن المثلة
(2)
.
قال ابن بطال: وهذا تحكم لا دليل عليه، وسوء ظن، ولا تترك السنن بالظنون، وقد رَوى الإشعار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة
(3)
.
وأما ما روي عن عائشة أنها قالت: إن شئت فأشعر، وإن شئت فلا، فإنما أشعر؛ ليعلم أنها بدنة إذا ضلت
(4)
.
فدل أنه علامة ليس بنسك.
(1)
سبق برقمي (1694 - 1696).
(2)
انظر: "نوادر الفقهاء"(69)، "الإقناع" للفاسي 2/ 858، "المجموع" 8/ 358.
(3)
"شرح ابن بطال" 4/ 382.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 171 - 172 (13204) كتاب: الحج، في الإشعار أواجب هو أم لا؟
وقد روي مثل ذَلِكَ عن ابن عباس
(1)
فإنهما أعلما أنه ليس بواجب، وكذا نقول غير أنَّ فعله أفضل من تركه؛ لأن ابن عمر قال: لا هدي إلا ما قلد وأشعر
(2)
أي: لا هدي كامل. ولا نقول: إن الإشعار نسك يجب في تركه دم.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 172 (13209).
(2)
السابق 3/ 172 (13205).
109 - باب: مَنْ (فتل)
(1)
القَلَائِدَ بِيَدِهِ
1700 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ. قَالَتْ عَمْرَةُ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللهُ حَتَّى نُحِرَ الهَدْيُ. [انظر: 1696 - مسلم: 1321 - فتح: 3/ 545]
ذكر فيه حديث
(2)
عمرة أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ. قَالَتْ عَمْرَةُ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ (أَبِي)
(3)
، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللهُ حَتَّى نُحِرَ الهَدْيُ
هذا الحديث سلف فيما مضى واضحًا
(4)
، ومن تابع ابن عباس عليه، وقال ابن التين: خالفه فيه جماعة الفقهاء، وعائشة، واحتجت
(1)
كذا في الأصل، (ج).
وفي هامش الأصل: (قلد) فوقها خ، وفي "اليونينية" 2/ 169 (قلد) ولم يعلق عليها.
(2)
في هامش الأصل: عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن: أنها أخبرته أن.
(3)
في هامش الأصل: (أبي بكر) وعليها (ج)، يعني في نسخة.
(4)
سبق برقم (1698).
بفعله عليه السلام، وهي أعلم الناس بذلك، وما روته في ذَلِكَ يجب أن يصار إليه، ولعل ابن عباس رجع عن مقالته إن كان بلغه قولها فقد رجع عن مسائل حين أعلم بما جاء فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كالمتعة، ونحو التفاضل بين الذهبين والفضتين.
وقولها: (ليس كما قال ابن عباس) ردٌّ لقوله وإظهار لمخالفته، واحتجت على ذَلِكَ بفعل الشارع، وأعلمته أنها المباشرة له، وذلك يؤكد معرفتها به؛ لأن الراوي إذا باشر القصة رجحت روايته على رواية من لم يباشرها.
وقولها: (ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَهِ) يحتمل أن تكون أرادت بذلك تبيين حفظها الأثر ومعرفتها من تناول كل شيء منه، ويدل على ذَلِكَ اهتمامها بهذا الأمر، ومعرفتها به، ويحتمل أنها أرادت أنه تناول ذَلِكَ بنفسه، وعلم وقت التقليد، لئلا يظن أحد أنه استباح محظور الإحرام بعد تقليد هديه، وقبل علمه، بل أقدم على ذَلِكَ مع علمه.
وقولها: (ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي) تريد عام تسع، وابن عباس كان صغيرًا لم يشاهد من أفعاله عليه السلام إلا أواخرها بخلافها؛ فإنها رفعت الإشكال. ثم اعلم أن الداودي أورد حديث ابن المسيب، عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أراد أن يُضحي فلا يمس من ظفره وشعره شيئًا" ثم قال: وإلى هذا ذهب ابن عباس قال: وقيل: إن ابن المسيب لم يسمعه من أم سلمة بينهما عمرو بن الحارث، قال: فإن لم يكن أحدهما محفوظًا فأحد الحديثين ناسخ للآخر.
قلت: الحديث محفوظ، أخرجه مسلم
(1)
، وقال الحاكم إنه على شرط البخاري أيضًا
(2)
، والحديث شرع في مريد الأضحية أن يفعل ذَلِكَ من ذي الحجة فلا نسخ ولا تعارض.
وفيه من الفقه: جواز امتهان الخليفة، والعالم في الخدمة، وتناول بعض الأمور بنفسه، وإن كان له من يكفيه، ولا سيما فيما يكون من إقامة الشرائع وأمور الديانة.
وفيه أيضًا: إنكار عائشة على ابن عباس واحتجاجها بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حجة قاطعة.
(1)
مسلم (1977) كتاب: الأضاحي، باب: نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شعره.
(2)
"المستدرك" 4/ 220 - 221 كتاب: الأضاحي.
110 - باب تَقْلِيدِ الغَنَمِ
1701 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَهْدَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً غَنَمًا. [انظر: 1696 - مسلم: 1321 - فتح: 3/ 547]
1702 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَفْتِلُ القَلَائِدَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيُقَلِّدُ الغَنَمَ، وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا. [انظر: 1696 - مسلم: 1321 - فتح: 3/ 547]
1703 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِرِ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ الغَنَمِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَبْعَثُ بِهَا، ثُمَّ يَمْكُثُ حَلَالًا. [انظر: 1696 - مسلم: 1321 - فتح: 3/ 547]
1704 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: فَتَلْتُ لِهَدْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -تَعْنِي: القَلَائِدَ- قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ. [انظر: 1696 - مسلم: 1321 - فتح: 3/ 547]
ذكر فيه حديث عائشة قَالَتْ: أَهْدى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً غَنَمًا.
وحديثها: كُنْتُ أَفْتِلُ القَلَائِدَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيُقَلِّدُ الغَنَمَ، وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا.
وحديثها: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ الغَنَمِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَبْعَثُ بِهَا، ثُمَّ يَمْكُثُ حَلَالًا.
وحديثها: قالت: فَتَلْتُ لِهَدْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -تَعْنِي: القَلَائِدَ- قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ.
هذِه الأحاديث كلها في مسلم أيضًا
(1)
، وسلف بعضها
(2)
.
واختلف العلماء في تقليد الغنم، فمن رأى تقليدها أخذ بهذِه الأحاديث، وفي رواية لمسلم عنها: فقلدها
(3)
. وهو قول عطاء وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن حبيب
(4)
، وقال مالك وأبو حنيفة: لا يقلد ولعله لم يبلغهما الحديث، وعلل بأنها تضعف عن التقليد. واستحب مالك فتل القلائد بهذِه الأحاديث؛ ولأن ذَلِكَ إبقاءً لها على طول السفر والمدة مع تصرف الهدايا في الرعي وغيره، ونقل أبو عمر عن مالك وأصحابه أنه لا (يقلد)
(5)
(6)
، وقد علمتُ أن ابن حبيب من أصحاب مالك خالفه. قال أبو عمر: واحتج من لم يره بأن الشارع إنما حج حجة واحدة، ولم يهدِ فيها غنمًا، وأنكروا حديث الأسود، أي الذي في البخاري في تقليد الغنم، قالوا: هو حديث لا يعرفه أهل بيت عائشة
(7)
.
وذكر المنذري: أن بعضهم قال: إن الأسود تفرد به، قال: ولا يؤثر تفرده به؛ لأنه من الثقات، وادعى صاحب "المبسوط" أنه أثر شاذ،
(1)
مسلم (1321) كتاب: الحج، باب: استحباب بعث الهدي إلى الحرم.
(2)
برقم (1696).
(3)
مسلم (1321/ 367).
(4)
انظر: "النوادر والزيادات"(2/ 442)، "والاستذكار" 12/ 266، "البيان" 4/ 412، "روضة الطالبين" 3/ 189، "المسائل برواية الكوسج" 1/ 569، "المغني" 5/ 456.
(5)
في (ج): تقليد.
(6)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 73، "البحر الرائق" 3/ 130، "الاستذكار" 12/ 265، "المنتقى" 2/ 312.
(7)
"التمهيد" 17/ 230.
وأستغفر الله من حكايتها، فهي أحاديث ثابتة في الصحيحين وممن رأى تقليدها ابن عباس، وأبو جعفر، وعبد الله بن عبيد بن عمير، ذكرها ابن أبي شيبة في "مصنفه"
(1)
، وقال عن عطاء: رأيتُ أناسًا من الصحابة يسوقون الغنم مقلدة، والحق أحق بالاتباع، والسنة أحرى أن يؤخذ بها
(2)
.
(1)
"المصنف" 3/ 142 - 143 (12892 - 12899).
(2)
"المصنف" 3/ 143 (12900).
111 - باب القَلَائِدِ مِنَ العِهْنِ
1705 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ القَاسِمِ، عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلَائِدَهَا مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي. [1696 - مسلم: 1321 - فتح: 3/ 548]
ذكر فيه حديث عائشة قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلَائِدَهَا مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
و (العهن): جمع عهنة: الصوف المصبوغ ألوانًا، ويقال: كل صوفٍ عهن، والقطعة منه: عهنة، كما قلنا، والجمع:(عهون)
(2)
ذكره في "الموعب"، وفي "المحكم": المصبوع أي لون كان
(3)
.
وقال ابن التين: إنه عند أكثر أهل اللغة: الصوف المصبوغ.
وكذا قال ابن بطال: أكثر ما يكون مصبوغًا، ليكون أبلغ في العلامة
(4)
. وقال ابن خالويه: هو الأحمر، وهو ما ذكره صاحب ("المطالع")
(5)
مع ما تقدم أنه الصوف مطلقًا أو الملون.
قال ابن حبيب: اجعل حبل القلائد مما شئت، ثم ذكر حديث عائشة هذا، وقال مالك في رواية ابن القاسم: لا يقلدها بالأوتار.
(1)
مسلم (1321).
(2)
في هامش الأصل: كون الجمع عهون، قاله الأزهري أيضًا، وكون القطعة عهنة، قاله الليث أيضًا.
(3)
"المحكم" 1/ 66.
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 384.
(5)
ورد بهامش الأصل: حكى في "المطالع" أقوالًا أخر: الصوف مطلقًا، أو الملون خاصة والأحمر خاصة، وفي "الجمهرة": العهن: الصوف، وأكثر ما يستعمل المصبوغ منه.
وقال ربيعة ومالك: أحب إليَّ أن تكون القلائد مما تنبت الأرض
(1)
، ولعله أراد أن ذَلِكَ أحب إليه من ذَلِكَ كله، وحمل الحديث على الجواز.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات"(2/ 420، 422)، "المنتقى" 2/ 312.
112 - باب تَقْلِيدِ النَّعْلِ
1706 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، قَالَ:"ارْكَبْهَا". قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: "ارْكَبْهَا". قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا.
تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ، حَدَّثَنَا عُثمَانُ بْن عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1689 - مسلم: 1322 - فتح: 3/ 548]
حَدَّثَني مُحَمَّدٌ، أنا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، قَالَ:"ارْكَبْهَا". قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: "ارْكَبْهَا". قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا.
تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أنا عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
محمد شيخ البخاري نسبه ابن السكن محمد بن سلام فيما ذكره الجياني ثم قال: لعله ابن مثنى، فقد ذكر في باب الذبح قبل الحلق، حدثنا محمد بن مثنى، عن عبد الأعلى في حديث آخر
(1)
.
(1)
سيأتي برقم (1723)، وانظر:"تقييد المهمل" 3/ 1025.
قلتُ: وعليه اقتصر الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما، فأخرجاه من حديث الحسن بن سفيان: ثنا محمد بن مثنى، ثنا عبد الأعلى، فذكرا حديث الباب. وفقهه سلف في آخر باب: من أشعر وقلد.
113 - باب الجِلَالِ لِلْبُدْنِ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَشُقُّ مِنَ الجِلَالِ إِلَّا مَوْضِعَ السَّنَامِ، فإِذَا نَحَرَهَا نَزَعَ جِلَالَهَا، مَخَافَةَ أَنْ يُفْسِدَهَا الدَّمُ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا.
1707 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلَالِ البُدْنِ التِي نَحَرْتُ وَبِجُلُودِهَا. [1716، 1716 م، 1717، 1718، 2299 - مسلم: 1317 - فتح: 3/ 549]
وعن علي قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلَالِ البُدْنِ التِي نَحَرْتُ وَبِجُلُودِهَا.
الشرح:
(الجلال): جمع جل.
وأثر ابن عمر رواه يحيى بن بكير، عن مالك، عن نافع، عنه بلفظ: كان لا يشق جلال بدنه، وكان لا يجلها حَتَّى يغدو بها من منى إلى عرفة، زاد عنه يحيى -كما قال البيهقي: إلا موضع السنام- وإذا نحرها نزع جلالها إلى آخر ما ذكره البخاري
(1)
.
وحديث علي أخرجه في باب: لا يعطى الجزار من الهدي شيئًا: فأمرني فقسمت لحومها، ثم أمرني فقسمت جلالها وجلودها، ولا أعطي عليها شيئًا في جزارتها
(2)
.
(1)
"سنن البيهقي" 5/ 233 كتاب: الحج، باب: تجليل الهدايا وما يفعل بجلالها وجلودها.
(2)
سيأتي برقم (1716).
وفي لفظ: أهدى مائة بدنة فأمرني بلحومها فقسمتها، ثم أمرني بجلالها فقسمتها، ثم بجلودها فقسمتها
(1)
.
وأخرجه مسلم بلفظ: أمرني أن أقوم على بُدْنه، و (أمرني)
(2)
أن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها شيئًا، قال: نحن نعطيه من عندنا
(3)
.
وفي لفظ: أن نبي الله أمره أن يقيم على بُدْنه، وأمره أن يقسم بُدْنَهُ، كلها: لحومها وجلودها وجلالها في المساكين، ولا يعطي في جزارتها منها شيئًا
(4)
، وأخرج مسلم من حديث جابر: أنه عليه السلام أهدى مائة بدنة
(5)
.
إذا تقرر ذلك:
ففيه: الإبانة أن من السنة في البدن إذا ساقها سائق إلى الكعبة أن يجللها، فإذا بلغت محلها أن ينحرها، ويتصدق بلحومها وجلودها وجلالها.
(1)
سيأتي برقم (1718) باب: يتصدق بجلال البدن.
(2)
من (ج)، والحديث في مسلم بدونها.
(3)
مسلم (1317) كتاب: الحج، باب: في الصدقة بلحوم الهدي.
(4)
مسلم (1317/ 349).
(5)
قلت: كذا عز المصنف رحمه الله حديث جابر بهذا اللفظ أيضًا في "البدر المنير" 6/ 432، وفي "خلاصة البدر" 2/ 48، 384 لمسلم، وتبعه الحافظ في "تلخيص الحبير" 2/ 293.
وفيه نظر؛ فالحديث رواه مسلم (1218/ 147) مطولًا، وفيه: ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثًا وستين بيده، ثم أعطى عليًّا فنحر ما غبر وأشركه في هديه.
والحديث بهذا اللفظ رواه الحميدي في "مسنده" 2/ 344 (1306)، وعبد بن حميد في "المنتخب" 3/ 66 (1132)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 179 من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة .. الحديث.
وفيه: أن لصاحبها أن يولي نحرها غيره، وأنه لا بأس عليه إن لم يلِ ذلك بنفسه.
وفيه: أن له أن يولي قسم لحومها من شاء، وقال ابن المنذر: كان ابن عمر يجلل بدنه الأنماط والبرود والحبر حَتَّى يخرج من المدينة، ثم ينزعها ويطرحها حَتَّى يكون يوم عرفة، فيلبسها إياها حَتَّى ينحرها، ثم يتصدق بها.
قال المهَلَّب: وهذا إنما فعله على وجه التطوع والتبرع بما كان أَهل به لله تعالى أن لا يرجع في شيء منه، ولا في المال المضاف إليه، وليس ذَلِكَ بفرض عليه، وكان مالك وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور يرون تجليل البدن
(1)
.
وعن مالك: لا تجلل بالمخلق وغيره من الألوان، والبياض أحب إليِّ، وكره الخلوق لما فيه من الطيب، وحكمة شقها أن يبدو الإشعار
(2)
، قال مالك: وذَلِكَ من عمل الناس، وما علمت أحدًا ترك ذَلِكَ إلا ابن عمر، وذلك أنه كان يجلل القباطي والأنماط المرتفعة
(3)
والجُلل القباطي: ثياب بيض، والأنماط: ثياب ديباج، والحلل: ثياب مزدوجة، فإذا كسيت الكعبة تصدق بها.
قال ابن المبارك: كان ابن عمر يجللها بذي الحُلَيْفَة، فإذا أمسى ليله
نزع الجلال، فإذا قرب من الحرم جللها، فإذا خرج إلى منى جللها، فإذا كان حين النحر نزعها، فيحتمل أن يكون هذا مخالفًا لرواية مالك أنه
(1)
انظر: "المبسوط" 4/ 138، "تبيين الحقائق" 2/ 39، "التفريع" 1/ 333، "الذخيرة" 3/ 355، "المجموع" 8/ 327.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 440، "المنتقى" 2/ 314.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 441.
لا يجللها حَتَّى يغدو من منى إلى عرفة، ويحتمل أن يكون مالك قصد إلى الإِخبار فيها عن آخر فعله، واستوفى ابن المبارك الإخبار عن حالها من ابتداء الإحرام إلى آخر فعله فيها. وأحب ابن عمر أن يشق، ويجلل من حيث يحرم، فتأول مالك فعله على الامتناع من ذَلِكَ جملة.
وقال الداودي: كان يجلل الأنماط والجل النفيس ولا يشقها، ويرفع عن أذنابها؛ لئلا يصيبها الأذى، فلما كسي البيت جللها بجلال دون ذَلِكَ، وشق ما حاذى السنام. وقال مالك: أما (الحُلل)
(1)
فتنزع؛ لئلا يخرقها الشوك، وأما القباطي فتترك عليها؛ لأنها جمال
(2)
.
وقوله: (نَحَرْتُ) لا يُقال: بضم التاء في آخره؛ لأنه على خلاف الرواية كما نبه عليه الداودي، فقد نحر الشارع بعضها، وهو ثلاث وستون، إشارة إلى سنين عمره، وعليٌّ الباقي.
(1)
في (ج): (الجلل).
(2)
انظر: "الذخيرة" 3/ 357.
114 - باب مَنِ اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنَ الطَّرِيقِ وَقَلَّدَهَا
1708 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما الحَجَّ عَامَ حَجَّةِ الحَرُورِيَّةِ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ. فَقَالَ:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً. حَتَّى [إِذَ] كَانَ بِظَاهِرِ البَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ. وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ حَتَّى قَدِمَ، فَطَافَ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ، فَحَلَقَ وَنَحَرَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَهُ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: كَذَلِكَ صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1639 - مسلم: 1230 - فتح: 3/ 550]
ذكر فيه حديث نافع: قَالَ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ الحَجَّ عَامَ حَجَّةِ الحَرُورِيَّةِ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ. فَقَالَ:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً. الحديث بطوله، وقد سلف غير مرة، منها: باب: من اشترى الهدي من الطريق
(1)
.
والحَرُورية: بفتح الحاء وضم الراء نسبة إلى حروراء، وقد سلف.
(1)
برقم (1693).
115 - باب ذَبْحِ الرَّجُلِ البَقَرَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِنَّ
1709 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، لَا نُرَى إِلاَّ الحَجَّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ، قَالَتْ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: نَحَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ. قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُهُ لِلْقَاسِمِ، فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ. [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 3/ 551]
ذكر فيه حديث عمرة، عن عائشة: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، ولَا نُرى إِلَّا الحَجَّ، فَلَمَّا دَنوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَنْ يَحِل، قَالَتْ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ. فَقُلْتُ: مَا هذا؟ فقالوا: نَحَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ. قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُهُ لِلْقَاسِمِ، فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ.
الشرح:
قولها: (لِخَمْسٍ بَقِينَ) قالته؛ لأنها حدثت بذلك بعد أن انقضى الشهر، فإن كان فيه، فالصواب أن تقول: لخمس إن بقين؛ لأنه لا يُدْرى الشهر كامل أو ناقص.
و (القَعْدَةِ): بفتح القاف وكسرها كما سلف؛ لأنهم يقعدون فيه عن القتال.
وقولها: (لَا نُرى إِلَّا الحَجَّ)، يحتمل أن تريد حين خروجهم من المدينة قبل الإهلال، ويحتمل أن تريد أن إحرام من أحرم منهم بالعمرة لا يحل حَتَّى يردف الحج، فيكون العمل لهما جميعًا والإحلال منهما، ولا تصح إرادة أن كلهم أحرم بالحج؛ لحديثها الآخر من رواية عروة عنها: فمنا من أهل بالحج، ومنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بهما
(1)
، وقيل: لا نرى إلا الحج، أي: لم يقع في أنفسهم إلا ذَلِكَ.
قال الداودي: وفيه دليل أنهم أهلوا منتظرين، ويرد عليه رواية: لا نذكر إلا الحج.
وقولها: (فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وَسَعَى أن يحل من عمرته، ومن معه هدي أحرم بحج، فلا يحل حَتَّى يوم النحر) هذا هو الظاهر.
وقولها: (فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بقر).
فيه: النحر عن الغير، والنحر عن الجماعة من أهل بيته، وهذا الذبح إنما كان هدي التمتع، نحره عليه السلام عمن تمتع من أزواجه، ويحتمل كما قال ابن التين: أن يجري مجرى الأضحية، ويرده أن أهل منى لا أضاحي عليهم، أي: على قاعدته، ويحتمل أن يكون هديًا، والأظهر (من)
(2)
قوله: (نَحَرَ عَنْ أَزْوَاجِهِ) الاشتراك. وقد اختلف قول مالك: هل يشترك في هدي التطوع؟
وقال ابن بَطَّال: أخذ جماعة من العلماء بظاهر الحديث، وأجازوا
(1)
سبق برقم (1562).
(2)
في (ج): في.
الاشتراك في هدي التمتع والقران، على ما سلف في حديث ابن عباس، ومنعه مالك
(1)
قال: ولا حجة لمن خالفه في هذا الحديث؛ لأن قوله: (نحر عن أزواجه البقر). يحتمل أن يكون نحر عن كل واحدة منهن بقرة. قال: وهذا غير مدفوع من التأويل
(2)
.
قلتُ: يدفعه رواية عروة عن عائشة: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائه بقرة، ذكره ابن عبد البر من حديث الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة
(3)
.
وفي الصحيحين من حديث جابر: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرة يوم النحر، وفي رواية: بقرة في حجته، وفي رواية: ذبحها عن نسائه
(4)
.
وفي "صحيح الحاكم" على شرط الشيخين من حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن
(5)
.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 455، "المنتقى" 3/ 14.
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 386.
(3)
"التمهيد" 12/ 135.
(4)
قلت عزو المصنف رحمه الله هذا الحديث للصحيحين فيه نظر، فالحديث تفرد مسلم بإخراجه (1319) كتاب: الحج، باب: الإشتراك في الهدي وإجزاء البدنة والبقرة كل منهما عن سبعة.
والذي في "صحيح البخاري" سلف برقم (294) كتاب: الحيض، باب: الأمر بالنفساء وإذا نفس، وسيأتي برقم (5559) كتاب: الأضاحي، باب: من ذبح ضحية غيره من حديث عائشة.
(5)
"المستدرك" 1/ 467، قال الحاكم: أخبرنا أبو علي بن الحسين بن علي الحافظ أنبأ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب الفقيه ثنا محمد بن أبي كثير، عن سلمه: عن أبي هريرة قال: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
قلت: هكذا وقع في "المستدرك" عن سلمة، وفي "التلخيص" للذهبي: عن =
ثم قال ابن بطال: فإن قيل: إنما نحر البقرة عنهن على حسب ما أتى عنه في الحديبية أنه نحر البقرة عن سبعة، والبدنة عن سبعة
(1)
. قيل: هذِه دعوى لا دليل عليها؛ لأن نحوه في الحديبية كان عندنا تطوعًا، والاشتراك في هدي التطوع جائز على رواية ابن عبد الحكم، عن مالك، والهدي في حديث عائشة واجب، والاشتراك ممتنع من الهدي الواجب، والحديثان مستعملان عندنا على هذا التأويل.
قال القاضي إسماعيل: وأما رواية يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أنه عليه السلام نحر عن أزواجه بقرة واحدة، فإن يونس انفرد به
= أبي سلمة، وهو ما ذكره المصنف رحمه الله، وكذا الحافظ في "الفتح" 3/ 551، والعيني في "عمدة القاري" 8/ 213.
والحديث رواه أبو داود (1751) كتاب: المناسك، باب: في هدي البقر، وابن ماجه (3133) كتاب: الأضاحي، باب: عن كم تجزئ البدنة والبقرة، والنسائي في "الكبرى" 2/ 452 (4128) كتاب: الحج، النحر عن النساء، وابن خزيمة 4/ 288 - 289 (2903) كتاب: المناسك، باب: اشتراك النساء المتمتعات في البقرة الواحدة، وابن حزم في "حجة الوداع"(155، 318)، والبيهقي 4/ 354 من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به.
قال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: إن الوليد بن مسلم لم يقل فيه حدثنا الأوزاعي، وأراه أخذه، عن يوسف بن السفر، ويوسف ذاهب الحديث، وضعف محمد هذا الحديث ا. هـ. "علل الترمذي الكبير" 1/ 386. وقال البيهقي 4/ 354: تفرد به الوليد من مسلم ولم يذكر سماعه فيه عن الأوزاعي، والبخاري كان يخاف أن يكون أخذه عن يوسف بن السفر، ثم أورد البيهقي الحديث من طريق آخر صرح فيه الوليد بالتحديث عن الأوزاعي ثم قال: إن كان قوله حدثنا الأوزاعي محفوظا صار الحديث جيدًا. والحديث قواه الحافظ في "الفتح" 3/ 551، وصححه الألباني في "صحيح أبو داود"(1537).
(1)
رواه مسلم (1318) من حديث جابر بن عبد الله.
وحده
(1)
، وخالفه مالك فأرسله، ورواه القاسم وعمرة، عن عائشة: أنه عليه السلام نحر عن أزواجه البقر
(2)
، حَدَّثَنَا بذلك أبو مصعب، عن مالك، عن
(1)
قلت: وقع هنا وكذا في "عمدة القاري" 8/ 314: عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، ووقع في "شرح ابن بطال" 4/ 386، وكذا في "الفتح" 3/ 551: عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة، باب
بإبدال عمرة مكان عروة، ويحتمل الوجهين؛ فقد رواه أبو داود (1750) كتاب: المناسك، باب: في هدي البقرة، وابن ماجه (3135) كتاب: الأضاحي، باب: عن كم تجزئ البدنة والبقرة، والنسائي في "الكبرى" 2/ 452 (4127) كتاب: الحج، النحر عن النساء، ابن حزم في "حجة الوداع"(319) من طريق ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة به.
ورواه أحمد 6/ 248، والنسائي في "الكبرى" 2/ 451 - 452 (4126) من طريق عثمان بن عمر، عن يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة به.
قال عثمان بن عمر -فيما أورده أحمد والنسائي-: وجدت في كتابي في موضعين، موضع عن عمرة، عن عائشة، وموضع عن عروة، عن عائشة. اهـ.
والحديث صححه الألباني في "صحيح أبو داود"(1536).
ورواه ابن حزم في "حجة الوداع"(320) من طريق عثمان بن عمر، عن يونس، عن الزهري، عن عائشة به.
هكذا منقطعًا؛ فالزهري لم يلق عائشة، قال الواقدي: كان مولد الزهري سنة ثمان وخمسين، في آخر خلافة معاوية، وهي السنة التي ماتت فيها عائشة. اهـ. انظر:"تهذيب الكمال" 26/ 441.
ورواه البيهقي 4/ 353 عن يونس، عن الزهري قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن آل محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بقرة واحدة، كانت عمرة تحدث به عن عائشة. وقول: إسماعيل القاضي: انفرد به يونس. قال الحافظ: يونس ثقة حافظ. وقد تابعه معمر عن النسائي أيضًا، ولفظه أصرح من لفظ يونس قال: ما ذبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة.
(2)
حديث القاسم عنها سبق برقم (294) كتاب: الحيض، باب: الأمر بالنفساء إذا نفسن، وسيأتي برقم (5548) كتاب: الأضاحي، باب: الأضحية للمسافر والنساء، ورواه مسلم (1211/ 119 - 120) كتاب: الحج، باب: بيان وجوه =
عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة. وحَدَّثَنَا به القعنبي، عن سليمان بن بلال، عن يحيى، عن عمرة، عنها. وحَدَّثَنَا به، عن سفيان، عن يحيى، عن عمرة، عنها. وهذِه أسانيد الفقهاء الذين يفهمون ما (يحتاج)
(1)
إلى فهمه
(2)
. وقال أبو عمر لما ذكر حديث عروة السالف: هو معارض لحديث يحيى: ذبح عن نسائه البقر
(3)
وحديث عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عنها: ضحى عن نسائه
بالبقر
(4)
. على لفظ الجمع.
وفي حديث عبد الرحمن بن القاسم سمع أباه مرسلًا يقول: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه في حجة الوداع بقرة، بقرة عن كل امرأة
(5)
.
قلتُ: أخرجه النسائي من حديث إسرائيل، عن عمار، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عنها
(6)
. قال أبو عمر: يحتمل أن تكون أرادت بذكر الجنس كأنها قالت: دخل علينا بلحم لم يكن لحم إبل ولا غنم. كما تقول لحم بقري، فلا خلف بين الخبرين. وصح
= الإحرام، وأنه يجوز .. وحديث عمرة عنها هو حديث الباب، وسيأتي برقم (1720) باب: وما يأكل من البدن ما يتصدق، وبرقم (2952) كتاب: الجهاد والسير، باب: الخروج آخر الشهر، ورواه مسلم (1211/ 125 - 126).
(1)
في (ج): (يحتاجون).
(2)
انتهى من "شرح ابن بطال" 4/ 386 - 387.
(3)
تقدم تخريجه، وهو حديث عمرة، عن عائشة، وهو حديث الباب.
(4)
تقدم تخريجه قريبًا، سلف برقم (249)، رواه مسلم (1211/ 119 - 120).
(5)
"التمهيد" 12/ 132 - 138.
(6)
"السنن الكبرى" 2/ 452 (4129) ومن هذا الطريق رواه الخطيب في "توضيح الأوهام" 2/ 347، والذهبي في "ميزان الاعتدال" 1/ 210 في ترجمة إسرائيل بن يونس (820) وقال: حديث غريب. وقال الحافظ في "الفتح" 3/ 551: حديث شاذ.
مذهب مالك: أن يضحي الرجل عن نفسه وأهل بيته بقرة واحدة، وفي معناها عنده الشاة الواحدة
(1)
.
وفيه: النحر عن الغير كما سلف
(2)
.
قال الداودي: فيه: النحر عمن لم يأمر، فإن الإنسان يدركه ما عمل عنه بغير أمره، وأن معنى قوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} (أي)
(3)
: لا يكون له ما سعاه غيره لنفسه، وقد قال تعالى:{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] مع قوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فخرج هذا عمومًا يُراد به الخصوص، ثم بينه بقوله:{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] وبقوله: {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6] وبقوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] فليس للإنسان إلا ما سعى أو سعي له. وقوله: (نَحَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أزْوَاجِهِ بالبقر) مقتضاه نحر البقر، وأجازه مالك وغيره
(4)
، ويستحب فيها الذبح؛ لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] والحديث ورد بلفظ النحر كما هنا، وبلفظ الذبح، وعليه ترجم البخاري، وذكره بلفظ النحر، ويجوز أن يكون الراوي لما استوى عنده الأمران، عبر مرة بهذا ومرة بهذا، وفي رواية ضَحَّى
(5)
.
قال ابن التين: فإن تكن هديًا فهي تؤيد مذهب مالك، وإن تكن
(1)
"التمهيد" 12/ 137 - 138.
(2)
انظر: "المعونة" 1/ 439، "المنتقى" 3/ 96.
(3)
في (ج): (أن).
(4)
انظر: "الاستذكار" 13/ 79، "المنتقى" 3/ 25، "المجموع" 9/ 79.
(5)
سلفت برقم (294) كتاب: الحيض، باب: الأمر بالنفساء إذا نفسن
ضحايا فيحتمل أن تكون تطوعًا، وأن تكون واجبة لوجوب ضحايا غير الحاج، وعن مالك فيما حكاه أبو عمر: إن ذبح الجزور من غير ضرورة، أو نحرت الشاة من غير ضرورة لم تؤكل، وكان الحسن بن حي يستحب نحر البقر، وهو قول مجاهد
(1)
.
وفيه: دليل على أن الحاج يضحي، وهو مذهبنا خلافًا لمالك، حيث قال: لا أضحية عليه، وإنما سنتهم الهدايا
(2)
.
وفيه: التوجيه باللَّحم، وقول القاسم: أتتك بالحديث على وجهه، تصديقًا لعمرة، وإخبارًا عن حفظها، وأنها لم تغير منه شيئًا بتأويل ولا غيره
(3)
، فذكرت ابتداء الإحرام وانتهاءه حين وصلوا إلى مكة، وفسخ من لم يسق الهدي.
وفيه: أن من كفّر عن غيره كفارة يمين، أو ظهار، أو قتل نفس، أو أهدى عنه، أو أدى عنه دينًا بغير أمره أنَّ ذَلِكَ كله مجزئ عنه؛ لأنه لم يعرف نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أدى عنهن من نحر البقر لما وجب عليهن من نسك التمتع، وهو حجة لابن القاسم في قوله: إذا أعتق الرجل عبده عن غيره في كفارة الظهار أنه يجزئه، ولم يجزه أشهب وابن المواز، وقالا: لا يعتق عنه لغير أمره؛ لأنه فرض وجب عليه، ودليل هذا الحديث لازم لهما ولمن قال بقولهما من الفقهاء
(4)
، وقد سلف ذَلِكَ في الإيمان، في باب: الأعمال بالنية
(5)
.
(1)
"التمهيد" 21/ 141 - 142.
(2)
انظر: "المدونة" 2/ 25، "المنتقى" 3/ 100، "المجموع" 8/ 354، "أسنى المطالب" 1/ 535.
(3)
انظر "المنتقى" 3/ 26.
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 387.
(5)
في هامش الأصل: ثم بلغ في الثالث بعد الثلاثين، كتبه مؤلفه.
116 - باب النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى
1710 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ خَالِدَ بْنَ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ رضي الله عنه كَانَ يَنْحَرُ فِي المَنْحَرِ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: مَنْحَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 982 - فتح: 3/ 552]
1711 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ جَمْعٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، حَتَّى يُدْخَلَ بِهِ مَنْحَرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ حُجَّاجٍ فِيهِمُ الحُرُّ وَالمَمْلُوكُ. [انظر: 982 - فتح: 3/ 552]
ذكر فيه حديث عبيد الله بن عمر عَنْ نَافِعٍ، أَن عَبْدَ الله كَانَ يَنْحَرُ فِي المَنْحَرِ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: مَنْحَرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وعن نافع
(1)
، أَنَّ عبد الله بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ جَمْعٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، حَتَّى يدْخَلَ بِهِ مَنْحَر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ حُجَّاجٍ فِيهِمُ الحُرُّ وَالمَمْلُوكُ.
الشرح:
هذان الحديثان من أفراده، ومنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عند الجمرة الأولى التي تلي مسجد منى، كما قاله ابن التين، والمنحر فيه فضيلة على غيره، ولذلك كان ابن عمر يسابق إليه، "ومنى كلها منحر" كما نطق به عليه السلام
(2)
، وبه اقتفي ابن عمر آثاره كما هو دأبه، وكما كان أبوه عمر يفعل، يُقال: أشبه الناس في أفعاله عليه السلام عمر، وأشبه أولاد عمر
(1)
فوقها في الأصل: مسند.
(2)
رواه مسلم (1218/ 149) كتاب: الحج، باب: ما جاء أن عرفه كلها موقف، من حديث جابر بن عبد الله.
بعمر عبد الله، وأشبه أولاد عبد الله به سالم
(1)
، وكان يبعث هديه حينئذٍ ولا ينحره إلا نهارًا.
قال ابن بطال: المنحر في الحج بمنى إجماع، فأما العمرة فلا طريق بمنى فيها، فمن أراد أن ينحر في عمرته أو ساق هديًا تطوع به نحوه بمكة حيث شاء، وهو إجماع أيضًا
(2)
، فمن فعل هذا فقد أصاب السنة.
وبهذا قال مالك
(3)
، وقال أبو حنيفة والشافعي: إن نحر في غير منى ومكة من الحرم أجزأه. قالا: فإنما أريد بذلك مساكين الحرم ومكة
(4)
، وقد أجمعوا أنه إن نحر في غير الحرم ولم يكن محصرًا بعدو أنه لا يجزئه
(5)
، وعندنا الأفضل في حق المعتمر الذبح بالمروة؛ لأنها موضع تحلل
(6)
، وكذا حُكم ما ساق هو، والحج من الهدي، ووقته وقت الأضحية على الصحيح، وحجة مالك ما ذكره في "موطَّئه": أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجه بمنى: "هذا المنحر ومنى كلها منحر"، وقال في العمرة:"هذا المنحر -يعني: المروة- وكل فجاج مكة منحر"
(7)
فدلَّ أن غيرهما ليس بمنحر؛ لأنه كان يكفي أن يذكر أحدهما، وينبه به على سائر الحرم، فلما خصهما جميعًا علم أن منى
(1)
روى ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 4/ 145 بسنده عن سعيد بن المسيب قال: كان أشبه ولد عمر بعمر عبد الله، وأشبه ولد عبد الله بعبد الله سالم.
(2)
انظر: "الاستذكار" 13/ 75، "الإقناع" للفاسي 2/ 863.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 443، "الذخيرة" 3/ 363.
(4)
انظر: "الأصل" 2/ 433، "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 222، "روضة الطالبين" 3/ 187، "أسنى المطالب" 1/ 531.
(5)
"شرح ابن بطال" 4/ 387 - 388.
(6)
انظر: "المجموع" 8/ 182، "أسنى المطالب" 1/ 532.
(7)
"الموطأ" 1/ 529 (1370) كتاب: المناسك، باب: ما جاء في المنحر.
خُصت للحاج لإقامتهم بها، فجعل نحرهم بها، وجعل مكة منحر المعتمرين إذا فرغوا من سعيهم عند المروة، وأما نحره عليه السلام بالحديبية
(1)
، وليس من مكة ولا منى، ولكنها من الحرم على خلاف فيه؛ فلأن الهدي لم يكن بلغ محله كما قال تعالى، وإنما جاز ذَلِكَ، كما جاز له أن يخرج من إحرامه في غير محله.
ولما قال تعالى: {وَالهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} علمنا أن محله مكة؛ لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ} .
وصد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عن الحرم، وإنما كان عن البيت
(2)
؛ لأن الحديبية بعضها حرم، وبعضها حل، فمكة مخصوصة بالبيت، والطواف به دون سائر الحرم، ومنى مخصوصة بالتحلل فيها بالرمي، والمقام بها لبقية أعمال الحج، وليس كذلك سائر الحرم، خص هذان الموضعان بالنحر فيهما لهذا التخصيص فيهما، وبذلك فعل الشارع وأصحابه بعده.
(1)
سيأتي برقم (1807) كتاب: المحصر، باب: إذا إحصروا المعتمر، ورواه مسلم (1230) كتاب: الحج، باب: جواز التحلل بالإحصار وجواز القرآن.
(2)
التخريج السابق.
117 - [باب مَنْ نَحَرَ بِيَدِهِ
1712 -
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ -وَذَكَرَ الحَدِيثَ- قَالَ: وَنَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا، وَضَحَّى بِالمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ. مُخْتَصَرًا].
(1)
[انظر: 1089 - مسلم: 690 - فتح: 3/ 553]
(1)
هذا الباب بحديثه ليس في الأصل، وهو بهامش اليونينية من رواية أبي ذر والمستملي.
118 - باب نَحْرِ الإِبِلِ مُقَيَّدَةً
1713 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ زِيَادِ ابْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَتَى عَلَى رَجُلٍ، قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا، قَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ يُونُسَ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ. [مسلم: 1320 - فتح: 3/ 553]
ذكر فيه حديث يزيد بن زريع، عَنْ يُونُسَ، عَنِ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابن عُمَرَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنتَهُ يَنْحَرُهَا، فقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ يُونُسَ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ.
119 - باب نَحْرِ البُدْنِ قَائِمَةً
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {صَوَافَّ} [الحج: 36]: قِيَامًا.
1714 -
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالعَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، فَبَاتَ بِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَجَعَلَ يُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ، فَلَمَّا عَلَا عَلَى البَيْدَاءِ لَبَّى بِهِمَا جَمِيعًا، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا. وَنَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا، وَضَحَّى بِالمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ. [انظر: 1089 - مسلم: 690 - فتح: 3/ 554]
1715 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالعَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. وَعَنْ أَيُّوبَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَصَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ البَيْدَاءَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ. [انظر: 1089 - مسلم: 690 - فتح: 3/ 554]
وعَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسِ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا .. الحديث. إلى أن قال: وَنَحَرَ بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا، وَضَحَّى بِالمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ.
و (عنه)
(1)
: صَلَّى الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالعَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. وَعَنْ أَيُّوبَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنَسٍ: ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَصَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ البَيْدَاءَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ.
(1)
فوقها في الأصل: مسند.
الشرح:
حديث ابن عمر أخرجه مسلم بلفظ عن ابن عمر أنه أتى على رجل وهو ينحر بدنته باركةً، فقال: ابعثها قائمة مقيدة، سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وتعليق شعبة أخرجه الحربي في "مناسكه" عن عمرو بن مرزوق: حَدَّثَنَا شعبة، عن يونس، عن زياد، به. وفي "المصنف": حَدثَنَا عبد الأعلى، عن يونس، عن زياد: أن ابن عمر نحر ثلاث بدن قيامًا
(2)
.
ومن حديث إبراهيم عنه: أنه كان إذا أراد أن ينحر هديه عقلها فقامت على ثلاث، ثم نحرها
(3)
. وعن وكيع، عن نافع: رأيتُ ابن عمر كبر فنحرها باركة
(4)
. وعن أبي خالد، عن حجاج، عن عطاء: أن ابن عمر كان ينحرها شابًّا قيامًا، فلما كبر نحرها باركة
(5)
، والأخير فيه رجل مجهول.
قال الداودي: إنه ليس بمسند لجهالة هذا الرجل، ولو كان محفوظًا عن أبي قلابة ما كنّي عنه لجلالته وثقته، وإنما تلقى عمن فيه نظر. وقال ابن التين: يُحتمل أنه نسبه، وهو ثقة، إذ لو علم فيه نظرًا لسمَّاه، أو أسقط حديثه، وفي حديثه أنه بات حَتَّى أصبح، فأهل بهما جميعًا.
وسلف حديث عائشة وغيره أنه أفرد
(6)
وقد سلف ما فيه. وأوله
(1)
مسلم (1220) كتاب: الحج، باب: نحر البدن قيامًا مقيدة.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 413 (15661) كتاب: المناسك. من كان ينحر بدنته قائمًا، ومن قال: باركة.
(3)
المصدر السابق 3/ 412 (15650).
(4)
المصدر السابق 3/ 413 (15653، 165658).
(5)
المصدر السابق 3/ 413 (15653، 15658).
(6)
سلف برقم (1561 - 1562) باب: التمتع والإقران والإفراد بالحج، ورواه مسلم (1211) من حديث عائشة. وسلف برقم (1568)، ورواه مسلم (1216) من =
المهلب وغيره: أن معناه أمَر من أَهلّ بالقران ممن لم يفسخ حجه؛ لأنه صح أنه عليه السلام كان مفردًا لا قارنًا، فمعنى: لبَّى بهما جميعًا: أباح الإهلال بهما قولًا، فكان إهلالهم له بالإباحة أمرًا وتعليمًا منه لهم كيف يُهلون حين قرن من قرن منهم، وقد أسلفنا رد عائشة وابن عمر قول أنس، ووصفهما له بالصغر وقلة الضبط لهذِه القصة.
وقوله: (وَقَالَ ابن عُمَرَ: سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) سلف مسندًا
(1)
. وأثر ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة، عن أبي خالد، عن ابن جُريج، عن ابن أبي مُليكة، عنه: ثم رواه عن ابن عباس: أنه رأى رجلًا، فذكره بمثل حديث ابن عمر
(2)
.
ومعنى (قيامًا مقيدة) يعني: معقولة اليد الواحدة، قائمةً على ما بقي من قوائمها، وعلى هذا المعنى قراءة من قرأ:(صوافن)
(3)
؛ لأنه يُقال: صفن الفرس إذا رفع إحدى رجليه، ويشهد له قوله تعالى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} يعني: سقطت إلى الأرض.
وروى ابن أبي شيبة، عن إبراهيم ومجاهد: الصواف على أربعة، والصوافن على ثلاثة، وعن طاوس ومجاهد: الصواف تُنحر قيامًا
(4)
، ومن قرأ:{صَوَآفَّ} فإنه أراد قائمةً. وقال مالك: تعقلُ إنْ خيف أن تنفر، ولا تنحر باركةً إلا أن يصعُبَ
(5)
.
= حديث جابر بن عبد الله.
(1)
برقم (1713).
(2)
"المصنف" 3/ 413 (1556 - 15657).
(3)
هي قراءة ابن مسعود. وهي قراءة شاذة. انظر: "مختصر الشواذ، لابن خالويه ص 97 - 98.
(4)
"المصنف" 3/ 412 - 413 (15649، 15651 - 15652).
(5)
انظر "المدونة" 1/ 356، "الاستذكار" 13/ 100، "الذخيرة" 3/ 364.
قال قتادة: معقولة اليد اليمنى، وقريء:(صوافي)
(1)
أي: صافية، خالصة لله من الشرك، لا يذكر عليها غير اسمه.
وأطلق الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور: أن تُنحر قائمةً
(2)
. وقال أبو حنيفة، والثوري: تُنحر باركة وقائمة
(3)
، واستحب عطاء أن ينحرها باركةً معقولةً
(4)
، وروى ابن أبي شيبة، عن عطاء: إن شاء قائمة، وإن شاء باركة
(5)
.
وعن الحسن: باركة أهون عليها
(6)
. وعن عمرو: رأيتُ ابن الزبير ينحرها وهي قائمة معقولة
(7)
. وفي "سنن أبي داود" من حديث أبي الزبير، عن جابر: أنه عليه السلام وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى، قائمة على ما بقي من قوائمها
(8)
. قال أبو الزبير: وأخبرني
(1)
هي قراءة الحسن وزيد بن أسلم، وهي شاذة أيضًا، "مختصر الشواذ" ص 97.
(2)
انظر "الأم" 2/ 184، "المجموع" 8/ 383، "مسائل الإمام أحمد برواية الكوسج" 1/ 545، "الشرح الكبير" 9/ 355.
(3)
انظر "تبيين الحقائق" 2/ 90، "فتح القدير" 3/ 165.
(4)
انظر "الشرح الكبير" 9/ 355.
(5)
"المصنف" لابن أبي شيبة 3/ 413 (15654).
(6)
المصدر السابق 3/ 413 (15659).
(7)
المصدر السابق 3/ 413 (15662).
(8)
أبو داود (1767)، كتاب: المناسك، باب: كيف تنحر البدن.
ورواه البيهقي 5/ 237 - 238 كتاب: الحج، باب: نحر الإبل قيامًا غير معقولة أو معقولة اليسرى. من طريق أبي خالد الأحمر، عن ابن جريح، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: وأخبرني عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
قال عبد الحق في "أحكامه" 2/ 290: وعن أبي الزبير عن جابر وعن عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث. وسكت عليه مشيرًا إلى تصحيحه، فتعقبه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 2/ 29 - 31 فقال: كذا أورد هذا الحديث، وهو هكذا خطأ، فإنه يزداد به في الإسناد أبو الزبير، أعني: بروايه =
عبد الرحمن بن سابط مرسلًا أنه عليه السلام وأصحابه .. الحديث
(1)
، وقوله:
= ابن سابط، وأبو الزبير ليس يرويه عن ابن سابط أصلًا، ولا أعرفه يروي عنه، ولعله أصغر منه، وأحاديثه عن جابر غير مسموعة، قاله ابن معين.
والصواب فيه هو أن ابن جريح يرويه عن أبي الزبير، عبد الرحمن بن سابط. قال أبو الزبير: عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن سابط: عن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله عنه، ولم يذكر من حدثه به، فابن جريح قال: عن أبي الزبير، عن جابر، ثم عاد فقال: وأخبرني عبد الرحمن بن سابط.
قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: قال ابن جريح: حدثني عبد الرحمن بن سابط، قيل له: سمع من جابر؟ قال: لا هو مرسل، وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريح، عن ابن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
فهذا حديث ابن سابط مفصولًا عن حديث أبي الزبير من رواية ابن جريج عنه فاعلمه. اهـ. بتصرف.
قلت: حديث ابن سابط في "المصنف" 3/ 206 (13556) كما ذكر ابن القطان.
والحديث أورده الحافظ في "الفتح" 3/ 553، و"الدراية" 2/ 53 وسكت عنه، وكذا المنذري في "المختصر" 2/ 296، وأورد أبو البركات ابن تيمية الحراني في "المنتقى" 2/ 307 (2638) حديث ابن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث، وقال: رواه أبو داود، وهو مرسل. اهـ.
قال الشوكاني معقبًا على كلام أبي البركات: حديث ابن سابط هو في "سنن أبو داود" من حديث جابر بن عبد الله، فلا إرسال، ورجاله رجال الصحيح ا. هـ. "نيل الأوطار" 5/ 123.
وقال الزيلعي في "نصب الراية" 3/ 164: جهل من قال: هذا حديث مرسل، فإن المخبر عن ابن سابط هو ابن جريج، فالحديث من مسند جابر، كما ذكره أصحاب الأطراف وكتب الأحكام. اهـ. والحديث صححه النووي في "شرح مسلم" 9/ 69 قال: صح في "سنن أبو داود" عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث، إسناده على شرط مسلم، وكذا صححه الألباني في "صحيح أبو داود"(1550) وقال نحوًا من كلام ابن القطان.
(1)
في هامش الأصل: بخط شيخنا: أهمله المزي.
(نَحَرَ بِيَدِهِ سَبْعَة بُدْنٍ): هو بالهاء في سبعة وهو ظاهر في وقوع البدنة على الذكر والأنثى.
وقوله: (وَضَحَّى بِالمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ).
قال ابن التين: صوابه بكبشين. قلتُ: وكذا هو في أصل ابن بطَّال
(1)
، والأملح: الأغبر، كما سلف.
(1)
"شرح ابن بطال" 4/ 389.
120 - باب لَا يُعْطَى الجَزَّارُ مِنَ الهَدْيِ شَيْئًا
1716 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُمْتُ عَلَى البُدْنِ، فَأَمَرَنِي فَقَسَمْتُ لُحُومَهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَسَمْتُ جِلَالَهَا وَجُلُودَهَا. [انظر: 1707 - مسلم: 1317 - فتح: 3/ 555]
1716 م - قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى البُدْنِ، وَلَا أُعْطِيَ عَلَيْهَا شَيْئًا فِي جِزَارَتِهَا. [انظر: 1707 - مسلم: 1317 - فتح: 7/ 555]
ذكر فيه حديث علي
(1)
(أيضًا قال)
(2)
: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُمْتُ عَلَى البُدْنِ، فَأَمَرَنِي (فَقَسَمْتُ لُحُومَهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي)
(3)
فَقَسَمْتُ جِلَالَهَا وَجُلُودَهَا.
وفي رواية عنه: أَمَرَنِي أَنْ أَقُومَ عَلَى البُدْنِ، وَلَا أُعْطِيَ عَلَيْهَا شَيْئًا فِي جِزَارَتِهَا.
(1)
في هامش الأصل: الرواية الثانية معلقة عن سفيان.
(2)
من (ج).
(3)
ساقطة من (ج).
121 - باب يُتَصَدَّقُ بِجُلُودِ الهَدْيِ
1717 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَعَبْدُ الكَرِيمِ الجَزَرِيُّ، أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُمَا، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا، لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَلَا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا. [انظر: 1707 - مسلم: 1317 - فتح: 3/ 556]
ذكر فيه أيضًا حديث علي: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا، لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَلَا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتهَا شَيْئًا.
122 - باب يُتَصَدَّقُ بِجِلَالِ البُدْنِ
1718 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه حَدَّثَهُ قَالَ: أَهْدَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتُهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي بِجِلَالِهَا فَقَسَمْتُهَا، ثُمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتُهَا. [انظر: 1707 - مسلم: 1317 - فتح: 3/ 557]
ذكر فيه حديث علي أيضًا قَالَ: أَهْدى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتُهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي بِجِلَالِهَا فَقَسَمْتُهَا، ثُمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتُهَا.
هذِه الأحاديث سلف أصلها في باب: الجلال للبدن
(1)
، ونتكلم هنا على غير ما سبق.
الجزارة بضم الجيم وفتحها؛ قال الخطابي: هي اسم لما يجزر كالنشارة والسقاطة، وأراد به أجر الجزارة؛ لأنه كالبيع
(2)
. قال ابن التين: والصحيح أن الجزارة بكسر الجيم اسم الفعل، والجزارة بضم الجيم: اسم للسواقط (التي)
(3)
يأخذها الجازر.
وقال ابن الأثير: الجزارة بالضم: كالعمالة ما يأخذه الجزار من الذبيحة عن أجرته، وأصلها أطراف البعير: الرأس واليدان والرجلان، سميت بذلك؛ لأن الجزار كان يأخذها عن أجرته
(4)
.
وقال ابن الجوزي: قال قوم: هي كالخياطة يريد بها عمله فيها، واختلف العلماء في هذا الباب: فذهبت طائفة إلى الأخذ بهذا
(1)
برقم (1707).
(2)
"أعلام الحديث" 2/ 896 - 897.
(3)
في الأصل، (ج):(الذي) ولعل الصحيح المثبت.
(4)
"النهاية" 1/ 267.
الحديث وقالوا: لا يعطى الجزار منها شيئًا. هذا قول مالك، وأبي حنيفة، وأحمد
(1)
، وأجاز الحسن البصري أن يعطى الجزار الجلد.
واختلفوا في بيع الجلد، فروي عن ابن عمر أنه لا بأس به بأن يبيعه ويتصدق بثمنه، وقاله أحمد وإسحاق
(2)
.
وقال أبو هريرة: من باع إهاب أضحيته فلا أضحية له
(3)
. وقال ابن عباس: يتصدق به أو ينتفع به ولا يبيعه. وعن القاسم وسالم: لا يصلح بيع جلدها، وهو قول مالك
(4)
.
قال النخعي والحكم: وهو لا بأس أن يشتري به الغربال والمنخل، وبه قال النخعي والأوزاعي وابن حبيب قالوا: لا بأس أن يشتري الغربال والمنخل والفأس والميزان ونحوها
(5)
. وقال عطاء: إن كان الهدي واجبًا تصدق بإهابه، وإن كان تطوعًا باعه إن شاء في الدين.
(1)
انظر: "تبيين الحقائق" 2/ 90، "الذخيرة" 3/ 366، "الشرح الكبير" 9/ 383.
(2)
انظر: "المستوعب" 4/ 373، "الفروع" 3/ 555.
(3)
رواه الحاكم 2/ 389 - 390، والبيهقي 9/ 294 كتاب: الضحايا، باب: لا يبيع من أضحيته شيئًا ولا يعطي أجر الجزار منها. من طريق عبد الله بن عياش، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي قائلًا: ابن عياش ضعفه أبو داود.
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" كما في "صحيحه" للألباني 1/ 629: في إسناده عبد الله بن عياش المصري، مختلف فيه، وقد جاء في غير ما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع جلد الأضحية. اهـ. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (6118) وفي "صحيح الترغيب" (1088) وقال: قال الناجي: لا أستحضر الآن في هذا المعنى غير الحديث المذكور، وقد رواه ابن جرير من طريقه موقوفًا على أبي هريرة.
(4)
انظر: "المنتقى" 3/ 92.
(5)
انظر: "المجموع" 3/ 398.
وأما من أجاز بيع جلودها فإنما قال ذَلِكَ -والله أعلم- قياسًا على إباحة الله الأكل منها بمكان بيع الجلد والانتفاع به تبعًا للأكل، وهذا ليس بشيء؛ لأنه يجوز أكل لحمها ولا يجوز بيعه بإجماع، والأصل في كل ما أخرج لله أنه لا يجوز الرجوع في شيء منه، ولولا إباحة الله الأكل منها لما جاز أن يستباح، فوجب أن لا يتعدى الأكل للبيع إلا بدليل لا معارض له. قال المهلب: وإعطاء الجازر منها في جزارته عوضًا من فعله وذبحه؛ لأنه بيع، ولا يجوز بيع شيء من لحمها فكذا الجلد، وقال: لا يخلو الإهاب من أن يكون مع سائر الشاة بإيجابها وذبحها فقد صار مسبلًا فيما سبلت به الأضحية ولم يصر مسبلًا إذا كان عليه دين، (فإن كان قد سار إلى فعله له فغير جائز صرفه ولا صرف شيء منه إلا فيما سبل، أو لم يصر ذلك فيما جعله له إذ كان عليه دين)
(1)
فإيجابه الشاة أضحية أو هديًا باطلٌ، وله بيعها في دينه، وأما أن يكون لحمها لحم أضحية وجلدها غير جلد أضحية فهذا ما لا يعقل في نظر ولا خبر، والصواب إن كان الدين على صاحب الأضحية والبدنة قبل إيجابها ولم يكن عنده ما يقضي غريمه سوى الشاة أو البدنة فإيجابُه لها عندنا باطل وملكه عليها ثابت، وله بيعها في دينه، إذ ليس لأحد عليه دين إتلاف ماله ولا صرفه في غير قضاء دينه.
قال ابن التين: لما ذكر إعطاء الجازر، قال: هذا أصل في أن من وجب عليه شيء لله تعالى عليه تخليصه كالزرع يعطي عُشْرَهُ ولا يحسب شيئًا من نفقته على المساكين، وكذا مؤنة حمله، وقيل: إنه من جملته،
(1)
ساقطة من (ج).
والزيتون يؤدى من زيته على المشهور عند المالكية، وعندهم في الجلجلان ثلاثة أقوال: من حبه، من زيته إذا كان يعصر ويعطي ثمنه.
واختلف العلماء في جواز أكل لحوم الهدي، فقال أبو حنيفة: لا يؤكل إلا من هدي التمتع والقران والتطوع إذا بلغ محله ومنع الأكل مما وجب (به الإحرام)
(1)
، وهو إحدى الروايتين عن أحمد
(2)
، والأخرى لا يؤكل من النذر وجزاء الصيد ويؤكل من الباقي، وهو قول ابن عمر وطاوس والحسن وإسحاق
(3)
، وعن الحسن أيضًا: أنه لا بأس أن يأكل من جزاء الصيد ونذر المساكين، وهو قول الحكم في (الجزاء)
(4)
.
وقال مالك: يؤكل من الهدي كله إلا من جزاء الصيد وفدية الأذى وما نذره للمساكين
(5)
. ونقل عن طاوس وسعيد بن جبير، ونقل أبو عمر أنه لا يأكل من جزاء الصيد، عن ابن عباس وعلي وإبراهيم وبزيادة: ولا ما جعل للمساكين، وعن سعيد بن جبير: لا يؤكل من النذر ولا من الكفارة ولا ما جعل للمساكين، وقال الشافعي: لا يؤكل إلا من التطوع خاصة؛ لأنه عنده واجب، وهو قول أبي ثور
(6)
.
وعندنا لا يجوز بيع جلود الهدي والأضحية ولا شيء من أجزائها
لا بما ينتفع به في البيت ولا بغيره سواء كان تطوعًا أو واجبًا، لكن
(1)
في (ج): (الإحرام).
(2)
انظر: "الأصل" 2/ 434، "شرح فتح القدير" 3/ 80، "المستوعب" 4/ 353.
(3)
انظر: "المغني" 5/ 445، "الشرح الكبير" 9/ 417.
(4)
في (ج): (الجزار).
(5)
انظر: "التفريع" 1/ 332، "عيون المجالس" 2/ 842.
(6)
انظر: "الاستذكار" 12/ 283، 284، و"البيان" 4/ 454، "المجموع" 8/ 396.
إذا كانت تطوعًا فله الانتفاع بالجلد وغيره باللبس وشبهه
(1)
، ولا يجوز إعطاء الجزار منها شيئًا بسبب جزارته، وبه قال عطاء، وإبراهيم، ومالك، وأحمد، وإسحاق
(2)
. وفي "الإشراف" لابن المنذر، عن ابن عمر، وأحمد، وإسحاق: لا بأس ببيع جلد هديه ويتصدق بثمنه، قال: ورخص في بيعه أبو ثور، وقال الحسن: لا بأس أن يعطي الجزار جلدها. وحكاه القرطبي أيضًا، عن (عبيد الله بن عبيد بن عمير)
(3)
، قال: وقد اتفق على أن لحمها لا يباع، وكذلك الجلود والجلال، وكان ابن عمر يكسو جلالها الكعبة، فلما كسيت الكعبة تصدق بها
(4)
. وفي "مسند أحمد" من حديث أبي سعيد الخدري: أن قتادة بن النعمان
(5)
أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني كنت أمرتكم أن لا تأكلوا من الأضاحي فوق ثلاثة أيام؛ ليسعكم، وإني أحله لكم فكلوا منه ما شئتم، ولا تبيعوا لحوم الهدي والأضاحي، فكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوا، وإن أطعمتم من لحومها فكلوه إن شئتم"
(6)
.
(1)
انظر: "المنتقى" 3/ 92، "البيان" 4/ 459، "المجموع" 8/ 398.
(2)
انظر: "الذخيرة" 3/ 366، "البيان" 4/ 423، "المجموع" 8/ 399.
(3)
كذا بالأصل، وعند القرطبي في "المفهم" 3/ 416: عبد الله بن عمير.
(4)
"المفهم" 3/ 416.
(5)
في هامش الأصل: حديث قتادة مختصر هنا وهو في "المسند" المذكور منه هنا، وفي "الصحيح" بعضه.
(6)
"المسند" 4/ 15.
123 - باب {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ} إلى قوله: {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج 26 - 30][فتح: 3/ 557]
معنى الآية: أن الله تعالى أعلم نبيه تعظيم ما ركب قومه قريش
خاصة دون غيرهم من سائر خلقه لعبادتهم في حرمه والبيت الذي أمر خليله عليه السلام ببنيانه وتطهيره من الآفات والشرك إلهًا غيره، والتقدير: واذكر إذَ بوَّأْنَا لإبراهيم هذا البيت الذي يعبد قومك فيه غيري.
روى معمر، عن قتادة قال: وضع الله تعالى البيت مع آدم حين أهبط إلى الأرض وكان مهبطه بأرض الهند، ففقد أصوات الملائكة وتسبيحهم فشكى ذَلِكَ إلى الله، فقال له: يا آدم قد أهبطت لك بيتًا يطاف به كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى حول عرشي، فانطلق إليه، فخرج ومدَّ له في خطوه، فكان بين كل خطوتين مفازة، فلم تزل تلك المفازة على ذَلِكَ، وأتى آدم البيت فطاف به ومن بعده من الأنبياء، ثم بوأ الله مكانه لإبراهيم بعد الغرق
(1)
.
ومعنى: {بَوَّأنَا} : وطّأنا أو عرَّفناه بعلامة سحابة، فطوفت حيال الكعبة، فبنى على ظلها، أو ريح هبت فسكنت حول البيت يُقال لها: الحجوج، {وَطَهِّر بَيْتِىَ}: من الشرك وعبادة الأوثان أو من الأنجاس كالفرث والدم الذي كان يُطرح حول البيت، أو قول الزور، {لِلطَّآئِفِينَ}: بالبيت {وَالقَآئِمِينَ} : إلى الصلاة، أو المقيمين بمكة،
(1)
رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 30 (1911)، والطبري 9/ 132 - 133 (25030)، وابن أبي حاتم 8/ 2485 (13872)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 635 - 636 لعبد الرزاق والطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم.
{وَاَلرُّكَّعِ اَلسُّجُودِ} : في الصلاة {وَأَذِّن فِي اَلنَّاسَ} : أعلمهم وناد فيهم، خوطب به محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليأمر به الناس أو إبراهيم، فقام إبراهيم على أبي قبيس فقال: عباد الله، إن الله قد بني بيتًا وأمر بحجه فحجوه، فأجابوه من أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك داعي ربنا، فلا يحجه إلا من أجاب
(1)
، قيل: أول من أجابه أهل اليمن فهم أكثر الناس حجًّا
(2)
، {رِجَالًا}: جمع: راجل. {ضَامِرٍ} : رحل مهزول، وقد سلف في أول الحج إيضاح ذَلِكَ، {عَمِيقٍ}: بعيد.
وقال ابن عباس: عني الله بالناس هنا: أهل القبلة؛ ألم تسمعه قال: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 96] الآية، {وَمَن دَخَلَهُ} من الناس الذين أُمر أن يؤذن فيهم وكتب عليهم
(3)
{ليشَهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُم} شهود المواقف وقضاء المناسك أو المغفرة أو التجارة دينًا، وأخرى معلومات عشر ذي الحجة آخرها يوم النحر أو أيام التشريق أو يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر، وقال علي: يوم النحر ويومان بعده وأفضلها أولها
(4)
. وهو قول ابن عمر
(5)
وأهل المدينة، وما قدمناه أولًا هو
(1)
رواه الطبري 9/ 134 (25039 - 25041)، والحاكم 2/ 388 - 389، 2/ 552 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي في "سننه" 5/ 176، وفي "شعب الإيمان" 3/ 439 (3998)، والضياء في "المختارة" 10/ 20 - 21 (11) من طرق عن ابن عباس.
(2)
رواه ابن أبي حاتم 8/ 2487 (13878)، وعزاه السيوطي له في "الدر المنثور" 4/ 637.
(3)
رواه الطبري 9/ 135 (25050)، وعزاه له في "الدر المنثور" 4/ 639.
(4)
رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 360 (1894).
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 420 لعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا.
(5)
ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 361. =
قول ابن عباس
(1)
والكوفيين، وأجمعوا أن الـ {معدودات} أيام التشريق الثلاثة
(2)
، وقد سلف ذَلِكَ في العيد {عَلَى مَا رَزَقَهُم} أي: على نحر ما رزقهم من الضحايا والهدايا، {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطعِمُواْ} اختلف العلماء فيهما أهما واجبان أو مستحبان، أو يجب الإطعام دون الأكل؟ {البَآئِسَ اَلفَقِيرَ}: الذي جمع الفقر والزمانة أو الفقر وضرَّ الجوع، أو الفقر والطلب، أو الذي ظهر عليه أثر البؤس، أو الذي تأنف عن مجالسته، وهو في اللغة: الذي به البؤس، وهو شدة الفقر.
{تَفَثَهُم} مناسك الحج، أو الحلق، أو إزالة تفث الإحرام بالتقليم والطيب، وأخذ الشعر وتقليم الأظفار والغسل. وعبارة ابن عباس: التفث: الحلق والتقصير والذبح والأخذ من الشارب واللحية ونتف الإبط وقص الأظفار
(3)
.
وقال ابن عمر: هو ما عليهم في الحج
(4)
، وقال مرة: المناسك كلها
(5)
، وقد أسلفناه.
= وعزاه السيوطي في "الدر المنشور" 1/ 420 للفريابي، وابن أبي الدنيا، وابن المنذر.
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 314 - 315 (3889 - 3895).
وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 361 (1895)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 420 للفريابي، وعبد بن حميد والمروزي في "العيدين"، وابن المنذر وابن مردويه.
(2)
انظر "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 171، "الاستذكار" 13/ 174، "الإقناع" للفاسي 2/ 867.
(3)
رواه الطبري 9/ 139 (25091).
(4)
رواه الطبري 9/ 139 (25089).
(5)
رواه الطبري 9/ 139 (25090).
{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} . أي: نذر الحج والهدي، وما نذروه من شيء يكون في الحج، قاله مجاهد
(1)
. {وَلْيَطَّوَّفُوا} : طواف الإفاضة، وهو الركن. {العَتِيقِ} سلف، فأعتقه الله من الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه، أو عتق فلم يملكه أحد من الناس، أو من الغرق، أو من الطوفان، أو قديم. {أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ}: بناه آدم، وأعاده بعد الطوفان إبراهيم وإسماعيل {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِم حُرُمَتِ اَللهِ}: فعل المناسك أو منهيات الإحرام.
(1)
رواه الطبري 9/ 141 (2518 - 2519)، وابن أبي حاتم 8/ 2490 (13902).
124 - باب مَا يَأْكُلُ مِنَ (البُدْنِ)
(1)
وَمَا يُتَصَدَّقُ
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَا يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ، وَيُؤْكَلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ مِنَ المُتْعَةِ.
1719 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثِ مِنًى، فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"كُلُوا وَتَزَوَّدُوا". فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَقَالَ: حَتَّى جِئْنَا المَدِينَةَ؟ قَالَ: لَا. [2980، 5424، 5567 - مسلم: 1972 - فتح: 3/ 557]
1720 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، وَلَا نَرَى إِلاَّ الحَجَّ، حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالبَيْتِ ثُمَّ يَحِلُّ. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: ذَبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ. قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُ هَذَا الحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ، فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ. [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 3/ 557]
ذكر فيه حديث عطاء: سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثِ مِنًى، فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"كلُوا وَتَزَوَّدُوا". فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا. قُلْتُ لِعَطَاءِ: أَقَالَ: حَتَّى جِئْنَا المَدِينَةَ؟ قَالَ: لَا.
وحديث عمرة قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، وَلَا نَرى إِلَّا الحَجَّ.
(1)
في (ج) والأصل: الصيد، وفي هامش الأصل: لعل صوابه (البدن) والمثبت من اليونينية 2/ 172.
الحديث في باب: ذبح الرجل البقر عن نسائه، وفي آخره: فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر، وقد سلف قريبًا
(1)
. هذا التبويب ثابت في (الأصول)
(2)
والشروح، وفي بعض الأصول إسقاط لفظة باب وإدخاله في الباب قبله فقال: وما يأكل من البدن و (ما)
(3)
يتصدق به.
وأثر ابن عمر رواه ابن أبي شيبة، عن ابن نمير، عن (عبيد)
(4)
الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يقول: إذا عطبت البدنة، أو كسرت أكل منها صاحبها وأطعم، ولم يبدلها إلا أن يكون نذرًا أو جزاء صيد
(5)
.
وأثر عطاء أخرجه أيضًا، عن ابن إدريس، عن عطاء بلفظ: ما كان من جزاء صيد أو نسك أو نذر للمساكين فإنه لا يأكل منه
(6)
.
وقد سلف اختلاف العلماء في جواز الأكل من الهدي في باب: يتصدق بجلال البدن. وذكر ابن المواز، عن مالك: أنه يأكل من الهدي النذر، إلا أن يكون نذره للمساكين، وكذلك ما أخرجه بمعنى الصدقة لا يأكل منه، وهدي التطوع إذا قصر عن بلوغ محله وعطب فلا يأكل منه
(7)
.
وكان الأوزاعي يكره أن يؤكل من جزاء الصيد أو فدية أو كفارة، ويؤكل هدي النذر وهدي التمتع والتطوع. واحتج لمالك بقوله:
(1)
سلف برقم (1709).
(2)
في هامش الأصل: (ومنها نسختي).
(3)
من (ج).
(4)
في (ج): (عبد).
(5)
"المصنف" 3/ 171 (13194).
(6)
"المصنف" 3/ 171 (13195) عن ابن إدريس، عن عبد الله، عن عطاء.
(7)
"النوادر والزيادات" 2/ 451.
{فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا} ولم يخص واجبا من تطوع، فهو عام في الجواز إلا بدلالة؛ ولأن الإجماع قائم على جواز الأكل من دم المتعة كما قاله ابن القصار قال: ولا نعلم أحدًا منعه قبل الشافعي، وقول عائشة: دخل علينا يوم النحر بلحم بقر، يرد قوله؛ لأنه لا خلاف أن نحرها كانت هدي المتعة التي تمتعن، وقد أمر عليه السلام أن يحمل إليهن منه ليأكلنه.
وقال المهلب: وإنما لم يجز الهدي من الجزاء؛ لأنه غرم جناية، فإذا أكل منه (لم يغرم)
(1)
المثل الذي أوجب الله عليه، وفدية الأذى من هذا الباب، ونذر المساكين كذلك؛ لأنه إذا أكل منه لم ينفذ إليهم حقوقهم.
واحتج الطحاوي لأبي حنيفة فقال: ظاهر الآية إباحة الأكل من جميع الهدايا إذ لم يذكر في ذَلِكَ خاص بها، واحتمل أن يكون باطن الآية كظاهرها، واحتمل خلافه، وأهل العلم لا يختلفون في هدي التطوع إذا بلغ محله أنه يباح لمهديه الأكل منه، وأنه مما دخل في هذِه الآية وشهد بذلك السنن المأثورة؛ لأنه عليه السلام أكل من هديه في حجته وكانت تطوعًا، ولا يختلفون في المنع في الجزاء ونذر المساكين وإنه غير داخل في هذِه الآية
(2)
.
واختلفوا في هدي القرآن والمتعة وهدي الجماع، والأولان أشبه بالتطوع منهما؛ لأنهما وجبا بفعل غير منهي عنه، ولم يكونا كهدي النذر؛ لأنه شكر لشيء يراد به أن يكون جزاء له فأشبهت العوض،
وكان هدي الجماع بهدي الجزاء أشبه للاشتراك في الهدي.
(1)
في (ج): (يغرم).
(2)
"الاستذكار" 12/ 281.
واختلف أهل العلم في هدي التطوع إذا عطب قبل محله، فقالت طائفة: صاحبه ممنوع من الأكل منه، روي ذَلِكَ عن ابن عباس، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، ورخصت طائفة
(1)
في الأكل منه، روي ذَلِكَ عن عائشة، وابن عمر
(2)
.
وأما حديث الباب فهو مجمل كالآية، وفيه: جواز الأكل من الهدي دون تخصيص نوع منه بالمنع.
وقول جابر: (كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى)، فقال النخعي: وكان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فأبيح للمسلمين الأكل منها
(3)
، وإنما منعوا من ذَلِكَ في أول الإسلام من أجل الدافَّة
(4)
، فلما زالت العلة الموجبة لذلك أمرهم أن يأكلوا ويدخروا.
واختلف في مقدار ما يؤكل منها ويتصدق: فذكر علقمة أن ابن مسعود أمره أن يتصدق بثلثه ويأكل ثلثه ويهدي ثلثه
(5)
، وروي عن عطاء وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق
(6)
.
(1)
انظر: "البناية" 4/ 458، "الاستذكار" 12/ 281، "الذخيرة" 3/ 360، "البيان" 4/ 417، "أسنى المطالب" 1/ 534.
(2)
انظر: "المغني" 5/ 445.
(3)
رواه الطبري 9/ 156 (25215).
(4)
الدَّافَّة: القوم يسيرون جماعة سيرًا ليس بالشديد. "النهاية في غريب الحديث" 2/ 124.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 170 (13188).
(6)
وهو قول الشافعي في الجديد، وقوله في القديم:(يأكل النصف ويتصدق بالنصف) لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ} . انظر "البيان" 4/ 455، "مسائل الإمام أحمد برواية الكوسج" 1/ 615.
وقال الثوري: يتصدق بأكثره. وقال أبو حنيفة: ما يجب أن يتصدق بأقل من الثلث
(1)
.
وقال ابن التين: مشهور مذهب مالك: أنه يؤكل من كل هدي إلا أربعة: جزاء الصيد، وفدية الأذى، وما نذره للمساكين، وهدي التطوع إذا عطب قبل محله، فإن نذر بدنة ولم يعلقها بالمساكين بقول أو نية جاز الأكل على الأصح، وقيل: إن أهدي الفساد لا يؤكل منه، وفروعه عندهم كثيرة
(2)
.
(1)
انظر: "الأصل"(434)، "بدائع الصنائع" 2/ 615.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 453 - 453، "المنتقى" 2/ 318.
125 - باب الذَّبْحِ قَبْلَ الحَلْقِ
1721 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَمَّنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ وَنَحْوِهِ، فَقَالَ:"لَا حَرَجَ، لَا حَرَجَ". [انظر: 84 - مسلم: 1307 - فتح: 3/ 559]
1722 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ: "لَا حَرَجَ". قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. قَالَ: "لَا حَرَجَ". قَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ "لَا حَرَجَ". وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ الرَّازِيُّ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ القَاسِمُ بْنُ يَحْيَى: حَدَّثَنِي ابْنُ خُثَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 84 - مسلم: 1307 - فتح: 3/ 559]
وَقَالَ عَفَّانُ -أُرَاهُ- عَنْ وُهَيْبٍ: حَدَّثَنَا ابن خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ حَمِّاد: عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ، وَعَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
1723 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ. فَقَالَ: "لَا حَرَجَ". قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ. قَالَ: "لَا حَرَجَ". [انظر: 84 - مسلم: 1307 - فتح: 3/ 559]
1724 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالبَطْحَاءِ. فَقَالَ: "أَحَجَجْتَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "بِمَا أَهْلَلْتَ؟ ". قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "أَحْسَنْتَ، انْطَلِقْ فَطُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ". ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ، فَفَلَتْ رَأْسِي، ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالحَجِّ، فَكُنْتُ أُفْتِى بِهِ النَّاسَ،
حَتَّى خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنه، فَذَكَرْتُهُ لَهُ، فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ. [انظر: 1559 - مسلم: 1221 - فتح: 3/ 559]
ذكر فيه حديث عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَمَّنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ وَنَحْوِهِ، فَقَالَ:"لَا حَرَجَ، لَا حَرَجَ".
وعنه
(1)
أيضًا: قَالَ رَجُلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: "لَا حَرَجَ". قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: "لَا حَرَجَ".
عَنْ عِكْرِمَةَ
(2)
، عَنه: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ؟ فَقَالَ: "لَا حَرَجَ". قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ؟ فقَالَ: "لَا حَرَجَ".
ثم أخرجه من حديث عطاء من طريقين معلقين عنه ومن
(3)
حديث سعيد بن جبير عنه.
ثم قال: وَقَالَ حَمَّادٌ: عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وذكر فيه أيضًا حديث أبي موسى قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالبَطْحَاءِ. فَقَالَ: "أَحَجَجْتَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. إلى قول عمر: وَإِنْ نَأخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الهَدْيُ مَحِلَهُ.
الشرح:
حديث ابن عباس أخرجه مسلم بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح
(1)
فوقها في الأصل: مسند متصل.
(2)
فوقها في الأصل: مسند.
(3)
في هامش الأصل: معلق آخر عن شيخه عفان، والصحيح أنه محمول على المذاكرة وهي (
…
).
والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال: "لا حرج"
(1)
.
وسلف في كتاب العلم في باب: من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس فأومأ بيده: لا حرج، في الموضعين
(2)
، وذكر في هذِه الطريق: الذبح قبل الرمي، والحلق قبل الذبح.
وقوله: (وَنَحْوِهِ) جاء مبينًا في رواية عبد العزيز بن رفيع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الحلق والذبح، إلى آخر ما سلف.
والتعليق الأول وهو تعليق عبد الرحيم الرازي أخرجه الإسماعيلي، عن ابن زاطيا، ثَنَا الحسن بن حمَّاد، ثَنَا عبد الرحيم بن سليمان، به بلفظ: يا رسول الله: طفتُ بالبيت قبل أن أرمي؟ قال: "لا حرج".
وأخبرنيه القاسم: ثَنَا أبو كريب، ثَنَا عبد الرحيم.
والثاني تعليق سعيد بن جبير أسنده الإسماعيلي أيضًا عن القاسم: ثَنَا الحسن بن محمد والصاغاني قالا: ثَنَا عفان، ثَنَا وهيب به بلفظ: حلقتُ ولم أنحر؟ قال: "لا حرج فانحر" وجاءه رجل فقال: ذبحت ولم أرم؟ قال: "ارم ولا حرج".
وزعم خلف في "أطرافه" أن البخاري رواه في الحج فقال: ثَنَا عفان. وطريق قيس رواها النسائي عن أحمد بن سليمان، ثَنَا عفان، عن حماد بن سلمة، عن قيس به بلفظ: حلقت قبل أن أذبح؟ ذبحت قبل أن أرمي؟ طفت قبل أن أذبح؟ قال في الكل: "لا حرج"
(3)
.
وطريق عباد رواها الإسماعيلي عن القاسم، ثَنَا محمد بن إسحاق،
(1)
مسلم (1307) كتاب: الحج، باب: من حلق قبل النحر.
(2)
سلف برقم (84).
(3)
"السنن الكبرى" 5/ 446 (40105) كتاب: الحج، باب: الذبح قبل الرمي.
أنا يحيى بن إسحاق، ثَنَا حماد بن سلمة: رمى قبل أن يحلق عكسه ذبح قبل أن يحلق فقال: "افعل ولا حرج".
وتعليق جابر من أفراده، وأخرجاه من حديث (عبيد الله)
(1)
بن عمرو بن العاصي
(2)
والأربعة
(3)
.
وقد ذكره في باب: الفتيا على الدابة
(4)
، وحديث أبي موسى أخرجه مسلم مطوَّلًا
(5)
، وأخرجه الترمذي من حديث علي
(6)
، وأبو داود من
(1)
كذا في الأصل، والصواب: عبد الله، كما سيأتي في تخريج الحديث.
(2)
سلف برقم (83) كتاب: العلم، باب: الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها، وسيأتي في مواضع أُخر، ورواه مسلم (1306) كتاب: الحج، باب: من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي. عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(3)
أبو داود (2014) كتاب: المناسك، باب: فيمن قدم شيئًا قبل شيء في حجه، الترمذي (916) كتاب: الحج، باب: ما جاء فيمن حلق قبل أن يذبح، أو منسكًا قبل نسك، النسائي في "الكبرى" 2/ 446 - 447 (4106 - 4109)، ابن ماجه (3051). عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(4)
سلف برقم (83).
(5)
مسلم (1221). كتاب: الحج، باب: في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام.
(6)
الترمذي (885) كتاب: الحج، باب: ما جاء أن عرفة كلها موقف.
ورواه أحمد 1/ 72، 75 - 76، 81، 157، وأبو يعلى 1/ 264 - 265 (312)، 1/ 413 - 414 (284) والبيهقي 5/ 122 من طريق عبد الرحمن بن الحارث بن عياش، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي، الحديث مطولًا. ورواه أبو داود (1922) كتاب: المناسك، باب: الدفعة من عرفة، (1935) باب: الصلاة بجمع، وابن الجارود 2/ 97 (471) من الطريق السابق، لكنه مختصرًا.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1678، 1691).
وقد وقع في متن الحديث: وأردف أسامة بن زيد وجعل يشير بيده على هينته، والناس يضربون يمينًا وشمالًا يلتفت إليهم ويقول: يا أيها الناس .. الحديث. =
حديث أسامة بن شَريِك
(1)
.
إذا تقرر ذَلِكَ: فسنة الحاج أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر، ثم ينحر، ثم يحلق رأسه، ثم يطوف طواف الإفاضة، كذا فعله المبين عن الله، وهو مقتضى قول عمر في حديث أبي موسى: أنه عليه السلام لم يحل حَتَّى يبلغ الهدي محله يريد أنه لم يحلق حَتَّى نحر الهدي، وهذا معنى الترجمة، فمن قدم شيئًا من ذَلِكَ عن رتبته فللعلماء فيه أقوال: ذهب عطاء، وطاوس، ومجاهد: إلى أنه إن قدَّم نسكًا قبل نسك أنه لا حرج عليه
(2)
، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق
(3)
.
وقال ابن عباس: من قدَّم من حجه شيئًا أو أخَّره فعليه دم
(4)
، وهو قول النخعي، والحسن
(5)
، وقتادة، واختلفوا إذا حلق قبل أن يذبح، فقال مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق،
= هكذا عند الترمذي، ووقع عند أبي داود في الحديث الأول (1922): ثم أردف أسامة فجعل يعنق على ناقته، والناس يضربون الإبل يمينًا وشمالًا، لا يلتفت إليهم ويقول .. الحديث.
قال الألباني: معلقًا إسناده حسن، لكن قوله: لا يلتفت
…
شاذ، والمحفوظ: يلتفت
…
وهي رواية الترمذي. اهـ.
(1)
أبو داود (1215) كتاب: المناسك، باب: فيمن قدم شيئًا قبل شيء في حجه.
ورواه ابن خزيمة 4/ 237 (3436)، والطحاوي في "شرح المعاني" 2/ 236، والدارقطني 2/ 251، وابن حزم في "حجة الوداع"(187)، والبيهقي 5/ 146، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1759) وقال: لكن قوله: سعيت قبل أن أطوف -في متن الحديث- شاذ.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 345 (14953) في الرجل يحلق قبل أن يذبح.
(3)
انظر: "البيان" 4/ 342، "مسائل الإمام أحمد برواية الكوسج" 1/ 537.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 345 (14954).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 345 (14956).
وأبو ثور، وداود، وابن جرير: لا شيء عليه، وهو نص الحديث، ونقله ابن عبد البر، عن الجمهور ومنهم: عطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، والحسن، وقتادة
(1)
.
وقال النخعي، وأبو حنيفة، وابن الماجشون: عليه دم، وقال أبو حنيفة: وإن كان قارنًا فدمان، والمراد بالمحل قوله تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حَتَّى يبلغ الهدي محله} المراد: الذي يقع فيه النحر فإذا بلغ محله جاز أن يحلق قبل الذبح. وقال زفر: إن كان قارنًا فعليه دمان لتقدم الحلاق، وعنه ثلاثة دماء، دم للقران ودمان للحلق قبل النحر.
وقال أبو يوسف ومحمد: لا شيء عليه. واحتجا بقوله عليه السلام: "لا حرج"
(2)
. وقول أبي حنيفة وزفر مخالف للحديث فلا وجه له.
واختلفوا فيمن طاف للزيارة قبل أن يرمي، فقال الشافعي: إن ذَلِكَ يجزئه ويرمي على نص الحديث
(3)
.
وروى ابن عبد الحكم، عن مالك: أنه يرمي ثم يحلق رأسه ثم يعيد الطواف؛ فإن رجع إلى بلده فعليه دم ويجزئه طوافه
(4)
.
وهذا خلاف نص ابن عباس، وأظن مالكًا لم يبلغه الحديث، وتابع ابن القاسم مالكًا في إعادة الطواف وخالف أصبغ فقال: يعيده استحبابًا.
(1)
انظر: "الاستذكار" 13/ 323، "المنتقى" 3/ 30، "الأم" 2/ 182، "المجموع"
4/ 190، "مسائل الإمام أحمد برواية الكوسج" 1/ 538، "المستوعب" 4/ 246.
(2)
انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 158، "تبيين الحقائق" 2/ 62، "النوادر والزيادات" 2/ 413.
(3)
"الأم" 2/ 182.
(4)
انظر: "الاستذكار" 13/ 322.
وفيه: ردٌّ لما كرهه مالك أن يسمي طواف الإفاضة طواف الزيارة؛ لأن الرجل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: زرت قبل أن أرمي فلم ينكر عليه
(1)
.
واختلفوا فيمن أفاض قبل أن يحلق بعد الرمي، فقال ابن عمر: يرجع فيحلق أو يقصر ثم يرجع إلى البيت فيفيض
(2)
. وقالت طائفة: تجزئه الإفاضة ويحلق أو يقصر ولا شيء عليه. هذا قول عطاء، ومالك، والشافعي، وسائر الفقهاء
(3)
، وقال مالك في "الموطأ": أحب إليَّ أن يهريق دمًا لحديث ابن عباس
(4)
، وأما إذا ذبح قبل أن يرمي فقال مالك وجماعة من العلماء: لا شيء عليه؛ ولأن ذَلِكَ نص في الحديث والهدي قد بلغ محله وذلك يوم النحر كما لو نحر المعتمر بمكة هديًا ساقه قبل أن يطوف لعمرته:
واختلفوا إذا قدم الحلق على الرمي، فقال مالك، وأبو حنيفة: عليه الفدية؛ لأنه حرام أن يمس من شعره شيئًا أو يلبس أو يمس طيبًا حَتَّى يرمي جمرة العقبة
(5)
.
وقد حكم الشارع على من حلق رأسه قبل محله من ضرورة بالفدية فكيف من غير ضرورة، وجوزه الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور،
(1)
قال القرافي: "وكره مالك تسميته طواف الزيارة، وقولهم: زرنا قبر النبي عليه السلام تعظيمًا له عليه السلام؛ لأن العادة أن الزائر متفضل على المزور، ولا يحسن أن يقال: زرنا السلطان، لما فيه من إيهام المكافأة والمماثلة"، "الذخيرة" 3/ 270.
(2)
رواه مالك في "الموطأ" 1/ 539 (1399) كتاب: المناسك، باب: التقصير.
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار" 2/ 236، "المبسوط" 4/ 42، "المجموع" 8/ 190، "الفروع" 3/ 514.
(4)
"الموطأ" 1/ 539 (1400).
(5)
انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 158، "تبيين الحقائق" 2/ 62، "الاستذكار" 13/ 322، "المنتقى" 3/ 30.
وداود، والطبري، وهو قول الحسن، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة
(1)
، واحتجوا بقوله عليه السلام في التقديم والتأخير:"لا حرج" وسيأتي الكلام في رمي جمرة العقبة بعدما أمسى قريبًا
(2)
.
وتأول الكوفيون في وجوب الدم فيمن قدم شيئًا من نسكه أن معنى "لا حرج" لا إثم؛ لأنه كان يعلمهم، وكانوا لا علم لهم بمناسكهم. فأخبر أن لا حرج بجهلهم لا لغير ذَلِكَ؛ لأنهم كانوا أعرابًا لا على أنه أباح لهم التقديم والتأخير في العمد.
وهذا ابن عباس يوجب على من قدم من نسكه شيئًا أو آخره الدم، وهو أحد رواة الحديث فلم يكن معنى ذَلِكَ عنده على الإباحة. لكن قال أبو عمر: لا يصح عنه
(3)
.
وذهب عطاء إلى أن معنى قوله: "لَا حَرَجَ" على العموم لا شيء على فاعل ذَلِكَ من إثم ولا فدية؛ بيانه أنه لم يسقط الحرج عنه إلا وقد أجزأه فعله، ولو لم يكن عنده مجزئًا لأمره بالإعادة أو بفدية، ولم يقل له: لا حرج؛ لأن الفدية إنما تلزم للحرج الذي يأتيه، (فعلم بذلك)
(4)
أنه من قدم شيئًا من نسكه فدخل وقته قبل شيء منه أو آخره أنه لا يلزمه شيء، فإن ظن ظان أن في قول الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:(نحرتُ قبل أن أرمي، ولم أشعر)، دلالة على أنه لا يجوز ذَلِكَ للعامد، وأن عليه القضاء إن كان مما يقضى، أو الفدية إن كان مما لا يقضى فقد وهم؛ لأن الجاهل والناسي لا يضع عنهما جهله ونسيانه حكم المتعمد في موضع مناسك الحج غير مواضعها، وإنما يضع الإثم؛
(1)
انظر: "البيان" 4/ 343، "المجموع" 8/ 194، "المغني" 5/ 320، "الفروع" 3/ 515.
(2)
سيأتي برقم (1734 - 1735).
(3)
"التمهيد" 7/ 277.
(4)
في (ج): يعلم ذلك.
وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أنَّ جاهلًا من الحاج لو جهل ما عليه فلم يرم الجمرات حَتَّى انقضت أيام الرمي، أو أن ناسيًا نسي ذَلِكَ حَتَّى مضت أيامه أن حكمه في الفدية كالعامد، وكذلك تارك الوقوف جاهلًا أو ناسيًا حَتَّى انقضى وقته، وكذا جميع أعمال الحج سواء في اللازم الفدية والجاهل والعامد والناسي، وإن اختلفت أحوالهم في الإثم فكذلك مقدم شيء من ذَلِكَ ومؤخره، الجاهل والعامد فيه سواء؛ لأنه قال:"لا حرج" ولم يفصل بجوابه بينهم.
تنبيهات:
أحدها: وقع في كلام ابن التين أنه إذا قدم الحلق على الرمي افتدى قولًا واحدًا
(1)
، وعلله بأنه محرم حلق لم يتحلل من نسكه، قال: وإن كان في حديث مسلم أنه قال: "لَا حَرَجَ"
(2)
فيحتمل أن معناه لا إثم، والخلاف ثابت في مذهبه. قال ابن الحاجب: فلو قدم الحلق على الرمي فالفدية على الأصح، وإلا فلا فدية على الأصح
(3)
. ولنا وجه أنه يمتنع تقديمه على الرمي والطواف معًا بناء على أنه استباحة محظور.
ثانيها: العامد كالناسي في هذا عندنا
(4)
، وبه قال القاضي أبو الحسن من المالكية: يجوز تقديم الحلق على النحر
(5)
.
(1)
انظر: "التمهيد" 9/ 267.
(2)
"صحيح مسلم"(1307) كتاب الحج، باب: من حلق قبل النحر.
(3)
"مختصر ابن الحاجب"106.
(4)
للإمام الشافعي رحمه الله تفصيل في ذلك انظره: "الإم" 2/ 140، واختار المزني أن العامد كالناسي. "البيان" 4/ 197.
(5)
انظر: "المنتقى" 3/ 28.
قال ابن التين: والظاهر من مذهبنا المنع. قال الداودي ومالك: يرى على من حلق قبل الرمي أو أخَّر رميه حَتَّى غابت الشمس، ولا يرى فيما سوى ذَلِكَ مما ذكر، قال: ولم يبلغه ما ها هنا، وتعقبه ابن التين قال: وله في الرمي بعد الغروب قولان في الدم.
ثالثها: قول أبي موسى: (ثم أتيت امرأة من نساء بني قيس فَفَلَتْ رأسي)، يعني: من أخواته أو بنات إخوته؛ لأنه ابن قيس، ويحتمل أن يريد أنها من أزواجهم إلا أن قوله:(فَفَلَتْ رَأسِي) يقتضي أنها من
محارمه (ومحِله) بكسر الحاء كما في القرآن؛ لأنه من حل يحل ولو أراد حيث يحل لكان محَله بالفتح.
رابعها: فيه: الرمي راكبًا، وبه قال الشافعي ومالك، قال: وفي غير يوم النحر ماشيًا
(1)
، وأنه سأل إبراهيم بن الجراح: ما تقول في رميها؟ فقال: ماشيًا، فقال: أخطأت، فقال: راكبًا، فقال: أخطأت، فقال: كل رمي بعده رمي يرميها ماشيًا، وكل رمي ليس بعده رمي يرميها راكبًا
(2)
.
وعن أبي حنيفة: يرميها كلها راكبًا وماشيًا
(3)
.
ووقع في "المحلى" لابن حزم، عن أبي يوسف أنه قال قبل موته بأقل من ساعة: رمي الجمرتين الأخيرتين راكبًا أفضل (ورمي جمرة العقبة ماشيًا أفضل المنقول عنه عليه [السلام] ثم اعترض فقال:
(1)
انظر: "الاستذكار" 13/ 210، "المنتقى" 3/ 48، "الأم" 2/ 180.
(2)
في "المبسوط" القول محكي عن إبراهيم الجراح قال: (دخلت على أبي يوسف رحمه الله تعالى في مرضه الذي مات فيه ففتح عينيه وقال: الرمي راكبًا أفضل أم ماشيًا؟ .. ). "المبسوط" 4/ 23، وانظر:"بدائع الصنائع" 2/ 158.
(3)
انظر: "الفتاوى التاتارخانية" 2/ 463.
تقسيم بلا برهان، بل فيها كلها راكبًا أفضل)
(1)
اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
قلت: قد صحح الترمذي من حديث ابن عمر أنه كان إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهبًا وراجعًا، ويخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذَلِكَ ثم قال: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، وكان بعضهم يركب يوم النحر ويمشي في الأيام التي بعده، قال: وكأن من قال هذا إنما أراد اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في فعله؛ لأنه إنما روي عنه: أنه ركب يوم النحر حيث ذهب يرمي الجمار، ولا رمي يوم النحر إلا جمرة العقبة
(3)
.
خامسها: قام الإجماع على أنه عليه السلام حلق رأسه يوم النحر، وقد حكاه أيضًا ابن عبد البر
(4)
، ولا يرد عليه قول معاوية: قصرت عنه
(5)
.
(1)
ساقطة من (ج).
(2)
"المحلى" 7/ 188 - 189.
وما روي عن أبي يوسف، ذكره السرخسي في "المبسوط" 4/ 23. قال في "الهداية": الأصل أن كل رمي بعده يقف بعده؛ لأنه في وسط العبادة فيأتي بالدعاء فيه، وكل رمي ليس بعده رمي لا يقف لأن العبادة قد انتهت، ولهذا لا يقف بعد جمرة العقبة في يوم النحر أيضًا.
(3)
"سنن الترمذي"(900) كتاب الحج، باب: ما جاء في رمي الجمار راكبًا وماشيًا.
ورواه أبو داود (1969) كتاب: المناسك، باب: في رمي الجمار، والدارقطني 2/ 274 - 275، والبيهقي 5/ 131، وكذا رواه أحمد 2/ 114 بلفظ: أنه كان يرمي الجمرة يوم النحر راكبًا وسائر ذلك ماشيًا وتخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. وصححه الألباني في "صحيح أبو داود"(1718)، و"الصحيحة"(2072).
(4)
"التمهيد" 7/ 266.
(5)
سيأتي برقم (1730) ورواه مسلم (1246) كتاب: الحج، باب: التقصير في العمرة.
سادسها: ذكر ابن المنذر عن الشافعي، أن من حلق قبل الرمي فعليه دمٌ، وذكر أنه حفظه عن الشافعي، وهو خطأ عنه كما نبه عليه ابن عبد البر قال: ولا أعلم خلافًا فيمن نحر قبل أن يرمي أنه لا شيء عليه
(1)
.
(1)
"الاستذكار" 13/ 324.
126 - باب مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَحَلَقَ
1725 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنهم أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ:"إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ". [انظر: 1566 - مسلم: 1229 - فتح: 3/ 560]
ذكر فيه حديث حفصة أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ:"إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ".
وحديث نافع: كَانَ ابن عُمَرَ يَقُولُ: حَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّتِهِ.
حديث حفصة أخرجه مسلم أيضًا، وليس فيه الحلق
(1)
، نعم ثبت أنه حلق بعد ذَلِكَ، وحديث نافع هذا ثابت هنا في بعض النسخ، وفي "شرح ابن بطال" أيضًا
(2)
، وفي بعضها الباب في الباب بعده
(3)
، وقد سلف التلبيد في باب: من أهلَّ ملبدًا، وحقيقته: أن يجعل الصمغ في الغاسول ثم يلطخ به رأسه عند الإحرام؛ ليمنعه ذَلِكَ من الشعث.
وجمهور العلماء على أن من لبد رأسه وجب عليه الحلاق كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك أمر الناس عمر بن الخطاب، وابن عمر
(4)
، وهو
(1)
"صحيح مسلم"(1229) كتاب الحج، باب: بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاج المفرد.
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 400.
(3)
في هامش الأصل: وكذا في نسختي.
(4)
روى مالك في "الموطأ" 1/ 540 - 541 (1403 - 1404) كتاب: المناسك، باب: التكبير، والبغوي في "مسند ابن الجعد"(2633)، والبيهقي 5/ 135 من طريق ابن عمر وابن المسيب عن عمر بن الخطاب قال: من لبد رأسه أو ضفره =
قول مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وكذلك لو ضفَّر رأسه، أو عقصه كان حكمه حكم التلبيد؛ لأنَّ الذي فعل يشبه التلبيد الذي أوجب الشارع فيه الحلاق
(1)
.
وفي "كامل ابن عدي" في حديث ابن عمر مرفوعًا: "من لبد رأسه للإحرام فقد وجب عليه الحلق"
(2)
. وقال أبو حنيفة: من لبد رأسه أو ضفَّره فإن قصر ولم يحلق أجزأه
(3)
.
وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: من لبد أو عقص أو ضفَّر فإن كان نوى الحلق فليحلق وإن لم ينوه فإن شاء حلق، وإن شاء قصر
(4)
، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم أولى.
= فعليه الحلق.
وروى البيهقي 5/ 135 من طريق سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: من لبد أو ضفر أو عقصَ فليحلق.
وروى البيهقي 5/ 135 من طريق عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر مرفوعًا: من لبد رأسه للإحرام فقد وجب عليه الحلاق.
قال البيهقي: عبد الله بن نافع ليس بالقوي والصحيح أنه من قول عمر وابن عمر رضي الله عنهما، وقال أيضًا: الصحيح عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر من قوله، وعن نافع، عن ابن عمر، عن عمر من قوله.
وروى أيضًا 5/ 135 من طريق عبد الله بن نافع، عن عاصم بن عمر العمري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر مرفوعًا به.
وقال: عاصم بن عمر ضعيف، ولا يثبت هذا مرفوعًا.
وسيأتي عند المصنف رحمه الله ذكر هذا الحديث المرفوع.
(1)
انظر: "الاستذكار" 13/ 120، "البيان" 4/ 342، "مسائل الإمام أحمد برواية الكوسج" 1/ 538.
(2)
"الكامل في ضعفاء الرجال" 5/ 272 ترجمة عبد الله بن نافع مولى ابن عمر (984).
(3)
انظر: "البناية" 4/ 136.
(4)
رواه البيهقي 5/ 135.
وادعى الداودي: أن الحديث قال على أن من لبد رأسه فعليه الحلاق، وسيأتي في كتاب اللباس -إن شاء الله تعالى- قول عمر: من ضفَّر فليحلق ولا تشبهوا بالتلبيد، ومعناه -إن شاء الله- ما نقلناه عن الجمهور منهم الشافعي تبعنا فيه ابن بطال
(1)
، وهو قول قديم له، والجديد أنه لا يجب عليه
(2)
، وهما لقوله في أن التقليد والإشعار هل يتنزل منزلة قوله: جعلتها أضحية.
(1)
"شرح ابن بطال" 4/ 400 - 401.
(2)
انظر: "معرفة السنن والآثار" 7/ 321 - 322، "البيان" 4/ 342.
127 - باب الحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإِحْلَالِ
1726 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ حَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّتِهِ. [1729، 4410، 4411 - مسلم: 1304 - فتح: 3/ 561]
1727 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: "وَالمُقَصِّرِينَ". وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ: "رَحِمَ اللهُ المُحَلِّقِينَ". مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ. قَالَ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ: وَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ: "وَالمُقَصِّرِينَ". [مسلم: 1301 - فتح: 3/ 561]
1728 -
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَلِلْمُقَصِّرِينَ. قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَلِلْمُقَصِّرِينَ. قَالَهَا ثَلَاثًا. قَالَ: "وَلِلْمُقَصِّرِينَ". [مسلم: 1302 - فتح: 3/ 561]
1729 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ قَالَ حَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ. [انظر: 1726 - مسلم: 1304 - فتح: 3/ 561]
1730 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنهم قَالَ: قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَصٍ. [مسلم: 1246 - فتح: 3/ 561]
ذكر فيه عن (نافع)
(1)
: كَانَ ابن عُمَرَ يَقُولُ: حَلَقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي حَجّتِهِ.
(1)
فوقها في الأصل: مسند متصل.
وعن مالك عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَالمُقَصِّرِينَ".
وَقَالَ اللَّيْثُ
(1)
: حَدَّثَنِي نَافِعُ: "رَحِمَ اللهُ المُحَلِّقِينَ". مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ
(2)
، حَدَّثَنِي نَافِعٌ: وَقَالَ فِي الرَّابعَةِ: "وَالمُقَصِّرِينَ".
وعن أبي زُرْعَةَ
(3)
، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعًا:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ" إلى أن قال: قَالَهَا ثَلَاثًا. قَالَ: "وللْمُقَصِّرِينَ".
وعن (جُوَيْرِةَ)
(4)
بْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ قَالَ: حَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ.
وعن ابن
(5)
عَبَّاسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَصٍ.
الشرح:
حديث ابن عمر أخرجه مسلم
(6)
وكذا حديثه الثاني
(7)
والثالث
(8)
، وفي حديث فلما كانت الرابعة قال:"والمقصرين"
(9)
، وفي رواية له: قالها في الثالثة.
(1)
فوقها في الأصل: معلق.
(2)
فوقها في الأصل: معلق.
(3)
فوقها في الأصل: مسند.
(4)
في (ج): جويرية ولعل الصحيح ما أثبتناه، وفوقها في الأصل: مسند.
(5)
فوقها في الأصل: مسند.
(6)
مسلم (1304) كتاب: الحج، باب: تفضيل الحلق على التقصير.
(7)
مسلم (1301).
(8)
مسلم (1302).
(9)
مسلم (1301/ 319).
وتعليق الليث وعبيد الله أسندهما مسلم كما ذكرناه، الأول من حديث قتيبة وغيره عنه
(1)
، والثاني من حديث عبد الوهاب عنه
(2)
، ورواه القعنبي من حديث عبد الله العمري المكبر، أخرجه الكجي في "سننه"، عن القعنبي عنه. وقال أبو قرة: سمعت عبد الله بن عمر بن حفص، ومالك بن أنس يذكران عن نافع، فذكره، وكذا رواه ابن وهب في "مسنده" عنهما.
وقال الطرقي: مداره على نافع، رواه خلق عنه منهم مالك، ولم يتابع الليث على الجمع بين اللفظتين، وفي أفراد مسلم، عن أم الحصين دعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة
(3)
، ولم يخرج البخاري، عن أم الحصين في هذا ولا في غيره شيئًا.
وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم أيضًا
(4)
، وشيخ البخاري فيه عياش بن الوليد -بالمثناة والشين المعجمة- وقيده ابن السكن: بسين مهملة وباء موحدة، والصواب الأول كما نبه عليه الجياني
(5)
.
وحديث ابن عباس، عن معاوية أخرجه مسلم بلفظ: عن طاوس قال: قال ابن عباس: قال لي معاوية: أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص؟
(6)
.
قلت: لا أعلم هذِه إلا حجة عليك، ثم الأحاديث كلها دالة على أن
(1)
مسلم (1301/ 316، 319).
(2)
مسلم (1301/ 319).
(3)
مسلم (1303).
(4)
مسلم (1302).
(5)
"تقييد المهمل" 2/ 532، 533.
(6)
مسلم (1246) كتاب: الحج، باب: التقصير في العمرة.
هذِه الواقعة كانت في حجة الوداع، وهو الصحيح، وحديث أم الحصين السالف يؤيده، فإنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذَلِكَ في حجة الوداع كما أخرجه مسلم، وعند القاضي عياض يوم الحديبية حين أمرهم بالحلق، ويحتمل أنه قاله في الموضعين
(1)
، وهو الأشبه؛ لأن جماعة من الصحابة توقفت
(2)
في الحلق فيهما.
وقال ابن بطال: هذا قاله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فيما رواه ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة
(3)
، كما ستعلمه إن شاء الله في بابه، وأنه عليه السلام أمرهم أن ينحروا ويحلقوا فما قام رجل، فقالها ثلاثًا، فدخل على أم سلمة فقال لها:"أما ترين الناس آمرهم بالأمر فلا يفعلونه" فاعتذرت وقالت: ادع حالقك فاذبح واحلق؛ فان الناس إذا رأوك فعلتُ ذَلِكَ فعلوا، فخرج وفعل ذَلِكَ، فقام الناس فنحروا وحلق بعض وقصر بعض، فدعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة.
وذكر ابن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون. فقال عليه السلام: "اللهم ارحم المحلقين ثلاثًا" قيل: يا رسول الله، ما بال المحلقين ظاهرت لهم في الترحم؟ قال:"لأنهم لم يشكوا". وهذا في ابن ماجه
(4)
، وورد في
(1)
"إكمال المعلم" 4/ 383 - 384.
(2)
في (ج): عن.
(3)
رواه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" 3/ 356، وانظر:"سيرة ابن هشام" 3/ 368 - 369.
(4)
ابن ماجه (3045) كتاب: المناسك، باب: الحلق، و"سيرة ابن هشام" 3/ 368 - 369، وكذا رواه أحمد 1/ 353، والفاكهي في "أخبار مكة" 5/ 72 (2862)، وأبو يعلى 5/ 106 (2718)، والطحاوي "شرح معاني الآثار" 2/ 255 - 256، والطبراني 11/ 93 (11150)، وابن عبد البر في "التمهيد" 15/ 234 - 235 وجادة. =
بعض الأجزاء من حديث أبي سعيد
(1)
: أن أهل المدينة حلقوا إلا عثمان وأبا قتادة، فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة
(2)
.
وما أحسن قول بعض أهل الطريق في ذَلِكَ يكفي المقصر اسمه، لا جرم كان الحلق أفضل بالإجماع، ولأنه أبلغ في العبادة، وأدل على صدق النية في التذلل، والمقصر مبقٍ للزينة مناف لكونه أشعث أغبر، فأكد الحض عليه وهو ترك الزينة، ثم جعل للمقصر نصيبًا وهو الربع؛ لئلا يخيَّب أحدًا من أمته من صالح دعائه، ولما كانت العرب تعودت توفير الشعر، وكان الحلق فيهم قليلًا، وكانوا يرونه ضربًا من الشهرة فمالوا إلى التقصير، فدعا لمن امتثل أمره بالحلق.
ثم اختلف العلماء هل الحلاق واجب على الحاج والمعتمر أم لا: فقال مالك والشافعي في أصح قوليه وأحمد، ونقل عن أبي حنيفة: هو نسك يجب على الحاج والمعتمر، وهو أفضل من التقصير، ويجب على
= وقال البوصيري في "زوائده" ص 402: إسناده صحيح، وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(2470) و"الإرواء" 5/ 285 - 286.
(1)
في هامش الأصل: وفي "مسند أحمد" من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حلقوا رؤوسهم عام الحديبية غير عثمان وأبى قتادة، فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة، ورواه أيضًا أحمد من طريق آخر من حديثه عنه وله أيضًا عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم وأصحابه عام الحديبية غير عثمان وأبي قتادة فاستغفر للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة.
(2)
رواه أحمد 3/ 20 والطيالسي في "مسنده" 3/ 672 (2338) وابن سعد في "الطبقات" 2/ 104، وأبو يعلى 2/ 453 (1263)، وابن عبد البر في "التمهيد" 15/ 334، والمزي في "تهذيب الكمال" 33/ 7 - 8.
قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 262: فيه أبو إبراهيم الأنصاري جهله أبو حاتم، وبقية رجاله رجال الصحيح.
- قلت: قال ابن حجر في "التقريب"(7922) أبو إبراهيم الأنصاري مقبول.
من فاته الحج أو أُحصر بعدوٍ أو مرض
(1)
، وهو قول جماعة من الفقهاء إلا في المحصر فإنهم اختلفوا: هل هو من النسك؟
فقال أبو حنيفة: ليس على المحصر تقصير ولا حلق
(2)
، وهذا خلاف أمر الشارع أصحابه بالحديبية حين صد عن البيت بالحلاق وهم محصورون، فلا وجه لقوله وحاصل ما للشافعي وأصحابه في الحلق خمسة آراء: ركن، واجب، سنة، مباح، ركن في العمرة، واجب في الحج
(3)
، كما أوضحناها في كتب الفروع.
وقال غيره: من جعله نسكًا أوجب على تاركه الدم، ومن جعله من باب الإحلال؛ لأنه ممنوع منه، بالإحرام فلا شيء على تاركه.
ودعاء الشارع للمحلقين ثلاث دليل على أنه نسك، فلا وجه لإسقاطه عن المحصر، ولم يدع لهم على شيء من فعل المباحات مثل اللباس والطيب، ودعاؤه لا ينفك عن الإجابة، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن لمن حلق رأسه بكل شعرة سقطت من رأسه نورًا يوم القيامة.
وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"
(4)
وهو صريح في كونه نسكًا يثاب عليه، وكذا قوله تعالى:{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} خصهمامن بين المباحات، ولم يقل لابسين متطيبين فعلم أنه نسك وليس له حكم
(1)
انظر: "الأصل"(2/ 430)، "بدائع الصنائع" 2/ 140، "المجموع" 8/ 185، "المستوعب" 4/ 245.
(2)
انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 140.
(3)
انظر: "البيان" 4/ 342، "المجموع" 8/ 191.
(4)
"صحيح ابن حبان" 5/ 206 (1887) كتاب: الصلاة، باب: صفة الصلاة. ورواه أيضًا عبد الرزاق 5/ 15 (8830)، والبزار كما في "كشف الأستار"(1082)، والطبراني 12/ 425 (13566)، والبيهقي في "دلائل النبوة" 6/ 294 - 295. قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 274 - 275: رواه البزار ورجاله موثقون.
اللباس وغيره.
وقام الإجماع: على أن النساء لا يحلقن وأن سنتهن التقصير؛ لأن حلق رأسها مثلة، فإن حلقت كره، وقيل: حرم
(1)
.
وفي الترمذي من حديث علي: أنه عليه السلام نهى أن تحلق المرأة رأسها، وذكر أن فيه اضطرابًا
(2)
، ثم روى من حديث عائشة مرفوعًا مثله ثم قال: والعمل عليه عند أهل العلم
(3)
.
وفي "سنن أبي داود، من حديث ابن عباس مرفوعًا: "إنما على النساء التقصير"
(4)
.
(1)
"الإجماع"(55)، "المجموع" 8/ 192.
(2)
الترمذي (914) كتاب: الحج، باب: ما جاء في كراهية الحلق للنساء.
ورواه النسائي في "المجتبى" 130/ 8 كتاب: الزينة، النهي عن حلق المرأة رأسها، وفي "الكبرى" 5/ 407 (9297) من طريق أبي داود الطيالسي، عن همام، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها.
ورواه الترمذي (915) من الطريق السابق، لكنه عن خلاس بن عمرو مرسلًا، لم يذكر فيه عن علي.
قال الدارقطني في "العلل" 3/ 195: المرسل أصح. وقال الحافظ في "الدراية" 2/ 32: رواته موثقون، إلا أنه اختلف في وصله وإرساله. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(678).
(3)
ذكره الترمذي بعد حديث (915) من طريق حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى .. الحديث، ورواه ابن عدي في "الكامل" 8/ 105 من طريق معلى بن عبد الرحمن، عن عبد الحميد بن جعفر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت .. الحديث.
وانظر: "الضعيفة"(678).
(4)
أبو داود (1984) كتاب: المناسك، باب: الحلق والتقصير.
ورواه البيهقي 5/ 104 كتاب: الحج، باب: ليس على النساء حلق ولكن يقصرن. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= من طريق محمد بن بكر، عن ابن جريح قال: بلغني عن صفية بنت شيبة بن عثمان قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان أن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
ورواه أبو داود (1985)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 6/ 46، والدارمي 2/ 1212 (1946) كتاب: المناسك، باب: من قال: ليس على النساء حلق، والدارقطني 2/ 271، والبيهقي 5/ 104 من طريق هشام بن يوسف، عن ابن جريح، عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة، عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان أن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
ورواه الطبراني 12/ 250 (13018)، والدارقطني 2/ 271، والبيهقي 5/ 104 من طريق أبي بكر بن عياش، عن يعقوب بن عطاء، عن صفيه بنت شيبة، عن أم عثمان، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: .. الحديث.
وقواه البخاري في "تاريخه"، وصححه أبو حاتم في "العلل" 1/ 281 (834)، وأورده عبد الحق في "الأحكام" 2/ 304 وسكت عليه مصححًا له؛ لذا تعقبه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 2/ 545 - 547 فقال: هو حديث ضعيف منقطع؛ أما ضعفه فبأن أم عثمان بنت أبي سفيان لا يعرف لها حال، أما انقطاعه فلقول ابن جريح -في طريق محمد بن بكر-: بلغني عن صفية.
وطريق أبي داود الثاني أيضًا منقطع؛ لأن أبا داود قال: حدثنا رجل ثقة -يكنى أبا يعقوب- فإنا ما لم نعرف الذي به حتى يوضع فيه النظر، فهو بمثابه من لم يذكر، ولم ينفع كونه يكنى أبا يعقوب، فقد عرفنا نحن أنه مكنى، وإنسان، فما ذلك بنافع، ومن لج في هذا، لن يلج في أنه مجهول، فلا يكون الحديث من أجله صحيحًا. اهـ. بتصرف.
وقال أيضًا في: 4/ 290: هو حديث لا يصح.
قلت: وبالرغم من أن الحديث قد ضعفه ابن القطان كما سلف، إلا أن المصححين له أكثر، فصححه البخاري، وأبو حاتم -كما سلف- وكذا حسنه النووي في "المجموع" 8/ 183، وقال المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 6/ 267: سكت عليه أبو داود، ولم يضعفه فهو حجة على قاعدته، وقال الحافظ في "التلخيص" 2/ 261: إسناده حسن. وصححه الألباني في "صحيح أبو داود" =
تنبيهات: أحدها: يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة، ويحلق في الحج، ليقع الحلق في أكمل العبادتين، ذكره النووي في "شرحه" لمسلم
(1)
وأطلق ذَلِكَ، لكن الشافعي فصل في "الإملاء" فقال: إن أمكن أن يرد شعره يوم النحر حلق وإلا قصر
(2)
. وقال ابن التين نقلًا عن أبي محمد: ومن حل من عمرته في أشهر الحج فالحلاق له أفضل، إلا أن تفوت أيام الحج ويريد أن يحج فليقصر لمكان حلاقه في الحج، قال: ووجهه تخصيص أفضل النسكين بالحلاق.
ثانيها: المِشقص، بكسر الميم: النصل الطويل وليس بالعريض. قاله أبو عبيد
(3)
.
وقال ابن فارس وغيره: هو سهم فيه نصل عريض
(4)
.
وقال أبو عمر: هو الطويل غير العريض. وقال أبو حنيفة الدينوري: هو كل نصل فيه عَير، وكل ناتئ في وسطه. حديد فهو عَير، ومنه عَير الكتف والورقة.
= (1732) وقال: أحد إسناديه صحيح. وانظر: "البدر المنير" 6/ 267 - 269، و"الصحيحة"(605).
قلت: في الباب من حديث عثمان رواه البزار في "البحر الزخار" 2/ 92 (447) من طريق روح بن عطاء بن أبي ميمونة، عن أبيه، عن وهب بن عمير قال: سمعت عثمان يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها.
قال البزار: وهب بن عمير لا نعلم روى إلا هذا الحديث، ولا نعلم حدث عنه إلا عطاء بن أبي ميمونة، وروح، فليس بالقوي، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 263: فيه روح بن عطاء وهو ضعيف، وقال الحافظ في "الدرايه" 2/ 32: إسناده ضعيف، وكذا ضعفه المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 3/ 566.
(1)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 9/ 49 - 50.
(2)
انظر: "معرفة السنن والآثار" 7/ 321.
(3)
"غريب الحديث" 1/ 349.
(4)
"مجمل اللغة" 2/ 509.
وهذا الحديث
(1)
قد يحتج به من يقول: إنه عليه السلام كان في حجة الوداع متمتعًا؛ لأن المتمتع يقصر عند الفراغ من السعي، وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث أن التقصير كان بالمروة
(2)
، وهذا لا يصح أن يكون في حجة الوداع أصلًا؛ لأنه عليه السلام حلق رأسه فيها لا يختلف فيه، ثم قيل: إن هذا كان في بعض عُمَرهِ ولا يصح أن يكون في الحديبية؛ لأن الأصح أن معاوية أسلم يوم الفتح
(3)
، فيشبه أن يكون في عمرة الجعرانة
(4)
(5)
.
قال الشيخ أبو الحسن -فيما حكاه ابن التين-: لعل فعل معاوية كان في عمرة الجعرانة التي اعتمر منصرفه من حنين، ومعناه: أنه أخذ من شعره به، وزعم ابن حزم أنه عليه السلام كان قد بقي في رأسه في حجة الوداع بعض شعر بعد الحلاقة، فأخذها معاوية بمشقص فقال:
(1)
تحتها في الأصل: يعني حديث معاوية.
(2)
رواه مسلم (1246) كتاب: الحج، باب: التقصير في العمرة.
(3)
قال ابن الأثير في "أسد الغابة" 5/ 209 (4977): أسلم معاوية هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه هند في الفتح، وكان معاوية يقول: إنه أسلم عام القضية، وانظر "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 5/ 2496 (2654)، و"الاستيعاب" 3/ 470 (2464)، و"تهذيب الكمال" 28/ 176 (6054).
قلت: وكان فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان، انظر:"السيرة النبوية" 4/ 3.
(4)
ورد بهامش الأصل: قال النووي في "شرح مسلم": وهذا الحديث محمول على أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة.
(5)
جاء في "السيرة النبوية" لابن هشام 4/ 148: لما فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من قسمة غنائم غزوة حنين في الجعرانة أهل معتمرًا منها، فأدى العمرة، وانصرف بعد ذلك راجعًا إلى المدينة بعد أن ولى على مكة عتاب بن أسيد، وكان رجوعه للمدينة لست ليال بقيت من ذي القعدة سنة 8 هـ.
انظر: "السيرة النبوبة" 4/ 148.
قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا
(1)
. قال القزاز: العريض أولى أن يقصر به، ولا معنى في التقصير لطوله، وفي الحديث أنه كوى أسعد بن زرارة بمشقص
(2)
. فهذا يجوز أن يراد به السهم الذي ليس بعريض؛ لأنه أوفق للكيّ. وقال الداودي: المشقص: السكين، قال: وإنما ترك الحلاق ليحلق في الحج، وهو خلاف ما سلف أنه كان في عمرة الجعرانة.
قلت: ومعلوم أنه لم يتمتع في حجة الوداع، فهذا التأويل بعيد، ولعله قصر عن نفسه بأمره عليه السلام.
ثالثها: قال محمد، عن مالك: من الشأن في الحاج أن يغسل رأسه بالخطمي والغاسول حين يريد أن يحلق، (وقال: لا بأس أن يتنور ويقص أظفاره، ويأخذ من شاربه ولحيته قبل أن يحلق، قال ابن القاسم: وأكره للمعتمر أن يغسل رأسه قبل أن يحلق)
(3)
ويقتل شيئًا من الدواب، أو يلبس قميصًا قبل تمام السعي
(4)
.
رابعها: ست مناسك في الحلق: أن لا يشارط عليه، وأن يستقبل القبلة، وأن يبدأ بالجانب الأيمن، وأن يكبر ويدعو، وأن يدفن شعره.
قال عطاء: ويصلي عقبه ركعتين، ويبلغ به إلى العظمين اللذين عند منتهى الصدغين
(5)
؛ لأنهما منتهى نبات الشعر؛ ليكون مستوعبًا لجميع رأسه. وعند الكرماني، عن أبي حنيفة: يبدأ بيمين الحالق ويسار
المحلوق. وعند الشافعي: يبدأ بيمين المحلوق
(6)
. والصحيح عن
(1)
"حجة الوداع" ص: 442 - 443.
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك" 4/ 417.
(3)
ساقطة من (ج).
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 409، "المنتقى" 3/ 29.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 304 (14565) كتاب: الحج، باب: في الحلق أين هو.
(6)
انظر: "البناية" 4/ 139.
أبي حنيفة ما ذكر أولًا وهو السنة.
خامسها: أقل الحلق ثلاث شعرات؛ لأنه أقل مسمى الجمع.
وقام الإجماع على عدم وجوب الاستيعاب، وقيل: يكفي عندنا شعرة
(1)
. وحكى الأبهري وغيره، عن مالك: أنه لا يجزئ حلق بعض الرأس دون استيعابه
(2)
. قال ابن التين: ويدل له أنه عليه السلام حلق رأسه وقال: "خذوا عني مناسككم"
(3)
. وعبارة ابن الحاجب: ولا يتم نسك الحلق إلا بجميع الرأس، والتقصير مغن، وسنة في الرجل أن يجز من قرب أصوله، وأقله أن يأخذ من جميع الشعر فإن اقتصر على بعضه فكالعدم، فإن لم يمكن لتصميغ أو يسارة أو عدم تعين الحلق، وقال في المرأة: تأخذ قدر الأنملة أو فوقها أو دونها قليلًا، والنورة تجزئ، هذا آخر كلامه
(4)
. وروي عن ابن عمر: قدر الأنملة
(5)
، وعن عائشة: قدر التطريف.
(1)
ورد بهامش الأصل: قال الإمام النووي رحمه الله: (وأقل ما يجزئ ثلاث شعرات حلقًا، أو تقصيرًا من شعر الرأس فتجزئ الثلاث بلا خلاف عندنا، ولا يجزئ أقل منها، هكذا نص عليه الشافعي والأصحاب في جميع الطرق، وحكى إمام الحرمين ومن تابعه وجهًا أنه تجزئ شعرة واحدة، وهو غلط، قال إمام الحرمين: قد ذكرنا وجهًا بعيدًا في الشعرة الواحدة أنه إذا أزالها المحرم في غير وقتها لزمه فدية كاملة لحلق الرأس، قال: وذلك الوجه هنا فتجزئ الشعرة، ولكنه مزيف غير معدود من المذهب، والله أعلم.
"المجموع" 8/ 185.
(2)
انظر: "المنتقى" 3/ 29.
(3)
رواه مسلم (1297) كتاب: الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة
…
بنحوه.
(4)
"مختصر ابن الحاجب" ص 107.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 143 (12907) كتاب: الحج، باب: المحرمة كم تأخذ من شعرها.
قال مالك: ولا بد أن يعم طويله وقصيره والمسح في الوضوء، وقال: فإن لبدت رأسها فليس عليها إلا التقصير
(1)
. قال (ابن التين، ولعل ذلك بعد أن تمشطه؛ لتتوصل إلى تقصير جميعه، وعند أبي حنيفة: الواجب مقدار الربع، قال ابن المنذر)
(2)
: وأجمع أهل العلم على أن التقصير يجزئ إلا أنه يروى عن الحسن: أنه كان يوجب الحلق في أول حجة حجها، وهذا غير جيد، قال تعالى:{محلقين رؤوسكم ومقصرين} [الفتح: 27]
(3)
.
سادسها: عندنا يدخل وقت الحلق بنصف ليلة النحر، ولا آخر لوقته، وعند المالكية: يدخل من طلوع الفجر
(4)
، والحلق بمنى يوم النحر أفضل، قالوا: ولو أخَّره حَتَّى بلغ بلده حلق وأهدى
(5)
، فلو وطئ قبل الحلق فعليه هدي بخلاف الصيد على المشهور عندهم، وعند ابن الجهم: لا يحلق القارن حَتَّى يفيض.
وقال ابن قدامة: يجوز تأخيره إلى آخر أيام النحر، فإن أخَّره عن
ذَلِكَ ففيه روايتان: لا دم عليه، وبه قال عطاء وأبو يوسف وأبو ثور، ويشبه مذهب الشافعي؛ لأن الله بيَّن أول وقته بقوله:{تحلقوا رؤوسكم} الآية [البقرة: 196]، ولم يبين آخره فمتى أتى به أجزأه. وعن أحمد: عليه دم بتأخيره. وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأنه نسك أخره عن محله، ولا فرق في التأخير بين القليل والكثير والساهي والعامد،
(1)
انظر: "المنتقى" 3/ 29.
(2)
ساقط من (ج).
(3)
انظر: "الإجماع" لابن المنذر (56).
(4)
انظر "المنتقى" 3/ 30، "المجموع" 8/ 191.
(5)
انظر: "مختصر ابن الحاجب" ص 107.
وقال مالك والثوري وإسحق وأبو حنيفة ومحمد: من تركه حَتَّى حلَّ فعليه دم؛ لأنه نسك، فيأتي به في إحرام الحج كسائر مناسكه
(1)
.
سابعها: في رواية ابن عمر: "ارحم"، وفي رواية أبي هريرة:"اغفر" فلعله دعا مرة بهذا، ومرة بهذا، وهذا أولى من قول ابن التين إما أن يكون قال: مرة: "اغفر"، ومرة:"ارحم"، أو وهم في أحدهما، أو رواها الراوي بالمعنى.
فائدة:
روى ابن أبي شيبة، عن ابن عمر: أنه ضحى بالمدينة وحلق رأسه، وكان الحسن يحلق رأسه يوم النحر بالبصرة
(2)
.
وقال ابن عون قلت لمحمد: كانوا يستحبون أن يأخذ الرجل من شعره يوم النحر. قال: نعم.
(1)
"المغني" 5/ 306. وانظر: "بدائع الصنائع" 2/ 141، "المنتقى" 3/ 30، "المجموع" 8/ 192، "المستوعب" 4/ 247.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 327 - 238 (13888، 13891) كتاب: الحج، حلق الرأس بغير منى يوم النحر.
128 - باب تَقْصِيرِ المُتَمَتِّعِ بَعْدَ العُمْرَةِ
1731 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّوا، وَيَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا. [انظر: 1545 - فتح: 3/ 567]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّوا، وَيَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا.
وهو من أفراده كذلك، وليس فيه أكثر من أن الحلاقة والتقصير لازم للمعتمر، كما يلزم الحاج لأمر النبي صلى الله عليه وسلم المتمتعين عند الإحلال به، وتأمل التنبيه الأول من الباب قبله هنا.
129 - باب الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ
وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَخَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الزِّيَارَةَ إِلَى اللَّيْلِ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ (م، والأربعة)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَزُورُ البَيْتَ أَيَّامَ مِنًى.
1732 -
وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، ثُمَّ يَقِيلُ، ثُمَّ يَأْتِي مِنًى. يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ. وَرَفَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ. [مسلم: 1308 - فتح: 3/ 567]
1733 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا حَائِضٌ. قَالَ:"حَابِسَتُنَا هِىَ؟ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ. قَالَ:"اخْرُجُوا". [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 3/ 567]
وَيُذْكَرُ عَنِ القَاسِمِ وَعُرْوَةَ وَالأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَفَاضَتْ صَفِيَّةُ يَوْمَ النَّحْرِ.
وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْم: حَدَّثنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، ثُمَّ يَقِيلُ، ثُمَّ يَأْتِي مِنًى. يَعْنِي: يَوْمَ النَّحْرِ. وَرَفَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ثنا عُبَيْدُ اللهِ.
ثم ذكر حديث الأَعْرَجِ أخبرني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَجَجْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا حَائِضٌ. قَالَ:"حَابِسَتُنَا هِيَ؟ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ. قَالَ:"اخْرُجُوا".
وَيُذْكَرُ عَنِ القَاسِمِ وَعُرْوَةَ وَالأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَفَاضَتْ صَفِيَّةُ يَوْمَ النَّحْرِ.
الشرح:
تعليق أبي الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي- أسنده الأربعة من حديث سفيان الثوري، عن أبي الزبير عنها
(1)
خلا ابن ماجه، فمن حديث الثوري، عن محمد بن طارق، عن طاوس وأبي الزبير عنهما
(2)
، وكذا ذكره أبو الشيخ الأصبهاني في جزء جمع فيه ما رواه أبو الزبير، عن غير جابر
(3)
. قال الترمذي: (حديث حسن)
(4)
.
قال ابن القطان: وإنما لم يصححه؛ لعنعنة أبي الزبير، وليس هو من رواية الليث عنه
(5)
.
(1)
رواه أبو داود (2000) كتاب: المناسك، باب: الإفاضة في الحج، الترمذي (920) كتاب: الحج، باب: ما جاء في طواف الزيارة بالليل، النسائي في "الكبرى" 2/ 460 (4169) كتاب: الحج، الوقت الذي يفيض فيه إلى البيت يوم النحر.
ومن هذا الطريق أيضًا رواه أحمد 1/ 288، 309، 6/ 215، والبيهقي 5/ 144 كتاب: الحج، باب: الإفاضة للطواف.
(2)
ابن ماجه (3059) كتاب: المناسك، باب: زيارة البيت، والمزي في "تهذيب الكمال" 25/ 406 - 407، والحافظ في "التغليق" 3/ 98.
(3)
تحتها في الأصل: يعني: حديث سفيان، عن أبي الزبير.
(4)
"أحاديث أبي الزبير عن غير جابر"(35).
(5)
"بيان الوهم والإيهام" 3/ 457. وقال ابن حزم: هذا حديث معلول؛ لأن أبا الزبير مدلس فما لم يقل فيه: حدثنا وأخبرنا وسمعت، فهو غير مقطوع على أنه مسند، فلسنا نحتج بحديثه إلا بما كان فيه بيان أنه سمعه، وهذا الحديث ليس فيه ذكر سماع من أبي الزبير إياه عن عائشة وابن عباس، فسقط الاشتغال به ا. هـ. "حجة الوداع" ص: 295 - 296. وقال ابن القيم: هذا الحديث وهم، فإن المعلوم من فعله صلى الله عليه وسلم أنه إنما طاف طواف الإفاضة نهارًا بعد الزوال ا. هـ. "مختصر سنن أبي داود" 2/ 428، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(342)، وقال في "ضعيف ابن ماجه" (654): شاذ.
قال البيهقي
(1)
: وقد سمع أبو الزبير من ابن عباس، وفي سماعه من عائشة نظر. قاله البخاري، وهذا في "علل الترمذي": أنه سأله عن هذا الحديث نفسه فقال ذَلِكَ
(2)
.
قال البيهقي: وقد روينا عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر
(3)
، الحديث الذي في البخاري، وقد أُوّل الحديث السالف على أن المراد آخر طواف نسائه، نعم في البيهقي، عن القاسم، عن عائشة أنه عليه السلام زاره مع نسائه ليلًا
(4)
. فيُحمل على الإعادة، وأن ذَلِكَ وقع مرتين: مرة ليلًا، ومرة نهارًا، وكذا جمع بذلك ابن حبان في "صحيحه"
(5)
.
وأما تعليق أبي حسان فأخرجه البيهقي من حديث ابن عرعرة قال: دفع إلينا معاذ بن هشام كتابًا، قال: سمعته من أبي بكر ولم يقرأه، قال: فكان فيه: عن قتادة، عن أبي حسَّان، عن ابن عباس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة ما دام بمنى، قال: وما رأيت أحدًا واطأه عليه
(6)
.
وروى الثوري في "جامعه" عن طاوس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة. يعني: ليالي منى
(7)
.
(1)
"سنن البيهقي" 5/ 144.
(2)
"علل الترمذي الكبير" 1/ 388 (138).
(3)
"سنن البيهقي" 5/ 144.
(4)
السابق.
(5)
"صحيح ابن حبان" 9/ 197.
(6)
"سنن البيهقي" 5/ 146.
(7)
ذكره البيهقي 5/ 146.
ورواه ابن أبي شيبة، عن سفيان بن عيينة، عن ابن طاوس
(1)
.
وأبو حسَّان
(2)
اسمه مسلم بن عبد الله الأعرج الأجرد بصري ثقة.
وأما أثر ابن عمر فأخرجه مسلم عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى، قال نافع: وكان ابن عمر يفيض يوم النحر، ثم يرجع فيصلي الظهر بمنى، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله
(3)
.
وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم أيضًا
(4)
، وفي بعض طرق البخاري: حاضت ليلة النحر، وذاك من أفراده
(5)
.
وقال ابن التين: الذي في أكثر الأحاديث السالفة والآتية أنها أفاضت ليلة النفر وهي أحاديث مسندة، وهذا قال فيه: ويذكر عن القاسم وسالم والأسود: أفاضت يوم النحر، ولم يسنده، وهو عجيب، فقد أسنده قبله وفيه: أفاضت يوم النحر.
والذي في الأحاديث كلها أنها أفاضت يوم النحر؛ ففي مسلم عن عائشة: حاضت صفية بعدما أفاضت، فقلت: يا رسول الله، إنها قد
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 276 (1428) كتاب: الحج، من رخص في زيارته كل يوم وليله.
(2)
فوقها في الأصل: (مسلم والأربعة) ومقابلها في الحاشية: قال ابن قيم الجوزية عقب تعليق أبي حسان: والكلام عليه بنحو من كلام شيخنا وهو وهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى مكة بعد أن طاف للإفاضة ورجع إلى منى إلى حين الوداع. والله أعلم. انتهى.
(3)
مسلم (1308) كتاب: الحج، باب: استحباب طواف الإفاضة يوم النحر.
(4)
مسلم (1211) كتاب: الحج، باب: إحرام النفساء واستحباب اغتسالها للإحرام.
(5)
سيأتي برقم (1771) باب: من الإدلاج من المحصب، وفيه حاضت صفية ليلة النفر.
كانت أفاضت وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة
(1)
. وكذا في عدة طرق، والغريب رواية حيضها ليلة النحر. وطواف الإفاضة هو الركن المعول عليه في الحج من بين الأطوفة، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ} بالإجماع
(2)
. ألا ترى أنه عليه السلام لَمَّا توهم أن صفية لم تطف يوم النحر قال: "أحابستنا هي؟ " فلما أُخبر أنها قد طافته. قال: "فلا إذًا"
(3)
وإنه مجزئها عن غيره. واستحب جميع العلماء فعله يوم النحر ثم يرجع إلى مبيت منى ورمي أيام التشريق
(4)
.
وذكر عبد الرزاق، عن سعيد بن جبير أنه كان إذا طاف يوم النحر لم يزد على سبع واحد، وعن طاوس مثله، وعن الحكم قال: أصحاب عبد الله لا يزيدون يوم النحر على سبع واحد. قال الحجاج: فسألت عطاء قال: طف (كم)
(5)
شئت، والمستحب عندنا أن يكون طوافه قبل الظهر. وحكى القاضي أبو الطيب وجهًا أنه بعده، ثم اختار وجهًا ثالثًا أنه إن كان في الصيف أفاض أول النهار، وإن كان في الشتاء أفاض آخره
(6)
.
(1)
مسلم (1211/ 382)، بعد حديث (1328) كتاب: الحج، باب: وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض.
(2)
انظر: "الإجماع" لابن المنذر (55)، "الإقناع" 2/ 845.
(3)
سيأتي برقم (1757) باب: إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت، ورواه مسلم (1211/ 384).
(4)
انظر: "الأصل" 2/ 392، "البناية" 4/ 143، "النوادر والزيادات" 2/ 414، "الذخيرة" 3/ 270، "البيان" 4/ 345، "المجموع" 8/ 197، "المستوعب" 4/ 249، "الشرح الكبير" 9/ 225.
(5)
في (ج): كيف.
(6)
انظر "حلية العلماء" 3/ 297، "المجموع" 8/ 198.
ولا خلاف بين الفقهاء: أن من أخره عن يوم النحر وطافه في أيام التشريق أنه مؤدٍّ لفرضه ولا شيء عليه، كما ذكر ابن بطال
(1)
، واختلفوا فيما إذا أخّره حَتَّى مضت أيام التشريق قال عطاء: لا شيء عليه، وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وأبي ثور
(2)
. وقال مالك: إن عجله فهو أفضل، وإن آخره حتى مضت أيام التشريق وانصرف من منى إلى مكة فلا بأس، وإن أخّره بعدما انصرف من منى أيامًا وتطاول ذَلِكَ فعليه دم
(3)
.
واختلفوا إذا أخّره حَتَّى رجع إلى بلده، فقال عطاء والأربعة والثوري وإسحاق وأبو ثور: يرجع فيطوف لا يجزئه غيره، وروي عن عطاء قول ثان وهو: أن يأتي عامًا قابلًا بحج، أو بعمرة، وعن مالك: أن طواف الدخول يجزئه عنه كمن نسيه إذا رجع إلى بلده وعليه دم، وعنه أنه لا يجزئه عنه، وإنما يجزئ عنه كل عمل يعمله الحاج يوم النحر وبعده في حجته، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، ووجهه: أن الله تعالى فرضه بعد قضاء التفث، وذلك يوم النحر بعد الوقوف، فإذا طاف تطوعًا أجزأه عن فرضه؛ لأنه جاء بطواف في وقته، وكما ينوب طواف الوداع عنه، وكذا التطوع إذا لم يعتقده طواف الإفاضة؛ لأن كل عمل يكون في الحج ينوي به التطوع ولم يكمل فرض الحج فالفرض أولى به من النية التي نويت، كالداخل في صلاة بإحرام نواه لها، ثم صلى منها صدرًا، ثم ظن أنه قد فرغ منها،
فصلى ما بقي عليه أنه تطوع عنده فهو (للفرض)
(4)
الذي ابتدأه ولا تضره
(1)
"شرح ابن بطال" 4/ 404، 405.
(2)
انظر: "المجموع" 8/ 202.
(3)
"المدونة" 1/ 317.
(4)
في (ج): كالفرض.
نيته إذ لم يقطع الصلاة عمدًا، ذكره ابن شعبان من المالكية
(1)
.
ولا شك أن الله تعالى خص الحج بما لم يخص به غيره من الفرائض، وذلك قوله:{الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ} [البقرة: 197] الآية فمن فرض الحج في حرمه وشهوره، فليس له أن ينتقل عما فرضته نيته إلى غيره حَتَّى يتمه؛ لأن العمل على النية الأولى حَتَّى يكملها وهو فرضه، لقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] ألا ترى أن من وطئ بعد الجمرة قبل الطواف أن منهم من قال: يحج قابلًا. ومنهم من قال: إن أحرم بعمرة وأهدى أجزأه ذَلِكَ، وهم: ابن عباس، وعكرمة، وطاوس، وربيعة، وفسّره ابن عباس فقال: إنما بقي من أمره أربعة أميال فيحرم من التنعيم أربعة أميال فيكون طواف مكان طواف وهذا طواف عمرة يجزئه عن طواف فريضة، وكذلك القارن يجزئه طواف واحد وسعي واحد بعمرته وحجته للسنة الثابتة عن عائشة، وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، والعمرة تطوع على قول جماعة من العلماء.
وقال الرافعي: لا ينبغي له أن يخرج من مكة حَتَّى يطوف، فإن طاف للوداع وخرج وقع عن الزيارة، وإن خرج ولم يطف أصلًا لم يحل له النساء، وإن طال الزمان. وقضية قولهم: لا يتأقت آخر الطواف أنه لا يصير قضاء، لكن في "التتمة" أنه إذا تأخر عن أيام التشريق صار قضاء، وحكى بعض المتأخرين: أنه لا يجوز له أن يخرج من مكة حَتَّى يطوف، وقال الماوردي: إنه يكون مسيئًا بتأخيره بغير عذر عن يوم النحر
(2)
، قال غيره: وتأخيره عن أيام التشريق أشد كراهة
(1)
انظر: "الأصل" 1/ 401 - 402، "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 145 - 146، "المدونة" 1/ 317، "المجموع" 8/ 202، "المغني" 5/ 345.
(2)
"الحاوي" كتاب الحج 2/ 743.
وخروجه من مكة بلا طواف أشد كراهة
(1)
.
فائدة:
ثبت في "صحيح مسلم" من حديث ابن عمر: أنه عليه السلام صلى الظهر يوم النحر بمنى كما سلف
(2)
، وثبت فيه أيضًا من حديث جابر: أنه صلى الظهر بمكة
(3)
.
قال ابن حزم: وكذا قالته عائشة فاستشكل الجمع بينهما، ونسب أحدهما إلى الوهم. قال ابن حزم: إلا أن الأغلب عندنا أنه صلى الظهر بمكة؛ لوجوه ذكرها قال: ولم يبق من حجة الوداع شيء لم يبن لي وجهه غير الجمع بينهما، ومن تلك الوجوه: اتفاق عائشة وجابر على ذَلِكَ؛ ولأن حجة الوداع كانت في شهر آذار، وهو وقت تساوي الليل والنهار، وقد دفع عليه السلام من مزدلفة قبل طلوع الشمس إلى منى وخطب بها، وفعل أعمالًا لا تسع صلاته الظهر بمنى
(4)
.
وقال القرطبي: حديث جابر أصح، ويعضده حديث أنس: أنه صلى العصر يوم النحر بالأبطح، وإنما صلى الظهر بمنى يوم التروية، كما قال أنس
(5)
.
وفي حديث ابن عمر
(6)
وهم من بعض الرواة
(7)
.
(1)
"المجموع" 8/ 198.
(2)
مسلم (1308) كتاب: الحج، باب: استحباب طواف الإفاضة يوم النحر.
(3)
مسلم (1218/ 147) باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم مطولًا.
(4)
"حجة الوداع"296.
(5)
سيأتي برقم (1763) كتاب: الحج، باب: من صلى العصر يوم النفر بالأبطح، ورواه مسلم (1309) باب: استحباب طواف الإفاضة يوم النحر.
(6)
رواه مسلم (1308) باب: استحباب طواف الإفاضة يوم النحر.
(7)
"المفهم" 3/ 411.
وقال غيره من المتأخرين: يحتمل أن يكون أعادها بمنى؛ لبيان الجواز، كما صلى بأصحابه في بطن نخل مرتين
(1)
.
فائدة أخرى:
في قولها: (فأراد منها ما يريد الرجل من أهله) فيه أنه لا بأس بالإعلام بذلك، وإنما المكروه أن يغشاها حيث يسمع أو يرى.
(1)
سلف برقم (942) كتاب: صلاة الخوف، باب: صلاة الخوف، ورواه مسلم (839) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الخوف. من حديث ابن عمر.
قال النووي في "شرح مسلم" 9/ 193: ثبت في الصحيحين في صلاته صلى الله عليه وسلم ببطن نخل أحد أنواع صلاة الخوف
…
130 - باب إِذَا رَمَى بَعْدَ مَا أَمْسَى أَوْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا
1734 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قِيلَ لَهُ فِي الذَّبْحِ وَالحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَقَالَ:"لَا حَرَجَ". [انظر: 84 - مسلم: 1307 - فتح: 3/ 568]
1735 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، فَيَقُولُ:"لَا حَرَجَ". فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. قَالَ: "اذْبَحْ، وَلَا حَرَجَ". وَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ. فَقَالَ: "لَا حَرَجَ". [انظر: 84 - فتح: 3/ 568]
ذكر فيه حديث ابن عباس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قِيلَ لَهُ فِي الذَّبْحِ وَالحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَقَالَ:"لَا حَرَجَ".
وحديثه أيضًا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، فَيَقُولُ:"لَا حَرَجَ". فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. قَالَ: "اذْبَحْ، وَلَا حَرَجَ". قَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ. فَقَالَ: "لَا حَرَجَ".
وقد سلفت طرقه قريبًا في باب: الذبح قبل الحلق
(1)
، وقد قام الإجماع على أن الاختيار في رمي جمرة العقبة يوم النحر من طلوع الشمس إلى زوالها، وأنه إن رمى قبل غروب يومه أجزأه عنه إلا مالك فإنه يستحب له أن يهريق دمًا يجيء به من الحل
(2)
.
واختلفوا فيمن رمى ليلًا، أو من الغد فقال مالك: عليه دم، وهو
(1)
سلف برقم (1721).
(2)
انظر: "التمهيد" 7/ 268، "المغني" 5/ 295.
قول عطاء والثوري وإسحاق
(1)
، وقال مالك في "الموطأ": من نسي جمرة من الجمار أيام التشريق حَتَّى يُمسي، يرميها أية ساعة شاء من ليل أو نهار ما دام بمنى، كما يصلي الصلاة آية ساعة ذكرها من ليل أو نهار، ولم يذكر دمًا
(2)
. وذكر عنه ابن القاسم: أنه كان يرى مرة عليه الدم، ومرة لا، قال: وقد تأخرت صفية امرأة ابن عمر على ابنة أخيها حَتَّى أتت منًى بعدما (غابت)
(3)
الشمس فرمت، ولم يبلغنا أنّ ابن عمر أمرها بشيء
(4)
. وقال أبو حنيفة: إن رماها ليلًا فلا شيء عليه، وإن أخرها إلى الغد فعليه دم، وقالا صاحباه والشافعي وأبو ثور: لا شيء عليه، وإن أخرها إلى الغد. وقال الثوري: إن أخرها عامدًا إلى الليل فعليه دم. وقال أبو حنيفة وإسحاق فيما حكاه ابن قدامة: أنه إذا أخرها إلى الليل لا يرميها حَتَّى تزول الشمس من الغد
(5)
. وعن الشافعي والصاحبين وابن المنذر: يرمي ليلًا لقوله: "وَلَا حَرَجَ"
(6)
وقال ابن عمر: إن فاته الرمي حَتَّى تغيب الشمس فلا يرمِ حَتَّى تزول الشمس من الغد، واحتجوا بحديث الباب:"لَا حَرَجَ" للذي قال: (رميت بعدما أمسيت) وأيضًا فإنه عليه السلام رخّص لرعاء الإبل في مثله، يرعون نهارًا ويرمون ليلًا
(7)
، وما كان ليرخص
(1)
انظر: "الاستذكار" 13/ 222 - 223.
(2)
"الموطأ" 1/ 546 (1424) كتاب: المناسك، باب: الجمار.
(3)
في (ج): غربت.
(4)
"الموطأ" 1/ 544 (1417).
(5)
"المغني" 5/ 295 - 296.
(6)
السابق.
(7)
رواه بهذا اللفظ ابن خزيمة 4/ 319 (2975) كتاب: المناسك، باب: الرخصة للرعاء في رمي الجمار بالليل. من طريق عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه عاصم بن عدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يومًا، وأن يجمعوا للرمي. =
لهم فيما لا يجوز، وحجة مالك: أنه عليه السلام وقّت لها وقتًا وهو يوم النحر فمن رمى بعد غروبه فقد رمى بعد وقتها، ومن فعل في الحج شيئًا بعد وقته فعليه دم، وقد أسلفنا الاختلاف في رمي جمرة العقبة قبل طلوع الفجر، أو الشمس من يوم النحر لأهل العذر وغيرهم في باب: من قدم ضعفة أهله بالليل، فراجعه
(1)
.
وقوله: ("ارمِ وَلَا حَرَجَ") إنما كان بالنهار؛ لأن السؤال كان يوم النحر، ولا يكون اليوم إلا قبل المغيب، كذا قاله ابن قدامة
(2)
، ونقل ابن دحية في "المولد" عن بعض المتكلمين: أن اليوم يجمع النهار والليل.
وأما قول البخاري: (ناسيًا أو جاهلًا)، فإن العلماء لم يفرقوا بين العامد والجاهل في أمور الحج، وقد سلف الاختلاف فيمن حلق قبل الذبح في باب: الذبح قبل الحلق، فراجعه.
والمراد هنا بالمساء: ما بعد الزوال؛ لأنه لغة العرب يسمون ما بعده مساء وعشاء ورواحًا، روى مالك، عن ربيعة، عن القاسم بن محمد أنه قال: ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي
(3)
، وإنما يريد تأخيرها إلى ربع القامة، ويتمكن الوقت في شدة الحر وهو وقت الإبراد الذي أمر به الشارع.
= ولهذا الحديث طرق أخرى وألفاظ كثيرة، انظرها في "البدر المنير" 6/ 274 - 280 فقد جمع مصنفه رحمه الله طرقه وألفاظه، بما لا تجده في مكان آخر، بل قل أن تجد مثله، فلينظر، وانظر أيضًا:"تلخيص الحبير" 2/ 262 - 263، و"الإرواء"(1080).
(1)
سلف برقم (1676).
(2)
"المغني" 5/ 295 - 296.
(3)
"الموطأ" 1/ 8 (12) باب: وقوت الصلاة.
131 - باب الفُتْيَا عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الجَمْرَةِ
1736 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. قَالَ: "اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ". فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ: "ارْمِ وَلَا حَرَجَ". فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: "افْعَلْ وَلَا حَرَجَ". [انظر: 83 - مسلم: 1306 - فتح: 3/ 569]
1737 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه حَدَّثَهُ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا. ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا، حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ، نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"افْعَلْ وَلَا حَرَجَ". لَهُنَّ كُلِّهِنَّ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ قَالَ:"افْعَلْ وَلَا حَرَجَ". [انظر: 83 - مسلم: 1306 - فتح: 3/ 569]
1738 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَاقَتِهِ. فَذَكَرَ الحَدِيثَ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. [انظر: 83 - مسلم: 1306 - فتح: 3/ 569]
ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنه صلى الله عليه وسلم وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، وذكر فيه الحلق قبل الذبح. قَالَ:"اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ". والنحر قبل الرمي فقَالَ: "ارْمِ وَلَا حَرَجَ". فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: "افْعَلْ وَلا حَرَجَ".
وحديثه أيضًا: أنه شَهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ
فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا. ثُمَّ قَامَ آخَرُ بمثله حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ، نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ. "افْعَلْ وَلَا حَرَجَ". لَهُنَّ كُلِّهِنَّ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيءٍ إِلَّا قَالَ:"افْعَلْ وَلَا حَرَجَ".
وحديثه أيضًا: وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَاقَتِهِ. فَذَكَرَ الحَدِيثَ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
يعني: أنه تابع صالحًا، وهذِه المتابعة أخرجها مسلم في "صحيحه" من حديث عبد الرزاق عنه
(1)
، وفائدة طريق صالح التصريح بسماع ابن شهاب، عن عيسى بن طلحة، وقد تقدم هذا التبويب في كتاب العلم
(2)
، وأن معناه أنه يجوز أن يسأل العالم وإن كان مشتغلًا بطاعة الله، وقد أجاب السائل وقال له:"لا حرج" وكل ذَلِكَ طاعة لله تعالى، وكان ذَلِكَ عند الجمرة كما سلف هناك، وإليه أشار هنا عند الجمرة، وكان وقوفه ليعلّم الناس دينهم، ويجيبهم عن مسائلهم.
واعترض الإسماعيلي فقال: ليس في حديثه أنه كان على دابة، ولا في حديثنا، وفي حديث بندار، عن يحيى وعبد الرحمن: جلس في حجة الوداع فقام رجل .. الحديث.
وفي حديث ابن جريج، عن ابن شهاب: بينما: هو يخطب يوم النحر؛ فإن قال فيه بعضهم أنه وقف على راحلته، فقد يجوز أن يكون ركبها وجلس عليها ثم وقف، وإنما ذكر ذَلِكَ عن صالح بن كيسان، عن الزهري في هذا الحديث.
قلت: فيه: وقف على ناقته، وهو صريح في المقصود.
(1)
مسلم (1306) كتاب: الحج، باب: من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي.
(2)
سلف برقم (83).
وقوله: (لَمْ أَشْعُرْ). الظاهر أنه كان جاهلًا؛ لقوله في الرواية: (كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا) وإن كان يحتمل النسيان أيضًا.
قال ابن التين: ويحتمل أن المراد بقوله: "ولَا حَرَجَ" أي: لا إثم؛ لأن الحرج: الإثم، ويعظم السؤال خوفَ الإثم.
قال: وقوله: (فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ) المراد: ما بيّن فيما مضى لا كل شيء. قال: ولا يقتضي إباحة ذَلِكَ؛ لأنه إنما سئل عمن فعله جهلًا، وقد بين الترتيب المشروع فيه. وقوله:(يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ) هذِه
هي الخطبة الثالثة، ومن المالكية من لا يطلق عليها اسم الخطبة.
فائدة:
البخاري روى الحديث الأخير، عن إسحاق: ثَنَا يعقوب، وذكر الجيّاني: أنه ابن منصور، نسبه ابن السكن والأصيلي، قال: وذكر (أبو نصر)
(1)
أن ابن منصور وإسحاق بن إبراهيم يرويانه عن يعقوب
(2)
، ورواه أبو نعيم من حديث ابن شيرويه ثنا إسحاق، ثنا يعقوب، فيكون إسحاق بن إبراهيم؛ لأن عبد الله بن محمد بن شيرويه، روى عنه "مسنده" ولم تُعلَم له رواية عن إسحاق بن منصور
(3)
.
(1)
تحته في الأصل: يعني: الكلاباذي.
(2)
"تقييد المهمل" 3/ 963 - 964.
(3)
فائدة: قلت: وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه، وهو المتَرَجِّحُ أيضًا عند الحافظ ابن حجر؛ مستدلًّا على ذلك من وجه آخر غير الذي ذكره المصنف هنا ألا وهو قول إسحاق: أخبرنا يعقوب. قال الحافظ: لأن إسحاق بن راهويه لا يحدث عن مشايخه إلا بلفظ الإخبار بخلاف إسحاق بن منصور فيقول: حدثنا. انظر "الفتح" 3/ 570.
132 - باب الخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى
1739 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ ". قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ. قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ ". قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ. قَالَ: "فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ ". قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا". فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:"اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَوَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ: "فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". [7079 - فتح: 3/ 573]
1740 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ. تَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو. [1841، 1843، 5804، 5853 - مسلم: 1178 - فتح:3/ 573]
1741 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَرَجُلٌ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: "أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ ". قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ ". قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ ". قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. فَقَالَ: "أَلَيْسَ ذُو الحَجَّةِ؟ ". قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ ". قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: "أَلَيْسَتْ بِالبَلْدَةِ الحَرَامِ؟ ". قُلْنَا بَلَى. قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي
شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". [انظر: 67 - مسلم: 1679 - فتح: 3/ 573]
1742 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى: "أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ ". قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ: "فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ ". قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "بَلَدٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ ". قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "شَهْرٌ حَرَامٌ -قَالَ: - فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا". وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الغَازِ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَقَفَ النَّبِيُّ - صلي الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الجَمَرَاتِ فِي الحَجَّةِ التِي حَجَّ بِهَذَا، وَقَالَ:"هَذَا يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ"، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"اللَّهُمَّ اشْهَدْ". وَوَدَّعَ النَّاسَ. فَقَالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الوَدَاعِ. [4403، 6043، 6166، 6785، 6868، 7077 - فتح: 3/ 574]
ذكر فيه أربعة أحاديث:
أحدها: حديث ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خطَبَ النَاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ يَوْمٍ هذا؟ ". "فَأَيُّ بَلَدٍ هذا؟ فَأَيُّ شَهْرٍ هذا؟ ".
ثانيها: حديثه أيضًا: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ. تَابَعَهُ -يعني شعبة- ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو بن دينار.
ثالثها: حديث أَبِي بَكْرَةَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ .. الحديث بطوله.
رابعها: حديث ابن عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بمِنًى: "أتدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هذا؟ .. " الحديث.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الغَازِ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ: وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ .. الحديث.
الشرح:
هذِه الأحاديث يصدق بعضها بعضًا إلا أن حديث ابن عباس بعرفات لا بمنى، فلا مدخل له هنا، ورواه ابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن جابر، عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر
(1)
.
ولما أخرجه مسلم من طريق (أبي عمرو)
(2)
بن دينار لم يذكر واحد منهم: يخطب بعرفات، غير شعبة
(3)
.
وقوله: (قَالَ هِشَامُ) إلى آخره، أسنده أبو داود: حَدَّثَنَا المؤمل بن الفضل، عن الوليد بن مسلم، عن هشام به
(4)
. وأجاب ابن المنير بأنه ساقها؛ ليرد على منكر خطبة يوم النحر، فإن الراوي سماها خطبة، كما سمى التذكرة يوم عرفة خطبة، وقد اتفقوا على خطبة عرفة، فألحق المختلف فيه بالمتفق عليه
(5)
، أو يكون لمَّا ذكر حديث ابن عباس في يوم النحر أراد أن يذكر أيضًا أنه روى خطبة يوم عرفة؛ لئلا
(1)
ابن ماجه (2931) كتاب: المناسك، باب: السراويل والخفين للمحرم إذا لم يجد إزارًا أو نعلين.
(2)
كذا في الأصل: والصحيح (عمرو) كما في "صحيح مسلم"(1178).
(3)
مسلم (1178) كتاب: الحج، باب: ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح.
(4)
أبو داود (1945) كتاب: المناسك، باب: يوم الحج الأكبر.
ومن هذِه الطريق رواه ابن حزم في "حجة الوداع"(114، 542). ورواه ابن سعد 2/ 183 من طريق آخر عن الوليد بن مسلم .. به، ورواه ابن ماجه (3058) كتاب: المناسك، باب: الخطبة يوم النحر، البيهقي 5/ 139 من طريقين عن هشام .. به، وانظر:"صحيح أبي داود"(1700).
(5)
"المتواري" ص 146.
يتوهم متوهم أنهما حديث واحد.
وفي حديث ابن عباس: لما سألهم: ("أي يوم هذا؟ " قالوا: يوم حرام) وكذا أجابوه في البلد والشهر.
وفي حديث أبي بكرة فيها كلها: (الله ورسوله أعلم)، فيحتمل أن يكون ذَلِكَ في موطنين.
وقوله: ("أَيُّ يَوْمٍ؟ " و"أَيُّ بَلَدٍ؟ " "أَيُّ شَهْرٍ؟ ") خرج مخرج الاستفهام، والمراد به: التقرير؛ لأنه أبلغ، وأتى فيها على معالم الدين كلها فيسمع الحاضر، ويبلغ الغائب؛ لتقوم الحجة وتنقطع المحجَّة، وكرر تأكيدًا، ومثَّل باليوم، وبالشهر، وبالبلد؛ ليؤكد تحريم ما حرم من الدماء، والأموال، والأعراض.
"وذو الحجة" بفتح حائه أشهر
(1)
، والعرض ما يحميه الإنسان ويلزمه القيام به، قاله أبو عمرو، وقال الأصمعي: هو ما يُمدح به ويُذم، وهو في قول حسَّان:
فإن أبي ووالده وعرضي
…
لعرض محمد منكم وقاء
فقال ابن قتيبة: نفسه، ورد عليه: بأن المراد: آباؤه، ذكر العموم بعد الخصوص. وقال ابن التين في حجة الوداع: قيل: العرض: الحسب، وقيل: النفس.
(1)
قلت: بل ذكر النووي رحمه الله خلاف ذلك حيث قال: وذو الحجة بكسر الحاء هذه اللغة المشهورة، ويجوز في لغة قليلة فتح الحاء. "شرح مسلم" 11/ 168، ويئيد ما قاله النووي تعقبُ العيني المصنفَ حيث قال: وقال صاحب "التوضيح": فتح الحاء أشهر. قلت: نقله عن صاحب "التلويح" وهو نقله عن القزاز، وفي "المثلث" لابن سيده: جعلهما سواء، ولكن في ألسن العامة الكسرة أشهر. اهـ "عمدة القاري" 8/ 252.
وقوله: ("لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا").
أي: لا يستحل بعضكم من بعض ما استحل الكفار، قاله الداودي.
وقال أبو منصور: فيه قولان:
أحدهما: لابسين السلاح، والكفر: الستر.
والثاني: أنه يُكَفِّر الناس فيَكْفُر كما تفعل الخوارج إذا استعرضوا الناس؛ لقوله عليه السلام: "من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما"
(1)
، ذكره الهروي
(2)
. ويحتمل كفارًا بغير حق، أوكفر النعمة، أو حقيقة، أو يقرب منه، أو للتشبيه بهم، وقيل: هم أهل الردة، قتلهم الصديق.
ومعنى: ("بعدي") أي: وفاتي أو فراقي من موقفي، أو خلافي فتخلفوني في أنفسكم بغير الذي أمرتكم به.
وقوله: ("يَضْرِبُ") الرواية برفع الباء، وضبطه بعضهم بسكونها، أي: أن ترجعوا بعدي.
وقوله: ("أَلَيْسَتْ بِالبَلْدَةِ") يريد البلدة المحرمة، ويُقال: البلدة اسم خاص لمكة وقد سلف أسماؤها.
وقوله: ("هَلْ بَلَّغْتُ؟ ") سميت حجة البلاغ من أجل ذَلِكَ.
وقوله: ("هذا يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ") فيه دلالة واضحة أنه يوم النحر، وقد سلف ذكر ذَلِكَ، وقد أسلفنا فيما مضى خطب الحج، وأن مالكًا قال: إنها ثلاثة: يوم التروية، ويوم عرفة، وثاني يوم النحر، وهو يوم القر؛
(1)
سيأتي برقم (6104) كتاب: الأدب، باب: من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، ورواه مسلم (60) كتاب: الإيمان، باب: بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم: يا كافر. من حديث ابن عمر.
(2)
"غريب الحديث" 1/ 382.
لأن الناس يقرون فيه بمنى
(1)
، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، ووافقهم الشافعي، إلا أنه أبدل ثاني النحر بثالثه، وزاد خطبة يوم النحر بعد الزوال، يعلمهم فيها حكم الرمي والمبيت والنحر، واحتج الشافعي لخطبة يوم النحر بأحاديث الباب، قال: وبالناس حاجة إلى هذِه الخطبة؛ ليعلمهم أعمال اليوم من الرمي والذبح والحلق والطواف
(2)
.
وقال ابن القصار: إنما فعل ذَلِكَ؛ لأجل تبليغ ما ذكر؛ لكثرة اجتماعهم من أقاصي الدنيا فظن أنه خطب.
قلت: وأي خطبة أبلغ من هذِه؟ وادعى الطحاوي أن هذِه الخطبة لم تكن من أسباب الحج؛ لأنه ذكر فيها أمورًا لا يصلح لأحد بعده ذكرها، والخطبة إنما هي لتعليم الحج، ولم ينقل أحد عنه أنه علمهم يوم النحر شيئًا من سنن الحج، فعلمنا أن خطبة يوم النحر لم تكن للحج، وإنما كانت لما سواه. وهو عجيب! فإنه عليه السلام نبه على عظم اليوم، وهو من مهمات الحج.
وفيه: إشعار أن المناسك التي تفعل فيه من المهمات كالرمي والإفاضة وغير ذَلِكَ من تمام الحج.
قال ابن القصار: وقوله يحتاج أن يعلمهم النحر، وقد تقدم تعليمهم في خطبة عرفة وأعلمهم بما عليهم فيه وكانت خطبه ثلاثًا، كل خطبة ليومين. قالوا: والخطبة التي ذكرها الشافعي يمكن تعلم حكمها مما
قبلها. قال ابن المواز: وكلها لا يجلس فيها إلا عرفة فيجلس في وسطها، ولا يجهر بالقراءة في شيء من صلواتها
(3)
.
(1)
انظر: "المنتقى" 3/ 36 - 37.
(2)
انظر: "المجموع" 8/ 119.
(3)
"المنتقى" 3/ 36.
وفيه: حرمة الدماء والأعراض والأموال، وإنما وجه الخطاب لهم إذ كانوا أهل ملة واحدة، ونظيره:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ} [النساء: 129] فالأخوة واحدة.
وفيه: أن مستحل المال كمستحل الدم ومستحل العرض كمستحل المال. وفي الخبر: "حرمة مال المسلم كحرمة دمه"
(1)
ولا يرد قطاع الطريق والخوارج ومن يجب قتله بحد لزمه، فإن دمه يحل دون ماله؛ لأن ذَلِكَ عقوبة لجرمه دون ماله، كما أمر بعقوبة آخر في ماله دون بدنه، وهذا بحق
(2)
.
(1)
رواه أحمد 1/ 446، وأبو يعلى 9/ 55 - 56 (5119) من طريق إبراهيم الهجري، عن الأحوص، عن عبد الله مرفوعًا:"سباب المسلم أخاه فسوق، وقتاله كفر، وحرمة ماله كحرمة دمه". وحديث عبد الله هذا قد سلف برقم (48) وسيأتي برقم (6044، 7076)، ورواه مسلم (64) لكن مختصرًا دون قوله:"وحرمة ماله كحرمة دمه".
(2)
ورد في هامش الأصل ما نصه: آخر 4 من 7، من تجزئة المصنف، ثم بلغ في السابع بعد الثلاثين، كتبه مؤلفه.
133 - باب هَلْ يَبِيتُ أَصْحَابُ السِّقَايَةِ أَوْ غَيْرُهُمْ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى
؟
1743 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1634 - مسلم: 1315 - فتح: 3/ 578]
1744 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ. [1634 - مسلم: 1315 - فتح: 3/ 578]
1745 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ العَبَّاسَ رضي الله عنه اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ. تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، وَأَبُو ضَمْرَةَ. [انظر: 1634 - مسلم: 1315 - فتح: 3/ 578]
ذكر فيه حديث عيسى بن يونس، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ نَافِع، عَنِ ابن عُمَرَ: رَخَّصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن جريج به: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ.
وحَدَّثَنَي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ العَبَّاسَ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ. تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، وَأَبُو ضَمْرَةَ.
حديث أبي ضمرة تقدم في باب: سقاية الحاج عن عبيد الله
(1)
.
ومتابعة أبي أسامة أخرجها مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن ابن
(1)
سلف برقم (1634).
نمير وأبي أسامة، ثَنَا عبيد الله، به
(1)
. ومتابعة أبي ضمرة أنس بن عياض سلفت في الباب المشار إليه كما ذكرنا.
قال الإسماعيلي: وقد وصله بلا شك فيه من سميت: الدراوردي، وعلي بن مسهر، وأبو ضمرة، وعقبة بن خالد، ومحمد بن فليح، وموسى بن عبيد الله، وأرسله ابن المبارك، عن عبيد الله، وقد سلف
حكم الباب هناك
(2)
واضحًا.
قال ابن المنذر: السنة أن يبيت الناس بمنى ليالي أيام التشريق، إلا من أرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذَلِكَ، فإنه أرخص للعباس أن يبيت بمكة من أجل سقايته، وأرخص لرعاء الإبل
(3)
، وأرخص لمن أراد التعجيل أن ينفر في النفر الأول.
واختلف الفقهاء فيمن بات ليلة بمكة من غير من رخص له: فقال مالك: عليه دم، وقال الشافعي: إن بات ليلة أطعم عنها مسكينًا، وإن بات ليالي منى كلها أحببت أن يهريق دمًا، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا شيء عليه إن كان يأتي منى ورمى الجمار، وهو قول الحسن البصري، قالوا: ولو كانت سنة ما سقطت عن العباس وآله، وإنما هو استحباب وحسبه إذا رمى الجمار في وقتها، وقد روى سفيان ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس. قال: لا بأس أن يبيت الرجل بمكة ليالي منى، ويظل إذا رمى الجمار
(4)
.
(1)
مسلم (1315) كتاب: الحج، باب: وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: يعني: في باب سقاية الحاج.
(3)
تقدم تخريجه، وانظر "البدر المنير" 6/ 274 - 280، و"الإرواء"(1080)، وسيأتي.
(4)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 17/ 262 - 263.
وحجة من أوجب الدم: أن الرخصة إنما هي بتخصيص من الشارع لأهل السقاية، ولمن أذن له النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهم
(1)
.
وقول البخاري: (أو غيرهم) يشير إلى من ألحق بهم كالمريض ونحوه مما أسلفنا هناك، وكذا رعاء الإبل لهم إذا رموا جمرة العقبة أن ينفروا ويدعوا المبيت بمنى، ولهم أن يدعوا رمي يوم، ويقضوه في اليوم الذي يليه قبل رمي ذَلِكَ
(2)
، وليس لهم أن يدعوا رمي يومين متواليين.
(1)
انظر: "مشكل الآثار" 1/ 225، "المدونة" 1/ 330، "المنتقى" 3/ 46، "الاستذكار" 13/ 194، "البيان" 4/ 356 - 357، "روضة الطالبين" 3/ 105 - 106.
(2)
يدل على ذلك ما رواه أبو داود (1975 - 1976) كتاب: المناسك، باب: في رمي الجمار، والترمذي (954 - 955) كتاب: الحج، باب: ما جاء في الرخصة للرعاة أن يرموا يومًا، ويدعوا يومًا، والنسائي 5/ 273، وابن ماجه (3036 - 3037) كتاب: المناسك، باب: تأخير رمي الجمار من عذر، وأحمد 5/ 450، والدارمي 2/ 1207 (1938) كتاب: المناسك، باب: في جمرة العقبة أي ساعة ترمى، والنسائي في "الكبرى" 2/ 462 (4178)، وابن الجارود 2/ 100 - 101 (477 - 478)، وابن خزيمة 4/ 319 - 320 (2975 - 2979)، وابن حبان 9/ 200 (3888)، والطبراني 17/ 171 - 172، والحاكم 1/ 478، والبيهقي 5/ 150، وابن عبد البر في "التمهيد" 17/ 253، 256 - 257، والبغوي في "شرح السنة" 7/ 228 - 229 (1970)، والمزي في "تهذيب الكمال" 13/ 508 من حديث عاصم بن عدي.
والحديث صححه المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 6/ 274، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1724 - 1725)، وفي "الإرواء"(1080).
134 - باب رَمْيِ الجِمَارِ
وَقَالَ جَابِرٌ: رَمَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ.
1746 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ وَبَرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما مَتَى أَرْمِي الجِمَارَ؟ قَالَ: إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهْ. فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ المَسْأَلَةَ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَيَّنُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا. [فتح: 3/ 571]
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمِ، ثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ وَبَرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابن عُمَرَ: مَتَى أَرْمِي الجمَارَ؟ قَالَ: إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهْ. فَأعَدْتُ عَلَيْهِ المَسْأَلَةَ، فقَالَ: كُنًّا نتَحَيَّنُ، فَإذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا.
أما تعليق جابر فأسنده مسلم من حديث ابن جريج، عن أبي الزبير عنه قال: رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعده فإذا زالت الشمس
(1)
. ورواه أبو ذر الهروي عنه قال: سمعت جابرًا يقول: فذكره، وهو فائدة جليلة تزيل تهمة تدليسه.
وأثر ابن عمر من أفراده، وعند الإسماعيلي: فإذا زاغت الشمس، أو مالت، والمراد بالجمرة: جمرة العقبة، وما بعده رمي أيام التشريق، وممن رماها بعد الزوال عمر، وابن عباس، وابن الزبير
(2)
، وكذا ابن عمر كما في البخاري، وهذِه سنة في رمي أيام التشريق، ولا يجوز إلا بعد الزوال عند الجمهور منهم: مالك والثوري وأبو حنيفة وصاحباه والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: القياس أنه لا يجوز
(1)
مسلم (1299) كتاب: الحج، باب: بيان وقت استحباب الرمي.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 304 - 305 (14572، 14574).
إلا بعد الزوال لكنا استحببنا أن يكون في اليوم الثالث قبل الزوال، وقال إسحاق: إن رمى في اليوم الأول والثاني قبل الزوال أعاد، وفي الثالث يجزئه.
وقال عطاء وطاوس: يجوز في الثلاثة قبل الزوال
(1)
. وحديث جابر وابن عمر يرده، والحجة في السنة، فلا معنى لقول من خالفها، ولا لمن استحب غيرها.
واتفق مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور أنه إذا مضت أيام التشريق وغابت الشمس من آخرها فقد فات الرمي، ويجبر ذَلِكَ بالدم، واعتبر ابن القاسم الصفرة إلا لمريضٍ، أو ناسٍ. ولنا وجه:
إن رمى اليومين لا يخرج بغروبها بل يبقى إلى الفجر، قياسًا على الوقوف بعرفة.
وأما الثالث: فينقضي بانقضاء يومه بلا خلاف.
فرع:
رمي جمرة العقبة من أسباب التحلل عندنا، وليس بركن خلافًا لعبد الملك المالكي
(2)
حيث قال: من خرجت عنه أيام منى، ولم يرم جمرة العقبة بطُل حجه، فإن ذكر بعد غروب شمس يوم النحر فعليه دم، وإن تذكر بعد فعليه بدنة، وقال ابن وهب: لا شيء عليه ما دامت أيام منى.
فرع:
يستحب فعل الرمي قبل صلاة الظهر، نص عليه الشافعي، واتفق
(1)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 306 (14584).
(2)
انظر: "روضة الطالبين" 3/ 103، "المجموع" 8/ 168 - 169، 177.
عليه أصحابه
(1)
، وقال عبد الملك المالكي: فإن رماها بعد أن صلى فقد أخطأ ولا شيء عليه
(2)
.
فرع:
يبقى وقت جمرة العقبة إلى آخر يوم النحر، وهل يمتد تلك الليلة؟ فيه وجهان عندنا مصححان
(3)
، وعند ابن القاسم يفوت بالزوال إلا لمريض، أو ناس
(4)
.
فرع:
قول ابن عمر: (كنا نتحين إذا زالت الشمس)، أي: عن كبد السماء، كذا عبر به الداودي وعبر غيره بإذا أخذ الظل في الزائد بعد نصف النهار.
فائدة:
روى حماد بن سلمة، عن حميد: أنه رأى الحسن بن أبي الحسن بمكة يأتي يوم النحر، قد بدأ يرمي جمرة العقبة، ثم الوسطي، ثم الأخرى، فسألت فقهاء مكة عن ذَلِكَ فلم ينكروه
(5)
. وهو غريب.
(1)
"مختصر المزني" ص 101، "المجموع" 8/ 177.
(2)
"المنتقى" 3/ 50. ونسب القول لابن حبيب عن مالك.
(3)
"المجموع" 8/ 169.
(4)
"التاج والإكليل" 4/ 186.
(5)
"المحلى" 7/ 183.
135 - باب رَمْيِ الجِمَارِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي
1747 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: رَمَى عَبدُ اللهِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحمَنِ، إِنَّ نَاسًا يَزمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا. فَقَالَ: وَالَّذِي لَا إله غَيْرُهُ هذا مَقَامُ الذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الوَليدِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الأعمَشُ بهذا. [1748، 1749، 1750 - مسلم: 1296 - فتح: 3/ 580]
ذكر من حديث الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ
قَالَ: رَمَى عَبْدُ الله مِنْ بَطْنِ الوَادِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا. فَقَالَ: وَالَّذِي لَا إله غَيْرُهُ هذا مَقَامُ الذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ.
(وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الوَليدِ)
(1)
: ثَنَا سُفْيَانُ ثَنَا الأَعْمَشُ بهذا.
أي: ما زال التحديث للعنعنة الأولى.
والحديث أخرجه مسلم أيضًا
(2)
.
وهذا هو المشهور: أن يرمي من أسفلها، ولو رماها من أعلاها أجزأه، فإن ازدحم عندها، فقال مالك: لا بأس أن يرميها من فوقها، ثم رجع فقال: لا يرميها إلا من أسفلها.
وقال ابن بطال: رمي الجمرة من حيث تيسر من العقبة من أسفلها، أو أعلاها، أو وسطها كل ذَلِكَ واسع، والموضع الذي نختار منها بطن الوادي من أجل حديث ابن مسعود، وكان جابر بن عبد الله يرميها من
(1)
فوقها في الأصل: معلق.
(2)
مسلم (1296) كتاب: الحج، باب: رمي جمرة العقبة من بطن الوادي.
بطن الوادي، وبه قال عطاء وسالم
(1)
، وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال مالك: يرميها من أسفلها أحب إليَّ.
وقد روي عن عمر أنه جاء والزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها
(2)
.
وفيه دليل على تسمية هذِه السورة بالبقرة، وقد قال عليه السلام:"إن البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان"
(3)
أي: ثوابهما، فالصواب: أنه لا كراهة في تسميتها ولا غيرها باسمها، وإنما ذكر سورة البقرة؛ لأن معظم مناسك الحج فيها، وإنما كره الحَجَّاج ذَلِكَ كما سيأتي قريبًا
(4)
، وسبقه إليه جماعة من السلف.
وقد احتج النخعي على الأعمش بهذا الحديث، وهذِه إضافة لفظ كباب الدار، ومثله قوله تعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير: 19] فأضاف القول إلى جبريل الذي نزل به من عند الله، وهذا من اتساع لغة العرب تضيف الشيء إلى من له أقل سبب. وقد ترجم له البخاري في فضائل القرآن فقال: باب: من لم ير بأسًا أن يقول: سورة البقرة، وسورة كذا
(5)
، خلافًا للحَجَّاج، ولمن أنكر ذَلِكَ قبله.
فرع:
السنة أن لا يقف عندها كما سيأتي بعد بأبواب، بخلاف الأولين.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 192 (13410، 13412).
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 415 - 416 بتصرف. وأثر عمر رواه ابن أبي شيبة 3/ 192 (13414) كتاب: الحج، باب: رمي الجمار من بطن الوادي.
(3)
رواه مسلم (804) كتاب الصلاة، باب: فضل قراءة القرآن وسورة البقرة.
(4)
سيأتي برقم (1750).
(5)
سيأتي برقم (5042) من حديث عائشة.
136 - باب رَمْيِ الجِمَارِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ
ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
1748 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الجَمْرَةِ الكُبْرَى، جَعَلَ البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمَى بِسَبْعٍ، وَقَالَ: هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1747 - مسلم: 1296 - فتح: 3/ 580]
ثم ذكر حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الجَمْرَةِ الكُبْرى، جَعَلَ البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمَى بِسَبْعٍ، وَقَالَ: هَكَذَا رَمَى الذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ.
137 - باب مَنْ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ فَجَعَلَ البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ
1749 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، فَرَآهُ يَرْمِي الجَمْرَةَ الكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَجَعَلَ البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ. [انظر: 1747 - مسلم: 1296 - فتح: 3/ 581]
ذكر فيه حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابن مَسْعُودٍ، فَرَآهُ يَرْمِي الجَمْرَةَ الكُبْرى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَجَعَلَ البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: هذا مَقَامُ الذِي أنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ.
أما حديث ابن عمر فيأتي مسندًا قريبًا
(1)
، وحديث ابن مسعود سلف
(2)
، وقد كرره البخاري في الباب. وسميت الجمرة الكبرى؛ لأنها تُرمى يوم النحر وحدها، وتكرر باقي الأيام، ووقع في رواية أبي الحسن:(سبع حصايات)، وصوابه (حصيات)؛ لأنه جمع حصاة، واليسار بفتح الياء وكسرها، وقام الإجماع على أن من رمى كل جمرة بسبع حصيات فقد أحسن، واختلفوا إذا رماها بأقل من سبع: فذكر الطبري عن عطاء: أنه إن رمى بخمس أجزأه، وعن مجاهد: إن رمى بست لا شيء عليه، وذكر ابن المنذر: احتج بحديث سعد بن أبي وقاص قال: رجعنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعضنا يقول: رميت بست، وبعضنا يقول: رميت بسبع، فلم يعب بعضهم على
(1)
برقم (1751) كتاب: الحج، باب: رمي الجمرتين.
(2)
برقم (1747).
بعض
(1)
، وبه قال أحمد وإسحاق، وعن طاوس إن رمى ستًّا يطعم تمرة
(2)
، أو لقمة، وذكر الطبري عن بعضهم، أنه لو ترك رمي جميعهن بعد أن يكبر عند كل جمرة سبع تكبيرات أجزأه ذلك، وقال: إنما جعل الرمي في ذلك بالحصى سببًا لحفظ التكبيرات السبع، وجعل عقد الأصابع بالتسبيح سببًا لحفظ العدد، وذكر عن يحيى بن سعيد أنه سئل عن الخرز والنوى يسبح به، قال: حسن قد كانت عائشة أم المؤمنين تقول: إنما الحصى جمار ليحفظ به التكبير، وقال الشافعي وأبو ثور: إن بقيت عليه حصاة فعليه مدٌّ من طعام، وفي حصاتين مدَّان، وإن بقيت عليه ثلاث فأكثر فعليه دم
(3)
.
(1)
رواه النسائي 5/ 275، وأحمد 1/ 168، وابن حزم في "حجة الوداع"(360)، والبيهقي 5/ 149 كتاب: الحج، باب: من شك في عدد ما رمى. من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن سعد بن أبي وقاص، به.
قلت: وهو حديث ضعيف لانقطاعه، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: مجاهد لم يدرك سعدًا، إنما يروي عن مصعب بن سعد، عن سعد، وقال: أبو زرعة: مجاهد، عن سعد مرسل. اهـ. "المراسيل" ص 205 - 206.
وقال ابن حزم: حديث سعد ليس مسندًا.
وقال ابن القطان: أشك في اتصال هذا الحديث، فإنه من رواية مجاهد، عن سعد بن أبي وقاص، ولا أعلم له سماعًا منه، وإنما أعلمه يروي عن عامر بن سعد، عن أبيه، وكان موت سعد سنة ثمان وخمسين، ومجاهد إذ ذاك من نحو ثمان وثلاثين سنة، فهو لا يبعد سماعه منه، ولكن لا أعلمه. اهـ. "بيان الوهم والإيهام" 2/ 559 - 560.
وقال ابن التركماني 5/ 149: قال الطحاوي في "أحكام القرآن": حديث منقطع، لا يثبت أهل الإسناد مثله.
(2)
ذكره ابن حزم في "المحلى" 7/ 134 بلفظه، ورواه ابن أبي شيبة 3/ 195 (13440) وفيه: يتصدق بشيء.
(3)
"الأم" 2/ 181.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: إن ترك أقل من نصف جميع (الجمرات)
(1)
(الثلاث فعليه في كل حصاة نصف صاع إلا أن يبلغ دما فيطعم ما شاء، ويجزئه
(2)
.
وإن كان ترك أكثر من نصف جميع الجمرات الثلاث)
(3)
فعليه دم
(4)
، وعليه إجماع الجميع على أن على تارك رمي الجمرات الثلاث في أيام الرمي حَتَّى تنقضي دمًا
(5)
، فلما كان ذَلِكَ إجماعًا كان الواجب أن يكون لترك رمي ما دون جميع الجمرات الثلاث بقسطه، وأن يكون ذَلِكَ مردود إلى القيمة إذ كان غير ممكن نسك بعض الدم فجعلوا ذَلِكَ طعامًا، وجعلوا ما يعطى كل مسكين من ذَلِكَ قوت يومه، وجعلوا تارك ما زاد على نصف جميع الجمرات الثلاث بمنزلة تارك الجمرات كلها، إذ كان الحكم عندهم للأغلب، مع أن ذَلِكَ إجماع من الجميع.
وقال الحكم وحماد: من نسي جمرة أو جمرتين أو حصاتين يهريق دمًا، وقال عطاء: من نسي شيئًا من رمي الجمار فذكر ليلًا أو نهارًا يلتزم ما نسى ولا شيء عليه، وإن مضت أيام التشريق فعليه دم
(6)
، وهو قول الأوزاعي
(7)
، وقال مالك: إن نسي حصاة من الجمرة حَتَّى ذهبت أيام
(1)
في (ج): التكبيرات.
(2)
انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 138 - 139.
(3)
ساقطة من (ج).
(4)
جاء في هامش الأصل: وكذا إذا ترك رمي يوم غير يوم النحر، أو ترك رمي يوم النحر أو أكثره، كما لو ترك الرمي كله، والله أعلم.
(5)
انظر: "الاستذكار" 13/ 223، "التمهيد" 17/ 255.
(6)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 194 (13437) كتاب الحج، باب: في الرحل ينسى أن يرمي جمرة أو جمرتين.
(7)
انظر: "المجموع" 8/ 270، "المغني" 5/ 380.
الرمي ذبح شاة، وإن نسي جمرة تامة ذبح بقرة
(1)
.
قال الطبري: والصواب عندنا: أن رمي الجمرة بسبع، ورمي أيام التشريق كل جمرة بسبع من مناسك الحج الذي لا يجوز تضييعها لنقل الأمة جميعًا وراثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رميهن كذلك مما علم أمته، وقد جعل الله بيان مناسكه إلى رسوله، فعلم بذلك أنه من الفروض التي لا يجوز تضييعها، وعلم أن من ترك شيئًا مما علمهم حَتَّى فات وقته فعليه الفدية، كما نص عليه في الحلق وجزاء الصيد، فمن ضيع الجمرات حَتَّى انقضت أيام التشريق فعليه شاة، وكذا بعضها كما في
تارك بعض طواف الإفاضة، فإن حكمه كتارك كله.
واختلفوا فيمن رمى سبع حصيات في مرة واحدة، فقال مالك والشافعي: لا يجزئه إلا عن حصاة واحدة، ويرمي بعدها ستًا، وقال عطاء: يجزئه عن السبع، وهو قول أبي حنيفة، كما في سياط الحد سوطًا سوطًا أو مجتمعة، إذا علم وصول الكل إلى بَدَنِهِ
(2)
، حجة الأول: أن الشارع رمى بحصاة حصاة وقال: "خذوا عني مناسككم"
(3)
.
وأما فقه الباب الثاني: فإذا جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه فهو مستقبل للجمرة بوجهه، وذلك السنة، وأما جمرة العقبة فيرميها من بطن
الوادي.
(1)
"المدونة" 1/ 324.
(2)
انظر: "تبيين الحقائق" 2/ 30، "المدونة" 1/ 325، "الأم" 2/ 181، "المجموع" 8/ 176، "المغني" 5/ 296 - 297.
(3)
رواه مسلم (1297) وأبو داود (1970)، والنسائي 5/ 270 بلفظ:"لتأخذوا مناسككم". ورواه بهذا اللفظ الطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 54، أبو نعيم في "مستخرجه على مسلم" 3/ 378، البيهقي في "الكبرى" 5/ 125.
فرع:
الأصح عندنا أنه لا يرميها على هيئة الحذف خلافًا لما في الرافعي، نعم السنة أن تكون قدر حصى الحذف للاتباع قولًا وفعلًا، وهو دون الأنملة طولًا وعرضًا في قدر الباقلاء.
فرع:
قد أسلفنا أنه يأخذ حصى جمرة العقبة من المزدلفة، وأما حصى أيام التشريق فمن منى، لكن يكره من الحش؛ لنجاسته، ومن المسجد؛ لأنه فرشه، ومما رمي به؛ لأنه غير مقبول.
138 - باب يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ
قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
1750 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ الحَجَّاجَ يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: السُّورَةُ التِي يُذْكَرُ فِيهَا البَقَرَةُ، وَالسُّورَةُ التِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ، وَالسُّورَةُ التِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ. قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه حِينَ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ، فَاسْتَبْطَنَ الوَادِيَ، حَتَّى إِذَا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا، فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ هَا هُنَا وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ قَامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1747 - مسلم: 1296 - فتح: 3/ 581]
وعن الأَعْمَشُ
(1)
: سَمِعْتُ الَحجَّاجَ يَقُولُ عَلَى الِمنْبَرِ: السُّورَةُ التِي يُذْكَرُ فِيهَا البَقَرَةُ، وَالسُّورَةُ التِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ، وَالسُّورَةُ التِي يُذكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ. قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أنة كَانَ مَعَ ابن مَسْعُودٍ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ، فَاسْتَبْطَنَ الوَادِيَ، حَتَّى إِذَا حَاذى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا، فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتِ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةِ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ ها هنا -وَالَّذِي لَا إله غَيْرُهُ- قَامَ الذِي أنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ.
حديث ابن عمر يأتي مسندًا بعد
(2)
، وحديث ابن مسعود تكرر
(3)
، وفي مسلم:"ألفوا القرآن كما ألفه جبريل السورة التي يذكر فيها" الحديث
(4)
، ومراده النظم لا توالي السور. فإن جماعة من المحققين خالفوا فيه وقالوا: هو اجتهاد من الأئمة وليس بتوقيف.
(1)
فوقها في الأصل: (مسند متصل).
(2)
برقمي (1751 - 1752).
(3)
سلف برقم (1747) كتاب: الحج، باب: رمي الجمار من بطن الوادي.
(4)
مسلم (1296) كتاب: الحج، باب: رمي جمرة العقبة من بطن الوادي.
وفقهه: سنة التكبير مع كل حصاة اقتداء بالشارع، وعمل به الأئمة بعده، روي ذَلِكَ عن ابن مسعود، وابن عمر
(1)
، وهو قول مالك، والشافعي
(2)
، وكان علي يقول كلما رمى حصاة: اللهم اهدني بالهدى، وقني بالتقوى، واجعل الآخرة خيرًا لي من الأولى
(3)
.
وكان ابن مسعود، وابن عمر يقولان عند ذَلِكَ: اللهم اجعله حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكور
(4)
.
وأجمعوا أنه إن لم يكبر فلا شيء عليه، فإن سبح قال ابن القاسم: لا شيء عليه
(5)
.
ومعنى: (استبطن الوادي): وقف في وسطه، وهو الموضع المنحدر من العقبة، والموضع المرتفع الذي يقابلها.
ومعنى (اعترضها): أتاها من عرضها، نبه عليه الداودي.
(1)
سيأتيا برقمي (1751، 1752).
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 324، "البيان" 4/ 332.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 318 - 319 (14701) كتاب: المناسك، من كان يأمر بتعليم المناسك، مطولًا، لكنه عن ابن عمر.
(4)
رواه عن ابن مسعود: أحمد 1/ 427، وابن أبي شيبة 3/ 250 (14013)، 6/ 84 - 85 (29641) كتاب: الدعاء، ما يدعو به إذ رمى الجمرة، وأبو يعلى 9/ 115 (5185)، والبيهقي 5/ 129 كتاب: الحج، باب: رمي الجمرة من بطن الوادي وكيفية الوقوف للرمي. وانظر: "الضعيفة"(1107).
والحديث أصله سلف (1747 - 1750)، ورواه مسلم (1296) دون ذكر الدعاء.
ورواه عن ابن عمر: ابن أبي شيبة 3/ 250 (14014)، 6/ 85 (29642)، والطبراني في "الدعاء" 2/ 1209 (881)، والبيهقي 5/ 129. وانظر:"الضعيفة"(1107).
(5)
انظر: "الاستذكار" 13/ 213. وانظر: قول ابن القاسم في "المنتقى" 3/ 46.
139 - باب مَنْ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ وَلَمْ يَقِفْ
قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث يأتي بعد مسندًا
(1)
، وهذِه الجمرة هي الثالثة التي تلي مسجد الخيف والوسطى، فإنه يقف عندها، كما سيأتي على الأثر.
(1)
في الباب التالي برقم (1751).
140 - باب إِذَا رَمَى الجَمْرَتَيْنِ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ وَيُسْهِلُ
1751 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ فَيَقُومَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، فَيَقُومُ طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْمِى جَمْرَةَ ذَاتِ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ. [1752، 1753 - فتح: 3/ 582]
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، ثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الَجمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يقعد ثم يُسْهِلَ فَيَقومَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، فَيَقُومُ طَوِيلًا، وَيدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيَسْتَهِلُ، وَيقُومُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، فَيَقُومُ طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيقُومُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ.
هذا الحديث من أفراده وقد ذكره هنا، وفي البابين بعده
(1)
، وطلحة
(2)
هذا وثقه ابن معين وغيره، وقال أحمد وغيره: مقارب الحديث
(3)
،
(1)
(1752 - 1753).
(2)
في هامش الأصل: وهو طلحة بن يحيى بن النعمان بن أبي عياش الزرقي.
(3)
هو طلحة بن يحيى بن النعمان بن أبي عياش الأنصاري المدني.
قال أبو داود: لا بأس به، وقال يعقوب بن شيبة: شيخ ضعيف جدًّا، ومنهم من لا يكتب حديثه لضعفه، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال الحافظ في "التقريب" (3037): صدوق يهم. وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 328، "التاريخ الكبير" 4/ 350 (3100)، "تهذيب الكمال" 13/ 444 (2985).
وليس لطلحة في كتابه غيره كما قاله ابن طاهر، وقد اختلف فيه على يونس، كما ذكره البخاري بعد، واعتمد على رواية طلحة بن يحيى، ولأجل هذا الاختلاف لم يخرجه مسلم، وقد أخرج لطلحة هذا في "صحيحه" حديثين عن يونس بن يزيد
(1)
.
وقد أسلفنا أنه يرمي أيام التشريق إلى الجمرات الثلاث: الأولى التي تلي مسجد الخيف وهي الدنيا، والوسطى عند العقبة الأولى بقرب مسجد منى أيضًا، يقف عندها طويلًا، وجمرة العقبة، ولا يقف عندها كما سلف.
وروى الثوري، عن عاصم الأحول، عن أبي مجلز قال: كان ابن عمر يشبر ظله ثلاثة أشبار ثم يرمي، وقام عند الجمرتين قدر سورة يوسف
(2)
. وقال عطاء: كان ابن عمر يقف عندها بمقدار ما يقرأ سورة البقرة
(3)
.
قال ابن المنذر: ولعله قد وقف مرتين كما قال أبو مجلز، وكما قال عطاء، ولا يكون اختلافًا، وكان ابن عباس يقف بقدر قراءة سورة من المائتين
(4)
ولا توقيف في ذَلِكَ عند العلماء إلا الثوري؛ فإنه استحب أن يطعم شيئًا أو يهريق دمًا.
(1)
الحديث الأول رواه مسلم برقم (2094/ 62) كتاب: اللباس والزينة، باب: في خاتم الورق فصه حبشي. والثاني رواه برقم (2349/ 115) كتاب: الفضائل.
(2)
رواه الفاكهي في "أخبار مكة" 4/ 301 - 302 (2675) من طريق سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، به.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 282 (14340 - 14341)، والأزرقي 2/ 179، والفاكهي 4/ 302 (2676).
(4)
رواه الفاكهي 4/ 300 (2670).
وقوله: (ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ) هو بضم الياء، يُقال: أسهل: إذا نزل من السهل من بطن الوادي بعد أن يكون في الجبل.
وقوله: (فَيَقُومَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلًا وَيَدْعُو) اختلف في مقدار ما يقف عند الجمرة الأولى، فكان ابن مسعود يقف عندها قدر قراءة سورة البقرة مرتين، وعن ابن عمر: كان يقف قدر سورة البقرة عند الجمرتين
(1)
، كما أسلفناه عنه، قال ابن القاسم وسالم: إذا قرأها الرجل السريع، وهو مفسر لما في البخاري من الطول.
وقوله: (وَيَدْعُو وَيرْفَعُ يَدَيْهِ) سيأتي في بابه.
(1)
تقدم قريبًا.
141 - باب رَفْعِ اليَدَيْنِ عِنْدَ جَمْرَةِ الدُّنْيَا وَالوُسْطَى
1752 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا، فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الجَمْرَةَ الوُسْطَى كَذَلِكَ، فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا، فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الجَمْرَةَ ذَاتَ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ. [انظر: 1751 - فتح: 3/ 583]
ذكر فيه حديث ابن عمر المذكور قبله بطوله
(1)
، وأخرجه عن إسماعيل بن عبد الله: حَدَّثَني أخي، عن سليمان، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر: كان يرمي الجمرة الدنيا، إلى آخره.
فيه: أن السنة أن يرفع يديه في الدعاء عند الجمرتين؛ لأنها من مواضع الدعاء، قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدًا أنكر ذَلِكَ عن مالك، قال ابن القاسم: حكي عنه أنه لم يكن يعرف رفع اليدين هنالك
(2)
، قال ابن المنذر: واتباع السنة أفضل، وقيل: يرفع، حكاه ابن التين، وابن الحاجب
(3)
.
(1)
سلف برقم (1751) كتاب: الحج، باب: إذا رمي الجمرتين.
(2)
"المدونة" 1/ 71.
(3)
"مختصر ابن الحاجب" ص 106.
142 - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الجَمْرَتَيْنِ
1753 -
وَقَالَ مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَمَى الجَمْرَةَ التِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا فَوَقَفَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، وَكَانَ يُطِيلُ الوُقُوفَ، ثُمَّ يَأْتِي الجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ اليَسَارِ مِمَّا يَلِي الوَادِيَ، فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، ثُمَّ يَأْتِي الجَمْرَةَ التِي عِنْدَ العَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ مِثْلَ هَذَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. [انظر: 1751 - فتح: 3/ 584]
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَمَى الجَمرَةَ التِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا فَوَقَفَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيِه يَدْعو، وَكَانَ يُطِيل الوُقوفَ، ثُمَّ يَأتِي الجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ اليَسَارِ مِمَّا يَلِي الوَادِيَ، فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيِه يَدْعُو، ثُمَّ يَأْتِي الجَمْرَةَ التِي عِنْدَ العَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثمَّ يَنْصَرِفُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا. قَالَ الزّهْرِيُّ: سَمِعْتُ سَالمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّث بمِثْلِ هذا، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ ابن عُمَرَ (يَفْعَلُهُ)
(1)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: في هذا الحديث فائدة:
وهي ما إذا قدم الراوي الحديث على السند أيقدم بعض الإسناد مع المتن على بقية السند، كما وقع هنا؟ هذا إسناد متصل لا يمنع الحكم باتصاله، ولا يمنع ذلك من روى كذلك أعني [
…
] من شيخه كذلك أن يبتدئ بالإسناد جميعه أولًا ثم يذكر المتن، كما جوزه بعض المتقدمين، قال ابن الصلاح: وينبغي أن يكون فيه خلاف، نحو الخلاف في تقدم بعض المتن على بعض، وقد حكى الخطيب النفي من جرى على القول بأن الرواية بالمعنى لا تجوز، والجواز على القول بأن =
هذا الحديث سلف قريبًا بفقهه
(1)
، وقد أسلفنا الخلاف عن مالك في رفع اليدين، وضعفه مالك في جميع المشاعر والاستسقاء، وقد رُئي رافعًا يديه في الاستسقاء وقد جعل بطونهما إلى الأرض وقال:
إن كان الرفع فهكذا
(2)
، والدعاء عند الجمرتين من المواضع التي يستجاب فيها الدعاء، وهي خمسة عشر موضعًا يستجاب فيها الدعاء، ذكرها الحسن البصري في رسالته.
ومحمد شيخ البخاري اختلف فيه، فقال ابن السكن: ابن بشار وروى البخاري في الأطعمة، عن محمد بن مثنى، عن عثمان بن عمر.
وذكر أبو نصر أن البخاري حدث في "جامعه" عن محمد بن مثنى، وابن بشار، عن عثمان، وروى أيضًا عن محمد بن عبد الله هو الذهلي
(3)
، عن عثمان
(4)
. ورواه الإسماعيلي عن محمد بن مثنى،
والبيهقي عن محمد بن إسحاق الصغاني، ثَنَا عثمان
(5)
.
= الرواية على المعنى تجوز، ولا فرق بينهما في ذلك، ففيما فعله البخاري دليل على الجواز.
(1)
برقم (1751) كتاب: الحج، باب: إذا رمى الجمرتين.
(2)
انظر: "المدونة الكبرى" 1/ 71، وقد وردت هيئة الرفع هذِه في حديث رواه مسلم (896) عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى؛ فأشار بظهر كفيه إلى السماء.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: نسبه لجده، وهو: محمد بن يحيى بن عبد الله.
(4)
سيأتي برقم (6722) وانظر: "تقييد المهمل" 3/ 1032 - 1033.
(5)
"سنن البيهقي" 5/ 148 (9662) كتاب: الحج، باب: الرجوع إلى منى أيام التشريق.
143 - باب الطِّيبِ بَعْدَ رَمْيِ الجِمَارِ وَالحَلْقِ قَبْلَ الإِفَاضَةِ
1754 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القَاسِمِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ -وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ- يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ. وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا. [انظر: 1539 - مسلم: 1189 - فتح: 3/ 584]
حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القَاسِمِ، -وكان أفضل أهل زمانه- أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ -وَكَانَ أَفْضَلَ أَهلِ زَمَانِهِ- يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُول: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ، وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا.
هذا الحديث سلف في باب: الطيب عند الإحرام
(1)
، والقاسم هذا هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أحد الفقهاء السبعة، قال عمر بن عبد العزيز: لو لم يجعل سليمان الأمر إلى يزيد بعدي لندبتها في عنق القاسم بن محمد
(2)
، يعني: الخلافة.
وقوله: (وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ) في كل منهما، وفي الأطراف أن كلًّا من علي بن المديني وعبد الرحمن بن القاسم يقول ذَلِكَ.
وقولها: (ولحله حين أحل) حمله مالك على ما بعد رمي جمرة العقبة، ورآه من خواصه؛ لأنه كان يخاطب الملك، وحمله غيره على طيب لا رائحة له، ومنهم من ادعى نسخه، وكله بعيد، وقد أسلفنا
(1)
سلف برقم (1539).
(2)
رواه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" 1/ 547.
خلاف العلماء فيه هناك، وبوب عليه البخاري: والحلق قبل الإفاضة؛ وذلك لقولها: (ولحله حين أحل) والحل هو الحلق.
قال ابن المنذر: اختلف العلماء فيما أبيح للحاج بعد رمي جمرة العقبة قبل الطواف بالبيت، فروي عن ابن عباس، وابن الزبير، وعائشة أنه يحل له كل شيء إلا النساء
(1)
، وهو قول سالم، وطاوس، والنخعي، وإليه ذهب أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، واحتجوا بحديث عائشة في إباحة الطيب لمن رمى جمرة العقبة قبل طواف الإفاضة، قالوا: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة على من خالفها.
قال ابن المنذر: وقولها: (وَلِحِلِّهِ) يدل على أنه حلال من كل شيء إلا النساء الذي دل على المنع منه الخبر والإجماع.
وروى عمر وابنه أنه يحل له كل شيء إلا النساء والطيب
(2)
. وقال مالك: يحل له كل شيء إلا النساء والصيد، وفي "المدونة": أكره لمن رمى جمرة العقبة أن يتطيب حَتَّى يفيض، فإن فعل فلا شيء عليه لما جاء فيه، فعلى هذا القول الصحيح من مذهب مالك أنه يحل له كل شيء إلا النساء والصيد، واحتج لمالك في تحريم الصيد على من لم يفض بقوله تعالى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وليس له إذا أُحِلَّ
(1)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 230 (13802، 13804 - 13805، 13813) كتاب: الحج، في الرجل إذا رمى الجمرة ما يحل له، والدارقطني 2/ 276 (2650) كتاب: الحج، باب: المواقيت.
(2)
رواه عن عمر: البيهقي 5/ 135.
ورواه عن ابنه: ابن أبي شيبة 3/ 230 (1380 - 1389)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 460 (4166).
له الحلق أن يخرج عن كونه محرمًا؛ لأن الحلق والطيب واللباس قد أبيح على وجه، ولم يخرج بذلك عن كونه محرمًا؛ لذلك يحل له بعد الرمي أشياء، ويبقى عليه تحريم أشياء وهو محرم، وقوله تعالى:{وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2] يقتضي الحال التام، وأن لا يبقى شيء من الإحرام بعد الإحلال المطلق، ومن بقيت عليه الإفاضة فلم يحل الإحلال التام، ومثله قوله تعالى:{وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4] فلو وضعت واحدًا وبقي آخر لم يكن قد وضعت الوضع التام؛ لأن الرجهة قبل وضعها الثاني تصح.
واحتج الطحاوي لأصحابه بحديث عائشة مرفوعًا: "إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء"
(1)
فيه الحجاج بن أرطأة
(2)
، وبحديث الحسن العرني، عن ابن عباس -ولم
(1)
رواه أحمد 6/ 143، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" 2/ 431 (995)، والحارث بن أبي اسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث"(377)، وابن خزيمة 4/ 302 (2937)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 228، والدارقطني 2/ 276، والبيهقي 5/ 136 من طريق الحجاج بن أرطاة، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة، مرفوعًا به.
(2)
ورواه إسحاق 2/ 432 (997)، والدارقطني 2/ 276 من طريق الحجاج، عن أبي بكر بن عبد الله بن ابي الجهم عن عمرة عن عائشة مرفوعًا بلفظ:"إذا رمى وحلق وذبح فقد حل له كل شيء إلا النساء". قال البيهقي: ورواه محمد بن أبي بكر عن يزيد بن هارون فزاد فيه: "وذبحتم فقد حل لكم .. " الحديث.
وهذا من تخليطات الحجاج وإنما الحديث الحديث عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا كما رواه سائر الناس عن عائشة رضي الله عنهما، وقال الحافظ في "التلخيص" 1/ 260: مداره على الحجاج وهو ضعيف ومدلس. اهـ.
وقال الألباني في "الإرواء"(1046): ضعيف بزيادة: "وحلقتم"، وانظر:"الضعيفة"(1013). =
يسمع منه
(1)
قال: إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء، فقال له رجل: والطيب؟ فقال: أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمح رأسه بالمسك، أفطيب هو
(2)
؟!
وروى أفلح بن حميد، عن أبي بكر بن حزم قال: دعانا سليمان بن عبد الملك يوم النحر، أرسل إلى عمر بن عبد العزيز، والقاسم، وسالم، وخارجة بن زيد، وعبد الله بن عبد الله بن عمر، وابن شهاب
= والحديث رواه أيضًا أبو داود (1978) كتاب: المناسك، باب: في رمي الجمار. من طريق الحجاج عن الزهري عن عمرة عن عائشة مرفوعًا: "إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء".
قال أبو داود: هذا حديث ضعيف؛ الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه اهـ، وقال المنذري: الحجاج هذا قد ذكر غير واحد من الحفاظ أنه لا يحتج بحديثه، وذكر عباد بن العوام وابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة: أن الحجاج لم يسمع من الزهري شيئًا، وذكر عن الحجاج نفسه أنه لم يسمع شيئًا. اهـ. "مختصر سنن أبي داود" 2/ 418.
(1)
في هامش الأصل: كذا قاله أحد بن حنبل، نقله عنه العلائي في "المراسيل".
(2)
رواه النسائي 5/ 277، وابن ماجه (3041) كتاب: المناسك، باب: ما يحل للرجل إذا رمى جمرة العقبة، وأحمد 1/ 234، 344، 369، والطحاوي 2/ 229، والطبراني 12/ 140 (12705)، من طريق الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني، عن ابن عباس به.
والحديث منقطع؛ لأن الحسن لم يسمع من ابن عباس كما ذكر المصنف.
وقال في "البدر المنير" 6/ 265: إسناده حسن كما قاله المنذر وغيره، إلا أن يحيى بن معين وغيره قالوا: يقال: إن الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس، نعم في "مسند أحمد" قال: ذُكر عند ابن عباس: يقطع .. وذكر الحديث بطوله، وظاهر هذا سماعه من اهـ بتصرف.
وصححه الألباني في "الصحيحة"(239).
انظر: "شرح معاني الآثار" 2/ 228 - 229 كتاب: المناسك الحج، باب: اللباس والطيب.
فسألهم عن الطيب في هذا اليوم قبل الإفاضة، فقالوا: تطيب يا أمير المؤمنين
(1)
.
قال ابن المنذر: واختلفوا فيمن جامع بعد رمي الجمرة قبل الإفاضة، فروي عن عمر أن عليه حج قابل
(2)
، وعن الحسن، والنخعي، والزهري مثله، وقال النخعي، والزهري: وعليه الهدي مع حج قابل
(3)
وقال ربيعة ومالك: يعتمر من التنعيم ويهدي، وقال أحمد، وإسحاق: يعتمر من التنعيم، وقال ابن عباس: عليه بدنة وحجه تام
(4)
، وعن عطاء، والشعبي مثله
(5)
، وهو قول الكوفيين والشافعي وأبي ثور
(6)
.
(1)
رواه الطحاوي 2/ 232.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 343 (14932).
(3)
رواه عن النخعي: ابن أبي شيبة 3/ 343 (14931).
(4)
رواه البيهقي 5/ 171.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 343 (14930، 14933).
(6)
انظر: "المغني" 5/ 307 - 309.
144 - باب طَوَافِ الوَدَاعِ
1755 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابن طَاوُسِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الَحائِضِ. [انظر: 329 - مسلم: 1328 - فتح: 3/ 585]
1756 -
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الفَرَجِ، أَخبَرَنَا ابن وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الَحارِثِ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مالك رضي الله عنه حَدُّثَهُ أَنَّ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، وَالَمْغْرِبَ
وَالعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالمْحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ.
تَابَعَهُ اللَّيثُ، حَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنْ سَعِيدِ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [1764 - فتح: 3/ 585]
ذكر فيه حديث ابن عباس: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ، إِلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ.
وحديث ابن وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسا حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ.
تَابَعَهُ اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
حديث ابن عباس أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وحديث أنس من أفراده.
قال الإسماعيلي: تكلم أحمد في حديث عمرو، عن قتادة؛ ولأجل ذَلِكَ
(1)
مسلم (1328) كتاب: الحج، باب: وجوب طواف الوداع، وسقوطه عن الحائض.
أتى البخاري بالمتابعة، وسعيد: هو ابن أبي هلال، وطواف الوداع لكل حاج ومعتمر غير المكي من شعار الحج. قال مالك: وإنما أمر الناس أن يكون آخر نسكهم الطواف بالبيت؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ} [الحج: 32]، وقال:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ} [الحج: 33] فمحل الشعائر كلها وانقضاؤها بالبيت العتيق، قال: ومن أخَّر طواف الإفاضة إلى أيام منى فإن له سعة أن يصدر إلى بلده، وإن لم يطف بالبيت إذا أفاض.
واختلفوا فيمن خرج ولم يطف للوداع على قولين في وجوبه قال مالك: إن كان قريبًا رجع فطاف، وإن لم يرجع فلا شيء عليه، وقال عطاء، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي -في أظهر قوليه- وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: إن كان قريبًا رجع فطاف، وإن تباعد مضى وأهراق دمًا
(1)
. وأغرب ابن التين فحكى عن بعض الشافعية، وبعض الحنفية وجوبه، ومشهور قولي الشافعي هو الوجوب؛ حجتهم قول ابن عباس: من نسي من نسكه شيئًا فليهرق دمًا
(2)
، والطواف نسك؛ وحجة مالك أنه طواف يسقط على المكي والحائض، فليس من السنن اللازمة والذمة بريئة بيقين، وسيأتي شيء من هذا المعنى في الباب بعد.
واختلفوا في حد القرب، فروي أن عمر رد رجلًا من مر الظهران لم يكن ودع
(3)
، وبين مر الظهران ومكة ستة عشر ميلًا، وهذا بعيد عند
(1)
انظر: "المغني" 5/ 338.
(2)
رواه مالك في "الموطأ" ص 270 من رواية يحيى كتاب: الحج باب: من نسي من نسكه شيئًا، والدارقطني في "السنن" 2/ 244 (2503).
(3)
رواه مالك ص 242.
مالك، ولا يرد أحدٌ من مثل هذا الموضع. وعند أبي حنيفة: يرجع ما لم يبلغ المواقيت. وعند الشافعي: يرجع من مسافة لا تقصر فيها الصلاة. وعند الثوري: يرجع ما لم يخرج من الحرم
(1)
.
واختلفوا فيمن ودع ثم بدا له في شراء حوائجه فقال عطاء: يعيد، يعني: يكون آخر عمله الطواف بالبيت، وبنحوه قال الثوري والشافعي وأحمد وأبو ثور، وقال مالك: لا بأس أن يشتري بعض حوائجه وطعامه من السوق، ولا شيء عليه. وإن أقام يومًا أو نحوه عاد، وقال أبو حنيفة: لو ودع وأقام شهرًا أو أكثر أجزأه، ولا إعادة عليه
(2)
. وهذا خلاف حديث ابن عباس في الباب، وقال ابن التين: دليلنا حديث صفية، قلت: تلك معذورة، قال: ولعله تعلق في ذَلِكَ بقول زيد: إنها لا تنفر إذا حاضت
(3)
.
(1)
انظر: "المغني" ص 338 - 339.
(2)
انظر: "المغني" 5/ 337 - 338.
(3)
"الموطأ" رواية محمد بن الحسن 2/ 333.
145 - باب إِذَا حَاضَتِ المَرْأَةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ
1757 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَى -زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- حَاضَتْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ ". قَالُوا: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ. قَالَ: "فَلَا إِذًا". [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 3/ 586]
1758 -
1759 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ أَهْلَ المَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ، قَالَ لَهُمْ: تَنْفِرُ. قَالُوا: لَا نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ وَنَدَعَ قَوْلَ زَيْدٍ. قَالَ: إِذَا قَدِمْتُمُ المَدِينَةَ فَسَلُوا. فَقَدِمُوا المَدِينَةَ فَسَأَلُوا، فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُلَيْمٍ، فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ. رَوَاهُ خَالِدٌ وَقَتَادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ. [انظر: 329 - فتح: 3/ 586]
1760 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا أَفَاضَتْ. [انظر: 329 - مسلم: 1328 - فتح: 3/ 586]
1761 -
قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّهَا لَا تَنْفِرُ. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لَهُنَّ. [انظر: 330 - فتح: 3/ 586]
1762 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا نُرَى إِلاَّ الحَجَّ، فَقَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ وَكَانَ مَعَهُ الهَدْيُ، فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَحَلَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الهَدْيُ، فَحَاضَتْ هِيَ، فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ -لَيْلَةُ النَّفْرِ- قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، كُلُّ أَصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ غَيْرِي. قَالَ:"مَا كُنْتِ تَطُوفِي بِالبَيْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا؟ ". قُلْتُ: لَا. قَالَ: "فَاخْرُجِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ، وَمَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا". فَخَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ،
وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"عَقْرَى حَلْقَى، إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ ". قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: "فَلَا بَأْسَ، انْفِرِي". فَلَقِيتُهُ مُصْعِدًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ -أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ- وَهُوَ مُنْهَبِطٌ. وَقَالَ مُسَدَّدٌ: قُلْتُ: لَا. تَابَعَهُ جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلِهِ: لَا. [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 3/ 586]
ذكر فيه حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ، فذُكر ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَحَابِسَتُنَا؟ " .. الحديث. وقد سلف.
وعَنْ أَيُّوبَ
(1)
، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَن أَهْلَ المَدِينَةِ سَألُوا ابن عَبَّاسٍ عَنِ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ، قَالَ لَهُمْ: تَنْفِرُ. قَالُوا: لَا نَأْخُذُ بقَوْلِكَ وَنَدَعَ قَوْلَ زَيْدٍ. قَالَ: إِذَا قَدِمْتُمُ المَدِينَةَ فَسَلُوا. فَقَدِمُوا المَدِينَةَ فَسَألُوا، فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُلَيْمٍ، فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ. رَوَاهُ خَالِدٌ وَقَتَادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ.
ثم ساق من حديث ابن طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا أَفَاضَتْ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ ابن عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّهَا لَا تَنْفِرُ. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أرَخَصَ لَهُنَّ.
ثم ذكر حديث الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَا نُرى إِلَّا الحَجَّ،
…
وذكر الحديث. فَحَاضَتْ هِيَ، فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الحَصْبَةِ -لَيْلَةُ النَّفْرِ- قلت: يَا رَسُولَ اللهِ، كُلُّ أَصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ غَيْرِي. قَالَ:"مَا كُنْتِ تَطُوفِتِ بِالبَيْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا؟ ". قُلْتُ: بلى. وَقَالَ مُسَدَّدٌ: لَا. وتَابَعَهُ جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ
(1)
فوقها في الأصل: مسند.
فِي قَوْلِهِ: لَا. قال: "فَاخْرُجِي مَعَ أَخِيِك إِلَى التَّنْعِيم" فَأهلك بعمرة، وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"عَقْرى حَلْقَى، أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ ". قالت: بَلَى. قَالَ: "فَلَا بَأْسَ، انْفرِي".
الشرح:
حديث عائشة الأول سلف كما قدمناه
(1)
، وحديث عكرمة من أفراد البخاري، وكذا قول طاوس، عن ابن عباس، وحديث عائشة أخرجه مسلم
(2)
، والصواب في حديث عائشة، كما قال ابن بطال رواية مسدد، وجرير، عن منصور، وقد بان ذلك في حديث أبي معاوية أنها قالت: فخضت قبل أن أدخل مكة، وقال فليح: فلما كنا بسرف حضت. فقال عليه السلام: "افعلي" .. الحديث، فقدمت مكة وأنا حائض، فلما قدمنا منى طهرت، فذكر ان عائشة لم تكن متمتعة، لأنها لم تطف بالبيت حين قدمت مكة كما طاف من فسخ حجه في عمرة
(3)
من أجل حيضها، ولذلك قالت:(كل أصحابك يرجع بحج وعمرة غيري)، فاعتمرت من التنعيم، ودل أيضًا أنها لم تكن قارنة، ولو كانت قارنة لم تأسف على فوات العمرة، ولا قالت ما قالت
(4)
. فثبت أنها مفردة، ومعنى هذا الباب أن طواف الوداع ساقط عن الحائض؛ لأنه عليه السلام لما أخبر عن صفيه أنها حاضت قال:"أحابستنا هي؟ " فلما أخبر أنها قد أفاضت قبل أن تحيض قال: "فلا إذًا" وهو قول عوام أهل العلم، وخالف ذلك طائفة فقالوا: لا يحل لأحد أن ينفر حتَّى
(1)
برقم (294) كتاب: الحيض، باب: الأمر بالنفساء إذا نفسن.
(2)
مسلم (1211) كتاب: الحج، باب: إحرام النفساء واستحباب اغتسالها للإحرام.
(3)
في (ج): عمرته.
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 427 بتصرف.
يطوف طواف الوداع، ولم يعذروا في ذَلِكَ حائضًا لحيضها، ذكره الطحاوي
(1)
.
قال ابن المنذر: وروي ذَلِكَ عن عمر، وابنه، وزيد بن ثابت قال: فأما بن ثابت وابن عمر فقد روينا عنهما الرجوع. وقول عمر يرده الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمرها أن تنفر بعد الإفاضة، ومن هذا الحديث قال مالك: لاشيء على من ترك طواف الوداع حَتَّى يرجع إلى بلاده؛ لسقوطه عن الحائض.
وفيه: رد قول عطاء والكوفيين والشافعي ومن وافقه: ان من لم يودع البيت فعليه دم، فقولهم خلاف (حديث)
(2)
صفية.
قلت: لا فحديث صفية رخصة للحائض لا يتعداها لغير المعذور، والنفساء في هذا كالحائض، والظاهر أن المعذور كالخائف من ظالم، أو فوت رفقة، أو معسر، ونحو ذَلِكَ كذلك.
وفي قوله: ("أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ ") دليل على أن طواف الإفاضة يحبس الحائض بمكة لا تبرح حَتَّى تطوف بلا إفاضة؛ لأنه الركن فيه. وعلى هذا أئمة أهل العلم، قال مالك: إذا حاضت المرأة بمنى قبل أن تفيض حبس عليها كَريُّها أكثر ما يحبس النساء الدم
(3)
.
قال ابن عبد الحكم: ويحبس على النفساء أقصى ما تحبس النساء الدم في النفاس، ولا حجة للكَرِيِّ أن يقول: لم أعلم أنها حامل.
قال مالك: وليس عليها أن تعينه في العلف.
(1)
"شرح معاني الآثار" 3/ 232.
(2)
في (ج): قول.
(3)
"الموطأ" ص 267 باب: إفاضة الحائض.
وقال ابن المواز: كنت أعرف حبس الكري حيث يحبس وحده يعرض لقطع الطريق.
وقال الشافعي: ليس على حمالها أن يحبس عليها، ويقال لها: احملي مكانك مثلك.
وقوله: ("عَقْرى حَلْقَى").
فيه: توبيخ الرجل أهله على ما يدخل على الناس بسببها، كما وبخ الصديق عائشة في قصة العقد
(1)
.
(1)
سلف برقم (334) كتاب: التيمم، رواه مسلم (367) كتاب: الحيض، باب: التيمم.
146 - باب مَنْ صَلَّى العَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالأَبْطَحِ
1763 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى. قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى العَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالأَبْطَحِ، افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ. [انظر: 1635 - مسلم: 1309 - فتح: 3/ 590]
1764 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ المُتَعَالِ بْنُ طَالِبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، أَنَّ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه حَدَّثَهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ، وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ. [انظر: 1756 - فتح: 3/ 590]
ذكر فيه حديث عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى. قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى العَصْرَ يَوْمَ النفْرِ؟ قَالَ: بِالأَبْطَحِ، افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ.
وحديث قتادة عَنْ أَنَسِ حَدَّثَهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ، وَرَقَدَ رَقْدَةَ بِالمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ.
الشرح:
حديث عبد العزيز، عن أنس أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وحديث أنس من أفراده: إذا فرغ من رميه من منى نزل بالأبطح. قال ابن القاسم: ولا يصلي الظهر بمنى، والأبطح جنب المقبرة، ثم يدخل مكة ليلًا
(1)
مسلم (1309) كتاب: الحج، باب: استحباب طواف الإفاضة يوم النحر.
لطواف الوداع اقتداء بالشارع، وبفعل الأئمة بعده كذلك، ومن يقتدي به، وربما قال مالك: ذَلِكَ واسع لغيرهم، وكان عمر وعثمان والصديق قبلهما ينزلون به
(1)
، وكذا الخلفاء، وهو مستحب عند العلماء، إلا أنه عند الحجازيين آكد منه عند الكوفيين، وكلهم مجمعون أنه ليس من المناسك، وهذِه البطحاء: هي المعرس، والأبطح والبطحاء: ما انبطح (من الأرض)
(2)
واتسع من بطن الوادي.
(1)
رواه مسلم (1310).
(2)
من (ج).
147 - باب المُحَصَّبِ
1765 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ. يَعْنِي: بِالأَبْطَحِ. [مسلم: 1311 - فتح: 3/ 591]
1766 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [مسلم: 1312 - فتح: 3/ 591]
ذكر فيه عن عائشة قَالَتْ: إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلًا يَنْزِلُهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ. يَعْنِي: بِالأَبْطَحِ.
وحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
حديث عائشة أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وحديث ابن عباس من أفراده
(2)
. وذكر الدارقطني أن هذا حديث علي بن حجر، قال ابن عساكر: يعني تفرد به، وابن عيينة سمعه من الحسن بن صالح، عن عمرو، ولكن كذا قال ابن حجر، وهو وهم منه فقد رواه ابن أبي عمر، وعبد الجبار بن العلاء وجماعة غيرهما، ورواه الإسماعيلي من حديث أبي خيثمة، ثَنَا ابن عيينة، ثَنَا عمرو، وكذا رواه أبو نعيم الحافظ من حديث عبد الله بن الزبير، ثَنَا سفيان، ثَنَا عمرو. فقد
(1)
مسلم (1311) كتاب: الحج، باب: استحباب النزول بالمحصب يوم النفر.
(2)
قلت: حديث ابن عباس ليس من أفراده، فقد أخرجه مسلم (1312) كتاب: الحج، باب: استحباب النزول بالمحصب يوم النفر والصلاة به.
صرح أبو خيثمة، والحميدي بالتحديث من عمرو، وانتفي ما قاله الدارقطني. والمحصب: هو الأبطح بأعلى مكة، وهو المعرس، وهو خيف منى المذكور في حديث أبي هريرة السالف في باب: نزوله عليه السلام بمكة
(1)
. ووقع للداودي أنه ذو طوى. وليس كما قال. وقد ذكرنا في الباب قبله عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا ينزلون به. وقال عمر: حَصِّبوا
(2)
. يعني: انزلوا بالمحصب، وكان ابن عمر ينزل به ويقول: إنه سنة أناخ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن النخعي وطاوس مثله، واستحب النخعي أن ينام فيه نومة
(3)
.
وقول عائشة، وابن عباس:(إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم) يدل على أنه ليس من مناسك الحج، وأنه لا شيء على من تركه، وهذا معنى قوله: ليس التحصيب بشيء. أي: ليس من المناسك التي تلزم الناس. وكانت عائشة لا تحصب، ولا أسماء
(4)
، وهو مذهب عروة.
قال الطحاوي: لم يكن نزوله به؛ لأنه سنة. وقد اختلف في معناه، فقالت عائشة: ليكون أسمح لخروجه، تريد المدينة، أي: أسهل وأسرع، وليستوي البطيء (والمتعذر)
(5)
ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر، ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة.
(1)
سلف برقم (1589 - 1590).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 184 (13337) كتاب: الحج، في التحصيب من كان يحصب.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 184 (13336، 13340).
(4)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 185 (13345، 13348).
(5)
في (ج): المتعدي.
وروي عن أبي رافع قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب الخيمة، ولم يأمرفي بمكان بعينه فضربتها بالمحصب
(1)
، وقال ابن عباس: لأن العرب كانت تخاف بعضها بعضًا، فيرتادون، فيخرجون جميعًا فجرى الناس عليها
(2)
.
قال ابن التين: والنزول به إنما هو لمن يتعجل، وعبارة الخطابي: التحصيب: إذا نفر من منى يقيم بالشعب الذي يخرجه إلى الأبطح، يهجع ساعة ثم يدخل مكة ولا ينزل
(3)
. وكذلك إن وافي يوم جمعة فيصلي الإمام بالناس الجمعة بمكة، وقال ابن حبيب: كان مالك يأمر (بالتحصيب)
(4)
ويستحبه، وإن شاء مضى إذا صلى الظهر والعصر ويأتي مكة، إلا أنه لا ينبغي لأحد يدع التعريس به، فإن نزله فلا شيء عليه، ومن أدركه وقت الصلاة قبل أن يأتيه صلى حيث أدركته، فإذا أتاه نزل به؛ لأن أداء الصلاة في وقتها مطلوب فيها، وهذا مختلف فيه مع أنه لا يفوت بالأداء في الوقت.
(1)
رواه مسلم (1313).
(2)
رواه الطحاوي 2/ 121.
(3)
"أعلام الحديث " 2/ 910.
(4)
في (ج): بالمحصب.
148 - باب النُّزُولِ بِذِي طُوًى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ، وَالنُّزُولِ بِالْبَطْحَاءِ التِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ
1767 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ التِي بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا لَمْ يُنِخْ نَاقَتَهُ إِلاَّ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأْتِي الرُّكْنَ الأَسْوَدَ فَيَبْدَأُ بِهِ، ثُمَّ يَطُوفُ سَبْعًا: ثَلَاثًا سَعْيًا، وَأَرْبَعًا مَشْيًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَكَانَ إِذَا صَدَرَ عَنِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ التِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ التِي كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُنِيخُ بِهَا. [انظر:484، 491 - مسلم: 1259 - فتح: 3/ 592]
1768 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: سُئِلَ عُبَيْدُ اللهِ عَنِ الْمُحَصَّبِ، فَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ.
وَعَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يُصَلِّي بِهَا -يَعْنِي: الْمُحَصَّبَ- الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ -أَحْسِبُهُ قَالَ: وَالْمَغْرِبَ. قَالَ خَالِدٌ: لَا أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ- وَيَهْجَعُ هَجْعَةً، وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. [فتح: 3/ 592]
ذكر من حديث موسى بن عقبة عَنْ نَافِع، أَنَ ابن عُمَرَ كَانَ يَبِيتُ بِذِي طُوى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ التِي بِأَعْلَى مَكَةَ، إلى آخره، وَكَانَ إِذَا صَدَرَ عَنِ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ التى بِذِي الحُلَيْفَةِ التِي كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنِيخُ بِهَا.
وحديث خَالِدِ بْنِ الحَارِثِ قَالَ: سُئِلَ عُبَيْدُ اللهِ عَنِ المُحَصَّبِ، فَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ.
وَعَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يُصَلِّي بِهَا -يَعْنِي: المُحَصَّبَ -الظُّهْرَ وَالعَصْرَ- أَحْسِبُهُ قَالَ: وَالمَغْرِبَ. قَالَ خَالِدٌ: لَا أَشُكُّ فِي العِشَاءِ- وَيَهْجَعُ هَجْعَةً، وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الشرح
الحديثان من أفراده، والنزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة، والنزول بالبطحاء التي بذي الحليفة عند رجوعه ليس بشيء من سنن الحج ومناسكه، فإن شاء فعله، وإن شاء تركه.
149 - باب مَنْ نَزَلَ بِذِي طُوًى إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ
1769 -
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَقْبَلَ بَاتَ بِذِي طُوى، حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ دَخَلَ، وَإِذَا نَفَرَ مَرَّ بِذِي طُوى وَبَاتَ بِهَا حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. [انظر: 491 - مسلم: 1259 - فتح: 3/ 592]
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: ثَنَا حَمَّاد، عَنْ أيوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَقْبَلَ بَاتَ بِذِي طُوى، حَتَّى إِذَا أصْبَحَ دَخَلَ، وَإِذَا نَفَرَ مَرَّ بِذِي طُوى وَبَاتَ بِهَا حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
محمد هذا هو ابن الطباع، وحماد قال الإسماعيلي: هو ابن سلمة، أخبرني بذلك الحسن بن سفيان، ثَنَا محمد بن أبان، ثنا حمَّاد، وأخبرني أبو يعلى، ثنا أبو خيثمة، ثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، عن الحسن، عن حميد وبكر بن عبد الله، عن ابن عمر، وأيوب عن نافع، عن ابن عمر، وأخبرني أبو يعلى ثَنَا أبو الربيع، ثَنَا حماد بن زيد، ثَنَا أيوب، وأنا أبو عمران، ثنا الرمادي، ثَنَا يونس بن محمد، عن أيوب، عن نافع:
أن ابن عمر .. الحديث.
وأما أبو نعيم فجزم بأنه ابن زيد، وأما الحافظ جمال الدين المزي، فذكر رواية ابن الطباع، عن ابن زيد، ولم يذكرها عن ابن سلمة
(1)
.
وقد سلفت القطعة الأولى متصلةً في باب: الاغتسال لدخول مكة، من حديث ابن علية، عن أيوب
(2)
. وهذا ليس من مناسك الحج، وإنما
(1)
انظر: "تحفة الأشراف" 6/ 62.
(2)
برقم (1573).
فيه استحباب دخول مكة نهارًا، وهو مذهب ابن عمر، واستحسنه النخعي ومالك وإسحاق، وكانت عائشة تدخل مكة ليلًا، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير
(1)
، وقال عطاء والثوري: إن شئت دخلتها نهارًا، وإن شئت دخلتها ليلًا، وقد أسلفنا ذَلِكَ.
قال ابن المنذر: وقد دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلًا حين اعتمر من الجعرانة
(2)
.
(1)
رواها ابن أبي شيبة 3/ 404 - 405 (15568 - 15581)
(2)
دل على ذلك حديث روي من طريق مزاحم بن أبي مزاحم، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن محرش الكعبي أن رسول صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلًا معتمرًا فدخل مكة ليلًا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد، خرج من بطن سرى حتى جاء مع الطريق طريق جمع ببطن سرف، فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس.
رواه أبو داود (1996) كتاب: المناسك، والترمذي (935) كتاب الحج، باب: ما جاء في العمرة من الجعرانة -وهذا لفظه- والنسائي 5/ 199 - 200 كتاب: المناسك، دخول مكة ليلًا، وأحمد 3/ 426، 427، 4/ 69، 5/ 380، والحميدي 2/ 111 (886)، والدارمي 2/ 1182 - 1183 (1903) كتاب: المناسك، باب: الميقات في العمرة، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 291 (2312)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 475 (4236)، والطبراني 20/ 326 (770)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2605 - 2606 (6277)، والبيهقي 4/ 357 كتاب الحج، باب: من استحب الإحرام بالعمرة من الجعرانة، وابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 408 - 409، وفي "الاستيعاب" 4/ 27.
وقد جاء في بعض الروايات -كما هو الحال عند أبي داود: عن محرش الكعبي قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله .. الحديث مختصرًا.
والحديث صححه ابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 408، وقال النووي في
"المجموع" 8/ 9: إسناده جيد، وقال الحافظ في "الإصابة" 3/ 369: سنده حسن، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1742): حديث صحيح دون قوله: فجاء إلى المسجد فركع ما شاء
…
فإنه منكر، وبدونه حسنه الترمذي والحافظ.
150 - باب التِّجَارَةِ فِي أَيَّامَ المَوْسِمِ وَالبَيْعِ فِي أَسْوَاقِ الجَاهِلِيَّةِ
1770 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الهَيْثَمِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كَانَ ذُو المَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ. [2050، 2098، 4519 - فتح: 3/ 593]
ذكر فيه عن ابن عباس قال: كَانَ ذُو المَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ.
الشرح:
هكذا كان ابن عباس يقرؤها في مواسم الحج، وكذلك كان يتأول قوله تعالى:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28]، وذكر إسماعيل بن أبي أمامة التيمي قال: كنت أكرَي في هذا الوجه، وكان ناس يقولون: إنه ليس لك حج، فلقيت ابن عمر فسألته فقال: أليس تحرم، وتلبي، وتطوف بالبيت، وتفيض من عرفات، وترمي الجمار؟ قلت: بلى. قال: فإن لك حجًّا، وإن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ما سألتني عنه فسكت عنه حَتَّى نزلت هذِه الآية
(1)
، وقال مجاهد في هذِه الآية: أحلت لهم التجارة في المواسم، وكانوا لا يبيعون،
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 294 (3768).
ولا يبتاعون بعرفة، ولا بمنى في الجاهلية رغبة لمنافع ما يرضي الله تعالى من أمر الدنيا والآخرة. وقاله عطاء
(1)
، وقال أبو جعفر: المغفرة
(2)
، وهو أحسنها، وإذا أخلص لحجه وقصد الكفاف، فأجره غير ناقص، وقد قال عمر: لأن أموت في سعي أبتغي كفاف وجهي أحب إليَّ أن أموت مجاهدًا في سبيل الله تعالى.
وقال الطحاوي: أخبر ابن عباس أن هذِه الآية نسخت ما كانوا عليه في الجاهلية من ترك التبايع في الحج، وأنهم كانوا لا يخلطونه بغيره، فأباحهم تعالى التجارة في الحج ابتغاء فضله، ولم يكن ما دخلوا فيه من حرمة الحج قاطعًا لهم عن ذَلِكَ، ودل ذَلِكَ على أن الداخل في حرمة الاعتكاف لا بأس عليه أن يتجر في مواطن الاعتكاف، كما لم تمنعه حرمة الحج منه، وممن أجاز للمعتكف البيع والشراء الكوفيون والشافعي، وقال الثوري: يشتري الخبز إذا لم يكن له من يشتريه له، وبه قال أحمد، واختلف فيه عن مالك، فروى عنه ابن القاسم إجازة ذَلِكَ إذا كان يسيرًا، وروي عنه مثل قول الثوري، وكره ذَلِكَ عطاء ومجاهد والزهري
(3)
.
(1)
رواه الطبري 2/ 295 (3775 - 3778).
(2)
السابق 9/ 137 (25075).
(3)
رواه عنهم عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 361 - 362، وابن أبي شيبة 2/ 329.
وانظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 50 - 52، "المبسوط" 3/ 121 - 122، "المنتقى" 2/ 80، "الاستذكار" 10/ 281 - 289، "المجموع" 6/ 564، "الفروع" 3/ 198 - 199.
151 - باب الإِدْلَاجِ مِنَ المُحَصَّبِ
1771 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ فَقَالَتْ: مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "عَقْرَى حَلْقَى، أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟ ". قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَانْفِرِي". [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 3/ 595]
1772 -
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَذْكُرُ إِلَّا الحَجَّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّفْرِ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"حَلْقَى عَقْرَى، مَا أُرَاهَا إِلَّا حَابِسَتَكُمْ". ثُمَّ قَالَ: "كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ ". قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "فَانْفِرِي". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَمْ أَكُنْ حَلَلْتُ. قَالَ:"فَاعْتَمِرِي مِنَ التَّنْعِيمِ". فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا، فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجًا. فَقَالَ:"مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا". [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 3/ 595]
ذكر فيه حديث الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ
…
إلى أن قال: "أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟ ". قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَانْفِرِي".
وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ ثَنَا مُحَاضِرٌ، ثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عنها: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَذْكُرُ إِلَّا الحَجَّ إلى أن قالت، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَكُنْ حَلَلْتُ. قَالَ:"فَاعْتَمِرِي مِنَ التَنْعِيمِ". فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا، فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجًا. فَقَالَ:"مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا".
محمد هذا هو ابن عبد الله بن نمير شيخ البخاري كما بينه الحافظ أبو نعيم في "مستخرجه"، ورواه من جهته.
وقال الإسماعيلي: أخبرني الحسن بن سفيان، ثنا ابن نمير قال: ثنا أبو معاوية وأبي قالا: ثنا الأعمش وأخبرني الحسن، ثنا محاضر بن
المورِّع ثنا الأعمش وهذا حديث ابن نمير وأبي معاوية، وأبيه عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة فذكره. وزعم الجياني: أن محمدًا هذا هو الذهلي، ونسبه ابن السكن محمد بن سلام
(1)
. وهذا ليس من مناسك الحج.
ذكر عبد الرزاق: أنا عمر بن ذر أنه سمع مجاهدًا يقول: أناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النفر بالبطحاء ينتظر عائشة، ثم كره أن يقتدي الناس بإناخته فبعث حَتَّى أناخ على ظهر العقبة أو من ورائها ينتظرها.
وقول عائشة: (حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ) تعني: الليلة التي تلي النفر الآخر، وهو يوم الثالث عشر وباتوا بالمحصَّب، قاله الداودي، ولعله يريد: باتوا به الليلة التي تلي بعد النحر، وهي ليلة أربع عشرة، وفيه بعد؛ لأن حقيقة ليلة النفر ليلة ثلاث عشرة، لكن هذا وقع في البخاري في عدة مواضع: ليلة النفر، وفسره في بعض المواضع بأنها ليلة الحَصْبةِ
(2)
، إلا أن تكون ليلة الحصبة ليست ليلة التحصيب، أو تكون معنى ليلة الحصبة: التي ينزل بعدها في المحصَّب، كما قيل: ليلةُ النفرِ التي يقعُ النفرُ في غدها فيصح، أو يريد النفر الذي للمدينة ليلة الحصبة؛ لأنهم نزلوا فيها بالمحصَّب.
وقولها: (إِنِّي لَمْ أَكُنْ أحللت) أي: من عمرة، كما أحل الناس، ولم تعمل إلا عمل الحاج كما سلف.
وقولها: (فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجًا). هو بتشديد الدال كذا ضبطه ابن التين، وكذا هو في أصل الدمياطي أيضًا، والادِّلاج بتشديد الدال هو: سير
(1)
"تقييد المهمل" 3/ 1046.
(2)
سلف برقم (1762).
آخر الليل، وهو افتعل من دلج وأدلج رباعي: إذا سار أول الليل.
وقال الطبري: الادِّلاج بتشديد الدال. الرحيل من المنزل بسحر، وبالتخفيف: الرحيل من المنزل في أول الليل والسير فيه.
وقال ابن عياش: وغيره: أدلج القوم إذا قطعوا الليل كله سيرًا، وادَّلج إذا سار آخره.
26
كتاب العمرة
بسم الله الرحمن الرحيم
26 - (كتاب العمرة
1 - باب وُجُوبِ العُمْرَةِ)
(1)
وَفَضْلِهَا
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللهِ {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]
1773 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ -مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ". [مسلم: 1349 - فتح: 3/ 597]
وذكر حديث أبي هريرة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ".
(1)
كذا في الأصول، والذي في اليونينية 3/ 2: باب العمرة، وجوب العمرة وفضلها وبهامشها أبواب عند أبي ذر عن المستملي.
الشرح:
العمرة في اللغة:
الزيارة، وقيل؛ لأنها من عمارة المسجد الحرام.
وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم
(1)
.
وأثر ابن عمر رواه ابن أبي شيبة، عن أبي خالد الأحمر، عن ابن جريج، عن نافع عنه: ليس من خلق الله إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان
(2)
، وأخرجه الحاكم من حديث إبراهيم بن موسى، وعبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج مثله بزيادة: لمن استطاع إلى ذَلِكَ سبيلًا، فمن زاد على هذا فهو تطوع وخير، ثم قال: سند صحيح على شرطهما
(3)
.
قلت: وروي مرفوعًا عنه: "ليس أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان"، وسيأتي الكلام عليه في الباب.
وأثر ابن عباس أخرجه الشافعي، والبيهقي، وصححه الحاكم على شرط مسلم، وابن حزم
(4)
.
واختلف العلماء في وجوب العمرة
(5)
، وكان ابن عمر وابن عباس
(1)
مسلم (1349) كتاب: الحج، باب: فضل الحج والعمرة ويوم عرفة.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 216 (13653) كتاب: الحج، من كان يرى العمرة فريضة.
(3)
"المستدرك" 1/ 471، وعنه البيهقي 4/ 351، وكذا رواه الدارقطني 2/ 285 من حديث عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج به.
(4)
الشافعي في "الأم" 2/ 113، "سنن البيهقي" 4/ 351، "المستدرك" 1/ 471، "المحلى" 7/ 38.
(5)
في هامش الأصل: نقل السهيلي في "روضه" عن عطاء وجوبها على غير المكي.
يقولان: هي فرض
(1)
، وهو قول عطاء، وطاوس، والحسن، وابن سيرين، والشعبي
(2)
، وإليه ذهب الثوري، والشافعي في أظهر قوليه، وأحمد، وإسحاق، وابن حبيب، وابن الجهم
(3)
، وقال ابن مسعود: العمرة تطوع
(4)
، وهو قول أبي حنيفة، وأبي ثور
(5)
، وقال النخعي: هي سنة
(6)
، وهو قول مالك قال: ولا نعلم أحدًا أرخص في تركها
(7)
، احتج الأولون بقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أي: أقيموا، وإذا كان الإتمام واجبًا، فالابتداء واجب بناء على أن التطوع لا يجب إتمامه، لكن عمرة التطوع يجب إتمامها، وكذا حج التطوع، والحج لا يقاس عليه.
قال المخالف: وأثر ابن عمر قد أخرجه البخاري موقوفًا فلا حجة فيه، ولو صح رفعه لكان ذكره للعمرة مقارنة للحج لا يدل على وجوبها، وإنما معناه: الحض على هذا الجنس من العبادات لقوله: "تابعوا بين الحج والعمرة"
(8)
.
(1)
رواه عن ابن عمر: ابن أبي شيبة 3/ 216 (13653)، والبيهقي 4/ 351. ورواه عن ابن عباس: الحاكم في "المستدرك" 1/ 471 وصححه، والبيهقي 4/ 351.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 216 - 217 (13651، 13660 - 13661).
(3)
انظر: "المنتقى" 2/ 235، "البيان" 4/ 10، "المغني" 5/ 13.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 215 (13646).
(5)
"مختصر الطحاوي" ص 95.
(6)
"المصنف" 3/ 216 (13649).
(7)
"الموطأ" 1/ 444 (1130) كتاب: المناسك، باب: جامع ما جاء في العمرة.
(8)
روي من حديث ابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، وعمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله، وعامر بن ربيعة، وأبي هريرة.
حديث ابن عباس رواه النسائي 5/ 115، وفي "الكبرى" 2/ 322 (3609، 3611)، والعقيلي في "الضعفاء" 4/ 409، والطبراني 11/ 107 (11196)، =
وقال الطحاوي: ليس قول ابن عمر إنها واجبة ما يدل على أنها
= 11/ 181 (11428)، الذهبي في "السير" 13/ 147 - 148، وفي "تذكرة الحفاظ" 2/ 594.
وحديث ابن مسعود رواه الترمذي (810)، والنسائي 5/ 115، 116، وأحمد 1/ 387، والبزار في "البحر الزخار" 5/ 134 (1722)، وأبو يعلى 8/ 389 (4976)، 9/ 153 (5236)، وابن حبان 9/ 6 (3693)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 322 (3610)، وابن خزيمة 4/ 130 (2512)، والعقيلي 2/ 124، والشاشي 2/ 74 (587)، والطبراني 10/ 186 (10406)، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 110، والبغوي في "شرح السنة" 7/ 6 - 7 (1843).
وحديث ابن عمر رواه الفاكهي في "أخبار مكة" 1/ 405 (869 - 870)، والحارث ابن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث"(365)، والطبراني 21/ 456 (13651)، وابن عدي 1/ 371، وتمام الرازي كما في "زوائد الأجزاء المنثورة" ص 222.
وحديث عمر رواه ابن ماجه (2887)، وأحمد 1/ 25، والحميدي 1/ 156 (17)، والفاكهي 1/ 404 - 405 (868)، وأبو يعلى 1/ 176 (198)، وابن حبان في "المجروحين" 1/ 154، وابن عدي 6/ 389 - 390، والبيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 472 (4094 - 4095)، والضياء في "المختارة" 1/ 252 - 253 (143 - 144)، 1/ 272 (160).
وحديث جابر رواه البزار كما في "كشف الأستار"(1147)، وابن عدي 7/ 448.
وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 278: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. خلا بشر بن المنذر، ففي حديثه وهم، قاله العقيلي. ووثقه ابن حبان.
وحديث عامر بن ربيعة رواه أحمد 3/ 446، 447، والحارث بن أبي أسامة كما في "البغية"(364)، والضياء 8/ 196 (225 - 228)، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 277: فيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف، وكذا قال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" 3/ 176.
وحديث أبي هريرة رواه الحارث بن أبي أسامة كما في "البغية"(363) وكما في "المطالب العالية" 6/ 281 (1136).
والحديث بجملته صححه الألباني في "الصحيحة"(1200) فراجعه.
فريضة؛ لأنه قد يجوز أن يقول عنها واجبة على المسلمين وجوبًا عامًّا يقوم به البعض كالجهاد وغيره من فروض الكفايات، ويدل على هذا قول ابن عمر: إذا حللتم فشدوا الرحال للحج والعمرة؛ فإنهما أحد الجهادين
(1)
. ألا ترى أنه شبههما بالجهاد الذي يقوم بفرضه بعضهم، وقوله عليه السلام:"بني الإسلام على خمس"
(2)
ولم يذكر العمرة، فلو كانت فرضًا لذكرت.
قلت: قد ذكرت في قصة السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان -وهو جبريل عليه السلام- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله" إلى أن قال: "وتحج البيت وتعتمر". صححه الدارقطني وغيره من حديث عمر بن الخطاب
(3)
، وحديث أبي رزين:"حج عن أبيك واعتمر"
(1)
سلف معلقًا بعد حديث (1516) باب: الحج على الرجل، ووصله عبد الرزاق في "المصنف" 7/ 5 (8808)، وسعيد بن منصور 2/ 136 (2350)، والفاكهي في "أخبار مكة" 1/ 377 (793) من طريق إبراهيم، عن عابس بن ربيعة، عن عمر، قوله. فهو من قول عمر لا من قول ابن عمر كما ذكر المصنف.
(2)
سلف برقم (8) كتاب: الإيمان، باب: دعاؤكم إيمانكم، ورواه مسلم (16) كتاب: الإيمان، باب: أركان الإسلام ودعائمه العظام.
(3)
رواه بهذا اللفظ ابن خزيمة 1/ 3 - 4 (1)، 4/ 356 (3065)، وابن حبان 1/ 397 - 399 (173)، والدارقطني 2/ 282 - 283، وأبو نعيم في "المستخرج" 1/ 102 (82)، والبيهقي في "السنن" 4/ 349 - 350، وفي "شعب الإيمان" 3/ 428 (3973)، وفي "الاعتقاد" ص: 269، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 122 (1224) من طريق معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب .. الحديث.
ورواه الحاكم 1/ 51 من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، به. =
رواه الأربعة، وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم
(1)
. قال أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود منه، ولا أصح
(2)
. واحتجوا للسنة بأنه نسك ليس له وقت معين، فلم يكن واجبًا بالشرع كنفل الطواف.
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة: أواجبة هي؟ قال: "لا، وإن يعتمر خير".
= قال الدارقطني: إسناد ثابت صحيح أخرجه مسلم بهذا الإسناد. وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. وقال ابن الجوزي: فإن قيل: هذا الحديث مذكور في الصحاح وليس فيه: ويعتمر؟ قلنا: قد ذكر فيه هذِه الزيادة أبو بكر الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين، ورواها الدارقطني وحكم لها بالصحة، وقال: هذا اسناده صحيح أخرجه مسلم بهذا الإسناد أ. هـ، وأقر ابن الجوزي على قوله
الذهبيُّ في "التنقيح" 5/ 296.
وقال الزيلعي في "نصب الراية" 3/ 147: قال صاحب "التنقيح": الحديث مخرج في الصحيحين ليس فيها: وتعتمر، وهذِه الزيادة فيها شذوذ أ. هـ.
والحديث صححه الألباني بهذا اللفظ في "صحيح الترغيب"(175، 1101).
(1)
أبو داود (1810) كتاب: المناسك، باب: الرجل يحج عن غيره، والترمذي (929) كتاب: الحج، باب: ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير والميت، والنسائي 5/ 111، 117، وابن ماجه (2906) كتاب: المناسك، باب: الحج عن الحي إذا لم يستطع، وابن حبان 9/ 304 (3991)، والحاكم 1/ 481.
وراه أيضًا أحمد 4/ 10، 11، 12، والنسائي في "الكبرى" 2/ 320 (3600)، 2/ 324 (3617)، وابن الجارود 2/ 114 (500)، وابن خزيمة 4/ 345 - 346 (3040)، والدارقطني 2/ 283، وابن حزم في "المحلى" 7/ 39، 57، وفي "حجة الوداع"(528)، والبيهقي 4/ 329، 350، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 114 (1199).
قال الدارقطني عن رجال إسناد هذا الحديث: كلهم ثقات. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1588).
(2)
رواه البيهقي 4/ 350 بإسناده عن أحمد.
قلت: لكنه ضعيف
(1)
، وانفصل بعضهم عن الآية بأن إتمامها
(1)
رواه الترمذي (931) كتاب: الحج، باب: ما جاء في العمرة أواجبة هي أم لا؟ وأحمد 3/ 361، 357، وابن أبي شيبة 3/ 215 (13644) كتاب: المناسك، من قال: العمرة تطوع، وأبو يعلى 3/ 443 (1938)، وابن خزيمة 4/ 356 - 357 (3068)، وابن حبان في "المجروحين" 1/ 228، والدارقطني 2/ 285 - 286، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 180، والبيهقي 4/ 349، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 123 - 124 (1228) من طريق الحجاج بن أرطاة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله مرفوعًا به. قال الترمذي: حسن صحيح.
قلت: نوقش في ذلك كما سيأتي بيانه.
ورواه ابن عدي في "الكامل" 8/ 296 - 297 من طريق أبي عصمة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعًا به. وقال: وهذا يعرف بحجاج بن أرطاة، عن محمد بن المنكدر، وأبو عصمة قد رواه أيضًا، عن ابن المنكدر، ولعله سرقه منه ا. هـ
ورواه الطبراني في "الأوسط" 6/ 341 (6572)، وفي "الصغير" 2/ 193 (1015)، والدارقطني 2/ 286، والبيهقي 4/ 349 - 350 من طريق يحيى بن أيوب، عن عبيد الله، عن أبي الزبير، عن جابر، مرفوعًا به.
قال البيهقي: إنما يعرف هذا المتن بالحجاج بن أرطاة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر اهـ.
ورواه البيهقي 4/ 350 من طريق ابن جريج والحجاج، عن محمد بن المنكدر، عن جابر أنه سئل عن العمرة أواجبة فريضة كفريضة الحج، قال: لا، وأن تعتمر خير لك. هكذا موقوفًا.
قال ابن حزم: حديث جابر، الحجاج بن أرطاة ساقط لا يحتج به، والطريق الأخرى أسقط وأوهن؛ لأنها من طريق يحيى بن أيوب وهو ضعيف عن العمري الصغير وهو ضعيف. اهـ. "المحلى" 7/ 37.
وقال البيهقي: المحفوظ عن جابر موقوف غير مرفوع، وروي عن جابر مرفوعًا بخلاف ذلك وكلاهما ضعيف. اهـ.
وقال في "المعرفة" 7/ 59: رواه الحجاج بن أرطاة، عن ابن المنكدر مرفوعًا، ورفعه ضعيف ا. هـ =
لا يكون إلا بعد الشروع فيها، ونحن نقول: من شرع فيها وجب إتمامها.
قال ابن التين: وكل ما ورد في ذَلِكَ من الأخبار فمطعون في سنده، والآية ليست ببينة في الوجوب.
وقوله: ("العمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا") هو مثل قوله: "الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما"
(1)
. يريد ما اجتنبت الكبائر.
قال ابن التين: "إلى العمرة": يحتمل أن يكون بمعنى (مع) كقوله: {إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2]{مَنْ أَنصَارِىَ إلَى اَللهِ} [آل عمران: 52، والصف: 14].
وفيه: الترغيب في تكرار العمرة، ومالك لا يرى لأحد أن يعتمر
= وقال المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 6/ 67: قال البيهقي في "خلافياته": هذا الحديث ليس بثابت، وحجاج بن أرطاة يتفرد بسنده، ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه، وخالفه ابن جريج وغيره، فرووه، عن ابن المنكدر، عن جابر من قوله، وهو الصواب، وحجاج ليس يقبل منه ما ينفرد به؛ لسوء حفظه وكثرة تدليسه، فكيف إذا خالف الثقات، ورفع الموقوفات والمعضلات أ. هـ، وقال ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 124: حديث ضعيف، وقال المصنف في "البدر" 6/ 67: قال المنذري في كلامه على أحاديث "المهذب": في تصحيح الترمذي لهذا الحديث نظر، فإن الحجاج بن أرطاة لم يحتج به الشيخان، وقد ضعفه الأئمة. اهـ. ثم قال: قال صاحب "الإمام": صحح الترمذي هذا الحديث واعترض عليه بالكلام في الحجاج بن أرطاة رافعه، وقد روي موقوفًا من قول جابر. اهـ. وقال النووي في "المجموع" 7/ 10: قول الترمذي: حديث حسن صحيح، غير مقبول، ولا يغتر بكلام الترمذي في هذا، فقد اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف اهـ، وأورد الحافظ الحديث في "الدراية" 2/ 48 من طريق أبي الزبير عن جابر مرفوعًا وقال: في إسناده مقال.
ولمزيد من الكلام على هذا الحديث انظر: "البدر المنير" 6/ 62 - 72، و"تلخيص الحبير" 2/ 226 - 227.
(1)
رواه مسلم (233) كتاب: الطهارة. من حديث أبي هريرة.
أكثر من مرة في السنن للاتباع، وقال مطرف: لا بأس أن يعتمر في السنة مرارًا، ونحا إليه ابن المواز، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي
(1)
.
وقال آخرون: لا يعتمر في شهر أكثر من عمرة واحدة، حكاه ابن قدامة، وعند أحمد: إذا اعتمر فلا بد أن يحلق، أو يقصر في عشرة أيام يمكن حلق الرأس فيها، قال: وظاهر هذا أنه لا يستحب أن يعتمر في أقل من عشرة أيام.
وفي رواية الأثرم: إن شاء اعتمر في كل شهر
(2)
، والمبرور: هو الخالص لا رياء فيه ولا رفث ولا فسوق، ويكون بمال حلال، وقال ابن التين: المبرور: من البر يحتمل أن يريد أن صاحبه أوقعه على وجه البر، وأصله أن لا يتعدى بغير حرف الجر لا أن يريد بمبرور وصف المصدر فيتعدى حينئذٍ إلى المصدر؛ لأن كل ما لا يتعدى من الأفعال يتعدى إلى المصدر. وذكر ابن فارس: أنه متعد، يقال: فلان يبر ربه أي: يطيعه
(3)
. وأصله بررت بكسر الراء، فعلى هذا يبر حجه، أي: يخلصه من الرفث وشبهه.
وقوله: ("لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ") يريد أن ما دونها ليس بجزاء له، وإن كانت العمرة وغيرها من أفعال البر جزاؤها تكفير الذنوب فإن الحج المبرور لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يبلغ به دخول الجنة، وقيل: إنه أراد حج النافلة.
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 100، "المنتقى" 2/ 235، "البيان" 4/ 13.
(2)
"المغني" 5/ 17.
(3)
"مقاييس اللغة" ص 89.
2 - باب مَنِ اعْتَمَرَ قَبْلَ الحَجِّ
1774 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ العُمْرَةِ قَبْلَ الحَجِّ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ. قَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ: بْنُ خَالِدٍ، سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ مِثْلَهُ.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابن جُرَيْجٍ، قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ: سَأَلْتُ ابن عُمَرَ رضي الله عنه. مثله. [فتح: 3/ 598]
ذكر فيه عن ابن جُرَيْجٍ، عن عِكْرِمَةَ بْن خَالِدٍ قال: سئل ابن عُمَرَ عَنِ العُمْرَةِ قَبْلَ الحَجِّ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ. قَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ ابن عُمَرَ: اعْتَمَرَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ، وعَنِ ابن إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ، سَأَلْتُ ابن عُمَرَ مِثْلَهُ.
هذا من ابن عمر قد يدل أن فرض الحج نزل قبل اعتماره، إذ لو اعتمر قبله ما صح استدلاله على ما ذكره، ويتفرع على ذَلِكَ فرض الحج: هل هو على الفور أو التراخي؟ والذي نزع ابن عمر هو الصحيح في النظر، وهو الذي تعضده الأصول، أن في فرض الحج سعة وفسحة؛ لأن العمرة لم يجرِ لها ذكر في القرآن إلا والحج مذكور معها؛ ولذلك قال ابن عباس: إنها لقرينتها في كتاب الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]
(1)
، ولو كان فرض الحج على الفور لم يجز فسخه في عمرة، ولا أمر الشارع أصحابه بذلك، ولو كان وقته مضيقًا لوجب إذا آخره إلى سنة أخرى أن تكون قضاءً لا أداءً، فلمَّا ثبت أنه يكون أداء في أي وقت أتى به علم إنه ليس
(1)
رواه البيهقي 4/ 351، وابن عبد البر في "التمهيد" 20/ 16.
على الفور، وقد سلف ما في ذَلِكَ أول الحج، وسيأتي شيء منه في قصة كعب بن عجرة حين آذاه هوامه، وحلق رأسه بالحديبية -إن شاء الله
(1)
.
فائدة:
شيخ البخاري في الأول (حَدَّثَنَا (أحمد)
(2)
، أخبرنا عبد الله) هو ابن شبويه فيما زعمه الدارقطني، أو ابن مردويه فيما قاله الحاكم والكلاباذي
(3)
.
(1)
سيأتي حديث كعب برقم (1814)، ورواه مسلم (1201).
(2)
تحتها في الأصل: (هو ابن الجليل).
(3)
قال العيني في "العمدة" 8/ 284: هو أحمد بن محمد بن ثابت بن عثمان بن مسعود بن يزيد المروزي المعروف بابن شبويه، قال الدارقطني: روى عنه البخاري، وقال الحاكم: هذا أحمد بن محمد هو ابن مردويه، قلت: هو أحمد بن موسى أبو العباس. اهـ.
وجزم زكريا الأنصاري في "المنحة" 4/ 228 بأنه أحمد بن محمد بن ثابت المروزي، ابن شبويه.
أما الحافظ فقال في "الفتح" 3/ 599: هو المروزي!
فيتضح من العرض السابق أنه أحد اثنين، إما أن يكون أحمد بن محمد بن ثابت المروزي (ابن شبويه) وهذا ما رجحه الحافظ زكريا الأنصاري، وإما أن يكون أحمد بن محمد بن موسى المروزي، أبو العباس السمسار، المعروف بمردويه.
والمصنف رحمه الله وكذا العيني لم يجزما بواحد منهما.
لكن وجدت أن الحافظ المزي لما ترجم في "تهذيب الكمال" 1/ 433 (94) لأحمد بن محمد بن ثابت المروزي (ابن شبويه) لم يذكر أن البخاري روى عنه! وكذا الحافظ الذهبي في ترجمته من "السير" 11/ 7 (2)، ومن "تاريخ الإسلام" 16/ 50 (21).
مع أن المزي لما ترجم لأحمد بن محمد بن موسى المروزي (مردويه) 1/ 473 (100) وكذا الذهبي في "السير" 11/ 8 (3) ذكرا أن البخاري روى عنه!! =
3 - باب كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
-؟
1775 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ المَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي المَسْجِدِ صَلَاةَ الضُّحَى. قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ. فَقَالَ: بِدْعَةٌ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: كَمِ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: (أَرْبَعً)
(1)
إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ. [4253 - مسلم: 1255 - فتح: 3/ 599]
1776 -
قَالَ: وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ فِي الحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّاهُ، يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَتْ: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. قَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلَّا وَهُوَ شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ. [1777، 4254 - مسلم: 1255 - فتح: 3/ 599]
= وننبه أيضًا أن المزي في ترجمة ابن شبويه 1/ 436 قال: وروى البخاري في الوضوء والأضاحي والجهاد عن أحمد بن محمد عن عبد الله وهو ابن المبارك، فقال الدارقطني: إنه أحمد بن محمد بن ثابت بن شبويه هذا، وقال أبو نصر الكلاباذي وغير واحد: أنه أحمد بن محمد بن موسى، مردويه، فأيهما كان فهو ثقة اهـ.
وكذا حكى هذا الكلام الذهبي في "السير" 11/ 8، وحكاه أيضًا في "تاريخ الإسلام" 16/ 51 - 52 وزاد نسبته للمزي.
قلت: لا اعتقد أن يكون هو ابن شبويه، بل هو (مردويه) إن شاء الله؛ وذلك لما
تقدم ذكره، وأيضًا لأن الدارقطني جزم بأن البخاري روى عن ابن شبويه في ثلاثة مواضع ليس هذا منها، وحتى في المواضع الثلاث المذكورة قال الكلاباذي وغيره أنه أيضًا (مردويه). بالرغم من أن زكريا الأنصاري جزم بأنه ابن شبويه!.
أما الحافظ فاكتفي بقوله: هو المروزي! وكلاهما مروزي!! ولا يفوتني أن أنبه أن قول المصنف هنا وكذا العيني: ابن مردويه، خطأ؛ وذلك لأن كل من ذكره قال: مردويه، بدون ذكر ابن. والله أعلم بالصواب.
(1)
كذا في الأصل وعليها علامة تصحيح.
1777 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَجَبٍ. [انظر: 1776 - مسلم: 1255 - فتح: 3/ 600]
1778 -
حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ: سَأَلْتُ أَنَسًا رضي الله عنه: كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَرْبَعٌ: عُمْرَةُ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، حَيْثُ صَدَّهُ المُشْرِكُونَ، وَعُمْرَةٌ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ، وَعُمْرَةُ الجِعْرَانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ -أُرَاهُ- حُنَيْنٍ. قُلْتُ: كَمْ حَجَّ؟ قَالَ: وَاحِدَةً. [1779، 1780، 3066، 4148 - مسلم: 1253 - فتح: 3/ 600]
1779 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا رضي الله عنه، فَقَالَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ رَدُّوهُ، وَمِنَ القَابِلِ عُمْرَةَ الحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَةً فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. [انظر: 1778 - مسلم: 1253 - فتح: 3/ 600]
1780 -
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. وَقَالَ: اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي القَعْدَةِ إِلاَّ التِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَتَهُ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ، وَمِنَ العَامِ المُقْبِلِ، وَمِنَ الجِعْرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. [انظر: 1778 - مسلم: 1253 - فتح: 3/ 600]
1781 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا وَعَطَاءً وَمُجَاهِدًا. فَقَالُوا: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذِي القَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ. وَقَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذِي القَعْدَةِ، قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ. [1844، 2698، 2699، 2700، 3184، 4251 - مسلم: 1783 - فتح: 3/ 600]
ذكر فيه حديث مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ المَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ جَالسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا أنَاسٌ يُصَلُّونَ فِي المَسْجِدِ صَلَاةَ الضُّحَى. قَالَ: فَسَألْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ، فَقَالَ: بِدْعَةٌ، ثمَّ قَالَ: لَهُ كَمِ اعْتَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَرْبَع، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَب، فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ فِي الحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّاهُ، يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فقَالَتْ: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. قَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةَ إِلَّا وَهُوَ شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَب قَطُّ.
وحديث عُرْوَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَجَبِ.
وحديث قَتَادَةَ قال: سَأَلْتُ أَنَسًا: كَم اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَرْبَعًا: عُمْرَةُ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ المُشْرِكُونَ، وَعُمْرَةٌ فِي العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ، وَعُمْرَةُ الجِعْرَانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ -أُرَاهُ- حُنَيْنِ. قُلْتُ: كَمْ حَجَّ؟ قَالَ: وَاحِدَةً.
وعَنْ قَتَادَةَ
(1)
: سَأَلْتُ أَنَسًا، فَقَالَ: اعْتَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حَيْثُ رَدُّوهُ، وَمِنَ القَابِلِ عُمْرَةَ الحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَةً فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ.
وعن هَمَّامٍ
(2)
قَالَ: اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي القَعْدَةِ إِلَّا التِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَتَهُ مِنَ الحُدَيْبيَةِ، وَمِنَ العَامِ المُقْبِلِ، وَمِنَ الجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنِ، (وَعُمْرَةً)
(3)
مَعَ حَجَّتِهِ.
وعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
(4)
قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا وَعَطَاءَ وَمُجَاهِدًا، قَالُوا: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذِي القَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مرتين.
(1)
فوقها في الأصل: مسند.
(2)
فوقها في الأصل: مسند.
(3)
من (ج).
(4)
فوقها في الأصل: مسند.
الشرح:
هذِه الأحاديث الثلاثة أخرجها مسلم
(1)
. وقال في الأولى: فكرهنا أن نكذبه. وفي رواية له وابن عمر يسمع: فما قال: لا، ولا هم، سكت، ولمسلم في الأخير عمرة من الحديبية، أو في الحديبية في
ذي القعدة.
واعترض الإسماعيلي فقال: هذا الحديث لا يدخل في باب: كم اعتمر؟ وإنما يدخل في باب: متى اعتمر؟
قلت: بلى داخل فيه، والزمان وقع استطرادًا، وفي قول مجاهد: دخلت أنا وعروة إلى آخره، ظاهر في سماع مجاهد من عائشة خلافًا لما قاله يحيى القطان وآخرون
(2)
، وفي أفراد مسلم من حديث البراء بن عازب: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين
(3)
.
وفي أبي داود بإسناد على شرط الشيخين من حديث عائشة: أنه عليه السلام اعتمر في شوال، وأخرجه مالك في "موطئه" أيضًا
(4)
.
(1)
مسلم (1255، 1253، 1783).
(2)
في هامش الأصل: وفي "سنن النسائي" من رواية موسى الجهني، عن مجاهد، قال: أتى مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال، فقال: حدثتني عائشة أن النبي يغتسل بمثل هذا. وهذا صريح في سماعه منها.
أفاده الرشيد العطار. وقال العلائي في "المراسيل": وقد صرح -يعني مجاهدًا- في غير حديث بسماعه منها.
وقول الشيخ: (وآخرون) هم شعبة، ويحيى بن معين، وأبو حاتم. كذا نقله العلائي عن هذِه الثلاثة وابن سعيد معهم.
(3)
هذا الحديث رواه البخاري برقم (1781) وقد رواه مسلم (1783) كتاب: الجهاد والسير، باب: صلح الحديبية، بقطعة لم ترد عند البخاري.
(4)
رواه أبو داود (1991) كتاب: المناسك، باب: العمرة، وابن سعد في "طبقاته" =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 2/ 172، والبيهقي 5/ 11، وابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 289 من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به.
ورواه مالك 1/ 436 (1104) من طريق هشام، عن أبيه، ليس فيه ذكر عائشة، فوقع هكذا مرسلًا.
قال ابن القيم رحمه الله: لم يتكلم المنذري على هذا الحديث، وهو وهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في شوال قط، فإنه لا ريب أنه اعتمر عمرة الحديبية، وكانت في ذي القعدة، ثم اعتمر من العام القابل عمرة القضية، وكانت في ذي القعدة، ثم غزا غزاة الفتح ودخل مكة غير محرم، ثم خرج إلى هوازن وحرب ثقيف، ثم رجع إلى مكة فاعتمر من الجعرانة وكانت في ذي القعدة، ثم اعتمر مع حجته عمرة قرنها بها وكان ابتدائها في ذي القعدة، وسيأتي حديث أنس بعد هذا في أن عمره صلى الله عليه وسلم كلها كانت في ذي القعدة، وقد روى مالك في "الموطأ" عن هشام بن عروة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر إلا ثلاثًا، إحداهن في شوال، واثنتين في ذي القعدة، وهذا مرسل عند جميع رواة "الموطأ"، قال ابن عبد البر: وقد روي مسندًا عن عائشة، وليس رواته مسندًا ممن يذكر مع مالك في صحة النقل.
وقال ابن شهاب: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر، اعتمر عام الحديبية، فصده الذين كفروا في ذي القعدة سنة ست، واعتمر من العام المقبل في ذي القعدة سنة سبع، آمنًا هو وأصحابه، ثم اعتمر العمرة الثالثة في ذي القعدة سنة ثمان، حين أقبل من الطائف من الجعرانة، فإن كان هذا محفوظًا عن عائشة، فلعله عرض لها في ذلك ما عرض لابن عمر من قوله: إنه اعتمر في رجب، وإن لم يكن محفوظًا عن عائشة كان الوهم من عروة أو من هشام، والله أعلم، إلا أن يعمل على أنه ابتدأ إحرامها في شوال، وفعلها في ذي القعدة فتتفق الأحاديث كلها. والله أعلم اهـ
"مختصر سنن أبي داود" 2/ 423 - 424 بتصرف.
وقال في "زاد المعاد" 2/ 97 - 98:
هذا الحديث وهم، وإن كان محفوظًا عنها، فإن هذا لم يقع قطُّ، فإنه اعتمرَ بلا ريب: العمرةُ الأولى كانت في ذي القعدة عُمرة الحديبية، ثم لم يعتمِرْ إلى العام القابل، فاعتمر عُمرة القضية في ذي القَعدة، ثم رجع إلى المدينة ولم يخرُج إلى مكة حتى فتحها سنةَ ثمان في رمضان، ولم يعتمِرْ ذلك العام، ثم خرج إلى حُنين في ست من شوال وهزم الله أعداءه، فرجع إلى مكة، وأحرم بعُمرة، وكان ذلك في =
وفي الدارقطني من حديثها: أنه عليه السلام اعتمر في رمضان. وهو غريب
(1)
.
= ذي القعدة كما قال أنس، وابن عباس: فمتى اعتمر في شوال؟ ولكن لقي العدوَّ في شوال، وخرج فيه من مكة، وقضى عُمرته لما فرغ من أمر العدوِّ في ذي القَعدة ليلًا، ولم يَجْمَعْ ذلك العامَ بين عُمرتين، ولا قبله ولا بعدَه، ومَن له عِناية بأيامه صلى الله عليه وسلم وسيرته وأحواله، لا يشكُّ ولا يرتابُ في ذلك.
وقال أيضًا 2/ 122: من قال: إنه اعتمر في شوال، هذا وهم، والظاهر -والله أعلم- أن بعض الرواة غلط في هذا، وأنه اعتكف في شوال فقال: اعتمر في شوال، لكن سياق الحديث وقوله: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر: عمرة في شوال، وعمرتين في ذي القعدة، يدل على أن عائشة أو من دونها إنما قصد العمرة ا. هـ
وقال الحافظ في "الفتح" 3/ 600: حديث عائشة إسناده قوي، لكن قولها: في شوال، مغاير لقول غيرها: في ذي القعدة، ويجمع بينهما بأن يكون ذلك وقع في آخر شوال وأول ذي القعدة، ويؤيده ما رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، عن مجاهد، عن عائشة: لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة. اهـ
قلت هو في ابن ماجه برقم (2997) كتاب: المناسك، باب: العمرة في ذي القعدة، وصححه أيضًا الألباني في "صحيح ابن ماجه"(2428).
وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(1738): إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقوله: في شوال، يعني: ابتداء؛ وإلا فهي كانت في ذي القعدة أيضًا.
(1)
"سنن الدارقطني" 2/ 188، ورواه البيهقي 3/ 142، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 494 (765) من طريق محمد بن يوسف الفريابي عن العلاء بن زهير، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان، فأفطر وصمت، وقصر وأتممت، فقلت: بأبي وأمي أفطرت وصمت، وقصرت وأتممت، قال: أحسنت يا عائشة.
قال الدارقطني: إسناده حسن، وقال البيهقي: إسناده صحيح.
ورواه أيضًا الدارقطني 2/ 188، والنسائي في "المجتبى" 3/ 122، وفي "الكبرى" 1/ 588 (1914)، والبيهقي 3/ 142 من طريق العلاء عن عبد الرحمن بن الأسود قال: قالت عائشة: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه .. الحديث. هكذا، عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عبد الرحمن، عن عائشة بإسقاط أبيه، وليس فيه ذكر: رمضان.
قال الدارقطني: عبد الرحمن قد أدرك عائشة ودخل عليها وهو مراهق وهو مع أبيه وقد سمع منها، وقال البيهقي: قال أبو بكر النيسابوري: من قال في الحديث عن أبيه فقد أخطأ أ. هـ، وقال في "المعرفة" 14/ 259: إسناد صحيح موصول، فإن عبد الرحمن أدرك عائشة.
وأغرب ابن حزم فأورد الحديث في "المحلى" 4/ 269 من الطريق الثاني وقال: انفرد به العلاء بن زهير الأزدي، لم يروه غيره، وهو مجهول، فهو حديث لا خير فيه. اهـ.
وتعقبه المصنف رحمه الله فقال: هذا من أعاصيبه، فالعلاء معلوم العين والحال، ووثقه ابن معين، وأخرج له النسائي، لا جرم اعترض عليه ابن عبد الحق فقال فيما رده على "المحلى": هذا حديث صحيح بنقل الثقة عن الثقة، رجاله كلهم ثقات، وسماع كل واحد ممن روى عنه مذكور. قال: وقول ابن حزم أنه لا خير فيه، جهل منه بالآثار. قال: وقول ابن حزم أنه لا خير فيه، جهل منه بالآثار. قال: ودعواه جهالة العلاء غلط، بل هو ثقة مشهور روى عنه الإعلام، ووثقه ابن معين أ. هـ "البدر المنير" 4/ 528 بتصرف.
وقال في "خلاصة البدر" 1/ 201 - رادًّا على ابن حزم- قال ابن حزم: حديث لا خير فيه، قال: وهذا جهل منه فرجاله كلهم ثقات وإسناده متصل. اهـ.
وقال النووي في "خلاصة الأحكام" 2/ 727: رواه النسائي والدارقطني والبيهقي بإسناد حسن أو صحيح اهـ. وقال الحافظ في "التلخيص" 2/ 44: قال الدارقطني: عبد الرحمن أدرك عائشة ودخل عليها وهو مراهق. قلت: وهو كما قال، ففي "تاريخ البخاري" وغيره ما يشهد لذلك، وقال أبو حاتم: أدخل عليها وهو صغير، ولم يسمع منها؟ قلت: وفي ابن أبي شيبة والطحاوي ثبوت سماعه منها. اهـ. وقال في "الدراية" 1/ 213: حديث رواته ثقات.
قلت: كثر كلام العلماء والمحققين في هذا الحديث حول قولها: خرجت معه في عمرة رمضان. فقال النووي في "الخلاصة" 2/ 728: هذِه اللفظة مشكلة، فإن المعروف أنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر إلا أربع عُمَرُ، كلهن في ذي القعدة أ. هـ، وأبدع شيخ الإسلام فقال: في الحديث: أنها خرجت معتمرة معه في رمضان عمرة رمضان، وهذا كذب باتفاق أهل العلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قط وإنما كانت =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عمره كلها في شوال، وإذا كان لم يعتمر في رمضان ولم يكن في عُمَرِه عليه صوم، بطل هذا الحديث، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما سافر في رمضان غزوة بدر وغزوة الفتح، فأما غزوة بدر فلم يكن معه فيها أزواجه ولا كانت عائشة، وأما غزوة الفتح فقد كان صام فيها في أول سفره ثم أفطر، خلاف ما في هذا الحديث المفتعل. اهـ. "مجموع الفتاوى" 22/ 80 - 81.
وقال أيضًا 24/ 147: هذا الحديث خطأ قطعًا. وقال أيضًا 24/ 150: هذا الحديث علم قطعًا أنه باطل لا يجوز لمن علم حاله أن يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: "من روي عني حديثًا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"، ولكن من حدث من العلماء الذين لا يستحلون هذا فلم يعلموا أنه كذب لم يأثم أ. هـ
وتبعه ابن القيم فقال في "زاد المعاد" 2/ 55: هذا الحديث غلط إما على عائشة وهو الأظهر، أو منها.
وقال الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 191: ذكر صاحب "التنقيح" أن هذا المتن منكر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قط.
وقال المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 4/ 528 - 530: هذا الحديث في متنه نكارة
…
ثم ذكر كلامًا نفيسًا غاليًا فانظره.
ووجَّه الحافظ هذا الحديث فقال: يمكن حمله على أن قولها: في رمضان، متعلق بقولها: خرجت، ويكون المراد سفر فتح مكة، فإنه كان في رمضان، واعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة من الجعرانة لكنه في ذي القعدة. اهـ. "الفتح" 3/ 603.
وتعقبه العيني على هذا التوجيه منتقدًا إياه فقال: هذا كله تعسف وتصرف بغير وجه بطريق تخمين، وقوله: ويمكن حمله
…
إلى آخره مستبعد جدًا؛ لأن ذكر الإمكان هنا غير موجه أصلًا؛ لأن قولها في رمضان يتعلق بقولها: خرجت، قطعًا، فما الحاجة في ذكر ذلك الإمكان، ولا يساعده أيضًا قوله فإنه؛ أي فتح مكة كان في رمضان يتعلق في اعتذاره عن البخاري في اقتصاره في الترجمة على قوله: عمرة في رمضان؛ لأن عمرته في تلك السنة لم تكن في رمضان بل كانت في ذي القعدة. اهـ. "عمدة القاري" 8/ 291.
وتعقبه الحافظ رادًا على تعقبه له فقال: من لا يفهم المراد يقع في أكثر من ذلك، ومرادي: أن إطلاق عمرة رمضان على العمرة التي وقعت من الجعرانة في ذي =
قال ابن بطال: والصحيح أنه اعتمر ثلاثًا، والرابعة إنما يجوز نسبتها إليه؛ لأنه أمر الناس بها وعملت بحضرته، لا أنه اعتمرها بنفسه، ويدل على صحة ذَلِكَ أن عائشة ردت على ابن عمر قوله، وقالت:(ما اعتمر في رجب قط) وأما أنس فإنه لم يضبط المسألة ضبطًا جيدًا، وقد أنكر ذَلِكَ عليه ابن عمر حين ذكر له أن أنسًا حدث أنه عليه السلام أهلَّ بعمرة وحجة، فقال ابن عمر: أهلَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأهللنا به، ذكره البخاري في المغازي
(1)
، ففي رد ابن عمر على أنس: أنه عليه السلام اعتمر مع حجته، ردٌ من ابن عمر على نفسه أيضًا، وقد جاء عن أنس نفسه خلاف فتواه، وهو حديث مروان الأصفر عنه: أنه عليه السلام قال لعلي: "لولا أن معي الهدي لأحللت". ذكره في باب: من أهلَّ في زمنه كإهلاله فامتناعه من الإهلال من أجل الهدي
(2)
يدل أنه كان مفردًا للحج؛ لأنه اعتذر عن الفسخ فيه بالهدي، ولو كان قارنًا ما جاز أن يعتذر؛ لاستحالة الفسخ على القارن، فكيف يجوز أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر مع حجته؟ إلا على معنى أنه أمر بذلك من لم يكن معه هدي، هذا ما لا ريب فيه ولا شك
(3)
. وقال أبو عبد الملك: إنه وهم من ابن عمر؛ لاجتماع المسلمين على أنه اعتمر ثلاثًا، وقاله معه أنس. فأما أنس فجعله قارنًا أو متمتعًا.
= القعدة بطريق المجازة والتقدير العمرة التي كان ابتداء السفر الذي وقعت في آخره كان في رمضان، فأضيفت إلى رمضان اتساعًا أ. هـ "انتقاض الاعتراض في الرد على العيني في شرح البخاري" 2/ 12 - 13.
والحديث قال عنه الألباني في "ضعيف النسائي"(81): منكر، وانظر:"الإرواء" 3/ 8 - 9 ففيه كلام جيد.
(1)
يأتي برقم (4148) باب: غزوة الحديبية.
(2)
سبق برقم (1558).
(3)
"شرح ابن بطال" 4/ 437.
واستنانها: قيل: سواكها، والأولى استعمالها الماء. قال ابن فارس: سننت الماء على وجهي: أرسلته إرسالًا
(1)
، إلا أن يكون استن لم تستعمله العرب إلا في السواك.
وقولها: (أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ لك) قرأته بفتح الميم وضمها، وإسكانها مثل: غرفة وحجرة، وعد عمرة الحديبية، ومقتضاه: أنها تامة، لكنه صد ولا قضاء عليه خلافًا لأبي حنيفة، والحديبية تخفف ياؤها وتشدد، وكانت في ذي القعدة سنة ست
(2)
، وعمرة القضية سنة سبع، سميت بذلك؛ لأنه قاضى أهل مكة أن يعتمر في العام المقبل
(3)
، ويقال لها عمرة القضاء، ولا يتوهم أنه القضاء الشرعي، وعمرة الجعرانة سنة ثمان بعد فراغه من حنين، والطائف، وانصرف منها في آخر ذي القعدة.
وإنما بيَّن أنس أنهن في ذي القعدة تنبيهًا على الاعتمار في أشهر الحج، وإن أنكره مشركون، ويجوز أن يكون أحرم في شوال وأتمها في ذي القعدة، فنظر أحدهما لوقت الإحرام، والآخر لوقت الإحلال، قاله الداودي، وقيل: إن عمرتين كانتا في شوال، وعمرة في ذي القعدة قال: وقول من قال: اعتمر قبل أن يحج ليس بحجة؛ لأن الحج لم يفرض عليه حَتَّى حج الوداع، ولم يكن المسلمون يتقدمونه بأداء فرضه.
(1)
"مجمل اللغة" 2/ 455.
(2)
قاله السدي، فيما رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 203 (3141)، وقتادة فيما رواه عنه أبو عوانة 4/ 364 (6966)، ونافع مولى ابن عمر فيما رواه البيهقي 3/ 341.
(3)
انظر: "الطبقات الكبرى" 2/ 120.
قلت: الحج فرض سنة ست على المشهور فلا إشكال، وقول أنس:(اعتمر حيث ردوه، ومن القابل عمرة الحديبية، وعمرة في ذي القعدة) أراه وهمًا؛ لأن الصواب أن الذي رد فيها عمرة الحديبية عام ستة، واعتمر من قابل ولم يرد كذا في كتاب ابن التين ولا وهم فيه؛ لأن قوله:(عمرة الحديبية)؛ لبيان التي ردوه فيها.
وقوله: (وَعُمْرَةً فِي ذِي القَعْدَةِ) بيان للقابلة، وفي "مسند يعقوب بن شيبة"، قال نافع: ولم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة، ولو اعتمر لم يخف ذَلِكَ على ابن عمر.
4 - باب عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ
1782 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يُخْبِرُنَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ -سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَنَسِيتُ اسْمَهَا-:"مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّين مَعَنَا؟ ". قَالَتْ: كَانَ لَنَا نَاضِحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلَانٍ وَابْنُهُ -لِزَوْجِهَا وَابْنِهَا- وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ، قَالَ:"فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ". أَوْ نَحْوًا مِمَّا قَالَ. [1863 - مسلم: 1256 - 3/ 603]
ذكر فيه حديث ابن عباس: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ -سَمَّاهَا ابن عَبَّاسٍ، فَنَسِيتُ اسْمَهَا-:"مَا مَنَعَكِ أَنْ تحجِّي مَعَنَا؟ ".
قَالَتْ: كَانَ لَنَا نَاضِحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلَانٍ وَابْنُهُ -لِزَوْجِهَا وَابْنِهَا- وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ، قَالَ:"فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ، فَإِن عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ".
أَوْ (نَحْوًا)
(1)
مِمَّا قَالَ.
هذا الحديث أخرجه مسلم، وقال:"فإن عمرة فيه تعدل حجة"
(2)
، وخرجه أيضًا من طريق جابر تعليقًا
(3)
، ولهما:"يقضى حجة أو حجة معي"، وسميا المرأة أم سنان الأنصارية
(4)
، وللترمذي
(5)
، والحاكم:
(1)
في الأصل: نحوٌ، والمثبت من "اليونينية" 3/ 3.
(2)
مسلم (1256) كتاب: الحج، باب: فضل العمرة في رمضان.
(3)
سيأتي معلقًا بعد حديث (1863).
(4)
يأتي برقم (1863) ورواه مسلم (1256)222.
(5)
الترمذي (939) كتاب: الحج، باب: ما جاء في عمرة رمضان، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"(747).
أم معقل الأسدية
(1)
(2)
، وكناها بعضهم أم طليق
(3)
.
وفي رواية للحاكم: "عمرة في رمضان تعدل حجة معي بالحرم"، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين
(4)
.
قلت: فيه عامر الأحول (م والأربعة) وقد أخرج له مسلم، ووثقه أبو حاتم، ولينه أحمد
(5)
.
وفيه: دلالة واضحة على فضل الاعتمار في رمضان، قال إسحاق وهو مثل حديث: "من قرأ {قُل هُوَ اَللهُ أحَد (1)} [الإخلاص: 1]، فقد
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: قال الذهبي في "التجريد": أم معقل الأسدية، وقيل: الأنصارية، لها:(في عمرة في رمضان)، أخرجه أبو داود في "سننه" وقال في أم طليق امرأة أبي طليق: في عمرة في رمضان. رواه ابن مسنده.
(2)
"المستدرك" 1/ 482 وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(1599).
(3)
رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 5/ 176 (2710)، والبزار كما في "كشف الأستار"(1151)، والطبراني 22 (816)، 25 (425) من طريق المختار بن فلفل عن طلق بن حبيب، عن أبي طليق، عن أم طليق مرفوعًا به.
قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 280: رواه الطبراني والبزار، ورجال الطبراني رجال الصحيح. وقال الحافظ في "الإصابة" 4/ 114: وأخرجه ابن أبي شيبة وابن السكن وابن منده من طريق عبد الرحيم بن سليمان عن المختار، وسنده جيد.
(4)
"المستدرك" 1/ 483 - 484 من طريق عبد الوارث بن سعيد العنبري، عن عامر الأحول، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس مرفوعًا به، وليس فيه: بالحرم. قال الذهبي في "التلخيص": عامر ضعفه غير واحد وبعضهم قواه ولم يحتج به البخاري.
(5)
وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال ابن عدي، لا أرى بروياته بأسًا، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الحافظ في "التقريب" (3103): صدوق يخطئ.
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 6/ 326 (1817)، "ثقات ابن حبان" 5/ 193، "تهذيب الكمال" 14/ 65 (3054).
قرأ ثلث القرآن"
(1)
.
وفيه: جواز الاعتمار في غير أشهر الحج، والأحاديث السالفة تدل على إباحتها في أشهر الحج، وقيل: الاعتمار قبل الحج أفضل منه بعده، حكاه ابن التين قال: وهذا لمن كان مقيمًا بمكة.
وقوله: ("فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ") أي: ثوابها، والمراد حجة التطوع، وثواب الأعمال يزيد بزيادة شرف الوقت، أو خلوص القصد وحضور القلب.
قال الزهري: تسبيحةٌ في رمضان خير من سبعين في غيره
(2)
، فببركة رمضان حصل هذا الفضل، ويبعد أن يكون خاصًّا بها، فإن كان روى، ما أدري إلى خاصة.
والناضح البعير، أو الثور، أو الحمار الذي يربط به الرشا يجره فيخرج الغرب، ويقال له أيضًا: السانية.
وفي مسلم: يسقي عليه غلامنا
(3)
. قال القاضي: وأراه تحريفًا،
(1)
رواه الترمذي (2893) عن أنس، كتاب: فضائل القرآن، باب: ما جاء في {إِذا زُلزِلَتِ} ، ورواه أحمد 5/ 418 عن أبي أيوب، وحسن حديث الترمذي الألباني في "صحيح الجامع"(6466) دون فضل الزلزلة، وأصله في الصحيحين: يأتي برقم (5013 - 5015) كتاب: فضائل القرآن، باب: فضل {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} عن أبي سعيد، ورواه مسلم (811) كتاب: صلاة المسافرين، باب: فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} عن أبي الدرداء. وقول أبي إسحاق في الترمذي 3/ 267.
(2)
رواه الترمذي (3472)، وابن أبي شيبة 6/ 107 (29831)، والمزي في "التهذيب" 33/ 78 - 79 من طريق أبي بشر عن الزهري قوله. بلفظ: تسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره. قال الألباني: ضعيف الإسناد، مقطوع.
(3)
مسلم (1256/ 222).
والصواب: يسقي نخلًا لنا، فتصحف منه غلامنا، بيانه ما في البخاري يسقي عليه أرضًا لنا
(1)
(2)
.
فرع:
جميع السنة وقت لإحرام العمرة عندنا إلا للعاكف بمنى؛ لاشتغاله بالرمي والمبيت، وقال مالك: من لم يحج من أهل الآفاق له أن يعتمر أيام التشريق ذكره في "المدونة"
(3)
، ولم يذكر يوم النحر فيحتمل أن يكون مخصوصًا بالمنع؛ لكونه يوم الحج الأكبر، ويحتمل أن يكون حكمه حكم أيام التشريق، وقال ابن الجلاب: يلزمه العمرة إن أحرم بها بعد الرمي، ويمضي فيها حَتَّى يتمها بعد الغروب.
(1)
يأتي برقم (1863) كتاب: جزاء الصيد، باب: حج النساء.
(2)
"إكمال المعلم" 4/ 333.
(3)
"المدونة" 1/ 305.
5 - باب عُمْرَةِ التَّنْعِيمِ
(1)
1784 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ، وَيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: سَمِعْتُ عَمْرًا، كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ عَمْرٍو. [2985 - مسلم: 1212 - فتح: 3/ 606]
1785 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ، عَنْ حَبِيبٍ المُعَلِّمِ، عَنْ عَطَاءٍ، حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ وَأَصْحَابُهُ بِالحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ، غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَلْحَةَ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنَ اليَمَنِ، وَمَعَهُ الهَدْيُ فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لأَصْحَابِهِ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، يَطُوفُوا بِالبَيْتِ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا، إِلَّا مَنْ مَعَهُ الهَدْيُ، فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لأَحْلَلْتُ". وَأَنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالبَيْتِ. قَالَ: فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلِقُ بِالحَجِّ؟! فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ فِي ذِي الحَجَّةِ. وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالعَقَبَةِ، وَهُوَ يَرْمِيهَا، فَقَالَ: أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لَا، بَلْ لِلأَبَدِ". [انظر: 1557 - مسلم: 1216 - فتح: 3/ 606]
ذكر فيه حديث سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ، وُيعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: سَمِعْتُ عَمْرًا، كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ عَمْرٍو.
(1)
هذا الباب في الأصول بعد باب العمرة ليلة الحصبة وغيرها، وقدمه المصنف رحمه الله تبعًا لابن بطال كما أشار هو هناك.
وحديث جابر: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمر عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ فِي ذِي الحَجَّةِ. وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالعَقَبَةِ، وَهُوَ يَرْمِيهَا، فَقَالَ: أَلَكُمْ هذِه خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللهِ؟ فقَالَ: "لَا، بَلْ لِلأَبدِ"
(1)
.
حديث عائشة سلف
(2)
، وحديث جابر أخرجه مسلم أيضًا
(3)
.
وفقه الباب أن المعتمر المكي لا بد له من الخروج إلى الحل ثم يحرم منه؛ لأن التنعيم أقرب إلى الحل، وشأن العمرة عند الجميع أن يجمع فيها بين الحل والحرم المكي وغيره، والعمرة زيارة وإنما يزار الحرم من خارجه كما يزار المزور في بيته من غير بيته، وتلك سنة الله في عباده المعتمرين، وما بعد من الحل كان أفضل، ويجزئ أقل الحل، وهو التنعيم، وأفضله عندنا الجعرانة، ثم التنعيم، ثم الحديبية.
وقال الطحاوي: ذهب قوم إلى أن العمرة لمن كان بمكة لا وقت لها غير التنعيم، وجعلوا التنعيم خاصة وقتًا لعمرة أهل مكة، وقال: لا ينبغي لهم أن يجاوزوه كما لا ينبغي لغيرهم أن يجاوز ميقاتًا وقته لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
، وخالفهم في ذَلِكَ آخرون، قالوا: وقت لأهل مكة الذين يحرمون منه بالعمرة الحل فمن أي الحل أحرموا أجزأهم ذَلِكَ، والتنعيم وغيره عندهم في ذَلِكَ سواء.
(1)
في هامش الأصل: هذِه قطعة من حديث جابر، وهي من آخره.
(2)
سلف برقم (1556) كتاب: الحج، باب: كيف تهل الحائض والنفساء؟.
(3)
مسلم (1216) كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران.
(4)
انظر: "شرح معاني الآثار" 2/ 240.
واحتجوا بأنه قد يجوز أن يكون عليه السلام قصد إلى التنعيم في ذَلِكَ؛ لقربه لا أن غيره لا يجزئ، وقد روى من حديث عائشة أنه عليه السلام قال لعبد الرحمن:"احمل أختك"، فأخرجها من الحرم، قالت: والله ما ذكر الجعرانة، ولا التنعيم، فلتهلَّ بعمرة، فكان أدنى ما في الحرم التنعيم، فأهللت بعمرة
(1)
. فأخبرت أنه عليه السلام لم يقصد إلا الحل لا موضعًا معينًا، وقصد التنعيم؛ لقربه، فثبت أن وقت أهل مكة لعمرهم هو الحل. وهو قول أبي حنيفة، وأصحابه
(2)
، والشافعي، وسؤال سراقة يحتمل أن يكون أراد عمرتنا هذِه في أشهر الحج لعامنا هذا، ولا نفعل ذَلِكَ فيما بعد؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون العمرة فيما مضى في أشهر الحج، أو للأبد. فقال عليه السلام:"هي للأبد" أي: لكم أن تفعلوا ذَلِكَ أبدًا، وليس على الفسخ، فقد كان خاصًّا بهم كما سلف.
وهكذا رواه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: عمرتنا لعامنا هذا أم للأبد
(3)
.
وتابعه خصيف والأوزاعي جميعًا، عن عطاء، عن جابر
(4)
.
(1)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 241 (4085)، ورواه بنحوه أحمد 6/ 245، وأصله في الصحيحين كما في حديث الباب.
(2)
"شرح معاني الآثار" 2/ 240 - 241.
(3)
رواه مسلم (1218/ 147).
(4)
متابعة خصيف رواها الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 191، والطبراني 7/ 126 (6579).
ومتابعة الأوزاعي رواها أبو داود (1787) كتاب: المناسك، باب: في إفراد الحج، وابن ماجه (2980) كتاب: المناسك، باب: فسخ الحج، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 192 (3884)، وابن حبان 9/ 232 (3921) كتاب: الحج، باب: التمتع.
وقال ابن جريج، عن عطاء، عن جابر، وقال ابن جريج، عن عطاء: متعتنا لعامنا أم للأبد؟
(1)
وطريق البخاري، عن عطاء، عن جابر سلف أول الباب، وقال الداودي: يعني به جواز التمتع وحمله
قوم على الفسخ.
(1)
رواه النسائي في "المجتبى" 5/ 178، وفي "الكبرى" 2/ 366 (3787)، والطحاوي 2/ 192، وابن حبان 9/ 100 - 101 (3791)، وأبو نعيم في "المستخرج" 3/ 313 - 314 (2820)، والبيهقي 4/ 338، والحديث من هذا الطريق سيأتي (2505 - 2506) وفيه:"هي لنا أو للأبد".
6 - باب العُمْرَةِ لَيْلَةَ الحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا
1783 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الحَجَّةِ فَقَالَ لَنَا: "مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالحَجِّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ". قَالَتْ: فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَظَلَّنِي يَوْمُ عَرَفَةَ، وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"ارْفُضِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِى رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالحَجِّ". فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي. [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 3/ 605]
ذكر فيه حديث عائشة قالت: خَرَجْنَا مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الحَجَّةِ، فَقَالَ لنَا: "مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالحَجِّ
…
" الحديث.
فَلَمَّا كَانَت لَيْلَةُ الحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي.
وقد سلف الحديث غير مرة
(1)
، وهذا الباب قبل باب عمرة التنعيم ثابت في الأصول، لكنا تبعنا فيه ابن بطال
(2)
.
وفقه الباب: أن الحاج يجوز له أن يعتمر إذا تم حجه بعد انقضاء أيام التشريق، وليلة الحصبة: هي التي تلي ليلة النفر الآخر.
وقولها: (خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الحَجَّةِ) كذا هنا وفيما بعد، والذي في أكثر الروايات عنها وعن غيرها أنهم خرجوا لخمس بقين
(1)
سلف برقم (294).
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 438.
من ذي الحجة
(1)
، فإما أن تكون قالته على المقاربة، أو في هذِه الرواية بعض الوهم.
وقولها: (وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بعُمْرَةٍ) قد سلف الاختلاف فيما أهلت به، واختلف السلف في العمرة بعدَ أيام الحج: فذكر عبد الرزاق بإسناده عن مجاهد قال: سُئل عمر وعلي وعائشة عن العمرة ليلة الحصبة فقال عمر: هي خير من لا شيء، وقال علي: هي خير من مثقال ذرة، وقالت عائشة: العمرة على قدر النفقة
(2)
، وعنها أيضًا: لأن أصوم ثلاثة أيام، أو أتصدق على عشرة مساكين أحب إلى من أن اعتمر بالعمرة التي اعتمرت من التنعيم
(3)
. وقال طاوس فيمن اعتمر بعد الحج: لا أدري أيعذبون عليها أم يؤجرون
(4)
؟ وقال عطاء بن السائب: اعتمرنا بعد الحج فعاب ذَلِكَ علينا سعيد بن جبير، وأجاز ذَلِكَ آخرون، روى ابن عيينة عن الوليد بن هشام قال: سألت أم الدرداء عن العمرة بعد الحج، فأمرتني بها
(5)
، وسُئل عطاء عن عمرة التنعيم قال: هي تامة وتجزئه
(6)
، وقال القاسم بن محمد: عمرة المحرم تامة
(7)
.
وقد روي مثل هذا المعنى قال: تمت العمرة السنة كلها إلا يوم عرفة، ويوم النحر، ويومين من أيام التشريق
(8)
.
(1)
سلف هذا اللفظ برقم (1709) باب: ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 153 (13016).
(3)
رواه الفاكهي في "أخبار مكة" 5/ 60 (2836).
(4)
السابق 5/ 59 (2833).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 153 (13013).
(6)
رواه الفاكهي 5/ 60 (2838) بدون قوله: وتجزئه.
(7)
رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 214 (3205).
(8)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 126 (12721)، والبيهقي 4/ 346 عن عائشة.
وقال أبو حنيفة: العمرة جائزة السنة كلها إلا يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، للحاج وغيره، ومن حديث عائشة في الباب
(1)
.
استحب مالك للحاج أن لا يعتمر حَتَّى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق
(2)
؛ لأنه عليه السلام كان قد وعد عائشة بالعمرة وقال لها: "كوني في حجك عسى الله أن يرزقكها"
(3)
، ولو استحب لها العمرة في أيام التشريق؛ لأمرها بالعمرة فيها، وبه قال الشافعي. وإنما كرهت العمرة فيها للحاج خاصة؛ لئلا يدخل فيها عملًا على عمل؛ لأنه لم يكمل عمل الحج بعد، ومن أحرم بالحج فلا يحرم بالعمرة؛ لأنه لا تضاف العمرة إلى الحج عند مالك وطائفة من العلماء، وأما من ليس بحاج فلا يمنع من ذَلِكَ، فإن قلت: فقد روى أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في هذا الباب: (وكنت ممن أهل بعمرة وروى مثله يحيى القطان، عن هشام في الباب بعد هذا، وهذا خلاف ما تقدم عن عائشة أنها أهلت بالحج
(4)
.
قلت: قد قدمنا أن أحاديث عائشة في الحج أشكلت على الأئمة قديمًا، فمنهم من جعل الاضطراب فيها جاء من قِبَلها، ومنهم من جعله من قِبل الرواة عنها.
وقد روى عروة، والقاسم، والأسود وعمرة، عن عائشة أنها كانت مفردة للحج، على ما سلف في أوائل الحج في باب التمتع، والقران،
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 100.
(2)
"المنتقى" 2/ 218.
(3)
سبق برقم (1560) كتاب: الحج، باب: قول الله {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، ورواه مسلم (1211) كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز
…
(4)
سلف برقم (1560).
والإفراد
(1)
، والحكم لأربعة من ثقات أصحاب عائشة، فالحمل على التضاد أولى من الحكم لرجلين من متأخري رواة حديثها، ويكون قولها:(مكان عمرتي) أي: التي أحرمت بها من سرف ثم منعتها من
أجل الحيض.
(1)
برقم (1560 - 1562).
7 - باب الاِعْتِمَارِ بَعْدَ الحَجِّ بِغَيْرِ هَدْىٍ
1786 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الحَجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةِ فَلْيُهِلَّ، وَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ". فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مِنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ، وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالحَجِّ". فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ. فَأَرْدَفَهَا، فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا، فَقَضَى اللهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا صَوْمٌ. [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 3/ 609]
ذكر فيه حديث هشام عن أبيه عن عائشة: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الحَجَّةِ .. الحديث إلى أن قالت: وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِض
…
، إلى أن قالت: وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلَا صَدَقَة، وَلَا صَوْمٌ.
قد سلف الكلام عليه غير مرة. وقولها: (فأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ)، وفي رواية القاسم: فطهرت حين قدمنا منى صبيحة ليلة عرفة يوم النحر بمنى
(1)
.
وقولها: (وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ
…
إلى آخره) لأن عمرتها بعد انقضاء الحج ولا خلاف بين العلماء أن من اعتمر بعد انقضاء الحج
(1)
سلف برقم (1560).
وخروج أيام التشريق، أنه لا هدي عليه في عمرته؛ لأنه ليس بمتمتع، وإنما المتمتع من اعتمر في أشهر الحج، وطاف للعمرة قبل الوقوف، وأما من اعتمر بعد يوم النحر فقد وقعت عمرته في غير أشهر الحج، فلذلك ارتفع حكم الهدي عنها، والصحيح من قول مالك أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، ولم يكن عليها أيضًا في حجها هدي؛ لأنها كانت مفردة على ما روى عنها القاسم والأسود وعمرة، ولم يأخذ مالك بقولها في آخر الحديث:(ولم يكن في شيء من ذَلِكَ هدي). لأنها كانت عنده في حكم القارنة، ولزمها لذلك هدي القرآن، والآخذ بذلك أبو حنيفة أيضًا؛ لأنها كانت عنده رافضة لعمرتها، والرافضة عنده عليها دم للرفض، وعليها عمرة.
وقوله: (فَقَضَى اللهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ). إلى آخره، ليس من لفظ عائشة، وإنما هو من لفظ هشام بن عروة حدَّث به بالعراق، ولم يذكر ذَلِكَ أحد غيره ولا يقوله الفقهاء، وقد تقدمت مذاهب العلماء في قوله:"انقضي رأسك وامتشطي" في باب: كيف تهل الحائض والنفساء
(1)
فراجعه منه.
(1)
سلف برقم (1556).
8 - باب أَجْرِ العُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ
1787 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَا: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللهِ، يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ؟ فَقِيلَ لَهَا:"انْتَظِرِي، فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي، ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِكِ". [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 3/ 610]
ذكر فيه حديث القَاسِمِ والأَسْوَدِ عن عَائِشَةُ قالت: يَا رَسُولَ اللهِ، يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ؟ فَقِيلَ لَهَا:"انْتَظِرِي، فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي، ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِكِ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وأفعال البر كلها على قدر المشقة والنفقة، ولهذا استحب الشافعي ومالك الحج راكبًا
(2)
، ومصداق ذَلِكَ في كتاب الله تعالى في قوله:{الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ} [التوبة: 20] وفي هذا فضل الغنى، وإنفاق المال في الطاعات، ولما في قمع النفس عن شهواتها من المشقة على النفس، وعد الله عز وجل الصابرين فقال جل من قائل:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
(1)
مسلم (1211/ 128) كتاب: الحج، باب: إحرام النفساء.
(2)
"المنتقى" 3/ 36، "روضة الطالبين" 3/ 4.
9 - باب المُعْتَمِرِ إِذَا طَافَ طَوَافَ العُمْرَةِ، ثُمَّ خَرَجَ، هَلْ يُجْزِئُهُ مِنْ طَوَافِ الوَدَاعِ
؟
1788 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِالحَجِّ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ، وَحُرُمِ الحَجِّ، فَنَزَلْنَا سَرِفَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ:"مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا". وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَوِي قُوَّةٍ الهَدْيُ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُمْرَةً، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ:"مَا يُبْكِيكِ". قُلْتُ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ لأَصْحَابِكَ مَا قُلْتَ، فَمُنِعْتُ العُمْرَةَ. قَالَ:"وَمَا شَأْنُكِ؟ ". قُلْتُ: لَا أُصَلِّي. قَالَ: "فَلَا يَضُرَّكِ، أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، كُتِبَ عَلَيْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ عَسَى اللهُ أَنْ يَرْزُقَكِهَا". قَالَتْ: فَكُنْتُ حَتَّى نَفَرْنَا مِنْ مِنًى، فَنَزَلْنَا المُحَصَّبَ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ:"اخْرُجْ بِأُخْتِكَ الحَرَمَ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا، أَنْتَظِرْكُمَا هَا هُنَا". فَأَتَيْنَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ:"فَرَغْتُمَا؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. فَنَادَى بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ وَمَنْ طَافَ بِالبَيْتِ، قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ خَرَجَ مُوَجِّهًا إِلَى المَدِينَةِ. [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 3/ 612]
ذكر فيه حديث القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِالحَجِّ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ وَحُرُمِ الحَجِّ
…
إلى قولها: فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ:"اخْرُجْ بِأُخْتِكَ من الحَرَم، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا، أَنْتَظِرْكُمَا هَا هُنَا". فَأَتَيْنَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ:"فَرَغْتُمَا؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. فَنَادى بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ وَمَنْ طَافَ بِالبَيْتِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ خَرَجَ مُوَجِّهًا إِلَى المَدِينَةِ.
لا خلاف بين العلماء أن المعتمر إذا طاف وخرج إلى بلده أنه يجزئه من طواف الوداع كما فعلت عائشة، وأما من أقام بمكة بعد عمرته ثم بدا
له أن يخرج منها فيستحبون له طواف الوداع.
وقولها فيه: (وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَوِي قُوَّةٍ الهَدْيُ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُمْرَةً). يخالف حديث جابر السالف في باب عمرة التنعيم وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة، وكان علي قدم من اليمن ومعه هدي
(1)
.
(1)
سلف برقم (1785).
10 - باب يَفْعَلُ فِي العُمْرَةِ مَا يَفْعَلُ فِي الحَجِّ
1789 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ -يَعْنِي-: عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الخَلُوقِ -أَوْ قَالَ: صُفْرَةٍ- فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسُتِرَ بِثَوْبٍ، وَوَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ. فَقَالَ عُمَرُ: تَعَالَ، أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ الوَحْىَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ -وَأَحْسِبُهُ قَالَ: كَغَطِيطِ البَكْرِ- فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ العُمْرَةِ؟ اخْلَعْ عَنْكَ الجُبَّةَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ الخَلُوقِ عَنْكَ، وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكِ". [انظر: 1536 - مسلم: 1180 - فتح: 3/ 614]
1790 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم-، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ -: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللهِ تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] فَلَا أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَلاَّ، لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ كَانَتْ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. [البقرة: 158]. زَادَ سُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ: مَا أَتَمَّ اللهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلَا عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ. [انظر: 1643 - مسلم: 1277 - فتح: 4/ 613]
ذكر فيه حديث يعلى بن أمية في قصة الجبة بالخلوق وفي آخره: "وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ" وقد سلف في باب غسل
الخلوق
(1)
.
وحديث هشام عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ -وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ-: أَرَأَيْتِ قَوْلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} الآية [البقرة: 158] فَلَا أرى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا .. الحديث.
زَادَ سُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ: مَا أَتَمَّ اللهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلَا عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ.
المراد -والله تعالى أعلم- بقوله: ("وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ") من اجتناب المحرمات كما أسلفناه هناك
(2)
، ومن أعمال الحج إلا الوقوف فلا وقوف فيها ولا رمي، وأركانها أربعة: الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير، ولهذا قال هشام:(ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة).
وقوله: (وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ). يريد أنه لم يكن بعد فقه، ولا علم من سُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتأول على نص الكتاب والسنة.
(1)
برقم (1536).
(2)
ورد بهامش الأصل: يعني في باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب.
11 - باب مَتَى يَحِلُّ المُعْتَمِرُ
؟
وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا. [انظر: 1651، 1785]
1791 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَطُفْنَا مَعَهُ، وَأَتَى الصَّفَا وَالمَرْوَةَ وَأَتَيْنَاهَا مَعَهُ، وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبٌ لِي: أَكَانَ دَخَلَ الكَعْبَةَ؟ قَالَ: لَا. [انظر: 1600 - فتح: 3/ 615]
1792 -
قَالَ: فَحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ؟ قَالَ: "بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ". [3819 - مسلم: 2433 - فتح: 3/ 615]
1793 -
حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعًا، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. [395 - مسلم: 1234 - فتح: 3/ 615]
1794 -
قَالَ: وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، فَقَالَ: لَا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ. [انظر: 396 - فتح: 3/ 615]
1795 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالبَطْحَاءِ وَهُوَ مُنِيخٌ، فَقَالَ:"أَحَجَجْتَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "بِمَا أَهْلَلْتَ؟ ". قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "أَحْسَنْتَ. طُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ". فَطُفْتُ بِالبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَيْسٍ، فَفَلَتْ رَأْسِي، ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالحَجِّ. فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ، حَتَّى كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنْ
أَخَذْنَا بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، وَإِنْ أَخَذْنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ. [انظر: 1559 - مسلم: 1221 - فتح: 3/ 615]
1796 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ -مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ- حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ تَقُولُ كُلَّمَا مَرَّتْ بِالحَجُونِ: صَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَا هُنَا، وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ، قَلِيلٌ ظَهْرُنَا، قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا، فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَلَمَّا مَسَحْنَا البَيْتَ أَحْلَلْنَا، ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ العَشِيِّ بِالحَجِّ. [انظر: 615 - مسلم: 1235، 1237 - فتح: 3/ 616]
وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرٍ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا
(1)
.
هذا سلف مسندًا في باب: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت بزيادة: إلا من كان معه الهدي
(2)
.
ثم ساق حديث عَبْدِ الله بْنِ أَبِي أَوْفَى: اعْتَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ فطفنا مَعَهُ، وَأَتَى الصَّفَا وَالمَرْوَةَ وَأَتَيْنَاهَا مَعَهُ .. الحديث وفيه: وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ.
وحديث عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْنَا ابن عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالبَيْتِ فِي عُمْرَةِ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ وسعى (بِالبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعًا)
(3)
، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ اسْوَة حَسَنَةٌ.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في الخامس بعد الثلاثين، كتبه مؤلفه.
(2)
برقم (1651).
(3)
ليست في الأصل.
قَالَ: وَسَألْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله، فَقَالَ: لَا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ. وقد سلف
(1)
.
وحديث أَبِي مُوسَى
(2)
قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالبَطْحَاءِ وَهُوَ مُنِيخٌ، فَقَالَ:"أَحَجَجْتَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ .. الحديث. وقد سلف أيضًا
(3)
.
وحديث أَسْمَاءَ رضي الله عنها أنَّها كُلَّمَا مَرَّتْ بِالحَجُونِ قالت: صَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَا هُنَا، وَنَحْنُ يَوْمَئِذِ خِفَافٌ، قَلِيلٌ ظَهْرُنَا، قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا، فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَاخْتِي عَائِشَةُ وَالزبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَلَمَّا مَسَحْنَا البَيْتَ أحْلَلْنَا، ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ العَشِيِّ بِالحَجِّ.
الشرح:
حديث أسماء أخرجه مسلم مطولًا
(4)
، والعمرة في حديث ابن أبي أوفى المراد بها: عمرة القضية، ولم يذكر في حديث جابر السعي، وقد قال بعض السلف: إنه ليس بواجب، واتفق أئمة الفتوى على أن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف وسعى، وإن لم يكن حلق، ولا قصر على ما جاء في هذا الحديث، كذا ادعاه ابن بطال ثم قال: ولا أعلم في ذَلِكَ خلافًا إلا شذوذًا، روي عن ابن عباس أنه قال: العمرة الطواف
(5)
، وتبعه ابن راهويه.
(1)
برقم (396) كتاب: الصلاة، باب: قول الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} .
(2)
ورد بهامش الأصل: حديث أبي موسى سلف في باب: من أهلَّ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
برقم (1559) باب: من أهل في زمن.
(4)
مسلم (1235) كتاب الحج، باب: ما يلزم من طاف بالبيت وسعى من البقاء على الإحرام وترك التحلل.
(5)
ذكره ابن حزم في "المحلى" 7/ 97.
والحجة في السنة لا في خلافها، وقد أسلفنا أن الأظهر عند الشافعي: أن الحلق ركن فيها
(1)
، واحتج الطبري بحديث أبي موسى على من زعم أن المعتمر يحل من عمرته إذا أكمل عمرته، ثم جامع قبل أن يحلق أنه مفسد لعمرته، فقال: ألا ترى قوله عليه السلام لأبي موسى: "طف بالبيت وبين الصفا والمروة، وحل"، ولم يقل: طف بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصر من شعرك أو احلق ثم أحل. فبين بذلك أن الحلق والتقصير ليسا من النسك، وإنما هما من معاني الإحلال، كما إن لبس الثياب والطيب بعد طواف المعتمر بالبيت، وسعيه من معاني إحلاله، وكذلك من إحلاله من إحرامه بعد رميه جمرة العقبة لا من نسكه، فتبين فساد قول من زعم أن المعتمر إذا جامع قبل الحلق بعد طوافه وسعيه أنه مفسد عمرته وهو قول الشافعي
(2)
.
قال ابن المنذر: ولا أحفظ ذَلِكَ عن غيره. وقال مالك والثوري والكوفيون: عليه الهدي. وقال عطاء: يستغفر الله ولا شيء عليه.
قال الطبري: وفي حديث أبي موسى بيان فساد قول من قال: إن المعتمر إن خرج من الحرم قبل أن يقصر أنَّ عليه دمًا، وإن كان قد طاف وسعى قبل خروجه منه.
وفيه أيضًا أنه عليه السلام إنما أذن لأبي موسى بالإحلال من عمرته بعد الطواف والسعي، فبان بذلك أن من حل منهما قبل ذَلِكَ فقد أخطأ، وخالف السنة، واتضح به فساد قول من زعم: أن المعتمر إذا دخل الحرم فقد حل، وله أن يلبس ويتطيب، ويعمل ما يعمله الحلال،
(1)
انظر: "روضة الطالبين" 3/ 101.
(2)
انظر: "روضة الطالبين" 3/ 102.
وهو قول ابن عمر وابن المسيب، وعروة، والحسن، وصح أنه من حل من شيء، كان عليه حرامًا قبل ذَلِكَ فعليه الفدية.
واختلف العلماء إذا وطئ المعتمر بعد طوافه، وقبل سعيه فقال مالك والشافعي، وأحمد وأبو ثور: عليه الهدي وعمرة أخرى مكانها، ويتم الذي أفسد، ووافقهم أبو حنيفة إذا جامع بعد طواف ثلاثة أشواط، وقال: إذا جامع بعد أربعة أشواط بالبيت أنه يقضي ما بقي من عمرته، وعليه دم، ولا شيء عليه، وهذا الحكم لا دليل عليه إلا الدَّعوى
(1)
.
حجة الأولين حديث ابن أبي أوفي في الباب: أنه عليه السلام اعتمر مع
أصحابه ولم يحلوا حَتَّى طافوا وسعوا، وبذلك أمر عليه السلام أبا موسى قال له:("طف واسع وأحل") فوجب الاقتداء بسنته واتباع أمره، وقال:"خذوا عني مناسككم"
(2)
وقد فهم الصحابة الذين تلقوا عنه السنة قولًا وعملًا هذا المعنى منهم: ابن عمر وجابر
(3)
.
وقولها: (فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ) أي: حين أمرهم أن يجعلوا إحرامهم بالحج عمرة، فثبتت أسماء على عمرتها، وحاضت عائشة فلم تطف وأُمرت برفض ذكر العمرة، وأن تكون على الحج كما بدأت به أولًا، فأخبرت أسماء عن نفسها وعن غيرها، ولم يدل ذَلِكَ على أن عائشة مسحت البيت معهم؛ لثبوت حيضها فمُنِعت العمرة، ومثله حديث ابن عباس في حديث الفسخ: طفنا بالبيت، وأتينا النساء
(4)
؛
(1)
انظر: "المجموع" 7/ 421.
(2)
رواه مسلم (1297) كتاب: الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، بنحوه.
(3)
من قول المصنف رحمه الله سابقًا: كذا ادعاه ابن بطال
…
إلى هذا الموضع نقله من "شرحه" 4/ 447 - 449 بتصرف.
(4)
سلف برقم (1572) باب: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ} .
لأنه كان صغيرًا في حجة الوداع قد ناهز الحلم، ومثله لا يأتي النساء، وكذلك قالت عائشة -في حديث الأسود: فلما قدمنا تطوفنا بالبيت
(1)
، وهي لم تطف حَتَّى طهرت، ورجعت من عرفة؛ لأنها قالت فيه: ونساؤه لم يسقن الهدي، فأهللن فحضت، فلم أطف بالبيت بعد أن قالت: تطوفنا. وعلى هذا التأويل يخرج قول من قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا معه
(2)
، يعني: أمر، وقد تقدم معنى قولها: فلما مسحنا البيت، أحللنا
(3)
، تريد السعي، وعليه تأوله الفقهاء
(4)
.
وقال الداودي: فيه تقديم وتأخير واختصار، ومعناه اعتمرت أنا والزبير وفلان وفلان، فلما مسحنا البيت أحللنا ثم أهللنا بالحج، واعتمرت عائشة بعد أن حلت من حجها؛ لأن الروايات من غير طريق أن عائشة أتت البيت وهي حائض.
وقال غيره: مسحنا بالبيت أي: طفنا؛ لأن من طاف به مسح الركن فصار اسمًا له.
فائدة:
في آخر حديث عبد الله بن أبي أوفى "بَشِّروا خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب". البيت: القصر، والبيت: الشرف أيضًا، قاله ابن الأعرابي، قال: والقصب: الدر المجوف، وقال
الهروي: أراد بشرها بقصر من زمردة مجوفة، أو لؤلؤة مجوفة،
(1)
رواه مسلم (1211).
(2)
رواه مسلم (1226/ 171) باب: جواز المتعة.
(3)
رواه مسلم (1226/ 171) باب: جواز المتعة.
(4)
من قول المصنف رحمه الله وقولها: فاعتمرت أنا وأختي
…
إلى هذا الموضع هو في "شرح ابن بطال" 4/ 449 - 450 حكاه عن المهلب. بتصرف.
والصخب: الصوت، والنصب: الإعياء والتعب، فما في الجنة لا تعب فيه ولا آفة.
فائدة:
معنى قوله لأبي موسى ("أَحَجَجْتَ؟ ") أي: نويت الحج؟ نبه على ذَلِكَ الداودي.
12 - باب مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنَ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ أَوِ الغَزْوِ
1797 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ:"لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". [2995، 3084، 4116، 6385 - مسلم: 1344 - فتح 3/ 618]
ذكر فيه حديث ابن عمر: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوِ أَوْ حَجِّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ:"لَا إله إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ".
هذا الحديث أخرجه مسلم، وعنده: كان إذا قفل من الجيوش، أو السرايا أو الحج، أو العمرة إذا أوفى على ثنية أو فدْفَدٍ كبر ثلاثًا، ثم قال، الحديث، وفي رواية أنه كبر مرتين
(1)
، وذكره البخاري في آواخر غزوة الخندق أيضًا
(2)
، وأخرج معناه من حديث أنس
(3)
وجابر
(4)
،
(1)
مسلم (1344) كتاب: الحج، باب: ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره.
(2)
سيأتي برقم (4116).
(3)
سيأتي برقم (3085 - 3086) كتاب: الجهاد والسير، باب: ما يقول إذا رجع من الغزو، ورواه مسلم (1345).
(4)
يأتي برقم (2994) كتاب: الجهاد والسير، باب: التكبير إذا علا شرفًا.
وأخرجه الترمذي من حديث البراء وصححه
(1)
.
ومعنى: قفل: رجع إلى بلده، ولا يسمى المتوجه من بلده قافلًا بل صائبة، وقال في "النهاية": أكثر ما يستعمل في الرجوع، ويُقال: قفول فيها الشرف العالي
(2)
.
آيبون: يريد نفسه ومن معه من سفرهم، وقيل: لا يكون إلا الرجوع إلى أهله، حكاه في "المحكم": تائبون من كل منهي، عابدون له وحده، حامدون على ما تفضل من النصرة.
وقوله: ("وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ") يريد أنه تعالى وعده بإعزاز دينه، وإهلاك عدوه، وغلبة الأحزاب، فيحتمل إرادة الأحزاب، ويحتمل أن يريد به أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن، ويحتمل أن يريد الدعاء كأنه قال: اللهم افعل ذَلِكَ وحدك، وخص استعمال هذا الذكر هنا؛ لأنه أفضل ما قاله النبيون قبله.
وفيه من الفقه: استعمال حمد الله تعالى والإقرار بنعمه، والخضوع له، والثناء عليه عند القدوم من الحج، والجهاد على ما وهب من تمام المناسك، وما رزق من النصر على العدو، والرجوع إلى الموطن سالمين؛ وكذلك يجب إحداث الحمد لله والشكر له على ما يحدث على عباده من نعمه، فقد رضي من عباده بالإقرار له بالوحدانية، والخضوع له بالربوبية، والحمد والشكر عوضًا عما وهبهم من نعمه
(1)
الترمذي (3440) كتاب: الدعوات، باب: ما يقول إذا خرج مسافرًا.
ورواه النسائي في "الكبرى" 6/ 141 (10383)، وأحمد 4/ 281، والطيالسي 2/ 89 (751)، وابن حبان 6/ 427 (2711)، والحديث صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
(2)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 93.
تفضلًا عليهم ورحمة لهم.
وفيه: بيان أن نهيه عن السجع في الدعاء أنه على غير التحريم؛ لوجود السجع في دعائه ودعاء أصحابه، فيحتمل أن يكون نهيه عن السجع متوجهًا إلى حين الدعاء خاصة خشية أن يشتغل الداعي بطلب الألفاظ، وتعديل الأقسام عن إخلاص النية، وإفراغ القلب في الدعاء، والاجتهاد فيه، وسيأتي -إن شاء الله- مزيد بيان ذَلِكَ في باب: ما يكره من السجع في الدعاء، إن شاء الله ذَلِكَ وقدَّره
(1)
.
(1)
انظر شرح حديث ابن عباس الآتي برقم (6337) كتاب: الدعوات.
13 - باب اسْتِقْبَالِ الحَاجِّ القَادِمِينَ وَالثَّلَاثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ
1798 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ اسْتَقْتَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ. [5965، 5966 - فتح: 3/ 619]
ذكر فيه حديث ابن عباس قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ (استَقْبَلَة)
(1)
أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ.
وهو من أفراده، أغيلمة: تصغير غلمة، وكان القياس غليمة، ولكنهم ردوها إلى أفعلة أي: أغلمة، ذكره الخطابي
(2)
، وقال الداودي: أغلمة: بفتح الألف جمع غلام، وهي اللغة. قالوا: جمع غلام: غلمة، غلمان، ولم يقولوا: أغلمة.
وفيه: ركوب الثلاثة فأكثر على الدابة، وروي كراهية ركوب ثلاثة على دابة، ولا يصح
(3)
.
وفيه: جواز حمل الدابة على ما أطاقت.
وفيه: تلقي القادمين من الحج إكرامًا لهم وتعظيمًا؛ لأنه عليه السلام لم ينكر تلقيهم، بل سر به؛ لحمله لهم بين يديه وخلفه، ويدخل في معنى ذَلِكَ من قدم من الجهاد، أو من سفر طاعة فلا بأس بالخروج
(1)
في الأصل وفي اليونينية 3/ 7: (استقبلنه) وليس عليها أي تعليق.
(2)
"أعلام الحديث" 2/ 914.
(3)
بوب لها ابن أبي شيبة 5/ 309 في "مصنفه"، وذكر فيها ستة آثار عن: محمد بن سيرين (26366)، والشعبي (26367)، وبريدة (26638)، والحارث الأعور (26369)، والمهاجر بن قنفذ (26370)، وزاذان رفعه (26371).
إليه، وتلقيه تأنيسًا له وصلة.
ومن تراجم البخاري على هذا الحديث باب: الثلاثة على الدابة، وسيأتي في كتاب: الزينة
(1)
، ولا يكلف إلا ما يطيق مما لا يطيقه أصلًا، أو طاقته بكلفة فلا يكلف به.
(1)
يأتي برقم (5965) كتاب: اللباس.
14 - باب القُدُومِ بِالغَدَاةِ
1799 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ، وَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الوَادِي، وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ. [انظر: 484 - مسلم: 1257 - فتح: 3/ 619]
ذكر فيه حديث ابن عمر: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ إلى مَكَّةَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ، وَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الوَادِي، وَبَاتَ حَتَّى يُصْبحَ.
هذا الحديث من أفراده، واختار القدوم بالغداة ليتقدم خبره إلى أهله ويتأهبوا للقائه فيقدم على ذَلِكَ.
15 - باب الدُّخُولِ بِالعَشِيِّ
1800 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ اِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ، كَانَ لَا يدخلُ إِلَّا غُدْوَةَ أَوْ عَشِيَّةَ. [مسلم: 1928 - فتح: 3/ 619]
ذكر فيه حديث أنس: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ، كَانَ لَا يدخُلُ إِلَّا غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في الجهاد
(1)
، والنسائي في عِشرة النساء
(2)
.
والدخول بالعشي مباح، وإنما النهي عنه أن يطرق القادم أهله ليلًا.
ومعني لا يطرق أهله: لا يأتيهم ليلًا. يقال: طَرق يطرُق بضم الراء طَرْقًا، ورجل طرقه: إذا كان يسري حَتَّى يطرق أهله ليلًا.
وسيأتي حديث جابر بعد هذا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق أهله ليلًا
(3)
، وأتى به على التأكيد، وإن كان ابن فارس حكى عن بعضهم طرق بالنهار أيضًا
(4)
، فعلى هذا يكون على البيان.
(1)
مسلم (1928) كتاب: الجهاد، باب: كراهية الطروق وهو الدخول ليلًا لمن ورد من سفر.
(2)
"السنن الكبرى" 5/ 361 كتاب: عشرة النساء، باب: النهي عن التماس عثرات النساء.
(3)
الحديث الآتي (1801).
(4)
"المجمل" 2/ 595.
16 - باب لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ إِذَا بَلَغَ المَدِينَةَ
1801 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلًا. [انظر: 443 - مسلم: 715 - فتح: 3/ 620]
سلف حديث جابر في الباب قبله، وقد جاء في الحديث بيان المعنى الذي من أجله نهى عن هذا، وهو لكي تمتشط الشَّعِثة وتستحد المغيبة.
كما أخرجه الشيخان من حديثه كراهية أن يهجم منها على ما يقبح عنده اطلاعه عليه فيكون سببًا إلى شنآنها وبغضها، فنبههم على ما تدوم به الألفة بينهم، وتتأكد المحبة، فينبغي لمن أراد الأخذ بأدب نبيه أن يجتنب مباشرة أهله في حال البذاذة وغير النظافة، وأن لا يتعرض لرؤية عورة يكرهها منها، ألا ترى أن الله تعالى أمر من لم يبلغ الحلم بالاستئذان في الأحوال الثلاثة في الآية
(1)
، لما كانت هذِه أوقات التجرد والخلوة خشية الاطلاع على العورات، وما يكره النظر إليه، وعن ابن عباس أنه قال: آية لم يؤمن بها أكثر الناس، آية الإذن، وإني لآمر جاريتي هذِه أن تستأذن علي
(2)
.
(1)
يشير المصنف رحمه الله إلى آية [سورة النور: 58].
(2)
رواه أبو داود (5191) كتاب: الأدب، باب: الاستئذان في العورات الثلاثة، وصححه الحافظ في "الفتح" 11/ 31، وقال الألباني: صحيح الإسناد موقوف.
17 - باب مَنْ أَسْرَعَ نَاقَتَهُ إِذَا بَلَغَ المَدِينَةَ
1802 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: زَادَ الحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ: حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جُدُرَاتٍ. تَابَعَهُ الَحارِثُ بْنُ عُمَيْرِ. [1886 - فتح: 3/ 620]
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أبِي مَرْيَمَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أنَسًا يَقُولُ: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا. (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ)
(1)
: زَادَ الحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ: حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا.
حَدَّثَنَاُ قتيْبَةُ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أنَسٍ قَالَ: جُدُرَاتٍ. تَابَعَهُ الحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ.
هذا الحديث من أفراده، نعم في مسلم، عن أنس لما وصف قفوله صلى الله عليه وسلم من خيبر، فانطلقنا حَتَّى أتينا حيدر المدينة هششنا إليها فرفعنا مطينا، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيته
(2)
.
وزيادة الحارث أخرجها أبو نعيم الأصبهاني في "مستخرجه" من حديث ابن أبي شيبة: ثَنَا خالد بن مخلد، ثَنَا الحارث بن عميرة ومحمد بن جعفر، عن محمد بن جعفر، عن حميد، عن أنس فذكره
وأخرجها أيضًا الترمذي عن علي بن حجر الإسماعيلي جعفر عن حميد
(1)
ليست في الأصل.
(2)
مسلم (1365/ 88) بعد حديث (1428).
عن أنس وقال: صحيح غريب
(1)
. واعترض الإسماعيلي على الترجمة فقال: ليس بصحيح. إذ يقول أسرع بناقته
(2)
. قلت: لا اعتراض عليه، فأسرع يتعدى بنفسه تارة، وبحرف الجر أخرى، كما نبه عليه صاحب "المحكم"
(3)
، ودوحات بالدال والواو والحاء المهملة، وفي رواية المستملي، والنسفي: والكافة: (درجات) بالدال والراء، قال صاحب "المطالع": يعني: المنازل، والأشبه جدرات، والدوحات
(4)
جمع دوحة: وهي الشجرة العظيمة المتسعة، والجمع: دوح، وأدواح: جمع الجمع. وقال أبو حنيفة: الدوائح العظام وكأنه جمع: دائحة. وقال ابن سيده: وإن لم يتكلم به، والدوحة: المظلة العظيمة، والدوح بغير هاء: البيت الضخم الكبير من الشجر
(5)
. وقال ابن الأنباري في "شرح المقامات": يقال: شجرة دوحة إذا كانت عظيمة كثيرة الورق والأغصان.
وقوله: "أَوْضَعَ نَاقَتَهُ" سار بها سيرًا سهلًا سريعًا، ذكره ابن فارس
(6)
، وغيره يقول: أسرع.
وقوله: (مِنْ حُبِّهَا) أي لأنها وطنه، وفيها أهله، وولده الذين هم أحب الناس إليه، وقد جبل الله النفوس على حب الأوطان، والحنين إليها.
وفيه: الأمر بسرعة الرجوع إلى الأهلين عند انقضاء مأربهم.
(1)
الترمذي (3441).
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه. يعني قوله أسرع ناقته في كونه عدَّي (أسرع) بنفسه.
(3)
"المحكم" 1/ 300.
(4)
ورد بهامش الأصل: قال في "القاموس": وداح بطنه: عظم واسترسل، كانداح، والشجرة عظمت فهي دائحة والجمع دوائح، فقد خرج على شكله.
(5)
"المحكم" 3/ 379.
(6)
"مجمل اللغة" 1/ 928.
18 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189]
1803 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ رضي الله عنه يَقُولُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا، كَانَتِ الأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ، فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ {وَلَيْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189]. [4512 - مسلم: 3026 - فتح: 3/ 621]
ذكر فيه حديث البراء: نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ فِينَا، كَانَتِ الأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، ولكن مِنْ ظُهُورِهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ، فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ:{وَلَيْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [البقرة: 189].
هذا الحديث أخرجه مسلم
(1)
، وفي بعض ألفاظ البخاري عنه: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله الآية
(2)
، وقال مجاهد: كان المشركون إذا أحرم الرجل منهم نقب كوة في ظهر بيته، وجعل سلمًا فيدخل منها، وقال معمر عن الزهري: كان الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء يتحرجون من ذَلِكَ، وكان الرجل حين يخرج مهلًا بالعمرة فتبدو له الحاجة بعدما يخرج من بيته، فيرجع لا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب أن يحول بينه وبين السماء فيفتح الجدار من ورائه،
(1)
مسلم (3026).
(2)
يأتي برقم (4512) كتاب: التفسير، باب: قوله: {وَلَيسَ البِرُ} .
حَتَّى بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل من الحديبية بالعمرة فدخل حجرته، فدخل رجل من الحمس من ورائه، فقال له الأنصاري: وأنا أحمس، يقول: وأنا على دينك؛ لأن الحمس كانت لا تبالي ذَلِكَ فأنزل الله الآية
(1)
، والرجل من الأنصار: هو رفاعة بن تابوت، كذا أخرجه عبد في "تفسيره"، عن قيس بن جرير
(2)
.
وأخرج الحاكم وقال: على شرط الشيخين، أنه قطبة بن عامر بن حديدة الأنصاري السلمي
(3)
. وفي "مقامات التنزيل" لأبي العباس: الذي دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني أحمس رجل من المشركين، قال: وفي رواية الزهري: أن الآية نزلت في الحديبية حين أحرم بها.
وقال محمد بن كعب القرظي -فيما حكاه ابن أبي حاتم في "تفسيره"-: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت فنزلت الآية، وحكى أيضًا عن عطاء قال: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا البيوت من ظهورها، ويرون أن ذَلِكَ أدنى البر فنزلت الآية
(4)
، وعن الحسن: إذا أراد أحدهم سفرًا ثم بدا له فنزلت
(5)
.
وقال الزجاج: كان قوم من قريش وجماعة منهم من العرب إذا خرج الرجل منهم في حاجة فلم يقضها، ولم يتيسر له رجع، فلم يدخل من باب بيته يفعل ذَلِكَ طيرة فأعلمهم الله تعالى أن هذا غير بر.
(1)
رواهما الطبري 2/ 193 (3088 - 3089)،
(2)
رواه أيضًا الطبري 2/ 193 (3084) والذي فيه عن قيس بن جبر.
(3)
"المستدرك" 1/ 483، وكذا رواه ابن أبي حاتم 1/ 323 (1710)، وقال الحاكم: على شرط البخاري ومسلم، ولم يخرجاه بهذِه الزيادة.
(4)
"تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 324 (1713 - 1714).
(5)
رواه ابن أبي حاتم 1/ 324 (1712).
وقال الأكثر من أهل التفسير: وهم قوم من قريش، وبني عامر بن صعصعة وثقيف وخزاعة، كانوا إذا أحرموا لا يأقطون الأقط ولا ينتفون الوبر، ولا يسلون السمن، وإذا خرج أحدهم في الإحرام لم يدخل من باب بيته، فنزلت الآية.
19 - باب السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ
1804 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ؛ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ". [3001، 5429 - مسلم: 1927 - فتح: 3/ 622]
حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عن مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ؛ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وتفرد به مالك عن سمي ولا يصح لغيره، كما قاله أبو عمر قال: وانفرد به سمي أيضًا فلا يحفظ عن غيره، وهكذا هو في "الموطأ"
(2)
عند جماعة الرواة بهذا الإسناد، ورواه ابن مهدي، (و)
(3)
بشر، عن مالك مرسلًا، وكان وكيع يحدث به عن مالك حينًا مرسلًا وحينًا مسندًا كما في "الموطأ"، والمسند صحيح ثابت احتاج الناس فيه إلى مالك، وليس له غير هذا الإسناد من وجه يصح.
وروى عبيد الله بن المنتاب، عن سليمان بن إسحاق (الطلحيِّ)
(4)
،
(1)
مسلم (1927) كتاب: الإمارة، باب: السفر قطعة من العذاب.
(2)
"الموطأ" 2/ 159 (2063) كتاب: الجامع، باب: ما يؤمر به من العمل في السفر.
(3)
في الأصل: عن، والمثبت من "التمهيد" 22/ 33.
(4)
كذا بالأصل وجاء في "التمهيد" 22/ 34: المكلحي. وجاء في "الحلية" 9/ 161: الطلحي.
عن هارون الفروي، عن عبد الملك بن الماجشون قال: قال مالك: ما بال أهل العراق يسألونني عن حديث "السفر قطعة من العذاب؟ " قيل له: لم يروه غيرك، فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدثت به. ورواه (عصام)
(1)
بن رواد بن الجراح، عن أبيه، عن مالك، عن ربيعة، عن القاسم، عن عائشة
(2)
، وعن مالك، عن سمي كما سلف مرفوعًا به قال: وحديث رواد غير محفوظ، لا أعلم رواه عن مالك غيره، وهو خطأ ليس رواد ممن يحتج به
(3)
، ولا يعول عليه، وقد رواه خالد بن مخلدٍ، عن محمد بن جعفر الوركاني، عن مالك، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، ولا يصح لمالك عن سهيل عندي، إلا أنه لا يبعد أن يكون عن سهيل أيضًا، وليس
(1)
في الأصل: عاصم والمثبت من "التمهيد" 22/ 34، وانظر ترجمته في "لسان الميزان" 4/ 656 (5657) وقال: لينه الحاكم أبو أحمد وذكره ابن حبان في "الثقات".
(2)
رواه الطبراني في "الأوسط" 4/ 366 (4451)، وفي "الصغير" 1/ 366 (613)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 10/ 93.
(3)
هو رواد بن الجراح الشامي، أبو عصام العسقلاني، روى عن إبراهيم بن طهمان وسفيان الثوري والأوزاعي، روى عنه: إسحاق بن راهويه وأبو بكر بن أبي شيبة وابنه عصام.
قال أحمد: لا بأس به، صاحب سنة، إلا أنه حدث عن سفيان أحاديث مناكير، وقال يحيى: ثقة، وقال مرة: لا بأس به، إذا غلط في حديثه عن سفيان، وقال البخاري: كان قد اختلط، لا يكاد يقوم حديثه، ليس له كبير حديث قائم، وقال أبو حاتم: تغير حفظه في آخر عمره، وكان محله الصدق.
قال الحافظ في "التقريب"(1958): صدوق اختلط بآخره، متروك، وفي حديث عن الثوري ضعف شديد.
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 3/ 524 (2368)، "الكامل" 4/ 114 (684)، "تهذيب الكمال" 9/ 227 (1927).
بمعروف لمالك عنه، وقد روي عن عتيق بن يعقوب، عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا، ولا يصح أيضًا عندي، وإنما هو لمالك، عن سمي، لا عن سهيل، ولا عن ربيعة، ولا عن أبي النضر، وقد رواه بعض الضعفاء عن مالك قال: وليتخذ لأهله هدية، وإن لم يلق إلا حجرًا فليلقه في مخلاته قال: والحجارة يومئذٍ تضرب بها القداح.
قال أبو عمر: وهذِه زيادة منكرة لا تصح، ورواه ابن سمعان
(1)
، عن زيد بن أسلم، عن جمهان، عن أبي هريرة مرفوعًا:"السفر قطعة من العذاب"
(2)
وابن سمعان كان مالك يرميه بالكذب
(3)
، قال: وقد رويناه عن الدراوردي، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة بإسناد صالح، لكنه لا تقوى الحجة به. وفيه:"وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها مأوى الهوام والدواب"
(4)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ابن سمعان اسمه عبد الله بن زياد بن سمعان المدني الفقيه أحد المتروكين في الحديث عن مجاهد والأعرج وعنه ابن وهب وعبد الرزاق عدة، كذَّبه مالك.
(2)
رواه ابن عدي في "الكامل" 5/ 204.
(3)
هو عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المقرومي، أبو عبد الرحمن المدني،
مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
روى عن: سعيد المقبري ومجاهد بن جبر والزهري، روى عنه: بقية بن الوليد وعبد الرزاق بن همام وعلي بن الجعد، قال مالك: كان كذابًا، وقال أحمد: متروك الحديث، وقال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال أبو زرعة: لا شيء، وقال أبو حاتم: سبيله سبيل الترك.
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 5/ 60 (279)، "الكامل" 5/ 201 (968)، "تهذيب الكمال" 14/ 526 (3276).
(4)
قلت: هو من هذا الطريق في مسلم (1926).
قال: وفيه دلالة على أن طول التغرب عن الأهل لغير حاجة أكيدة من دين أو دنيا لا يصلح ولا يجوز، وإنَّ من انقضت حاجته لزمه الاستعجال إلى أهله الذين يقوتهم.
وقد روى وكيع عن مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا:"لو يعلم الناس ما للمسافر لأصبحوا على ظهر سفر، إن الله لينظر إلى الغريب في كل يوم مرتين"، وقال: هذا حديث غريب لا أصل له من حديث مالك ولا غيره
(1)
(وهو حديث حسن)
(2)
ومما يدخل في هذا الباب قوله: "سافروا تغنموا"
(3)
. قلت: أخرجه ( ...... )
(4)
ابن عباس وابن عمر مرفوعًا
(5)
، وقد ظنه قوم معارضًا
(1)
رواه بهذا اللفظ ابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 36. ورواه الديلمي كما في "الفردوس" 3/ 348 (5050) بلفظ: "لو يعلم الناس ما للمسافر لأصبحوا على ظهر سفر، ان الله عز وجل ينظر إلى الغريب كل يوم ألف مرة".
قلت: للحديث ألفاظ أخرى، وكلها ضعيفة، ضعفها السخاوي وغيره. انظر "المقاصد الحسنة"(896)، و"تذكرة الموضوعات" ص 122 - 123، و"الأسرار المرفوعة"(99)، و"كشف الخفاء" 1/ 253 (781).
(2)
هذِه الجملة ليست من كلام ابن عبد البر، وهو المنقول عنه هنا، بل مدرجة فيه من كلام ابن الملقن ويقصد بالحسن: حسن اللفظ لا حسن الإسناد.
(3)
من بعد قول المصنف رحمه الله أول الباب قال أبو عمر .. إلى هذا الموضع نقله من "التمهيد" 22/ 33 - 37.
(4)
بياض بالأصل مقدار كلمة.
(5)
حديث ابن عباس رواه ابن عدي في "الكامل" 8/ 324 من طريق محمد بن معاوية النيسابوري: ثنا نهشل بن سعيد، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعًا:"سافروا تصحوا وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا".
قال الألباني في "الصحيحة" 7/ 1066: هذا إسناد هالك؛ نهشل بن سعيد متروك، وكذبه ابن راهويه، ونحوه محمد بن معاوية النيسابوري.
ورواه البيهقي 7/ 102، وابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 37 من طريق بسطام بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حبيب، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن ابن عباس مرفوعًا:"سافروا تصحوا وتغنموا"، هكذا عند البيهقي، وفي "التمهيد" وترزقوا، بدل: وتغنموا.
قال الألباني في "الصحيحة" 7/ 1066: بسطام لم أجد له ترجمة، والقاسم هو الأنصاري، ضعفه أبو حاتم، وقال أبو زرعة: منكر الحديث.
أما حديث ابن عمر فرواه ابن حبان في "المجروحين" 2/ 45، وابن عبد البر 22/ 37 من طريق عبد الله بن عيسى الأصم، عن مطرف، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا:"سافروا تصحوا وتسلموا".
قال ابن حبان: عبد الله بن عيسى من أهل المدينة، يروي عن نافع ومطرف العجائب. ويقلب الأخبار على الثقات.
ورواه الطبراني في "الأوسط" 7/ 245 (7400)، وابن عدي في "الكامل" 7/ 400، وتمام الرازي في "الفوائد" 1/ 308 (769)، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 364 (622)، والبيهقي 7/ 102، والخطيب في "تاريخ بغداد" 10/ 387، وابن عبد البر 22/ 37 من طريق محمد بن عبد الرحمن بن رداد، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر مرفوعًا:"سافروا تصحوا وتغنموا".
قال أبو حاتم في "العلل" 6/ 302 (2330): حديث منكر، وقال الهيثمي في ""المجمع" 5/ 324: فيه محمد بن عبد الرحمن، وهو ضعيف، وقال الألباني في "الضعيفة" (255): منكر.
ورواه الديلمي كما في "الفردوس" 2/ 130 (2663).
قال الحافظ في "التلخيص" 3/ 116: أخرجه صاحب "الفردوس" من طريق محمد بن الحارث، عن محمد عبد الرحمن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ:"حجوا تستغنوا وسافروا تصحوا وتناكحوا تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم". والمحمدان ضعيفان. اهـ.
وضعفه الألباني في "الضعيفة"(3480).
ورواه عبد الرزاق في "المصنف" 5/ 168 - 169 (9269) عن معمر عن ابن طاوس، عن أبيه قال: قال عمر: سافروا تصحوا وترزقوا. هكذا موقوفًا.
قال الألباني في "الضعيفة" 1/ 422: رجاله ثقات، ولكنه منقطع بين طاوس =
لهذا الحديث، وليس كذلك لاحتمال أن يكون العذاب وهو: التعب، والنصب ها هنا (مسندًا)
(1)
للصحة
(2)
.
لأن في الحركة والرياضة منفعة لا سيما لأهل الدعة، والرفاهية كالدواء المر المعقب للمصلحة، وإن كان في تناوله كراهية.
والنهمة بفتح النون وسكون الهاء: الحاجة، قال صاحب "الموعب": والنهمة أيضًا بلوغ الهمة بالشيء وهو منهوم بكذا أي: مولع.
وفيه: حجة لمن رأى تغريب الزاني بعد جلده، قال تعالى:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وأراد بمنعه طعامه وشرابه ونومه في وقت يريده؛ لاشتغاله بمسيره.
= وعمر، ولعل الموقوف هذا هو الصواب.
قلت: وفي الباب من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري.
حديث أبي هريرة رواه العقيلي في "الضعفاء" 2/ 92، والطبراني في "الأوسط" 8/ 174 (8312) من طريق زهير بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا:"اغزوا تغنموا وصوموا تصحوا وسافروا تصحوا". هكذا في "الضعفاء" وعند الطبراني: تستغنوا، بدل: تصحوا.
قال المنذري كما في "ضعيف الترغيب" 1/ 290: رواه الطبراني في "الأوسط" ورواته ثقات، وتبعه الهيثمي في "المجمع" 5/ 324، وقال الألباني في "الضعيفة" (5188): منكر بهذا السياق.
ورواه أحمد 2/ 380 من طريق ابن لهيعة، عن دراج، عن ابن حجيرة، عن أبي هريرة مرفوعًا:"سافروا تصحوا، واغزوا تستغنوا". وضعفه الألباني في "الضعيفة"(254).
أما حديث أبي سعيد فرواه ابن عدي 4/ 532 من طريق سوار الضرير، عن عطية، عن أبي سعيد مرفوعًا:"سافروا تصحوا".
والحديث صححه الألباني بمجموع طرقه الأربعة في "لصحيحة"(3352).
(1)
في "التمهيد" 22/ 36: مستديمًا.
(2)
"التمهيد" 22/ 33 - 37.
وفيه: الحث على ترك الأسفار غير سفر الطاعة؛ لما فيه من فوت الجماعات، والتقصير في العبادة.
وفيه: كما سلف حض أكيد وندب على سرعة رجوع المسافر إلى
أهله عند انقضاء حاجته، وقد بين عليه السلام المعنى في ذَلِكَ بقوله:"يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه"، وامتناع هذِه الثلاثة التي هي أركان الحياة مع ما ينضاف إليها من مشقة السفر، وتعبه، هو العذاب، الذي أشار إليه عليه السلام فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله؛ لكي يتعوض من ألم ما ناله من ذَلِكَ للراحة والدعة في أهله، والعرب تشبه الرجل في أهله بالأمير.
وقيل في قوله تعالى: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} [المائدة: 20] قال: من كان له دار وخادم فهو داخل في معنى الآية، وقد أخبر الله تعالى بلطف محل الأزواج من أزواجهن بقوله:{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] فقيل: المودة: الجماع، والرحمة: الولد.
فائدة:
من طُرَف ما وقع لي أن إمام الحرمين سأله بعضهم -لما جُعِل مكان والده- عن معنى قوله: ("السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ") فأجاب في الحال؛ لأن فيه فراق الأحباب، وهو من عجيب الأجوبة.
20 - باب المُسَافِرِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ يُعَجِّلُ إِلَى أَهْلِهِ
1805 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ، فَصَلَّى المَغْرِبَ وَالعَتَمَةَ، جَمَعَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ المَغْرِبَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا. [انظر: 1091 - مسلم: 703 - فتح: 3/ 624]
ذكر فيه عن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابن عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَبَلَغَهُ عَنْ صَفيَّةَ بِنْتِ أبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ، .. الحديث.
وسلف في باب: يصلي المغرب ثلاثًا في السفر، مطولًا
(1)
.
وفيه: جواز الإسراع على الدواب عند الحاجة؛ لغرض، ولا سيما عن خبر مقلق بلغه عن أهله.
قال ابن التين: والأولى أن يكون ابن عمر تأول جمعه عليه السلام بالمزدلفة.
(1)
سلف برقم (1091).
27
كِتابُ المُحصَر
باب المُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْىِ} [البقرة: 196] وَقَالَ عَطَاءٌ: الإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ يَحْبِسُهُ.
تقدم في باب: طواف القارن الكلام على الحصر، فراجعه من ثَمَّ، وأن أصله المنع والحبس، وقد يكون بعدو وقد يكون بمرض.
وأثر عطاء رواه ابن أبي شيبة: ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج عنه قال: لا إحصار إلا من مرض أو عدو أو أمر حابس
(1)
.
وحَدَّثَنَا عبد الأعلى، عن هشام، عنه في المحصر: إذا ذبح هديه حل من كل شيء هو بمنزلة الحلال
(2)
.
(1)
"المصنف" 3/ 206 (13552) كتاب: الحج، في الإحصار في الحج ما يكون.
(2)
"المصنف" 3/ 235 (13863) في المحصر من كان يقول: إذا ذبح هديه حل.
وقد أسلفنا الاختلاف اللغوي: هل يقال من العدو: حصر فهو محصور، ومن المرض: أحصر فهو محصر، وهو قول الكسائي وأبي عبيد، أو أحصر من المرض ومن العدو ومن كل شيء حبس الحاج، كما قال عطاء، وهو قول النخعي والثوري والكوفيين
(1)
، وهو قول الفراء وأبي عمرو، والحجة لذلك الآية المذكورة، وإنما نزلت في الحديبية، وكان حبسهم يومئذٍ بالعدو.
وقال أبو عمرو: يقال حصرني الشيء وأحصرني: حبسني.
وحكم الإحصار بعدو مخالف لحكم الإحصار بمرض عند الجمهور على ما يأتي بيانه بعد. وفي بعض نسخ البخاري بعد قوله: (وجزاء الصيد){وَحَصُورًا} : لا يأتي النساء، وهو قول سعيد بن جبير
(2)
وعطاء
(3)
ومجاهد
(4)
في تفسير الآية، وهو بمعنى: محصور كأنه منع مما يكون من الرجال، وفعول بمعنى: مفعول كثير في كلام العرب، كحلوب وركوب.
(1)
"مختصر اختلاف العلماء" 2/ 187 - 188.
(2)
رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم، كتاب: التفسير، تفسير سورة آل عمران، ووصله الحافظ بسنده في "تغليق التعليق" 4/ 188، ورواه كذلك ابن المبارك في "الزهد والرقائق" ص 532 (1516)، والطبري 3/ 255 (6980 - 6982)، وابن الجعد في "مسنده" ص: 322 (2204)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 356 (8502).
(3)
ذكره البغوي في "معالم التنزيل" 2/ 35.
(4)
رواه الطبري 3/ 255 (6983 - 6984)، والبيهقي 7/ 83 كتاب: النكاح، باب: من تخلى لعبادة الله إذا لم تتق نفسه إلى النكاح، وعبد الرحمن في "تفسير مجاهد" 1/ 125 - 126.
وعن سعيد بن المسيب لما قرأ الآية أخذ من الأرض شيئًا ثم قال: الحصور الذي ليس له إلا مثل هذا
(1)
، وقيل: الحابس نفسه عن المعاصي.
وقال ابن عباس: هو الذي لا يُنْزِل
(2)
.
قلت: والظاهر أنه الذي لا يقع منه مع القدرة؛ لأن العنة عيب، والأنبياء يصانون عنه
(3)
، والآية حجة لأبي حنيفة والشافعي وأشهب في أن المحصور بعذر عليه الهدي
(4)
، وانفرد أشهب بذلك بين أصحابه
(5)
، والآية محمولة عند مالك وأصحابه على المرض
(6)
، وفسر العزيزي الآية بالمنع من السير لمرض أو عدو أو غيره من العوائق.
ومذهب ابن عمر وابن عباس وأهل المدينة: أنه لا يكون إلا من عدو. وابن مسعود وأهل الكوفة: أنه منه ومن المرض
(7)
، وعليهما الهدي واجب على من منع لعدو، والمعنى فرضيته للمحصر.
(1)
رواه الطبري 3/ 255 (6979)، وابن أبي حاتم 2/ 643 (3464). قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 3/ 55: هذا حديث غريب جدًا.
(2)
رواه الطبري 3/ 256 (6992)، وابن أبي حاتم 2/ 643 (3467). وزاد السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 39 نسبته إلى أحمد في "الزهد" وابن المنذر.
(3)
قال القاضي عياض: فاعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى بأنه حصور ليس كما قال بعضهم: إنه كان هيوبًا أو لا ذكر له بل قد أنكر هذا حذَّاق المفسرين ونقاد العلماء، وقالوا: هذِه نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء عليهم السلام؛ وإنما معناه أنه معصومٌ من الذنوب أي: لا يأتيها كأنه حُصر عنها، وقيل مانعًا نفسه من الشهوات، وقيل: نسيت له شهوة في النساء. اهـ "الشفا" 1/ 88.
(4)
انظر: "المبسوط" 4/ 106، "المنتقى" 2/ 273، "الأم" 8/ 169.
(5)
انظر: "المنتقى" 2/ 372.
(6)
السابق.
(7)
انظر: "شرح معاني الآثار" 2/ 252، "المجموع" 8/ 320.
1 - باب إِذَا أُحْصِرَ المُعْتَمِرُ
1806 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الفِتْنَةِ قَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ البَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ. [انظر: 1639 - مسلم: 1230 - فتح: 4/ 4]
1807 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عُبَيْدَ، اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما لَيَالِيَ نَزَلَ الجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ العَامَ، وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ البَيْتِ. فَقَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ البَيْتِ، فَنَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ العُمْرَةَ، إِنْ شَاءَ اللهُ أَنْطَلِقُ، فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ البَيْتِ طُفْتُ، وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَعَهُ. فَأَهَلَّ بِالعُمْرَةِ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا شَأْنُهُمَا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي. فَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَهْدَى، وَكَانَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافًا وَاحِدًا يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ. [انظر: 1639 - مسلم: 1230 - فتح: 4/ 4]
1808 -
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللهِ قَالَ لَهُ لَوْ أَقَمْتَ. بِهَذَا. [انظر: 1639 - مسلم: 1230 - فتح: 4/ 4]
1809 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ، حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا. [فتح: 4/ 4]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها: أَنَّ ابن عُمَرَ لما خَرَجَ إِلَى مَكَةَ مُعْتَمِرًا فِي الفِتْنَةِ فقَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ البَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وأَهَلَّ بِعُمْرَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ.
ثانيها: حديث عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُمَا كلَّمَا عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ لَيَالِيَ نَزَلَ الجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ العَامَ .. الحديث، وقد سلفا.
ثالثها: حَدَّثَنَا مُحَمَّد قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحِ -هو الوحاظي
(1)
- ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامِ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَحَلَقَ رَأسَهُ، وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ، حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا.
ومحمد هذا قيل: إنه ابن إدريس أبو حاتم الرازي الحافظ، مات سنة سبع وسبعين ومائتين، كذا هو بخط الدمياطي على حاشية الصحيح مقتصرًا عليه.
وقال أبو مسعود الدمشقي: محمد هذا هو محمد بن مسلم بن وارة، وقال الحاكم: هو الذهلي. وقال الكلاباذي: هو محمد بن إدريس أبو حاتم الرازي، وقال: قاله لي ابن أبي سعيد السرخسي وذكر أنه
رآه في أصلٍ عتيق
(2)
.
قلت: يؤيده أن الإسماعيلي رواه في "مستخرجه" عن عبد الله بن
(1)
ورد بهامش الأصل: قوله: (هو الوحاظي) من إيضاح المصنف، مات الوحاظي سنة 222، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي الأول عنه، والباقي بواسطة ثقة قال القتبي: جهمي.
(2)
انظر: "تقييد المهمل" 3/ 1040.
محمد بن مسلم، عن أبي حاتم الرازي، ثنا يحيى بن صالح، ومن جهته رواه ابن طاهر مرسخًا لكونه أبا حاتم
(1)
، وكذا قال أبو نعيم في "مستخرجه": حَدّثَنَا أبو أحمد، ثَنَا عبد الله بن محمد بن مسلم، ثَنَا
أبو حاتم، فذكره.
إذا تقرر ذَلِكَ: فغرض البخاري من هذِه الترجمة الرد على من قال: إن من أحصر في العمرة بعدو، أنه لا بد من الوصول إلى البيت والاعتمار؛ لأن السنة كلها وقت للعمرة بخلاف الحج، ولا إحصار في العمرة، ويقيم على إحرامه أبدًا، وهو قول لبعض السلف، حكي عن مالك وهو مخالف لفعله عليه السلام؛ لأنه كان معتمرًا بالحديبية هو وجميع أصحابه وما حلوا دون البيت، والفقهاء على خلافه حكم الإحصار في العمرة والحج عندهم سواء.
واختلف فيمن أحصر بعدو، فقال مالك والشافعي: لا حصر إلا حصر العدو
(2)
، وهو قول ابن عباس
(3)
وابن عمر
(4)
. ومعنى ذَلِكَ: أنه لا يحل لمحصر أن يحل دون البيت إلا من حصره العدو،
(1)
انظر: "الجمع بين رجال الصحيحين" 2/ 467.
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 396، "بداية المجتهد" 2/ 688، "الأم" 2/ 135.
(3)
رواه الطبري 2/ 221 (3240 - 3242)، وابن أبي حاتم 1/ 336 (1768) والبيهقي في "سننه" 5/ 219 كتاب: الحج، باب: من لم ير الإحلال بالإحصار بالمرض، وفي "معرفة السنن والآثار" 7/ 491 (10795) كتاب: المناسك، الإحصار بالمرض، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 384 إلى سفيان بن عيينة والشافعي في "الأم" وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 206 (13553) كتاب: الحج، في الإحصار في الحج ما يكون، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 384 إلى ابن أبي شيبة.
كما فعل الشارع، وكان حصره بالعدو، واحتج الشافعي فقال: على الناس إتمام الحج والعمرة، ورخص الله تعالى في الإحلال للمحصر بعدو، فقلنا: في كل بأمر الله ولم نعد بالرخصة موضعها كما لم نعد بالرخصة المسح على الخفين، ولم يجعل عمامة ولا قفازين قياسًا على الخفين. وخالف الشافعي مالكًا، فأوجب عليه الهدي، ينحره في المكان الذي حصر فيه، وقد حل، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية، وهو قول أشهب، وقال أبو حنيفة: الهدي واجب عليه ينحره في الحرم. وقد حل كما أسلفناه فيما مضى، واحتجوا في إيجاب الهدي عليه بقوله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ} الآية [البقرة: 196] فأجابهم الكوفيون: أن هذا إحصار مرض، ولو كان إحصار عدو لم يكن لهم في نحر أهل الحديبية حجة؛ لأن ما كان معهم من الهدي لم يكونوا ساقوه لما عرض لهم من حصر العدو؛ لأنه عليه السلام لم يعلم حين قلده أنه يصد، وإنما ساقه تطوعًا فلما صد أخبر الله عن صدهم وحبسهم الهدي عن بلوغ محله.
وكيف يجوز أن ينوب هدي قد ساقه قبل أن يصد عن دم وجب بالصد، ولم يأمرهم الشارع بهدي؛ لحصرهم، قاله جابر
(1)
، ولو وجب عليهم الهدي لأمرهم به كما أمرهم بالهدي الذي وجب عليهم، فكيف ينقل الحلق ولا ينقل إيجاب الهدي؟ وهو يحتاج إلى بيان من معه هدي: ما حكمه؟ ومن لا هدي معه، ما حكمه؟ وأما قول أبي حنيفة: ينحره في الحرم بقوله تعالى: {وَالهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] يدل أن التقصير عن بلوغ المحل سواء كان ذَلِكَ في الحل
(1)
"شرح معاني الآثار" 2/ 192، وانظر:"المنتقى" 2/ 273، "الأم" 2/ 135 - 137.
أو الحرم اسم التقصير واقع عليه إذا لم يبلغ مكة؛ لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ} [المائدة: 95].
وقول ابن عمر: إنما شأنهما واحد، يعني: الحج والعمرة في اجتناب ما يجتنب المحرم بالحج وفي العمل لهما؛ لأن طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا يجزئ القارن عنده.
واختلفوا فيمن أحصر بمرض؛ فقال مالك: لا يجوز له التحلل دون البيت بالطواف والسعي، ثم عليه حج قابل والهدي، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وروي عن ابن عمر وابن عباس. وقال أبو حنيفة: المحصر بالمرض كالمحصر بالعدو، يبعث بهديه إلى الحرم، فإذا علم أنه نحر عنه حل في مكانه من غير عمل عمرة، وإنما لم ير عليه عمرة؛ لأنه محرم والعمرة تحتاج إلى إحرام مستأنف ولا يدخل إحرام على إحرام. وهو قول النخعي وعطاء والثوري
(1)
.
واحتجوا بالحديث السالف هناك "من كسر أو عرج فقد حل، وعليه الحج من قابل"
(2)
، فيحتمل أن يكون معناه: فقد حل له أن يحل إذا نحر
(1)
انظر: "مختصر الطحاوي": ص 71، "شرح معاني الآثار" 2/ 253، 249، "الموطأ" 2/ 507، "المنتقى" 2/ 276، "المغني" 5/ 203.
(2)
رواه أبو داود (1862 - 1863) كتاب: المناسك، باب: الإحصار، والترمذي (940) كتاب: الحج، باب: ما جاء في الذي يهل بالحج فيكسر أو يعرج -وقال: حديث حسن- والنسائي في "المجتبى" 5/ 198 - 199 كتاب: المناسك، فيمن أحصر بعدو، وفي "الكبرى" 2/ 380 - 381 (3843 - 3844) كتاب: الحج، فيمن أحصر بغير عدو، وابن ماجه (3077 - 3078) كتاب: المناسك، باب: المحصر، وأحمد 3/ 450، وابن سعد في "طبقاته" 4/ 318، والدارمي 2/ 1205 (1936) كتاب: الحج، باب: في المحصر بعدو، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 174 - 175 (2155)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 249 =
الهدي في الحرم لا على معنى: أنه قد حل بذلك من إحرامه كما يقال: حلت فلانة للرجال إذا خرجت من عدتها، ليس على معنى: أنها قد حلت للأزواج فيكون لهم وطؤها، ولكن على معنى: أنه قد حل لهم تزويجها فيحل لهم حينئذٍ وطؤها وهو سائغ في الكلام، وهذا موافق معنى حديث ابن عمر أنه عليه السلام لم يحل من عمرته بحصر العدو إياه حَتَّى نحر الهدي
(1)
.
ومعنى هذا الحديث عند أهل المقالة الأولى:
وقد حل يعني: وصل البيت وطاف وسعى حلًا كاملًا، وحل له بنفس العرج والكسر أن يفعل ما شاء من إلقاء التفث ويفتدي، وليس للصحيح أن يفعل ذَلِكَ.
قال إسماعيل بن إسحاق: وهذا إسناد صالح من أسانيد الشيوخ، ولكن أحاديث الثقات تضعفه، حَدَّثَنَا سليمان بن حرب: حَدَّثَنَا حماد ابن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: خرجت معتمرًا حَتَّى إذا
= كتاب: مناسك الحج، باب: حكم المحصر بالحج، وفي "شرح مشكل الآثار" 3/ 356 - 357 (1852 - 1854) -تحفة- وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 194 - 195، والطبراني 3/ 224 - 225 (3211 - 3214)، والدارقطني 2/ 277 - 279، والحاكم في "المستدرك" 1/ 470، 482 - 483 كتاب: المناسك -وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه- وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 357 - 358، والبيهقي 5/ 220 كتاب: الحج، باب: من رأى الإحلال بالإحصار بالمرض، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" 2/ 35 - 36، وابن عبد البر في "التمهيد" 15/ 208 - 209، والمزي في "تهذيب الكمال" 5/ 445 - 446، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 6/ 29 - 30، جميعًا من حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري، والحديث صححه الألباني في "صحيح
أبي داود" (1627)، وفي "صحيح الجامع" (6521).
(1)
سيأتي برقم (2701) كتاب: الصلح، باب: الصلح مع المشركين.
كنت بالرثينة وقعت عن راحلتي فانكسرت، فأرسلت إلى ابن عباس وابن عمر أسألهما فقالا: ليس لها وقت كوقت الحج، يكون على إحرامه حَتَّى يصل إلى البيت
(1)
.
وحَدَّثَنَا علي، ثَنَا سفيان، قال عمرو: أخبرني ابن عباس قال: لا حصر إلا حصر العدو. ورواه ابن جريج ومعمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس
(2)
، فقد بان بما رواه الثقات أنه خلاف ذَلِكَ؛ لأن ابن عباس حصر الحصر بالعدو دون غيره، فبان أن مذهب مالك كمذهب ابن عمر، ومن الحجة له في أن المحصر بمرض لا يحله إلا البيت، قوله تعالى {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ} الآية [الفتح: 25]، فأعلمنا تعالى أنهم حبسوا الهدي عن بلوغ محله فينبغي أن يكون بلوغ محله شرطًا فيه مع القدرة عليه، وأما قوله تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وقوله {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ} [الحج: 33] والمخاطب بذلك: الآمن الذي يجد السبيل إلى الوصول إلى البيت، والمريض آمن يمكنه ذَلِكَ، وقول الكوفيين ضعيف، وفيه تناقض؛ لأنهم لا يجيزون لمحصر بعدو ولا بمرض أن يحل حَتَّى ينحر هديه في الحرم، وإذا أجازوا للمحصر بمرض أن يبعث هديه ويواعد حامله يومًا ينحر فيه، فيحلق، ويحل أجازوا له الإحلال بغير يقين من نحر الهدي وبلوغه، وحملوه على الإحلال بالظنون.
(1)
رواه مالك في "الموطأ" ص 237 عن رجل من أهل البصرة. وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 15 إسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/ 59 (13577) عن أبي العلاء بن الشخير.
(2)
ورواهما الطبري 2/ 221 (3241)، 2/ 233 (3315).
والعلماء متفقون على أنه لا يجوز لمن لزمه فرض أن يخرج منه بالظن، والدليل على أن ذَلِكَ ظن قولهم: أنه لو عطب الهدي أو ضل أو سرق فحل مرسله وأصاب النساء وصاد، أنه يعود حرامًا، وعليه جزاء ما صاد، وأباحوا له فساد الحج بالجماع، وألزموه ما يلزم من لم يحل من إحرامه وهذا تناقض بلا شك.
واحتج الكوفيون بحديث ابن عباس في الباب، حَتَّى اعتمر عامًا قابلًا في وجوب قضاء الحج أو العمرة على من أحصر في أحدهما بعدو، وقال أهل الحجاز: معنى قوله: حَتَّى اعتمر إلى آخره، هو ما عقده معهم في صلح الحديبية أنه لا يمنعوه البيت عامًا قابلًا، ولا يحال بينهم وبينه، فإما أن يكون ما فعلوه من العمرة قضاء عن عمرة الحديبية، ففيه النزاع، فيحتاج إلى ذَلِكَ، وسيأتي ما للعلماء فيه قريبًا في باب: من قال: ليس على المحصر بدل.
وقول ابن عباس: (قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم) حجة على من قال: لا يقال: أحصره العدو، وإنما يقال: حصره العدو وأحصره المرض، واحتج بقول ابن عباس: لا حصر إلا حصر العدو، واحتج به ابن القصار
(1)
فيقال له: هذا ابن عباس قال: قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقام الإجماع أنه عليه السلام لم يحصر بمرض، وإنما أحصر بعدو عام الحديبية
(2)
، فثبت أنه يقال: حصره العدو وأحصره لغتان.
وقوله: (أشهدكم أني قد أوجبت حجًّا مع عمرتي). فهو حجة لمثبت القياس، ولمن قال: أن الحج يرتدف على العمرة، وروى معمر، عن منصور، عن مالك بن الحارث قال: لقيتُ عليًا، وقد أهللت بالحج
(1)
انظر: "عيون المجالس" 2/ 893 (613).
(2)
انظر: "شرح معاني الآثار" 2/ 252.
فقلت له: هل أستطيع أن أضيف إلى حجتي عمرة؟ قال: لا ذَلِكَ لو كنت بدأت بالعمرة ضممت إليها حجًّا
(1)
، وهذا قول مالك وأبي حنيفة قالا: ويصير قارنًا
(2)
، قال مالك: ولا تدخل العمرة على الحج، وهو قول أبي ثور وإسحاق. وقال الكوفيون: تجوز ويصير قارنًا، وقال الشافعي بالعراق كقول الكوفي، وقال بمصر: أكثر من لقيت يقول: ليس له ذَلِكَ.
قال ابن المنذر: والحجة لقول مالك: أن أصل الأعمال أن لا يدخل عمل على عمل ولا صلاة على صلاة، ولا صوم على صوم ولا حج على حج، ولا عمرة على عمرة إلا ما خصت السنة في إدخال الحج على العمرة، وعلى الذي يحرم بعمرة إذا ضم إليها حجًّا فقد ضم إلى العمل الذي كان قد دخل فيه، وألزم نفسه أعمالًا لم تكن لزمته حين أحرم بالعمرة، مثل الخروج إلى منى والوقوف بالموقفين، ورمي الجمار، والمقام بمنى، وغير ذَلِكَ من أعمال الحج، والذي يضم إلى الحج عمرة لم يضم إليها عملًا؛ لأن عمل المفرد والقارن واحد، والذي يعتمد عليه في هذا الباب السنة وإجماع الأمة
(3)
.
(1)
لم أقف عليه من هذا الطريق، إنما رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 157 كتاب: مناسك الحج، باب: إحرام النبي صلى الله عليه وسلم، و 2/ 205 باب: القارن، والبيهقي 4/ 348 كتاب: الحج، باب: إدخال الحج على العمرة، و 5/ 108، باب: المفرد والقارن يكفيهما طواف واحد. من عدة طرق عن منصور والأعمش عن إبراهيم ومالك بن الحارث عن أبي نصر السلمي قال: لقيت عليًا .. الحديث، ليس في حديث منها عن مالك بن الحارث قال لقيت عليًا، إنما يرويه مالك عن أبي نصر السلمي، قوله، وقال البيهقي 5/ 108: كذا روي عن فضيل عن منصور، ورواه الثوري عن منصور، وكذلك شعبة وابن عيينة، وأبو نصر السلمي مجهول.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 101، "المدونة" 1/ 300.
(3)
انظر: "الاستذكار" 11/ 138، "المغني" 5/ 371.
وقوله: (في الفتنة) يريد فتنة الحجاج ونزوله على ابن الزبير.
وقوله: (صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، يريد أنه يحل دون البيت، ويجزئ عنه نسكه ولو لم يكن محرمًا ما دخل فيه؛ لأنه بمنزلة من تعرض لفوات النَّسك وإبطاله، ويحتمل كما قال ابن التين: أن يكون ابن عمر لم يتيقن نزول الجيش، وإنما كان يتيقيه ويخاف أن يكون، ويحتمل أن يكون تيقن نزوله، ولم يتقين صدَّه له؛ لما كان عليه من اعتزال الطوائف، ويبينه قوله:(إن صددت عن البيت) ولو لم يتيقن العذر المانع لما جاز أن يحرم؛ لأنه تلبس بعبادة يتيقن أنها لا تتم فيكون كالقاصد غير البيت بنسكه أو ملتزمًا لتمام النسك، ومطرحًا للإحلال بالحصر وعلى من فعل ذَلِكَ إتمام نسكه، ولا يحل دون البيت، قاله ابن الماجشون
(1)
، ومما يبينه أنه عليه السلام لم يتيقن أن يصد عام الحديبية؛ لأنه لم يأتهم محاربًا، وإنما قصد العمرة ولم تكن قريش تمنع من قصد الحج والعمرة.
وقوله: (أليس حسبكم). أي: أليس تكفيكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لأن الحسب الكفاية، ومنه حسبنا الله أي: كافينا.
وقال ابن عبد البر: اتفق مالك والشافعي على أن المحصر ينحر هديه حيث حبس وصد في الحل كان أو في الحرم، وخالفهما أبو حنيفة وأهل الكوفة، واختلفوا في موضع نحره يوم الحديبية هل كان في الحل أو في الحرم؟ فكان عطاء يقول: لم ينحر هديه يومها إلا في الحرم، وهو قول ابن إسحاق، وقال غيره من أصحاب المغازي: لم ينحره إلا في الحل وهو قول الشافعي
(2)
، وقد سلف الخلاف فيه هناك.
(1)
"المنتقى" 2/ 275.
(2)
"الاستذكار" 12/ 80.
وذكر يعقوب بن سفيان: أخبرنا ابن أبي أويس عن مجمع بن يعقوب
(1)
، عن أبيه قال: لما حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا بالحديبية وحلقوا، فبعث الله ريحًا عاصفًا فحملت شعورهم وألقتها في الحرم
(2)
. قال: فهذا بيَّن أنهم حلقوا في الحل
(3)
. وأكثر أهل العلم على أن المحصر عليه الهدي، خلافًا لمالك.
وقال الطحاوي: إذا نحر المحصر هديه هل يحلق رأسه أم لا؟ فقال قوم: ليس عليه أن يحلق؛ لأنه قد ذهب عنه النسك كله، وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وقال آخرون: بل يحلق فإن لم يحلق فلا شيء عليه، وهو قول أبي يوسف -وفي ابن أبي شيبة عن مجاهد أنه عليه السلام لما أحصر، ونحر الهدي حلق رأسه
(4)
، وهذا يأتي- وقال آخرون: يحلق ويجب عليه ما يجب على الحاج والمعتمر -وهو قول مالك- فكان من حجة أبي حنيفة أنه قد سقط عنه بالإحصار جميع مناسك الحج، وذلك مما يحل به المحرم من إحرامه، ألا ترى أنه إذا طاف يوم النحر حل له أن يحلق، فيحل له بذلك الطيب واللباس، فلما كان ذَلِكَ مما يفعله حين يحل يسقط ذلك عنه بالإحصار، سقط عنه سائر ما يحل به المحرم بسبب الإحصار، وكان من حجة الآخرين عليهم في ذَلِكَ أن
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: يعقوب بن مجمع عن أبيه وعمه، وعنه ابنه مجمع وابن أخيه إبراهيم بن إسماعيل، وثق.
(2)
رواه من هذا الطريق ابن سعد في "الطبقات" 2/ 104، والفاكهي في "أخبار مكة" 5/ 75 (2869).
(3)
"الاستذكار" 12/ 80 - 81.
(4)
"المصنف" 3/ 395 (15469) كتاب: الحج، في المحصر يهدي قبل أن يحلق، لكنه عن موسى بن أبي كثير، وقد رواه ابن سعد في "طبقاته" 2/ 104 عن مجاهد.
تلك الأشياء من الطواف والسعي والرمي قد صد عنه المحرم، وحيل بينه وبينه فسقط عنه أن يفعله، والحلق لم يحل بينه وبينه وهو قادر على فعله فما كان يصل إلى فعله فحكمه فيه في حال الإحصار كحكمه في غير حال الإحصار، وما لا يستطيع أن يفعله في حال الإحصار فهو الذي يسقط عنه
(1)
.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه حلق حين صد في حديث ابن عمر والمسور
(2)
، وليس لأحد قياس مع وجود السنة الثابتة، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين يوم الحديبية ثلاثًا لأنهم لم يشكوا، وللمقصرين مرة
(3)
، فثبت بتفضيله من حلق منهم على من قصَّر، أنه كان عليهم ذَلِكَ كما يكون عليهم لو وصلوا البيت، ولولا ذَلِكَ لما كانوا فيه إلا سواء، ولا كان لبعضهم في ذَلِكَ فضيلة على بعض، فبان أن حكم الحلق والتقصير لا يزول بالإحصار، وقد روى الطبراني والنسائي أيضًا، من حديث ناجية بن جندب، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صد الهدي. فقلت: يا رسول الله، أتبعث معي بالهدي فلأنحرنه بالحرم. قال:"كيف تصنع به؟ " قلت: آخذ به أودية فلا يقدرون عليه، فانطلقت حَتَّى نحرته بالحرم
(4)
، وقد ثبت عنه حين صد في حديث المسور:
(1)
"شرح معاني الآثار" 2/ 254 - 255.
(2)
سيأتي برقم (2731 - 2732) كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد.
(3)
سلف برقم (1827 - 1828) باب: الحلق والتقصير عند الإحلال، ورواه مسلم (1301 - 1302) كتاب: الحج، باب: تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير.
(4)
لم أقف عليه عند الطبراني، إنما رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 232 (3312)، فلعله خطأ في النسخ؛ لتشابه الاسمين، ورواه النسائي في "الكبرى" 2/ 453 (4135) كتاب: الحج، هدي المحصر.
أنه حلق، قال
(1)
: وذهب قوم إلى أن الهدي إذا صد عن الحرم ذبح في غيره
(2)
احتجاجًا بحديث ابن عباس، وإن كان معه هدي وهو محصر نحره. وقالوا: إنما نحر هديه بالحديبية إذ صد دل أن من (لم)
(3)
يمنع من إدخال هديه في الحرم أن يذبحه في غير الحرم. وهذا قول مالك
(4)
، وروى سفيان من حديث أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر قال: خرجت مع علي وعثمان فاشتكى الحسن بالسقيا وهو محرم
فأصابه برسام
(5)
فأومأ إلى رأسه فحلق ونحر جزورًا
(6)
، ورواه مالك عن يحيى بن سعيد فلم يذكر عثمان ولا أن الحسن كان محرمًا
(7)
(8)
.
(1)
يعني: الطحاوي.
(2)
"شرح معاني الآثار" 2/ 241.
(3)
المعنى غير مستقيم بها ولعلها زائدة، وانظر:"شرح معاني الآثار" 2/ 241.
(4)
انظر: "التمهيد" 12/ 150.
(5)
البرسام بالكسر، علة يهذي فيها، نعوذ بالله منها، وهو ورم حار يعرض للحجاب الذي بين الكبد والأمعاء، ثم يتصل إلى الدماغ.
انظر: "الصحاح" 5/ 1871، "تاج العروس" 16/ 48، "القاموس المحيط" ص 1395. مادة: برسم.
(6)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 242 باب: الهدي يصد عن الحرم ..
(7)
"الموطأ" 1/ 478 (1224) كتاب: المناسك، جامع الهدي.
(8)
ورد بهامش (س) ما نصه: ثم بلغ في السادس بعد الثلاثين. وبجوارها: آخر 6 من 7 من تجزئة المصنف.
2 - باب الإِحْصَارِ فِي الحَجِّ
1810 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الحَجِّ طَافَ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ، حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا، فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ، إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ. [انظر: 1639 - مسلم: 1230 - فتح: 4/ 8]
ذكر فيه حديث سَالِمٍ قَالَ: كَانَ ابن عُمَرَ يَقُولُ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الحَجِّ طَافَ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيءٍ، حَتَّى يَحُجَّ قَابِلًا، فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ، إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا. يريد حبس بمرض.
وقوله: (طاف .. ) إلى آخره ويكون محصرًا بمكة. مذهب مالك والشافعي: أن المحصر بمرض لا يحل حَتَّى يطوف ويسعى
(1)
، وقال أبو حنيفة: له التحلل حيث أحصر
(2)
، دليلنا قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] والإتمام يقتضي الوجوب؛ ولأنه متلبس بالحج لم يصد عنه بيد عادية، فلم يحل دون البيت المخطي الوقت أو الطريق، فإن شرط التحلل بالمرض، فالمشهور عنه أنه يتحلل به لحديث ضباعة في ذَلِكَ
(3)
، خلافًا لمالك.
(1)
رواه مسلم (1208) كتاب: الحج، باب: جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه، وأبو داود (1776) كتاب: المناسك، باب: الاشتراط في الحج، والترمذي (941) كتاب: الحج، باب: ما جاء في الاشتراط في الحج، وابن الجارود في "المنتقى" 2/ 61 (419).
(2)
انظر: "المنتقى" 2/ 276، "الأم" 2/ 139.
(3)
"الهداية" 1/ 195.
وقوله: (فيهدي). أي للآية السالفة ولا يذبحه إلا بمكة أو منى خلافًا للشافعي، وقد سلف، فإن بقى على إحرامه إلى قابل. ففي الهدي قولان عن مالك، فإن تحلل بعمرة في أشهر الحج، ففي تحلله قولان لابن القاسم، فإن صححناه. فاختلف قوله: هل يكون متمتعًا أم لا
(1)
؟ واحتج ابن عمر فيمن أحصر في الحج أنه يلزمه ما يلزم من أحصر في العمرة، وحكمهما سواء في ذَلِكَ، قاس الحج على العمرة، والشارع لم يحصر إلا في عمرة، وهو أصل في إثبات القياس كما سلف واستعمال الصحابة له.
واختلف العلماء فيمن أحصر بمكة، فقال الشافعي وأبو ثور: حكم الغريب والمكي سواء يطوف ويسعى ويحل ولا عمرة عليه على ظاهر حديث ابن عمر، وأوجبها مالك على المحصر المكي، وعلى من أنشأه من مكة، وقال: لا بد لهم من الخروج إلى الحل لاستئناف عمرة التحلل؛ لأن الطواف الأول لم يكن نواه للعمرة، فلذلك يعمل بهذا، وفرق بين هؤلاء وبين الغريب يدخل من الحل محرمًا، فيطوف، ويسعى، ثم يحصره العدو عن الوقوف، أنه لا يحتاج إلى الخروج إلى الحل؛ لأن منه دخل ولم يحل من إحرامه، ويتحلل بعمرة ينشئها من مكة. وقال أبو حنيفة: لا يكون محصرًا من بلغ مكة؛ لأن الإحصار عنده من منع من الوصول إلى مكة وحيل بينه وبين الطواف والسعي، فيفعل ما فعل الشارع من الإحلال بموضعه، وأما من بلغها فحكمه عنده كمن فاته الحج يحل بعمرة، وعليه الحج من قابل ولا هدي عليه؛ لأن الهدي يجبر ما أدخله على نفسه، ومن
(1)
انظر: "المنتقى" 2/ 279.
حبس عن الحج فلم يدخل على نفسه نقصًا. وقال الزهري: إذا أحصر المكي فلا بد له من الوقوف بعرفة وإن نعش نعشًا.
وفي حديث ابن عمر رد على الزهري؛ لأن المحصر لو وقف بعرفة لم يكن محصرًا، ألا ترى قول ابن عمر: طاف بالبيت وبين الصفا والمروة، ولم يذكر الوقوف بعرفة
(1)
.
وفيه أيضًا: رد قول أبي حنيفة: أن من كان بمكة لا يكون محصرًا، وقد استدل ابن عمر على أنه يكون محصرًا بقوله:(أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج؟!) والحبس عنه: هو الإحصار عند أهل اللغة، وقول ابن عمر: ثم حل من كل شيء حَتَّى يحج عامًا قابلًا، ويهدي هديًا، معناه عند الحجازيين: إن كان ضرورة، ومعنى الهدي للضرورة: إذا قضى الحج إنما هو من أجل وقوع الحبس الذي كان يقع له في سفر واحد في سفرين، وكذلك معنى هدي الإحصار لمرض.
(1)
"التمهيد" 15/ 207، "الاستذكار" 12/ 103، وانظر:"مختصر الطحاوي" ص 72، "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 192، "النوادر والزيادات" 2/ 428، "الأم" 2/ 138.
3 - باب النَّحْرِ قَبْلَ الحَلْقِ فِي الحَصْرِ
1811 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ المِسْوَرِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ. [انظر: 1694 - فتح: 4/ 10]
1812 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الوَلِيدِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ قَالَ: وَحَدَّثَ نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ وَسَالِمًا كَلَّمَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، فَقَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُعْتَمِرِينَ، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ البَيْتِ، فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بُدْنَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ. [انظر: 1639 - مسلم: 1230 - فتح: 4/ 10]
ذكر فيه حديث المِسْوَرِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ.
وحديث ابن عمر: خَرَجْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعْتَمِرِينَ، فَحَالَت كُفَّارُ قُرَيْشِ دُونَ البَيْتِ، فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بُدْنَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ.
قال ابن المنذر: النحر قبل الحلق للمحصر وغيره، هو ظاهر كتاب الله تعالى، قال تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] إلا أن سنة المحصر أن ينحر هديه حيث أحصر، وإن كان في الحل اقتدى بالشارع في الحديبية قال تعالى:{وَالهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] أي: محبوسًا، و (لما)
(1)
سقط عنه أن يبلغ محله سقط عنه هديه.
فأما قوله: {هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ} [المائدة: 95]، وقوله تعالى:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ} [الحج: 33].
(1)
من (ج)، وهي في "الأصل": ما.
فقد أسلفنا قبل أن المخاطب به الآمن الذي يجد السبيل إلى الوصول إلى البيت، وليس للمحصر بعد أن يفعل شيئًا مما يحرم على المحرمين، حَتَّى ينحر هديه تأسيًا بالشارع، فإن خالف فالفدية لازمة استدلالًا بأنه عليه السلام أمر كعب بن عجرة بالفدية (لما)
(1)
حلق
(2)
. وهذا قول مالك والشافعي
(3)
.
(1)
في "الأصل" ما، وما أثبتناه من (ج).
(2)
رواه مسلم (1201) كتاب: الحج، باب: جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى.
(3)
انظر: "المنتقى" 3/ 68، 69، "الأم" 2/ 135 - 136.
4 - باب مَنْ قَالَ لَيْسَ عَلَى المُحْصَرِ بَدَلٌ
وَقَالَ رَوْحٌ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا البَدَلُ عَلَى مَنْ نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلَذُّذِ، فَأَمَّا مَنْ حَبَسَهُ عُدْوٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَلَا يَرْجِعُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَهُوَ مُحْصَرٌ نَحَرَهُ إِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ، وَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ: يَنْحَرُ هَدْيَهُ، وَيَحْلِقُ فِي أى مَوْضِعٍ كَانَ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ بِالحُدَيْبِيَةِ نَحَرُوا وَحَلَقُوا وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ الطَّوَافِ، وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الهَدْيُ إِلَى البَيْتِ، ثُمَّ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا، وَلَا يَعُود، وَالحُدَيْبِيَةُ خَارِجٌ مِنَ الحَرَمِ.
1813 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الفِتْنَةِ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ البَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ. فَالتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الحَجَّ مَعَ العُمْرَةِ. ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ، وَأَهْدَى. [انظر: 1639 - مسلم: 1230 - فتح: 4/ 11]
ثم ساق حديث نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الفِتْنَةِ .. الحديث، وقد سلف.
وروح هو ابن عبادة، وشبل هو ابن عباد المكي الثقة، وقول مالك
إلى آخره هو في "الموطأ"
(1)
، وظاهر كلام ابن عباس أن من أحصر
(1)
"الموطأ" ص 236.
بمرض أو غيره أن يحل دون البيت، وهو خلاف ما قدمناه عنه: أن المحصر بمرض لا يحله إلا البيت، وتفرقته بين أن يستطيع وبين أن لا، خلاف مذهب مالك، وقول مالك: ينحر هديه ويحلق رأسه لا خلاف في جواز التحلل في حصر العدو في موضعه
(1)
.
قال ابن التين: والتحلل يصح بأحد وجهين: أحدهما: أن يتيقن بقاءه لقوته وكثرته، وإن كان بينه وبين الحج ما يعلم أن لو زال لأدركه.
والثاني: أن يكون العذر لا يرجى زواله، ولا يكون محصورًا حَتَّى يبقى بينه وبين الحج مقدار ما يعلم أنه إن زال العذر لا يدرك الحج، فيحل حينئذٍ عند ابن القاسم وعبد الملك، وقال أشهب: لا يحل
حَتَّى يوم النحر، ولا يقطع التلبية حَتَّى يروح الناس إلى عرفة
(2)
.
وقوله: (وقبل أن يصل الهدي إلى البيت). ظاهره مخالفة ابن عباس في قوله السالف فيما إذا استطاع.
وقوله: (ولا قضاء عليه). أي: لأنه محصر متطوع، خلافًا لأبي حنيفة
(3)
، فإن كان فرضًا مستقرًا بقي في ذمته أو غير مستقر اعتبرت الاستطاعة بعد. وقال مالك وأصحابه: لا يجزئه عن حجة الإسلام، وخالف عبد الملك وأبو مصعب فيه
(4)
.
وقوله: (والحديبية خارج من الحرم). وهو من قول البخاري، وصله بقول مالك وليس من قوله.
(1)
"النوادر والزيادات" 2/ 432، "المنتقى" 2/ 272، 273.
(2)
المصدرين السابقين.
(3)
"شرح معاني الآثار" 2/ 253 - 254.
(4)
"النوادر والزيادات" 2/ 432 - 434، "المنتقى" 2/ 374.
وقوله: (إنها داخل الحرم). وقال الشافعي: إنها خارج الحرم
(1)
، وجمع ابن بطال بينهما فقال: كلا القولين له وجه، وذلك أن الحديبية في أول الحرم وهو موضع بروك ناقته صلى الله عليه وسلم؛ لأنها إنما بركت في أول الحرم، وقال عليه السلام:"حبسها حابس الفيل"
(2)
، وصاحب الفيل لم يدخل الحرم فمن قال: إن الحديبية خارجه، فيمكن أن يريد البئر وموضع بروك ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال: إنها في الحرم، يريد موضع حلاقهم ونحرهم
(3)
.
ووجه إيراد حديث ابن عمر في الباب وليس في لفظه ما يدل على الترجمة؛ لأن البخاري استغنى بشهرة قصة صده عليه السلام بالحديبية وأنهم لم يؤمروا بالقضاء في ذَلِكَ؛ لأنها لم تكن حجة الفريضة، وإنما كانوا محرمين بعمرة، وعقب البخاري كلام مالك بحديث ابن عمر للتنبيه على أنه أخذه منه.
إذا تقرر ذَلِكَ: فقد اختلف السلف في هذا الباب:
فذهب ابن عباس إلى أن المحرم لا بدل عليه ولا شيء؟ ذكره عنه عبد الرزاق، وقال: لا حصر إلا من حبسه عدو، فيحل بعمرة وليس عليه حج قابل ولا عمرة
(4)
، فإن حبس وكان معه هدي بعث به ولم يحل حَتَّى ينحر الهدي، وإن لم يكن معه هدي حل مكانه، وهذا خلاف ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في
(1)
"المجموع" 8/ 319.
(2)
سيأتي برقم (2731 - 2732) كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد.
(3)
"شرح ابن بطال" 4/ 469.
(4)
روى الطبري في "تفسيره" 2/ 233 (3315) قال: حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس .. قوله.
عمرة القضاء، وفي لفظ قال لأبي حاضر حين سأله عن قضاء عمرته: أبدل الهدي، رواه الحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح الإسناد
(1)
.
وذكر عطاء عن ابن عباس في الذي يفوته الحج قال: يحل بعمرة، وليس عليه حج قابل، وعن طاوس مثله
(2)
.
وروى ابن أبي شيبة عن علي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء: أنه عليه السلام قال: "من لم يدرك الحج فعليه الهدي وحج قابل وليجعلها عمرة"
(3)
.
وعن مالك في المحصر بعدو: يحل بسنة الإحصار، ويجزئه من حجة الإسلام
(4)
، وهو قول أبي مصعب، وأفتى به محمد بن سحنون.
وقال ابن شعبان: يجزئه من حجة الإسلام، وإن صد قبل أن يحرم، وقال ابن الماجشون: إنما استحب له مالك القضاء
(5)
.
وفيها قول آخر: روي عن عمر وزيد بن ثابت: أنه يحل بعمرة، وعليه حج قابل والهدي
(6)
، وهو قول عروة.
وقال علقمة والنخعي: عليه حجة وعمرة، وهو قول الكوفيين، وقال مجاهد والشعبي: عليه حج قابل.
(1)
"المستدرك" 1/ 485 - 486 كتاب المناسك، والحديث رواه أبو داود (1864)، وفي سنده محمد بن إسحاق وقد عنعنه، لذا ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(325).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 219 (13685) كتاب: الحج، في الرجل إذا فاته الحج ما يكون عليه.
(3)
"المصنف" 3/ 219 (13683).
(4)
"المدونة" 1/ 297.
(5)
"النوادر والزيادات" 2/ 433.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 219 (13682)، والبيهقي 5/ 175 كتاب: الحج، باب: ما يفعل من فاته الحج.
وقال مالك في "المدونة": لا قضاء على المحصر بعدو في حج التطوع ولا هدي عليه
(1)
؛ لأنه عليه السلام لم يأمر أصحاب الحديبية بقضاء ولا هدي إلا أن تكون حجة الإسلام فعليه حج قابل والهدي، وبه قال الشافعي وأبو ثور. واحتج الكوفيون: بأنه عليه السلام لما صد في الحديبية قضاها في العام القابل فسميت عمرة القضاء.
واحتج أصحاب مالك فقالوا: هذِه التسمية ليست من الشارع ولا من أصحابه، وإنما هي من أهل السير فليس فيها حجة، ولم تسم عمرة القضاء من أجل ما ذكروه، وإنما سميت من أجل أنه عليه السلام قاضى عام الحديبية قريشًا، كما أسلفناه، ولو وجب القضاء لبينه، وحجة مالك: الهدي من أجل أن إحرامه حيل بينه وبين إتمامه بالوصول إلى البيت، وجعل أبو حنيفة العمرة عوضًا من ذَلِكَ.
قال الطحاوي: ذهب قوم إلى أن الهدي إذا صد عن الحرم نحر في غير الحرم، واحتجوا بهذا الحديث وقالوا: لما نحر عليه السلام هديه بالحديبية إذ صد، دل على أن لمن منع من إدخال هديه الحرم، أن يذبحه في غير الحرم، وهذا قول مالك.
وخالفهم آخرون فقالوا: لا يجوز نحر الهدي إلا في الحرم.
واحتجوا بقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فكان الهدي ما جعله الله تعالى ما بلغ الكعبة كالصوم المتتابع في الظهار، وكفارة القتل لا تجوز غير متتابع، وإن كان الذي وجب عليه غير المطيق للإتيان به متتابعًا فلا تبحه الضرورة أن يصومه متفرقًا فكذلك الهدي الموصوف ببلوغ الكعبة لا يجوز إلا كذلك، وإن صد عن بلوغ الكعبة
(1)
"المدونة" 1/ 297.
واحتجوا: بأن ذبح النبي صلى الله عليه وسلم بهديه حين صد كان في الحرم، ثم ذكر حديث ناجية السالف
(1)
.
وقال آخرون: كان بالحديبية، وهو يقدر على دخول الحرم، ولم يكن صد عن الحرم، وإنما صد عن البيت، واحتجوا بحديث ابن إسحاق، عن الزهري، عن المسور: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالحديبية، خباؤه في الحل، ومصلاه في الحرم
(2)
، ولا يجوز في قول أحد من العلماء لمن قدر على دخول شيء من الحرم أن ينحر هديه دون الحرم، فلما ثبت بالحديث الذي ذكرنا أنه عليه السلام كان يصل إلى الحرم استحال أن يكون نحر الهدي في غيره؛ لأن الذي يبيح نحر الهدي في غيره إنما يبيحه في حال الصد عن الحرم، لا في حال القدرة على دخوله فانتفي مما ذكرناه أن يكون عليه السلام نحر الهدي في غير الحرم، وهذا قول أبي حنيفة وصاحبيه، واحتج من سلف بما ذكرناه قبل الإحصار في الحج؛ لأن فيه أن عليًا نحر الجزور دون الحرم، والحجة عليهم في ذَلِكَ أنهم لا يبيحون لمن كان غير ممنوع من الحرم أن يذبح في غير الحرم وإنما يختلفون إذا كان ممنوعًا منه فدل أن عليًّا إنما نحر فيه في غير الحرم، وهو واصل إلى الحرم، أنه لم يكن أراد به الهدي، وإنما أراد به الصدقة والتقرب إلى الله تعالى مع أنه ليس في الحديث أنه أراد به الهدي، فكما يجوز لمن حمله على أنه هدي ما حمله عليه، فكذلك يجوز لمن حمله على أنه ليس بهدي ما حمله عليه
(3)
.
(1)
تقدم تخريجه، وقد رواه النسائي في "الكبرى" 2/ 453 (4135)، والطبري 2/ 232 (3312).
(2)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 242.
(3)
"شرح معاني الآثار" 2/ 241 - 242.
5 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]
وَهُوَ مُخَيَّرٌ، فَأَمَّا الصَّوْمُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.
1814 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ". [1815، 1816، 1817، 1818، 4159، 4190، 4191، 4517، 5665، 5703، 6708 - مسلم: 1201 - فتح: 4/ 12]
ذكر فيه حديث كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: "لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: "احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلًاثةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ شَاةً".
6 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَوْ صَدَقَةٍ} [البقرة: 196] وَهْيَ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ
1815 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: وَقَفَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالحُدَيْبِيَةِ، وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلًا، فَقَالَ:"يُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاحْلِقْ رَأْسَكَ" أَوْ قَالَ: "احْلِقْ". قَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] إِلَى آخِرِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوِ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ". [انظر: 1814 - مسلم: 1201 - فتح: 4/ 16]
ذكر فيه حديث كعب أيضًا، وأن ذلك كان بالحديبية ورأسه يتهافت قملا فقال:"أحْلِقْ رَأْسَكَ" أَوْ: "احْلِقْ". قَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] إِلَى آخِرِهَا. فَقَالُ صلى الله عليه وسلم: "صُمْ ثَلًاثةَ أَيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ مساكين، أَوِ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ".
7 - باب الإِطْعَامُ فِي الفِدْيَةِ
1816 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبِهَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه فَسَأَلْتُهُ عَنِ الفِدْيَةِ، فَقَالَ: نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهْيَ لَكُمْ عَامَّةً، حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ:"مَا كُنْتُ أُرَى الوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى -أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى- تَجِدُ شَاةً؟ ". فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: "فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ". [انظر: 1814 - مسلم: 1201 - فتح: 4/ 16]
ذكره أيضا، وفيه: نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةَ، وَهْيَ لَكُمْ عَامَّةً، حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ:"مَا كُنْتُ أُرى الوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرى -أَوْ مَا كنْتُ أُرى الجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرى- أتَجِدُ شَاةً؟ ". فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ:"فَصُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ".
8 - باب النُّسُكُ شَاةٌ
1817 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَآهُ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ:"أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ الفِدْيَةَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. [انظر: 1814 - مسلم: 1201 - فتح: 4/ 18]
1818 -
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ. مِثْلَهُ. [انظر: 1814 - مسلم: 1201 - فتح: 4/ 18]
ذكره أيضًا. وفيه: فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُم بِالحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَتبيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَأنْزَلَ اللهُ الفِدْيَةَ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، أنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُط عَلَى وَجْهِهِ. مِثْلَهُ.
حديث كعب هذا في هذِه الأبواب أخرجه مسلم من طرق
(1)
، وفي رواية له:"احلق ثم أذبح شاة نسكًا أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين"
(2)
، وفي رواية له: فقمل رأسه ولحيته
(3)
، وفي رواية له: والفرق ثلاثة آصع
(4)
، وفي رواية له: ثلاثة آصع من تمر
(5)
.
(1)
مسلم (1201) كتاب: الحج، باب: جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى.
(2)
مسلم (1201/ 84).
(3)
مسلم (1201/ 86).
(4)
مسلم (1201/ 83).
(5)
مسلم (1201/ 84).
وقوله: (وعن محمد بن يوسف): قد وصله الإسماعيلي: أخبرنا علي بن محمد الحدَّادي
(1)
، ثَنَا هاشم بن سعيد بن أبي داود، ثَنَا محمد بن يوسف الفريابى، ثَنَا ورقاء، فذكره، وأخرجه أيضًا من حديث عمر بن الخطاب: حَدّثَنَا الفريابي، حَدثَنَا ورقاء، به، وللطبراني [في]
(2)
"الكبير": "اهد بقرة وأشعرها وقلدها"، فافتدى ببقرة
(3)
.
وذكرها أبو داود أيضًا
(4)
، وفي لفظ:"واهد هديًا" فقال: ما أجد هديًا، قال:"فأطعم ستة مساكين" قال: ما أجد، قال:"فصم ثلاثة أيام"
(5)
، وفي لفظ:"أي ذَلِكَ فعلت أجزأ عنك"
(6)
، وفي "مقامات
التنزيل": والنسك ذبيحة، وفي رواية: حَتَّى وقع في حاجبي، قال: وهذِه الآية نزلت في طريق مكة في شأن كعب، وقيل بالحديبية.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: نسبة إلى قرية حدادة، كذا قاله الذهبي في "المشتبه"[1/ 143] وذكر أن الإسماعيلي روى عنه، ونسبه: على بن محمد بن حاتم بن دينار القومسي.
(2)
ليست في الأصل، والسياق يقتضيها.
(3)
"المعجم الكبير" 19/ 104 (209 - 210).
(4)
أبو داود (1859) كتاب: المناسك، باب: في الفدية.
(5)
روى هذا اللفظ الطبراني في "الكبير" 19/ 108 (217)، في "الأوسط" 2/ 225 (1812)، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 237 - 238، 20/ 63.
(6)
رواه بهذا اللفظ أبو داود (1861) كتاب: المناسك، باب: في الفدية، والنسائي في "المجتبى" 5/ 194 - 195 كتاب: مناسك الحج، في المحرم يؤذيه القمل في رأسه، وفي "الكبرى" 2/ 377 - 378 (3834) كتاب: الحج، في المحرم يؤذيه القمل في رأسه، ومالك في "الموطأ" ص 269، وابن الجارود في "منتقاه" 2/ 80 - 81 (450)، والطبراني 19/ 109 - 110 (221)، والبيهقي 5/ 55
كتاب: الحج، باب: من احتاج إلى حلق رأسه للأذى حلقه وافتدى.
وأجمع العلماء على أن من حلق رأسه لعذر أنه غير فيما نص الله تعالى من الصيام أو الصدقة أو النسك
(1)
، واختلف فيمن حلق، أو لبس أو تطيب، عامدًا من غير ضرورة، فقال مالك: بئس ما فعل، وعليه الفدية وهو مخير فيها. وقال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور: ليس بمخير إلا في الضرورة لشرط الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] فإذا حلق أو تطيب أو لبس عامدًا من غير ضرورة فعليه دم
(2)
، وحجة مالك: أن السنة وردت في كعب بن عجرة في حلقه رأسه، وقد آذاه هوامه، ولو كان حكم غير الضرورة مخالفًا لبينه ولَمَّا لم تسقط الفدية من أجل الضرورة علم أن من لم يكن بمضطر أولى أن لا يسقط عنه، وقال مالك والليث والثوري وأبو حنيفة: إذا حلق ناسيًا فعليه الفدية كالعامد. وقال الشافعي في أحد قوليه: لا فدية عليه. وهو قول إسحاق وابن المنذر، واحتج من يقول بأن فرض الحج على غير الفور؛ لأنه عليه السلام قال لكعب بن عجرة:"يؤذيك هوامك؟ " قال: نعم. قال: "احلق وانسك شاةً" فنزل قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} إلى قوله: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وإتمام الشيء حقيقة إنما هو كماله بعد الدخول فيه، وقد يستعمل في ابتداء الشيء تجوزًا واتساعًا، ولم يرد الله بقوله:{وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ} ؛ الإكمال بعد الطواف فيه، ولكنه تجوز، فاستعمل في ابتداء الدخول، يدل على ذَلِكَ قول عمر: وعلى تمام الحج والعمرة أن تحرم بهما من دويرة أهلك. فأخبر أن التمام
(1)
"الإقناع" للفاسي 2/ 872.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 181، "التمهيد" 7/ 267، "الاستذكار" 13/ 305.
فيهما هو ابتداء الدخول فيهما، وهم لم يكونوا في الحديبية محرمين بالحج فيصح خطابهم بإكماله، وإنما كانوا محرمين بالعمرة فعلم أن الأمر لهم بالإتمام ليس هو أمر بإكماله بعد الدخول فيه، وإنما هو أمر بالدخول فيه ابتداء، فدل هذا أن فرض الحج على غير الفور، وأن إحكام الحج وجبر ما يعرض فيه قد كان نزل.
وكانت قصة كعب في الحديبية، وكانت سنة ست، واحتج بهذا أصحاب الشافعي.
ولم يختلف الفقهاء أنَّ الإطعام لستة مساكين، وأنَّ الصيام ثلاثة أيام وأنَّ النَّسك شاةٌ على ما في حديث كعب إلا رواية الطبراني السالفة، وإلا شيء يروى عن الحسن
(1)
وعكرمة
(2)
ونافع
(3)
أنهم قالوا: الإطعام
(1)
رواه سعيد بن منصور في "سننه" 3/ 743 (295) وابن أبي شيبة 3/ 226 - 227 (13377) كتاب: الحج، في قوله تعالى:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} ، والطبري 2/ 244 (3379 - 3380).
وأورده ابن حزم في "المحلى" 7/ 212 من طريق سعيد بن منصور عن هشيم عن منصور بن المعتمر عن الحسن
…
قوله.
قلت: وفي المطبوع من "سنن سعيد بن منصور" عن هشيم، عن منصور مهملًا، ونسبه ابن حزم كما مرَّ فقال: ابن المعتمر، وليس كذلك إنما هو ابن زاذان؛ لأن هشيما لا يروي عن ابن المعتمر إنما يروي عن ابن زاذان. وأورده أيضًا ومن طريق بشر بن عمر عن شعبة عن قتادة عن الحسن
…
قوله.
وصححه الحافظ في "الفتح" 4/ 16 بعد أن عزاه لسعيد بن منصور.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 227 (13775)، والطبري 2/ 244 (3380)، وأورده ابن حزم في "المحلى" 7/ 212 من طريق بشر بن عمر عن شعبة عن قتادة عنه، ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عنه، وصححه، وعزاه الحافظ في "الفتح" 4/ 16 لابن جرير.
(3)
أورده ابن حزم في "المحلى" 7/ 212 من طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عنه، وصححه أيضًا، وعزاه الحافظ في "الفتح" 4/ 16 لابن جرير.
لعشرة مساكين والصيام عشرة أيام، ولم يتابعهم أحد من الفقهاء عليه للسنة الثابتة بخلافه، وإن كان ابن حزم قال: إنه غير صحيح عنهم
(1)
.
قال أحمد بن صالح: حديث كعب في الفدية سنة معمول بها عند جماعة العلماء، ولم يروها أحد من الصحابة غير كعب، ولا رواها عن كعب إلا رجلان من أهل الكوفة: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن معقل، وهي سنة أخذها أهل المدينة من أهل الكوفة
(2)
.
قلت: ورواه ابن وهب عن مالك، عن حميد، عن مجاهد
(3)
، عن كعب لم يذكر ابن أبي ليلى
(4)
، وتابعه ابن القاسم وابن عفير عن مالك
(5)
.
قال ابن عبد البر: والحديث لمجاهد عن ابن أبي ليلى صحيح لا شك فيه عند أهل العلم بالحديث (5).
ورواه الترمذي في التفسير عن علي بن حجر، عن هشيم، عن مغيرة، عن مجاهد قال: قال كعب، .. الحديث
(6)
.
قال أبو عمر: ورواه ابن وهب وغيره بإثبات ابن أبي ليلى، ورواه الشافعي وجماعات بإسقاط مجاهد، وإسقاطه خطأ، وزعم الشافعي أن
(1)
"المحلى" 7/ 212.
(2)
رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 239، حدثنا خلف بن القاسم، حدثنا محمد بن أحمد بن كامل، حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين، قال سمعت أحمد ابن صالح المصري، قوله.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: قال العلائي في "المراسيل": قال أبو حاتم: مجاهد أدرك عليًّا رضي الله عنه ولكن لا يذكر له رؤية ولا سماعًا، ولم يدرك كعب بن عجرة.
(4)
رواه الطبري 2/ 241 (3357).
(5)
انظر: "التمهيد" 2/ 233.
(6)
الترمذي (2973) كتاب: التفسير.
مالكًا هو الذي أسقطه
(1)
. قال ابن حزم: والصحيح في خبر كعب ما رواه ابن أبي ليلى، والباقون روايتهم مضطربة موهومة، والقصة واحدة، ووجب أخذ ما رواه أبو قلابة والشعبي عنه؛ لثقتهما، ولأنها مبينة لسائر الأحاديث
(2)
.
قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور: الإطعام في فدية الأذى مدَّان بمده عليه السلام على ما جاء في حديث كعب. وروي عن الثوري وأبي حنيفة: أنهما قالا في الفدية: من البر نصف صاع، ومن التمر أو الشعير أو الزبيب صاع لكل مسكين
(3)
. وهذا خلاف نص الحديث ولا معنى له، وعمَّ الشارع جميع أنواع الطعام، ولم يستثن بعض ما يطعم المساكين، وقاس أبو حنيفة: كفارة الأيمان على كفارة فدية الأذى فأوجب في كفارة الأيمان وسائر الكفارات مدين مدين لكل إنسان، كما ستعلمه.
وقام الإجماع على أن أقل النسك شاة
(4)
، وبها أفتى الشارع كعب بن عجرة، وقد ثبت كما قال ابن بطال: أنه نسك ببقرة، ثم ساقه بإسناده من حديث سليمان بن يسار قال: ذبح كعب بقرة فأخذ بأرفع الكفارات، ولم تكن هذِه مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت موافقة وزيادة.
ففيه من الفقه: أن من أُفتي بأيسر الأشياء وأقل الكفارات أن له أن يأخذ بأعالي الأمور، وأرفع الكفارات كما فعل كعب، قال ابن المنذر:
(1)
"التمهيد" 20/ 62. وانظر: "سنن الشافعي" 2/ 96 - 100.
(2)
انظر: "شرح معاني الآثار" 3/ 121 - 122، "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 195 - 197، "الموطأ" 271، "المنتقى" 3/ 72 - 72، "الأم" 2/ 158، "المغني" 11/ 94 - 97.
(3)
"الاستذكار" 12/ 249.
(4)
"المحلى" 7/ 210.
قوله في الحديث ولم يبين لهم أنهم يحلون بها، وهم على طمع أن يدخلوا مكة فيه دليل أن من كان على رجاء من الوصول إلى البيت أن عليه أن يقيم حَتَّى ييأس من الوصول فيحل، وقال من أحفظ عنه من أهل العلم: إن من يئس أن يصل إلى البيت فجاز له أن يحل فلم يفعل حَتَّى خلى سبيله أن عليه أن يمضي إلى البيت؛ ليتم مناسكه.
وقوله: (فأمره أن يحلق ولم يبين لهم أنهم يحلون بها). فيه حجة لمالك في وجوب الكفارة على المرأة تقول في رمضان: غدًا حيضي، والرجل يقول: غدًا يوم حُمَّاي، فيفطران ثم ينكشف الأمر بالحمى والحيض كما قالا، أن عليهما الكفارة؛ لأنه لم يكن ما كان في علم الله من أنهم يحلون بالحديبية، وأن الهدي قد بلغ محله، بمسقط عن كعب الكفارة إذا استباح الحلاق قبل إعلام الله تعالى بأن الهدي قد بلغ محله، فكذلك ما كان في علم الله من أنها تحيض لا تسقط عنها الكفارة إذا استباحت حرمة رمضان قبل علمها بالحيض، وكذلك المريض إذ قد يجوز أن يكون ما ظنَّا؛ لأنه لا يقطع على مغيب
(1)
.
تنبيهات:
أحدها: الهوام: القمل، وهي هوام الإنسان المختصة بجسده؛ لأنها تهم في الرأس وتدب، وقال الداودي: الهوام: دواب الإنسان التي تخرج من جسده، قال: وكل ما سكن أحجار الأرض فهو من هوامها، وقال ابن فارس: هوام الأرض: حشراتها، وهي دوابها الصغار كاليرابيع والضباب
(2)
. وقال الهروي: الهوام: الحيات، وكل
(1)
انتهى من "شرح ابن بطال" 4/ 474 - 475.
(2)
"مجمل اللغة" 4/ 892.
ذي سم يقتل، فأما ما لا يقتل (سمه)
(1)
فهو: السوام كالعقرب والزنبور، قال: ومنها الهوام مثل القنافذ والخنافس، والفأر واليرابيع، قال: وقد يقع الهوام على ما يدب من الحيوان، وذكر حديث كعب هذا.
وقوله: "احلق رأسك" يحتمل الندب والإباحة، قال ابن التين: وهذا يدل على أن إزالة القمل عن الرأس ممنوع وتجب به الفدية، وكذلك الجسد عند مالك
(2)
.
ثم قال: وقال الشافعي: أخذ القملة من الجسد مباح، وفي أخذها من الرأس الفدية؛ لأجل ترفهه لا لأجل القملة. قلت هذا غريب؛ فإن الشافعي قال: من قتل قملة تصدق بلقمة وهو على وجه الاستحباب
(3)
.
ثانيها: لو صام الثلاثة أيام في أيام التشريق، فأباحه في "المدونة"
(4)
وكرهه في كتاب محمد للنهي عن صيامها، ولا يصومها إلا من صام العشر في حق المتمتع للنص فيها
(5)
.
ثالثها: قال مالك: له أن ينسك الشاة حيث شاء لإطلاق الكتاب والسنة
(6)
، وقال أبو بكر بن الجهم وأبو حنيفة والشافعي: لا يذبحه إلا بمكة، وكذا قال الشافعي في الإطعام
(7)
.
(1)
في الأصل: وسم، ولعل المثبت هو الصواب، والتصويب من "فتح الباري" 6/ 410.
(2)
انظر: "المنتقى" 2/ 196.
(3)
انظر: "الأم" 2/ 170.
(4)
"المدونة" 2/ 43.
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 74.
(6)
"الموطأ" 270، "النوادر والزيادات" 2/ 358، "المنتقى" 3/ 69.
(7)
انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 176، "مختصر المزني" ص 106.
رابعها: هذِه الكفارة مخيرة و (أو) للتخيير في الآية، وبعض العلماء يرى أن يبدأ بالأول فإن لم يجد فشاة، فإن لم يجد فصيام، حكاه ابن التين في غزوة الحديبية، وقال الداودي: وقيل إن النسك لا يكون إلا هديًا، وظاهر القرآن يرده، وذكر الشاة أولًا في بعض الروايات إنما هو للندب
(1)
.
خامسها: قال محمد من المالكية: إذا أطعم ذرة نظر مجراه من القمح، وزاد منها قدر ذَلِكَ
(2)
، وأنكره غيره، وقال: لا ينبغي أن يجعل القمح أصلًا، ورواية مسلم السالفة: ثلاثة آصع من تمر
(3)
، ترد على أبي حنيفة ومن وافقه في قوله: أنه إذا أطعم غير البر أطعم أربعة وعشرين مدًّا لستة مساكين، وعن أحمد: إن أطعم برًا أطعم مدًا لكل مسكين، أو تمرًا أطعم مدين
(4)
.
سادسها: الفرق: بفتح رائه وإسكانها، قاله ابن فارس
(5)
، وأنكر غيره الإسكان
(6)
، وهو ستة عشر رطلًا وذلك ثلاثة آصع.
سابعها: ظاهر ما سلف أن القمل أمرضه، فلما حمل إليه استعظم ما به، ومعنى: يتهافت: يسقط، كما جاء في الرواية الأخرى، والجهد بفتح الجيم: المشقة.
(1)
رواه مسلم (1201/ 84).
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 358.
(3)
مسلم (1201/ 84) كتاب: الحج، باب: جواز حلق الرأس للمحرم.
(4)
انظر: "المغني" 5/ 384، 11/ 94.
(5)
"مجمل اللغة" 3/ 718.
(6)
ورد بهامش الأصل ما نصه: وفي "الجمهرة": وقد قيل: فرق بلا تسكين. وفي "المطالع": الفتح والسكون، وترجيح الفتح كما في "الجمهرة".
ثامنها: جعل هنا صوم يوم معادل صاع، وفي فطر رمضان بمد، وفي كفارة اليمين مقابلة العتق، وإطعام عشرة مساكين، وفي كفارة الظهار: إطعام ستين عن صيام شهرين، يتعبد الله عباده بما شاء.
تاسعها: وقع لابن عبد البر وابن بطال أن النسك هنا شاة
(1)
، وقد نبهنا فيما مضى على ذَلِكَ.
عاشرها: فدية في الآية مرفوع أي: فعليه فدية، ولو نصب جاز في اللغة على إضمار فليعط فدية أو فليأت فدية، قاله الزجاج.
حادي عشرها: من غرائب ابن حزم أن نتف الشعر لا شيء عليه فيه قال: لأن النتف غير الحلق والتنوير
(2)
. وغيره قال: الحلق والنورة والقص وغيره سواء، قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافًا
(3)
، ونقل ابن بطال عن أكثر العلماء وجوب الفدية على المحرم إذا حلق شعر جسده، أو أطلى أو حلق موضع المحاجم، وبعضهم يجعل عليه في كل شيء من ذَلِكَ دمًا
(4)
. وقال داود: لا شيء عليه. قال ابن حزم: إذا حلق المحرم رأسه أو بعضه لغير ضرورة عامدًا عالمًا أنَّ ذَلِكَ لا يجوز بطل حجه، ولو قطع من شعر رأسه ما لا يسمى حالقًا، فلا شيء عليه، لا إثم ولا كفارة بأي شيء قطعه أو نزعه
(5)
.
ثاني عشرها: اختلف في موضع الفدية، فقال مالك: إن شاء بمكة وإن شاء ببلده، وذبح النسك والإطعام والصيام عنده سواء، يفعل من
(1)
"شرح ابن بطال" 4/ 474، "التمهيد" 21/ 4 - 5.
(2)
"المحلى" 7/ 214.
(3)
"المغني" 5/ 381.
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 506.
(5)
"المحلى" 7/ 211.
ذَلِكَ ما شاء أين شاء، وهو قول مجاهد
(1)
، والذبح والهدي عنده لا يكون إلا بمكة، وقال الشافعي وأبو حنيفة: الدم والإطعام لا يكونان إلا بمكة، والصوم حيث شاء، وهو قول طاوس
(2)
، وعن
أبي حنيفة أيضًا كقول عطاء
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 179 (13286) بلفظ: اجعل الفدية حيث شئت. وابن جرير 2/ 248 (3403).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 179 (13287) كتاب: الحج، في المحرم تجب عليه الكفارة أين تكون، وابن جرير 2/ 247 (3394، 3397).
(3)
رواه عن عطاء ابن أبي شيبة 3/ 179 - 180 (13287 - 13288، 13291)، وابن جرير 2/ 247 (3395 - 3396).
9 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَلَا رَفَثَ} [البقرة: 197]
1819 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". [انظر: 1521 - مسلم: 1350 - فتح: 4/ 20]
ذكر فيه حديث مَنْصُورٍ، سمعت أبا حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ".
10 - باب قَوْلِ اللهِ اللهِ تعالى: {وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ} [البقرة: 197]
1820 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". [انظر: 1521 - مسلم: 1350 - فتح: 4/ 20]
ذكر فيه الحديث المذكور بلفظه سواء، إلا أنه قال:"رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" وشيخ شيخ البخاري فيه سفيان وهو الثوري كما بينه البيهقي في إسناده، ثم عزاه إلى البخاري، وأخرجه البيهقي أيضًا من حديث يحيى بن أبي بكير، عن إبراهيم بن طهمان، عن منصور عن هلال بن يساف، عن أبي حازم، أدخل بينهما هلالًا
(1)
، لكن صرح البخاري بسماع منصور من أبي حازم، فلا يضر هذا، وقد سلف في أول الحج مصرحًا فيه بالسماع أيضًا فراجعه من ثَمَّ
(2)
.
(1)
"سنن البيهقي" 5/ 262 كتاب: الحج، باب: فضل الحج والعمرة.
(2)
ورد تعليق بالأصل: يعني من غير هذا الوجه.
28
كتاب جزاء الصيد
[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ]
28 - [كتاب] باب جَزَاءِ الصَّيْدِ ونحوه
(1)
[1 - باب] قَوْلِ اللهِ تَعَالَى {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} إلى قول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} . [المائدة: 95 - 96]
[2 - باب] إِذَا اصَّادَ الحَلَالُ فَأَهْدَى إلى لِلْمُحْرِمِ الصَّيْدَ أَكَلَهُ
.
وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ بِالذَّبْحِ بَأْسًا، وَهُوَ غَيْرُ الصَّيْدِ نَحْوُ الإِبِلِ وَالغَنَمِ وَالبَقَرِ وَالدَّجَاجِ وَالخَيْلِ، يُقَالُ: عَدْلُ: ذَلِكَ مِثْلُ، فَإِذَا كُسِرَتْ عِدْلٌ فَهُوَ زِنَةُ ذَلِكَ. {قِيَامًا} [المائدة: 97]: قِوَامًا. {يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] يَجْعَلُونَ عَدْلًا.
1821 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: انْطَلَقَ أَبِي عَامَ الحُدَيْبِيَةِ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ، وَلَمْ يُحْرِمْ، وَحُدِّثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَدُوًّا يَغْزُوهُ، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَنَظَرْتُ
(1)
ما بين معقوفتين و (كتاب)، و (1 - باب)، و (2 - باب) من مطبوع البخاري.
فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي، فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ، وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ، فَطَلَبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ شَأْوًا، فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، قُلْتُ: أَيْنَ تَرَكْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ بِتَعْهِنَ، وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَهْلَكَ يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللهِ، إِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ، فَانْتَظِرْهُمْ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ، وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ. فَقَالَ لِلْقَوْمِ:"كُلُوا" وَهُمْ مُحْرِمُونَ. [1822، 1823، 1824، 2570، 2854، 2914، 4149، 5406، 5407. 5490، 5491، 5492 - مسلم: 1196 - فتح: 4/ 22]
ثم ذكر فيه حديث أَبِي قَتَادَةَ: أنه صاد حمار وحش وكان غير محرم، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ، وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ:"كُلُوا" وَهُمْ مُحْرِمُونَ.
الشرح:
هذِه الآية نزلت في كعب بن عمرو وأنه كان محرمًا في عام الحديبية بعمرة، فقتل حمار وحشٍ، ووقع في "تفسير مقاتل"، أنها نزلت في أبي اليسر
(1)
عمرو بن مالك، والأول ما ذكره المؤرخون ابن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي وغيرهم، يقال: رجل حرام وامرأة حرام، والآية نزلت في العمد، والخطأ ملحق به للتغليظ.
قال الزهري: نزل الكتاب بالعمد، والسنة جاءت بالخطأ
(2)
. {وَأَنتُم حُرُم} بحج أو عمرة، أو المحرم الداخل في الحرم كأتهم وأنجد، ويقال: أحرم إذا دخل في الأشهر الحرم متعمدًا لقتله ناسيًا لإحرامه
(1)
ورد في هامش الأصل: اسم أبي اليسر كعب بن عمرو السلمي عقبي بدري، ونعرف صحابيًّا بهذِه الكنية غيره.
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 391 (8178)، وفي "التفسير" 1/ 189 (732)، والطبري 5/ 43 (12565).
أو ذاكرًا، وقد سلف.
قال مجاهد والحسن: هو العامد للصيد مع نسيان الإحرام حال قتله، فإن قتله عامدًا ذاكرًا فأمره إلى الله، ولا حكم عليه؛ لأنه أعظم من أن يكون له كفارة مثل ما قتل في صورته وشبهه أو قيمة الصيد يصرف في مثله من النعم وهي الإبل والبقر والغنم، فإن انفردت الإبل وحدها قيل لها نعم بخلاف غيرها
(1)
.
قال الفراء: هو ذكر لا يؤنث، وخولف.
{يحَكُمُ بِهِ} أي: بالمثل.
{هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ} الحرم كله؛ لأن الكعبة فيه، ويجوز فيه من الصغار ما لا يجوز في الأضحية خلافًا لأبي حنيفة.
{أَو كَفَّاَرَةٌ} يشترى بقيمة المثل طعام، أو بقيمة الصيد أو عدل الطعام صيامًا عن كل مد يومًا أو ثلاثة أيام، أو عن كل صاع يومين، وهي مخيرة أو مرتبة في المثل، ثم الطعام ثم الصيام قاله ابن عباس
(2)
، وقد أسلفنا كلام البخاري في العدل، وقرئ بالكسر
(3)
،
(1)
رواه عن مجاهد، عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 389 (8173 - 8174)، وسعيد ابن منصور 4/ 1618 (828)، وابن أبي شيبة 3/ 378 (15288) كتاب: الحج، من قال: عمد الصيد وخطأه سواء، والطبري 5/ 41 - 42 (12548 - 12549، 12553)، وعبد الرحمن في "تفسير مجاهد" 1/ 204، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 577 لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبي الشيخ. ورواه عن الحسن ابن جرير 5/ 42 (12558)، وعزاه في "الدر المنثور" 5/ 578 لابن جرير.
(2)
رواه ابن جرير 5/ 46 (12573 - 12574، 12576)، 5/ 52 (12606) وابن أبي حاتم 4/ 1208 (6811).
(3)
انظر: "مختصر شواذ القرآن" ص 41.
وأنكرت؛ لأنه الحمل، وقيل: هما لغتان بمعنى.
{وَبَالَ أَمرِه} بالتزام الكفارة، ووجوب التوبة.
{عَمَّا سَلَفَ} ، أي: قبل التحريم.
{وَمَن عَادَ} بعد التحريم.
{فَيَننَقِمُ اَللهُ مِنهُ} بالجزاء أو عقاب الآخرة.
{وَمَن قَتَلَهُ} بعد التحريم مرة بعد أخرى انتقم الله منه بالعقوبة دون الجزاء عند ابن عباس
(1)
، أو بهما عند الجمهور، وقال شريح وسعيد بن جبير: يحكم عليه في أول أمره فإذا عاد لم يحكم
(2)
، ويقال: اذهب ينتقم الله منك. أي: ذنبك أعظم كاليمين الغموس، قال الزهري: ويملأ بطنه وظهره ضربًا وجيعًا، وبذلك حكم الشارع في صيد وج، وادٍ بالطائف
(3)
.
(1)
رواه الطبري 5/ 61 (12654)، وابن أبي حاتم 4/ 1209 (6819).
(2)
رواه ابن جرير 5/ 61 - 62 (12659، 12660، 12662)، وانظر "الدر المنثور" 2/ 584.
(3)
يشير المصنف رحمه الله إلى حديث رواه أبو داود (2032)، والحميدي 1/ 185 (63)، وأحمد 1/ 165، والبخاري في "التاريخ "الكبير" 1/ 140، والفاكهي في "أخبار مكة" 5/ 99 - 100 (2907)، والعقيلي في "الضعفاء" 4/ 92 - 93، والنسائي في "مسنده" 1/ 108 (48)، والبيهقي 5/ 200 من طريق عبد الله بن الحارث المخزومي عن محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي عن أبيه عن عروة بن الزبير عن أبيه الزبير بن العوام قال: لما أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ليلة حتى إذا كنا عند السدرة، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرف القرن الأسود حذوها فاستقبل نخبًا ببصره -وقال مرة: وادبه- ووقف حتى اتقن الناس كلهم، ثم قال: "إن صيد وج وعضاهه حرام محرم لله" وذلك قبل نزول الطائف وحصاره لثقيف.
وهو حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه. ومن ضعفه أكثر.
فسكت عليه أبو داود، وكذا عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" 2/ 346 =
{صَيدُ اَلْبحَرِ} أي: مصيده.
{وَطَعَامُهُ} أي: طافيه وما لفظه أو مملوحه.
{مَتَعًا لكُم} أي: مدخر، وسيأتي في كتاب الصيد إيضاحه إن شاء الله وقدره.
{وَللسَيَّارَةِ} : المسافرون، أراد أن المسافر والمقيم فيه سواء، وكان بنو مدلج ينزلون سيف البحر فسألوه عما نضب عنه الماء من السمك، فنزلت.
وأما أثر أنس فأخرجه ابن أبي شيبة، عن مروان بن معاوية، عن
= مصححين له، وأجمل المصنف رحمه الله القول بتصحيح الحديث في "البدر المنير" 6/ 367، وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (1416): إسناده صحيح.
لكن ضعفه البخاري، فلما روى الحديث في "تاريخه" 1/ 140 في ترجمة محمد بن عبد الله بن إنسان 5/ 45 (90): عن عروة بن الزبير عن أبيه، روى عنه ابنه محمد، لم يصح حديثه.
وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 4/ 326 - 327 (1899): حديث لا يصح. وضعفه المنذري في "مختصر السنن" 2/ 442، وقال النووي -قدس الله روحه- في "المجموع"، وفي "تهذيب الأسماء واللغات" 3/ 198: إسناده ضعيف.
وضعفه أيضًا ابن التركماني في "الجوهر النقي" 5/ 200، والألباني في "ضعيف أبي داود"(347)، وفي "ضعيف الجامع"(1875).
تنبيه:
وقع في "علل الدارقطني" 4/ 239 (535) في السؤال عن هذا الحديث: صعيد وجّ، وهو خطأ أو تصحيف، صوابه: صيد وج. والله أعلم.
ووَجّ بواو مفتوحة، ثم جيم مشددة، قال الجوهري في "الصحاح" 1/ 346: وج بلد الطائف، وقال البكري في "معجم ما استعجم" 4/ 1369: وَجّ بفتح أوله وتشديد ثانيه، هو الطائف، وقيل: هو واد الطائف.
الصباح بن عبد الله البجلي قال: سألت أنس بن مالك عن المحرم هل يذبح؟ قال: نعم
(1)
، وعن إبراهيم: يذبح المحرم كل شيء إلا الصيد
(2)
، وكذا قاله الحكم وحماد وعطاء
(3)
.
وأما أثر ابن عباس فذكره إسماعيل بن أبي زياد الشامي في "تفسيره"، وكأن البخاري ذكر هذا التعليق ليستدل به على ما روي عن الحسن وعطاء أنهما قالا: ذبيحة المحرم ميتة
(4)
، وهو الصحيح من مذهب الشافعي.
وقال ابن التين: على قول ابن عباس عامة العلماء.
وقال ابن بطال: ما ذكراه قول الجماعة، العلماء لا خلاف بينهم أن الداجن كله من الإبل والبقر والغنم والدجاج وشبهه يجوز للمحرم ذبحها؛ لأن الداجن كله غير داخل في الصيد
(5)
.
وأما حمام مكة فليس من الداجن وهو داخل في الصيد المحرم على المحرم.
وقال الحربي في "مناسكه": يذبح المحرم الدجاج الأهلي، ولا يذبح الدجاج السندي، ويذبح الحمام الشامي، ولا يذبح الطيارة، ويذبح الأوز، ولا يذبح البط البري، ويذبح الغنم والبقر الأهلية، ويصيد السمك وكل ما كان في البحر، ويجتنب صيد الضفادع. وهذِه تفاصيل غريبة.
(1)
"المصنف" 3/ 299 (14518) كتاب: المناسك، في المحرم يذبح.
(2)
"المصنف" 3/ 299 (14519).
(3)
"المصنف" 3/ 299 (14520).
(4)
"المصنف" 3/ 299 - 300 (14522 - 14523).
(5)
"شرح ابن بطال" 4/ 485.
وقوله: (والخيل). قالت به فرقة، كما قاله ابن التين، وأجازها أبو يوسف ومحمد، والشافعي وأحمد، وإسحاق وأبو ثور وجمهور أهل الحديث لحديث جابر وأسماء: أنهم أكلوه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرهها مالك وأبو حنيفة
(1)
، وسيأتي في الذبائح إن شاء الله تعالى
(2)
.
إذا عرفت ذَلِكَ، فاتفق أئمة الفتوى بالحجاز والعراق أن المحرم إذا قتل الصيد عمدًا أو خطأ فعليه الجزاء، منهم: الليث والأوزاعي والثوري والأربعة وإسحاق
(3)
، وخالف أهل الظاهر فقالوا: لا يجب الجزاء إلا على المتعمد للآية؛ لأن دليل الخطاب يقتضي أن الخاطئ بخلافه وإلا لم يكن لتخصيص المتعمد معنى، وقالوا: قد روي عن عمر بن الخطاب ما يدل على أن ذَلِكَ كان مذهبه.
روى سفيان عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر، عن عمر أنه سأل رامي الظبي وقاتله: أعمدًا أصبته أم خطأ؟
(4)
قالوا: ولم يسأله عمر عن ذَلِكَ إلا لافتراق حكمهما عنده.
وروي مثله عن ابن عباس.
(1)
انظر: "شرح معاني الآثار" 4/ 210 - 211، "أحكام القرآن" للجصاص 3/ 270 - 272، "المبسوط" 11/ 234، "المنتقى" 3/ 132 - 133، "المجموع" 9/ 5 - 7، "الفروع" 6/ 299.
(2)
سيأتي برقم (5510)، ورواه مسلم (1941)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: في أكل لحوم الخيل.
(3)
انظر: "المغني" 5/ 396 - 397،
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 406 - 408 (8239 - 8240)، والبيهقي 5/ 181 كتاب: الحج، باب: جزاء الصيد.
وذهب جماعة العلماء في تأويل الآية، وقالوا: لا حجة في سؤال عمر؛ لأنه يجوز أن يسأله عن ذَلِكَ ليعلم إن كان قتله عمدًا، ثم قتل بعده صيدًا عمدًا انتقم الله منه فأراد عمر تحذيره من ذَلِكَ مع أنه قد روى شعبة هذا الحديث عن قبيصة أنه أجاب عمر بلا أدري، فأمره بالفدية
(1)
. فخالف رواية سفيان، فدل على أن السؤال كان ليقف به على الانتقام في العودة مع أن الأشبه بمذهب عمر مذهب الجماعة.
روى شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود أن كعبًا قال لعمر: إن قومًا استفتوني في محرم قتل جرادة، فأفتيتهم أن فيها درهمًا، فقال: إنكم يا أهل حمص كثيرة دراهمكم؛ تمرة خير من جرادة
(2)
، أفلا ترى عمر لم ينكر على كعب تركه سؤال القوم عن قتل المحرم للجرادة إن كان عمدًا أو خطأ؛ لاستواء الحكم في ذَلِكَ عنده، ولو اختلف الحكم في ذَلِكَ عنده لأنكر عليه تركه السؤال عن ذَلِكَ، وهذا ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وابن عمرو كلهم قد أجاب بما أصاب المحرم بوجوب الجزاء، ولم يسأل أحد منهم عن عمد في ذَلِكَ ولا خطأ
(3)
، ولا يكون ذَلِكَ إلا لاستواء الحكم عندهم في ذَلِكَ، ثم السنة الثابتة عن الشارع تدل على هذا المعنى.
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 407 (8240) كتاب: المناسك، باب: الوبر والظبي، والبيهقي 5/ 181.
(2)
لم أقف عليه بهذا الإسناد، وقد رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 410 - 411 (8247)، عن معمر والثوري عن إبراهيم عن الأسود، به، ورواه ابن أبي شيبة 3/ 410 كتاب: الحج، في المحرم يقتل الجرادة، عن ابن فضيل عن يزيد بن إبراهيم عن كعب، به، ومن طريق أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر.
(3)
رواه عن ابن مسعود البيهقي 5/ 180 كتاب: الحج، باب: قتل المحرم الصيد عمدًا أو خطأ. =
روى جابر أنه عليه السلام سئل عن الضبع أصيد هو؟ قال: "نعم، وفيه كبش إذا صاده المحرم"
(1)
ولم يفصل بين العمد والخطأ، والقياس يدل عليه أيضًا كما في فساد الحج بالجماع، والخطأ بالكفارة أولى من العمد دليله كفارة القتل.
واحتج أهل الظاهر بحديث: "وضع عن أمتي الخطأ"
(2)
، والمراد وضع الإثم.
فإن الفقهاء مجمعون أن الخطأ والنسيان ليسا في إتلاف الأموال، وما رووه عن ابن عباس فإسناده ضعيف، رواه قتادة عن رجل عن ابن عباس، قاله إسماعيل بن إسحاق.
= ورواه عن ابن عباس البيهقي أيضًا 5/ 182 باب: فدية النعام وبقر الوحش وحمار الوحش. ورواه عن ابن عمر عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 413 (8258، 8261 - 8262) كتاب: المناسك، باب: القمل.
(1)
رواه أبو داود (3801) كتاب: الأطعمة، باب: في أكل الضبع، وابن أبي شيبة 3/ 409 (15617) كتاب: الحج، في الضبع يقتله المحرم، والدارمي 2/ 1235 (1984) كتاب: المناسك، باب: في جزاء الصيد، وابن الجارود 2/ 73 - 74 (439)، وابن خزيمة 4/ 182 (2646) كتاب: المناسك، باب: ذكر جزاء الضبع إذا قتله المحرم، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 164 كتاب: الحج، باب: ما يقتل المحرم من الدواب، وابن حبان 9/ 277 (3964) كتاب: الحج، باب: ما يباح للمحرم وما لا يباح، وابن عدي في "الكامل" 2/ 344، والحاكم في "المستدرك" 1/ 452 - 453 - وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه- والبيهقي في "سننه" 5/ 183 كتاب: الحج، باب: فدية الضبع، 9/ 319 كتاب: الضحايا، باب: ما جاء في الضبع والثعلب، وفي "معرفة السنن والآثار" 14/ 88 (19219) كتاب: الضحايا، أكل الضبع والثعلب، والخطيب في "تاريخ بغداد" 5/ 167 - 168، والمزي في "تهذيب الكمال" 17/ 232، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
(2)
تقدم تخريجه باستيفاء شديد، وانظر:"الإرواء"(82).
وأغرب محمد بن عبد الله المالكي فقال: لا جزاء في غير العمد ولا في العمد إذا تكرر، وليس عليه إن عاد إلا ما أوعده به أو يعفو عنه، ونقله عن ابن عباس
(1)
، وسعيد بن جبير
(2)
، وطاوس وأبي ثور،
وقيل: إن {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} مردود إلى قوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} وفيه بعد.
واختلفوا في تأويل قوله تعالى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فقال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن: المراد بالآية إخراج مثل الصيد المقتول من النعم إن كان له مثل، ففي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش وحماره بقرة، والغزال عنز، والأرنب عناق، واليربوع جفرة.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: الواجب القيمة وإن كان له مثل، ثم يشتري بتلك القيمة هديًا أو طعامًا أو يتصدق بقيمته
(3)
.
قالوا: لما لم يجز أن يراد بالمثل المثل من الجنس علم أن المراد به القيمة، وأنها تصرف في النعم يدل على أن المراد بالمثل القيمة قوله تعالى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وهو عام في جميع الصيد سواء كان له مثل أو لم يكن، ومعلوم أن ما لا مثل له من جنسه ونظيره فإن الواجب في إتلافه القيمة، فصار المراد بالمثل القيمة، في أحد الأمرين، وجوابه أن قوله:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} المراد به: مثل المقتول، ولو اقتصر عليه ولم يقيده بالنعم لكان الواجب في النعامة نعامة، وفي بقر الوحش بقرة، فلما قال:
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 393 (8184)، وابن أبي شيبة 3/ 423 (15762)، وابن جرير 5/ 61 (12655)، وابن أبي حاتم 4/ 1209 (6819).
(2)
رواه عبد الرزاق 4/ 393 - 394 (8186)، وابن جرير 5/ 62 (12662).
(3)
"المنتقى" 2/ 253، وانظر:"المبسوط" 4/ 82 - 83، "الأم" 2/ 163 - 164.
{مِنَ اَلنَعَمِ} ، أوجب أن يكون الجزاء مثل المقتول من النعم لا من غيره، ومثله من النعم ليس هو القيمة، والمماثلة من طريق الخلقة مشاهدة محققة، والتخصيص بالنعم من سائر الحيوان قال على ذَلِكَ، ومخرج للدراهم وغيرها، وقد يراد بالآية الحقيقة في موضع وهو ما له مثل، والمجاز في آخر وهو ما لا مثل له، فإنَّا نعدل إلى القيمة وإنما يتنافي ذَلِكَ إذا كان في حالة واحدة فأما في حكمين فلا، فإن قلت: أين مماثلة الشاة للحمامة؟
قلت: لأن الطير ليس من النعم، والجزاء لا يكون إلا هديًا، وهو أقل ما يسمى هديًا.
وإن قتل جماعة واحدًا لزمهم جزاء واحد عند الشافعي، خلافًا لمالك
(1)
.
واختلفوا في قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} ، فقال مالك: لا يجوز أن يكون القاتل أحد العدلين. وجوزه الثوري والشافعي، واختلف أصحاب أبي حنيفة على القولين. وجه الأول الآية، كما قال:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فيحتاج إلى حكمين غيره يحكمان كما يحتاج إلى شاهدين غيره، والحكومات إنما تكون من غير المحكوم عليهم، كما لا يجوز أن يكون الزوج حكمًا في الشقاق
(2)
.
واتفق الأئمة الأربعة وأبو ثور أن هذِه الكفارة مخيرة للإتيان فيها بـ (أو) فإن شاء أهدى وإن شاء صام، وإن شاء تصدق
(3)
.
(1)
انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 202، "المنتقى" 3/ 75، "المجموع" 7/ 442.
(2)
انظر: "المنتقى" 2/ 255، "الاستذكار" 12/ 17 - 18، "المغني" 5/ 405.
(3)
انظر: "المغني" 5/ 415.
وقال الثوري: إن لم يجد هديًا أطعم، فإن لم يجد طعامًا صام، وقال الحسن والنخعي: إن لم يكن عنده جزاؤه قوم بدراهم، ثم قومت الدراهم طعامًا فصام
(1)
.
وقال سعيد بن جبير: إنما الطعام والصيام فيما لا يبلغ ثمن الهدي، والصواب الأول، وقيل: إن الحاكم غير، وفيه بعد؛ لأن القاتل هو المخاطب.
واختلفوا في الصوم المعدل بالقيمة: فكان بعضهم يقول: يصوم عن كل مدين يومًا، هذا قول ابن عباس
(2)
، وبه قال الثوري والكوفيون وأحمد وإسحاق وأبو ثور، لحديث كعب بن عجرة السالف، وقال بعضهم: يصوم عن كل مد يومًا، وهو قول عطاء ومالك والشافعي
(3)
.
واختلفوا في قوله تعالى {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} هل هذا الوعيد منه جزاء عائد على مصيب الصيد كما كان عليه السلام في إصابته إياه بدأ كما أسلفناه هناك، فذهب بعضهم إلى أنه لا جزاء عليه في ذَلِكَ إلا بأول مرة فإن عاد ترك والنقمة، وقد أسلفناه عن جماعة، وذكره ابن المنذر، عن
النخعي والحسن وقتادة ومجاهد أيضًا، وذهب الكوفيون ومالك
(1)
رواه عن الحسن عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 396 (8194) كتاب: الحج، باب: بأي الكفارات شاء كفر. ورواه عن النخعي عبد الرزاق أيضًا 4/ 396 (8195)، وابن جرير 5/ 52 (12608)، وعزاه في "الدر المنثور" لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبي الشيخ.
(2)
رواه عبد الرزاق 4/ 397 - 398 (8200)، وسعيد بن منصور 4/ 1622 (832)، والطبري 5/ 53 (12613)، وابن أبي حاتم 4/ 1208 (6811)، والبيهقي 15/ 186 كتاب: الحج، باب: من عدل صيام يوم بمدين من طعام.
(3)
انظر: "الاستذكار" 12/ 21.
والشافعي وأحمد إلى أنه يحكم عليه بالجزاء في كل مرة أصابه
(1)
، وأسلفناه عن الجمهور وهو الصواب؛ لأنا روينا عن عمر وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وغيرهم أنهم حكموا على المحرمين بإصابة الصيد، ولم يسأل أحد منهم المحكوم عليه: هل أصاب صيدًا قبل؟
(2)
فدل أنه لا فرق، وكما يتقرر جزاء الجماع فكذا الصيد.
فإن قلت: إنما انتفت الكفارة على العائد؛ لوقوع النقمة عليه.
قيل: أوليس إثمًا كان منتقمًا منه بمعصية الله، أفرأيت إن قتل الصيد بدا عاتيًا منتهكًا للحرمة، أما كان يجب عليه في ذَلِكَ نقمة ويكون عليه الجزاء، فكذا إذا عاد، ويجوز أن يكون معنى الانتقام: أن يشاءه كما في سائر الوعيد.
قال ابن المنذر: وأجمعوا أن صيد البحر مباح للمحرم اصطياده وبيعه وشراؤه
(3)
. أي: لمفهوم الآية فحرمة الصيد ثابتة للمحرم في الحل والحرم، وفي الحرم للمحرم وغيره.
وحديث أبي قتادة مخرج في مسلم أيضًا
(4)
، وقد ترجم عليه البخاري تراجم:
أحدها:
(1)
انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 2/ 668 - 669، "المبسوط" 4/ 96 - 97، "المنتقى" 2/ 250 - 251، "المجموع" 7/ 343 - 344، "الفروع" 3/ 459.
(2)
انظر هذِه الآثار في "تفسير الطبري" 5/ 49 - 50.
(3)
"الإجماع" لابن المنذر ص 67 (185).
(4)
مسلم (1196) كتاب: الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم.
3 - [باب] إِذَا رَأَى المُحْرِمُونَ صَيْدًا فَضَحِكُوا فَفَطِنَ الحَلَالُ
1822 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ: انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ، وَلَمْ أُحْرِمْ، فَأُنْبِئْنَا بِعَدُوٍّ بِغَيْقَةَ، فَتَوَجَّهْنَا نَحْوَهُمْ، فَبَصُرَ أَصْحَابِي بِحِمَارِ وَحْشٍ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ، فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ الفَرَسَ، فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ، فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، ثُمَّ لَحِقْتُ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ، أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ عَلَيْهِ شَأْوًا، فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تَرَكْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: تَرَكْتُهُ بِتَعْهِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا. فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَصْحَابَكَ أَرْسَلُوا يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللهِ وَبَرَكَاتِهِ، وَإِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعَهُمُ العُدُوُّ دُونَكَ، فَانْظُرْهُمْ. فَفَعَلَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا اصَّدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ، وَإِنَّ عِنْدَنَا فَاضِلَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ:"كُلُوا". وَهُمْ مُحْرِمُونَ. [انظر: 1821 - مسلم: 1196 - فتح: 4/ 26]
ثم ساقه. و:
4 - باب لَا يُعِينُ المُحْرِمُ الحَلَالَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ
1823 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ نَافِعٍ -مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ- سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالقَاحَةِ مِنَ المَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثٍ ح. وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالقَاحَةِ، وَمِنَّا المُحْرِمُ، وَمِنَّا غَيْرُ المُخرِمِ، فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا فَنَظَرْتُ، فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ -يَعْنِي: وَقَعَ سَوْطُهُ- فَقَالُوا: لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، إِنَّا مُحْرِمُونَ. فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ الحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَعَقَرْتُهُ، فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُوا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَأْكُلُوا. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَمَامَنَا، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ:"كُلُوهُ، حَلَالٌ". قَالَ لَنَا عَمْرٌو: اذْهَبُوا إِلَى صَالِحٍ فَسَلُوهُ عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ، وَقَدِمَ عَلَيْنَا هَا هُنَا. [انظر: 1821 - مسلم: 1196 - فتح 4/ 26]
ثم ساقه. و:
5 - باب لَا يُشِيرُ المُحْرِمُ إِلَى الصَّيْدِ لِكَىْ يَصْطَادَهُ الحَلَالُ
1824 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ -هُوَ: ابْنُ مَوْهَبٍ- قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حَاجًّا، فَخَرَجُوا مَعَهُ، فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، فَقَالَ: خُذُوا سَاحِلَ البَحْرِ حَتَّى نَلْتَقِىَ. فَأَخَذُوا سَاحِلَ البَحْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلاَّ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الحُمُرِ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا، فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا، وَقَالُوا: أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟! فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ الأَتَانِ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا وَقَدْ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ، فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا، فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا، ثُمَّ قُلْنَا: أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟! فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا. قَالَ: "مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ ". قَالُوا: لَا. قَالَ: "فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا". [انظر: 1821 - مسلم: 1196 - فتح: 4/ 28]
ثم ساقه.
وقال في باب: لا يعين: قال لنا عمرو: اذهبوا إلى صالح فسلوه عن هذا وغيره. يعني أن ابن عيينة قال لنا ذلك، وعمرو هو ابن دينار، كأن عمرًا دلهم على أخذه من صالح.
وفي "شرح ابن بطال" بعد كلامه على الآية باب: إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم الصيد أكله، ثم ساق أثر أنس وابن عباس، وحديث أبي قتادة
(1)
.
إذا عرفت ذَلِكَ؛ فالكلام عليه من وجوه:
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: وكذا في نسختي.
أحدها: فيه من الفقه:
أن لحم الصيد حلال أكله للمحرم إذا لم يصده أو لم يصد من أجله وصاده حلال، وفي ذَلِكَ دليل أن قوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} أن معناه: الاصطياد، وقتل الصيد وأكله لمن صاده، وإن لم يصده فليس ممن عني بالآية يبينه قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ؛ لأن هذِه إنما نهى فيها عن قتله واصطياده لا غير، وهذِه مسألة اختلف فيها السلف قديمًا، فذهبت طائفة إلى أنه يجوز للمحرم أكل ما صاده الحلال، روي عن عمر وعثمان والزبير وعائشة وأبي هريرة، وإليه ذهب الكوفيون وذهبت طائفة إلى أن ما صاده الحلال للمحرم أو من أجله فلا يجوز له أكله، وما لم يصد له فلا بأس بأكله، وهو الصحيح عن عثمان، وروي عن عطاء
(1)
، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود.
قال أبو عمر: وهو أعدل المذاهب وأولاها، وعليه يصح استعمال الأحاديث وتحريمها، وفيه مع ذَلِكَ نص حسن
(2)
-يعني: حديث جابر الآتي
(3)
- وذكر ابن القصار أن المحرم إذا أكل ما صيد من أجله فعليه الجزاء استحسانًا لا قياسًا، وعند أبي حنيفة والشافعي: لا جزاء عليه.
واحتج الكوفيون بقوله عليه السلام للمحرمين: "كلوا" قالوا: فقد علمنا أن أبا قتادة لم يصده في وقت ما صاده، إرادة منه أن يكون له خاصة، وإنما أراد أن يكون له ولأصحابه الذين كانوا معه، وقد أباح ذَلِكَ له ولهم، ولم يحرمه؛ لإرادته أن يكون لهم معه، وقواه الطحاوي بإجماعهم أن الصيد لحرمة الإحرام على المحرم، ولحرمة الحرم على الحلال، وكان
(1)
"شرح ابن بطال" 4/ 483.
(2)
انظر: "الاستذكار" 11/ 304.
(3)
سيأتي تخريجه قريبًا.
من صاد صيدًا في الحل فذبحه فيه، ثم أدخله الحرم فلا بأس بأكله فيه، ولم يكن إدخاله لحم الصيد الحرم (كله)
(1)
كإدخاله الصيد حيًّا في الحرم؛ لأنه لو كان كذلك لنهي عن إدخاله فيه، ومنع من أكله كما يمنع من الصيد ولكان إذا أكله في الحرم وجب عليه ما يجب في قتله فلما كان الحرم لا يمنع من لحم الصيد الذي صيد في الحل كما يمنع صيد الحي كان النظر على ذلك أن يكون كذلك الإحرام يحرم على المحرم الصيد ولا يحرم عليه لحمه إذا تولى الحلال ذبحه قياسًا ونظرًا
(2)
.
وحجة من أجاز له أكل ما لم يصد له؛ لأن أبا قتادة إنما صاده لنفسه لا للمحرمين، اجتمع وكان وجهه النبي صلى الله عليه وسلم طريق البحر مخافة العدو فلم يكن محرمًا حين اجتمع مع أصحابه؛ لأن مخرجهم لم يكن واحدًا، فلم يكن صيده للمحرمين ولا بعونهم، ألا ترى قوله:(فأبوا أن يعينوني)، فلذلك أجاز لهم أكله، وعلى هذا تتفق الأحاديث في أكل الصيد ولا تتضاد، وقد روي هذا المعنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى جابر مرفوعًا: "صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه، أو يصاد
(3)
لكم"، صححه الحاكم على شرط الشيخين
(4)
،
(1)
من (ج).
(2)
"شرح معاني الآثار" 2/ 175 - 176 كتاب: الحج، باب: الصيد يذبحه الحلال في الحل هل للمحرم أن يأكل منه أم لا؟.
(3)
كذا في الأصل، وعليها:(كذا).
(4)
رواه أبو داود (1851) كتاب: المناسك، باب: لحم الصيد للمحرم، والترمذي (846) كتاب: الحج، باب: ما جاء في أكل الصيد للمحرم، والنسائي 5/ 187 كتاب: مناسك الحج، إذا أشار المحرم إلى الصيد فقتله الحلال، وأحمد 3/ 362، وابن الجارود 2/ 72 - 73 (437)، وابن خزيمة 4/ 180 (2641)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 171 كتاب: مناسك الحج، باب: الصيد، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وابن حبان 9/ 283 (3971) كتاب: الحج، باب: الصيد، وابن حبان 9/ 283 (3971) كتاب: الحج، باب: ما يباح للمحرم وما لا يباح، والدارقطني 2/ 290، والحاكم في "المستدرك" 1/ 452، 476 كتاب: المناسك، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه -والبيهقي 5/ 190 كتاب: الحج، باب: ما لا يأكل المحرم من الصيد. جميعًا من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن المطلب عن جابر. ومن قبلهما أتي هذا الحديث وضُعف، قال الترمذي: المطلب لا نعرف له سماعًا من جابر.
وقال أبو حاتم الرازي: المطلب بن عبد الله بن حنطب عامة أحاديثه مراسيل، لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا سهل بن سعد وأنسًا وسلمة بن الأكوع ومن كان قريبًا منهم، ولم يسمع من جابر ولا من زيد بن ثابت ولا من عمران بن حصين اهـ "مراسيل ابن أبي حاتم" ص:210.
وقال ابن سعد: كان المطلب كثير الحديث وليس يحتج بحديثه؛ لأنه يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس له لقي وعامة أصحابه يدلسون اهـ "الطبقات الكبرى- القسم المتمم" ص: 116 (21).
وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 5/ 254 (8593): يرسل عن كبار الصحابة وقال العلائي: قال البخاري: لا أعرف للمطلب عن أحد من الصحابة، سماعًا إلا قوله: حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم اهـ "جامع التحصيل"(774).
وقال الحافظ: عمرو مولى المطلب مختلف فيه، وإن كان من رجال الصحيحين اهـ "تلخيص الحبير" 2/ 276.
وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي" 5/ 190: الحديث في نفسه معلول، عمرو بن أبي عمرو مع اضطرابه في هذا الحديث متكلم فيه، قال ابن معين وأبو داود: ليس بالقوي، زاد يحيى: وكان مالك يستضعفه، وقال السعدي: مضطرب الحديث اهـ.
والحديث أورده ابن حزم في "المحلى" 7/ 253 وقال: خبر جابر خبر ساقط؛ لأنه عن عمرو بن أبي عمرو وهو ضعيف. وقد ضعفه أيضًا الألباني في "ضعيف أبي داود"(230) وقال: إسناده ضعيف لانقطاعه، وقال الترمذي: المطلب لا نعرف له سماعًا عن جابر، ثم هو إلى ذلك كثير التدليس، وقد عنعنه، وهذِه هي العله الحقيقية وقد أعل بغيرها. ا. هـ
وقال أحمد: وإليه أذهب
(1)
.
وقالت طائفة: لحم الصيد محرم على المحرمين على كل حال، ولا يجوز لمحرم أكله على ظاهر قوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} ، قال ابن عباس: هي مبهمة
(2)
. وهو مذهب علي وابن عمر، وبه قال الثوري، وهي رواية ابن القاسم عن مالك، وبه قال إسحاق، واحتجوا بحديث الصعب بن جثامة الآتي بعد، وفيه:"إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم"
(3)
فلم يعتل بغير الإحرام، واعتل من أجاز أكله بأنه عليه السلام إنما رده؛ لأنه كان حيًّا ولا يحل للمحرم قتل الصيد ولو كان لحمًا لم يرده؛ لقوله في حديث أبي قتادة. وستأتي رواية من روى أن الحمار كان مذبوحًا، في باب: إذا أهدى للمحرم حمارًا وحشيًّا لم يقبل
(4)
، وإنما لم يجعل عليه السلام ضحك المحرمين بعضهم إلى
(1)
انظر: "مسائل الإمام أحمد" برواية الكوسج (1518)، و"المسائل برواية صالح"(101، 580)، و"المسائل برواية عبد الله" (767: 772)، "المغني" 5/ 137).
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 428 (8330) كتاب: الحج، باب: ما ينهى عنه المحرم من أكل الصيد، وسعيد بن منصور في "سننه" 4/ 1633 (838)، وابن أبي شيبة 3/ 295 (14475) كتاب: الحج، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" 2/ 271 عن مجاهد عن ابن عباس.
(3)
سيأتي برقم (1825).
(4)
لم أقف على هذِه الرواية بهذا اللفظ في الباب الذي أشار إليه المصنف ولا في غيره قط، وقد ذكر هذا الكلام ابن بطال في "شرحه" 4/ 485، ويبدو أن المصنف قد نقله عنه، قال الحافظ في "الفتح" 4/ 31: قوله: باب إذا أهدى -أي الحلال- للمحرم حمارًا وحشيا حيا لم يقبل، كذا قيده في الترجمة بكونه حيًا، وفيه إشارة إلى أن الرواية التي تدل على أنه كان مذبوحًا موهومة اهـ.
وتعقب العيني في "عمدة القاري" 8/ 355 - 356 الحافظ قائلًا: قال بعضهم -قلت: يقصد الحافظ- كذا قيده في الترجمة بكونه حيًا، وفيه إشارة إلى أن الرواية =
بعض دلالة على الصيد وأباح لهم أكله؛ لأن ضحك المحرم إلى المحرم مثله ممن لا يحل له الصيد لا حرج فيه، وإن كان قد آل إلى أن تنبه عليه أبو قتادة فلم يكن أبو قتادة عندهم ممن يقتنص صيدًا، فلذلك لم يجب عليهم جزاء ولا حرم عليهم أكله، وأما إذا أشار المحرم على قانص بصيد أو طالب له أو أغراه به أو أعطاه سلاحًا أو أعانه برأي فيكره له أكله لقوله عليه السلام:"أمنكم أحد أمران يحمل عليها أو أشار إليها؟ " قالوا: لا. قال: "كلوا ما بقي من لحمها".
وفي ذَلِكَ دليل على أنه لا يحرم عليهم بما سوى ذَلِكَ، ودل ذَلِكَ على أن معنى قوله في الحديث السالف "أو يصاد لكم"
(1)
أنه على ما صيد لهم بأمرهم، وهو يدل على أن المحرم إذا أعان على الصيد
= التي تدل على أنه كان مذبوحًا موهومة. انتهى، قلت -أي العيني: لم يذكر هذا القيد في حديث الباب صريحًا، ولكن قوله: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا، يحتمل أن يكون هذا الحمار حيًا، ويحتمل أن يكون مذبوحًا، ولكن مسلمًا صرح في إحدى رواياته عن الزهري: من لحم حمار وحش، وفي رواية منصور عن الحكم: أهدى رجل حمار وحش، وفي رواية شعبة عن الحكم: عجز حمار وحش يقطر دمًا، وفي رواية زيد بن أرقم: أهدي له عضو من لحم صيد، وهذِه الروايات كلها تدل على أنه كان مذبوحًا موهومة؟ قوله:(لم يقبل) بمعنى لا يقبل اهـ.
وتعقبه الحافظ في "انتقاض الاعتراض" 2/ 21 بعدما أورد كلام نفسه في "الفتح" ورد العيني عليه في "العمدة" فقال: ليس بينها سابقة جمع وإنما عليه أن يبين كونها موهومة؟، ولكن اعترف المعاند بالحجة ولو أقيمت (
…
) ولكن التعصب يغطي عن البصيرة اهـ. بتصرف. قلت: هذا البياض كذا في المطبوع من "الانتقاض".
وهذا اللفظ قد رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 170 وأبو بكر الإسماعيلي في "المعجم" 2/ 690 - 691، والخطيب في "تاريخ بغداد" 9/ 449 - 450، جميعًا من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس، به.
(1)
تقدم تخريجه قريبًا مستوفًى، وهو حديث ضعيف.
بما قل أو كثر فقد فعل ما لا يجوز، واختلفوا في ذَلِكَ، فقالت طائفة: إنْ دل محرم حلالًا على صيد أو أشار إليه أو ناوله سيفًا أو شبهه حَتَّى قتله فعلى المحرم الدال أو المعين له الجزاء، روي ذَلِكَ عن علي وابن عباس
(1)
، وقال به عطاء والكوفيون وأحمد وإسحاق، واحتجوا بقوله:"هل أشرتم أو أعنتم؟ " قالوا: لا. فدل ذَلِكَ أنه إنما يحرم عليهم إذا فعلوا شيئًا من هذا، ولا يحرم عليهم بما سوى ذَلِكَ، فجعل الإشارة والمعاونة كالقتل؛ لأن الدلالة سبب يتوصل به إلى إتلاف الصيد، فوجب الجزاء، دليله من نصب شبكة حَتَّى وقع فيها صيد فمات، وقال مالك وابن الماجشون والشافعي وأبو ثور: لا جزاء على الدال، وهو قول أصبغ، واحتجوا فقالوا: الدال ليس بمباشر للقتل، وقد اتفقنا على أنه لو دل حلال حلالًا على قتل صيد في الحرم لم يكن على الدال جزاء؛ لأنه لم يحصل منه قتل الصيد، فكذلك ها هنا، وقد تقرر أنه لو دل على رجل مسلم فقتله المدلول لم يجب على الدال ضمان، وحرمة المسلم أعظم من حرمة الصيد، ولا حجة للكوفيين في حديث أبي قتادة؛ لأنه إنما سألهم عن الإشارة والمعاونة؛ لأجل أنه يكره لهم أكلُه، ولم يتعرض لذكر الجزاء، فمن أثبت الجزاء فعليه الدليل، وأيضًا فإن القاتل انفرد بقتله بعد الدلالة بإرادته واختياره مع كون الدال منفصلًا عنه فلا يلزمه ضمان، وهذا كمن دل محرمًا أو صائمًا على امرأة فوطئها، ومحظورات الإحرام لا تجب فيها الكفارات بالدلالة كمن دل على طيب أو لباس
(2)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 400 (15515). وقول عطاء فيه: (15513).
(2)
انظر: "المبسوط" 4/ 79 - 80، "المنتقى" 2/ 241، "الأم" 2/ 176، "المجموع" 7/ 351 - 352، "المغني" 5/ 133، "الفروع" 3/ 411.
تنبيهات:
أحدها: فيه أنه لا يعان المحرم على الصيد بقول ولا فعل.
ثانيها: مجاوزة أبي قتادة المواقيت يحتمل أن يكون لم يقصد نسكًا وإنما جاء لكثرة الجمع، ويجوز أن تكون المواقيت لم توقت إذ ذاك.
قال الأثرم: كنت أسمع أصحاب الحديث يتعجبون من هذا الحديث، ويقولون: كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات غير محرم، ولا يدرون ما وجهه حَتَّى رأيته مفسرًا. وفي رواية عياض بن عبد الله عن أبي سعيد -أي: في "الصحيح"- قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرمنا، فلما كنا مكان كذا وكذا إذا نحن بأبي قتادة، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعثه في شيء سماه، فذكر حديث الحمار الوحشي
(1)
.
وعند الطحاوي: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة على الصدقة. قال أبو سعيد: وخرج هو عليه السلام وأصحابه محرمون حَتَّى نزلوا عسفان. وفي "الإكليل" للحاكم من حديث الواقدي عن ابن أبي سبرة، عن موسى بن ميسرة، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: سلكنا في عمرة القضية على الفرع، وقد أحرم أصحابي غيري فرأيت حمارًا، الحديث. فزعم المنذري أن أهل المدينة أرسلوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمونه أن بعض العرب ينوي غزو المدينة، والثابت في "الصحيح": خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا المحرم، ومنا غير المحرم، وفي لفظ: أحرم الصحابة ولم يحرم هو
(2)
.
(1)
رواه البزار كما في "الكشف"(1101)، والطحاوي في "المعاني" 2/ 173، وابن حبان 9/ 279 (3976)، وقال الهيثمي 3/ 230: رواه البزار ورجاله ثقات.
(2)
سلف برقم (1821 - 1822)، ورواه مسلم (1196/ 56).
ثالثها: قوله: (يضحك بعضهم إلى بعض). ووقع في رواية: فضحك بعضهم إليّ، بتشديد الياء وهو خطأ وتصحيف كما قال القاضي
(1)
، والصواب: يضحك إلى بعض، فأسقط لفظة (بعض) والصواب إثباتها؛ لأنهم لو ضحكوا إليه كانت إشارة منهم، وقد صرح في الحديث أنهم لم يشيروا إليه.
قال النووي: لا يمكن رد هذِه الرواية فقد صحت هي والرواية الأخرى وليس في واحدة منهما دلالة ولا إشارة إلى الصيد، وأن مجرد الضحك ليس فيه إشارة منهم، وإنما تعجبوا من عروض الصيد ولا قدرة لهم عليه، ومنعهم منه
(2)
. وكذا قال ابن التين: يريد أنهم لم يخبروه بمكان الصيد حَتَّى رآه بنفسه ولا أشاروا إليه. وفي الحديث ما يقتضي أن ضحكهم ليس بدلالة ولا إشارة، بين ذَلِكَ في حديث عثمان بن موهب فقال:"أمنكم أحد أشار إليه؟ ". فقالوا: لا.
رابعها: معنى: (أرفع فرسي شأوًا) أي: أرفعه في سيره وأجريه، والشأو: الطلق والغاية، ومعناه: أركضه ركضًا شديدًا وقتًا، وأسهل سيره وقتًا، وقال ابن التين: الرفع دون الحضر والشأو: الرفعة، وهو أشبه بالحديث، وقيل: الشأو: الغاية، وقال ابن فارس: السبق، قال: ومرفوع الناقة في السير خلاف موضوعها
(3)
.
خامسها: قوله: (وهو قائل السقيا). قال ابن التين: هي سقيا بني غفار. قلت: وهي بضم السين المهملة وسكون القاف ثم مثناة تحت ثم ألف مقصورة. قال عياض: هي قرية جامعة بين مكة والمدينة من
(1)
"إكمال المعلم" 4/ 200.
(2)
"مسلم بشرح النووي" 8/ 111.
(3)
"مجمل اللغة" 2/ 391 - 392.
عمل الفرع
(1)
. قال أبو عبيد: قال كثير: إنما سميت بذلك لما سقيت من الماء العذب، وهي كثيرة الآبار والعيون والبرك، وكثير فيها صدقات للحسين بن زيد. وقال ياقوت: هي من البحر على سبعة فراسخ
(2)
، وفي "الأماكن". للزمخشري السقيا: السيل الذي تفرع في عرفة بمسجد إبراهيم.
وفي قوله: قائل السقيا وجهان: أصحهما وأشهرهما، كما قال النووي من القيلولة يعني: تركته بتعهن
(3)
. وفي عزمه أن يقيل بالسقيا.
والثاني بالباء الموحدة، وهو ضعيف غريب، وكأنه تصحيف وإن صح فمعناه: أن تعهن موضع مقابل السقيا.
سادسها: (تعهن) بالتاء المثناة فوق، قال أبو عبيد: صح أنها موضع بين القاحة
(4)
والسقيا، وقال صاحب "المطالع": تعهن: عين ماء وهي على ثلاثة أميال من السقيا، وهي بكسر الأول والثالث، كذا ضبطناه عن شيوخنا، وكذا قيده البكري
(5)
، وضبطناه عن بعضهم بفتح أوله وكسر ثالثه، وإسكان العين في كلا الضبطين، وعن أبي ذر: تعهن. قال عياض: بلغني عن أبي ذر أنه قال: سمعت العرب تقوله بضم التاء وفتح العين وكسر الهاء، قال: وهذا ضعيف
(6)
.
سابعها: قوله: (إنهم خشوا أن يقتطعوا دونك)، وقع في رواية أبي الحسن بالهمز ولا وجه له. كما قال ابن التين. وقوله: (وعندي
(1)
"إكمال المعلم" 4/ 199.
(2)
"معجم البلدان" 3/ 228.
(3)
"مسلم بشرح النووي" 8/ 112.
(4)
ورد بهامش "م": القحاة بين الجحفة وقدير، وري بالفاء وهو وهم، ووقع في "مغازي ابن إسحاق" بالفاء والجيم، ورد عليه بن هشام.
(5)
"معجم ما استعجم" 1/ 315.
(6)
"إكمال المعلم" 4/ 199.
منه فاضلة)
(1)
أي: قطعة فضلت وهيئت، وروى بعضهم: فاضله بضم اللام وهاء ضمير بعدها.
وقوله للقوم: "كلوا" وهم محرمون، فيه جواز أكل المحرم من الصيد إذا لم يصد من أجله، ولم يعن عليه ولا أشار كما سلف، وهو قول كافة الفقهاء. وغيقة في الحديث الثاني بفتح الغين المعجمة ثم ياء مثناة تحت ثم قاف ثم هاء
(2)
، قال أبو عبيد: هو موضع رسم رضوى لبني غفار بن مليل وهو بين مكة والمدينة، وقال يعقوب: غيقة: قليب لبني ثعلبة حذاء النواشر، والنواشر قارات بأعالي وادي المياه لهم ولأشجع.
قال أبو عبيد: وغيقة لبني غفار صحيح. وفي "شرح شعر كثير" ليعقوب: غديقة .. على شاطئ البحر فوق العذيبة، قال: وغيقة أيضًا سرة واد لبني ثعلبة، وقال مرة: غيقة موضع عند حرة النار لبني ثعلبة بن سعد بن ذبيان.
والقاحة: بقاف ثم ألف ثم حاء مهملة خفيفة على ثلاث مراحل من المدينة قبل السقيا بنحو ميل، قال عياض: كذا قيدوه، ورواه بعضهم عن البخاري بالفاء، وهو وهم والصواب بالقاف
(3)
، وزعم ابن إسحاق في "مغازيه" أنها بفاء وجيم، ورد ذَلِكَ عليه ابن هشام، وقال الحازمي: هي موضع بين الجحفة وقديد.
(1)
سبق برقم (1821).
(2)
سلف برقم (1821)، وانظر:"معجم ما استعجم" 3/ 1010 - 1011، و"معجم البلدان" 4/ 221 - 222.
(3)
"إكمال المعلم" 4/ 199.
ثامنها: قوله: (فأثبته) أي: تركته في مكانه لا يفارقه، وكانت فرسه يقال لها: الجرادة.
وقوله: (وخشينا أن نقتطع)، ضبط بالتاء والنون وبالمثناة تحت
(1)
.
قال ابن قرقول: أي يحوزنا العدو عنك، ومن حملتك وكذلك تقتطع دوننا أي: يؤخذ وينفرد به. وقال القرطبي: أي خفنا أن يحال بيننا وبينهم ويقتطعوا بنا عنهم
(2)
.
وقوله: (إنا اصَّدْنا حمار وحش) كذا هو مضبوط بتشديد الصاد، وفي نسخة:(صدنا) قال ابن التين في الأول: كذا وقع واللغة على صدنا من صاد يصيد، وكذا وقع عند الأصيلي صدنا، وقال بعضهم: من أدغم فعلى لغة من يقول مصَّبر في مصطبر، وقراءة بعضهم:(أن يصَّلحا بينهما صلحًا)[النساء: 128]
(3)
.
وقوله: (بالقاحة) من المدينة على ثلاث مراحل
(4)
. وقد سلف، والأكمة: التل، وسلف في الاستسقاء ويجمع أكم ثم أكام، والأتان أنثى من الحمر وجمعها أتن، ذكره ابن فارس
(5)
.
تاسعها: قوله: (انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية) وفي الباب الأخير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجًا والحديبية لا حج فيها، وإنما كانت عمرة ولم يحج إلا حجة الوداع، فالمراد: حاجًّا أي: معتمرًا؛
(1)
في هامش الأصل: التاء والنون والياء كله في أول نقتطع.
(2)
"المفهم" 3/ 281.
(3)
انظر: "الحجة للقراء السبعة" 3/ 183 - 184، و"الكشف عن وجوه القراءات السبع" 1/ 398 - 399.
(4)
انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 1040، و"معجم البلدان" 4/ 290.
(5)
"مجمل اللغة" 1/ 85 - 86.
لأنه القصد.
وقوله: فأحرموا كلهم إلا أبو قتادة. هذا على قول الكوفيين؛ لأنه استثناء من الموجب، ولم يجزه البصريون.
وقوله: (فنظر أصحابي بحمار وحشٍ) أدخل الباء، وإن كان نظر متعديًا حملًا على بصر، فكأنه قال: فبصر أصحابي بحمار وحش، وكذا وقع لأبي ذر: فبصر، وجاء في رواية: أعنتم أو أصَّدتم؟ بتشديد الصاد وتخفيفها
(1)
، يعني: أمرتم به أو جعلتم من يصيده، وقيل معناه: أثرتم الصيد من موضعه، يقال: أصدت الصيد -مخففًا -أي: أثرته. وهو أولى من رواية أصدتم بالتشديد؛ لأنه عليه السلام علم أنهم لم يصيدوا، وإنما سألوه عما صاده غيرهم، نعم قال ابن درستويه: أصدتم كلام العامة، وقال اللبلي وغيره: لم نرى من قاله بالألف، وفي "المحكم" عن ابن الأعرابي: صدنا كمأة، قال: وهو من جيد كلام العرب ولم يفسره، قال ابن سيده: وعندي أنه يريد استثرنا كما يقال: استثار
(2)
.
قلت: ولعل هذا الموقع لمن قال: أصدت أي: أثرت.
العاشر: الذي في ألفاظ الصحيح أنه عليه السلام أكل منه
(3)
. وفي الدارقطني
(4)
عن أبي قتادة: إني إنما اصطدته لك، فأمر أصحابه عليه السلام فأكلوه، ولم يأكله هو، قال أبو بكر النيسابوري: قوله: اصطدته. وقوله: ولم يأكله. لا أعلم أحدًا ذكره في هذا الحديث غير معمر،
(1)
رواها مسلم (1196/ 61) باب: تحريم الصيد للمحرم.
(2)
"المحكم" 8/ 236.
(3)
سيأتي هذا اللفظ برقم (2570) كتاب: الهبة، باب: من استوهب من أصحابه شيئًا.
(4)
في هامش الأصل: هو في "سنن ابن ماجه" أيضًا. [ابن ماجه 3093].
وهو موافق لما روي عن عثمان بن عفان
(1)
. وقال غيره: هذِه لفظ غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه.
الحادي عشر: حاصل ما في أكل المحرم الصيد مذاهب:
أحدها: أنه ممنوع مطلقًا صيد لأجله أولًا، وهذا مذكور عن بعض السلف، دليله حديث الصعب بن جثامة الآتي
(2)
، وروي عن علي
(3)
وابن عمر
(4)
وابن عباس
(5)
.
ثانيها: أنه ممنوع إن صاده أو صيد لأجله سواء، كان لإذنه أو بغير إذنه، وهو مذهب مالك والشافعي
(6)
.
ثالثها: إن كان باصطياده أو بإذنه أو بدلالته حرم وإلا فلا، وإليه ذهب أبو حنيفة
(7)
. وقال ابن العربي: يأكل ما صيد وهو حلال، ولا يأكل ما صيد بعد
(8)
، وحديث أبي قتادة هذا يدل على جواز أكله
(1)
"سنن الدارقطني" 2/ 291.
(2)
قريبًا برقم (1825).
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 427 (8327) كتاب: المناسك، باب: ما ينهى عنه المحرم من أكل الصيد، وابن أبي شيبة 3/ 295 (14476) كتاب: الحج، من كره أكله للمحرم، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 168، والبيهقي في "سننه" 5/ 194 كتاب: الحج، باب: المحرم لا يقبل ما يهدى له من الصيد حيًا، وفي "معرفة السنن والآثار" 7/ 430 (10586) كتاب: المناسك، ما يأكله المحرم من الصيد.
(4)
رواه عبد الرزاق 4/ 428 (8329)، وابن أبي شيبة 3/ 295 (14475) والطحاوي 2/ 169 - 170، والبيهقي 5/ 194.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 294 (14470)، والبيهقي 5/ 189.
(6)
انظر: "التفريع" 1/ 328، "البيان" 4/ 179.
(7)
"الهداية" 1/ 188.
(8)
انظر تفسيره لقوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} 2/ 666.
في الجملة، وهو على خلاف المذهب الأول، ويدل ظاهره أنه إذا لم يشر المحرم عليه ولا دل يجوز أكله، وقد سلف أنه لم يأكل منه في رواية
(1)
، وذهب أبو حنيفة إلى أنه إن دل عليه فعليه الجزاء
(2)
.
فائدة: صيد البر أكثر ما يكون توالده ومثواه في البر، وصيد البحر ما يكون توالده ومثواه في الماء، والصيد هو الممتنع المتوحش في أصل الخلقة
(3)
.
فائدة: عزا صاحب "الإمام " إلى النسائي من حديث أبي حنيفة عن هشام، عن أبيه، عن جده الزبير قال: كنا نحمل الصيد ضعيفًا، ونتزوده ونحن محرمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه الحافظ أبو عبد الله البلخي في "مسند أبي حنيفة" من هذا الوجه، ومن جهة إسماعيل بن يزيد عن محمد بن الحسن، عن أبي حنيفة
(4)
.
فائدة أخرى: روى أبو يعلى الموصلي في "مسنده" من حديث محمد بن المنكدر: ثنا شيخ لنا، عن طلحة بن عبيد الله أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن محل أصاب صيدًا أيأكله المحرم؟ قال:"نعم"
(5)
، ولمسلم: أهدي لطلحة طائر وهو محرم فقال: أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(6)
، وللدارقطني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه حمار وحشٍ وأمره أن يفرقه في الرفاق
(7)
، قال: والصحيح أنه من رواية عمير بن
(1)
"الهداية" 1/ 183.
(2)
سلف قريبًا برقم (1821).
(3)
"الهداية" 1/ 183.
(4)
"مسند أبي حنيفة"(321).
(5)
"مسند أبي يعلي" 2/ 23 (656 - 657).
(6)
مسلم (1197).
(7)
في هامش الأصل: رواه النسائي عن عمير بن سلمة عن رجل من بهز. وأما أحمد فإنه ترجم لعمير وذكر هذا الحديث في ترجمته. وفي "مسند بقي": عمير بن أبي سلمة.
سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
ولما ذكر مهنا عن أحمد أنه قال: أذهب لحديث جابر السالف، قال: ويروى عن طلحة والزبير وعمر وأبي هريرة: فيه رخصة، ثم قال: عائشة تكرهه وغير واحد، ولما ذكر له حديث عبد الرزاق
(2)
، عن الثوري، عن قيس، عن الحسن بن محمد، عن عائشة: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشيقة لحم وهو محرم فأكله
(3)
، فجعل أبو عبد الله ينكره إنكارًا شديدًا، وقال: هذا سماع منكر.
وللدارقطني: امتنع عثمان أن يأكل من ظبية أهديت له، فسئل عن ذَلِكَ فقال: إنما صيد لي وأصيب باسمي
(4)
.
وفي "الموطأ": أن أبا هريرة سئل عن لحم صيد وجده المحرمون، فأفتاهم بأكله، ثم سأل عمر فقال: لو أفتيتهم بغير ذَلِكَ لأوجعتك
(5)
.
(1)
"علل الدارقطني" 4/ 209.
(2)
ورد في هامش الأصل: وقد روى أحمد في "المسند" فقال: حدثنا سفيان، ثنا عبد الكريم، عن قيس بن مسلم الجدلي، عن الحسن بن محمد بن علي، عن عائشة: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم وشيقة ظبي وهو محرم فردها.
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 427 (8324) كتاب: المناسك، باب: ما ينهى عنه المحرم من أكل الصيد.
(4)
"سنن الدارقطني" 2/ 291.
(5)
"الموطأ" ص 231. وورد في هامش الأصل: ثم بلغ في السابع بعد الثلاثين كتبه مؤلفه.
6 - باب إِذَا أَهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لَمْ يَقْبَلْ
1825 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهْوَ بِالأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ- فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ:"إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ". [2573، 2596، 3012 - مسلم: 1193 - فتح: 4/ 31]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ابن عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهْوَ بِالأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ- فَرَدهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ:"إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ".
هذا الحديث أخرجه مسلم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أهدى الصعب
(1)
.
وكذا رواه مجاهد عند ابن أبي شيبة
(2)
، جعلاه من مسند ابن عباس.
وأخرجه مسلم أيضًا من حديث طاوس: قدم زيد بن أرقم فقال له ابن عباس يستذكره: كيف أخبرتني عن لحم أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام؟ قال: أهدي له عضد من لحم صيد فرده، فقال:"إنا لا نأكله، إنا حرم"
(3)
.
(1)
مسلم (1194) باب: تحريم الصيد للمحرم.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 295 (14471) كتاب: الحج.
(3)
مسلم (1195).
وكذا رواه عطاء بن أبي رباح عند أبي داود وأبي عبد الرحمن
(1)
(2)
.
وعند الحاكم على شرط مسلم من حديث حماد بن سلمة عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن ابن عباس أنه قال: يا زيد بن أرقم، هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي له بيضات نعام وهو حرام فردهن؟ قال: نعم
(3)
.
قال ابن عبد البر: لم يختلف في إسناده على مالك وعلى ابن شهاب، وكل من في إسناده، فقد سمعه بعضهم من بعض سماعًا، كذلك في الإخبار عن ابن شهاب: أخبرني عبد الله قال: سمعت ابن عباس قال: أخبرني الصعب. وممن رواه عن ابن شهاب كما رواه مالك: معمر وابن جريج وعبد الرحمن بن الحارث وصالح بن كيسان وابن أخي ابن شهاب والليث ويونس ومحمد بن عمرو بن علقمة كلهم، قال فيه: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار وحش، كما قال مالك، وخالفهم ابن عيينة وابن إسحاق، فقال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حمار وحش، قال ابن جريج في حديثه: قلت لابن شهاب: الحمار عقير؟ قال: لا أدري، فقد بين ابن جريج أن ابن شهاب شك فلم يدر أكان عقيرًا أم لا، إلا أن في مساق حديثه: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار وحش، فرده علي.
وروى القاضي إسماعيل عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن الصعب أنه عليه السلام
(1)
ورد في (س) أسفلها: يعني النسائي.
(2)
أبو داود (1850) كتاب: المناسك، باب: لحم الصيد للمحرم، النسائي 5/ 184 كتاب: مناسك الحج، ما لا يجوز للمحرم أكله من الصيد.
(3)
"المستدرك" 1/ 452 كتاب: المناسك.
أقبل حَتَّى إذا كان بقديد أهدي له بعض حمار وحش فرد وقال: "إنا حرم لا نأكل الصيد" كذا قال: عن صالح، عن عبيد الله، ولم يذكر ابن شهاب، وقال: بعض حمار وحش، وعند حماد بن زيد في هذا أيضًا عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، عن الصعب أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بحمار وحمش، رواه إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب كما قدمناه، وهو أولى بالصواب عند أهل العلم، وفي رواية سعيد بن جبير ومقسم وعطاء وطاوس: لحم حمار وحش، قال سعيد: عجز حمار وحش، فرده يقطر دمًا، رواه شعبة عن الحكم عنه
(1)
، وقال مقسم: رجل حمار
(2)
، وقال عطاء: عضد صيد
(3)
، وقال طاوس: عضوًا من لحم صيد
(4)
. وكذا قال غيره.
هكذا رواه الزهري عن عبيد الله
(5)
، وهو أثبت الناس فيه وأحفظهم عنه، وظاهر تبويب البخاري أنه كان حيًّا، وقال بعضهم في بعض الروايات: رجل حمار
(6)
. وهو دال على صحة قول ابن عمر وابن عباس أن أكل لحم الصيد حرام على المحرم
(7)
.
قال إسماعيل القاضي: سمعت سليمان بن حرب يتأول هذا الحديث على أنه (صيد)
(8)
من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولا ذَلِكَ كان أكله
(1)
مسلم (1194/ 54) كتاب: الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم.
(2)
رواه أحمد 1/ 216.
(3)
رواه أبو داود (1850) كتاب: المناسك، باب: لحم الصيد للمحرم.
(4)
رواه مسلم (1195/ 55).
(5)
رواه مسلم (1193/ 51 - 52).
(6)
مسلم (1194/ 54).
(7)
رواهما عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 426، 428 (8320، 8329) كتاب: المناسك، باب: ما ينهى عنه المحرم من أكل الصيد.
(8)
من (ج).
جائزًا، قال سليمان: ومما يدل على أنه صيد من أجله قولهم في الحديث: يقطر دمًا، كأنه صيد في ذَلِكَ الوقت، قال: وإنما تأول سليمان؛ لأنه موضع يحتاج إليه.
وأما رواية مالك فلا تحتاج إلى تأويل؛ لأن المحرم لا يجوز له أن يمسك صيدًا حيًّا ولا يزكيه، وإنما يحتاج إلى التأويل، قول من قال: بعض حمار، قال إسماعيل: وعلى تأويل سليمان تكون الأحاديث كلها المرفوعة في هذا الباب غير مختلفة
(1)
. وفي "المبسوط" من رواية ابن القاسم ونافع، عن مالك: كان الحمار حيًّا.
وقال الطبري: الأخبار عن الصعب مضطربة، والصحيح أنه حي؛ للإجماع على منع قبول المحرم هبة الصيد، وكيف يكون رجله وهو يقول:"إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم" وهو يأكل لحمه، فرده عليه
يحتمل أنه لا يصح له قبوله أو يصح فيرسله.
قال الشافعي: فإن كان الصعب أهدى الحمار حيًّا، فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له فرده عليه، وإيضاحه في حديث جابر -يعني: السالف قبل
(2)
- قال الشافعي: وحديث مالك أن الصعب أهدى
حمارًا أثبت من حديث أنه أهدى له لحم حمار
(3)
.
قال البيهقي: وقد روي في حديث الصعب أنه أكل منه، ذكره ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم، قال البيهقي: وهذا إسناد صحيح
(1)
من "التمهيد" 9/ 54 - 57 بتصرف.
(2)
تقدم تخريجه باستيفاء.
(3)
"اختلاف الحديث" بهامش "الأم" 7/ 292 - 293، "المعرفة" للبيهقي 7/ 430.
فإن كان محفوظًا فكأنه رد الحي وقبل اللحم
(1)
.
ونقل الترمذي أيضًا عن الشافعي النص السالف أيضًا فقال عنه: وجه هذا عندنا إنما رده لما ظن أنه صيد من أجله وتركه على التنزه، قال الترمذي: وقد روى بعض أصحاب الزهري عن الزهري هذا الحديث، وقالوا: أهدى له لحم حمار وحش، وهو غير محفوظ
(2)
، ولأبي داود من حديث علي أنه قال: أنشد الله من كان ها هنا من أشجع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكل، قالوا: نعم
(3)
، ولأحمد: فشهد اثنا عشر رجلًا من الصحابة ثم قال علي عليه السلام: أنشد الله رجلًا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتي ببيض النعام فقال: "إنَّا قوم حرم أطعموه أهل الحل" فشهد دونهم من العدة من الاثني عشر
(4)
، وللنسائي من حديث مالك، عن يحيى ابن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن عيسى بن طلبة، عن عمير بن سلمة، عن البهزي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حَتَّى إذا كان بالروحاء، إذا حمارُ وحشٍ عقير، فذكر ذَلِكَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه" فجاء البهزي وهو صاحبه فقال: يا رسول الله، شأنكم بهذا الحمار، فأمر عليه السلام أبا بكر فقسمه بين الرفاق ثم مضى حَتَّى إذا كان بالأثاية
(5)
بين
(1)
"سنن البيهقي" 5/ 193.
(2)
"سنن الترمذي" 3/ 197 عقب ح (849).
(3)
أبو داود (1849)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1621).
(4)
أحمد 1/ 100.
(5)
ورد في هامش الأصل: الأثاية: موضع بطريق الجحفة بينه وبين المدينة سبعة وتسعون ميلًا، وهو بضم الهمزة، ورواه بعض الشيوخ بكسرها وبعضهم بثائين مثلثتين، والهمزة مكسورة الإثاثة. وبعضهم يقول: الإثانة بثاء مثلثة ونون بعد =
الرويثة والعرج، إذا ظبي حاقف في ظل وفيه سهم، فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا أن يقف عنده فلا يريبه أحد من الناس حَتَّى يجاوزوه
(1)
، ثم قال: تابعه يزيد بن هارون عن يحيى به
(2)
، وفي لفظ: فلم يلبث أن جاء رجل من طِّيئ فقال: يا رسول الله، هذِه رميتي فشأنك بها.
وفي "الإغراب" لأبي محمد بن حزم: روى حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد وهو محرم حمير وحش وبيض نعام، قال: ورويناه أيضًا من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عبيد الله بن الحارث، عن علي مرفوعًا. وفي "سنن أبي قرة" من حديث جبير بن محمد بن علي: قالت عائشة: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظبية فيها وشيقة صيد وهو حرام فأبى أن يأكله.
إذا تقرر ذَلِكَ؛ فالإهداء كان في توجهه إلى الحديبية، كما ذكره ابن سعد
(3)
، والإجماع قائم أنه لا يجوز للمحرم قبول الصيد حيًا إذا وهب له بعد إحرامه، ولا يجوز له شراؤه ولا إحداث ملكه؛ لقوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] ولحديث الصعب، وإنما رده؛ لأن مذبوحه ميتة، ثم ذكر اختلاف الروايات هل كان حيًّا أو مذبوحًا؟ فعن مالك: كان حيًا، وعن سعيد بن جبير: كان مذبوحًا يقطر دمًا. وذكر غير ذَلِكَ.
= الألف، وغيرهما يهمز ما قبلها والأول الصواب بالفتح والكسر، والله أعلم.
(1)
النسائي 5/ 182 - 183، وقال الألباني: صحيح الإسناد.
(2)
لم أجد هذا التعقيب في مطبوع سنن النسائي، وذكره الحافظ المزي -طيب الله ثراه- في "تحفة الأشراف" 11/ 197.
(3)
انظر: "الطبقات الكبرى" 4/ 293.
قال الطحاوي: فقد اتفقت الآثار في حديث الصعب عن ابن عباس أنه كان غير حي، وذلك حجة لمن كره للمحرم أكل الصيد، وإن كان الذي تولى صيده وذبحه حلالًا
(1)
، وقد خالف ذَلِكَ حديث جابر.
قال ابن بطال: واختلاف روايات حديث الصعب تدل على أنها لم تكن قضية واحدة، وإنما كانت قضايا: فمرة أهدي إليه الحمار كله، ومرة عضده أو رجله أو عجزه؛ لأن مثل هذا لا يذهب على الرواة ضبطه حَتَّى يقع فيه التضاد في النقل والقصة واحدة
(2)
. وأول الطحاوي حديث "أو يصاد لكم" على: أو يصاد لكم بأمركم
(3)
. وفيه من الفقه رد الهدية إذا لم تكن تحل للمهدى له، وفيه الاعتذار لردها.
تنبيهات:
أحدها: قال ابن التين: الأولى في رده أنه لا يصح له قبوله، ويحتمل أن يصح إرساله فلا فائدة في قبوله إلا الإضرار بمن كان له، قال: فإن قبله وجب إرساله، ولم يكن عليه رده على قياس المذهب، وفي الملك بالقبول رأيان، وذكر الخطابي عن أبي ثور أنه إذا اشتراه محرم من محرم كان ذَلِكَ المحرم البائع ملكه قبل ذَلِكَ فلا بأس
(4)
. وقال ابن حبيب فيمن ابتاع صيدًا له رده على بائعه إن كان حلًا، ولو رده عليه لزمه جزاؤه
(5)
، وقال أشهب في محرم اشترى عشرة من الطير فذبح منها ناسيًا لإحرامه، ثم ذكر، ثم جاء بها -يعني ليردها على بائعها-: فما ذبح أو أمر بذبحه يلزمه، وما بقى رده ويلزم البائع شاءَ أو أبى،
(1)
"شرح معاني الآثار" 2/ 171.
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 489.
(3)
"شرح معاني الآثار" 2/ 171، 174.
(4)
"أعلام الحديث" 2/ 920.
(5)
"النوادر والزيادات" 2/ 471.
وقيل: الشراء فاسد لا يصح، ومن صححه أوجب إرساله
(1)
.
وقال ابن عبد البر: لأهل العلم قولان في المحرم يشتري الصيد: الأول: الشراء فاسد، الثاني: صحيح، وعليه أن يرسله
(2)
.
فإن اضطر إلى أكل الميتة، أيجوز له أن يأكل الصيد أو الميتة؟ قال مالك: يأكل الميتة؛ لأن الله لم يرخص للمحرم في أكل الصيد ولا أخذه على حال من الأحوال؛ ورخص في الميتة في حال الضرورة، وهو قول عطاء والثوري، وقال أبو حنيفة: يأكل الصيد ولا يأكل الميتة
(3)
.
وقال مالك: ما قتله المحرم أو ذبحه من الصيد فلا يحل أكله لحلال ولا لحرام؛ لأنه ليس بذكي، خطأً كان قتله أو عمدًا، وقال أبو حنيفة وصاحباه: إذا رمى المحرم الصيد وسمى فقتله فعليه جزاؤه، فإن أكل منه حلال فلا شيء عليه، وإن أكل منه المحرم الذي قتله بعدما جزَاه فعليه قيمة ما أكل منه، في قول أبي حنيفة، وقال صاحباه: لا جزاء عليه ولا ينبغي أن يأكله حلال ولا حرام، وهو قول القاسم وسالم، وللشافعي قولان: أحدهما: مثل قول مالك، والآخر: يأكله ولا يأكل الميتة. وقال أبو ثور: إذا قتل المحرم الصيد فعليه جزاؤه، وحلال أكل ذَلِكَ الصيد إلا أني أكرهه للذي صاده؛ لحديث جابر، وروى الثوري، عن أشعث، عن الحكم بن عتيبة أنه قال: لا بأس بأكله، يعني: ذبح المحرم الصيد، قال الثوري: وقول الحكم هذا أحب إلي
(4)
.
وقال ابن العربي في "مسالكه": إذا قتل صيدًا مملوكًا وجب عليه مع
(1)
"النوادر والزيادات" 2/ 469.
(2)
"التمهيد" 9/ 59.
(3)
"الاستذكار" 11/ 309، 311، وانظر:"تبيين الحقائق" 2/ 68.
(4)
"الاستذكار" 11/ 309 - 310.
الجزاء القيمة، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال المزني: لا جزاء عليه إنما عليه القيمة، دليلنا قوله تعالى:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}
(1)
[المائدة: 95].
ثانيها: الأصل في أهدى، التعدي بإلى، وقد يتعدى باللام، ويكون بمعناه، ويحتمل أن اللام بمعنى أجل، وفيه ضعف.
ثالثها: أسلفنا أن البخاري فهم منه الحياة؛ ولذلك بوب عليه كما مضى، وعلى هذا الفهم أن المحرم يرسل ما بيده من صيد؛ لأنه لم يشرع لنفسه ملكه لأجل الإحرام، والجمع بينه وبين الرواية الأخرى أنه كان مذبوحًا أنه جاء به أولًا ميتًا، فوضعه بقربه، ثم قطع منه ذَلِكَ العضو فأتاه به، أو يكون أطلق اسم الحمار وهو يريد بعضه من باب التوسع والتجوز، أو كان أولًا حيًّا فلما رده ذكاه وأتى ببعضه، ولعله ظن أنه إنما رده لمعنى يخص الحمار بجملته فلما جاءه بجزئه أعلمه بامتناعه أن حكم الجزء حكم الكل.
رابعها: في "إكمال القاضي" عن أبي حنيفة: لا يحرم على المحرم ما صيد له بغير إعانة منه
(2)
، وهو مذهب الكوفيين كما أسلفناه، وفي "الاستذكار": كان عمر وأبو هريرة والزبير وكعب ومجاهد وعطاء -في رواية- وسعيد بن جبير: يرون للمحرم أكل الصيد على كل حال إذا اصطاده الحلال صيد من أجله أو لم يصد
(3)
. وقد أسلفناه أيضًا.
خامسها: ("نرده") وكذا لم يضره الشيطان، وكذا لم تمسه النار، وأمثالها، الأوجه فيه الضم عند سيبويه، والرواية بالفتح كما قاله
(1)
انظر: "المبسوط" 4/ 81، "المنتقى" 2/ 251، "المجموع" 7/ 311.
(2)
"إكمال المعلم" 4/ 198.
(3)
"الاستذكار" 11/ 303.
عياض
(1)
، وقال القرطبي: المحدثون يقيدونه بفتح الدال، وإن كان متصلًا بهاء المذكر المضمومة، وقيده المحققون بضمها مراعاة للواو المتولدة عن ضمة الهاء ولم يحفلوا بالهاء؛ لخفائها، وكأنهم قالوا:(رَدُّوا) كما فتحوها مع هاء المؤنث مراعاة للألف، وكأنهم قالوا:(وَدُّوا)
(2)
، وهذا مذهب سيبويه والفارسي
(3)
.
سادسها: قوله: ("أنَّا حرم") هو بفتح الهمزة على أنه تعدى إليه الفعل بحرف التعليل، فكأنه قال: لأنا، وبكسرها لأنها ابتدائية.
و (الأبواء) بالمد: قرية جامعة من عمل الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة، ثلاثة وعشرون ميلًا، سميت بذلك؛ لتبوء السيول بها، وقيل: عشرة، وبها توفيت آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفنت
(4)
. وودان قرية جامعة من عمل الفرع أيضًا بينها وبين الأبواء نحو ثمانية أميال
(5)
.
سابعها: قال أبو عبد الملك: فيه دليل أن الهبة والهدايا تقتضي
القبول، ولولا ذَلِكَ لأطلق الحمار، ولم يرده إلى الصعب، وذلك خلاف أن يهب الرجل أخاه وابنه وأباه فإنه يعتق دون قبول؛ لأن الموهوب له مضار في ردها.
ثامنها: قوله: (فلما رأى ما في وجهه). يريد من التغير إذ لم يقبلها منه؛ لأنه كان يقبل الهدية، فخاف الصعب أن يكون ذَلِكَ لمعنى يخصه، فأعلمه بالعلة؛ ليزيل ما في نفسه.
(1)
"إكمال المعلم" 4/ 198.
(2)
كذا بالأصل، وفي "المفهم":(ردا).
(3)
"المفهم" 3/ 277 - 278.
(4)
انظر: "معجم ما استعجم" 1/ 102، و"معجم البلدان" 1/ 79.
(5)
انظر: "معجم البلدان" 5/ 365.
قال مالك: من أحرم وعنده صيد فإن خلفه في أهله قبل إحرامه فلا يزول ملكه عنه كما لو نكح قبله، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، والخلاف في ذَلِكَ مبني على تأويل الآية {صَيدُ البَرِ} [المائدة: 96]. هل المراد به الاصطياد أو المصيد، وليس الصيد كالنكاح ولو كان الصيد بيده زال ملكه عنه على الأصح، ووجب عليه إرساله وإلا ضمن، وعندنا أنه إذا ورثه يزول ملكه فيرسل، ولو كان في بيته فأحرم فملكه باق، ولا يرسله على الأصح، فإن لم يرسله حَتَّى حل أرسله، خلافًا لأشهب كالخمر إذا تخلل، وقيل: بالفرق؛ لأن هذا حق لغيره بخلافه ولو أحرم وفي يده صيد وديعة لغائب لم يلزمه إطلاقه، ولو أخذه بعد إحرامه فقد أخطأ، ويجب عليه إطلاقه ويغرم قيمته لربه
(1)
، ذكره في كتاب محمد.
خاتمة: الصعب
(2)
هو: ابن جثامة كما سلف، واسمه يزيد بن قيس بن ربيعة الكناني الليثي، نزيل ودان
(3)
، وهو أخو محلم بن جثامة الذي لفظته الأرض
(4)
، نزل بأخرة حمص، ومات بها في أيام ابن الزبير، أعني محلمًا.
(1)
"الاستذكار" 11/ 293 - 295. وانظر: "بدائع الصنائع" 2/ 206، "المبسوط" 4/ 94، "المنتقى" 2/ 246 - 247، "المجموع" 7/ 330 - 331.
(2)
في هامش الأصل: توفي في خلافة أبي بكر، قاله النووي في "التهذيب".
(3)
هو الصعب بن جثامة بن قيس بن عبد الله بن يعمر، وهو الشراخ الليثي الحجازي، وسمي يعمر الشراخ؛ لأنه شرح الدماء بين بني أسد بن خزيمة، وبين خزاعة، يعني: أهدرها. انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 2/ 291 (1246)، و"أسد الغابة" 3/ 20 (2501)، و"الإصابة" 2/ 184 (4065).
(4)
انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 4/ 23 (2552)، و"أسد الغابة" 5/ 76 - 77 (4691)، و"الإصابة" 3/ 369 (7752).
7 - باب مَا يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ
1826 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى المُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ".
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ. [3315 - مسلم: 1199 - فتح: 4/ 34]
1827 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"يَقْتُلُ المُحْرِمُ". [1828 - مسلم: 1200 - فتح: 4/ 34]
1828 -
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ قَالَ: قَالَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: قَالَتْ حَفْصَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ: الغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالفَأْرَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ". [انظر: 1827 - مسلم: 1200 - فتح: 4/ 34]
1829 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يَقْتُلُهُنَّ فِي الحَرَمِ: الغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ". [3314 - مسلم: 1198 - فتح: 4/ 34]
1830 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ بِمِنًى، إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ:{وَالمُرْسَلَاتِ} [المرسلات: 1]. وَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا، وَإِنِّي لأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا، إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اقْتُلُوهَا". فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا". [3317، 4930، 4131، 4934 - مسلم: 2234 - فتح: 4/ 35]
1831 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْوَزَغِ:"فُوَيْسِقٌ". وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ. [3306 - مسلم: 2239 - فتح: 4/ 35]
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا بهذا أَرْوَنَا أَنَ مِنًى مِنَ الحَرَمِ، وأَنَّهْمْ لَمْ يَرَوْا بِقَتْلِ الحَيَّةِ بَأسًا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى المُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ".
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ.
وعَنْ زيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي إِحْدى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"يَقْتُلُ المُحْرِمُ".
وعَنْ سَالِمٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: قَالَتْ حَفْصَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ: الغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالفَأْرَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ".
وعنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ:"خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الغُرَابُ" وذكر الباقي
وعَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ بِمِنًى، إِذْ نَزَلَت عَلَينا:{وَالمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)} [المرسلات: 1]. وَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا، وَإِنِّي لأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا، إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّة، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اقْتُلُوهَا". فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا".
وعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْوَزَغِ:"فُوَيْسِقٌ". وَلَمْ أَسمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا أردنا بهذا أن هذِه نزلت بمكة قبل الحج وأَنَّ مِنًى مِنَ الحَرَمِ، وأَنَّهْمْ لَمْ يروا بِقَتْلِ الحَيَّةِ بَأسًا
الشرح:
أما حديث ابن عمر عن حفصةَ فأخرجه مسلم بزيادة "كلهن فاسق"
(1)
، وحديث زيد عنه عن إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرةِ والعقربِ والحدأةِ والغرابِ والحية، قال: وفي الصلاة أيضًا
(2)
.
وعن ابن جريج عن نافع، عن ابن عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "خمسٌ من الدواب لا جناح على من قتلهن في قتلهن: الغراب والحدأةُ والعقربُ والفأرة والكلب العقور"
(3)
رواه جماعة عن نافع عن ابن عمر قال: ليس في واحد منهم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض ألفاظه:"خمسٌ لا جناح في قتل ما قتل منهن في الحرم .. " بمثله
(4)
، وفي آخر:"خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح" الحديث
(5)
. زاد على البخاري إباحة قتل هذِه الدواب في الصلاة، وذكر الحية
(6)
ولا سماع ابن عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا، وفي بعض ألفاظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم فلا جناح عليه العقرب والفأرة والكلب العقور والغراب والحديا" أخرجه في كتاب: بدء الخلق
(7)
، ولم يقل في حديث حفصة: كلها فاسق.
(1)
مسلم (1198/ 66).
(2)
مسلم (1200/ 75).
(3)
مسلم (1199/ 77).
(4)
مسلم (1199/ 78).
(5)
مسلم (119/ 76).
(6)
في هامش الأصل: أخرج معناه البخاري.
(7)
سيأتي برقم (3315) باب: خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم.
وأما حديث عائشة أخرجه مسلم بألفاظ: "أربع كلهن فاسق يقتلن في الحل والحرم: الحدأة والغراب والفأرة والكلب العقور"
(1)
، "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا"
(2)
، "خمس لا جناح على من قتلهن في الحل والإحرام: الفأرة والعقرب والغراب والكلب العقور في الحرم"، (خمس)
(3)
وهو الصحيح في حديث عائشة وغيرها "خمس من الدواب كلها فواسق"
(4)
"خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام: الفأرة والعقرب والغراب والحدأة والكلب العقور في الحرم والإحرام"
(5)
زاد على البخاري الحل والأبقع والحية وإنما قال: العقرب، وزيد في غير الصحيح "الذئب" أخرجه البيهقي من حديث الحجاج بن أرطاة عن وبرة
(6)
، والدارقطني عن نافع قال: سمعت ابن عمر يقول: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب والفأر والحدأة، فقيل: والحية والعقرب؟ فقال: قد كان يقال ذَلِكَ، قال يزيد بن هارون: يعني: المحرم
(7)
.
قال البيهقي: وقد روينا ذكر الذئب من حديث ابن المسيب مرسلًا جيدًا
(8)
.
(1)
مسلم (1198/ 66) كتاب الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب ..
(2)
مسلم (1198/ 67).
(3)
كذا في (س).
(4)
مسلم (1198/ 71).
(5)
مسلم (1199/ 72). من حديث ابن عمر.
(6)
"سنن البيهقي" 5/ 210 كتاب: الحج، باب: ما للمحرم قتله من دواب البر في الحل والحرم.
(7)
"سنن الدارقطني" 2/ 232.
(8)
"سنن البيهقي" 5/ 210.
قلت: أخرجه ابن أبي شيبة من حديث ابن حرملة عنه
(1)
، ثم أخرج من حديث وبرة عن ابن عمر: يقتل المحرم الذئب
(2)
، وقال سعيد بن جبير: اطرد الذئب عن رحلك وأنت محرم
(3)
، وعن قبيصة: يقتل الذئب في الحرم
(4)
. وقال الحسن وعطاء: يقتل الذئب والأسد
(5)
، وعن عمر قال: يقتل المحرم الذئب والحية
(6)
، وعن عطاء: يقتلُ الذئب وكل عدو لم يذكر في الكتاب
(7)
.
وقال إسماعيل في حديث وبرة قال: إن كان محفوظًا فإن ابن عمر جعل الذئب في هذا الموضع كلبًا عقورًا، وهذا غير ممتنع في اللغة، والمعنى.
قال أبو عمر: رواية نافع عن ابن عمر مقتصرة على إباحة قتل الخمسة للمحرم في حال إحرامه في الحل والحرم جميعًا
(8)
.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 395 (15470 - 15471) كتاب: الحج، في قتل الذئب للمحرم، ورواه عبد الرزاق أيضًا في "المصنف" 4/ 444 (8384) كتاب: المناسك، باب: الصيد وذبحه والتربص به.
(2)
عند ابن أبي شيبة 3/ 396 (15476) من حديث ابن أبي ذئب، عن الزهري عن عمر قال: يقتل المحرم الذئب والحية، أما حديث وبرة عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب للمحرم .. الحديث، فرواه أحمد 2/ 30، وكذا رواه الدارقطني 2/ 232، والبيهقي في "سننه" 5/ 210.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 395 (15472).
(4)
رواه عبد الرزاق 4/ 444 - 445 (8388)، وابن أبي شيبة 3/ 395 (15474)، والفاكهي في "أخبار مكة" 3/ 398 (2292).
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 396 (15475).
(6)
السابق 3/ 396 (15476).
(7)
السابق 3/ 396 (15477).
(8)
"التمهيد" 15/ 154.
وفي رواية سالم: "لا جناح على من قتلهن في الحل والحر"
(1)
، وهذا أعم فدخل فيه المحرم وغيره، ومعلوم أنه ما جاز للمحرم قتله فغيره أولى وأحرى به، لكن لكل وجه منها حكم.
وفي رواية أيوب: قيل لنافع: والحية؟ قال: الحية لا شك في قتلها، وفي لفظ: لا يختلف في قتلها
(2)
.
قال أبو عمر: وليس كما قال نافع، قد اختلف العلماء في جواز قتل الحية للمحرم، ولكنه شذوذ، وليس في حديث ابن عمر عن أحد من الرواة ذكر الحية، وهو محفوظ من حديث عائشة وأبي سعيد وابن مسعود
(3)
.
قلت: قد علمت رواية البيهقي السالفة يوضحه قول نافع: الحية لا شك في قتلها، يعني في الحديث الذي رواه عن مولاه، وفي حديث أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا:"خمس قتلهن حلال في الحرم: الحية .. " الحديث
(4)
. وللترمذي -وقال: حسن- من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "يقتل المحرم السبع العادي"
(5)
، ولابن ماجه زيادة:"الحية"
(6)
، وفي نسخة:"الضاري والفويسقة" فقيل له: لم
(1)
رواه مسلم (1199/ 77).
(2)
"سنن البيهقي" 5/ 209.
(3)
"التمهيد" 15/ 155 - 156.
(4)
رواه أبو داود (1847) كتاب: المناسك، باب: ما يقتل المحرم من الدواب، وابن خزيمة 4/ 190 (2667)، والبيهقي 5/ 210 في الحج، باب ما للمحرم قتله من دواب البر في الحل والحرم، وابن عبد البر في "التمهيد" 15/ 170. والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1620)، وانظر "الإرواء" (1036).
(5)
الترمذي (838)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(6433).
(6)
ابن ماجه (3089) كتاب: المناسك، باب: ما يقتل المحرم.
قيل لها الفويسقة؟ قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ لها، وقد أخذت الفتيلة، لتحرق بها البيت
(1)
، ولأبي داود ذكر الحية ويرمي الغراب ولا يقتله
(2)
. وعن ابن عمر: يقتل المحرم الأفعى والأسود، قال: والأسود الحية، وعن محمد بن الحنفية عن علي: يقتل الغراب الأبقع ويرمي الغراب تخويفًا، قال أبو عمر: حديث فيه ضعف، وحديث أبي سعيد لا يحتج به على مثل حديث ابن عمر
(3)
.
وفي الباب عن ابن عباس أخرجه أحمد بإسناد جيد: "خمسٌ كلهن فاسقة يقتلهن المحرم ويقتلن في الحرم: الحية والفأرة
…
" الحديث
(4)
.
قال الشافعي: المعنى في جواز قتل من ذكر؛ لأنهن مما لا يؤكل وكل ما لا يؤكل ولا هو متولد من مأكول فقتله جائز للمحرم ولا فدية عليه.
وقال مالك: المعنى فيهن كونهن مؤذيات وكل مؤذ يجوز للمحرم
(1)
رواه أحمد 3/ 79 - 80 من حديث أبي سعيد، وكذا رواه البخاري في "الأدب المفرد"(1223)، وابن ماجه (3089)، وأبو يعلى 2/ 395 - 396 (1170)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 166، والذهبي في "السير" 16/ 12، وفي "تذكرة الحفاظ" 3/ 888 وقال: حديث غريب من الأفراد الحسان، يقال: إن العسال روى في "معجمه" عن أربع مائة نفس، وقد رأيته اهـ. وقال الهيثمي في "المجمع" 8/ 112: فيه: يزيد بن أبي زياد، وهو لين، وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال البوصيري في "زوائد ابن ماجه" (1016): هذا إسناد ضعيف؛ يزيد بن أبي زياد، وإن أخرج له مسلم وإنما أخرج له مقرونًا بغيره، ومع ذلك فهو ضعيف، واختلط بأخرة اهـ. وضعفه الألباني في "الأدب المفرد"(1223).
(2)
أبو داود (1848) كتاب: المناسك، باب: ما يقتل المحرم من الدواب، وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" 2/ 274: فيه لفظة منكرة وهي قوله: ويرمي الغراب ولا يقتله. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(319).
(3)
"التمهيد" 15/ 174.
(4)
أحمد 1/ 257، وصححه الألباني في "صحيح "الجامع" (3246).
قتله، وما لا فلا
(1)
.
ولنتكلم على هذِه الحيوانات واحدًا بعد واحد فنقول:
أولًا: الدابة لغة: كل ما دب ودرج، إلا أنه استعمل في عرفنا في نوع من الحيوان، وقد تستعمل على أصلها مع القرائن التي يتبين المراد منها، وقد نبه عليه السلام على جنسها ونوعها؛ فلذلك جاز أن يوقع عليها اسم الحيوانات، والهاء فيها للمبالغة، وفيما يركب أشهر قاله صاحب "المنتهى"، وقال ابن خالويه: ليس في كلام العرب تصغير بالألف الآخر فإن دوابة (تصغيره)
(2)
دويبة، وهداهد: بمعنى هديهد، قال ابن سيده: والدابة تقع على المذكر والمؤنث، وحقيقته الصفة
(3)
.
الغراب: واحد الغربان، وجمعه في القلة: أغربة، قيل: سمي غرابًا؛ لأنه نأى واغترب لمَّا بعثه نوح يستخبر أمر الطوفان، ذكره أبو المعاني، وله جموع ذكرتها في "الإشارات"، قال الجاحظ في "الحيوان": الغراب الأبقع: غريب، وهو غراب البين، وكل غراب فقد يقال له: غراب البين إذا أرادوا به الشؤم إلا غراب البين نفسه؛ فإنه غرابٌ صغير، وإنما قيل لكل غراب: غراب البين؛ لسقوطه في مواضع منازلهم إذا باتوا، وناس يزعمون أن تسافدها على غير تسافد الطير، وأنها تذاق بالمناقير وتلقح من هنالك
(4)
. قلت: فيه نظر والظاهر خلافه، وقد أخبرني من عاينه كبني آدم.
وفي "الحيوان" للجاحظ: ليس من الحيوان يتبطن طروقته -أي: يأتيها من جهة بطنها- غير الإنسان والتمساح
(5)
، وفي "تفسير
(1)
"شرح النووي على مسلم" 8/ 114.
(2)
في الأصل: تصغير، والمثبت من (ج).
(3)
"المحكم" 10/ 7.
(4)
"الحيوان" 3/ 431.
(5)
السابق 7/ 244.
الواحدي": والدُّب، وفي "الموعب": الأبقع: الذي في صدره بياض، وقال ابن سيده: يخالط سواده بياض وهو أخبثها، وبه يضرب المثل لكل خبيث
(1)
.
وعند أبي عمر: هو الذي في بطنه وظهره بياض، وهو تقييد لمطلق الروايات الآخر وبذلك قالت طائفة، فلا يجيزون إلا قتل الأبقع خاصة. ورووا في ذَلِكَ حديثًا عن قتادة، عن ابن المسَّيب، عن عائشة مرفوعًا
(2)
.
قال ابن بطال: وهذا الحديث لا يعرف من حديث ابن المسيب، ولم يروه عنه غير قتادة وهو مدلس، وثقات أصحاب سعيد من أهل المدينة لا يوجد عندهم مع معارضة حديث ابن عمر وحفصة فلا حجة فيه
(3)
. وغير هذِه الطائفة رأوا جواز قتل الأبقع وغيره من الغربان، ورأوا أن ذكر الأبقع إنما جرى؛ لأنه الأغلب عندهم، وروي عن عطاء ومجاهد قالا: لا يقتل الغراب ولكن يرمى
(4)
. وهذا خلاف السنة وإن كان ورد كما سلف.
وفي "الهداية": المراد بالغراب: آكل الجيف وهو الأبقع، روي ذَلِكَ عن أبي يوسف، وقال ابن العربي: قيل: هو الشديد السواد؛ لأنه أكثر أذى، وذكر ابن قتيبة: أنه سمي فاسقًا فيما أرى؛ لتخلفه حين أرسله نوح يختبر الأرض، فترك أمره ووقع على جيفة
(5)
، ويقع أيضًا على دبر البعير، وينقب الغرائر.
(1)
"المحكم" 1/ 148.
(2)
"التمهيد" 15/ 172.
(3)
"شرح ابن بطال" 4/ 493.
(4)
"التمهيد" 15/ 174.
(5)
"غريب الحديث" 1/ 327.
وأما الذي يأكل الزرع فهو الذي يرمى ولا يقتل، وهو الذي استثناه مالك من جملة الغربان، وفي قتلها قولان للمالكية: المشهور: القتل؛ لعموم الحديث، ومن منع القتل؛ لانتفاء الفسق فيه، وعن أبي مصعب فيما ذكره ابن العربي: قتل الغراب والحدأ، وإن لم يبدأ بالأذى ويؤكل لحمها عند مالك، وروي عنه المنع في الحرم؛ سدًّا لذريعة الاصطياد، قال أبو بكر: وأصل المذهب أن لا يقتل من الطير إلا ما آذى بخلاف غيره فإنه يقتل ابتداء.
والفأرة: واحدة الفئران، وفئرة، ذكره ابن سيده، وفي "الجامع": أكثر العرب على همزها
(1)
، ولا خلاف بين العلماء في جواز قتل المحرم لها، كما حكاه ابن المنذر إلا النخعي فإنه منعه من قتلها
(2)
، وهو خلاف السنة، وخلاف قول أهل العلم، سميت فويسقة؛ لخروجها على الناس واغتيالها أموالهم بالفساد، وأصل الفسق: الخروج عن الشيء ومنه {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] أي: خرج، وسمي الرجل فاسقًا؛ لانسلاخه من الخير. وقال ابن قتيبة: لا أرى الغراب سمي فاسقًا إلا لتخليه عن أمر نوح حين أرسله، ووقوعه على الجيفة وعصيانه إياه، وحكي عن الفراء: ما أحسب الفأرة سميت فويسقة إلا لخروجها من جحرها على الناس، قال الخطابي: ولا يعجبني واحدٌ من القولين، وقد بقي عليهما أن يقولا مثل ذَلِكَ في الحدأة والكلب، إذا كان هذا النعت (لجميعها)
(3)
، وهذا اللقب يلزمها لزومه الغراب والفأرة، وإنما أرادوا -والله أعلم-
(1)
"المحكم" 11/ 249 - 250.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 333 (14822) كتاب: الحج، ما يقتل المحرم.
(3)
كذا بالأصل وفي (ج)، وفي "غريب الحديث" للخطابي: يجمعهما.
به الخروج من الحرمة، يقول؛ خمس لا حرمة لهن، ولا بقيا عليهن، ولا فدية على المحرم فيهن إذا أصابهن، وإنما أباح قتلهن دفعًا لعاديهن، وفيه وجه آخر هو أن يكون أراد بتفسيقها تحريم أكلها؛ لقوله تعالى وقد ذكر المحرمات:{ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3]، ويدل على صحة هذا: حديث عائشة مرفوعًا: "الغراب فاسق" فقال رجل من القوم: أيؤكل لحم الغراب؟ قالت: لا ومن يأكله بعد قوله: "فاسق".
وروت عمرة مثله عن عائشة قالت: والله ما هو من الطيبات، تريد قوله تعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157]، ومما يدل على أن الغراب يقذر لحمه قول الشاعر:
ولا سرطان أنهار البريص
(1)
…
فما لحم الغراب لنا بزاد
وقيل: إن الفأرة عمدت إلى حبال سفينة نوح فقطعتها، وإن الشارع رآها تصعد بالفتيلة على السقف، وفي تسمية الخمس بالفواسق قيل: لخروجهن عن السلامة منهن إلى الإضرار والأذى، وقيل: لخروجهن عن الحرمة.
والعقرب: يكون للذكر والأنثى، قاله ابن سيده، قال: وقد يقال للأنثى: عقربة، وللذكر: عقربان
(2)
. وقال صاحب "المنتهى": الأنثى عقرباء ممدود غير مصروف، وقيل: العقربان دويبة كثيرة القوائم غير العقرب، وعقربة شاذة، ومكان معقرِب: بكسر الراء، ذو عقارب، وأرض معقربة، وبعضهم يقول: مَعْقَرَةٌ كأنه رد العقرب إلى ثلاثة
(1)
انتهى من "غريب الحديث" للخطابي 1/ 603 - 604 وقد روى حديثي عائشة بسنده، وروى حديث عمرة عن عائشة أيضًا البيهقي في "سننه" 9/ 317 كتاب: الضحايا، باب: ما يحرم من جهة ما لا يأكل العرب.
(2)
"المحكم" 2/ 290.
أحرف ثم بني عليه، وفي "الجامع" ذكر العقارب: عقربان، والدابة الكثيرة القوائم: عقربان بتشديد الباء، قال أبو عمر: والعقرب اللدغ، ويتبع الحس، وحكى عن حماد بن أبي سليمان والحكم أن المحرم لا يقتل الحية ولا العقرب، رواه عنهما شعبة؛ وحجتهما أنهما من هوام الأرض، وما أعجبه! فنص السنة بخلافه
(1)
.
والكلب العقور: قال ابن عيينة -فيما حكاه أبو عمر
(2)
-: أنه كل سبع يعقر ولم يخص به الكلب، قال سفيان: وفسره لنا زيد بن أسلم، وكذا قال أبو عبيد، وعن أبي هريرة: الكلب العقور: الأسد
(3)
، وقد قال عليه السلام في عتبة بن أبي لهب:"اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك" فعدا عليه الأسد فقتله
(4)
؛ ولأنه مأخوذ من التكلب، والعقور من العقر، وعن مالك: هو كل ما عقر الناس وعدا عليهم، مثل الأسد والنمر والفهد، فأمَّا ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب وشبههما فلا يقتله المحرم وإن قتله فداه، وعن ابن القاسم قال: لا بأس بأن يقتل المحرم السباع التي تعدو على الناس وتفترس
(1)
"التمهيد" 15/ 170.
(2)
"التمهيد" 15/ 157.
(3)
رواه عبد الرزاق 4/ 443 (8378، 8379) والطحاوي في "شرح المعاني" 2/ 164
(4)
رواه ابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 207 من حديث هبار بن الأسود مرفوعًا، والطبراني 22/ 435 (1060) من حديث قتادة، مرسلًا مطولًا، وأورده الهيثمي 6/ 18 - 19 وقال: رواه الطبراني هكذا مرسلًا، وفيه: زهير بن العلاء وهو ضعيف. وفيه: أن النبي قالها لعتبة بن أبي لهب كما ذكره المصنف.
ورواه الحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث"(572)، وكما في "إتحاف الخيرة" 4/ 230 (3467)، والحاكم 2/ 539 وقال: صحيح الإسناد، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2488 - 2489 (6050)، 5/ 2972 (6926) من حديث أبي عقرب الكناني مرفوعًا، لكن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها للهب بن أبي لهب، والثاني حسنه الحافظ في "الفتح" 4/ 39.
ابتداء، وأما صغارها التي لا تفترس ولا تعدو فلا ينبغي للمحرم قتلها، ونقل النووي اتفاق العلماء على جواز قتل الكلب العقور للمحرم والحلال في الحل والحرم، قال: واختلفوا في المراد به، فقيل هو الكلب المعروف، حكاه القاضي عياض عن أبي حنيفة والأوزاعي والحسن بن حي، وألحقوا به الذئب
(1)
.
قلتُ: قد ورد منصوصًا كما سلف، وحمل زفر الكلب على الذئب وحده، وذهب الشافعي والثوري وأحمد وجمهور العلماء إلى أن المراد كل مفترس غالبًا
(2)
.
فائدة:
قال أبو المعاني: جمع الكلب: أكلب وكلاب وكليب، وهو جمع عزيز لا يكاد يوجد إلا للقليل نحو عبد وعبيد، وجمع الأغلب: أكالب.
وقال ابن سيده: قد قالوا في جمع كلاب: كلابات قال:
أحب كلب في كلابات الناس
…
إليَّ نبحًا كلب أم العباس
(3)
والكالب كالحامل جماعة الكلاب، والكلبة أنثى الكلاب، وجمعها: كلبات ولا تكسر.
أخرى: في "الحيوان" للجاحظ تعداد معايب الكلاب ومثالبها:
خبثها وجبنها وضعفها وشرهها وغدرها وبذاؤها وجهلها وقذرها وكثرة جنايتها وقلة ردها، ومن ضرب المثل في لؤمها ونذالتها وقبحها وقبح معاظلتها وسماجة نباحها، وكثرة أذاها وتقزز الناس من دنوها، وأنها
(1)
"مسلم بشرح النووي" 8/ 114، "إكمال المعلم" 4/ 204. وليس في "الإكمال" حكايته عن أبي حنيفة والأوزاعي والحسن بن حي.
(2)
"مسلم بشرح النووي" 8/ 114 - 115.
(3)
انتهى من "الحيوان" 1/ 222 - 227 بتصرف.
كالخلق المركب، والحيوان الملفق، وكالبغل في الدواب، وكالراعبي في الحمام، وأنها لا سبع ولا بهيمة ولا جنية ولا إنسية، وأنها من الحن دون الجن، وأنها مطايا الجن ونوع من المسخ، وتنبش القبور، وتأكل الموتى، وأنها يعتريها الكلب من أكل لحوم الناس وإن جلده منتن إذا أصابه مطر، قال روح بن زنباع في أم جعفر زوجته:
وريحها ريح كلب مسه مطر
…
ريح الكرائم معروف له أرج
فالكلب يأكل العذرة، ويقال في المثل: أبخل من كلب على جيفة، ويشغر ببوله في جوف أنفه ويسدده تلقاء خيشومه
(1)
.
والحية: الأفعى كما جاء في رواية، قال عمر: هن عدو فاقتلوهن
(2)
، وفي رواية: حيث وجدتموها، قاله لمعتمرٍ ولمحرم
(3)
، وقال زيد بن أسلم: أي كلب أعقر منها
(4)
. وعن مالك: لا يقتل المحرم قردًا
ولا خنزيرًا ولا الحية الصغيرة
(5)
.
وقال ابن بطال: أجاز مالك قتل الأفعى وهي داخلة عنده في معنى الكلب العقور، قال: وأجمع العلماء على جواز قتلها في الحل والحرم
(6)
. وأما نهيه عليه السلام عن قتل حيات البيوت
(7)
، فأخذ بعض السلف بظاهره، وقد قال عليه السلام فيما رواه ابن مسعود: "اقتلوا الحيات كلهن،
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 403 (8221).
(2)
رواه البيهقي 5/ 211 كتاب: الحج، باب: ما للمحرم قتله ..
(3)
"المحكم" 7/ 34.
(4)
"سنن البيهقي" 5/ 211.
(5)
"شرح ابن بطال" 4/ 492، 493.
(6)
سيأتي برقم (3312 - 3313)، ورواه مسلم (2233) من حديث ابن عمر.
(7)
رواه أبو داود (5249)، والنسائي 6/ 51، والطبراني 10/ 170 (10355)، وابن عبد البر في "التمهيد" 16/ 24. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1149).
فمن خاف ثأرهن فليس مني"
(1)
وروي هذا القول عن عمر وابن مسعود
(2)
.
وقال آخرون: لا ينبغي قتل عوامر البيوت وسكانها إلا بعد مناشدة العهد الذي أخذه عليهن، فإن ثبت بعد النشدة قتل حذار الإصابة، فيلحقه ما لحق الفتى المعرس بأهله حيث وجد حية على فراشه فقتلها قبل مناشدته إياها، واعتلَّوا بحديث أبي سعيد مرفوعًا:"إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا، فإن رأيتم منها شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذَلِكَ فاقتلوه"
(3)
ولا تخالف بينها، وربما تمثل بعض الجن ببعض صور الحيات فيظهر لأعين بني آدم.
كما روى ابن أبي مليكة عن عائشة بنت طلحة: أن عائشة أم المؤمنين: رأت في مغتسلها حية فقتلتها فأتيت في منامها، فقيل لها: إنك قتلت مسلمًا، فقالت: لو كان مسلمًا ما دخل على أمهات المؤمنين، فقيل: ما دخل عليك إلا وعليك ثيابك، فأصبحت فزعة ففرقت في المساكين اثني عشر ألفًا
(4)
، وخص ابن نافع الإنذار
(1)
رواه عن عمر عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 443 (8382)، وابن أبي شيبة 4/ 266 (19896). ورواه عن ابن مسعود 4/ 267 (19900).
(2)
"المنتقى" 2/ 263.
(3)
رواه مسلم (2236) كتاب: السلام، باب: قتل الحيات وغيرها.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 6/ 182 (30505) كتاب: الرؤيا، رؤيا عائشة رضي الله عنها، وأبو الشيخ في "العظمة"(1114) بإسقاط عائشة بنت طلحة، وأبو نعيم في "الحلية" 2/ 49، وابن عبد البر في "التمهيد" 11/ 118، والذهبي في "تذكرة الحفاظ" 1/ 29، وذكره كذلك في "سير أعلام النبلاء" 2/ 196 - 197 من طريقين: الأول: عن يحيى بن سعيد القطان، حدثنا أبو يونس -حاتم بن أبي صغيرة- عن ابن أبي مليكة .. به، الثاني: عفيف بن سالم، عن عبد الله بن المؤمل عن عبد الله بن أبي مليكة .. به، وقال: رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل عن عفيف، وهو ثقة، وابن المؤمل فيه ضعف، والإسناد الأول أصح.
بالمدينة على ظاهر الحديث.
وقال مالك: أحب إليَّ أن ينذر بالمدينة وغيرها وهو بالمدينة أوجب، ولا ينذر في الصحاري
(1)
، وقال غيره: بالتسوية بين المدينة وغيرها؛ لأن العلة إسلام الجن ولا يحل قتل مسلم جني ولا إنسي، ومما يؤكد قتل الحية ما ذكره البخاري في الباب عن ابن مسعود: أنه عليه السلام لما رأى الحية بمنى قال: "اقتلوه" وعند مسلم: أمر محرمًا بقتل حية بمنى
(2)
.
ووقع في تفسير سورة المرسلات: قال البخاري: وقال ابن
إسحاق
(3)
، كذا في أكثر النسخ، وكذا ذكره أبو نعيم في "مستخرجه" وسماه محمد بن إسحاق، وفي بعض نسخ البخاري: وقال أبو إسحاق: يعني السبيعي، وقال أيضًا في التفسير: وقال أبو معاوية معلقًا
(4)
، وهو عند مسلم موصولًا: حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى وغيره، عن أبي معاوية به
(5)
. وللدارقطني من حديث زر عن عبد الله مرفوعًا: "من قتل حية أو عقربا فقد قتل كافرًا" وقال: الموقوف أشبه بالصواب
(6)
.
والوزغ جمع: وزغة، ويجمع أيضًا على وزغان وأزغان على البدل، قال ابن سيده: وعندي أن الوزغان إنما هو جمع وزغ الذي هو جمع وزغة
(7)
، وقال الجوهري: الجمع أوزاغ
(8)
. وقال في "المغيث":
(1)
مسلم (2235) كتاب: السلام، باب: قتل الحيات وغيرها.
(2)
"المنتقى" 7/ 300، 301.
(3)
سيأتي بعد حديث (4921) في التفسير.
(4)
سيأتي بعد حديث (4931).
(5)
مسلم (2234) كتاب: السلام، باب: قتل الحيات وغيرها.
(6)
"علل الدارقطني" 5/ 74 - 75.
(7)
"المحكم" 6/ 28.
(8)
"الصحاح" 4/ 1328.
الجمع وازع، قيل: سُمي سام أبرص وزغًا لخفته وسرعة حركته
(1)
.
قال أبو حنيفة: إن قتل المحرم غير الكلب العقور والحية والعقرب والغراب والحدأة والذئب ففيه الجزاء إلا أن يكون ابتدأته، فلا جزاء عليه فيها، ويقتل القردان عن بعيره ولا شيء عليه، وقال زفر: سواء ابتدأته السباع أم لا، عليه الجزاء فيما قتل منها
(2)
.
وقال الطحاوي: لا يقتل المحرم الحية ولا الوزغ ولا شيئًا غير الحدأة والغراب والعقرب والكلب العقور والفأرة.
وعند مالك: يقتل جميع سباع ذوات الأربع إلا أنه كره قتل الغراب والحدأة إلا أن يؤذيا، ولا يجوز له قتل الثعلب والهر الوحشي، وفيهما الجزاء إلا إن ابتدأه بالأذى، ولا يقتل الوزغ ولا البعوض ولا قردان بعيره خاصة، فإن قتله أطعم شيئًا، وإن قتل شيئًا من سباع الطير فعليه الجزاء، ويقتل القراد إذا وجده على نفسه، واختلف في صغار الفئران، ولا يقتل القمل، فإن قتلها أطعم شيئًا، وعند الشافعي: في الثعلب الجزاء
(3)
.
قال ابن حزم: روى وكيع عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال: اقتل من السباع ما عدا عليك وما لم يعد وأنت محرم
(4)
.
ومن طريق سويد بن غفلة قال: أمرنا عمر بن الخطاب بقتل الزنبور
(1)
"المغيث" 3/ 410.
(2)
حكاه ابن حزم عن أبي حنيفة "المحلى" 7/ 239.
(3)
"المحلى" 7/ 239.
(4)
"المحلى" 7/ 244، ورواه الأزرقي في "أخبار مكة" 2/ 149 عن ابن جريج قال: قال عطاء: لكل عدو لك لم يذكر لك قتله فاقتله وأنت حرم، والفاكهي في "أخبار مكة" 3/ 397 عن ابن جريج أيضًا.
ونحن محرمون
(1)
.
وعن حبيب المعلم عن عطاء قال: ليس في الزنبور جزاء
(2)
، وعن ابن عباس: من قتل وزغًا فله صدقة
(3)
.
وقال ابن عمر: اقتلوا الوزغ فإنه شيطان
(4)
، وعن عائشة: أنها كانت تقتل الوزغ في بيت الله تعالى
(5)
، وسأل إبراهيم بن نافع عطاء عن قتله في الحرم، قال: لا بأس
(6)
، وفي مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا أمر بقتل الأوزاغ
(7)
.
وفي حديث عروة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بقتله
(8)
، قال
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 443 (8380 - 8381)، وابن أبي شيبة، 3/ 334 (14836)، 3/ 420 (15736)، 3/ 420 (15736)، وأبو نعيم في "الحلية" 9/ 109 - 110، والذهبي في "السير" 10/ 88.
(2)
أورده ابن حزم في "المحلى" 7/ 244 من طريق حماد بن سلمة، عن حبيب.
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 447 (8396).
(4)
رواه عبد الرزاق 4/ 447 (8398)، وابن أبي شيبة 4/ 266 (19893) كتاب: الصيد، ما قالوا في قتل الأوزاغ -لكنه بلفظ: أقتلوا الوزغ في الحل والحرم- والبغوي في "مسند ابن الجعد" ص: 332 (2280).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 4/ 266 (19887 - 19888) بنحوه.
(6)
السابق 3/ 432 (15844)، وانظر:"المحلى" 7/ 244.
(7)
مسلم (2238) كتاب: السلام، باب: استحباب قتل الوزغ.
(8)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 446 (8392)، والدورقي في "مسند سعد"(14)، وأبو يعلى في "مسنده" 2/ 143 - 144 (831).
قلت: والذي في الصحيح عنها أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقتله، كما في حديث الباب (1831) في جزاء الصيد، باب: ما يقتل المحرم من الدواب، وكما سيأتي برقم (3306) في بدء الخلق، ورواه مسلم (2239) كتاب: السلام، باب: استحباب قتل الوزع، عن عروة أيضًا عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للوزغ: الفويسق، ولم
أبو الحسن: أخطأ الباغندي في متنه، وقال في "علله": إنه وهم، والصواب مرسل
(1)
.
وروى مالك عن ابن شهاب عن سعد بن أبي وقاص: أنه عليه السلام أمر بقتله
(2)
، وفيه انقطاع بين الزهري وسعد. وذكر ابن المواز عن مالك قال: سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ. وفي مسلم من حديث أبي مرفوعًا تعداد الحسنات في قتلها أولًا ثم ثانيًا ثم ثالثًا
(3)
، وسيأتي
أسمعه أمر بقتله، وهذا لفظ البخاري، وأكثر ما رواه عروة عنها أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقتله، وقد روي الأمر بقتله من وجوه أخر عنه صلى الله عليه وسلم، فسيأتي برقم (3307) كتاب بدء الخلق، ورواه مسلم (2237) كتاب السلام، باب: استحباب قتل الوزغ، عن أم شريك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ، وهذا لفظ البخاري، وأيضًا روى مسلم (2238) من حديث عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقًا، وتكلم في صحته الدارقطني كما ذكر المصنف، وقد أنكر هذا على سعد كما سيأتي برقم (3306)، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الوزغ: الفويسق" ولم أسمعه أمر بقتله، وزعم سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله.
قال الحافظ: قال ابن التين: هذا لا حجة فيه، لأنه لا يلزم من عدم سماعها عدم الوقوع، وقد حفظ غيرها كما ترى، قلت: قد جاء عن عائشة من وجه آخر عند أحمد وابن ماجه أنه كان في بيتها رمح موضوع فسئلت فقالت: نقتل به الوزغ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها، وقوله: زعم سعد، قائل ذلك يحتمل أن يكون من قول عروة فيكون متصلًا فإنه سمع من سعد، ويحتمل أن تكون عائشة، ويحتمل أن يكون من قول الزهري فيكون منقطعًا، والاحتمال الأخير أرجح. ا. هـ "فتح الباري" 6/ 353 - 354. بتصرف يسير.
(1)
"علل الدارقطني" 4/ 340 - 341.
(2)
رواه العقيلي في "الضعفاء" 4/ 393، والإسماعيلي في "المعجم" 3/ 785 عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص.
(3)
مسلم (2240) كتاب: السلام، باب: استحباب قتل الوزغ، وهو من حديث أبي هريرة، لا حديث أبي كما ذكر المصنف.
عن أم شريك: أنه عليه السلام أمر بقتلها
(1)
.
قال ابن حزم
(2)
: وأما النمل فلا يحل قتله ولا قتل الهدهد ولا الصرد ولا النحل ولا الضفدع، لحديث ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والورد
(3)
، ولأبي داود من حديث عبد الرحمن بن عثمان: النهي عن قتل الضفدع
(4)
، وفي الصحيح: أن نملة قرصت نبيًا من الأنبياء، فحرق قريتها، فقال له الله تعالى:"هلَّا نملة واحدة"
(5)
.
قال الترمذي في "نوادره": ولم يعاتبه على تحريقها، إنما عاتبه كونه
أخذ البريء بغيره، وذكر كلامًا يقتضي أن لا حرج في قتلها
(6)
.
وقال ابن قدامة: كل ما كان طبعه الأذى والعدوان، وإن لم يوجد منه أذى في الحال في النفس أو المال فقتله لا حرج فيه مثل سباع البهائم
(1)
سيأتي برقم (3307) كتاب: بدء الخلق، ورواه مسلم (2237).
(2)
"المحلى" 7/ 245.
(3)
رواه أبو داود (5267) كتاب: الأدب، باب: في قتل الضفدع، وابن ماجه (3224) كتاب: الصيد، باب: ما ينهى عن قتله، وأحمد 1/ 132، وعبد الرزاق في "المصنف" 5/ 451 (8415) كتاب: المناسك، باب: ما ينهى عن قتله من الدواب، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 554 (649)، والدارمي 2/ 1271 (2042) كتاب: المناسك، باب: ما ينهى عن قتله من الدواب، وابن حبان 12/ 462 (5646)، والبيهقي 9/ 317. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6970).
(4)
أبو داود (3871): الطب، باب: في الأدوية المكروهة. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(6971).
(5)
سيأتي برقم (3319) كتاب: بدء الخلق، باب: خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، ورواه مسلم (2241) كتاب: السلام، باب: النهي عن قتل النمل.
(6)
"نوادر الأصول" للحكيم الترمذي- الأصل الثالث والثمانون ص 123.
كلها المحرم أكلها، وجوارح الطير كالبازي، والعقاب، والشاهين، والصقر، ونحوها، والحشرات المؤذية، كالزنبور، والبق، والبعوض، والذباب، والبراغيث، وبه قال الشافعي
(1)
.
وذكر ابن المواز، عن مالك: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ، فأما المحرم فلا يقتلها، فإن قتلها رأيت أن يتصدق، قيل له: قد أذن الرسول بقتلها، قال: وكثير ما أذن في قتله ولا يقتلها المحرم، وفي رواية ابن وهب وابن القاسم عنه قال: لا أرى أن يقتل المحرم الوزغ؛ لأنه ليس من الخمس، فإن قتلها تصدق. قال أبو عمر: الوزغ مجمع على تحريم أكله
(2)
.
وقال ابن التين: أباح مالك قتله في الحرم وكرهه للمحرم، وروي عن عائشة أنها قالت: لما احترق بيت المقدس كانت الأوزاغ تنفخه
(3)
، وقيل: إنها نفخت على نار إبراهيم من بين سائر الدواب
(4)
.
تنبيهات توضح ما مضى وإن سلف بعضه:
أحدها: أجمع العلماء على القول بجملة أحاديث الباب كما عيناه،
(1)
"المغني" 5/ 176 - 177.
(2)
"التمهيد" 15/ 186.
(3)
رواه الفاكهي في "أخبار مكة" 3/ 398 (2291)، والبيهقي 9/ 218.
(4)
رواه النسائي 5/ 189 كتاب: مناسك الحج، قتل الوزغ، وابن ماجه (3231) كتاب: الصيد، باب: قتل الوزغ، وأحمد 6/ 83 وعبد الرزاق في "المصنف" 4/ 446 (8392) كتاب: المناسك، باب: ما يقتل في الحرم وما يكره قتله، وأبو يعلى 7/ 317 (4357)، وابن حبان 12/ 447 (5631) كتاب: الحظر والإباحة، باب: قتل الحيوان، والمزي في "تهذيب الكمال" 35/ 192 - 193 من حديث عائشة، وقال البوصيري في "زوائده" ص: 419: إسناد صحيح رجاله ثقات. وصححه الألباني في "الصحيحة"(1581).
إلا أنهم اختلفوا في تفصيلها: فقال بظاهر حديث ابن عمر وحفصة مالكٌ والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: ولم يعن بالكلب العقور الكلاب الإنسية، وإنما عني بها كل سبع يعقر، كذلك فسره مالك وابن عيينة وأهل اللغة.
وقال الخليل: كل سبع عقور كلب، وكلهم لا يرى ما ليس من السباع في طبقة العقر والعدي في الأغلب في معنى الكلب العقور في شيء، ولا يجوز عندهم للمحرم قتل الهر الوحشي ولا الثعلب كما سلف، والكلب العقور عند أبي حنيفة المعروف وليس الأسد في شيء منه، وأجازوا قتل الذئب خاصة ابتدأ به أم لا، ولا شيء عليه فيها، وأما غيرها من السباع فلا يقتلها، فإن قتلها فداها إلا أن تبتدئه فلا شيء عليه، وأسلفنا كلام الشافعي، والحجة على أبي حنيفة أن الكلب العقور اسم لكل ما يتكلب من أسد أو نمر أو فهد، فيجب أن يكون جميع ما تناوله هذا الاسم داخلًا تحت ما أبيح للمحرم قتله، وإذا أبيح قتل العقور فالأسد أولى، وسماهن فواسق كما مضى، فغيرهن أولى كما نبه على غير الحية والعقرب بهما، ونص على الفأرة ونبه على ما هو أقوى حيلة من جنسها، وعلى الغراب والحدأة؛ لخطفهما، وعلى الكلب؛ لينبه به على ما هو أعظم ضررًا منه.
وأجاز مالك قتل الأفعى، وهي داخلة عنده في معنى الكلب العقور، والكلب العقور عنده صفة لا عين مسماة، وقد نقض أبو حنيفة أصله بالذئب فألحقه بالخمس، وليس بمذكور في الحديث، كذا قال ابن بطال، وقد علمت أنه مذكور في بعضها، قال: وكذلك يلزمه أن يجعل الفهد والنمر وما أشبههما في العدي بمنزلة الذئب، وأما الضبع فمأكول عندنا وإن كان له ناب، لكنه ضعيف، وهو من
السباع لكنه غير داخل فيما أبيح قتله، قال الأوزاعي: كان العلماء بالشام يعدونها من السباع، ويكرهون أكلها، وذكر ابن حبيب عن مالك قال: لا يقتل الضبع بحال، وقد جاء أن فيها شاة إلا أن تؤذيه، وكذلك قال في الغراب والحدأة
(1)
.
قال أشهب: سألت مالكًا: أيقتلهما المحرم من غير أن يضرا به؟
قال: لا، وإنما أذن في قتلهما إذا ضرا في رأي، فإذا لم يضرا فهما صيد، وليس للمحرم أن يصيد، وليسا مثل العقرب والفأرة، ولا بأس بقتلهما وإن لم يضرا، وكذلك الحية، والحجة على من قال: إنه لا يوجب الجزاء إلا فيما يؤكل لحمه خاصة عموم {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96].
والصيد: الاصطياد، وهو يقع على كل ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل، وليس المعتبر في وجوب الجزاء كون المقتول مأكولًا؛ لأن الحمار المتولد عن الوحشي والأهلي لا يؤكل، وفي قتله الجزاء على المحرم
(2)
. والمخالف لا يسلم ذَلِكَ.
ثانيها: تسميته عليه السلام الوزغ فويسقًا ما يدل على عقرها كما سمى العقورات كلها فواسق، قال مالك: ولا يقتل المحرم قردًا ولا خنزيرًا ولا الحية الصغيرة ولا صغار السباع
(3)
، وقال الشافعي: ما يجوز للمحرم قتله فصغاره وكباره سواء، لا شيء عليه في قتلها
(4)
، وقال مالك في "الموطأ": ولا يقتل المحرم ما ضر من الطير
(1)
"النوادر والزيادات" 2/ 462.
(2)
من "شرح ابن بطال" 4/ 491 - 493 بتصرف.
(3)
"النوادر والزيادات" 2/ 264.
(4)
"الأم" 2/ 176. وهو ما نقله ابن المواز عن مالك. "النوادر والزيادات" 2/ 462.
إلا ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغراب والحدأة، فإن قتل غيرهما من الطير فداه
(1)
.
ثالثها: اختلف المدنيون في الزنبور، كما قال إسماعيل، فشبهه بعضهم بالحية والعقرب فإن عرض لإنسان فدفعه عن نفسه لم يكن عليه فيه شيء، وكان عمر يأمر بقتله، كما سلف.
وقال أحمد وعطاء: لا جزاء فيه، وقال بعضهم: يطعم شيئًا
(2)
، قال إسماعيل: وإنما لم يدخل أولاد الكلب العقور في حكمه؛ لأنهن لا يعقرن في صغرهن ولا فعل لهن.
رابعها: الجناح: الإثم، فنفاه بقوله:("لا جناح"، "ولا حرج").
(1)
"موطأ مالك" 1/ 466 - 467 (1188) كتاب: المناسك، باب: ما يقتل المحرم من الدواب.
(2)
"المجموع" 7/ 357، وقول عطاء، رواه ابن حزم "المحلى" 7/ 244. وقال أبو داود: سمعت أحمد سُئل عن المحرم يقتل الزنبور؟ قال: نعم، يقتل كل شيء يؤذيه. "مسائل الإمام برواية أبي داو"(842).
8 - باب لَا يُعْضَدُ شَجَرُ الحَرَمِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ".
1832 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْغَدِ مِنْ يَوْمِ الفَتْحِ، فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، إِنَّهُ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِى سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ". فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلَا فَارًّا بِدَمٍ، وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ. خَرْبَةٌ: بَلِيَّةٌ. [انظر: 104 - مسلم: 1354 - فتح: 4/ 41]
ثم أسند حديث سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح الِعدوي أنه قال لعمرو بن سعيد، فذكره إلى قوله:"وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً".
الشرح:
تعليق ابن عباس ذكره بعد قليل مسندًا
(1)
، وحديث أبي شريح أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، ووقع في "سيرة ابن إسحاق": ثَنَا سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح قال: لما قدم عمرو بن الزبير مكة قام إليه أبو شريح، فذكره، فرد عليه ابن الزبير: فأنا أعلم منك يا أبا شريح
(3)
،
(1)
سيأتي برقم (1834) باب: لا يحل القتال بمكة.
(2)
مسلم (1354) كتاب: الحج، باب: تحريم مكة وصيدها وخلاها ..
(3)
انظر: "سيرة ابن هشام" 4/ 35 وقد أورده بسند ابن اسحاق الذي ذكره المصنف.
وكذا ذكره الواقدي عن رباح بن مسلم، عن أبيه قال: بُعِثَ إلى عبد الله بن الزبير (عمرو أخوه)
(1)
، فقام أبو شريح إليه فقال له الحديث. ولا التفات إلى رد السهيلي له بأنه وهم من ابن هشام
(2)
، فهذا ابن إسحاق هو الذي ذكره، وسنده صحيح، وقد أوضحت شرحه في "شرح العمدة" فليراجع منه
(3)
.
ونذكر هنا عيونًا أخر:
أحدها: عمرو هذا هو ابن سعيد بن العاص أبو أمية المعروف بالأشدق، لطيم الشيطان الأفقم أيضًا، ليست له صحبة، وعرف بالأشدق؛ لأنه صعد المنبر فبالغ في شتم علي رضي الله عنه فأصيب بلقوة، ولَّاه يزيد بن معاوية المدينة، وكان أحب الناس إلى أهل الشام، وكانوا يسمعون له ويطيعونه، وكتب إليه يزيد أن يوجه إلى عبد الله بن الزبير جيشًا فوجهه، واستعمل عليهم عمرو بن الزبير بن العوام
(4)
(5)
، وأبو شريح اسمه خويلد بن عمرو، وقيل عكسه، وقيل غير ذَلِكَ،
(1)
في (س)، (ج):(عمرو وأخوه) ولعل المثبت هو الصحيح.
(2)
"الروض الأنف" للسهيلي 4/ 115.
(3)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 6/ 96 - 120.
(4)
في هامش (س) تعليق نصه: قتل عمرو بن سعيد بن العاصي صبرًا سنة 70 قاله في "الكاشف" وتوفي أبو شريح الخزاعي، والأكثر في اسمه بما صدر به المصنف كلامه وقيل (
…
) وقيل: كعب بن عمرو، وقيل: هانئ بن عمرو هذا كلام الذهبي، وحكى النووي في اسمه خلافًا في التهذيب منه أنه عبد الرحمن ابن عمرو.
(5)
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 5/ 237، "التاريخ الكبير" 6/ 338 (2570)، و"الجرح والتعديل" 6/ 236 (1308)، و"تهذيب الكمال" 22/ 35 (4370)، و"سير أعلام النبلاء" 3/ 449 (88).
حمل لواء قومه يوم الفتح وكان من العقلاء
(1)
، وفي الصحابة من كنيته كذلك ثلاثة غيره
(2)
.
ثانيها: معنى: ("لا يعضد"): لا يقطع بما يعضد، وهو سيف يمتهن في قطع الشجر، وقيل: هو حديد، والعَضد بالفتح ما تكسر من الشجر أو قطع، والخربة: البلية بفتح الخاء المعجمة وضمها وبعد الراء باء موحدة، كما وقع في بعض نسخ البخاري، ويقال: العورة أو الزلة، وأصله من سرقة الإبل.
(1)
هو أبو شريح الخزاعي العدوي الكعبي، اختلف في اسمه، فقيل: خويلد بن عمرو، وقيل: عمرو بن خويلد، وقيل: كعب بن عمرو، وقيل: هانئ بن عمرو، وقيل: عبد الرحمن بن عمرو، والمشهور: خويلد بن عمرو بن صخر بن عبد العزى بن معاوية بن المحترش بن عمرو بن زمان بن عدي بن عمرو بن ربيعة، إخوة بني كعب بن عمرو بن ربيعة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن مسعود. انظر ترجمته في:"معجم الصحابة" للبغوي 2/ 244، و"معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 203 (703)، 4/ 250 (3063)، و"أسد الغابة" 2/ 152 (1500)، 6/ 164 (5997)، و"تهذيب الكمال" 33/ 400 (7424)، و"الإصابة" 1/ 458 (2305)، 4/ 101 (613).
(2)
أحدهم: أبو شريح الأنصاري، قال ابن عبد البر: له صحبة، ذكروه في الصحابة، ولا أعرفه بغير كنيته وذكره هذا اهـ. انظر:"الاستيعاب" 4/ 250 (3062)، "أسد الغابة" 6/ 164 (5996)، "الإصابة" 4/ 102 (615).
ثانيهم: أبو شريح الحارثي، هانئ بن يزيد بن نهيك بن دريد بن سفيان بن الضباب، واسمه مسلمة بن الحارث بن ربيعة بن الحارث بن كعب الحارثي، كان يكنى أبا الحكم، فكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي شريح.
انظر: "الاستيعاب" 4/ 250 (3061)، "أسد الغابة" 5/ 383 (5333)، 6/ 165 (5998)، "الإصابة" 3/ 596 (8927)، 4/ 102 (614).
ثالثهم: أبو شريح، رجل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أعتى الناس على الله عز وجل .. " الحديث. انظر: "أسد الغابة" 6/ 166 (5999).
ثالثها؛ لا يجوز قطع أغصان شجر مكة التي أنشأها الله فيها مما لا صنع فيه لبني آدم، وإذا لم يجز قطع أغصانها فقطع شجرها أولى بالنهي، وقام الإجماع -كما قال ابن المنذر- على تحريم قطع شجر الحرم
(1)
، واختلفوا فيما يجب على قاطعها، فذهب مالك: لا شيء عليه غير الاستغفار، وهو مذهب عطاء، وبه قال أبو ثور، وذكر الطبري عن عمر مثل معناه. وقال الشافعي: عليه الجزاء في الجميع المحرم في ذَلِكَ والحلال سواء، في الشجرة الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة، وفي الخشب وما أشبهه قيمته ما بلغت دمًا كان أو طعامًا، وحكى بعض أصحاب الشافعي أن مذهبه كمذهب أبي حنيفة فيما أنبته الآدمي، ذكره ابن القصار، وهو قول صاحبيه أيضًا، إن قطع ما أنبته الآدمي فلا شيء عليه، وإن قطع ما أنبته الله تعالى كان عليه الجزاء حلالًا كان أو محرمًا، فإن بلغ هديًا كان هديًا وإلا قُوم طعامًا فأطعم كل مسكين نصف صاع، لا جرم حكى بعضهم عن الكوفيين أن فيها قيمتها، والمحرم والحلال فيه سواء
(2)
.
قال ابن المنذر: ليس في ذَلِكَ دلالة من كتاب ولا سنة ولا إجماع، وأقول كما قال مالك، واحتج الموجب بالحديث:"لا يعضد بها شجرة"، وهو نهي تحريم فيجب فيه الجزاء كالصيد، ويجاب بأن النهي عن قطعه لا يدل على وجوب الجزاء كالنهي عن تنفير الصيد والإشارة والمعاونة عليه؛ فقد روي أن عمر بن الخطاب رأى رجلًا يقطع من
(1)
"الإجماع" ص 77.
(2)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 69، "الهداية" 1/ 190، "التفريع" 1/ 331، "عيون المجالس" 2/ 880 - 882، "روضة الطالبين" 3/ 167، "المجموع" 7/ 450، "المقنع" ص 77.
شجر الحرم، فسأله لم تقطعه؟ فقال: لا نفقة معي، فأعطاه نفقة، ولم يوجب عليه
(1)
، ولو كان كالصيد لوجب على المحرم إذا قطعها في حل أو حرم الجزاء كما قال في الصيد، وأجمع العلماء على إباحة أخذ كل ما أنبته الناس في الحرم من البقول والزروع والرياحين وغيرها، فوجب أن يكون ما يغرسه الناس من النخيل والشجر يباح قطعه؛ لأن ذَلِكَ بمنزلة الزرع الذي يزرعونه فقطعه جائز، وما يجوز قطعه فمحال أن يكون فيه جزاء، فإن قيل: فأوجب الجزاء على ما أنبته الله تعالى؛ قيل: لا أجد عليه دلالة؛ فوجب استواؤهما في السقوط، واختلفوا في أخذ السواك من شجر الحرم. فروينا عن مجاهد
(2)
وعطاء
(3)
وعمرو بن
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 5/ 145 (9204) كتاب: الحج، باب: ما ينزع من الحرم، من حديث عطاء أن عمر بينما هو يخطب بمنى إذ هو برجل من أهل اليمن يعضد من شجر، فأرسل إليه فقال: ما تصنع؟ قال: أقطع علفًا لبعيري، ليس عندي علف، قال: هل تدري أين أنت؟ قال: لا، قال: فأمر عمر له بنفقة. وكذا رواه الفاكهي في "أخبار مكة" 3/ 370 (2226)، ورواه الفاكهي أيضًا 3/ 370 (2225) من حديث عطاء عن عبيد الله قال: إن عمر بن الخطاب رأى رجلًا يحتش في الحرم .. الحديث. وكذا رواه البيهقي 5/ 195 - 196، والضياء المقدسي في "المختارة" 1/ 352، وسئل الدارقطني عن هذا الحديث فقال: هو حديث يرويه حفص بن غياث، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عمر مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره يرويه عن عبد الملك موقوفًا عن عمر، وكذلك رواه الحجاج بن أرطأة عن عطاء موقوفًا، الموقوف هو المحفوظ.
ورواه ابن جريج، عن عطاء مرسلًا عن عمر قوله غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم اهـ "علل الدارقطني" 2/ 174.
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 5/ 143 (9199 - 9200) كتاب: الحج، باب: ما ينزع من الحرم.
(3)
رواه الأزرقي في "أخبار مكة" 2/ 144، والفاكهي في "أخبار مكة" 3/ 366 (2216).
دينار
(1)
أنهم رخصوا في ذَلِكَ، وحكى أبو ثور ذَلِكَ عن الشافعي.
وكان عطاء يرخص في أخذ ورق السنا لا ينزع من أصله
(2)
، ورخص فيه عمرو بن دينار
(3)
.
رابعها: قوله عليه السلام: "فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا" اختلف العلماء فيمن أصاب حدًا في غير الحرم، من قتل أو زنًا أو سرقة ثم لجأ إلى الحرم هل تنفعه استعاذته؟ فقالت طائفة: لا يجالس ولا يبايع ولا يكلم ولا يؤوى حَتَّى يخرج منه، فيؤخذ بالواجب لله تعالى، وإن أتى حدًّا في الحرم أقيم فيه.
روي ذَلِكَ عن ابن عباس
(4)
، وهو قول عبيد بن عمير
(5)
، وعطاء
(6)
،
(1)
رواه عبد الرزاق 5/ 143 - 144 (9201)، والأزرقي 2/ 144، والفاكهي 3/ 367 (2218).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 394 (15462) كتاب: الحج، من رخص أن يأخذ من الحرم السواك ونحوه ومن كرهه، والأزرقي 2/ 143 - 144، والفاكهي 3/ 366 (2216).
(3)
رواه عبد الرزاق 5/ 143 - 144 (9201)، والأزرقي 2/ 144، والفاكهي 3/ 366 (2215).
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 9/ 304 (17306 - 17307) كتاب: العقول، باب: من قتل في الحرم وسرق فيه، والأزرقي في "أخبار مكة" 2/ 138، والفاكهي في "أخبار مكة" 3/ 360 - 362 (2202 - 2206) -دون قوله: وإن أتى حدًّا في الحرم أقيم فيه- الطبري 3/ 360 - 361 (7457، 7459، 7466 - 7468)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 711 - 712 (3850)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 97 لابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والأزرقي وعبد بن حميد.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 548 (28903) كتاب: الحدود، في إقامة الحدود والقود في الحرم، والفاكهي 3/ 363 - 364 (2211)، والطبري 3/ 360 (7462).
(6)
رواه عبد الرزاق 9/ 303 (17303 - 17304)، وابن أبي شيبة 5/ 549 (28907)، والأزرقي 2/ 138، والفاكهي 3/ 363 - 364 (2211)، والطبري 3/ 361 (7465)، وابن أبي حاتم 3/ 712 (3855).
والشعبي
(1)
، والحكم
(2)
، وعلة ذَلِكَ قوله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] قالوا: فجعل الله حرمه آمنًا لمن دخله، فداخله آمن من كل شيء وجب عليه قبل دخوله حَتَّى يخرج منه، وأما من كان فيه فأتى فيه حدًّا فالواجب على السلطان أخذه به؛ لأنه ليس ممن دخله من غيره مستجيرًا به، وإنما جعل الله أمنه لمن دخله من غيره، قاله الطبري، قال: وعلتهم أنه لا يبايع ولا يكلم حَتَّى يخرج من الحرم، فإنه لما كان غير محظور عليهم كان لهم فعله؛ ليكون سببًا إلى خروجه وأخذ الحد منه
(3)
.
وقال آخرون: لا يخرج من لجأ إلى الحرم حَتَّى يخرج منه، فيقام عليه الحد، ولم يحظروا مبايعته ولا مجالسته. روي ذَلِكَ عن ابن عمر قال: لو وجدت قاتل عمر في الحرم ما هيجته
(4)
، وعلة ذَلِكَ أن الله تعالى جعله آمنًا لمن دخله، ومن كان خائفًا منا وقوع الاحتيال عليه فإنه غير آمن، فغير جائز إخافته بالمعاني التي تضطره إلى الخروج منه لأخذه بالعقوبة التي هرب من أجلها.
وقال آخرون: من أتى في الحرم مما يجب عليه الحد فإنه يقام عليه ذَلِكَ فيه، ومن أتاه في غيره فدخله مستجيرًا به فإنه يخرج منه، ويقام عليه الحد.
(1)
رواه عبد الرزاق 9/ 304 (17308)، وابن أبي شيبة 5/ 548 (28902)، والفا كهي 363/ 3 (2210)، والطبري 3/ 361 (7464).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 549 (28909).
(3)
"تفسير الطبري" 3/ 361 - 362.
(4)
رواه الأزرقي 2/ 139، والطبري 3/ 360 (7461)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 97 لابن جرير.
روي ذَلِكَ عن ابن الزبير
(1)
والحسن
(2)
ومجاهد
(3)
وعطاء
(4)
وحماد
(5)
؛ وعلته ما سلف من أنه أمنةً من أن يعاقب فيه، ولم يجعله أمنة من الحد الواجب عليه.
وذكر الطحاوي عن أبي يوسف قال: الحرم لا يجير ظالمًا، وأن من لجأ إليه أقيم عليه الحد الواجب عليه قبل ذَلِكَ، ويشبه أن يكون هذا مذهب عمرو بن سعيد؛ لقوله: إن الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فارًّا، فلم ينكر عليه أبو شريح، وقال قتادة في قوله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} : كان في الجاهلية، فأما اليوم فلو سرق في الحرم قطع، ولو قتل فيه قتل، ولو قدر فيه على المشركين قتلوا
(6)
، ولا يمنع الحرم من إقامة الحدود عند مالك، واحتج بعض أصحابه بأنه عليه السلام قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، ولم تعذه الكعبة من القتل
(7)
، وهذا القول أولى بالصواب؛ لأن الله تعالى أمر بقطع السارق وجلد الزاني
(1)
رواه عبد الرزاق 9/ 305 (17309)، والأزرقي 2/ 138، والفاكهي 3/ 362، 364 (2207، 2213)، والطبري 3/ 360 (7458)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 97 لابن المنذر.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 548 (28904)، والطبري 3/ 360 (7456).
(3)
السابق 5/ 548 (28905 - 28906) والفاكهي 3/ 363 (2209)، والطبري 3/ 395 (7454).
(4)
السابق 5/ 548 (28904)، والطبري 3/ 359 (7456).
(5)
السابق 5/ 549 (28909)، والطبري 3/ 309 (7455).
(6)
رواه الأزرقي في "أخبار مكة" 2/ 139، والطبري 3/ 359 (7452)، وابن أبي حاتم 3/ 712 (3851) وعزاه في "الدر المنثور" 2/ 96 - 97 لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(7)
سيأتي برقم (1846) كتاب: جزاء الصيد، باب: دخول الحرم ومكة بغير إحرام، ورواه مسلم (1357) كتاب: الحج، باب: جواز دخول مكة بغير إحرام.
وأوجب القصاص أمرًا مطلقًا ولم يخص به مكانًا دون مكان
(1)
.
فإقامة الحدود تجب في كل مكان على ظاهر الكتاب، ومما يشهد لذلك أمر الشارع بقتل الفواسق المؤذية في الحرم؛ فقام الدليل من هذا أن كل فاسق استعاذ بالحرم أنه يقتل بجريرته ويؤخذ بقصاص جرمه.
قال إسماعيل بن إسحاق: وقد أنزل الله تعالى الحدود والأحكام على العموم بين الناس، فلا يجوز أن يترك حكم الله تعالى في حرم ولا غيره؛ لأن الذي حرم الحرم هو الذي حرم معاصيه أن ترتكب وأوجب فيها من الأحكام ما أوجب، وسيكون لنا عودة إلى ذَلِكَ في الديات، وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة، وزفر، وأبي يوسف، ومحمد كقول ابن عباس إلا أنهم يجعلون ذَلِكَ أمانًا في كل حد يأتي على النفس من الحدود مثل أن يزني وهو محصن، أو يرتد، أو يقتل عمدًا، أو يقطع طريقًا فيجب عليه القتل فيلجأ إلى الحرم فيدخله، ولا يجعلون ذَلِكَ على الحدود التي لا تأتي على النفس كقطع السارق، والقود في قطع الأيدي وشبهها، والتعزير الواجب بالأقوال الموجبة للعقوبات، ثم قال: ولا وجه لتفريقهم بين الحدود التي تأتي على النفس وبين التي لا تأتي عليها؛ لأن الحرم إن كان دخوله يؤمن من العقوبات في الأنفس فيؤمن فيما دونها، وإن كان لا يؤمن فيما دونها فلا يؤمن بها في الأنفس، ولم يفرق ابن عباس بين شيء من ذَلِكَ، فقوله أولى من قول أبي حنيفة وأصحابه، لا سيما ولا نعلم أحدًا من الصحابة خالفه في قوله.
(1)
انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 2/ 32 - 36، "المنتقى" 3/ 80، "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 373، "المجموع" 7/ 465، "طرح التثريب" 5/ 72، "الفروع" 6/ 63.
وقول عمرو: (أنا أعلم يا أبا شريح). كان عمرو فيه بعض التحامل، فتمادى به الطمع إلى رد قول أبي شريح، ولعمري إن أبا شريح كان أعلم بتأويل ما لو سمعه عمرو وغاب عنه أبو شريح فكيف ما سمعه أبو شريح، وقد كان ابن أبي مليكة حين حاصر الحصينُ بنُ نمير ابن الزبير يخرج إليهم فيعظهم ويقول لهم: ما استخف قوم بحرمة الحرم إلا أهلكهم الله، ويذكر لهم أن جرهم هوَّنوا بالحرم فأهلكهم الله، وأصحاب الفيل أحرقوا الكعبة فأتاهم نغف، فانصرفوا. وتمادى لعمرو أمره حَتَّى خرج عبد الملك إلى مصعب بن الزبير وجرت فتن.
9 - باب لَا يُنَفَّرُ صَيْدُ الحَرَمِ
1833 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ".
وَقَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِلَّا الإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ "إِلَّا الإِذْخِرَ". وَعَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا؟ هُوَ أَنْ يُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّلِّ، يَنْزِلُ مَكَانَهُ. [انظر: 1349 - مسلم: 1353 - فتح: 4/ 46]
ذكر فيه حديث ابن عباس: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ". إلى أن قال: "وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا".
وعن خالد عن عكرمة قال: هل تدري ما لا ينفر صيدها؟ هو أن ينحيه من الظل ينزل مكانه.
الشرح:
حديث ابن عباس أخرجه مسلم
(1)
. والإذخر: بالذال المعجمة نبت معروف يدخل في الطب، تقدم. والخلى مقصور يكتب بالياء وهو الرطب من الكلام، فإذا يبس كان حشيشًا، وقال ابن فارس وغيره: اليابس
(2)
. ووقع في رواية أبي الحسن مده.
ومعنى: ("لا يختلى خلاها"): لا يقطع، وقوله:"ولا تلتقط لقطته إلا لمعرَّف" وهو ظاهر للشافعي أنها لا تلتقط للتملك، وأنها تلتقط
(1)
مسلم (1353) كتاب: الحج، باب: تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد على الدوام.
(2)
"مجمل اللغة" 1/ 298 مادة خلو.
للحفظ، ويجب تعريفها قطعًا.
ومشهور مذهب مالك أنها كغيرها له حفظها وتملكها بعد ذَلِكَ
(1)
، وسأذكر حكم تنفير الصيد في الباب الآتي بعد
(2)
.
(1)
انظر: "مختصر ابن الحاجب" ص 294. وخالف أبو الوليد الباجي المذهب وقال: لا يتملك لقطتها للحديث. "المنتقى" 6/ 138.
(2)
في هامش الأصل: آخر 7 من 6 من تجزئة المصنف.
10 - باب لَا يَحِلُّ القِتَالُ بِمَكَّةَ
(1)
وَقَالَ أَبُو شُرَيْحٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَسْفِكُ بِهَا دَمًا". [انظر: 1832]
1834 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: "لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا، فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا". قَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِلَّا الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ. قَالَ: قَالَ: "إِلَّا الإِذْخِرَ". [انظر: 1349 - مسلم: 1353 - فتح: 4/ 46]
وقال أبو شريح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يُسفك بها دمًا" وهذا سلف مسندًا قريبًا
(2)
.
وذكر حديث ابن عباس قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: "لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ" إلى آخره، وقد أخرجه مسلم أيضًا
(3)
، ومعنى: لا هجرة. أي: من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، أولا هجرة فاضلة، قال الداودي: ذكر حديث صفوان بن المعطل أنه قيل له بعد الفتح: من لم يهاجر هلك، وإنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم قال:"انصرف الى مكة".
(1)
في هامش الأصل: ثم بلغ في الثامن بعد الثلاثين كتبه مؤلفه غفر الله له.
(2)
سلف برقم (1832).
(3)
مسلم (1353).
وقوله: "ولكن جهاد ونية". أي: إنما عليكم ذَلِكَ، لكن كلمة الله هي العليا، ثم بينه بقوله:"وإذا استنفرتم فانفروا" يريد: أن الجهاد بعد الفتح على الذين قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفَّارِ} [التوبة: 123] فإذا استنفر الإمام الناس ليتقوى بهم فلينفروا؛ وكذلك إن خشي من يلي الكفار عليهم فيجب على من يليهم النفر إليهم.
وقوله: ("هذا بلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض") يعني: كما حرمت المشهور الأربعة يوم ذاك فحرم مكة يومئذٍ كما حرم المشهور، وسبق ذَلِكَ في علمه.
والقين: الحداد هنا.
وفيه وما قبله البيان الواضح أن صيد الحرم حرام واصطياده، وذلك لأنه عليه السلام نهى عن تنفيره، فاصطياده أوكد في التحريم من تنفيره، فإذا نفره وأداه إلى هلاكه فعليه الجزاء، وإلا فلا شيء عليه غير التوبة، ولا خلاف في هذا بين الفقهاء.
وقد روي عن عطاء: أنه من أخذ طائرًا في الحرم ثم أرسله، قال: يطعم شيئًا لما نفره
(1)
، وقد روي عن عمر: أنه لا شيء في التنفير، وروى شعبة عن الحكم عن شيخ من أهل مكة: أن حمامًا كان على البيت فذرق على يد عمر فأشار عمر بيده، فطار فوقع على بعض بيوت مكة، فجاءت حية فأكلته، فحكم عمر على نفسه بشاة
(2)
، فلم
(1)
رواه عبد الرزاق 4/ 440 (8366).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 173 (13219) كتاب: الحج، في الرجل يصيب الطير من حمام مكة، والفاكهي في "أخبار مكة" 3/ 383 - 384 (2261)، وقد رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 415 (8268) كتاب: الحج، باب: الحمام وغيره من الطير يقتله المحرم، من طريق معمر عن جابر عن الحكم بن عتيبة، فذكره بلفظه.
ير عمر لما نفر الحمامة عليه شيئًا حَتَّى تلفت، ورأى أن تلفها كان من سبب تنفيره، وإنما استجاز عمر تنفيره من الموضع الذي كان واقفًا عليه مع علمه بأن تنفير صيده غير جائز، لأنه ذرق على يده فكان له طرده عن الموضع الذي يلحقه أذاه في كونه فيه، وكذلك كان عطاء يقول في معنى ذَلِكَ، قال ابن جريج: قلت لعطاء: كم في بيضة من بيض الحمام؟ قال: نصف درهم. ويحكم فيه، فقال له إنسان: بيضة وجدتها على فراشي أميطها عنه؟ قال: نعم. قال: وجدتها في سهوة أو في مكان من البيت، قال: لا تمطها
(1)
، فرأى عطاء أن المميط عن فراشه بيضة من بيض حمام الحرم غير حرج ولا لازم بإماطته إياها شيء؛ لأن في تركه إياها على فراشه عليه أذى، ولم ير جائزًا إماطتها عن الموضع الذي لا أذى عليه في كونها فيه، فكذلك كان فعل عمر في إطارته الحمامة التي ذرقت على يده في الموضع الذي كانت واقفة عليه.
وقال داود: من قتل صيدًا في الحرم فلا جزاء عليه، واتفق الفقهاء كما قال الطبري: أن نهيه عن اختلاء خلاها هو مما ينبت فيه مما أنبته الله تعالى، ولم يكن للآدمي فيه صنع، فأما ما أنبته الآدميون فلا بأس باختلائه.
واختلف السلف في الشرعي في خلاها: هل هو داخل في هذا النهي أم لا؟
فقال بعضهم: لا، ولا بأس به، وروي ذَلِكَ عن طاوس وعطاء ومجاهد وابن أبي ليلى إلا أنه لا يحبط، وحكى ابن المنذر مثله عن
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 418 (8286) كتاب: الحج، باب: بيض الحمام -مختصرًا- ورواه بتمامه الأزرقي في "أخبار مكة" 2/ 142، والفاكهي 3/ 386 - 387 (2269).
أبي يوسف والشافعي؛ وعلة ذَلِكَ أن النهي إنما ورد في الاختلاء دون الشرعي فيها، والراعي غير المختلي؛ لأن المختلي هو الذي يقطع الخلاء بنفسه، وقال آخرون: لا يجوز الرعي فيها؛ لأن الرعي أكثر من الاختلاء، هذا قول أبي حنيفة وصاحبيه قالوا: لو جاز ذَلِكَ جاز أن يحتمش منه إلا الإذخر خاصة.
وقال مالك: لا يحتش لدابته
(1)
، واعتلوا بالحديث، واختلاؤه استهلاك له، وإماتة وإرعاء المواشي فيه أكثر من احتشاشه في الاستهلاك، وأما جواز اجتناء الكمأة فلا صنع فيها لبني آدم؛ لأنه لا يقع عليها اسم شجر ولا حشيش، وفي إجماع الجميع: أنه لا بأس بشرب مياه آباره، والانتفاع بترابه للدليل الواضح أن ما أحدث الله في حرمه مطلق أخذه والانتفاع به كالكمأة؛ لأنها لا تستحق اسم كلأ ولا شجر، وإنما هي كبعض ما خلق الله فيها من الشجر والمدر والمياه إذ لا أصل لها ثابت.
وطلب العباس استثناء الإذخر يحتمل أن يكون تحريم مكة خاصة من تحريم الله، ويكون سائر ما ذكر في الحديث من تحريمه عليه السلام؛ فلذلك طلب استثناءه، ولو كان من تحريم الله ما استبيح منه إذخر ولا غيره، وقد يأتي في آية وفي حديث أشياء منها فرض، ومنها سنة، ومنها رغبة، ويكون الكلام فيها كلها واحدًا قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} الآية [النحل: 90] والعدل فرض، والإحسان والباقي سنن ورغائب، ومثله قوله عليه السلام: "إذا ركع فاركعوا،
(1)
انظر: "المبسوط" 4/ 104 - 105، "المنتقى" 3/ 82، "المجموع" 7/ 455 - 456، "الفروع 3/ 477 - 478.
وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد"
(1)
، والركوع فريضة، وقوله: ربنا ولك الحمد نافلة، ويحتمل أن يكون تحريم مكة وكل ما ذكر في هذا الحديث من تحريم الله تعالى، ويكون وجه استثنائه ذَلِكَ؛ لأن الرب تعالى أعلم نبيه في كتابه بتحليل المحرمات عند الضرورات كالميتة وغيرها، ثم أحلها بالآية الأخرى، وهو حسن.
وقوله: ("وأنه لا يحل القتال فيه لأحد قبلي") فيه الإبانة أن مكة غير جائز لأحد استحلالها ولا نصب الحرب عليها؛ لقتال أهلها بعدما حرمها الله ورسوله إلى قيام الساعة، وذلك أنه عليه السلام أخبر حين فرغ من أمر المشركين بها، وأنها لله تعالى حرم، وأنها لم تحل لأحد قبله ولا أحد بعده بعد تلك الساعة التي حارب فيها المشركين وأنها قد عادت حرمتها كما كانت فكان معلومًا بقوله هذا أنها لا تحل لأحد بعده بالمعنى الذي حلت له به، وذلك محاربة أهلها وقتالهم وردهم عن دينهم.
وأما قتال الحجاج وغيره لها، ونصب الحرب لها
(2)
، وأن القرمطي
(1)
سلف برقم (689) كتاب: الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، ورواه مسلم (411) كتاب: الصلاة، باب: ائتمام المأموم بالإمام. من حديث أنس، وفي الباب من حديث عائشة وأبي هريرة.
(2)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 5/ 228 - 229 مطولًا. ورواه هكذا الفاكهي في "أخبار مكة" 2/ 355 - 359 (1654)، ورواه العقيلي في "الضعفاء" 4/ 222 في ترجمة مشرح بن هاعان، بسنده إلى موسى بن داود قال: بلغني أن مشرح بن هاعان كان ممن جاء مع الحجاج، ونصب المنجنيق على الكعبة، ورواه الحاكم في "المستدرك" 3/ 557 بلفظ آخر من حديث مكحول قال: بينما أنا مع ابن عمر اذ نصب الحجاج المنجنيق على الكعبة .. الحديث.
الكافر قلع الحجر الأسود منها وأمسك سبعة عشر عامًا
(1)
، فوجهه: أن الحجاج وكل من نصب الحرب عليها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ذَلِكَ له مباحًا ولا حلالًا كما حل للشارع، وليس قوله:"قد عادت حرمتها كما كانت ولا يحل القتال بها لأحد بعدي" أن هذا لا يقع ولا يكون، وكيف يريد ذَلِكَ وقد أنذرنا أن ذا السويقتين من الحبشة يخربها حجرًا حجرًا
(2)
، وإنما معناه أن قتالها ونصب الحرب عليها حرام بعده على كل أحد إلى يوم القيامة، وأن من استباح ذَلِكَ فقد ركب ذنبًا عظيمًا، واستحل محرمًا شنيعًا.
فإن قلت: لو ارتد مرتد بمكة فمنع أهلها السلطان من إقامة الحد عليه أيجوز للسلطان حربهم وقتالهم حَتَّى يصل إلى من يجب عليه إقامة الحد؟
قلت: نعم، ولكن يجب على الإمام الاحتيال؛ لإخراجهم من الحرم حَتَّى يقيمه بالحصار ومنع الطعام ونحوه.
(1)
لزيادة بيان ينظر: "المنتظم" لابن الجوزي 6/ 221 - 225، و"الكامل" لابن الأثير 8/ 143 - 144، و"وفيات الأعيان" لابن خلكان 2/ 148 - 150، و"الوافي بالوفيات" للصفدي 15/ 363 - 366، و"البداية والنهاية" 11/ 190 - 193، و"سير أعلام النبلاء" 15/ 320 - 325.
(2)
سلف برقم (1591) باب: قول الله تعالى {جَعَلَ اللهُ الكَعبَةَ البيَتَ الحَرَامَ قيامًا لِلنَّاسِ} ، ورواه مسلم (2909) كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ..
11 - باب الحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ
وَكَوَى ابْنُ عُمَرَ ابْنَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَيَتَدَاوَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ.
1835 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: حَدَّثَنِي طَاوُسٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَقُلْتُ: لَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُمَا. [1938، 1939، 2103، 2278، 2279، 5691، 5694، 5695، 5699، 5700، 5701 - مسلم: 1202 - فتح: 4/ 50]
1836 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُحْرِمٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ. [5698 - مسلم: 1203 - فتح: 4/ 50]
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: حَدَّثَنِي طَاوُسٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَقُلْتُ: لَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُمَا.
ثم ذكر حديث ابن بُحَيْنَةَ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُحْرِم بِلَحْيِ جَمَلٍ فِي وَسَطِ رَأسِهِ.
الشرح:
حديث ابن عباس أخرجه مسلم والأربعة
(1)
، زاد البخاري: واحتجم وهو صائم. ولما خرج هذِه الزيادة النسائي عن محمود بن
(1)
مسلم (1202)، أبو داود (2373)، الترمذي (775 - 777)، النسائي (5/ 193)، ابن ماجه (1682، 3081).
غيلان: ثنا قبيصة عن الثوري، عن حماد، عن سعيد، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم. قال: هذا خطأ، لا نعلم أن أحدًا رواه عن سفيان، عن قبيصة. وقبيصة كثير الخطأ، وقد رواه أبو هاشم، عن حماد مرسلًا
(1)
، ورواه الحميدي، عن ابن عيينة: حَدَّثَنَا بهذا الحديث عمرو بن مرة قال فيه: سمعت عطاء يقول سمعت ابن عباس، ومرة سمعته يقول: سمعت طاوسًا يحدث عن ابن عباس، فلا أدري أسمعه عمرو منهما أو كانت إحدى الروايتين وهمًا
(2)
. وفي لفظ ابن أبي عمر، عن سفيان فقلت لعمرو: إنما كنت تحدثناه، عن عطاء، عن ابن عباس، فقال: اسكت يا بني لم أغلط، كلاهما حَدَّثَني بهذا. وللحاكم: احتجم وهو محرم على رأسه، ثم قال: صحيح على شرطهما، وهو مخرج بإسناده فيهما بدون ذكر الرأس
(3)
.
وحديث ابن بحينة أخرجه مسلم بلفظ: احتجم بطريق مكة وهو محرم في وسط رأسه
(4)
، وفي تعليق البخاري من شقيقة كانت به
(5)
، ولابن ماجه من حديث أبي الزبير عن جابر أنه عليه السلام احتجم وهو محرم، من وهصة أخذته
(6)
، ولابن أبي شيبة من وثءٍ كان بصلبه.
(1)
"سنن النسائي الكبرى"(2/ 235).
(2)
"مسند الحميدي" 1/ 443 (508 - 509).
(3)
"المستدرك" 1/ 453.
(4)
مسلم (1203).
(5)
يأتي برقم (5701) كتاب: الطب، باب: الحجم من الشقيقة والصداع.
(6)
ابن ماجه (3082) كتاب: المناسك، باب: الحجامة للصائم، ورواه أيضًا ابن خزيمة 4/ 188 (2261)، وأبو الشيخ الأنصاري في "طبقات المحدثين بأصبهان" 3/ 623 (772)، وقال البوصيري في "الزوائد" ص: 405: إسناده فيه مقال، محمد بن أبي الضيف لم أر من ضعفه، وباقي رجال الإسناد ثقات، والحديث صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(2502).
وللنسائي من وثءٍ كان بظهره أو وركه
(1)
، وفي "سنن أبي قرة" من حديث سفيان: حَدَّثَنَا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم.
فائدة:
الحاجم هو أبو طيبة، قال ابن سعد في "الطبقات": حجمه أبو طيبة لثمان عشرة من رمضان نهارًا، من حديث جابر، ومن حديث ابن عباس: احتجم بالقاحة وهو صائم محرم. وفي لفظ: محرم من أكلةٍ أكلها من شاة سمتها امرأة من أهل خيبر. وفي حديث بكير بن الأشج: احتجم في القمحدوة
(2)
. وفي حديث عبد الله بن عمر بن عبد العزيز: كان سمها منفذًا
(3)
. وفي حديث أنس: المغيثة
(4)
. وفي الحاكم على شرطهما من حديث أنس أنه عليه السلام احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به
(5)
، و (لحي جمل) بفتح اللام، وحكى صاحب "المطالع" كسرها وسكون الحاء المهملة والجيم
(1)
النسائي في "الكبرى" 2/ 236 (3234).
(2)
"طبقات ابن سعد" 1/ 443 - 445، 447.
(3)
رواه ابن سعد 1/ 447، وابن أبي شيبة 5/ 38 (23492) وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(2758).
(4)
رواه ابن سعد 1/ 447، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(3517).
(5)
"المستدرك" 1/ 453 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة. عن أنس به.
ورواه من هذا الطريق أبو داود (1837) كتاب: المناسك، باب: المحرم يحتجم، والنسائي 5/ 194، وأحمد 3/ 164، وأبو يعلى 5/ 381 (3041)، وابن خزيمة 4/ 187 (2659)، وابن حبان 9/ 267 (3952)، والبغوي في "شرح السنة" 7/ 258 (1986)، والضياء في "المختارة" 7/ 11 - 12 (2381 - 2384). قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذِه الزيادة، وأقره الذهبي. =
مفتوحة، ثم ميم، ثم لام: موضع بين المدينة ومكة، وهو إلى المدينة أقرب، احتجم به في حجة الوداع، وهو غير لحي جمل الذي بين المدينة وفيد، ذكره الحازمي وياقوت
(1)
، وزعم أبو عبيد أنه ما في رسم العقيق، وهو بئر جمل الذي ورد ذكرها في حديث أبي الجهيم: أقبل عليه السلام من نحو بئر جمل، فذكر مسح وجهه ويديه بالجدار
(2)
.
وقال صاحب "المطالع": هي عقيبة الجَحْفة على سبعة أميال من السقيا، قال: ورواه بعضهم لحيي جمل بالتثنية، قال في "الموطأ": لحي جمل بطريق مكة
(3)
، وجزم به ابن بطال
(4)
، ولم يحكِ غيره.
وقوله: (فِي وَسَطِ رَأْسِهِ) بيان لموضعها؛ لاختلافها باختلاف مواضعها، وفي حديث "الموطأ": احتجم فوق رأسه بلحيي جمل.
وروي أنه قال: إنها شفاء من النعاس والصداع والأضراس
(5)
.
= وقال أبو داود: سمعت أحمد قال: ابن أبي عروبة أرسله، يعني: عن قتادة.
قال الحافظ في "الفتح" 10/ 154 معقبًا: رجاله رجال الصحيح، إلا أن أبا داود حكى عن أحمد أن سعيد بن أبي عروبة رواه عن قتادة فأرسله، وسعيد أحفظ من معمر، وليست هذِه بعلة قادحة. وانظر:"صحيح أبي داود"(1611).
(1)
"معجم البلدان" 5/ 15.
(2)
سلف برقم (337) كتاب: التيمم، باب: التيمم في الحضر، ورواه مسلم (369) معلقًا.
(3)
"الموطأ" ص 230.
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 506.
(5)
روي من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري وابن عمر وأم سلمة.
حديث ابن عباس رواه الطبري في "تهذيب الآثار" 2/ 132 (1334)، والطبراني 11/ 29 (10938) من طريق عمر بن رياح، نا ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس مرفوعًا به. ومن هذا الوجه رواه ابن عدي في "الكامل" 6/ 105، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل" المتناهية" 2/ 394 - 395 (1469). =
وقال الليث: ليست في وسط الرأس، إنما هي في فأس الرأس، وأما التي في وسط الرأس فربما أعمت، وإنما بيَّن أنها في الرأس؛ لما تحتاج إليه من حلق فربما قتلت شيئًا من الدواب.
= قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، عمر بن رياح، قال الفلاس: دجال، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن عدي: يروي عن ابن طاوس البواطيل ما لا يتابعه أحد عليه أ. هـ بتصرف، وقال الهيثمي 5/ 93: فيه: عمر بن رياح، وهو متروك. وضعفه الحافظ في "الفتح" 10/ 152.
ورواه العقيلي في "الضعفاء" 1/ 83، والطبراني 11/ 187 (11446)، وابن عدي 7/ 179 من طريق قدامة بن محمد الأشجعي، ثنا إسماعيل بن شبيب الطائفي عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. قال الألباني في "الضعيفة" (3513): موضوع.
وأما حديث أبي سعيد الخدري فرواه الحاكم 4/ 210 عن أبي موسى عيسى بن عبد الله الخياط، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي سعيد مرفوعًا بلفظ:"المحجمة التي في وسط الرأس من الجنون والجزام والنعاس"، وكان يسميها منقذة. وقال: صحيح الإسناد! ورده الذهبي بقوله: عيسى في "الضعفاء" لابن حبان وابن عدي.
قال الألباني في "الضعيفة"(3513) وقد أورد هذا الحديث بعد حديث ابن عباس السالف، قال: عيسى بن عبد الله الخياط، قال فيه ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. ورواه الطبراني في "الأوسط" 5/ 42 (4623) من حديث محمد بن كعب القرظي عن أبي سعيد مرفوعًا، بلفظ الحاكم.
وأما حديث ابن عمر فرواه الطبراني 12/ 291 (13150)، وفي "الأوسط" 5/ 16 (4547) عن عبد الله بن محمد العُبادي: نا مسلم بن سالم: نا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن سالم، عن ابن عمر مرفوعًا.
قال الهيثمي 5/ 93: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه: مسلمة بن سالم الجهيني، ويقال: مسلم بن سالم، وهو ضعيف. وقال الألباني في "الضعيفة" (3516): إسناده ضعيف جدًّا.
وأما حديث أم سلمة فرواه الطبراني 23 (667) إلا أنه قال: والصداع -مكان- والضرس. وانظر "الضعيفة"(3516).
قال الداودي: لا يحلق الشعر وإنما يجعل على الشعر الخطمي وشبهه؛ لتمسك المحاجم. وقال غيره: يحلق وإن قتل الدواب، وذلك كله مباح للضرورة عند مالك.
واختلف العلماء في الحجامة للمحرم، فرخص فيها عطاء ومسروق إبراهيم وطاوس والشعبي
(1)
، وهو قول الثوري والشافعي وأحمد إسحاق؛ أخذًا بظاهر حديث الباب، وقالوا: ما لم يقطع الشعر
(2)
.
وقال قوم: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة، روي ذَلِكَ عن ابن عمر
(3)
، وبه قال مالك
(4)
. وحجة هذا القول أن بعض الرواة يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم؛ لضرر كان به، رواه هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما احتجم وهو محرم في رأسه؛ لأذى كان به
(5)
، ورواه حميد الطويل عن أنس قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان به
(6)
.
ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز له حلق شيء من شعره حَتَّى يرمي جمرة العقبة يوم النحر إلا من ضرورة، وأنه إن حلقه من ضرورة فعليه الفدية التي قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على كعب بن عجرة
(7)
، فإن لم يحلق المحتجم شعرًا فهو كالعرق يقطعه أو الدمل يبطه أو القرحة ينكؤها ولا يضره ذَلِكَ، ولا شيء عليه عند جماعة
(1)
رواه عنهم ابن أبي شيبة 3/ 306 (14588، 14591 - 14592).
(2)
انظر: "البيان" 4/ 205، "المغني" 5/ 126.
(3)
رواه الشافعي في "المسند"(834)، والبيهقي في "المعرفة" 7/ 179 (9735).
(4)
انظر: "المنتقى" 2/ 240.
(5)
يأتي بهذا الإسناد برقم (5700).
(6)
رواه أحمد 3/ 267، وابن خزيمة 4/ 187 (2658)، والضياء في "المختارة" 6/ 44 - 45 (2012 - 2014)
(7)
سلف حديث كعب برقم (1814).
العلماء، وعند الحسن البصري: عليه الفدية
(1)
.
وقال ابن التين: الحجامة ضربان، موضع يحتاج إلى حلق الشعر؛ فيفتدي من فعله، والأصل جوازه؛ لهذا الخبر، وفي الفدية قوله تعالى:{فَمَن كاَنَ مِنكُم مَّرِيضًا} الآية [البقرة: 196]. وموضع يحتاج إلى حلق في غير الرأس فيفتدي. قال عبد الملك في "المبسوط": شعر الرأس والجسد سواء، وبه قال أبو حنيفة والشافعي
(2)
. وقال أهل الظاهر: لا فدية عليه إلا أن يحلق رأسه
(3)
.
فإن كانت في موضع لا يحتاج إلى حلق، فإن كانت لضرورة جازت ولا فدية، وإن كانت لغير ضرورة فمنعه مالك، وأجازه سحنون، وروي نحوه عن عطاء، فإن قلنا: هو ممنوع ففعل لغير ضرورة. قال ابن حبيب: لا فدية عليه. وروى نافع، عن ابن عمر: يفتدي
(4)
. قال مالك: ويبط المحرم خُراجه، ويفقأ دُمَّله، ويقطع عرقًا إن احتاج إلى ذَلِكَ
(5)
.
وفيه من الفقه: أن للمحرم إذا احتاج إلى إخراج دمه بالاحتجام والفصد ما لم يقطع شعرًا، وأن له العلاج بكل ما عرض له من علة في جسده بما رجي دفع مكروهها عنه من الأدوية بعد أن لا يأتي في ذَلِكَ، ما هو محظور عليه في حال إحرامه، ثم لا يلزمه بكل ما فعل من ذَلِكَ فدية، ولا كفارة، وكذلك لو بط له دملًا، وقلع ضرسًا إن اشتكاه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في حال إحرامه لحاجته إلى ذَلِكَ ثم
(1)
"الإجماع" لابن المنذر ص 46 (175 - 167).
(2)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 69، "الأشراف" لعبد الوهاب 1/ 277، "روضة الطالبين" 3/ 135.
(3)
"المحلى" 7/ 211.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 307 (14596).
(5)
"النوادر والزيادات" 2/ 355.
لم ينقل عنه ناقل أنه حظر ذَلِكَ على أحد من أمته، ولا أنه افتدى، فبان بذلك أن كل ما كان نظير الحجامة التي هي إخراج الدم من جسده فله فعله، ونظيره قلع الضرس وبط الجرح، وفصد العرق، وقطع الظفر الذي انقلع فتعلق فآذى صاحبه أن على المحرم قلعه، ولا فدية.
وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن للمحرم أن يزيل عن نفسه ما انكسر من أظفاره، وأجمعوا أنه ممنوع من أخذ أظفاره
(1)
وذكر عن الكوفيين: أن المحرم إذا أصابه في أظافيره أذى يقصها، وكفر بأي الكفارات شاء.
وقال أبو ثور: فيها قولان أحدهما: قول الكوفيين، والثاني: لا شيء عليه بمنزلة الظفر ينكسر
(2)
. وقال ابن القاسم: لا شيء عليه، وإذا أراد أن يداوي قرحة فلم يقدر على ذَلِكَ إلا أن يقلم أظفاره
(3)
.
قال ابن عباس: إذا أوجعه ضرسه ينزعه، فإن الله لا يصنع بأذاكم شيئًا
(4)
، وكذلك إذا انكسر ظفره
(5)
، وقاله عطاء إبراهيم وسعيد بن المسيب
(6)
، وقال عطاء: ينتقش الشوكة من رجله، ويداوي جرحه.
وقال الحسن؛ إن أصابته شجة فلا بأس أن يأخذ ما حولها من الشعر، ثم يداويها بما ليس فيه طيب.
(1)
"الإجماع" لابن المنذر ص 50.
(2)
انظر: "المبسوط" 4/ 72 - 73، "البيان" 4/ 216، "المغني" 5/ 388 - 389، "المحلى" 7/ 213.
(3)
"النوادر والزيادات" 2/ 355.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 131 (12769) بمعناه.
(5)
السابق 3/ 129 (12752).
(6)
انظر: "المصنف" 3/ 130 - 131 (12756، 12759، 12767، 12771).
12 - باب تَزْوِيجِ المُحْرِمِ
1837 -
حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيرَةِ عَبْدُ القُدُّوسِ بْنُ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. [4258، 4259، 5114 - مسلم: 1410 - فتح: 4/ 51]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
هذا الحديث أخرجه مسلم
(1)
، زاد إلبخاري في موضع آخر: وهو في عمرة القضاء، وبنى بها وهو حلال، وماتت بسرف
(2)
، وقال فيه أيضًا: زاد ابن إسحاق: حَدَّثَني ابن أبي نجيح وأبان بن صالح، عن عطاء ومجاهد، عن ابن عباس: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة في عمرة القضاء
(3)
، وهذا التعليق أسنده النسائي، عن هناد، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة إلى ابن إسحاق فذكره
(4)
، وأسنده الحاكم في "إكليله" من حديث يونس، عن ابن إسحاق، وأخرجه النسائي من حديث عمرو بن علي، عن أبي عاصم، عن عثمان بن الأسود، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج وهو محرم، قال عمرو: قلت لأبي عاصم: أنت أمليت هذا علينا من الرقعة، ليس فيه عائشة. قال: دع عائشة حَتَّى أنظر فيه
(5)
.
(1)
مسلم (1410) كتاب: النكاح، باب: تحريم نكاح المحرم.
(2)
سيأتي برقم (4258) كتاب: المغازي، باب: غزوة زيد بن حارثة.
(3)
يأتي برقم (4259).
(4)
النسائي في "الكبرى" 2/ 231 (3202).
(5)
السابق 3/ 289 (5409).
ورواه الطحاوي من حديث أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه وهو محرم
(1)
. ثم قال: نقلة هذا الحديث كلهم ثقات يحتج برواياتهم
(2)
. وهو رد على قول ابن عبد البر: ما أعلم أحدًا من الصحابة روى أنه تزوج وهو محرم إلا ابن عباس
(3)
.
ولابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس، عن ابن جريج، عن عطاء قال: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم. وعن أبي الضحى، عن مسروق أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج وهو محرم
(4)
. وللدارقطني من حديث أبي صالح عن أبي هريرة: تزوجها وهو محرم
(5)
.
واختلف العلماء في تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بميمونة، فروى ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم. وروي أنه تزوجها وهو حلال، أخرجاه من حديث ميمونة
(6)
. قال يزيد بن الأصم: وكانت خالتي
(1)
"شرح معاني الآثار" 2/ 269. ورواه أيضًا النسائي في "الكبرى" 3/ 288 - 289 (5408)، وابن حبان 9/ 440 (4132) كتاب: النكاح، باب: حرمة المناكحة، والبيهقي 7/ 212 - 213 كتاب: النكاح، باب: نكاح المحرم، وأعله بالإرسال، قال الحافظ في "الفتح" 9/ 166: وهذا ليس بقادح.
قال الألباني في "صحيح موارد الظمآن"(1063): صحيح لغيره دون قوله الأول: وهو محرم.
(2)
"شرح معاني الآثار" 2/ 271.
(3)
"التمهيد" 3/ 153.
(4)
"المصنف" 3/ 148 (12956، 12964) كتاب: الحج، في المحرم يتزوج، من رخص في ذلك.
(5)
الدارقطني 3/ 263، ورواه أيضًا الطحاوي 2/ 270، وصححه الحافظ في "الفتح" 4/ 52.
(6)
قلت: هذا الحديث لم يخرجه البخاري، بل انفرد به مسلم (1411) كتاب: النكاح، باب: تحريم نكاح المحرم وكراهية خطبته.
وخالة ابن عباس
(1)
. ولأحمد: تزوجني حلالًا وبنى بي حلالًا، واستغربه الترمذي
(2)
، وحسن حديث أبي رافع مثله بزيادة: وكنت السفير بينهما
(3)
، والروايات في ذَلِكَ متواترة عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
، وعن سليمان بن يسار وهو مولاها
(5)
، وعن يزيد بن
(1)
مسلم (1411).
(2)
الترمذي (845) كتاب: الحج، باب: ما جاء في الرخصة في تزويج المحرم.
والحديث رواه مسلم (1411) بإسناد آخر، وانظر "صحيح أبي داود"(1616).
(3)
الترمذي (841) كتاب: الحج، باب: ما جاء في كراهية تزويج المحرم.
(4)
رواه الترمذي (841) كتاب: الحج، باب: ما جاء في كراهية تزويج المحرم، وأحمد 5/ 392 - 393، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 1/ 337 (461)، والنسائي في "الكبرى" 3/ 288 (5402)، والروياني 2/ 467 (703)، والطحاوي في "شرح المعاني" 2/ 270، وابن حبان 9/ 438 (4130)، 9/ 442 - 443 (4135)، والطبراني 1/ 310 (915)، والدارقطني 2/ 262 - 263، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 264، والبيهقي 5/ 66، 7/ 211، والخطيب في "الموضح" 2/ 79، وابن عبد البر في "التمهيد" 3/ 152، والبغوي في "شرح السنة" 7/ 252 (1982) من طريق مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع، به.
قال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: لا أعلم روى عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال غير مطر الوراق أ. هـ "العلل الكبير" 1/ 378، وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي".
(5)
رواه مالك 1/ 592 (1536) كتاب: النكاح، باب: ما جاء في نكاح المحرم، وابن سعد 8/ 133، والطحاوي 2/ 270 من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع .. الحديث -هكذا مرسلًا.
سئل الدارقطني عن حديث سليمان بن يسار عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالًا. =
الأصم وهو ابن أختها
(1)
، وجمهور علماء المدينة يقولون: لم ينكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة إلا وهو حلال. وروى مالك، عن ربيعة، عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلًا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج
(2)
.
= فقال يرويه ربيعة بن أبي عبد الرحمن واختلف عنه فرواه مطر الوراق، عن ربيعة، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع متصلًا.
وكذلك رواه بشر بن السري، عن مالك بن أنس، عن ربيعة، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع، وخالفه أصحاب مالك فرووه عن مالك، عن ربيعة، عن سليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث أبا رافع، مرسلًا. وحديث مطر وبشر السري متصلًا، وهما ثقتان.
أ. هـ "علل الدارقطني" 7/ 13 - 14 (1175).
وقال ابن عبد البر: الحديث رواه مطر الوراق عن ربيعة، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع، وذلك عندي غلط من مطر؛ لأن سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين، وقيل سنة سبع وعشرين، ومات أبو رافع بالمدينة بعد قتل عثمان بيسير. وكان قتل عثمان رضي الله عنه في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وغير جائز ولا ممكن أن يسمع سليمان بن يسار من أبي رافع، ومن الممكن أن يسمع سليمان بن يسار من ميمونة، لما ذكرنا من مولده؛ ولأن ميمونة مولاته، ومولاة أخوته أعتقتهم، وولاؤهم لها وتوفيت ميمونة سنة ست وستين، وصلى عليها ابن عباس، فغير نكير أن يسمع منها، ويستحيل أن يخفى عليه أمرها، وهو مولاها، وموضعه من الفقه موضعه. أ. هـ "التمهيد"، 3/ 151.
وقال الحافظ: الحديث تعقبه ابن عبد البر بالانقطاع، بأن سليمان لم يسمع من أبي رافع، ولكن وقع التصريح بسماعه منه في "تاريخ ابن أبي خيثمة" في حديث نزول الأبطح، ورجح ابن القطان اتصاله، ورجح أن مولد سليمان سنة سبع وعشرين، ووفاة أبي رافع سنة ست وثلاثين، فيكون سنه ثمان سنين أو أكثر. أ. هـ. "تلخيص الحبير" 3/ 50. وانظر:"الإرواء"(1849).
(1)
رواه مسلم (1411) كتاب النكاح. باب: تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته.
(2)
"الموطأ" 1/ 592 (1536) كتاب: النكاح، باب: ما جاء في نكاح المحرم.
واختلف الفقهاء في ذَلِكَ من أجل اختلاف الآثار، فذهب أهل المدينة إلى أن المحرم لا ينكح ولا يُنكح غيره، فإن فعل فالنكاح باطل، وروي ذَلِكَ عن عمر وعثمان وابنه أبان وعلي وزيد بن ثابت وابن عمر، وبه قال سعيد بن المسيب وسالم وسليمان بن يسار
(1)
ومالك والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد
(2)
. وفي أفراد مسلم من حديث عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب"
(3)
، وأبعد من قال في الاعتذار عن البخاري كونه لم يخرجه
(4)
: راويان: نبيه وأبان بعن ولم يصرحا بالتحديث
(5)
، ففي مسلم التصريح بإخبار أبان بن عثمان. نعم قال أحمد: لم يسمع منه وذهب الثوري والكوفيون؛ إلى أنه يجوز للمحرم أن ينكح وينكح
غيره، وهو قول ابن مسعود وابن عباس وأنس، ذكره الطحاوي
(6)
، وروي عن القاسم بن محمد والنخعي
(7)
، وروي عن معاذ، وحجتهم: حديث ابن عباس وقالوا: الفروج لا تحل إلا بنكاح أو شراء. والأمة
(1)
انظرها في: "مسند الشافعي" 2/ 218 - 219، و"المصنف" 3/ 149، و"سنن البيهقي" 5/ 66.
(2)
انظر: "المنتقى" 2/ 238، "روضة الطالبين" 3/ 144، "المغني" 5/ 162.
(3)
مسلم (1409) كتاب: النكاح، باب: تحريم نكاح المحرم وكراهية خطبته.
(4)
ورد بهامش الأصل: قال العلائي في "المراسيل": ذكر ابن أبي حاتم في "المراسيل" عن أبي بكر الأثرم أنه سأل أحمد بن حنبل: أبان سمع من أبيه؟ قال: لا، من أين سمع منه. انتهى. وفي "صحيح مسلم" التصريح بسماعه من عثمان غير مرة، وكذا صرح بالإخبار أيضا.
(5)
ورد بهامش الأصل: يعني ابن وهب فإنه يرويه عن أبان وفي "صحيح مسلم" التصريح بسماعه منه في الحديث نفسه.
(6)
"شرح معاني الآثار" 2/ 2، ورواه ابن أبي شيبة 3/ 148.
(7)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 148 (12958 - 12959).
مجمعة على أن المحرم يملك ذَلِكَ بشراءٍ وهبة وميراث في حال إحرامه، ولا يبطل ملكه، فكذلك إذا ملكه بنكاح لا يبطل ملكه قياسًا على الشراء، قاله الطبري، قال: والصواب عندنا أن نكاح المحرم فاسد يجب فسخه؛ لصحة الخبر عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذَلِكَ
(1)
، وخبر ابن عباس: أنه عليه السلام تزوجها وهو محرم، فقد عارضهم فيه غيرهم من الصحابة، وقالوا: تزوجها وهو حلال فلم يكن قول من قال تزوجها وهو محرم أولى بالقبول من الآخر.
وقد قال سعيد بن المسيب: وَهِم ابن عباس -وإن كانت خالته- ما تزوجها إلا بعدما أحل
(2)
. قال ابن عُلية: حَدَّثَنَا أيوب قال: أنبئت أن الاختلاف إنما كان في نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث العباس بين يديه؛ لينكحها إياه فأنكحه، قال بعضهم: أنكحها قبل أن يحرم
(3)
، وقال بعضهم: بعدما أحرم. وقد ثبت أن عمر وعليًّا وزيدًا فرقوا بين محرم نكح وبين امرأته
(4)
، ولا يكون هذا إلا عن صحة ويقين.
وأما قياسهم النكاح على الشراء فإن الذين أفسدوا نكاح المحرم لم يفسدوه من جهة القياس والاستنباط فتلزمهم المقاييس والأشباه، وإنما أفسدوه من جهة الخبر الوارد بالنهي عنه فالذي ينبغي لمخالفيهم أن يناظروهم من جهة الخبر، فإن ثبت لزمهم التسليم له، وإن بطل
(1)
رواه مسلم (1409).
(2)
رواه البيهقي 7/ 212.
(3)
حديث عمر رواه مالك في "الموطأ" 1/ 463 (1178)، والدارقطني 3/ 260، والبيهقي 7/ 213، وصححه الألباني في "الإرواء"(1038).
(4)
وحديث علي وزيد رواهما البيهقي 7/ 213.
صاروا حينئذٍ إلى استخراج الحكم فيه من الأمثال والأشباه، فأما والخبر ثابت بالنهي عن ذَلِكَ فلا وجه لمقايسة فيه.
وفي "طبقات ابن سعد" عن ميمون بن مهران قال: كنت جالسًا عند عطاء فسأله رجل: هل يتزوج المحرم؟ فقال عطاء: ما حرم الله النكاح منذ أحله. قال ميمون: فذكرت له حديث يزيد بن الأصم: تزوجها وهو حلال -يعني:- ميمونة. فقال عطاء: ما كنا نأخذ هذا إلا عن ميمونة، وكنا نسمع أنه تزوجها وهو محرم، وعن الشعبي: أنه عليه السلام تزوجها وهو محرم، وعن مجاهد وأبي يزيد المديني: أنه عليه السلام تزوجها وهو محرم
(1)
.
قال ابن أبي شيبة: وممن كان لا يرى بأسًا أن يتزوج المحرم: إبراهيم النخعي والقاسم بن محمد والحكم وحماد وعطاء وعبد الله بن عباس وإبراهيم، عن ابن مسعود مثلهم
(2)
. وذكر الطحاوي عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر، وقال: سألت أنس بن مالك عن نكاح المحرم فقال: ما به بأس، هل هو إلا كالبيع؟!
(3)
وذكره ابن حزم أيضًا عن معاذ بن جبل وعكرمة وسفيان -وهو قول أبي حنيفة- قال: وصح عن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت فسخ نكاح المحرم إذا نكح
(4)
. روى مالك في "الموطأ" عن أبي غطفان بن طريف أن أباه تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر نكاحه
(5)
، قال: وصح عن ابن عمر من طريق حماد بن
(1)
"طبقات ابن سعد" 8/ 134، 136 - 137. وقد روى الآثار المذكورة بسنده.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 148 (12957 - 12959) كتاب: الحج، في المحرم يتزوج، من رخص في ذلك.
(3)
"شرح معاني الآثار" 2/ 273 كتاب: المناسك، باب: نكاح المحرم.
(4)
"المحلى" 7/ 198.
(5)
"الموطأ" ص 229.
سلمة، عن أيوب، عن نافع عنه أنه قال: المحرم لا ينكح ولا ينكح، ولا يخطب على نفسه، ولا على سواه. وروينا عن علي: لا يجوز نكاح المحرم، وإن نكح نزعنا منه امرأته
(1)
، وهو قول ابن شهاب
وابن المسيب
(2)
، وبه يقول مالك والشافعي وأبو سليمان، وأصحابهم محتجين بحديث ميمونة
(3)
، وقد سلف.
قال ابن حزم: يقول من أجاز نكاح المحرم: لا يعدل يزيد بن الأصم الأعرابي بابن عباس، قالوا: وقد يخفي على ميمونة كونه عليه السلام محرمًا، فالمخبر بكونه كان محرمًا معه زيادة علم. وخبر ابن عباس وارد بزيادة حكم فهو أولى، وقالوا في خبر عثمان: معناه لا يوطئ غيره ولا يطؤه ليس بشيء. وأما تأويلهم في خبر عثمان فقد بينه قوله: "ولا يخطب" فصح أنه أراد النكاح الذي هو العقد، وأما ترجيحهم ابن عباس على يزيد فنعم، والله لا يقرن يزيد بعبد الله ولا كرامة، وهذا تمويه منهم؛ لأن يزيد إنما رواه عن ميمونة، وروى أصحاب ابن عباس عن ابن عباس، فليسمعوا الآن إلى الحق، ونحن لا نقرن، ابن عباس (صغير)
(4)
من الصحابة إلى ميمونة أم المؤمنين، ولكن نعدل يزيد إلى أصحاب ابن عباس، ولا نقطع بفضلهم
(5)
.
قلت: إن كان يزيد رواه عن خالته، فابن عباس يجوز أن يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يرويه عن أبيه الذي ولي عقدة النكاح بمشهد من
(1)
رواه البيهقي 5/ 66، 7/ 213.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 149 (12974 - 12976).
(3)
"المحلى" 7/ 199.
(4)
كذا بالأصل، وفي "المحلى" (7/ 199): صبيًّا.
(5)
المصدر السابق.
عبد الله ومرأى، أو رواه عن خالته المرأة العاقلة، فقدمت روايته على رواية يزيد؛ لاختصاصه وضبطه وعلمه، وقد أسلفنا لعبد الله متابعين وليس ليزيد عن خالته بمتابع.
وقال المروذي: سألت أحمد عن نكاح المحرم فقال: أذهب فيه إلى حديث عثمان، قلت: إن أبا ثور قال لي: بأي شيء تدفع حديث ابن عباس. فقال: الله المستعان
(1)
.
قال
(2)
: وأما قولهم: قد يخفي على ابن عباس إحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من إحرامه، فالمخبرة بكونه قد أحل زائدة علمًا. وأما قولهم: خبر ابن عباس وارد لحكم زائد، فليس كذلك، بل خبر عثمان هو الزائد الحكم، فبقي أن نرجح خبر عثمان وخبر ميمونة على خبر ابن عباس، فنقول: خبر يزيد عنها هو الحق، وقول ابن عباس وَهَمٌ لا شك فيه؛ لوجوه:
أولها: أنها هي أعلم بنفسها منه.
ثانيها: أنها كانت إذ ذاك امرأة كاملة، وكان ابن عباس يومئذٍ ابن عشرة أعوام وأشهر، فبين الضبطين فرق لا يخفي.
ثالثها: أنه إنما تزوجها في عمرة القضاء، هذا ما لا يختلف فيه اثنان، ومكة يومئذٍ دار حرب، وإنما هادنهم على أن يدخلها معتمرًا، ويبقى فيها ثلاثة أيام فقط ثم يخرج، فأتى من المدينة محرمًا بعمرة ولم يقدم شيئًا، إذ دخل على الطواف والسعي، وتم إحرامه في الوقت، ولم يشك أحدٌ في أنه صح إنما تزوجها بمكة حاضرًا لها
(1)
أورد الرواية شيخ الإسلام في "شرح العمدة" 2/ 195. وفيها: أذهب إلى حديث نبيه بن وهب.
(2)
القائل هو ابن حزم.
لا بالمدينة، فصح أنها بلا شك إنما تزوجها بعد تمام إحرامه، لا في حال طوافه وسعيه، فارتفع الإشكال جملة، وبقي خبر عثمان وميمونة لا معارض لهما، ثم لو صح خبر ابن عباس بيقين، ولم يصح خبر ميمونة لكان خبر عثمان هذا الزائد الوارد بحكم لا يحل خلافه؛ لأن النكاح قد أباحه الله في كل حال، ثم لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ينكح المحرم كان بلا شك ناسخًا للحال المتقدمة من الإباحة، لا يمكن غير ذَلِكَ أصلًا، وكان خبر ابن عباس منسوخًا بلا شك؛ لموافقته للحال المنسوخة بيقين
(1)
.
قلت: روى مالك، عن ربيعة، عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع ورجلًا من الأنصار يزوجانه ميمونة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج
(2)
، وهذا يبعد احتمال أنهما زوجاه إياها وهو متلبس بالإحرام في طريقه إلى مكة، ولما حل بني بها كما سبق عن أبي رافع: وكنت السفير بينهما. لأنه لم يطلع إلا على حال باشرها بنفسه؛ لأنه فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حلالان، فجاء بالزوجة إليه وهما حلالان، ولم يتعرض لما بين ذَلِكَ؛ إذ قوله بالمدينة قبل أن يخرج، صريح في خلاف ذَلِكَ، وأنه حلال؛ لأنه لم يحرم إلا بعد خروجه من المدينة. وفي "الطبقات": أنهما أضلَّا بعيريهما إلى أن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى إلى بيت العباس، فأنكحه إياها
(3)
.
وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرًا في ذي القعدة، فلما بلغ موضعًا ذكره، بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه
(1)
"المحلى" 7/ 200 بتصرف.
(2)
"الموطأ" ص 229.
(3)
"الطبقات الكبرى" 8/ 132.
إلى ميمونة يخطبها عليه، فجعلت أمرها إلى العباس، فزوجها منه
(1)
،
وقد أوضح ذَلِكَ أبو عبيدة في كتاب "الزوجات": توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي مكة معتمرًا سنة سبعٍ، وقدم جعفرًا يخطب عليه ميمونة، فجعلت أمرها إلى العباس، فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، وبنى بها بسرف وهو حلال.
وأجاب بعض أصحابنا فقال: المراد وهو محرم، أي: في الحرم وهو حلال؛ لأنه يقال لمن هو في الحرم: محرم، وإن كان حلالًا، وهي لغة شائعة معروفة، ومنه البيت المشهور:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرمًا
(2)
وعورض بأن كسرى قتل بالمدائن من بلاد فارس.
وقد قال الشاعر:
قتلوا كسرى بليل محرمًا
(3)
أو أراد بمحرم: في الأشهر الحرم. وأجيب أيضًا: بأنه تعارض معنى قوله وفعله، وفيها الخلاف المشهور في الأصول، والراجح القول؛ لتعديه والفعل قد يكون مقصورًا عليه.
وثم جواب آخر وهو: أن ذَلِكَ من خصائصه على الأصح، وقد روى الدارقطني من حديث أبي الأسود ومطر الوراق، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه عليه السلام تزوجها وهو حلال، لكن قال: تفرد به محمد بن عثمان بن مخلد، عن أبيه، عن سلام أبي المنذر، وهو
(1)
انظر: "التمهيد" 3/ 159.
(2)
"البداية والنهاية" 4/ 624.
(3)
"البداية والنهاية" 4/ 663.
غريب عن مطر
(1)
وضعيف. وأجاب بعضهم عن حديث ابن عباس بأنه قد يكون أخذ في ذَلِكَ بمذهبه أنه من قلد هديه صار محرمًا بالتقليد، فلعله علم بحاله بعد أن قلد الشارع هديه.
فرع:
خطبته مكروهة كراهة تنزيه؛ للحديث السالف.
فرع:
يجوز له رجعتها على الأصح، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وخالف أحمد فيه
(2)
.
(1)
سنن الدارقطني 3/ 263. ورواه الطبراني 11/ 334 (11922)، والخطيب 4/ 334 من طريق مطر الوراق عن عكرمة، به.
(2)
ورد بهامش الأصل: ثم بلغ في التاسع بعد الثلاثين. كتبه مؤلفه.
13 - باب مَا يُنْهَى مِنَ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ وَالمُحْرِمَةِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا تَلْبَسُ المُحْرِمَةُ ثَوْبًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ.
1838 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإِحْرَامِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَلْبَسُوا القَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا العَمَائِمَ، وَلَا البَرَانِسَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلَانِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلَا الوَرْسُ، وَلَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ". تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، وَجُوَيْرِيَةُ، وَابْنُ إِسْحَاقَ. فِي النِّقَابِ وَالقُفَّازَيْنِ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: وَلَا وَرْسٌ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا تَتَنَقَّبِ المُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَا تَتَنَقَّبِ المُحْرِمَةُ. وَتَابَعَهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ. [انظر: 134 - مسلم: 1177 - فتح: 4/ 52]
1839 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ، فَقَتَلَتْهُ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"اغْسِلُوهُ، وَكَفِّنُوهُ، وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ، وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ". [انظر: 1265 - مسلم: 1206 - فتح: 4/ 52]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإِحْرَامِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَلْبَسُوا القَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا العَمَائِمَ، وَلَا البَرَانِسَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلَانِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلَا الوَرْسُ، وَلَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ". تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، وَجُوَيْرِيَةُ، وَابْنُ إِسْحَاقَ. فِي النِّقَابِ وَالقُفَّازَيْنِ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: وَلَا وَرْسٌ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا تَتَنَقَّبِ المُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَا تَتَنَقَّبِ المُحْرِمَةُ. وَتَابَعَهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ.
ثم ذكر حديث ابن عَبَّاسٍ في الذي وقصته ناقته. وفيه: "وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ".
الشرح:
أما تعليق عائشة فأخرجه ابن أبي شيبة عن جرير، ثَنَا مغيرة، عن إبراهيم، عنها أنها قالت: يكره للمحرم الثوب المصبوغ بالزعفران والمشبع بالعصفر للرجال والنساء إلا أن يكون ثوبًا غسيلًا
(1)
.
وحَدَّثَنَا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عنها قالت: تلبس المحرمة ما شاءت إلا المهرود بالعصفر
(2)
. وقد سلف في باب: ما يلبس المحرم من الثياب
(3)
، ورواه البيهقي من حديث معاذة عنها، قالت: المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبًا مسه ورس أو زعفران
(4)
.
وأما حديث ابن عمر فسلف في باب: ما لا يلبس المحرم من الثياب
وغيره
(5)
، وأصل حديث موسى بن عقبة سلف هناك، وقد رواها النسائي
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 164 (13126) كتاب: الحج، الثوب المصبوع بالورس والزعفران.
(2)
السابق 3/ 140 (12874) من رخص في المعصفر للمحرمة.
(3)
قبل حديث (1545).
(4)
البيهقي 5/ 47.
(5)
سلف برقم (1542).
عن سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن موسى
(1)
، وقال أبو داود: روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب عن موسى مرفوعًا، ورواه عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب وأبو قرة موقوفًا، ورواه إبراهيم بن سعيد المدني، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين"
(2)
، قال أبو عمر: ورفعه صحيح
(3)
.
ومتابعة جويرية أخرجها أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي: حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن أسماء، نا عمي جويرية بن أسماء، ثَنَا نافع، فذكره
(4)
.
ومتابعة ابن إسحاق أخرجها الحاكم من حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، حَدَّثَني نافع به، مرفوعًا
(5)
، وكذا ذكره ابن حزم بلفظ: نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب .. الحديث بطوله
(6)
. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم
(7)
. وهو في أبي داود لكن بعنعنة ابن إسحاق
(8)
، وقد صرح هنا بالتحديث فانتفت تهمة تدليسه. وقول الضياء المقدسي: كأنه لم يسمعه منه، يرده ما ذكرناه،
(1)
النسائي 5/ 135 - 136.
(2)
"سنن أبي داود" 2/ 411 - 412 (1825) كتاب: المناسك، باب: ما يلبس المحرم. وانظر: "صحيح أبي داود"(1601 - 1602).
(3)
"التمهيد" 15/ 106.
(4)
"مسند أبي يعلى" 10/ 189 - 190 (5818).
(5)
"المستدرك" 1/ 486.
(6)
"المحلى" 7/ 79.
(7)
"المستدرك" 1/ 486.
(8)
أبو داود (1823).
وقد وقع مصرحًا بالتحديث في بعض نسخ أبي داود من طريق ابن الأعرابي وغيره.
وقوله: (وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: وَلَا وَرْسٌ)، وصله الحسن بن سفيان: أخبرنا العباس بن الوليد، ثنا يحيى القطان: ثَنَا عبيد الله بن عمر، عن نافع، فذكره.
وأثر نافع عن ابن عمر: لا تنتقب المحرمة، سلف في كلام أبي داود، وأخرجه الترمذي من حديث الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا:"لا تنتقب المرأة الحرام، ولا تلبس القفازين" ثم قال: حسن صحيح
(1)
.
وروى ابن أبي شيبة، حَدَّثَنَا وكيع، عن فضيل بن غزوان، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كره البرقع والقفاز للمحرمة. وحَدَّثَنَا أبو خالد، عن يحيى بن سعيد، وعبد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: لا بأس بالقفازين
(2)
. وذكر ليثًا هنا في المتابعة، وحديث ابن عباس سلف في الجنائز
(3)
.
والقفاز شيء يعمل لليدين؛ ليقيهما من البرد يحشى بقطن ويكون له أزرار على الساعدين، قاله الجوهري وغيره
(4)
، ويتخذه الصائد أيضًا، وهو أيضًا ضربٌ من الحلي، قاله ابن سيده وغيره، وتقفزت المرأة: نقشت يديها ورجليها بالحناء
(5)
.
(1)
"سنن الترمذي"(833) كتاب: الحج، باب: ما جاء فيما لا يجوز للمحرم لبسه.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 272.
(3)
سلف برقم (1265) باب: الكفن في ثوبين.
(4)
"الصحاح" 3/ 892 مادة [قفز].
(5)
"المحكم" 6/ 159.
والورس: نبت يصبغ به، قال أبو حنيفة الدينوري: يزرع باليمن زرعًا، ولا يكون بغير اليمن، ولا يكون شيءٌ منه بريًا، ونباته مثل حب السمسم، فإذا جف عند إدراكه تفتق فينفض منه الورس، ويزرع سنة فيجلس عشر سنين. أي: يقيم في الأرض ينبت ويثمر، وفيه جنس يسمى الحبشي وفيه سواد، وهو أكبر الورس، والعرعر: ورس، والرمث ورس. قال أبو حنيفة: لست أعرفه بغير أرض العرب ولا من أرض العرب بغير بلاد اليمن. قال الأصمعي: ثلاثة أشياء لا تكون إلا باليمن، وقد ملأت الأرض؛ الورس، واللبان، والعصب.
وقال ابن البيطار في "جامعه": يؤتى بالورس من الصين والهند واليمن، وليس بنبات يزرع كما زعم من زعم، وهو يشبه زهر العصفر، ومنه شيء يشبه البنفسج، ويقال: إن الكركم عروقه.
وقال الفضل بن سلمة في كتاب "الطب": يقال: إن الكركم عروق الزعفران، والزعفران قال أبو حنيفة: لا أعلم ينبت بشيء من أرض العرب، وقد كثر مجيئه في كلامهم وأشعارهم، وقد زعم قوم أنه اسم أعجمي، وقد صرفته العرب. فقالوا: ثوب مزعفر، وقد زعفر ثوبه يزعفره زعفرةً، والعبير عند العرب: الزعفران والخلوق، وقال مؤرج: يقال لورق الزعفران: الفيد. وبه سمي مؤرج أبا فيد. وفي "المحكم": جمعه بعضهم وإن كان جنسًا: زعافر
(1)
. وقال الجوهري: كترجمان وتراجم
(2)
.
وقد سبق فقه الباب: في باب ما لا يلبس المحرم من الثياب.
(1)
"المحكم"(2/ 318).
(2)
"الصحاح" 2/ 670 مادة (زعفر).
قال الطحاوي: ذهب قوم إلى هذِه الآثار فقالوا: كل ثوب مسه ورس أو زعفران فلا يحل لبسه في الإحرام وإن غسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين في هذِه الآثار ما غسل من ذَلِكَ مما لم يغسل، فنهيه عام، وخالفهم في ذَلِكَ آخرون فقالوا: ما غسل من ذَلِكَ حَتَّى لا ينفض فلا بأس بلبسه في الإحرام؛ ولأن الثوب الذي صبغ إنما نهي عن لبسه في حال الإحرام، لما كان دخله مما هو (حرام)
(1)
على المحرم، فإذا غسل وذهب ذلك المعنى منه عاد الثوب إلى أصله الأول، كالثوب الذي تصيبه النجاسة، فإذا غسل طهر وحلت الصلاة فيه
(2)
.
قال ابن المنذر: وممن رخص في ذَلِكَ سعيد بن المسيب والنخعي والحسن البصري وعطاء وطاوس، وبه قال الكوفيون والشافعي وأبو ثور، وكان مالك يكره ذَلِكَ إلا أن يكون قد غسل وذهب لونه.
قال الطحاوي: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استثنى مما حرمه على المحرم من ذَلِكَ فقال: "إلا أن يكون غسيلًا" ثم قال: حدثناه فهد، ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا أبو معاوية، ثنا ابن أبي عمران، ثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، عن أبي معاوية، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم -بمثل حديثه الذي في الباب- قال: فثبت بهذا استثناء الغسيل مما قد مسه ورس أو زعفران.
قال ابن أبي عمران: رأيت يحيى بن معين يتعجب من الحماني إذ حدث بهذا الحديث، وقال عبد الرحمن بن صالح: هذا عندي، فوثب
(1)
في (م): حلال.
(2)
"شرح معاني الآثار" 2/ 137.
من فوره فجاء بأصله فأخرج منه هذا الحديث عن أبي معاوية، كما ذكره الحماني فكتبه عنه يحيى بن معين
(1)
.
قال الميموني: قال أبو عبد الله: إن كان قاله النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال: كان -يعني: أبا معاوية- مضطرب في أحاديث عبيد الله، ولم يجئ بها أحد غيره "إلا أن يكون غسيلًا"
(2)
.
وقال ابن حزم: إن صح وجب الوقوف عنده ولا نعلمه صحيحًا
(3)
، والحديث دال على أن المرأة لا تلبس القفازين؛ ولأن اليد عضو لا يجب على المرأة ستره في الصلاة فلا يجوز لها ستره في الإحرام كالوجه، فإحرامها في وجهها ويديها؛ لأن ما عداهما عورة، والوجه مختص بالنقاب، والكفان بالقفازين، وللشافعي قول آخر: أنه يجوز؛ لأن سعد بن أبي وقاص كان يأمر بناته بلبسهما في الإحرام، رواه في "الأم"
(4)
.
(1)
"شرح معاني الآثار" 2/ 137.
(2)
ومذهب الإمام أحمد: أن المحرم لا يلبس شيئًا فيه طيب، أو مسه ورس أو زعفران. انظر:"مسائل أبي داود لأحمد"(721)، و"مسائل ابن هانئ لأحمد"(768، 782، 783)، "شرح العمدة" لشيخ الإسلام 2/ 83.
(3)
"المحلى" 7/ 80.
(4)
"الأم" 2/ 203.
14 - باب الاِغْتِسَالِ لِلْمُحْرِمِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَدْخُلُ المُحْرِمُ الحَمَّامَ. وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ بِالحَكِّ بَأْسًا.
1840 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ العَبَّاسِ، وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ. وَقَالَ المِسْوَرُ: لَا يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ. فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ العَبَّاسِ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ القَرْنَيْنِ، وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ العَبَّاسِ، أَسْأَلُكَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ ثُمَّ قَالَ لإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ: اصْبُبْ. فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ. [مسلم: 1205 - فتح: 4/ 55]
ثم ذكر حديث زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ حُنَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسِ، وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأسَهُ .. الحديث.
وقد أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
و (الأبواء) بالمد سلف قريبًا، و (المسور) صحابي ابن صحابي، واختلافهما هو في الغسل، والاختلاف في مذاكرة العلم، والظاهر من إرسال ابن عباس إلى أبي أيوب يسأله عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وهو محرم، أن ابن عباس علم أن عند أبي أيوب من ذَلِكَ
(1)
مسلم (1205) كتاب: الحج، باب: جواز غسل المحرم رأسه.
علمًا، وفي إرساله عبد الله بن حنين أن الصاحب ينقل عن التابعي.
و (القرنان): العمودان بجنب البئر عليهما البكرة يستقى عليهما، فإن كانا من خشب فهما زرنوقان.
وفيه: ستر المغتسل بثوب ونحوه، والبداءة بالسلام عليه وإن كان في حالة تجتنب مكالمته، ويغض البصر عنه، وأرسله للعلم بالغسل فسأل عن الكيفية؛ لأنه ناشئ عن الغسل، ولعل اختلافهما كان في غسل التطوع أو فيما زاد على الفرض من إمرار اليد، ولعل المسور إنما أنكره، خشية من قتل الدواب في الرأس وإزالة الشعث، وليس في إمرار اليد على الرأس قتل لها ولا إزالتها عن موضعها إلا في مثل الصب عليها.
وفيه: أن الصحابة إذا اختلفوا لم تكن الحجة في قول أحد منهم إلا بدليل يجب التسليم له من كتاب أو سنة، كما نزع أبو أيوب بالسنة، ففلج
(1)
ابن عباس المسور.
وفيه: التناظر في المسائل والتحاكم فيها إلى الشيوخ العالمين بها.
وقوله في الترجمة: (ولم ير ابن عمر وعائشة بالحك بأسًا) يعني: حك جلده إذا أكله، وقال عطاء: يحك الجنب في جسده وإن أدماه.
وقد اختلف العلماء في غسل المحرم رأسه، فذهب أبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق إلى أنه لا بأس بذلك
(2)
، ورويت الرخصة في ذَلِكَ عن عمر بن الخطاب وابن عباس
(1)
في "المعجم الوسيط"(2/ 706): يقال: فلج بحاجته وبحجته: أحسن الإدلاء بها، فغلب خصمه.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 112، "البيان" 4/ 204، "المغني" 5/ 117.
وجابر
(1)
، وعليه الجمهور وحجتهم حديث الباب، وكان مالك يكره ذَلِكَ للمحرم، وذكر أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه إلا من الاحتلام
(2)
، قال مالك: فإذا رمى جمرة العقبة فقد حل له قتل القمل وحلق الشعر وإلقاء التفث، وهذا الذي سمعت من أهل العلم
(3)
.
وروي عن سعد بن عبادة مثل قول مالك، وكان أشهب وابن وهب يتغاطسان في الماء وهما محرمان مخالفة لابن القاسم، وكان ابن القاسم يقول: إن غمس رأسه في الماء أطعم شيئًا من طعام خوفًا من قتل الدواب، ولا يجب الفداء إلا بيقين، وغير ذَلِكَ استحباب. ولا بأس عند جميع أصحاب مالك أن يصب المحرم على رأسه الماء لحر يجده
(4)
.
قال أشهب: لا أكره غمس المحرم رأسه في الماء، وما يخاف في الغمس ينبغي أن يخاف مثله في صب الماء على الرأس من الحر، وقد قال عمر بن الخطاب ليعلى بن (أمية)
(5)
-حين كان عمر يغسل رأسه ويعلى يصب عليه-: أصبب فلن يزيده الماء إلا شعثًا
(6)
، يعني: إذا
(1)
عن عمر رواه مالك في "الموطأ" 1/ 409 (1034)، وعن ابن عباس هو حديث الباب، وعن جابر رواه البيهقي 5/ 54.
(2)
رواه مالك في "الموطأ" 1/ 410 (1036).
(3)
انظر: "المنتقى" 2/ 195.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 326.
(5)
في الأصل: منيه، والصواب ما أثبتناه.
(6)
رواه مالك في "الموطأ" ص 215 عن عطاء بن أبي رباح أن عمر بن الخطاب قال ليعلى بن أمية .. الحديث.
قال الألباني في "الإرواء" 4/ 211: رجاله ثقات رجال الشيخين إلا أنه منقطع بين عطاء وعمر أ. هـ =
لم يغسل بغير الماء. ألا ترى فعل أبي أيوب حين صب على رأسه الماء حركه بيديه، ولم ير ذَلِكَ مما يذهب الشعث، ومثله قوله عليه السلام لعائشة:"انقضي رأسك في غسلك وامتشطي"
(1)
أي: أمشطيه بأصابعك وخلليه بها فإن ذَلِكَ لا يذهب الشعث، وإن شعثه لا يمنعك من المبالغة في
غسل رأسك؛ لأن الماء لا يزيده إلا شعثًا.
وابن عباس أفقه من المسور؛ لموافقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قاله ابن أبي صفرة، ونقل ابن التين عن مالك أن انغماس المحرم فيه محظور.
وروي عن ابن عمر وابن عباس إجازته، وأما إن غسل رأسه بالخطمي والسدر فإن الفقهاء يكرهونه، هذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي، وأوجب مالك وأبو حنيفة عليه الفدية.
وقال الشافعي وأبو ثور: لا شيء عليه
(2)
، وقد رخص عطاء وطاوس ومجاهد لمن لبَّد رأسه فشق عليه الحلق أن يغسل بالخطمي حَتَّى يلين
(3)
، وكان ابن عمر يفعل ذَلِكَ
(4)
.
قال ابن المنذر: وذلك جائز؛ لأنه عليه السلام أمرهم أن يغسلوا الميت
= ووصله الشافعي 2/ 215 (861)، وكذا البيهقي 5/ 63 من طريق سعيد بن سالم عن ابن جريج: أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى أخبره عن أبيه يعلى بن أمية أنه قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه يغتسل إلى بعير .. الحديث.
قال الألباني في "الإرواء" 4/ 211: هذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن سالم، قال الحافظ في "التقريب": صدوق يهم، رمي بالإرجاء، وكان فقيها. أ. هـ وصححه بمجموع طريقيه: انظر: "الإرواء"(1020).
(1)
سلف برقم (1556) كتاب: الحج، باب: كيف تهل الحائض.
(2)
انظر: "المبسوط" 4/ 124، "المدونة" 1/ 309، "البيان" 4/ 204.
(3)
رواه عنهم ابن أبي شيبة 3/ 340 (14903).
(4)
ابن أبي شيبة 3/ 341 (14906).
المحرم بماء وسدر، وأمرهم أن يجنبوه ما يجنب المحرم الحي، فدل ذَلِكَ على إباحة غسل رأس المحرم بالسدر والخطمي، وما في معناه، وأجاز الكوفيون والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق للمحرم دخول الحمام
(1)
.
وقال مالك: إن دخله فتدلك وأنقى الوسخ فعليه الفدية
(2)
.
(1)
انظر: "المبسوط" 4/ 124، "روضة الطالبين" 3/ 133.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 326.
15 - باب لُبْسِ الخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ
1841 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: "مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ". لِلْمُحْرِمِ. [انظر: 1740 - مسلم: 1178 - فتح: 4/ 57]
1842 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: "لَا يَلْبَسِ القَمِيصَ، وَلَا العَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا البُرْنُسَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ". [انظر: 134 - مسلم: 1177 - فتح: 4/ 57]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: "مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَرَاوِيلَ". لِلْمُحْرِمِ.
وحديث عَبْدِ اللهِ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ .. الحديث. وقد سبقا
(1)
.
(1)
حديث ابن عباس الأول سلف برقم (1740) كتاب: الحج، باب: الخطبة أيام منى.
وحديث ابن عمر الثاني سلف برقم (134) كتاب: الوضوء، باب: من أجاب السائل بأكثر مما سأله.
16 - باب إِذَا لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ
1843 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ: "مَنْ لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ". [انظر: 1740 - مسلم: 1178 - فتح: 4/ 58]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ المذكور.
وقد اختلف العلماء إذا احتاج إلى لبس الخفين عند عدم النعلين، وقطعهما فقال مالك والشافعي: لا فدية عليه، وأخذا بحديث ابن عمر. وقال أبو حنيفة: عليه الفدية
(1)
. وهو خلاف الحديث، واحتج أصحابه: بأنه عليه السلام أباح له لبس السراويل عند عدم الإزار، وذلك يوجب فيه الفدية، فيقال: أمرنا بالقطع كما سلف؛ ليصير في معنى النعلين التي لا فدية في لبسهما، ولم نؤمر بفتق السراويل؛ لئلا تنكشف العورة فبقي في حكم القميص المخيط، ولو أمر بفتقه لصار في معنى الخف إذا قطع.
والحجة للمانع الأمر بقطعهما حَتَّى يكونا أسفل من الكعبين فلو
وجبت مع قطعهما، وتركهما لم يكن لقطعهما فائدة؛ لأنه إتلاف من غير فائدة، وإنما قطعهما؛ ليصيرا في معنى النعلين حَتَّى لا تجب فدية، ولا يدخل فيجبر بهما، ولو وجبت بلبسه بعد القطع كما تجب بلبسه قبله لم يأمره عليه السلام بالقطع؛ لأن لبسه بعد القطع كلبسه قبله، فلما جوز له لبسه بعد القطع، ولم يجوزه قبله علم أنه إذا لبسه بعد
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 105، "النوادر والزيادات" 2/ 345، "البيان" 4/ 153.
القطع كان مخالفًا لحكمه إذا لبسه قبل القطع في الفدية.
واعلم أن حديث ابن عمر وكذا جابر مطلق، وحديث ابن عباس مقيد
(1)
، ورجع ابن حزم وغيره إلى رواية ابن عمر. قال ابن حزم: حديث ابن عمر فيه زيادة لا يحل خلافها
(2)
. وقال ابن عبد البر: المصير إلى روايته أولى
(3)
، والمشهور عن أحمد أنه لا يلزمه القطع، ونقله ابن قدامة عن علي، وبه قال عطاء وعكرمة وسعيد بن سالم القداح
(4)
.
احتج أحمد بحديث ابن عباس في الكتاب، وحديث جابر مثله
(5)
، مع قول علي: قطع الخفين فساد، يلبسهما كما هما. مع موافقة القياس فأشبه الملبوس الذي أبيح لعدم غيره، فأشبه السراويل، وقطعه لا يخرجه عن حالة الحظر، فإن لبس المقطوع محرم مع الفدية على النعلين كلبس الصحيح، وفي إتلاف ماليته، وقد نهى عن إضاعته، وقد أسلفنا في باب: ما لا يلبس المحرم من الثياب، أن بعضهم وهم فجعل قوله:"فليقطعهما" من قول نافع
(6)
.
قال ابن قدامة: وروى ابن أبي موسى، عن صفية بنت أبي عبيد، عن عائشة أنه عليه السلام رخص للمحرم أن يلبس الخفين ولا يقطعهما،
(1)
حديث ابن عمر وابن عباس هما حديثا الباب، وأما حديث جابر فرواه مسلم (1179).
(2)
"المحلى" 7/ 81.
(3)
"التمهيد" 15/ 114.
(4)
"المغني" 5/ 120 - 121.
(5)
رواه مسلم (1179).
(6)
سلف برقم (1542).
وكان ابن عمر يفتي بقطعهما، قالت صفية: فلما أخبرته بهذا رجع
(1)
. أخرجه أبو داود، وصححه ابن خزيمة وابن حبان: أن ابن عمر كان يصنع ذَلِكَ -يعني: يفتي بقطعهما للمرأة المحرمة- ثم حدثته صفية أن عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين،
ترك ذَلِكَ
(2)
.
قال: وروى أبو حفص في "شرحه" بسند إلى عبد الرحمن بن عوف
(3)
أنه طاف وعليه خفان، فقال له عمر: والخفان مع الغنى؟ قال: قد لبستهما مع من هو خير منك، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
. وذكره الطحاوي فقال: روي عن عامر بن ربيعة قال: خرجت مع ابن عمر فرأى ابن عوف .. الحديث. وفيه: فعلته مع من هو خير منك، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعبه علي. وهو ظاهر أنه رآه ولم ينكره.
قال ابن قدامة: ويحتمل أن يكون الأمر بقطعهما قد نسخ، فإن عمرو بن دينار روى الحديثين جميعًا، وقال: انظروا أيهما كان قبل.
(1)
"المغني" 5/ 121 - 122.
(2)
أبو داود (1831) كتاب: المناسك، باب: ما يلبس المحرم، ابن خزيمة 4/ 201 (2686).
ورواه أيضًا أحمد 2/ 29، 6/ 35، والدارقطني 2/ 272، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1607).
(3)
ورد بهامش الأصل: قلت: الحديث في "مسند أحمد"[1/ 192] إلى شريك، عن عاصم بن عبد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: سمع عمر بن الخطاب، إلى قوله: ثم أبصر على عبد الرحمن خفين قال: وخفان؟! فقال: قد لبستهما مع من هو خير منك أو مع رسول الله عمرو فقال عمر: عزمت عليك ألا تنزعها، فإني أخاف أن ينظر الناس إليك فيقتدون بك .. الثاني: قد لبستهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(4)
انظر: "مسند أحمد"(1/ 192).
قال الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري: حديث ابن عمر قبل؛ لأنه قد جاء في بعض رواياته: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد -يعني بالمدينة
(1)
- فكأنه كان قبل الإحرام، وحديث ابن عباس يقول: سمعته يخطب بعرفات، الحديث، فيدل على تأخره عن حديث ابن عمر، فيكون ناسخًا؛ لأنه لو كان القطع واجبًا لبينه للناس، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه
(2)
.
قال ابن الجوزي: روى حديث ابن عمر مالك وعبيد الله وأيوب في آخرين فوقفوه على ابن عمر
(3)
، وحديث ابن عباس سالم من الوقف مع ما عضده من حديث جابر، وقد أخذ بحديثنا عمر وعلي وسعد وابن عباس وعائشة، ثم إنا نحمل قوله:"وليقطعهما" على الجواز من غير كراهة لأجل الإحرام، وينهى عن ذَلِكَ في غير الإحرام؛ لما فيه من الفساد، فأما إذا لبس الخف المقطوع من أسفل الكتب مع وجود النعل، فعندنا أنه لا يجوز وتجب عليه الفدية خلافًا لأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي.
قال ابن قدامة: والأولى قطعهما؛ عملًا بالحديث الصحيح، وخروجًا من الخلاف وأخذًا بالاحتياط
(4)
. وذكر الميموني عن أحمد أنه ذكر حديث ابن عمر وأنه مرفوع فيه ذكر القطع وقال: ليس تجد أحدًا يرفعه غير زهير، قال: وكان زهير من معادن الصدق. وقول الخطابي: العجب من أحمد، فإنه لا يخالف سنة تبلغه. وقلت: سنة
(1)
"سنن الدارقطني" 2/ 230.
(2)
"المغني" 5/ 122.
(3)
"التحقيق" 5/ 339 - 340.
(4)
"المغني" 5/ 125.
لم تبلغه عجيب؛ لأن هذِه السنة بلغته كما علمته، قال: وقول من قال: قطعهما فساد يشبه أن حديث ابن عمر لم يبلغه، إنما الفساد فعل ما نهى عنه
(1)
، وفي بعض نسخ النسائي في حديث ابن عباس من رواية عمرو بن دينار زيادة:"وليقطعهما أسفل من الكعبين"
(2)
. كحديث ابن عمر، ويعكر عليه رواية أحمد في "مسنده" عن عمرو، أن أبا الشعثاء أخبره عن ابن عباس بالحديث، وفيه قال: فقلت له: ولم يقل ليقطعهما
(3)
.
قال: لا، ودعوى أن حديث ابن عباس بعرفات، وحديث ابن عمر بالمدينة، يخدشه ما ذكره ابن خزيمة في "صحيحه" عن ابن عباس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ويقول: "السراويل لمن لم يجد الإزار" الحديث
(4)
. وحَدَّثَنَا أحمد بن المقدام، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو بذلك المكان فقال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم؟ .. الحديث
(5)
. كأنه يشير به إلى عرفات، فتنبه له.
وأجمعوا أن المحرم إذا وجد إزارًا لم يجز له لبس السراويل.
واختلفوا إذا لم يجد إزارًا
(6)
، فقال عطاء والثوري والشافعي وأحمد
وإسحاق وأبو ثور: يلبسه ولا شيء عليه. وأخذوا بحديث ابن عباس.
(1)
"معالم السنن" للخطابي 2/ 152.
(2)
النسائي 5/ 135.
(3)
"مسند أحمد" 1/ 228.
(4)
ابن خزيمة 4/ 199 (2681).
(5)
"صحيح ابن خزيمة" 4/ 200 (2682).
(6)
حكاه الحافظ ابن عبد البر في "الاستذكار" 11/ 31 (1528) وعنه نقله ابن القطان الفاسي في "الإقناع"(1447).
وقال أبو حنيفة ومالك: عليه الفدية سواء وجد إزارًا أم لا، إلا أن يشقه ويتزر به. خالفا ظاهر الحديث، وقال الطحاوي: لا يجوز له لبسه حَتَّى يفتقه.
وقال الرازي: يجوز ويفدي، وهو قول أصحاب مالك
(1)
.
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 105، "مختصر الطحاوي" ص 69، "عيون المجالس" 2/ 800، "البيان" 4/ 151، "المغني" 5/ 120.
17 - باب لُبْسِ السِّلَاحِ لِلْمُحْرِمِ
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِذَا خَشِيَ العَدُوَّ لَبِسَ السِّلَاحَ وَافْتَدَى. وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ فِي الفِدْيَةِ.
1844 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ رضي الله عنه: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ذِي القَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ: لَا يُدْخِلُ مَكَّةَ سِلَاحًا إِلَّا فِي القِرَابِ. [انظر: 1781 - مسلم: 1783 - فتح: 4/ 58]
وذكر حديث البَرَاءِ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ذِي القَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ: لَا يُدْخِلُ مَكَّةَ بسِلَاح إِلَّا فِي القِرَابِ.
كان هذا في عام القضية
(1)
كما ستعلمه في موضعه إن شاء الله تعالى.
وفيه: جواز حمل المحرم السلاح للحج والعمرة إذا كان خوف، واحتيج إليه، وأجاز ذَلِكَ عطاء ومالك والشافعي، وكرهه الحسن البصري، وهذا الحديث حجة عليه وعلى عكرمة في إيجاب الفدية فيه
(2)
(3)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: إنما كان الاعتمار في ذي القعدة، ومنعهم له عليه السلام أن يدخل في الحديبية لا في القضية، نعم دخوله مكة بالسلاح في القراب كان في القضية. والله أعلم.
(2)
ورد بالهامش: ثم بلغ في الأربعين كتبه مؤلفه.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 347، "المجموع" 7/ 467، "المغني" 5/ 128.
18 - باب دُخُولِ الحَرَمِ وَمَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ
وَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ حلالًا. وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالإِهْلَالِ لِمَنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْحَطَّابِينَ وَغَيْرِهِمْ.
1845 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. [انظر: 1524 - مسلم: 1181 - فتح: 4/ 59]
1846 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ. فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ". [3044، 4286، 5808 - مسلم: 1357 - فتح: 4/ 59]
ثم ذكر حديث ابن عَبَّاسٍ: وَقَّتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ .. الحديث وتقدم أوائل الحج
(1)
.
وحديث مَالِكْ، عَنِ ابن شِهَابِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الفَتْح، وَعَلَى رَأسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: ابن خَطَلِ مُتَعَلِّق بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ. فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ".
الشرح:
أثر ابن عمر رواه ابن أبي شيبة، عن علي بن مسهر، عن عبيد الله، عن نافع، عن عبد الله، وبلغه بقديد أن جيشًا من جيوش الفتنة دخلوا
(1)
برقم (1524) باب: مهل أهل مكة للحج والعمرة.
المدينة، فكره أن يدخل عليهم، فرجع إلى مكة فدخلها بغير إحرام
(1)
.
ورواه البيهقي من حديث مالك، عن نافع
(2)
. وحديث أنس أخرجه مسلم والأربعة
(3)
، وعد من أفراد مالك، تفرد بقوله: وعلى رأسه المغفر
(4)
. كما تفرد بحديث: "الراكب شيطان"
(5)
، وبحديث:"السفر قطعة من العذاب"
(6)
. قال الدارقطني: قد أوردت أحاديث من رواه عن مالك في جزء مفرد وهو نحو من مائة وعشرين رجلًا أو أكثر، منهم: السفيانان، وابن جريج والأوزاعي.
وقال ابن عبد البر: هذا حديث تفرد به مالك، ولا يحفظ عن غيره، ولم يروه عن ابن شهاب سواه -من طريق صحيح- واحتاج إليه فيه جماعة من الأئمة يطول ذكرهم، وقد روي عن ابن أخي ابن شهاب
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 203 (13524) كتاب: الحج، من رخص أن يدخل مكة بغير إحرام.
(2)
"سنن البيهقي" 5/ 178 كتاب: الحج، باب: من رخص في دخولها بغير إحرام.
(3)
مسلم (1357)، أبو داود (2685)، الترمذي (1693)، النسائي 5/ 200 - 201، ابن ماجه (2805).
(4)
"الموطأ" ص 273.
(5)
"الموطأ" ص 605.
ورواه أيضًا أبو داود (2607) كتاب: الجهاد، باب: في الرجل يسافر وحده، والترمذي (1674) كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في كراهية أن يسافر الرجل وحده، والنسائي في "الكبرى" 5/ 266 (8849)، وأحمد 2/ 186، والحاكم 2/ 102. جميعًا من طريق مالك.
وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه، وقال الحافظ في "الفتح" 6/ 53: إسناده حسن، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2346).
(6)
"الموطأ" ص 606.
ومن طريقه سلف برقم (1804) كتاب: العمرة، باب: السفر قطعة من العذاب، ورواه مسلم (1927) كتاب: الإمارة، باب: السفر قطعة من العذاب.
عن عمه، عن أنس
(1)
، ولا يكاد يصح، وروي من غير هذا الوجه، ولا يثبت أهل العلم فيه إسناد غير حديث مالك
(2)
، ورواه أيضًا أبو أويس والأوزاعي عن الزهري، وروى محمد بن سليم بن الوليد العسقلاني، عن محمد بن أبي السري، عن عبد الرزاق، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس: دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعليه عمامة سوداء. ومحمد بن سليم لم يكن ممن يعتمد عليه، وتابعه على ذَلِكَ بهذا الإسناد الوليد بن مسلم ويحيى الوحاظي، ومع هذا فإنه لا يحفظ
عن مالك في هذا إلا المغفر.
قال أبو عمر: قد روي من طريق أحمد بن إسماعيل، عن مالك، عن أبي الزبير عن جابر أنه عليه السلام دخل مكة. وعليه عمامة سوداء، ولم يقل: عام الفتح. وهو محفوظ من حديث جابر
(3)
، زاد مسلم في "صحيحه": بغير إحرام
(4)
.
قال: وروى جماعة منهم بشر بن عمر الزهراني ومنصور بن سلمة الخزاعي حديث المغفر فقالا: مغفر من حديد. ومنصور وبشر ثقتان، وتابعهما على ذَلِكَ جماعة ليسوا هناك، وكذا رواه أبو عبيد بن سلام عن ابن بكير، عن مالك، ورواه روح بن عبادة عن مالك بإسناده هذا، وفيه زيادة: وطاف وعليه المغفر. ولم يقله غيره.
(1)
رواه البزار في "البحر الزخار" 12/ 364 (6291). وقال: لا نعلم رواه عن الزهري إلا مالك وابن أخي الزهري، ولا نعلم رواه عن ابن أخي الزهري إلا يحيى بن هانئ.
(2)
"التمهيد" 6/ 159.
(3)
"التمهيد" 6/ 172.
(4)
مسلم (1357).
ورواه عبد الله بن جعفر (المديني)
(1)
عن مالك، عن الزهري، عن أنس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح مكة وعلى رأسه مغفر واستلم الحجر بمحجن. وهذا لم يقله عن مالك غير عبد الله هذا
(2)
. وروى داود بن الزبرقان عن معمر ومالك جميعًا، عن ابن شهاب، عن أنس أنه عليه السلام دخل عام الفتح في رمضان وليس بصائم. وهذا اللفظ ليس بمحفوظ بهذا الإسناد لمالك إلا من هذا الوجه.
وقد روى سويد بن سعيد، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس أنه عليه السلام دخل مكة عام الفتح غير محرم. وتابعه على ذَلِكَ عن مالك، إبراهيم بن علي المعتزلي
(3)
. وهذا لا يعرف هكذا إلا بهما، وإنما هو في "الموطأ" عند جماعة الرواة من قول ابن شهاب لم يرفعه إلى أنس
(4)
.
وقال الحاكم في "إكليله": اختلفت الروايات في لبسه عليه السلام العمامة أو المغفر يوم الفتح، ولم يختلفوا أنه دخلها وهو حلال، قال: وقال بعض الناس: العمامة والمغفر على الرأس، ويؤيد ذَلِكَ حديث جابر. يعني السالف. قال: وهو وإن صححه مسلم
(5)
وحده، فالأول -يعني حديث أنس- مجمع على صحته، والدليل على أن المغفر غير العمامة قوله: من حديد. فبان بهذا أن حديث: من حديد. أثبت من العمامة السوداء؛ لأن راويها أبو الزبير.
(1)
كذا بالأصل، وهو موافق لما في "تهذيب الكمال" 14/ 379 - 380 (3206)، وفي "التمهيد": المدني.
(2)
"التمهيد" 6/ 158 - 159.
(3)
"التمهيد" 6/ 173.
(4)
"الموطأ" ص 273. وانظر: "التمهيد" (6/ 173).
(5)
مسلم (1358) كتاب: الحج، باب: جواز دخول مكة بغير إحرام.
وقال عمرو بن دينار: أبو الزبير يحتاج إلى دعامة، وقد روي عن عمرو بن حريث ومزيدة وعنبسة -صاحب الألواح- عن عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس العمامة السوداء، ولا يصح منها وإنما لبس البياض، وأمر به.
إذا تقرر ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
المغفر بكسر الميم، وكذا المغفرة والغفارة زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس تلبس تحت القلنسوة، وقيل: هو رفرف البيضة، وقيل: هو حلق يتقنع به المتسلح. وقال ابن عبد البر: هو ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان أو غيره
(1)
، وذكر ابن طاهر الداني في "أطراف الموطأ": لعل المغفر كان تحت العمامة
(2)
، وكذا قاله ابن عبد البر.
ثانيها:
نزعه المغفر عند انقياد أهل مكة ولبس العمامة، ويؤيد هذا خطبته والعمامة عليه؛ لأن الخطبة إنما كانت عند باب الكعبة بعد تمام الفتح.
ثالثها:
ابن خطل اسمه: هلال -أو عبد الله وهلال أخوه ويقال لهما: الخطلان- أو عبد العزى أو غالب بن عبد الله بن عبد مناف. وقال الدمياطي: اسمه هلال، وخطل لقب جده عبد مناف
(3)
. وقال الزبير بن
(1)
"التمهيد"(6/ 158).
(2)
"الإيماء إلى أطراف أحاديث كتاب الموطأ" 2/ 51.
(3)
في هامش (م): وكان يقال لابن خطل ذا القلبين، وفيه نزل {مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} .
بكار: اسمه هلال بن عبد الله بن عبد مناف، وعبد الله هو الذي يقال له خطل، ويقال ذَلِكَ لأخيه عبد العزى بن عبد مناف، وهما الخطلان كما سلف، ومن بني تيم الأدرم بن غالب، وقيل له ذَلِكَ لأن أحد لحييه كان أنقص من الآخر.
وقال ابن قتيبة: بنو تيم الأدرم من أعراب قريش، وليس بمكة منهم أحد
(1)
، وعبد العزى عم ابن خطل يقال له أيضًا: خطل، وكان يقال لابن خطل: ذا القلبين
(2)
، وفيه نزل قوله تعالى:{مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} .
قال أبو عمر: لأنه كان أسلم، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقًا، وبعث معه رجلًا من الأنصار، وأمَّر عليه الأنصاري، فلما كان ببعض الطريق وثب على الأنصاري فقتله، وذهب بماله. وعن ابن إسحاق: كان له مولى يخدمه، وكان أيضًا المولى مسلمًا فنزل ابن خطل منزلا، وأمر المولى أن يذبح له تيسًا ويصنع له طعامًا ونام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا، فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركًا، واتخذ قينتين يغنيان بهجاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
وفي "مجالس الجوهري" أنه كان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا
(1)
"المعارف" لابن قتيبة ص 68.
(2)
بهامش الأصل: قال ابن بشكوال: قال قتادة: كان رجل على عهد رسول الله يسمي ذا القلبين، فأنزل الله ما تسمعون، ذكره عن مجاهد، وكذا في تفسير محمد بن جرير، عن ابن عباس: الرجل المذكور أبو معمر جميل بن أسد الفهري. وساق له شاهدًا في الآية، بل قيل: هو زيد بن حارثة، والشاهد له في "تفسير عبد الرزاق".
[قلت: انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال 2/ 704 - 705].
(3)
"التمهيد" 6/ 169 - 170. وفيه روى حديث ابن إسحاق المذكور بسنده.
نزل {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، كتب: رحيم غفور، وإذا نزل {سَمِيع عَلِيمٌ} ، كتب: عليم سميع، أخرجه من طريق الضحاك عن النزال بن سبرة، عن علي، قتله أبو برزة نضلة بن عبيد الأسلمي، أو سعيد بن حريث المخزومي، أو الزبير بن العوام.
قال أبو عمر: وذكر أنه استبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارًا فقتل بين المقام وزمزم
(1)
. وفي رواية يونس عن ابن إسحاق: لما قتل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل قرشي صبرًا بعد هذا"
(2)
قلت: هذا في غيره، وهو الأكثر.
رابعها:
فيه كما نبه عليه السهيلي: دلالة أن الكعبة المشرفة لا تعيذ عاصيًا، ولا تمنع من إقامة حد واجب، وأن معنى قوله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] إنما معناه: الخبر عن تعظيم حرمتها في الجاهلية نعمة من الله على أهل مكة، كما قال تعالى:{جَعَلَ اللهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} الآية [المائدة: 97]، فكان ذَلِكَ قوام الناس، ومصلحة لذرية إسماعيل قطان الحرم، وإجابة لدعوة إبراهيم حيث يقول:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]
(3)
.
خامسها:
فيه كما قال ابن عبد البر: دخول مكة بغير إحرام وبالسلاح الظاهر
(1)
السابق 6/ 175.
(2)
رواه مسلم (1782) كتاب: الجهاد والسير، باب: لا يقتل قرشي صبرا بعد الفتح. من طريق زكريا، عن الشعبي قال: أخبرني عبد الله بن مطيع عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول، يوم فتح مكة .. الحديث.
(3)
"الروض الأنف" للسهيلي 4/ 103.
فيها، ولكنه عند جمهور العلماء منسوخ ومخصوص بقوله:"إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض"
(1)
. فهذا إخبار أن الله تعالى حرمها.
وقال في كتاب "الأجوبة الموعبة عن المسائل المستغربة على صحيح البخاري": وما حرم الله فلا سبيل إلى استحلاله إلا بإذن الله، يمحو الله ما يشاء ويثبت، يحل ويحرم ابتلاء واختبارًا لا بداءً. كما قالته اليهود، ولكن لمصالح العباد، واختبارهم ليبلوهم أيهم أحسن عملًا، وأيهم ألزم لما أمر به ونهي عنه؛ لتقع المجازاة على الأعمال، وقد أذن لرسوله في استحلالها، ثم أخبر على لسانه أنها عادت إلى حالها، وقد روى ابن عمر وابن عباس وأبو بكرة وعمرو بن الأحوص وجابر وغيرهم بألفاظ متقاربة ومعنى واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم في حجة الوداع فقال:"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا"
(2)
.
(1)
يأتي برقم (4313) كتاب: المغازي، باب: من شهد الفتح، ورواه مسلم (1353) كتاب: الحج، باب: تحريم مكة وصيدها. وانظر: "التمهيد"(6/ 160).
(2)
حديث ابن عمر سلف برقم (1742) باب: الخطبة أيام منى.
وحديث ابن عباس رواه ابن خزيمة 4/ 289 (2927)، والطبراني 11/ 173 (11399)، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 271: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
وقال الألباني في تعليقه على "صحيح ابن خزيمة": إسناده حسن.
وحديث أبي بكرة يأتي برقم (4406) كتاب: المغازي، باب: حجة الوداع، ورواه مسلم (1679) كتاب: القسامة، باب: تغليط تحريم الدماء.
وحديث عمرو بن الأحوص رواه الترمذي (3087) كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة التوبة، وابن ماجه (3055) كتاب: المناسك، باب: الخطبة يوم النحر، وابن خزيمة 4/ 250 (2808)، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(2479).
وحديث جابر رواه مسلم (1218) كتاب: الحج، باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم. مطولًا، وأحمد 3/ 320. =
وفي قوله: "ولم يحرمها الناس"
(1)
أيضًا دليل واضح على أن قوله: "إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتبها"
(2)
يعني: المدينة، ليس على ظاهره، وهو حديث رواه مالك، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس
(3)
، وعمرو ليس بالقوي عند بعضهم
(4)
، قال: ومعناه عندي
= وفي الباب عن أبي سعيد الخدري. رواه ابن ماجه (3931) كتاب: الفتن، باب: حرمة دم المؤمن وماله، والطحاوي 4/ 159، وقال البوصيري في "زوائده" ص: 517: صحيح رجاله ثقات، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(3176).
(1)
سلف برقم (104) كتاب: العلم، باب: ليبلغ العلم الشاهد الغائب، ورواه مسلم (1354) كتاب: الحج، باب: تحريم مكة وصيدها وخلاها.
(2)
رواه مسلم (1361/ 456) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها، بهذا اللفظ من حديث رافع بن خديج.
(3)
"الموطأ" ص 554. قلت: وسيأتي من هذا الطريق برقم (5425) كتاب: الأطعمة، باب: الحيس، وكذا رواه مسلم (1365) كتاب: الحج.
(4)
قال الحافظ في "هدي الساري مقدمة فتح الباري" ص: 432: عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب أبو عثمان المدني، من صغار التابعين، وثقة أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلي، وضعفه ابن معين والنسائي وعثمان الدارمي لروايته عن عكرمة حديث البهيمة، وقال العجلي أنكروا حديث البهيمة يعني: حديثه عن عكرمة عن ابن عباس من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة، وقال البخاري لا أدري سمعه من عكرمة أم لا، وقال أبو داود: ليس هو بذاك؛ حدث بحديث البهيمة، وقد روى عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس: ليس على من أتى بهيمة حد، وقال الساجي صدوق إلا أنه يهم. قلت: لم يخرج له البخاري من روايته، عن عكرمة شيئًا بل أخرج له من روايته عن أنس أربعة أحاديث، ومن روايته عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس حديثا واحدًا، ومن روايته عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة حديثا واحدًا واحتج به الباقون. اهـ.
وقال في "التقريب"(5083): ثقة ربما وهم.
وانظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 6/ 359 (2633)، و"الجرح والتعديل" 6/ 252 (1398)، "تهذيب الكمال" 22/ 168 (4418).
-والله أعلم- أن إبراهيم أعلن حرمتها، وعلم أنها حرام بإخباره، فكأنه حرمها؛ إذ لم يعرف تحريمها إلا في زمانه على لسانه، كما أضاف الله تعالى توفي الأنفس مرة إليه
(1)
، ومرة إلى ملك الموت بقوله:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ} [السجدة: 11] ومرة إلى أعوانه بقوله: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ} [النحل: 28] وجائز أن يضاف الشيء إلى من له فيه سبب، ويحتمل أن يكون إبراهيم منع من الصيد بمكة والقتال فيها وشبه ذَلِكَ، وإني أمنع مثل ذَلِكَ بالمدينة، والتحريم في كلام العرب: المنع، قال تعالى:{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ} [القصص: 12] أي: منعناه قبول المراضع، وحديث مالك عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة يرفعه:"اللهم إن إبراهيَم دعاك لمكة"
(2)
، وهذا أولى من رواية:"حرم مكة"
(3)
، وقوله:"أحلت لي ساعة من نهار"
(4)
، لم يرد الساعة المعروفة والمراد: القليل من الوقت والزمان، وأنه كان بعض النهار ولم تكن يومًا تامًا وليلة، "وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس"
(5)
، يدل على أن الساعة التي أحل له فيها القتال لم تكن أكثر من يوم
(6)
.
وكان ابن شهاب يقول: لا بأس أن يدخل مكة بغير إحرام
(7)
،
(1)
بقوله جل وعلا في سورة الزمر: {اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} آية: 42، وقد ذكرها ابن عبد البر في "الأجوبة" ص 99، وأسقطها المصنف رحمه الله هنا.
(2)
"الموطأ" ص: 552. والحديث رواه مسلم (1373).
(3)
رواه مسلم (1361).
(4)
قطعة من حديث سلف برقم (112) كتاب: العلم، باب: كتابة العلم.
(5)
سلف برقم (1832)، ورواه مسلم (1354).
(6)
"الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري" ص 94 - 104 بتصرف بالغ.
(7)
رواه مالك في "الموطأ" ص 273.
وخالفه في ذَلِكَ أكثر العلماء، ولم يتابعه على ذَلِكَ إلا الحسن البصري.
قلت: وأبو مصعب، وإليه ذهب داود وأصحابه، وروي عن الشافعي مثل ذَلِكَ، والمشهور عنه كقول الجماعة أبي حنيفة وأصحابه، قالوا: فإن دخلها غير محرم فعليه حجة أو عمرة، وهو قول عطاء وابن حي.
وقتل ابن خطل لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون ذَلِكَ كان في الوقت الذي أحلت له فيه مكة، أو يكون -كما قاله جماعة من العلماء- أن الحرم لا يجير من وقع عليه الفتل، وهو قول مالك والشافعي، وأبي يوسف. وقال أبو حنيفة: إذا وجب عليه قصاص أو حد فدخل الحرم لم يقتص منه في النفس، ويقام عليه فيما دونه مما سوى ذَلِكَ حَتَّى يخرج من الحرم، وقال زفر: فإن قتل في الحرم أو زنا فيه رجم. وقد سلف ذَلِكَ، وعن أبي يوسف؛ يخرج من الحرم فيقتل، وكذا في الرجم.
واختلفوا في تغليظ الدية على من قتل في الحرم، وأكثرهم على أنه في الحل والحرم سواء، وعن سالم: من قتل خطأ في الحرم زيد عليه في الدية ثلث الدية، وهو قول عثمان بن عفان
(1)
، وخالفه في ذَلِكَ علي
(2)
.
وقال ابن القصار: اختلف قول مالك والشافعي في جواز دخول مكة
(1)
رواه عبد الرزاق 9/ 298 (17282)، وابن أبي شيبة 5/ 421 (27600)، والفاكهي في "أخبار مكة" 3/ 355 (2186 - 2187)، والبيهقي 8/ 71.
(2)
من قوله: واختلفوا في تغليظ الدية، إلى هذا الحد، هو من كلام الحافظ ابن عبد البر في "الأجوبة" ص 110.
بغير إحرام لمن لم يرد الحج والعمرة، فقالا مرة: لا يجوز دخولها إلا به؛ لاختصاصها ومباينتها جميع البلدان إلا للحطابين ومن قرب منها مثل جدة والطائف وعسفان؛ لكثرة ترددهم إليها، وبه قال أبو حنيفة والليث، وعلى هذا فلا دم عليه. نص عليه في "المدونة"
(1)
، ووافقه القاضي في "المعونة"، وخالف في تلقينه والخلاف في مذهبنا أيضًا، وقالا مرة أخرى: دخولها به استحباب لا واجب.
قال ابن بطال: وإليه ذهب البخاري محتجًّا بقوله: (ممَنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ) فدل إن لم يردهما فليس ميقاتًا له، واستدل بحديث الباب: وهو غير محرم. وبه احتج ابن شهاب، ولم يره خصوصًا به عليه السلام، وأجاز دخولها بغير إحرام، وهو قول أهل الظاهر، وقال الطحاوي: قول أبي حنيفة وأصحابه في أن من كان منزله في بعض المواقيت أو دونها إلى مكة، فله أن يدخل مكة بغير إحرام، ومن كان منزله قبل المواقيت لم يدخل مكة إلا بإحرام
(2)
، وأخذوا في ذَلِكَ بما روي عن ابن عمر أنه خرج من مكة وهو يريد المدينة، فلما كان قريبًا من قديد بلغه خبر من المدينة رجع فدخل حلالًا
(3)
، وقال آخرون: حكم المواقيت حكم ما قبلها
(4)
.
قال الطحاوي: ووجدنا الآثار تدل على أن ذَلِكَ من خواصه بقوله: "فلا تحل لأحد بعدي" وقد عادت حرامًا إلى يوم القيامة فلا يجوز لأحد أن يدخلها إلا بإحرام، وهو قول ابن عباس والقاسم والحسن
(1)
"المدونة الكبرى" 2/ 378.
(2)
"شرح معاني الآثار" 2/ 259.
(3)
رواه مالك في "الموطأ" ص 273، وابن أبي شيبة 3/ 203 (13524)، والطحاوي 2/ 263، والبيهقي 5/ 178.
(4)
انتهى من "شرح ابن بطال" 4/ 517 - 518. بتصرف.
البصري
(1)
.
وقال ابن بطال: الصحيح في معنى قوله: "لا تحل لأحد بعدي" يريد مثل المعنى الذي حل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو محاربة أهلها وقتالهم، وردهم عن دينهم على ما تقدم في باب: لا يحل القتال بمكة، عن الطبري، وهو أحسن من قول الطحاوي أنه خاص به.
واحتج من أجاز دخولها بغير إحرام أن فرض الحج مرة في الدهر وكذا العمرة، فمن أوجب على الداخل إحرامًا فقد أوجب عليه غير ما أوجب الله
(2)
.
سادسها:
قال ابن بطال: في قتله عليه السلام لابن خطل يوم الفتح حجة لمن قال: إن مكة فتحت عَنْوة، وهو قول مالك وأبي حنيفة وجماعة المتقدمين والمتأخرين، وقال الشافعي وحده: فتحت صلحًا.
وفائدة الخلاف في هذِه المسأله ما ذهب إليه مالك والكوفيون أن الغانمين لا يملكون الغنائم ملكًا مستقرًّا بنفس الغنيمة، وأنه يجوز للإمام أن يمن ويعفو عن جملة الغنائم، ولا خلاف بينهم أنه عليه السلام مَنَّ على أهل مكة وعفا عن أموالهم كلها
(3)
.
سابعها:
استدل به المالكيون، أن من سب الشارع يقتل ولا يستتاب كما فعل بابن خطل، فإنه كان يسبه ويهجوه، وقد عفا عن غيره ذَلِكَ اليوم ممن كان يسبه، فلم ينتفع باستعاذته بالبيت، ولا بالتعلق بأستار الكعبة،
(1)
"شرح معاني الآثار" 2/ 262.
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 519.
(3)
"شرح ابن بطال" 4/ 519.
فدل ذَلِكَ على العنوة، وعلى أن الحدود تقام بمكة على من وجبت عليهم، ولا يعارضه قوله عليه السلام:"من أغلق بابه فهو آمن"
(1)
إلى آخره؛ لأنه عليه السلام أمَّنَ في ذَلِكَ اليوم الناس إلا أربعة نفر، وقال:"اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة" عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وقينتين كانتا تغنيان بهجائه، فسأل عثمان في عبد الله
(2)
، وسيأتي في: الجهاد في باب: قتل الأسير والصبر زيادة في ذَلِكَ -إن شاء الله تعالى
(3)
- وكذا في فتح مكة، عند الكلام على حديث حاطب في الظعينة
(4)
.
(1)
رواه مسلم (1780) في الجهاد والسير، فتح مكة. من حديث أبي هريرة مطولًا.
(2)
رواه أبو داود (2683) كتاب: الجهاد، باب: قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، و (4359) كتاب: الحدود، باب: الحكم فيمن ارتد، والنسائي 7/ 105 - 106، وابن أبي شيبة 7/ 405 (36902) كتاب: المغازي، حديث فتح مكة، والبزار في "البحر الزخار" 3/ 350 - 351 (1151)، وأبو يعلى 2/ 100 - 102 (757)، والطحاوي في "شرح المعاني" 3/ 330، والشاشي 1/ 135 - 136 (73)، والدارقطني 3/ 59، 4/ 167 - 168، والبيهقي 8/ 205 كتاب: المرتد، باب: من قال في المرتد يستتاب مكانه فإن تاب وإلا قتل، وابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 174 - 176، والضياء في "المختارة" 3/ 248 - 251 (1054 - 1055) من طريق أحمد بن المفضل عن أسباط بن نصر قال: زعم السدي، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: لما كان يوم فتح مكة .. الحديث.
والحديث صححه المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 9/ 153، وكذا الألباني في "صحيح أبي داود"(2405)، وانظر:"الصحيحة"(1723).
(3)
سيأتي برقم (3044) باب: قتل الأسير وقتل الصبر.
(4)
سيأتي حديث حاطب هذا برقم (4274) كتاب: المغازي، باب: غزوة الفتح.
19 - باب إِذَا أَحْرَمَ جَاهِلًا وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ
وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
1847 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةٌ [فِيهِ] أَثَرُ صُفْرَةٍ أَوْ نَحْوُهُ، [وَ] كَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِي: تُحِبُّ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ أَنْ تَرَاهُ؟ فَنَزَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ:"اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ". [انظر: 1536 - مسلم: 1180 - فتح: 4/ 63]
1848 -
وَعَضَّ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ -يَعْنِي: فَانْتَزَعَ ثَنِيَّتَهُ- فَأَبْطَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
[2265، 2973، 4417، 6893 - مسلم: 1674 - فتح: 4/ 63]
ثم ذكر فيه حديث يعلى في قصة الجبة.
وقد سلف في باب: غسل الخلوق ثلاث مرات
(1)
، وذكر هنا زيادة في آخره وهي: عض رجل يد رجل -يعني: فانتزع ثنيتيه- فأبطله النبي صلى الله عليه وسلم. وقول عطاء في الناسي والجاهل، خالف فيه مالك، وقد سلف هناك ما فيه. وقول ابن التين: إنه إنما لم يأمره بها لأنه لم يكن وقت لباسه نزل فيه شرع، وإنما نزل فيه بعدما سئل، غريب.
وقال ابن بطال: فيه رد على الكوفيين والمزني في قولهم: إنه من
لبس أو تطيب ناسيًا فعليه الفدية على كل حال، فإنه على خلاف الحديث؛ لأنه لم يأمر الرجل بالكفارة عن لباسه وتطييبه قبل علمه
(1)
برقم (1536) كتاب: الحج.
ورد بهامش الأصل: وفي باب: ما يفعل في الحج، وفي: فضائل القرآن، وفي: المغازي. كذا عزاه الشيخ في الباب المشار إليه في الأصل.
بالنهي عن ذَلِكَ، وإنما تلزم الكفارة من تعمد فعل ما نهي عنه في إحرامه، ولو لزمه شيء لبينه له وأمره به، ولم يجز أن يؤخره.
والشافعي أشد موافقة للحديث؛ لأن الرجل كان أحرم في جبة مطيبة، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذَلِكَ، فلم يجبه حَتَّى أوحي إليه وسري عنه، فطال انتفاعه باللبس والتطيب، ولم يوجب عليه كفارة، فإن الشافعي قال: لا تجب مطلقًا. ومال مالك إلى أنه إن نزع وغسل حالًا، فلا شيء عليه. وهذا احتياط؛ لأن الحلق والوطء والصيد نهي عنها المحرم، والسهو والعمد فيها سواء قالوا: وكذا الصوم.
وفيه رد أيضًا على من زعم أن الرجل إذا أحرم وعليه قميص أن له أن يشقه، وقال: لا ينبغي أن ينزعه؛ لأنه إذا فعل ذَلِكَ فقد غطى رأسه، وذلك غير جائز له، فلذا أمر بشقه، وممن قاله الحسن والشعبي وسعيد بن جبير
(1)
، وجميع فقهاء الأمصار يقولون: من نسي فأحرم وعليه قميص أنه ينزعه ولا يشقه، واحتجوا بأنه عليه السلام أمر الرجل بنزع الجبة ولم يأمره بشقها، وهو قول عكرمة وعطاء
(2)
، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال
(3)
، والحجة في السنة لا فيما خالفها
(4)
.
قال الطحاوي: وليس نزع القميص بمنزلة اللباس؛ لأن المحرم لو حمل على رأسه ثيابًا أو غيرها لم يكن بذلك بأس، ولم يدخل
(1)
رواه عنهم الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 139.
(2)
السابق 2/ 139.
(3)
حديث سيأتي برقم (1477) كتاب: الزكاة، باب: قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} ، رواه مسلم (1715) كتاب: الأقضية، باب؛ النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة. من حديث أبي هريرة.
(4)
انتهى من "شرح ابن بطال" 4/ 520 - 521.
ذَلِكَ فيما نهي عنه من تغطية الرأس بالقلانس وشبهها؛ لأنه غير لابس، فكان النهي إنما وقع من ذَلِكَ على ما يلبسه الرأس لا على ما يغطى به، وكذلك الأبدان نهي عن (لباسها)
(1)
القميص، ولم ينه عن تجليلها بالأُزر؛ لأن ذَلِكَ ليس بلباس المخيط، ومن نزع قميصه فلاقى ذَلِكَ رأسه فليس ذَلِكَ بلابس منه شيئًا، فثبت بهذا أن النهي عن تغطية الرأس في الإحرام إنما وقع على اللباس المعهود في حال الإحلال إذا تعمد فعل ما نهي عنه من ذَلِكَ قياسًا ونظرًا
(2)
.
فصل:
وما ذكر في العض بالأسنان في آخره فهو حجة الشافعي، وخالف
فيه مالك، قال يحيى بن عمر: لم يبلغ مالكًا، وقال به من أصحابه ابن وهب. وستأتي المسألة واضحة في موضعها.
(1)
كذا بالأصل، وفي "شرح معاني الآثار" 2/ 138، و"شرح ابن بطال" 4/ 521: إلباسها.
(2)
"شرح معاني الآثار" 2/ 138 - 139، وهو أيضًا في "شرح ابن بطال" 4/ 521 - 522.
20 - باب المُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الحَجِّ
1849 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ -أَوْ قَالَ: فَأَقْعَصَتْهُ- فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ -أَوْ قَالَ: ثَوْبَيْهِ- وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يُلَبِّى". [انظر: 1265 - مسلم: 1206 - فتح 4/ 63]
1850 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ -أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ- فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تَمَسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا". [انظر: 1265 - مسلم: 1206 - فتح 4/ 63]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ في الذي أوقصته ناقته بعرفة من طريقين.
ثم ترجم عليه:
21 - باب سُنَّةِ المُحْرِمِ إِذَا مَاتَ
1851 -
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلًا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا". [انظر: 1265 - مسلم: 1206 - فتح: 4/ 63]
وذكره أيضًا.
وقد سلف في الجنائز واضحًا
(1)
، وهو قال على أنه لا يتم الحج عنه؛ لأن أثر إحرامه باق. قال المهلب: هو دال على أنه لا يحج أحد عن أحد؛ لأنه عمل بدني كالصلاة لا تدخلها النيابة، ولو صحت فيها النيابة لأمر عليه السلام بإتمام الحج عن هذا مع أنه قد يمكن أن لا يتبع ما بقي عليه من الحج في الآخرة؛ لأنه قد بلغ جهده وطاقته، وقد وقع أجره على الله؛ لقوله:"فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا".
وقال الأصيلي: ثبت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث .. " الحديث
(2)
.
قلت: أشار إلى العلة، وهي الإحرام، وهي عامة في كل محرم، والأصل عدم الخصوص.
(1)
سلف برقم (1265) كتاب: الجنائز، باب: الكفن في ثوبين.
(2)
رواه مسلم (1631) كتاب: الوصية، باب: ما يلحق الإنسان بعد وفاته. من حديث أبي هريرة.
22 - باب الحَجِّ وَالنُّذُورِ عَنِ المَيِّتِ، وَالرَّجُلُ يَحُجُّ عَنِ المَرْأَةِ
1852 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ، بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ:"نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللهَ، فَاللهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ". [6699، 7315 - فتح: 4/ 64]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةَ مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ:"نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْن كُنْتِ قَاضِيَته؟ اقْضُوا اللهَ، فالله أَحَقُّ بِالوَفَاءِ".
هذا الحديث ذكرناه في أوائل الحج بطرقه، وذكرنا فقهه هناك، وقد بوب عليه هنا الرجل يحج عن المرأة، وكأنه أخذه من قوله:"فاقضوا الله" وهو صالح للمذكر والمؤنث، ولا خلاف في حج الرجل عن المرأة وعكسه، إلا الحسن بن صالح فإنه قال: لا يجوز، وعبارة ابن التين: الكراهة فقط، وهو غفلة وخروج عن ظاهر السنة كما قال ابن المنذر؛ لأنه عليه السلام أمرها أن تحج عن أمها، وهو عمدة من أجاز الحج عن غيره.
قال الداودي: وفيه دليل أن معنى قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} [النجم: 39]
إن ما فُعِل عنه من سعيه.
وفيه: أن الحجة الواجبة من رأس المال كالدين وإن لم يوص، وهو قول ابن عباس وأبي هريرة وعطاء وابن سيرين ومكحول وسعيد بن
المسيب وطاوس
(1)
، والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وأبي ثور، وقالت طائفة: لا يحج أحد عن أحد. روي هذا عن ابن عمر والقاسم والنخعي
(2)
، وقال مالك: لا يحج أحد عن أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الإسلام، ولا ينوب عن فرضه. ونقله ابن التين عن أبي حنيفة أيضًا، وهو غريب؛ فإن أوصى بذلك الميت، فعند مالك وأبي حنيفة: يخرج من ثلثه، وهو قول النخعي، وعند الشافعي:
يخرج من رأس ماله.
حجة أهل المقالة الأولى حديث ابن عباس المذكور قالوا: ألا ترى أنه عليه السلام شبه الحج بالدين وهو يقضي وإن لم يوص، ولم يشترط في إجازته ذلك شيئا، وكذلك تشبيهه له بالدين يدل أن ذَلِكَ عليه من جميع ماله دون ثلثه كسائر الديون. وذكر ابن المنذر عن عائشة: اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن بعد موته
(3)
. وحجة من منع الحج عن غيره أن الحج عمل بدني كالصلاة بيانه قوله: "أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته"
(4)
. إنما سألها: هل كنت تفعلين ذَلِكَ؛ لأنه لا يجب عليها القضاء عند عدم التركة
(5)
.
(1)
انظر هذِه الآثار في: "المصنف" 3/ 323، 3/ 361 (15113 - 15116)، و"سنن البيهقي" 3/ 335، 6/ 274.
(2)
رواه ابن أبي شيبة عنهم 3/ 361 (15117 - 15119).
(3)
رواه سعيد بن منصور 1/ 125 (423)، وابن أبي شيبة 2/ 339 (9695).
(4)
سلف برقم (1852).
(5)
انظر: "الأصل" 2/ 504، 505، 511، "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 91 - 94، "المبسوط" 4/ 162، "التفريع" 1/ 315 - 317، "عيون المجالس" 2/ 769 - 772، "القوانين الفقهية" ص 127، "البيان" 4/ 51 - 52، "المهذب" مع شرحه 7/ 75 - 76، "روضة الطالبين" 6/ 196، "المغني 19/ 20.
24 - باب حَجِّ المَرْأَةِ عَنِ الرَّجُلِ
1855 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ الفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ:"نَعَمْ". وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. [انظر: 1513 - مسلم: 1334 - فتح 4/ 67]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ: كَانَ الفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ .. الحديث.
وتقدم أول الحج
(1)
، والترجمة صريحة، وفي أصل ابن بطال بدلها: باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة
(2)
، واستدل بعض الشافعية على أن الولد إذا قال لوالده: أنا أحج عنك. لزمه فرض الحج؛ لأنها قالت: أفأحج عنه؟ قال: "نعم" وأمرها، على أن الحج واجب على أبيها، فكان الظاهر أن السبب الموجود قولها: أفأحج عنه؟ وخالف مالك وأبو حنيفة فقالا: لا يجب عليه بقول ولده شيء.
وفيه: دليل كما قال بعضهم على حج المرأة بدون محرم، وليس كما قال.
(1)
سلف برقم (1813) باب: وجوب الحج وفضله.
وورد بهامش الأصل: وفي نسختي قبل باب حج المرأة عن الرجل باب: الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة، وذكر فيه حديث ابن عباس هذا، فجعله من مسند الفصل، ثم ساقه من سند ابن عباس يعني عبد الله. ثم ذكر باب: حج المرأة عن الرجل.
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 525.
وفيه أيضًا: أن المرأة ليس عليها تغطية وجهها وإنما على الناس أن يصرفوا أعينهم عن النظر إليها
(1)
.
وفيه: أن إحرام المرأة في وجهها ويديها وهو قول الجماعة، وكان الفضل من أجمل أهل زمانه كما سلف.
وفيه: جواز الإرداف إذا كانت مطيقة. وأبعد من قال: إنه خاص بها على اشتراط الاستطاعة، وهي القدرة كما كان سالم مولى أبي حذيفة مخصوصًا برضاعه في حال الكبر
(2)
، مع اشتراط تمام الرضاعة في الحولين، وقد أسلفنا هناك اختلاف العلماء في الذي لا يستطيع أن يستوي على الراحلة لكبر أو ضعف أو زمانة، وقد أتى رجل عليًّا فقال: كبرت وضعفت وفرطت في الحج. فقال: إن شئت جهزت رجلًا فحج عنك. وأن مالكًا وغيره منع النيابة، وأن الثلاثة قالوا بها، وبذل الولد الطاعة استطاعة، خلافًا لأبي حنيفة.
واحتج من أجاز بحديث الباب، وفيه دليلان على وجوب الحج على المعضوب أنها قالت:(إن فريضة الله في الحج أدركت أبي) فأقرها عليه السلام على ذَلِكَ، ولو لم يلزمه، وهي قد أدعت وجوبه على أبيها بحضرته لأنكره وأنه شبهه بالدين في رواية عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر أن يحج عن الشيخ الكبير، قيل: أو ينفعه ذَلِكَ؟ قال: "نعم كما يكون على أحدكم الدين
(1)
قلت: في المسألة خلاف مشهور، وانظر في ذلك:"حجاب المرأة المسلمة" للألباني، ورسائل الشيخ ابن عثيمين والعلامة ابن باز، و"عودة الحجاب"(3/ 417 - 426) للدكتور محمد إسماعيل المقدم.
(2)
حديث رواه مسلم (1453) كتاب: الرضاع، باب: رضاعة الكبير.
فيقضيه وليه عن"
(1)
، والدين الذي يقضى عن الإنسان يكون واجبًا عليه، ومن قضاه أسقط الفرض والمأثم، فكذا هنا؛ لقولها فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ وروى عبد الرزاق: أينفعه أن أحج عنه؟ قال: "نعم" واعترض بأنها قالت: أدركت. ولم تقل: فرضت على أبي. وإنما قالت: إنها نزلت وأبي شيخ، أي: فرضت في وقت أبي شيخ كبير لا يلزمه فرضها، فلم ينكر قولها، أو أنها توهمت أن الذي فرض على العباد يجوز أن يدخل فيه أبوها، غير أنه لا يقدر على الأداء، ولا يمتنع أن يتعلق الوجوب بشريطة القدرة على الأداء، فيكون الفرض وجب على أبيها، ثم وقت الأداء كان عاجزًا؛ لأن الإنسان لو كان واجدًا للراحلة والزاد وكان قادرًا ببدنه لم يمتنع أن يقال له في المحرم: قد فرض عليك الحج، فإن بقيت كذلك إلى وقت الحج لزمك الأداء وإلا سقط عنك. ومعلوم أن فرض الحج نزل في غير وقت الحج المضيق، فإنما سألته في وقت الأداء عن ذَلِكَ.
وقولها: (أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ فقالَ: "نَعَمْ") لا يدل أن الأداء كان مقررًا عليه فسقط بفعلها، ولكنه أراد أنها إن فعلت ذَلِكَ نفعه ثواب ما يلحقه من دعائها في الحج، كما لو تطوعت بقضاء دينه، إلا أنه مثل الدين في الحقيقة؛ لأنه حق لآدمي يسقط بالإبراء، ويؤدى عنه مع القدرة والعجز، وبأمره مع الصحة وغير أمره، ولو كان كالدين إذا حجت عنه ثم قوي وصح سقط عنه، كما يقضى دين المعسر ويستغني.
وراجع ما أسلفناه تجد الجواب.
(1)
رواه بهذا الإسناد الحميدي 1/ 447 (517)، والبيهقي 4/ 328 - 329.
واختلف العلماء في المريض يأمر من يحج عنه ثم يصح بعد ذَلِكَ ويقدر، فقال الكوفيون والشافعي وأبو ثور: لا يجزئه، وعليه أن يحج. وقال أحمد وإسحاق: يجزئه الحج عنه. وكذلك إن مات من مرضه وقد حج عنه، فقال الكوفيون وأبو ثور: يجزئه من حجة الإسلام
(1)
.
قال ابن بطال: وللشافعي قولان أحدهما: هذا، والثاني: لا يجزئ عنه، قال: وهو أصح القولين
(2)
.
(1)
انظر: "المغني" 5/ 21.
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 528.
25 - باب حَجِّ الصِّبْيَانِ
1856 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: بَعَثَنِي -أَوْ قَدَّمَنِي- النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الثَّقَلِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ. [انظر: 1677 - مسلم: 1293، 1294 - فتح: 4/ 71]
1857 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلْتُ وَقَدْ نَاهَزْتُ الحُلُمَ، أَسِيرُ عَلَى أَتَانٍ لِي، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي بِمِنًى، حَتَّى سِرْتُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ نَزَلْتُ عَنْهَا فَرَتَعَتْ، فَصَفَفْتُ مَعَ النَّاسِ وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: بِمِنًى فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. [انظر: 76 - مسلم: 504 - فتح: 4/ 71]
1858 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. [فتح: 4/ 71]
1859 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ الجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ يَقُولُ لِلسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَكَانَ قَدْ حُجَّ بِهِ فِي ثَقَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [6712، 7330 - فتح: 4/ 71]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ يَقُولُ: بَعَثَنِي -أَوْ قَدَّمَنِي- النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الثَّقَلِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ.
وحديثه أيضا: أَقْبَلْتُ وَقَدْ نَاهَزْتُ الحُلُمَ، أَسِيرُ عَلَى أَتَانِ لِي، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي بِمِنًى، حَتَّى سِرْتُ بَيْنَ يَدى بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ نَزَلْتُ عَنْهَا فَرَتَعَتْ .. الحديث. وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ: بِمِنًى فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ.
وحديث السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا ابن سَبْعِ سِنِينَ.
وفي لفظ: حُجَّ بِهِ فِي ثَقَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الشرح: الحديث الأول سلف في الباب
(1)
، والثاني في الصلاة
(2)
، والثالث من أفراده.
والثقل بفتح الثاء والقاف، قال ابن فارس: ارتحل القوم بثقلهم
(3)
.
وضبطه بما ذكرناه، وفي الأصل فيه بإسكان القاف أي: بأمتعتهم، وقال غيره: الثقل في القول، وفي الحديث: يجد للوحي ثقلًا
(4)
.
و (ناهزت): قاربت، وكان عمره إذ ذاك ثلاث عشرة سنة وأشهر، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربع عشرة بخلاف، وهذِه الأحاديث دالة على أن الصبي حجه حج؛ خلافًا لأبي حنيفة، ويعضد هذا حديث ابن عباس في مسلم وهو من أفراده أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء فرفعت امرأة إليه صبيًّا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر"
(5)
وكالصلاة.
وقد اتفق أئمة الفتوى على أنه لا وجوب عليه حَتَّى يبلغ إلا أنه إذا حج به كان له تطوعًا عند مالك والشافعي وجماعة من العلماء، وعلى هذا المعنى حمل العلماء أحاديث الباب.
وقال أبو حنيفة: لا يصح إحرامه
(6)
-كما سلف- ولا يلزمه شيء
(1)
سلف برقم (1677) كتاب: الحج، باب: من قدَّم ضعفه أهله بليل.
(2)
سلف برقم (493)، باب: سترة الإمام سترة من خلفه.
(3)
"المجمل" 1/ 160 مادة [ثقل].
(4)
سلف برقم (2).
(5)
مسلم (1293).
(6)
انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 121، "عيون المجالس" 2/ 835، "البيان" 4/ 18.
عليه بارتكاب محظوره، وإنما يفعل به ذَلِكَ، ويجنب محظوراته على وجه التعليم له، والتمرين عليه، كما قالوا في الصلاة أنها لا تكون صلاة أصلًا، وشذ من لا يعد خلافه فقال: إذا حج الصبي قبل بلوغه أجزأه ذَلِكَ عن حجة الإسلام؛ واحتج بحديث ابن عباس الذي ذكرناه، والحجة عليه في نفيه عنه حج التطوع هذا الحديث، وأضاف الحج الشرعي إليه، فوجب أن تتعلق به أحكامه، وأكد هذا بقوله "ولك أجر" فأخبر أنها تستحق الثواب على إحجاجه، وهذا مذهب ابن عباس وابن عمر وعائشة، وقد روي عن ابن عباس أنه قال لرجل حج بابن صبي له أصاب حمامًا في الحرم: اذبح عن ابنك شاة
(1)
. وقام الإجماع على أن جنايات الصبيان لازمة لهم في أموالهم، وأولوا الحديث أنه عليه السلام أوجب للصبي حجًّا.
قال الطحاوي: وهذا مما قد أجمع الناس عليه، ولم يختلفوا أن للصبي حجًّا كما أن له صلاة، وليست تلك الصلاة بفريضة عليه، فكذلك يجوز أن يكون له حج ولا يكون فريضة عليه، قال: وإنما الحديث حجة على من زعم أنه لا حج للصبي، وأما من يقول أنه له حجًّا، وأنه غير فريضة فلم يخالف الحديث، وإنما خالف تأويل مخالفه خاصة
(2)
.
وقال الطبري: جعل له عليه السلام حجًّا مضافًا إليه كما يضاف إليه القيام والقعود والأكل، وإن لم يكن ذَلِكَ من فعله على الوجه الذي يفعله أهل التمييز باختيار.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 311 (14645) كتاب: الحج، الصبي يعبث بحمام مكة.
(2)
"شرح معاني الآثار" 2/ 257.
قال الطحاوي: وهذا ابن عباس وهو راوي الحديث قد صرف حج الصبي إلى غير الفريضة، ثم روي عن ابن خزيمة بإسناده إلى (أبي الصقر)
(1)
قال: سمعت ابن عباس يقول: يا أيها الناس، أسمعوني ما تقولون، ولا تخرجوا فتقولوا: قال ابن عباس: أيما غلام حج به أهله، فمات فقد قضى حجة الإسلام فإن أدرك فعليه الحج، وأيما عبد حج به أهله فمات فقد قضى حجة الإسلام، فإن عتق فعليه الحج.
وقد أجمعوا
(2)
أن صبيًّا لو دخل وقت صلاة فصلاها ثم بلغ في وقتها أن عليه أن يعيدها، فكذلك الحج
(3)
.
قلت: لا؛ فالأصح فيها لا إعادة. وذكر الطبري: أن هذا تأويل سلف الأمة. وروي أن الصديق حج بابن الزبير في خرقة
(4)
، وقال عمر: أحجوا هذِه الذرية
(5)
، وكان ابن عمر يجرد صبيانه عند الإحرام، ويقف بهم المواقف، وكانت عائشة تفعل ذَلِكَ
(6)
، وفعله عروة بن الزبير
(7)
.
(1)
كذا بالأصل، وفي "شرح معاني الآثار" (2/ 257): أبي السفر، ولعله الصواب، فقد ترجم المزي في "تهذيبه" 11/ 101 (2375): سعيد بن يحمد، أبو السفر الهمداني، روي عن البراء بن عازب، وعبد الله بن عباس، والحديث الذي يرويه هنا، هو عن ابن عباس. والله أعلم.
(2)
ورد بهامش الأصل: وأين الإجماع فمذهب الشافعي يستحب القضاء، والصحيح عدم الوجوب.
(3)
انتهى من "شرح معاني الآثار" 2/ 257.
(4)
رواه ابن الجعد في "مسنده" ص 292 (1980)، وابن أبي شيبة 3/ 338 (14879) كتاب: الحج، الصبي يجتنب ما يجتنب الكبير.
(5)
رواه ابن سعد 8/ 470، وابن أبي شيبة 3/ 203 (13528)، وقال الحافظ في "الإصابة" 4/ 416: سنده جيد.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 338 (14880).
(7)
السابق 3/ 338 (14884).
وقال عطاء: يجرد الصغير ويلبى عنه، ويجنب ما يجنب الكبير، ويقضى عنه كل شيء إلا الصلاة، فإن عقل الصلاة صلاها، فإذا بلغ وجب عليه الحج
(1)
.
واختلفوا في الصبي والعبد يحرمان بالحج، ثم يحتلم الصبي ويعتق العبد قبل الوقوف بعرفة
فقال مالك: لا سبيل إلى رفض الإحرام ويتماديان عليه، ولا يجزئهما عن حجة الإسلام. وقال الشافعي: إذا نويا بإحرامهما المتقدم حجة الإسلام أجزأهما. وعند مالك أنهما لو استأنفا الإحرام قبل الوقوف بعرفة أنه لا يجزئهما من حجة الإسلام، وهو قول أبي حنيفة؛ لأنه يصح عنده رفض الإحرم، وحجة مالك: أن الرب جل جلاله أمر كل من دخل في حج أو عمرة بإتمامه تطوعًا كان أو فرضًا بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] ومن رفض إحرامه لم يتم حجًّا ولا عمرة، وحجة الشافعي في إسقاط تجديد النية أنه جائز عنده لكل من نوى بإهلاله أن يصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة؛ لأنه عليه السلام أمر أصحابه المهلين بالحج أن يفسخوه في عمرة
(2)
، فدل أن النية في الأحرام ليست كالنية في الصلاة. وحجة أبي حنيفة: أن الحج الذي كان فيه لما لم يكن يجزئ عنده، ولم يكن الفرض لازمًا له في حين إحرامه، ثم لما لزمه حَتَّى بلغ استحال أن يشتغل عن فرض قد تعين عليه بنافلة ويعطل فرضه، كمن دخل في نافلة فأقيمت عليه مكتوبة ويخشى فوتها قطعها ودخل في المكتوبة
(1)
السابق 3/ 338 (14877 - 14878، 14881).
(2)
سلف برقم (1560).
وأحرم لها، فكذلك الحج يلزمه أن يجدد له الإحرام؛ لأنه لم يكن فرضًا
(1)
.
تنبيه:
نقل ابن التين عن الشافعي أن الزائد عن نفقة الحضر في مال الصبي، وهو قول له، قال: وكذا ما لزمه من جزاء، والأشهر عندهم أنه لا يركع عنه.
قال ابن القاسم: ولا يرمل به في الطواف، وخالفه أصبغ، ولو حمله رجل ونوى الطواف عنهما أجزأه عند ابن القاسم ويعيد الرجل أستحبابًا، وقال أصبغ: وجوبًا
(2)
، وعن مالك: لا يجزئ عن واحد منهما، والسعي كذلك، وفي الحج بالرضيع قولان عندهم.
(1)
انظر: "شرح معاني الآثار" 2/ 257 - 258، "المبسوط" 149 - 150، "المدونة" 1/ 304، "المنتقى" 3/ 20، "البيان" 4/ 24، "المغني" 5/ 45 - 46.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 359.
26 - باب حَجِّ النِّسَاءِ
1860 -
وَقَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَذِنَ عُمَرُ رضي الله عنه لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ [بْنَ عَوْفٍ]. [فتح: 4/ 72]
1861 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَغْزُوا وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ:"لَكُنَّ أَحْسَنُ الجِهَادِ وَأَجْمَلُهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ". فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَا أَدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1520 - فتح: 4/ 72]
1862 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ -مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يدخلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الحَجَّ. فَقَالَ:"اخْرُجْ مَعَهَا". [3006، 3061، 5233 - مسلم: 1341 - فتح: 4/ 72]
1863 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنَا حَبِيبٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ: "مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ؟ ". قَالَتْ: أَبُو فُلَانٍ -تَعْنِي: زَوْجَهَا- كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ، حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِى أَرْضًا لَنَا. قَالَ:"فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً مَعِي".
رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1782 - مسلم: 1256 - فتح: 4/ 73]
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: عَنْ عَبدِ الكَرِيمِ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
1864 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الَملِكِ بْنِ عُمَيْرِ، عَنْ
قَزَعَةَ -مَوْلَى زِيَادٍ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ -وَقَدْ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثِنْتَيْ عَشْرَةَ -غَزْوَةً -قَالَ: أَرْبَعٌ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ: يُحَدِّثُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْجَبْنَنِي وَانَقْنَنِي: "أَنْ لَا تُسَافِرَ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا صَوْمَ يَوْمَيْنِ: الفِطْرِ وَالأَضْحَى، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاتَيْنِ: بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ: الحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى". [انظر: 586 - مسلم: 827 - فتح: 4/ 73]
وَقَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جدِّهِ: أَذِنَ عُمَرُ رضي الله عنه لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ.
ثم ساق بإسناده
(1)
من حديث عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَغْزُوا وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ:"لَكُنَّ أَحْسَنُ الجِهَادِ وَأَجْمَلُهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ". فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَا أَدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هذا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
ومن حديث أَبِي مَعْبَدٍ -مَوْلَى ابن عَبَّاس- عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله
عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَم، وَلَا يدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنِّي أرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الحَجَّ. فَقَالَ:"اخْرُجْ مَعَهَا".
ومن حديث عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لأُمِّ سِنَانٍ الأنْصَارِيَّةِ: "مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ؟ " .. الحديث، وقد سلف في العمرة، رواه ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس،
(1)
ورد بهامش الأصل: أتى بإسناد نفسه لأن الضمير عائد على الحديث قبله.
عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
. وقال عبيد الله عن عبد الكريم، عن عطاء، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن حديث زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ -وَقَدْ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثِنْتَي عَشْرَةَ غَزْوَةً- قَالَ: أرْبَعٌ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ: يُحَدِّثُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- فَأعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي: "أَنْ لَا تُسَافِرَ امْرَأ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا صَوْمَ يَوْمَيْنِ الفِطْرِ وَالأَضْحَى، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلًاتيْنِ: بَعْدَ العَصرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الصبحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الأقصَى".
الشرح:
التعليق الأول أسنده البيهقي من حديث عبدان، أنا إبراهيم -يعني: ابن سعد- به، وفي آخره: فنادى الناس عثمان: ألا لا يدن منهن أحد ولا ينظر إليهن إلا مد البصر وهن في الهوادج على الإبل، وأنزلهن صدر الشعب، ونزل عثمان وابن عوف بذنبه فلم يتعد إليهن أحد، ثم قال: رواه -يعني: البخاري في "الصحيح"- عن أحمد بن محمد، عن إبراهيم بن سعد مختصرًا
(2)
.
وقال الجياني: أحمد هذا هو ابن محمد بن الوليد الأزرقي أبو محمد المكي
(3)
. و [إبراهيم]
(4)
قال الحميدي في "جمعه" عن البرقاني
(5)
: إنه
(1)
سلف برقم (1782).
(2)
"سنن البيهقي" 4/ 326 - 327.
(3)
انظر: "تقييد المسهل"(3/ 948).
(4)
زيادة يقتضيها السياق.
(5)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ما قاله البرقاني لا يصح؛ لأوجه:
أحدها: أن إبراهيم قد ولد سنة عشر أو بعدها، فلهذا لم يعد في الصحابة. وتوفي =
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. ثم قال: وفيه نظر
(1)
.
وحديث عائشة من أفراده، وسيأتي في باب: جهاد النساء
(2)
،
وحديث ابن عباس أخرجه مسلم أيضًا
(3)
، وقيل: إن أبا معبد أصدق مواليه، وليس في مواليه ضعيف جدًّا إلا شعبة، قال مالك: لم يكن يشبه الفراء.
وحديث أبي سعيد أخرجه مسلم أيضًا
(4)
، وقد سلف في باب: مسجد بيت المقدس
(5)
، وإذن عمر الظاهر أنه في الحج. وقال الداودي: أذن في التقديم ليلًا من مزدلفة إلى مني.
وحديث أبي داود "هذِه ثم ظهور الحصر"
(6)
قاله في حجة الوداع
= سنة 6 وقيل: 95 وهو ابن 75 سنة، كذا قال المزي في "تهذيبه". وقطع بسنه. وتبع فيه ابن عبد البر. ولا يستقيم مع قول ابن عبد البر نقلا عن الواقدي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: ولد أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي عظيم. وقد توفي الأزرقي سنة 323.
الوجه الثاني: قوله عن أبيه، عن جده، وعوف ليس بذي صحبة ولا أسلم حتى يروي الوجه.
(1)
"الجمع بين الصحيحين"(1/ 138 - 139).
(2)
سيأتي برقم (2875) كتاب: الجهاد والسير.
(3)
مسلم (1341) كتاب: الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر.
(4)
مسلم (827) كتاب: الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر بعد حديث رقم (1338).
(5)
سلف برقم (1197) كتاب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة.
(6)
أبو داود (1722) كتاب: المناسك، باب: فرض الحج.
ورواه أيضًا أحمد 5/ 218 - 219، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 168 (903)، وأبو يعلى 3/ 32 (1444)، والطحاوي في "شرح المشكل" 3/ 361 (1859 - تحفة)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 173، والطبراني 3/ 252 (3318)، والبيهقي 4/ 327، 5/ 228. والحديث قال عنه الحافظ في =
يحمل على ملازمة البيوت، فحديثها هنا صريح في الإذن؛ لقوله:"لَكُنَّ أَحْسَنُ الجِهَادِ وَأَجْمَلُهُ الحَجُّ مَبْرُورٌ" ولما سمعت صفية هذا القول منه لم تحج بعدها.
وأعجنني وآنقنني معناهما واحد، قال المهلب: وقوله: "لَكُنَّ أفضل الجهاد حج مبرور" يبطل إفك المتشيعين، وكذب الرافضة فيما اختلقوه من الكذب عليه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأزواجه في حجة الوداع:"هذِه ثم ظهور الحصر".
قلتُ: قد أسلفنا أن أبا داود أخرجه، قال: وهذا ظاهر الاختلاف؛ لأنه عليه السلام حضهن على الحج، وبشرهن أنه أفضل جهادهن، وأذن عمر لهن في الحج، ومسير عثمان وغيره من أئمة الهدى معهن حجة قاطعة على الإجماع على ما كَذَّب به الشارع في أمر عائشة، والتسبب إلى عرضها المطهر.
وكذا قولهم: تقاتلي فلانًا وأنت ظالمة، إفك وباطل لا يصح
(1)
.
وأما سفرها إلى مكة مع غير ذي محرم منها من النسب؛ فالمسلمون كلهم أبناؤها وذوو محارمها بكتاب الله، وكيف أنها كانت تخرج في رفقة
= "الفتح" 4/ 74: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1515).
(1)
قال شيخ الإسلام: أما حديث: تقاتلين عليًا وأنت ظالمة له. فهذا لا يعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة، ولا له إسناد معروف، وهو بالموضوعات المكذوبات أشبه منه بالأحاديث الصحيحة، بل هو كذب قطعًا أ. هـ "منهاج السنة النبوية" 4/ 316.
وقال العيني في "عمدة القارئ" 7/ 401: ليس بمعروف.
قلت: وقع عند المصنف رحمه الله هنا: تقاتلين فلانًا، وكذا هو بالأصل. والذي عند شيخ الإسلام والعيني: تقاتلين عليًا وهو أقرب إلى الصواب. والله أعلم.
مأمونة وخدمة كافية، هذِه الحال ترفع تحريج التنازع على النساء المسافرات بغير ذي محرم، كذلك قال مالك والأوزاعي والشافعي: تخرج المرأة في حجة الفريضة مع جماعة النساء في رفقة مأمونة، وإن لم يكن معها محرم. وجمهور العلماء على جواز ذَلِكَ، وكان ابن عمر تحج معه نسوة من جيرانه
(1)
، وهو قول عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين والحسن البصري
(2)
، وقال الحسن: المسلم محرم ولعل بعض من ليس بمحرم أوثق من المحرم، وقال ابن سيرين: تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به
(3)
.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تحج المرأة إلا مع ذي محرم. وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور وإبراهيم والحسن وفقهاء أصحاب الحديث
(4)
، قال أبو حنيفة: إلا أن يكون بينها وبين مكة أقل من ثلاثة أيام. نقله ابن التين عنه، وحملوا نهيه على العموم في كل سفر، وحمله مالك وجمهور الفقهاء على الخصوص، وأن المراد بالنهي الأسفار غير الواجبة عليها، واحتجوا بعموم قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ} [آل عمران: 97] فدخلت المرأة في هذا الخطاب ولزمها فرض الحج، ولا يجوز أن تمنع المرأة من الفروض كما لا تمنع من الصلاة والصيام، ألا ترى أن عليها أن تهاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام إذا أسلمت فيه بغير محرم، وكذلك كل واجب
(1)
ذكره ابن حزم في "المحلى" 7/ 48 وعزاه لسعيد بن منصور.
(2)
انظر "المصنف" 3/ 366 (15162، 15164).
(3)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 21/ 51.
(4)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 59، "بداية المجتهد" 2/ 628، "البيان" 4/ 36، "المغني" 5/ 30.
عليها لها أن تخرج فيه، فثبت بهذا أن نهيه عن سفرها مع غير ذي محرم أنه أراد بذلك سفرًا غير واجب عليها، ثم اعلم أنه جاء في حديث ابن عباس: المحرم. وفي حديث أبي سعيد: الزوج. وسلف في باب كم تقصر الصلاة: "ليس معها حرمة"
(1)
، وهنا: مسيرة يومين، وهناك: ثلاثة أيام
(2)
، ويوم وليلة
(3)
، ولمسلم: ليلة
(4)
. ولأبي داود: بريد
(5)
. واختلافهما إما بحسب السائل أو لاختلاف المواطن، فأجاب في كلٍّ بما يواقعه، أو يوم وليلة مع جمعهما، أو يكون تمثيلًا لأقل الأعداد وأكثره وجمعه، ويجوز أن يكون الثلاث أولًا ثم رأى المصلحة فيما دونها فمنع من مطلق ما يسمى سفرًا. وعن أحمد رواية ثانية: أن المحرم ليس من شرط لزوم السفر دون الوجوب. وثالثة: أن المحرم ليس بشرط في الحج الواجب، ومذهبه الأولى كما قال ابن قدامة
(6)
، وعن الأوزاعي أن القوافل العظيمة والطرق العامرة، مثل البلاد فيها الأسواق والتجار يحصل الأمن لها دون محرم أو امرأة.
فرع:
قال ابن بطال: اتفق الفقهاء أن ليس للرجل منع زوجته حجة الفريضة، وأنها تخرج للحج بغير إذنه، وللشافعي قول أنها لا تخرج
(1)
سلف برقم (1088) كتاب: تقصير الصلاة. من حديث أبي هريرة.
(2)
سلف برقم (1086) من حديث ابن عمر.
(3)
سلف برقم (1088) من حديث أبي هريرة.
(4)
مسلم (1339/ 419) كتاب: الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر. من حديث أبي هريرة.
(5)
أبو داود (1724) كتاب: المناسك، باب: المرأة تحج بغير محرم.
(6)
"المغني" 5/ 30.
إلا بإذنه، قال: وأصح قوليه ما وافق سائر العلماء
(1)
. قلت: الذي صححه المتأخرون الثاني، وأن له منعها.
وفيه حديث في الدارقطني من حديث ابن عمر، لكن في إسناده مجهول
(2)
. وقد أجمعوا أنه لا يمنعها من صلاة ولا صيام فرض
(3)
، فكذا الحج
(4)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 4/ 533.
(2)
"سنن الدارقطني" 2/ 223. ورواه أيضًا الطبراني في "الأوسط" 4/ 296 (4247)، وفي "الصغير" 1/ 349 (582) من طريق العباس بن محمد بن مجاشع: نا محمد بن أبي يعقوب: نا حسان بن إبراهيم: نا إبراهيم الصائغ، قال: قال نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به.
والحديث ضعفه جمع من الأئمة، فقال عبد الحق في "أحكامه" 2/ 259: في هذا الحديث رجل مجهول يقال له محمد بن أبي يعقوب الكرماني، رواه عن حسان بن إبراهيم الكرماني أ. هـ وتعقبه ابن القطان فقال: محمد بن إسحاق بن أبي يعقوب الكرماني، فهو ثقة، وثقه ابن معين، وأخرج له البخاري في "جامعه"، روى عنه البخاري بالبصرة، وإذا ثبت هذا، فليس ما أعل الخبر به علة، وعلته إنما هي العباس بن محمد بن مجامع، فإنه لا تعرف حاله، فاعلم ذلك. أهـ "بيان الوهم والإيهام" 3/ 289 - 290.
وقال المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 6/ 420 معقبًا على كلام ابن القطان: تابع العباس، أحمد بن محمد الأزرقي كما أخرجها البيهقي في "سننه" من حديثه عن حسان به، ولم يعله البيهقي من طريقته بل بوب له واحتج به. اهـ. بتصرف.
قلت: هو في "سنن البيهقي" 5/ 223 - 224.
وقال في "الخلاصة" 2/ 46 في إسناده مجهول، وهو العباس بن محمد. وقال الهيثمي 3/ 214 - 215: رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط" ورجاله ثقات!! وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4389).
(3)
ورد بهامش الأصل: المراد بالصيام: الصيام الموسع لقضاء رمضان حتى يصح القياس، والصحيح أن له منعها كذا ذكر في النفقات من الرافعي.
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 533.
فرع:
سفرها مع عبدها كالمحرم؛ لأنه محرم، وفي حديث أبي داود:"إنما هو أبوك وزوجك ومولاك"
(1)
.
وأخرج البزار من حديث إسماعيل بن عياش، عن بزيع بن عبد الرحمن، عن عمر مرفوعًا:"سفر المرأة مع عبدها حجة ضيعة"
(2)
.
(1)
أبو داود (4106) كتاب: اللباس، باب: في العبد ينظر إلى شعر مولاته.
ومن طريقه البيهقي 7/ 95 كتاب: النكاح، باب: ما جاء في إبدائها زينتها لما ملكت يمينها. قال الله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31]، والضياء في "المختارة" 5/ 91 (1712) من طريق محمد بن عيسى: ثنا أبو جميع -سالم بن دينار- عن ثابت، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد
…
الحديث، وفي آخره قال صلى الله عليه وسلم:"إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك".
وتابعه سلام بن أبي الصهباء عن ثابت، رواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 317.
قال المنذري: في إسناده: أبو جميع، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو زرعة: مصري لين الحديث أ. هـ "مختصر سنن أبي داود" 6/ 59.
قلت: والحديث أشار المصنف رحمه الله إلى صحته فقال: هذا إسناد جيد، قال الحافظ ضياء الدين في "أحكامه": لا أعلم بإسناده بأسًا، وقال ابن القطان في كتابه "أحكام النظر": لا يبالى بقول أبي زرعة، فإن العدول متفاوتون في الحفظ بعد تحصيل رتبة، والحديث صحيح أ. هـ "البدر المنير" 7/ 510 بتصرف.
وصححه الألباني في "الإرواء"(1799)، وانظر:"الصحيحة"(2868).
(2)
رواه البزار كما في "كشف الأستار"(1076)، وابن الأعرابي في "المعجم" 1/ 102 - 103 (158)، والطبراني في "الأوسط" 6/ 368 (6639) لكنه من طريق إسماعيل بن عياش ثنا بزيع أبو عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعًا به.
قال الهيثمي 3/ 214: فيه: بزيع بن عبد الرحمن، ضعفه أبو حاتم، وبقية رجاله ثقات!
وقال أبو حاتم كما في "العلل" 2/ 298 (2405): هذا حديث منكر، ويرويه ضعيف الحديث، وعزاه الحافظ في "الفتح" 4/ 77 لسعيد بن منصور وقال: في إسناده ضعف، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(3701).
فرع:
قوله في حديث ابن عباس: "اخْرُجْ مَعَهَا" هو للندب لا للوجوب، كما ستعلمه في بابه من الجهاد إن شاء الله تعالى.
فرع:
احتج أبو حنيفة بحديث الباب على أنه أقل ما تقصر فيه الصلاة، ورده البخاري وغيره بحديث أبي هريرة مرفوعًا:"يومًا وليلة" كما سلف في موضعه.
فائدة:
قد أسلفنا: أن ابن مسلمة أضاف إليهن رابعًا وهو: مسجد قباء.
أخرى: قوله: "مَسْجِدِ الأقصَى" هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، ففيه المذهبان المشهوران.
27 - باب مَنْ نَذَرَ المَشْيَ إِلَى الكَعْبَةِ
1865 -
حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا الفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ: حَدَّثَنِي ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ قَالَ:"مَا بَالُ هَذَا؟ ". قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ. قَالَ: "إِنَّ اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ". [وَ] أَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ. [6701 - مسلم: 1642 - فتح: 4/ 78]
1866 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا الخَيْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللهِ، وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ عليه السلام:"لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ". قَالَ: وَكَانَ أَبُو الخَيْرِ لَا يُفَارِقُ عُقْبَةَ.
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الَخيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ. فَذَكَرَ الَحدِيثَ. [مسلم: 1644 - فتح: 4/ 78]
حَدَّثَنَا محمد بْنُ سَلَامٍ، أنا الفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيدِ الطَّوِيلِ أخبرني ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى شَيخًا يُهَادى بَينَ ابنيهِ قَالَ:"مَا بَالُ هذا؟ ". قَالُوا: نَذَرَ أن يَمشِيَ. قَالَ: "إِنَّ اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هذا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ". وَأَمَرَهُ أن يَركَبَ.
ثم ساق حديث أَبي الخَيْرِ -وهو مرثد بن عبد الله اليزني
(1)
- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللهِ، وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ عليه السلام:"لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ". قَالَ: وَكَانَ أَبُو الخَيْرِ لَا يُفَارِقُ عُقْبَةَ.
ثم ذكره بسند آخر
(2)
.
(1)
بهامش الأصل: هذا التوضيح من الشيخ.
(2)
ورد بهامش الأصل: إنما ذكره بسند آخر؛ لأنه ذكره ثانيا أعلى من الأول. لأنه =
الشرح:
هذا الحديث يأتي في الأيمان والنذور أيضًا
(1)
، والفزاري هذا هو أبو إسحاق أو مروان بن معاوية، قاله ابن حزم
(2)
، وكلاهما ثقة إمام، وأما خلف وأبو نعيم والطرقي في آخرين فذكروا أنه مروان، وأخرجه مسلم في النذور عن أبي عمر، ثنا مروان، ثنا حميد، فذكره
(3)
، وأخرجه أبو داود والنسائي والترمذي أيضًا
(4)
، وللترمذي أيضًا من حديث عمران القطان، عن حميد، عن أنس، محسنًا: نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله تعالى، فسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ فقال:"إن الله لغني عن مشيها مروها فلتركب"
(5)
.
والرجل المهادى هو أبو إسرائيل كما قال الخطيب
(6)
، وقال النووي:
= رواه في الأول عن إبراهيم بن موسى، عن هشام بن يوسف، عن ابن جريج، وفي الثاني: عن أبي عاصم، عن ابن جريج، وكذلك (
…
) ابن جريج (
…
) وقوله: ثم ذكره لم يذكره (
…
) وإنما قال: فذكر الحديث.
(1)
يأتي برقم (6701) باب: النذر فيما لا يملك وفي معصية.
(2)
"المحلى" 7/ 264.
(3)
مسلم (1642) كتاب: النذر، باب: من نذر أن يمشي إلى الكعبة.
(4)
أبو داود (3301) كتاب: الأيمان والنذور، باب: ما جاء في النذر في المعصية، النسائي 7/ 19 كتاب: الأيمان والنذور، باب: من نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى، الترمذي (1537) كتاب: النذور والأيمان، باب: ما جاء فيمن يحلف بالمشي ولا يستطيع.
(5)
الترمذي (1536) كتاب: النذور والأيمان، باب: ما جاء فيمن يحلف بالمشي ولا يستطيع: وقال الألباني في "صحيح الترمذي"(1242): حسن صحيح.
(6)
قال الحافظ متعقبًا المصنف رحمه الله: قرأت بخط مغلطاي الرجل الذي يهادى، قال الخطيب: هو أبو إسرائيل، كذا قال وتبعه ابن الملقن وليس ذلك في كتاب الخطيب وإنما أورده من حديث مالك "عن حميد بن قيس وثور أنهما أخبراه أن =
اسمه قيس
(1)
، وقيل قيصر. قلت: لم أر في الصحابة من اسمه قيصر
(2)
، وقيل يسير.
وحديث عقبة أخرجه مسلم أيضًا وقال: أن تحج حافية
(3)
.
ولما أسنده الإسماعيلي قال: حديث هشام بن يوسف، عن ابن جريج، عن سعيد بن أبي أيوب -يعني: طريق البخاري- هذا الحديث مما لا يعرف ويخشى أن يكون غلطًا، وتابع سعيد بن أبي أيوب يحيى بن أيوب، وليس من شرط أبي عبد الله في هذا الكتاب، وأبو عاصم وروح تابعا هشامًا وهما ثقتان. يعني: وقد اتفقا على خلاف سعيد.
قلت: ورواه ابن عباس عن عقبة أخرجه أحمد بزيادة، وشكى إليه ضعفها.
وفيه: "فلتركب ولتهد بدنة"
(4)
، وأخرجه أبو داود أيضًا من حديث
= رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائمًا في الشمس فقال: ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن لا يستظل ولا يتكلم ويصوم، الحديث، قال الخطيب: هذا الرجل هو أبو إسرائيل، ثم ساق حديث عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة فرأى رجلًا يقال له أبو اسرائيل فقال: ما باله؟ قالوا: نذر أن يصوم ويقوم في الشمس ولا يتكلم" الحديث أ. هـ "فتح الباري" 4/ 79.
(1)
"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي 2/ 175.
(2)
ورد بالهامش: قال ابن بشكوال: واسم أبي إسرائيل يسير، وساق له شاهدًا، ثم قال: فأخبرت عن أبي عمر بن عبد البر أنه قال: اسم أبي إسرائيل قسير. والله أعلم.
قلت (المحقق): انظر: "غوامض الأسماء المبهمة"(1/ 238 - 239).
(3)
مسلم (1644).
(4)
"مسند أحمد" 1/ 239. قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 189: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح أ. هـ وأصل القصة في الصحيحين.
ابن عباس أن أخت عقبة. وفيه: "فإنها لا تطيق ذَلِكَ". وفيه: "ولتهد هديًا"
(1)
، ورواه عبد الله بن مالك اليحصبي عن عقبة.
أخرجه الترمذي محسنًا بلفظ: نذرت أن تحج حافية غير مختمرة،
فقال: "مرها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام" وذكره أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن مالك من غير ذكر نسبه
(2)
، وزعم ابن عساكر أنه عبد الله بن مالك أبو تميم الجيشاني، وابن أبي حاتم وغيره يفرقون بين هذين الرجلين، وأما ابن يونس فجعلهما واحدًا. وذكر بعضهم أن قول ابن يونس أولى بالصواب.
ورواه أبو موسى المديني في "الصحابة" من حديث يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن زحر، عن أبي سعيد الرعيني، عن
(1)
أبو داود (3296) كتاب: الأيمان والنذور، باب: ما جاء في النذر في المعصية.
قال الحافظ في "التلخيص" 4/ 178: إسناده صحيح.
(2)
الترمذي (1544) كتاب: النذور والأيمان، وفيه عن عبد الله بن مالك اليحصبي، منسوبًا.
أبو داود (3293) كتاب: الأيمان والنذور، باب: من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية، النسائي 7/ 20. وفيهما عن عبد الله بن مالك غير منسوب، ابن ماجه (2134) كتاب: الكفارات، باب: من نذر أن يحج ماشيًا.
ورواه أيضًا وأحمد 4/ 145، 149، 151، والدارمي 3/ 1506 (2379) كتاب: النذور والأيمان، باب: في كفارة النذر من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبيد الله بن زحر، عن أبي سعيد الرعيني، عن عبد الله بن مالك، عن عقبة بن عامر به.
قلت: وإسناده ضعيف، لضعف عبيد الله بن زحر، ضعفه أحمد، وقال ابن معين: ليس بشيء، ومرة قال: كل حديثه عندي ضعيف، وعن ابن المديني: منكر الحديث. ولهذا ضعف الألباني الحديث في "الإرواء"(2592) مع العلم بأن الحديث أصله بغير هذا الإسناد في الصحيحين كما مر.
عبد الله بن مالك الجهني أن عقبة بن مالك أخبره أن أخت عقبة نذرت أن تمشي إلى البيت حافية غير مختصرة، فذكره
(1)
. وللطحاوي: نذرت أن تحج حافية ناشرة شعرها
(2)
.
وأخت عقبة اسمها أم حبان -بكسر الحاء المهملة، ثم باء موحدة- وذكر أنها من المبايعات
(3)
.
إذا تقرر ذَلِكَ، فأهل الظاهر أخذوا بحديث أنس وعقبة بن عامر وقالوا: من عجز عن المشي فلا هدي عليه اتباعًا للسنة في ذَلِكَ، قالوا: ولا يثبت شيء في الذمة إلا بيقين، وليس المشي مما يوجبه نذر؛ لأن فيه تعب الأبدان، وليس الماشي في حال مشيته في حرمه إحرام فلم يجب عليه المشي ولا بدل منه.
قال ابن حزم: من نذر أن يمشي إلى مكة أو إلى مكان ذكره من الحرم على سبيل التقرب، أو الشكر لله تعالى لا على سبيل اليمين، ففرض عليه المشي إلى حيث نذر للصلاة هنالك أو الطواف بالبيت فقط، ولا يلزمه أن يحج ولا أن يعتمر إلا أن ينذر ذَلِكَ وإلا فلا، فإن شق عليه المشي إلى حيث نذر من ذَلِكَ فليركب ولا شيء عليه، فإن ركب في الطريق كله بغير مشقة في طريقه فعليه هدي، ولا يعوض من ذَلِكَ صيامًا ولا طعامًا، فإن نذر أن يحج ماشيًا فليمش من
(1)
رواه بهذا الإسناد أيضًا أحمد 4/ 151، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 130، وفي "شرح المشكل" كما في "التحفة" 6/ 70 (3953)، والطبراني 17/ 323 (893). وهو ضعيف أيضًا؛ لأن آفته عبيد الله بن زحر، وهو ضعيف، وضعفه الألباني في "الإرواء"(2592) وقد تقدم.
(2)
"شرح معاني الآثار" 3/ 131. ورواه أيضًا عبد الرزاق 8/ 449 (15864).
(3)
انظر ترجمتها في: "أسد الغابة" 7/ 313، "الإصابة" 4/ 439.
الميقات حَتَّى يتم حجه
(1)
.
قلت: قد أسلفنا ذكر الصيام، وأما سائر الفقهاء فلهم في هذِه المسألة ثلاثة أقوال غير هذا:
أولها: روي عن علي وابن عمر: أن من نذر المشي إلى بيت الله فعجز أنه يمشي ما استطاع فإذا عجز ركب وأهدى شاة
(2)
، وهو قول عطاء والحسن
(3)
، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، إلا أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: وكذلك إن ركب وهو غير عاجز، ويكفر عن يمينه لحنثه، وقال الشافعي: الهدي في هذِه احتياط من قبل أنه من لم يطق شيئًا سقط عنه
(4)
، وحجتهم ما رواه همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عقبة بن عامر: أن أخته نذرت المشي إلى بيت الله الحرام فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذَلِكَ فقال: "إن الله لغني عن نذر أختك فلتركب ولتهد"
(5)
.
ثانيها: يعود فيحج مرة أخرى ثم يمشي ما ركب ولا هدي عليه، هذا قول ابن عمر، ذكره مالك في "الموطأ"
(6)
، وروي عن ابن عباس وابن الزبير والنخعي وسعيد بن جبير
(7)
.
(1)
"المحلى" 7/ 263 - 264.
(2)
رواه عبد الرزاق 8/ 448 - 450 (15863، 15869)، وابن أبي شيبة 3/ 94 (12414).
(3)
رواه عن الحسن ابن أبي شيبة 3/ 94 (12417).
(4)
"المبسوط" 4/ 130 - 131، "البيان" 4/ 497.
(5)
رواه من هذا الطريق أبو داود (3296)، وأحمد 1/ 239، وابن الجارود 3/ 210 (936)، والبيهقي 10/ 79. وقد تقدم.
(6)
"الموطأ" ص 292، ورواه أيضًا البيهقي 10/ 81.
(7)
انظرها في "المصنف" 3/ 93 - 94 (12413، 12416، 12419).
ثالثها: يعود فيمشي ما ركب وعليه الهدي، روي عن ابن عباس أيضًا
(1)
، وروي عن النخعي
(2)
وابن المسيب، وهو قول (عن)
(3)
مالك جمع عليه الأمرين المشي والهدي احتياطًا؛ لموضع تفريقه بالمشي الذي كان لزمه في سفر واحد، فجعله في سفرين قياسًا على التمتع والقران.
وقال ابن التين: مذهب مالك: إذا عجز عن مشي البعض فإن ركب الكثير فعنه: يبتدئ المشي كله، وعنه: يرجع فيمشي ما ركب، وإن ركب يومًا وليلة رجع فمشى ما ركب، وإن ركب أقل من ذَلِكَ فليس عليه الرجوع، ويجزئه الهدي
(4)
، ويمكن أن يتأول لحديث أنس وعقبة بوجه موافق لفقهاء الأمصار حَتَّى لا ينفرد أهل الظاهر بالقول بهما، وذلك أن في نصهما ما يبين المعنى فيهما وهو أنه عليه السلام رأى شيخًا يهادى بين ابنيه فقال:"إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه" فبان واتضح أنه كان غير قادر على المشي، وممن لا ترجى له القدرة عليه، ومن كان غير قادر على شيء سقط عنه.
والعلماء متفقون: أن الوفاء بالنذر إنما يكون فيما هو لله تعالى طاعة، والوفاء به بر، ولا طاعةَ ولا برَّ، في تعذيب أحد نفسه، فكأن هذا الناذر قد نذر على نفسه ما لا يقدر على الوفاء به، وكان في معنى أبي إسرائيل الذي نذر ليقومن في الشمس ولا يستظل ويصوم ذَلِكَ اليوم، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يجلس ويستظل ويصوم، ولم يأمره بكفارة.
(1)
رواه عبد الرزاق 8/ 449 (15865)، والبيهقي 10/ 81.
(2)
رواه عبد الرزاق 8/ 449 (15866).
(3)
من (ج).
(4)
"المدونة" 1/ 347.
وقد روي في حديث عقبة بن عامر ما يدل أن أخته كانت غير قادرة على المشي فلذلك لم يأمرها عليه السلام بالهدي، روى الطبري من حديث محمد بن أبي يحيى الأسلمي: حَدَّثَني إسحاق بن سالم، عن عقبة بن عامر: أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة وهي امرأة ثقيلة والمشي يشق عليها، فذكر ذَلِكَ عقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا، مرها فلتركب"
(1)
. فصح التأويل أنها نذرت، وهي في حال من لا ترجى له القدرة على الوفاء بما نذرت كأبي إسرائيل.
والعلماء مجمعون على سقوط المشي عمن لا يقدر عليه فسقوط الهدي أحرى، وإن كان مالك يستحب الهدي لمن عجز عن المشي.
قال الطحاوي: ونظرنا في قول من قال: ليس الماشي في حرمة إحرام، فرأينا الحج فيه الطواف والوقوف بعرفة وجمع، وكان الطواف منه ما يفعله الرجل في حال من إحرامه، وهو طواف الزيارة، ومنه ما يفعله بعد أن يحل من إحرامه، وهو طواف الصدر، وكان ذَلِكَ من أسباب الحج قد أريد أن يفعله الرجل ماشيًا، وكان إن فعله راكبًا مقصرًا، وجعل عليه السلام هذا إذا فعله من غير علة فإن فعله من علة فالناس مختلفون في ذَلِكَ، قال أبو حنيفة وصاحباه: لا شيء عليه، وقال غيرهم: عليه دم؛ وهو النظر عندنا؛ لأن العلل إنما تسقط الآثام في انتهاك الحرمات ولا تسقط الكفارات كحلق الرأس في الإحرام
(2)
، إن حلقه من غير عذر يسقط الإثم والكفارة، فإن اضطر إلى حلقه فعليه الكفارة ولا إثم عليه، وكذلك المشي الذي قبل
(1)
تقدم تخريجه مرارًا بغير هذا الإسناد.
(2)
"شرح معاني الآثار" 3/ 131.
الإحرام، فما كان من أسباب الحج كان حكمه حكم المشي الواجب في الإحرام، يجب على تاركه الدم.
وفيه: وجوب الوفاء بالنذر، وأن من نذر ما لا يستطيع لم يلزمه، وكذا ما يجهده، وإن حلف ولم ينذر ذلك وحلف بالمشي إلى مكة لزمه المشي عند سائر أصحاب مالك، وما يعزى لابن القاسم أنه أفتى في النذر بكفارة يمين، لا يصح.
وقال الشافعي: يلزمه المشي بالنذر، ومن حلف به وجبت فعليه كفارة يمين
(1)
، وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم.
وفيه: قبول خبر الواحد.
(1)
انظر: "البيان" 4/ 498.
29
فضائل المدينة
[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
29 - كتاب] فضائل المدينة
1 - باب مَا جَاءَ في حَرَمِ المَدِينَةِ
1867 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَحْوَلُ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"المَدِينَةُ حَرَمٌ، مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَلَا يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ". [7306 - مسلم: 1366 - فتح: 4/ 81]
1868 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَأَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، فَقَالَ:"يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي". فَقَالُوا: لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ. فَأَمَرَ بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ، فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ. [انظر: 234 - مسلم: 524 - فتح: 4/ 81]
1869 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"حُرِّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ المَدِينَةِ عَلَى لِسَانِي". قَالَ: وَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَنِي حَارِثَةَ فَقَالَ: "أَرَاكُمْ
يَا بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجْتُمْ مِنَ الحَرَمِ". ثُمَّ التَفَتَ فَقَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ فِيهِ". [1873 - مسلم: 1372 - فتح: 4/ 81]
1870 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا كِتَابُ اللهِ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"المَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ". وَقَالَ: "ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ". [قَالَ أبُو عبدِ اللهِ: عَدلٌ: فِدَاءٌ]. [انظر: 111 - مسلم: 1370 - فتح: 4/ 81]
ذكر فيه أربعة أحاديث:
أحدها: عن عَاصِمِ الأَحْوَلِ، عَنْ أَنَس بْنِ مالك رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"المَدِينَةُ حَرَمٌ، مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَلَا يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ، مَنْ أَحْدَثَ فيها حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
ثانيها: حديثه أيضًا من حديث أَبِي التَّيَّاحِ -واسمه يزيد بن حميد- قال: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَأَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، فَقَالَ:"يَا بَني النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي". فَقَالُوا: لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إلى الله. فَأمَرَ بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ، فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ.
ثالثها: حديث أَبِي هُريرَةَ قال: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "حُرِّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ المَدِينَةِ عَلَى لِسَانِي". وَأَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَنِي حَارِثَةَ فَقَالَ: "أَرَاكُمْ يَا بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجْتُمْ مِنَ الحَرَمِ". ثُمَّ التَفَتَ فَقَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ فِيهِ".
رابعها: حديث عَلِيٍّ رضي الله عنه قَال: مَا عِنْدَنَا شَيءٌ إِلَّا كِتَابُ اللهِ، وهذِه الصَّحِيفَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ .. " الحديث بطوله.
الشرح:
حديث أنس أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، ويأتي في الاعتصام
(2)
، وحديث أنس الثاني سلف في المساجد
(3)
.
وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم لكن بزيادة حدها.
وهذا لفظه: حَرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة. قال أبو هريرة: فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها، وجعل اثني عشر ميلًا حول المدينة حمى
(4)
.
وفي رواية له: "ما بين لابتي المدينة حرام"
(5)
، وفي رواية أيضًا:"المدينة حرم"
(6)
.
وحديث علي أخرجه مسلم مطولًا أيضًا بلفظ: "المدينة حرم ما بين عير وثور"
(7)
. ولم يذكر البخاري ثورًا، وإنما عبر عنه بكذا في طرقه كلها، إلا في رواية الأصيلي في كتاب الجزية والموادعة، فإنه وقع له فيها:"إلى ثور".
(1)
مسلم (1366) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة.
(2)
سيأتي برقم (7306) باب: إثم من آوى محدثًا.
(3)
سلف برقم (428) كتاب: الصلاة، باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية.
(4)
مسلم (1372/ 472) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة.
(5)
مسلم (1372/ 471).
(6)
مسلم (1371).
(7)
مسلم (1370).
إذا تقرر ذلك، فالكلام عليه في وجوه:
أحدها:
قوله: ("مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا") وفي رواية: "مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا"
(1)
وأسلفنا "ما بين عير إلى ثور" بإسقاط الألف واختلف الناس فيهما هل هما بالمدينة أو بمكة، والحق أنهما بالمدينة وأنهما معروفان. قال ابن المنير: قوله: "من عير إلى كذا" سكت عن النهاية، وقد جاء في طريق آخر:"ما بين عير إلى ثور"
(2)
.
قال: والظاهر أن البخاري أسقطها عمدًا لأن أهل المدينة ينكرون
أن يكون بها جبلٌ يسمى ثورًا، وإنما ثور بمكة، فلما تحقق عنده أنه وهم أسقطه وذكر بقية الحديث، وهو مفيد يعني: بقوله: "من عير إلى كذا"
(3)
إذ البداءة يتعلق بها حكم، فلا تترك؛ لإشكال سنح في حكم النهاية
(4)
.
قلت: قد أسلفنا أنه ذكرها في الجزية والموادعة، نعم أنكر مصعب الزبيري وغيره هاتين الكلمتين -أعني: عيرًا وثورًا- وقالوا: ليسا بالمدينة، عير بمكة.
قال صاحب "المطالع": بعض رواة البخاري ذكروا عيرًا، وأما ثور فمنهم من كنى عنه بكذا، ومنهم من ترك مكانه بياضًا إذ اعتقدوا الخطأ في ذكره. وقال أبو عبيد: كان الحديث "من عير إلى أحد".
(1)
أحد روايات أحاديث الباب (1870).
(2)
سيأتي هذا الحديث برقم (6755) كتاب: الفرائض، باب: إثم من تبرأ من مواليه.
(3)
ستأتي هذِه الرواية برقم (7300) كتاب: الاعتصام، باب: ما يكره من التعمق والتنازع في العلم
…
(4)
"المتواري على تراجم أبواب البخاري" لابن المنير ص 148.
قلت: وكذا رواه الطبراني في "أكبر معاجمه" من حديث عبد الله بن سلام
(1)
، وقد ذكر البكري عن أبي عبيد أيضًا أنه بالمدينة
(2)
، فلعله رجع آخرًا. وذكر الإمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصري أنه لما خرج رسولًا من صاحب المدينة إلى العراق كان معه دليل يذكر له الأماكن والأجبلة، فلما وصل إلى أحد، إذا بقربه جبيل صغير فسأله: ما اسم هذا الجبل؟ قال: هذا يسمى ثورًا.
قلت: فصح الحديث، ولله الحمد.
وقال المحب الطبري: هو جبل بالمدينة رأيته غير مرة وحددته.
ولما ذكر ياقوت قول عياض قال بعضهم: ليس بالمدينة، ولا على مقربة منها جبل يعرف بأحد هذين الاسمين.
قال: قلت أنا: وهذا من قائله وهمٌ، فإن عيرًا جبل مشهور بالمدينة
(3)
. قال عياض: وبيَّض آخرون موضع ثور في الحديث، ومنهم من روى "من كذا إلى كذا"
(4)
.
وفي رواية النسفي وابن السكن: "من عير إلى كذا وكذا"، وفي وراية أبي علي من رواية أبي كثير.
وقال آخرون: بل الرواية الصحيحة أنه حرم ما بين عير إلى أحد، وأن ثورًا بمكة وعيرًا بالمدينة، وما بين ذلك بإجماعهم غير محرم.
وعير اسم جبل بقرب المدينة، وهو بفتح العين، ثم مثناة تحت ساكنة، ثم راء مهملة.
(1)
الطبراني ص 129 - 130 (174) قطعة من مسانيد من اسمه عبد الله، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 303: رجاله ثقات.
(2)
"معجم ما استعجم" 1/ 350.
(3)
"معجم البلدان" 2/ 86 - 87.
(4)
"إكمال المعلم" 4/ 489.
قاله ابن السيد في "مثلثه"
(1)
وأغرب ابن قدامة حيث قال: يحتمل أن يكون قد أراد قدر ما بين ثور وعير اللذين بمكة، ويحتمل أنه أراد جبلين بالمدينة، وسمَّاهما عيرًا وثورًا تجوُّزًا، وهما احتمالان بعيدان، وعند ثبوت ذلك ومعرفتهما فلا اعتراض ولا احتمال. وكذا قال ابن بطال: عاير جبل بقرب المدينة، ويروى عير، قال: وثور: جبل معروف أيضًا
(2)
. وكذا قال الداودي: عير؛ جبل بالمدينة.
وخالف ابن فارس فقال: بمكة
(3)
. وقيل: إنه بريد في بريد في جوانبها كلها، نقله ابن التين عن الشيخ أبي محمد، ولما رأى بعض الحنفية هذا الاختلاف عده اضطرابًا ورتب عليه أن لا حرم لها،
ولا يسلم له.
ثانيها: حرم مدينة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرناه
(4)
.
واللابتان: الحرتان، وهي أرض بركتها حجارة سود، وهما الطرفان. قال أبو عبيد: وجمعها: لاب ولوب كقارة وقور، وجمعت أيضًا على لابات، ما بين الثلاث إلى العشر، وهما غربية وشرقية
(5)
.
قال ابن حبيب: وتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم لابتي المدينة إنما ذلك في الصيد، فأما في قطع الشجر فبريد في بريد في دور المدينة كله، كذلك أخبرني مطرف عن مالك، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وللمدينة حرتان أيضًا؛ حرة في القبلية وحرة في الجوف، وترجع كلها إلى الحرتين؛ لأن
(1)
"المثلث" لابن السيد البطليوسي 2/ 268.
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 537.
(3)
"مجمل اللغة" المجلد الثاني ص 639.
(4)
ورد بهامش الأصل تعليق نصه: ثم بلغ في الحادي بعد الأربعين كتبه مؤلفه.
(5)
"غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 188 - 189.
القبلية والجوفية متصلتان بهما، ولذلك حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة، جمع دورها كلها في اللابتين، وقد ردها حسان بن ثابت إلى حرة واحدة فقال:
لنا حرة مأطورة بجبالها
…
بني العز فيها بيته فتأهلا
(1)
وقوله: مأطورة يعني: مقطوعة بجبالها؛ لاستدارتها، وإنما جبالها الحجارة السود التي تسمى الحرار
(2)
، وقالوا: أسود لوبي ونوبي، منسوبة إلى اللوبة والنوبة، حكاه في "المحكم"
(3)
.
ثالثها: فإن قلت: ما إدخال حديث أنس في بناء المسجد في هذا الباب بعد قوله: "لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا". قلت: وجهه كما قال المهلب: ليعرفك أن قطع النخل كان ليبوئ المسلمين مسجدًا.
ففيه من الفقه: أن من أراد أن يتخذ جنانًا في حرم المدينة ليعمرها ويغرس فيها النخل، ويزرع فيها الحبوب، أنه لا يتوجه إليه النهي عن قطع شجرها ولا يمنع من قطع ما فيه من شجر الشعراء
(4)
وشوكها؛ لأنه يبتغي الصلاح والتأسيس للسُكنى في موضع العمارة، فهذا يبين وجه النهي أنه موقوف على المفسد لبهجة المدينة ونضرتها وخضرتها لعين المهاجر إليها حتى تبتهج نفسه ويرتاح بمبانيها، وإن كان ابتهاجه بمسجده الذي هو بيت الله عز وجل، ومنزل ملائكته، ومحل وحيه أعظم، والسرور به أشد.
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" (4/ 537 - 538 ووقع فيه: فتأثلا! وهو خطأ.
(2)
انظر: "التمهيد" 6/ 312.
(3)
"المحكم" 12/ 91.
(4)
ورد في هامش الأصل تعليق نصه: الشجر الكبير حكاه في "الصحاح"[2/ 700]. عن أبي عبيد.
وقيل: قطعه صلى الله عليه وسلم للنخيل من موضع المسجد يدل على أن النهي توجه إلى ما أنبته الله تعالى من الشجر، مما لا صنع فيه لآدمي؛ لأن النخيل التي قطعت من موضع المسجد كان لغرس الآدميين؛ لأنه طلب شراء الحائط من بني النجار إذ كان ملكًا لهم، فقالوا: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، وعلى هذا التأويل حمل نهيه صلى الله عليه وسلم عن قطع شجر مكة
(1)
.
واستضعف بعضهم جواب المهلب أن القطع كان للبناء، وفيه مصلحة المسلمين، وقال: يلزمه أن يقول به في حرم مكة أيضًا ولا قائل به، ثم ادَّعى أنه هو ما فهمه البخاري، أنها ليست حرامًا، إذ لو كانت كذلك لم يقطع شجرها، وهو بعيد.
رابعها: اتفق مالك والشافعي وأحمد وجمهور الفقهاء على أن الصيد محرم في المدينة، وقال أبو حنيفة وأصحابه: صيدها غير محرم، وكذلك قطع شجرها، فخالف أحاديث الباب
(2)
، واحتج الطحاوي
(3)
بحديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم دخل دارهم، وكان لأنس أخ صغير، وكان له نغير يلعب به، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا عمير ما فعل النغير؟ "
(4)
ولا حجة فيه؛ لأنه ممكن أن يصاد ذلك النغير من
(1)
سلف برقم (104) كتاب: العلم، باب: ليبلغ العلم الشاهد الغائب، ورواه مسلم (1354) كتاب: الحج. باب: تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها. وسلف أيضًا برقم (1349) كتاب: الجنائز، باب: الاذخر والحشيش في القبر، ورواه مسلم (1353) من حديث ابن عباس وانظر نص الكلام السالف في "شرح ابن بطال" 4/ 538.
(2)
انظر: "شرح معاني الآثار" 4/ 193، "المبسوط" 4/ 106، "المدونة" 1/ 335، "المنتقى" 2/ 253، "المجموع" 7/ 472 - 473، "المغني" 5/ 193.
(3)
"شرح معاني الآثار" 4/ 194.
(4)
سيأتي برقم (6129) كتاب: الأدب، باب: الانبساط إلى الناس، ورواه مسلم (2150) كتاب: الآداب، باب: استحباب تحنيك المولود.
غير حرم المدينة، قالوا: وبدخوله الحرم صار حرميًّا، ولا نسلم لهم ذلك، وروي عن عائشة: كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش، فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتد وأقبل وأدبر، فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل، ربض
(1)
.
قالوا: فحبس الوحش، وإغلاق الباب عليه دليل على إباحته، وفي البيهقي من حديث سلمة بن الأكوع قال: كنت أرمي الوحش، وأهدي لحومها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت تصيد بالعقيق لشيعتك إذا ذهبت وتلقيتك إذا جئت"
(2)
قال البيهقي: حدث به موسى بن إبراهيم، وهو حديث ضعيف، وهو مخالفُ حديث سعد بن أبي وقاص في العقيق
(3)
.
حجة الجماعة أن الصحابة فهمت من النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الصيد في حرم المدينة؛ لأنهم أُمِروا بذلك وأفتوا به، وهم القدوة الذين يجب اتباعهم.
(1)
رواه أحمد 6/ 112 - 113، والبزار كما في "كشف الأستار" (2450) كتاب: علامات النبوة، باب: أدب الحيوانات معه، وأبو يعلى في "المسند" 7/ 418 (4441)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 195، والطبراني في "الأوسط" 6/ 348 (6591)، وقال الهيثمي في "المجمع" 9/ 4: رجال أحمد رجال الصحيح.
(2)
"معرفة السنن والآثار"(7/ 441 - 442)(10618، 1622) وحديث سلمة بن الأكوع رواه أيضا الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 195، والطبراني 7/ 6 (6222)، قال المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/ 151: رواه الطبراني بإسناد حسن وتبعه الهيثمي في "المجمع" 4/ 14، وقال الألباني في "الضعيفة" (5869): منكر جدًّا؛ فيه: موسى بن محمد التيمي متفق على تضعيفه.
(3)
وحديث سعد بن أبي وقاص رواه مسلم (1364) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة.
ورووه أيضًا أبو هويرة وغيره ممن سلف، وسعد في مسلم، ورافع بن خديج، وجابر، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وسهل بن حنيف، وأبو سعيد الخدري، وعدي بن حاتم، وعبادة، وعبد الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت
(1)
، وروى جعفر بن محمد قال: اطلع عليَّ علىُّ بن حسين وأنا أنتف صدغي عصفور فقال: خل سبيله هذا حَرَمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروي عن أبي سعيد الخدري: كان يضرب بنيه إذا صادوا فيه، ويرسل الصيد
(2)
. وأخذ سعد بن أبي وقاص سلب من صاد في
حرمها وقطع شجرها، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
، إلا أن أئمة الفتوى لم
(1)
حديث سعد رواه مسلم (1363).
وحديث رافع بن خديج رواه مسلم أيضًا (1361).
وحديث جابر رواه مسلم (1362).
وحديث عبد الله بن زيد سيأتي برقم (2129) كتاب: البيوع، باب: بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه مسلم (1360).
وحديث سهل بن حنيف رواه مسلم (1375).
وحديث أبي سعيد رواه مسلم (1374).
وحدث عبادة رواه البيهقي 5/ 198 كتاب: الحج، باب: ما جاء في حرم المدينة.
وحديث عبد الرحمن بن عوف رواه الطحاوي 4/ 191 كتاب: الصيد، باب: صيد المدينة، والبيهقي 5/ 198 كتاب: الحج، باب: ما جاء في حرم المدينة، وحديث زيد بن ثابت أخرجه أحمد 5/ 81، والطحاوي 4/ 192، والبيهقي 5/ 199.
وورد بهامش الأصل: حديث زيد في "المسند" وكذلك حديث عبادة بن الصامت من طريقين: أحدهما: رواه عبد الله بن أحمد، عن محمد بن عباد المكي وأبو مروان العثماني، وفيه؛ مما لم يذكره الشيخ، حديث عبد الله بن سلام في تحريم الصيد وقطع الشجر، وكذلك حديث أبي حسن وهو غنم بن عبد عمرو.
(2)
رواه مسلم (1374/ 478) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة.
(3)
رواه مسلم (1364) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة، مقتصرًا على من قطع شجرها. =
يقولوا بأخذ سلبه، وإن كان هو المختار.
قال أبو عمر: واحتج لأبي حنيفة بحديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا: "من وجدتموه يصيد في حدود المدينة، أو يقطع شجرها فخلوا سبيله"
(1)
قال: وقد اتفق العلماء على أنه لا يؤخذ سلبُ من صاد في المدينة، فدل على أنه منسوخ. قال: ويحتمل أن يكون معنى النهي عن صيدها وقطع شجرها؛ لأن الهجرة كانت إليها، وكان بقاء الصيد والشجر مما يزيد في (تزينها)
(2)
ويدعو إلى إلفها، كما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هدم آطام المدينة فإنها من زينة المدينة
(3)
، قال: وليس في حديث سعد حجة؛ لضعفه، ولو صح لم
= وأما أخذه سلب من صاد في حرمها فرواه أبو داود (2037) كتاب: المناسك، باب: في تحريم المدينة، وأحمد 1/ 170، وأبو يعلى في "المسند" 2/ 130 (806)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 191. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1775) "يصيد": منكر، والمحفوظ: يقطع شجرًا.
(1)
في بعض نسخ "التمهيد": "فخذوا سلبه" وقد سبق تخريجه.
(2)
في (ج) تزيينها.
(3)
رواه البزار كما في "كشف الأستار"(1189)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 194، والذهبي في "تذكرة الحفاظ" 3/ 1098 من طريق عبد الله بن عمر بن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن آطام المدينة أن تهدم.
قال الذهبي: غريب، وقال الحافظ في "مختصر زوائد البزار" 1/ 478 (817): إسناده حسن، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 301: رواه البزار عن الحسن بن يحيى، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ.
ورواه الطحاوي 4/ 194، والعقيلي في "الضعفاء" 2/ 311 - 312، وابن عدي في "الكامل" 5/ 272 من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هدم الآطام، وقال:"إنها من زينة المدينة".
وأورد الحافظ في "الفتح" 4/ 83 الحديث بهذا اللفظ، وسكت عليه. =
يكن في نسخ أخذ السلب ما يسقط ما صح من تحريم المدينة
(1)
.
وقوله: ("حُرِّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيِها عَلَى لِسَانِي") يريد أن تحريمها كان بالوحي، فوجب تحريم صيدها وقطع شجرها، إلا أن جمهور العلماء -كما قاله المهلب- على أنه لا جزاء في حرمها، لكنه آثم عندهم من استحله، فإن قال الكوفيون: لما أجمعوا على سقوط الجزاء في حرمها دل أنه غير محرم، فالجواب: أنه لا حجة في هذا؛ لأن صيد مكة قد كان محرمًا على غير هذِه الأمة، ولم يكن عليهم فيه جزاء، وإنما الجزاء على أمة محمد، فليس إيجاب الجزاء فيه علة للتحريم.
وشذ ابن أبي ذئب، وابن نافع صاحب مالك، والشافعي في أحد قوليه، فأوجبوا فيه الجزاء، و (استدل)
(2)
على سقوطه بأنه صلى الله عليه وسلم لمَّا حرمها وذكر ما ذكر، لم يذكر جزاءً على من قتل الصيد، وما كان من جهته صلى الله عليه وسلم ليس ببيان لما في القرآن، فليس بمحرم تحريم القرآن، وإنما هو مكروه حتى يكون بين تحريمه وبين تحريم القرآن فرق.
وحديث سعد السالف في أخذ سلبه فلم يصح عند مالك ولا رأى العمل عليه بالمدينة، ولو صح لأوجب الجزاء على من لا سلب له،
= وأورده الألباني أيضًا بهذا اللفظ في "الضعيفة"(4859) وقال: منكر، ثم قال: وجملة القول: أن الحديث بتمامه منكر، وأما شطره الأول، فمن الممكن تحسينه بمجموع الطريقين الضعيفين عن نافع، ولعل هذا هو وجه سكوت الحافظ على الحديث في "الفتح"، وتحسينه إياه فيما تقدم -قلت: يعني في "مختصر الزوائد" كما أوردته- وإلا فإني أستبعد جدًّا أن يحسن اسنادًا تفرد به العمري- عبد الله بن عمر- الذي جزم هو نفسه بتضعيفه. اهـ.
قلت: ترجمه الحافظ في "التقريب"(3489) وقال: ضعيف.
(1)
انتهى من "التمهيد" 6/ 310 - 311.
(2)
في (ج): استدلوا.
ولو لم يكن على القاتل إلا ما يستر به عورته لم يجز أخذه، وكشف عورته، فثبت أن الصيد ليس مضمونًا أصلًا، ألا ترى أن صيد مكة لما كان مضمونًا لم يفترق حكم الغني والفقير، ومن له سلب ومن لا سلب له في أنه مضمون عليه أي وقت قدر، وقد قال مالك: لم أسمع أن في صيد المدينة جزاء، ومن مضى أعلم ممن بقي، فقيل له: فهل يؤكل؟ فقال: ليس كالذي يصاد بمكة، وإني لا أكرهه.
خامسها: قول عَلِيٍّ رضي الله عنه (قَالَ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ سوى كِتَابُ اللهِ، وَما فِي هذِه الصَّحِيفَةُ).
فيه: رد على ما يدَّعيه الشيعة من أن عليًّا عنده وصية من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد من الدين.
وفيه: جواز كتابة العلم.
سادسها: في حديث أنس وعلي لعنة أهل المعاصي والمعاند لأوامر الشرع، وفيه: أن المحدث في حرم المدينة والمئوي للمحدث في الإثم سواء كما في حرم مكة، وأن من فعل ذلك فهو كبيرة؛ لأن اللعن لا يكون إلا عليها، لاسيما ما في هذا من المبالغة في الطرد والإبعاد عن الجنة لا عن الرحمة، كلعن الكفار.
والمراد باللعن هنا: العذاب الذي يستحقه على ذنبه.
قال الخطابي: روي: محدَثًا -بفتح الدال، معناه: الرأي المحدث في الدين والسنة، أراد الإحداث نفسه، قال: ويروى بكسر الدال، يريد: الذي أحدث وفعله وجاء به
(1)
.
قال أبو عبيد: الحدث كل حد لله تعالى يجب على صاحبه أن يقام
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 926.
عليه، وهو شبيه بحديث في الرجل يأتي حدًّا من الحدود ثم يلجأ إلى الحرم أنه لا يقام عليه فيه، ولكنه يلجأ حتى يخرج منه، فإذا خرج منه أقيم عليه، فجعل الشارع حرمة المدينة كحرمة مكة في المأثم في صاحب الحد أن لا يئويه أحد حتى يخرج منه فيقام عليه الحد
(1)
. وقد سلف ما في هذا.
وقوله: ("آوى") قال القاضي: أوى وآوى بالقصر والمد في الفعل اللازم والمتعدي جميعًا، لكن القصر في اللازم أشهر وأفصح، والمد في المتعدي أشهر وأفصح وبالأفصح جاء القرآن
(2)
، قال تعالى:{إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الكهف: 63] فهذا في اللازم، وقال في المتعدي {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} [المؤمنون: 50].
سابعها: في قول بني النجار: (لا نطلب ثمنه إلا إلى الله).
فيه من الفقه: إثبات الأحباس المراد بها وجه الله؛ لأنهم وهبوا البقعة للمسلمين حبسا موقوفًا عليهم، وطلبوا الأجر على ذلك من الله.
ثامنها: في حديث أبي هريرة من الفقه: أن للعالم أن يقول على غلبة الظن، ثم ينظر فيصحح النظر ويقول بعد ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم لبني حارثة.
تاسعها: قوله: ("لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْف وَلَا عَدْلٌ") هذا يمكن أن يكون في وقت دون وقت إن أنفذ الله عليه الوعيد، ليس هذِه حالهُ عند الله أبدًا؛ لأن الذنوب لا تخرج من الدين إنما يخرج منه الكفر، أعاذنا الله منه.
ومعنى "أَخْفَرَ مُسْلِمًا" نقض عهده. قال الخليل: أخفرت الرجل إذا لم تف بذمته، والاسم الخفور
(3)
، قال ابن فارس، يقال: أخفر عهده:
(1)
"غريب الحديث" 1/ 455.
(2)
"إكمال المعلم" 4/ 486.
(3)
"العين" ص 256 مادة: (خفر).
نقضه، وخفره إذا أمنه، وأخفرته: جعلت معه خفيرًا. قال: وأخفرت الرجل: نقضت عهده
(1)
.
والذمة: العهد والأمان، فأمان المسلم للكافر صحيح ويحرم التعرض له ما دام في الأمان.
وقوله: "يسعى بها أدناهم" حجة لمن أجاز أمان العبد والمرأة وهو مذهب مالك والشافعي، لأنهما أدنى من الأحرار الذكور، وأبى ذلك أبو حنيفة فقال: إلا أن يكون سيده أذن له في القتال
(2)
.
والصرف والعدل قال أبو عبيدة: العدل: الحيلة. وقيل: المثل.
وقيل: الصرف: الدية، والعدل: الزيادة. وقال أبو عبيد عن مكحول: الصرف: التوبة، والعدل: الفدية. قال أبو عبيد: تصديقه في القرآن قوله: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} [الأنعام: 70] وأما الصرف فلا أدري قوله تعالى: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا} . [الفرقان: 19] من هذا أم لا، وبعض الناس يحمله على هذا. ويقال: إن الصرف النافلة، والعدل: الفريضة. قال أبو عبيد: والتفسير الأول أشبه بالمعنى
(3)
.
وعكس الحسن فقال: الصرف: الفريضة، والعدل: النافلة، وقال الأصمعي: الصرف: التوبة، والعدل: الفدية، وروي ذلك مرفوعًا
(4)
.
(1)
"المجمل" 2/ 297.
(2)
انظر: "التمهيد" 21/ 188، "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" 2/ 739.
(3)
"غريب الحديث" 1/ 455.
(4)
رواه الطبري في "تفسيره" 1/ 307 (887) قال: حدثني نجيح بن إبراهيم قال: حدثنا علي بن حكيم، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عمرو بن قيس الملائي، عن رجل من بني أمية -من أهل الشام أحسن عليه الثناء- قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما العدل؟ قال: "العدل الفدية". =
وقال يونس: الصرف: الاكتساب، والعدل: الفدية. وقال أبو علي البغدادي: الصرف: الحيلة والاكتساب، والعدل: الفدية والدية، صحيح في الاشتقاق، فأما من قال: الصرف: الفريضة، والعدل: النافلة، والصرف: الدية، والعدل: الزيادة على الدية، فغير صحيح في الاشتقاق.
وقال الطبري: الصرف مصدر من قولك: صرفت نفسي عن الشيء، أصرفها صرفًا. وإنما عني به في هذا الموضع صرف راكب الذنب وهو المحدث في الحرم حدثًا من سفك دم، أو استحلال محرمٍ، فلا تقبل توبته، والعدل: ما يعدله من الفدية والبدل، وكل ما عادل الشيء من غير جنسه وكان له مثلًا من وجه الجزاء لا من وجه المشابهة في الصورة والخلقة فهو له عدل -بفتح العين- ومنه قوله تعالى:{وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} [الأنعام: 70] بمعنى وإن تفد كل فدية. وأما العدل -بكسر العين- فهو مثل الحمل المحمول على الظهر، يقال: عندي غلام عِدل غلامك، وشاة عِدل شاتك -بكسر العين- إذا كان يعدله، وذلك في كل مثل الشيء من جنسه، فإذا أراد أن عنده قيمته من غير جنسه فتحت العين، فتقول: عندي عَدل شاتك من الدراهم. وقد ذكر عن بعض العرب أنهم يكسرون العين من العِدل الذي هو الفدية، وذلك لتقارب معنى العدل عندهم.
= قلت: وهو حديث ضعيف؛ فيه مبهم، وهذا المبهم ليس صحابيًا، إذ لو كان صحابيًا لصح الحديث؛ لأن إبهام الصحابي لا يضر الحديث؛ لأن الصحابة كلهم عدول، وهذا الرجل المبهم الراجح أنه تابعي؛ لأن الراوي عنه وهو عمور بن قيس الملائي، ترجمة الحافظ في "التقريب" (5100) قال: ثقة متقن عابد، من السادسة مات سنة بضع وأربعين، والطبقة السادسة عند الحافظ كما أوضح في مقدمة كتابه: طبقة لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة فالحديث مرسل فيه مبهم.
وفي "المحكم": الصرف: الوزن، والعدل: الكيل، وقيل: الصرف: القيمة، والعدل: الاستقامة
(1)
.
قال عياض: قيل في معنى ذلك: أي لا تقبل فريضته ولا نافلته قبول رضى وإن قبلت قبول جزاء. وقيل: القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بها. قال: وقد تكون بمعنى الفدية هنا؛ لأنه لا يجد في القيامة فداء يفتدي به، بخلاف غيره من المذنبين الذين يتفضل الله على من شاء منهم بأن يفديه من النار، يهودي أو نصراني
(2)
، كما ثبت في الصحيح
(3)
.
وقال ابن التين: تحصلنا على ستة أقوال في الصرف: الحيلة، النافلة، التوبة، الفريضة، الاكتساب، الوزن، والعدل أربعة: النافلة، الفدية، الفريضة -قاله البخاري وغيره- الكيل، قاله القزاز عن غيره. وقال ابن فارس: العدل: الفداء هنا
(4)
.
عاشرها: معنى قوله: "غَيْرِ مَوَالِيهِ" يحتمل الحلف والموالاة، ولم يجعل إذن الموالي شرطًا في جواز ادعاء نسب أراد، لكن ذكره توكيدًا للتحريم، يبينه الحديث الآخر:"مَنْ تَوَلَّى غيرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ"
(5)
.
(1)
"المحكم" 8/ 201.
(2)
"إكمال المعلم" 4/ 487. بتصرف.
(3)
روى مسلم (2767) كتاب: التوبة، باب: قبول توبة القاتل وإن كثر قتله. عن أبي
موسى الأشعري مرفوعًا: "إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلى كل مسلم يهوديًا أو نصرانيًا، فيقول: "هذا فكاكك من النار".
(4)
"مجمل اللغة" 3/ 652.
(5)
رواه مسلم (1508) كتاب: العتق، باب: تحريم تولي العتيق غير مواليه، من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
2 - باب فَضْلِ المَدِينَةِ، وَأَنَّهَا تَنْفِي النَّاسَ
1871 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى يَقُولُونَ: يَثْرِبُ، وَهْيَ المَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ". [مسلم: 1382 - فتح: 4/ 87]
ذكر فيه حديث مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، سَمِعْتُ أَبَا الحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى يَقُولُونَ: يَثْرِبُ، وَهْيَ المَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
قال ابن عبد البر: كذا هو في "الموطأ" عند جماعة الرواة، ورواه إسحاق بن عيسى الطباع، عن مالك، عن يحيى، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وهو خطأ
(2)
. ورواه الدارقطني في "غرائب مالك" كما رواه الطباع من حديث أحمد بن بكر بن خالد السلمي، عن مالك، وأخرجه مسلم بلفظ:"ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها نفي الكبير خبث الحديد"
(3)
.
وفي كتاب "أسباب الحديث" لعبد الغني بن سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا لما جاءه الأعرابي يستقيله البيعة.
وفي "الموطأ" للدارقطني: قال يونس: قال ابن وهب: قلت
(1)
مسلم (1382) كتاب: الحج، باب: المدينة تنفي شرارها.
(2)
"التمهيد" 23/ 170.
(3)
مسلم (1381).
لمالك: "ما تأكل القرى؟ " قال: تفتحها. وفي رواية ابن حبيب عنه: بفتح القرى، وتفتح منها القرى؛ لأن من المدينة افتتحت المدائن كلها بالإسلام.
وقال ابن بطال: معنى "تأكل القرى" أي: بفتح أهلها القرى، فيأكلون أموالهم، ويسبون ذراريهم، ويقتلون مقاتلتهم، وهذا من فصيح كلام العرب، تقول: أكلنا بني فلان، وأكلنا بلد كذا. إذا ظهروا على أهله وغلبوهم، وقال الخطابي:"تأكل القرى" يريد أن الله ينصر الإسلام بأهل المدينة وهم الأنصار- وتفتح على أيديهم القرى، ويغنمها إياهم فيأكلونها، وهذا في الاتساع والاختصار كقوله تعالى:{وَسئَلِ اَلقَريَةَ} [يوسف: 82] يريد أهلها. وكان صلى الله عليه وسلم قد عرض نفسه على قبائل العرب أيهم ينصره فيفوز بالفخر في الدنيا والثواب في الآخرة، فلم يجد في القوم من يرضى بمعاداة من جاوره، ويبذل نفسه وماله لله، فمثل الله تعالى المدينة في منامه، ورأى أنه يؤمر بالهجرة إليها، ووصف ذلك للصديق، وقد كان عاقد قومًا من أهلها، وسألوه أن ينظروا فيما يريدون أن يعقدوا معه، فخرج مع الصديق إلى المدينة، ففتح الله بها جميع الأمصار، حتى مكة التي كانت موطنه
(1)
.
وقال ابن التين: معنى "تأكل القرى": تفتحها منها، ويأكل أهلها غنائم القرى. قال القاضي عبد الوهاب: لا معنى لقوله: "تأكل القرى" إلا رجوع فضلها عليها وزيادتها على غيرها.
وقال النووي: معناه: أنها مركز جيوش الإسلام في أول الأمر، وأن
(1)
انتهى من "شرح ابن بطال" 4/ 543.
أكلفا وميرتها يكون من القرى المفتتحة، وإليها تساق غنائمها
(1)
.
وقوله: ("أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ") يريد: أمرت بالهجرة إليها، قاله ابن بطال
(2)
، وابن التين، فإن كان قاله بمكة فلا نسخ، وإن كان بالمدينة فبسكناها.
وقوله: ("يَقُولُونَ: يَثْرِبُ") يعني: أن بعض الناس من المنافقين يسمونها كذلك، فكره أن تسمى باسمها في الجاهلية، وسماها الله فلا تسمى بغير ما سماها، وكانوا يسمونها يثرب باسم أرض بها، فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها وسماها طيبة وطابة
(3)
؛ لحسن لفظها؛ كراهة التثريب، وهو التوبيخ والملامة، وإنما سميت في القرآن بها على وجه الحكاية لتسمية المشركين، وفي "مسند أحمد" كراهية تسميتها بذلك
(4)
، وقد روي عنه أنه قال:"من قال: يثرب فكفارته أن يقول: المدينة، عشر مرات"
(5)
، يريد بذلك التوكيد أن يقال لها: المدينة،
(1)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 9/ 154.
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 542.
(3)
ورد بهامش الأصل: في مسلم مرفوعًا أن الله تعالى سماها طابة، وفي غيره من قوله صلى الله عليه وسلم:"هي طابة هي طابة" كأن الشيخ أشار، إلى ما رواه أحمد فقال: حدثنا إبراهيم بن مهدي: ثنا صالح ابن عمر، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله عز وجل هي طابة، هي طابة" والظاهر أنه متمسك عيسى بن دينار.
(4)
"مسند أحمد" 4/ 285 من حديث البراء مرفوعًا: "من سمى المدينة يثرب فليستنفر الله عز وجل هي طابة هي طابة". وكذا رواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" 1/ 165، وأبو يعلى 3/ 247 - 248 (1688)، والروياني 1/ 240 (346)، وابن عدي في "الكامل" 9/ 165، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4607).
(5)
أورده البخاري في "التاريخ الكبير" 6/ 217، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 6/ 148، ورواه العقيلي في "الضعفاء" 3/ 198، وأورده ابن عدي في =
وصارت معرفة بالألف والسلام لأنها انفردت بجميع خصال الإسلام، ولا يقول أحد: المدينة لبلد فيعرف ما يريد القائل إلا لها خاصة.
وقال عيسى بن دينار: من سماها بذلك كتبت عليه خطيئة.
قلت: كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره القبيح
(1)
، وطيبة من الطيب، وهو الرائحة الحسنة، والطاب والطيب لغتان بمعنى، وقال الخطابي: لطهارة تربتها، وقيل: من طيب العيش بها. وقال البكري في "معجمه": سميت بيثرب بن قابل بن إرم بن سام بن نوح؛ لأنه أول من نزلها
(2)
.
وفي "مختصر الزاهر" لأبي إسحاق الزجاجي
(3)
: سميت بيثرب بن
= "الكامل" 6/ 298 في ترجمة عثمان بن خالد (1334)، وقال منكر الحديث، وكذا أورده الذهبي في "الميزان" 3/ 429، والحافظ في "اللسان" 4/ 133 من طريق إبراهيم بن طهمان، عن عباد بن إسحاق، عن عثمان بن حفص، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم من قال:"يثرب مرة مرة فليقل المدينة عشرًا".
قلت: عثمان بن حفص قال البخاري: في إسناده نظر، وقال بعد أن أورد هذا الحديث في ترجمته: لا يتابع عليه.
(1)
دل على ذلك حديث رواه أحمد 1/ 427، 304، 319، والطيالسي 4/ 408 - 409 (2813)، وابن حبان 13/ 139 - 140 (5825)، وابن عدي 6/ 448، والبغوي في "شرح السنة" 12/ 175 (3254) من حديث عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يتطير وكان يحب الاسم الحسن. قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 47: فيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف بغير كذب، وصححه الألباني في "الصحيحة"(777).
(2)
"معجم ما استعجم" 4/ 1389.
(3)
قلت: هو شيخ العربية أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق -لا أبو إسحاق كما ذكر المصنف رحمه الله الزجاجي البغدادي النحوي، توفي سنة أربعين وثلاث مائة بطبرية. انظر:"سير أعلام النبلاء" 15/ 475 (268) قال حاجي خليفة في "كشف =
(قابلة)
(1)
بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوص بن إرم بن سام؛ لأنه أول من سكنها عند الغرق وبناها، ونزل أخوه خيبر بن قابلة بخيبر.
واشتقاق المدينة من دان إذا أطاع، أو من مدن بالمكان إذا أقام به، وجمعها: مدن بإسكان الدال وضمها، ومدائن بالهمز وتركه، وهو الفصيح، وبه جاء القرآن. قال ابن سيده: المدينة: الحصين يبنى في أُصْطُمَّةِ الأرض، وعن الفارسي: مدينة، فعيلة، وإذا نسب إلى المدينة فالرجل والثوب مدني، والطير ونحوه مديني
(2)
.
قال سيبويه: وأما قولهم: مدائني، كأنهم جعلوا هذا البناء اسمًا للبلد.
وفي "الجامع": قيل: هي مفعلة، أي: تملكت وفي "الصحاح": إذا
نسبت إلى مدينة المنصور قلت: مديني، وإلى مدائن كسرى، قلت: مدائني
(3)
. وفي "مختصر العين": رجل مديني، وحمام مدني.
وقوله: ("تَنْفِي النَّاسَ") قال ابن فارس: نفي الشيء ينفيه نفيًا، وانتفي هما
(4)
. وحكى الهروي عن أبي منصور: نفيت الشيء نفيًا، قال: وهو حرف صحيح غريب في اللغة.
= الظنون" (2/ 947): "الزاهر" في معاني الكلام الذي يستعمله الناس لأبي بكر محمد بن أبي محمد القاسم الأنباري النحوي، المتوفي سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة، وهو مجلد، شرحه واختصره الشيخ الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي المتوفي سنة أربعين وثلاثمائة.
(1)
كذا بالأصل، وفي "معجم ما استعجم"(4/ 1389)، و"معجم البلدان" (5/ 430): قانية، ولعله الصواب.
(2)
"المحكم" 10/ 71.
(3)
"الصحاح" 6/ 2201.
(4)
"مجمل اللغة" 4/ 877.
ومعنى الحديث: من أراد الله عز وجل نقص حظه من الأجر قيضه للخروج منها؛ رغبة عنها.
قال ابن عبد البر: وأراد شرارهم، ألا ترى أنه مثل ذلك وشبهه بما يصنع الكبير في الحديد، والكير إنما ينفي رديء الحديد، وخبثه ولا ينفي جيده. قال: وهذا عندي -والله أعلم- إنما كان في حياته، فحينئذ لم يكن يخرج من المدينة؛ رغبة عن جواره فيها إلا من لا خير فيه، وأما بعد وفاته فقد خرج منها الخيار والفضلاء والأبرار
(1)
. وكذا قال القاضي: الأظهر أنه يختص بزمنه؛ لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه إلا من ثبت إيمانه
(2)
.
قال النووي: وهذا ليس بظاهر؛ لأن في "صحيح مسلم": "لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكبير خبث الحديد"
(3)
وهذا -والله أعلم- زمن الدجال
(4)
.
والكير هو قار الحديد والصائغ، وليس الجلد الذي تسميه العامة كيرًا، قال أهل العلم باللغة: ومنه حديث أبي أمامة وأبي ريحانة مرفوعًا: "الحمى كير من جهنم، وهي نصيب المؤمن من النار"
(5)
.
(1)
"التمهيد" 23/ 171.
(2)
"إكمال المعلم" 4/ 500.
(3)
مسلم (1381).
(4)
"شرح صحيح مسلم" 9/ 154.
(5)
حديث أبي أمامة رواه أحمد 5/ 252، 264، وأحمد بن منيع في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 4/ 414 (3853)، والروياني في "مسنده" 2/ 312 (1269)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 7/ 368 - 369 (5355 - تحفة)، والطبراني 8/ 93 (7468)، والبيهقي في "الشعب" 7/ 161 (9843)، والخطيب في "تالي التلخيص" 2/ 362 (218)، وابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 359، =
وفي "المحكم": الكبير: الزق الذي ينفخ فيه الحداد، والجمع: أكيار وكيرة. وأما ثعلب فقال في "فسيره" مقاديم كيران ضخام الأرانب: إن مقاديم الكيران تسوَد من النار، فكسَّر كيرًا على كيران.
قال: وليس ذلك بمعروف في كتب اللغة، إنما الكيران جمع الكور، وهو الرحل. ولعل ثعلبًا إنما قال: مقاديم الأكيار
(1)
.
قلت: قد ذكر ابن دريد وغيره أكيارًا في الجمع. وفي "الجامع" للقزاز: الكبير هو الذي ينفخ فيه؛ ولذلك قال الشاعر: غير مستعار، وإنما يريد الزق. وقال قوم: الكبير: الزق، والكور: هو البناء، وأنكره أكثرهم. وفي الحديث ما يدل على صحة اللغتين. وفي "الصحاح" و"المجمل": عن أبي عمرو: كير الحداد، هو زق أو جلد غليظ ذو حافات
(2)
.
وقال ابن التين: إنه الفرن المبني يحمى، فيخرج منه خبث الحديد، وفيه لغتان: كير وكور، ثم ذكر ما نقله القزاز السالف قبل، والصواب أن يكون الكبير المذكور في الحديث الفرن؛ لأنه هو الذي يسبك فيه الحديد، ففيه يخرج الخبث.
= 23/ 171، والمزي في "التهذيب" 33/ 414 - 415، وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 305 فيه أبو حصين الفلسطيني ولم أر له راويًا غير محمد بن مطرف. وانظر:"الصحيحة"(1882) وحديث أبي ريحانة رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 7/ 63، والطحاوي 7/ 369 (5356 - تحفة)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 345، والبيهقي في "الشعب" 7/ 161 - 162 (9846)، وابن عبد البر 6/ 360.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "التخويف من النار" ص 251: حديث: "الحمى حظ المؤمن من النار". إسناده ضعيف. وانظر "الصحيحة"(1882).
(1)
"المحكم" 7/ 81.
(2)
"الصحاح" 2/ 811، "المجمل" 3/ 774.
ومثله الحديث الآخر: "مثل الجليس السوء كمثل صاحب الكبير، إن لم يلحقك شرره لحقك نتنه"
(1)
قال أبو عبد الله بن أبي صفرة: هذا الحديث حجة لمن فضَّل المدينة على مكة؛ لأنها هي التي أدخلت مكة وسائر القرى في الإسلام، فصارت القرى ومكة في صحائف أهل المدينة، وإليه ذهب مالك وأهل المدينة، وروي عن أحمد خلافًا لأبي حنيفة والشافعي، وقد أوضحنا المسألة في باب: فضل مسجد مكة والمدينة، فراجعه.
قال أبو محمد ابن حزم: روى القطع بتفضيل مكة على المدينة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جابر وأبو هريرة وابن عمر وابن الزبير وعبد الله بن عدي -منهم ثلاثة مدنيون- بأسانيد في غاية الصحة
(2)
، قال: وهو قول
(1)
سيأتي برقم (2101) كتاب: البيوع، باب: في العطار وبيع المسك، ورواه مسلم (2628) كتاب: البر والصلة، باب: استحباب مجالسة الصالحين. من حديث أبي موسى الأشعري.
(2)
حديث جابر رواه ابن ماجه (1406) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأحمد 3/ 343، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" عز وجل "تحفة" 1/ 437 (423)، وابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 27.
بلفظ: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه". قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 2/ 13: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1155).
وحديث أبي هريرة رواه النسائي في "الكبرى" 2/ 480 (4254)، وأبو يعلى 10/ 362 (5954) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بسوق في مكة:"والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله عز وجل، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت".
وحديث ابن عمر رواه الطبراني 12/ 361 - 362 (13347) بنحو حديث أبي هريرة. =
جماعة الصحابة وجمهور العلماء
(1)
.
واحتج
(2)
مقلدو مالك بأخبار ثابتة، منها قوله:"إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم"
(3)
.
= وحديث ابن الزبير رواه أحمد 4/ 5، وعبد بن حميد في:"المنتخب" 1/ 465 (520)، والفاكهي في "أخبار مكة" 2/ 89 - 90 (1183)، والبزار كما في "الكشف"(425)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" كما في "التحفة" 1/ 436 (421)، وابن حبان 4/ 499 (1620)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 322 - 323، والبيهقي 5/ 246، وابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 24 - 25. بنحو حديث جابر. قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 4 - 5: رواه أحمد والبزار والطبراني، ورجال أحمد
والبزار رجال الصحيح.
والحديث أصله سلف برقم (1190)، ورواه مسلم (1394).
وحديث عبد الله بن عدي، رواه الترمذي (3925) كتاب: المناقب، باب: في فضل مكة، وابن ماجه (3108) كتاب: المناسك، باب: فضل مكة، وأحمد 4/ 305، والدارمي 3/ 1623 - 1633 (2552) كتاب: السير، باب: إخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1/ 244 - 245، والفاكهي 4/ 206 - 207 (2514)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 1/ 447 - 448 (621 - 622)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 479 - 480 (4252 - 4253)، وابن حبان 9/ 22 (3708)، والحاكم 3/ 280، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 289، والمزي في "التهذيب" 15/ 291 - 292. بنحو حديث أبي هريرة.
وهذا الحديث أشار الترمذي إلى صحته، وكذا أبو حاتم وأبو زرعة كما في "العلل" 1/ 280 (830)، وصححه الألباني في "الثمر المستطاب" 1/ 509.
(1)
"المحلى" 7/ 290.
(2)
من هذا الموضع هو من كلام ابن حزم، وسيطيل المصنف رحمه الله النفس في النقل عنه، وأحيانًا يتكلم المصنف في أثناء كلام ابن حزم، ويصدره بقوله: قلت: ثم يستكمل النقل عنه. انظر: "المحلى" 7/ 279 - 289.
(3)
سيأتي برقم (2129) كتاب: البيوع، باب: بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه مسلم (1362) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة، من حديث جابر.
وهذا لا حجة لهم فيه، إنما فيه الحرمة فقط، وبقوله:"اللهم بارك لنا في تمرنا ومدنا"
(1)
وبقوله: "اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة"
(2)
ولا حجة فيه، إنما فيه الدعاء للمدينة، وليس من باب الفضل في شيء، وبقوله:"المدينة كالكير"
(3)
ولا حجة فيه؛ لأن هذا إنما هو في وقت دون وقت، وقوم دون قوم، وخاص دون عام، وبقوله في النسائي:"ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا المدينة ومكة"
(4)
ومعنى وطئه: أَمره وتقويه، لا يمكن غير هذا تفسير لما أسلفناه.
قلت: لكن ظاهر حديث فاطمة بنت قيس في مسلم: "فلا يدع قرية إلا هبطها"
(5)
يخالفه، وفي "الأوسط" للطبراني من حديث أبي هريرة وابن عمر مرفوعًا "ينزل الدجال خندق المدينة، فأول من يتبعه النساء والإماء" الحديث
(6)
.
(1)
يأتي برقم (1889) كتاب: فضائل المدينة، باب: كراهية النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة، ورواه مسلم (1376) كتاب: الحج، باب: الترغيب في سكنى المدينة. من حديث عائشة.
(2)
يأتي برقم (1885) كتاب: فضائل المدينة، ورواه مسلم (1369) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة، من حديث أنس.
(3)
يأتي برقم (1883) كتاب: فضائل المدينة، باب: المدينة تنفي الخبث، ورواه مسلم (1383) كتاب: الحج، باب: المدينة تنفي شرارها، من حديث جابر.
(4)
يأتي برقم (1881) كتاب: فضائل المدينة، باب: لا يدخل الدجال المدينة، ورواه مسلم (2943) كتاب: الفتن، باب: قصة الجساسة، والنسائي في "الكبرى" 2/ 485 (4274) كتاب: الحج، باب: منع الدجال من المدينة. من حديث أنس.
(5)
مسلم (2942) كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: قصة الجساسة.
(6)
حديث ابن عمر رواه أحمد 2/ 67، والطبراني في "الكبير" 12/ 307 - 308 =
وفي حديث النواس بن سمعان في الصحيح: شدة إسراعه
(1)
.
وبقوله: "والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون"
(2)
وهذا إنما هو إخبار أنها لهم خير من اليمن والشام والعراق، وهو أيضًا في خاص لا عام.
وبقوله: ("تَأْكُلُ القُرى") وهذا إنما هو المدينة تفتح الدنيا، وقد فتحت خرسان وسجستان وفارس وكرمان من البصرة وليس في ذلك دلالة على فضل البصرة على مكة، وبقوله:"إن الإيمان يأرز إلى المدينة كلما تأرز الحية إلى جحرها"
(3)
وهذا إنما هو خبر عن وقت دون وقت، وفيه زيادة توضح لو صح ما ذكرناه رواها مسلم:"إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها"
(4)
ففيه بيان أن الإيمان يأرز بين المسجدين: مسجد مكة والمدينة، وبقول أنس: كان صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات المدينة أوضع راحلته من حبها
(5)
، وهذا ليس
= (13197)، "الأوسط" 4/ 246 (4099) وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 347: في الصحيح بعضه، رواه أحمد، والطبراني في "الأوسط"، وفيه ابن إسحاق، وهو مدلس، وقال الألباني في "قصة المسيخ الدجال" ص 88: إسناده حسن لولا عنعنة محمد بن إسحاق.
وحديث أبي هريرة رواه الطبراني في "الأوسط" 5/ 331 - 332 (5465)، وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 349: رجاله رجال الصحيح، غير عقبة بن مكرم الضبي، وهو ثقة.
(1)
رواه مسلم (2937) كتاب: الفتن، باب: ذكر الدجال، وفيه أن سرعته كالغيث استدبرته الريح.
(2)
سيأتي قريبًا برقم (1875).
(3)
سيأتي قريبًا برقم (1876).
(4)
مسلم (146) كتاب: الإيمان، باب: بيان أن الإسلام بدأ غريبًا.
(5)
سيأتي برقم (1886) كتاب: فضائل المدينة.
فيه إلا حبها فقط، وبقوله:"لا يكيد أحد أهل المدينة إلا انماع كما ينماع الملح في الماء"
(1)
وقال: "لا يريد أحد أهل المدينة بشر إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص"
(2)
"ومن أخاف أهل المدينة أخافه الله"
(3)
وقال مثل هذا فيمن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا، وهذا إنما فيه الوعيد لمن كاد أهلها، ولا يحل كيد مسلم، وبقوله:"لا يثبت على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة"
(4)
.
وإنما فيه الحث على الثبات على شدتها، وأنه يكون له شفيعًا، وقد صح أنه شفيع لجميع أمته
(5)
، وبقوله:"اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد"
(6)
وإنما هذا دعاء لا تفضيل، وبقوله: "لقاب قوس أحدكم
(1)
سيأتي قريبًا برقم (1877).
(2)
رواه مسلم (1363) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة، من حديث سعد بن أبي وقاص.
(3)
رواه أحمد 4/ 55 - 56، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 171 (2152)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 483 (4265 - 4266)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 299، والطبراني 7/ 143 - 144 (6631 - 6637)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 372 من حديث عطاء بن يسار عن السائب بن خلاد. ورواه ابن حبان 9/ 55 (3738) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة. من حديث محمد بن جابر بن عبد الله، عن أبيه جابر بن عبد الله الأنصاري. والحديث صححه الألباني في "الصحيحة"(2304، 3671).
(4)
رواه مسلم (1378) كتاب: الحج، باب: الترغيب في سكنى المدينة، من حديث أبي هريرة.
(5)
حديث الشفاعة سيأتي برقم (6565) كتاب: الرقاق، باب: صفة الجنة والنار، ورواه مسلم (193) كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة، من حديث أنس.
(6)
سيأتي برقم (1889) كتاب: فضائل المدينة، باب (12)، ورواه مسلم (1376) كتاب: الحج، باب: الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها. من حديث عائشة.
من الجنة خير من الدنيا وما فيها"
(1)
وقال أيضًا: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي"
(2)
وأرادوا أن يبينوا من هذا أن مكة من الدنيا كموضع قاب قوس من تلك الروضة خير من مكة، وليس كما ظنوه، ولو كانت كذلك لكانت مصر والكوفة وهيت
(3)
خيرًا من مكة والمدينة؛ لأنه قد صح أنه قال: "سيحان وجيحان والفرات والنيل من أنهار الجنة"
(4)
(5)
وهذا ما لا يجوز قوله، وليس هذان الحديثان كما يظنه بعض الأغبياء أن تلك الروضة قطعة مقتطعة من الجنة، وأن هذِه الأنهار تهبط من الجنة، وهذا باطل؛ لأن الله تعالى يقول في الجنة:{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118)} الآية [طه: 118].
فهذِه صفة الجنة بلا شك، وليست هذِه صفة الأنهار المذكورة
(1)
سيأتي برقم (2793) كتاب: الجهاد، باب: الغدوة والروحة في سبيل الله، من حديث أبي هريرة.
(2)
سيأتي برقم (1196) كتاب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، ورواه مسلم (1391) كتاب: الحج، باب: ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة، من حديث أبي هريرة.
(3)
بكسر أوله، وبالتاء المعجمة باثنتين من فوقها، مدنية مذكورة في تجديد العراق، وهي على شاطئ الفرات، والهيت: الهوة، وسميت هيت؛ لأنها في هوة. "معجم ما استعجم"(4/ 1357)، وانظر:"معجم البلدان"(5/ 420 - 421).
(4)
ورد بهامش الأصل: من خط الشيخ في الهامش: روى البخاري من حديث مقاتل عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا: "أنزل الله إلى الأرض خمسة أنهار -بزيادة: دجلة- من عين واحدة من عيون الجنة في أسفل درجة من درجاتها على جناح جبريل، ثم يرفع عنه خروج ما خرج إلى السماء".
(5)
رواه مسلم (2839) كتاب: الجنة، باب: ما في الدنيا من أنهار الجنة. من حديث أبي هريرة.
ولا تلك الروضة، فصح أن قوله:"من الجنة" إنما هو لفضلها، وأن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة، وأن تلك الأنهار لبركتها أضيفت إلى الجنة كما تقول في اليوم الطيب: هذا من أيام الجنة. وكما قيل في
الضأن: إنها من دواب الجنة.
قلت: قد أخرجه ابن ماجه من طريق ابن عمر، والبزار من طريق جابر:"أحنوا إلى المعز فإنها من دواب الجنة"
(1)
ومن طريق أم هانئ في "الأوسط" نحوه، وكما قال صلى الله عليه وسلم:"الجنة تحت ظلال السيوف"
(2)
فهذا في أرض الكفر بلا شك، وليس في هذا فضل لها على مكة، ثم لو صح
ما ادعوه لما كان الفضل إلا لتلك الروضة خاصة لا لسائر المدينة
(3)
،
(1)
رواه ابن ماجه (2306) كتاب: التجارات، باب: اتخاذ الماشية، من حديث ابن عمر مرفوعًا:"الشاة من دواب الجنة"، وقال البوصيري في "الزوائد" ص 315 (766): هذا إسناد فيه زربي بن عبد الله بن يحيى الأزدي، وهو متفق على ضعفه، ورواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 174 (1102) وقال: هذا حديث لا يصح، قال ابن حبان: زربي يروي ما لا أصل له.
وروى نحوه من حديث أبي هريرة مرفوعًا، مالك في "الموطأ" ص 580، وأحمد 2/ 436، والبخاري في "الأدب المفرد"(572)، والبزار كما في "كشف الأستار"(444)، والطبراني في "الأوسط" 5/ 291 (5346)، والبيهقي 2/ 449 - 450 كتاب: الصلاة. وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 27: رواه البزار وفيه عبد الله بن جعفر بن نجيح وهو ضعيف، وقال أحمد بن عدي: يكتب حديثه ولا يحتج به. والحديث صححه الألباني في "الصحيحة"(1128).
(2)
سيأتي برقم (2818) كتاب: الجهاد والسير، باب: الجنة تحت بارقة السيوف، ورواه مسلم (1742) كتاب: الجهاد والسير، باب: كراهية تمني لقاء العدو. من حديث عبد الله بن أبي أوفى.
(3)
ورد بهامش الأصل: تنبيه: أفضل الأرض إذ فيها سيد الأولين والآخرين وقد صحح الحاكم من حديث أبي سعيد "إن المرء يدفن في التربة التي خلق منها" والأصل أن تربته أفضل الترب.
وهذا خلاف قولهم، فإن قالوا: ما قرب منها أفضل مما بعد. قلنا: فلزمكم أن تقولوا: الجحفة ووادي القرى وخيبر أفضل من مكة؛ لأنها أقرب من تلك الروضة إلى مكة، وهذا لا يقولونه.
وقد روينا من طريق النسائي من حديث عطاء بن السائب عن ابن جبير، عن ابن عباس يرفعه:"إن الحجر الأسود من الجنة"
(1)
فهذا بمكة كالذي بالمدينة أنه في كل منهما شيء من الجنة.
واحتجوا أيضًا بقوله: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام"
(2)
وتأولوه أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من مكة بدون "ألف". وقلنا نحن: بل هذا الاستثناء؛ لأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد المدينة، وكلاهما محتمل.
(1)
"سنن النسائي" 5/ 226 ومن هذا الطريق ورواه أيضًا الترمذي (877) كتاب: الحج، باب: بما جاء في فضل الحجر الأسود والركن والمقام، وأحمد 1/ 307، 329، 373، وابن عدي 3/ 55، والبيهقي في "الشعب" 3/ 45 (4034)، والخطيب 7/ 362. بلفظ:"نزل الحجر الأسود من الجنة، أشد بياضًا من الثلج فسودته خطايا بني آدم". قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وعنده: اللبن، مكان: الثلج، قال الألباني في "الصحيحة" 6/ 230: هو شاذ عندي لمخالفته للفظ الجماعة.
وصحح الحديث أيضًا ابن خزيمة 4/ 219 (2733)، وقال الحافظ في "الفتح" 3/ 462: فيه عطاء بن السائب وهو صروم، ولكنه اختلط، وحماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط.
قلت: حماد بن سلمة هو راويه هنا عن عطاء. وصححه الألباني في "الصحيحة"(2618).
(2)
سلف برقم (1190) كتاب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، ورواه مسلم (1394) كتاب: الحج، باب: فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة.
وفيه: تأويل ثالث وهو: "إلا المسجد الحرام" فإن الصلاة فيهما سواء، فلا يجوز المصير إلى أحد هذِه التأويلات دون الآخر إلا بنص آخر.
وبقوله: "لا يدخلها الطاعون"
(1)
وليس فيه تفضيل عليها؛ لأنه أخبر أن مكة لا يدخلها الدجال أيضًا
(2)
-قلت: الكلام في الطاعون، مع أنه ورد بإسناد ضعيف أنها لا يدخلها طاعون أيضًا
(3)
- وبقوله: "هي طيبة"
(4)
وما لهم خبر صحيح سوى ما ذكر، وكلها لا حجة في شيء منها على ما بينا.
واحتجوا بالخبر الصحيح أن عمر قال لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: أنت القائل: لمكة خير من المدينة؟ فقال له عبد الله: هي حرم الله وأمنه، وفيها بيته، فقال له عمر: لا أقول في حرم الله ولا بيته شيئًا
(5)
.
(1)
حديث يأتي برقم (1880) كتاب: فضائل المدينة، باب: لا يدخل الدجال المدينة، ورواه مسلم (1379) كتاب: الحج، باب: صيانة المدينة من دخول الطاعون والدجال إليها.
(2)
يأتي أيضًا برقم (1881)، ورواه مسلم (2943) كتاب: الفتن، باب: قصة الجساسة، من حديث أنس.
(3)
رواه أحمد 2/ 483 من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة، على كل نقب منها ملك، لا يدخلها الدجال ولا الطاعون". قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 309: رجاله ثقات. وأخرجه أيضًا ابن شبة في "تاريخ مكة" كما في "الفتح" 10/ 191، وقال: رجاله رجال الصحيح وذكره ابن كثير في كتاب "الفتن والملاحم" ص 89 من طريق أحمد، وقال: هذا غريب جدًّا، وذكر مكة في هذا ليس بمحفوظ.
(4)
قطعة من حديث سيأتي برقم (4050) كتاب: المغازي، باب: غزوة أحد، ورواه مسلم (1384) كتاب: الحج، باب: المدينة تنفي شرارها، من حديث زيد بن ثابت.
(5)
رواه مالك ص 557، والفاكهي وفي "أخبار مكة" 2/ 262.
وهذا حجة عليهم لا لهم؛ لأن ابن عياش لم ينكر لعمر أنه قال ما قرره عليه بل احتج لقوله ذلك بما لم يعترض فيه، فصح أن ابن عياش -وهو صحابي
(1)
- كان يقول بأن مكة أفضل من المدينة، وليس في قول عمر تفضيل لإحداهما على الأخرى وإنما فيه تقرير عبد الله على قوله فقط ونحن نوجدهم عن عمر تصريحًا بأن مكة أفضل منها، ثم ساق بإسناده عنه:"صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد رسول الله"
(2)
قال: وهذا سند كالشمس في الصحة، فهذان صاحبان لا يعرف لهما من الصحابة مخالف، ومثل هذا حجة عندهم. وعن ابن المسيب: من نذر أن يعتكف في مسجد إيلياء فاعتكف في مسجد المدينة أجزأ عنه، ومن نذر أن يعتكف في مسجد المدينة فاعتكف في المسجد الحرام أجزأ عنه
(3)
فهذا فقيه أهل المدينة يفضل مكة على المدينة.
قال: واحتجوا بأحاديث موضوعة يجب التنبيه عليها والتحذير منها، منها: أنه رأى رجلًا دفن بالمدينة فقال: "لمن تربتها خلق" وهو خبر موضوع بسبب ابن زبالة، وهو ساقط بالجملة متفق على إطراحه
(4)
،
(1)
يكنى أبا الحارث، حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه، وذكر أنه ولد بأرض الحبشة، واسم جده -أبي ربيعة: عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
انظر تمام ترجمته في: "معرفة الصحابة" 3/ 1739 (1721)، "الاستيعاب" 3/ 90 (1646)، "أسد الغابة" 3/ 360 (3113)، "الإصابة" 2/ 356 (4576).
(2)
تقدم باستيفاء.
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 350 - 351 (8025)، 8/ 455 (15889).
(4)
ابن زبالة هو: محمد بن الحسن بن أبي الحسن القرشي المخزومي المدني.
قال ابن معين: والله ما هو بثقة. وقال مرة: كذاب خبيث لم يكن بثقة ولا مأمون يسرق. وقال البخاري: عنده مناكير، وقال أحمد بن صالح المصري: كتبت منه =
ثم هو من طريق أنيس بن يحيى، ولا ندري من أنيس
(1)
هذا
(2)
.
= مائة ألف حديث، ثم تبين لي أنه كان يضع الحديث فتركت حديثه، وقال الجوزجاني: لم يقنع الناس بحديثه وقال أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان: واهي الحديث، وزاد أبو حاتم: ذاهب الحديث، ضعيف عنده مناكير، منكر الحديث. وليس بمتروك الحديث.
وقال أبو داود: كذابا المدينة: ابن زبالة ووهب بن وهب. وقال النسائي: متروك الحديث. انظر تمام ترجمته في: "تاريخ الدوري" 2/ 510، "تاريخ البخاري" 1/ 67 (154)، "ضعفاء النسائي"(535)، "الجرح والتعديل" 7/ 227 (1254)، "المجروحين" لابن حبان 2/ 274، "الكامل" لابن عدي 7/ 370 (1655)، "تهذيب الكمال" 25/ 60 (5148). ولم أعثر على هذا الحديث بإسناد فيه ابن زبالة، بل كل من يترجم له يذكر فيما أنكر عليه الحديث الآتي: فتحت المدائن
…
والله أعلم.
(1)
ورد بهامش الأصل: أنيس بن أبي يحيى (د، ت) ثقة توفي سنة 142 لان كان ابن (
…
) من هو.
(2)
هكذا وقع في الأصل، وكذا هو في "لمحلى" 7/ 286: أنيس بن يحيى، والصواب: أنيس بن أبي يحيى، بزيادة أبي.
وأنيس بن أبي يحيى، اسمه: سمعان الأسلمي مولاهم، وقيل مولى خزاعة، أبو يونس المدني، وهو أخو محمد بن أبي يحيى. قال يحيى بن سعيد: لم يكن به بأس، ووثقه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي والنسائي والحاكم. وقال الحافظ في "التقريب": ثقة. انظر تمام ترجمته في: "التاريخ الكبير" 2/ 42 (1624)، "الجرح والتعديل" 2/ 334 (1267)، "ثقات ابن حبان " 6/ 81، "تهذيب الكمال" 3/ 382 (571)، "التقريب"(568).
أما قول ابن حزم: ولا ندري من أنيس هذا، لا يعني تضعيف أو تجهيل أنيس، فهو موثق كما مر، فمن الجائز أن يكون ابن حزم لا يعرفه.
وأما الحديث من طريق أنيس فرواه البزار كما في "كشف الأستار"(842)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 366 - 367، والبيهقي في "الشعب" 7/ 173 (9891) من طريقين عن أنيس بن أبي يحيى عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالمدينة فرأى جماعة يحفرون قبرًا. فسأل عنه، فقالوا: حيشيٌّ قدم فمات، فقال صلى الله عليه وسلم "لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها"، قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأنيس ثقة.
وروي أيضًا من طريق أبي خالد -وهو مجهول- عن يحيى البكاء -وهو ضعيف
(1)
- ثم لو صح لما كانت فيه حجة؛ لأنه إنما كان يكون
(1)
رواه من هذا الطريق أبو نعيم في "أخبار أصبهان" 2/ 304، والخطيب في "الموضح" 2/ 217 من طريق عمر بن شبة وعقبة بن مكرم البصري كلاهما عن - أبي خلف- عبد الله بن عيسى الخزاز عن يحيى البكاء أن ابن عمر قال: دفن حبشي بالمدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دفن في طينته التي خلق منها". قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 42: فيه عبد الله بن عيسى الخزاز، وهو ضعيف.
وله شاهد من حديث أبي الدرداء، رواه الطبراني في "الأوسط" 5/ 216 (5126).
قال الهيثمي 3/ 42: فيه الأحوص بن حكيم، وثقه العجلي وغيره وضعفه الجمهور. والحديث أورده الألباني في "الصحيحة" (1858) من طرقه الثلاثة وقال: الحديث عندي حسن بمجموع طرقه.
تنبيه هام: جاء في الأصل من طريق أبي خالد، وكذا هو في "المحلى" 7/ 286: أبي خالد، ولعله خطأ أو تصحيف وقع في "المحلى"؛ فالحديث مروي -كما مر تخريجه- من طريق عبد الله بن عيسى، عن يحيى البكاء، وعبد الله بن عيسى كنيته أبو خلف، فلعلها تحرفت إلى أبي خالد لتقارب الكلمتين، أو أن ابن حزم أخطأ في نقلها أو كتابتها، وعلى كلا الأمرين فقد نقلها المصنف على الخطأ أو التحريف، فيما أظن، والله أعلم.
أما عبد الله بن عيسى فهو الخزاز، أبو خلف البصري، صاحب الحرير، قال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: مضطرب الحديث، وليس ممن يحتج به. وقال الحافظ في "التقريب": ضعيف.
انظر تمام ترجمته في: "الجرح والتعديل" 5/ 127 (585)، "الكامل" لابن عدي 5/ 411 (1086)، "تهذيب الكمال" 10/ 416 (3474)، "التقريب"(3524).
وأما البكاء فهو: يحيى بن مسلم، ويقال: ابن سليم، ويقال: ابن سليمان، ويقال: ابن أبي خليد، الأزدي. قال ابن معين: ليس بذاك، وقال أبو زرعة: ليس بقوي، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال في موضوع آخر: متروك الحديث، وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله. انظر تمام ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 7/ 245، "التاريخ الكبير" 8/ 264 (2936)، 8/ 281 (3002)، "ضعفاء النسائي"(636)، "تهذيب الكمال" 31/ 533 (6920)، "تاريخ الإسلام" 8/ 564.
الفضل لغيره فقط، وإلا فقد دفن فيها المنافقون ودفن معظم الأنبياء بالشام، ولا يقول مسلم إنها أفضل من مكة.
ومنها: "فتحت المدائن بالسيف والمدينة بالقرآن" من وضع ابن زبالة
(1)
، ثم لو صح فاليمن والبحرين وصنعاء والجند وغيرها لم يفتحوا (بالسيف، فتحن)
(2)
بالقرآن، وليس ذلك بموجب فضلها على
مكة.
قلت: تابعه محمد بن موسى الأنصاري وغيره
(3)
، كما بينه ابن
(1)
رواه البزار كما في "كشف الأستار"(1180)، وأبو يعلى في "معجم شيوخه"(173)، والعقيلي في "الضعفاء" 4/ 58، وابن عدي في "الكامل" 7/ 370 - 371، والخليلي في "الإرشاد" 1/ 169 - 170، والبيهقي في "الشعب" 2/ 145 - 146 (1407)، وابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 596 (1167) من طريق محمد بن الحسن بن زبالة عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا به.
ورواه أبو يعلى كما في "المطالب العالية" 7/ 144 (1316) من نفس الطريق، لكنه عن عروة مرسلًا.
قال ابن الجوزي: قال أحمد بن حنبل: هذا منكر لم يُسمع من حديث مالك ولا هشام، إنما هذا قول مالك، لم يروه عن أحد، وقد رأيت هذا الشيخ -يعني: محمد بن الحسن- كان كذابًا.
وكذا قال الحافظ في "المطالب": تفرد به محمد بن الحسن وكان ضعيفًا جدًّا، وإنما هذا قول مالك، فجعله محمد بن الحسن مرفوعًا وأبرز له إسنادًا. وقال البيهقي: لم يثبت لضعف رواته، وقال الألباني في "الضعيفة" (1847): منكر. وانظر: "الإرشاد" 1/ 170.
(2)
زيادة من (ج).
(3)
محمد بن موسى هو ابن مسكين، أبو غزية القاضي المدني الفقيه، من شيوخ الزبير ابن بكار. قال البخاري عنده مناكير، وقال ابن حبان: كان يسرق الحديث، ويروي عن الثقات الموضوعات، واتهمه الدارقطني بالوضع. =
عساكر في "مجموع الرغائب".
ومنها: "ما على الأرض بقعة أحب إليَّ من أن يكون قبري فيها منها" وآفته ابن زبالة
(1)
، ثم لو صح فالشارع كره للمهاجرين وهو سيدهم أن يرجعوا إلى مكة ليحشروا غرباء مطرودين عن وطنهم في ذاته، فلهذا أراد ذلك.
ومنها: "فأسكني في أحب البلاد إليك" وهو موضوع من رواية ابن زبالة ومرسل
(2)
.
= انظر تمام ترجمته في: "التاريخ الكبير" 1/ 238 (753)، "ضعفاء العقيلي" 4/
138 (1699)، "المجروحين" 2/ 289، "تاريخ الإسلام" 14/ 376 (354)، "لسان الميزان" 5/ 398.
ومتابعته رواها ابن حبان في "المجروحين" 2/ 289 - 290 من طريق سليمان بن داود القزاز عن محمد بن موسى عن مالك به.
وتابعهما ذؤيب بن عمامة السهمي، كما في "ميزان الاعتدال" 2/ 223، عن مقدام بن داود الرعيني عن ذؤيب، عن مالك به، بلفظ:"افتتحت أم القرى بالسيف والمدينة بالقرآن".
قال الذهبي: هذا منكر مما تفرد به ذؤيب.
وقال الحافظ في "اللسان" 2/ 436: هذا الحديث معروف بمحمد بن الحسن بن زبالة عن مالك، وهو متروك متهم، وكأن ذؤيبًا إنما سمعه منه فدلسه عن مالك.
(1)
رواه الديلمي كما في "الفردوس" 4/ 95 (1298) عن أبي هريرة.
وروى مالك في "الموطأ" 2/ 462 عن يحيى بن سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا وقبر يحفر بالمدينة .. الحديث، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا مثل للقتل في سبيل الله، ما على الأرض بقعة هي أحب أن يكون قبري بها منها"، ثلاث مرات، يعني: المدينة.
قال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 92: هذا الحديث لا أحفظه مسندًا.
وقال الألباني في "إزالة الدهش والولة" ص 38: هذا معضل ضعيف.
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك" 3/ 3، وعنه البيهقي كما في "سيرة ابن كثير" 2/ 284 من طريق موسى الأنصاري عن سعد بن سعيد المقبري عن أخيه، عن أبي هريرة به. =
ومنها: "المدينة خير من مكة" كذا تصريحا رويناه من طرق، فمنها ابن زبالة صاحب هذِه الفضائح كلها، المنفرد بوضعها
(1)
، ومنها: محمد بن عبد الرحمن، وهو مجهول لا يدريه به أحد
(2)
، ومنها:
عبد الله بن نافع، وهو ضعيف بلا خلاف
(3)
.
= قال الحاكم: حديث رواته مدنيون من بيت أبي سعيد المقبري.
وقال الحافظ ابن عبد البر في "الاستذكار" ص 126 حديث موضوع منكر، لا يختلف أهل العلم في نكارته وضعفه، وأنه موضوع وينسبون وضعه إلى محمد بن الحسن بن زبالة، وحملوا عليه فيه وتركوه.
وقال الحافظ ابن كثير في "السيرة" 2/ 284: حديث غريب جدًّا. وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 2/ 36: حديث موضوع كذب، لم يروه أحد من أهل العلم. وقال الذهبي في "التلخيص" 3/ 3: موضوع فقد ثبت أن أحب البلاد إلى الله مكة، وسعد ليس بثقة، وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة" (170): أخو سعد بن سعيد هو: عبد الله وهو ضعيف جدًّا وهذا الحديث من منكراته. اهـ.
وبنحو هذا الحديث روى الحاكم أيضًا 3/ 277 - 278 في حديث طويل بإسناد آخر.
وأورده الألباني بالإسنادين في "الضعيفة"(1445) وقال: موضوع.
(1)
لم أهتد للحديث من طريق محمد بن الحسن بن زبالة.
(2)
رواه الطبري في "تاريخه" 1/ 160، والطبراني 4/ 288 (4450)، وابن عدي في "الكامل" 7/ 401 من طريقه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن رافع بن خديج به.
قال ابن عدي: هذا عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد، ولم يروه غير ابن الدواد، وعامة ما يرويه غير محفوظ. وقال الذهبي في "الميزان" 5/ 69: ليس بصحيح، وقد صح في مكة خلافه، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 298 - 399: فيه محمد بن عبد الرحمن، وهو مجمع على ضعفه، ومحمد بن عبد الرحمن هو ابن الردَّاد، مديني، من ولد ابن أم مكتوم، قال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال أبو زرعة: لين، وقال الأزدي: لا يكتب حديثه.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 1/ 160 (476)، "الجرح والتعديل" 7/ 315 (1705)، "الكامل" لابن عدي 7/ 400 (1666)، "لسان الميزان" 5/ 249.
(3)
ورد بهامش الأصل: من خط الشيخ: وثقه النسائي وغيره، وخرج له مسلم. =
وهذا الخبر رويناه من طريق مسلم بإسناد في غاية الصحة: خطب مروان فذكر مكة وأهلها وحرمتها فناداه رافع بن خديج، فقال: ما لي أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمها ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمها، وقد حرم رسول صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها
(1)
، فبدله أهل الجهل قال: ومما. يدل على فضله، فذكر أمورًا.
منها: عن ابن عمر مرفوعًا في حجة الوداع: "أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟ " قالوا: لا إلا بلدنا هذا، الحديث
(2)
وعن جابر أيضًا
(3)
، فهذان ابن عمر وجابر يشهدان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرر الناس على أي بلد أعظم حرمة فأجابوه بأنه مكة، فصدقهم فيه، وهذا إجماع في إجابتهم من جميع الصحابة له أنه بلدهم ذلك، وهم بمكة، وذكر حديث أبي هريرة، وعبد الله بن عدي بن الحمراء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنك خير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولو تركت فيك ما خرجت منك"
(4)
ثم
= قلت: والحديث من طريقه رواه المفضل الجندي في "فضائل المدينة"(12) عنه عن محمد بن عبد الرحمن بن الردَّاد به. والحديث أورده الألباني في "الضعيفة"(1444) وقال: باطل.
(1)
رواه مسلم (1361).
(2)
سيأتي برقم (6785) كتاب: الحدود، باب: ظهر المؤمن حمى.
(3)
رواه مسلم (1218) مطولًا.
ورواه أحمد 3/ 313، 371، وابن أبي شيبة 7/ 453 (73154)، وابن أبي عاصم في "الديات" ص 24 وغيرهم بلفظ:"فأي بلد أعظم حرمة؟ ".
(4)
حديث أبي هريرة رواه أحمد 4/ 305، والنسائي في "الكبرى" 2/ 480 (4254)، وأبو يعلى 10/ 362 (5954)، والطحاوي في "شرح المعاني" 2/ 261، 3/ 328، والبيهقي في "الدلائل" 2/ 518 من طرق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة.
وحديث عبد الله بن عدي بن الحمراء رواه الترمذي (3925)، وابن ماجه =
قال: وهذا خبر في غاية الصحة، رواه عن رسول صلى الله عليه وسلم هذان
(1)
.
= (3108)، وأحمد 4/ 305، والنسائي في "الكبرى" 2/ 379 - 480 (4252 - 4253)، والحاكم 3/ 7، 431، والبيهقي في "الدلائل" 2/ 517 - 518، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 288، 289، وفي "الاستذكار" 26/ 15 - 16 (38528)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 3/ 336، والمزي في "تهذيب الكمال" 15/ 290، 291، 292 من طرق عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عدي.
واختلف في أي الحديثين أصح، قال الترمذي: حديث الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي عندي أصح.
وقال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان: حديث أبي هريرة خطأ، وحديث عبد الله بن عدي هو الصحيح. اهـ. "العلل" 1/ 280 بتصرف. وكذا قال البيهقي في "الدلائل" أن الصحيح حديث عبد الله بن عدي. وقال الحافظ في "الإصابة" 2/ 345: المحفوظ حديث عبد الله بن عدي.
وقال الحاكم 3/ 7: حديث عبد الله بن عدي: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" 26/ 16: هو حديث لا يختلف أهل العلم بالحديث في صحته. وصححه الألباني أيضًا في "الثمر المستطاب" 1/ 559.
ولينظر: "علل الدارقطني" 9/ 254 - 255.
(1)
انتهى كلام ابن حزم في "المحلى" 7/ 279 - 287 بتصرف من المصنف رحمه الله، وورد بهامش الأصل: آخر 8 من 7 من تجزئة المصنف.
3 - باب المَدِينَةُ طَابَةُ
1872 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ رضي الله عنه: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ، فَقَالَ:"هَذِهِ طَابَةُ". [انظر: 1481 - مسلم: 1392 - فتح 4/ 88]
ذكر فيه حديث أَبِي حُمَيْدٍ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ، فَقَالَ:"هذِه طَابَةُ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا مطولا.
وفي آخره: "هذا أحد جبل يحبنا ونحبه"
(1)
.
وطابة مشتقة من الطيب، ووزن طَيبة: فعلة، وقد يقال لها أيضًا: طيبة، وزنها فِعلة وفَعلة وفِعّلة، يتعاقبان على معنًى واحد، فاشتق لها عليه السلام هذا الاسم من الطيب، وكره اسم يثرب، لما فيه من التثريب وقد أوضحنا ذلك في الباب قبله. وقد قال بعض أهل العراق: وأمر المدينة عجيب في ترابها، وهو أنها دليل شاهد وبرهان على قوله:"إنها طيبة، تنفي خبثها وينصع طيبها"
(2)
؛ لأن من دخلها وأقام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة ليس لها اسم في الأرائح، وبذلك السبب طاب طيبها، والمعجونات من الطيب فيها أحد رائحة، وكذلك العود وجميع البخور يتضاعف طيبه في تلك البلدة على كل بلدة استعمل ذلك الطيب بعينه فيها.
(1)
مسلم (1392).
(2)
حديث يأتي قريبًا برقم (1883) بلفظ: "المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها".
ورواه مسلم (1383).
4 - باب لَابَتَيِ المَدِينَةِ
1873 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ بِالمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ". [انظر: 1869 - مسلم: 1372 - فتح: 4/ 89]
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ ترتع بِالمَدِينَةِ مَا ذَعَرْتُهَا، قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:"مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا كما أسلفناه
(1)
، وأسلفنا أيضًا تفسير الآية.
و (ذعرتها): نفرتها، فالإذعار والتنفير هو أقل ما ينهى عنه من أمر الصيد، وما فوقه من الأذى للصيد وقتله أكثر من الإذعار، وإنما أخذ أبو هريرة ذلك من قوله في مكة "لا ينفر صيدها"
(2)
والتنفير والإذعار واحد. وقال ابن التين: معنى ذعرتها: أخفتها، وهو بمعناه، والذعر: الفزع، وذعر فهو مذعور.
(1)
مسلم (1372).
(2)
سيأتي برقم (2434)، ورواه مسلم (1355).
5 - باب مَنْ رَغِبَ عَنِ المَدِينَةِ
1874 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لَا يَغْشَاهَا إِلَّا العَوَافِ - يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ - وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ، يُرِيدَانِ المَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا، فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا". [مسلم: 1389 - فتح: 4/ 89]
1875 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تُفْتَحُ اليَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ الشَّأْمُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ العِرَاقُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ". [مسلم: 1388 - فتح: 4/ 90]
ذكر فيه حديث أَبَي هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لَا يَغْشَاهَا إِلَّا العَوَافِ -يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ- وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ، يُرِيدَانِ المَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا، فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا".
وحديث سفيان بن أَبِي زُهَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تُفْتَحُ اليَمَنُ فَيَأتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ الشَّأْمُ، فَيَأتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ العِرَاقُ، فَيَأتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ
خير لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ".
الشرح:
الحديثان أخرجهما مسلم أيضًا
(1)
، والكلام عليهما من أوجه: وسفيان هذا فرد
(2)
في الصحابة أزدي من أزد شنوءة
(3)
.
أحدها: العافية والعفاة والعفا: الأضياف وطلاب المعروف، قاله ابن سيده وقيل: هم الذين يعتفونك، أي: يأتونك يطلبون مما عندك
(4)
. والعافي أيضًا الرائد والوارد؛ لأن ذلك كله طلب.
والعافية: طلاب الرزق من الدواب والطير، وعن الأخفش: واحدها: عافية، والمذكر: عاف. وقال ابن الجوزي: اجتمع في العوافي شيئان: طلبها لأقواتها، وطلبها العفا، وهو المكان الخالي الذي لا أنيس به ولا ملك عليه.
ثانيها: في مسلم: "يتركون المدينة على خير ما كانت"
(5)
روي بتاء الخطاب، ومراده غير المخاطبين، لكن نوعهم من أهل المدينة ونسلهم،
(1)
مسلم (1388 - 1389).
(2)
ورد بهامش الأصل: يعني بالفرد سفيان بن أبي زهير، وأما سفيان مجرد ليس بفرد بل في الصحابة جماعة يسمون بسفيان فاعلمه.
(3)
هو سفيان بن أبي زهير الشنوئي، وقال بعضهم: النمري، ويقال: النميري، والأول أكثر، وهو من أزد شنوءة، له صحبة لا يختلفون فيه، وربما كان في أسماء أجداده نمر أو نمير فنسب إليه، يعد في أهل المدينة، له حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم، أحدهم حديث الباب هذا.
انظر تمام ترجمته في: "الاستيعاب" 2/ 190 (1006)، "أسد الغابة" 2/ 404 (2111)، "تهذيب الكمال" 11/ 145 (2403)، "الإصابة" 2/ 54 (2310).
(4)
"المحكم" 2/ 267.
(5)
مسلم (1389/ 499).
وبياء الغيبة، ذكرهما القرطبي
(1)
.
ومعنى "على خير ما كانت" أي على أحسن حال كانت بعده من الرخاء، وكثرة الثمرة والخيرات، وفي معدن الخلافة وموضعها، ومقصد الناس، ومعقلهم وحين تنافسوا فيها وتوسعوا في خططها، وغرسوا وسكنوا فيها ما لم يسكن قبل، وبنوا وشيدوا، وحملت إليها الخيرات، فلما انتهت حالها انتقلت الخلافة منها إلى الشام فغلبت عليها الأعراب، وتعاورتها الفتن، خاف أهلها فارتحلوا عنها.
وذكر أهل الأخبار أنها خلت من أهلها، وبقيت ثمارها للعوافي كما أخبر الصادق، ثم تراجع الناس إليها، وفي حال خلوها عدت الكلاب على سواري المسجد. وعن مالك: في هذا الحديث: "لتتركن المدينة خير ما كانت، حتى يدخل الكلب أوالذئب فيعدي على بعض سواري المسجد"
(2)
.
وقال: الظاهر أن هذا الترك يكون في آخر الزمان
(3)
.
وقال عياض: هذا ما جرى في العصر الأول وانقضى، وهذا من معجزاته
(4)
.
ثالثها: فيه دلالة كما قال المهلب أنها تسكن إلى يوم القيامة وإن خلت في بعض الأوقات لقصد هذين الراعيين بعنزهما إلى المدينة، وهذا يكون قريب قيام الساعة، وأن آية قيام الساعة عند موت هذين الراعيين أحرى أن يصير غنمهما وحوشًا.
(1)
"المفهم" 3/ 501.
(2)
"الموطأ" ص 554، ومن طريقه ابن حبان 15/ 176 - 177 (6773).
(3)
القائل هو القرطبي، انظره وما قبله في "المفهم" 3/ 501 - 502.
(4)
"إكمال المعلم" 4/ 507.
وأما قوله: ("آخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ") ولم يذكر حشرهما، وإنما ذكر أنهما يخران على وجوههما أمواتًا، فلا شك أنه لا حشر إلا بعد الموت، فهما. آخر من يموت بالمدينة، وآخر من يحشر بعد ذلك كما قال عليه السلام. وقال الداودي: يكونان في إثر من يبعث منها، ليس أن بعض الناس يخرج بعد بعض من الأجداث إلا بالشيء المتقارب.
قال تعالى: {فَإِذَا هُم جَمِيعٌ لَّدَينَا تُحفَرُونَ} [يس: 53] وفي "أخبار المدينة" لابن شبة من حديث أبي هريرة قال: "آخر من يحشر رجلان: رجل من مزينة، وآخر من جهينة، فيقولان: أين الناس؟ فيأتيان المدينة، فلا يريان إلا الثعالب، فينزل إليهما ملكان فيسحبانهما على وجوههما حتى يلحقاهما بالناس"
(1)
.
رابعها: "يَنْعِقَانِ" قال صاحب "العين": نعق بالغنم ينعق نعاقًا ونعيقًا إذا صاح بها
(2)
. قال الأزهري عن الفراء وغيره: وهو دعاء الراعي الشاء، يقال: انعِق بضأنك أي: ادعها، وقد نعق الراعي بها نعيقًا
(3)
.
وعن الفراء في قوله تعالى: {كمَثَلِ اَلَّذِى يَنعِقُ} [البقرة: 171] قال: أضاف المثل إلى الذين كفروا، ثم شبههم بالراعي، ولم يقل: كالغنم. والمعنى -والله أعلم- إن مثلهم كمثل البهائم التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت
(4)
.
وفي "الموعب": نعيقًا ونعاقًا: إذا صاح بها الراعي زجرًا، ونعقًا،
(1)
"تاريخ المدينة المنورة" 1/ 278 - 279.
(2)
"العين" 1/ 171.
(3)
"تهذيب اللغة" للأزهري 4/ 3613.
(4)
"معاني القرآن" للفراء (1/ 99).
ونعقانًا، وقد نعق ينعق، ونعق الغراب -بالمهملة والمعجمة
(1)
أيضًا- صاح. وقال الداودي معناه: يطلبان الكلام.
خامسها: "وحوشًا" ولمسلم "وحشًا"
(2)
أي: خالية ليس فيها أحد.
وقال الحربي: الوحش من الأرض: الخلاء، والصحيح أن معناه: يجدانها ذات وحوش. وأصل الوحش: كل شيء توحش من الحيوان، وقد يعبر بواحده عن جمعه. وعن ابن المرابط معناه: أن غنمهما تصير وحوشًا، وإما تتقلب ذواتها أو تنفر وتتوحش من (أصواتها)، وأنكره عياض
(3)
.
سادسها: "يبسون"، بفتح أوله، وبضم الباء الموحدة بعدها، وبكسرها ثلاثية ورباعية، فالحاصل ثلاثة أوجه. وعبارة ابن التين: وقيل في يبسون ثلاث لغات: فتح الباء، وكسر الباء، وضمها من
(1)
ورد بالهامش: قال في "الجمهرة": نعق الغراب بالعين والغين وهو بالمعجمة أعلى وأفصح. وفي "المحكم" أن الغين في الغراب أحسن من الأول، نعق الغراب ونغق يعني بالمعجمة؛ للرواية، قال: الجوهري: النغاق من .. يقولون نغق
…
بالغرب ينعق الغراب بالمعجمة، ونعَق الراعي بالمهملة، انتهى. فالمعجمة ابن قتيبة روى غيره عطاء. الطوسي وصاحب كتاب العين أنه قال
…
(2)
مسلم (1389/ 499).
فائدة:
قول المصنف رحمه الله: ولمسلم (وحشًا) يفهم منه أنها ليست في البخاري، والطبعة التي بين أيدينا بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، وكذا في "فتح الباري" (1874) وقع أيضًا: وحشًا كما في مسلم، وجاء في اليونينية 3/ 21 أنه وقع في رواية كل من أبي ذر الهروي والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت: وحوشًا، فيحمل كلام المصنف أنه اعتمد على أحد هذِه الروايات الأربع أو بعضها، ويدل لذلك أيضًا -كما هو واضح جلي- أنه قال: خامسها: (وحوشًا)، فذكرها كما هي لديه.
(3)
"إكمال المعلم" 4/ 508.
بسست. وقيل: هو رباعي من أبسست، إلا أن الذي يقتضيه الإعراب إذا كان ثلاثيًا أن يكون بفتح الياء وكسر الباء؛ لأنه ثلاثي مضاعف على ما ذكره ابن فارس
(1)
، ومعناه: يتحملون بأهليهم، أو يدعون الناس إلى بلاد الخصب، أو يسوقون. والبس: سوق الإبل، أقوال.
وقال ابن وهب: يزينون لهم البلاد يحببونها إليهم، ونحوه حديث مسلم "هلم إلى الرخاء"
(2)
.
وقال الداودي: يزجرون الدواب إلى المدينة فيبسون ما يطئون من الأرض فيفتونه فيصير ترابًا من قوله تعالى: {وَبُسَّتِ الجِبَالُ بَسًّا (5)} [الواقعة: 5] ويفتنون نيات من في المدينة بما يصفون لهم من رغد العيش في غيرها. وقال مالك: البس: السير، قال صاحب:"المطالع" عن أبي مروان بَس بِس بفتح الباء وكسرها، يقال في زجر الإبل: بس بكسر السين، منونًا وغير منون، وبإسكانها. وقال النووي: الصواب والذي عليه المحققون أن معناه: الإخبار عمن خرج من المدينة متحملًا بأهله باسًّا في سيره، مسرعًا إلى الرخاء في الأمصار التي أخبر بفتحها، وهو من أعلام نبوته
(3)
. وقال الخطابي: البس: السير الرفيق
(4)
. وفي "الواعي": وبس: زجر للحمار. وقال أبو عبيد: يقال في الزجر إذا سقت حمارًا أو غيره: بس بس، وهو من كلام أهل اليمن، وفيه لغتان: بسست وأبسست، فيكون على هذا يبسون بفتح الياء وضمها
(5)
، كما سلف.
(1)
"المجمل" 1/ 112.
(2)
مسلم (1381).
(3)
"مسلم بشرح النووي" 9/ 159.
(4)
"غريب الحديث" 1/ 261.
(5)
"غريب الحديث" 1/ 418.
وقال الخليل: بس: زجر للبغل والحمار بضم الباء وفتح السين، تقول: بُسَ بُسَ
(1)
.
قال أبو عمرو الشيباني: يقال بس فلان كلابه: أي: أرسلها. وقال: ابن فارس: بسست الإبل إذا زجرتها عند السوق
(2)
.
سابعها: قوله: ("وَالمَدِينَةُ خير لَهُمْ") أي: في الآخرة لمن صبر عليها ابتغاء وجهه تعالى، قاله الداودي، وقال ابن بطال: يعني: لفضل الصلاة في مسجده، ولما في سكنى المدينة، والصبر على لأوائها وشدتها، فهو خير لهم مما يصيبون من الدنيا في غيرها.
والمراد بالحديث: الخارجون عن المدينة رغبة عنها وكرهًا، فهؤلاء المدينة خير لهم، وهم الذين جاء فيهم الحديث أنها تنفي خبثها
(3)
، وأما من خرج منها لحاجة أو طلب معيشة أو ضرورة ونيته الرجوع إليها، فليس بداخل في معناه
(4)
.
ثم فيه برهان جليل بصدق الشارع بإخباره بما يكون قبل وقته، فأنجز الله تعالى لرسوله ما وعد به أمته، فتحت اليمن ثم الشام، ثم العراق، وكمل ذلك كله.
ثامنها: ثنية الوداع موضع قريب من المدينة مما يلي مكة
(5)
.
(1)
"العين" 7/ 204.
(2)
"المجمل" 1/ 112.
(3)
سيأتي قريبًا برقم (1883) من حديث جابر، ورواه مسلم (1383).
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 547 - 548.
(5)
انظر: "معجم البلدان" 2/ 86.
6 - باب الإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ
1876 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا". [مسلم: 147 - فتح: 4/ 93]
ذكر فيه حديث عُبَيْد اللهِ، عَنْ خُبَيْب بْنِ عَبْدِ الرحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ كَمَا تَأرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا".
و (عبيد) الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب
(1)
. و (خبيب) -بضم الخاء المعجمة- هو خاله
(2)
- ابن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف بن عِنَتة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم، أخي زيد، وكانا توأمين، ابني الحارث بن الخزرج، توفي خبيب الأعلى في خلافة عثمان، وكان شهد بدرًا وما بعدها
(3)
، وتوفي الأدنى في زمن مروان بن محمد بن مروان
(4)
.
و (يأرز) بمثناة تحت، ثم همزة، ثم راءٍ مكسورة، ثم زاي، هذا هو المشهور، وحكاه ابن قرقول عن أكثر الرواة، قال: وقال أبو الحسين بن
(1)
تقدمت ترجمته في حديث (148).
(2)
يقصد أنه خال عبيد الله بن حفص، وهو كذلك.
(3)
خبيب الأعلى هو جد خبيب بن عبد الرحمن الراوي، انظر: تمام ترجمته في "معرفة الصحابة" 2/ 988 (852)، 2/ 25 (651)، "أسد الغابة" 2/ 118 (1413)، "الإصابة" 1/ 418 (2219).
(4)
خبيب الأدنى هو ابن عبد الرحمن الراوي، انظر تمام ترجمته في:"التاريخ الكبير" 3/ 209 (716)، "الجرح والتعديل" 3/ 387 (1775)، "تهذيب الكمال" 8/ 227 (1678)، "تاريخ الإسلام" 8/ 87.
سراج: ليأرز. بضم الراء. وعن القابسي
(1)
: فتحها.
ونقل ابن التين عن الشيخ أبي عمران أنه قال: الذي جرى على ألسنتهم -يعني: المحدثين- فتح الراء، والصواب كسرها، ومعناه فيما ذكره ابن سيده: ثبتت في مكانها ولاذت بجحرها ورجعت إليه
(2)
.
وقال أبو عبيد: عن الأصمعي: يأرز: ينضم إليها ويجتمع بعضه إلى بعض
(3)
.
وقال أبو الأسود الديلي: إن فلانا إذا سئل أرز، وإذا دعي اهتز. قال أبو عبيد: يعني إذا سئل المعروف تضامَّ، وإذا دعي إلى طعام أو غيره مما يناله اهتز لذلك
(4)
. وقال الداودي معناه: يرجع ويجتمع ويأتي، وكان هذا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يليه، و (الجحر): الكوة، والمراد بالمدينة هنا أهلها، قاله أبو مصعب الزبيري، وفيه تنبيه على صحة مذهبهم وسلامتهم من البدع، وأن عملهم حجة، كما رأى مالك.
وقال المهلب: فيه أن المدينة لا يأتيها إلا مؤمن، وإنما يسوقه إليها إيمانه ومحبته في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأن الإيمان يرجع إليها كما خرج منها أولًا ومنها انتشر كانتشار الحية من جحرها، ثم إذا راعها شيء رجعت إلى جحرها، فكذلك الإيمان دخلته الدواخل لم يقصد المدينة إلا مؤمن كامل الإيمان
(5)
.
(1)
في هامش الأصل: حكاه عن المروزي.
(2)
"المحكم" 9/ 65 - 66.
(3)
"غريب الحديث" 1/ 32.
(4)
السابق 1/ 32.
(5)
"شرج ابن بطال" 4/ 548.
7 - باب إِثْمِ مَنْ كَادَ أَهْلَ المَدِينَةِ
1877 -
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ، عَنْ جُعَيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ [هِيَ بِنْتُ سَعْدٍ] قَالَتْ: سَمِعْتُ سَعْدًا رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ إِلَّا انْمَاعَ، كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ". [مسلم: 1387 - فتح: 4/ 94]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ سَعْدًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ إِلَّا انْمَاعَ، كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا بزيادة أبي هريرة
(1)
.
ومعنى "انماع" ذاب، يقال منه: قد امَّاع العسل في الماء فهو مماع امَّاعًا، وهو عسل مائع، وقد ماع يميع ميعًا ميوعًا، وتميع الشراب إذا ذهب وجاء، فهو يتميع تميعًا.
ومعنى "لا يكيد" لا يدخلها بمكيدة ولا بمكر يطلب فيها غرتهم، ويفترس عورتهم.
(1)
مسلم (1387).
وورد بهامش الأصل: أي مع سعد، وليس في مسلم:"انماع كما ينماع" وإنما فيه: "أذابه الله كلما يذاب" وليس فيه: "لا يكيد" وإنما فيه: "من أراد أهل المدينة بسوء".
8 - باب آطَامِ المَدِينَةِ
1878 -
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ سَمِعْتُ أُسَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ المَدِينَةِ فَقَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لأَرَى مَوَاقِعَ الفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ القَطْرِ".
تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. [2467، 3597، 7060 - مسلم: 2885 - فتح: 4/ 94]
ذكر فيه حديث سُفْيَانَ، عن الزهري، عن عُرْوَةُ عن أسَامَةَ قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُطُمِ مِنْ آطَامِ المَدِينَةِ فَقَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرى؟ إِنِّي لأَرى مَوَاقِعَ الفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتكُمْ كَمَوَاقِعِ القَطْرِ".
تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الزهْرِيِّ.
الشرح:
متابعة معمر رواها البخاري في: الفتن عن محمود بن غيلان، عن عبد الرزاق، عن معمر به
(1)
، ومتابعة سليمان رواها مسلم
(2)
عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق، عن سليمان عنه
(3)
، وسليمان هو ابن كثير
(1)
حديث سيأتي برقم (7060)، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ويل للعرب من شر قد اقترب.
(2)
ورد بالهامش حاشية: لم يروها مسلم، إنما روى مسلم حديث معمر عن الزهري، لا حديث سليمان والله أعلم.
(3)
هذِه المتابعة لم يروها مسلم كما ذكر المصنف رحمه الله وتبعه على ما ذكر، العيني في "عمدة القاري" 8/ 432 وفيه نظر، فالذي في مسلم (2885/ 9): حدثنا عبد بن حميد: أخبرنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري بهذا الإسناد نحوه، فليس في الإسناد سليمان بالمرة.
ويدل لذلك ما ذكره الحافظ في "التغليق" 3/ 134 - 135 أن المتابعة هذِه رواها البخاري بإسناده في كتاب "بر الوالدين، من تأليفه خارج "الصحيح": ثنا محمد بن =
العبدي البصري
(1)
، كان أكبر من أخيه محمد بخمسين سنة
(2)
، كذا بخط الدمياطي الحافظ على أصله.
و (الآطام) بالمد والقصر: القصور، نقله ابن التين عن أبي عبد الملك، وقال ابن فارس: الأطم: الحصن، وجمعه: آطام
(3)
.
زاد الخطابي: المبني بالحجارة
(4)
. وقيل: هو كل بيت مربع مسطح، حكاه ابن سيده
(5)
.
والجمع القليل من كل ذلك: آطام، والكثير: أطوم. وعن ابن الأعرابي: الأطوم: القصور. وقال الداودي: المنازل. وقال الجوهري: الواحدة: أطمة، مثل أكمة
(6)
.
وخلال: معناه: بين، ومثلت الفتن التي بعده فرآها عيانًا، فأنذر بها قبل وقوعها، فالرؤية هنا العلم، وهذِه إحدى علامات نبوته وهي الإخبار
= كثير؛ ثنا سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"هل ترون ما أرى، أرى الفتن خلال بيوتكم". ثم ساقه بإسناده إلى البخاري بهذا الإسناد. وقال في "الفتح" 4/ 95: أما متابعة سليمان بن كثير فوصلها المؤلف في "بر الوالدين" له خارج الصحيح.
(1)
أبو داود، ويقال أبو محمد البصري، عن يحيى بن معين: ضعيف وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال النسائي: ليس به بأس، إلا في الزهري فإنه يخطئ عليه.
انظر تمام ترجمته في: "التاريخ الكبير" 3/ 33 (1873)، "الجرح والتعديل" 3/ 138 (603)، "المجروحين" لابن حبان 1/ 334، "تهذيب الكمال" 12/ 56 (2557)، "سير أعلام النبلاء" 7/ 294 (91).
(2)
هو محمد بن كثير العبدي، أبو عبد الله البصري، تقدمت ترجمته في حديث (90).
(3)
"مجمل اللغة" 1/ 98.
(4)
"غريب الحديث" 1/ 105.
(5)
"المحكم" 9/ 171.
(6)
"الصحاح" 5/ 1862.
بالمغيبات، فكانت الفتن بعده كالقطر كما أخبر، وخبره الصادق المصدوق، وشبهها بمواقع القطر لكثرتها وعمومها كقتل عثمان
(1)
، ويوم الحرة
(2)
(3)
.
(1)
من ذلك ما سيأتي برقم (3674) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلًا"، ورواه مسلم (2403) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عثمان بن عفان. من حديث أبي موسى الأشعري، وفيه: أن عثمان استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ائذن له وبشره بالجنة .. ".
ومن ذلك أيضًا ما سيأتي برقم (3675) من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدًا وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال:"اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان"، وغير ذلك من الأحاديث، انظر:"المنتخب من دلائل النبوة" لأبي نعيم 2/ 551 - 552، "دلائل النبوة" للبيهقي 6/ 388 - 392.
(2)
انظر: "البداية والنهاية" 8/ 616 - 623، "تاريخ الإسلام" 5/ 23 - 32.
(3)
ورد بهامش الأصل: ثم بلغ في الثاني بعد الأربعين، كتبه مؤلفه.
9 - باب لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ المَدِينَةَ
1879 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَدْخُلُ المَدِينَةَ رُعْبُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ". [7125، 7126 - فتح: 4/ 95]
1880 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. "عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ، لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ". [5731، 7133 - مسلم: 1379 - فتح: 4/ 95]
1881 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلَّا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ المَلَائِكَةُ صَافِّينَ، يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ". [7124، 7134، 7473 - مسلم: 2943 - فتح: 4/ 95]
1882 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا طَوِيلًا عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ:"يَأْتِى الدَّجَّالُ -وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ- بَعْضَ السِّبَاخِ التِي بِالمَدِينَةِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ، هُوَ خَيْرُ النَّاسِ -أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ- فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ، الذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَهُ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ: وَاللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اليَوْمَ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَقْتُلُهُ فَلَا أُسَلَّطُ عَلَيْهِ". [7132 - مسلم: 2938 - فتح: 4/ 95]
ذكر فيه أربعة أحاديث:
أحدها:
حديث إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ -وهو ابن إبراهيم-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أبِي بَكْرَةَ -وهو نفيع بن الحارث- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:- "لَا يَدْخُلُ المَدِينَةَ رُعْبُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ".
وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على أنقاب المدنية ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال".
وحديث أبي سعيد: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا طويلًا عن الدجال، فكان مما حدثنا به أن قال:"يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، ينزل بعض السباخ التي بالمدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس -أو من خير الناس- فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال: أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ فيقولان: لا. فيقتله ثم يحييه، فيقول حين يحييه: والله ما كنت قط أشد بصيرة من اليوم، فيقول الدجال: أقتله، فلا يسلط عليه".
وحديث أبي عمرو -هو الأوزاعي- عبد الرحمن بن عمرو، ثنا إسحاق، حدثني أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس من بلدٍ إلا سيطؤه الدَّجَّال، إلا مكةَ والمدينة، ليس من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجفُ المدينةُ بأهلِها ثلاث رجفات، فيخرج إليه كلُّ كافرٍ ومنافقٍ".
الشرح:
حديث أبي بكرة من أفراده، وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ أخرجه مسلم
(1)
.
وحديث أبَي سَعِيدٍ أيضًا. وسيأتي مطولًا في ذكر بني إسرائيل
(2)
.
وحديث أَنَسٍ أخرجه مسلم في الفتن، والنسائي في الحج
(3)
.
وأنقاب ونقاب: جمع نقب، قال ابن وهب: يعني مداخلها. وقال غيره: هي أبوابها وفوّهات طرقها التي يدخل منها إليها.
قال الخطابي: هي طريق في رأس الجبل
(4)
. وقال الداودي: هي الطرق التي يسهلها الناس، ومنه:{فَنَقَّبُواْ فِي اَلبلَادِ} [ق: 36] وضبط ابن فارس أنه بالسكون يقتضي ألا يكون جمعه أنقابًا
(5)
كما رواه أبو هريرة
(6)
، وإنما يجمع على نقاب كما رواه أبو سعيد
(7)
.
وقال أبو المعالي في "المنتهى": النقب: الطريق في الجبل، وكذلك النقب والمنقب والمنقبة عن يعقوب.
وقال ابن سيده: النقب والنقب في أي شيء كان نقبه ينقبه نقبًا
(8)
.
وعن القزاز: ويقال أيضًا: نقب، بكسر النون. وقال الأخفش: أنقابها: طرقها، الواحد: نقب وهو من الآية السالفة أي: جعلوا فيها طرقًا ومسالك، وقال غيره: ونقاب أيضًا جمع نقب
(9)
، ككلب وكلاب،
(1)
مسلم (1380).
(2)
يأتي برقم (7132) كتاب: الفتن، باب: لا يدخل الدجال المدينة.
(3)
مسلم (2943)، النسائي في "الكبرى" 2/ 485 (4274).
(4)
"أعلام الحديث" 2/ 932.
(5)
"مجمل اللغة" 4/ 880.
(6)
سيأتي برقم (1880).
(7)
حديث (1882).
(8)
"المحكم" 1/ 277.
(9)
ورد بهامش الأصل: في "القاموس" النقب، النقَب جمعه أنقاب ونقاب.
وتجمع فَعْل اسمًا على فعال وفعول قياسًا مطردًا.
وفي هذِه الأحاديث برهان ظهر لنا صحته وعلمنا أن ذلك من بركة دعائه للمدينة، وقد أراد عمر والصحابة أن يرجعوا إلى المدينة حين وقع الوباء بالشام
(1)
، ثقة منهم بقوله عليه السلام الذي أمنهم من دخول الطاعون بلدهم
(2)
، وكذلك نوقن أن الدجال لا يستطيع دخولها البتة، وهذا فضل عظيم لها. وقد أخبر الله أنه يوكل الملائكة بحفظ من شاء من عباده من الآفات والعدو والفتن، فقال تعالى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} [الرعد: 11] يعني بأمر الله لهم بحفظه، ومازالت الملائكة تنفع المؤمنين بالنصر لهم والدعاء والاستغفار لذنوبهم، وسيأتي معنى حديث الدجال وفتنته في موضعه، وهو كتاب: الفتن، إن شاء الله
(3)
. وفي حديث أنس أن الدجال لا يدخل مكة أيضًا
(4)
، وهو فضل كبير أيضًا لها وللمدينة على سائر الأرض.
وقوله: "لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال" لا يعارضه حديث أنس "ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات" والرجف رعب، وإنما الرجفة تكون من أهل المدينة على من فيها من المنافقين والكافرين، فيخرجونهم من المدينة بإخافتهم إياهم تغليظًا عليهم وعلى الدجال، فيخرج المنافقون إلى الدجال فرارًا من أهل المدينة ومن قوتهم (عليه)
(5)
.
(1)
سيأتي هذا الحديث (5729) كتاب: الطب، باب: ما يذكر في الطاعون، من حديث ابن عباس، ورواه مسلم (2219) كتاب: السلام، باب: الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها.
(2)
حديث (1880)، ورواه مسلم (1379).
(3)
انظر شرح الحديث الآتي برقم (7132).
(4)
حديث الباب (1881).
(5)
هذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" (4/ 551):(عليهم) وهو أصح وأصوب.
والرعب: الخوف، يقال: رعبته فهو مرعوب، ولا يقال: أرعبته.
قال ابن التين: وضبط المسيح هنا بكسر الميم وتشديد السين، سمي بذلك لأنه يمسح الأرض -أي يقطعها- أو لأنه ممسوح العين اليمنى، وسلف الاختلاف في عيسى صلى الله عليه وسلم لم سمي مسيحًا؟
والدجال مشتق من الدجل، وهو التمويه أو التغطية. وقال ابن دريد: لأنه يغطي الأرض بالجمع الكثير
(1)
. والطاعون: الوباء.
قال الداودي: والدجالون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبيٌّ
(2)
إلا الأعور فإنه يزعم أنه إله. وهو في مسلم بدون الاستثناء
(3)
، والذي أعطي من قتله للرجل وإحيائه، فقد أتبع ذلك بأنه يريد قتله فلا يطيقه، فيكون ذلك سبب هلاكه، وينزل ابن مريم صلى الله عليه وسلم حكمًا عدلًا فيقتله.
ومعنى رجف المدينة: اضطرابها، ويكون بها زلزلة وأمر يرعب عنه كل منافق، ويثبت الله المؤمنين.
واحتج القاضي في "معونته" بهذا الحديث على فضل المدينة على البقاع التي لم تحرس من ذلك
(4)
، وحديث أنس يرده، فإن فيه أن مكة أيضًا محروسة من الدجال.
(1)
"جمهرة اللغة" 1/ 450.
(2)
سيأتي حديث بنحو هذا الكلام برقم (3609) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.
(3)
مسلم (157) بعد حديث (2888) كتاب: الفتن، باب: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما.
(4)
"المعونة" 2/ 606.
10 - باب المَدِينَةُ تَنْفِي الخَبَثَ
1883 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعَهُ عَلَى الإِسْلَامِ، فَجَاءَ مِنَ الغَدِ مَحْمُومًا، فَقَالَ: أَقِلْنِي، فَأَبَى ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ:"المَدِينَةُ كَالكِيرِ، تَنْفِى خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا". [7209، 7211، 7216، 7322 - مسلم: 1383 - فتح: 4/ 96]
1884 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رضي الله عنه يَقُولُ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: نَقْتُلُهُمْ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَا نَقْتُلُهُمْ. فَنَزَلَتْ {فَمَا لَكُمْ فِي المُنَافِقِينِ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهَا تَنْفِي الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الحَدِيدِ". [4050، 4589 - مسلم: 1384 - فتح: 4/ 96]
ذكر فيه حديث جَابِرٍ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعَهُ عَلَى الِإسْلَامِ، فَجَاءَ مِنَ الغَدِ مَحْمُومًا، فَقَالَ: أَقِلْنِي بيعتي. فَأَبَى ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ:"المَدِينَةُ كَالكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَهَا، وَينْصَعُ طَيِّبُهَا".
وحديث زيدِ بْنِ ثَابِتِ قال: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ إِلَى أحُدٍ رَجَعَ ناسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: نَقْتُلُهُمْ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَا نَقْتُلُهُمْ. فَنَزَلَتْ {فَمَا لَكُمْ فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهَا تَنْفِي الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الحَدِيدِ".
الشرح:
حديث جابر وزيد أخرجهما مسلم أيضًا
(1)
.
(1)
حديث جابر رواه برقم (1383)، وحديث زيد رواه برقم (1384).
وفي رواية للبخاري في المغازي: "تنفي الذنوب"
(1)
، وفي رواية:"وأنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الحديد"
(2)
وكان هذا الأعرابي من المهاجرين كما قاله بعض العلماء
(3)
، فأراد أن يستقيل النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقط، ولم يرد أن يستقيله في الإسلام، فأبى صلى الله عليه وسلم من ذلك في الهجرة؛ لأنها عون على الإثم، وكان ارتدادهم عن الهجرة من أكبر الكبائر، ولذلك دعا لهم صلى الله عليه وسلم فقال:"اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولاتردهم على أعقابهم"
(4)
ويحتمل كما قال القاضي أن بيعته كانت بعد الفتح وسقوط الهجرة إليه، وإنما بايع على الإسلام وطلب الإقالة ولم يقله
(5)
.
وفيه من الفقه:
أن من عقد على نفسه أو على غيره عقدًا لله فلا ينبغي له حله؛ لأن في حله خروجًا عما عقد، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المائدة: 1] والدليل على أنه لم يطلب الارتداد عن الإسلام أنه لم يرد حل ما عقده إلا بموافقة الشارع على ذلك، ولو كان
(1)
سيأتي برقم (4050) باب: غزوة أحد.
(2)
سيأتي برقم (4589) كتاب: التفسير، باب: قوله: {فَمَا لَكُمْ فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88].
(3)
قال الحافظ في "الفتح" 4/ 97: لم أقف على اسمه، إلا أن الزمخشري ذكر في "ربيع الأبرار" أنه قيس بن أبي حازم، وهو مشكل؛ لأنه تابعي كبير مشهور صرحوا بأنه هاجر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، فإن كان محفوظًا فلعله آخر وافق اسمه واسم أبيه، وفي "الذيل" لأبي موسى: في الصحابة قيس بن أبي حازم المنقري، فيحتمل أن يكون هو هذا أهـ. وقال هذا الكلام بنصه العيني في "عمدة القاري" 8/ 436.
(4)
سلف برقم (1295)، ورواه مسلم (1628).
(5)
"إكمال المعلم" 4/ 500.
خروجه عن المدينة خروجًا عن الإسلام لقتله حين خرج، وإنما خرج عاصيًا، ورأوا أنه معذور لما نزل به من الوباء، ولعله لم يعلم بفرضية الهجرة، وكان من الذين قال الله فيهم:{وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: 97] فقال فيه: "إن المدينة كالكير".
ولا يرد أن المنافقين قد سكنوها وماتوا فيها ولم تنفعهم؛ لأنها كانت دارهم، ولم يسكنوها اغتباطًا بالإسلام ولا حبًّا لها، وإنما كان لأجل معاشهم، ولم يرد بضرب المثل إلا من عقد على الإسلام راغبًا فيه ثم خبث قلبه، ولم يصح أن أحدًا ممن لم تكن له المدينة دارًا فارتد عن الإسلام ثم اختار السكنى فيها، بل كلهم فر إلى الكفر راجعًا، فبمثل أولئك ضرب المثل، وكان المنافقون الساكنون بالمدينة قد ميزهم الله حتى كأنهم بارزون عنها لما وسمهم به من قوله:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 79]{الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} [التوبة: 61] وبقوله: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ} [محمد: 30] وكانوا معروفين، وأبقاهم لئلا يقول الناس: إن محمدًا يقتل أصحابه
(1)
، أو ينفيهم، والنفي كالقتل، ومما يدل على ذلك قوله تعالى:{فَمَا لَكُمْ فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] منكرًا عليهم اختلافهم في قتلهم، فعرفهم الله تعالى أنه أركسهم
(1)
انظر ما سيأتي برقم (3518) كتاب: المناقب، باب: ما ينهى من دعوة الجاهلية، ورواه مسلم (2584/ 63) كتاب: البر والصلة والآداب، باب: نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا، من حديث جابر قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث، وفيه: وقال عبد الله بن أُبي ابن سلول: قد تداعوا علينا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر: ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟ لعبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه".
بنفاقهم، فلا يكون لهم صنع ولا جمع، ولا يسمع لهم قول مع أنه قد حسم أنهم لا يجاورونه فيها إلا قليلًا، فنفتهم المدينة بعد؛ لخوفهم القتل، قال تعالى:{مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)} [الأحزاب: 61] فلم يأمنوا فخرجوا، فصح إخباره أنها تنفي خبثها لكن ليس ذلك ضربة واحدة بل شيئًا فشيئًا، حتى يخلص أهلها الطيبين الناصعين وقت الحاجة إليهم في العلم؛ لأنهم في حياته مستغنى عنهم به، فلما احتيج إليهم بعده في العلم خلصتهم بركة المدينة، فنفت خبثها.
وقوله: ("كالكير") تمثيل منه وتنظير، ففيه جواز القياس بين الشيئين إذا اشتبها في المعنى، فشبَّه المدينة في نفيها من خبثها من خبث قلبه بالكير الذي ينفي خبث الحديد حتى يصفو.
وقوله: ("وينصع طيبها") هو مثل ضربه للمؤمن المخلص الساكن فيها الصابر على لأوائها وشدتها مع فراق أهله والمال والتزام المخافة من العدو، فلما باع نفسه من الله والتزم هذا الأمر بان صدقه ونصع إيمانه، وقوي اغتباطه بسكنى المدينة، وبقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ينصع ريح الطيب فيها ويزيد عبقًا على سائر البلاد، خصوصية خص الله بها بلد رسوله التي اختار تربتها لمباشرة جسده الطيب الطهور.
وقد جاء في الحديث أن المؤمن يقبر في التربة التي خلق منها
(1)
،
(1)
تقدم تخريجه في حديث (1871) من حديث أبي سعيد الخدري وابن عمر. وانظر: "الصحيحة"(1858). ونضيف هنا أنه روي أيضًا عن ابن مسعود وعبد الله بن سوار وابن عباس موقوفًا.
حديث ابن مسعود رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 2/ 313، 13/ 40 - 41،
والديلمي كما في "الفردوس" 4/ 28 - 29 (6088)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 193 (310) مرفوعًا بلفظ: "ما من مولود يولد إلا وفي سرته من تربته =
وكانت بها تربة المدينة أفضل الترب كما هو أفضل البشر؛ فلهذا -والله أعلم- يتضاعف ريح الطيب فيها على سائر البلاد.
وقوله: ("طيبها") هو بضم الباء، وهو الصحيح، وروي فتحها
(1)
.
قال ابن التين: والصواب الأول؛ لأن الطيب هو الذي ينصع -أي: يخلص ويصفو- ومنه: أبيض ناصع. وينصع -بالنون- قال القزاز: لم أجد له في الطيب وجهًا، وإنما الكلام يتضوع طيبها أي: يفوح، قال: ويروى: ينضخ، بضاد وخاء معجمتين، قال: ويروى بحاء مهملة، وهو أقل من النضخ. قلت: الرواية "طيبها" بتشديد المثناة تحت، ونصع الشيء: خلص، وخشب ناصع: خالص، وحق ناصع: واضح، والناصع من الجيش: القوم الذين لا يخالطهم غيرهم، فنصع الطيب من هذا، وقال أبو موسى: ويقال أيضًا أنصع: أظهر ما في نفسه وبرز لونه. وضبطه الزمخشري في "فائقه": بمثناة تحت مضمومة، ثم باء موحدة، ثم ضاد معجمة
(2)
. فرشقه الصغاني فقال:
= التي ولد منها، فإذا رد إلى أرذل العمر رد إلى تربته التي خلق منها حتى يدفن فيها، وأنا وأبو بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة وفيها ندفن".
وأما حديث عبد الله بن سوار فرواه أحمد في "فضائل الصحابة" 1/ 444 - 442 (528): أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر يحفر، فقال: قبر من هذا؟ قالوا: قبر فلان الحبشي، قال: يا سبحان الله سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها، ....
وأما حديث ابن عباس فرواه عبد الرزاق في "المصنف" 3/ 515 - 516 (6531)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" 3/ 180 عن ابن عباس قال: يدفن كل إنسان في التربة التي خلق منها. هكذا موقوفًا. والأحاديث الثلاثة هذِه لا تخلو أسانيدها من مقال، لكن الحديث صح عن أبي سعيد وابن عمر، انظر:"الصحيحة"(1858).
وورد بهامش الأصل هنا: هو في "المستدرك".
(1)
عند الحموي والمستملي وأبي ذر الهروي. انظر اليونينية 3/ 22.
(2)
"الفائق" 3/ 290.
خالف الزمخشري في ذلك جميع الرواة.
وفي "مجمع الغرائب": "ينصع طيبها" أي يصفها ويخلطها.
والنصوع لازم، فإن صحت أن الرواية ينصع من الثلاثي فهو غريب، وإلا فالوجه أن يقال: ينصع. يقال: أنصع الرجل: إذا أظهر ما في نفسه، أو يقال: ينصع طيبها بالرفع على أنه فاعل، وهو لازم. وقال
ابن التين: "ينصع طيبها" أي: يخلص ويصفو.
ومما استدل على تفضيل المدينة بهذا الحديث، وقد سلف.
والخبث: الكفر والنفاق.
وقوله: (ورجع ناس من أصحابه) هو عبد الله بن أبي، أي: رجع بثلث العسكر، ثلاثمائة رجل.
-
باب
(1)
1885 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ البَرَكَةِ". تَابَعهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ يُونُسَ. [مسلم: 1369 - فتح: 4/ 97]
1886 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ المَدِينَةِ، أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا. [انظر: 1802 - فتح: 4/ 98]
ذكر فيه حديث أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ البَرَكَةِ". تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ يُونُسَ.
وحديثه أيضا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ المَدِينَةِ، أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا.
وهذا سلف في باب: من أسرع ناقته إذا قدم المدينة
(2)
(3)
. والأول أخرجه مسلم أيضًا
(4)
.
وقوله: (تابعه عثمان بن عمر) يعني: تابع جريرًا الراوي عن يونس الأول.
(1)
ورد بهامش الأصل: ليس في نسختي هذا الباب، وإنما فيها الأحاديث من غير فصل بباب.
(2)
سلف برقم (1802).
(3)
ورد بهامش الأصل: في هذِه الطريق النص باستماع حميد من أنس بخلاف الأولى.
(4)
مسلم (1369).
وقال الإسماعيلي: حدثنا أبو يعلى عن أبي خيثمة وقاسم بن أبي شيبة قالا: ثنا وهب بن جرير، ثم قال: وقال القاسم بن أبي شيبة عن أبيه، عن يونس الأيلي، فذكره وأبو شيبة ليس من شروط هذا الكتاب، وكذلك ابنه، قال: وقال الحسن: عن أنس أن رسول صلى الله عليه وسلم قال، فذكره
(1)
، وقال: يعني المدينة واستدل به من يفضل المدينة؛ لأن تضعيف الدعاء
(2)
إنما هو لفضلها، وقد سلف، وكذا حبه إياها وتعجيل سيره إذا نظر إليها، من أجل أن قرب الدار يجدد الشوق إلى الأحبة والأهل، ويولد الحنين إلى الوطن، ولنا به الأسوة الحسنة.
وقال مالك لهارون: استوص بأهل المدينة خيرًا فإنهم أفضل من على الأرض، فقال: بم؟ فقال: لأنه ليس على وجه الأرض قبر نبي يعرف إلا القبر الذي بهذِه البلدة.
(1)
للحافظ تعقب على هذا الموضوع، انظره في "الفتح" 4/ 98 - 99 فهو هام.
(2)
ورد بالهامش: صوابه: تضعيف المدعو به.
11 - باب كَرَاهِيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُعْرَى المَدِينَةُ
1887 -
حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا الفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ المَسْجِدِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُعْرَى المَدِينَةُ، وَقَالَ:"يَا بَنِي سَلِمَةَ. أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ؟! ". فَأَقَامُوا. [انظر: 655 - فتح: 4/ 99]
ذكر فيه حديث أَنَسٍ قَالَ: أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ المَسْجِدِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُعْرى المَدِينَةُ، وَقَالَ:"يَا بَنِي سَلِمَةَ. أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ؟! ". فَأَقَامُوا.
وقد سلف في الصلاة
(1)
.
وإنما أراد أن لا تعرى المدينة وأن تعمر؛ ليعظم المسلمون في أعين المنافقين والمشركين إرهابًا وغلظًا عليهم.
وقوله: "ألا تحتسبون آثاركم" يعني في الخُطى إلى المسجد، ولذلك قال أبو هريرة: إن أعظمكم أجرًا أبعدكم دارًا، قيل: لم يا أبا هريرة؟ قال: من أجل كثرة الخطى
(2)
، وهذا لا يكون إلا توقيفا.
وقد ترجم له في الصلاة باب: احتساب الآثار
(3)
.
(1)
برقم (655).
(2)
رواه مالك في "الموطأ" ص 46، وقال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" 16/ 201: هكذا هذا الحديث موقوف في الموطأ لم يتجاوز به أبا هريرة ولم يختلف على مالك في ذلك.
(3)
سلف برقم (655 - 656) كتاب: الأذان.
"وبنو سلمة" -بكسر اللام- بطن من الأنصار ليس في العرب سلمة غيرهم، ذكره ابن فارس
(1)
(2)
.
قال الداودي: وفيه دليل أنهم كانوا ممن سكن المدينة، وكان لهم آثار خطاهم، وهم إحدى الطائفتين اللتين قال تعالى:{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} [آل عمران: 122].
(1)
"مقاييس اللغة" ص 466.
(2)
ورد بهامش الأصل: وكذا ابن دريد في "الجمهرة".
12 - باب
(1)
1888 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي". [انظر: 1196 - مسلم: 1391 - فتح: 4/ 99]
1889 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ
…
وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
…
بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ
…
وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَ: اللَّهُمَّ العَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الوَبَاءِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ". قَالَتْ: وَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، وَهْيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللهِ. قَالَتْ: فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِى نَجْلًا. تَعْنِي: مَاءً آجِنًا. [3926، 5654، 5677، 6372 - مسلم: 1376 - فتح: 4/ 99]
1890 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم.
(1)
ورد بهامش الأصل: وكذلك هذا الباب ليس هو في نسختي، إنما فيها حديث أبي هريرة تلو حديث أنس.
وَقَالَ ابْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَتْ: سَمِعْتُ عُمَرَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ هِشَامٌ، عَنْ زيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصَةَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه. [فتح: 4/ 100]
ذكر حديث خُبَيْب -بالخاء المعجمة- بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ:"ما بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي". وهذا سلف في باب: فضل ما بين القبر والمنبر
(1)
.
وحديث عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ اَمْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ
…
وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ ويَقُولُ:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
…
بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ
…
وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَة وَطَفِيلُ
قَالَ: اللَّهُمَّ العَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأمَيةَ بْنَ خَلَفٍ، كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الوَبَاءِ، ثُمَّ قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ". قَالَتْ: وَقَدِمْنَا المَدِينَةَ وَهْيَ أَوْبَأُ أَرْضِ الله. قَالَتْ: فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلًا. تَعْنِي: مَاءً آجِنًا.
(1)
سلف برقم (1196).
وذكر فيه عن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ ابن زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ القَاسِمٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ قَالَتْ: سَمِعْتُ عُمَرَ نحْوَهُ وقال هشام، عن زيد، عن أبيه، عن حفص سمعت عمر.
الشرح:
حديث أبي هريرة سلف
(1)
.
وحديث عائشة أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، وفي رواية: فدخلت عليهما فقلت: يا أبه كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ ذكره في المرضى، وفيه: قالت عائشة: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: "اللهم حبب إلينا المدينة" وقال: "في صاعها وفي مدها"
(3)
، وفي "موطأ معن بن عيسى"
(4)
: عرض علي مالك، عن يحيى بن سعيد قالت عائشة: وكان عامر بن فهيرة يقول:
(1)
برقم (1196).
(2)
مسلم (1376).
(3)
سيأتي برقم (5654) كتاب: المرضى، باب: عيادة النساء الرجال.
(4)
هو ابن يحيى بن دينار، الإمام الحافظ المثبت، أبو يحيى المدني القزاز، حدث عن أبي ذئب ومالك، وحدث عنه أحمد -فيما قيل- وابن المديني وابن معين، قال معن: وكل شيء من الحديث في "الموطأ" سمعته من مالك إلا ما استثنيت أني عرضته عليه، وكل شيء من غير الحديث عرضته على مالك إلا ما استثنيت أني سألته عنه، وقال أبو إسحاق في "الطبقات": كان معن يتوسد عتبة مالك، فلا يلفظ مالك بشيء إلا كتبه وكان ربيبه، وهو الذي قرأ "الموطأ" للرشيد وبنيه على مالك. انظر تمام ترجمته في "طبقات ابن سعد" 5/ 437، "تهذيب الكمال" 28/ 336 (6115)، "سير أعلام النبلاء" 9/ 304 (91)، "شذرات الذهب" 1/ 355.
لقد رأيت الموت قبل ذوقه
…
إن الجبان حتفه من فوقه
كالثور يحمي جلده بروقه
(1)
وهذا لعمرو اللخمي أخي عمرو بن عبد الملك ذكره المرزباني، وفيه رد لقول أبي عمر: لم يذكره مالك عن يحيى بن سعيد، قال أبو عمر: ورواه ابن عيينة وإسحاق، عن هشام، عن أبيه عنها، فجعل الداخل على أبي بكر وبلال وعامر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عائشة. وفيه: فقال: "اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة، وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لأهل مكة، اللهم بارك لنا في مدينتنا" الحديث، وفيه:"وانقل وباءها إلى خُمّ والجحفة"
(2)
.
وفي لفظ ابن إسحاق: "وانقل وباءها إلى مهيعة"
(3)
.
قلت: والذي في "سيرة ابن إسحاق" عن هشام كما في البخاري أولًا.
قال: وفي رواية ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "رأيت في المنام امرأة سوداء ثائرة الشعر
(1)
"الموطأ" ص 556 (1859)، وليس فيه قوله: كالثور يحمي جلده بروقه.
وبنحوه رواه أحمد 6/ 65، 6/ 221 - 222، 6/ 239 - 240، والنسائي في "الكبرى" 4/ 361 (7519)، وابن حبان 12/ 413 - 414 (5600)، وابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 192، والمزي في "تهذيب الكمال" 33/ 83 - 84.
(2)
رواه الحميدي في "مسنده" 1/ 268 - 269 (225) عن سفيان بن عيينة، هكذا، وفيه قوله: كالثور يحمي جلده بروقه، ورواه من طريق الحميدي أيضًا، ابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 192.
(3)
رواه ابن إسحاق بهذا اللفظ كما في "سيرة ابن هشام" 2/ 220 - 221، وانظر "التمهيد" 22/ 191 - 193.
تفلة أخرجت من المدينة فأسكنت مهيعة، فأولتها وباء المدينة ينقله الله إلى مهيعة"
(1)
وذكر ابن الكلبي أن العماليق أخرجوا بني (عبيل)
(2)
، وهم إخوة عاد من يثرب، فنزلوا الجحفة، وكان اسمها مهيعة، فجاءهم سيل فأجحفهم، فسميت الجحفة.
وتعليق ابن زريع وصله أبو نعيم فقال: حدثنا أبو علي الصواف، ثنا إبراهيم بن هشام
(3)
، ثنا أمية بن بسطام، ثنا يزيد بن زريع، ثنا روح بلفظ: سمعت عمر وهو يقول: اللهم قتلًا في سبيلك ووفاة في بلد نبيك، قال: قلت: وأنى يكون لك هذا؟ قال: يأتي به الله جل وعلا إذا شاء. وقال الإسماعيلي: أخبرنا إبراهيم بن هاشم، ثنا أمية بن بسطام، نا يزيد بن زريع، ثنا روح بن القاسم به
(4)
.
(1)
"التمهيد" 22/ 193. وهذا الحديث بهذا الإسناد رواه أحمد 2/ 137، والدارمي 2/ 1379 - 1380 (2207) كلاهما عن سليمان بن داود الهاشمي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، به.
والحديث سيأتي برقم (7038 - 7040) كتاب: التعبير، من طريق سليمان بن بلال وفضيل بن سليمان كلاهما عن موسى بن عقبة، به.
(2)
في الأصل: عبير، والمثبت من "فتح الباري".
(3)
كذا بالأصل، ولعل صوابه: هاشم؛ وذلك لأن طريق الإسماعيلي الذي أورده المصنف رحمه الله بعد جاء فيه: هاشم وكذلك -كما سيأتي- كل من وصل التعليق كالطبراني وأبي نعيم والحافظ، قال: هاشم، وأضيف أيضًا أني وجدت في ترجمة أبي علي الصواف -شيخ أبي نعيم في السند الذي ساقه المصنف- من "السير" 16/ 184 - 185 فيمن سمع منه: إبراهيم بن هاشم البغوي ولم أجد له شيخًا أو أحدًا سمع منه. يسمى: إبراهيم بن هشام. وكذلك في ترجمة إبراهيم بن هاشم البغوي من "تاريخ الإسلام" 22/ 103 أنه سمع أمية بن بسطام. والله أعلم.
(4)
قلت: وصله الطبراني في "الأوسط" 3/ 155، 159 (2795): حدثنا: إبراهيم بن هاشم، بإسناد إلاسماعيلي سواء وباللفظ الذي ذكره المصنف، وعنه أبو نعيم الأصبهاني في "الحلية" 1/ 53 - 54 ومن طريقهما وصله الحافظ في "التغليق" 3/ 136.
وتعليق هشام وصله ابن سعد في "طبقاته": أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن حفصة، فذكره كما ذكره أبو نعيم قبل
(1)
، قال: وأخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي، حدثنا عبد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة، عن أبيه قال: رأى عوف بن مالك زمن أبي بكر رؤيا، فيها: وأن عمر شهيد مستشهد فقال عمر في خلافته لما قصها عليه ثانيًا: أنى لي بالشهادة وأنا بين ظهراني جزيرة العرب؛ لست أغزو والناس حولي، ثم قال: ويلي ويلي يأتي بها الله إن شاء الله عز وجل
(2)
.
إذا تقرر ذلك فالكلام على ذلك من أوجه:
أحدها:
قوله صلى الله عليه وسلم: ("روضة من رياض الجنة") قد أسلفنا أنه يحتمل أن يكون حقيقة، وأن يكون مجازًا، وجه الأول: أن يكون الموضع الذي بين المنبر والقبر يوم القيامة في الجنة روضة، يؤيده قوله تعالى عن أهل الجنة:{وَقَالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: 74] فدلت أن الجنة تكون في الأرض يوم القيامة.
ووجه الثاني: أن يكون معناه أن من صلى فيما بين القبر والمنبر فقد استوجب روضة في الجنة يجازى بها يوم القيامة على قصده وصلاته في
(1)
"الطبقات الكبرى" 3/ 331 ووصله الحافظ في "التغليق" 3/ 136 بإسناده إلى ابن سعد.
(2)
"طبقات ابن سعد" 3/ 331.
هذا الموضع كما قال صلى الله عليه وسلم: "ارتعوا في رياض الجنة" يعني: حلق الذكر والعلم
(1)
، لما كانت مؤدية إلى الجنة، ويكون معناه التحريض على
(1)
روي من حديث أبي هريرة وابن عمر وأنس وجابر بن عبد الله وابن عباس.
أما حديث أبي هريرة فرواه الترمذي (3509) من طريق حميد المكي عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا" قلت: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: "المساجد .. " الحديث.
والحديث أورده الألباني في "الضعيفة"(1150، 2710) وقال: ضعيف.
وأما حديث ابن عمر فرواه أبو نعيم في "الحلية" 6/ 354، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" 1/ 93 (38) بلفظ:"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا"، قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: "حلق الذكر".
قال أبو نعيم: غريب من حديث مالك، لم نكتبه إلا من حديث محمد بن
عبد الله بن عامر. والحديث أورده النووي في "الأذكار"(4) عن ابن عمر بريادة: "فإن لله تعالى سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر فإذا أتوا عليهم حفوا بهم".
قال الحافظ في "نتائج الأفكار" 1/ 21: لم أجده من حديث ابن عمر ولا بعضه لا في الكتب المشهورة ولا الأجزاء المنثورة! وانظر: "الضعيفة" 3/ 291.
وأما حديث أنس فرواه الترمذي (3510)، وأحمد 3/ 150، وأبو يعلى 6/ 155 (3432)، وابن حبان في "المجروحين" 2/ 252، وابن عدي في "الكامل" 7/ 311 - 312، والبيهقي في "الشعب" 1/ 398 (529)، والحافظ في "نتائج الأفكار" 1/ 23 من طريق محمد بن ثابت البناني عن أبيه، عن أنس مرفوعًا:"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا" قالوا: وما رياض الجنة، قال:"حلق الذكر".
قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ثابت عن أنس، وقال في "العلل الكبير" 2/ 797: سألت محمدًا عن هذا الحديث فلم يعرف شيئًا، وقال: لمحمد بن ثابت عجائب.
وقال الحافظ في "النتائج": حديث غريب.
وتابع محمد بن ثابت زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري، رواه البزار كما في "كشف الأستار"(3063)، والطبراني في "الدعاء" 3/ 1643 - 1644 (1890)، وأبو نعيم في "الحلية" 6/ 268، والخطيب في "الفقيه"(39)، والحافظ في "النتائج" 1/ 24 وقال: غريب من هذا الوجه، وهي متابعة جيدة. =
زيارة قبره صلى الله عليه وسلم
(1)
، والصلاة في مسجده، وكذلك يدل قوله: "صلاة في
= وحديث أنس هذا ضعفه الألباني من طريقيه في "الضعيفة" 3/ 290 - 291.
وأما حديث جابر فرواه عبد بن حميد في "المنتخب" 3/ 54 (1105)، والبزار كما في "الكشف"(3064)، وأبو يعلى 3/ 390 (1865)، 4/ 106 (2138)، وابن حبان في "المجروحين" 2/ 81، والطبراني في "الدعاء" 3/ 1644 (1891)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 494 - 495، والبيهقي في "الشعب" 1/ 397 - 398 (528)، وفي "الدعوات الكبير"(6)، والحافظ في "النتائج" 1/ 22 من طريق عمر بن عبد الله، عن أيوب بن خالد بن صفوان عن جابر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن لله عز وجل سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض، فارتعوا في رياض الجنة .. " الحديث.
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الحافظ 1/ 23: هذا حديث غريب، صححه الحاكم فوهم؛ فإن مداره على عمر بن عبد الله، وهو ضعيف. وقال الهيثمي في "المجمع" 10/ 77: فيه عمر بن عبد الله، وقد وثقه غير واحد، وضعفه جماعة وبقية رجالهم رجال الصحيح.
وضعفه الألباني في "الضعيفة"(6205). وأورد حديث أنس وابن عمر وأبي هريرة وجابر وصححه بمجموع طرقه في "الصحيحة"(2562)، فلينظر، ففي ذيل التخريج فائدة هامة.
وأما حديث ابن عباس فرواه الطبراني 11/ 95 (11158) بلفظ: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا"، قيل: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: "مجالس العلم". قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 126: فيه رجل لم يسم.
وفي الباب أيضًا عن ابن عمرو وابن مسعود، رواه عنهما الخطيب في "الفقيه"(41 - 42) لكن إسنادهما ضعيف. والله أعلم.
(1)
قلت: هذِه مجازفة وكلام فيه نظر؛ فسئل شيخ الإسلام ومفتي الأنام والعالم العامل الزاهد الورع ناصر السنة وقامع البدعة، تقي الدين أبو العباس ابن تيمية: هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من زار قبري وجبت له شفاعتي" أم لا؟ وهل صح في فضل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم شيء من الأحاديث أم لا؟
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، الزيارة تنقسم إلى قسمين: زيارة شرعية، وزيارة بدعية. =
مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه"
(1)
على الحض والندب على قصده والصلاة فيه والزيارة له، وقد بسطنا القول في ذلك في فضل ما بين القبر والمنبر فراجعه منه
(2)
.
الثاني:
قول عمر: (اللهم اجعل موتي في بلد رسولك)، احتج به من فضل
المدينة، وقالوا: لو علم عمر بلدة أفضل من المدينة لدعا ربه أن يجعل
= فالزيارة الشرعية، السلام على الميت والدعاء له.
وأما الزيارة البدعية: فمن جنس زيارة اليهود والنصارى وأهل البدع الذين يتخذون قبور الأنبياء والصالحين مساجد، وقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب الصحاح وغيرها أنه قال عند موته:"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما فعلوا، قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدًا. فالزيارة البدعية مثل قصد قبر بعض الأنبياء والصالحين للصلاة عنده أو الدعاء عنده أو به، أو طلب الحوائج منه، ونحو ذلك هو من البدع التي لم يفعلها أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان أهـ "مجموع الفتاوى"(24/ 333 - 335). بتصرف.
وقال في موضع آخر (24/ 356 - 359): الحديث المذكور في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهو ضعيف. وليس في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم حديث حسن ولا صحيح، بل عامة ما يروى في ذلك أحاديث مكذوبة موضوعة. ثم قال: كره مالك أن يقول الرجل: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومالك قد أدرك الناس من التابعين، وهم اعلم الناس بهذِه المسألة، فدل على أنه لم تكن تعرف عندهم ألفاظ زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: فلا يمكن أحدًا أن يروي بإسناد ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه شيئا في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، بل الثابت عنه في الصحيحين يناقض المعنى الفاسد الذي ترويه الجهال: بهذا اللفظ، كقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تتخدوا قبري عيدا". اهـ بتصرف.
وقال في موضع آخر (27/ 16): كل حديث يروى في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ضعيف بل موضوع.
(1)
سلف برقم (1190)، ورواه مسلم (1394).
(2)
راجع حديثي (1195 - 1196) كتاب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب: فضل ما بين القبر والمنبر.
موته وقبره فيها، وكان مما استدل به على فضلها أن الله تعالى لما اختارها لنبيه علم أنه لم يختر له إلا أفضل البقاع.
وقد جاء أن ابن آدم إنما يدفن في التربة التي خلق منها، وقد سلف ذلك
(1)
.
الثالث:
حديث عائشة ووعك أبي بكر وبلال وإنشادهما في ذلك، فإن الله تعالى لما ابتلى نبيه بالهجرة وفراق الوطن ابتلى أصحابه بما يكرهون من الأمراض التي تؤلمهم، فتكلم كل إنسان حسب علمه ويقينه بعواقب الأمور فتعزى الصديق عند أخذ الحمى له بما ينزل به من الموت في صباحه ومسائه، ورأى أن ذلك شامل للخلق، فلذلك قال:
كل امرئ مصبح في أهله
يعني: تصبحه الآفات وتمسيه وأما بلال فإنه تمنى الرجوع إلى مكة وطنه الذي اعتاده ودامت فيه صحته، فبان فضل الصديق وعلمه بسرعة فناء الدنيا حتى مثل الموت بشراك نعله، فلما رأى عليه السلام وما نزل بأصحابه من الحمى والوباء خشي منهم كراهية البلد؛ لما في النفوس من استثقال ما تكرهه، فدعا ربه تعالى في رفع الوباء عنهم، وأن يحبب إليهم المدينة كحبهم مكة أو أشد، فدل ذلك أن أسباب التحبيب والتكرمة بيد الله تعالى وهبة منه يهبها لمن يشاء، وفي هذا حجة واضحة على من كذب بالقدر إذ الذي ملك النفوس فيحبب إليها ما أحب ويكره إليها
(1)
تقدم تخريجه باستفاضة في حديث (1871) عن أبي سعيد الخدري وابن عمر، وعنهما صححه الألباني في "الصحيحة"(1858) وتقدم تكملة تخريجه عن ابن مسعود وعبد الله سوار وابن عباس موقوفًا، في حديث (1883) ولكنها طرق ضعيفة.
ما أكره هو الرب جل جلاله، فأجاب الله دعوة نبيه، فأحبوها حبا دام في نفوسهم حتى ماتوا عليه، وفيه رد على الصوفية إذ قالوا: إن الولي لا تتم ولايته إلا إذا تم له الرضى بجميع ما نزل به، ولا يدعو الله في كشف ذلك عنه، فإن دعا فليس في الولاية كاملًا. وقد أزروا في قولهم هذا بنبيه وأصحابه، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل به شيء يكثر عليه الرقى والدعاء في كشفه
(1)
.
وفيه: أن الله تعالى أباح للمؤمن أن يسأل ربه صحة جسمه، وذهاب الآفات عنه إذا نزلت به، كسؤاله إياه في الرزق والنصر، وليس في دعاء المؤمن ورغبته في ذلك إلى الله لوم ولا قدح في دينه، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم كثيرًا "وقوتي في سبيلك"
(2)
.
(1)
من ذلك ما سلف برقم (240)، ورواه مسلم (1794) عن عبد الله بن مسعود، في قصة وضع كفار قريش سلى الجزور على ظهره الشريف صلى الله عليه وسلم، الحديث، وفيه: فرفع صلى الله عليه وسلم رأسه ثم قال: "اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة .. " الحديث.
ومن ذلك أيضًا ما روا مسلم (1763) عن عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين .. الحديث، وفيه: فجعل يهتف بربه: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذا العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض"، فما زال يهتف بربه، مادًّا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبه .. الحديث.
ومن ذلك أيضًا ما سلف برقم (1003) عن أنس قال: قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعو على رعل وذكوان، ومن ذلك أيضا ما سلف برقم (933)، وغير ذلك مما لا ينفسح المجال لذكره، فهي مسألة تستحق أن تفرد بالبحث أو التأليف.
(2)
روى مالك في "الموطأ" ص 149 عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: "اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنًا والشمس والقمر حسبانًا، اقض عني الدين وأغنني من الفقر، وأمتعني بسمعي، وبصري، وقوتي في سبيلك".
ورواه ابن أبي شيبة 6/ 25 (29184) عن أبي خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد، =
قال القاضي في "معونته": لا يجوز أن يسأل الشارع ربه أن يحبب إليه الأدون دون الأعلى
(1)
، ودعاؤه بالبركة في الصالح والمد عبر به عن الطعام الذي يكال بهما
(2)
.
وقوله: ("وانقل حماها إلى الجحفة")؛ لأنها كانت يومئذ دار شرك، وكان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يدعو على من لم يجبه إلى الإسلام، إذا خاف منه معونة أهل الكفر، ويسأل الله أن يبتليهم بما يشغلهم عنه، وقد دعا على قومه أهل مكة حين يئس منهم فقال:"اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف"
(3)
ودعا على أهل الجحفة بالحمى، ليشغلهم بها فلم تزل الجحفة من يومئذ أكثر بلاد الله حمى، وإنه ليتقى شرب الماء من عينها التي يقال لها: عين خُمّ، فقل من شرب منه إلا حمّ، وهو متغير الطعم. وقال الخطابي: كان أهل الجحفة إذ ذاك يهودًا
(4)
. وقيل: إنه لم يبق أحدٌ من أهلها حينئذ إلا أخذته الحمى.
= عن مسلم بن يسار: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، به سواء.
قال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 50: لم تختلف الرواة عن مالك في إسناد هذا الحديث ولا في متنه. وروى الطبراني (20)(332) عن معاذ بن جبل، في حديث طويل أمره فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو بدعوات، في آخرها:"اللهم أغنني من الفقر واقض عني الدين، وتوفني في عبادك وجهاد في سبيلك"، قال الهيثمي: 10/ 186: في إسناده من لم أعرفه.
وروى الديلمي كما في "الفردوس" 1/ 487 (1989) عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا، بلفظ حديث "الموطأ"، وفي آخره:"وقوني على الجهاد في سبيلك". قال الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" 5/ 111: قال العراقي: سنده ضعيف.
(1)
"المعونة" 2/ 606.
(2)
وهو قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب: "اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا".
(3)
سلف برقم (1007)، ورواه مسلم (2798) من حديث ابن مسعود.
(4)
"أعلام الحديث" 2/ 938.
قلت: ويحتمل أن يكون هذا هو السر في الطاعون لا يدخل المدينة؛ لأنه وباء عند الأطباء وغيرهم، والشارع دعا بنقل الوباء عنها، فأجاب الله دعاءه إلى آخر الأبد.
وفيه: حجة على بعض المعتزلة القائلين ألا فائدة في الدعاء مع سابق القدر.
والبيتان المذكوران من إنشاد بلال، ذكر أسامة بن مرشد
(1)
في كتابه "التمام في تصريف الأحلام" أنهما لبكر بن غالب بن عامر بن الحارث بن مضاض الجرهمي عندما نفتهم خزاعة عن مكة، قال: ورويا لغيره.
وقولها: (يرفع عقيرته)
(2)
، أي: صوته إذا تغني أو قرأ. ومعنى أقلع: زال، وأصل ذلك عند العرب أن رجلًا قطعت إحدى رجليه فرفعها ووضعها على الأخرى وصرخ بأعلى صوته، فقيل لكل رافع صوته: قد رفع عقيرته. وعن أبي زيد يقال: رفع عقيرته: إذا قرأ أو غنى، ولا يقال في غير ذلك، ذكره في "الموعب"، وفي "التهذيب" للأزهري: أصله أن رجلًا أصيب عضو من أعضائه، وله إبل اعتادت حداه، فانتشرف عليه إبله، فرفع صوته بالأنين؛ لما
(1)
هو الأمير الكبير العلامة، فارس الشام، مجد الدين، مؤيد الدولة، أبو المظفر، أسامة ابن الأمير مرشد بن علي بن مقلد بن نضر بن منقذ الكناني، الأديب، أحد أبطال الإسلام، ورئيس الشعراء الأعلام. قال السمعاني: ذكر لي أنه يحفظ من شعر الجاهلية عشرة آلاف بيت، قال يحيى بن أبي طيء في "تاريخه": كان إماميًا حسن العقيدة، وصنف كتبًا منها "التاريخ البدري" عاش سبعًا وتسعين سنة، ومات بدمشق في رمضان سنة أربع وثمانين وخمسمائة. انظر تمام ترجمته في:"التكملة لوفيات النقلة" 1/ 95 (51)، "معجم الأدباء" 2/ 100 (218)، "تاريخ الإسلام" 41/ 170 (114)، "سير أعلام النبلاء" 21/ 165 (83)، "الوفي بالوفيات" 8/ 378 (3818).
(2)
كذا في الأصل، والسياق يقتضي: صوته.
أصابه من العقر في بدنه، فسمعت به إبله فحسبته يحدو بها، فاجتمعت إليه، فقيل لكل من رفع (عقيرته)
(1)
بالغناء: قد رفع عقيرته
(2)
. وفي "المحكم": عقيرة الرجل: صوته إذا غنى أو قرأ أو بكى
(3)
. ومعنى (وعك): حُمّ. قال ابن سيده: رجل وعك ووعك: موعوك، وهذِه الصيغة على توهم فَعِل كألم، أو على النسب كطعم، والوعك: الألم يجده الإنسان من شدة التعب
(4)
. وفي "الجامع": وعك: إذا أخذته الحمى، وأخذته وعكة يراد ذلك، والواعك الشديد من الحمى، وقد وعكته الحمى تعكهُ إذا دكته، وفي "المجمل": الوعك: الحمى. وقيل: نغث الحمى
(5)
.
والإذخر والجليل: نبتان بمكة. وقال بعضهم: شجرتان، وأنكر عليه، وإنما هما نبتان. وشامة وطفيل: جبلان بها.
وقال الفاكهاني: بينهما وبين مكة نحو ثلاثين ميلًا.
قال الخطابي: وكنت مرة أحسبهما جبلين حتى أنبئت أنهما عينان
(6)
، والجليل - بجيم مفتوحة ثم لام مكسورة ثم مثناة تحت ثم لام، واحدته جليلة
(7)
. قال أبو نصر: أهل الحجاز يسمون الشام: الجليل، وهو شجر ضعيف.
(1)
كذا في الأصل، والسياق يقتضي: صوته.
(2)
"تهذيب اللغة" 3/ 2515،
(3)
"المحكم" 1/ 105.
(4)
"المحكم" 1/ 201.
(5)
"المجمل" 4/ 930.
(6)
"أعلام الحديث" 2/ 938.
(7)
ورد بهامش الأصل: كلام الفاكهاني في "المطالع" وكذلك النقل عن الخطابي غير أنه قال: كنت (
…
) وفيه زيادة، وقال جبلان يشرفان على مجنة على بريد من مكة، وقال أبو عمر: وقيل أحدهما بجدة انتهى ويأتي باقي كلام المصنف (
…
).
و (مياه): جمع ماء وهو بالياء في جمعه، ومجيئه دليل على أن الهمزة في ماء مبدلة من هاء.
و (شامة) بشين معجمة ثم ألف ثم ميم كذا ذكره أبو عبيد، وقيده ابن الأثير
(1)
والصنعاني بباء موحدة بعد الألف.
و (طفيل) بفتح الطاء المهملة ثم فاء مكسورة ثم مثناة تحت قيل: جبل من حدود هرشى، يشرف هو وشامة على مجنة. ومجنة على بريد من مكة. وقال ابن فارس: طفيل موضع
(2)
، وتمنى بلال رجوعه إلى مكة لما استثقل حمى المدينة ووباءها. والوباء بالهمز: الموت الذريع، قال في "الصحاح": يمد ويقصر: مرض عام
(3)
.
وقال ابن الأثير: هو يمد ويقصر ويهمز الطاعون والمرض العام
(4)
.
وفي "التمهيد" قيل: إن أحدهما بجدة
(5)
.
وفي "المحكم"
(6)
و"الجامع" و"المجمل": شامة وطفيل: موضعان، ويقال وبدل الطاء بالقاف.
ومَجَنّة -بفتح أوله وثانيه ثم نون مشددة ثم هاء بعدها- ماء عند عكاظ على أميال يسيرة من مكة بناحية مر الظهران. وقال ابن التين: سوق هجر بقرب مكة. قال أبو الفتح: يحتمل أن تسمى مجنة ببساتين
(1)
ورد بهامش الأصل: ابن الأثير ذكره بالميم، وذكر عن بعضهم أنه بالباء. انظر:"النهاية في غريب الحديث" 2/ 521.
(2)
"المجمل" 2/ 583.
(3)
"الصحاح" 1/ 79.
(4)
"النهاية في غريب الحديث" 5/ 144.
(5)
"التمهيد" 22/ 190.
(6)
"المحكم" 9/ 144.
تتصل بها، وهي الجنان وأن تكون فعلة من مجن يمجن، سميت بذلك؛ لأن ضربًا من المجنون كان بها. وحكى صاحب "المطالع" كسر الميم أيضًا، وقال الأزرقي: هي على بريد من مكة.
وقولها: (بطحان تجري نجلا)، بطحان: اسم للمكان المنبطح، وهو المستوي المتسع، وبُطحان بضم أوله عند المحدثين، وبفتحها عند أهل اللغة، ثم بطاء مكسورة، قال البكري لا يجوز غيره
(1)
، وهو: واد بالمدينة. و (تجري نجلا): يريد واسعًا، تقول العرب: استنجل الوادي: إذا اتسع جريه، ومنه العين النجلاء: الواسعة، وطعنة نجلاء أي: واسعة وفي البخاري: ماء آجنًا
(2)
، وقيل إن النخيل: النز حين يظهر.
قال ابن التين: ضبط في بعض المصنفات بفتح الجيم، وفي بعضها بالكسر، والصواب عند أهل اللغة سكون الجيم، والآجن: المتغير الريح، يقال: منه أَجَنَ الماء يأجن ويأجُن، وأجِن -بالكسر- ياجن.
وفيه من المعاني:
جواز هذا النوع من الغناء، وهو نشيد الأعراب للشعر بصوت رفيع، وفي المسألة مذاهب: ذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد وعكرمة والشعبي والنخعي وحماد والثوري وجماعة أهل الكوفة إلى تحريم الغناء، وذهب آخرون إلى كراهته، نقل ذلك عن ابن عباس، ونص عليه الشافعي وجماعة من أصحابه، وحكي ذلك عن مالك وأحمد
(3)
، وذهب
(1)
"معجم ما استعجم" 1/ 258.
(2)
هو حديث الباب (1889).
(3)
انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 3/ 303، "بدائع الصنائع" 5/ 128، "فتح القدير" 8/ 89، "المدونة" 3/ 397، "تفسير القرطبي" 21/ 40، "الأم" 6/ 115 - 214، "إحياء علوم الدين" 2/ 294، "المغني" 14/ 160 - 162.
آخرون إلى إباحته -لكن بغير هذِه الهيئة التي تعمل الآن- فمن الصحابة عمر ذكره ابن عبد البر
(1)
، وعثمان ذكره الماوردي، وعبد الرحمن بن عوف ذكره ابن أبي شيبة
(2)
، وسعد بن أبي وقاص وابن عمر ذكرهما ابن قتيبة، وأبو مسعود البدري وأسامة بن زيد وبلال وخوات بن جبير ذكرهم البيهقي
(3)
، وعبد الله بن الأرقم ذكره أبو عمر
(4)
، وجعفر بن أبي طالب ذكره السهروردي
(5)
في "عوارفه"
(6)
، والبراء بن مالك ذكره أبو نعيم
(7)
، وابن الزبير ذكره صاحب "القوت"
(8)
، وابن جعفر
(1)
"التمهيد" 22/ 197، "الاستذكار" 26/ 51.
(2)
"المصنف" 3/ 485 (16398) كتاب: الحج، باب: ما قالوا في اللهو.
(3)
"سنن البيهقي" 10/ 224 - 225.
(4)
"التمهيد" 22/ 197، "الاستذكار" 26/ 51.
(5)
هو الشيخ الإمام العلامة القدوة الزاهد العارف المحدث شيخ الإسلام وأحد الصوفية، شهاب الدين، أبو حفص وأبو عبد الله، عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله -وهو عمويه- بن سعد بن حسين البكري السهروردي الصوفي ثم البغدادي، ينتهي نسبه بأبي بكر الصديق، صنف "عوارف المعارف" في التصوف شرح فيه أحوال القوم وحدث به مرارًا.
انظر تمام ترجمته في "التكملة لوفيات النقلة" 3/ 380 (2565)، "وفيات الأعيان" 3/ 446، "سير أعلام النبلاء" 22/ 373 (239)، "تاريخ الإسلام" 46/ 112 (112)، "شذرات الذهب" 5/ 153.
(6)
انظر: "كشف الظنون" 2/ 1177.
(7)
ذكر ذلك عنه في "الحلية" 1/ 350 في ترجمته، فقال: البراء شهد أحدًا فما دونه من المشاهد، استشهد يوم تستر، وكان طيب القلب يميل إلى السماع ويستلذ الترنم. وانظر للمزيد بقية ترجمته في "الحلية". وكذا ترجمته في "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 1/ 380 (274).
(8)
هو الإمام الزاهد العارف، شيخ الصوفية، أبو طالب محمد بن علي بن عطية، الحارثي المكي المنشأ، العجمي الأصل، كان من أهل الجبل، وله لسان حلو في التصوف، ذكر أن له رياضات وجوع بحيث أنه ترك الطعام، وتقنع بالحشيش حتى =
ومعاوية وعمرو بن العاص والنعمان بن بشير وحسان بن ثابت وخارجة بن زيد وعبد الرحمن بن حسان ذكرهم أبو الفرج في "تاريخه"، وقرظة بن كعب ذكره الهروي، ورباح بن المغترف
(1)
، ومن التابعين جماعة ذكرهم ابن طاهر وابن قتيبة وأبو الفرج. وذهبت طائفة إلى التفرقة بين الغناء القليل والكثير، وطائفة إلى التفرقة بين الرجال والنساء، فحرموه من الأجانب وجوزوه من غيرهم وقد أوضحت ذلك بزيادة في شرحي لـ"المنهاج" في الشهادات، فراجعه منه.
وقال ابن حزم: من نوى به ترويح القلب ليقوى به على الطاعة فهو مطيع، ومن نوى به التقوية على المعصية فهو عاص، وإن لم ينو شيئًا فهو لغو معفو عنه
(2)
. وقال الأستاذ أبو منصور: إذا سلم من تضييع فرض ولم يترك حفظ حرمة المشايخ به فهو محمود وربما أجر.
وقال الطبري: وهذا النوع من الغناء هو المطلق المباح بإجماع الحجة، وهو الذي غني به في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينه عنه، وهو الذي كان السلف يجيزون ويسمعون، وروى سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: نعم زاد الراكب الغناء نصبًا
(3)
. وروى
= اخضر جلده، وكتابه المذكور "قوت القلوب" وهو كتاب مشهور.
انظر تمام ترجمته في "تاريخ بغداد" 3/ 89، "وفيات الأعيان" 4/ 303، "سير أعلام النبلاء" 16/ 536 (393)، "تاريخ الإسلام" 27/ 127، "الوافي بالوفيات" 4/ 116.
(1)
ورد بهامش الأصل: ذكره الذهبي في ترجمته في "التجريد"، فقال: رباح بن المغترف، وقيل: ابن عمرون بن المغترف.
(2)
"المحلى" 9/ 60.
(3)
رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 197، وذكره في "الاستذكار" 26/ 51، لكنه عن عروة، قال: قال عمر، أي من قول عمر.
ابن وهب عن أسامة وعبد الله ابني زيد بن أسلم، عن أبيهما زيد، عن أبيه أن عمر قال: الغناء من زاد الراكب
(1)
. وروى ابن شهاب، عن عمر بن عبد العزيز أن محمد بن نوفل أخبره أنه رأى أسامة بن زيد واضعًا إحدى رجليه على الأخرى يتغنى النصب
(2)
.
قال الطبري: وإنما يسمية العرب: النصب: لنصب المتغني به صوته، وهو الإسناد له بصوت رفيع. وروى ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه أنه سمع عبد الله بن الأرقم رافعًا عقيرته يتغنى، قال عبد الله بن عتبة: والله ما رأيت رجلًا أخشى لله من عبد الله بن الأرقم
(3)
.
وقد سلف شيء من ذلك في باب: سنة العيدين لأهل الإسلام
(4)
، وسيأتي ما يحل منه في الاستئذان في باب: كل لهو باطل إذا شغله عن الطاعة، إن شاء الله
(5)
.
وحديث: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتى يريه، خير له من أن
(1)
ذكره هكذا ابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 197، وفي "الاستذكار" 26/ 51.
ورواه البيهقي 5/ 68 مسندًا عن جعفر بن عون، عن أسامة بن زيد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، سمع عمر، به.
ورواه ابن أبي شيبة 3/ 244 (13953) عن وكيع، عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، سمع عمر، به.
(2)
رواه الباغندي في "مسند عمر بن عبد العزيز"(61)، والبيهقي 10/ 224 - 225، وابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 197، وذكره في "الاستذكار" 26/ 51.
(3)
رواه البيهقي 10/ 225، وذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 97/ 122، وفي "الاستذكار" 26/ 51.
(4)
راجع شرح حديثي (951 - 952) كتاب: العيدين.
(5)
حديث أبي هريرة (6301).
يمتلئ شعرًا"
(1)
فمؤول إما على الهجو، وإما على الغلبة عليه.
قال لبيد بن ربيعة: ما قلت بيت شعر منذ أسلمت
(2)
.
وفي حديث عائشة من الفقه تمثل الصالحين والفضلاء بالشعر.
وفيه: عيادة الجلة السادة لعبيدهم؛ لأن بلالًا أعتقه الصديق
(3)
وكانت عائشة تزوره
(4)
، وكان ذلك قبل نزول الحجاب.
آخر الحج بحمد الله ومنِّه.
(1)
سيأتي برقم (6155)، ورواه مسلم (2257) من حديث أبي هريرة.
(2)
سيأتي ثناؤه صلى الله عليه وسلم على لبيد في حديث أبي هريرة (3841) مرفوعًا: "أصدق كلمة
قالها الشاعر، كلمة لبيد: ألا كل شي ما خلا الله باطل". وانظر ترجمة لبيد في: "طبقات ابن سعد" 6/ 33، "الاستيعاب" 3/ 392 (2260)، "أسد الغابة" 4/ 514 (4521)، "تاريخ الإسلام" 3/ 353، "الإصابة" 3/ 326 (7541).
(3)
يدل لذلك حديث سيأتي برقم (3754).
(4)
يدل لذلك حديث الباب، وسيأتي التصريح بذلك (3926، 5654، 5677) حيث قالت: فدخلت عليهما، أي على أبيها وعلى بلالًا. وأصرح من ذلك ما جاء عند أحمد 6/ 65، 221 - 222: واشتكى أبو بكر وعامر بن فهيرة -مولى أبي بكر- وبلالًا، فاستأذنت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم في عيادتهم، فأذن لها.