الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
30 - كتاب الصوم
هو في اللغة: الإمساك. قَالَ ابن سيده: الصوم ترك الطَّعام والشراب والنِّكاح والكلام، صام صومًا وصِيامًا واصْطامَ، ورجلٌ صائِم وصَوْمٌ من قومٍ صوام وصيام وصُيَّم قلبوا (الواو) لقربها من الطرف، وصِيَّم عن سيبويه كسروا لمكان الياء، وصِيَام وصَيَامَى الأخيرة نادرة، وصومٍ وهو اسم الجميع، وقيل: هو جمع صائم
(1)
.
وفي "الجامع" أصله القيام بإمساك ما، فالصائم مقيم عَلَى الإمساك عن الطعام والشراب، ونساء صوَّم. وفي "الصحاح": رجلٌ صومان
(2)
.
وهو في الشرع: إمساك مخصوص في زمنٍ مخصوصٍ من شخصٍ مخصوص مع النية، بشرائط مخصوصة.
وروي عن علي أنه لما صلى الفجر قَالَ: الآن حين يتبين الخيط الأبيض من الخيطِ الأسود
(3)
.
(1)
"المحكم" 8/ 258.
(2)
"الصحاح" 5/ 1970.
(3)
رواه الطبري 2/ 180 (3009، 3018)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 361 للفريابي وعبد بن حميد والطبري.
وعن ابن مسعود نحوه
(1)
.
وقال مسروق
(2)
: لم يكونوا يعدون الفجرَ الذي يملأ البيوت والطرق، وهذا قول الأعمشِ
(3)
.
وقال ابن عساكر: قام الإجماع عَلَى أن الخيطَ الأبيض هو الصباح وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر، ولم يخالف فيه إلا الأعمش، ولم يعرج أحد عَلَى قوله لشذوذِه.
وروى عبد الرحمن بن أبي ليلى قَالَ: حَدَّثَنَا أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أحيل الصوم عَلَى ثلاثة أحوال: صيام ثلاثة أيام لما قدم المدينة، ثم صوم رمضان، ومن لم يصم أطعم مسكينًا، ثم نزلت {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اَلشَّهرَ فَلْيَصُمهُ} [البقرة: 185] الاية، فكانت الرخصة للمريض والمسافر
(4)
.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ -ولم يسمع منه
(5)
- قَالَ:
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 234 (7619) كتاب: الصيام، باب: تأخير السحور، وابن أبي شيبة 2/ 277 (8931) كتاب: الصيام، من كان يستحب تأخير السحور، والطبري 2/ 180 (3010 - 3011) بمعناه.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: لفظ مسروق: لم يكونوا يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ الطرق والبيوت.
(3)
روى ابن أبي شيبة 2/ 289 (9075) والطبري 2/ 179 (3000 - 3001) عن الأعمش، عن مسلم قال: لم يكونوا يعدوا الفجر فجركم ولكن يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق.
(4)
رواه البيهقي في "سننه" 4/ 200 كتاب: الصيام، باب: ما قيل في بدء الصيام إلى أن نسخ بفرض صوم شهر رمضان.
(5)
قال الترمذي في "سننه" 5/ 291 بعد حديث (3113): عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ، ومعاذ بن جبل مات في خلافة عمر، وقتل عمر وعبد الرحمن غلام صغير ابن ست سنين. اهـ. =
أحيل الصيام ثلاثة أحوال، وذلك أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما قدم المدينة جعل يصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيام، وصام عاشوراء، فصام سبعة عشر شهرًا من ربيع الأول إلى شهر رمضان.
ثم قَالَ: "إن الله تعالى أنزل عليكم: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ} .. الاية [البقرة: 183]
(1)
.
قلت: الذي عليه المؤرخون أن فريضة رمضان إنما نزلت في شهر شعبان عَلَى رأس ثمانية عشر شهرًا من الهجرة، وأغرب البغوي فقال: يقال: نزلت قبل بدر بشهرٍ وأيام
(2)
.
= وقال الدارقطني: سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من معاذ فيه نظر؛ لأن معاذًا قديم الوفاة: مات في طاعون عمواس وله نيف وثلاثون سنة. اهـ. "علل الدارقطني" 6/ 61.
(1)
رواه الطبري 2/ 136 (2736)، 2/ 138 (2740)، وابن أبي حاتم 1/ 315 (1673)، والبيهقي 4/ 200.
(2)
"معالم التنزيل" للبغوي 1/ 149.
1 - باب وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة: 183].
1891 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ أَنَّ، أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ:"الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا". فَقَالَ أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللهُ عَلَىَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقَالَ: "شَهْرَ رَمَضَانَ، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا". فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَرَائِعَ الإِسْلَامِ. قَالَ: وَالذِي أَكْرَمَكَ [بالَحْقِّ] لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ" أَوْ "دَخَلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ". [انظر: 46 - مسلم: 11 - فتح: 4/ 102]
1892 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: صَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ لَا يَصُومُهُ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ. [2000، 4501 - مسلم: 1126 - فتح: 4/ 102]
1893 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَه". [انظر: 1592 - مسلم: 1125 - فتح: 4/ 102]
معنى: كتب فرض كما في قوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ} أي: فرض، وقيل: إنه كان فرض عَلَى النصارى فنقلوه عن وقتِه من الحرِّ إلى الربيع
وزادوا فيه، حكاه الزَّجاج وتوقف فيه، لكنه مروي عن الشعبي وأنه زيد فيه إلى خمسين
(1)
، وهم أمة عيسى كما ذكره ابن عباس في "تفسيره".
وقيل: التشبيه إنما هو من أجل صومِهم، كان [من]
(2)
العشاء الآخرة إلى مثلِها، وكان ذَلِكَ فرض عَلَى المؤمنين في أوَّلِ ما افترض عليهم الصوم.
قَالَ السديُّ: كتب عَلَى النصارى أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النومِ ولا ينكحوا النساءَ شهر رمضان، فاشتد ذَلِكَ عَلَى النصارى، وجعل يتقلب عليهم في الشتاء والصيف، فلما رأوا ذَلِكَ اجتمعوا فجعلوا صيامًا في الفصل بين الشتاءِ والصيفِ. وقالوا: نزيد عشرين يومًا نُكفر بها ما صنعنا. فجعل صيامهم خمسين يومًا، فلم يزلْ المسلمون عَلَى ذَلِكَ يصنعون حَتَّى كان من أمر [أبي]
(3)
قيس بن صرمة وعمر ما كان، فأحل اللهُ تعالى لهم الأكلَ والشربَ والجماعَ إلى طلوعِ الفجرِ
(4)
.
وقال الحسن فيما ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره": والله قد كتب الصِّيام عَلَى كلِّ أمةٍ خلت كما كتبه علينا شهرًا كاملًا
(5)
.
وإليه نحا الزمخشري في قوله: آدم فمن دونه. فعلمنا أن الصَّومَ عبادة قديمة لم تخل منها أمة
(6)
.
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 134 (2727) مطولًا.
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
(3)
زيادة ليست في الأصل، مثبته من "تفسير الطبري".
(4)
رواه الطبري 2/ 134 - 135 (2728) من طريق موسى بن هارون، عن عمرو بن حماد، عن أسباط، عن السدي به.
(5)
"تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 305 (1626).
(6)
"الكشاف" 1/ 204.
وقوله: {لَعَلَّكُم تَتَقُونَ} أي: بالمحافظة عليه. أو: تنتظمون في سلك المتقين، فإن الصَّومَ من شعارِهم.
وروي أن صرمة بن مالك
(1)
كان شيخًا كبيرًا جاء إلى أهلهِ وهو صائمٌ فدعا بعشائِه، فقالوا: أمهل حَتَّى نجعل لك طعامًا سخنًا تفطر عليه، فنام، فجاءوا بطعامِه، فقال: قد كنت نمت. فبات جائعًا، فنزلت الآية
(2)
.
وجاء عمر لأهلِهِ فقال: إنها قد كانت نامت، فظن أنها اعتلت عليه، فواقعها، وفعل مثل ذَلِكَ كعب بن مالك، فنزلت {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
(3)
[البقرة: 187].
(1)
سيأتي قريبًا في باب: قول الله جل ذكره {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} في حديث (1915) حكايته المصنف الاختلاف في اسمه، فقيل: صرمة بن أنس، وقيل: صرمة بن قيس، وقيل: صرمة بن مالك، نسبة إلى جده، وقيل: صرمة بن أبي أنس، واسم أبي أنس: قيس بن صرمة بن مالك.
(2)
سيأتي برقم (1915) والذي فيه: قيس بن صرمة الأنصاري.
(3)
رواه أحمد 3/ 460، والطبري في "تفسيره" 2/ 171 (2949)، وابن أبي حاتم 1/ 316 (1677) من حديث كعب بن مالك، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 317: رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وقد ضعف، وبقية رجاله ثقات. اهـ
قلت: ابن لهيعة وان كان فيه ما فيه إلا أن الراوي عنه هنا عبد الله بن المبارك، قال الحافظ في "التقريب" (3563): رواية ابن المبارك وابن وهب، عن ابن لهيعة أعدل من غيرهما. اهـ
وقال الألباني في "الصحيحة" 1/ 595: المتقرر من مجموع كلام الأئمة في ابن لهيعة أنه ثقة في نفسه، ولكنه سيئ الحفظ، وقد نص بعضهم على أن حديثه صحيح، إذا جاء من طريق أحد العبادلة الثلاثة: عبد الله بن وهب، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ، قال الحافظ الأزدي: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة، فهو صحيح: ابن المبارك. وابن وهب، والمقرئ. اهـ.
فالمتقرر أن هذا الحديث سنده حسن. =
ذكر فيه حديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
وسلف في الإيمان في باب: الزكاة من الإسلام
(1)
.
وفيه: أن أداءَ الفرائضِ يوجب الجنةَ، وأن عمل السنن والرغائب يوجب الزيادة في الجنة بفضله.
وفيه: عن أبي سهيل عن أبيه. وأبو سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر، ولم يذكر الحج فيه؛ لأنه لم يفرض حينئذٍ
(2)
ولا الجهاد؛ لأنه لم يكن عَلَى الأعراب فرضًا.
وفيه: اليمين عَلَى ترك فعل الطاعة المندوب إليها وهو مكروه، لكنه صلى الله عليه وسلم سكت إما لأنه حديث عهدٍ بالإسلام فلا ينفره، أو لأنه أخبر أنه لا ينقص من الفرائضِ ولا يزيد فيها فإذا أتى بها عَلَى أكملِ أحوالِها لم يحتج إلى النوافل.
ومعنى: (وَلَا أَنْقُصُ) أي: مما فرض الله عليَّ.
وحديث ابن عمر: صَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ لَا يَصُومُهُ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ.
وحديث عائشة أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ".
= وقد أورده السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 357 وعزاه لأحمد والطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم، وقال: إسناده حسن.
(1)
برقم (46).
(2)
قال النووي في "شرح مسلم" 1/ 178: نزلت فريضة الحج سنة ست، وقيل سنة تسع، وقال الزيلعي في "تبيين الحقائق": 2/ 2 كان فرض الحج في سنة ست.
واختلف العلماءُ هل كان واجبًا قبل فرض رمضان أم لا؟ والأشبه أنه لم يجب قط.
وقال أصحابُ أبي حنيفةَ بالأول
(1)
، وعبَّر الطبري عنه، فقال: عن قوم: أنه كان يصومه، فلما فرض رمضان لم يأمر بصومه ولم ينه عنه، فمن شاء صامه ومن شاء تركه.
وعن قومٍ: أنه لم يزل يصومه ويحث أمته عليه حَتَّى مضى لسبيله، روي هذا عن ابن عباس قَالَ: ما رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصوم يومًا يتحرى فضلَه إلا يوم عاشوراء وشهر رمضان
(2)
.
ووجه كراهية ابن عمر صومه
(3)
، هو نظير كراهية من كره صومَ رجب إذ كان شهرًا تعظمه الجاهلية، فكره أن يعظم في الإسلام ما كان يُعظَّم في الجاهلية من غير تحريم صومه عَلَى من صامه، ولا مرية من الثواب الذي وعد اللهُ صائمه عَلَى لسان رسوله إذا كان مبتغيًا بصومِه ثوابَ اللهِ ولا يريد به إحياء سنةِ أهل الشرك، وكذلك صوم رجب، وسيأتي إيضاح ذَلِكَ في بابه إن شاء الله، وهذا أولى من دعوى نسخه بفرض رمضان كما مشى عليه ابن التين، وليس في الأمر بصومه ما يدل عَلَى منع صومه إلا أنه اقترن به ما يدل عَلَى أن جميعَ الفرضِ من الصيامِ.
(1)
انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 103.
(2)
سيأتي هذا الحديث برقم (2006) باب: صوم يوم عاشوراء، ورواه مسلم (1132) كتاب: الصيام، باب: صوم يوم عاشوراء.
(3)
رواه مسلم (1126/ 119) من حديث ابن عمر مرفوعًا: "إن هذا يوم كان يصومه أهل الجاهلية، فمن أحب أن يصومه فليصمه، ومن أحب أن يتركه فليتركه" وكان عبد الله رضي الله عنه لا يصومه إلا أن يوافق صيامه.
وقال الداودي: فيه دليل عَلَى أن معنى الآية: كتب عليكم رمضان كما كتب عَلَى الذين من قبلكم صيام، وفيه ردٌّ عَلَى عطاءَ وقتادةَ في قولهما: كتب عَلَى أوائل أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام من كل شهر
(1)
. وقيل: إن في يوم عاشوراء ست عشرة فضيلة.
واختلف في السبب الموجب لصيام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء، فروي أنه كان يصومه في الجاهلية
(2)
.
وفي البخاري عن ابن عباس: قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ فرأى اليهودَ تصومه قالوا: يومٌ صالح نجَّى الله فيه بني إسرائيل من عدوهِم فصامه موسى. فقال: "نحن أحق بموسى منكم"
(3)
.
ويحتمل أن تكون قريش كانت تصومه كما في حديث عائشة، وكان صلى الله عليه وسلم يصومه معهم قبل أن يبعث، فلما بعث تركه، فلما هاجر أعلم أنه من شريعة موسى فصامه وأمر به، فلما فُرض رمضان
(4)
، فيجمع بهذا بين الحديثين.
(1)
رواهما الطبري 2/ 136 (2734، 2737).
(2)
سيأتي برقم (2002)، باب: صيام يوم عاشوراء، ورواه مسلم (1125) كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء.
(3)
سيأتي برقم (2004).
(4)
كذا في الأصل وجواب الشرط (تركه) محذوف.
2 - باب فَضْلِ الصَّوْمِ
1894 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ -مَرَّتَيْنِ- وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا". [1904، 5927، 7492، 7538 - مسلم: 1151 - فتح: 3/ 104]
ذكر فيه حديث أبي هريرة (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّة، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ المِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، ومن حديث أبي سعيد
(2)
، وزاد:"يوم القيامة"
(3)
وأخرجه النسائي أيضًا مختصرًا
(4)
، وفي الباب عن ابن عباس وابن عمر والحارث الأشعري. قَالَ الحاكم: صحيحٌ عَلَى شرطهما
(5)
.
(1)
مسلم (1151) كتاب: الصيام.
(2)
مسلم (1151/ 165).
(3)
مسلم (1151/ 163).
(4)
النسائي 4/ 162 كتاب: الصيام، فضل الصيام.
(5)
"المستدرك" 1/ 421 - 422 كتاب: الصوم، مطولًا. ورواه الترمذي (2863 - 2864) كتاب: الأدب، باب: ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وأحمد 4/ 130، والطيالسي 2/ 479 - 480 (1257)، وأبو يعلى في "مسنده" 3/ 145 - 142 (1571)، وابن خزيمة 3/ 95 - =
ومعنى: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ": سترٌ من الآثام أو النار؛ أو لأنه يكسر شهوته ويضعف قوته، ومنه قيل للترس: مجن؛ لأن صاحبَه يستتر به.
وفي بعض الأحاديث "الصوم جنَّة ما لم يخرقه" قيل: وبم يخرقه؟ قَالَ: "بكذب أو غيبة"
(1)
.
= 196 (1895) كتاب: الصيام، باب: ذكر تمثيل الصائم في طيب ريحه بصيب ريح المسك إذ هو أطيب الطيب، وابن حبان 14/ 124 - 126 (6233) كتاب: التاريخ، باب: بدء الخلق، والطبراني 3/ 285 - 287 (3427)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 1/ 383، والمزي في "تهذيب الكمال" 5/ 217 - 219، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"(2298).
(1)
رواه الطبراني في "الأوسط" 5/ 13 (4536)، 8/ 15 (7814) وقال: لم يرو هذا الحديث عن يونس إلا الربيع بن بدر، وابن عدي في "الكامل" 4/ 32 في ترجمة: ربيع بن بدر السعدي (651)، والحديث أورده الحافظ ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم" 2/ 139 ط الرسالة. وقال: في إسناده نظر. وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 171: فيه: الربيع بن بدر، وهو ضعيف. اهـ.
قال الحافظ في "التقريب"(1883): الربيع بن بدر، متروك.
وقال الألباني في "الضعيفة"(1440): حديث ضعيف جدًا.
وروي النسائي 4/ 167، والدارمي 2/ 1081 (1773) كتاب: الصيام، باب: الصائم يغتاب، وأبو حاتم الرازي كما في "العلل" 1/ 237، وابن خزيمة في "صحيحه" 3/ 194 (1892) كتاب: الصيام، والشاشي في "مسنده" 1/ 300 - 301 (266)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 313 (3643)، والضياء في "المختارة" 3/ 318 (1121)، والمزي في "تهذيب الكمال" 22/ 572 - 573، جميعًا من طريق الوليد بن عبد الرحمن، عن عياض بن غطيف، عن أبي عبيدة بن الجراح مرفوعًا:"الصيام جنة ما لم يخرقها" وعند بعضهم: ما لم يخرقه.
قال الدارمي بعد روايته الحديث: يعني بالغيبة.
والحديث صححه أبو حاتم الرازي في "العلل" 1/ 237، وقال المنذري: كما في "ضعيف الترغيب والترهيب" 1/ 330: إسناده حسن.
والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب"(657). =
والرفث هنا: الفحش والخناء والجهل، وما لا يصلح من القول أو الفعل.
وقال ابن التين: قيل: اسم لما يريده الرجل من النساء. وقيل: هو الإفصاح بما يجب أنْ يكنى عنه من ذكرِ النكاحِ. وقيل: هو قبيح الكلام، فإن كان من قبيل الكلام قيل فيه: رفثَ وأرفثَ، ذكره ابن فارس
(1)
، فيقرأ: يرفث. بضم الياء وفتحها، والرواية الثاني.
وفي رواية ستأتي قريبًا: "ولا يصخب"
(2)
وهو الصوت والجلبة. قَالَ ابن التين: لا يجوز في مضارعِه ضم الخاء ولا كسرها؛ لأن ماضيه صخِب بالكسر.
قلت: ذكر القزاز الصخب فيه بغير نفيه، ويقال فيه بالسين أيضًا.
وذكر بعضهم أن الأصلَ بالسين ونقلت إلى الصادِ تجوزًا، وكذا هو إذا كان بعدها خاء أو أخواتها من حروف الاستعلاء.
وعند الطبري: "ولا يسخر" من السخرية بالناس.
والجهل: السفه، وهو ضد العلم يتعدى بغيرِ حرف جرٍ، نقول جهل عليَّ فلانٌ. تعني: تعدى.
و ("قاتله") يحتمل أن يريد به: أراد قتاله.
وقوله ("فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ") اختلف هل يقوله بلسانه ليكف عن شتمِه، أو بقلبه؟ والأظهر الأول؛ لأنه لا ينكف بذلك، ووجه الثاني خوف الرياءِ لا جرم، فرق بعض أصحابِنا بين الفرضِ والنفل، وقد
= وعياض بن غطيف قال عنه الحافظ في "التقريب"(5362): مقبول.
(1)
"المجمل" لابن فارس 2/ 390.
(2)
برقم (1904) باب: هل يقول: إني صائم إذا شتم؟
كان حكمُ الصِّيامِ عند مريم وأهل زمانها عدم الكلام في الصوم متعارفًا بينهم، قَالَ تعالى:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 23] قَالَ زيد بن أسلم: كانت بنو إسرائيل يصومون بالكلامِ كما يصومون من الطعامِ، ولا يتكلمون إلا بذكر اللهِ تعالى.
وقال ابن جريج: قلت لعطاء: أبلغك أنه يؤمر الإنسان إذا دعي إلى طعامٍ أن يقول: إني صائم؟ ثم ذكر حديث أبي هريرة
(1)
.
وروي عن ابن مسعود: إذا دعى أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم
(2)
، وقاله قتادةُ والزهري
(3)
.
والخلوف، بضم الخاء عَلَى الصواب، وهو تغير رائحة الفم، وكثير يروونه بفتحها. قَالَ الخطابي: وهو خطأٌ؛ لأن المصادر التي جاءت عَلَى فعول بفتح الفاء قليلةٌ ذكرها سيبويه وليس هذا منها، وإن كان فعله بالإسكان في المصادر أيضًا قليلة يقال: خلف فوه، يخلفُ وأخلف يُخلف إذا تغير
(4)
.
وفي كتاب ابن الجُوزي: لخلوف فم الصائم: إذا هو أخلف. وقال: كذا
في كتابي: من أخلف وهو لغة، واللغة المشهورة: خلف. ولم يزد ابن بطال عَلَى قوله: يعني تغير رائحته في آخر النهار؛ لأن الفم يتغير بترك الطعام
(5)
.
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 194 (7456) كتاب: الصيام، باب: الرفث واللمس وهو صائم.
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 200 (7483) كتاب: الصوم، باب: الرجل يدعى إلى طعام وهو صائم، وابن أبي شيبة 2/ 318 (9439، 9442)، والبغوي في "مسند ابن الجعد"(2552)، والطبراني 9/ 315 (9578).
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 200 (7482) كتاب الصوم.
(4)
"إصلاح غلط المحدثين" للخطابي ص 102 بتصرف.
(5)
"شرح ابن بطال" 4/ 12.
قَالَ أبو عبيد: خلف اللبن وغيره: تغير ريحه وطعمه
(1)
، ولم يذكر ضبطه.
ومعنى: "أَطْيَبُ": أذكى عند الله وأقرب إليه. قَالَ المازري: هذا مجاز واستعارة؛ لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طباعٌ تميل إلى شيء يستطيبه، وتنفر من شيءٍ فيتقذره، والله سبحانه وتعالى مقدس عن ذَلِكَ، لكن جرت عادتنا التقرب للروائح الطيبة، فاستعير ذَلِكَ في الصوم لتقريبه من اللهِ
(2)
.
وهل هذا الخلوف في الدنيا أو في الآخرة؟ جاء في رواية: "حين يخلف"
(3)
وجاء في مسلم: "يوم القيامة"
(4)
فيكون أطيب من ريح المسك جزاء وأجرًا ورضى أكثر من أجر من ندب إلى استعمال المسك.
وقال: "عِنْدَ اللهِ": يعني طيبه عند الله. يريد: في الآخِرَة أي: يجازيه يوم القيامةِ لطيب نكهته الكريهة في الدنيا حَتَّى تكون كريحِ المسكِ، والدليل عَلَى أنه أراد الآخرةَ بقوله:"عِنْدَ اللهِ" قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبّكَ} [الحج: 47] يريد: أيامَ الآخرةِ. ومن هذا الباب الحديث الصحيح الآتي أنه يجازي الشهيدَ في الآخرةِ بأن يجعل رائحة دمه الكريهة في الدنيا كرائحة المسك في الآخرة
(5)
.
(1)
"غريب الحديث" 1/ 195.
(2)
"المعلم بفوائد مسلم" للمازري 1/ 319. وكلامه من باب التأويل الذي جرت عليه عادة كثير من المتكلمين، والاشتراك في الصفة بين الخالق والمخلوق لا يلزم منه التشبيه. وانظر التعليق على هذا بالتفصيل في كتاب التوحيد من هذا الشرح.
(3)
رواها أحمد 2/ 480، وابن حبان 8/ 211 (3424) كتاب: الصوم، باب: فضل الصوم.
(4)
مسلم (1151/ 163) كتاب الصيام، باب: فضل الصيام.
(5)
سيأتي برقم (2803) كتاب: الجهاد والسير، باب: من يجرح في سبيل الله عز وجل، =
والفم فيه لغات: فتح الفاء في الأحوال الثلاث، وكسرها كذلك، واتباع الفاء الميم كامرئ.
وقوله: ("الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بهِ")
(1)
أي: أكافئ، لا شك أن الصومَ وجميع الأعمال له تعالى، لكن لما كانت الأعمال الظاهرة يشترك فيها الشيطان بالرياء وغيره، وكان الصيام لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى فيثيبه عليه عَلَى قدرِ خلوصِه لوجهه، جاز أن يضيفه إلى نفسِه، ألا ترى قوله:"يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي".
وكان ابن عيينة يقول في قوله: "إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي" قَالَ: لِأن الصوم: هو الصبرُ، يصبِّر الإنسانُ نفسَه عن المطعمِ والمشربِ والمنكح، ثم قرأ:{نَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
(2)
[الزمر: 10].
وجاء أن: "الصوم نصف الصبر"
(3)
.
= ورواه مسلم (1876) كتاب: الإمارة، باب: فضل الجهاد والخروج في سبيل الله. من حديث أبي هريرة.
(1)
جاء على هامش النسخة (م) ما نصه: قال السمعاني في "المذيل على تاريخ بغداد" بعد أن ساق سندًا طويلًا، قدم الأستاذ الإمام أبو القاسم القشيري بغداد وتفقد مجلس الوعظ، وروى في أول مجلس عقده الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم: "السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه
…
" الحديث. [قلت "المحقق": سبق برقم (1804)، ورواه مسلم (1927). من حديث أبي هريرة]. فقام سائل وقال: لما سمى النبي صلى الله عليه وسلم "السفر قطعة من العذاب" فقال: لأن سبب فرقة الأحباب، فاضطرب الناس وتواجدوا وما أمكنه أن يتم المجلس فتركه.
(2)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 295 - 296.
(3)
قطعة رويت في حديثين:
الأول: عن رجل من بني سليم مرفوعًا: "سبحان الله نصف الميزان، والحمد لله يملأ الميزان، والله أكبر يملأ ما بين السماء والأرض، والوضوء نصف الإيمان، والصوم نصف الصبر". =
و"الصبر نصف الإيمان"
(1)
.
= رواه الترمذي (3519) كتاب: الدعوات، وقال: حديث حسن، وأحمد 4/ 460، 5/ 363، 365، 370، 372، ومعمر بن راشد في "الجامع"(20582)، والعدني في "الإيمان"(58)، والدارمي في "مسنده" 1/ 519 (680) كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في الطهور، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 5/ 347 - 348 (2920)، والطبراني في "الدعاء" 3/ 1582 - 1583 (1734)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" 1/ 430 - 431 (432 - 433)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 1/ 436 (631)، والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب"(944)، و"ضعيف الجامع"(2509).
الثاني: عن أبي هريرة مرفوعًا: "لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم والصيام نصف الصبر". رواه ابن ماجه (1745) كتاب: الصيام، باب: في الصوم زكاة الجسد -وهذا لفظه- والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 162 (229)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 292 (3577)، والديلمي في "الفردوس" 2/ 409 (3817). قال المناوي في "فيض القدير" (5200) منتقدًا تحسين السيوطي للحديث: قال ابن العربي في "السراج": ضعيف جدًا. والحديث ضعفه البوصيري في "مصباح الزجاجة" 2/ 79، وكذا الألباني في "الضعيفة"(3811).
(1)
روي مرفوعًا وموقوفًا. عن عبد الله بن مسعود: "الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله". والموقوف هو الصحيح.
المرفوع رواه: ابن الأعرابي في "المعجم" 1/ 309 (592)، وتمام الرازي في "الفوائد" 2/ 40 (1083)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 34، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 126 - 127 (158)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 7/ 123 (9716)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 13/ 226، وابن الجوزي في "العلل" 2/ 330 - 331 (1364)، والحافظ في "تغليق التعليق" 2/ 23، وفي "لسان الميزان" 5/ 152 من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب، عن محمد بن خالد المخزومي، عن سفيان الثوري، عن زبيد الأيامي، عن أبي وائل، عن ابن مسعود مرفوعًا.
قال أبو نعيم والخطيب البغدادي: تفرد به المخزومي عن سفيان بهذا الإسناد. زاد ابن الجوزي: والمخزومي مجروح، ويعقوب بن حميد قال يحيى والنسائي: ليس بشيء اهـ. =
وقال وكيع في قوله: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ (24)} [الحاقة: 24] هي أيام الصوم، إذ تركوا الأكل والشرب فيها
(1)
، ثم هذا كله إنما يكون فيما خلص لله تعالى من الرياء، ويدل عليه أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى أنه قَالَ:"من عمل عملًا أشرك فيه غيري فهو له، وأنا أغنى الشركاء عن الشرك"
(2)
فجعل عمل الرياء لغيره، وجعل ما خلص من الرياء له تعالى.
= وقال البيهقي في "الزهد الكبير"(984)، والحافظ في "اللسان" 5/ 152: قال أبو علي النيسابوري: هذا حديث منكر لا أصل له من حديث زبيد ولا من حديث الثوري اهـ.
وقال الألباني في "الضعيفة"(499) منكر.
والموقوف رواه عبد الله بن أحمد في "السنة" 1/ 374 (718) وقال: صحيح، والطبراني 9/ 104 (8544)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 446 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي في "شعب الإيمان" 1/ 74 (48) -وقال: روي من وجه آخر غير قوي مرفوعًا- و 7/ 123 (9717)، والحافظ في "تغليق التعليق" 2/ 22 وقال: هذا موقوف صحيح، وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 57: رجاله رجال الصحيح.
وقال البيهقي في "الزهد الكبير"(984): الصحيح المعروف أنه من قول ابن مسعود، وقال في "الآداب"(932) رويناه عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا، والموقوف أصح، وقال الحافظ: روي موقوفًا بسند صحيح، ومرفوعًا ولا يثبت رفعه اهـ. "فتح الباري" 1/ 48 بتصرف.
(1)
رواه بنحوه ابن عدي في "الكامل" 3/ 148 في ترجمة الحسن بن صالح بن حي (448)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 318 (3949) لكنه عن عبد العزيز بن رفيع. قوله، وكذا عزاه السيوطي أيضًا في "الدر المنثور" 6/ 411 لابن المنذر وابن عدي في "الكامل" والبيهقي في "الشعب".
(2)
رواه مسلم برقم (2985) كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله. من حديث أبي هريرة.
وعنه: إذا كان يوم القيامة يحاسبُ الله العبد، فيؤدي ما عليه من المظالم من سائر أعماله الصالحة، حَتَّى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم بالصوم، فيدخله الجنة
(1)
(2)
، وبنحوه ذكره ابن العربي.
قَالَ القرطبي
(3)
: وكنت أستحسنه حَتَّى ذكرت حديث المقاصة،
(1)
جاء على هامش النسخة (م) ما نصه: وهذا الحديث رواه البيهقي وغيره وهو قول ابن عيينة. [قلت "المحقق": تقدم تخريجه].
(2)
رواه البيهقي في "سننه" 4/ 274 - 275 كتاب: الصيام، باب: من كره السواك بالعشي
…
، 4/ 305، باب: في فضل شهر رمضان وفضل الصيام على سبيل الاختصار، وفي "شعب الإيمان" 3/ 295 (3582) عن إسحاق بن أيوب بن حسان الواسطي، عن أبيه قال: سمعت رجلًا يسأل سفيان بن عيينة فقال: يا أبا محمد ما تقول في ما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم، عن ربه تعالى: كل عمل ابن آدم له ..... الحديث.
فقال ابن عيينة: هذا من أجود الأحاديث وأحكمها، إذا كان يوم القيامة ..... قوله.
(3)
جاء على هامش النسخة (م) ما نصه: قال شيخ الإسلام ابن حجر ردًا على القرطبي: قلت: يمكن تخصيص الصيام من ذلك، ويستدل له بما رواه الإمام أحمد من طريق حماد بن سلمة، عن أبي هريرة رفعه:"كل العمل كفارة إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"[قلت "المحقق": انظر "المسند" 2/ 467] وكذا رواه أبو داود ولفظه: "قال ربك تبارك وتعالى: كل العمل كفارة إلا الصوم"[قلت "المحقق": رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" 4/ 227 (2607)] ورواه قاسم بن أصبغ عن شعبة ولفظه: "كل ما يعمله ابن آدم كفارة له إلا الصوم"[قلت "المحقق": رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 19/ 60 من طريق قاسم بن أصبغ عن محمد بن الجهم عن روح عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة، به] وقد أخرجه المصنف -يعني: البخاري- في التوحيد عن آدم بلفظ: يرويه عن ربكم قال: "لكل عمل كفارة والصوم لي وأنا أجزي به"[قلت "المحقق": سيأتي برقم (7538)] وكذا رواه أحمد من طريقه. [قلت "المحقق": انظر: "مسند أحمد" 2/ 457 من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة، به] انتهى كلام ابن حجر. [قلت "المحقق": انتهى من "فتح الباري" 6/ 109]
فوجدت فيه: "أتدرون من المفلس؟ " ثم قَالَ: "المفلس الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصدقة وصيام" الحديث
(1)
.
وقال آخرون: إنما خص الصوم بأن يكون هو الذي يتولى جزاءه؛ لأن الصوم لا يظهر من ابن آدم بلسان ولا فعل فتكتبه الحفظة، إنما هو نية في القلب، وإمساك عن المطعم والمشرب فيقول: أنا أتولى جزاءه عَلَى ما أحب من التضعيف، وليس على كتاب كتب. وهذا القول ذكره الداودي، وصوب الطبري الأول، وأبعدَ مَنْ قَالَ: إن معناه لم يتعبد به غير الله، فلم يعظم الكفار في عصرٍ من الأعصار معبودًا لهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونه بصورة السجود والصدقة وشبهها.
وقد حكى المسعودي وغيره أن جماعة من الملاحدة وغيرهم يعبدوا المشترى وزحل والزهرة به، وكذا قول من قَالَ: إنه ليس للصائم ونفسه فيها حظ. حكاه الخطابي
(2)
؛ لأن غيره من العبادات كذلك، وكذا قول من قَالَ: لأن الاستغناء عن الطعام من صفة الرب، وإن كانت صفات الله لا يشبهها شيء.
وأما معنى قوله: "وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" فأنا المتفرد بجزائه عَلَى عمله ذَلِكَ لي، بما لا يعلم عنه مبلغه غيري، إذ كان غير الصيام من أعمال الطاعة قد علم غيري بإعلامي إياه أن الحسنة فيه بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وقد روى يحيى بن بكير عن مالك في هذا الحديث بعد قوله:"الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا" فقال: "كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به".
(1)
"المفهم" 3/ 212. والحديث رواه مسلم (2581) كتاب: البر والصله، باب: تحريم الظلم. من حديث أبي هريرة.
(2)
"أعلام الحديث" 2/ 946.
وهي في مسلم أيضًا
(1)
، وقيل: في قوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] أن عملهم الصيام فيفرغ لهم الجزاء إفراغًا من غير تقدير، فخص الصيام بالتضعيف عَلَى سبعمائة ضعف في هذا الحديث.
وقد نطق الرب جل جلاله بتضعيف النفقة في سبيل الله أيضًا، كتضعيف الصيام فقال:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ} [البقرة: 261].
وجاء في ثواب الصبر مثل ذَلِكَ وأكثر، فقال تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] فيحتمل -والله أعلم- أن هاتين الآيتين نزلتا عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أعلمه الله تعالى ثواب الصيام؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، والفضائل إنما تدرك من طريق الوحي.
وأما قول من قَالَ: كل عمل تكتبه الحفظة إلا الصيام، فإنما هو نية في القلب، وإمساك عن المطعم والمشرب فلا يكتب، فواهٍ؛ لأن الحفظة تعلم الإمساك عن الأكل والشرب، وهو حقيقة الصيام، وإذا اطلعت على الإمساك عن الأكل في خلوته فقد علمت صيامه، لأنه ليس يرائي أحد الحفظة، ولا ينتفع بالرياء إلا إذا كان في الباطن، فإذا كف عنه باطنًا وتمادى عليه فقد علمت صيامه.
وليس قول من تأول في قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] أنَّ مريم كانت صائمة في ذَلِكَ الوقت بصواب، بدليل قوله تعالى في الآية {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} الآية [مريم: 25]، فأخبر أن ذَلِكَ كان بعد أكلها وشربها.
(1)
مسلم (1151/ 164).
ويشهد لذلك أنها كانت نفساء، والنفساء لا تصوم، وإنما معنى {صَومًا}: إمساكًا عن الكلام، والعرب تقول: صام: إذا أمسك عن الكلام. ولا يعترض عَلَى هذا بقوله: {فَقُولى} لأن المراد به الإشارة، بدليل قوله بعد {فَأَشَارَت إِلَيهِ} الآية، وقيل: معناه: أنا المتفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، وغيره من العبادات، أظهر الله جلّ وعز عَلَى مقدار ثوابها بعض مخلوقاته -وقد سلف- وقيل: هي إضافة تشريف كقوله: {نَاقَةُ اَللهِ} .
وقال الثقفي في "نضرة الصحاح": لأنه يتعلق بالنية، والنية محلها القلب فلا يطلع عليها غير المطلع عليها، فالرب يتولى جزاءه، والحفظة لا تعلم النية، وما أحسن ما حكاه ابن العربي عن الزهاد أن الصوم عن الطعام والمحظورات صوم العوام، وأن صوم الخواص هو الصوم عن غير ذكر الله، وخواص الخواص هو الصوم عن رؤيته، فلا يفطر إلا برؤيته. ولقائه، ويوم أراكم ذاك فطر صيامي، وهذا الذي قَالَ فيه تعالى:"الحسنة بعشر أمثالها إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به"
(1)
، وفيه أقوال أخرى ذكرها الطالقاني في كتابه "حظائر القدس".
فائدة:
سيأتي في باب: هل يقول إني صائم إذا شتم، عقب قوله:"من ريح المسك""وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه"
(2)
أما عند لقاء ربه فلما يرى من الخيرات المعدة له وما قدمه، وعند
(1)
"عارضة الأحوذي" 3/ 229.
(2)
برقم (1904).
فطره لتمام عبادته، وسلامتها من المفسد، وأبعد من قَالَ أنه بإباحة الأكل.
فائدة أخرى:
قوله: ("وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ") أقسم للتأكيد، كقوله تعالى:{فَوَرَبّ اَلسَّمّاَءِ وَالأَرضِ} [الذاريات: 23].
أخرى:
أخذ الشافعي من هذا الحديث كراهة السواك للصائم بعد الزوال وقال: إنه يزيل الخلوف، ورأيت في البويطي عدم الكراهة، وبه قَالَ مالك
(1)
، وأكثر الفقهاء، ومنعوا أنه يزيل؛ لأنه من المعدة.
وقوله: ("يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي") يحتمل أن يكون تعليله لتفضيله ريح الخلوف عَلَى المسك، وأن يكون لأجل الصوم.
(1)
انظر: "عيون المجالس" 2/ 665، "المجموع" 6/ 402.
3 - باب الصَّوْمُ كَفَّارَةٌ
1895 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا جَامِعٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: مَنْ يَحْفَظُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الفِتْنَةِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ". قَالَ: لَيْسَ أَسْأَلُ عَنْ ذِهِ، إِنَّمَا أَسْأَلُ عَنِ التِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ البَحْرُ. قَالَ وَإِنَّ دُونَ ذَلِكَ بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: فَيُفْتَحُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ. قَالَ: ذَاكَ أَجْدَرُ أَنْ لَا يُغْلَقَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ البَابُ؟ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: نَعَمْ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ. [انظر: 525 - مسلم: 144 - فتح: 4/ 110]
ذكر فيه حديث جامع -هو ابن أبي راشد أخو الربيع الكوفي، وفي طبقته جامع بن شداد أبو صخرة الكوفي- عَنْ أَبِي وَائِلٍ -وهو شقيق بن سلمة الأسدي- عن حذيفة قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ يَحْفَظُ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي الفِتْنَةِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّيَامُ وَالصَّدَقَة" الحديث.
وقد سلف في: الصلاة كفارة
(1)
.
ومعنى "فِتْنَةُ الرَّجُلِ": قَالَ الداودي: يعني ينقص له من حسناته إن ظلم أحدًا منهم، والفتنة هنا النبلاء والاختبار، وهي هنا شدة حب الرجل لأهله وشغفه بهن، كما روى عبد الله بن بريدة عن أبيه قَالَ: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعهما في حجره، ثم قَالَ:"صدق الله ورسوله إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين فلم أصبر" ثم
(1)
برقم (525) باب: الصلاة كفارة.
أخذ في خطبته
(1)
وسمع عمر رجلًا يستعيذ بالله من الفتنة، فقال له: أتدع الله أن لا يرزقك مالًا وولدًا؟! فاستعذ بالله من مضلات الفتن
(2)
.
وقال ابن مسعود: لا يقل أحدكم اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من الفتنة، فليس أحد إلا وهو مشتمل عَلَى فتنة؛ لأن الله تعالى يقول:{إِنَّمَآ أَمْوَلُكُم وَأَولَدُكمُ فِتنَةٌ}
(3)
[الأنفال: 28] فأيكم استعاذ فليستعذ باللهِ من مضلات الفتن، ومن فتنة الأهل الإسراف والغلو في النفقة عليهن والشغل بأمورهن عن كثير من النوافل، وفتنته في ماله أن يشتد سروره
(1)
رواه أبو داود (1109) كتاب: الصلاة، باب: الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث، والترمذي (3774) كتاب: المناقب، وقال: حسن غريب، والنسائي 3/ 108 كتاب: الجمعة، نزل الإمام عن المنبر قبل فراغه، وابن ماجه (3600) كتاب: اللباس، باب: لبس الأحمر للرجال، وأحمد 5/ 354، وفي "فضائل الصحابة" 2/ 966 (1358)، وابن أبي شيبة 6/ 282 (32179) كتاب: الفضائل، ما جاء في الحسن والحسين رضي الله عنهما، وابن أبي الدنيا في "العيال" 1/ 341 (179)، وابن خزيمة 3/ 151 - 152 (1801)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 287 وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والبيهقي في "سننه" 6/ 165، وفي "شعب الإيمان" 7/ 466 (11016)، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 505 (805)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 2/ 12 - 13، والمزي في "تهذيب الكمال" 6/ 403. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1016) وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 7/ 459 (37207) كتاب: الفتن، من كره الخروج في الفتنة وتعوذ منها.
(3)
رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 217 (15926) وابن أبي حاتم في "تفسيره" 5/ 1685 (8984)، والطبراني 9/ 189 (8931)، من طريق المسعودي عن القاسم عن عبد الله، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 324 لابن جرير وابن أبي حاتم وأبي الشيخ، وفي 6/ 345 لابن المنذر والطبراني، وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 220: رواه الطبراني، بإسناده منقطع وفيه المسعودى وقد اختلط.
بحيث يغلب عليه، وهو مذموم، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى علم الخميصة في الصلاة ردها إلى (أبي جهم)
(1)
. وقال: "كاد يفتنني"
(2)
فتبرأ مما خشي منه الفتنة، وكذلك عرض لأبي طلحة حين كان يصلي في حائطه فطار دُبْسِى، فأعجبه فأتبعه بصره ساعة، ثم رجع إلى صلاته فلم يَدْرِكم صلى فقال: لقد أصابني في مالي هذا فتنة، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذَلِكَ له فقال: هو صدقة يا رسول الله فضعه حيث شئت
(3)
.
ومن فتنة المال أيضًا أن لا يصل أقاربه ويمنع معروفه أجانبه، وفتنته في جاره أن يكون أكثر مالًا منه وحالًا فيتمنى مثل حاله، وهو معنى قوله
(1)
في الأصل (أبو جهيم)، وما أثبتناه من "الجامع الصحيح".
(2)
سبق برقم (273) كتاب: الصلاة، باب: إذا صلى في ثوب له أعلام، ونظر إلى علمها، ورواه مسلم (556) كتاب: المساجد، باب: كراهية الصلاة في ثوب له أعلام. من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
رواه مالك في "الموطأ" ص 82، والبيهقي في "سننه" 2/ 349 كتاب: الصلاة، باب: من ينظر في صلاته إلى ما يلهيه لم يسجد سجدتي السهو. من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا طلحة
…
الحديث.
قال ابن عبد البر في "التمهيد" 17/ 389: هذا الحديث لا أعلمه يروى من غير هذا الوجه، وهو منقطع.
قلت: وجه انقطاعه أن عبد الله بن أبي بكر هذا هو ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، وهو لم يدرك أبا طلحة الأنصاري وبالتالي لم يدرك القصة؛ لأنه قيل أنه توفي سنة خمس وثلاثين ومائة، وقيل: ثلاثين ومائة، وهو ابن سبعين سنة، فعلى القول الأول، يكون مولده في سنة خمس وستين، وعلى الثاني يكون في سنة ستين. وأبو طلحة الأنصاري واسمه زيد بن سهل بن الأسود، قال أبو حاتم سنة أربع وثلاثين، فبهذا لا يمكن أن يكون قد أدركه بحال. انظر ترجمتهما في:"تهذيب الكمال" 10/ 75 (2111)، 14/ 349 (3190).
والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب"(286).
تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الفرقان: 20] فهذِه الأنواع وما شابهها مما يكون من الصغائر فما دونها، تكفرها أعمال البر، ومصداق ذَلِكَ {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].
قال أهل التفسير: الحسنات هنا: الصلوات الخمس
(1)
، والسيئات: الصغائر.
وقوله: (ذَاكَ أَجْدَرُ أَنْ لَا يُغْلَقَ) أي: ذَلِكَ أحرى كأنه يقول ذَلِكَ أولى به (وأحق)
(2)
.
(1)
قاله كعب ومحمد بن كعب القرظي وابن عباس ومجاهد والحسن والضحاك وابن مسعود وسلمان ومسروق. رواه عنهم الطبري في "تفسيره" 7/ 129 - 130 (18662 - 18674).
(2)
ورد في هامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في الثالث والأربعين، كتبه مؤلفه غفر الله له.
4 - باب الرَّيَّانُ لِلصَّائِمِينَ
1896 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ". [3257 - مسلم: 1152 - فتح: 4/ 111]
1897 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ:"نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ". [2841، 3216، 3666 - مسلم: 1027 - فتح: 4/ 111]
ذكر فيه حديث سَهْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ".
وحديث ابن شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللهِ، هذا خَيْرٌ. فَمَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ .. الحديث
الشرح:
حديث سهل أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وفي رواية للبخاري:"في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخل منه إلا الصائمون"
(2)
وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم أيضًا
(3)
، ولابن زنجويه في "الأول":"فإذا دخلوا أُغْلق، فيشربون منه، فمن شرب منه لم يظمأ أبدًا"
(4)
وفي رواية لأبي موسى المديني في "ترغيبه": "من دخل منه لم يظما أبدًا" قَالَ أبو موسى: وفي الباب عن ابن مسعود.
وزعم الدارقطني أن نبيه بن عثمان رواه عن خليد بن قتادة، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة وقال: غريب تفرد به نبيه، عن خليد. وأخرجه ابن حبان من حديث أبي صالح عنه: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا يوم القيامة؟ وفيه: "فإذا جاوز الجسر فكل من أنفق زوجًا من المال مما يملكه في سبيل الله تعالى، فكل خزنة الجنة يدعوه يا عبد الله، يا مسلم هذا خير" فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن ذَلِكَ عبد لا توى عليه يدع بابًا
(1)
مسلم (1152) كتاب الصيام، باب فضل الصيام.
(2)
سيأتي برقم (3257) كتاب بدء الخلق، باب صفة أبواب الجنة.
(3)
مسلم (1027) كتاب الزكاة، باب من جمع الصدقة وأعمال البر.
(4)
رواه بهذا اللفظ النسائي في "المجتبى" 4/ 168، كتاب: الصيام، فضل الصيام، وأحمد 5/ 335، والنسائي في "الكبرى" 2/ 94 (2544)، وابن خزيمة 3/ 199 (1902)، وأبو يعلى 13/ 525 (7529)، والروياني في "مسنده" 2/ 219 (1075)، والطبراني 6/ 152 (5819)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 219 (1075)، و 4/ 456 ترجمة سعيد بن عبد الرحمن الجمحي (824)، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 251، وجاء بهامش (م): قوله: يدخل منه الصائمون جملة مستأنفة. والبغوي في "شرح السنة" 6/ 220 (1709)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(5184).
ويلج من آخر .. الحديث
(1)
.
وفي مسلم: "أي فل هلم"
(2)
، ولأبي عمر من حديث مالك، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار عنه:"ما من أحد ينفق زوجين من ماله إلا دُعي من أبواب الجنة الثمانية" وقال: لا يصح هذا الإسناد عن مالك، ومحمد بن عبد الله وأبوه متهمان بوضع الأحاديث والأسانيد
(3)
.
قَالَ: وأكثر الرواة عَلَى وصل هذا الحديث -يعني: حديث الباب- إلا يحيى بن بكير فإنه أرسله عن حميد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا رواه التنيسي، عن مالك، وقد أسنده جلة عن مالك، وليس هو عند القعنبي لا مسندًا ولا مرسلًا
(4)
.
قلت: قد ذكر الدارقطني في كتاب "الموطآت" أن القعنبي رواه كما رواه أبو مصعب ومعن وغيرهما مسندًا، والله أعلم.
وفي "صفة الجنة" لأبي نعيم الحافظ من حديث عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود مرفوعًا
(5)
: "للجنة ثمانية أبواب، سبعة مغلقة وباب مفتوح للتوبة، حَتَّى تطلع الشمس من مغربها"
(6)
.
(1)
"صحيح ابن حبان" 16/ 478 - 480 (7445) كتاب: إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة، باب: وصف الجنة وأهلها.
(2)
مسلم (1027/ 86).
(3)
"التمهيد" 7/ 191.
(4)
"التمهيد" 7/ 183 - 184.
(5)
جاء على هامش النسخة (م): حسن؛ لأنه صبر على العطش في الدنيا فناسب دخوله ريان، فسمى بحصول ما يزيل عطسه (هـ. و. ى).
(6)
"صفة الجنة" لأبي نعيم 2/ 16 (169)، ورواه ابن أبي شيبة في "مسنده" 1/ 208 - 209 (307). =
إذا تقرر ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
الريان: فعلان من الرِيّ بالكسر هو نقيض العطش، وسمي بذلك لأنه جزاء الصائمين عَلَى عطشهم وجوعهم. واكتفي بذكر الري عن الشبع
(1)
؛ لأنه يدل عليه من حيث أنه يستلزمه، وأفرد لهم هذا الباب ليسرعوا إلى الري من عطش الصيام في الدنيا إكرامًا لهم واختصاصًا؛ وليكون دخولهم في الجنة هينًا غير متزاحم عليهم عند أبوابها، فإن الزحام قد يؤدي إلى نوع من العطش كما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق بباب في المسجد؛ يقرب منه خروجه إلى الصلاة فلا يزاحمه أحد، وأغلق سائرها إكرامًا له وتفضيلًا
(2)
.
وفي "مسند البزار" من حديث الوليد بن رباح بن عبد الله، عن أبي هريرة مرفوعًا أن لهم حوضًا لا يرده غيرهم -يعني الصوام- ثم قَالَ: لا نعلمه رواه عن أبي هريرة إلا الوليد
(3)
.
= وأبو يعلى في "مسنده" 8/ 429 (5012)، والطبراني 10/ 206 (10479)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 261 كتاب: التوبة والإنابة، وسكت عنه، وقال المنذري كما في "ضعيف الترغيب والترهيب" للألباني 2/ 291: رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد، وتبعه الهيثمي فقال في "المجمع" 10/ 198: رواه أبو يعلى والطبراني وإسناده جيد.
وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4329) وقال معقبًا على كلام المنذري والهيثمي: هو من تساهلهما الذي عرفا به.
(1)
جاء على هامش النسخة (م): مطلب: اكتفي بذكر الري لأنه سبيله إلى الشبع.
(2)
سلف برقم (466) كتاب الصلاة، باب: الخوخة والممر في المسجد، ورواه مسلم (2382) في فضائل الصحابة، باب فضائل أبي بكر. من حديث أبي سعيد.
(3)
البزار كما في "كشف الأستار"(965) بنحوه.
قلت: قد رواه المطلب بن عبد الله عنه أيضًا، ذكره ابن أبي عاصم في كتاب "الصوم" حيث قَالَ: وللصوام حوض لا يرده غيرهم، ثم ساقه.
ثانيها:
معنى: "دُعِيَ مِنْ بَاب الصَّلَاةِ" أي: المكثر من صلاة التطوع، وكذا غيرها من أعمال البِّر، لأن الواجبات لا بد منها لجميع المسلمين، ومن ترك شيئًا من الواجبات إنما يخاف عليه أن يدعى من أبواب جهنم.
وأما أسماء هذِه الأبواب، ففي "نوادر الأصول" للحكيم الترمذي من أبواب الجنة: باب محمد صلى الله عليه وسلم وهو: باب الرحمة، وباب التوبة، وهو منذ خلقه الله تعالى مفتوح لا يغلق، فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق فلم يفتح إلى يوم القيامة
(1)
.
روي عن ابن مسعود أنه سأله رجل عن ذنب ألم به هل له فيه توبة؟
فأعرض عنه ابن مسعود، ثم التفت فرأى عينيه تزرفان فقال: إن للجنة ثمانية أبواب كلها تفتح وتغلق، إلا باب التوبة، فإن عليه ملكًا موكلًا به لا يغلق، فاعمل ولا تيأس
(2)
. ذكره ابن بطال
(3)
.
ووجه الاتفاق في ذَلِكَ ما يتقوى به عَلَى طاعة الله تعالى، ويتحلل من المحارم التي سلفت منه، ويؤدي المظالم إلى أهلها، وسائر الأبواب
(1)
جاء على هامش النسخة (م) ما نصه: قال الكرماني: فإن قلت ما وجه التكرار حيث ذكر الاتفاق في صدر الكلام والصدقة في عجزه. قلت: لا تكرار، إذ الأول: النداء بأن الاتفاق وإن كان قليلًا من جملة الخبرات العظيمة، وذلك حاصل من كل الأبواب. والثاني: استدعاء الدخول إلى الجنة وإنما هو من بابه الخاص به، وعي الحديث فضيلة عظيمة حيث افتتح واختتم به.
(2)
رواه ابن المبارك في "الزهد"(1042).
(3)
"شرح ابن بطال" 4/ 17.
مقسومة عَلَى أعمال البر، باب الزكاة، العمرة، الحج، الصلة، وعند القاضي عياض باب الكاظمين الغيظ، باب الراضين، الباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه. وفي كتاب "الصوم" لابن أبي
عاصم بإسناد جيد عن أبي هريرة مرفوعًا: "لكل عمل باب من أبواب الجنة يدعون منه بذلك العمل"
(1)
وذكره ابن أبي شيبة في "مصنفه" بإسناد صحيح عَلَى شرط مسلم
(2)
.
وفي كتاب الآجري عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن في الجنة بابًا يقال له باب الضحى، فإذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين الذين كانوا يدومون عَلَى صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوا"
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي عاصم في "السنة"(1237) وبنحوه أحمد 2/ 449، وقال الهيثمي في "المجمع" 10/ 398: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة، وقد وثقه جماعة.
(2)
"المصنف" 2/ 274 - 275 (8903).
(3)
رواه بنحوه الطبراني في "الأوسط" 5/ 195 (5060)، والحاكم كما في "زاد المعاد" 1/ 348 - 349 عن سليمان بن داود اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة مرفوعًا به. وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 239: فيه سليمان بن داود اليمامي أبو أحمد، وهو متروك، وقال الألباني: في "الضعيفة"(392): ضعيف جدًا.
وقد روي في هذا الباب أحاديث أخرى باطلة.
منها: ما رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 14/ 207، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 471 (801) من طريق يحيى بن شبيب اليماني عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أنس مرفوعًا:"إن في الجنة بابًا يقال له: الضحى، فمن صلى الضحى حنت إليه صلاة الضحى، كما يحن الفصيل إلى أمه، حتى إنها لتستقبله حتى تدخله الجنة".
والحديث رواه الخطيب في ترجمة: يحيى بن شبيب اليماني وقال: يروي أحاديث باطلة، وروى له ثلاثة أحاديث، منها هذا الحديث. =
وفي "الفردوس" عن ابن عباس مرفوعًا: "للجنة باب يقال له: باب الفرح، لا يدخل منه إلا بفرح الصبيان"
(1)
.
وفي "التحبير" للقشيري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخُلُق الحسن طوق من رضوان الله في عنق صاحبه، والطوق مشدود إلى سلسلة من الرحمة،
= وقال عنه الألباني في "الضعيفة"(393): موضوع.
ومنها ما رواه الخطيب أيضًا في "تاريخه" 14/ 207، وابن الجوزي في "العلل" 1/ 471 (802) من طريق يحيى بن شبيب عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أنس مرفوعًا:"إن في الجنة بابًا يقال له: الضحى، لا يدخل منه إلا من حافظ على صلاة الضحى".
وهذا حديث باطل أيضًا، كما قال الخطيب.
وقال الألباني في "الضعيفة"(394): موضوع، رواه الخطيب بإسناد الحديث الذي قبله.
(1)
"الفردوس" 3/ 328 (4985)، وفي الباب، عن عائشة، وعقبة بن عامر.
حديث عائشة رواه ابن عدي في "الكامل" 1/ 328 في ترجمة أحمد بن حفص بن عمر (45)، وابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 510 (1076) من طريق ابن عدي حدثنا أحمد بن حفص عن سلمة عن عبد الله بن يزيد المقرئ عن ابن لهيعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعًا:"إن في الجنة دارًا يقال لها: الفرح، لا يدخلها إلا من فرح الصبيان".
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ابن لهيعة لا يعول عليه، وأحمد بن حفص منكر الحديث، وأورده الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" ص 72 (25) وقال: رواه ابن عدي وقال: لا يصح اهـ.
وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(1893).
وحديث عقبه بن عامر أورده السيوطي في "الجامع الصغير"(2322) وعزاه لحمزة بن يوسف السهمي في "معجمه" وابن النجار عن عقبة بن عامر مرفوعًا: "إن في الجنة دارًا يقال لها: دار الفرح لا يدخلها إلا من فرح يتامى المؤمنين". وأشار إلى ضعفه.
وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(1894).
والسلسلة مشدودة إلى حلقة من باب الجنة، حيثما ذهب الخُلُق الحسن جرته السلسلة إلى نفسها حَتَّى تدخله من ذَلِكَ الباب إلى الجنة"
(1)
.
وعند الحافظ أبي عيسى الترمذي باب الذكر، وذكر البراء في كتاب "الروضة" عن أحمد بن حنبل، حَدّثَنَا روح، ثَنَا أشعث، عن الحسن قَالَ: إن لله بابًا في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة، فقال لابنه: يا بني ما خرجت من دار أبي إسحاق حَتَّى أحللته ومن معه إلا رجلين، ابن أبي دواد، وعبد الرحمن بن إسحاق، فإنهما طلبا دمي وأنا أهون عَلَى الله من أن يُعذب فيَّ أحد، أشهدك أنهما في حل.
ومنها: باب الحافظين فروجهم والحافظات، المستغنين بالحلال عن الحرام، غير المتبعين للشهوات، ذكره ابن بطال حيث قَالَ: أبواب الجنة ثمانية، وذكر منها في الحديث أربعة، فمن الأربعة الباقية: باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، ثم ساق حديث الحسن. وباب التوبة. ويمكن أن يكون من الثلاثة الباقية باب المتوكلين الذين يدخلون الجنة في سبعين ألفًا من باب واحد، لا يدخل أولهم حَتَّى يدخل آخرهم، ووجوههم كالبدر الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون.
(1)
ذكره ابن حبان في "المجروحين" 2/ 62 في ترجمة: عبد الرحمن بن محمد بن الحسن البلخي، وقال عنه: شيخ يضع الحديث على قتيبة بن سعيد، حدث بالشام، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه، روى عن قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا النضر بن شميل، عن سفيان الثوري، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا:"إن الخلق الحسن طوق" الحديث وكذا ذكره الحافظ في "لسان الميزان" 3/ 432 في ترجمة عبد الرحمن بن محمد البلخي (5090).
قلت: فالحديث على أقل درجاته ضعيف.
ووجه الإنفاق في ذَلِكَ أنهم ينفقون عَلَى أنفسهم في حال المرض
النافع لهم من التصرف في طلب المعاش، صابرين عَلَى ما أصابهم، وينفقون عَلَى من أصابه ذَلِكَ البلاء من غيرهم.
ومنها: باب الصابرين لله عَلَى المصائب، المحتسبين، الذين يقولون عند:{إِنَّ اللهَ} الآية [البقرة: 156].
ومنها: باب الحافظين السالف. ووجه الإنفاق في ذَلِكَ الصداق، والوليمة، والإطعام، حَتَّى اللقمة يضعها في في امرأته، والله تعالى أعلم بحقيقة الثلاثة أبواب
(1)
.
وفي "صحيح مسلم" و"جامع الترمذي"، واللفظ له من حديث عمر مرفوعًا:"من توضأ ثم قَالَ: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صادقًا من قلبه، فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب يوم القيامة، يدخل من أيها شاء"، ولم يذكر مسلم لفظة:"من" وقال: "فتحت له ثمانية أبواب الجنة"
(2)
قَالَ أبو عمر في "تمهيده": كذا قَالَ: "من أبواب الجنة"
(3)
، وذكره أبو داود والنسائي:"فتحت له أبواب الجنة الثمانية" ليس فيها ذكر (من)
(4)
. والمؤمن لا يدخل إلا من باب واحد، ونداؤه منها كلها عَلَى سبيل الإكرام.
(1)
"شرح ابن بطال" 4/ 16 - 18.
(2)
مسلم (234) كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء.
(3)
"التمهيد" 7/ 188.
(4)
أبو داود (169) كتاب: الطهارة، باب: ما يقول الرجل إذا توضأ، النسائي 1/ 92 - 93 كتاب: الطهارة، القول بعد الفراغ من الوضوء.
ثالثها:
معنى قوله: "زَوْجَيْنِ": أي: شيئين، كدينارين، أو درهمين، أو ثوبين، وشبه ذَلِكَ. وقيل: دينار وثوب، أو درهم ودينار، أو ثوب مع غيره، أو صلاة مع صوم، فيشفع الصدقة بأخرى، أو فضل خير بغيره.
قَالَ الداودي: والزوج هنا: الفرد، يقال للواحد: زوج، وللاثنين: زوج. قَالَ تعالى: {خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [النجم: 45] وصوابه: للاثنين زوجان، تدل عليه الآية.
وروى حماد بن سلمة، عن يونس بن عبيد وحميد، عن الحسن، عن صعصعة بن معاوية، عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"من أنفق زوجين ابتدرته حجبة الجنة" ثم قَالَ: بعيرين، شاتين، حمارين، درهم.
قَالَ حماد: وأحسبه قَالَ: خفين، وللنسائي: "فرسان من خيله، (يعني: بعيران)
(1)
من إبله"، وروي عن صعصعة قَالَ: رأيت أبا ذر بالربذة وهو يسوق بعيرًا له عليه مزادتان، قَالَ: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم ينفق من ماله زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة، كلهم يدعوه إلى ما عنده" قلت: زوجين ماذا؟ قَالَ: إن كان صاحب خيل ففرسين، وإن كان صاحب إبل فبعيرين، وإن كان صاحب بقر فبقرتين، حَتَّى أعد أصناف المال
(2)
.
(1)
فوقهما في الأصل: كذا كذا.
(2)
رواه النسائي 6/ 41 - 49 كتاب: الجهاد، فضل النفقة في سبيل الله، وأحمد 5/ 151، وابن أبي شيبة 4/ 235 (19538) كتاب: الجهاد، ما ذكر في فضل الجهاد والحث عليه، والبزار في "البحر الزخار" 9/ 349 - 351 (3909 - 3914)، والنسائي في "الكبرى" 3/ 32 (4394)، وأبو عوانة 4/ 501 - 502 (7482 - 7487) كتاب: الجهاد، باب: ثواب من أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل وصفتهما، =
وشبيه بهذا حديث الحماني عن مبارك بن سعيد عن أبي المحبر يرفعه: "من عال ابنتين أو أختين أو خالتين أو عمتين أو جدتين، فهو معي في الجنة"
(1)
لا يقال: إن النفقة إنما تسوغ في الجهاد والصدقة، فكيف تكون في باب الصلاة والصيام، لأنهما أفعال جسمية، لأن معنى زوجين أراد نفسه وماله.
والعرب تسمي ما يبذله الإنسان من نفسه واجتهاده نفقة، فيقول أحدهم فيما تعلم من العلم أو صنعه من سائر الأعمال: أنفقت في هذا عمري، وبذلت فيه نفسي، فتكون النفقة عَلَى هذا الوجه في باب الصلاة والصيام من الجسم بإتعابه، لا يقال: كيف تكون النفقة في ذَلِكَ زوجين؟
وإنما نجد الفعل في هذا الباب نفقة الجسم لا غير؛ لأن نفقة المال مقترنة بنفقة الجسم في ذَلِكَ؛ لأنه لا بد للمصلي وللصائم من قوت يقيم
= وابن حبان 10/ 501 - 503 (4643 - 4645) كتاب: السير، باب: فضل النفقة في سبيل الله، والطبراني في "الكبير" 2/ 154 - 155 (1644 - 1645)، وفي "الأوسط" 4/ 109 (3734)، 5/ 148 (6047)، والحاكم في "المستدرك" 2/ 86 كتاب: الجهاد، وقال: حديث صحيح الإسناد، وصعصعة بن معاوية من مفاخر العرب، والبيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 211 - 212 (3345)، 4/ 33 (4272)، وابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 186، والحديث صححه الألباني في "الصحيحة"(567).
(1)
رواه الطبراني 22/ 385 (959)، وقال الهيثمي في "المجمع" 8/ 157: فيه: يحيى بن عبد الحميد الحماني، وهو ضعيف. قلت: قال عنه الحافظ في "التقريب"(7591): حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث. وفي الباب عن أنس، رواه مسلم (2631) كتاب: البر والصلة، باب: فضل الإحسان إلى البنات، بلفظ: من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة، أنا وهو، وضم أصابعه.
به رمقه، وثوب يستره، وذلك من فروض الصلاة، ويستعين بذلك عَلَى الطاعة، فقد صار منفقًا لزوجين لنفسه وماله.
وقد تكون النفقة في باب الصلاة أن يبنى مسجدًا لله للمصلين بدلالة قوله: "من بني لله مسجدًا بني الله له بيتًا في الجنة"
(1)
.
والنفقة في الصيام إذا فطر صائمًا وأنفق عليه يبتغي وجه الله بدلالة قوله عليه السلام "من فطر صائمًا" فكأنما صام يومًا، ويعضده قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] فجعل الإطعام له عوضًا من صيام يوم.
فإن قلت: إذا جاز تسمية استعمال الجسم في الطاعة نفقة، فيجوز أن يدخل في معنى الحديث "من أنفق نفسه في سبيل الله فاستشهد وأنفق كريم ماله" فالجواب: نعم، وهو أعظم أجرًا من الأول، يوضحه ما رواه سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قَالَ: قَالَ رجل: يا رسول الله أي الجهاد أفضل؟ قَالَ: "أن يعقر جوادك، ويهراق دمك"
(2)
لا يقال: دخل في ذَلِكَ صائم رمضان، أو المزكي لماله
(1)
سلف برقم (450) كتاب: الصلاة، باب: فضل بناء المساجد.
(2)
رواه من هذا الطريق: ابن حبان 10/ 496 (4639) في السير، باب فضل الجهاد.
ورواه أحمد 3/ 300، 302، وابن أبي شيبة 4/ 209 (19316) عن وكيع، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر. به.
ورواه أحمد أيضًا 3/ 346، 391، وأبو يعلى في "مسنده" 4/ 62 (2081) من طريق أبي الزبير عن جابر. به.
ورواه الدارمي 3/ 1546 (2437)، والطبراني في "لصغير" 2/ 24 - 25 (713) من طريق مالك بن مغول عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر. به.
قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 291: رجال أبي يعلى و"الصغير" رجال الصحيح، وصححه الألباني في "الصحيحة"(552).
ومؤدي الفرائض؛ لأن المراد النوافل وملازمتها، والتكرير منها، فذلك الذي يستحق أن يدعى من أبوابها.
وسبيل الله: سبل الخير كلها، وقول المَلك:"هذا خير" في كل باب، يعني: ثوابًا وغبطة فيه؛ لأنه قاله عَلَى طريق التفاضل بين الأبواب.
رابعها:
قوله: (هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قَالَ: "نعم") يريد أن من كان من أهل الصلاة والجهاد والصيام والصدقة يدعى منها كلها، فلا ضرورة عليه
(1)
في دخوله من أي باب شاء، لاستحالة دخوله منها كلها معًا، ولا يصح دخوله إلا من باب واحد، ونداؤه منها كلها إنما هو عَلَى سبيل الإكرام والتخيير له في الدخول من أيها شاء، كما أسلفناه.
خامسها:
قوله: ("وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ") الرجاء من النبي صلى الله عليه وسلم واجب، نبه عليه ابن التين، وقال غيره أيضًا: والصديق من أهل هذِه الأعمال كلها.
سادسها:
فيه: أن أعمال البر كلها يجوز أن يقال فيها: سبل الله، ولا يخص ذَلِكَ بالجهاد وحده.
(1)
جاء على هامش النسخة (م): لطيفة: قيل: نفي الضرر كناية عن ثبوت الكرامة والسعادة فطلب الصديق (أن يكون ممن يخص بهذِه الكرامة.
وقال ابن بطال: معنى ما على من دعي من تلك الأبواب أن من لم يكن إلا من أهل خصلة واحده ودعي من بابها: لا ضرر بها؛ لأن المطلوب دخول الجنة.
قال الكرماني: أقول ويحتمل أن تكون الجنة كالقلعة أي لها سواء محيطة بها وعلى كل سوء باب، فمنهم من يدعى من الباب الأول فقط ومنهم من يتجاوز عنه إلى الباب الذي يلي وهلم جرا.
وفيه: أن أعمال البر لا تفتح في الأغلب للإنسان الواحد في جميعها، وأن من فتح له في شيء منها حرم غيرها في الأغلب، وأنه قد يفتح في جميعها للقليل من الناس، وأن الصديق منهم.
وفيه: أن من أكثر من شيء عرف به ونسب إليه، وقد أرسل عبد الله بن عمر العمري
(1)
العابد إلى مالك يحضه عَلَى الانفراد، وترك الاجتماع إليه في العلم، فكتب إليه مالك: إن الله عز وجل قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجلٍ يفتح له في باب الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر يفتح له في باب الصدقة، ولم يفتح له في الصيام، ونشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البِّر، وقد رضيت بما فتح لي من ذَلِكَ، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كل منا عَلَى خير، ويجب عَلَى كل أحدٍ أن يرضى بما فتح الله له، والسلام
(2)
.
(1)
جاء بهامش (م): هو غير الصحابي رضي الله عنه فإن مالكًا لم يدركه.
(2)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 185 وقال: هذا معنى كلام مالك؛ لأني كتبته من حفظي، وسقط عني في حين كتابتي أصلي منه، ونقله عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 8/ 114 في ترجمة: الإمام مالك رحمه الله.
5 - باب هَلْ يُقَالُ رَمَضَانُ أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ وَمَنْ رَأَى كُلَّهُ وَاسِعًا
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ". وَقَالَ: "لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ".
1898 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ". [1899، 3277 - مسلم: 1079 - فتح: 4/ 112]
1899 -
حَدَّثَنِي يَحْيَي بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي أَنَسٍ -مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ- أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ". [1898 - مسلم: 1079 - فتح: 4/ 1912]
1900 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ". وَقَالَ غَيْرُهُ، عَنِ اللَّيْثِ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ وَيُونُسُ: لِهِلَالِ رَمَضَانَ. [1906، 1907، 1908، 1913، 5302 - مسلم: 1080 (8) - فتح: 4/ 113]
ذكر فيه حديث أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ".
وحديث الزهري: حدثني ابن أَبِي أَنَسٍ -مَوْلَى التَّيْمِيّينَ- أَنَّ أَبَاهُ حَدّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطينُ".
وحديث ابن عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ". وَقَالَ غَيْرُهُ، عَنِ اللَّيْثِ: حَدَّثَنِي عُقَيْل وُيونُسُ: لِهِلالِ رَمَضَان.
الشرح:
تعليق "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ"، و"لَا تقدموا رَمَضَانَ" سيأتيان مسندين قريبًا
(1)
.
وحديث أبي هريرة الأول والثاني أخرجهما مسلم
(2)
، ولمسلم:"فُتِحَتْ أَبْوَابُ الرحمة"
(3)
، وأبو سهيل في الأول هو نافع بن مالك بن أبي عامر، وهو ابن أبي أنس في الثاني.
قَالَ ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي المدينة: أخبرني عم جدى الربيع بن مالك بن أبي عامر -وهو عم مالك بن أنس المفتي- عن أبيه، فذكر حديثًا أنه عاقد عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي، فعدادهم اليوم في بني تيم لهذا السبب
(4)
. وقيل: حلف لبني عثمان أخي طلحة.
وحديث ابن عمر: أخرجه مسلم أيضًا من طرق
(5)
.
وقول البخاري: (وقال غيره): (يعني: غير يحيى بن بكير، والضمير في غيره)
(6)
لعله يريد به كاتب الليث. وقد رواه الإسماعيلي عن إبراهيم بن هانئ، ثَنَا الزيادي، ثَنَا ابن بكير وأبو صالح، أن الليث
(1)
التعليق الأول هو الحديث الآتي برقم (1901)، والثاني يأتي برقم (1914) باب: لا يتقد من رمضان بصوم يوم أو يومين.
(2)
مسلم (1079) كتاب: الصيام، باب: فضل شهر رمضان.
(3)
مسلم (1079/ 2).
(4)
"الطبقات الكبرى" 5/ 63 - 64.
(5)
مسلم (1080).
(6)
هذِه الجملة في الأصل كتبها بين السطور.
حدثهما، ثَنَا عقيل .. الحديث.
ثم قَالَ: قَالَ ابن ناجية في حديث البخاري، ثم ذكر مثل حديث يونس، وزاد فيه: وكان أبو هريرة يقول فيه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، مثله.
وقال: "فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين"
(1)
.
وللشافعي: حَدَّثَنَا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه:"لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأكمِلُوا العِدَّةَ ثَلَاِثينَ"
(2)
.
قَالَ أبو عمر: كذا قَالَ، والمحفوظ من حديث ابن عمر:"فاقدروا له"
(3)
وقد ذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لهلال رمضان:"إذا رأيتموه فصوموا، ثم إذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يومًا".
قَالَ: وحَدَّثَنَا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع: عنه: "إن الله تعالى جعل الأهلة مواقيت للناس، فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين"
(4)
.
قال أبو عمر: كذا في حديث ابن عمر، وروى ابن عباس وأبو هريرة وحذيفة وأبو بكرة وطلق الحنفي وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" بمعني واحد
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (1906) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال فصوموا.
(2)
"مسند الشافعي" 2/ 98 (607) كتاب: الصيام، باب: وجوب الصيام بالرؤية.
(3)
"التمهيد" 14/ 338.
(4)
"مصنف عبد الرزاق" 4/ 156 (7306 - 7307) كتاب: الصيام.
(5)
"التمهيد" 14/ 338، 339.
قلت: حديث ابن عباس أخرجه أبو داود
(1)
، وأصله في مسلم
(2)
، وحديث أبي بكرة وطلق أخرجهما البيهقي، وأخرجه أيضًا من حديث جابر من حديث أبي الزبير عنه، وعائشة
(3)
.
قَالَ الدارقطني: إسناده صحيح
(4)
. وقال الحاكم: صحيح عَلَى شرط الشيخين
(5)
، وعمر ورافع بن خديج، وحديث حذيفة خرَّجه ابن خزيمة في "صحيحه"
(6)
، وهو عند النسائي مرسل
(7)
.
قَالَ: ولم يقل في الحديث: عن حذيفة. غير حجاج بن أرطاة، وهو ضعيف.
إذا تقرر ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
اعترض بعضهم فقال: حديث ابن عمر غير مطابق للباب، وكان البخاري أشار إلى ما جاء في بعض طرقه الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان، فقال:"لا تصوموا حَتَّى تروا الهلال" .. الحديث
(8)
.
(1)
أبو داود (2327) كتاب: الصوم، باب: من قال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين.
(2)
مسلم (1088).
(3)
"سنن البيهقي" 4/ 206.
(4)
"سنن الدارقطني" 2/ 160.
(5)
"المستدرك" 1/ 423.
(6)
"صحيح ابن خزيمة" 3/ 203 (1911).
(7)
"المجتبي" 4/ 136، و"السنن الكبرى" 2/ 71 (2438) عن ربعي بن حراش مرفوعًا، من طريق الحجاج بن أرطاة، وفي تفصيل طرق هذا الحديث انظر:"الإرواء"(902).
(8)
سيأتي برقم (1906) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال فصوموا، ورواه مسلم (1080) كتاب: الصيام، باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال.
ثانيها:
فيما ذكره دلالة واضحة أنه لا يُكره أن يقال جاء رمضان، ولا صمنا رمضان، وهو ما اختاره هو والمحققون، وكان عطاء ومجاهد يكرهان أن يقال: رمضان، وإنما يقال كما قَالَ تعالى:{شَهرُ رَمَضَانَ} [البقرة: 185] لأنا لا ندري لعل رمضان اسم من أسماء الله تعالى
(1)
، وحكاه البيهقي عن الحسن أيضًا قَالَ: والطريق إليه والتي مجاهد ضعيفة
(2)
، وهو قول أصحاب مالك، قَالَ النحاس: وهذا قول ضعيف؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نطق به، فذكر ما ذكره البخاري ثم قَالَ: والأحاديث كثيرة في ذَلِكَ.
وفي "المصنف" من حديث الفضل الرقاشي عن عمه عن أنس مرفوعًا: "هذا رمضان قد جاء تفتح فيه أبواب الجنان" الحديث
(3)
ولأبي داود بإسناد جيد من حديث أبي بكرة قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكُم: إني قمت رمضان كله، أو صمته كله" قَالَ: فلا أدري أكره التزكية، أو قَالَ: لا بد من نومة أو رقدة
(4)
.
(1)
رواه عنهما الطبري 2/ 150 (2818)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 334 لوكيع والطبري.
(2)
"سنن البيهقي" 4/ 202.
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 271 (8871) في الصيام، ما ذكر في فضل رمضان ..
(4)
أبو داود (2415) في الصوم، باب من يقول صمت رمضان كله، ورواه أيضًا النسائي 4/ 130 في الصيام، الرخصة في أن يقال لشهر رمضان رمضان، وأحمد 5/ 40، 41، 48، 52، وابن أبي الدنيا في "الصمت"(409 - 410)، والبزار في "البحر الزخار" 9/ 104 (3643)، وابن حبان 8/ 224 (3439) في الصوم، باب فضل رمضان، عن الحسن البصري، عن أبي بكرة مرفوعًا.
قلت: وقول المصنف: رواه أبو داود بإسناد جيد، فيه نظر؛ لأن الحسن رواه عن =
وفي "كامل ابن عدي" مضعفًا
(1)
من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا تقولوا رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله جل وعز، ولكن قولوا: شهر رمضان"
(2)
، وقال أبو حاتم: إنه خطأ، وإنما هو قول
أبي هريرة
(3)
.
وفي المسألة قول ثالث، وهو قول أكثر أصحابنا: إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر، فلا كراهة له، وإلا فيكره. قالوا: فيقال قمنا رمضان،
= أبي بكرة وقد عنعنه في جميع رواياته ولم يصرح بالسماع، والحسن معروف أنه مدلس، وبهذه العلة ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(417)، و"الضعيفة" (4819) قال: رجاله ثقات، إلا أن الحسن مدلس، وقد عنعنه عندهم جميعًا.
(1)
في هامش الأصل: وقد عزاه النووي في "التهذيب" إلى البيهقي. قال: وضعفه البيهقي. والضعف عليه بين.
(2)
"الكامل" 8/ 313 في ترجمة: نجيح أبو معشر المدني (1984) وقال: لا أعلم يروى عن أبي معشر بهذا الإسناد.
ورواه أيضًا البيهقي في "سننه" 4/ 201 كتاب: الصيام، باب: ما روي في كراهية قول القائل جاء رمضان وذهب رمضان، من طريق ابن عدي. وقال البيهقي: هكذا رواه الحارث بن عبد الله الخازن عن أبي معشر، وأبو معشر هو نجيح السندي، ضعفه ابن معين، وكان يحيى القطان لا يحدث عنه، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه اهـ والديلمي في "الفردوس" 5/ 52 (7433).
وضعفه النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" 3/ 127، وكذا القرطبي في "تفسيره" 2/ 272، وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 2/ 181: فيه أبو معشر وفيه ضعف، وقد رواه ابنه محمد عنه، فجعله مرفوعًا عن أبي هريرة، وقد أنكره عليه الحافظ ابن عدي، وهو جدير بالإنكار فإنه متروك، وقد وهم في رفع هذا الحديث اهـ.، وضعفه الحافظ في "الفتح" 4/ 113.
ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 310 (1648) عن محمد بن كعب القرظي وأبي هريرة. قولهما، وكذا رواه البيهقي 4/ 202 عن محمد بن كعب. قوله، وقال: وهو أشبه.
(3)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 249 - 250.
ورمضان أفضل الأشهر، وإنما يكره أن يقال: قد
(1)
جاء رمضان، ودخل رمضان، وحضر، ونحو ذلك.
قلت: قد روى البخاري -كما سلف- "إذا دخل رمضان" و"إذا جاء رمضان"، وأما ما رُوِي عن ابن عباس أن يهوديًّا سأل: لم سمي رمضان؟ فقال: لأن الذنوب ترمض فيه إرماضًا، أي: يحرقها ويذهبها، فواهٍ، فيه جماعةٌ متهمون.
وفي بعض كتب الترغيب والترهيب من حديث عائشة: "أرمض الله فيه ذنوب المؤمنين، وغفرها لهم"
(2)
وعن أنس نحوه
(3)
.
وقوله: ("أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ") يجوز فيه فتح الهاء. حكاه ابن دحية، والمشهور الإسكان، قَالَ ابن سيده: الشهر: القمر، سمي بذلك لشهرته (يعني في الثبوت)
(4)
وظهوره، وسمي الشهر بذلك؛ لأنه يشهر بالقمر
(5)
.
ثالثها:
قالَ ثعلب: رمضان شهر حر ترمض فيه الإبل، فلا يقدرون عَلَى المسير. قَالَ ابن سيده: جمعه رمضانات ورماضين
(6)
، وذكر غير ذَلِكَ.
وقال المطرز: كره مجاهد أن يجمع رمضان، ويقول: بلغني أنه اسم من أسماء الله تعالى
(7)
.
(1)
من (ج).
(2)
عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 334 لابن مردويه والأصبهاني في "الترغيب".
(3)
عزاه في "الدر المنثور" 1/ 334 لابن مردويه والأصبهاني في "الترغيب".
(4)
كتبت في الأصل بين السطور.
(5)
"المحكم" 4/ 133.
(6)
"المحكم" 8/ 138.
(7)
رواه الطبري 2/ 150 (2818)، وعزاه في "الدر المنثور" 1/ 334 لوكيع وابن جرير.
وفي "الجامع" هو مشتق من اسم الزمان، وذلك أنهم لما نقلوا أسماء المشهور عن اللغة سموها بالأزمنة التي فيها فوافق أيام رمضان أيام رمض الحر.
وفي "الغريبين": هو مأخوذ من رمض الصائم، يرمض إذا حرَّ جوفه من شدة العطش، وفي "المغيث" لأبي موسى: اشتقاقه من رمضت النصل أرمضه رمضًا: إذا جعلته بين حجرين ودققته ليرق، سمي به
لأنه شهر مشقة، ليذكر صائموه ما يقاسي أهل النار فيها، وقيل: من رمضت في المكان بمعنى احتبست؛ لأن الصائم يحتبس عما نهي عنه. وفعلان لا يكاد يوجد في باب فَعِل، وهو من باب فَعَل بالفتح كثير، فعلى هذا هو بهذا أشبه من قولهم: رمضت الفصال
(1)
. وقال ابن خالويه: ليس في كلام العرب رمضان إلا شيئان، اسم هذا الشهر. وعن العرب أنها تقول: جاء فلان يعدو رَمْضًا، ورَمَضًا، وترميضًا، ورمضانًا إذا كان قلقًا فزعًا.
رابعها:
قوله: ("فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ") روي بتشديد التاء وتخفيفها، وهو محمول عَلَى الحقيقة فيه، وفي غيره، وأبواب السماء هنا المراد بها: أبواب الجنة كما جاء في الرواية الأولى، ويؤيده قوله في آخره:"وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ"
وقد أسلفنا أنه حقيقة، فيسلسلون، ويقل أذاهم ووسوستهم، ولا يكون ذَلِكَ منهم كما هو في غير رمضان، ويدل عليه ما يذكر من تغليل الشياطين ومردتهم، بدخول أهل المعاصي كلها في الطاعة،
(1)
"المجموع المغيث" لأبي موسى المديني 1/ 803 - 804.
والبعد عما كانوا عليه من الشهوات، وذلك دليل بين.
وفيه تأويل آخر أنه عَلَى المجاز، ويكون فتح أبواب الجنة المراد
بها: ما فتح الله عَلَى العباد فيه من الأعمال المستوجبة بها الجنة من الصيام والصلاة والتلاوة، وأن الطريق إلى الجنة في رمضان سهل، والأعمال فيه أسرع إلى القبول، وكذلك أبواب النار تغلق بما قطع عنهم من المعاصي وترك الأعمال المستوجبة بها النار، ولقلة ما يؤاخذ الله العباد بأعمالهم السيئة، ليستنقذ منها ببركة الشهر قومًا، ويهب المسيء للمحسن، ويتجاوز عن السيئات، فهذا معنى الغلق، وكذلك "سُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ" يعني: اللهُ يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب عن المعاصي والميل إلى وسوسة الشيطان وغرورهم. وجاء في رواية أخرى: "وصفدت الشياطين"
(1)
والتصفيد: جعل الغل في العنق، ويكون ذَلِكَ علامة لدخول الشهر وتعظيم حرمته.
وقال القرطبي: معناه أن الجنة تفتح وتزخرف لمن مات في رمضان لفضيلة هذِه العبادة الواقعة فيه، وتغلق عنهم أبواب النار فلا يدخلها منهم أحد مات فيه، وتصفيد الشياطين لئلا تفسد عَلَى الصائمين.
وأما الاعتراض بأنا قد نرى الشر والمعاصي تقع في رمضان كثيرًا فجوابه من وجوه:
أحدها: أنها تُغَلَّ عن الصائمين في الصوم الذي حوفظ عَلَى شروطه بخلاف غيره.
ثانيها: أن الشر واقع من غيرهم كالنفس الخبيثة والعادات الركيكة والشياطين الإنسية.
(1)
رواها مسلم (1079).
ثالثها: أنه إخبار عن غالب الشياطين والمردة منهم، وأما من ليس من المردة فقد لا يصفد، والمقصود: تقليل الشر وهو موجود في شهر رمضان
(1)
.
وقد يقال: الحاصل من تلك الحركة -أعني: حركة المغلول- وإن قلَّتْ.
خامسها:
معنى: "فاقدروا له" ضيقوا له وقدروه تحت السحاب، قَالَ تعالى:{وَمَن قُدِرَ عَليهِ رِزفُهُ} [الطلاق: 7] أي: ضيق. وممن قَالَ بهذا أحمد وغيره ممن يجوِّز صوم ليلة الغيم عن رمضان. وقَالَ آخرون منهم ابن سريج ومطرف بن عبد الله وابن قتيبة والداودي: معناه: قدروه بحسب المنازل. يعني: منازل القمر.
وفي "الفصيح": قدرت الشيء والثوب من التقدير قَدَرًا وقَدْرًا، وأنا أقَدِّره وأَقدُرُه جميعًا. وقال غيره: قدرته وأقدرته. ورواية: "فأكملوا" هي تفسير لأقدروا، ولهذا لم يجتمعا في رواية.
قَالَ أبو عمر في "استذكاره": وقد كان كبار بعض التابعين يذهب في هذا إلى اعتباره بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب. قَالَ ابن سيرين: وكان أفضل له لو لم يعمل. وحكى ابن سريج عن الشافعي أنه قَالَ: من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر، ثم تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه، جاز له أن يعتقد الصوم وينويه ويجزئه، قَالَ: والذي عندنا في كتبه أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية، أو شهادة عادلة، أو إكمال شعبان ثلاثين يومًا، وعلى هذا مذاهب
(1)
"المفهم" للقرطبي 3/ 136 بتصرف.
جمهور فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمغرب، منهم مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وعامة أهل الحديث إلا أحمد، ومن قَالَ منهم بقوله: ذهابًا إلى أن معناه: قدروا له تمام العدة ثلاثين يومًا
(1)
.
وفي "قنية المنية" من كتب الحنفية: لا بأس بالاعتماد عَلَى قول
المنجمين. وعن ابن مقاتل أنه كان يسألهم ويعتمد قولهم إذا اتفق عليه جماعة منهم. وقول من قَالَ: إنه يرجع إليهم عند الاشتباه بعيد. وعند الشافعي: لا يجوز تقليد المنجم في حسابه، وهل يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه؟ فيه وجهان
(2)
.
وقال المازري: حمل جمهور الفقهاء: "فاقدروا له" على أن المراد: كمال العدة ثلاثين كما فسره في حديث آخر، ولا يجوز أن يكون المراد حساب النجوم؛ لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم؛ لأنه لا يعرفه إلا الأفراد، والشارع إنما يأمر الناس بما يعرفه جماهيرهم
(3)
. وأما حديث أبي هريرة مرفوعًا: "أحصوا هلال شعبان لرؤية رمضان"
(4)
(1)
انتهى من "الاستذكار" 10/ 18 - 19.
(2)
انظر: "روضة الطالبين" 2/ 347.
(3)
"المعلم بفوائد مسلم" للمازري 1/ 300 ط. المجلس الأعلى للشئون الأسلامية.
(4)
رواه الترمذي (687) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان، والدارقطني 2/ 162 - 163، والحاكم في "المستدرك" 1/ 425 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والبيهقي 4/ 206 في الصيام، باب الصوم لرؤية الهلال، والبغوي في "شرح السنة" 6/ 239 - 240 (1722) من طريق أبي معاوية، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا، به.
قال ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 231 (670): سألت أبي عن هذا الحديث، فقال: هذا خطأ، إنما هو محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن =
فليس بمحفوظ كما قَالَ أبو حاتم
(1)
، وبعض المالكية من البغاددة ركن إلى أن المراد به: حساب النجوم. وقال به بعض الشافعية كما سلف.
والحق أن الحساب لا يجوز الاعتماد عليه في الصوم، وإنما إذا دلَّ الحساب عَلَى أن الهلال قد طلع من الأفق عَلَى وجه يُرى لولا وجود المانع كالغيم مثلًا، فهذا قد يقتضي الوجوب، لوجود السبب الشرعي، وليس حقيقة الرؤية مشترطة في اللزوم، فإن الاتفاق عَلَى أن المحبوس في المطمورة إذا علم بإكمال العدد أو بالاجتهاد أن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم، وإن لم ير الهلال ولا أخبره
من رآه.
= النبي صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، أخطأ أبو معاوية في هذا الحديث.
ورواه الطبراني في "الأوسط" 8/ 152 (8242) من طريق يحيى بن راشد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا. به، وقال: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن عمرو إلا يحيى بن راشد، تفرد به: مروان بن محمد.
قلت: لم يتفرد به يحيى بن راشد، عن محمد بن عمرو، فقد تابعه أبو معاوية، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. به، كما مر تخريجه.
وأورد ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 245 (718) حديث الطبراني هذا وقال: سألت أبي عنه فقال: ليس بمحفوظ. اهـ. وسيأتي هذا عند المصنف رحمه الله. والحديث صححه الألباني في "الصحيحة"(565) وقال: رأيت ابن أبي حاتم قد ساق الحديث في "العلل" 1/ 245 من طريق يحيى بن راشد قال: حدثنا محمد بن عمرو به وقال: قال أبي: ليس هذا الحديث بمحفوظ.
فكأنه لم يقع له من طريق أبي معاوية اهـ.
قلت: قد وقع له من طريق أبي معاوية كما أسلفناه- وضعفه، قال ابن أبي حاتم: سالت أبي عن حديث رواه أبو معاوية، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
الحديث، فقال: هذا خطأ .. إلى آخر كلامه. اهـ. "العلل" 1/ 231 (670).
(1)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 245 (718).
وفي "الإشراف" لابن المنذر: صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو إجماع من الأمة أنه لا يجب، بل هو منهي عنه، وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم كراهة صوم يوم الشك أنه من رمضان، منهم علي وعمر وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو هريرة وأنس وأبو وائل وابن المسيب وعكرمة وإبراهيم
(1)
، والأوزاعي والثوري والأئمة الأربعة وأبو عبيد وأبو ثور إسحاق
(2)
. وفي "المحلى" عن ابن عمر والضحاك بن قيس أنهما قالا: لو صمنا السنة كلها لأفطرنا اليوم الذي يشك فيه
(3)
.
وجاء ما يدل عَلَى الجواز عن جماعة من الصحابة، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاصي ومعاوية وعائشة وأسماء بنت الصديق
(4)
، فإن حال دون منظره غير وشبهه فكذلك لا يجب صومه عند الكوفيين ومالك والشافعي والأوزاعي، ورواية عن أحمد، فلو صامه وبان (له)
(5)
أنه من رمضان يحرم عندنا، وبه قَالَ الثوري والأوزاعي. وقال ابن عمر، وأحمد وطائفة قليلة: يجب صومه في الغيم دون الصحو
(6)
.
(1)
رواها عنهم ابن أبي شيبة 2/ 322 - 324 (9489 - 9490، 9493 - 9495، 9497 - 9498، 9503، 9506 - 9507) كتاب: الصيام، ما قالوا في اليوم الذي يشك فيه بصيام.
(2)
انظر: "المبسوط" 3/ 63، "عيون المجالس" 2/ 611، "البيان" 3/ 557، "المغني" 4/ 338.
(3)
"المحلى" 7/ 23.
(4)
رواه البيهقي 4/ 211 عن أبي هريرة وأسماء وعائشة.
(5)
من (ج).
(6)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 161 (7323)، والبيهقي 4/ 204 عن ابن عمر.
وقال قوم: الناس تبع للإمام إن صام صاموا، وإن أفطر أفطروا، وهو قول الحسن وابن سيرين وسوار العنبري والشعبي في رواية
(1)
، ورواية عن أحمد
(2)
.
قَالَ مطرف وجماعة أسلفناهم: ينبغي أن يصبح يوم الشك مفطرًا متلومًا غير آكل ولا عازم عَلَى الصوم، حَتَّى إذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال نوى وإلا أفطر، فيما ذكره الطحاوي. حجة الجماعة قوله:"فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا"
(3)
.
وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عقد ثلاثين يومًا ثم صام.
قَالَ الدارقطني: إسناد صحيح
(4)
. ولأبي داود عن حذيفة بإسناد جيد
(1)
رواه عبد الرزاق 4/ 162 (7329) عن ابن سيرين، وابن أبي شيبة 2/ 323 - 324 (9498 - 9495، 9505) عن الشعبي.
(2)
انظر: "المغني" 4/ 330.
(3)
"شرح معاني الآثار" 3/ 124.
(4)
"سنن الدارقطني" 2/ 157 وقد رواه بسنده 2/ 156 - 157، ورواه أيضًا أبو داود (2325) كتاب: الصوم، باب: إذا أغمي الشهر، وأحمد 6/ 149، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" 3/ 960 (1675)، وابن الجارود في "المنتقى" 2/ 31 (377)، وابن خزيمة 3/ 203 (1910)، وابن عبد البر في "التمهيد" 14/ 353 من طريق أبي داود، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 75 (1064) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، عن عائشة به.
قال ابن الجوزي: قال الدارقطني: هذا إسناد حسن صحيح، قلت: وهذِه عصبية من الدارقطني، كان يحيى بن سعيد لا يرضى معاوية بن صالح، وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به، والذي حفظ من هذا: فعدوا ثلاثين ثم أفطروا اهـ، وقال الذهبي رادًا على ابن الجوزي: قلت: وهذِه منك عصبية؛ فإن معاوية احتج به مسلم اهـ. "تنقيح التحقيق" 5/ 115، وقال الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 439: =
"لا تقدموا الشهر حَتَّى تروا الهلال أو تكملوا العدة"
(1)
.
= قال ابن عبد الهادي في "التنقيح": ليست العصبية من الدارقطني، وإنما العصبية منه. قلت: -يقصد ابن الجوزي- فإن معاوية بن صالح: ثقة صدوق، وثقه أحمد وابن مهدي وأبو زرعة، وقال أبو حاتم: حسن الحديث، ولم يرو شيئًا خالف فيه الثقات، وكون يحيى بن سعيد لا يرضاه غير قادح فيه، فإن يحيى شرطه شديد في الرجال، فقد قال: لو لم أرو إلا عن من أرضى ما رويت إلا عن خمسة، وقول ابن أبي حاتم: لا يحتج به، غير قادح؛ لأنه لم يذكر السبب. اهـ. بتصرف.
وقال الحافظ في "التلخيص" 2/ 198: إسناده صحيح، وقال في "الدارية" 1/ 276: هو على شرط مسلم.
وقال المنذري: رجال إسناده كلهم محتج بهم في الصحيحين، على الاتفاق والانفراد. اهـ. "مختصر سنن أبي داود" 3/ 214، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2014) وقال معقبًا على كلام المنذري: قلت: ما قاله فيه نظر؛ فإن معاوية بن صالح وعبد الله بن أبي قيس لم يحتج بهما البخاري في "صحيحه" فالأول أخرج له في "جزء القراءة" والثاني في "الأدب المفرد" اهـ
وخلاصة القول أن الحديث صحيح على شرط مسلم.
(1)
أبو داود (2326) كتاب: الصوم، باب: إذا أغمي الشهر، ورواه أيضًا النسائي 4/ 135، وفي "الكبرى" 2/ 71 (2436)، والبزار في "البحر الزخار" 7/ 272 (2855)، وابن خزيمة 3/ 203 (1911)، وابن حبان 8/ 238 (3458) كتاب: الصوم، باب: رؤية الهلال، والبيهقي في "سننه" 4/ 208 كتاب: الصيام، باب: النهي عن استقبال شهر رمضان
…
، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 75 (1063) من طريق جرير بن عبد الحميد الضبي، عن منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة مرفوعًا. به.
وقد اختلف فيه، قال أبو داود: ورواه سفيان وغيره عن منصور عن ربعي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسم حذيفة اهـ رواه النسائي 4/ 135 - 136، وأحمد 4/ 314، والنسائي في "الكبرى" 2/ 71 (2437)، وعبد الرزاق في "المصنف" 4/ 164 (7337)، والبزار 7/ 272 - 273 (2856)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 438 كتاب: الصلاة، باب: الرجل يشك في صلاته، والدارقطني 2/ 161 - 162، وابن عبد البر في "التمهيد" 14/ 353 من طريق =
وعن ابن عباس: "فإن حال بينكم وبينه غمام فأكملوا شهر شعبان ثلاثين، ولا تستقبلوا رمضان بصوم يومٍ من شعبان"
(1)
.
= سفيان، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعًا. به. قال الدارقطني: رجاله كلهم ثقات، وقال البزار: لا نعلم أحدًا قال فيه عن حذيفة إلا جرير، وقال البيهقي: وصله جرير عن منصور، بذكر حذيفة فيه، وهو ثقة حجة، وقال ابن الجوزي: ضعف أحمد حديث حذيفة، وقال: ليس ذكر حذيفة فيه بمحفوظ اهـ.
قال الحافظ في "فتح الباري" 4/ 121 - 122 قيل الصواب فيه، عن ربعي، عن رجل من الصحابة منهم ولا يقدح ذلك في صحته، وقال في "التلخيص" 2/ 198، و"الدراية" 1/ 276: رجح أحمد رواية ربعي عن بعض أصحاب النبي، وقال: لا أعلم أحدًا سماه غير جرير، وقال ابن عبد الهادي في "التنقيح" كما في "نصب الراية" 2/ 439 معقبًا على ما قاله ابن الجوزي: هذا وهم منه، فإن أحمد إنما أراد أن الصحيح قول من قال: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأن تسمية حذيفة وهم من جرير، فظن ابن الجوزي أن هذا تضعيف من أحمد للحديث، وأنه مرسل، وليس بمرسل بل متصل إما عن حذيفة أو عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجهالة
الصحابي غير قادحة في صحة الحديث، وبالجملة فالحديث صحيح، ورواته ثقات محتج بهم في الصحيح اهـ.
قال ابن القيم: هذا الحديث وصله صحيح، فإن الذين وصلوه أوثق وأكثر من الذين أرسلوه، والذي أرسله هو الحجاج بن أرطاة عن منصور، وقول النسائي: لا أعلم أحدًا قال في هذا الحديث عن حذيفة غير جرير، إنما عني تسمية الصحابي، وإلا فقد رواه الثوري وغيره عن ربعي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا موصول، ولا يضره عدم تسمية الصحابي، ولا يعلل بذلك اهـ. "مختصر سنن أبي داود" 3/ 214.
والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2015) وقال: صحيح على شرط مسلم.
(1)
رواه أبو داود (2327) كتاب: الصوم، باب: من قال فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين، والترمذي (688) كتاب: الصيام باب: ما جاء أن الصوم لرؤية الهلال والإفطار له، والنسائي 4/ 153 - 154 كتاب: الصيام، صيام يوم الشك. باللفظ =
ومعنى غمَّ: ستر، ومنه الغم؛ لأنه يستر القلب، والرجل الأغم: المستور الجبهة بالشعر. وسمي السحاب غيمًا؛ لأنه يستر السماء. ويوم الشك: أن يتحدث الناس برؤية الهلال أو يشهد بها من لا تقبل شهادته، فلو صامه عَلَى نية التطوع فهو حرام عَلَى الأصح، وغير مكروه عند الحنفي، وبه قَالَ مالك
(1)
.
قَالَ في "شرح الهداية": والأفضل في حق الخواص صومه بنية التطوع بنفسه وخاصته، وهو مروي عن أبي يوسف. وفرض العوام التلوم إلى أن يقرب الزوال -وفي "المحيط": إلى وقت الزوال- فإن ظهر أنه من رمضان نواه وإلا أفطر، وإن صام قبل رمضان ثلاثة أيام، أو شعبان كله، أو وافق يوم الشك يومًا كان يصومه فالأفضل صومه بنية الفضل.
= الذي ذكره المصنف، وأحمد 1/ 226، 258، والطيالسي 4/ 395 (2793)، والدارمي 2/ 1048 (1725) كتاب: الصوم، باب: ما يقال عند رؤية الهلال، وأبو يعلى في "مسنده" 4/ 243 (2355)، وابن خزيمة 3/ 204 (1912)، وابن حبان 8/ 356 - 357 (3590)، 8/ 360 (3594)، والطبراني 11/ 286 - 287 (11754 - 11757)، والحاكم 1/ 424 - 425 وقال: صحيح الإسناد لم يخرجاه بهذا اللفظ، وأقره الذهبي، والبيهقي 4/ 207 - 208 كتاب: الصيام، باب: النهي عن استقبال شهر رمضان
…
، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 35 - 37، والبغوي في "شرح السنة" 6/ 232 (1716) من طريق سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا.
والحديث صححه الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 438، وقال الحافظ في "التلخيص" 2/ 197: رواه النسائي وابن خريمة وابن حبان والحاكم، وهو من صحيح حديث سماك، لم يدلس فيه ولم يلقن أيضًا، وصححه الألباني في "الصحيحة"(1917).
(1)
انظر: "المبسوط" 3/ 63، "عيون المجالس" 2/ 610.
وفي "المبسوط": الصوم أفضل، وتأويل النهي أن ينوي الفرض فيه
(1)
. وفي "المحيط": إن وافق يومًا كان يصومه فالصوم أفضل وإلا فالفطر أفضل، والصوم قبله بيوم أو يومين مكروه، أي صوم كان،
ولا يكره بثلاثة
(2)
، وهو قول أحمد
(3)
.
وأما ما ذكره الخطيب الحافظ عن عبد الله بن جراد: أصبحنا يوم الثلاثين صيامًا، فكان الشهر قد غم علينا، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناه مفطرًا، فقلنا: يا نبي الله، صمنا اليوم. قَالَ:"أفطروا إلا أن يكون رجل يصوم هذا اليوم فليتم صومه، لأن أفطر يومًا من رمضان يكون منه أحب إليَّ من أن أصوم يومًا من شعبان ليس منه"
(4)
.
(1)
"المبسوط" 3/ 63.
(2)
"المحيط" 3/ 363.
(3)
انظر: "المغني" 4/ 326.
(4)
رواه ابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 76 - 77 (1068) من طريق الخطيب، عن يعلى بن الأشدق، عن عبد الله بن جراد. به.
قال ابن الجوزي: قال الخطيب: ففي هذا الحديث كفاية عن ما سواه. قلت: لا تكون عصبية أبلغ من هذا فليته روى الحديث وسكت، فأما أن يعلم عيبه ولا يذكره، ثم يمدحه ويثني عليه، ويقول فيه كفاية عن ما سواه فهذا مما أزرى به على علمه وأثر به في دينه، أتراه ما علم أن أحدًا يعرف قبح ما أتى كيف وهذا الأمر ظاهر لكل من شدا شيئًا من علم الحديث، فكيف بمن أوغل فيه، أتراه ما علم أنه في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من روى حديثًا يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". وهذا الحديث موضوع على ابن جراد لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ذكره أحد من الأئمة الذين جمعوا السنن وترخصوا في ذكر الأحاديث الضعاف، وإنما هو مذكور في نسخة يعلى بن الأشدق، عن ابن جراد، وهي نسخة موضوعة، قال أبو زرعة والرازي: يعلى بن الأشدق ليس بشيء، وقال أبو أحمد ابن عدي الحافظ: روى يعلى بن الأشدق عن عمه عبد الله بن جراد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة منكرة، وهو وعمه غير معروفين. وقال البخاري: يعلى لا يكتب =
فقد قَالَ هو: فيه كفاية عما سواه. لكن ضعفه أبو أحمد بن عدي وابن حبان وغيرهما. واستدل أبو حنيفة بما قَالَ مالك عن أهل العلم أنهم لا يرون بصيامه تطوعًا بأسًا. وعندنا: إذا انتصف شعبان حرم
الصوم ابتداء عَلَى الأصح.
وفيه: حديث في السنن من طريق أبي هريرة، صححه الترمذي وابن حزم، واحتج به
(1)
، وخولف، ضعفه النسائي وأحمد
(2)
.
= حديثه، وقال أبو حاتم ابن حبان الحافظ: لقي يعلى عبد الله بن جراد، فلما كبر اجتمع عليه من لا دين له، فوضعوا له شبيهًا بما في حديث نسخه، عن ابن جراد، فلما كبر اجتمع عليه من لا دين له، فوضعوا له شبيهًا بما في حديث نسخه، عن ابن جراد، فجعل يحدث بها وهو لا يدري، لا يحل الراوية عنه. قلت: وما كان هذا يخفي على الخطيب غير أن العصبية تغطي على الدهر، وإنما يُبهرج بما يخفي، ومثل هذا لا يخفي -نعوذ بالله من غلبات الهوى. اهـ.
وأقر الذهبي ابن الجوزي في "التنقيح" 119 - 120.
وعزاه الحافظ في "الدراية" 1/ 276 للخطيب في "النهي عن صوم يوم الشك" وقال: أخرجه ابن الجوزي وأشار إلى أنه موضوع؛ لأنه رواية يعلى بن الأشدق، عن عمه عبد الله بن جراد، ويعلى هالك اهـ.
(1)
"المحلى" 7/ 26.
(2)
حديث أبي هريرة رواه: أبو داود (2337) كتاب: الصوم، باب: في كراهية ذلك، والترمذي (738) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان لحال رمضان، وابن ماجه (1651) في الصيام، باب: ما جاء في النهي عن أن يتقدم رمضان .. ، وأحمد 2/ 442، وعبد الرزاق في "المصنف" 4/ 161 (7325)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 172 (2911) كتاب: الصيام، صيام شعبان، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 82 كتاب: الصيام، باب: الصوم بعد النصف من شعبان إلى رمضان، وابن حبان 8/ 355 - 356 (3589) في الصوم، صوم يوم الشك، والبيهقي 4/ 209 في الصيام، باب: الخبر الذي ورد في النهي عن الصيام إذا انتصف شعبان، من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا كان النصف من شعبان، فأمسكوا =
وحديث عمران بن حصين الثابت في "الصحيح": "أصمت من سرر شعبان شيئا؟ " قَالَ: لا. قَالَ: "فإذا أفطرتَ فصم يومين معًا"
(1)
.
إذا قلنا: إن سرر الشهر آخره، سمي بذلك لاستسرار القمر فيها
= عن الصوم حتى يكون رمضان" وهذا لفظ أحمد.
والحديث ضعفه أحمد كما ذكر المصنف، ففي "علل أحمد بن حنبل" ص: 117 - 118 (273) ذكرت له حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: إذا كان نصف شعبان .. الحديث. فأنكره، وقال: سألت ابن مهدي عنه، فلم يحدثني به، وكان يتوقاه، وهذا خلاف الأحاديث التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث به، قلت لأحمد: لم قال لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان، وقال عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، وقال: وليس هذا عندي خلافه، ولم يجيء به غير العلاء عن أبيه. اهـ.
وضعفه النسائي كذلك -كما ذكر المصنف- قال النسائي: لا نعلم أحدًا روى هذا الحديث غير العلاء بن عبد الرحمن اهـ.، قال الترمذي: حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقال المنذري: يحتمل أن يكون الإمام أحمد قد أنكره من جهة العلاء بن عبد الرحمن، فإن فيه مقالا لأئمة هذا الشأن، وإن كان فيه مقال، فقد حدث عنه الإمام مالك مع شدة انتقاده للرجال وتحريه في ذلك، وقد احتج به مسلم في "صحيحه"، وذكر له أحاديث كثيرة، فهو على شرطه، ويجوز أن يكون تركه لأجل تفرده به، وإن كان قد خرج في الصحيح أحاديث انفرد بها رواتها، وكذلك فعل البخاري أيضًا اهـ. "مختصر سنن أبي داود" 3/ 224 - 225 بتصرف.
قلت: يفهم من كلام المنذري تصحيح الحديث. والله أعلم.
وكذا صححه ابن القيم في "مختصر سنن أبي داود" 3/ 223 - 224 وله فيه بحث جيد شفى فيه وكفي فراجعه، وللشيخ أحمد شاكر تعقيب على كلام المنذري في هامش "مختصر سنن أبي داود" 3/ 225 فسارع إليه ترشد.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2025) وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه الترمذي وابن حبان واحتج به ابن حزم، وقواه ابن القيم اهـ.
(1)
سيأتي برقم (1983) باب: الصوم آخر الشهر، ورواه مسلم (1161) كتاب: الصوم، باب: صوم سرر شعبان.
لا يعارضه، لأن له سببًا. وروي عن أبي هريرة مرفوعًا:"لا تقدموا رمضان بصيام إلا أن يوافق ذَلِكَ صومًا كان يصومه أحدكم"
(1)
.
وقد دل أن الكراهة عَلَى تعمد الصيام بحال رمضان. ولأبي داود بإسناد جيد -وإن كان ابن الجوزي أعله- عن معاوية مرفوعًا: "صوموا الشهر وسرره، وأنا متقدم بالصيام فمن أحب أن يفعله فليفعله"
(2)
.
(1)
يأتي برقم (1914) باب: لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين، ورواه مسلم (1082) باب: لا تقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين.
(2)
أبو داود (2329) كتاب: الصوم، باب: في المتقدم، من طريق الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء، عن أبي الأزهر- المغيرة بن فروة قال: قام معاوية في الناس بدير مسحل الذي على باب حمص فقال: أيها الناس إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا، وأنا متقدم فمن أحب أن يفعله فليفعله .. وفي آخره قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "صوموا الشهر وسره".
وأعله ابن الجوزي -كما ذكر المصنف- في "العلل المتناهية" 2/ 38 - 39 (874) وقد رواه من طريق خالد بن يزيد المري، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول أن معاوية كان إذا حضر شهر رمضان قال: أما هلال شعبان يوم كذا وكذا
…
الحديث، فقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكحول لم يسمع من معاوية، وأما خالد بن يزيد فقال أحمد: ليس بشيء، وقال النسائي: لبس بثقة. اهـ. وقال ابن حزم في "المحلى" 7/ 24 وقد أورد الحديث: المغيرة بن فروة غير مشهور، ثم لو صح لما كانت فيه حجة أصلًا.
قلت: يشير بقوله هذا إلى عدم صحته.
قال الألباني في "ضعيف أبي داود"(397): إسناده ضعيف.
وروى أبو داود (2330) حدثنا سليمان بن عبد الرحمن في هذا الحديث قال: قال الوليد: سمعت أبا عمرو يعني الأوزاعي يقول: سره أوله.
قال الخطابي: أنا أنكر هذا التفسير، وأراه غلطًا في النقل، ولا أعرف له وجهًا في اللغة، والصحيح أن سره آخره، هكذا حدثناه أصحابنا، عن إسحاق بن إبراهيم بن =
وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهرًا تامًّا إلا شعبان، يصله برمضان. وصححه الترمذي
(1)
.
وللحاكم وقال: عَلَى شرط الشيخين. عن عائشة: وكان أحب المشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه شعبان، ثم يصله برمضان
(2)
.
= إسماعيل حدثنا محمود بن خالد الدمشقي، عن الوليد، عن الأوزاعي قال: سره: آخره. وهذا هو الصواب، وفيه لغات، يقال: سرُّ الشهر، وسَرَرُ الشهر، وسَرَاره، وسمي آخر الشهر سرًا لاستسرار القمر فيه اهـ. "مختصر سنن أبي داود" 3/ 218 - 219، وكذا فسره ابن القيم في "حاشية مختصر السنن" بأنه آخره، وقت استسرار هلاله. وهذا الحديث قال عنه الألباني في "ضعيف أبي داود" (398): إسناده إلى الأوزاعي صحيح، لكنه مقطوع وشاذ.
وروي أبو داود أيضًا (2331) حدثنا أحمد بن عبد الواحد عن أبي سهر قال: كان سعيد -يعني ابن عبد العزيز- يقول: سره: أوله. قال الألباني في "ضعيف أبي داود"(399): إسناده إليه صحيح، لكنه مقطوع، مستنكر لغة، كما في الذي قبله اهـ. وقال أبو داود: وقال بعضهم: سره وسطه، وقالوا: آخره اهـ.
وقال الألباني في "ضعيف أبي داود"(400 - 401): لم أقف على من وصلهما، وقوله: وسطه، مخالف لمعناه الراجح وهو: آخره كما تقدم، وهو مذهب الجمهور. وقوله: آخره: هو الصحيح من حيث المعنى اهـ. بتصرف.
(1)
رواه أبو داود (2336) باب: فمن يصل شعبان برمضان، والترمذي (736) باب: ما جاء في وقال شعبان برمضان، والنسائي 4/ 150، 200، وابن ماجه (1648) باب: ما جاء في وقال شعبان برمضان، وأحمد 6/ 311، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2024) وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(2)
"المستدرك" 1/ 434، ورواه أيضًا: أبو داود (2431) باب: في صوم شعبان، والنسائي 4/ 199، وأحمد 6/ 188، وابن خزيمة 3/ 282 (2077)، والبيهقي في "سننه" 4/ 292 كتاب: الصيام، باب: في فضل صوم شعبان، وفي "شعب الإيمان" 3/ 377 (3818)، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 41، والبغوي في "شرح السنة" 6/ 330 (1779)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2101) وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم.
فرع: لو نوى صوم غدٍ من رمضان إن كان منه فكان منه لم يقع عندنا، خلافًا للمزني، إلا إذا اعتقد كونه منه بقول من يثق به من عبد أو امرأة أو صبيان رشدًا.
وفي "شرح الهداية": لا يصير صائمًا بقوله: أصوم غدًا إن كان من رمضان، دون ما إذا كان من شعبان لتردده، فلو قَالَ: إن كان من رمضان فعنه، وإن كان من شعبان فعن واجب آخر، فمكروه لنزدده أيضًا، ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه، أو من شعبان فلا عن الواجب، ولو قَالَ: أصوم غدًا من رمضان أو تطوعًا، لا يصير صائمًا قطعًا.
فرع: من انفرد برؤية الهلال ولم يقبل صام سرًّا، كالمنفرد برؤية هلال شوال يفطر.
فرع: إذا رؤي ببلد لزم حكمه البلد القريب دون البعيد في الأصح.
وظاهر الحديث التعدي إلى غيره مطلقًا، وقد وقعت المسألة في زمن (ابن عباس)
(1)
وقال: لا نزال نصوم حَتَّى يكمل ثلاثين أو نراه، وبهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
. ويمكن إرادته هذا.
فرع: لا يثبت هلال رمضان بشهادة واحد، خلافًا لأبي حنيفة والشافعي، وإن كان في الأمران الشافعي رجع عنه، ولا يثبت هلال شوال بواحد، خلافًا لأبي ثور
(3)
.
(1)
وقع في الأصل: ابن عبد البر. والمثبت من هامشه حيث إنه كذا في مسلم.
(2)
رواه مسلم (1087) كتاب: الصيام، باب: بيان أن لكل بلد رؤيتهم وانهم ..
(3)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 55، "البيان" 3/ 480، 482.
6 - باب مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَنِيَّةً
وَقَالَتْ عَائِشَةُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"يُبْعَثُونَ عَلَى قدر نِيَّاتِهِمْ".
(1)
.
1901 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". [انظر: 35 - مسلم: 759، 760 - فتح: 4/ 115]
ذكر فيه حديث أبي هريرة، وقد سلف في الإيمان
(2)
. ومعنى: "إِيمَانًا": تصديقًا بالثواب من الله تعالى عَلَى صيامه وقيامه، ومعنى:"احْتِسَابًا": يحتسب ثوابه عَلَى الله تعالى، وينوي بصيامه وجهه، ولا يتبرم بزمانه حرًّا وطولًا.
والحديث دال عَلَى أن الأعمال لا تزكو ولا تتقبل إلا مع الاحتساب وصدق النيات، كما قَالَ صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات"
(3)
وهو راد لقول زفر: إن رمضان يجزئ من غير نية، ثم هي مبيتة عند الجمهور، خلافًا لأبي حنيفة
(4)
والأوزاعي وإسحاق حيث قالوا: يجزئ قبل الزوال. ولا سلف لهم فيه والنية إنما ينبغي أن تكون مقدمة قبل العمل، وحقيقة التبييت لغة يقتضي جزءًا من الليل، وروى هذا
(1)
في هامش الأصل: هذا التعليق هو عنده مسند، وكذا عند مسلم وذكره معلقًا أيضًا في باب: هدم الكعبة فاعلمه.
(2)
سلف برقم (35) باب: قيام ليلة القدر من الإيمان.
(3)
تقدم برقم (1)، ورواه مسلم (1907).
(4)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 53.
ابن عمر وحفصة وعائشة
(1)
، ولا مخالف لهم.
وعند أبي حنيفة: لو صام رمضان بنية النفل أجزأه
(2)
، وكذا إن أطلق يجزئه عنه، مسافرًا كان أو حاضرًا، قَالَ: فإن نوى النذر أو الكفارة أجزأه عن رمضان إن كان حاضرًا، وعن نذره إن كان مسافرًا. والمراد هنا بالذنوب: ما عدا التبعات، والفضل واسع.
(1)
رواه عن ابن عمر: البيهقي في "سننه" 4/ 202 كتاب: الصيام، باب: الدخول في الصوم بالنية.
ورواه عن حفصة: ابن أبي شيبة 2/ 293 (9112) كتاب: الصيام، من قال: لا صيام لمن لم يعزم من الليل، والدارقطني 2/ 173، والبيهقي 4/ 23 ورواه عن عائشة البيهقي 4/ 203.
(2)
انظر: "المبسوط" 3/ 60.
7 - باب أَجْوَدُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ
1902 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. [انظر: 6 - مسلم: 2308 - فتح: 4/ 116]
ذكر فيه حديث ابن عباس قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
و (أجود) الأول بالفتح. وقوله: (وكان أجود)، كذلك
(2)
وجوز ابن مالك رفعه أيضًا.
وامتثل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا قوله تعالى، وأمره بتقديم الصدقة بين يدي نجوى الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي كان أمر به تعالى عباده ثم عفا عنهم لإشفاقهم من ذَلِكَ، فامتثل ذَلِكَ عند مناجاته جبريل، وقد سلف هذا المعنى.
وفيه: بركة مجالسة الصالحين، وأن فيها تذكيرًا لفعل الخير وتنبيهًا عَلَى الازدياد من العمل الصالح، وكذلك أمر صلى الله عليه وسلم بمجالسة العلماء،
(1)
مسلم (2308) كتاب: الفضائل، باب: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير من الريح المرسلة.
(2)
في هامش الأصل: رجح في أوائل الشرح الرفع في (أجود) الثانية.
ولزوم حلق الذكر
(1)
، وشبه الجليس الصالح بالعطار إن لم يحذك من متاعه لم تعدم طيب ريحه
(2)
.
ألا ترى قول لقمان لابنه: يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله تعالى يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء
(3)
.
(1)
روي عن أنس مرفوعًا: "إذا مررتم برياض الجنة، فارتعوا". قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: "حلق الذكر".
رواه الترمذي (3510) كتاب: الدعوات، وأحمد 3/ 150، وأبو يعلى في "مسنده" 6/ 155 (3432)، والطبراني في "الدعاء" 3/ 1643 - 1644 (1890)، وابن عدي في "الكامل" 311/ 7 - 312 في ترجمة: محمد بن ثابت البناني (1638)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 1/ 398 (529)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" 1/ 93 - 94 (39)، والحديث صححه الألباني في "الصحيحة"(2562).
(2)
روي عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكبير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكبير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خبيثة".
وسيأتي هذا الحديث (2101) كتاب: البيوع، باب: في العطار وبيع المسك، ورواه مسلم (2628) كتاب: البر والصلة، باب: استحباب مجالس الصالحين، ومجانبة قرناء السوء. وهذا لفظه.
(3)
رواه مالك في "الموطأ" ص: 619، بلاغًا. ورواه الطبراني 8/ 199 - 200 (7810)، والرامهرمزي في "أمثال الحديث" ص 87 - 88 (52)، والديلمي في "الفردوس" 3/ 196 (4550) من حديث أبي أسامة مرفوعًا.
قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 125: فيه: عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد، وكلاهما ضعيف لا يحتج به، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب"(78). ورواه ابن المبارك في "الزهد"(1387) عن عبد الوهاب بن بخت المكي، قوله.
وقال مرة أخرى: فلعل أن تصيبهم رحمة فتنالك معهم. فهذِه ثمرة مجالسة أهل الفضل ولقائهم.
وفيه: بركة أعمال الخير، وأن بعضها يفتح بعضًا ويعين عَلَى بعض، ألا ترى أن بركة الصيام ولقاء جبريل عليه السلام وعرضه القرآن عليه زاد في جوده صلى الله عليه وسلم وصدقته، حَتَّى كان أجود من الريح المرسلة.
ونزول جبريل عليه السلام في رمضان للتلاوة دليل عظيم لفضل تلاوة القرآن فيه، وهذا أصل تلاوة الناس القرآن في كل رمضان تأسيًا به.
ومعنى مدارسته إياه فيه؛ لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن كما نطق به القرآن.
وفيه: أن المؤمن كلما ازداد عملًا صالحًا وفتح له باب من الخير، فإنه ينبغي له أن يطلب بابًا آخر وتكون يمينه ممتدة في الخير إلى فوق عمله، ويكون خائفًا وجلًا غير معجب بعمله، طالبًا للارتقاء في
درجات الزيادة.
8 - باب مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فِي الصَّوْمِ
1903 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ".
ذكر فيه حديث أبي هريرة فقال: حَدَّثَنَا ادمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابن أَبِي ذِئْبٍ، حَدثَنَا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لله حَاجَة فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ".
هذا الحديث من أفراده، ولما ذكره في الأدب قَالَ: أفهمني رجل إسناده
(1)
. وقال أبو داود: قَالَ أحمد بن يونس: فهمت إسناده عن ابن أبي ذئب، وأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أُراه ابن أخيه
(2)
. وفي رواية للجُوزي: والجهل
(3)
.
قَالَ الدارقطني في "علله": رواه يزيد بن هارون وأبو نباتة يونس بن يحيى (ت)
(4)
، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، لم يذكر أباه، وأغرب أبو قتادة بسند آخر عن ابن أبي ذئب فقال: عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير، عن أبي هريرة
(5)
.
(1)
سيأتي (6057) باب: قول الله تعالى: واجتنبوا قول الزور.
(2)
"سنن أبي داود" 2/ 767، عقب حديث (2362).
(3)
ستأتي (6057).
(4)
في هامش الأصل: صدوق توفي سنة 257 هـ.
(5)
"علل الدارقطني" 10/ 387 - 388.
قلت: ورواه من غير ذكر أبيه حماد بن خالد، ساقه الإسماعيلي.
قَالَ: ابن أبي ذئب، عن المقبري عن أبي هريرة.
وفي "مستدرك الحاكم" عَلَى شرط مسلم من حديث عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صائم"
(1)
.
وفي لفظ: "رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع، ورب قائم حظه من قيامه السهر". ثم قَالَ: صحيح عَلَى شرط البخاري
(2)
.
وروى أبو السري هناد بن السري في "زهده" عن أنس مرفوعًا: "ما صام من ظل يأكل لحوم الناس"
(3)
. وله عن أنس أنه قَالَ: "إذا اغتاب الصائم أفطر"
(4)
.
(1)
"المستدرك" 1/ 430 وصححه الحاكم، الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(1082).
(2)
"المستدرك" 1/ 431.
(3)
"الزهد" لهناد 2/ 573 (1206)، ورواه ابن أبي شيبة 2/ 273 (8890) كتاب: الصوم، باب: ما يؤمر به الصائم، وإسحاق بن راهويه كما في "نصب الراية" 2/ 482، والديلمي في "الفردوس" 4/ 77 (6238). ورواه الطيالسي في "مسنده" 3/ 577 (2221)، وابن أبي الدنيا في "الصمت"(170)، وأبو نعيم في "الحلية" 6/ 309، والبيهقي في "شعب الإيمان" 5/ 301 (6722) مطولًا وفيه عندهم قصة.
بلفظ: وكيف صام من ظل يأكل لحوم الناس؟ والحديث أورده الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 13/ 163 من طريق الطيالسي وقال: إسناد ضعيف متن غريب، وقال الحافظ في "الدراية" 1/ 287: فيه يزيد بن أبان اهـ. قلت: يشير إلى ضعف الحديث، لضعف يزيد بن أبان، قال في "التقريب" (7683): يزيد بن أبان الرقاشي، زاهد ضعيف اهـ. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4451).
(4)
"الزهد" 2/ 573 (1204).
أما فقه الباب فهو أن حكم الصائم الإمساك عن الرفث وقول الزور، كما يمسك عن الطعام والشراب، وإن لم يمسك عن ذَلِكَ فقد نقص صيامه، وتعرض لسخط ربه تعالى وترك قبوله منه، وليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه إذا لم يدع قول الزور، وإنما معناه التحذير من قول الزور، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم:"من باع الخمر فليشقص الخنازير"
(1)
(1)
رواه أبو داود (3489) كتاب: الإجارة، باب: في ثمن الخمر والميتة، وأحمد 4/ 253، والطيالسي في "مسنده" 2/ 76 (735)، والحميدي 2/ 23 (778)، وابن أبي شيبة 4/ 417 (21612) كتاب: البيوع والأقضية، ما جاء في بيع الخمر، والدارمي 2/ 1334 - 1335 (2147) كتاب: البيوع، باب: النهي عن بيع الخمر وشرائها، والطبراني في "الكبير" 20/ 379 (884)، وفي "الأوسط" 8/ 245 (8532)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" 2/ 564 - 565 (608)، والبيهقي في "سننه" 6/ 12 كتاب: البيوع، باب: تحريم التجارة في الخمر، والمزي في "تهذيب الكمال" 13/ 384 - 385. من طريق طعمة بن عمرو الجعفري عن عمر بن بيان التغلبي عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة مرفوعًا. به.
قال عبد الله بن أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" 2/ 7 (1366): سألت أبي عن هذا الحديث، فقلت: من عمر بن بيان؟ فقال: لا أعرفه اهـ.، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4566).
تنبيه: وقع في بعض الكتب وكذا في "الضعيفة" للألباني: عن عمرو بن بيان عن عروة بن المغيرة، وفي بعضها عن عمرو بن دينار عن عروة وهذا خطأ لأنه عمر بن بيان عن عروة، قاله الدارمي.
تنبيه آخر: قال الألباني في "الضعيفة"(4566): قال الدارمي: إنما هو عمرو بن دينار. اهـ.
قلت: يبدو أن النسخة التي نقل منها الألباني بها ما قاله، أما في طبعة دار المغني تحقيق: حسين أسد: قال الدارمي: إنما هو عمر بن بيان، وأشار في الهامش أن في بعض النسخ: دينار وهو تحريف.
تنبيه ثالث: وقع عند البيهقي: طعمة بن عمرو الجعفي، وهو خطأ وصوابه الجعفري، وقد أشار إليه المحقق في الهامش. =
يريد: أي: يذبحها. ولم يأمره بشقصها ولكنه عَلَى التحذير والتعظيم لإثم شارب الخمر، فكذلك حذر الصائم من قول الزور والعمل به ليتم أجر صيامه.
وفي كتاب "الرقاق" لابن المبارك عن ابن جريج قَالَ: قَالَ سليمان بن موسى عن جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، ودع أذى الخادم، وليِكُ عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك وفطرك سواء
(1)
.
وفي "علل الدارقطني" من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "خمس يفطرن الصائم وينفضن الوضوء: الكذب، والغيبة، والنميمة، والنظر بشهوة،
= تنبيه رابع: وقع عند الطبراني في "الأوسط": نا طلحة بن عمرو الجعفري قال: سمعت عمرو بن دينار عن عروة بن المغيرة بن شعبة. به.
وقال الطبراني: لا يروي هذا الحديث عن المغيرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به طلحة بن عمرو! كذا قال!
قلت: صوابه: طعمة بن عمرو الجعفري، عن عمر بن بيان، عن عروة، ولعله خطأ من بعض النساخ. وأما قوله صلى الله عليه وسلم:"فليشقص الخنازير". قال ابن الأثير: أي فليقطعها قِطعًا ويفصلها أعضاءً كما تفصل الشاة إذا بيع لحمها، يقال: شقصه يشقصه، وبه سمي القصاب مشقصًا. المعنى: من استحل بيع الخمر فليستحل بيع الخنزير، فإنهما في التحريم سواء، وهذا لفظ أمر معناه النهي، تقديره: من باع الخمر فليكن للخنازير قصابًا.
اهـ. "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 490 مادة (شقص).
(1)
"الزهد والرقائق"(1308)، ورواه ابن أبي شيبة 2/ 272 (8880)، والحاكم في "معرفة علوم الحديث" ص: 20 النوع الخامس، والبيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 317 (3646) من طريق ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله.
قوله. قال الحاكم: هذا حديث يتوهمه من ليس الحديث من صناعته أنه موقوف على جابر، وهو موقوف مرسل قبل التوقيف، فإن سليمان بن موسى الأشدق لم يسمع من جابر ولم يره، بينهما عطاء بن أبي رباح في أحاديث كثيرة.
واليمين الكاذبة"
(1)
.
قَالَ أبو حاتم في "علله": هذا حديث كذب
(2)
.
ولابن حزم -مصححًا- عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عَلَى امرأتين صائمتين تغتابان الناس، فقال لهما:"قيئا" فقاءتا قيحًا ودمًا ولحمًا عبيطًا، فقال صلى الله عليه وسلم:"إن هاتين صامتا عن الحلال وأفطرتا عَلَى الحرام"
(3)
.
(1)
مسند أبي هريرة من "علل الدارقطني" غير مطبوع، وقد روي عن أنس. رواه الديلمي كما في "الفردوس" 2/ 97 (2979) وعنه الجورقاني في "الأباطيل والمناكير" 1/ 351 (338)، وابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 560 (1131) من طريق الحسن بن أحمد بن البنا، عن أبي الفتح بن أبي الفوارس، عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر، عن أحمد بن جعفر الجمال، عن سعيد بن عنبسة، عن بقية، عن محمد بن الحجاج، عن جابان، عن أنس مرفوعًا. به.
قال الجورقاني: هذا حديث باطل، في إسناده ظلمات، وقال ابن الجوزي: حديث موضوع، من سعيد بن عنبسة إلى أنس كلهم مطعون فيه، وقال ابن ماكولا في "الإكمال" 2/ 10 - 11 في ترجمة جابان روى عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا
منكرًا "خمس يفطرن الصائم" وكذا أورده الحافظ في "لسان الميزان" 2/ 86 في ترجمة جابان (1882) من حديث أنس وقال: قال الأذدي: موسى بن جابان، عن أنس متروك الحديث. وأورده الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" ص 94 (25)، وقال الألباني في "الضعيفة" (1708): موضوع.
(2)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 258 - 259 (766) والذي. فيه من حديث أنس.
(3)
"المحلى" 6/ 178. وحديث عبيد رواه أحمد 5/ 431، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (171)، والروياني في "مسنده" 1/ 480 - 481 (729)، والبيهقي في "دلائل النبوة " 6/ 186 من طريق يزيد بن هارون عن سليمان التيمي قال سمعت رجلًا يحدث في مجلس أبي عثمان النهدي عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث. قلت: وهذا إسناد ضعيف لجهالة شيخ سليمان التيمي.
ورواه أبو يعلى في "مسنده" 3/ 146 - 147 (1576)، وابن الأثير في "أسد =
وعن علي من حديث مجالد عن الشعبي عنه
(1)
.
ومجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عمر قَالَ: ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، لكنه من الكذب والباطل واللغو
(2)
. وعن أنس قَالَ: إذا اغتاب الصائم أفطر
(3)
(4)
. وقال أبو ذر: إذا كان يوم صومك فتحفظ ما استطعت
(5)
.
= الغابة" 3/ 538 من طريق حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..... الحديث.
قلت: وهذا إسناد ضعيف أيضًا لانقطاعه؛ لأن سليمان التيمي لم يسمع من عبيد، فهو مرسل.
قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" 3/ 140 (1766): عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عنه سليمان التيمي، ولم يسمع منه، بينهما رجل.
والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة"(519)، وقال عنه الحويني في النافلة (62): منكر، وعقد فيه بحثًا أيضًا فليراجع.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 273 (8884) كتاب: الصيام، ما يؤمر به الصائم من قلة الكلام وتوقي الكذب، والبيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 316 (3645، 3648).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 272 (8885).
(3)
وقع في هامش الأصل: ولأحمد مسند فيه مجهول عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأتين صامتا إلى أن قال: "ادعهما" قال: فجاءتا. قال: فجيء بقدح أو عس فقال لإحداهما: "قيئي" فقاءت قيحًا، ودمًا وصديدًا أو لحمًا حتى ملأت نصف القدح، ثم قال للأخرى إلى أن قال:"إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يأكلان لحوم الناس".
وله بسند آخر فيه مجهول
…
عثمان بن عتاب الذي
…
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك.
وله: حدثنا يحيى بن سعيد عن عتاب -هو ابن سعيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم- أنهم أمروا بصيام يومٍ، فذكر نحوه وقد عزاه الشيخ لابن حزم هنا.
(4)
تقدم تخريجه، وهو عند هناد في "الزهد" 2/ 573 (1204).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 272 (8878)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 316 (3647).
قَالَ ابن حزم: فهؤلاء من الصحابة عمر وعلي وأنس وأبو ذر وأبو هريرة وجابر
(1)
، يرون بطلان الصوم بالمعاصي؛ لأنهم خصوا الصوم باجتنابها، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة، ومن التابعين مجاهد وحفصة بنت سيرين وميمون بن مهران والنخعي
(2)
، وفي هذا رد عَلَى قول ابن التين لما نقل عن الأوزاعي أنه يفطر من اغتاب مسلمًا. وعند كافة الفقهاء أن ذَلِكَ نقص من حظه من الصيام لا في الإجزاء. واحتج الأوزاعي بالحديث السالف، وهذا عندنا عَلَى وجه التغليظ والمجاز، ومعناه: سقوط الثواب.
قلت: قد علمت ضعفه وأن الأوزاعي لم ينفرد به، وكذا قَالَ ابن بطال
(3)
: اتفق جمهور الفقهاء عَلَى أن الصائم لا يفطره السب والشتم والغيبة، وإن كان مأمورًا أن ينزه صيامه عن اللفظ القبيح، ثم نقل عن الأوزاعي أنه يفطره السب والغيبة، واحتج بما روي أن الغيبة تفطر الصائم، وكذا قَالَ القرطبي.
قَالَ: وبه قَالَ الحسن فيما أحسب. وقال ابن القصار: معناه: أنه يصير في معنى المفطر في سقوط الأجر لا أنه أفطر في الحقيقة لقوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات: 12] فلم يكن آكلًا في الحقيقة، وإنما يصير في معناه، ويجوز أن يكون في معنى التغليظ كما قَالَ: "الكذب مجانب
(1)
تقدم تخريج هذِه الآثار.
(2)
انظرها في: "مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 273 (8883، 8887 - 8889) كتاب: الصيام، باب: ما يؤمر به الصائم من قلة الكلام وتوقي الكذب، و"شعب الإيمان" 3/ 317 - 318 وانظر "المحلى" 6/ 179.
(3)
"شرح ابن بطال" 4/ 24 - 25.
الإيمان". وقال أبو العالية: الصائم في ثوابٍ ما لم يغتب وإن كان نائمًا عَلَى فراشه
(1)
.
وقال مجاهد: من أحب أن يسلم له صومه (فليجتنب)
(2)
الغيبة والكذب
(3)
. وقال النخعي: كان يقال: الكذب يفطر الصائم
(4)
.
وقوله: ("فليس لله حاجة") معناه: فليس لله إرادة في صيامه، والله لا يحتاج إلى شيء فوضع الحاجة موضع الإرادة
(5)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 273 (8889) كتاب الصوم، ما يؤمر به الصائم من قلة الكلام وهناد في "الزهد" 2/ 572 (1201) باب الغيبة للصائم.
(2)
في (ج) فليتخنب.
(3)
رواه هناد في "الزهد" 2/ 572 (1203).
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 573 (1205)، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 227.
(5)
في هامش الأصل: آخر 9 من 6 من تجزئة المصنف.
وقبالتها في الجهة الأخرى من الهامش: ثم بلغ في الرابع بعد الأربعين كتبه مؤلفه.
9 - باب هَلْ يَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ. إِذَا شُتِمَ
؟
1904 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ". [انظر: 1894 - مسلم: 1151 - فتح: 4/ 188]
ذكر فيه حديث أبي هريرة السالف في باب فضل الصوم، وهو أتم من ذاك.
والرفث والجهل ذكر هنا؛ لأنه أشد لحرمة الصوم عنهما كما قاَلَ تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} [المؤمنون: 1 - 2] والخشوع في الصلاة آكد منه في غيرها، وقال في الأشهر الحرم:{فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] فأكد حرمة الأشهر الحرم وجعل الظلم فيها أشد من غيرها، فينبغي للصائم أن يعظم من شهر رمضان ما عظم الله ورسوله، ويعرف قدر ما لزمه من حرمة الصيام، والقيام بحدوده. وقد أسلفنا هناك الكلام عَلَى "يصخب".
وقوله: ("فم") وفي بعض النسخ "فيِّ" وهو رواية الشيخ أبي الحسن، كما عزاه إليه ابن التين، ثم نقل عن القزاز أنه لا أصل لهذا اللفظ في الحديث ولا لقوله:"فيِّ الصائم" بتشديد الياء، والتشديد لا يجوز عَلَى أحد جهله، وإنما تقول العرب: أعجبني هو زيد، وعجبت من في زيد، ولا وجه للتشديد.
10 - باب الصَّوْمِ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ العُزُوبَةَ
1905 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ". [5065، 5066 - مسلم: 1400 - فتح: 4/ 119]
ذكر فيه حديث أبي حمزة -بالحاء المهملة والزاي- عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ".
هذا الحديث أخرجه مسلم والأربعة
(1)
، والاستطاعة هنا وجود ما يتزوج به لا القدرة عَلَى الوطء.
والباءة أصلها في اللغة: الجماع، وهي مشتقة من المباءة وهي: المنزل، ثم قيل لعقد النكاح: باءة؛ لأن من تزوج امرأة فقد بوأها منزلًا، فهو من مجاز الملازمة، وفي الباءة أربع لغات: أفصحها وأشهرها: الباءة بالمد والهاء. ثانيها: بدون مد. ثالثها: بلا هاء. رابعها: الباهة بهائين بلا مد. وفي بعض شروح "التنبيه" أنها بالمد: القدرة عَلَى مؤن النكاح، وبالقصر: الوطء.
وفي "الموعب": الباءة: الحظ من النكاح. واختلفوا في المراد بها هنا عَلَى قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما: أن المراد معناها
(1)
مسلم (1400) كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، وأبو داود (2046)، والترمذي (1081)، والنسائي 4/ 169، وابن ماجه (1845).
اللغوي، وهو الجماع، والثاني المؤن.
قَالَ ابن دريد: سميت باءة؛ لأن الماء يصب ثم يعود.
ومعنى "أَغَضُّ" أمنع وأحصن، مأخوذ من الحصين الذي يمتنع به من العدو. والوجاء -بكسر الواو والمد- رض الأنثيين أي: قاطع للشهوة، فإن سلتا فهو الخصي.
وأطلق الداودي أن الوجاء هو الخصي، وحكي فيه فتح الواو والقصر، وليس بشيء، كما نبه عليه القرطبي
(1)
، وحكاه صاحب "مجمع الغرائب" وغيره من الحفي، وما أبعده؛ لأنه لا يكون إلا بعد طول مشي وتعب، إلا أن يستعمل بمعنى العثور.
وأغض وأحصن يحتمل أن تكون لغير المبالغة وأن تكون عَلَى بابها.
وقوله: ("فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ") ليس إغراء الغائب؛ لأن الهاء في عليه لمن خصه من الحاضرين بعدم الاستطاعة لتعذر خطابه بكاف الخطاب والحوالة عَلَى الصوم لما فيه من كسر الشهوة؛ فان شهوة النكاح متابعة لشهوة الأكل، تقوى بقوتها، وتضعف بضعفها.
وفيه: كما قَالَ الخطابي: دلالة عَلَى جواز المعاناة لقطع الباه بالأدوية، ومنعه غيره قياسًا عَلَى التبتل والإخصاء
(2)
.
وفيه: وجوب الخيار في العنة، كما قَالَه القرطبي
(3)
.
وفيه: الأمر بالنكاح لمن استطاع وتاقت نفسه، وهو إجماع، لكنه عند الجمهور أمر ندب لا إيجاب، وإن خاف العنت، وستأتي المسألة
(1)
"المفهم" 4/ 85.
(2)
"أعلام الحديث" 2/ 950.
(3)
"المفهم" 4/ 85.
-إن شاء الله- مبسوطة في النكاح، فإنه أليق بها، وقد ندب صلى الله عليه وسلم أمته إلى النكاح ليكونوا عَلَى كمال من دينهم، وصيانة لأنفسهم في غض أبصارهم وحفظ فروجهم، لما يخشى عليه مَنْ جبله الله عَلَى حب أعظم الشهوات، ثم اعلم أن الناس كلهم لا يجدون طولًا في النساء، وربما خافوا العنت بعقد النكاح، فعوضهم منه ما يدافعون به سورة شهواتهم وهو الصيام، فإنه وجاء، وهو مقطعة الانتشار وحركة العروق التي تتحرك عند شهوة الجماع.
11 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا
"
وَقَالَ صِلَةُ، عَنْ عَمَّارٍ: مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم.
1906 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ:"لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ". [انظر: 1900 - مسلم: 1080 - فتح: 4/ 119]
1907 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلَاثِينَ". [انظر: 1900 - مسلم: 1080 - فتح: 4/ 119]
1908 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا". وَخَنَسَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ. [انظر: 1900 - مسلم: 1080 (13) - فتح: 4/ 119]
1909 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -أَوْ قَالَ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم-: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ". [مسلم: 1081 - فتح: 4/ 119]
1910 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا -أَوْ رَاحَ- فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ شَهْرًا. فَقَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا". [5202 مسلم:
1085 -
فتح: 4/ 119]
1911 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: آلَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ آلَيْتَ شَهْرًا. فَقَالَ "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ". [انظر: 378 - مسلم: 411 - فتح: 4/ 120]
ثم ذكر حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: "لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّئ تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ".
وحديثه أيضًا: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلَاِثينَ".
وحديثه أيضًا: "الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا". وَخَنَسَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ.
وحديث أبي هريرة: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاِثِينَ".
وحديث يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا -أَوْ رَاحَ- فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ شَهْرًا. فَقَالَ: "الشَّهْرُ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا".
وحديث أنس: آلَى رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، آلَيْتَ شَهْرًا. فَقَالَ:"إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا عِشْرِينَ".
الشرح:
تعليق صِلةَ عن عمار -وهو ابن ياسر- أخرجه أصحاب السنن
الأربعة، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والترمذي والحاكم عَلَى شرط الشيخين. وقال الدارقطني: إسناده حسن ورجاله ثقات
(1)
.
ولا عبرة بقول أبي القاسم الجوهري أنه موقوف، فقد قَالَ ابن عبد البر: لا يختلفون في إسناده. وصِلة هو ابن زفر، ووقع في كتاب ابن حزم: ابن أشيم
(2)
، وهو غلط.
وحديث ابن عمر بطرقه أخرجه مسلم
(3)
وقد سلف
(4)
.
وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم أيضًا
(5)
، وحديث أم سلمة أخرجه مسلم أيضًا
(6)
، وحديث أنس من أفراده.
وقد سلف فقه الباب في باب: هل يقال رمضان
(7)
؟ واضحًا.
وحديث أبي هريرة ساقه البخاري عن آدم، ثَنَا شعبة، ثَنَا محمد بن زياد، سمعت أبا هريرة، فذكره.
قَالَ الإسماعيلي: رواه هكذا، وفيه: "فإن غم عليكم فأكملوا عدة
(1)
أبو داود (2334) كتاب: الصوم، باب: كراهية صوم يوم الشك، الترمذي (686) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في كراهية صوم يوم الشك، النسائي 4/ 153، ابن ماجه (1645) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في صيام يوم الشك، ابن خزيمة 3/ 204 - 205 (1914)، ابن حبان 8/ 351 (3585) كتاب: الصوم، صوم يوم الشك، الدارقطني 2/ 157، الحاكم في "المستدرك" 1/ 423 - 424.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2022)، و"الإرواء"(961).
(2)
"المحلى" 7/ 23.
(3)
مسلم (1080) كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر ..
(4)
برقم (1900).
(5)
مسلم (1081) كتاب: الصيام، باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال.
(6)
مسلم (1085) كتاب: الصيام، باب: الشهر يكون تسعا وعشرين.
(7)
راجع شرح أحاديث (1898 - 1900).
شعبان ثلاثين" وقد رويناه عن عندر وابن مهدي وعدد جماعات، كلهم عن شعبة، لم يذكر أحد منهم "فأكملوا عدة شعبان ثلاثين".
وهذا يجوز أن يكون آدم رواه عَلَى التفسير من عنده للخبر وإلا فليس لانفراد أبي عبد الله عنه بهذا من بين من رواه عنه، ومن بين سائر من ذكرنا ممن روى عن شعبة وجه، وإن كان المعنى صحيحًا.
ورواه المقرئ، عن ورقاء، عن شعبة عَلَى ما ذكرناه أيضًا، ويحيى بن عبد الله بن صيفي ثقة
(1)
.
ومعنى: خنس الإبهام: قبض، والانخناس: الانقباض، وقد يكون الخنوس لازمًا.
وقوله: ("الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ") أي ربما كان كذلك و"غبي" بالباء وروي بالميم من الإغماء، وهو: الإخفاء، وقد سلف "ويومًا" أراد به: مع ليلته.
وفيه: دلالة لقول ابن عبد الحكم أنه إذا حلف لا يكلم إنسانًا شهرًا أنه يبر بتسعة وعشرين يومًا.
وعند مالك: لا يبر إلا بثلاثين. والمشرُبة بضم الراء وفتحها: الغرفة، وقيل: الخزانة والجمع: مشارب، ولعل يمينه كانت في أول النهار إن كان الصحيح قوله: غدا، أو في نصفه إن كان الصحيح: أو راح، قاله ابن التين.
قَالَ الترمذي: والعمل عَلَى حديث عمار عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، وبه يقول الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي
(1)
هو يحيى بن عبد الله بن محمد بن صيفي القرشي المخزومي المكي، مولى بني مخزوم، وثقه ابن معين والنسائي. انظر ترجمته في:"الجرح والتعديل" 9/ 162 (670)، "تهذيب الكمال" 31/ 416 (6866).
وأحمد وإسحاق، وكرهوا أن يصام اليوم الذي يشك فيه، ورأى أكثرهم أن صيامه مكان يوم من شهر رمضان أن يقضي يومًا مكانه
(1)
.
واحتج القاضي في "شرح الرسالة" عَلَى أبي حنيفة في تجويزه صوم يوم الشك عَلَى أنه لرمضان بحديث ابن عمر، وفيه:"لا تصوموا حَتَّى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". فنهى عن صومه إلا بأحد هذين الشرطين، فمتى لم يوجدا أو أحدهما فيجب أن لا يجزئه، وقد أسلفنا أن كافة الفقهاء ذهب إلى معنى "فَاقْدُرُوا لَهُ" مجمل يفسره قوله صلى الله عليه وسلم:"فأكملوا العدة ثلاثين يومًا"، وكذلك جعل مالك في "الموطأ":"فأكملوا العدة ثلاثين يومًا" بعد قوله: "فَاقْدُرُوا لَهُ"
(2)
كما صنع
البخاري؛ لأنه مفسر ومبين لمعنى قوله: "فَاقْدُرُوا لَهُ".
وحكى ابن سيرين أن بعض التابعين كان يذهب في معناه إلى اعتباره بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب
(3)
، وقد سلف.
والحديث نص أنه لم يرد اعتبار ذَلِكَ بالنجوم والمنازل؛ لأنه لو كلف ذَلِكَ أمته لشق عليهم؛ لأنه لا يعرف النجوم والمنازل إلا قليل من الناس، ولم يجعل الله تعالى في الدين من حرج، وإنما أحال عَلَى إكمال الثلاثين يومًا وهو شيء يستوي في معرفته الكل. وقد انضاف إلى أمره باعتبار ثلاثين عند عدم الرؤية بفعله في نفسه، فعن عائشة: كان صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من سائر المشهور، فإذا رآه صام، وإن غم عدَّ شعبان ثلاثين وصام. ولو كان ها هنا علم آخر لكان يفعله أو يأمر به
(4)
.
(1)
"سنن الترمذي" عقب حديث (686).
(2)
"الموطأ" ص 192.
(3)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 14/ 350.
(4)
تقدم تخريجه باستيفاء.
وجمهور الفقهاء عَلَى أن لا يصام رمضان إلا بيقين من خروج شعبان، إما بالرؤية وإما بإكمال شعبان ثلاثين، وكذلك لا يقضى بخروج رمضان إلا بيقين مثله؛ لأنه ممكن في الشهر أن يكون ناقصًا، فالرؤية تصحح ذَلِكَ وتوجب اليقين، وإلا فإكمال العدد ثلاثين يقينًا، هذا معنى قوله:"فَاقْدُرُوا لَهُ" عند العلماء. ولابن عمر فيه تأويل شاذ لم يتابع عليه كما سيأتي في باب: صيام يوم الشك.
وأما حديث: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ" له، فإن معناه -كما قَالَ الطبري: الشهر الذي نحن فيه أو الذي قد علمتم إخباري عنه؛ لأن الألف واللام إنما تدخلها العرب في الأسماء، إما لمعهود قد عرفه المُخبِر والمخبَر، وإما للجنس العام من الشهر، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد في ذَلِكَ الخبر عن الجنس العام؛ لأنه لو كان كذلك لم يقل:"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته". فأحال عَلَى الرؤية، ونحن نرى الشهر يكون مرة ثلاثين ومرة تسعًا وعشرين، فعلم أن قوله:"الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ" أن ذَلِكَ قد يكون في بعض الأحوال. وقد روى البخاري بعده عن ابن عمر مرفوعًا: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر (كذا وكذا)
(1)
"
(2)
يعني: مرة ناقصًا ومرة كاملًا. وروي عن عروة، عن عائشة أنها أنكرت قول من قَالَ أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ": لا والله ما قَالَ كذلك، إنما قَالَ حين هجرنا:"لأهجرنكم شهرً" وأقسم عَلَى ذَلِكَ، فجاءنا حين ذهب تسع وعشرون ليلة، فقلت: يا نبي الله، إنك أقسمت شهرًا. فقال:"إن الشهر كان تسعًا وعشرين ليلة"
(3)
.
(1)
ورد فوق الكلمتين: هكذا وهكذا.
(2)
سيأتي برقم (1913).
(3)
رواه مسلم (1083) كتاب: الصيام، باب: الشهر يكون تسعًا وعشرين، والنسائي 4/ 136 - 137، وأحمد 6/ 33.
12 - باب شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ
قَالَ إِسْحَاقُ
(1)
: وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَهْوَ تَمَامٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجْتَمِعَانِ كِلَاهُمَا نَاقِصٌ.
1912 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"شَهْرَانِ لَا يَنْقُصَانِ، شَهْرَا عِيدٍ: رَمَضَانُ وَذُو الحَجَّةِ". [مسلم: 1089 - فتح: 4/ 124]
ثم ذكر حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"شهرًا عيد لا يَنْقُصَانِ، شَهْرَا عِيدٍ: رَمَضَانُ وَذُو الحَجَّةِ".
حديث أبي بكرة أخرجه مسلم أيضًا
(2)
. ونقل الداودي عن بعض العلماء أنه لم يروه أهل المدينة.
وإسحاق
(3)
هذا هو ابن سويد بن هُبَيْرة العدوي عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، روى له البخاري حديثًا واحدًا مقرونًا وهو المذكور بعد في حديث أبي بكرة، الراوي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، مات في الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة.
(1)
ورد بهامش (م): هو إسحاق بن راهويه، وفي هامش الأصل: ابن سويد، كذا في نسختي، وعليه ما رقمته عليه، والظاهر أنها للمستملي. اهـ
ووقع بين السطور رموز غير واضحة.
(2)
مسلم (1089) كتاب: الصيام، باب: معنى قوله عليه السلام شهرا عيد لا ينقصان.
(3)
ورد بهامش (م): "إسحاق أي الذي هو من رجال السند لا المذكور بعد الترجمة في بعض النسخ.
وعبد الرحمن بن أبي بكرة أول مولود ولد بالبصرة في الإسلام سنة أربع عشرة، ومات سنة ست وتسعين، ومات أبو بكرة نفيع بن مسروح سنة إحدى وخمسين بالبصرة. ولما خرَّج الترمذي حديث أبي بكرة حسنه، قَالَ: وقد روي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
مرسلًا
(1)
.
وسمي شهر رمضان شهر عيد، وإنما العيد في شوال؛ لأنه قد يرى هلال شوال بعد الزوال من آخر يوم من رمضان، أو أنه لما قرب العيد من الصوم أضافته العرب إليه بما قرب منه، ذكرهما الأثرم، واختلف في معناه عَلَى تأويلين:
أحدهما: لا ينقصان من سنة، أي غالبًا.
والثاني: لا ينقص ثوابهما بل ثواب الناقص كالكامل، وقد ذكرهما
البخاري أول الباب، أو المراد لا ينقص العمل في عشر ذي الحجة ولا رمضان، وفيه قوة، وبالأول قَالَ البزار: إن نقص أحدهما تم الآخر.
وقَالَ الطحاوي: روى عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، [عن أبيه]
(2)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: "كل شهر حرام ثلاثون" قَالَ: وليس بشيء لأن ابن إسحاق لا يقاوم خالد الحذاء، ولأن العيان يمنعه
(3)
.
(1)
الترمذي (692) باب: ما جاء في شهرًا عيد لا ينقصان.
(2)
زيادة من الطحاوي.
(3)
"شرح مشكل الآثار" 2/ 621 (1338 - تحفة) وحديث أبي بكرة رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 46 - 47 من طريق مروان بن معاوية، عن عبد الرحمن بن إسحاق القرشي، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه مرفوعًا، وقال: حديث لا يحتج بمثله؛ لأنه يدور على عبد الرحمن بن إسحاق، وهو ضعيف. =
وقال المهلب: روى زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب مرفوعًا: "شهرا عيد لا يكونان ثمانية وخمسين يومًا".
وبالثاني قَالَ الطحاوي والبيهقي
(1)
: والأحكام متكاملة فيهما لأن في الأول الصوم وفي الثاني الحج.
فإن قلت: موضع العبادة من ذي الحجة لا يتأثر بالنقص؛ لأن موضع العبادة منه في أوله خاصة. فجوابه أنه قد يكون في أيام الحج من النقصان والإغماء مثل ما يكون في آخر رمضان، وذلك أنه قد يغمى هلال ذي القعدة ويقع فيه غلط بزيادة يوم أو نقصانه، فإذا كان ذَلِكَ وقع وقوف الناس بعرفة في ثامن ذي الحجة ومرة عاشره.
وقد اختلف العلماء فيمن وقف بعرفة بخطأ شامل لجميع أهل الموقف في يوم قبل عرفة أو بعده، أيجزئ عنه؛ لأنهما لا ينقصان عند الله من أجر المتعبدين بالاجتهاد، كما لا ينقص أجر رمضان الناقص، والإجزاء هو قول عطاء والحسن وأبي حنيفة والشافعي،
= وأورده الذهبي في "ميزان الاعتدال" 3/ 262 في ترجمة عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الواسطي (4812) من طريق مروان بن معاوية، عن عبد الرحمن بن إسحاق. به. وقال الذهبي: عبد الرحمن ضعفوه، قال أحمد: ليس بشيء منكر الحديث، وقال يحيى بن معين: ضعيف، ومرة قال: متروك، وقال البخاري: فيه نظر. اهـ.
وأورد متنه الهيثمي في "المجمع" 3/ 147 وعزاه للطبراني في "الكبير" وقال: رجاله رجال الصحيح اهـ.، ولم أقف عليه في "الكبير" فلعله في الجزء المفقود من المعجم، وقول الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، فيه نظر، إن كان طريق الطبراني هو نفس الطريق السابق الذي فيه عبد الرحمن بن إسحاق، وقد أجمعوا على ضعفه، إلا أنه قد يكون طريق الطبراني غير هذا الطريق والله أعلم.
(1)
انظر: "شرح معاني الآثار" 2/ 58 - 59، و "سنن البيهقي" 4/ 250 - 251.
واحتج أصحاب الشافعي عَلَى جواز ذَلِكَ بصيام من التْبَسَتْ عليه المشهور أنه جائز أن يقع صيامه قبل رمضان وبعده، قالوا: كما يجزئ حج
(1)
من وقف بعرفة قبل يوم عرفة أو بعده.
وقال ابن القاسم: إن أخطئوا ووقفوا العاشر أجزأهم، وإن قدَّموا الوقوف يوم التروية أعادوا الوقوف من الغد ولم يجزئهم
(2)
. وهذا يخرج عَلَى أصل مالك فيمن التَبَسَتْ عليه المشهور فصام شهرًا ثم تبين أنه أوقعه بعد رمضان، أنه يجزئه دون ما إذا أوقعه قبله، كمن اجتهد وصلى قبل الوقت أنه لا يجزئه، وقال بعض العلماء أنه لا يقع وقوف الثامن أصلًا؛ لأنه إن كان برؤية وقفوا التاسع، وإن كان بإغماء فالعاشر.
(1)
ورد بهامش / 131 ب/ ما نصه: ولا يخفي أن محل ذلك إذا لم يقع تقصير في طلب ثبوت الهلال.
(2)
انظر: "المنتقى" 3/ 8.
13 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ
"
1913 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا". يَعْنِي: مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ. [انظر: 1900 - مسلم: 1080 (15) - فتح: 4/ 126]
ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ قال: قال النَّبِيِّ: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا". يَعْنِي: مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلَاثينَ.
هذا الحديث أخرجه مسلم بلفظ: "نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا" -وعقد الإبهام في الثالثة- والشهر هكذا وهكذا وهكذا" يعني تمام ثلاثين
(1)
.
وانفرد بإخراجه من حديث سعد بن أبي وقاص
(2)
.
وقال أبو حاتم: مرسل عن محمد بن سعد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
، ولأبي داود عن ابن مسعود: ما صمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين
(4)
.
(1)
مسلم (1080/ 15).
(2)
مسلم (1086) باب: الشهر يكون تسعًا وعشرين.
(3)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 255 (754).
(4)
أبو داود (2322) باب الشهر يكون تسعًا وعشرين يومًا، ورواه الترمذي (689) باب ما جاء أن الشهر يكون تسعًا وعشرين، وأحمد 1/ 397، 441، وابن خزيمة 3/ 208 (1922) من طريق عيسى بن دينار، عن أبيه، عن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار عن ابن مسعود .. قوله. قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 3/ 302: حديث حسن، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2011).
وعن عائشة مثله عند الدارقطني: إسناد حسن صحيح
(1)
، ولابن ماجه مثله من حديث أبي هريرة
(2)
.
قَالَ أبو حاتم الرازي: وحديث ابن عباس رفعه: "الشهر تسع وعشرون وثلاثون" خطأ، والصحيح: عن عكرمة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا رواه الحفاظ، فقيل له: فقد روي عن سماك، عن عبد الله بن شداد، عن عائشة أيضًا، فقال أبو زرعة: يخطئ من يقول ذلك
(3)
.
وخطَّأ أبو حاتم رواية من روى عنها مرفوعًا: "إِنَّا أمّةٌ أُمِّيَّةٌ"
(4)
.
إذا تقرر ذَلِك؛ فمعنى قوله: "إنا أمة" أي: جماعة قريش، مثل
(1)
"سنن الدارقطني" 2/ 198، ورواه أحمد 6/ 81، 90، والطبراني في "الأوسط" 5/ 257 (5249)، والبيهقي 4/ 250 كتاب: الصيام، باب: الشهر يخرج تسعًا وعشرين فيكمل صيامهم. من طريق إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة. به.
وصححه الدارقطني كما ذكر المصنف، وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث، عن عائشة إلا بهذا الإسناد، تفرد به: إسحاق بن سعيد ا. هـ، وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 147 رواه أحمد والطبراني في "الأوسط"، ورجال أحمد رجال الصحيح، وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 123: إسناده جيد، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 7/ 90، وسنده صحيح على شرطهما.
(2)
ابن ماجه (1658) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الشهر تسع وعشرون، ورواه الترمذي في "العلل الكبير" 1/ 332، والطبراني في "الأوسط" 6/ 307 (6486)، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" 1/ 320 من طريق القاسم بن مالك المزني، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي هريرة. به.
وانظر: "مصباح الزجاجة" 2/ 63. وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه" (1345): حسن صحيح.
(3)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 233 (680).
(4)
السابق 1/ 239 (697).
قوله: {وَأُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [القصص: 23].
و"أُمِّيَّةٌ" أي: باقون عَلَى ما ولدت عليه الأمهات لا نكتب ولا نحسب، أو نسبة إلى الأم وصفتها؛ لأَن هذِه صفات النساء غالبًا.
وقال الرشاطي: يعني نسبوا إلى ما عليه أمة العرب، وكانوا لا يكتبون، وقيل له: أمي نسبة إلى أم القرى مكة، وجعله الله أميًا خشية أن يرتاب المبطلون، إنما يسمع وحيًا فيبلغه ولم يأخذ عن كتب
الأمم قبلنا، ولا بحساب نجوم.
وقال: "أمّةٌ أُمِّيَّةٌ" لم تأخذ عن كتب الأمم قبلها، إنما أخذته عما جاء به الوحي من الله.
ومعنى: "لَا نَحْسُبُ" وهو بضم السين أي: لم نكلف في تعريف
مواقيت صومنا ولا عبادتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتاب، إنما ربطت عبادتنا بأعلام واضحة وأمور ظاهرة، يستوي في معرفة ذَلِكَ الحساب وغيرهم، ثم تمم هذا المعنى بإشارته بيده ولم يلفظ بعبارة عنه نزولًا إليها بما يفهمه الخرس والعجم، وحصل من إشارته بيده أن الشهر يكون ثلاثين، ومن خنسِه إبهامه في الثالثة أنه يكون تسعًا وعشرين.
وعلى هذا أن من نذر أن يصوم شهرًا غير معين فله أن يصوم تسعًا وعشرين؛ لأن ذَلِكَ يقال له: شهر، كما أن من نذر صلاة أجزأه من ذَلِكَ ركعتان؛ لأنه أقل ما يصدق عليه الاسم، وكذا من نذر صومًا فصام يومًا أجزأه، وهو خلاف ما ذهب إليه مالك، فإنه قَالَ: لا يجزئه إذا صامه
بالأيام إلا ثلاثون يومًا، فإن صامه بالهلال فعلى الرؤية.
وفيه: أن يوم الشك من شعبان.
وقال المهلب: في الحديث بيان لقوله: "اقْدُرُوا لَهُ" أن معناه إكمال العدد ثلاثين يومًا كما تأول الفقهاء، ولا اعتبار في ذَلِكَ بالنجوم
والحساب، وهذا الحديث ناسخ لمراعاة النجوم بقوانين التعديل، وإنما المعول عَلَى الرؤية للأهلة التي جعلها الله مواقيت للناس في الصيام والحج والعدد والديون، وإنما لنا أن ننظر من علم الحساب ما يكون عيانًا أو كالعيان.
وأما ما غمض حَتَّى لا يدرك إلا بالظنون ويكشف الهيئات الغائبة عن الأبصار، فقد نهينا عنه وعن تكلفه، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث إلى الأميين الذين لا يقرءون الكتب ولا يحسبون بالقوانين الغائبة، وإنما يحسبون الموجودات عيانًا.
وفي الحديث مستند لمن رأى الحكم بالإشارة والإيماء لمن قَالَ: امرأته طالق وأشار بأصابعه الثلاث، فإنه يلزمه ثلاث تطليقات.
14 - باب لَا يَتَقَدَّمَنَّ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ
1914 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ". [مسلم: 1082 - فتح: 4/ 127]
ذكر حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وسلف فقهه في باب: هل يقال رمضان؟ وانفرد داود فقال: لا يصح صومه أصلًا ولو وافق عادة له، وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز أن يصام آخر يوم من شعبان تطوعًا إلا أن يوافق صومًا كان يصومه، وأخذ بظاهر هذا الحديث، روي ذَلِكَ عن عمر وعلي وحذيفة وابن مسعود
(2)
.
ومن التابعين سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي والحسن وابن سيرين
(3)
.
(1)
مسلم (1082) كتاب: الصيام، باب: لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين.
(2)
رواه عن عمر: ابن أبي شيبة 2/ 286 (9030) كتاب: الصيام، من كره أن يتقدم شهر رمضان بصوم، 2/ 322 (9489)، 2/ 324 (9507). والبيهقي 4/ 209 كتاب: الصيام، باب: النهي عن استقبال شهر رمضان بصوم، وعن علي: ابن أبي شيبة 2/ 286 (9029)، 2/ 322 (9489)، والبيهقي 4/ 210. وعن حذيفة: ابن أبي شيبة 2/ 323 (9493، 9490)، والبيهقي 4/ 210.
(3)
رواه عن الشعبي: ابن أبي شيبة 2/ 323 - 324 (9495 - 9496، 9504 - 9505). وعن النخعي: ابن أبي شيبة 2/ 323 (9495، 9498، 9506) وعن =
وهو قول الشافعي
(1)
. وكان ابن عباس، وأبو هريرة يأمران بفصل بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو يومين، كما استحبوا أن يفصلوا بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو قيام أو تقدم أو تأخر
(2)
.
قَالَ عكرمة: من صام يوم الشك فقد عصى الله ورسوله
(3)
.
وأجازت طائفة صومه تطوعًا، روي عن عائشة وأختها أسماء أنهما كانتا تصومان يوم الشك، وقالت عائشة: لأن أصوم يومًا من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يومًا من رمضان
(4)
. وهو قول الليث والأوزاعي وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق
(5)
.
وحجة هذا القول أنا أنما نكره صوم يوم الشك قطعًا أن يكون من رمضان أو عَلَى وجه المراعاة خوفًا أن يكون من رمضان فيلحق بالفرض ما ليس من جنسه، فأما إذا أخلص النية للتطوع فلم يحصل فيه معنى الشك، إنما نيتة أنه من شعبان فهو كما يصومه عن نذر أو قضاء رمضان، وإنما النهي عن أن يصومه عَلَى أنه إن كان من رمضان فذاك وإلا فهو تطوع.
= الحسن: ابن أبي شيبة 2/ 286 (9031)، 2/ 323 (9500). وعن ابن سيرين: عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 162 (7329)، وابن أبي شيبة 2/ 286 (9031).
(1)
انظر: "البيان" 3/ 558.
(2)
رواه عن ابن عباس: عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 158 (7311 - 7312)، وابن أبي شيبة 2/ 285 (9022)، 2/ 286 (9033)، والبيهقي 4/ 208.
وعن أبي هريرة: عبد الرزاق 4/ 158 (7313)، وابن أبي شيبة 2/ 285 (9025).
(3)
رواه عبد الرزاق 4/ 160 (7319)، وابن أبي شيبة 2/ 324 (9503).
(4)
رواه عنهما البيهقي 4/ 211.
(5)
انظر: "المبسوط" 3/ 63، "المغني" 4/ 326.
واختلفوا إذا صامه عَلَى أنه من رمضان فقال مالك: سمعت أهل العلم ينهون عن أن يصام اليوم الذي يشك فيه من شعبان إذا نوى به رمضان، ويرون أن من صامه عَلَى غير رؤية ثم جاء المثبت أنه من رمضان عَلَى أن عليه قضاءه. قَالَ مالك: وعلى ذَلِكَ الأمر عندنا
(1)
.
وفيه قول آخر، ذكر ابن المنذر عن عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن أنه إذا نوى صومه من الليل عَلَى أنه من رمضان، ثم علم بالهلال أول النهار أو آخره أنه يجزئه، وهو قول الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه.
وذهب ابن عمر إلى أنه يجوز صيامه إذا حَالَ دون الهلال ليلة ثلاثين من شعبان غير سحاب
(2)
.
ويجزئهم من رمضان وإن ثبت بعد ذَلِكَ أن شعبان تسع وعشرون، وهو قول أحمد بن حنبل، وهو قول شاذ، وهذا صوم يوم الشك، وهو خلاف للحديث. وقول أهل المدينة أولى؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يتقدم صوم رمضان؛ ولقول عكرمة وعمار: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم
(3)
.
(1)
انظر: "المدونة" 1/ 182.
(2)
رواه عبد الرزاق 4/ 161 (7323).
(3)
حديث عكرمة تقدم تخريجه قريبًا جدًا، وحديث عمار تقدم أيضا تخريجه باستيفاء، وسلف معلقًا قبل حديث (1906) وصححه جمع من الأئمة، فراجعه.
15 - باب قَوْلِ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إلى قوله: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ} [البقرة: 187]
1915 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإِفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ. وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ. فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ}. [4508 - فتح: 4/ 129]
ذكر فيه حديث البَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإِفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الأَنْصَارِيَّ
…
الحديث إلى قوله: فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} .
هذا الحديث من أفراده، لم يخرجه مسلم إلا نزول الآية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ} إلى قوله {إِلَى اَلَّيلِ} [البقرة: 187]، وتابع البخاري عَلَى قيس بن صرمة: الترمذي وابن خزيمة والدارمي وجماعات
(1)
.
(1)
الترمذي (2968) كتاب: التفسير، باب: ومن سورة البقرة، أحمد 4/ 295، =
وقال أبو نعيم في "الصحابة": صرمة بن أنس -وقيل: ابن قيس- الخطمي الأنصاري الشاعر نزلت فيه {وَكُلُواْ وَاَشْرَبُواْ} [البقرة: 187] الآية ثم ساق من حديث صرمة بن أنس: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عشية من العشيان وقد جهده الصوم فقال له: "مالك يا قيس، أمسيت طليحًا .. " الحديث
(1)
، وكذا ذكره أبو داود في "سننه"
(2)
ومقاتل في "تفسيره".
وقال ابن عبد البر: صرمة بن أبي أنس -قيس- بن مالك البخاري، أبو قيس. وقال بعضهم: صرمة بن مالك نسبه إلى جده، وهو الذي نزل فيه وفي عمر {أُحِلَّ لَكُم ليلَةَ اَلصِيَام} [البقرة: 187]
(3)
كذا هو في "أسباب النزول" للواحدي
(4)
.
وقال الداودي: ما ذكره البخاري من كونه قيس بن صرمة أخشى أنه ليس بمحفوظ، إنما هو صرمة بن قيس، وبخط الدمياطي قيل: نزلت في ابنه قيس، والأشبه: صرمة، ترهب في الجاهلية ثم أسلم وشهد أحدًا.
وفي كتاب ابن الأثير من حديث أبي هريرة: ضمرة بن أنس
(5)
، ولعله تصحيف.
= الدارمي 2/ 1053 - 1054 (1735) كتاب: الصيام، باب: متى يمسك المتسحر عن الطعام والشراب، ابن خزيمة 3/ 200 - 201 (1904) كتاب: الصوم، باب: ما كان الصائم عنه .. وابن حبان 8/ 240 (3460) كتاب: الصوم، باب: السحور، البيهقي 4/ 201.
(1)
"معرفة الصحابة" لأبي نعيم الأصبهاني 3/ 1524 ترجمة (1484) حديث (3864)، والحديث رواه أيضًا الطبري في "تفسيره" 2/ 172 - 173 (2957).
(2)
أبو داود (2314) كتاب: الصيام، باب: مبدأ فرض الصيام.
(3)
"الاستيعاب في أسماء الأصحاب" 2/ 290 (1244).
(4)
"أسباب النزول" 1/ 53 - 54 (91 - 92).
(5)
"أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير 3/ 58 (2570).
وقال السهيلي: حديث صرمة بن أبي أنس -قيس بن صرمة- الذي أنزل الله فيه وفي عمر {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} [البقرة: 187] إلى قوله: {وَعَفَا عَنْكُمْ} [البقرة: 187] فهذِه في عمر، ثم قال:
{وَكُلُواْ وَاَشرَبُواْ} إلى آخر الآية.
فهذِه في صرمة بن أنس، بدأ الله بقصة عمر لفضله، ثم بقصة صرمة
(1)
.
إذا تقرر ذَلِكَ:
فالرفث
(2)
كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من النساء، قاله الزجاج
(3)
.
وقوله: {هُنَّ لِبَاس لَّكُم} أي: سكن، أو من الملابسة وهو الاختلاط والاجتماع، والعرب تسمي المرأة لباسًا.
{تَختَانُونَ} من الخيانة أي: تخونون أنفسكم بارتكابكم ما حرم عليكم. والمباشرة: الجماع من البشرة {وَابْتَغُوا مَاكَتَبَ اللهُ لَكُم} الولد أو الجماع. وقال ابن عباس: ليلة القدر
(4)
، وهو غريب.
وقولها: (فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ). هي من خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب.
(1)
"الروض الأنف" 2/ 287.
(2)
ورد بهامش (م) / 134 أ/ ما نصه: الرفث بسكون الفاء مصدر رفث يرفث من باب قصد وضرب وكذب: فحش الكلام، وبالفتح الاسم رفث اسم لما يريد الرجال من النساء والحكمة، وضد الصواب رقد أي: دنا.
(3)
انظر: "معالم التنزيل" 1/ 206.
(4)
رواه الطبري 2/ 176 (2985 - 2986)، وابن أبي حاتم 1/ 317 (1683)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 359 لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وذكر إسماعيل بن إسحاق عن زيد بن أسلم وإبراهيم التيمي قالا: كان المسلمون في أول الإسلام يفعلون كما يفعل أهل الكتاب إذا نام أحدهم لم يطعم حَتَّى تكون القابلة، فنسخ الله ذَلِكَ. وقال مجاهد: كان رجال من المسلمين يختانون أنفسهم في ذَلِكَ فعفا الله عنهم، وأحل لهم الأكل والشرب والجماع بعد الرقاد وقبله في الليل كله
(1)
.
(1)
رواه الطبري 2/ 172 (2753)، وعزاه في "الدر المنثور" 1/ 358 لعبد بن حميد والطبري.
16 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]
فِيهِ البَرَاءُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
1916 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ، فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي، فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ:"إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ". [4509، 4510 - مسلم: 1090 - فتح: 4/ 132].
1917 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ح. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} وَلَمْ يَنْزِلْ مِنَ الفَجْرِ، فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللهُ بَعْدُ:{مِنَ الفَجْرِ} فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. [4511 - مسلم: 1901 - فتح: 4/ 132]
ثم ذكر حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ} .. الحديث.
وحديث سهل بن سعد من طريقين: عنه لما أُنْزِلَتْ: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} .
حديث البراء سلف في الباب قبله
(1)
.
وحديث عدي وسهل أخرجهما مسلم أيضًا
(2)
، وخرج حديث عدي في التفسير أيضًا، وقال:"إن وسادك إذًا لعريض"
(3)
وقال في رواية: "إنك لعريض القفا"
(4)
وفي سند حديث عدي، حُصين بن عبد الرحمن بضم الحاء، كذا حيث وقع بلا كنية، فإن كني به فهو بفتح أوله.
والعقال فيه، الحبل.
وقال الداودي في حديث سهل بن سعد: أحسب أنه غير المحفوظ، وإنما المحفوظ حديث عدي؛ لأن البيان لا يؤخر عن وقت الحاجة، وإن كان محفوظًا فإنما كان هو الذي فرض عليهم ثم نسخ بالفجر.
والخيط: اللون عند أهل اللغة، وبيانه في حديث عدي: سواد الليل وبياض النهار، فخيط الفجر بياض الصبح أول ما يبدو يمتد كالخيط ثم ينتشر.
وروي عن حذيفة أنه لما طلع الفجر تسحر ثم صلى
(5)
، وروي معناه عن ابن مسعود
(6)
.
(1)
برقم (1915).
(2)
مسلم (1090 - 1091) كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر.
(3)
سيأتي برقم (4509).
(4)
سيأتي برقم (4510).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 277 (8935) كتاب: الصيام، من كان يستحب تأخير السحور.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 277 (8931).
وقال مسروق: لم يكونوا يعدون الفجر فجر كم، إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ الطرق والبيوت
(1)
.
وقال أبو عبيد: الخيط الأبيض: هو الصبح المصدق، والأسود: هو الليل، والخيط: هو النور.
واختلف العلماء في الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب عَلَى من يريد الصوم كما فرضه ابن المنذر، فقال الأربعة وأبو ثور: إنه يحرم عند اعتراض الفجر الآخر في الأفق وهو المنتشر ضوءه معترضًا به.
وروي معناه عن عمر وابن عباس، وهو قول عطاء وعوام علماء الأمصار
(2)
.
وفيه: قول ثان رويناه عن أبي بكر الصديق وعلي وحذيفة وابن مسعود وغيرهم، فروينا عن سالم بن عبيد الله أن أبا بكر الصديق نظر إلى الفجر مرتين ثم تسحر في الثالثة، ثم قام فصلى ركعتين، ثم أقام بلال الصلاة
(3)
.
وعن علي أنه قَالَ حين صلى الفجر: الآن حين تبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
(4)
.
(1)
تقدم.
(2)
انظر: "المبسوط" 3/ 54، "أحكام القرآن" 1/ 92، "البيان" 3/ 497، "المغني" 4/ 325.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 277 (8929) كتاب: الصيام، من كان يستحب تأخير السحور، والطبري 2/ 180 (3012).
(4)
رواه الطبري 2/ 180 (3009)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 361 للفريابي وعبد بن حميد والطبري.
وروينا عن حذيفة أنه لما طلع الفجر تسحر ثم صلى
(1)
.
وروينا عن ابن مسعود مثله
(2)
زاد الطحاوي قَالَ زر: تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد فمررت بمنزل حذيفة، فدخلت عليه فأمرني بلقحة، فحلبت، ثم قَالَ: ادن فكل. فقلت إني أريد الصيام. فقال: وأنا أريد الصيام. فأكلنا وشربنا، ثم أتينا المسجد فأقمت الصلاة، فلما صلى حذيفة قَالَ: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: أبعد الصبح؟ قَالَ: نعم هو الصبح، غير أن الشمسَ لم تطلع
(3)
.
قَالَ النسائي: لا نعلم أحدًا رفعه غير عاصم. ورواه من طريق شعبة عن عدي بن ثابت عن زر، ومن طريق إبراهيم، عن صلة، ولم يرفعاه، قَالَ: فإن كان رفعه صحيحًا فمعناه أنه قرب النهار كقوله تعالى: {فَإذَا بَلَغنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] أي: قاربن قربنا
(4)
المنازل إذا قارب، وروى حماد عن أبي هريرة أنه سمع النداء والإناء عَلَى يده فقال: أحرزتها ورب الكعبة
(5)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 277 - 278 (8935، 8937، 8939)، والطبري 2/ 179 (3006 - 3008).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 277 (8931)، والطبري 2/ 180 (3011).
(3)
رواه أحمد 5/ 396، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 52 كتاب: الصيام، باب: الوقت الذي يحرم فيه الطعام على الصيام، وفي "شرح مشكل الآثار" 2/ 623 - 624 (1341)(تحفة). من طريق حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، به.
(4)
بياض في (م) بمقدار كلمة.
(5)
ذكره ابن حزم في "المحلى" 6/ 233. من طريق حماد بن سلمة، ثنا حميد، عن أبي رافع أو غيره عن أبي هريرة، به، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 7/ 117 - 118: إسناد صحيح موقوف.
وقال هشام: كان عروة يأمرنا بهذا، يعني: إذا سمع النداء والإناء عَلَى يده، فلا يضعه حَتَّى يقضي حاجته منه. ورواه الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا
(1)
.
قلت: هو في "سنن أبي داود" عن أبي هريرة مسندًا، وأخرجه الحاكم في "مستدركه" ثم قَالَ: صحيح عَلَى شرط مسلم، ولم يخرجاه
(2)
.
(1)
رواه أحمد 2/ 423، وعبد الرزاق في "المصنف" 4/ 172 - 173 (7369).
(2)
أبو داود (2350) كتاب: الصوم، باب: في الرجل يسمع النداء والإناء على يده، "المستدرك" 1/ 203، كتاب الصلاة، 1/ 426 كتاب: الصوم 2/ 423، 2/ 510، ورواه أيضًا الطبري 2/ 181 (3023)، والدارقطني 2/ 165، والبيهقي 4/ 218 من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعًا، به.
ورواه أحمد 2/ 510، والحاكم 1/ 203، 205، والطبري 181/ 2 (3024)، والبيهقي 4/ 218 من طريق حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة، مرفوعًا به. وزاد فيه: وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر.
والحديث صححه الحاكم على شرط مسلم -كما ذكر المصنف- وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عن حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سمع أحدكم .. " الحديث، وحديث حماد، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقال أبي: هذان الحديثان ليسا بصحيحين، أما حديث عمار فعن أبي هريرة موقوف، وعمار ثقة، والحديث الآخر ليس بصحيح ا. هـ "علل ابن أبي حاتم" 1/ 123 - 124 (340)، 1/ 256 - 257 (759) بتصرف يسير.
وصححه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطي" 2/ 212 فأورده وسكت، وسكوته عنه تصحيح له كما نص هو على ذلك في مقدمته للكتاب 1/ 66 فقال:"وإن لم تكن فيه عله كان سكوتي عنه دليلًا على صحته. ا. هـ وهذِه الفائدة من "صحيح أبي داود" 7/ 115.
وتعقب ابن القطان عبد الحق الإشبيلي فقال: سكت عنه عبد الحق، وهو حديث =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مشكوك في رفعه في الموضع الذي نقله منه -قلت: يقصد "سنن أبي داود"- قال أبو داود: حدثنا عبد الأعلى بن حماد، أظنه، عن حماد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، به. هكذا في رواية ابن الأعرابي عن أبي داود (أظنه) عن حماد وهي متسعة للتشكك في رفعه واتصاله، وإن كان غيره لم يذكر ذلك عن أبي داود فهو بذكره إياه قد قدح في الخبر الشك، ولا يدرؤه إسقاط من أسقطه، فإنه إما أن يكون شك بعد اليقين، فذلك قادح، أو تيقن الشك، فلا يكون قادحًا، ولم يتعين هذا الأخير، فبقي مشكوكًا فيه ا. هـ "بيان الوهم والإيهام" 2/ 282 (277).
وكلام ابن القطان هذا ذكره عنه ابن القيم، وسكت عليه، فكأنما أقره على قوله، "مختصر سنن أبي داود" 3/ 233.
وهذا الحديث أورده الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة" 16/ 119 - 120 (20479) وعزاه للدارقطني والحاكم وأحمد وقال: قال الدارقطني: رجاله كلهم ثقات ا. هـ.
قلت: قول الدارقطني هذا غير موجود في "سننه" التي فيها الحديث فلعله في مصدر آخر، والله أعلم.
والحديث صححه الشيخ أحمد شاكر، وتعقب ابن القطان قائلًا: لست أدري من أين جاء ابن القطان بهذا، والذي في "سنن أبي داود": حدثنا عبد الأعلى حدثنا حماد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. فهذا إسناد متصل بالسماع صحيح، ثم قد رواه أحمد: حدثنا غسان حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو به، وغسان: هو ابن الربيع، وهو ثقة، ثم رواه أيضًا: حدثنا روح، حدثنا حماد عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة. مثله. فهذِه أسانيد ثلاثة متصلة صحيحة ا. هـ "مختصر سنن أبي داود" 3/ 233.
وصححه الألباني في "الصحيحة"(1394) و"صحيح أبي داود"(2035) وفيه ردٌّ بديع رائع على ابن القطان، فليراجع.
وقال فيه أيضًا متعقبًا أبا حاتم في تضعيفه للحديث: إني أرى أن الصواب لم يكن حليف أبي حاتم حين ضعف الحديثين من طريقي محمد بن عمرو، وعمار بن أبي عمار، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة! ومن الغريب، أنه لم يذكر الحجة في جزمه بأن حديث عمار الثقة موقوف! وقد رواه حماد الثقة عنه مرفوعًا، والمفروض أن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= يذكر المخالف له في ذلك، ثم كيف يجزم بعدم صحة الحديث، وله المخالف له في ذلك، ثم كيف يجزم بعدم صحة الحديث، وله شواهد موصولة أخرى يقطع الواقف عليها بأن الحديث صحيح بلا ريب؟! ا. هـ "صحيح أبي داود" 7/ 118.
قلت: هذِه الشواهد التي أشار إليها الشيخ هي من حديث جابر وبلال وأبي أمامة وأنس بن مالك وابن عمر.
حديث جابر رواه: أحمد 3/ 348 من طريق ابن لهيعة، عن أبي الزبير قال: سألت جابرًا عن الرجل يريد الصيام، والإناء على يده ليشرب منه فيسمع النداء، قال جابر: كنا نحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليشرب".
قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 153: إسناده حسن؛ وقال الألباني في "الصحيحة" 3/ 383: هذا إسناد لا بأس به في الشواهد، وتابعه الوليد بن مسلم: نا ابن لهيعة به، أخرجه أبو الحسين الكلابي في "نسخة أبي العباس طاهر بن محمد" ورجاله ثقات رجال مسلم، غير ابن لهيعة فإنه سيء الحفظ. ا. هـ وحديث جابر هذا ذكره المصنف رحمه الله بعد حديث أبي هريرة.
وحديث بلال رواه: أحمد 6/ 12، 13، والطبري 2/ 181 (3026)، والشاشي 2/ 368 - 369 (972 - 975)، والطبراني 1/ 355 - 356 (1083) عن بلال قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أوذنه بالصلاة وهو يريد الصوم، فدعا بإناء فشرب، ثم ناولني
فشربت ثم خرج إلى الصلاة.
قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 152: رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح، وصححه الألباني في "الصحيحة" 3/ 383.
وحديث أبي أمامة رواه: الطبري 2/ 181 (3025) من طريق أبي غالب عن أبي أمامة قال: أقيمت الصلاة والإناء في يد عمر، قال: أشربها يا رسول الله؟ قال: "نعم"، فشربها.
قال الألباني في "الصحيحة" 3/ 382: إسناده حسن.
وحديث أنس رواه البزار كما في "كشف الأستار"(983) من طريق مطيع بن راشد عن توبة العنبري أنه سمع أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر من في المسجد فادعه، فدخلت -يعني المسجد- فإذا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فدعوتهما .. الحديث، قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 152؛ والحافظ في "مختصر =
وعن جابر مثله، أخرجه القاضي يوسف بن حماد بن زيد في كتاب "الصيام"
(1)
.
وقال بعض أهل العلم فيما حكاه الحازمي
(2)
: إن حديث حذيفة كان في أول الأمر ثم نسخ بدليل حديثي الباب، وتأول بعضهم قوله في حديث عدي:"إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ" قال بياض النهار أن ينتشر في الطرق والسكك والبيوت وقت صلاة المسفرين بصلاة الصبح. وذكر إسحاق بن راهويه عن وكيع أنه سمع الأعمش يقول: لولا الشهرة لصليت الغداة ثم تسحرت.
وقال إسحاق بعد أن ذكر ما ذكرناه عن أبي بكر وعلي وحذيفة: هؤلاء لم يروا فرقًا بين الأكل وبين الصلاة المكتوبة، رأوا أن يصلي المكتوبة بعد طلوع الفجر المعترض مباحًا، ورأوا الأكل بعد طلوع الفجر المعترض مباحًا حَتَّى يتبين بياض النهار من سواد الليل. ومال إسحاق إلى القول الأول، ثم قَالَ من غير أن يطعن في هؤلاء الذين تأولوا الرخصة في الوقت: فمن أكل في ذَلِكَ الوقت فلا قضاء عليه ولا كفارة إذا كان متأولًا.
= زوائد البزار" (695): إسناده حسن.
وحديث ابن عمر رواه: الطيالسي 3/ 414 (2010)، وعبد بن حميد 2/ 52 - 53 (850)، وابن عدي في "الكامل" 7/ 161 في ترجمة قيس بن الربيع (1586) من طريق قيس بن الربيع، عن زهير بن أبي ثابت عن تميم بن عياض، عن ابن عمر قال: كان علقمة بن علاثة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رويدًا يا بلال يتسحر علقمة. قال: وهو يتسحر برأس. وانظر: "الصحيحة"(1394).
(1)
تقدم تخريجه في شواهد حديث أبي هريرة السابق له.
(2)
"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" للحازمي ص: 112.
وقال الطحاوي، ولم يذكر حديث أبي بكر ولا علي، ولا فعل أبي هريرة وابن مسعود: حديث حذيفة يدل عَلَى أن وقت الصيام طلوع الشمس، وأن ما قبل طلوع الشمس في حكم الليل
(1)
.
وهذا يحتمل عندنا أن يكون بعدما أنزل الله {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} قبل أن ينزل {مِنَ الفَجْرِ} عَلَى ما في حديث سهل، وذهب علم ذَلِكَ عن حذيفة وعلمه غيره، فعمل حذيفة بما علم ولم يعلم الناسخ فصار إليه، ومن علم شيئًا أولى ممن لم يعلم.
وقال ابن قدامة: {الخَيْطُ الأَبْيَضُ} هو: الصباح، وأن السحور
لا يكون إلا قبل الفجر، قَالَ: وذلك إجماع لم يخالف فيه إلا الأعمش وحده، وقد شذَّ، ولم يعرج أحد عَلَى قوله، قال والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى الغروب، هذا قول جماعة المسلمين
(2)
.
وقال الطبري: الصوم إنما هو في النهار، والنهار عندهم من طلوع الشمس وآخره غروبها
(3)
، هذا ليس بصحيح منه كما نبه عليه القرطبي
(4)
؛ لأن الله تعالى أمر بصوم ما يقال عليه يوم لا ما يقال عليه نهار، وكأنه لم يسمع قوله تعالى:{أَيَّامًا مَّعدُوَدَاتٍ} [البقرة: 184].
واحتج أصحاب مالك للقول الأول فقالوا: الصائم يلزمه اعتراف طرفي النهار، وذلك لا يكون إلا بتقديم شيء وإن قلَّ من السحر، وأخذ شيء من الليل؛ لأن عليه أن يدخل في إمساك أول جزء من اليوم بيقين، كما عليه أن يدخل في أول رمضان بيقين، والأكل مناف
(1)
"شرح معاني الآثار" 2/ 52.
(2)
"المغني" 4/ 325.
(3)
"تفسير الطبري" 2/ 180 - 181.
(4)
"تفسير القرطبي" 2/ 319.
لأول جزء من الإمساك، فينبغي له أن يقدم الإمساك ليتحقق له أنه حصل في طلوع الفجر ممسكًا، ومن أكل حين يتبين له الفجر ويعلمه فقد جعل أكلًا في أول الصوم.
واختلفوا فيمن أكل وهو شاك في طلوع الفجر، فقالت طائفة: الأكل والشرب مباح حَتَّى يتيقن طلوع الفجر.
وروى سفيان عن أبان عن أنس عن الصديق قَالَ: إذا نظر الرجلان إلى الفجر فقال أحدهما: طلع. وقال الآخر: لم يطلع. فليأكل حَتَّى يتبين لهما
(1)
.
وعن ابن عباس قَالَ: أحل الله الأكل والشرب ما شككت
(2)
.
وروى وكيع عن عمارة بن زاذان عن مكحول قَالَ: رأيت ابن عمر أخذ دلوًا من زمزم ثم قَالَ لرجلين: أطلع الفجر؟ فقال أحدهما: لا، وقال الآخر: نعم، فشرب
(3)
.
ومكحول هذا ليس بالشامي، وهو قول عطاء وأبي حنيفة والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبي ثور، كلهم قَالَ: لا قضاء عليه، وليس كمن يأكل وهو يشك في غروب الشمس إذ الأصل بقاء النهار، والأصل هناك بقاء الليل
(4)
.
وقال مالك: من أكل وهو شاك في الفجر فعليه القضاء
(5)
.
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 172 (7365) باب: الطعام والشراب مع الشك.
(2)
رواه عبد الرزاق 4/ 172 (7367)، وابن أبي شيبة 2/ 289 (9067).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 288 (9060).
(4)
انظر: "المبسوط" 3/ 77، "البيان" 3/ 500، "المغني" 4/ 390.
(5)
"المدونة" 1/ 173.
وقال ابن حبيب: هو عنده استحباب إلا أن يعلم أنه أكل بعد الفجر فيصير واجبًا، كمن أفطر وظن أنه قد أمسى ثم ظهرت الشمس
(1)
.
قلت: الخلاف محله إذا لم يبن الحال.
واحتج الأولون بما أسلفناه، وهو القياس، قَالَ تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الآية، وهو العلم به، وليس الشك علمًا به، ولكن الاحتياط أن لا يأكل في شك، والبناء عَلَى اليقين من قواعد الدين، والشك
مطرح، كما في الشك في الصلاة.
وقد وقع الاتفاق عَلَى أنه إذا أكل يوم الشك أنه لا قضاء عليه إذا لم يبن أنه من رمضان، ومسألتنا كذلك قد أكل في زمن يجوز أن يكون من الليل ومن النهار، فلم يلتفت إلى التحرير مع استصحاب حكم الليل، كما لم نوجب الإعادة في يوم الشك مع استصحاب حكم شعبان، وهذِه المسألة مبنية عَلَى ما إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث.
واحتج من أوجب القضاء بأن الطعام والشراب يحرم عند اعتراض الفجر الآخر وصوم رمضان عليه بيقين، فلا يسقط حكم الصوم إلا بيقين، ومن شك هل أكل قبل الفجر أو بعده؟ فليس بيقين دخوله في الإمساك، وهو كمن شك في الغروب فأكل، وكمن شك في الصلاة، فلا تجزئه الصلاة؛ لأن الوقت عليه بيقين، وكذا لو شك في دخول رمضان وصام عَلَى الشك لم يجزئه من رمضان، وكذا لو شك هل كبر للإحرام لم يجزئه؛ لأن عليه الدخول في الصلاة بيقين كما يدخل في وقتها بيقين، كذلك عليه الدخول في أول جزءٍ من اليوم بيقين، كما عليه الدخول في رمضان بيقين. أعني: الاعتقاد الصحيح. وفرق ابن
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 18.
حبيب بين من أكل وهو شاك في الفجر وبين من أكل وهو شاك في الغروب، كما سيأتي في باب: إذا أفطر في رمضان ثم طلعت عليه الشمس
(1)
.
وقال ابن القاسم: من طلع عليه الفجر وهو يأكل أو يطأ فليلق ما في فيه ولينزع. ولم يفرق بين الأكل والوطء. وقال ابن الماجشون: ليس الأكل كالجماع؛ لأن إزالته لفرجه جماع بعد الفجر، ولكن لم يبتدئه ولم يتعمده، فعليه القضاء إذا تنحى مكانه، فإن عاد أو خضخض فعليه القضاء والكفارة، وهو قول الشافعي
(2)
.
وقال أبو حنيفة والمزني: لا كفارة عليه، واحتجوا بأنه إذا أولج ثم قَالَ: إن جامعتك فأنت طالق فلبث أنه لا حنث عليه ولا مهر، ولم يجعله الليث كالإيلاج في وجوب المهر والحد، وجعله الليث هنا كالإيلاج في وجوب الكفارة.
وفي حديثي عدي وسهل أن الحكم للمعاني لا للإلفاظ، بخلاف قول أهل الظاهر.
وقوله: (فعلموا) إنما يعني: الليل والنهار حجة في أن النهار من طلوع الفجر.
فائدة:
"عريض القفا" في رواية البخاري السالفة قال الخطابي تفسر عَلَى وجهين: أحدهما: أن تكون كناية عن الغباوة أو سلامة الصدر، يقال للرجل الغبي: إنك لعريض القفا. والآخر أن يكون أراد: إنك غليظ
(1)
برقم (1959) من حديث أسماء بنت الصديق.
(2)
انظر: "البيان" 3/ 500.
الرقبة، وافر اللحم؛ لأن من أكل بعد الفجر لم ينهكه الصوم ولم يبن له أثر فيه.
وقوله: "إن وسادك لعريض". أي: إن نومك إذًا لطويل. كنَّى بالوساد عن النوم، ومعنى العريض: السعة والكثرة إذ لم يرد به ضد الطول.
أخرى: قوله في حديث سهل: "حَتَّى يتبين له رؤيتهما" ضبطت هذِه اللفظة عَلَى ما في "المطالع"
(1)
وغيره عَلَى ثلاثة أوجه:
أحدها: رئيهما -براء مكسورة ثم همزة ساكنة- ومعناه منظرهما، ومنه قول تعالى:{أَحسَنُ أَثاثًا وَرءيًا} [مريم: 74].
ثانيها: زِيِّهما بزاى مكسورة ثم ياء مشددة بلا همز ومعناه لونهما.
ثالثها: رَئّيِهما بفتح الراء وكسر الهمزة وتشديد الياء، قَالَ عياض: هذا غلط؛ لأن الرئيَّ التابع من الجن فإن صح فمعناه مرئي
(2)
.
ثالثة: في حديث سهل: إن الله تعالى لم ينزل: {مِنَ اَلفَجرِ} إلا منفصلًا عن قوله: {مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} ويجمع كما قَالَ القرطبي بأن يكون حديث عدي متأخرًا عن حديث سهل، وأن عديًا لم يسمع ما جرى في حديث سهل، إنما سمع الآية مجردةً، وعلى هذا فيكون {مِنَ اَلفَجرِ} متعلقًا بـ {يَتَبَيَّنَ} وعلى مقتضى حديث سهل يكون في موضع الحال متعلقًا بمحذوف، قَالَ: ويحتمل أن تكونا قضية واحدة.
وذكر بعض الرواة {مِنَ اَلفَجرِ} متصلًا بما قبله كما ثبت في القرآن، وإن كان قد نزل مفرقًا كما بينه حديث سهل
(3)
.
(1)
ورد تعليق في هامش الأصل: ليس في "المطالع" الثاني.
(2)
"إكمال المعلم" 4/ 27.
(3)
"المفهم" 3/ 148 بتصرف.
وحديث سهل يقتضي أن يكون متفرقًا، وذلك أن فرض الصيام كان في السنة الثانية قطعًا.
وقال سهل في حديثه: كان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود. فأنزل الله {مِنَ اَلفَجرِ} فدلَّ هذا عَلَى أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك إلى أن أسلم عدي في السنة التاسعة.
وقيل: العاشرة، حتى أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذَلِكَ كان سواد الليل وبياض النهار.
قَالَ: وقوله: فأنزل الله بعد ذَلِكَ {مِنَ اَلفَجرِ} روي أنه كان بينهما عام
(1)
.
وقال عياض: وليس المراد أن هذا كان حكم الشرع أولًا ثم نسخ بقوله {مِنَ اَلفَجرِ} كما أشار إليه الطحاوي والداودي، وإنما المراد أن ذَلِكَ فعله وتأوله من لم يكن مخالطًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما هو من الأعراب، ومن لا فقه عنده، أو لم تكن من لغته استعمال الخيط في الليل والنهار
(2)
.
قال الطحاوي: أهل الكتاب من شريعتهم أنهم إذا ناموا في ليلهم حرم عليهم ما يحرم على الصائم إلى خروجهم من صوم غد تلك الليلة
(3)
، وهذا أسلفناه.
(1)
"المفهم" 3/ 149 - 150.
(2)
"إكمال المعلم" 4/ 25.
(3)
"شرح مشكل الآثار" 2/ 625 (تحفة).
17 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ
"
1918، 1919 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ؛ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ". قَالَ القَاسِمُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إِلَّا أَنْ يَرْقَى هذَا وَيَنْزِلَ ذَا.
1918 -
[انظر: 617 - مسلم: 1092 - فتح: 4/ 136]
1919 -
[انظر: 622 - مسلم: 1092 - فتح: 4/ 136]
ذكر فيه حديث نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ وَالقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ". قَالَ القَاسِمُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إِلَّا أَنْ يَرْقَى ذَا وَينْزِلَ ذَا.
هذا الحديث تقدم في الأذان قبل الفجر
(1)
وانفرد بقوله: "فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ" واقتصر ابن بطال ذكره من طريق عائشة وأسقط ابن عمر وتوبع
(2)
.
وقوله: (واَلْقَاسِم) هو بالخفض عطفًا عَلَى نافع؛ لأن عبيد الله روى عن نافع عن ابن عمر، وعن القاسم عن عائشة، وأخطأ من ضبطه بالرفع كما نبه عليه ابن التين.
(1)
برقم (622 - 623) كتاب: الأذان.
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 41 - 42.
قَالَ ابن بطال: معنى حديث عائشة ومعنى لفظ الترجمة واحد وإن اختلف اللفظ، قَالَ: ولم يصح عند البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظ الترجمة، واستخرج معناه من حديث عائشة، ثم قَالَ: ولفظ الترجمة رواه وكيع، عن أبي هلال، عن سوادة بن حنظلة، عن سمرة بن جندب قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ ولَا الفجرُ المستطيل ولكنَّ الفجرُ المستطير في الأفق" وحسنه الترمذي
(1)
.
هذا آخر ما ذكره وهو عجيب منه، فالبخاري نفسه في الأذان أورد هذا اللفظ بعينه من حديث ابن مسعود
(2)
وشرحه ابن بطال
(3)
.
فيا للعجب من كونه يدعي أن ذَلِكَ لم يصح عنده وينتقل إلى حديث آخر، وقد نقل بعدُ أن ابن مسعود رواه كما ستعلمه.
قال المهلب: والذي يفهم من اختلاف ألفاظ هذا الحديث أن بلالًا كانت رتبته وخطته أن يؤذن بليل عَلَى ما أمر به الشارع من الوقت؛ ليرجع القائم وينبه النائم وليدرك السحور منهم من لم يتسحر، وقد روى هذا كله ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يتسحرون بعد أذانه.
وفيه: قرب أذان ابن أم مكتوم من أذان بلال.
قَالَ الداودي: قوله: لم يكن بين أذانهما إلا أن ينزل ذا ويرقى ذا وقد قيل له: أصبحت دليل أن ابن مكتوم كان يراعي قرب طلوع الفجر أو طلوعه؛ لأنه لم يكن يكتفى بأذان بلال في علم الوقت؛ لأن بلالًا فيما يدل عليه الحديث كان تختلف أوقاته، وإنما حكى من
(1)
الترمذي (706) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في بيان الفجر وانظر: "شرح ابن بطال" 2/ 250 - 251.
(2)
سلف برقم (621).
(3)
انظر: "شرح ابن بطال" 2/ 250 - 251.
قَالَ: ينزل ذا ويرقى ذا، ما شاهد في بعض الأوقات، ولو كان فعله لا يختلف لاكتفي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل فكلوا واشربوا حَتَّى يؤذن ابن أم مكتوم، ولقال: فإذا فرغ بلال فكفوا، ولكنه جعل أول أذان ابن أم مكتوم علامة للكف، ويحتمل أن لابن أم مكتوم من يراعي له الوقت، ولولا ذَلِكَ لكان ربما خفي عليه الوقت.
ويبين ذَلِكَ ما روى ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سالم قَالَ: كان ابن أم مكتوم ضرير البصر ولم يكن يؤذن حَتَّى يقول له الناس حين ينظرون إلى فروع الفجر: أذن
(1)
، وقد روى الطحاوي حديث أنيسة -وكانت قد حجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كان إذا نزل بلال وأراد أن يصعد ابن أم مكتوم تعلقوا به، قالوا: كما أنت حتى نتسحر
(2)
.
وقال أبو عبد الملك: هذا الحديث فيه صعوبة، وكيف لا يكون بين أذانيهما إلا ذَلِكَ وهذا يؤذن بليل وهذا بعد الفجر، فإن صح بأن بلالًا، كان يصلي ويذكر الله في الموضع الذي هو به حَتَّى يسمع مجيء ابن أم
(1)
رواه البيهقي 1/ 380 كتاب: الصلاة، باب: السنة في الأذان لصلاة الصبح قبل طلوع الفجر؛ والخطيب في "الفصل للوصل" 1/ 321.
(2)
الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 138، ورواه أحمد 6/ 433، والطيالسي 3/ 237 (1766)، وابن سعد 8/ 364، والطيالسي 3/ 237 (1766)، وابن سعد 8/ 364، وابن خزيمة 1/ 210 - 211 (405)، والطبراني 24/ 191 (480 - 481)، والبيهقي 1/ 382 كتاب: الصلاة، باب: القدر الذي كان بين أذان بلال .. ، وابن الأثير في "أسد الغابة" 7/ 32 في ترجمة: أنيسة (6743)، والمزي في "تهذيب الكمال" 35/ 134 - 135 من طريق شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن عمته أنيسة بنت خبيب، به.
قال الألباني في "الثمر المستطاب" 1/ 138 - 139: إسناده صحيح على شرطهما.
مكتوم، وهذا ليس ببين؛ لأنه قَالَ: لم يكن بين أذانيهما، فإن أبطأ بعد الأذان لصلاة وذكر لم يقل ذَلِكَ، وإنما يقال: لما نزل هذا طلع هذا.
وقال الداودي: فعل هذا كان في وقت تأخر بلال بأذانه، فشهده القاسم، فظن أن ذَلِكَ عادتهما قَالَ: وليس بمنكر أن يأكلوا حَتَّى يأخذ الآخر في أذانه.
قلت: (قوله فشهده القاسم) غلط فتأمله.
وجاء أنه لا ينادي حَتَّى يقال: أصبحت أصبحت
(1)
، أي: دخلت في الصباح أو قاربته.
(1)
سلف برقم (617).
18 - باب تَعجيل السَّحُورِ
1920 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي، ثُمَّ تَكُونُ سُرْعَتِي أَنْ أُدْرِكَ السُّجُودَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 577 - فتح: 4/ 137]
ذكر فيه حديث عبد العزيز ابن أبي حازمِ عن أبيهَّ عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كُنْتُ أَتَسَحَّرُ مع أَهْلِي، ثُمَّ تَكُونُ سُرْعَتِي أَنْ أُدْرِكَ السُّجُودَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث من أفراد البخاري، ولما رواه الإسماعيلي من حديث عبد الله بن عامر، عن أبي حازم، عن سهل قَالَ: ينبغي أن يتأمل كيف يصح ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل، ثم يروي ابن أبي حازم، عن عبد الله بن عامر، عن أبي حازم، عن سهل.
قلت: وعبد الله بن عامر ضعفوه
(1)
، وقد أخرجه البخاري، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، عن أبي حازم في باب: وقت الفجر
(2)
.
(1)
هو عبد الله بن عامر الأسلمي، أبو عامر المدني، كان من قراء القرآن، روى عن: عمرو بن شعيب، وسعيد المقبري، وأبي الزناد، ونافع مولى ابن عمر، وأبي الزبير. وعنه: إبراهيم بن سعد، وأبو نعيم الفضل بن دكين.
قال البخاري: يتكلمون في حفظه، وقال أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي: ضعيف، زاد أبو حاتم: ليس بالمتروك، وعن يحيى بن معين: ليس بشيء؛ ضعيف. قال الحافظ في "التقريب"(3406): ضعيف.
وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 156 - 157 (482)، "الجرح والتعديل" 5/ 123 (563)، "تهذيب الكمال" 15/ 150 (3355).
(2)
سلف برقم (575).
ورأيت بخط الدمياطي في أصله: قيل الأولى: أن يقول: باب: تأخير السحور، وكأنه أخذه من قول ابن بطال: ولو ترجم له باب: تأخير السحور كان حسنًا، وجوابه كما نقله عن المهلب أنه يريد تعجيل الأكل فيه؛ لمراهقتهم بالأكل والشرب لآخر الليل ابتغاء القوة عَلَى الصوم ولبيان علم الصبح بالفجر الأول.
وروى مالك عن عبد الله بن أبي بكر قَالَ: سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان فيستعجل الخدمَ بالطعام مخافة الفجر
(1)
.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغلس بالصبح؛ ليتمكن من طول القراءة وترتيلها؛ ليدرك المتفهم التفهم والتدبر، أو ليمتثل قول الله تعالى في النزتيل
(2)
.
(1)
"الموطأ" ص 92.
(2)
انتهى من "شرح ابن بطال" 4/ 43 - 44.
19 - باب قَدْرِ كَمْ بَيْنَ السَّحُورِ وَصَلَاةِ الفَجْرِ
1921 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ. قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ، قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً. [نظر: 575 - مسلم: 1097 - فتح: 4/ 138]
ذكر فيه حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ. قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ قَالَ قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً.
هذا الحديث سلف في باب وقت الفجر
(1)
، وهو دال عَلَى تأخير السحور، وحكمته التقوي به عَلَى الصوم، وإنما كان يؤخره إلى الفجر الأول، وكذا جعله الله حدًّا للأكل بقدر ما يتم أكله حَتَّى يطلع الثاني، ولولا هذا الفجر الأول لصعب ضبط هذا الوقت عَلَى الناس، فقيل لهم: إذا رأيتم الفجر الأول فهو نذير بالثاني، وهو بإثره بقدر ما يتعجل الأكل وينهض إلى الصلاة.
وفيه: دليل عَلَى تقدير الأوقات بأعمال الأبدان، والاستدلال عَلَى المغيب بالعادة في العمل، ألا ترى في حديث طلوع الشمس من مغربها أنه لا يعرف تلك الليلة التي تطلع من صبحها إلا المتهجدون بتقدير الليل بمقدار صلاتهم وقراءتهم المعتادة، والعرب تُقَدِّر الأوقات بالأعمال، فيقولون: قدر حلب شاة وفواق ناقة.
(1)
برقم (577).
20 - باب بَرَكَةِ السَّحُورِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ
لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ وَاصَلُوا وَلَمْ يُذْكَرِ السَّحُورُ.
1922 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاصَلَ فَوَاصَلَ النَّاسُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَنَهَاهُمْ. قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: "لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَظَلُّ أُطْعَمُ وَأُسْقَى". [1962 - مسلم: 1102 - فتح: 4/ 139]
1923 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً". [مسلم: 1095 - فتح: 4/ 139]
ذكر فيه حديث ابن عمر: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاصَلَ فَوَاصَلَ النَّاسُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَنَهَاهُمْ، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: "لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَظَلُّ أُطْعَمُ وَأُسْقَى". وحديث أَنَسَ: قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً".
الحديثان أخرجهما مسلم أيضًا
(1)
، وللنسائي من حديث أنس من طريق أبي هريرة، ثم قَالَ: إسناد حسن وهو منكر، وأخاف أن يكون الغلط من محمد بن فضيل، وذكره الضياء أيضًا من حديث ابن
مسعود
(2)
وسمي سحورًا؛ لأنه قرب السحر، وكانوا يسمونه الغداء؛ لأنه بدل منه، قاله الداودي.
(1)
حديث ابن عمر الأول رواه مسلم برقم (1102) باب: النهي عن الوصال في الصوم. وحديث أنس الثاني رواه مسلم برقم (1095) باب: فضل السحور وتأكيد استحبابه.
(2)
"المجتبى" 4/ 141 - 142.
والصحيح كما قَالَ ابن التين أنه سمي سحورًا لوقوعه في السحر؛ لأن السحر قبيل الصبح، وهو وقت السحور، وفيه الندب إليه وهو أمرُ إرشاد.
قَالَ ابن المنذر: أجمع العلماء أنه مندوب إليه
(1)
ولا إثم عَلَى من
تركه، وحض أمته عليه ليكون قوة لهم عَلَى صيامهم، وروى ابن عباس مرفوعًا:"استعينوا بأكل السحر عَلَى صيام النهار وبالقائلة عَلَى قيام الليل"، ذكره الحاكم في "مستدركه"
(2)
. وذكره ابن ابي حاتم من حديث أبي هريرة وقال: فيه مجاهيل
(3)
وقد سماه صلى الله عليه وسلم: "الغداء المبارك" من حديث العرباض بن سارية، أخرجه أبو داود
(4)
، وفي
(1)
"الإجماع" لابن المنذر (147).
(2)
"المستدرك" 1/ 425، ورواه ابن ماجَهْ (1693) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في السحور، وابن خزيمة 3/ 214 (1939)، والطبراني 11/ 245 (11625)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 368 في ترجمة: سلمة بن وهرام (789)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 4/ 182 - 183 (4742) من طريق زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس، مرفوعًا به.
قال الحاكم: زمعة بن صالح وسلمة بن وهرام ليسا بالمتروكين اللذين لا يحتج بهما، لكن الشيخين لم يخرجاه عنهما، وهذا من غرر الحديث في هذا الباب.
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 2/ 70: هذا إسناد فيه زمعة بن صالح وهو ضعيف، وكذا قال الحافظ في "الفتح" 11/ 70، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(2758)، وانظر:"كشف الخفاء"(330).
(3)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 241 (701).
(4)
أبو داود (2344) كتاب: الصوم، باب: من سمى السحور الغداء، ورواه النسائي 4/ 145، وأحمد في "المسند" 4/ 127، وفي "فضائل الصحابة" 2/ 1155 - 1157 (1748)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 79 (2473)، وابن خزيمة 3/ 214 (1938)، ابن حبان 8/ 244 (3465) كتاب: الصوم، باب: السحور، والطبراني 18/ 251 - 252 (628)، والبيهقي 4/ 236 كتاب: الصيام، باب: استحباب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= السحور، والمزي في "تهذيب الكمال" 5/ 231 - 232، 32/ 511 - 512، من طريق معاوية بن صالح عن يونس بن سيف، عن الحارث بن زياد عن أبي رهم عن العرباض بن سارية، مرفوعًا به. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2030).
وللحديث شواهد منها:
أولًا: عن المقدام بن معدي كرب.
رواه النسائي 4/ 146، وأحمد 4/ 132، والنسائي في "الكبرى" 2/ 79 (2474)، والطبراني 20/ 271 (641) وفي "مسند الشاميين" 2/ 171 - 172 (1130) من طريق بقية بن الوليد، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معدي كرب مرفوعًا:"عليكم بغداء السحر، فإنه هو الغذاء المبارك".
وصححه الألباني في "الصحيحة"(3408).
ثانيًا: عن أبي الدرداء.
رواه ابن حبان 8/ 243 (3464) كتاب: الصوم، باب السحور. من طريق عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، عن راشد بن سعد، عن أبي الدرداء مرفوعًا:"هو الغداء المبارك" يعني السحور.
ثالثًا: عن عتبة بن عبد السلمي وأبي الدرداء معًا.
رواه الطبراني 17/ 131 (322)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 355 - 356 من طريق الأحوص بن حكيم، عن راشد بن سعد، عنهما مرفوعًا:"تسحروا من آخر الليل"، وكان يقول: هذا الغذاء المبارك، وقال في "المجمع" 3/ 151: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه: جبارة مغلس، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(1961).
رابعًا: عن خالد بن معدان مرسلًا:
رواه النسائي في "المجتبى" 4/ 146، وفي "الكبرى" 2/ 80 (2475) من طريق سفيان، عن ثور، عن خالد بن معدان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: "هلم إلى الغداء المبارك" يعني السحور، وصححه الألباني في "الصحيحة" (2983) قال: إسناد صحيح مرسل.
خامسًا: عن عائشة.
رواه مسدد في "مسنده" كما في "المطالب العالية" 6/ 113 (1055)، وأبو يعلى =
أفراد مسلم من حديث عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إن فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر"
(1)
.
ولا يبعد أن يكون من جملة بركته ما يكون في ذَلِكَ الوقت من ذكر المتسحرين وقيام النائمين وصلاة المتهجدين، فإن الغالب ممن قام يتسحر يكون منه ذكر وصلاة واستغفار، وشبهه مما يثابر عليه في رمضان، وقال عبادة: كان السحور مستحبًا ولو عَلَى ماء، وكان يقال لها أكلة بركة
(2)
.
واعترض ابن بطال فقال: وقول البخاري في هذِه الترجمة أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه واصلوا ولم يذكر سحوره غفلةً منه؛ لأنه قد صرح في باب الوصال حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لأصحابه: "أيكم أراد أن يواصل فليواصل حَتَّى السحر"
(3)
.
فقد ذكر هنا السحور، وهو حديث مفسر يقضي عَلَى المجمل الذي لم يذكر فيه سحور، وقد ترجم له البخاري باب الوصال إلى السحر
(4)
.
= في "مسنده" 8/ 137 - 138 (4679) من طريق معاوية بن يحيى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قربي إلينا الغداء المبارك" يعني: السحور أو ربما لم يكن إلا تمرتين. قال في "المجمع" 3/ 151: رجاله ثقات.
سادسًا: عن ابن عباس.
رواه الطبراني في "الأوسط" 1/ 160 (501)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 1/ 387 من طريق القاسم بن مساور الجوهري عن محمد بن إبراهيم عن سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس قال: أرسل إلى عمر بن الخطاب يدعوني إلى السحور، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه الغداء المبارك.
(1)
مسلم (1096) باب: فضل السحور.
(2)
رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 5/ 228 (2758).
(3)
سيأتي برقم (1963).
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 45.
فائدة: روي في فضل السحور أحاديث صحيحة منها حديث ابن عمر رفعه: "إن الله وملائكته يصلون عَلَى المتسحرين"
(1)
.
(1)
رواه الروياني في "مسنده" 2/ 420 - 421 (1432)، وابن حبان 8/ 245 (3467) كتاب: الصوم، باب: السحور، والطبراني في "الاوسط" 6/ 287 (6434)، والحاكم في "معرفة علوم الحديث" ص: 19، النوع الثاني والأربعين، وأبو نعيم في "الحلية" 18/ 320. من طريق إدريس بن يحيى، عن عبد الله بن عياش بن عباس، عن عبد الله بن سليمان الطويل، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا، به.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن نافع إلا عبد الله بن سليمان، ولا عن عبد الله بن سليمان إلا عبد الله بن عياش، تفرد به: إدريس بن يحيى، ولا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد. اهـ وقال أبو نعيم: غريب من حديث نافع.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي، عن حديث نافع، عن ابن عمر مرفوعًا:"إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين". قال أبي: هذا حديث منكر. اهـ
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 243 - 244 (712).
لكن صححه الألباني في "الصحيحة"(1654) وفيه توجيه جيد لما قاله أبو حاتم من أنه حديث منكر، فراجعه.
وحديث ابن عمر هذا له شاهد من حديث أبي سعيد الخدري. رواه أحمد 3/ 44، وابن عدي في "الكامل" 5/ 445 في ترجمة: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (1105) من طريق عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد مرفوعًا:"السحور أكلة بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين".
ولأحمد 3/ 12 من طريق هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي رفاعة، عن أبي سعيد مرفوعًا. به.
قال المنذري كما في "صحيح الترغيب"(1070): إسناده قوي، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 150: رواه أحمد، وفيه أبو رفاعة، ولم أجد من وثقه ولا جرحه، وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال الألباني في "الصحيحة" 7/ 1207: قول المنذري: إسناده قوي، مردود، وقد رده الناجي، وقال في "صحيح الترغيب" (1070): حسن لغيره.
وحديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "تسحروا ولو بجرعة من ماء"
(1)
.
وحديث أبي هريرة مرفوعًا: "نعم سحور المؤمن التمر" رواه ابن حبان في "صحيحه"
(2)
.
وحديث أبي ذر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر" رواه أحمد
(3)
. وأحاديث أُخر منها حديث جابر: "من أراد أن يصوم فليتسحر ولو بشيء".
(1)
رواه ابن حبان 18/ 253 - 254 (3476). قال الألباني في "صحيح موارد الظمآن"(884): حسن صحيح.
وفي الباب عن أنس، رواه أبو يعلي 6/ 187 (3340)، والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 50، والضياء في "المختارة" 5/ 130 - 131 (1752 - 1754) من طريق عبد الواحد بن ثابت الباهلي عن ثابت البناني عن أنس مرفوعًا:"تسحروا ولو بجرعة من ماء".
قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 150: فيه: عبد الواحد بن ثابت الباهلي، وهو ضعيف.
(2)
ابن حبان 8/ 253 (3475)، ورواه أبو داود (2345) كتاب: الصوم، باب: من مسمي السحور الغداء، والبيهقي 4/ 236 - 237 من طريق محمد بن أبي الوزير، عن محمد بن موسي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة مرفوعًا به، وصححه الألباني في "الصحيحة"(562).
(3)
أحمد 5/ 147، 172 من طريق ابن لهيعة عن سالم بن غيلان، عن سليمان بن أبي عثمان، عن عدي بن حاتم الحميص، عن أبي ذر مرفوعًا به.
قال الهيثمي في "المجمع" فيه سليمان بن أبي عثمان قال أبو حاتم: مجهول وقال الألباني في "الإرواء"(917): منكر بهذا التمام؛ لأنه قد جاءت أحاديث كثيرة بمعناه لم يرد فيها تأخير السحور أصحها حديث سهل من سعد مرفوعًا بلفظ لا نزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطارَّ أخرجه بهذا اللفظ أبو نعيم في "الحلية" 7/ 136 بسند صحيح وهو عند الشيخين وأحمد 5/ 331 - 334 - 336 - 337 - 339 بلفظ: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر أ. هـ بتصرف.
أخرجه ابن أبي شيبة
(1)
، وله من حديث أبي الدرداء:"ثلاثة من أخلاق النبيين الإبلاغ في السحور" الحديث
(2)
.
وحديث ابن عباس يرفعه: "إنا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نؤخر سحورنا" ضعفه البيهقي بطلحة بن عمرو المكي
(3)
.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 276 (8916)، ورواه أحمد 3/ 367، 379، والبزار كما في "كشف الأستار"(979)، أبو يعلى 3/ 438 - 439 (1930)، 4/ 68 (2088) من طريق شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، مرفوعًا، به. قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 150: فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وحديثه حسن، وفيه كلام، وصححه الألباني في "الصحيحة"(2309)
(2)
"المصنف" 2/ 276 (8921)، 2/ 279 (8957).
(3)
رواه الطيالسي 4/ 377 (2776)، وابن سعد في "الطبقات" 1/ 385، وعبد بن حميد 1/ 540 (623)، والدارقطني 1/ 284، والبيهقي 4/ 238 من طريق طلحة بن عمرو المكي، عن عطاء، عن ابن عباس، مرفوعًا به.
وطلحة ضعيف، كما نقل المصنف عن البيهقي.
لكن تابعه عمرو بن الحارث، عن عطاء، رواه ابن حبان 5/ 67 - 68 (1770) كتاب الصلاة، باب: صفة الصلاة، والطبراني 11/ 199 (11485)، وفي "الأوسط" 2/ 247 (1884) من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عطاء، عن ابن عباس، مرفوعًا به. ورواه الطبراني 11/ 7 (10851)، وفي "الأوسط" 4/ 297 (4249) من طريق سفيان بن عينية، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس مرفوعًا به. والحديث أورده الهثيمي في "المجمع" 2/ 105، 3/ 155 عن ابن عباس وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ا. هـ.
وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(2286). وفي الباب عن أبي هريرة وابن عمر، وعائشة موقوفًا.
حديث أبي هريرة رواه الدارقطني 1/ 284 من طريق ابن أبي ليلي، عن عطاء، عن أبي هريرة مرفوعًا:"أمرنا معاشر الأنبياء أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا ونضرب بأيماننا على شمائلنا في الصلاة".
وهذا الحديث أشار البيهقي إلى ضعفه في (سننه) 4/ 238.
وأما الكلام عَلَى الوصال فقد عقد له البخاري بابًا بعد باب كما سيأتي
(1)
.
واختلف في قوله: "إِنِّي أَظَلُّ أُطْعَمُ وَأُسْقَى" عَلَى تأويلات:
أصحها: أنه يعان عَلَى الصوم ويقوى عليه، فيكون كانه أطعم يؤيده قوله:"أَظَلُّ" ولا يكون إلا نهارًا.
وثانيها: أنه يأكل حقيقة كرامة له من الله، وأنكره بعضهم لانتفاء الوصال إذًا وكان مفطرًا، وقد يجاب بأن طعام الجنة لا يفطر، أو يخلق الله له من الشبع والري كالطاعم الشارب، واستبعد؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يجوع أكثر مما يشبع، ولكان لا يجد له روحها الذي هو الجوع والمشقة.
وحديث ابن عمر رواه العقيلي في "الضعفاء" 4/ 404 - 405، والطبراني في "الأوسط" 3/ 238 (3029)، وفي "الصغير" 1/ 176 - 177 (279)، وابن عدي في "الكامل" 7/ 48 في ترجمة عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد (1500) والبيهقي 2/ 29 من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز، عن أبيه عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا:"إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث: بتعجيل الفطر، وتأخير السحور، ووضع اليد اليمنى علي اليسرى في الصلاة".
وأشار أيضًا البيهقي إلى ضعفه في "السنن" 4/ 238. وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 155: فيه يحيى بن سعيد بن سالم القداح، وهو ضعيف.
وحديث عائشة رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 32، والدارقطني 1/ 184، والبيهقي 2/ 29 من طريق هشيم عن منصور بن زاذان، عن محمد بن أبان الأنصاري، عن عائشة قالت: ثلاث من النبوة: تعجيل الفطر، وتأخير السحور، ووضع الرجل يده اليمني علي اليسري في الصلاة.
قال البخاري: لا نعرف لمحمد سماعًا من عائشة، وصححه البيهقي 2/ 29، 4/ 238.
(1)
سيأتي برقم (1962).
وثالثها: أن ذَلِكَ كان في المنام، والوصال في حقنا مكروه عند جميع العلماء، وقال أحمد وإسحاق: لا يكره الوصال من السحر إلى السَّحر. وذكر ابن المنذر أن عبد الله بن الزبير وابن أبي نعيم رخصا فيه
(1)
. ولابن أبي شيبة بإسناد جيد عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل إلى السحر
(2)
.
ولأحمد من حديث ليلى امرأة بشير -يعني: ابن الخصاصية- قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعني بشير، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وقال: إنما يفعل ذَلِكَ النصارى
(3)
.
وقال ابن عبد البر: أجمع العلماء عَلَى أن الشارع نهى
(4)
.
واختلفوا في تأويله فقال منهم قائلون: نهى عنه رفقًا بهم -يعني: على ما في حديث عائشة السالف، فمن قدر عليه فلا حرج لأنه يدع طعامه وشرابه لله، وكان عبد الله بن الزبير وجماعة يواصلون الأيام، وكان أحمد وإسحاق لا يكرهان الوصال من سحر إلى سحر لا غير
(5)
، وحجتهم حديث أبي سعيد -يعني: السالف- وكره مالك وأبو حنيفة والشافعي
(6)
والثوري وجماعة من أهل الفقه والأثر الوصال عَلَى كل حال لمن قوي عليه ولغيره، ولم يُجز الوصال لأحد؛ لحديث الباب،
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 332 (9598 - 9599) وفيه عن ابن أبي أنعم.
(2)
"المصنف" 2/ 331 (9589).
(3)
أحمد 5/ 225، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 158: ليلى لم أجد من جرحها، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(4)
"الإجماع" ص 134.
(5)
انظر: "المغني" 4/ 437.
(6)
انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 79، "المنتقى" 2/ 60، "البيان" 3/ 536.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا"
(1)
(2)
وبما رواه الحميدي، عن سفيان، ثنا هشام، عن أبيه سمعت عاصم بن عمر عن أبيه يرفعه:"إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم"
(3)
ففيه ما يدل عَلَى أن الوصال من خواصه وإن واصل لا ينتفع بوصاله؛ لأن الليل ليس بموضع للصيام، وقد رواه عبد الله بن أبي أوفى مرفوعًا
(4)
، وقال تعالى:{ثُمَّ أتِمُّوأ الصّيَامَ إِلَى اَليلِ} .
قَالَ أبو عمر: وفي المسألة عندي نظر ولا أحب لأحد أن يواصل
(5)
.
وفي كتاب "الأوائل" للعسكري كان ابن الزبير يواصل خمسة عشر يومًا، وروى الطبري: حَتَّى تيبس أمعاؤه، فإذا كان يوم فطره أتى بصبر وسمن فتحساه حَتَّى لا تتفتق الأمعاء
(6)
.
وللطبري كان عبد الرحمن بن نعيم لا يفطر في رمضان إلا مرتين
(7)
.
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه كان يواصل ليلة ست عشرة، وليلة سبع عشرة من رمضان ولا يفرق بينهما، ويفطر عَلَى السمن
(1)
سيأتي برقم (7288) كتاب: الاعتصام، باب: الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه مسلم (1337) كتاب: الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر. من حديث أبي هريرة.
(2)
بياض في (م)، (ج) بمقدار كلمة ولعلها:(فاجتنبوه).
(3)
"مسند الحميدي" 1/ 158 (20) وعنه البخاري سيأتي برقم (1954) باب: متى يحل فطر الصائم.
(4)
سيأتي برقم (1941) باب: الصوم في السفر والإفطار، ورواه مسلم (1101) باب: بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار.
(5)
انتهى من "التمهيد" 14/ 361 - 365.
(6)
ذكره القرطبي في "تفسيره" 2/ 358.
(7)
رواه أبو نعيم في "الحلية" 5/ 69 - 70.
فقيل له، فقال: السمن يبل عروقي والماء يخرج من جسدي
(1)
.
وأجاز ابن وهب وأحمد وإسحق الوصال من سحر إلى سحر احتجاجًا بحديث أبي سعيد الآتي
(2)
.
فأذن في ذَلِكَ لمن أطاقه من أمته عَلَى النحو الذي يجوز، ونهى عنه من كان غير مطيق له؛ لقوله:"فاكلفوا من العمل ما تطيقون"
(3)
بعد أن بين لهم أنه قد أعطي قوة عليه من لم يعط غيره.
قَالَ الطبري: وأما ما روي عن بعض الصحابة وغيرهم من تركهم الأكل الأيام ذوات العدد فإن ذَلِكَ كان منهم عَلَى أنحاء شتى: فمنهم من كان ذَلِكَ منه لقدرته عليه، فيصرف فطره إلى أهل الفقر والحاجة طلبًا للثواب، مثل ما روي عن الحسن قَالَ: لقد أدركنا أقوامًا وصحبنا طوائف إن أحدهم يُمسى وما عنده من العشاء إلا قدر ما يكفيه، ولو شاء لأتى عليه فيقول: ما أنا بآكله حَتَّى أجعل لله منه
(4)
.
ومنهم من كان يفعله استغناء عنه أو كانت نفسه قد اعتادته، كما روى الأعمش عن التيمي أنه قَالَ: ربما لبثت ثلاثين يومًا ما أطعم من غير صوم إلا الحبة، وما يمنعني ذَلِكَ من حوائجي.
وقال الأعمش: كان إبراهيم التيمي يمكث شهرين لا يأكل ولكنه يشرب شربة من نبيذ
(5)
.
(1)
"تفسير الطبري" 2/ 184 (3038). وانظر: "المنتقى" 2/ 42، "المغني" 4/ 437.
(2)
سيأتي برقم (1963).
(3)
سيأتي برقم (1966) باب: التنكيل لمن أكثر الوصال، ورواه مسلم (1103) باب: النهي عن الوصال في الصيام. من حديث أبي هريرة.
(4)
رواه أبو نعيم في "الحلية" 6/ 272.
(5)
السابق 4/ 214.
ومنهم من كان يفعله مقمعًا لنفسه شهوتها، ما لم تدع إليه ضرورة ولا خاف العجز عن أداء واجب عليه، إرادة قهرها وحملها عَلَى الأفضل، كالذي روينا عن مجاهد قَالَ: لو أكلت كل ما أشتهي ما ساويت حشفة. وقال الخطابي: الوصال من خواصه ومحظور عَلَى أمته
(1)
.
وذهب أهل الظاهر إلى تحريمه
(2)
، وهو الأصح عندنا. وقال القرطبي: الجمهور عَلَى كراهته وإليه ذهب أبو حنيفة
(3)
.
(1)
"معالم السنن" للخطابي 2/ 92.
(2)
انظر: "المحلى" 7/ 21.
(3)
"المفهم" 3/ 160. ورد بهامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في الخامس بعد الأربعين، كتبه مؤلفه.
21 - باب إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا
وَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِنْ قُالت: لَا. قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا. وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَحُذَيْفَةُ.
1924 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ:"أَنْ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ -أَوْ فَلْيَصُمْ- وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلَا يَأْكُلْ". [2007، 7265 - مسلم: 1135 - فتح: 4/ 140]
ثم ذكر حديث سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ.
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ: "أَنْ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ -أَوْ فَلْيَصُمْ- وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلَا يَأْكُلْ".
الشرح: تعليق أم الدرداء أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أم الدرداء به
(1)
وأثر أبي طلحة أخرجه أيضًا عن الثقفي، ويزيد بن حميد، عن أنس أن أبا طلحة كان يأتي أهله فيقول: هل عندكم من غداء؟ فإن قالوا: لا، قَالَ: فإني صائم، زاد الثقفي: إن كان عندهم أفطر
(2)
.
قَالَ: وحَدَّثَنَا الفضيل، عن أبي محرم، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث قَالَ: كان معاذ يأتي أهله بعدما يضحى فيسألهم فيقول: عندكم شيء؟ فإذا قالوا: لا صام ذَلِكَ اليوم
(3)
.
(1)
"المصنف" 2/ 292 (9106).
(2)
السابق 2/ 292 (9107).
(3)
السابق 2/ 292 - 293 (9110).
وروى مسلم عن عائشة قالت: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فسأل: "هل عندكم شيء؟ " قلنا: لا، قَالَ:"فإني إذًا صائم" ثم أتى يومًا آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس فقال: "أرنيه؛ لقد أصبحت صائمًا" فأكل
(1)
.
وفي رواية للدارقطني والبيهقي في الأول: "إني إذًا أصوم" وفي الثاني: "إذًا أفطر، وإن كنت قد فرضت الصوم". وقالا: إسناده صحيح
(2)
.
وفي رواية لهما غريبة: "وأقضي يومًا مكانه" قالا: وهي غير محفوظة
(3)
.
وفي رواية للدارقطني: "هل عندكم من غداء"، الحديث، ثم قَالَ: هذا إسناد صحيح
(4)
.
ولابن أبي شيبة حَدَّثَنَا ابن فضيل، عن ليث، عن عبد الله، عن مجاهد، عن عائشة قالت: ربما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدائه فلا يجده فيفرض عليه صوم ذَلِكَ اليوم
(5)
.
(1)
مسلم (1154).
(2)
"سنن الدارقطني" 2/ 175 - 176، "سنن البيهقي" 4/ 203 من طريق سليمان بن معاذ، عن سماك، عن عكرمة، عن عائشة به. قال الذهبي في "المهذب" 4/ 1572 - 1573: سليمان ضعفه ابن معين، واختلف فيه ابن مهدي والقطان. وقال ابن التركماني: معقبًا على تصحيح البيهقي لسند الحديث: كيف يكون صحيحًا وسليمان هذا قال فيه ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن حبان: كان رافضًا غالبًا وكان يقلب الأخبار، وهو سليمان بن قرم بن معاذ ينسب إلى جده.
(3)
"سنن الدارقطني" 2/ 177، "سنن البيهقي" 4/ 275.
(4)
الدارقطني 2/ 176 - 177.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 929 (9105).
وتعليق أبي هريرة رواه عبد الرزاق، عن ابن جريج: أخبرني عبد الله بن عمر قَالَ: إن أبا هريرة كان يصبح مفطرًا فيقول: هل من طعام؟ فيجده أو لا يجده فيتم ذَلِكَ اليوم
(1)
.
وتعليق حذيفة رواه ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد، عن الثوري، عن الأعمش، عن طلحة، عن سعيد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن حذيفة أنه بدا له أن يصوم بعد أن زالت الشمس فصام
(2)
، وفي لفظ: من بدا له الصيام بعد أن تزول الشمس فليصم
(3)
.
ورواه البيهقي بإسناد صحيح
(4)
، وهو ما نص عليه الشافعي في [رواية]
(5)
حرملة، لكن مشهور مذهبه اختصاصه بما قبل الزوال، وتعليق ابن عباس
(6)
قَالَ ابن حزم: رواه طاوس عنه بلفظ: الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار
(7)
. ومن طريق سعيد بن عبيد، عن ابن عمر مثله بزيادة: ما لم يطعم فإن بدا له أن يطعم طعم، وإن بدا له أن يجعله صومًا كان صومًا
(8)
.
(1)
عبد الرزاق 4/ 274 (7781) عن ابن جريج قال: أخبرني عبيد الله بن مهران أن أبا هريرة وأبا طلحة كانا يصبحان مضطرين فيقولان: هل من طعام؟ فيجدانه أو لا يجدانه فيتمان ذلك اليوم.
(2)
ابن أبي شيبة 2/ 291 (9091).
(3)
عبد الرزاق 4/ 274 (7780).
(4)
"سنن البيهقي" 4/ 204.
(5)
ما بين المعكوفتين زيادة يقتضيها السياق.
(6)
ورد بهامش (م) وعن ابن عباس: الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار.
(7)
ابن أبي شيبة 2/ 290 (9080) عن طاوس، عن ابن عباس.
(8)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 290 - 291 (9081، 9088) كتاب: الصيام، من قال: الصائم بالخيار في التطوع.
ومن طريق حماد بن سلمة: حدثتني أم شبيب، عن عائشة أنها قالت: إني لأصبح يوم طهري حائضًا وأنا أريد الصوم فأستبين طهري، ما بيني وبين نصف النهار فأغتسل ثم أصوم.
ومن طريق الحارث، عن علي: إذا أصبحت وأنت تريد الصوم فأنت بالخيار، إن شئت صمت وإن شئت أفطرت، إلا أن تفرض الصيام عَلَى نفسك من الليل
(1)
.
ولفظ جعفر بن محمد عن أبيه: أن رجلًا سأل عليًا فقال: أصبحت ولا أريد الصيام، فقال له علي: أنت بالخيار بينك وبين نصف النهار، فإن انتصف النهار فليس لك أن تفطر
(2)
.
ومن طريق وكيع، عن الأعمش، عن عمارة، عن أبي الأحوص، قَالَ ابن مسعود: إن أحدكم بأحد النظرين ما لم يأكل أو يشرب
(3)
.
ومن طريق معمر، عن عطاء الخرساني: كنت في سفر وكان يوم فطري، فلما كان بعد نصف النهار قلت: لأصومن هذا اليوم، فصمت، فذكرت ذَلِكَ، فقال: أصبت
(4)
.
قَالَ عطاء: كنت عنده يومًا فجاء أعرابي عند العصر فقال: إني لم آكل اليوم شيئًا أفأصوم؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فإن عليَّ يومًا من رمضان أفأجعله مكانه؟ قَالَ: نعم
(5)
.
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 274 (7779) كتاب: الصوم، باب: إفطار التطوع وصومه إذا لم يبيت، وابن أبي شيبة 2/ 290 (9083).
(2)
رواه عبد الرزاق 4/ 274 (7782).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 290 (9084).
(4)
عبد الرزاق 4/ 274 - 275 (7783).
(5)
السابق 4/ 245 (7675).
ومن طريق حماد بن سلمة، عن حماد
(1)
بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي قَالَ: إذا عزم عَلَى الصوم من الضحى فله أجر النهار، فإن عزم نصف النهار فله ما بقي من النهار، فإن أصبح ولم يعزم فهو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار.
ومن طريق ابن جريح سألت عطاء عن رجل كان عليه أيام من رمضان فأصبح وليس في نفسه أن يصوم، ثم بداله بعدما أصبح أن يصوم وأن يجعله من قضاء رمضان، فقال عطاء: ذلك له.
وعن مجاهد: الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار فإذا جاوز ذَلِكَ فإنما بقي له بقدر ما بقي من النهار
(2)
.
وقال الشعبي: من أراد الصوم فهو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار
(3)
.
وعن الحسن: إذا تسحر الرجل فقد وجب عليه الصوم، فإن أفطر فعليه القضاء، وإن همَّ بالصوم فهو بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر
(4)
.
ومن طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البناني وعبد الله بن أبي عتبة، عن أبي أيوب الأنصاري: فعل فِعل أبي طلحة سواء
(5)
.
ومن طريق ابن أبي شيبة، عن المعتمر، عن حميد، عن أنس قَالَ: من حدث نفسه بالصيام فهو بالخيار ما لم يتكلم حَتَّى يمتد النهار
(6)
.
(1)
ورد بهامش (م): حماد شيخ أبي حنيفة وإبراهيم النخعي شيخه.
(2)
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 290 (9086).
(3)
ابن أبي شيبة 2/ 291 (9089).
(4)
السابق 2/ 291 (9090).
(5)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 57.
(6)
ابن أبي شيبة 2/ 290 (9082).
وقال سفيان بن سعيد وأحمد بن حنبل: من أصبح وهو ينوي الفطر إلا أنه لم يأكل ولا يشرب ولا وطئ فله أن ينوي الصوم ما لم تغب الشمس، ويصح الصوم
(1)
.
قَالَ ابن حزم: ليس في حديث عائشة أنه لم يكن نوى الصيام من الليل، ولا أنه أصبح مفطرًا ثم نوى الصوم بعد ذَلِكَ، ولو كان هذا في ذَلِكَ الخبر لقلنا به، لكن فيه أنه كان يصبح متطوعًا صائمًا ثم يفطر، وهذا مباح عندنا لا نكرهه، فلما لم يكن في الخبر ما ذكرنا وكان قد صح عنه:"لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل"
(2)
،
(1)
انتهى من "المحلى" 6/ 170 - 172.
(2)
رواه أبو داود (2454) كتاب: الصوم، باب: النية في الصيام، والترمذي (730) كتاب: الصوم، باب: ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل، وفي "العلل الكبير" 1/ 348،، النسائي 4/ 96 - 197، وابن ماجه (1700) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في فرض الصوم من الليل والخيار في الصوم، وأحمد 6/ 287، والدارمي 2/ 1057، 1058 (1740) كتاب: الصيام، باب: من لم يجمع الصيام من الليل، وابن خزيمة 3/ 212 (1933)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 54، والدارقطني 2/ 172، والطبراني 23/ 196 - 199 (337)، 23/ 209 - (368)، وفي "الأوسط" 9/ 45 (9094)، والبيهقي في "سننه" 4/ 202، 213، والخطيب في "تاريخ بغداد" 3/ 92 - 93، والبغوي في "شرح السنة" 6/ 268 (1744)، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 66 (1053)، والذهبي في "تذكرة الحفاظ" 1/ 252 من طرق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن حفصة مرفوعًا:"من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له".
ورواه النسائي 4/ 197، وفي "الكبرى" 2/ 117 (2643)، وابن حزم في "المحلى" 6/ 162، والبيهقي في "سننه" 4/ 202، وفي "فضائل الأوقات"(134) من طريق ابن جريج، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر عن حفصة مرفوعًا:"من لم يبت الصيام من الليل فلا صيام له". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه النسائي 4/ 197، وفي "الكبرى" 2/ 117 (2644) من طريق معتمر، عن عبيد الله، عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عمر، عن حفصة قالت: من لم يجمع الصوم من الليل فلا يصم. هكذا موقوفًا.
ورواه النسائي 4/ 197، وفي "الكبرى" 2/ 117 (2645 - 2649)، والطحاوي 2/ 55، والدارقطني 2/ 173 من طرق عن يونس ومعمر وسفيان بن عيينة، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة. موقوفًا أيضًا.
وهذا الحديث كما ترى روي مرفوعًا وموقوفًا، واختلف الحفاظ في أيهما أرجح، فقال ابن أبي حاتم: قال أبي: لا أدري أيهما أصح، لكن الثاني أشبه أهـ "العلل" 1/ 225 (654). وقال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: عن سالم، عن أبيه، عن حفصة، عن النبي صلى الله عليه وسلم خطأ، وهو حديث فيه اضطراب اهـ.
"العلل الكبير" 1/ 348 - 350. وقال في "السنن": لا يعرف مرفوعًا الا من هذا الوجه اهـ. وقال: النسائي في "الكبرى" 2/ 117 - 118: الصواب عندنا موقوف ولم يصح رفعه، والله أعلم؛ لأن يحيى بن أيوب ليس بذاك القوي، وحديث ابن جريج، عن الزهري غير محفوظ والله أعلم. وقال: الدارقطني: رفعه عبد الله بن أبي بكر عن الزهري، وهو من الثقات الرفعاء. وصحح الحاكم المرفوع فرواه في "أربعينه" كما في "البدر المنير" 5/ 653 وقال: صحيح على شرط الشيخين، والزيادة عندهما جميعًا من الثقة مقبول. وقال ابن حزم وقد أخرج المرفوع من طريق ابن جريج: هذا إسناد صحيح، ولا يضر إسناد ابن جريج له أن أوقفه معمر ويونس وسفيان، فابن جريج لا يتأخر عن أحد من هؤلاء في الثقة، والحفظ، والزهري واسع الرواية، فمرة يرويه عن سالم، عن أبيه، ومرة عن حمزة، عن أبيه وكلاهما ثقة أهـ "المحلي" 6/ 162. وقال البيهقي في "السنن": قد اختلف في هذا الحديث في إسناده على الزهري، وفي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده ورفعه، وهو من الثقات الاثبات أهـ. وقال في "خلافياته" كما في "البدر المنير": هذا الحديث رواته ثقات -وله شاهد بإسناد صحيح عنها مرفوعًا، ورواته ثقات إلا أنه قد روي موقوفًا على حفصة ا. هـ. وقال: ابن الجوزي: إن قالوا: هذا الحديث قد رواه جماعة موقوفًا، وإنما رفعه عبد الله بن أبي بكر، قلنا: عبد الله من الثقات، والرفع زيادة فهي من الثقة مقبولة. وقال الخطابي في "معالم السنن" =
لم يجز أن يترك هذا اليقين لظن، فإن قيل: روى ليث، عن مجاهد، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثًا فيه:"فيفرض الصوم"
(1)
وعن ابن قانع -راوي كل بلية- عن موسى بن عبد الرحمن البلخي، عن عمر بن هارون، عن يعقوب بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يصبح ولم يجمع الصوم فيبدو له فيصوم. قلنا: ليث ضعيف، ويعقوب هالك، ومَنْ دُونه ظلمات بعضَها فوقَ بعض، ووالله لو صح لقلنا به
(2)
. قلت: ليث وإن ضعف فقد وثق أيضًا
(3)
،
= 2/ 115: الرفع لا يضر؛ لأن عبد الله بن أبي بكر هو الذي رفعه، وزيادات الثقات مقبولة. وصححه عبد الحق في "أحكامه" 2/ 213 - 214 فقال: رواه جماعة فأوقفوه على حفصة والذي أسنده ثقة، وأورده ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 5/ 448 ونقل تصحيح عبد الحق للحديث، ولم يعقب عليه، فكأنما أقره على تصحيحه. وقال الذهبي في "التنقيح" 5/ 93: رواه جماعة عن ابن شهاب موقوفًا، وعبد الله ثقة -قلت: يقصد عبد الله بن أبي بكر الذي رفعه- وقال ابن عبد الهادي في "التنقيح": حديث حفصة الصحيح وقفه، كما نص على ذلك الحزاق من الأئمة. ا. هـ نقلًا من هامش "تنقيح التحقيق" للذهبي 5/ 94. وقال الحافظ في "الدارية" 1/ 275: إسناده صحيح واختلف في رفعه ووقفه، والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2118) قال: إسناده صحيح، ورجح الألباني صحة المرفوع في "الإرواء"(914) وعقد فيه بحثًا نفيسًا فراجعه.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 292 (9105)، والدارقطني 2/ 177.
(2)
انتهى من "المحلي" 6/ 172 - 173.
(3)
ليث هو: ابن أبي سليم بن زينم القرشي، قال أحمد: مضطرب الحديث، ولكن حدث عنه الناس، وقال ابن معين: ضعيف إلا أنه يكتب حديثه، قال أبو حاتم وأبو زرعة: مضطرب الحديث، زاد أبو زرعة: لين الحديث لا تقوم به حجة، وقال أبو داود: سألت يحيى، عن ليث، فقال: ليس به بأس، وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة غير ما ذكرت، ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه، وقال الدراقطني: صاحب سنة، يخرج حديثه.
قال الحافظ في "التقريب"(5685): صدوق اختلط جدًا، ولم يتميز حديثه فترك. =
ويعقوب وثقه ابن حبان وغيره
(1)
، وعمر بن هارون وإن ضعفوه فقد وصف بالحفظ ووثق أيضًا
(2)
، وكذا ابن قانع، فقال البرقاني لما سئل عنه فقال: البغداديون يوثقونه، وهو عندنا ضعف. قَالَ الخطيب: لا أدري لأي شيء ضعف؟! فقد كان من أهل العلم والدراية والفهم، ورأيت عامة شيوخنا يوثقونه
(3)
.
وللدارقطني من حديث ابن عيينة، عن طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إني أريد الصوم" وأهدي له حيس، فقال:"إني آكل" الحديث
(4)
.
= انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 7/ 246 (1051)، "الجرح والتعديل" 7/ 177 (1014)، "الكامل" لابن عدي 7/ 233 (1617)، "تهذيب الكمال" 24/ 279 (5017).
(1)
يعقوب بن عطاء بن أبي رباح، قال أحمد: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين، يكتب حديثه، وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وهو ممن يكتب حديثه وعنده غرائب. وقال الحافظ في "التقريب" (7826): ضعيف.
انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 8/ 398 (3470)، "الجرح والتعديل" 9/ 211 (882)، "ثقات ابن حبان" 7/ 639، "الكامل" 8/ 463 (2054)، "تهذيب الكمال" 32/ 353 (7097).
(2)
عمر بن هارون بن يزيد بن جابر بن سلمة الثقفي، قال ابن سعد: كتب الناس عنه كتابًا كبيرًا وتركوا حديثه، وقال البخاري: تكلم فيه ابن معين، وقال النسائي: متروك الحديث.
قال الحافظ في "التقريب"(4979): متروك وكان حافظًا.
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 6/ 140 (765)، "الكامل" 6/ 581 (1201)، "تهذيب الكمال" 21/ 520 (4317).
(3)
هو عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الأموي، قال الدارقطني: كان يحفظ لكنه يخطئ ويصر. وانظر: "تاريخ بغداد" 11/ 88 - 89.
(4)
"سنن الدارقطني" 2/ 176 - 177، وقال: هذا إسناد صحيح.
وحديث سلم" بن الأكوع -وهو من ثلاثياته- عن أبي عاصم، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة، وهو نص لما بوب عليه البخاري، لكن جاء ما يرجح قول الجمهور من اعتبار تبييت النية، وأن نية النهار غير معتبرة، وهو ما رواه أبو داود عن قتادة، عن عبد الرحمن بن سلمة، عن عمه أن أسلم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعني يوم عاشوراء. فقال: "صمتم يومكم هذا؟ " قالوا: لا. قَالَ: "فأتموا بقية يومكم واقضوه"
(1)
.
(1)
أبو داود (2447) كتاب: الصوم، باب: في فضل صومه، ورواه ابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 84، والبيهقي 4/ 221 من طريق قتادة، عن عبد الرحمن بن مسلمة، عن عمه مرفوعًا:"صمتم يومكم هذا .. ". الحديث، وفي آخره؟ "واقضوه"، وعند ابن قانع:"واقضوا".
قلت: لفظه: "واقضوه"، هذِه تُكلِّم في ثبوتها وصحتها.
قال ابن حزم في "المحلي" 6/ 168 - كما سيأتي عند المصنف-: هي لفظة موضوعة بلا شك. وقال عبد الحق في "الأحكام الوسطي" 2/ 245: لا يصح هذا الحديث في القضاء. وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 25/ 118: حديث القضاء ضعيف، وقال الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 436: قال صاحب "التنقيح ": روي الأمر بالقضاء في حديث غريب، أخرجه أبو داود وهو حديث مختلف في إسناده ومتنه، وفي صحته نظر. ا. هـ وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 3/ 440: علته الجهل بحال عبد الرحمن بن سلمة هذا.
والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(422)، وقال في "الضعيفة" (5199): منكر بهذا التمام.
تنبيه: قال الحافظ في "الفتح" 4/ 142 في صدد البحث في وجوب القضاء على من لم يبيت النية، وأن قوله صلى الله عليه وسلم ": فأتموا بقية يومكم" -كما في الأحاديث الصحيحة- لا ينافي الأمر بالقضاء. قال: بل ورد ذلك صريحًا في حديث أخرجه أبو داود والنسائي .. فذكره، وقال: وعلى تقدير أن لا يثبت، فلا يتعين ترك القضاء:
قال الألباني في "الضعيفة" 11/ 324: العجب من ابن حجر كيف سكت عليه، بل أشار قبل ذلك إلى تقويته. قال: وكذلك لا يتعين إيجاب القضاء بل هذا خلاف =
قَالَ البيهقي: عبد الرحمن مجهول ومُختلف في اسم أبيه، فقيل: مسلمة، وقيل: سلمة، وقيل غير ذَلِكَ، ولا يدرى من عمه
(1)
.
وقتادة مدلس وقال: (عن)، والمدلس إذا أتى بصيغة:(عن) لا يكون حجة
(2)
.
قَالَ ابن حزم: لفظة: "واقضوه" موضوعة بلا شك
(3)
.
قلت: عبد الرحمن ذكره ابن حبان في "ثقاته"
(4)
، وعمه صحابي. وقال ابن السكن في كتابه "الحروف": عبد الرحمن بن سلمة هو الصواب، ويقال شعبة أخطأ في اسمه، والصواب حديث ابن أبي
= الأصل؛ فإنه ينافي البراءة الأصلية، فالإيجاب لا بد له من أمر خاص وهذا غير موجود إلا في هذا الحديث وهو ضعيف السند منكر المتن، فلا تغتر بموقف الحافظ منه؛ فإنه خلاف ما تقتضيه القواعد العلمية الحديثية. انتهى كلام الألباني. والحديث قد صح من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة دون قوله:"واقضوه" منها حديث سلمة بن الأكوع وهو حديث الباب، وقد استوفي الألباني تخريج هذِه الأحاديث في "الصحيحة"(2624) فراجعها.
(1)
"معرفة السنن والآثار" 6/ 361.
(2)
هو قتادة بن دِعامة السدوسي، مشهور ومعروف عنه التدليس، لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع من شيخه.
(3)
"المحلى" 6/ 168. قال ابن حزم وقد أورد الحديث -بما فيه زيادة: واقضوا- من طريق ابن قانع وابن قانع مات سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، وقد اختلط عقله قبل موته بسنة وهو بالجملة منكر الحديث، وتركه أصحاب الحديث جملة. ا. هـ وقد تعقب الشيخ أحمد شاكر قائلًا: نسب ابن حزم الخطأ في زيادة قوله: "واقضوا" إلى ابن قانع، بل سماه واضعها وأخطأ في هذا جدًّا، فالحديث رواه
أبو داود من غير هذا الطريق، وفيه الزيادة، فظهر أن ابن قانع بريء من عهدة هذِه اللفظة، وأنه لم ينفرد بها. ا. هـ
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 53، "البيان" 3/ 495 - 496.
(4)
"ثقات ابن حبان" 5/ 115.
ّعَرُوبة، عن قتادة، عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي.
واختلف أهل العلم متى تصح النية في النفل؟ فذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه يجزئ بنية قبل الزوال، وهو قول أكثر العلماء؛ احتجاجًا بحديث عائشة السالف.
وفي بعض طرقه: "إني إذًا صائم"
(1)
.
وهو أقوى في الدلالة عَلَى ابتداء النية، وسلف في بعض طرقه:"إني إذًا صائم" و"إني إذًا أصوم"
(2)
ويفرض الصيام. وألحق أبو حنيفة الفرض به والنذر المعين أيضًا، وهو قول الأوزاعي وابن المسيب
وإسحاق (وعبد الملك)
(3)
وابن المعدل من المالكية.
وقال الشافعي: لا يجوز الفرض إلا بنية من الليل، وهو قول مالك والليث وأحمد
(4)
.
وقال مالك وجابر بن زيد والمزني وداود: لا يجوز النفل إلا بنية من الليل، وزعم ابن حبيب: أن حديث الباب من خصائص عاشوراء، ونقله ابن المفضل في كتابه "صوم التطوع" عن غير واحد من السلف، منهم ابن سيرين وسعيد بن جبير.
والظاهر من مذاهب العلماء المشهورين أنه لا يتم صيام من أكل فيه، ويرون أن ذَلِكَ كان في ابتداء الأمر قبل وجوب رمضان عَلَى مذهب من يرى وجوبه، ثم نسخ.
(1)
رواه مسلم (1154/ 170).
(2)
تقدم.
(3)
في (ج): وعبد الرحمن الملك.
(4)
"عيون المجالس" 2/ 605، "البيان" 3/ 589، "المغني" 4/ 333.
وقال الداودي: قد أمرهم بهذا قبل نزول {كلوا واشربوا} الآية.
وقال ابن حزم: من نسي أن ينوي ليلًا ففي أي وقت نواه من النهار التالي لتلك الليلة صح صومه، سواء أكل أو شرب أو وطئ، أو جمع بينها، أو لم يفعل شيئًا من ذَلِكَ، ويجزئه صومه ذَلِكَ، ولا قضاء عليه ولو لم يبق إلا مقدار ما ينوي الصوم، فإن لم ينوه فلا صوم له ولا قضاء عليه، وكذا من جاءه خبر هلال رمضان بعدما أكل أو شرب أو جامع فنوى قبل الغروب يجزئه صومه وإلا فلا، ولا قضاء عليه، وإن لم يكن حَتَّى غربت فلا قضاء عليه، وقد فاته صوم ذَلِكَ اليوم
(1)
.
قلت: شبهته حديث عاشوراء، ولا حجة له فيه، إذ المراد التشبه لحق الوقت، يوضحه ما رواه أحمد، عن سلمة:"من كان اصطبح فليمسك، ومن كان لم يصطبح فليتم صومه"
(2)
وكان عمر بن عبد العزيز يقول: إذا أصبح غير صائم فأكل وشرب أو وطئ، ثم جاءه خبر رؤية الهلال فنوى الصوم أن صومه، صحيح
(3)
.
وعند ابن سريج والطبري وأبي زيد المروزي صحة النقل بعد هذِه
الأشياء المنافية للصوم. وقال زفر: يصح صوم رمضان في حق المقيم الصحيح بغير نية منه، وهو مذهب عطاء ومجاهد، قالوا: لأنه لا يصح فيه غير صوم رمضان لتعيينه فلا يفتقر إلى النية، كما لو دفع نصاب الزكاة جميعه إلى الفقراء وإن لم ينو شيئًا.
(1)
"المحلى" 6/ 164.
(2)
"مسند أحمد" 4/ 48.
(3)
رواه عبد الرزاق 4/ 160 (7321)، وابن أبي شيبة 2/ 321 (9476).
قَالَ في "شرح الهداية": أنكر أبو الحسن الكرخي أن يكون هذا مذهبًا لزفر، ويقول: مذهبه تأدية جميع رمضان بنية واحدة، وأما إلزام ابن حزم زفر بصلاة المغرب وبما إذا لم يبق من الوقت إلا مقدار ما يصلي فيه ركعتين، فصلى ركعتين في آخر وقت الفجر، وثلاثًا في وقت المغرب، ولم ينو فيها شيئًا
(1)
.
فينبغي أن يقع المؤدي عنهما؛ لأنه موضع لفرض الفجر والمغرب دون غيرهما، فيمكن الفرق بأن وقت رمضان لا يقبل غيره، بخلاف الصلاة. وألزم الرازي زفر بأن يجعل المغمى عليه في رمضان أيامًا صائمًا إذا لم يأكل ولم يشرب؛ لوجود الإمساك بغير نية، فإن التزمه ملتزم كان مستبشعًا، وأما دليل التبييت فحديث حفصة وعائشة وغيرهما مما سلف
(2)
.
قَالَ ابن عبد البر: والاختلاف في هذا عن التابعين اختلاف كثير، ولم يختلف عن ابن عمر ولا حفصة أنهما قالا: لا صيام إلا لمن نواه قبل الفجر
(3)
.
خاتمة:
قد أسلفنا أن غرض البخاري في هذا الباب إجازة صوم النافلة بغير تبييت، وذكر ذلك عن بعض الصحابة، وقد رُوِي عن ابن مسعود وأبي أيوب إجازته أيضًا
(4)
، وذكره الطحاوي عن عثمان
(5)
.
(1)
"المحلى" 6/ 163.
(2)
تقدم تخريجها باستيفاء.
(3)
"الاستذكار" 10/ 37.
(4)
رواه البيهقي 4/ 204 عن ابن مسعود.
(5)
"شرح معاني الآثار" 2/ 56 - 57.
وهو قول أبي حنيفة والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، كلهم يجيز النية في النافلة نهارًا محتجين بحديث سلمة في الباب، وبحديث عائشة السالف
(1)
.
وجوزه الكوفيون بعد الزوال، وذهب مالك وابن أبي ذئب والليث والمزني إلى إلحاقه بالفرض، فلابد من التبييت، وهو مذهب ابن عمر وعائشة وحفصة، محتجين بحديث حفصة السالف:"من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له"
(2)
. ولم يفرق بين فرض ونفل، لكن النص السالف وهو حديث عائشة يدفعه، وكذا قولهم: الأعمال بالنيات. وكل جزء من النهار الإمساك عنه عمل فلا يصح بغير نية تدفعه أيضًا.
قالوا: وحديث سلمة نسخ صوم عاشوراء؛ فنسخت شرائطه؛ فلا يجوز رد غيره إليه. قالوا أيضًا: وحديث عائشة رواه طلحة بن يحيى واضطرب في إسناده، فرواه عنه طائفة عن مجاهد، عن عائشة،
وروته طائفة عنه، عن عائشة بنت طلحة، عنها
(3)
.
ومنهم من لا يقول فيه: "إِنِّي صَائِمٌ" وأيضًا فهو محتمل فإن قوله: "إِنِّي صَائِمٌ إذًا" أي: إني كما كنت، أو إني بمنزلة الصائم. ويحتمل أن يكون عزم عَلَى الفطر لعذر وجده، فلما قيل له: ليس عندنا شيء تيمم الصوم، وقال:"إِنِّي صَائِمٌ" كما كنت. وإذا احتمل ذَلِكَ لم تخص الظواهر به.
(1)
"مختصر الطحاوي" ص 53، "البيان" 3/ 495، "المغني" 4/ 340.
(2)
تقدم تخريجه باستيفاء.
(3)
مسلم (1154)، والنسائي 4/ 194 - 196.
والجواب: أن هذا الاضطراب ليس قادحًا، وظاهره إنشاء الصوم.
واحتج الكوفيون بحديث سلمة -حديث الباب- وقالوا: هو حجة لنا.
وألحقوا النذر المعين به أيضًا كما سلف.
وأجاب المخالف بمنع وجوب صومه، وأيضًا لم يروا بالقضاء لقولنا، وسلمناه، فصومه إنما وجب في الوقت الذي أمر به، وقد زال ذَلِكَ بزواله فحصلت النية متقدمة عليه، ولا يقاس عليه.
خاتمة أخرى:
فعل أبي الدرداء ومن معه، قَالَ الداودي: يحتمل أن يكون ليلًا، يعارضه قوله:"يَوْمِي هذا" إلا أن يحمل عَلَى قرب اليوم، فيكون سؤالهم عن ذَلِكَ قرب الفجر، ويحتمل أن يكونوا نووه أولًا ثم سألوا عن الطعام، فلما لم يجدوه آثروا إكمال صيامهم فقالوا: إنا صيام، أي: مستديمون ما كنا عليه من الصيام.
22 - باب الصَّائِمِ يُصْبِحُ جُنُبًا
1925، 1926 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ -مَوْلَى أَبِي بَكْرِ- بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ المُغِيرَةِ -أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي حِينَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ ح.
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَانَ، أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. وَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ: أُقْسِمُ بِاللهِ لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ. وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ عَلَى المَدِينَةِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الحُلَيْفَةِ، وَكَانَتْ لأَبِي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا، وَلَوْلَا مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَىَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ. فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ. فَقَالَ: كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ. وَقَالَ هَمَّامٌ، وَابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالفِطْرِ. وَالأَوَّلُ أَسْنَدُ. الحديث 1925 [1930، 1931 - فتح: 4/ 143]
الحديث 1926 [1932 - مسلم: 1109 - فتح: 4/ 143]
ذكر فيه حديث مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
(1)
بن الحارث بن هشام قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي حِينَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ.
وحديث شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَام، أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَانَ، أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ.
(1)
أبو بكر أحد الفقهاء السبعة الحرثي المدني أحد الأئمة مات مكفوفًا.
وَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ: أُقْسِمُ باللهِ لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ. وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ عَلَى المَدِينَةِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُم قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الحُلَيْفَةِ، وَكَان لأَبِي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا، وَلَوْلَا مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَيَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ. فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ. فَقَالَ: كَذَلِكَ [حَدَّثَنِي]
(1)
الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ.
وَقَالَ هَمَّامٌ، وَابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأمُرُ بِالفِطْرِ. وَالأَوَّلُ أَسْنَدُ. الحديث
هذا الحديث أخرجه مسلم من حديث ابن جريج، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن (عن أبي بكر)
(2)
قَالَ: سمعت أبا هريرة يقص في قصصه: من أدركه الفجر جنبًا فلا يصم.
قَالَ: فذكرت ذَلِكَ لعبد الرحمن بن الحارث لأبيه فأنكر ذَلِكَ، فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه حَتَّى دخلنا عَلَى عائشة وأم سلمة، فسألهما عبد الرحمن عن ذَلِكَ، قَالَ: فكلتاهما قَالَ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا من غير حلم ثم يصوم، قَالَ: فانطلقنا فدخلنا عَلَى مروان، فذكر ذَلِكَ له عبد الرحمن، فقال أبو هريرة: أهما قالتاه؟ قَالَ: نعم، قَالَ: هما أعلم.
ثم ردَّ أبو هريرة ما كان يقول في ذَلِكَ إلى الفضل بن عباس، فقال
أبو هريرة: سمعت ذَلِكَ من الفضل، ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فرجع أبو هريرة عما كان يقول، قلت لعبد الملك: أقالتا في رمضان؟
(1)
ما بين المعكوفتين زيادة يقتضيه السياق.
(2)
ساقطة من الأصل، والمثبت من "صحيح مسلم"(9، 11) وهو الصواب.
قَالَ: كان يصبح جنبًا من غير حلم ثم يصوم
(1)
.
وفي رواية لمسلم: في رمضان
(2)
. وفي أخرى: ولا يقضي
(3)
.
وقول البخاري: والأول أسند، أي: أظهر إسنادًا وأبين في الاتصال، نقله ابن التين عن أبي الحسن، بعد أن قَالَ: إسناد الحديث رفعه إلى قائله، وهذان قد رفعاه إلى قائلهما.
وقال الدارقطني: رواه معمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن أنه دخل هو وأبوه عَلَى عائشة وأم سلمة فأخبرتاهما. الحديث.
ورواه ابن أخي الزهري، عن أبي بكر عنهما، ولم يذكر أباه. ورواه ابن أبي حفصة، عن الزهري، عن أبي بكر، عن عائشة وحدها، لم يذكر أم سلمة ولا الفضل.
ورواه ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، عن عروة، وأبي بكر، عن عائشة، ولم يذكر أم سلمة ولا الفضل.
ورواه الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
قَالَ أبو الحسن: وأصحهما عندي معمر، عن الزهري؛ لأنه ضبطه وذكر فيه دخول أبي بكر وابنه عليهما. ولما ذكر أبو عمر حديث مالك قَالَ: هذا الإسناد أشبه أسانيد هذا الحديث، وهو حديث جاء من وجوه كثيرة متواترة صحاح
(4)
.
(1)
مسلم (1109/ 75) كاب: الصيام، باب: صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب.
(2)
مسلم (1109/ 76).
(3)
مسلم (1109/ 77).
(4)
"التمهيد" 22/ 40.
وفي أن الجنب إذا أصابته جنابة من الليل في رمضان لم يضره أن يصبح جنبًا، ولم يفسد ذَلِكَ صومه، وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك وأصحابهم وأبي ثور وعامة أهل الفتوى.
قَالَ ابن بطال: أجمع فقهاء الأمصار عَلَى الأخذ بحديث عائشة وأم سلمة فيمن أصبح جنبًا أنه يغتسل ويتم صومه
(1)
.
قَالَ أبو عمر: وقد اختلفت الآثار في هذا الباب، واختلف فيه العلماء أيضًا، وإن كان الاختلاف في ذَلِكَ كله عندي ضعيفًا شبه الشذوذ، وقد أحال أبو هريرة فيه مرة عَلَى الفضل، ومرة عَلَى أسامة بن زيد، فيما رواه عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده، ومرة قَالَ: أخبرنيه مخبر، ومرة قَالَ: حَدَّثَني فلان وفلان، فيما رواه أبو حازم، عن عبد الملك بن أبي بكر، عن أبيه، عنه، وروي عنه أنه قَالَ: لا ورب هذا البيت ما أنا قلت: من أدرك الصبح جنبًا فلا يصم، محمد صلى الله عليه وسلم ورب الكعبة قاله، ثم حدثنيه الفضل.
قَالَ أبو عمر: وروى عنه محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان الرجوع عن ذَلِكَ
(2)
، وحكاه الحازمي عن ابن المسيب
(3)
.
قَالَ ابن بطال: وأشهر قولي أبي هريرة عند أهل العلم أنه لا صوم له
(4)
.
وفيه قول ثالث عنه: أنه إذا علم بجنابته ثم نام حَتَّى يصبح فهو مفطر، وإن لم يعلم حَتَّى يصبح فهو صائم.
(1)
"شرح ابن بطال" 4/ 49.
(2)
"التمهيد" 17/ 420 - 421.
(3)
"الاعتبار" للحازمي ص 106.
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 49.
وروي ذَلِكَ عن طاوس وعروة بن الزبير، وحكاه أبو عمر، عن النخعي
(1)
. وحكى هو وابن بطال عن النخعي أيضًا قولًا رابعًا أنه يجزئه في التطوع دون الفرض
(2)
. وروي عن الحسن وسالم، أنهما قالا: يتم صومه ذَلِكَ، ويقضيه إذا أصبح فيه جنبًا
(3)
.
وكان الحسن بن حي يستحب لمن أصبح جنبًا في رمضان أن يقضي ذَلِكَ اليوم، وكان يرى عَلَى الحائض إذا أدركها الصبح ولم تغتسل أن تقضي ذَلِكَ اليوم، ومال عبد الملك بن الماجشون إلى هذا في الحائض.
وروى الثوري عن أبي ضمرة، عن عبد الله بن مرداس، عن عبد الله: إذا أصبحت جنبًا لا تحل لك الصلاة، فإن اغتسلت حلت لك الصلاة والصوم فصم
(4)
.
قَالَ عبد الرحمن: قَالَ أبو زرعة: قد اضطربوا فيه، والثوري أحفظهم
(5)
.
قَالَ ابن عبد البر: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا.
قَالَ تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} الآية وإذا أبيح الجماع والأكل والشرب حَتَّى يتبين الفجر، فمعلوم أن الغسل لا يكون حينئذ إلا بعد الفجر
(6)
.
(1)
"التمهيد" 17/ 424.
(2)
"التمهيد" 17/ 424، "شرح ابن بطال" 4/ 49.
(3)
روه ابن أبي شيبة 2/ 330 (9579) عن الحسن.
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 181 (7402) كتاب: الصيام، باب: من أدركه الصبح جنبًا، وابن أبي شيبة 2/ 329 - 330 (9571) كتاب: الصيام، باب: في الرجل يصبح وهو جنب، والطبراني 9/ 312 (9565 - 9566)، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 150: عبد الله بن مرداس لم أجد من ذكره، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(5)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 229 (665).
(6)
"التمهيد" 17/ 425.
وهذا قاله ربيعة أيضًا، وهو حسن، ومن الحجة أيضًا إجماعهم عَلَى أن الاحتلام بالنهار لا يفسد الصوم، فترك الاغتسال من جنابة تكون بالليل أحرى.
واحتج من أبطل، بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"من أصبح جنبًا أفطر ذَلِكَ اليوم".
قَالَ ابن بطال: ولم يقل أحد من فقهاء الأمصار غير الحسن (بن حي)
(1)
، قَالَ: وأبو هريرة الذي روى حديث الفضل قد رجع عن فتياه إلى قول عائشة وأم سلمة، ورأى ذَلِكَ أولى مما حدَّث به الفضل لحديث عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى منصور، عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن أبا هريرة رجع عن ذَلِكَ لحديث عائشة
(2)
، وروى محمد بن (عمر)
(3)
عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنه نزع عن ذَلِكَ أيضًا
(4)
.
(1)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" 4/ 491: بن صالح.
(2)
رواه أحمد 6/ 266، والنسائي في "الكبرى" 2/ 187 (2978 - 2979) من طريق منصور، عن مجاهد، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث قال: قال أبو هريرة .. الحديث. ورواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" 2/ 497 (1082) من طريق منصور، عن مجاهد، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: كان أبو هريرة يقول .. الحديث.
(3)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال": عمرو، ولعله الصواب.
(4)
رواه النسائي في "الكبرى" 2/ 191 (3005 - 3006) وفيه عن محمد بن عمرو.
وانظر: "شرح ابن بطال" 4/ 49 - 50.
تتمة: قال البيهقي: وروينا عن ابن المنذر أنه قال: أحسن ما سمعت في هذا أن يكون ذلك محمولًا على النسخ، وذلك أن الجماع كان في أول الإسلام محرمًا على الصائم في الليل بعد النوم كالطعام والشراب، فلما أباح الله عز وجل الجماع إلى طلوع الفجر، جاز للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم ذلك اليوم لارتفاع =
قَالَ الطحاوي: والنظر في ذَلِكَ أنَّا رأيناهم قد أجمعوا أن صائمًا لو نام نهارًا فأجنب أن ذَلِكَ لا يخرجه عن صومه، فأردنا أن ننظر هل يكون حكم الجنابة إذا طرأ عَلَى الصوم خلاف حكم الصوم إذا طرأ عليها، فرأينا الأشياء التي تمنع من الدخول في الصيام من الحيض والنفاس إذا طرأ ذَلِكَ عَلَى الصوم أو طرأ عليه الصوم فهو سواء، ألا ترى أنه ليس لحائض أن تدخل في الصوم وهي حائض، وأنها لو دخلت في الصوم طاهرًا، ثم طرأ عليها الحيض في ذَلِكَ اليوم أنها بذلك خارجة من الصوم، وكان حكم الصوم إذا طرأت عَلَى الصوم لم تبطله بإجماعهم، فالنظر عَلَى ذَلِكَ أن تكون كذلك إذا طرأ عليها الصوم لم تمنع من الدخول فيه
(1)
.
واختلفوا في الحائض تطهير قبل الفجر ولا تغتسل حَتَّى يطلع الفجر، فإن مالكًا والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبا ثور يقولون: هي بمنزلة الجنب. وقال عبيد الله بن الحسن العنبري والحسن بن حي
والأوزاعي: تصومه وتقضيه
(2)
.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كانت أيامها أقل من عشر صامته وقضته، وإن كانت أيامها عشرًا فإنها تصومه ولا تقضي.
وشذَّ محمد بن مسلمة فقال: لا يجزئها، وعليها القضاء والكفارة، وهذا في المفرِّطة المتوانية. وقال الداودي: لعل ما رواه الفضل كان في أول الإسلام ثم نُسخ.
= الحظر، فكان أبو هريرة يفتي بما سمعه من الفضل بن عباس على الأمر الأول ولم يعلم بالنسخ، فلما سمع خبر عائشة وأم سلمة صار إليه. اهـ "سنن البيهقي" 4/ 215.
(1)
"شرح معاني الآثار" 2/ 62 - 63.
(2)
"المغني" 4/ 393.
وقال الطحاوي: جعل حديث أم سلمة وعائشة ناسخين لحديث أبي هريرة أخف؛ لأن النسخ إذا كان لغير عقوبة فهو رحمة، ورد الأغلظ إلى الأخف
(1)
.
وقال بعض العلماء: كان ذَلِكَ في أول الإسلام في الوقت الذي كان الحكم فيه أن الصائم إذا نام بالليل حرم عليه الأكل والشرب والجماع أن يمتد ذَلِكَ إلى طلوع الفجر، فيكون تأويل قوله:"من أصبح جنبًا" أي: من جامع في الصوم بعد النوم فلا يجزئه صوم سائره؛ لأنه لا يصبح جنبًا إلا وله أن يطأ قبل الفجر.
وقال الخطابي وابن المنذر: أحسن ما سمعت في خبر أبي هريرة أنه منسوخ؛ لأن الجماع كان محرمًا عَلَى الصائم بعد النوم، فلما أباح الله الجماع إلى طلوع الفجر جاز للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم
(2)
.
وقال ابن التين: يحتمل أن يكون الفضل سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يفطر" فسقط عنه: "لا".
وجواب آخر، وهو: يحتمل أن يريد: من أصبح مجامعًا، فعبر بالجنابة عن الجماع لما كان سببًا لها، أو يكون أنزل ولم يتم إنزاله حَتَّى طلع الفجر وهو ينزل، فهذا جنب في الحقيقة، قَالَ: وقيل: إن سنده مضطرب؛ لأنه رواه مرة أخرى عن غير الفضل.
قَالَ الحازمي: أما الشافعي فذهب إلى معنى الترجيح وقال: نأخذ بحديث زوجتيه دون ما روى أبو هريرة لمعان، منها: أنهما أعلم بهذا من
(1)
"شرح معاني الآثار" 2/ 105 - 106.
(2)
عن قول الخطابي انظر: "أعلام الحديث" 2/ 958.
رجل، ومنها تقديمهما في الحفظ، ومنها أنهما اثنتان وهما أكثر من واحد، وإقسام مروان عَلَى عبد الرحمن: لتقرعن بها أبا هريرة، يريد بذلك استقصاء حكم هذِه القصة ليعلم ما عنده؛ لأنه ربما كان عنده نص يحتمل أن يكون ناسخًا أو منسوخًا أو يوجب تخصيصًا أو تأويلًا
(1)
.
وفي قصة عبد الرحمن دخول العلماء عَلَى الأمراء والمذاكرة معهم وطاعتهم له في المعروف.
وفيه: أن الشيء إذا تنوزع فيه وجب رده إلى من يظن علمه عنده؛ لأن أمهات المؤمنين أعلم الناس بهذا المعنى.
وفيه: أن الحجة القاطعة عند الاختلاف فيما لا نص فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيه: اعتراف العلماء بالحق وإنصافه إذا سمع الحجة، وقد ثبت أن أبا هريرة لم يسمع ذَلِكَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي رواية الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه قَالَ: حدثنيه الفضل ابن عباس.
وفي رواية المقبري عن أبي هريرة قَالَ: حدثنيه ابن عباس. وفي رواية عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة قَالَ: هن أعلم برسول الله، حَدَّثَنَا حديثه أسامة بن زيد، ذكره
النسائي
(2)
.
(1)
"الاعتبار" ص 106.
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 178 - 179 (2931 - 2932).
23 - باب المُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَرْجُهَا.
1927 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ. وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مَآرِبُ} [طه: 18] حَاجَةٌ. قَالَ طَاوُسٌ: {أُولِى الإِرْبَةِ} [النور: 31]: الأَحْمَقُ لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ. وقال جَابرُ بْنُ زيد: إنْ نَظَرَ فَأمنَى يُتمُّ صَوْمَهُ. [1928 - مسلم: 1106 - فتح: 4/ 149]
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ، وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ. وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مَآرِبُ} حَاجَةٌ. قَالَ طَاوُسٌ: {أُولِى الإِرْبَةِ} الأَحْمَقُ الذي لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ. وقال جَابرُ بْنُ زيد: إنْ نَظَرَ فَأمنَى يُتمُّ صَوْمَهُ.
الشرح:
أثر عائشة أخرجه معمر، عن أيوب عن أبي قلابة، عن مسروق: سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته صائمًا؟ فقالت: كل شيء إلا الجماع
(1)
، وسلف معناه في باب مباشرة الحائض، في كتاب الطهارة
(2)
. وحديث عائشة أخرجه مسلم أيضًا
(3)
.
قَالَ الإسماعيلي: ثنا يوسف القاضي، ثَنَا سليمان بن حرب، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم أن علقمة وشريح بن أرطاة النخعي
(1)
"مصنف عبد الرزاق" 4/ 190 (1439).
(2)
برقم (302).
(3)
مسلم (1106) باب: أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته.
كانا عند عائشة، فقال أحدهما لصاحبه: سلها عن القبلة، فقال: ما كنت لأرفث عند أم المؤمنين، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم .. الحديث.
وقال: رواه عن شعبة غندر وابن أبي عدي وعبيد الله بن موسى، وعدد جماعات كلهم عن عبد الله، عَلَى ما ذكر سليمان بن حرب في حديثنا، وحَدَّث به البخاري، عن سليمان فقال فيه: عن الأسود. وفي ذَلِكَ نظر.
قلت: وفي كتاب "الصيام" للقاضي يوسف بن يعقوب بن حماد بن زيد الذي روى عنه الإسماعيلي هذا الحديث: حَدَّثَنَا أبو الربيع، حَدَّثَنَا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قَالَ: روى رجل من النخع عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم، فقال له شريح -يعني: ابن أرطاة-: إني لأهم أن أضرب بالقدمين رأسك، قَالَ: وكان شريح قد صام سنين، فانتهوا إلى عائشة، فجعل بعضهم يقول لبعض: سلها، قَالَ: قالوا لعلقمة، فقال: لا أرفث اليوم عند أم المؤمنين، قالت: وما ذاك؟ قالوا: إن هذا روى عنكِ أنك قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم .. الحديث.
وأخبرنا عبد الواحد بن غياث، ثنا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود قَالَ: سألت عائشة عن المباشرة للصائم فكرهتها، فقلت: بلغني أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم. فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أملك لإربه من الناس أجمعين.
وأخبرنا نصر بن علي، ثَنَا أبي، ثَنَا هشام، عن حماد، فذكر مثله.
ورواه النسائي، عن إسحاق بن منصور، عن ابن مهدي، عن شعبة
بمثل رواية الإسماعيلي
(1)
.
قَالَ الدارقطني: وكذا رواه أبو النضر
(2)
. قَالَ: ورواه أبو خالد الدالاني والحسن بن الحر، عن الحكم، عن إبراهيم، قَالَ: خرج علقمة، ومسروق في نفر من أصحاب عبد الله، فدخلوا عَلَى عائشة.
ورواه ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن شريح، عن عائشة، لم يذكر إبراهيم. ورواه منصور بن زاذان، عن الحكم، عن علقمة من غير ذكر عائشة.
ورواه قطبة بن عبد العزيز وجماعات عددهم عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، وقال أبو معاوية: عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود.
ورواه يحيى بن زائدة، عن الأعمش، عن همام، عن أبي الضحى، عن مسروق ورواه قيس بن الربيع، عن الأعمش، ومنصور، عن أبي الضحى، عن شُتير بن شكل، عن عائشة وحفصة. ورواه ابن عون،
عن إبراهيم، عن الأسود، قَالَ ذَلِكَ حماد بن زيد وثابت بن يزيد ومنصور، عن عكرمة.
وقال ابن علية: عن ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود ومسروق أنهما دخلا عَلَى عائشة.
قَالَ الدارقطني: وكلها صحيحة إلا قول من أسقط في حديث الحكم إبراهيمَ، وإلا قول قيس، عن أبي الضحى، عن شتير، عن عائشة وحفصة؛ فإنه لم يتابع عليه.
(1)
"السنن الكبرى" 2/ 206 (3092).
(2)
رواه النسائي في "الكبرى" 2/ 208 (3097).
قلت: ورواه القاضي أبو يوسف، عن محمد بن أبي بكر، ثَنَا يزيد بن زريع، ثَنَا ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود ومسروق قَالَ: أتينا عائشة. ثم روى حديث شتير بإسقاط عائشة، وهو في "صحيح مسلم" أيضًا
(1)
.
وفي "علل ابن أبي حاتم الرازي": رواه شتير، عن علي، وقال: قَالَ أبي: هذا خطأ
(2)
، ولما رواه النسائي من حديث إسرائيل، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن شتير قَال: هذا خطأ، ليس فيه مسروق
(3)
.
وخطَّأ الرازيان رواية عبد الأعلى، عن حميد، عن أنس، عنها، به
(4)
.
وقَالَ الطرقي لما ذكر حديث الباب: كذا رواه الأسود وعلقمة، عن عائشة جمعًا بين التقبيل والمباشرة، وإن اختلفت الروايات عنهما.
ورواه مسروق، عن عائشة مقصورًا عَلَى المباشرة
(5)
.
ورواه عنها جماعة ذوو عدد مقصورًا عَلَى التقبيل
(6)
.
(1)
مسلم (1107).
(2)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 232.
(3)
"السنن الكبرى" 2/ 205 (3082).
(4)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 246. ويعني المصنف بالرازيين: أبا حاتم وأبا زرعة.
(5)
رواه مسلم (1106/ 68)، وكذا رواه مسلم (1106/ 67) عن علقمة، عن عائشة مقصورًا على المباشرة.
(6)
سيأتي برقم (1928)، وروى مسلم (1106) 62 عن عروة بن الزبير عنها مقتصرًا على التقبيل.
وروى مسلم (1106/ 63، 64، 66) عن القاسم وعلقمة عنها كذلك.
وقال أبو يحيى مصدع: عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، ويمص لسانها. هذِه الكلمة ليست بمحفوظة، والحمل فيها عَلَى محمد بن دينار -يعني: عن سعد بن أوس عن مصدع- وهي في كتاب أبي داود وحده.
وحكى ابن الأعرابي، عن أبي داود أنه قَالَ: هذا الحديث ليس بصحيح
(1)
.
(1)
أبو داود (2386) كتاب: الصوم، باب: الصائم يبلع الريق، ورواه أيضًا بهذِه اللفظة: أحمد 6/ 123، 234، والبيهقي 4/ 234 كتاب: الصيام، باب: إباحة القبلة لمن لم تحرك شهوته أو كان يملك إربه، وابن حبان في "المجروحين" 2/ 272، وابن عدي في "الكامل" 7/ 413 في ترجمة محمد بن دينار الطاحي (1673)، و 8/ 230 في ترجمة مصدع (1951)، والخطيب في "تالي تلخيص المتشابه" 1/ 301 (177)، والمزي في "تهذيب الكمال" 10/ 252 - 253 من طريق محمد بن دينار الطاحي، عن سعد ابن أوس العبدي، عن مصدع أبي يحيى، عن عائشة به.
قال ابن عدي: قوله: ويمص لسانها: لا يقوله إلا محمد بن دينار، وهو الذي رواه أهـ. وقد نقل، عن ابن معين أنه قال عن محمد بن دينار: ضعيف، وقال عبد الحق في "أحكامه" 2/ 219: لا تصح هذِه الزيادة؛ لأنها من حديث محمد بن دينار، عن سعد بن أوس ولا يحتج بهما أهـ.
وتعقب ابن القطان الفاسي، عبد الحق في تضعيفه الحديث بمحمد بن دينار
وسعد بن أوس فقال: اعتل على الحديث بما ليس بعلة، فإن محمد بن دينار الطاحي صدوق، ليس به بأس، ويروى عن ابن معين استضعاف حديثه، وذلك -والله أعلم- بقياسه إلى غيره، وإلا فقد روي عنه أنه قال فيه: لا بأس به، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال أبو حاتم: لا بأس به.
وسعد بن أوس، قال أبو حاتم: صالح، ويروى عن ابن معين استضعاف حديثه، ولعله أيضًا بالإضافة كما قلناه، وأما مصدع الأعرج، فضعيف، كان شيعيًا، عرقب في التشيع، قال السعدي: كان زائغًا، جائرًا عن الطريق، وفي بابه ذكره ابن عدي هذا الحديث، وعليه أنكره، فإذن علة الخبر إنما هي هذِه فاعلم ذلك. أهـ. =
إذا عرفت ذَلِكَ؛ فالمباشرة والقبلة للصائم حكمهما واحد، بل قَالَ أشهب: القبلة أيسر من المباشرة، والملاعبة والجسّة والقبلة وإدامة النظر والمحادثة تنقص أجر الصائم وإن لم يفطره.
واختلفوا في المباشرة، فكرهها قوم من السلف.
وروى ابن وهب عن ابن أبي ذئب أن سفينة مولى ابن عباس حدثه أن ابن عباس كان ينهى الصائم عن القبلة والمباشرة، قَالَ: وأخبرني رجال من أهل العلم عن ابن عمر مثله
(1)
.
وروى حماد بن سلمة، عن عائشة أنها كرهت ذَلِكَ
(2)
. وروى مثله عن ابن المسيب وعطاء والزهري
(3)
، ورخص فيه آخرون.
= "بيان الوهم والإيهام" 3/ 110 - 111.
قلت: في بعض ما قاله ابن القطان نظر؛ لأن ابن عدي قد أورد الحديث في ترجمة مصدع لكنه لم ينكره عليه، إنما أنكره وقال ما قال حينما رواه في ترجمة محمد بن دينار فقال -كما أسلفناه-: قوله: ويمص لسانها في المتن لا يقوله إلا محمد بن دينار وهو الذي رواه. انتهى كلام ابن عدي، فتضعيف عبد الحق الحديث بمحمد بن دينار صحيح لا شيء فيه، وهو موافق لما عناه وقصده ابن عدي.
وقد أعله أيضًا المنذري بابن دينار وسعد بن أوس كما في "المختصر" 3/ 263 - 264، وأعله ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 53 - 54 (893) بالثلاثة. وقال الزيلعي في "نصب الراية" 4/ 253: حديث ضعيف، وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 153: إسناده ضعيف، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(411).
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 186 (7423 - 7425)، 4/ 189 - 190 (7438)، وابن أبي شيبة 2/ 316 - 318 (9413، 9422، 9436)، والبيهقي 4/ 232.
(2)
رواه البيهقي 4/ 232.
(3)
رواه عن ابن المسيب: عبد الرزاق 4/ 188 - 189 (7433 - 7434)، وابن أبي شيبة 2/ 316 (9417)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 88.
ورواه عن عطاء والزهري: عبد الرزاق 4/ 188 - 189 (7432، 7436 - 7437).
روي عن ابن مسعود أنه كان يباشر امرأته نصف النهار وهو صائم
(1)
. وعن سعد بن أبي وقاص مثله
(2)
.
وروى أبو قلابة، عن مسروق أنه سأل عائشة: ما يحل للرجل من امرأته وهو صائم؟ قالت: كل شيء إلا الجماع
(3)
.
وكان عكرمة يقول: لا بأس بالمباشرة للصائم؛ لأن الله تعالى أحل له أن يأخذ بيدها وأدنى جسدها، ولا يأخذ بأقصاه
(4)
.
وقال ابن قدامة: اللمس بشهوة كالقبلة، فإن كان بغيرها فلا يكره بحال. وكل من رخص في المباشرة له فإنما ذَلِكَ بشرط السلامة مما يخاف عليه من دواعي اللذة والشهوة، كما نبه عليه المهلب، ألا ترى قول عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: وكان أملككم لإربه. ولهذا المعنى كرهها من كرهها.
وروى حماد، عن إبراهيم، عن الأسود أنه سأل عائشة عن المباشرة للصائم فكرهتها
(5)
، إلى آخر ما أسلفناه، وحماد، عن داود، عن شعبة، عن ابن عباس: أن رجلًا قَالَ له: إني تزوجت ابنة عم لي جميلة فبنى بها في رمضان، فهل لي إن قبلتها من سبيل؟ قَالَ: فهل تملك نفسك؟ قَالَ: نعم قَالَ: فباشر. قال: فهل لي أن أضرب على فرجها من سبيل؟ قال: فهل تملك نفسك؟ قال: نعم. قال فاضرب.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 317 (9430)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 90.
(2)
رواه الطحاوي 2/ 95.
(3)
رواه عبد الرزاق 4/ 190 (7439).
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 317 (9433).
(5)
رواه البيهقي 4/ 232.
وقال مالك في "المختصر": لا أحب للصائم في فرض أو تطوع أن يباشر أو يقبل، فإن فعل ولم يمذ فلا شيء عليه، وإن أمذى فعليه القضاء، وهو قول مطرف وابن الماجشون وأحمد. قَالَ بعض البغاددة من أصحاب مالك: القضاء في ذَلِكَ عندنا استحباب.
وروى عيسى، عن ابن القاسم أنه إن أنعظ ولم يمذ فإنه يقضي وأنكره سحنون، وهو خلاف قول مالك
(1)
.
وقال أبو حنيفة والأوزاعي والشافعي وأبو ثور: لا شيء عليه إذا أمذى، وهو قول الحسن والشعبي، وحجتهم أن اسم المباشرة ليس عَلَى ظاهره، وإنما هو كناية عن الجماع، ولم يختلف العلماء أن قوله
تعالى: {فالآن باشروهن
…
} يراد به الجماع، فكل مباشرة اختلف فيها فالواجب ردها إلى ما أجمعوا عليه منها.
واختلفوا إذا باشر أو جامع دون الفرج فأمنى، فقال أبو حنيفة والثوري والشافعي: يجب عليه القضاء فقط؛ لأن الكفارة إنما تجب عندهم بالجماع.
وقال عطاء: يجب عليه القضاء مع الكفارة
(2)
، وهو قول الحسن البصري وابن شهاب
(3)
. ومالك وابن المبارك وأبي ثور وإسحاق، وحجتهم أنه إذا باشر أو جامع دون الفرج فأنزل فقد حصل المعنى المقصود من الجماع؛ لأن الإنزال أقصى ما يطلب من الالتذاذ، وهو من جنس الجماع التام في إفساد الصوم، فقد وجبت فيه الكفارة.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 47 - 48، "المغني" 4/ 361.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 322 (9478).
(3)
رواه عبد الرزاق 4/ 192 (7450)، وابن أبي شيبة 2/ 322 (9479).
تنبيهات:
أحدها: قَالَ ابن قدامة في حديث المص: يجوز أن يكون التقبيل وهو صائم والمص في حين آخر، ويجوز أن يمصه ولا يبتلعه، ولأنه لم يتحقق انفصال ما عَلَى لسانها من البلل إلى فمه، وأما ابتلاع ريق الرجل نفسه وما لا يمكن التحرز منه فلا يفطر كغبار الطريق، فلو جمعه وابتلعه قصدًا لم يضر عَلَى الأصح وفاقًا للحنفية، فإن أخرج ريقه إلى الظاهر ثم أعاده أو بلع ريق غيره أفطر
(1)
.
وفي "شرح الهداية": إن ابتلع بصاق غيره أفسد صومه. وعن الحلواني: لو ابتلع ريق حبيبه أو صديقه عليه الكفارة؛ لأنه لا يعافه بل يتلذذ به. وقيل: لا كفارة فيه.
ثانيها للنسائي: سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القبلة: "أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم؟ " قَلت: لا بأس. قَالَ: "فمه"، ثم قال: منكر
(2)
.
(1)
"المغني" 4/ 355.
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 198 - 199 (3048). ورواه أيضًا: أبو داود (2385) كتاب: الصوم، باب: القبلة للصائم، وأحمد 1/ 21، 52، والدارمي 2/ 1076 (1765) كتاب: الصوم، باب: الرخصة في القبلة للصائم، والبزار في "البحر الزخار" 1/ 352 - 353 (236)، وابن خزيمة 3/ 245 (1999)، وابن حبان 8/ 313 - 314 (3544) كتاب: الصوم، باب: قبلة الصائم، والحاكم 1/ 431 وصححه على شرط الشيخين، والبيهقي 4/ 218 كتاب: الصيام، باب: من طلع الفجرُ وفي فيهِ شيءٌ لفَظَه وأتمَّ صومه، والضياء في "المختارة" 1/ 195 - 196 (99 - 100)، والمزي في "تهذيب الكمال" 18/ 318 - 319 من طريق الليث بن سعد، عن بكير بن عبد الله الأشج، عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري، عن جابر بن عبد الله، عن عمر بن الخطاب، به. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والحديث قال عنه النسائي: منكر، كما ذكر المصنف رحمه الله مع العلم بأنه ليس في مطبوع "سنن النسائي الكبرى" قول النسائي هذا، ونقله عنه المزي في "تحفة الأشراف" 8/ 17 (10422)، وكذا نقله عنه في "تهذيب الكمال"، فيبدو أنه سقط من المطبوع، والله أعلم، ونقله عنه أيضًا المنذري في "مختصره" 3/ 263 وسكت عليه فكأنما أقره على تضعيفه، وأغرب ابن الجوزي جدًّا فأورد الحديث في "التحقيق" 2/ 88 من طريق الإمام وأحمد وقال: ليث ضعيف.
وذلك لأن الروايتين اللتين عند أحمد عن ليث -هكذا مهملًا- عن بكير، وهكذا جاء مهملًا عند النسائي وابن خزيمة، وجاء مصرحًا في بقية المصادر أنه الليث بن سعد، فلم يتفطن لذلك ابن الجوزي وظن أنه ليث بن أبي سليم، فهو الضعيف، والليث بن سعد متفق على إمامته وجلالته، وهو الذي يروي عن بكير بن عبد الله، أما ليث بن أبي سليم فليس له رواية عن بكير، والله أعلم.
والعجب أيضًا من الذهبي حيث أورد الحديث في "التنقيح" 5/ 152 وأورد كلام ابن الجوزي، ولم يعلق عليه!!
ومما يؤيد قولنا أن الضياء قال بعد روايته الحديث الأول: رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن حجاج، عن ليث بن سعد، وقال المزي أيضًا: رواه أبو داود عن أحمد بن يونس وعيسى بن حماد، ورواه النسائي عن قتيبة كلهم عن الليث بن سعد.
والحديث بالرغم من أنه قد ضعف، إلا أنه صححه جمع من الأئمة، فصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وكذا صححه عبد الحق في "الأحكام الوسطى" 2/ 217 فأورده وسكت عليه، وهذا تصحيح منه له كما أشرنا إلى ذلك من قبل، وأقره ابن القطان ولم يعقب عليه، فقال في "بيان الوهم والإيهام" 5/ 312: وسكت عنه مصححًا له. اهـ.
وأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية عند تضعيف الإمام أحمد والنسائي لهذا الحديث، فنقل ابن عبد اللهادي: قال شيخنا ابن تيمية: الليث بن سعد الإمام الجليل لا يختلف في فضله وعلمه وثقته وهو رواي هذا الحديث، وضعف الإمام أحمد هذا الحديث؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينهى عن القبلة للصائم، وأنكره أيضًا النسائي وذلك لأنهم قالوا: إنه قيل لعمر: أتكره القبلة للصائم =
وقال البزار: لا نعلمه يروى إلا عن عمر من هذا الوجه
(1)
.
وقال أحمد: هذا ريح، ليس من هذا شيء
(2)
.
وأما ابن حزم فاحتج به
(3)
، وصححه الحاكم عَلَى شرط الشيخين
(4)
.
ولابن ماجه من حديث عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قَالَ: رخص للكبير الصائم في المباشرة، وكره للشاب
(5)
.
ولأبي داود من حديث أبي هريرة أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب
(6)
.
= ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم؟! فقال: من ذا له من الحفظ والعصمة ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ. نقلًا عن هامش "تنقيح التحقيق" للذهبي 5/ 152. والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2064).
(1)
"البحر الزخار" 1/ 353.
(2)
انظر: "المغني" 4/ 361.
(3)
"المحلى" 6/ 209 وقد رواه بسنده.
(4)
"المستدرك" 1/ 431.
(5)
ابن ماجه (1688) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في المباشرة للصائم قال: حدثنا محمد بن خالد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس
…
الحديث.
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 2/ 68: هذا إسناد ضعيف؛ عطاء بن السائب اختلط بآخره، وخالد بن عبد الله الواسطي سمع منه بعد الاختلاط، ومحمد بن خالد ضعيف أيضًا. اهـ. وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1369).
(6)
أبو داود (2387) كتاب: الصوم، باب: كراهيته للشاب، ووراه ابن عدي في "الكامل" 2/ 133 في ترجمة إسرائيل بن يونس (237)، والبيهقي 4/ 231 - 232 من طريق أبي أحمد الزبيري، عن إسرائيل، عن أبي العنبس، عن الأغر، عن أبي هريرة
…
الحديث. =
ولأحمد مثله من حديث ابن عمرو وفيه ابن لهيعة
(1)
، وقد ردهما ابن حزم كما ستعلمه
(2)
.
وفي "الصحيحين" عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم
(3)
،
= قال ابن حزم في "المحلى" 6/ 208: إسرائيل ضعيف، وأبو العنبس لا يدرى من هو، فسقط الحديث. اهـ بتصرف، وقال عبد الحق 2/ 217: أبو العنبس لم أجد أحدًا ذكره ولا سماه، ونقل ابن القيم قولي ابن حزم وعبد الحق كما في "المختصر" 3/ 264، ولم يعقب عليهما.
قلت: قال الحافظ في "التقريب"(8283): أبو العنبس، الكوفي، العدوي مقبول.
والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2065) قال: إسناده حسن صحيح.
(1)
أحمد 2/ 185، 220 - 221 قال: حدثنا موسى بن داود، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب عن قيصر التجيبي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص .. الحديث.
قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 166: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه كلام، وصححه الألباني في "الصحيحة"(1606)، وقال في "صحيح أبي داود" 7/ 149: إسناد جيد، لولا سوء حفظ ابن لهيعة، ولكنه شاهد جيد.
(2)
"المحلى" 6/ 208.
قلت: حديث ابن عمرو الذي عند أحمد لم يرده ابن حزم كما ذكر المصنف رحمه الله ولم يورده أصلًا، أما الحديث الآخر الذي رده ابن حزم -كما سيأتي- هو حديث ابن لهيعة، عن قيس مولى تجيب، وهو حديث أبي هريرة. قال عبد الحق في "أحكامه" 2/ 218: يروى بإسناد آخر إلى أبي هريرة فيه ابن لهيعة، عن قيس مولى تجيب، ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في قبلة الصائم للشيخ ونهى عنها الشاب، ولا يصح أيضًا. اهـ، وهذا ما ذكره ابن حزم، لا حديث ابن عمر كما ذكر المصنف، والله أعلم.
وحديث أبي هريرة الذي ذكره ابن حزم وعبد الحق، الذي فيه قيس مولى تجيب لم أقف عليه.
(3)
سلف برقم (322) كتاب: الحيض، باب: النوم مع الحائض وهي في ثيابها، ورواه مسلم (1108) كتاب: الصيام، باب: بيان أن القبلة في الصوم ..
زاد ابن أبي حاتم: وعلى قُبُلها ثوب، وقال: قَالَ أبي: الناس يروونه عن عكرمة مرسلًا، وهو أصح
(1)
.
ولابن أبي شيبة -بإسناد جيد- عن أبي سعيد الخدري أنه سئل عن القبلة للصائم فقال: لا بأس ما لم يَعْدُ ذَلِكَ
(2)
.
ثالثها: قَالَ ابن حزم: روينا بأسانيد في غاية الصحة عن أمهات المؤمنين: أم سلمة، وأم حبيبة، وحفصة، وعمر، وابن عباس، وعمر بن أبي سلمة، وغيرهم، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن القبلة لا تبطل الصوم، قَالَ: ومن باشر امرأته فيما دون الفرج تعمدًا أمنى أو لم يمن، أمذى أو لم يمذ لا ينقض صومه
(3)
.
(1)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 245.
(2)
"المصنف" 2/ 315 (9395).
(3)
"المحلى" 6/ 206 بتصرف.
وحديث سلمة تقدم برقم (322)، ورواه مسلم (1108).
وحديث أم حبيبة رواه أحمد 6/ 325، والنسائي في "الكبرى" 2/ 205 (3084)، والطبراني 23/ 245 (493) من طريق شعبة، عن منصور، عن أبي وائل، عن شتير بن شكل، به.
قال النسائي: لا نعلم أحدًا تابع شعبة على قوله: عن أم حبيبة، والصواب شتير عن حفصة. وسئل الدارقطني في "علله" 3/ 241 عن حديث شتير بن شكل، عن علي، قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم، فقال: كذا رواه المغيرة بن سلمة، عن عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن شتير بن شكل، عن علي، ووهم فيه، والناس يروونه عن الأعمش ومنصور، عن أبي الضحى، عن شتير، عن حفصة، ومنهم من قال: عن أم حبيبة، وهو أشبه بالصواب. اهـ.
وحديث حفصة رواه مسلم (1107). وحديث عمر تقدم تخريجه قريبًا جدًّا.
وحديث ابن عباس رواه أحمد 1/ 249، 360، وعبد الرزاق في "المصنف" 4/ 183 (7407) كتاب: الصيام، باب: القبلة للصائم، والبزار كما في "كشف الأستار"(1020)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 90 كتاب: الصيام، =
قَالَ: والقبلة لمن تحل له قربة من القرب وسنة مستحبة، ومن فرق بين الشاب والشيخ تعلق بحديثي سوء:
أحدهما: فيه ابن لهيعة عن قيس مولى تجيب، وهو مجهول
(1)
.
والآخر: من حديث إسرائيل، وهو ضعيف
(2)
، عن أبي العنبس،
= باب: القبلة للصائم. من طريق أيوب، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصيب من الرءوس وهو صائم -يعني: القبلة-.
ورواه الطبراني 11/ 319 (11868) من طريق أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس به.
قال ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 226 (658):
وسألت أبي عن حديث: رواه معمر وعبد السلام بن حرب، عن أيوب، عن عبد الله بن شقيق عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصيب من الرءوس وهو صائم.
ووراه وهيب، عن أيوب، عن رجل، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت لأبي: أيهما أصح؟ قال: الله أعلم، قلت: فهذا الرجل هو عبد الله بن شقيق؟
قال: ما ندري هو أم غيره، وقد تابع وهيبًا ابن علية. اهـ.
وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 167: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح.
وحديث عمر بن أبي سلمة رواه مسلم (1108).
(1)
انظر ترجمته في "لسان الميزان" 4/ 480 ..
(2)
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي، قال ابن معين: ثقة، وكذا قال العجلي، وقال أبو حاتم: ثقة صدوق، وقال يعقوب بن شيبة: صالح الحديث، وفي حديثه لين، وقال في موضع آخر: ثقة صدوق، وليس بالقوي في الحديث، ولا بالساقط، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أحمد: ثقة، وجعل يعجب من حفظه، وقد ضعفه البعض كابن المديني وابن حزم، قال الذهبي: إسرائيل اعتمده البخاري ومسلم في الأصول، وهو في الثبت كالاسطوانة، فلا يلتفت إلى تضعيف من ضعفه. وقال الحافظ في "التقريب" (401): ثقة، تكلم فيه بلا حجة.
انظر ترجمته في "طبقات ابن سعد" 6/ 374، "تهذيب الكمال" 2/ 515 (452)، "ميزان الاعتدال" 1/ 208 (820).
ولا يدرى من هو
(1)
، عن الأغر، عن أبي هريرة
(2)
.
وأما منام عمر
(3)
-يعني: الآتي- فالأحكام لا تؤخذ بالمنامات، لا سيما وقد أفتاه في اليقظة بالإباحة، فمن الباطل نسخ ذَلِكَ في
(4)
المنام، ويكفي من هذا أن عمر بن حمزة لا شيء
(5)
.
(1)
انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 34/ 145 (7547)، وقال الحافظ في "التقريب"(8283) مقبول. وقد سلف.
(2)
تقدم تخريجه قريبًا.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 6/ 180 (30495)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 88 كتاب: الصيام، باب: القبلة للصائم، وابن عدي في "الكامل" 6/ 36 - 37 في ترجمة عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر (1192)، والبيهقي 4/ 232 من طريق أبي أسامة، عن عمر بن حمزة عن سالم، عن عبد الله بن عمر قال: قال عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فرأيته لا ينظرني، فقلت: يا رسول الله ما شأني، فالتفت إلى فقال: "ألست المقبل وأنت الصائم
…
" الحديث.
قال البيهقي: تفرد به عمر بن حمزة، فإن صح، فعمر بن الخطاب كان قويًا ما يتوهم تحريك القبلة شهوته، والله أعلم. اهـ.
وقال ابن التركماني متعقبًا البيهقي: هذا الحديث يرد من وجهين: أحدهما: أن عمر بن حمزة ضعفه ابن معين، وقال أبو أحمد والرازي: أحاديث مناكير.
والثاني: أن الشرائع لا تؤخذ من المنامات لا سيما وقد أفتى النبي صلى الله عليه وسلم عمر في اليقظة بإباحة القبلة ذكره أبو داود وغيره وهو في ذلك الوقت أشد وأقوى منه حين رأى هذا المنام، فمن المحال أن ينسخ صلى الله عليه وسلم تلك الإباحة بعد موته حين كان عمر أسن وأضعف من ذلك الوقت، فلا حاجة إذًا إلى تأويل البيهقي هذا الحديث بهذا التأويل الضعيف إذ لو كان عمر قويًا يتوهم تحريك القبلة شهوته كما زعم البيهقي لما أباحها النبي صلى الله عليه وسلم له في اليقظة بالطريق الأولى.
(4)
في (ج): في.
(5)
عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، قال أحمد: أحاديثه مناكير، وضعفه ابن معين والنسائي، وقال ابن حبان في "ثقاته": كان ممن يخطئ.
قال الحافظ في "التقريب"(4884): ضعيف. =
وحديث ميمونة بنت عتبة -مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم- ضعيف
(1)
، فيه: زيد ابن جبير
(2)
، وإسرائيل ضعيف
(3)
عن أبي يزيد الضبي، وهو مجهول
(4)
،
= انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 148 (1984)، "ثقات ابن حبان" 7/ 168 "الكامل في الضعفاء" 6/ 35 (1192)، "تهذيب الكمال" 21/ 311 (4221).
(1)
رواه ابن ماجه (1686) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في القبلة للصائم، وأحمد 6/ 463، وابن سعد 8/ 305، "إسحاق بن راهويه في "مسنده" 5/ 107 (2212)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 5/ 210 (3442)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 88 كتاب: الصيام، باب: القبلة للصائم، والطبراني 25/ 34 (57)، والدارقطني 2/ 183 - 184، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 89 (1091)، وفي "العلل المتناهية" 2/ 53 (892)، والمزي في "تهذيب الكمال" 34/ 408 - 409.
قال البخاري فيما نقله عنه الترمذي في "العلل الكبير" 1/ 463 - 347: حديث منكر لا أحدث به، وأبو يزيد لا أعرف اسمه، وهو رجل مجهول وزيد بن جبير ثقة. اهـ.
وقال الدارقطني: لا يثبت هذا، وأبو يزيد ليس بمعروف. وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 2/ 68: فيه زيد بن جبير وشيخه وهما ضعيفان، وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (372): ضعيف جدًّا.
(2)
زيد بن جبير بن حرمل الطائي الكوفي، قال أحمد: صالح الحديث، وقال ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس وقال الحافظ في "التقريب"(2121): ثقة. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 3/ 390 (1298)، "الجرح والتعديل" 3/ 558 (2527)، "تهذيب الكمال" 10/ 32 (2092)، "سير أعلام النبلاء" 5/ 369.
(3)
تقدمت ترجمته قريبًا.
(4)
قلت: تصحف اسمه في كثير من الكتب إلى (الضبي) بالباء الموحدة كما هو الحال في "المحلى" وقد نقله المصنف منه مصحفًا والصحيح (الضني) بالنون.
قال ابن ماكولا في "الإكمال" 5/ 231 في باب: الضَّبّي والضِّتّي: أما الضِّبِّي بفتح الضاد وبالباء المعجمة بواحدة، فكثير، وأما الضِنّي بكسر الضاد والنون المشددة فهو أبو يزيد الضِّنّي، روى عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصائم .. الحديث، روى عنه زيد بن جبير. اهـ. =
عن ميمونة
(1)
.
وقال الدارقطني: أبو يزيد: ليس بمعروف، ولا يثبت مثل هذا
(2)
.
وسئل أبو حاتم عن حديث أنس بن مالك: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم فقال: "وما بأس بذلك، ريحانة يشمها إذا لم يعدها ذَلِكَ إلى غيرها" فقال: حديث باطل
(3)
.
وسئل أبو زرعة عن حديث ميمونة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم
= وقال ابن ناصر الدين في "توضيح المشتبه" 5/ 410: من ذلك أبو يزيد الضنِّي عن ميمونة بنت سعد، وعنه زيد بن جبير. اهـ.
وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 34/ 408 (7705). وقال الحافظ في "التقريب"(8451): الضِنِّي، بكسر المعجمة، وتشديد النون، مجهول.
(1)
انتهى من "المحلى" 6/ 208 - 209 بتصرف.
(2)
"سنن الدارقطني" 2/ 184.
(3)
"العلل" 1/ 246 (723) والحديث رواه ابن عدي في "الكامل" 5/ 403 - 404 في ترجمة عبد الله بن بشر (1074) من طريق معمر، عن عبد الله بن بشر، عن أبان وحميد، عن أنس .. الحديث.
وقال أبو زرعة: أما من حديث حميد فمنكر، وأما أبان فقد رووي عنه. اهـ. "العلل" 1/ 261 - 262 (772).
قلت: رواه الطبراني في "الأوسط" 4/ 367 (4452)، وفي "الصغير" 1/ 367 (614)، والضياء في "المختارة" 6/ 162 - 163 (2163) من طريق محمد بن عبد الله الأرزي عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أنس بن مالك به.
أورده الهيثمي في "المجمع" 3/ 167 وسكت عليه!
ورواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 14/ 112 - 113، والذهبي في "السير" 6/ 175 من طريق يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، عن محمد بن جحادة، عن أنس به.
وجاء في هامش "السير": هذا الحديث بهذا الإسناد موضوع آفته يحيى بن عقبة، قال أبو حاتم: يفتعل الحديث، وقال ابن معين: كذاب خبيث عدو الله، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: وكان ممن يروي الموضوعات عن أقوام أثبات، لا يجوز الاحتجاج به بحال من الأحوال. اهـ.
قَالَ: هو خطأ
(1)
.
رابعها: قَالَ الترمذي: قَالَ بعض أهل العلم: القبلة تنقص الأجر ولا تفطر الصائم، وزاد: أن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبل، وإذا لم يأمن ترك؛ ليأمن له صومه
(2)
، وقد سلف.
خامسها: أثر ابن عباس: مأرب: حاجة، ذكره ابن أبي زياد في
"تفسيره" وبخط الدمياطي في حاشية أصله: الصواب: حاجات أو حاج أو أرب وإربة ومأربة كلها الحاجة تقول منه أرب الرجل يأرب إربًا والإرب أيضًا العضو والدهاء وهو من العقل تقول: هو ذو مأرب وقد أرب يأرب إربًا والأريب العاقل.
وقوله: (لإِرْبِهِ)، هو بكسر الهمزة، والإرب العضو، وقيل: الحاجة. وقال النحاس: أخطأ من كسرها هنا وإنما هو بفتحها والأربة العضو؛ لأنه يقال: قطعه إربًا إربًا، أي: عضوًا عضوًا والأرب بالفتح
الحاجة، وهو كناية عما يريده الرجل من امرأته.
سادسها: ما ذكره في تفسير الإربة عن طاوس، خالفه عطاء؛ فقال: هو من يتبعك وهمته بطنه، وعن ابن عباس: المقعد
(3)
.
وقال ابن جبير: المعتوه
(4)
. وقال عكرمة: العنين
(5)
.
(1)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 262 (773)، والحديث رواه مسلم (1106) من غير الطريق الذي ضعفه أبو زرعة.
(2)
"سنن الترمذي" 3/ 97 بعد حديث (727) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في القبلة للصائم.
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح" 4/ 151 وقال: رأيت بخط مغلطاي في "شرحه" هنا قال: وقال ابن عباس: أي في تفسير أولي الإربة المقعد.
(4)
رواه الطبري 9/ 309 (26001).
(5)
رواه الطبري 9/ 309 (26007)، وابن أبي حاتم 8/ 3579 (14429) بمعناه.
وقول ابن عباس: رواه ابن أبي زياد في "تفسيره" عنه كما سبق، وجويبر عن الضحاك عنه، وقيل: الطفل. وأثر جابر بن زيد رواه ابن أبي شيبة
(1)
، عن يزيد بن هارون، عن حبيب، عن عمرو بن هرم: سُئلَ جابر بن زيد عن رجل نظر لامرأته في رمضان فأمنى من شهوتها، هل يفطر؟ قَالَ: لا، ويتم صومه
(2)
.
وهذا الأثر في هذا الباب في بعض النسخ
(3)
، وفي بعضها في الباب بعده، وذكره ابن بطال فيهما
(4)
.
سابعها: بوَّب مالك في "موطئه" عَلَى حديث عائشة باب: التشديد في القبلة للصائم
(5)
. وهو دليل عَلَى أن القبلة لا تمنع صحة الصوم، وهو إجماع، واحتج به الشافعي عَلَى الجواز عند الأمن، وذكر ابن المنذر أنه كرهها للشاب والشيخ.
وقال ابن حبيب عن مالك: يشدد فيها في الفريضة، ويرخص فيها في التطوع، وتركها أحب إليَّ من غير ضيق، ويشدد فيها عَلَى الشاب في الفريضة ما لم يشدد عَلَى الشيخ، وفي "المجموعة" عنه: كراهتها في الفرض والتطوع
(6)
.
قَالَ محمد بن سحنون: أجمع العلماء عَلَى أن القبلة والمباشرة إذا لم تحركها شهوة أن صومه تام ولا قضاء عليه.
(1)
"المصنف" 2/ 322 (9480) كتاب: الصيام، باب: ما قالوا في الصائم يفطر حين يمني.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 322 (9480).
(3)
في نسخة أبي ذر الهروي، انظر: اليونينية 3/ 30.
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 51، 54.
(5)
"الموطأ" 1/ 306.
(6)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 48.
24 - باب القُبْلَةِ لِلصَّائِمِ
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: إِنْ نَظَرَ فَأَمْنَى يُتِمُّ صَوْمَهُ.
1928 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ح. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ. ثُمَّ ضَحِكَتْ. [انظر: 1927 - مسلم: 1106 - فتح: 4/ 152]
1929 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهَا رضي الله عنهما قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الخَمِيلَةِ إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، فَقَالَ:"مَا لَكِ أَنُفِسْتِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ، وَكَانَتْ هِيَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلَانِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ. [298 - مسلم: 296، 324، 1108 - فتح 4/ 152]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ. ثُمَّ ضَحِكَتْ.
وحديث أم سلمة قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي الخَمِيلَةِ إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ، فَأخَذْتُ ثيَابَ حِيضَتِي .. الحديث.
وسلف في الحيض
(1)
. زاد هنا: وَكَانَتْ هِيَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلَانِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ.
وحديث عائشة أخرجه مسلم، وفي رواية له: كان يقبلني وهو صائم. وأيكم يملك إربه كما كان يملك إربه؟ وانفرد بإخراجه من
(1)
برقم (298).
طريق حفصة
(1)
.
قَالَ ابن المنذر: اختلف العلماء في القبلة للصائم، فرخص فيها جماعة، وروي ذَلِكَ عن عمر وأبي هريرة وابن عباس وعائشة
(2)
.
وبه قَالَ عطاء والشعبي والحسن
(3)
، وهو قول أحمد وإسحاق، وقال القاضي عياض: أباحها جماعة من الصحابة والتابعين
(4)
.
وهو قول أبي ثور وداود والصحيح عن أحمد، وهو مذهب سعد بن أبي وقاص
(5)
، زاد ابن أبي شيبة: وعلى بن أبي طالب وعكرمة وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومسروق بن الأجدع
(6)
.
وقال ابن قدامة: إن قَبَّل فأمنى أفطر بلا خلاف، فإن أمذى فطر عندنا وعند مالك، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يفطر، روي ذَلِكَ عن الحسن والشعبي والأوزاعي
(7)
.
(1)
مسلم (1107) كتاب: الصيام، باب: بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته.
(2)
رواه عن عمر: مالك في "الموطأ" ص 195، وعبد الرزاق في "المصنف" 4/ 185 (7420)، وابن أبي شيبة 2/ 315 - 36 (9408). ورواه عن أبي هريرة: مالك ص 196، وعبد الرزاق 4 - 185 - 186 (7421 - 7422)، وابن أبي شيبة 2/ 315 (9398). ورواه عن ابن عباس عبد الرزاق 4/ 184 - 185 (7413 - 7416)، وابن أبي شيبة 2/ 315 (9400 - 9401). ورواه عن عائشة: مالك ص 196، وعبد الرزاق 4/ 183 (7411)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 93.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 315 (9402) عن عكرمة والشعبي.
(4)
"إكمال المعلم" 4/ 43.
(5)
رواه عنه مالك ص 196، وابن أبي شيبة 2/ 314 (9394).
(6)
"المصنف" 2/ 314 - 316 (9393، 9402، 9409).
(7)
"المغني" 4/ 361.
قَالَ ابن مسعود: إن قَبَّل وهو صائم صام يومًا مكانه
(1)
.
وقال الثوري: هذا لا يؤخذ به. وكرهها ابن عمر للصائم ونهى عنها
(2)
، وقال عروة: لم أرها للصائم تدعو إلى خير
(3)
.
وذكر الطحاوي، عن شعبة، عن عمران بن مسلم عن زاذان عن ابن عمر، مثله.
وذكر عن سعيد بن المسيب قَالَ: الذي يقبِّل امرأته وهو صائم ينقض صومه
(4)
.
وكرهها مالك للشيخ والشاب، كما سلف، وأخذ بقول ابن عمر، وأباحها فرقة للشيخ، وحظرها للشاب، رُوِي ذَلِكَ عن ابن عباس، ورواه مورق عن ابن عمر
(5)
، وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي.
قلت: المرجح عندنا: أنها محرمة عَلَى من حركت شهوته، والأولى لغيره تركها. وفي "شرح الهداية": لا بأس بالقبلة والمعانقة إذا أمن عَلَى نفسه، أو كان شيخًا كبيرًا. ويكره له مس فرجها، وعن أبي حنيفة: تكره المعانقة والمصافحة والمباشرة الفاحشة بلا ثوب، ويمس ظاهر فرجه
(1)
رواه عبد الرزاق 4/ 186 (7426)، والطبراني 9/ 314 (9572)، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 166: رجاله ثقات.
(2)
رواه مالك ص 196، وعبد الرزاق 4/ 186 (7423 - 7425)، وابن أبي شيبة 2/ 316 - 317 (9413، 9422)، والبيهقي 4/ 232.
(3)
رواه مالك في "الموطأ" ص 196 كتاب: الصيام، باب: التشديد في القبلة، والبيهقي 4/ 233.
(4)
"شرح معاني الآثار" 2/ 88.
(5)
رواه الطحاوي 2/ 89، 95.
ظاهر فرجها، والتقبيل الفاحش مكروه، وهو أن (يمضغ)
(1)
شفتها، وكذا قَالَه محمد
(2)
.
قَالَ الطحاوي: فأما ما روي عن ابن مسعود فقد رُوِي عنه خلافه، وروى إسرائيل، عن طارق، عن حكيم، عن جابر، عن ابن مسعود أنه كان يباشر امرأته وهو صائم، وما ذكروه من قول سعيد أنه ينقض صومه، فإن ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل وهو صائم أولى من قول سعيد
(3)
.
فإن ادعى أنه من خصائص نبينا لملكه إربه، فإنما قالته عائشة؛ لانتفاء الأمن علينا، بخلافه؛ لِأنه محفوظ، والدليل عَلَى أن القبلة عندها لا تفطر ما قد رويناه عنها أنها قالت: ربما قبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وباشرني وهو صائم، وأما أنتم، فلا بأس للشيخ الكبير الضعيف.
أرادت به أنه لايخاف من إربه، فدل ذَلِكَ أن من لم يخف من القبلة شيئًا وأمن عَلَى نفسه أنها له مباحة. وقالت مرة أخرى حين سئلت عنها للصائم جوابًا لذلك: كان صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، فلو كان حكمه عندها خاصًّا به لما كان ما علمته من فعله جوابًا لما سئلت عنه من فعل غيره، يبين ذَلِكَ ما رواه مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلًا قَبَّل امرأته وهو صائم فوجد من ذَلِكَ وجدًا شديدًا، فأرسل امرأته تسأل له عن ذَلِكَ، فدخلت عَلَى أم سلمة -أم المؤمنين- فذكرت ذَلِكَ لها فأخبرتها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، فرجعت فأخبرته فزاده شرًّا، وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل الله لرسوله
(1)
في (جـ): يمص.
(2)
انظر: "العناية" 2/ 331 - 332.
(3)
"شرح معاني الآثار" 2/ 90.
ما شاء. فرجعت المرأة إلى أم سلمة فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "والله
إني لأتقاكم بالله وأعلمكم بحدوده"
(1)
.
فدل هذا عَلَى استواء حكمه وأمته فيها إذا لم يكن معها الخوف عَلَى ما بعدها مما تدعو إليه، وبهذا المعنى كرهها من كرهها، وقال: لا أراها تدعو إلى خير، يريد إذا لم يأمن عَلَى نفسه، ليس لإنها حرام عليه، ولكن لا يأمن إذا فعلها أن تغلبه شهوته حَتَّى يقع فيما يحرم عليه فإذا ارتفع هذا المعنى كانت مباحة
(2)
.
وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي: إن من قبل فأمذى فلا قضاء عليه، وقد أسلفناه، وإن نظر فأمنى لم يبطل صومه، وإن قبل أو لمس فأمنى أفطر ولا كفارة عليه؛ لأنها إنما تجب بالإيلاج
(3)
.
وقال مالك: إن قبل فأنزل فعليه القضاء والكفارة وكذلك إن نظر وتابع؛ لأن الإنزال هو المبتغى من الجماع سواء كان بإيلاج أو غيره، فإن قبل فأمذى أو نظر فأمذى فعليه القضاء ولا كفارة عليه
(4)
.
تنبيهات:
أحدها: ما أسلفناه عن ابن مسعود وسعيد بن المسيب أنه يقضي مكان ما قبل، ذكره ابن أبي شيبة أيضًا عن شريح إبراهيم النخعي
(1)
رواه مالك في "الموطأ" 1/ 306، والطحاوي 2/ 94.
(2)
من قول المصنف رحمه الله سابقًا: قال الطحاوي، إلى هذا الحد نقله من "شرح معاني الآثار" 2/ 90، 93، 95 بتصرف، وفيه روى الطحاوي الآثار المذكورة بسنده.
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار" 2/ 95، "المجموع " 6/ 349، "المغني" 4/ 360 - 361.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 47، "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 13.
وابن مغفل والشعبي وأبي قلابة ومحمد ابن الحنفية ومسروق بن الأجدع وعمر
(1)
.
ويحتمل أن يكون [ابن عمر]
(2)
يرى جوازه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه لا ينظر إليه قَالَ: ما شأنى يا رسول الله؟ قَالَ: "ألست الذي تقبل وأنت صائم؟ " قَالَ: والذي بعثك بالحق لا قبلت بعدها وأنا صائم أبدًا، رواه ابن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن عمر بن حمزة،
عن سالم بن عمر
(3)
.
وفي حديث أبي نعيم، عن إسرائيل، عن زيد بن جبير، عن أبي يزيد الضبي، عن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صائم يقبل، قَالَ:"أفطر" قَالَ البخاري فيما ذكره الترمذي: هذا حديث منكر لا أُحدِّث به، وأبو يزيد لا أعرف اسمه، وهو مجهول
(4)
.
(1)
"المصنف" 2/ 316 - 317.
(2)
في الأصل: عمر والمثبت من مصادر التخريج.
(3)
"المصنف" 2/ 317 (9423).
(4)
رواه من هذا الطريق ابن ماجه (1686)، وأحمد 6/ 463، وابن سعد 8/ 305، وابن أبي شيبة 2/ 317 (9426)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" 5/ 107 (2212)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 6/ 210 (3442)، والطبراني 25 (57)، والمزي في "تهذيب الكمال" 34/ 408 - 409.
ورواه ابن سعد 8/ 305، والدارقطني 2/ 183 - 184، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 53 (892) من طريق عبيد الله بن موسى.
وإسحاق بن راهويه (2212) من طريق يحيى بن آدم. والدارقطني 2/ 184 من طريق إسماعيل بن جعفر.
ثلاثتهم عن إسرائيل عن زيد بن جبير، به.
وهو حديث ضعيف ضعفه البخاري كما نقله المصنف عن الترمذي في "علله" 1/ 346 - 347. وقال الدارقطني: لا يثبت، وأبو يزيد ليس بمعروف. =
وقال ثعلبة بن أبي صعير: رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهون عنها الصائم
(1)
.
= وقال العلامة ابن القيم في "زاد المعاد" 2/ 58: حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال البوصيري في "الزوائد"(576): إسناده ضعيف؛ لاتفاقهم على ضعف حديث زيد بن جبير، وضعف شيخه أبي يزيد. وقال الحافظ في "الإصابة" 4/ 413: إسناده ليس بالقوي. وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(372): ضعيف جدًا.
فائدة: أبو نعيم المذكور في الإسناد هنا هو الفضل بن دكين، كما جاء في بعض أسانيد الحديث، وجاء في إسناد المزي بالاثنين معًا، وجاء عند إسحاق بن راهويه: الملائي، والفضل بن دكين هو لقبه أيضًا، واسمه عمرو بن حماد بن زهير بن درهم، أبو نعيم الملائي الكوفي الأحول. انظر:"تهذيب الكمال" 23/ 197 (4732).
تنبيه هام: وقع في الأصل: أبي يزيد الضبي، وهو تصحيف وصوابه: الضني، بالنون المشددة لا بالباء المشددة، وهي تصحفت إلى الضبي -بالباء الموحدة- في أكثر الكتب حتى في "مسند أحمد" 45/ 597 ط. الرسالة.
ويدل لما قلنا ما قاله ابن ماكولا في "الإكمال" 5/ 231: الضبي بفتح الضاد وبالباء المعجمة بواحدة فكثير، وأما الضني بكسر الضاد والنون المشددة فهو أبو يزيد الضني، روى عن ميمونه بنت سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصائم إذا قبل امرأته .. وساق الحديث. ونقل ابن ناصر الدين في كتابه "توضيح المشتبه" 5/ 408 - 410 عن الذهبي أنه قال في "المشتبه": والضبي، منهم جرير بن عبد الحميد الضبي، وموسى بن داود الضبي وطائفة، وبنو ضنة بنون، من ذلك أبو يزيد الضني، عن ميمونة بنت سعد، وعنه زيد بن جبير. اهـ بتصرف.
وقال الحافظ في "تبصير المنتبه" 3/ 859: الضبي بموحدة: كثير، والضني، بالكسر وبالنون: أبو يزيد الضني، تابعي، روي عن ميمونة بنت سعد. وكذا ضبطه في ترجمته من "التقريب" (8451) فقال: أبو يزيد الضني، بكسر المعجمة وتشديد النون، مجهول. من الرابعة.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 317 (9425)، والطحاوي 2/ 95.
وفي "المحلى" عن ابن شبرمة: إن قبل أفطر وقضى يومًا مكانه
(1)
، وكان ابن عمر ينهى عن المباشرة للصائم
(2)
.
ونهى الزهري عن لمس الصائم وتجريده، وسئل ابن المسيب عن الصائم يباشر، قَالَ: يتوب عشر مرات، وقال ابن أبي رباح: لا يبطل صومه ولكن يبدل يومًا مكانه، وقال أبو رافع: لا يباشر الصائم
(3)
.
وروينا عن ابن عمر إباحتها للشيخ دون الشاب
(4)
، وكذا قاله ابن عباس والشعبي
(5)
.
وممن أباح كل ذَلِكَ عائشة، قالت لابن أختها: ما منعك من تقبيل أهلك وملاعبتها؟ فقَالَ: وأنا صائم؟! قالت: نعم
(6)
.
وصح عن (سعد بن أبي وقاص)
(7)
: أتقبل وأنت صائم؟ قال: نعم وأقبض عَلَى متاعها
(8)
.
وصح عن ابن مسعود أنه كان يباشر المرأة نصف النهار وهو صائم
(9)
، وكان حذيفة يفعله
(10)
. وقال عكرمة: يباشر الصائم
(11)
،
(1)
"المحلى" 6/ 210.
(2)
رواه مالك ص 196، وعبد الرزاق في "المصنف" 4/ 189 - 190 (7438).
(3)
رواه عنهم عبد الرزاق 4/ 188 - 190 (7432، 7434، 7436، 7440).
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 317 (9434).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 317 (9431) عن ابن عباس.
(6)
رواه مالك ص 196، عبد الرزاق (7411).
(7)
ورد في هامش الأصل: سعيد بن أبي العاص.
(8)
رواه عبد الرزاق 4/ 185 - 186 (7421)، وابن أبي شيبة 2/ 317 (9429)، وذكره ابن حزم في "المحلى" 6/ 212 وصححه.
(9)
رواه عبد الرزاق 4/ 190 - 191 (7442)، وابن أبي شيبة 2/ 317 (9430).
(10)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 318 (9437).
(11)
رواه عبد الرزاق 4/ 189 (7435).
وقاله الحسن
(1)
.
ثانيها: قوله: (ثم ضحكت) يحتمل لما كانت تخبر عن مثل هذا، ولعلها هي المخبر عنها، والنساء لا يحدثن الرجل بمثل هذا، فكانت تتبسم من إخبارها به؛ لحاجة الناس إلى معرفة ذَلِكَ.
وقال الداودي: يحتمل أن يكون ضحكها تعجبًا ممن خالفها في ذَلِكَ، ويحتمل أن تتذكر حب الشارع إياها فتضحك سرورًا بذلك، ويحتمل أن تعيب عَلَى من لا يملك إربه أن يفعل كفعل من يملك ذَلِكَ منه، ويحتمل أيضًا أن تعيب عَلَى من يملك نفسه أن يتقي ما لم يكن يتقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل: لأنها صاحبة القصة ليكون أبلغ في الثقة بقولها، وفيه رد عَلَى من فرق بين الشاب والشيخ؛ لأن عائشة إذ ذاك كانت شابة، ويوضحه حديث عمر بن أبي سلمة: يا رسول الله، أيقبل الصائم؟ فجوزه له
(2)
، وكان عمر إذ ذاك في عنفوان شبابه.
ثالثها: الخميلة: الظِّنْفِسَةَ.
وأنفستِ، أي: حضت، ويقال فيه بضم النون وفتحها كما سلف في موضعه.
(1)
رواه عبد الرزاق (7450).
(2)
رواه مسلم (1108).
25 - باب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ
وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ ثَوْبًا، فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَائِمٌ. وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ القِدْرَ، أَوِ الشَّيْءَ. وَقَالَ الحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِالمَضْمَضَةِ وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِمِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا كَانَ صَوْمُ أَحَدِكُمْ فَلْيُصْبِحْ دهنا مُتَرَجِّلًا. وَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ لِي أَبْزَنَ أَتَقَحَّمُ فِيهِ وَأَنَا صَائِمٌ. وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اسْتَاكَ وَهُوَ صَائِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَسْتَاكُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، وَلَا يَبْلَعُ رِيقَهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنِ ازْدَرَدَ رِيقَهُ لَا أَقُولُ يُفْطِرُ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ. قِيلَ: لَهُ طَعْمٌ. قَالَ: وَالمَاءُ لَهُ طَعْمٌ، وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ. وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ بِالكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا.
1930 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ وَأَبِي بَكْرٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُدْرِكُهُ الفَجْرُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. [انظر: 1925 - مسلم: 1109 - فتح: 4/ 153]
1931 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ -مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ المُغِيرَةِ- أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي، فَذَهَبْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِنْ كَانَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَصُومُهُ. [انظر: 1925 - مسلم: 1109 - فتح: 4/ 153]
1932 -
ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ. [انظر: 1926 - مسلم: 1109 - فتح: 4/ 153]
وذكر فيه حديث عَائِشَة رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُدْرِكُهُ الفَجْرُ فِي رَمَضَانَ، مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ.
وعن أم سلمة مثله، وقال هنا: مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ
الشرح: أثر ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن أبي عثمان قَالَ: رأيت ابن عمر يبل الثوب ثم يلقيه عليه
(1)
.
ولعله تأسى بالشارع -كعادته
(2)
- فقد صبَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رأسه الماء وهو صائم من الحرَّ من العطش بالعرج، كما أخرجه مالك وأبو داود
(3)
، وقال الحاكم -وخرجه عن أبي هريرة -: له أصل في "الموطأ"، وإن كان محمد بن نعيم السعدي حفظه، يعني عن مالك، عن سميٍّ، عن أبي صالح، عنه، فإنه صحيح عَلَى شرط الشيخين
(4)
.
(1)
"المصنف" 2/ 300 (9212)، ووصله البخاري في "التاريخ الكبير" 5/ 147 قال: قال إبراهيم بن موسى: أخبرنا يحيى بن سعيد، فذكره.
(2)
يشير المصنف رحمه الله إلى اقتداء ابن عمر برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي لم يشابهه فيه أحد من الصحابة، فقد كان رضي الله عنه يقتدي به في كل صغيرة وكبيرة وكل حركة وسكنة، مما يعجب السامع لذلك منه، وهناك مواقف -ما لا تحصي كثرة- تدل على ذلك، مما لا ينفسح المجال لذكرها.
(3)
"الموطأ" ص 196، أبو داود (2365) من طريقه. وكذا رواه الشافعي في "المسند" 1/ 270 - 271 (716)، وابن أبي شيبة 2/ 300 (9217)، وأحمد 3/ 475 و 5/ 376، 380، 408، 430، والنسائي في "الكبرى" 2/ 196 (3029)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 66، والحاكم 1/ 432 من طريق مالك عن سمي -مولى أبي بكر بن عبد الرحمن- عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث.
(4)
"المستدرك" 1/ 432 من طريق محمد بن نعيم السعدي عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة، به.
قال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 47: هذا حديث مسند صحيح، =
وأخرجه أبو عاصم النبيل في كتاب: "الصوم" من حديث طلحة بن عبيد الله، وفيه: وصببنا عليه غسلًا
(1)
.
= ولا فرق بين أن يسمي التابع الصاحب الذي حدثه أو لا يسميه، في وجوب العمل بالحديث؛ لأن الصحابة كلهم عدول مرضيون ثقات أثبات، وهذا أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث.
وقال الحافظ في "التعليق" 3/ 153: رواه مالك وأبو داود وغيرهما بإسناد صحيح. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 7/ 130 - 131 (2047): هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير الصحابي الذي لم يسم، فإني لم أعرفه، لكن جهالة الصحابة لا تضر، وشذ محمد بن نعيم السعدي عن مالك فسمى الصحابي أبا هريرة. اهـ. بتصرف.
(1)
هذا الحديث رواه البزار في "البحر الزخار" 3/ 160 - 161 (946) عن عمران بن هارون البصري وقال: وكان شيخًا مستورًا وكان عنده هذا الحديث يسمعونه عنه - قال: نا عبد الله بن محمد القرشي، قال: نا محمد بن طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه عن جده عن طلحة بن عبيد الله قال: تمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا بمكة وهو صائم فأجهده الصوم، فحلبنا له ناقة لنا في قعب وصببنا عليه عسلًا [قلت: هكذا بالعين المهملة] نكرم به رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث.
قال البزار: كانوا يكتبونه قبل أن نولد نحن عنه، وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ولم نسمعه إلا من عمران بن هارون.
وأورد الذهبي هذا الحديث في ترجمة عمران بن هارون في "ميزان الاعتدال" 4/ 164 (6317) وقال: عمران شيخ لا يعرف حاله، أتى بخبر منكر ما تابعه عليه أحد، ثم ساقه بإسناد البزار، ثم قال: عبد الله -يقصد ابن موسى القرشي، شيخ عمران- لا يُدْرَى من هو.
ولما ترجم الحافظ لعمران في "اللسان" 4/ 350 - 351 أورد الحديث أيضًا وذكر كلام الذهبي في تضعيف الحديث وتوهينه، ولم يعقب عليه، فكأنما أقره على ما قال.
وقال الهيثمي في "المجمع" 10/ 253: فيه ممن أعرفه اثنان.
تعقيب: الحديث الذي ذكره المصنف هنا وعزاه لكتاب "الصوم" لأبي عاصم النبيل، ذكره بلفظ: وصببنا عليه غسلًا، بالغين المعجمة، وهو هكذا في الأصل، =
وروى ابن أبي شيبة، عن أزهر، عن ابن عون: كان ابن سيرين لا يرى بأسًا أن يبل الثوب ثم يلقيه عَلَى وجهه، وعن يحيى بن سعيد عن عثمان بن أبي العاص أنه كان يصب عليه الماء ويروح عنه وهو صائم. وعن حفص عن الحسن بن عبيد الله: رأيت عبد الرحمن بن الأسود ينقع رجليه في الماء وهو صائم. وعن ابن فضيل، عن مغيرة، عن إبراهيم: يكره للصائم أن يبل ثوبًا بالماء ثم يلبسه
(1)
.
ولعل البخاري اقتصر عَلَى فعل ابن عمر ليرد هذا، وذكر الطحاوي عن الكوفيين: أن الصائم لا يفطره الانغماس في الماء، ولم يذكروا كراهية، وقال الليث والشافعي: لا بأس به.
وقال الحسن: رأيت عثمان بن أبي العاص بعرفة وهو صائم ينضح الماء ويصب عَلَى رأسه
(2)
.
وأثر الشعبي أخرجه ابن أبي شيبة، عن أبي الأحوص، عن إسحاق قَالَ: رأيت الشعبي يدخل الحمام وهو صائم
(3)
.
= بالغين المعجمة، والحديث الذي خرجته آنفًا عند البزار: وصببنا عليه عسلًا بالعين المهملة، أي كان صب العسل على اللبن كما في سياق الحديث، أما ما أورده المصنف ففيه أن صب الغسل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا أورده في هذا الباب، باب: اغتسال الصائم، فمن الجائز -والله أعلم- أن المصنف حينما نقل الحديث من كتاب أبي عاصم النبيل، وقعت عينه على هذا الجزء من الحديث، ولم ينتبه لسياق الحديث من أوله، فنقلها هكذا، ويدل لذلك أن الحديث الذي ذكره المصنف من حديث طلحة بن عبيد الله، والحديث الذي خرجته من حديث طلحة أيضًا، والسياق واحد لا فرق إلا بين العين والغين، فهل التصحيف من المصنف أم من أبي عاصم الله أعلم؟!
(1)
"المصنف" لابن أبي شيبة 2/ 300 (9214 - 9216، 9218).
(2)
رواه عنه ابن أبي شيبة 2/ 300 (9215).
(3)
"المصنف" 2/ 318 (9446).
وله معارض أخرجه أيضًا عن الحارث، عن علي: لا تدخل الحمام وأنت صائم، ونهى عن دخوله أبو العالية
(1)
.
ونص أصحابنا عَلَى كراهته: الجرجاني في "تحريره" و"شافيه"، والمحاملي في "لبابه"
(2)
.
ولعل سببه العطش والضعف، ونقله ابن التين عن مالك أيضًا، فقال مالك: نكرهه للصائم وغيره، ويقول: ليس بصواب؛ لأنه محدث، ولأنه لم يكن عَلَى عهد الخلفاء أيضًا، وهو من التنعم، وهو فعل العجم. قَالَ الداودي: وكان ابن وهب يدخل مع العامة ثم ترك وكان يدخله مخليًا.
وقال ابن قدامة: روى أبو بكر
(3)
بسنده عن ابن عباس دخل الحمام وهو صائم هو وأصحاب له في رمضان. وقال أحمد في الصائم ينغمس في الماء: إذا لم يدخل مسامعه لا يكره.
وكرهه الحسن والشعبي، فإن دخل مسامعه فوصل إلى دماغه من غير إسراف في الغسل المشروع، فلا شيء عليه، كما لو تمضمض أو استنشق في الطهر فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد، فلا شيء عليه
(4)
.
وبه قَالَ إسحاق والأوزاعي والشافعي في قول، وروي ذَلِكَ عن ابن عباس، وقال أبو حنيفة ومالك: يفطر، وأما المضمضة لغير الطهارة، فإن كانت لحاجة فهي في حكم الطهارة، وإن كانت عبثًا كره
(5)
.
(1)
السابق 2/ 319 (9447 - 9448).
(2)
"اللباب" ص: 193.
(3)
هو الأثرم.
(4)
"المغني" 4/ 357 - 358.
(5)
"المغني" 4/ 356.
وعن مالك في "المجموعة": أنه لا بأس أن يغتسل الصائم ويتمضمض من العطش
(1)
، خلاف ما ذكره الطحاوي
(2)
، وقال الحسن بن حيٍّ: يكره الانغماس فيه إذا صب عَلَى رأسه وبدنه، ولا يكره أن يستنقع فيه
(3)
، وحديث الباب يرده.
وأثر ابن عباس أخرجه البيهقي من حديث شريك عن سليمان، عن عكرمة عنه
(4)
، وابن أبي شيبة، عن وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عطاء عنه قَالَ: لا بأس أن يذوق الخل أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم، وعن الحسن: لا بأس أن يتطاعم الصائم العسل والسمن ونحوه ويمجه، وعن مجاهد وعطاء: لا بأس أن يتطعم الصائم من القدر، وعن الحكم نحوه، وفعله عروة
(5)
، وقالت عائشة في شراب سقته لأضيافها وقالت: لولا أني صائمة لذقته
(6)
.
وعندنا: يستحبُّ له أن يحترز عن ذوق الطعام خوف الوصول إلى حلقه، وقال الكوفيون: إذا لم يدخل حلقه لا يفطر
(7)
، وصومه تام وهو قول الأوزاعي، وقال مالك: أكرهه ولا يفطر إن لم يدخل حلقه، وهو مثل قولنا
(8)
.
(1)
انظر: "المدونة" 1/ 179.
(2)
"مختصر اختلاف العلماء" 2/ 13 - 14.
(3)
السابق.
(4)
"سنن البيهقي الكبرى" 4/ 261. ورواه البغوي في "الجعديات" (2406): ثنا على، أنا شريك، به. ورواه الحافظ في "التغليق" 3/ 152 بإسناده إلى البغوي.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 302 (9276 - 9277، 9279 - 9281).
(6)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 107 (7310)، وابن سعد في "الطبقات" 6/ 79، وابن أبي شيبة 2/ 305 (9282).
(7)
انظر: "المجموع" 6/ 356.
(8)
"المدونة" 1/ 178، وانظر:"النوادر والزيادات" 2/ 40 - 41.
وقال ابن عباس: لا بأس أن تمضغ الصائمة لصبيها الطعام، وهو قول الحسن البصري والنخعي
(1)
، وكرهه مالك والثوري والكوفيون إلا لمن يجد بدًّا من ذَلِكَ، وبه صرح أصحابنا، وعليه حمل الأثر،
وأثر الحسن لا يحضرني كذلك
(2)
.
وروى ابن أبي شيبة، عن عبد الأعلى، عن هشام، عن الحسن أنه كان يكره أن يمضمض الرجل إذا أفطر وإذا أراد أن يشرب، وحكي عن إبراهيم والشعبي في رواية أنه لا بأس به
(3)
. وكراهته عن عطاء والحكم، ورواية عن الشعبي
(4)
. وقال ابن التين: قول الحسن في المضمضة والتبرد هو قول مالك إذا لم يصل إلى الحلق
(5)
، وأثر ابن مسعود في الدهن لا يحضرني
(6)
.
(1)
رواه عن الحسن، عبد الرزاق 4/ 207 (7512).
ورواه عن إبراهيم النخعي، عبد الرزاق (7511)، وابن أبي شيبة 2/ 306 (9293).
ورواه ابن أبي شيبة (9294) عن عكرمة أيضًا.
(2)
انظر: "المبسوط" 3/ 1014، "النوادر والزيادات" 2/ 40 - 41، "المغني" 4/ 359 ..
(3)
"المصنف" 2/ 299 (9205، 9208 - 9209).
(4)
"المصنف" 2/ 299 (9207، 9210 - 9211).
(5)
رواه عن الحسن، ابن أبي شيبة 2/ 322 (9484) قال: إذا مضمض وهو صائم فدخل في حلقه شيء لم يتعمده فليس عليه شيء يتم صومه.
وروى عبد الرزاق 4/ 206 (7505) عن معمر عمن سمع الحسن يقول: رأيت عثمان بن أبي العاص بعرفة وهو صائم يمج الماء، ويصب على نفسه الماء، قال: وكان الحسن يمضمض وهو صائم ثم يمجه وذلك في شدة الحر.
(6)
وكذا ذكره العيني في "عمدة القاري" 9/ 72 ولم يذكر من وصله، وكذا الحافظ في "الفتح" 4/ 154، وأيضًا ذكره في "التغليق" 3/ 153 ولم يذكر من وصله. =
وقال الداودي: ما أحسنه لئلا يقع في نفسه شيء من الرياء.
والمرجل: الشعر الذي سرحه. واستحب الدهن له طائفة، روي عن قتادة أنه قَالَ: يستحب للصائم أن يدهن حَتَّى يذهب عنه غبرة الصوم
(1)
.
= قلت: وصله الإمام أحمد بنحوه في "الزهد" ص 197: ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي حصين: عن يحيى عن مسروق قال: قال عبد الله: إذا أصبحتم صيامًا فأصبحوا متدهنين.
وكذا الطبراني 9/ 246 (9208): ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم: ثنا مسعر، عن أبي حصين قال: قال عبد الله: أصبحوا متدهنين صيامًا.
قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 167: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، إلا أني لم أجد لأبي حصين عن ابن مسعود سماعًا.
قلت: إسناده معضل؛ لأنه -والله أعلم- سقط من إسناده يحيى ومسروق، كما هو واضح من إسناد الإمام أحمد الذي قبله.
ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق 57/ 407 من طريق حماد بن واقد عن حصين عن أبي الأحوص قال: سمعت ابن مسعود يقول لمسروق: ..... فساقه.
وروي عنه مرفوعًا بلفظه، رواه الطبراني 10/ 84 (10028)، وعنه أبو نعيم في "الحلية" 4/ 236 من طريق ميسرة بن عبد ربه عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصبح يوم صومي دهينًا مترجلًا، ولا تصبح يوم صومك عبوسًا .. الحديث.
قال أبو نعيم: غريب، هذا حديث مغيرة وإبراهيم وعلقمة، لم نكتبه إلا بهذا الإسناد.
وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 167: فيه: اليمان بن سعيد، وهو ضعيف، وقال في موضع آخر 4/ 217: فيه: اليمان بن سعيد، ضعفه الدارقطني وغيره.
ورواه ابن النجار في "الذيل" كما في "لسان الميزان" 3/ 207 - 208 من طريق أبي سعيد النقاش عن محمد بن فارس عن ابن مشكان عن طاهر بن الفضل بن سعيد عن وكيع عن الأعمش عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود رفعه: "أصبح يوم صومك دهينا مرجلًا".
قال النقاش: هذا حديث موضوع على وكيع، لعل طاهرًا وضعه.
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 313 (7912).
وأجازه الكوفيون والشافعي وقال: لا بأس أن يدهن الصائم شاربه، وممن أجاز الدهن للصائم مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ، ذكره ابن حبيب، وكرهه ابن أبي ليلى.
وأثر أنس: (إن لي أبزنًا أتقحم فيه وأنا صائم)
(1)
، كذا هو بخط
الدمياطي: أتقحم، وكذا هو في كتاب ابن بطال
(2)
وابن التين، ووقع بخط شيخنا علاء الدين في "شرحه" أنفح، والأبزن: الحوض الصغير بالفارسية، كذا بخط الدمياطي بفتح الهمزة، وقال غيره: معناه: الفسقية.
وقال صاحب "المطالع": هو مثل الحوض الصغير والقصرية الكبيرة من فخار ونحوه، وقيل: هو حجر منقور كالحوض، وقال أبو ذر: كالقدر يُسخَّن فيه الماء، وهو بفتح الهمزة فارسي معرب.
وقال ابن سيده: هو شيء يتخذ من الصُّفْرِ للماء له جوف
(3)
.
(1)
أثر أنس هذا وصله قاسم بن ثابت في كتاب "الدلائل" له كما في "التغليق" 3/ 153: ثنا عبد الله بن علي، ثنا عبد الله بن هاشم، ثنا وكيع عن عيسى بن طهمان، سمعت أنس بن مالك يقول: أن لي أبزن إذا وجدت الحر انقحمت فيه وأنا صائم. قال قاسم: الأبزن حجر منقور كالحوض اهـ.
وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 154: هذا الأثر وصله قاسم بن ثابت في "غريب الحديث" له من طريق عيسى بن طهمان .. وساقه.
فنجد أن الحافظ قد وسم كتاب القاسم بن ثابت في "التغليق" بـ "الدلائل" ووسمه في "الفتح" بـ "غريب الحديث"، وتوضيح ذلك أن كتاب القاسم اسمه "الدلائل في غريب الحديث" فهو كتاب واحد، قال الذهبي في ترجمة ثابت بن حزم، والد القاسم بن ثابت: قال أبو الربيع بن سالم: ومن تآليف بلادنا كتاب "الدلائل" في الغريب، مما لم يذكره أبو عبيد ولا ابن قتيبة؛ لقاسم بن ثابت السرقسطي، احتفل في تأليفه، ومات قبل إكماله، فأكمله أبوه. ا. هـ من "السير" 14/ 562 - 563 (321)
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 58.
(3)
"المحكم" 9/ 55.
وضبطه غيره بالكسر، وعلى أفواه الأطباء الضم، وهو مستنقع يكون أكثر ذَلِكَ في الحمام، وقد يكون في غيره، وقد يتخذ من صفر ومن خشب.
وتعليق السواك ذكره بعد في باب: السواك الرطب واليابس للصائم، فقال: ويذكر عن عامر بن ربيعة قَالَ: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي أو أعد
(1)
.
وقد أسنده الترمذي وحسنه من حديث عاصم بن عبيد الله عن عامر، فذكره
(2)
.
(1)
الباب الآتي، بعد حديث (1933).
(2)
الترمذي (725) ورواه أيضًا أبو داود (2364)، وأحمد 3/ 445، وأبو يعلى 13/ 150 (7193)، وابن خزيمة 3/ 247 - 248 (2007)، والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 334، وابن عدي 6/ 389، والدارقطني 2/ 202، والبيهقي 4/ 272، والضياء في "المختارة" 8/ 182 - 183 (201 - 202، 204 - 205)، والحافظ في "التغليق" 3/ 157 - 158 من طريق سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه، به، وليس من حديث عاصم عن عامر كما ذكر المصنف. وهو حديث ضعيف؛ قال ابن خزيمة: أنا برئ من عهدة عاصم، سمعت محمد بن يحيى يقول: عاصم بن عبيد الله ليس عليه قياس. وقال العقيلي: ولا يروى بغير هذا الإسناد إلا بإسناد لين وقال الدارقطني: عاصم بن عبيد الله غيره أثبت منه. وقال البيهقي: عاصم بن عبيد الله ليس بالقوي. وقال النووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 87: مداره على عاصم بن عبيد الله، وقد ضعفه الجمهور، فلعله اعتضد. وقال الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 459: قال ابن القطان في كتابه: ولم يمنع من صحة هذا الحديث إلا اختلافهم في عاصم بن عبيد الله. وأشار المصنف لضعفه في "البدر المنير" 2/ 32 - 33، وكذا الحافظ في "الفتح" 4/ 158، وقال في "التلخيص" 1/ 68: فيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف. وقال في موضع آخر 1/ 62: إسناده حسن. وضعفه الألباني في "الإرواء"(68)، وقال في "ضعيف أبي داود" (407): إسناده ضعيف، وانظر:"تمام المنة" ص 89.
وفي "ابن ماجه" عن عائشة مرفوعًا: "من خير خصال الصائم السواك"
(1)
. ورواه القاضي يوسف من حديث الشعبي عن مسروق عنها.
وفي البيهقي عن أنس مرفوعًا: "يستاك أول النهار وآخره برطبه ويابسه" ثم ضعفه
(2)
، وإليه ذهب أبو حنيفة بحديث: "لولا أن أشق
(1)
ابن ماجه (1677).
ورواه أيضًا الدارقطني 2/ 203، والبيهقي 4/ 272 من طريق مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة، به.
قال الدارقطني: مجالد غيره أثبت منه، وكذا قال البيهقي، وقال ابن دقيق العيد في "الإمام" 1/ 389: مجالد مشهور الحال، وقال المصنف في "البدر المنير" 2/ 34: في إسناده مجالد وفيه مقال. وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 2/ 66: هذا إسناد ضعيف؛ لضعف مجالد. وقال الحافظ في "التلخيص" 1/ 68: ضعيف. ومجالد هذا هو ابن سعيد بن عمير الهمداني، ترجمه الحافظ في "التقريب" (6478) وقال: ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره. وضعف الألباني الحديث في "الضعيفة"(3574)، وفي "ضعيف ابن ماجه"(370).
ورواه الطبراني في "الأوسط" 8/ 209 (8420) من طريق عباد عن السري بن إسماعيل عن الشعبي به.
والسري بن اسماعيل، قال عنه الحافظ في "التقريب" (2221): متروك الحديث.
وانظر: "الإمام" 1/ 389، و"البدر المنير" 2/ 35.
(2)
"سنن البيهقي" 4/ 272. ورواه أيضًا النسائي في "الأسماء والكنى" كما في "الإمام" 1/ 390 - 391، والدارقطني 2/ 202 من طريق عبد الله بن محمد بن علي البلخي: ثنا إبراهيم بن يوسف بن ميمون البلخي: ثنا أبو إسحاق الخوارزمي -قدم علينا أيام على بن عيسى- قال: سألت عاصم الأحول فقلت: أيستاك الصائم؟ فقال: نعم .. الحديث.
ورواه أيضًا البيهقي 4/ 272، والعقيلي في "الضعفاء" 1/ 57، وابن عدي 1/ 422 من طريق محمد بن سلام البيكندي: أنبأنا إبراهيم بن عبد الرحمن قال: سألت عاصم الأحول، فذكره.
قال البيهقي: هذا ينفرد به أبو إسحاق إبراهيم بن بيطار، ويقال إبراهيم بن عبد الرحمن، حدث ببلخ عن عاصم الأحول، لا يحتج به. وقال في "معرفة السنن =
عَلَى أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"
(1)
أو"عند كل وضوء"
(2)
.
والوضوء يكون كل وقت من النهار، وكذا الصلاة، وكرهه مالك وكرهه بالعود المبلول والرطب أبو يوسف، ورواية عن مالك، وكرهه الشافعي بعد الزوال عَلَى ما سلف، وهو رواية عن أحمد.
وأثر ابن عمر رواه ابن أبي شيبة بمعناه عن حفص، عن عبيد الله بن نافع، عن أبيه عنه بلفظ: كان يستاك إذا أراد أن يروح إلى الظهر وهو صائم
(3)
.
ورواه البيهقي من حديث وكيع عن ابن نافع
(4)
، ورواه ابن أبي شيبة عن علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا أبو حمزة، عن إبراهيم، عن نافع، عنه: لا بأس أن يستاك الصائم بالسواك الرطب واليابس
(5)
.
= والآثار" 6/ 334: حديث ضعيف لا يصح.
قال النسائي في "الأسماء والكنى" فيما ذكره ابن دقيق العيد 1/ 391: إبراهيم بن عبد الرحمن منكر الحديث. وقال ابن حبان في "المجروحين" 1/ 102 - 103: أبو إسحاق الخوارزمي يروي عن عاصم الأحول المناكير التي لا يجوز الاحتجاج بما يرويها، وحديثه عن عاصم الأحول: سألت أنس أيستاك الصائم؟ .. لا أصل له من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من حديث أنس. اهـ بتصرف.
وقال ابن عدي: إبراهيم بن عبد الرحمن، ليس بمعروف، وأحاديثه عن كل من روى عنه ليست بمستقيمة، وعامة أحاديثه غير محفوظة. وقال الدارقطني: أبو إسحاق الخوارزمي ضعيف. وقال ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 89: لا يصح، وغلا ابن الجوزي -كما قال المصنف في "البدر" 2/ 36، وذكره في "الموضوعات" 2/ 558. والحديث أشار الحافظ الضعفه في "التلخيص" 1/ 68.
(1)
سلف برقم (887)، ورواه مسلم (252).
(2)
بهذا اللفظ سيأتي قريبًا معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (1934) باب: السواك الرطب واليابس للصائم.
(3)
"المصنف" 2/ 296 (9157).
(4)
"السنن الكبرى" 4/ 273.
(5)
"المصنف" 2/ 297 (9173).
وأثر ابن سيرين
(1)
: لا بأس بالسواك الرطب، قيل: له طعم، قَالَ: والماء له طعم وأنت تمضمض به، رواه ابن أبي شيبة، عن عبيد بن سهل الفداني، عن عقبة بن أبي حمزة الماذني قَالَ: أتى محمد بن سيرين رجل فقال: ما ترى في السواك للصائم؟ قَالَ: لا بأس به، قَالَ: إنه جريدة وله طعم، قَالَ: الماء له طعم وأنت تمضمض، وكان ابن عمر لا يرى بأسًا بالسواك للصائم.
وعن زياد بن حدير: ما رأيت أحدًا أدوم سواكًا وهو صائم من
عمر بن الخطاب، ولما سئلت عنه عائشة قالت: هذا سواكي في يدي وأنا صائمة، وقال ابن عباس: استك عَلَى كل حال، واستحبه ابن سيرين أول النهار وكرهه آخره، ونحوه عن عطاء ومجاهد والحكم، وعن إبراهيم: لا بأس به، وعنهم خلا عطاء وابن عمر: لا بأس به.
وعن الشعبي: يستاك الصائم أي نهار شاء. وقال: يستاك ولا يبله، وسئل عنه أبو هريرة فقال: أدميت فمي اليوم مرتين، وعن ابن المسيب: لا بأس به، وكان عروة يستاك بالسواك الرطب وهو صائم، وكرهه بالرطب الحكم وأبو ميسرة، وعن عطاء: إن كان يابسًا فبلَّه
(2)
.
وقال ابن التين مثل ما قاله ابن سيرين، قَالَه الشافعي والأوزاعي
(1)
ذكر البخاري في هذا الباب قبل أثر ابن سيرين هذا أثر عطاء: إن أزدرد ريقه لا أقول: يفطر، وفات المصنف رحمه الله هنا أن يذكر من وصله، وسيأتي هذا الأثر بعد باب، في باب: سواك الرطب واليابس للصائم، قبل حديث (1934) وسيذكر أن عبد بن حميد أخرجه في "تفسيره"، وسيأتي أيضًا في باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء، ولم يذكر المصنف أيضًا من وصله: وصله عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 205 (7503)، وسعيد بن منصور كما في "التغليق" 3/ 154، 168، وكما في "الفتح" 4/ 160.
(2)
انظر هذِه الآثار في "مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 295 - 297.
وأبو ثور وأصحاب الرأي، قَالَ: وعند مالك أنه يكره الرطب في سائر النهار
(1)
.
وقال ابن حبيب: يكره الرطب للجاهل الذي لا يمج ما يجتمع منه
(2)
، ومقتضى مذهب مالك كراهته للعالم والجاهل؛ لما فيه من التغرير، وذلك أنه لا يجوز أن يغرره بفرض لفضيلة وهي السواك. واحتجاج ابن سيرين في المضمضة لا يلزم؛ لأن الماء لا يوجد منه بدٌّ.
وأثر الحسن وأنس وإبراهيم في الكحل أخرجها ابن أبي شيبة، فقال: حَدَّثَنَا حفص، عن عمرو، عن الحسن قَالَ: لا بأس بالكحل للصائم ما لم يجد طعمه، وحَدَّثنَا حفص، عن الأعمش، عن إبراهيم قَالَ: لا بأس بالكحل للصائم.
وحَدَّثَنَا وكيع، عن سفيان، عن خالد، عن الحسن وعن ليث، عن عطاء قَالَ: لا بأس به للصائم، وكذا قاله الزهري، وعن الجعفي، عن عامر ومحمد بن علي وعطاء أنهم كانوا يكتحلون بالإثمد، لا يرون به
بأسًا وهم صيام.
وعن أنس: أنه كان يكتحل وهو صائم
(3)
.
(1)
انظر: "المغني" 4/ 359، وانظر للشافعية:"المجموع" 6/ 343.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 46.
(3)
"المصنف" 2/ 305 (9267 - 9272، 9274 - 9275).
ورواه عن الحسن أيضًا عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 208 (7516)، وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 154: إسناده صحيح.
ورواه عن إبراهيم أيضًا سعيد بن منصور كما في "التغليق" 3/ 155، وكذا أبو داود (2379) عن الأعمش قال: ما رأيت أحدًا من أصحابنا يكره الكحل للصائم، وكان إبراهيم يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (2058): إسناده حسن.
وهو في أبي داود
(1)
.
وللترمذي من حديث أبي عاتكة عن أنس: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: اشتكت عيني، أفأكتحل وأنا صائم؟ قَالَ:"نعم"، ثم قَالَ: ليس إسناده بالقوي ولا يصح في الباب شيء
(2)
.
ولابن ماجه من حديث عائشة قالت: اكتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم
(3)
.
(1)
أبو داود (2378) وقال المصنف في "البدر المنير" 5/ 669؛ إسناده جيد، وقال الحافظ في "التلخيص" 2/ 191: لا بأس بإسناده، وقال في "الدراية" 1/ 281: إسناده حسن، وكذا قال الألباني في "صحيح أبي داود"(2057).
(2)
الترمذي (726) ورواه أيضًا ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 90 (1096) وأشار لضعفه، وقال البيهقي 4/ 262: إسناده ضعيف بمرة، وقال النووي في "المجموع" 6/ 388: إسناده ضعيف جدًا. وقال الذهبي في "التنقيح" 1/ 380: إسناده واه جدًا.
وقال الزيلعي في نصب الراية" 2/ 465: قال ابن عبد الهادي في "التنقيح": حديث واه جدًا، وأبو عاتكة مجمع على ضعفه، وذكر الحافظ الحديث في "التغليق" 3/ 155، وفي "الدراية" 1/ 281 وذكر تضعيف الترمذي له وسكت، فكأنما أقره على ما قال. وقال الألباني في ضعيف "الترمذي" (117): ضعيف الإسناد.
(3)
ابن ماجه (1678). ورواه أيضًا أبو يعلى 8/ 225 (4792)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 464، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 75 - 76 (1830)، والبيهقي 4/ 262 من طريقين عن بقية عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي عن هشام بن عروة عن أبيه عنها.
قال البيهقي: سعيد الزبيدي من مجاهيل شيوخ بقية، ينفرد به لا يتابع عليه. وقال النووي في "المجموع" 6/ 388: إسناده ضعيف. وقال البوصيري في "المصباح" 2/ 67: إسناده ضعيف؛ لضعف الزبيدي وخرج المصنف هذا الحديث في "البدر المنير" 5/ 667 وتكلم كلامًا يشعر بتصحيحه للحديث. وقال في "خلاصة البدر" 1/ 321 (1099): رواه ابن ماجه من رواية عائشة وليس فيه إلا بقية بن الوليد، وقد اختلف في الاحتجاج به، وأخرج له مسلم في الشواهد، والحق أنه ثقة في نفسه، لكن يدلس عن الكذابين وقد عنعن في هذا الحديث عن ثقة. =
وفي "الصوم" لابن أبي عاصم من حديث ابن عمر: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مملوءتان من الإثمد وذلك في رمضان وهو صائم
(1)
.
وللبيهقي عن أبي رافع نحوه مرفوعًا، ثم قال: وليس إسناده بالقوي
(2)
.
= وقال الحافظ في "الدراية" 1/ 281: في إسناده سعيد بن أبي سعيد الزبيدي، وهو ضعيف جدًا. وقال في "بلوغ المرام" (688): إسناده ضعيف. وقال في "النكت الظراف" 12/ 147: قال أبو بكر بن أبي داود: حديث منكر.
(1)
رواه الحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث"(557)، وكما في "المطالب العالية" 77/ 6 (1033)، وابن حبان في "المجروحين" 1/ 316 من طريق سعيد بن زيد عن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع عن ابن عمر، بنحوه.
ورواه أبو يعلى كما في "المطالب"(1064) من طريق سعيد بن زيد عن عمرو عن حبيب عن ابن عمرو عن محمد بن على عن ابن عمر، بنحوه، إلا أنه في الحديث الأول قال: خرج من بيت أم سلمة، وفي حديث أبي يعلى هذا قال: خرج من بيت حفصة. قال النووي في "المجموع" 6/ 388 - مضعفًا له-: في إسناده من اختلف في توثيقه. وقال البوصيري في "الإتحاف" 3/ 104: إسناده ضعيف؛ لضعف عمرو بن خالد القرشي. وقال الحافظ في "التلخيص" 2/ 191: سنده مقارب.
(2)
"سنن البيهقي" 4/ 262. ورواه أيضًا ابن سعد 1/ 484، وأبو يعلى كما في "المطالب العالية" 6/ 130 (1065)، وابن حبان في "المجروحين" 2/ 205، والطبراني 1/ 317 - 318 (939)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 351 و 7/ 272 من طريق حبان بن علي عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده -أبو رافع - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد وهو صائم.
قال البيهقي: محمد بن عبيد الله ليس بالقوي. وزاد الذهبي في "المهذب" 4/ 1639 (7155) قائلًا: وكذلك حبان، يقصد أنه ليس بالقوي أيضًا. وضعفه أيضًا النووي في "المجموع" 6/ 388. وقال الهيثمي 3/ 167: حبان بن علي عن محمد بن عبيد الله، قد وثقا وفيهما كلام كثير. وقال المصنف في "البدر المنير" 5/ 668: إسناده ضعيف؛ بسبب ضعف محمد بن عبيد الله هذا، قال ابن أبي حاتم (8/ 2): سألت =
قلت: وكذا الأمر بالاكتحال يوم عاشوراء لا يصح أيضًا
(1)
، وفي "المبسوط" عن ابن مسعود: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أم سلمة يوم عاشوراء وعيناه مملوءتان كحلًا
(2)
، وأما حديث عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة، عن أبيه، عن جده مرفوعًا أنه أمر بالإثمد
المروح عند النوم، وقال:"ليتقه الصائم" فمنكر كما قاله أحمد وابن معين
(3)
.
= أبي عنه فقال: ضعيف الحديث، منكر الحديث جدًا، ذاهب، وقال البخاري [1/ 171]: منكر الحديث. اهـ بتصرف. وأشار الحافظ لتضعيفه في "التلخيص" 2/ 190 - 191، وقال في "الفتح" 10/ 157: في سنده مقال، وقال في "الدراية" 1/ 281: إسناده ضعيف. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(4599).
والحديث رواه ابن خزيمة 3/ 248 - 249 (2008) من طريق معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، حدثني أبي، عن أبيه عبيد الله، عن أبي رافع، بنحوه.
قال ابن خزيمة: أنا أبرأ من عهدة هذا الإسناد لمعمر.
والحديث أورده الألباني في "الضعيفة"(1541) من الطريقين معًا وضعفه.
(1)
هو حديث موضوع، روي عن ابن عباس سيأتي تخريجه في باب: صيام عاشوراء (2000 - 2007) فانظره هناك تجد فوائد.
(2)
"المبسوط" 3/ 67 وجاء فيه: عن أبي مسعود، وفي "بدائع الصنائع" 2/ 93: عن ابن مسعود، كما ذكر المصنف، والحديث لم أجده عن هذا ولا ذاك، فلم أجده إلا عن ابن عباس -كما سيأتي تخريجه، والله أعلم.
(3)
رواه أبو داود (2377)، وأحمد 3/ 499 - 500، وابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 94 - 95 و 3/ 206، وأبو نعيم الأصبهاني في "معرفة الصحابة" 5/ 2526 (6116)، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 90 (1095)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 5/ 223 و 5/ 422، والمزي في "تهذيب الكمال" 17/ 459 - 460 من طريق علي بن ثابت عن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة، عن أبيه، عن جده، مرفوعًا به. ورواه أحمد 3/ 476 عن أبي أحمد الزبيري. والدارمي 2/ 1081 (1774)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 7/ 398، والبيهقي 4/ 262 من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وابن قانع في "المعجم" 3/ 206 - 207 من طريق المعلى.
ثلاثتهم عن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة، عن أبيه عن جده -وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتحلوا بالإثمد المروح، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر. وهذا اللفظ عند أحمد.
وعند الدارمي والبخاري والبيهقي: عن جدي وكان جدي قد أتي به النبي صلى الله عليه وسلم فمسح على رأسه وقال لا تكتحل بالنهار وأنت صائم، وساقه، وعن ابن قانع عند جده قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكحل للصائم بالنهار، فكرهه وقال:
…
الحديث.
قال أبو داود: قال لي يحيى بن معين: هو حديث منكر، وقال في "مسائل الإمام أحمد" (1891) قلت لأحمد: عبد الرحمن بن النعمان؟ فقال: هذا حديث منكر، يعني هذا الحديث. وقال الحافظ في "تعجيل المنفعة" 2/ 333: حديث منكر.
وكذا قال الألباني في "الإرواء"(936)، وقال في "ضعيف أبي داود" (410): علته النعمان، فإنه مجهول.
تتمة: اختلف في جد عبد الرحمن راوي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل جده هو: معبد بن هوذة، أم جد أبيه: هوذة بن قيس؟ وهذا الاختلاف نشأ من اختلافهم في صحبة هوذة بن قيس، مع عدم اختلافهم في صحبة معبد بن هوذة.
قال البخاري في "تاريخه"(1740): معبد بن هوذة الأنصاري. له صحبة. وعدهما ابن قانع في الصحابة فترجم لهما في "المعجم"(1059، 1186) وأورد الحديث في كلا الترجمتين! وقال ابن حبان في "الثقات" 3/ 389: معبد بن هوذة. يقال: إن له صحبة! وقال هذا مع عدم اختلافهم في صحبة معبد. وترجم الحافظ مغلطاي في "الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة" 2/ 193 (992) لمعبد بن هوذة ونقل قول ابن حبان، ولم يذكر هوذة المختلف في صحبته! وتبع أبو نعيم الأصبهاني، ابن قانع فترجم لمعبد وأبيه في "معرفة الصحابة"(2688، 3003) وذكر الحديث أيضًا في كلا الترجمتين. وتبعهما ابن الأثير أيضًا فترجم للاثنين في "أسد الغابة"(5006، 5413) وأورد الحديث في ترجمتهما.
وقال البيهقي: ومعبد بن هوذة الأنصاري هو الذي له الصحبة. ورجح ذلك أيضًا ابن عبد البر حيث ترجم في "الاستيعاب" 3/ 480 (2482) لمعبد نقط، وقال: له =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= صحبة، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإكتحال بالإثمد عند النوم. وكذا النووي فقال في "المجموع" 6/ 388: واحتج للمانعين بحديث معبد بن هوذة الصحابي، وساق الحديث.
وأغرب الذهبي فقال في "الكاشف"(5543): معبد بن هوذة، عن أبيه، وعنه ابنه نعمان، قال ابن معين: حديثه في الكحل منكر اهـ. فجعل الذهبي هنا الحديث عن هوذة وبالتالي أثبت له صحبة. بالرغم من أن صنيع المزي في ترجمة معبد من "التهذيب"(6077) لا يوهم هذا، بل جزم المزي بأن الحديث عن معبد وبالتالي له الصحبة، فقال في "تحفة الأشراف" 8/ 455: ومن مسند معبد بن هوذة الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأورد الحديث. وترجم الحافظ في "التقريب"(6783) لمعبد، فقال: صحابي له حديث، وهو جد عبد الرحمن بن النعمان، فجزم رحمه الله بصحبة معبد وأن الحديث عنه. وقال في "التهذيب" 4/ 116: معبد بن هوذة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالإثمد، ثم قال: وجعل ابن مسنده وجماعة الضمير في قوله: عن جده للنعمان، وتكون الرواية والصحبة لهوذة، ونسبوه فقالوا: هوذة بن قيس بن عباد بن رهم، فالله تعالى أعلم. فلم يجزم هنا بشيء! وكذا في "الإصابة" 3/ 441 في ترجمة معبد (8110) قال: قيل: إن الضمير في قوله: عن جده يعود لعبد الرحمن فتكون الصحبة لهوذة والله أعلم! كذا قال، وكلامه هنا فيه نظر؛ لأن الصحبة تكون لهوذة إذا جُعل الضمير في قوله: عن جده يعود للنعمان لا لعبد الرحمن، والله أعلم.
وجزم في ترجمة هوذة من "الإصابة" 3/ 625 (9081) فقال: هود -كذا وقع في المطبوع وهو خطأ وصوابه هوذة- بن قيس بن عباد، ذكره ابن شاهين وابن منده، ووهما فيه، وإنما الصحبة لولده معبد. مجزم هنا بصحبة معبد.
وجاء عند أحمد في "المسند" 3/ 499 - 500 قال: حديث هوذة الأنصاري عن جده وساق الحديث. قال الحافظ: سياق الحديث هنا ليس فيه ما يقتضي أن يكون لهوذة، بل ظاهره أنه لولده معبد، وساق الحديث، ثم قال: وقد جزم أكثر من صنف في الصحابة بأن صحابي هذا الحديث هو معبد بن هوذة، لا هوذة، والذي يتحرر أن الصحبة لمعبد، وهو راوي الحديث. اهـ "تعجيل المنفعة" 2/ 333 - 334. =
وذهب أبو حنيفة أنه لا بأس بالكحل للصائم، ودُهن الشارب
(1)
.
قَالَ الأعمش: ما رأيت أحدًا من أصحابنا يكره الكحل للصائم
(2)
.
وقال ابن قدامة: إن وجد طعمه بحلقه أو علم بوصوله إليه أفطر وإلا فلا، نص عليه أحمد
(3)
، وكذا قَالَ مالك
(4)
.
وعندنا لا يكره ولا يفطر وإن وجد طعمه بحلقه، تنخمه، أم لا؟
(5)
، ووافقنا أبو حنيفة
(6)
.
ورخص فيه أيضًا ابن أبي أوفى، وعطاء والشعبي والزهري والأوزاعي
(7)
، والليث وأبو ثور
(8)
، وحكاه ابن حبيب عن مطرف، وابن عبد الحكم وأصبغ.
= تنبيه: وقع في "الإرواء" 4/ 85: عن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه وجده عن النبي صلى الله عليه وسلم. فلا أدري قوله: عن أبيه وجده خطأ مطبعي، أو هو تحريف وقع فيه صاحب الكتاب، فبدل أن يكتب:(عن)، كتب:(و)، أو أنه اعتبر الحديث عن معبد بن هوذة وأبيه؛ والله تعالى أعلى وأعلم.
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 12، "المبسوط" 3/ 67، "المحيط البرهاني" 3/ 348.
(2)
رواه أبو داود (2379) وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(2058): إسناده حسن. وقد تقدم.
(3)
"المغني" 4/ 353.
(4)
"النوادر والزيادات" 2/ 43، و"الكافي" لابن عبد البر 2/ 126 - 127، و"الذخيرة" 2/ 506.
(5)
"الحاوي الكبير" 3/ 460، "العزيز" 3/ 194، "المجموع" 6/ 387 - 389.
(6)
"البناية" 3/ 643 - 644.
(7)
رواه عن عطاء، عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 208 (7516)، وابن أبي شيبة 2/ 304 - 305 (9267، 9271). ورواه عن الشعبي، ابن أبي شيبة (9270). ورواه عن الزهري، ابن أبي شيبة (9275).
(8)
"المجموع" 6/ 387.
وقال ابن الماجشون: لا بأس بالكحل بالإثمد للصائم وليس ذَلِكَ
مما يصام منه، ولو كان لذكروه كما ذكروا في المحرم، وأما الكحل الذي يعمل بالعقاقير ويوجد طعمه ويخرق إلى الجوف فأكرهه، والإثمد لا يوجد طعمه وإن كان ممسكًا، وإنما يوجد من المسك طعم ريحه لا طعم ذوقه
(1)
، ورخص في الإثمد قتادة
(2)
.
وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة: إن اكتحل قضى يومًا مكانه
(3)
.
وكرهه الثوري
(4)
وأحمد
(5)
وإسحاق
(6)
، وفي "المدونة": لا يكتحل الصائم، فإن اكتحل بإثمد أو صبر أو غيره فوصل إلى حلقة يقضي يومًا مكانه
(7)
.
وكره قتادة الاكتحال بالصبر
(8)
، وأجازه عطاء والنخعي
(9)
، وحديثا عائشة وأم سلمة سلفا
(10)
.
وكأن البخاري ذكر هذا ردًّا عَلَى من كره الاغتسال للصائم؛ لأنه إن كرهه خشية وصول الماء حلقه فهو منقوض بالمضمضة والسواك وذوق
(1)
"النوادر والزيادات" 2/ 43.
(2)
رواه عبد الرزاق 4/ 207 - 208 (7513).
(3)
رواه عنهما عبد الرزاق (7517).
(4)
"مختصر اختلاف العلماء" 2/ 12، "المجموع" 6/ 388.
(5)
"المغني" 4/ 353.
(6)
"المجموع" 6/ 388.
(7)
"المدونة " 1/ 177.
(8)
رواه عبد الرزاق (7513).
(9)
رواه عن عطاء، عبد الرزاق (7514)، وابن أبي شيبة 2/ 304 (9266).
ورواه عن إبراهيم النخعي، عبد الرزاق (7515).
(10)
تقدم تخريجهما قريبًا.
الطعام ونحو ذلك، وإن كرهه للرفاهية فمردود بما سلف عن السلف من التجمل والادِّهان والكحل وغيره، وكأنه قصد أبا حنيفة: فإنه كره الاغتسال وبل الثوب وصب الماء عَلَى الرأس للحر المضمضة لغير وضوء، كما نقله في "شرح الهداية"
(1)
عنه ثم قَالَ: وروى الحسن، عن أبي حنيفة: أن ذَلِكَ لا يُكره، وبه قَالَ أبو يوسف وهو المختار.
فائدة: قولها (جنبًا من غير احتلام) للتأكيد؛ لأن الحلم من الشيطان، وهو والأنبياء منزهون من ذَلِكَ؛ لأن رؤياهم وحيٌ.
(1)
"فتح القدير" 2/ 330.
26 - باب الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا
وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنِ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ المَاءُ فِي حَلْقِهِ لَا بَأْسَ، إِنْ لَمْ يَمْلِكْ. وَقَالَ الحَسَنُ: إِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ الذُّبَابُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
1933 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ". [6669 - مسلم: 1155 - فتح: 4/ 155]
ثم ذكر حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ".
الشرح:
أثر عطاء ليس فيه: إن لم يملك، بل ساقط
(1)
، وفي بعضها إثباته
(2)
، وفي أخرى (إذ)، وقد أسنده ابن أبي شيبة عن ابن جريج أن إنسانًا قَالَ لعطاء: استنثرت فدخل الماء حلقي، قَالَ: لا بأس، لم تملك، وعن إبراهيم إذا توضأ فدخل حلقه من وضوئه قَالَ: إن كان ذاكرًا لصومه فعليه القضاء، وإن كان ناسيًا فلا شيء عليه، وعن ابن عباس والشعبي: إن كان لغير الصلاة قضى، وإن كان لها فلا شيء عليه
(3)
. وكذا قاله الحكم، ونقل ابن التين عن مالك القضاء.
(1)
الساقط لفظة إن وذلك من نسخة أبي ذر وابن عساكر.
(2)
بل مثبتة عند جمهور الرواة ومنهم: الأصيلي وأبي الوقت وغيرهما. انظر: السلطانية 3/ 31.
(3)
"المصنف" 2/ 322 (9483، 9486 - 9487).
وأثر الحسن أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع، عن الربيع عنه قَالَ: لا يفطر الرجل يدخل حلقه الذباب
(1)
، وعنه أيضًا: إذا مضمض وهو صائم فدخل حلقه شيء لم يتعمده، فليس عليه شيء يتم صومه
(2)
.
وعن ابن عباس والشعبي: إذا دخل في حلقه الذباب لا يفطر
(3)
،
وبه قَالَ الأئمة الأربعة وأبو ثور.
قَالَ ابن المنذر: ولم يحفظ عن غيرهم خلافهم، وقول أشهب: أحب إليَّ أن يقضي ليس بالبين كما قاله الشيخ أبو محمد، وألزم ابن المنذر إلحاق من وطئت مكرهة بذلك وهو لا يقول به، وكذا النائمة، وأثره الثاني، ومجاهد قَالَ بمقتضاه أبو حنيفة والشافعي وإسحاق وأبو ثور.
وقال عطاء والأوزاعي ومالك والليث: عليه القضاء، زاد أحمد والكفارة.
وقال ابن قدامة: الظاهر أنه كالعامد، نص عليه، وهو قول عطاء وابن الماجشون. وروى أبو داود عن أحمد أنه توقف في الجواب، وفي رواية أحمد بن القاسم عنه: كل أمر غلب عليه ليس عليه قضاؤه ولا غيره
(4)
.
(1)
السابق 2/ 349 (95 - 97).
(2)
السابق 2/ 322 (9484).
(3)
السابق 2/ 349 (9793).
(4)
"المغني" 4/ 374. وقال أبو داود في "مسائل الإمام أحمد" (635): سمعت أحمد سئل عن الرجل يأتي أهله في رمضان ناسيًا؟ قال: أجبن عنه، أي أن أقول: ليس عليه شيء.
وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم والأربعة
(1)
، وعند الترمذي:"من أكل ناسيًا أو شرب ناسيًا فلا يفطر وإنما هو رزق رزقه الله تعالى" ثم قَالَ: حسن صحيح
(2)
.
وفي رواية لابن حباق والدارقطني -وقال: إسناده صحيح، وكلهم ثقات- "فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه"
(3)
.
وعند الدارقطني أن أبا هريرة وقع له ذَلِكَ فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث
(4)
.
وفي رواية لهما وللحاكم: "من أفطر في شهر رمضان ناسيًا فلا قضاء عليه ولا كفارة" قَالَ الحاكم: صحيح عَلَى شرط مسلم، وقال الدارقطني: تفرد به محمد بن مرزوق -وهو ثقة- عن الأنصاري.
قلت: قد تابعه أبو حاتم محمد بن إدريس كما رواه البيهقي
(5)
.
(1)
مسلم (1155)، أبو داود (2398)، والترمذي (721)، ابن ماجه (1673)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 244.
(2)
الترمذي (721 - 722).
(3)
لم أجده عند ابن حبان، ورواه الدارقطني 2/ 178، ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 87 (1085).
(4)
الدارقطني 2/ 179: ثنا علي بن إبراهيم بن عيسى، ثنا ابن خزيمة، نا علي بن حجر، ثنا يحيى بن حمزة، عن الحكم بن عبد الله -قال ابن خزيمة: وأنا أبرأ من عهدته -عن الوليد بن عبد الرحمن- مولى أبي هريرة- أنه سمع أبا هريرة يذكر .. فذكره.
قال الدارقطني: الحكم بن عبد الله، هو ابن سعد الأيلي، ضعيف الحديث.
وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 156: إسناده ضعيف.
(5)
رواه ابن خزيمة 3/ 339 (1990): نا محمد وإبراهيم ابنا محمد بن مرزوق الباهليان البصريان، قالا: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه عنه ابن حبان 8/ 287 - 288 (3521): أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا إبراهيم بن محمد بن مرزوق الباهلي، به.
فأسقط من الإسناد: محمد بن محمد بن مرزوق.
ورواه الدارقطني 2/ 178، والطبراني في "الأوسط" 5/ 292 - 293 (5352)، وابن عدي في "الكامل" 7/ 551 - 552، والبيهقي في "المعرفة" 6/ 272 (8709)، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 87 - 88 (1086) من طريق محمد بن محمد بن مرزوق، عن محمد بن عبد الله الأنصاري، به. هكذا عن محمد وحده عن الأنصاري.
ورواه الحاكم 1/ 430، وعنه البيهقي في "السنن" 4/ 229، وفي "المعرفة" 6/ 272 (8708) من طريق أبي حاتم محمد بن إدريس، عن الأنصاري به. وهذِه هي المتابعة التي ذكرها المصنف.
وسياق المصنف رحمه الله للحديث يوهم أن ابن حبان والدارقطني والحاكم رووه من طريق واحدة، وليس كذلك، فكما سبق رأينا أن ابن حبان رواه من طريق إبراهيم بن محمد بن مرزوق، والدارقطني رواه من طريق محمد بن محمد بن مرزوق، والحاكم رواه من طريق محمد بن إدريس، وهي المتابعة التي ذكرها المصنف بعد، وعزاها للبيهقي!
وسبق الدارقطني في قوله هذا الطبراني فقال: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن عمرو إلا الأنصاري، تفرد به: محمد بن مرزوق.
ولما روى ابن الجوزي في "التحقيق" الحديث من طريق الدارقطني، نقل قوله ولم يعقب عليه!
وكذا قال الذهبي في "الميزان" 5/ 151 أنه انفرد به محمد بن محمد عن الأنصاري!
وقول الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن عمرو إلا الأنصاري، فصواب لا شيء فيه؛ فقال البيهقي في "السنن" 4/ 229: تفرد به الأنصاري عن محمد بن عمرو، وكلهم ثقات، وكذا قال في "المعرفة" 6/ 272.
وأما قوله: تفرد به محمد بن مرزوق، والذي ذكره المصنف ونقله عن البيهقي وتبعهما عليه ابن الجوزي والذهبي، ففيه نظر، فقد تابع محمد بن مرزوق -محمد بن =
ولأحمد عن عبد الصمد: ثنا بشار
(1)
بن عبد الملك: حدثتني أم حكيم بنت دينار، عن مولاتها أم إسحاق أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بقصعة من ثريد، فأكلت معه، ومعه ذو اليدين، فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرقًا، قالت: فذكرت أني كنت صائمة فنسيت، فقلت: يا رسول الله، إني كنت صائمة، فقال ذو اليدين: الآن بعدما شبعتِ! فقال صلى الله عليه وسلم: "أتمي صومكِ فإنما هو رزق ساقه الله إليكِ"
(2)
.
= إدريس -كما ذكر المصنف- وكذا إبراهيم بن مرزوق، كما تقدم في التخريج.
وممن تعقب الدارقطني أيضًا الحافظ، فنقل قوله هذا في "الإتحاف" 16/ 107: وقال: كذا قال! ولم ينفرد به.
وقال في "الفتح": وتعقب بأن ابن خزيمة أخرجه أيضًا عن إبراهيم بن محمد الباهلي، وبأن الحاكم أخرجه من طريق أبي حاتم الرازي، كلاهما عن الأنصاري، فهو المتفرد به كما قال البيهقي، وهو ثقة. اهـ 4/ 157.
والحديث ضعفه ابن عدي قال 7/ 552: هذا غريب المتن والإسناد، فغربة متنه حيث قال: فلا قضاء عليه ولا كفارة، وغربة الإسناد من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، ولم أر لابن مرزوق هذا أنكر من هذين الحديثين [وكان قد ذكر قبل هذا الحديث حديثًا آخر] وهو لين، وأبوه محمد بن مرزوق ثقة.
لكن صححه جماعة فقال النووي في "المجموع" 6/ 352: إسناده صحيح أو حسن. وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 157 - 158: فيه: محمد بن عمرو وحديثه حسن. وقال الألباني في "الإرواء" 4/ 87: إسناده حسن. وقد تقدم ذكر توثيق البيهقي لرجال الحديث. والله أعلم.
(1)
ورد بهامش (س) ما نصه: بشار بن عبد الملك قال: (
…
) من كتابه على المسند قال ابن معين: ضعيف، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(2)
أحمد 6/ 367. ورواه أيضًا عبد بن حميد في "المنتخب" 3/ 273 - 272 (1588)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 6/ 93 (3306)، والطبراني 25/ 169 (411)، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 88 (1087)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 7/ 299 - 300، والحافظ في "الإصابة" 4/ 430 من طريق بشار بن عبد الملك، به. =
واختلف العلماء -كما قَالَ ابن المنذر وغيره- في الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا، فقالت طائفة: لا شيء عليه.
ورويناه عن علي وابن عمر وأبي هريرة
(1)
وعطاء
(2)
وطاوس
(3)
والنخعي، وبه قَالَ أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأحمد.
وقالت طائفة: عليه القضاء، وهو قول ربيعة ومالك وسعيد بن عبد العزيز، واحتج له ربيعة فقال: ما نعلم ناسيًا بشيء من حقوق الله عز وجل إلا وهو عامد له
(4)
.
قَالَ غيره: والأكل مناف للصوم، وقد تقرر أنه لو أكل وعنده أن الفجر لم يطلع وهو قد طلع لكان عليه القضاء، كذلك إذا وقع في
= قال الحافظ ابن عبد البر في "الاستيعاب" 4/ 478: غريب الإسناد. وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 157: فيه: أم حكيم، ولم أجد لها ترجمة. وقال الألباني في "الإرواء" 4/ 88: سنده ضعيف؛ أم حكيم هذِه لا تعرف، وبشار مختلف فيه.
(1)
رواه عنه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 174 (7378) عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أن إنسانًا جاء أبا هريرة، فقال: أصبحت صائمًا فنسيت .. الحديث.
ورواه مسدد كما في "المطالب العالية" 6/ 143 (1075) عن يحيى عن ابن عجلان، حدثني سعيد المقبري، قال: إن رجلًا سأل أبا هريرة فقال: أكلت وأنا صائم، قال .. لحديث.
قال الحافظ: موقوف صحيح. وقال البوصيري في "الإتحاف" 3/ 111 (2317): رواته ثقات.
ورواه عبد الرزاق (7372) عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: من أكل ناسيًا أو شرب ناسيًا فليس عليه بأس، إن الله أطعمه وسقاه.
(2)
رواه عنه عبد الرزاق 4/ 173 (7373).
(3)
السابق (7374).
(4)
انظر: "المغني" 4/ 367.
خلال الصوم، ولا فرق أنه يظن أنه يأكل قبل الفجر أو يظن أنه يأكل في
يومٍ من شعبان أو شوال أن عليه القضاء، واحتج مالك لذلك بقول عمر: الخطب يسير وقد اجتهدنا
(1)
.
قَالَ مالك: ولا يشك أن عمر قضى ذَلِكَ اليوم. وذكره ابن وهب
(2)
، وحجة الجماعة حديث الباب، وغير جائز أن يأمر من هذِه صفته بالإتمام ويكون غير تام.
والدلالة فيه من ثلاثة أوجه: هذا أحدها.
ثانيها: أنه نفي عنه الفعل وأضافه إلى الله فلا يتعلق به حكم.
ثالثها: أنه موضع البيان لاسيما وقد بين في الرواية السالفة، فإن قلت: المراد به الإمساك فقط.
ومعنى: "أطعمه الله وسقاه" إثبات عذره وعلة لسقوط الكفارة عنه، قالوا: والقضاء بنص القرآن، وهو قوله:{فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184].
قلت: عجيب؛ فقد صح أنه لا قضاء عليه.، وكأنه لم يبلغه.
ثم أغرب ابن بطال فذكر سؤالًا وجوابًا فقال: فإن قيل: فإنه لم ينقل في الحديث القضاء، ولا قضاء عليه. قيل: يجوز أن لا يشكل القضاء عَلَى السائل أو ذكره، ولم ينقل كما لم ينقل القضاء في حديث المجامع
(3)
، وهو عجيب؛ فقد نقلناه في النسيان، وهو مروي من طرق في قصة المجامع.
(1)
سيأتي تخريج هذا الحديث في حديث (1959) باب: إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس.
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 173.
(3)
سيأتي من حديث عائشة برقم (1935، 6822) ورواه مسلم (1112).
وأغرب ابن القصار فحمله عَلَى التطوع، وترده رواية الدارقطني والحاكم:"من أفطر في شهر رمضان ناسيًا" إلى آخره
(1)
.
وما أحسن قول الداودي: لعل مالكًا لم يبلغه هذا الحديث، وقال أبو حنيفة: القياس وجوب القضاء، والاستسحان نفيه لهذا الحديث.
قَالَ ابن التين: وهذا يدل عَلَى أن مذهب أبي حنيفة فيه مذهب جميل.
وأما بعض أتباعه الأغبياء فقالوا: لا نسلم حديثه إلا فيما يتعلق بالجنة والنار دون ما يتعلق بالأحكام، ورووا ذَلِكَ عن النخعي أنه قَالَ: كانوا لا يقبلون حديثه في الأحكام.
قلت: أستغفر الله من ذَلِكَ وليتني لم أحكه.
واختلفوا في جماع الناسي فقالت طائفة: لا شيء عليه، قَالَ ابن المنذر: رويناه عن الحسن ومجاهد
(2)
، وبه قَالَ الثوري وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق وأبو ثور. وقالت طائفة: عليه القضاء، رويناه عن
ابن عباس وعطاء
(3)
، وهو قول مالك والليث والأوزاعي.
وفيه قول ثالث: أن عليه القضاء والكفارة، وهو قول ابن الماجشون وأحمد ورواية ابن نافع عن مالك
(4)
.
= ومن حديث أبي هريرة (1936 - 1937، 2600، 5368، 6087، 6164، 6709، 6711، 6821)، ورواه مسلم (1111).
وانظر: "شرح ابن بطال" 4/ 61.
(1)
تقدم تخريجه قريبًا.
(2)
رواه عنهما عبد الرزاق 4/ 174 (7375، 7377).
(3)
رواه عنه عبد الرزاق (7376).
(4)
انظر: "المغني" 4/ 374.
واحتجوا بحديث المجامع في رمضان، فإنه لم يذكره عمدًا ولا سهوًا والناسي والعامد سواء، واختاره ابن حبيب، وهو عجيب؛ فإنه عامد لأنه قَالَ: هلكت
(1)
، وفي لفظ: احترقت
(2)
. والإجماع عَلَى سقوط
الإثم عَلَى الناسي.
(1)
سيأتي برقم (1936).
(2)
سيأتي برقم (6822).
27 - باب سِوَاكِ الرَّطْبِ وَاليَابِسِ لِلصَّائِمِ
وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ، مَا لَا أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ". وَقَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: يَبْتَلِعُ رِيقَهُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ". وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ.
1934 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حُمْرَانَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ رضي الله عنه تَوَضَّأَ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى إِلَى المَرْفِقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُسْرَى إِلَى المَرْفِقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا، ثُمَّ اليُسْرَى ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ:"مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَىْء، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". [انظر: 159 - مسلم: 226 - فتح: 4/ 158]
ثم ذكر حديث عُثْمَانَ أنه تَوَضَّأَ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ
…
لحديث.
وقد سلف بطوله في الطهارة، في باب: الوضوء ثلاثًا
(1)
، وحديث عامر سلف قريبًا مسندًا
(2)
.
(1)
برقم (159) كتاب: الوضوء.
(2)
في نسخة (س) فوق كلمة مسندًا كتب الناسخ (معلقا)، والحديث سلف معلقًا في باب: اغتسال الصائم، قبل حديث (1930). وتقدم ذكر من وصله فليراجع، وسلف هناك دون ذكر عامر بن ربيعة.
وحديث عائشة
(1)
أسنده النسائي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان
(2)
، وأثر عطاء وقتادة أخرجه عبد بن حميد في "تفسيره" عن
(1)
هكذا ذكر المصنف رحمه الله هنا تعليق عائشة ثم تعليقي عطاء وقتادة قبل تعليق أبي هريرة، وكذا هي بالأصل كما هو واضح في سياق الآثار التي ذكرها في الباب، وكذا ذكرها الحافظ في "الفتح" 4/ 158 - 159، وذلك لأن النسخة التي اعتمد عليها ابن حجر وهي رواية أبي ذر الهروي ورواية المصنف وهي رواية أبي الوقت وقع فيها تقديم تعليقات عائشة وعطاء وقتادة قبل تعليق أبي هريرة. قال العيني 9/ 80 بعدما أورد تعليق أبي هريرة أولًا كما هو في باقي النسخ: وقع هذا في بعض النسخ مقدمًا فوق حديث أبي هريرة، وليس هذا وحده بل وقع في غير رواية أبي ذر في سياق الآثار والأحاديث في هذا الباب تقديم وتأخير، وليس يبنى عليه عظيم أمر. وانظر اليونينية 3/ 31.
(2)
رواه النسائي 1/ 10، وأحمد 6/ 124، وابن حبان 3/ 348 (1067)، وأبو نعيم في "فضل الاستياك وآدابه" كما في "الإمام" 1/ 334 - وقد صرح ابن دقيق باسم هذا الكتاب في 1/ 346. والبيهقي 1/ 34، والمعمري في "اليوم والليلة" كما في "تغليق التعليق" 3/ 164، والحافظ في "التغليق" 3/ 15 من طريق يزيد بن زريع. وأبو يعلى 8/ 315 (4916) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة، مرفوعًا به.
وعبد الرحمن هذا هو ابن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وأبوه هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر. قال الدارقطني في "العلل" 1/ 278: وابن أبي عتيق هو: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر.
وقال البيهقي: ابن أبي عتيق هو: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ومحمد يكنى أبا عتيق، ثم قال: عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن أبي عتيق، نسبة إلى جده، وكذا قال في "المعرفة" 1/ 258 - 259.
وقال البغوي في "شرح السنة" 1/ 394: وابن أبي عتيق اسمه: عبد الله، وأبو عتيق اسمه: محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
وقال ابن دقيق العيد في "الإمام" 1/ 332: وعبد الرحمن بن أبي عتيق المذكور في السند منسوب إلى جده، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق، محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، قال فيه أحمد: لا أعلم إلا خيرًا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال الحافظ في "التلخيص" 1/ 60: صاحب الحديث هو عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، نسب في السياق إلى جده.
وقد جاء التصريح باسم الراوي عن عائشة.
فرواه أحمد 6/ 47، 62، 238، وأبو يعلى 8/ 73 (4598)، وابن المنذر في "الأوسط" 1/ 363 - 364 (338)، وأبو نعيم في "الحلية" 7/ 159، وفي "فضل الاستياك وآدابه" كما في "الإمام" 1/ 335، والبغوي 1/ 394 - 395 (200) من طريق محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن عائشة به.
ورواه الشافعي في "المسند" 1/ 30، والحميدي 1/ 242 (162)، والبيهقي 1/ 34، وفي "المعرفة" 1/ 258 (582)، وابن عبد البر في "التمهيد" 18/ 301، والبغوي (199) من طريق محمد بن إسحاق، عن ابن أبي عتيق، عن عائشة به.
هكذا من طريق ابن سحاق، لكن دون التصريح باسم ابن أبي عتيق.
قال ابن عبد البر: هذا إسناد حسن وإن لم يكن بالقوي، فهي فضيلة لا حكم اهـ بتصرف. وقال البغوي: هذا حديث حسن. وقال الألباني في "الإرواء" 1/ 105: إسناده صحيح.
ورواه البيهقي في "الشعب" 3/ 27 - 28 (2777) من طريق ابن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة به.
قال البيهقي: كذا قال، والصواب عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن محمد بن أبي عتيق، عن عائشة.
ورواه ابن خزيمة 1/ 70 (135) والبيهقي 1/ 34 من طريق ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، عن عبيد بن عمير، عن عائشة به.
قال الألباني كما في "صحيح ابن خزيمة"(135): رجال إسناده ثقات.
ورواه أحمد 6/ 146، والدارمي 1/ 538 (711)، وأبو يعلى 8/ 51 (4569)، وابن عدي في "الكامل" 1/ 382، وابن عبد البر 18/ 301، والحافظ في "التغليق" 3/ 165 من طريق داود بن الحصين، عن القاسم بن محمد، عن عائشة به.
قال ابن عبد البر: إسناد حسن وإن لم يكن قوي، فهي فضيلة لا حكم. اهـ بتصرف.
وقال الألباني في "الإرواء" 1/ 105: سنده صحيح. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه أبو نعيم كما في "الإمام" 1/ 335، والبيهقي 1/ 34 من طريق سليمان ابن بلال، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق، عن القاسم بن محمد، عن عائشة به.
قال البيهقي: كأن عبد الرحمن سمعه من عبد الله بن أبي عتيق والقاسم بن محمد جميعًا: اهـ بتصرف. وقال الحافظ في "التغليق" 3/ 156: إن كان سليمان بن بلال حفظه، فيشبه أن يكون عبد الرحمن سمعه من أبيه وابن عم أبيه القاسم، وحديث عائشة هذا صحيح بمجموع أسانيده.
وقال النووي في "المجموع" 1/ 324: حديث صحيح رواه ابن خزيمة والنسائي والبيهقي وآخرون بأسانيد صحيحة، وذكره البخاري تعليقًا، وهذا التعليق صحيح؛ لأنه بصيغة الجزم، وقال في "رياض الصالحين" (1202): رواه النسائي وابن خزيمة بأسانيد صحيحة. وقال في "خلاصة الأحكام" 1/ 84 - 85: حديث حسن، رواه ابن خزيمة والنسائي وغيرهما بأسانيد حسنة.
وقال ابن دقيق العيد في "الإمام" 1/ 333: حديث جيد، وكلام البخاري أيضًا يشعر بصحته عنده، فأورده بصيغة الجزم.
وقال المصنف في "البدر المنير" 1/ 687: هذا التعليق صحيح؛ لأنه بصيغة جزم، وهو حديث صحيح من غير شك ولا مرية، ولا يضره كونه في بعض أسانيده ابن إسحاق، فإن إسناد الباقين ثابت صحيح لا مطعن لأحد في رجاله، وقد شهد له بذلك غير واحد، قال ابن الصلاح في كلامه على "المهذب": هذا حديث ثابت، وقال المنذري في كلامه عليه أيضًا: رجال إسناده كلهم ثقات. اهـ. وقال الألباني في "الإرواء"(66): صحيح.
وقال الحافظ في "التغليق" 3/ 166: شذ حماد بن سلمة فرواه، عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق.
قلت: رواه بهذا الإسناد أحمد 1/ 3، 10، وأبو يعلى 1/ 103 (109)، وابن عدي 3/ 50، وأبو نعيم كما في "الإمام" 1/ 337، والحافظ في "التغليق" 3/ 166.
قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان في "العلل" 1/ 12 (6): هذا خطأ إنما هو ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة. وكذا صوبها الدارقطني في "العلل" 1/ 277. =
عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن شهاب عنهما
(1)
.
وتعليق حديث أبي هريرة أسنده النسائي، وصححه ابن خزيمة، وأخرجه في "الموطأ" عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه قَالَ: لولا أن يشق علي أمته لأمرهم بالسواك مع
كل وضوء
(2)
.
وهذا يدخل في المسند عندهم، كما قاله أبو عمر لاتصاله من غير ما وجه، كذا رواه أكثر الرواة عن مالك
(3)
، ورواه بشر بن عمر وروح بن عبادة عن مالك مرفوعًا به.
وخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث روح، ورواه الدارقطني
= وقال أبو يعلى 1/ 103 و 8/ 315: سألت عبد الأعلى، عن حديث أبي بكر الصديق فقال: هذا خطأ، وصوب حديث عائشة. وقال ابن عدي: يقال إن هذا الحديث أخطأ فيه حماد بن سلمة.
وقال الحافظ في "التغليق" 3/ 66: هو خطأ.
وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وابن عباس وابن عمر وأبي أمامة، ومن أراد التفصيل، فلينظر تخريجها والكلام عليها في:"الإمام" 1/ 333 - 345، و"البدر المنير" 1/ 688 - 692، و"المجمع" 1/ 220، و"التلخيص الحبير" 1/ 60، و"مصباح الزجاجة" 1/ 43، "لسان الميزان" 1/ 370، و"الإرواء" 1/ 105 - 106، و"الضعيفة"(5276، 4016).
(1)
تعليق عطاء سلف في باب: اغتسال الصائم قبل حديث (1930)، ولم يذكر المصنف هناك من وصله، وذكرنا هناك من وصله، وسيأتي أيضًا في الباب الآتي.
وأما تعليق قتادة فوصله عبد الرزاق 4/ 205 (7502).
(2)
"سنن النسائي الكبرى" 2/ 198 (3043)، "صحيح ابن خزيمة" 1/ 73 (140) و"الموطأ" ص 64 من طريقه، عن ابن شهاب الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، قوله. لكنه جاء عند النسائي وابن خزيمة مرفوعًا.
(3)
"التمهيد" 7/ 194.
في "غرائب مالك" من حديث إسماعيل بن أبي أويس وغيره بما يقتضي أن لفظهم: "مع كل وضوء"
(1)
.
واستدركه الحاكم صحيحًا بلفظ: "لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء"
(2)
.
(1)
وجدته في "أطراف الغرائب والأفراد" 5/ 161 - 162 (5009) دون إسناد: "لولا أن أشق على أمتي .. " الحديث. ثم قال: في صلاة العشاء. تفرد به إسحاق بن أبي فروة عن صفوان بن سليم عنه.
والحديث رواه النسائي في "الكبرى" 2/ 198 (3043)، وابن الجارود في "المنتقى" 1/ 64 - 65 (63)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 43، والبيهقي في "الشعب" 3/ 25 (2769)، وابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 197، وابن دقيق العيد في "الإمام" 1/ 354 - 355، والذهبي في "السير" 9/ 418، وفي "تذكرة الحفاظ" 1/ 337، والحافظ في "التغليق" 3/ 160 من طريق بشر بن عمر.
وأحمد 2/ 517، وابن خزيمة 1/ 73 (140)، والبيهقي في "السنن" 1/ 35 - 36، وفي "المعرفة" 1/ 257 (577 - 578)، وابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 199، والحافظ في "التغليق" 3/ 160 من طريق روح بن عبادة. والبيهقي في "السنن" 1/ 35، وابن عبد البر 7/ 196 من طريق إسماعيل بن أبي أويس.
والطحاوي 1/ 43، وابن عبد البر 7/ 196 من طريق عبد الله بن وهب.
وأحمد 2/ 460 من طريق عبد الرحمن بن مهدي.
والنسائي 2/ 198 (3045) من طريق ابن القاسم.
والبيهقي في "المعرفة" 1/ 256 - 257 (572) من طريق القعنبي.
وابن عبد البر 7/ 196 من طريق مطرف وابن نافع.
وفي 7/ 199 من طريق يحيى بن بكير.
عشرتهم، عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، مرفوعًا بهذا اللفظ.
قال ابن دقيق العيد في "الإمام" 1/ 354: هو معروف من جهة بشر بن عمر وروح بن عبادة، صحيح عنهما، عن مالك بسنده مرفوعًا.
(2)
"المستدرك" 1/ 146. =
وفي لفظ: "مع كل طهارة"
(1)
.
وفي لفظ: "لولا أن أشق عَلَى الناس لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع الوضوء بسواك"
(2)
.
وحديث جابر أخرجه أبو نعيم من حديث إسحاق بن محمد الفروي، عن عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن عبد الله بن عقيل، عنه بلفظ:"عند كل صلاة"
(3)
.
= ورواه أيضًا النسائي 2/ 196 (3032)، والبيهقي 1/ 36 من طريق حماد بن زيد، عن عبد الرحمن السراج، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة به.
قال الحاكم: صحيح على شرطهما جميعًا وليس له علة.
ورواه أحمد 2/ 250، والنسائي 2/ 196 - 197 (3034، 3037 - 3038)، وابن حبان 4/ 399 (1531)، والبيهقي 1/ 36 من طريق عبيد الله بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة بنحوه.
قال النووي في "المجموع" 1/ 328: حديث صحيح رواه ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما وصححاه، وأسانيده جيدة.
(1)
قال ابن دقيق العيد في "الإمام" 1/ 356: ورواه الكشي من حديث سعيد، ولفظه:"مع كل طهور".
(2)
رواه بهذا اللفظ أحمد 2/ 259. قال مسجد الدين ابن تيمية في "المنتقى" (350): إسناده صحيح. وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" 1/ 98: إسناده حسن.
وقال المصنف في "البدر" 1/ 699: إسناده صحيح. وقال الهيثمي 1/ 221: فيه: محمد بن عمرو بن علقمة وهو ثقة حسن الحديث. وقال الألباني في "الثمر المستطاب" 1/ 10: إسناده صحيح، وقال في "صحيح الترغيب" (200): حسن صحيح. ورواه أيضًا النسائي 2/ 197 (3039) بغير إسناد أحمد.
وأورده السيوطي في "الجامع الصغير"(7509) وعزاه لأحمد والنسائي، ورمز لصحته. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(5318).
(3)
رواه أبو نعيم في "فضل الاستياك وآدابه" كما في "الإمام" 1/ 362، ورواه أيضًا ابن عدي في "الكامل" 5/ 500 - 501، والحافظ في "التغليق" 3/ 161، 162 من طريق إسحاق بن محمد الفروي، عن عبد الرحمن بن أبي الموال، عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله مرفوعًا:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
قال ابن دقيق 1/ 362: إسحاق الفروي قد أخرج له البخاري.
وقال ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 35 (70): سألت أبي عن هذا الحديث -فقال: ليس بمحفوظ، وهو مرسل أشبه.
وقال المصنف في "البدر المنير" 1/ 702: فيه إسحاق بن محمد الفروي، وقد أخرج له البخاري ووثقه ابن حبان، وتكلم فيه غيرهما.
وقال الحافظ في "التقريب"(381): إسحاق بن محمد الفروي، صدوق كُفَّ فساءَ حفظه. وقال عن الحديث في "التغليق" 3/ 162: إسناده حسن. وقال في "التلخيص" 1/ 62 - 63: وعن عبد الله بن عمرو وسهل بن سعد وجابر وأنس، رواها أبو نعيم في كتاب "السواك" وإسناد بعضها حسن.
قلت: فلعل منها حديث جابر، والله أعلم.
وخالف فقال في "الفتح" 4/ 159: عبد الله بن محمد بن عقيل، مختلف فيه!
قلت: قال عنه في "التقريب"(3592): صدوق في حديثه لين، ويقال: تغير بأخرة.
وقال العيني في "العمدة" 9/ 80: الحديث ضعفه ظاهر بابن عقيل الفروي فإنه مختلف فيه.
قلت: هما رجلان، فإن عقيل رجل هو عبد الله بن محمد بن عقيل، والفروي رجل آخر هو إسحاق بن محمد الفروي، وقد تقدم ذكرهما كثيرًا والكلام عليهما، والله أعلم.
ورواه ابن عدي 2/ 369 من طريق جعفر بن الحارث، عن منصور، عن أبي عتيق، عن جابر مرفوعًا بلفظ:"لجعلت السواك عليهم عزيمة".
قال الحافظ في "التغليق" 3/ 162: جعفر بن الحارث ضعيف. وقال في "الفتح" 4/ 159: إسناده ضعيف. وكذا قال العيني في "العمدة" 9/ 80.
ورواه ابن منيع في "مسنده" كما في "الإتحاف" 1/ 287 (466/ 2)، وكما في "المطالب العالية" 2/ 224 (63/ 2) من طريق حرام بن عثمان، عن أبي عتيق، عن جابر، مرفوعًا بلفظ:"لجعلت السواك عليهم عزمة".
قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف؛ لضعف حرام.
وحديث زيد بن خالد أخرجه أيضًا من حديث ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة عن زيد كذلك
(1)
.
ولعل البخاري أشار بنحوه إلى هذا ومرضهما المصنف
(2)
؛ لأن ابن إسحاق شرطه في المتابعات لا في الأصول
(3)
.
(1)
رواه أبو نعيم كما في "الإمام" 1/ 362 - 363. ورواه أيضًا أبو داود (47)، والترمذي (23)، وأحمد 4/ 114، 116، 5/ 193، والطبراني 5/ 243 - 244 (5223 - 5224)، والبيهقي 1/ 37، والبغوي في "شرح السنة" 1/ 393 (198)، والحافظ في "التغليق" 3/ 162، 163 من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة، عن زيد بن خالد به. وتابعه يحيى بن أبي كثير، فيما رواه أحمد 4/ 116 من طريقه عن أبي سلمة به.
قال الترمذي في "العلل" 1/ 106: سألت محمدًا عن هذا الحديث أيهما أصح؟
فقال: حديث زيد بن خالد أصح، وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة عندي هو صحيح أيضًا؛ لأن الحديث معروف من حديث أبي هريرة، وكلاهما عندي صحيح. وقال في "السنن" 1/ 34: أما محمد بن إسماعيل فزعم أن حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد أصح. اهـ. قلت: فكأنه لم يترجح لديه ما نقله عن البخاري في "العلل". والحديث صححه أيضًا البغوي.
ووجه الحافظ ترجيح البخاري لحديث أبي سلمة، عن زيد، على حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، فقال: كأنه ترجح عنده بمتابعة يحيى بن أبي كثير، وهو متجه، ومع ذلك فعلقه بصيغة التمريض للاختلاف الواقع فيه. والله أعلم اهـ "التغليق" 3/ 163. وقال نحو هذا الكلام وزيادة في "الفتح" 4/ 159. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(37).
فائدة: حديث أبي هريرة الذي ذكره البخاري ورجح حديث زيد بن خالد عليه، رواه الترمذي (22)، والبيهقي 1/ 37 من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
(2)
أي ذكرهما بصيغة التمريض فقال: ويُروى.
(3)
يشير إلى أن حديث زيد بن خالد في إسناده محمد بن إسحاق، وفيه كلام كثير مفادة ما قاله الحافظ في "التقريب" (5725): صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدر.
وفي الأول الفروي، وابن عقيل أحسن حالًا منه
(1)
. وسلف فقه الباب قريبًا.
قَالَ ابن التين: حديث حمران فيه بُعْد عَلَى ما بوب عليه.
قلت: لا بل هو لائح، وهو انتزاع ابن سيرين السالف حين قَالَ: لا بأس بالسواك الرطب. قيل: له طعم، قَالَ: والماء له طعم، وأنت تمضمض به
(2)
نبه عليه ابن بطال، وقال: هو حجة قاطعة لا انفكاك عنه؛ لأن الماء أرق من ريق السواك، وقد أباح الله المضمضة بالماء في الوضوء للصائم وإنما كرهه من كرهه خشية من لا يعرف أن يحترز من ازدراده.
وقال ابن حبيب: من استاك بالأخضر ومج من فيه ما اجتمع فيه
(1)
وهو حديث جابر، وإسحاق بن محمد بن الفروي من شيوخ البخاري روى عنه في "صحيحه" كما سيأتي في أحاديث (2925، 3094).
وقد أسلفنا قول الحافظ فيه في "التقريب"(381): صدوق كُفَّ فساء حفظه.
وقال في "هدي الساري" ص 389: قال أبو حاتم: كان صدوقًا ولكن ذهب بصره فربما لقن، وكتبه صحيحة، ووهاه أبو داود والنسائي، والمعتمد فيه ما قاله أبو حاتم، وقال الدارقطني والحاكم: عيب على البخاري إخراج حديثه. قلت: روى عنه البخاري في كتاب الجهاد حديثًا (2925) وفي فرض الخمس آخر (3094) كلاهما عن مالك، وأخرج له في الصلح حديثا آخر مقرونًا بالأويسي (2693) وكأنها مما أخذها عنه من كتابه قبل ذهاب بصره، وروى له الترمذي وابن ماجه. اهـ وانظر:"تهذيب الكمال" 2/ 471.
وأما عبد الله بن محمد بن عقيل، فقد أخرج له البخاري في "الأدب المفرد" وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وقد أسلفنا أيضًا قول الحافظ عنه في "التقريب" (3592): صدوق في حديثه لين، ويقال: تغير بأخرة. وانظر: "تهذيب الكمال" 16/ 78.
(2)
سلف قريبًا في باب: اغتسال الصائم. وانظر: "المتواري" ص 133.
فلا شيء عليه، ولا بأس به للعالم الذي يعرف كيف يتقي ذلك، ومن وصل من ريقه إلى حلقه فعليه القضاء
(1)
.
وقال ابن بطال
(2)
: اختلف العلماء في السواك للصائم في كل وقت من النهار، وأجازه الجمهور، قَالَ مالك: أنه سمع أهل العلم لا يكرهون السواك للصائم في أي ساعات النهار شاء، غدوة وعشية، ولم أسمع أحدًا من أهل العلم يكره ذَلِكَ ولا ينهى عنه
(3)
.
وقد روي ذَلِكَ عن عائشة وابن عمر وابن عباس، وبه قَالَ النخعي وابن سيرين وعروة والحسن
(4)
.
وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه
(5)
، وقال عطاء: أكرهه بعد الزوال إلى آخر النهار من أجل الحديث -يعني السالف في خلوف فم الصائم
(6)
- وهو قول مجاهد
(7)
وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق
وأبو ثور
(8)
، وحجة القول الأول ما نزع به البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم:"لولا أن أشق عَلَى أمتي لأمرتهم بالسواكِ عند كل وضوء"
(9)
.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 46، "شرح ابن بطال" 4/ 63 - 65.
(2)
من هنا إلى آخر الباب نقله عن "شرح ابن بطال" 4/ 63 - 64 بتصرف.
(3)
انظر: "العناية" 2/ 348.
(4)
رواها عنهم ابن أبي شيبة 2/ 295 - 296 (9149، 9152 - 9154، 9156، 9158، 9165) سوى الحسن فرواه عنه عبد الرزاق 4/ 202 (7489).
(5)
ورد في هامش الأصل ما نصه: ونقل الترمذي في "سننه" عن الشافعي مثله، وقد اختار عدم الكراهة أيضًا في جمع النهار في "شرح المهذب" وغيره.
(6)
رواه عن عطاء ابن أبي شيبة (9155). والحديث سلف برقم (1894).
(7)
رواه عنه عبد الرزاق 4/ 203 (7495)، وابن أبي شيبة (9161).
(8)
انظر: "المغني" 4/ 359.
(9)
تقدم تخريجه باستيفاء.
وهذا يقتضي إباحته في كل وقت، وعلى كل حال؛ لأنه لم يخص النهار من غيره. وهذا احتجاج حسن لا مزيد عليه.
واختلفوا في السواك بالعود الرطب للصائم، فرخصت فيه طائفة، وروي ذَلِكَ عن ابن عمر وإبراهيم وابن سيرين وعروة
(1)
، وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي وأبي ثور.
وكرهته طائفة، روي عن الشعبي وقتادة والحكم
(2)
، وهو قول مالك
(3)
.
حجة الأول إطلاق الحديث، فإنه لم يخص الصائم من غيره بالإباحة، لذلك لم يخص السواك اليابس من غيره بالإباحة، فدخل في عموم الإباحة كل جنس من السواك رطبًا أو يابسًا، ولو افترق حكم الرطب من اليابس في ذَلِكَ لبينه؛ لأن الله تعالى فرض عليه البيان لأمته
(4)
.
(1)
رواه عنهم ابن أبي شيبة 2/ 296 - 297 (9166، 9171 - 9173).
(2)
السابق 2/ 297 (9175، 9177 - 9178).
(3)
انظر: "المجموع" 1/ 330، "المغني" 4/ 359.
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 63 - 64 بتصرف.
28 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ المَاءَ". وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الصَّائِمِ وَغَيْرِهِ
وَقَالَ الحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ إِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى حَلْقِهِ. وَيَكْتَحِلُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ مَضْمَضَ ثُمَّ أَفْرَغَ مَا فِي فِيهِ مِنَ المَاءِ لَا يَضِرُهُ، إِنْ لَمْ يَزْدَرِدْ رِيقَهُ، وَمَاذَا بَقِيَ فِي فِيهِ، وَلَا يَمْضَغُ العِلْكَ، فَإِنِ ازْدَرَدَ رِيقَ العِلْكِ لَا أَقُولُ إِنَّهُ يُفْطِرُ. وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ.
الشرح:
أثر الحسن رواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن هشام، عنه بلفظ: أنه كره للصائم أن يستعط فيفطر. وحَدَّثَنَا حفص، عن عمر، عن الحسن قَالَ: لا بأس بالكحل للصائم ما لم يجد طعمه. وسئل إبراهيم عن السعوط بالصبر للصائم فلم ير به بأسًا، وكره الصب في الآذان. وعن الشعبي أنه كره السُّعوط للصائم
(1)
.
والسُّعوط بضم السين الفعل، وبفتحها اسم للدواء الذي يجعل في السعوط.
وأثر عطاء وقع في بعض النسخ في آخره: وإن استنثر فدخل في حلقه لا بأس لم يملك
(2)
. وهذا سلف في باب الصائم إذا أكل أو شرب
(3)
.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 302 - 305 (9262 - 9265، 9269).
(2)
في نسخ السلطانية وليس في نسخة أبي ذر الهروي وابن عساكر، انظر: السلطانية 3/ 32. وسبب ذلك أن هذه الزيادة مثبتة في باب رقم 26، انظر: ص 218.
(3)
انظره وتخريجه قبل حديث (1933).
وكذا قول عطاء في ازدراد الريق في الباب الذي قبله
(1)
. وروى ابن أبي شيبة، عن أبي خالد، عن ابن جريج، عن عطاء أنه سُئل عن مضغ العلك
(2)
فكرهه وقال: هو مرواة
(3)
.
وحَدَّثَنَا محمد عن ابن جريج قَالَ: قَالَ إنسان لعطاء: استنثرت فدخل الماء في حلقي، قَالَ: لا بأس، لم تملك
(4)
.
ومن حديث رجل عن أبيه عن أم حبيبة أنها كرهت مضغ العلك للصائم وكرهه إبراهيم والشعبي أيضًا
(5)
، وفي رواية جابر عنه: لا بأس به للصائم ما لم يبلع ريقه
(6)
.
وقوله: (لم يضره) كذا وقع في رواية أبي ذر وغيره، ووقع أيضًا: لا يضيره
(7)
. والمعنى واحد؛ لأن الضير: المضرة، نبه عليه ابن التين، ثم قَالَ: وبهذا قَالَ مالك.
والازدراد: الابتلاع، زرد اللقمة يزدردها زردًا إذا بلعها.
إذا تقرر ذَلِكَ، فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
اختلف العلماء في الصائم يتمضمض أو يستنشق أو يستنثر ويدخل
(1)
انظره وتخريجه قبل حديث (1930).
(2)
العلك: نوع من صمغ الشجر كاللبان يمضغ فلا ينماع، والجمع علوك وأعلاك.
انظر: "الصحاح" 4/ 1601، و"النهاية" 3/ 290، و"اللسان" 5/ 3077 - 3078.
(3)
"المصنف" 2/ 298 (9185).
(4)
السابق 2/ 322 (9486).
(5)
السابق 2/ 298 (9183 - 9184، 9186).
(6)
جابر هذا هو: ابن يزيد بن الحارث الجعفي، رواه ابن أبي شيبة 2/ 297 (9180) عن وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: لا بأس بالعلك
…
فذكره.
(7)
لم يضره رواية المستملي، ولا يضره نسخة أخرى من نسخ المستملي والكشميهني وأبي ذر أما: لا يضيره لبعض النسخ لأبي ذر وغيره كما في السلطانية 3/ 32.
الماء في حلقه، فقالت طائفة: صومه تام ولا شيء عليه، هذا قول عطاء
(1)
وقتادة في الاستنثار، وبه قَالَ أحمد وإسحاق. وقال الحسن: لا شيء عليه إن مضمض فدخل الماء في حلقه
(2)
.
وهو قول الأوزاعي. وكان الشافعي يقول: لو أعاد احتياطًا، ولا يلزمه أن يعيد، ومحله إذا لم يبالغ فإن بالغ أفطر، وقال أبو ثور: لا شيء عليه في المضمضة والاستنشاق، وإلى هذا ذهب البخاري
(3)
.
وقالت طائفة: يقضي يومًا مكانه، هذا قول مالك والثوري، وقال أبو حنيفة وأصحابه في المضمضة: إن كان ذاكرًا لصومه قضى، وإن كان ناسيًا فلا شيء عليه.
وفرق آخرون بين المضمضة للصلاة المكتوبة والنافلة، فأوجبوا القضاء في النافلة وأسقطوه في المكتوبة، روي هذا عن ابن عباس والنخعي وابن أبي ليلى
(4)
.
وحجة من أوجب القضاء أن الموصل إنما هو المبالغة فيهما فقط لا هما والاحتراز منهما ممكن عادة وإن لم يبالغ فالمضمضة سبب ذَلِكَ أيضًا، وهذا بمنزلة القبلة إذا حصل معها الإنزال سواء كانت
القبلة مباحة أو غير مباحة؛ لأنه لما كانت القبلة مع الإنزال تفطر، كذلك المضمضة مع الازدراد.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 322 (9486).
(2)
السابق (9484).
(3)
بقوله في الباب: ولم يميز بين الصائم وغيره، فقال الحافظ في "التغليق" 3/ 167 و"الفتح" 4/ 160: وقول المصنف: ولم يميز بين الصائم من غيره، قاله تفقهًا.
(4)
"المصنف"(9483، 9487) وفيه: عن حماد عن إبراهيم النخعي في الصائم يتوضأ فيدخل الماء حلقه من وضوئه، قال: إن كان ذاكرًا لصومه فعليه القضاء وإن كان ناسيًا فلا شيء عليه. وانظر: "المجموع" 6/ 357، "المغني" 4/ 356 - 357.
وأظن أبا حنيفة إنما فرق بين الذاكر لصومه والناسي عَلَى أصله في كل من أكل ناسيًا في رمضان أنه لا شيء عليه، وقد سلف في باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا
(1)
.
ولا معنى لقول من فرق بين الوضوء للمكتوبة والنافلة بغير دليل ولا حجة.
ثانيها:
اختلف في السعوط للصائم
(2)
، فذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وإسحاق إلى أنه إذا استعط فعليه القضاء. يعنون أنه إذا احتاج إلى التداوي.
وقال مالك: إذا وصل طعم ذَلِكَ إلى فيه لضرورة إلى التداوي عليه القضاء، وقال الشافعي: إذا وصل ذَلِكَ إلى دماغه عليه القضاء، غير أن أصله أنه لا كفارة عَلَى من أكل عمدًا، قَالَ إسحاق: إن دخل حلقه عليه القضاء والكفارة، وبه قَالَ أبو مصعب
(3)
.
قَالَ ابن المنذر: وقال قائل: لا قضاء عليه، وقد روينا عن النخعي روايتين: كراهية السعوط والرخصة فيه
(4)
.
(1)
راجع حديث أبي هريرة (1933).
(2)
السَّعُوط بالفتح: الدواء يصب في الأنف، وقد أسعطه فاستعط: هو بنفسه.
والمسعُط: الإناء الذي يجعل فيه السعوط. انظر: "الصحاح" 3/ 1131، والنهاية في "غريب الحديث والأثر" 2/ 368، و"لسان العرب" 4/ 2016. مادة:(سعط).
(3)
انظر: "المبسوط" 3/ 68، "النوادر والزيادات" 2/ 44، "المجموع" 6/ 335، "المغني" 4/ 353.
(4)
روى ابن أبي شيبة 2/ 304 (9262) عن القعقاع قال: سألت إبراهيم، عن السعوط بالصبر للصائم، فلم ير به بأسًا. وروى أيضًا 2/ 304 (9263) عن الأعمش عن إبراهيم قال: لا بأس بالسعوط للصائم، وكره الصب في الآذان.
وحجة الموجب ما سلف في المضمضة. وحجة المانع: أن القضاء إلزام فرض، ولا يجب ذَلِكَ إلا بسنة أو إجماع وذلك غير موجود، والشارع أطلق الاستنشاق ولم يفرق بين صائم وغيره.
قَالَ الداودي: لكن نهي الصائم عن الأكل والشرب فيتحفظ مما يؤدي إليهما.
ثالثها:
ما حكاه البخاري عن عطاء أنه مضمض ثم أفرغ ما في فيه لم يضره أن يزدرد ريقه وما بقي في فيه، فلا يوهم هذا أن عطاء يبيح أن يزدرد ما بقي في فيه من الماء الذي تمضمض به، وإنما أراد أنه إذا مضمض ثم أفرغ ما في فيه من الماء أنه لا يضره أن يزدرد ريقه خاصة؛ لأنه لا ماء فيه بعد تفريغه له. قَالَ عطاء:(وماذا)
(1)
بقي في فيه، هكذا رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء
(2)
، وأظنه سقط (ذا) للناسخ كما نبه عليه ابن بطال.
قَالَ ابن المنذر: وأجمعوا أنه لا شيء عَلَى الصائم فيما يزدرده مما يجري مع الريق فيما بين أسنانه من فضل سحوره أو غيره مما لم يقدر عَلَى إخراجه وطرحه
(3)
، وكان أبو حنيفة يقول: إذا كان بين أسنانه لحم فأكله متعمدًا فلا قضاء عليه ولا كفارة، وسائر أهل العلم إما القضاء وإما الكفارة معه، وهو بمنزلة الأكل في الصوم، فعليه القضاء
(4)
.
(1)
سياق كلام المصنف يقتضي أن تكون (ما) وما أثبتناه ما في الأصول.
(2)
"مصنف عبد الرزاق" 4/ 205 (7503).
(3)
نص على ذلك في "الإجماع"(151).
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 67.
رابعها:
اختلفوا في مضغ العلك للصائم، فرخصت فيه طائفة، روي ذَلِكَ عن عائشة وعطاء، وقال مجاهد: كانت عائشة ترخص في القار وحده
(1)
، وكرهت ذَلِكَ طائفة، رُوِي ذَلِكَ عن النخعي والشعبي وعطاء
(2)
، والكوفيين والشافعي وأشهب وأحمد وإسحاق إلا أنه لا يفطر ذلك عند الكوفيين والشافعي إسحاق. ولم يذكر عنهم ابن المنذر الفرق بين مجه وازدراده، وعند أصحاب مالك: إن مجه
فلا شيء عليه
(3)
.
(1)
رواهما ابن أبي شيبة 2/ 297 (9181 - 9182).
(2)
رواه عنهم عبد الرزاق 4/ 203 - 204 (7498، 7500)، وابن أبي شيبة 2/ 298 (9183 - 9185).
ورواه عبد الرزاق (4799) عن قتادة أيضًا.
تتمة: فات المصنف رحمه الله ذكر من وصل قطعة الحديث المبوب بها، ألا وهي قول البخاري: باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء.
فأقول: هو طرف من حديث رواه مسلم (237/ 21) كتاب: الطهارة، باب: الإيتار في الاستنثار والاستجمار. من حديث أبي هريرة.
ووصله الحافظ أيضًا بإسناده في "التغليق" 3/ 167.
(3)
انظر: "المجموع" 6/ 395 - 396، "المغني" 4/ 358 - 359.
29 - باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: "مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ". وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ: يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ
1935 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى -هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ- أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ القَاسِمِ أَخْبَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهُ احْتَرَقَ. قَالَ: "مَالَكَ؟ ". قَالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ. فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِكْتَلٍ، يُدْعَى العَرَقَ، فَقَالَ:"أَيْنَ المُحْتَرِقُ؟ ". قَالَ: أَنَا. قَالَ: "تَصَدَّقْ بِهَذَا". [6822 - مسلم: 1112 - فتح: 4/ 161]
ثم ذكر بإسناده عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهُ احْتَرَقَ. قَالَ: "مَالَكَ؟ ". قَالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ. فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِكْتَلٍ، يُدْعَى العَرَقَ، فَقَالَ:"أَيْنَ المُحْتَرِقُ؟ ". قَالَ: أَنَا. قَالَ: "تَصَدَّقْ بهذا".
الشرح:
تعليق أبي هريرة رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث يزيد بن المطوس عن أبيه عنه
(1)
. قال البخاري في "تاريخه": تفرد به ابن
(1)
أبو داود (2396) كتاب: الصوم، باب: التغليظ فيمن أفطر عمدًا، الترمذي (723) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الإفطار عمدًا، النسائي في "الكبرى" 2/ 245 (3280 - 3282) كتاب: الصيام، في الصائم يجهد، ابن ماجه (1672) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في كفارة من أفطر يومًا من رمضان. =
المطوس عن أبيه ولا يعرف له غيره، ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا
(1)
؟
وقال الترمذي بعد أن رواه بلفظ: "من غير رخصة، ولا مرض، لم يقضه عنه صيام الدهر كله وإن صامه": هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعت محمدًا يقول: أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس،
= وقد ضعف هذا الحديث جمع من الأئمة فرواه ابن خزيمة في "صحيحه" 3/ 238 (1987) كتاب: الصيام، باب: التغليظ في إفطار يوم من رمضان متعمدًا من غير رخصة، وضعفه قائلًا: إن صح الخبر فإني لا أعرف ابن المطوس ولا أباه، وقد رواه ابن حزم في "المحلى" 6/ 182 - 183 بسنده إلى النسائي وقال: أبو المطوس غير مشهور بالعدالة، ويعيذنا الله من أن نحتج بضعيف إذا وافقنا ونرده إذا خالفنا، وقال ابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 173: هو حديث ضعيف لا يحتج بمثله قال الحافظ صححه ابن خزيمة! قلت: فيه نظر فإنه لم يصححه كما ذكرنا آنفًا عنه، ثم ضعفه هو قائلًا: فيه ثلاث علل: الاضطراب، والجهل بحال أبي المطوس، والشك في سماع أبيه من أبي هريرة، وهذِه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء. اهـ "فتح الباري" 4/ 161.
وضعفه الألباني، وأعله في "ضعيف أبي داود"(413) بما أعله به الحافظ.
تنبيه: هذا التعليق قد وصله الحافظ في "تغليق التعليق" 3/ 170 بسنده إلى أبي داود الطيالسي، لكنه ضعفه في "هدي الساري" ص 39 فقال: وقع لنا بعلو في "مسند الطيالسي" وفيه اضطراب، ورواه الدارقطني من وجه آخر ضعيف.
تنبيه آخر: من المعروف أن معلقات البخاري على ضربين: الأول: ما كان منها بصيغة الجزم كقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو قال أبو هريرة كذا أو ذكر أو حكى، وهذا محكوم فيه بالصحة إلى من علق عنه، ويبقى النظر في باقي السند، فمنه ما هو صحيح، ومنه ما هو حسن، والثاني: ما كان منها بصيغة التمريض كقوله: روي أو حكي أو يذكر، وهكذا، وهذا منه ما هو صحيح وما هو حسن، وما هو ضعيف لكن ليس فيه الضعيف جدًّا.
(1)
لم أقف على هذا الكلام في تاريخ البخاري الكبير أو الصغير، وقد نقله عنه الترمذي في "العلل الكبير" ص 116 (199) ط - عالم الكتب.
ولا أعرف له غير هذا الحديث
(1)
. وقال مهنأ سألت أحمد عنه فقال: يقولون: عن ابن المطوس، عن أبي المطوس وبعضهم يقول: عن حبيب، عن عُمارة بن عمير، عن أبي المطوس قال: ولا أعرف ابن المطوس ولا أبا المطوس، قلت: أتعرف الحديث من غير هذا الوجه؟ قال: لا.
قلت: قد رواه الدارقطني من حديث قيس، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مالك، عن أبي هريرة مرفوعًا مثله
(2)
. وقال أبو داود: اختلف على سفيان وشعبة ابن المطوس وأبو المطوس
(3)
، والنسائي أخرجه من حديث علي بن حسين، عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ:"لا يقبل منه صوم سنة"
(4)
، ومن حديث شريك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا، وقال:"لم يقضه يوم من أيام الدنيا"
(5)
. ورواه كامل -أبو العلاء
(6)
- من حديث سعيد بن جبير، عن (المطوس)
(7)
عن أبي هريرة
(8)
.
(1)
"سنن الترمذي" 3/ 92 بعد حديث (723).
(2)
"سنن الدارقطني" 2/ 211 - 212.
(3)
"سنن أبي داود" 2/ 789 بعد حديث (2398).
(4)
النسائي في "الكبرى" 2/ 246 (3284).
(5)
"السنن الكبرى" 2/ 246 (3285)، بغير هذا السند، فقال: أخبرني زكرياء بن يحيى
…
فذكره.
(6)
هو كامل بن العلاء التميمي السعدي، أبو العلاء، ويقال: أبو عبد الله الكوفي، وثقه يحيى بن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وفي موضع آخر: ليس به بأس. انظر "تهذيب الكمال" 24/ 99 (4934).
(7)
كذا في الأصل وأعلاها كلمة كذا وفي الهامش تعليق نصه: لعله: أبي. وفي "علل الدارقطني" 8/ 273: أبي المطوس، وهو الصواب.
(8)
رواه الدارقطني في "علله" 8/ 273 (11).
وقال ابن حزم: روي بأصح من طريق علي بن حسين، عن أبي هريرة في رجل أفطر في رمضان؛ فقال: لا يقبل منه صوم سنة. وفي لفظ: "لم يقضه يوم من أيام الدنيا" وقال أبو محمد بن أبي حاتم: قلت لأبي: أيهما أصح الثوري عن أبي المطوس، أو شعبة عن ابن المطوس؟ قال: جميعًا صحيحان أحدهما قصر والآخر جوده. وقال أبو حاتم أيضًا: جاء رجل إلى أبي هريرة أخبره أنه أفطر يومًا من رمضان فقال: لا يقبل منه صوم سنة. ثم ساقه من طريق النسائي الأول عنه
(1)
.
وقال يحيى بن معين وأبو حاتم البستي: أبو المطوس المكي يروي عن أبي هريرة ما لا يتابع عليه، لا يجوز الاحتجاج بأفراده، زاد يحيى: واسمه عبد الله. وفي موضع آخر: هو ثقة وابنه
(2)
، ذكره ابن حبان في
"ثقاته"
(3)
، وقال ابن عبد البر: يحتمل أن يكون -لو صح- على التغليظ، وهو حديث ضعيف لا يحتج به
(4)
.
وقال أبو الحسن علي بن خلف بن بطال القرطبي: هذا حديث ضعيف لا يحتج بمثله
(5)
، ثم ادعى أنه صحت الكفارة بأسانيد صحاح
(6)
، فلا يعارض مثل هذا الحديث. ووقع في أصله: ابن المضرس في مواضع، وهو تحريف وصوابه: ابن المطوس، وأوله ابن التين على أن المراد: لا يدرك ذَلِكَ الفضل ولم يتعرض لضعفه.
(1)
"المحلى" 6/ 184.
(2)
انظر "تهذيب الكمال" 34/ 300.
(3)
"ثقات ابن حبان" 5/ 465.
(4)
"التمهيد" 7/ 173.
(5)
"شرح ابن بطال" 4/ 70.
(6)
"التمهيد" 7/ 173.
وأما أثر ابن مسعود فأخرجه ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن واصل، عن مغيرة اليشكري، عن فلان بن الحارث عنه
(1)
، قال: وحَدَّثَنَا أبو معاوية، عن عمر بن يعلى، عن عرفجة، عن علي نحوه
(2)
.
وأما الآثار التي بعده فقال ابن بطال: نظرت أقوال التابعين الذين ذكرهم البخاري في المصنفات فلم أر قولهم بسقوط الكفارة إلا في الفطر والأكل لا في الجماع، فيحتمل أن يكون عندهم الآكل والمجامع سواء في إسقاط الكفارة إذ كل ما أفسد الصيام من أكل أو شرب أو جماع قاسم فطر يقع عليه، وفاعله مفطر. وقد قال عليه السلام في ثواب الصائم عن الله تعالى:"يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"
(3)
فدخل في ذَلِكَ أعظم الشهوات، وهي شهوة الجماع، وذكر عبد الرزاق عن سعيد بن المَسِّيب أن من أكل في شهر رمضان عامدًا عليه صيام شهر
(4)
، وذكر عن ابن سيرين: عليه صيام يوم
(5)
.
وقال ابن التين: قال سائر الفقهاء أنه يقضي. وقال الأوزاعي: يكفر ولا يقضي
(6)
.
قال: وذكر الإسفراييني أنه أحد قولي الشافعي. وعن الأوزاعي تفصيل آخر يأتي أواخر الباب. وقال الشعبي: يقضي كما تقدم عنه
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 348 (9784) كتاب: الصيام، باب: من قال: لا يقضيه إن صام الدهر.
(2)
"المصنف" 2/ 348 (9785).
(3)
سلف برقم (1894) باب: فضل الصوم.
(4)
"مصنف عبد الرزاق" 4/ 197 (7469) كتاب: الصيام باب: من يبطل الصيام ومن يأكل في رمضان متعمدًا.
(5)
"المصنف" 4/ 197 (7470)، وانظر:"شرح ابن بطال" 4/ 68 - 69.
(6)
"مصنف عبد الرزاق" 4/ 196، 198.
ولا كفارة عليه
(1)
. وحكي ذَلِكَ عن سعيد بن جبير والنخعي أيضًا أنه لا كفارة في الجماع
(2)
، قال: وذكره أبو عبد الملك، عن الشافعي.
قلت: غريب عنه، وذكر أيضًا عن ابن المسيب وحماد، ويرد عليهم أحاديث الباب وما بعده حيث أمر بها، والأمر للوجوب. فإن قالوا: لا عموم في اللفظ قلت: حكمي
(3)
على الواحد، حكمي على الجماعة، وتعليق الحكم بسبب يقتضي أن يكون متعلقًا به حيث كان، وكأنهم رأوا أن هذِه الأخبار مخصوصة بمن وردت فيه، ولا يسلم لهم ذَلِكَ.
قلت: روى ابن أبي شيبة عن شريك، عن مغيرة، عن إبراهيم، وعن أبي - خالد، عن الشعبي قالا: يقضي يومًا مكانه
(4)
. وحَدَّثَنَا وكيع، عن الشعبي مثله
(5)
، وحَدَّثَنَا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم قال: عليه صوم ثلاثة آلاف يوم، وحَدَّثَنَا عبدة، عن سعيد، عن يعلى بن حكيم، عن سعيد بن جبير في رجل أفطر يومًا من رمضان متعمدًا قال: يستغفر الله تعالى من ذَلِكَ ويتوب (إليه)
(6)
يقضي يومًا مكانه. وحَدَّثَنَا وكيع، عن جرير، عن يعلى، عن سعيد مثله، وحَدَّثَنَا عبدة،
(1)
رواه عبد الرزاق 4/ 197 (7471).
(2)
"المغني" 4/ 372.
(3)
ورد في هامش الأصل ما نصه: سئل أبو الحجاج المزني وأبو عبد الله الذهبي عن حديث: حكمي إلى آخره فأنكراه. والترمذي والنسائي من حديث أميمة بنت رقيقة: "ما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة". لفظ النسائي وقال الترمذي: "إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة".
(4)
"المصنف" لابن أبي شيبة 2/ 347 (9776).
(5)
"المصنف" 2/ 347 (9777)، عن إسماعيل، عن الشعبي.
(6)
ساقطة من الأصل.
عن عاصم قال: أرسل أبو قلابة إلى ابن المسيب يسأله عن رجل أفطر يومًا من رمضان متعمدًا، فقال سعيد: يصوم مكان كل يوم أفطر شهرًا.
وحَدَّثَنَا وكيع، عن هشام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب في رجل يفطر يومًا من رمضان متعمدًا، قال: يصوم شهرًا
(1)
، زاد عبد الرزاق: قال قتادة: فقلت: فيومين؟ قال: صيام شهر، قال: فعددت أيامًا، فقال: صيام شهر
(2)
.
قال ابن عبد البر: أظنه ذهب إلى التتابع في الشهر لا يخلطه بفطر. فكأنه يقول: من أفسده بفطر يوم أو أكثر قضاه كله نسقًا
(3)
؛ لأن الله تعالى فرض شهر رمضان، وهو متتابع، فإذا تخلله فطر لزمه في
القضاء التتابع، كمن نذر صوم شهر متتابعًا.
وقال ابن حزم: يحتمل أن يكون أراد شهرًا شهرًا عن كل يوم، ويحتمل ما رواه معمر من أن عليه لكل يوم أفطر شهرًا واحدًا، وهذا أظهر وأولى لتتفق الروايات عنه
(4)
.
وأما حديث أبي هريرة رفعه: "عليه يوم مكانه"، فقال أبو زرعة: ليس بصحيح ولم يقل هذا الحرف أحد من الثقات
(5)
. وأما حديث البزار الذي في طريقه مندل، عن عبد الوارث، عن أنس مرفوعًا:
"من أفطو يومًا من رمضان فعليه صوم شهر"
(6)
.
(1)
"المصنف" 2/ 347 - 348 (9778 - 9782).
(2)
"مصنف عبد الرزاق" 4/ 197 (7469).
(3)
"التمهيد" 7/ 171.
(4)
"المحلى" 6/ 191.
(5)
انظر "علل ابن أبي حاتم " 1/ 225.
(6)
قلت: ورواه الدارقطني في "سننه" 2/ 211 من طريق مندل، عن أبي هاشم، عن عبد الوارث عن أنس، به، وقال: هذا إسناد غير ثابت، مندل ضعيف، ومن دون أنس. =
قال عبد الحق: ورواه أيضًا ابن عقبة
(1)
ولا يصح ولا يثبت، قاله الدارقطني، ولفظه: "من أفطر يومًا من رمضان من غير رخصة ولا عذر كان عليه أن يصوم ثلاثين يومًا، ومن أفطر يومين كان عليه (ستون)
(2)
يومًا ومن أفطر ثلاثة- أيام كان عليه (تسعون)
(3)
يومًا"
(4)
.
وعند الدارقطني أيضًا من حديث أبي هريرة: أن رجلًا أكل في رمضان فأمره عليه السلام بصوم شهرين، أو يطعم ستين مسكينًا، علته
= قلت:
أبو عبد الوارث، ضعيف أيضًا، والديلمي في "الفردوس" 3/ 569 (5784)، وابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 563 (1134) بسنده من طريق الدارقطني، وقال: قال أحمد، ويحيى، والنسائي، والدارقطني: مندل ضعيف، وقال ابن حبان: يستحق الترك اهـ، والحديث أورده الذهبي في "الميزان" 3/ 392 (5310) والحافظ في "لسان الميزان" 4/ 501 (5402) في ترجمة عبد الوارث الأنصاري مستشهدين به على ضعف عبد الوارث، وعلى ضعف الحديث، وقد أورداه من حديث المعمري بسنده عن عبد الوارث عن أنس، وقال الذهبي: قال الدارقطني: لا يصح هذا، وقال الترمذي، عن البخاري: عبد الوارث منكر الحديث، وقال ابن معين: مجهول اهـ.
وقال الشيخ المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على "الفوائد المجموعة" ص 95: الروايات كلها مدارها على عبد الوارث الأنصاري، عن أنس، وعبد الوارث مولى لأنس- منكر الحديث قاله البخاري، وضعفه الدارقطني، ومندل رواه عن أبي هاشم، عن عبد الوارث، وابن عساكر رواه من طريق فيس -وهو ابن الربيع أدخل عليه ابنه أحاديث ليست من روايته فرواها- عن أبي هاشم، عن عبد الوارث. وأبو هاشم هذا: لا أدرى من هو؟
(1)
"الأحكام الوسطي" لعبد الحق الإشبيلى 2/ 239.
(2)
في الأصل: ستين، والمثبت من "سنن الدارقطني".
(3)
في الأصل: تسعين، والمثبت من "سنن الدارقطني".
(4)
"سنن الدارقطني" 2/ 191، ورواه ابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 562 (1133) وقال: هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ.
أبو معشر نجيح
(1)
(2)
، وفي لفظ: أمر الذي أفطر يومًا من رمضان بكفارة الظهار، قال: والمحفوظ عن مجاهد مرسلًا، وعن ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة، وليث ليس بالقوي
(3)
، وعن مقاتل بن سليمان المفَسر -وهو آفته - وعن عطاء، عن جابر مرفوعًا:"من أفطر يومًا من رمضان فليهد بدنة، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعًا من تمر للمساكين"
(4)
.
إذا تقرر ذَلِكَ فقد اختلف العلماء، كما قال أبو عمر فيمن أكل أو شرب في رمضان متعمدًا
(5)
، فقال مالك وأصحابه والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي إسحاق وأبو ثور: عليه من الكفارة
ما على المجامع، كل واحد منهم على صلة في الترتيب أو التخيير،
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: قال أحمد: صدوق، لا يقيم الإسناد. وقال ابن معين: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: يكتب حديثه مع ضعف، مات سنة 170.
(2)
"سنن الدارقطني" 2/ 191، وقال الحافظ في "التلخيص" 2/ 207 - 208: إسناده ضعيف لضعف أبي معشر راويه عن محمد بن كعب اهـ.
(3)
"سنن الدارقطني" 2/ 190 - 191، ورواه ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 86 - 87 (1082) وقال: يرويه يحيى الحماني، قال أحمد: كان يكذب جهارًا.
(4)
"سنن الدارقطني" 2/ 191 - 192، وقد رواه ابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 561 (1132) وقال: هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقاتل قد كذبه
وكيع والنسائي والساجي، وقال البخاري: لا شيء البتة، وقال النسائي: هو من المعروفين بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالظاهر أن هذا الحديث من عمله، على أن الحارث ضعيف، قال ابن حبان: يأتي عن الأثبات بما ليس من حديثهم اهـ، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 2/ 159 - 160 (2448) بعد أن أورد الحديث في ترجمة: خالد بن عمرو السلفي: هذا حديث باطل يكفي في رده تلاف خالد- الذي هو في سند الحديث- ومقاتل ليس بثقة اهـ بتصرف يسير.
وقال الألباني في "الضعيفة"(623) و"ضعيف الجامع"(5461): موضوع.
(5)
انظر هذِه المسألة في: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 29، و"الذخيرة" 2/ 518، "البحر الرائق" 2/ 473، و"المجموع" 6/ 358.
وإلى هذا ذهب محمد بن جرير، وروي مثله عن عطاء في رواية، وعن الزهري والحسن.
وقال الشافعي وأحمد: عليه القضاء ولا كفارة (عليه)
(1)
ويعاقب، وهو قول ابن سيرين وابن جبير وجابر بن زيد والشعبي وقتادة وإبراهيم، وقال الشافعي: عليه مع القضاء العقوبة؛ لانتهاكه حرمة الشهر.
وسائر من ذكرنا قوله من التابعين، قال: يقضي يومًا مكانه ويستغفر الله ويتوب إليه، وقال بعضهم: ويصنع معروفًا، ولم يذكر عنهم عقوبة
(2)
.
وقد قال ابن شعبان من المالكية: فيه أن من جاء مستفتيًا فلا عقوبة عليه؛ لأن الشارع لم يعاقبه، قال: فإن ظهر عليه عوقب، وقد روي عن عطاء أن من أفطر يومًا من رمضان من غير علة كان عليه تحرير رقبة، فإن لم يجد فبقرة أو بدنة، أو عشرين صاعًا من طعام للمساكين.
وروي عن الحسن أنه سوى بين الآكل والمجامع في الرقبة والبدنة
(3)
، وعن ابن عباس: عليه عتق رقبة، أو صوم شهرٍ، أو إطعام ثلاثين مسكينًا
(4)
. وعن ابن المسيب
(5)
، وهو قول ربيعة أن عليه صوم اثني عشر يومًا
(6)
وكان ربيعة يحتج لقوله هذا بأن شهر رمضان فضل
(1)
ساقطة من الأصل.
(2)
"التمهيد" 7/ 169.
(3)
رواه الدارمي في "سننه" 1/ 719 (1114) في الطهارة، باب من قال عليه الكفارة.
(4)
رواه النسائي في "الكبرى" 5/ 350 (9118) كتاب: عشرة النساء، وابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 170.
(5)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 197 (7469) كتاب: الصيام؛ باب: من يبطل الصيام ومن يأكل في رمضان متعمدًا.
(6)
عبد الرزاق 4/ 198 (7473).
على اثني عشر شهرًا فمن أفطر فيه يومًا. كان عليه اثنا عشر يومًا، وكان الشافعي يعجب من هذا وينتقص فيه ربيعة، ولربيعة شذوذ. هذا آخر كلام أبي عمر
(1)
. وربيعة لم يشذ في هذا؛ لأنك حكيت له سلفًا وهو ابن المسيب قال: وأقاويل التابعين بالحجاز والعراق لا وجه لها عند أهل الفقه، لمخالفتها السنة، وإنما في المسألة قولان:
أحدهما: قول مالك ومن تابعه
(2)
.
والثاني: قول الشافعي ومن تابعه
(3)
.
وقد اختلف الفقهاء عما يجزئ من الإطعام عمن يجب أن يكفر فيه عن فساد يوم من رمضان، فقال مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي: يطعم ستين مسكينًا، مدًا لكل مسكين بمده عليه السلام
(4)
.
قال أشهب: أو غداء، أو عشاء
(5)
.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا يجزئه أقل من مدين بمده عليه السلام، وذلك نصف صاع لكل مسكين قياسًا على فدية الأذى، فإن كان من التمر والشعير فصاع
(6)
، قال: وقول مالك أولى؛ لأنه نص لا قياس؛ لأن العرق ذكر أنه كان فيه خمسة عشر صاعًا، وذلك ستون مدًّا، وذلك في حديث مالك، عن عطاء، عن ابن المسيب
(7)
،
(1)
"التمهيد" 7/ 169 - 170 بتصرف، وانظر ذلك أيضًا في "البيان" 3/ 513، 514.
(2)
"عيون المجالس" 2/ 630، 631.
(3)
"البيان" 2/ 513.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 52، و"التهذيب" 3/ 170، و"البيان" 3/ 513.
(5)
"النوادر والزيادات" 2/ 52، "عيون المجالس" 2/ 631.
(6)
"المغني" 4/ 380.
(7)
"الموطأ" ص 198 كتاب: الصيام، باب: كفارة من أفطر في رمضان.
وهو مذكور أيضًا في حديث مجاهد وعطاء، عن أبي هريرة في حديثه: عشرون صاعًا
(1)
، وقد روي ذَلِكَ من وجوه مرسلة ومسندة
(2)
ومعلوم أن ذَلِكَ غير ما ذهب إليه أبو حنيفة.
وليحمل على أن ذَلِكَ العرق يسع ذَلِكَ لا ينافيه، وفي "الموطأ": يحتمل ما بين خمسة عشر صاعًا إلى عشرين
(3)
، وعن أبي مصعب: لا إطعام عليه.
(1)
رواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 218 (1787)، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 168: لأبي هريرة حديث في الصحيح في المجامع بغير سياقه، وهذا رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه: ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس.
ورواه ابن عدي في "الكامل" 7/ 238 عن عطاء عن أبي هريرة.
(2)
روي مسندًا من حديث عائشة وأبي هريرة.
حديث عائشة رواه أبو داود (2395) كتاب: الصوم، باب: كفارة من أتى أهله في رمضان، والبخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 55، وفي "التاريخ الصغير" 1/ 289، وابن خزيمة في "صحيحه" 3/ 219 (1947) كتاب: الصوم، والبيهقي في "سننه" 4/ 223 كتاب: الصيام، باب: كفارة من أتى أهله في نهار رمضان وهو صائم.
قال ابن خزيمة 3/ 219 عن لفظة عشرون صاعًا: لا أحسب هذِه اللفظة ثابتة. وعن سنده قال الألباني: حسن (1947).
وضعف حديث أبي داود فقال: شاذ أو منكر، في سنده ابن الحارث على ضعف فيه- خالفه ثقتان فلم يذكر فيه قدر العرق .. أخرجه الشيخان، وهو في الكتاب الآخر برقم (2074) وفيه (4073) نحوه من حديث أبي هريرة بلفظ: فيه تمر قدر خمسة عشر صاعًا، وهو أصح كما قال البيهقي. اهـ "ضعيف أبي داود"(412).
وحديث أبي هريرة رواه ابن خزيمة 3/ 221 (1950) وقال الألباني: إسناده ضعيف، مؤمل هو ابن إسماعيل البصري، وهو سيء الحفظ. اهـ.
وروي مرسلًا من حديث سعيد ابن المسيب، رواه أبو داود في "المراسيل"(103)، وعبد الرزاق في "المصنف" 4/ 195 (7458) كتاب: الصيام، باب: من يبطل الصيام ومن يأكل في رمضان. والعقيلي في "الضعفاء الكبير" 3/ 406.
(3)
"الموطأ" ص 198.
وقال الحسن: عشرون صاعًا تطعم لأربعين وسيأتي
(1)
.
وأما حديث أبي هريرة فِأخرجه مسلم والأربعة
(2)
.
واختلف أهل العلم فيما يجب على الواطئ عامدًا نهارًا في رمضان، فذكر البخاري ما أسلفناه مع المناقشة معه، وأوجب جمهور الفقهاء على المجامع عامدًا الكفارة والقضاء، هذا قول مالك وعطاء والثوري وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق
(3)
، واحتجوا بإعطائه عليه السلام
المحترق المكتل المتصدق به، فثبت به الكفارة عليه، ولا وجه لمن أسقطها، فإنه مخالف للسنة الثابتة والجمهور.
وقد سلف في باب: من أكل أو شرب ناسيًا، أن في قوله: أنه احترق دليلًا على العمدية؛ لأن الله تعالى رفع الحرج عن السهو والخطأ، ويؤيده قوله "أين المحترق؟ " فأثبت له حكم العمد بهذا.
وذكر الطحاوي في "شرح معانيه" أنه ذهب قوم إلى وجوب الصدقة ولا يجب عليه من الكفارة غير ذَلِكَ، واحتجوا بهذا الحديث
(4)
، ولم يسم قائله، وحديث أبي هريرة أولى منه؛ لأنه قد كان قبل الذي في حديث عائشة شيء حفظه أبو هريرة ولم تحفظه هي، فهو أولى بما زاد في الحديث من العتق والصيام.
واختلفوا فيمن أكل عامدًا في رمضان، فقال مالك وأبو حنيفة
(1)
رواه الدارمي 1/ 719 (1144) كتاب: الطهارة، باب: من قال عليه الكفارة.
(2)
مسلم (1111)، أبو داود (2390 - 2392)، الترمذي (724)، النسائي في "الكبرى" 2/ 212 (3117)، ابن ماجه (1671).
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 26، "عيون المجالس" 2/ 666، "المجموع" 6/ 376، 374، "المغني" 4/ 372.
(4)
"شرح معاني الآثار" 2/ 60.
والثوري والأوزاعي وأبو ثور وإسحاق: عليه ما على المجامع من الكفارة مع القضاء
(1)
.
وهو قول عطاء والحسن والزهري، وقال الشافعي وأحمد: عليه القضاء دون الكفارة
(2)
. وهو قول النخعي وابن سيرين
(3)
، وقالوا: إن الكفارة إنما وردت في المجامع خاصة وليس الآكل مثله بدليل قوله عليه السلام: "من استقاء فعليه القضاء"
(4)
. وهو مفطر عمدًا، وكذلك مزدرد
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 29، "النوادر والزيادات" 2/ 51.
(2)
انظر: "البيان" 3/ 513، "المغني" 4/ 365.
(3)
رواه عن النخعي عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 198 (7472) كتاب: الصوم، باب: من يبطل الصيام ومن يأكل في رمضان متعمدًا، والبيهقي في "سننه" 4/ 228 كتاب: الصيام، باب: التغليظ على من أفطر يومًا من شهر رمضان متعمدًا من غير عذر. ورواه عن ابن سيرين عبد الرزاق 4/ 197 (7470).
(4)
روي مرفوعًا من حديث أبي هريرة، وموقوفًا على ابن عمر.
حديث أبي هريرة رواه أبو داود (2380) كتاب: الصيام، باب: الصائم يستقيء القيء عمدًا، والترمذي (720) كتاب: الصوم، باب: ما جاء فيمن استقاء عمدًا، والنسائي في "الكبرى" 2/ 215 (3130) كتاب: الصيام، في الصائم يتقيأ، وابن ماجه (1676) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الصائم يقيء، وأحمد 2/ 498، والدارمي 2/ 1079 (1770) كتاب: الصيام، باب: القيء للصائم والرخصة فيه، والبخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 91 - 92، وأبو يعلى في "مسنده" 11/ 482 (6604)، وابن الجارود 2/ 35 - 36 (385)، وابن خزيمة 3/ 226 (1961) كتاب: الصيام، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 97 كتاب: الصيام، باب: الصائم يقيء، وفي "شرح مشكل الآثار" 2/ 644 (1365) تحفة، وابن عدي في "الكامل" 5/ 539 - 540، والإسماعيلي في "المعجم" 1/ 321 - 322، وابن حبان 8/ 284 - 285 (3518) كتاب: الصوم، باب: قضاء الصوم، والدارقطني 2/ 184 والحاكم في "المستدرك" 1/ 427 كتاب: الصوم، وابن حزم في "المحلى" 6/ 175، والبيهقي 4/ 219، والبغوي في "شرح السنة" 6/ 293 (1755)، والمزي في "تهذيب الكمال" 7/ 142 - 143، وابن حجر في "تغليق التعليق" 3/ 176. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وحديث ابن عمر الموقوف رواه مالك في "الموطأ" ص 203 (47) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في قضاء رمضان، والشافعي في "مسنده"2/ 124 (659) عن مالك، وعبد الرزاق في "المصنف" 4/ 215 - 216 (7551) كتاب: الصيام، باب: القيء للصائم، وابن أبي شيبة 2/ 298 (9188) كتاب: الصوم، ما جاء في الصائم يتقيأ أو يبدأه القيء.
وحديث أبي هريرة المرفوع تكلم فيه غير واحد من الأئمة، فقال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث عيسى بن يونس عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وقال: ما أراه محفوظًا، قال: وقد روى يحيى بن أبي كثير، عن عمر بن الحكم أن أبا هريرة كان لا يرى القيء يفطر الصائم. اهـ "علل الترمذي الكبير" 1/ 342 - 343.
وقال أبو داود: نخاف ألا يكون محفوظًا، وسمعت أحمد يقول: ليس من ذا شيء والصحيح في هذا: مالك، عن نافع، عن ابن عمر، ورواه أيضًا حفص بن غياث عن هشام مثله. عليه السلام.
وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث عيسى بن يونس، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح إسناده اهـ، وقال الدارمي:
زعم أهل البصرة أن هشامًا. قلت: هو راويه عن ابن سيرين، عن أبي هريرة- أوهم فيه، فموضع الخلاف ها هنا. اهـ.
وقال البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 91 - 92 وقد أخرجه من حديث ابن سيرين، عن أبي هريرة: لم يصح، وإنما يروي هذا عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة. اهـ.
وقال ابن القيم: هذا الحديث له علة ولعلته علة، أما علته فوقفه على أبي هريرة، وقفه عطاء وغيره، وأما علة العلة، فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة أنه قال: إذا قاء فلا يفطر إنما يخرج ولا يولج، قال: ويذكر عن أبي هريرة: أنه يفطر، والأول أصح. اهـ كما في "مختصر سنن أبي داود" 3/ 260، وقال في "الحاشية" 7/ 6: روي عن ابن عمر موقوفًا عليه، وروي مرفوعًا والحفاظ لا يرونه
محفوظًا. اهـ. =
الحصى عمدًا عليه القضاء، وحجة من أوجب الكفارة القياس على المجامع، والفرق لائح وأوجب عطاء على المستقيء عمدًا من غير عذر القضاء والكفارة، وهو قول أبي ذر. ودعوى أن الشافعي ناقض قوله فقال: إذا أكره على الأكل فعليه القضاء أو القيء فلا، ولا تناقض فأظهر قوليه التسوية.
وقد اختلف الفقهاء في قضاء ذَلِكَ اليوم مع الكفارة، فقال مالك: عليه قضاؤه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري وأبي ثور وأحمد وإسحاق
(1)
، وقال الأوزاعي: إن كَفَّر بالعتق والإطعام صام يومًا مكان ذَلِكَ اليوم الذي أفطر، وإن صام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء ذَلِكَ اليوم، وقال: يحتمل أن تكون الكفارة بدلًا من الصيام، ويحتمل أن تكون معه، وأحب إليَّ أن يكفر ويصوم. وحجة من
= وقال شيخ الإسلام: هذا الحديث لم يثبت عند طائفة من أهل العلم، بل قالوا: هو من قول أبي هريرة، والذين لم يثبتوا الحديث لم يبلغهم من وجه يعتمدونه، وقد أشاروا إلى علته، وهو انفراد عيسى بن يونس، وقد ثبت أنه لم ينفرد به، بل وافقه حفص بن غياث- قلت: هو حديث ابن ماجه والحاكم المار تخريجه- اهـ "مجموع الفتاوى" 25/ 221 - 222. بتصرف.
وصححه أيضًا غير واحد، فقال الدارقطني: رواته ثقات كلهم اهـ وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطي" 2/ 221 وقد أورد الحديث: هذا يرويه عيسى بن يونس، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة- ورجاله ثقات. اهـ وأشار السيوطي في "الجامع الصغير"(8673) إلى تحسينه، وقد عزاه للحاكم. وصححه الألباني في "الإرواء"(923) وقد تعقب كثير ممن ضعفه ممن أوردناه عنهم سابقًا، فليراجع للأهمية، وكذا صححه في "الصحيحة"(923) وفي "صحيح الجامع"(6243).
(1)
انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 91، و"النوادر والزيادات" 2/ 38، 39، و"المغني" 4/ 376.
أوجب القضاء أن الكفارة عقوبة للذنب الذي ارتكبه، والقضاء بدل عما أفسده، وكما لا يسقط عن المفسد حجه بالوطء إذا أهدى البدل فكذلك هنا، واعتل من لم يوجبه أنه ليس في خبر عائشة ولا أبي هريرة في نقل الحفاظ ذكر القضاء، فيقال له: قد روي من طرق فيها ذكر القضاء لكنها متكلم فيها
(1)
، وقد أوضحتها في "تخريج أحاديث الوسيط" فناقشنا ابن حزم؛ فإنه وهَّاها أجمع؛ بسبب أبي أويس وهشام بن سعد وعبد الجبار بن عمرو
(2)
، وذكر ابن بطال منها حديثًا واحدًا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، ثم قال: وهو من مرسلات سعيد بن المسيب، وهي حجة عند الفقهاء، وكتاب الله يشهد لصحتها حيث قال:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184، 185] ولا تبرأ الذمة إلا بيقين الأداء وهو قضاء اليوم
(3)
.
وفي إعطائه عليه السلام للرجل الصالح ليتصدق به، حجة لمالك في اختياره الإطعام في كفارة المفطر في رمضان
(4)
؛ لأنه شبه البدل من الصيام، ألا ترى أن الحامل والمرضع والشيخ الكبير والمفرط في قضاء رمضان حَتَّى يدخل عليه رمضان آخر لا يؤمر واحد منهم بعتق ولا صيام مع القضاء، وإنما يؤمر بالإطعام، هذا مأخوذ من قوله تعالى:{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين} [البقرة: 184]
(5)
وذكر أبو عبيد عن الأصمعي قال:
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
"المحلى" 6/ 181.
(3)
"شرح ابن بطال" 4/ 72. وحديث عمرو بن شعيب، رواه ابن عبد البر في "لتمهيد" 7/ 168، ومرسل سعيد بن المسيب رواه مالك في "الموطأ" ص 198 كتاب: الصيام، باب: كفارة من أفطر في رمضان.
(4)
"المدونة" 1/ 191.
(5)
وذكرها المصنف رحمه الله هنا على قراءة نافع وابن عامر فقرأ: (مساكين) بالجمع، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي:(مسكين) بالإفراد. =
أصل العرق السقيفة المنسوجة من الخوص قبل أن يجعل منها زبيل، فسمي الزبيل عرقًا لذلك، ويقال: العرقة أيضًا.
وزعم الأخفش -أحمد بن عمران- في "شرح الموطأ" أنه يسمى عرقًا؛ لأنه يعمل عرقة عرقة لعرضها واصطفافها، ثم يضم فقال: عرقة وعرق كعلقة وعلق، والعرقة: الطريقة العريضة ولذلك سميت درة المكتب عرقة، والصواب فتح الراء. وقال ابن حبيب في "شرح الموطأ": رواه مطرف، عن مالك بالتحريك. وقال ابن التين في رواية: أبي الحسن: بسكون الراء ورواية أبي ذر بفتحها. وأنكر بعض
العلماء إسكان الراء وقال: إنما هو العظم الذي عليه اللحم.
وفي "العين" العرق: مثال سحر، والعرقات كل مضفور أو مصطف
(1)
، وعن أبي عمر: العرق أكبر من المكتل، والمكتل أكبر من القفة. والعرقة: زبيل من قد. بلغة كلب، ذكره في "الموعب" وفي "الجامع" للقزاز: العرق، ويقال: بسكون الراء وفتحها. وقال ابن سيده: العرق واحدته عرقة. قال: والزبيل والزنبيل: الجراب.
وقيل: الوعاء يحمل فيه، الزنبيل القفة والجمع زبل وزبلان، وقال الجوهري: الزبيل معروف فإذا كسرت شددت فقلت زِبَّيل أو زِنبيل؛ لأنه ليس في كلام العرب فَعليل بالفتح والمكتل شبه الزبيل
(2)
، وفي "الجامع": الزبيل: الوعاء الذي يرمى به الزبل، وهو فعيل في معنى مفعول من هذا، وفيه لغة أخرى زنبيل، وإذا جمعوا قالوا: زنابيل.
= انظر: "الحجة للقراء السبعة" 2/ 272 - 273، و"الكشف عن وجوه القراءات السبع" 1/ 282.
(1)
"العين" 1/ 154.
(2)
"الصحاح" 1/ 113.
30 - باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَلْيُكَفِّرْ
1936 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكْتُ، قَالَ:"مَا لَكَ؟ ". قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ ". قَالَ لَا. قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ ". قَالَ: لَا. فَقَالَ: "فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا". قَالَ لَا. قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ- وَالعَرَقُ: المِكْتَلُ -قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟ ". فَقَالَ: أَنَا. قَالَ: "خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ". فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللهِ؟! فَوَاللهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا- يُرِيدُ: الحَرَّتَيْنِ- أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: "أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". [1937، 2600، 5368، 6087، 6164، 6709، 6710، 6711، 6821 - مسلم: 1111 - فتح: 4/ 163]
ذكر فيه حديث أبي هريرة، وفيه:(هَلَكْتُ) أي: بسبب ما وقع فيه من الإثم. وفيه: ("هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ "). قَالَ: لَا. وكذا: هل تجد في الصوم والإطعام؟ وفيه: وَالعَرَقُ: المِكْتَلُ
…
الحديث.
ثم ترجم له.
31 - باب المُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ هَلْ يُطْعِمُ أَهْلَهُ مِنَ الكَفَّارَةِ إِذَا كَانُوا مَحَاوِيجَ
؟
1937 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ الأَخِرَ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ. فَقَالَ: "أَتَجِدُ مَا تُحَرِّرُ رَقَبَةً؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: "فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: "أَفَتَجِدُ مَا تُطْعِمُ بِهِ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ- وَهُوَ: الزَّبِيلُ- قَالَ: "أَطْعِمْ هَذَا عَنْكَ". قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا؟! مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا. قَالَ: "فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". [انظر: 1936 - مسلم: 1111 - فتح 4/ 173]
ثم ساق حديث أبي هريرة أيضًا، وفيه: بعرق فيه تمر
(1)
، وفي نسخة: فيها، وقال:"خذ هذا"، وفي نسخة:"خذها"، وفيه أن الآخر وهو بكسر الخاء أي الأبعد على الذم، وقيل: الأرذل، وقيل الأخير: الأبعد، والآخر: الغائب.
وقوله: (وهو الزَّنبيل) كذا هو بنون ثم باء موحدة، وفي بعضها الزَّبيل، وصحح بفتح الزاي مخففًا وكسرها مع التشديد كما سلف في الباب قبله.
واختلف العلماء في الواطئ في رمضان إذا وجب عليه التكفير بالإطعام دون غيره، ولم يجد ما يطعم كالرجل الذي ورد في الحديث، فقال الزهري: هو خاص به دون غيره
(2)
، أي: واستغفر له
(1)
سيأتي برقم (1937).
(2)
رواه البيهقي في "السنن" 4/ 223 كتاب: الصيام، باب: كفارة من أتى أهله في رمضان.
من ذَلِكَ الذنب، وقريب منه دعوى نسخه كما حكاه ابن التين، ولم يذكر ناسخه، وفي سقوطها قولان للشافعي وأحمد أظهرهما: لا، كسائر الكفارات، وهو قياس قول أبي حنيفة والثوري وأبي ثور وعيسى بن دينار؛ ولأنه عليه السلام أمره أن يكفر بما دفعه إليه مع إخباره بعجزه؛ فدَّل على ثبوتها في الذمة مع العجز
(1)
.
والقول الثاني: سقوطها كزكاة الفطر؛ ولأنه عليه السلام لم يذكر ذَلِكَ للأعرابي مع جهله الحكم، وهو قول الأوزاعي، وأحمد في رواية
(2)
، وللأول أن يجيب بأن تأخير البيان لوقت الحاجة جائز. وكلام القاضي أبي الطيب من أصحابنا يقتضي أن الثابت في ذمته أحد الخصال الثلاث، فيكون مخيرًا فيها، وكلام صاحب "التنبيه" يقتضي أنه الإطعام خاصة. وقد شرعها لأجل من لا تلزمه نفقته. وللشافعي في "الأم" احتمالان في الحديث، فيحتمل أنه عليه السلام تطوع بالتكفير عنه، وشرع له صرفه إلى الأهل والعيال، فتكون فائدة الحديث أنه يجوز للغير التطوع بالكفارة عن الغير بإذنه، وأنه يجوز للمتطوع صرفها إلى أهل المكفر عنه وعياله، ويحتمل أنه لم يملكه ذلك، وإنما أراد أن يملكه ليكفر فلما أخبره بحاجته صرفه إليه دفعة، ويحتمل أنه ملكه وأمره بالتصدق به، فلما أخبره بحاجته أذن له في أكله وإطعامه لعياله ليبين أن الكفارة إنما تجب إذا فضل عن الكفاية
(3)
.
وقال المهلب: قوله كله دليل على أنه إذا وجب على معسر كفارة إطعام وكان محتاجًا إلى إبقاء رمق نفسه وأهله، أن يؤثرها بذلك
(1)
"المغني" 4/ 385.
(2)
"المغني" 4/ 385.
(3)
"الأم" 2/ 84.
الإطعام، ويكون ذَلِكَ مجزئًا عنه على قول من رأى سقوطها عنه بالعسر، قال: وإباحته الأكل لا تمنع من بقاء حكم الكفارة في ذمته؛ لأنه لما أخبر عن حاجته أباح له الانتفاع بما أعطاه، ولم يتعرض لحكم ما في ذمته، فبقي ذلك بحاله، وفيه أن الصدقة على الفقراء واجبة بهذا الحديث.
واختلف العلماء هل كفارته مرتبة كما ذكر في الحديث: العتق فإن
لم يجد صام، فإن لم يجد أطعم. أو مخيرة؟ فقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور ومطرف وابن الماجشون وابن حبيب في أحد قوليه: بالأول، وهو مشهور مذهب أحمد
(1)
، ونقله ابن قدامة عن جمهور العلماء. وفي "المدونة" قال ابن القاسم: لا يعرف مالك في الكفارة إلا الإطعام لا عتقًا ولا صومًا، وقال في كتاب الظهار: ما للعتق وماله، قال تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} الآية [البقرة: 184]
(2)
وأمر المحترق بالصدقة، وروي عنه أنه مخير بين الثلاثة
(3)
، حكاه ابن القصار والبغداديون وابن المنذر، والحجة له حديثه عن الزهري، عن حميد، عن أبي هريرة: أن رجلًا أفطر في رمضان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق أو يصوم أو يطعم
(4)
، و (أو)
موضعها في كلام العرب التخيير ولا توجب الترتيب، ويجوز أن يكون أبو هريرة قد حفظ الفتيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرتين فرواه مرة
(1)
"المبسوط" 3/ 71، "الأم" 2/ 84، "المغني" 4/ 380.
(2)
"المدونة" 1/ 191، 2/ 310.
(3)
"عيون المجالس" 2/ 631، "المنتقى" 2/ 54.
(4)
رواه مسلم (1111) كتاب: الصيام، باب: تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم ووجوب الكفارة الكبرى.
على التخيير ومرة على الترتيب؛ ليعلمنا الجواز في التخيير أوالترتيب إلى تقديم العتق، ولا يكون أحدهما ناسخًا للآخر، وأجاب بعضهم بأنه عليه السلام علم مآل أمره، وأنه لا يقدر على العتق والصيام، وهو باطل؛ لأن مالكًا رواه وفيه الثلاثة بلفظ (أو) ومن لا يقدر لا يقال له: إن شئت فأعتق، وإن شئت كذا.
وقال الطحاوي: إنما أمره عليه السلام بكل صنف من أصناف الكفارة الثلاثة؛ لما لم يكن واجدًا للصنف الذي ذكره له قبله على ما ثبت في حديث هذا الباب
(1)
.
وقال بعض العراقيين: القصة واحدة والراوي واحد وهو الزهري، وقد نقل الترتيب والتخيير، ولا يجوز أن يكون خيره ورتبة، فلابد من المصير إلى إحدى الراويتين، والمصير إلى الترتيب أولى من وجوه كثرة ناقليها؛ فإن الترتيب رواه سفيان بن عيينة ومعمر والأوزاعي، وعورض بأنه رواه عن الزهري مالك وابن جريج ويحيى بن سعيد وأبو إدريس وفليح وعمرو بن عثمان المخزومي ذكره ابن التين، والاعتناء بلفظ الشارع بخلاف من خير، فإنما نقل لفظ الراوي وإن كانا في الحجة سواء، وإذا تعارضا كان المصير إلى من نقل لفظه أولى؛ ولأن ناقله مفسر؛ لأنه قال له:"أعتق" قال: لا أجد، قال:"فصم"، وناقل التخيير لم يذكر أنه أمره بالصيام والإطعام بعد أن ذكر الأعرابي عجزه، وهذِه زيادة ولأن فيه احتياطًا؛ لأنها إن كانت مخيرة فالترتيب أجوز، وإن كانت مرتبة فقد فعل، وانفرد الحسن
البصري فقال: عليه عتق رقبة أو هدي بدنة أو عشرون صاعًا لأربعين
(1)
"شرح معاني الآثار" 2/ 62.
مسكينًا
(1)
حكاه ابن التين عنه، وحكي عن عطاء: لا صوم عليه وإن لم يجد رقبة فبقرة أو بدنة
(2)
. وروى مالك الندب مرسلًا عن سعيد
(3)
.
واختلفوا في المرأة إذا وطئها طائعة في رمضان: فقال مالك: عليها مثل ما على الرجل من الكفارة، وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور، وفيه قول ثانٍ: تجزئ كفارة الرجل عنهما. وثالث: أن الكفارة الواحدة تجزئهما إلا الصيام فإنه عليهما جميعًا كاملًا عن كل واحد، وإن أكرهها فالصوم عليه وحده
(4)
، حكاه أبو عمر عن الأوزاعي
(5)
، وللشافعي أقوال أظهرها: أن الكفارة عنه. وبه قال أحمد في أصح الروايتين، وفي قول: عنه وعنها
(6)
، وفي قول: عليها كفارة أخرى، وبه قال أبو حنيفة ومالك كما سبق، وفي قول أن عليه في ماله كفارتين كفارة عنه وكفارة عنها، وهو مصادم للنص فإنه لم يأمره إلا بكفارة واحدة.
واختلفوا إذا وطئها مكرهة: فقال مالك: عليه كفارتان عنه وعنها، وكذا إن وطئ أمته كفَّر كفارتين، وقال أبو حنيفة: عليه كفارة واحدة ولا شيء عليها، وقال الشافعي: ليس عليه إلا كفارة واحدة سواء طاوعته أو أكرهها كما سلف
(7)
، ولا تجري فيها الأقوال، ووجهه أن الشارع لم يستفصل بين الطائعة والمكرهة، ولو كان الحال يختلف
(1)
رواه الدارمي 1/ 719 (1144) كتاب الطهارة، باب: من قال عليه الكفارة.
(2)
ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" 10/ 101.
(3)
"الموطأ" ص 198 كتاب: الصيام، باب: كفارة من أفطر في رمضان.
(4)
ورد في الأصل بعدها: وبه قال أحمد في أصح الروايتين، وعليها علامة (لا .. إلى)
(5)
"التمهيد" 7/ 178.
(6)
"بدائع الصنائع" 2/ 98، "عيون المجالس" 2/ 624، "البيان" 3/ 521، 522، "المغني" 4/ 375.
(7)
"المبسوط" 3/ 136، "عيون المجالس" 2/ 637، "البيان" 3/ 524.
بيّنه، وحجة الموجب عليها في الطواعية القياس على قضاء ذَلِكَ اليوم، وفي الكراهية أنه سبب فساد صومها بتعديه الذي أوجب عليه الكفارة عن نفسه فوجب أن يكفر عنها، وهذا مبني على أصولهم إذا أكرهها فأفسد حجها بالوطء فعليه أن يحججها من ماله ويهدي عنها، وكذلك إذا حلق رأس محرم نائم فإنه ينسك عنه؛ لأنه أدخل ذَلِكَ عليه بتعديه من غير اختيار من المفعول به، ولا يلزم على هذا الناسي والحائض والمريض وغيرهم من المعذورين إذا أفطروا؛ لأن السبب أتاهم من قبل الله عز وجل، وفي مسألتنا الفطر أتى من قبل الواطئ، والكفارة تتعلق بالذمة؛ لأن ماله لو تلف لم يسقط.
تنبيهات:
أولًا: إذا قلنا بالتخيير على قول مالك، فروى عبد الملك عنه: الإطعام أفضل. ومتأخروا أصحابه يراعون الأوقات فإن كان وقت مجاعة فالإطعام أولى، أو خصب فالعتق أولى، وأفتى بعضهم فيمن
استفتاه في ذَلِكَ من أهل الغنى الواسع: بالصيام لما علم أنه أشق عليه
(1)
، وعن ابن أبي ليلى: هو مخير بين العتق والصيام فإن عجز عنهما أطعم، وإليه ذهب ابن جرير.
ثانيها: التتابع: التوالي، وكافة أهل العلم على تتابع الصوم خلافًا لابن أبي ليلى.
ثالثها: حكى الداودي عن ابن مسعود: أن على الواطئ صوم ثلاثة آلاف يوم، وقد أسلفناه عن إبراهيم، والذي ذكره البخاري عن ابن مسعود ما تقدم.
(1)
"المنتقى" 2/ 54.
ثم حكى عن النخعي مثل ما حكاه عن ابن مسعود
(1)
، قال: ولا يخالف هذا ما حكاه البخاري عن النخعي؛ لأن هذا فيمن أفطر بأكل، والذي ذكر البخاري فيمن أفطر بجماع كذا ادعى فتأمله
(2)
.
رابعها: إذا أفطر بأكل فقال ابن عباس: يطعم ثلاثين مسكينًا
(3)
، وقال مالك: ستين. ومثله أبو حنيفة، إلا أنه فصل بين البرُ وغيره كما سلف، والشافعي قال: لا كفارة عليه. كما سلف
(4)
.
خامسها: قوله عليه السلام للرجل: "هل تجد رقبة تعتقها؟ " قال: لا، ظاهر في شدة فقره، وكذا في الصيام فينظر حَتَّى يجد أو يقوى، وقد صرح بفقره بعد وأعلمه أن به وبعياله حاجة أشد من حاجته إلى تعجيل الكفارة.
ومعنى: (بدت أنيابه): ظهر. قيل: ضحكه؛ لوجوب الكفارة عليه، ثم أعطاه الصدقة فضلًا من الله.
ومعنى "تحرر رقبة": تعتقها ومنه {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92]
يقال: حررت العبد إذا جعلته حرًّا. وللبيهقي: جاء رجل وهو ينتف شعره ويدق صدره ويقول: هلك الأبعد وأهلكت، وفي لفظ: ويدعو بالويل
(5)
ورواية: هلكت وأهلكت، رواها المعلَّى بن منصور عن
(1)
قلت: رواه عن النخعي ابن أبي شيبة 2/ 348 (9782) كتاب: الصيام، ما قالوا في الرجل يفطر في رمضان يومًا ما عليه، و 3/ 110 (12572) كتاب: الإيمان والنذور، من يفطر يومًا من رمضان، وذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 171 - 172، وكذا ابن حزم في "المحلى" 6/ 189.
(2)
ورد في هامش الأصل: ما قاله ليس الظاهر.
(3)
رواه النسائي في "الكبرى" 5/ 350 (9118) كتاب: عشرة النساء، وابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 170.
(4)
"المبسوط" 7/ 14، "المدونة" 1/ 191، "الأم" 2/ 86.
(5)
"سنن البيهقي" 4/ 226 كتاب: الصيام، باب: رواية من رأى الأمر بقضاء يوم.
سفيان، وليس بذاك الحافظ، وضعفها الحاكم
(1)
.
سادسها: الرجل، قال ابن بشكوال: إنه سلمة بن صخر البياضي
(2)
فيما ذكره ابن أبي شيبة في "مسنده"
(3)
، وعند ابن الجارود: سلمان بن صخر
(4)
، ولعله
(5)
هو المظاهر في رمضان حَتَّى ينسلخ، فلما مضى نصفه وقع ليلًا، كما أخرجه الترمذي
(6)
، وكان من عادته أنه إذا نزى على أهله ليلًا يطلع الفجر وهو كذلك.
سابعها: أطلق الرقبة فشمل الكافرة والصغيرة، وهو مذهب أبي
حنيفة وأصحابه
(7)
وجعلوه كالظهار، وفي الدارقطني من حديث إسماعيل بن سالم، عن مجاهد، عن أبي هريرة أنه عليه السلام أمر الذي أفطر في رمضان بكفارة الظهار
(8)
، وتشمل أيضًا المعيبة، وهو مذهب داود لكنه نُقض فالمانع ظاهر، ومالك والشافعي وأحمد يشترطون فيها الإيمان
(9)
بدليل تقيدها في كفارة القتل، وهو مما حمل المطلق
(1)
انظر: "سنن البيهقي" 4/ 227.
(2)
"غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال 1/ 211 - 212.
(3)
"مسند ابن أبي شيبة" 2/ 136 (627).
(4)
في "المنتقى" لابن الجارود 3/ 63 - 65 (744 - 745): سلمة بن صخر الأنصاري.
(5)
ورد في هامش الأصل ما نصه: كذا ذكره في "المهذب" في الظهار المؤقت، وأقره عليه النووي في حديث
…
فيه جماعة.
(6)
الترمذي (1198) كتاب: الطلاق، باب: ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر، وقال: حديث حسن غريب، وصححه الألباني في "الإرواء"(2091).
(7)
"بداح الصنائع" 5/ 109.
(8)
"سنن الدارقطني" 2/ 190 - 191، ورواه ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 86 - 87 (1082) وقال: يرويه يحيى الحماني، قال أحمد: كان يكذب في الحديث اهـ.
(9)
"المدونة" 2/ 314، "الأم" 4/ 130، "المغني" 12/ 228.
فيه على المقيد، ولا شك أن مقصود الشارع بالعتق تخليص الرقبة من ربقة الرق؛ لتتفرغ لعبادة الرب جل جلاله ولنُصرة الإسلام، وهذا المعنى مفقود في الكافر، وقد قال الشارع:"أعتقها فإنها مؤمنة"
(1)
.
ثامنها: معنى "تستطيع": تقوى وتقدر كما سلف، وفي بعض روايات الحديث
(2)
: وهل أتيتُ إلا من قبل الصوم
(3)
. فاقتضى ذَلِكَ
(1)
رواه مسلم (537)، وأحمد 5/ 448.
(2)
ورد في هامش الأصل: خارج الصحيح.
(3)
لم أجد هذا اللفظ بنصه هكذا، وإنما وجدته بألفاظ أخرى مقاربة جدًا، وكلها من حديث سلمة بن صخر.
فرواه الترمذي (3299) كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة المجادلة، وأحمد 4/ 37، 5/ 436، والدارمي 3/ 1459 - 1461 (2319) كتاب: الطلاق، باب: في الظهارة، وابن الجارود 3/ 63 - 64 (744)، وابن خزيمة 4/ 73 - 74 (2378) كتاب: الزكاة، باب: الرخصة في إعطاء الإمام المظاهر من الصدقة
…
، والحاكم في "المستدرك" 2/ 203 كتاب: الطلاق وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والبيهقي في "سننه" 7/ 390 كتاب: الظهار، باب: لا يجزي أن يطعم أقل من ستين مسكينًا كل مسكين مدًا من طعام بلده، وابن بشكوال في "غوامض الأسماء المبهمة" 1/ 212 - 213، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 297 (1722) والمزي في "تهذيب الكمال" 11/ 289 - 290، وذلك بلفظ: وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام. والحديث صححه الألباني في "الإرواء"(2091).
ورواه أبو داود (2213) كتاب: الطلاق، باب: في الظهار، وذلك بلفظ: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام.
ورواه ابن شيبة في "تاريخ المدينة المنورة" 2/ 396 - 398، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 201 - 202 (2185)، والطبراني 7/ 43 - 44 (6333)، وذلك بلفظ: ما دخل علي من البلاء إلا من قبل الصوم.
قال المصنف رحمه الله: قال الرافعي: في رواية أنه عليه السلام قال له: (صم شهرين) فقال: هل أتيت ألا من قبل الصوم؟
قلت: غريب والمعروف أنه قال: لا أستطيع ذلك. اهـ "خلاصة البدر المنير" 1/ 329. =
عدم استطاعته بسبب شدة الشبق، والأصح عندنا أن له العدول عن الصوم إلى الإطعام بسبب ذَلِكَ.
تاسعها: رواية مالك في "الموطأ" فأمره عليه السلام أن يكفر بعتق رقبة أو صيام أو إطعام
(1)
بـ (أو) كما أسلفناه. قال أبو عمر: لم يختلف رواة "الموطأ" على مالك بلفظ التخيير، وتابعه ابن جريج وأبو إدريس عن ابن شهاب، وكذلك رواه أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان، بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن ابن شهاب
(2)
.
وقال ابن قدامة: دلالة الترتيب الحديث الصحيح رواه معمر ويونس والأوزاعي، والليث وموسى بن عقبة وعبيد الله بن عمر، وعراك بن مالك وإسماعيل بن أمية ومحمد بن أبي عتيق وغيرهم
(3)
. زاد أبو عمر: ابن عيينة وشعيب بن حمزة وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر وإبراهيم بن سعد والحجاج بن أرطأة وابن المعتمر، قال: وفي قول الشعبي والزهري أن على المفطر في رمضان عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينًا أو صيام شهرين متتابعين
(4)
، فأيقن مالك بالتخيير.
= وقال الحافظ ابن حجر: قال ابن الصلاح: هذا اللفظ لا يعرف، وإن الذي وقع في الروايات إنه لا يستطيع ذلك. انتهى. وهذِه غفلة عما أخرجه البزار من طريق محمد بن إسحاق حدثني الزهري، عن حميد، عن أبي هريرة فذكر الحديث وفيه قال:"صم شهرين"، قال: يا رسول الله هل لقيت ما لقيت إلا من الصيام، ويؤيد ذلك ما ورد في حديث سلمة بن صخر عند أبي داود في قصة المظاهر زوجته أنه قال: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام اهـ "التلخيص الحبير" 2/ 207.
(1)
"الموطأ" ص 198.
(2)
"الاستذكار" 10/ 95.
(3)
"المغني" 4/ 380 - 381.
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 197 (7468) عن الزهري، وقد ذكرهما ابن عبد البر في "الاستذكار" 10/ 96 - 97.
قال ابن قدامة: والآخذ بهذا أولى من رواية مالك. قلت: محمد الزهري اتفقوا على روايته، هكذا سواهما فيما علمنا واحتمال القسمة فيهما أكثر من احتماله في سائر أصحابه
(1)
، وقد أسلفنا زيادة على ذَلِكَ فليح بن سليم، وعمرو بن عثمان.
عاشرها: أجمعوا كما قال (أبو عمر)
(2)
ابن عبد البر: أن المجامع في قضاء رمضان لا كفارة عليه، حاشى قتادة وحده، وأجمعوا أيضًا أن المفطر في قضاء رمضان لا يقضيه إلا ابن وهب، وأجمعوا أن من وطئ فكفر ثم وطئ في يوم آخر فيه أنه عليه كفارة أخرى، وأجمعوا على أنه ليس على من وطئ مرارًا في يوم واحد إلا كفارة واحدة، فإن وطئ في يوم من رمضان ولم يكفر حتى وطئ في يوم آخر، فذهب الأربعة خلا أبا حنيفة أن عليه لكل يوم كفارة -كفر أو لم يكفر. وقال أبو حنيفة: عليه كفارة واحدة إذا وطئ قبل أن يكفر
(3)
، وقال الثوري: أحب إليَّ أن يكفر- عن كل يوم، وأرجو أن تجزئه كفارة واحدة ما لم يكفر.
حادي عشرها: ذكر البدنة في هذا الحديث لا أعلمه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندًا إلا من رواية ليث، عن مجاهد وعطاء جميعًا، عن أبي هريرة يرفعه:"أعتق رقبة" ثم قال: "انحر بدنة" ذكره البخاري في "تاريخه" عن ابن شريك، عن أبيه، عن ليث، وقال: لا يتابع عليه
(4)
.
وذكر عطاءً في كتاب "الضعفاء" أيضًا بهذا الحديث، وقال: لم يتابع عليه
(5)
.
(1)
"المغني" 4/ 381.
(2)
علم فوقها في الأصل: (لا .. إلى).
(3)
"التمهيد" 7/ 181.
(4)
"التاريخ الكبير" 6/ 475.
(5)
"الضعفاء" ص 178 - 179 (278).
قال أبو عمر: وأحسن طرقه عندي ما حدثناه عبد الوارث، ثم ساقه من حديث جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة ثم ساقه، وقال: فقد وجدنا ذكر البدنة من غير رواية عطاء الخرساني، فلا وجه لإنكار من أنكر ذَلِكَ عليه، وما أعلم أحدًا أفتى ببدنة إلا عطاء والحسن
(1)
. وقال ابن حزم: فإن تعللوا في مرسل سعيد بأنه ذكر له بما رواه عطاء الخرساني عنه من ذَلِكَ فقال سعيد: كذب إنما قلت: قال له: "تصدق بصدقة" فإن الحسن وقتادة وعطاء بن أبي رباح قد رووه أيضًا مرسلًا
(2)
. وفيه الهدي للبدنة وأما حديث هارون ابن عنترة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر: أتى رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفطرت عامة رمضان من غير عذر ولا سفر فقال له: "أعتق رقبة" قال: لا أجد. الحديث
(3)
.
فقال الرازيان: إنه خطأ وإنما هو حبيب، عن طلق، عن ابن المسيب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلًا، قال عبد الرحمن: قلت لأبي: ممن الوهم؟ قال: لا أدري
(4)
.
(1)
"التمهيد" 21/ 11.
(2)
"المحلى" 6/ 190.
(3)
رواه أبو يعلى في "مسنده" 10/ 89 - 90 (5725)، والطبراني في "الأوسط" 8/ 131 - 132 (8184) وقال: لم يرو هذا الحديث عن حبيب إلا هارون، تفرد به: الصباح بن محارب اهـ.
وهو بالسند المذكور، لكن فيه أن الرجل قال: يومًا من رمضان، بدل: عامة رمضان كما ذكره المصنف وكما في "علل ابن أبي حاتم" 1/ 224.
والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" 3/ 167 - 168 وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات اهـ.
(4)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 224.
خاتمة:
من الفوائد الجليلة في بعض طرقه "فأعتق رقبة"، "فصم شهرين"، و"فأطعم ستين مسكينًا"، على الأمر. وقال في آخره:"فأنتم إذً"
(1)
.
ومن تراجمه عليه: باب: نفقة المعسر على نفسه
(2)
، وأخرجاه أيضًا من حديث عائشة
(3)
، واعلم أن حديث المجامع قد أفرد بالتأليف
(4)
في مجلدين، وقد ذكرنا عيونًا منه هنا وفي "شرح العمدة" أيضًا
فليراجع
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (6087) كتاب: الأدب، باب: التبسم والضحك، و (6164) باب: ما جاء في قول الرجل: ويلك.
(2)
سيأتي برقم (5368) كتاب: النفقات.
(3)
سلف برقم (1935) باب: إذا جامع في رمضان، ورواه مسلم (1112) كتاب: الصيام، باب: تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم.
(4)
ورد بهامش الأصل تعليق نصه: لعز الدين قاضي الأشمونية، كذا قال شيخنا المصنف، وقد رأيت أنا بالقاهرة بسوق الكتب قطعة من الكلام عليه فيها ثلاثمائة وتسعة وثلاثون فائدة، ولم ينقطع الكلام، فلم أعلم لمن هي، والظاهر أنها للمذكور.
(5)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 5/ 208 - 254.
32 - باب الحِجَامَةِ وَالقَيْءِ لِلصَّائِمِ
قال البخاري: قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ الحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يقول: إِذَا قَاءَ فَلَا يُفْطِرُ، إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلَا يُولِجُ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُفْطِرُ. وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ: الفطر مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَكَانَ يَحْتَجِمُ بِاللَّيْلِ. وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلًا. وَيُذْكَرُ عَنْ سَعْدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأُمِّ سَلَمَةَ: احْتَجَمُوا صِيَامًا. وَقَالَ بُكَيْرٌ، عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ: كُنَّا نَحْتَجِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ فَلَا تَنْهَى. وَيُرْوَى عَنِ الحَسَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مَرْفُوعًا:"أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ". وَقَالَ لِي عَيَّاشٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ مِثْلَهُ. قِيلَ لَهُ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ اللهُ أَعْلَمُ.
1938 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهْوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهْوَ صَائِمٌ. [انظر: 1835 - مسلم: 1202 - فتح: 4/ 174]
1939 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَائِمٌ. [انظر: 1835 - فتح: 4/ 174]
1940 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا البُنَانِيَّ يَسْأَلُ قَالَ: سُئِلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ. وَزَادَ شَبَابَةُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [فتح: 4/ 174]
ثم ساق حديث ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهْوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهْوَ صَائِمٌ. وفي رواية أخرى: احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ.
حدَثنَا آدم بْنُ أَبِي إِيَاسٍ ثَنَا شُعْبَةُ: سَمِعْتُ ثَابِتًا البُنَانِيَّ: سُئِلَ أَنَسُ ابْنُ مَالِكٍ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ. وَزَادَ شَبَابَةُ: حَدَّثنَا شُعْبَةُ: عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
أما قول أبي هريرة الأول ففي القيء أنه لا يفطر، فقد روي مرفوعًا من حديث محمد بن سيرين عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض" رواه أصحاب السنن الأربعة، وقال الترمذي: حسن غريب
(1)
. وصححه ابن حبان والدارقطني والحاكم
(2)
، وقال البخاري: لا يعرف إلا من هذا الطريق ولا أراه محفوظًا.
وروى معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير، قال: أخبرني عمر بن الحكم بن ثوبان أنه سمع أبا هريرة يقول: إذا قاء أحدكم فلا يفطر فإنما يخرج ولا يدخل
(3)
، وهذا عندهم أصح موقوفًا على أبي هريرة، كما ذكره البخاري.
وقد قام الإجماع على أن من ذرعه القيء لا قضاء عليه، ونقل ابن المنذر الإجماع أن الاستقاءة مفطرة
(4)
، ونقل العبدري، عن أحمد أنه قال: من تقيأ فاحشًا أفطر.
(1)
تقدم تخريجه قريبًا باستيفاء، وهو عند أبي داود (2380) والترمذي (720)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 215 (3130) وابن ماجه (1676).
(2)
تقدم.
(3)
"التاريخ الكبير" 1/ 91 - 92.
(4)
"الإجماع" ص 59.
وقال ابن بطال: اختلف فيمن استقاء فأفطر، قال الليث والثوري والأربعة بالقضاء، وعليه الجمهور، وروي ذَلِكَ عن عليٍّ وابن عمر وأبي هريرة
(1)
. وعن ابن مسعود وابن عباس أنه لا يفطر.
لكن في ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن عباس أنه إذا تقيأ أفطر
(2)
.
ونقل ابن التين عن طاوس عدم القضاء
(3)
، قال: وبه قال ابن بكير.
وقال ابن حبيب: لا قضاء عليه في التطوع دون الفرض
(4)
.
وقال الأوزاعي وأبو ثور: عليه أيضًا الكفارة مثل كفارة الآكل عامدًا في رمضان، وهو قول عطاء
(5)
، واحتجوا بحديث أبي الدرداء أنه عليه السلام قاء فأفطر، رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما
(6)
، وأُعِلّ.
(1)
رواها ابن أبي شيبة 2/ 298 (9187 - 9189) وانظر: "شرح ابن بطال" 4/ 80 بتصرف.
(2)
ابن أبي شيبة 2/ 299 (9196).
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 216 (7552) كتاب: الصيام، باب: القيء للصائم.
(4)
"النوادر والزيادات" 2/ 45.
(5)
ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" 10/ 184.
(6)
أبو داود (2381) كتاب: الصوم، باب: الصائم يستقيء عامدًا، الترمذي (87) كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف، النسائي في "الكبرى" 2/ 213 - 215 (3120 - 3129) كتاب: الصيام، في الصائم يتقيأ، "ابن حبان" 3/ 377 (1097) كتاب: الطهارة، باب: نواقض الوضوء، الحاكم في "المستدرك" 1/ 426 كتاب: الصوم، وقال الترمذي في "العلل الكبير" 1/ 168: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: جود حسين المعلم هذا الحديث، قال أبو عيسى: حديث معمر خطأ اهـ.
وقال في "سننه" 1/ 146: روى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه، فقال: عن يعيش بن الوليد، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء، ولم يذكر =
قال أبو عمر: ليس بالقوي
(1)
.
قالوا: وإذا كان القيء يفطر الصائم فعلى من تعمده ما على من تعمد الأكل والشرب والجماع، وتأوله الفقهاء على أن معنى قاء: استقاء. قال الطحاوي: ويجوز أن يكون قوله: قاء فأفطر، أي: قاء فضعف فأفطر.
وقد روى فضالة بن عبيد أنه عليه السلام دعا بإناء فشرب، فقيل له: يا رسول الله، هذا يوم كنت تصومه؟ قال:"أجل إني قئت فأفطرت". وهذا معناه: ولكني قئت فضعفت عن الصيام فأفطرت، وليس في هذين الحديثين أن القيء كان مفطرًا له إنما فيهما أنه قاء فأفطر بعد ذَلِكَ
(2)
.
= فيه الأوزاعي، وقال: عن خالد بن معدان، وإنما هو معدان بن أبي طلحة. اهـ.
ورواه البيهقي في "سننه" 1/ 144 كتاب: الطهارة، باب: ترك الوضوء من خروج الدم من غير مخرج الحدث، وقال: إسناد هذا الحديث مضطرب، واختلفوا فيه اختلافًا شديدًا، ورواه في 4/ 220 كتاب: الصيام، باب: من ذرعه القيء لم يفطر ومن استسقاء أفطر، وقال: حديث مختلف في إسناده، فإن صح فهو محمول على ما لو تقيأ عامدًا. اهـ.
وخالف البيهقيَّ جماعات فصححوه، قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه؛ لخلاف بين أصحاب عبد الصمد فيه، قال بعضهم عن يعيش بن الوليد، عن أبيه، عن معدان، وهذا وهم قائله، فقد رواه حرب بن شداد وهشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير على الاستقامة اهـ.
وقال الحافظ: قال ابن مسنده: إسناده صحيح متصل، وتركه الشيخان لاختلاف في إسناده اهـ "التلخيص الحبير" 2/ 190، ونقل أيضًا تصحيح ابن مسنده له المصنف في "خلاصة البدر المنير" 1/ 320. وللألباني بعد تصحيحه له في "صحيح أبي داود" (2060) بحث نفيس فانظره فإنه شفي وكفى، يرحمه الله.
(1)
"الاستذكار" 10/ 127.
(2)
"شرح معاني الآثار" 2/ 96 - 97، وقد روى حديث فضالة بسنده.
ورواه أيضًا ابن ماجه (1675) كتاب الصيام، باب ما جاء في الصائم يقيء، وأحمد 6/ 18، 20، 21، والطحاوي أيضًا في "شرح مشكل الآثار" 2/ 642 =
وقوله: إنما يخرج ولا يولج. يصح، كما قال ابن التين في غير المني؛ لأن المني يلتذ بخروجه.
وأما أثر ابن عباس: الفطر مما دخل وليس مما خرج، فأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس في الحجامة للصائم فقال: الفطر مما يدخل وليس مما يخرج
(1)
، زاد البيهقي: والوضوء مما يخرج وليس مما يدخل
(2)
.
وأما أثر عكرمة مثله فأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا، عن هشيم، عن حصين، عنه به
(3)
. وقد أسلفنا في باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، أنه روي عن علي وابن عباس: الوضوء مما خرج
(4)
،
= (1363) تحفة، والطبراني 18/ 303 (779)، 18/ 316 (817 - 819)، والدارقطني 2/ 182، والبيهقي في "سننه" 4/ 220 كتاب: الصيام، باب: من ذرعه القيء لم يفطر .. ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 12/ 36 - 37، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(369).
قلت: في إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعنه، وقد رواه عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق، عن فضالة، وفي غير رواية ابن إسحاق زِيْدَ: حنش الصنعاني بين أبي مرزوق وفضالة، وهو الصواب؛ لذا أعل أبو حاتم حديث ابن إسحاق الساقط من إسناده حنش، في "العلل" 1/ 238 (691) فقال: بين أبي مرزوق وفضالة حنش الصنعاني من غير رواة ابن إسحاق اهـ.
(1)
"المصنف" 2/ 308 (9319) كتاب: الصيام، من رخص للصائم أن يحتجم.
(2)
"سنن البيهقي" 4/ 261 كتاب: الصيام، باب: الإفطار بالطعام ..
(3)
"المصنف" 2/ 308 (5/ 93).
(4)
حديث عبد الله بن عباس رواه عبد الرزَّاق في "المصنف" 1/ 32 (100) كتاب: الطهارة، باب: من يطأ نتنًا يابسًا أو رطبًا، وابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 52 (535، 538) كتاب: الطهارات، باب: من كان لا يتوضأ مما مست النار، والبيهقي 1/ 116 كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من الدم، وضعفه الحافظ في "التلخيص" 1/ 117 - 118. =
وأنه روي مرفوعًا عنهما ولا يثبت
(1)
.
= وحديث علي رواه البيهقي 1/ 157 كتاب: الطهارة، باب: ترك الوضوء مما مست النار.
(1)
لم أجده من حديث علي مرفوعًا، إنما وجدته من حديث ابن عباس فقط، رواه ابن عدي في "الكامل" 5/ 39 من حديث إدريس بن يحيى، عن الفضل بن مختار، عن ابن أبي ذئب، عن شعبة، عن ابن عباس مرفوعًا.
ومن هذا الطريق رواه أبو نعيم في "الحلية" 8/ 320، والبيهقي في "سننه" 1/ 116 - 117 كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من الدم يخرج
…
، والديلمي في "الفردوس" 4/ 426 (7242)، والحديث ضعفه وأعله غير واحد، قال ابن عدي: وهذا لعل البلاء فيه من الفضل بن المختار هذا لا من شعبة؛ لأن الفضل فيما يرويه له غير حديث منكر، والأصل في هذا الحديث أنه موقوف من قول ابن عباس اهـ.
وقال أبو نعيم في "الحلية": غريب من حديث ابن أبي ذئب لم نكتبه إلا من حديث الفضل، وعنه إدريس بن يحيى الخولاني. اهـ.
وقال البيهقي: لا يثبت.
ورواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 366 (606) وقال: هذا حديث لا يصح أمَّا شعبة فهو مولى ابن عبَّاس، قال مالك: ليس بثقة، وقال يحيى: لا يكتب حديثه، وقال ابن عدي: لعلَّ البلاء في هذا الحديث من الفضل بن المختار لا من شعبة؛ لأنَّ أحاديثه منكرة والأصل في هذا أنَّه موقوف. اهـ.
وقال العجلوني في "كشف الخفاء" 2/ 336 (2899) سنده ضعيف اهـ.
وقال الألباني في "الضعيفة"(959): منكر. وقد أفاد وأجاد في الكلام عليه، فراجعه.
وروى الطبراني في "الكبير" كما في "المجمع" 1/ 252 بسند أضعف من السالف عن أبي أمامة مرفوعًا: "إنما الوضوء علينا مما خرج وليس علينا مما يدخل"، وقال الهيثمي: فيه: عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد وهما ضعيفان لا يحل الاحتجاج بهما.
وقال عنه الألباني في "الضعيفة"(960): ضعيف جدًّا.
قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن ألا يقال للخارجة من البدن جميعًا -نجسة كانت أو غيرها- أنها لا تفطر بخروجها من البدن، فكذلك الدم في الحجامة وغيرها
(1)
.
وأثر ابن عمر رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية، عن أيوب، عن نافع أن ابن عمر، كان، فذكره
(2)
.
وحَدَّثَنَا وكيع، عن هشام بن الغاز، وحَدَّثَنَا ابن إدريس، عن يزيد، عن عبيد الله، عن نافع بزيادة: لا أدري لأي شيء تركه، كرهه أو لضعف
(3)
.
وهو في "الموطأ" عن نافع أنه احتجم وهو صائم، ثم ترك ذَلِكَ، فكان إذا صام لم يحتجم حَتَّى يفطر
(4)
.
وأثر أبي موسى أخرجه ابن أبي شيبة أيضًا، عن محمد بن أبي عدي، عن محمد، عن بكر، عن أبي العالية قال: دخلت على أبي موسى -وهو أمير البصرة- مساءً فوجدته يأكل تمرًا كامخا وقد احتجم، فقلت له: ألا تحتجم بنهار؟ قال: أتأمرني أن أهريق دمي وأنا صائم؟
(5)
.
وأخرجه الحاكم في "مستدركه" من طريق مطر عن بكر بن عبد الله قال: عن أبي رافع قال: دخلت على أبي موسى .. فذكره، وفي آخره: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أفطر الحاجم والمحجوم"، ثم قال: صحيح
(1)
"الاستذكار" 10/ 126.
(2)
"المصنف" 1/ 309 (9325).
(3)
"المصنف" 1/ 310 (9336).
(4)
"الموطأ" ص 199 كتاب: الصيام، باب: الحجامة للصائم.
(5)
"المصنف" 2/ 308 (9307).
على شرط الشيخين، وقال ابن المديني: صحيح
(1)
. وخالف النسائي فقال: خطأ، وقد روي موقوفًا وفيه اختلاف، ووقفه حفص، عن سعيد، عن مطر ولم يرفعه
(2)
.
وتردد أبو زرعة في وقفه ورفعه
(3)
، وقضى أبو حاتم بوقفه
(4)
. وأثر سعد وهو ابن أبي وقاص فيما ذكره البيهقي من حديث محمد بن جحادة، عن يونس، عن أبي الخصيب، عن مصعب بن سعد عنه. وفي "الموطأ" عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص كان يحتجم وهو صائم
(5)
. قال أبو عمر: ورواه عفان، عن عبد الواحد بن زياد، عن عثمان بن حكيم، عن عامر بن سعد قال: كان أبي يحتجم وهو صائم
(6)
، وإسناده صحيح فلا ينبغي أن يمرض كما فعل البخاري. وأثر زيد بن أرقم أخرجه ابن أبي شيبة عن يعلى بن عبيد، عن يونس بن عبد الله الجرمي، عن دينار قال: حجمت زيد بن أرقم وهو صائم، وأثر أم سلمة رواه ابن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، أنا سفيان، عن فرات، عن مولى لأم سلمة أنه رأى أم سلمة تحتجم وهي صائمة
(7)
. قال ابن أبي حاتم: ورواه شريك، عن فرات القزاز، عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت أم سلمة- الحديث، فقال: أبي هذا خطأ إنما هو فرات مولى أم سلمة عنها
(8)
.
(1)
"المستدرك" 1/ 429 - 430 كتاب: الصوم.
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 231.
(3)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 235.
(4)
"العلل" 1/ 234.
(5)
"الموطأ" ص 199 كتاب: الصيام، باب: الحجامة للصائم.
(6)
"الاستذكار" 10/ 118.
(7)
"المصنف" 2/ 309 (9334 - 9335).
(8)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 231.
وبكير -في أثر عائشة- هو ابن الأشج، وأم علقمة هي أم ابن أبي علقمة سماها البخاري في بعض الأصول: مرجانة، وكذلك ابن حبان لما ذكرها في "ثقاته"
(1)
، ورواه النسائي من حديث عطاء بن أبي رباح عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
، وعن عطاء وعروة موقوفًا عليها
(3)
.
وأما حديث الحسن وغيره، فأخرجه النسائي عن زكريا بن يحيى، عن عمرو بن علي، عن عبد الرحمن، عن (أبي حرة)
(4)
، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم" قلت: عمن؟ قال: عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم
(5)
. وحَدَّثَنَا زكرياء بن يحيى، عن محمد بن منصور، عن بشر بن السري، وعن أبي بكر بن علي، عن شريح بن يونس، عن أبي قطن، كلاهما عن أبي حرة، عن الحسن، عن غير واحد من الصحابة، ولم يقل: عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وعن محمد بن عبد الأعلى، عن معتمر بن سليمان، عن أبيه عن الحسن كذلك، وحَدَّثَنَا أبو بكر بن علي، عن يعقوب بن إبراهيم، عن بشر بن المفضل، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، قوله
(6)
، وساقه البيهقي من طريق (أحمد)
(7)
بن فارس: حَدّثَنَا البخاري: حَدَّثَني عياش، فذكره، ثم ساقه من حديث علي بن
(1)
"ثقات ابن حبان" 5/ 466.
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 228 (3191) كتاب: الصيام، الحجامة للصائم.
(3)
السابق 2/ 228 - 229 (3192 - 3193).
(4)
كذا في الأصل، وفي "سنن النسائي الكبرى" 2/ 224: أبي حمزة.
(5)
"السنن الكبرى" 2/ 224 (3168 - 3169) كتاب: الصيام، باب: الحجامة للصائم.
(6)
"السنن الكبرى" 2/ 225 (3173).
(7)
كذا في الأصل، وفي "سنن البيهقي" 4/ 265: أبو أحمد.
المديني، ثنا المعتمر، عن أبيه، عن الحسن، عن غير واحد من الصحابة به، قال علي: رواه يونس، عن الحسن، عن أبي هريرة
(1)
. -أي: كما أسلفناه عند النسائي- ورواه قتادة، عن الحسن، عن ثوبان.
رواه النسائي من حديث الليث عنه، وقال: ما علمت أن أحدًا تابع الليث على روايته
(2)
.
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه أنه خطأ، ورواه قتادة عن الحسن (مرسلًا)
(3)
، ورواه أشعث عن الحسن، عن أسامة
(4)
.
وأما حديث ثوبان فإن ابن أبي عروبة يرويه عن قتادة، عن شهر، عن ابن عمر عنه
(5)
، ورواه بكير بن أبي السميط
(6)
، عن قتادة، عن أبي
(1)
"سنن البيهقي الكبرى" 4/ 265 كتاب: الصيام، باب: الحديث الذي روي في الإفطار بالحجامة.
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 222 (3160) كتاب: الصيام، باب: الحجامة.
(3)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 226.
ورسمت (مرسل) في الأصول بلا ألف، وموقعها النصب بلا خلاف، وهي لغة ربيعة في كتابتها، وقد وقع في "الصحيح" سمعت أنسً، كذا بلا ألف.
انظر: "سر صناعة الإعراب" 2/ 477 - 479، "شواهد التوضيح" لابن مالك ص 89، "شرح مسلم" للنووي 2/ 227.
(4)
رواه النسائي في "الكبرى" 2/ 223 (3165) كتاب: الصيام، الحجامة للصائم، والبيهقي 4/ 265 كتاب: الصيام، باب: الحديث الذي روي في الإفطار بالحجامة.
(5)
رواه النسائي في "الكبرى" 2/ 221 (3157) من حديث همام، عن قتادة، عن شهر، عن ثوبان به، و 2/ 222 (3158) من حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن شهر، عن عبد الرحمن بن غنم، عن ثوبان به، ليس في أحدهما ذكر ابن عمر عن ثوبان.
(6)
في هامش الأصل ما نصه: صدوق. قاله في "الكاشف".
الخضيب، عن معدان عن ثوبان
(1)
، ورواه يزيد بن هارون عن أيوب (عن)
(2)
أبي العلاء، عن قتادة، عن شهر، عن بلال، ورواه قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان.
وقول مكحول حَدَّثَني شيخ من الحي هو ابن أسماء.
وقال الحازمي، عن الترمذي: سألت أبا زرعة عن حديث عطاء، عن أبي هريرة مرفوعًا، قال: هو حديث حسن
(3)
.
وقال الحاكم- لما رواه من حديث الأوزاعي: ثنا يحيى بن أبي كثير، حَدَّثَني أبو قلابة، حَدَّثَني أبو أسماء، حَدَّثَني ثوبان: صحيح على شرط الشيخين
(4)
.
(1)
النسائي في "الكبرى" 2/ 222 (3159) من حديث بكير بن أبي السميط، عن قتادة، عن سالم، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان به، ليس فيه ذكر أبي الخضيب.
وفي "علل ابن أبي حاتم" 1/ 226 قال: وسألت أبي عن حديث: رواه الليث بن سعد، عن قتادة، عن الحسن، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أفطر الحاجمُ والمحجومُ".
قال أبي: هذا خطأ، رواه قتادة، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مرسل.
ورواه أشعث بن عبد الملك، عن الحسن، عن أسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث ثوبان: فإن سعيد بن أبي عروبة يرويه عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه بكير بن أبي السميط، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن طلحة، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه يزيد بن هارون، عن أيوب أبي العلاء، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن بلال، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
كذا بالأصل، خطأ والصواب حذفها فهي كنية أيوب.
(3)
"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" للحازمي ص: 107.
(4)
"المستدرك" 1/ 427.
ورواه عطاء بن السائب، عن الحسن، عن معقل بن يسار
(1)
.
(1)
قلت: اختلف في هذا الحديث فرواه بعضهم عن عطاء، عن الحسن، عن معقل بن يسار، وبعضهم عن عطاء، عن الحسن، عن معقل بن سنان.
رواه من الأول النسائي في "الكبرى" 2/ 223 (3166) كتاب: الصيام، باب: ما ينقض الصوم، وابن أبي شيبة 2/ 307 (9297) كتاب: الصيام، من كره أن يحتجم الصائم، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 8 (1294) من حديث معقل بن يسار لكنه في ترجمة معقل بن سنان، والبزار كما في "كشف الأستار" (1001 - 1002) - وقال: تفرد به عطاء وقد أصابه اختلاط ولا يجب الحكم بحديثه إذا تفرد به، والروياني في "مسنده" 2/ 324 (1285)، والطبراني 20/ 210 - 211 (482 - 483)، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 169: فيه عطاء بن السائب وقد اختلط.
ورواه من الثاني أحمد 3/ 474، 480، والنسائي في "الكبرى" 2/ 224 (3167) - وقال: عطاء بن السائب كان قد اختلط، والطبراني 2/ 233 (547)، وأورده الهيمثي في "المجمع" 3/ 168 - 169 وقال: فيه عطاء بن السائب وقد اختلط اهـ.
ورواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 98 كتاب: الصيام، باب: الصائم يحتجم، عن عطاء، عن الحسن، عن معقل الأشجعي، هكذا مهملًا.
قال الترمذي: سألت محمدًا -أي البخاري- حديث الحسن عن معقل بن يسار أصح أو حديث معقل بن سنان؟ فقال: معقل بن يسار أصح. اهـ "علل الترمذي الكبير" 1/ 364 - 365.
وقال أبو زرعة فيما نقله عنه العلائي في "جامع التحصيل" ص 164 وسئل: الحسن عن معقل بن يسار أو معقل بن سنان، فقال: معقل بن يسار أشبه، والحسن عن معقل بن سنان بعيد جدًا، وهذا يقتضي تثبيته السماع من معقل بن يسار اهـ وقال ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 9 وقد رواه من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء، عن الحسن، عن معقل بن يسار: قد رووه عن ابن فضيل، عن معقل بن يسار، وهذا أثبت من حديث ابن فضيل، وروى غير ابن فضيل عن عطاء، عن الحسن، عن معقل بن سنان، وروى الحسن عن خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. =
ورواه مطر، عن الحسن، عن علي
(1)
، رواه النسائي أيضًا
(2)
، ورواه ابن شاهين من حديث الحارث عنه بلفظ: نهاني أن احتجم وأنا صائم
(3)
.
وروى النسائي من حديث سليمان بن معاذ، وفضيل، عن عطاء، وقال: كان عطاء اختلط ولا نعلم أن أحدًا روى هذا الحديث عنه
= وقال الدارقطني: رواه عطاء بن السائب وعاصم الأحول، عن الحسن، عن معقل بن يسار، وقال بعضهم: عن عطاء فيه معقل بن سنان اهـ "العلل" 3/ 194.
وقال الزيلعي: قال صاحب "التنقيح": قال ابن المديني: رواه بعضهم عن عطاء، عن الحسن، عن معقل بن سنان، وبعضهم عن الحسن، عن معقل بن يسار، وبعضهم عن الحسن، عن أسامة، وبعضهم عن الحسن، عن علي، والحسن لم يسمع من عامة هؤلاء، ولا لقيه عندنا منهم ثوبان ومعقل بن سنان وأسامة
…
اهـ. "نصب الراية" 2/ 474.
وقال الألباني وقد أورد كلام البخاري الذي ذكره عنه الترمذي كما أسلفناه قال: ويؤيد هذا رواية خالد الحذَّاء بسنده عن شداد المتقدمة عند السراج وسندها صحيح، وهي فائدة عزيزة لم أجد من ذكرها، وهي شاهد قوي لحديث معقل هذا، وإن كان في سنده انقطاع بينه وبين الحسن، وكان عطاء قد اختلط، فإن موافقة حديثه لرواية خالد قد دلت على أنه قد حفظ اهـ "الإرواء" 4/ 72.
(1)
رواه من هذا الطريق ابن أبي شيبة 7/ 302 (9305)، والبزار كما في "كشف الأستار" (996) والنسائي في "الكبرى" 2/ 223 (3164) كتاب: الصيام، باب: ما ينقض الصيام، من طريق قتادة عن الحسن به، وأورده الهيثمي في "المجمع" 32/ 169 وقال: فيه الحسن وهو مدلس، ولكنه ثقة اهـ.
ونقل الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 474 عن صاحب "التنقيح" عن علي بن المديني أن الحسن لم يلق عليًا اهـ.
قلت: وهذا الحديث قد جمع الشيخ الألباني طرقه في "الإرواء"(931) وبمجموعها صححه، فليراجع.
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 223 (3164).
(3)
"الناسخ والمنسوخ" لابن شاهين ص 338 (411).
غير هذين على اختلافهما عليه، ففضيل يقول: معقل بن سنان، وسليمان يقول: يسار
(1)
. قال البيهقي: ورواه أشعث عن الحسن، عن أسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
، رواه النسائي عن أحمد بن عبدة، عن سليم بن أخضر عنه، وقال: لم يتابعه أحد علمناه على روايته، وفيه اختلاف عن الحسن
(3)
. وقال الحاكم: عن عثمان بن سعيد: صح عندي حديث "أفطر الحاجم والمحجوم" لحديث ثوبان وشداد بن أوس، وأقول به وسمعت أحمد يقول به، ويذكر أنه صح عنده حديث ثوبان وشداد
(4)
، ولفظه في حديث ثوبان: بينا النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع في رمضان
(5)
. وحديث شداد مثله، زاد: وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان
(6)
.
وفي "علل الترمذي" عن محمد: ليس في هذا الباب شيء أصح من حديث شداد وثوبان، قلت له: كيف بما فيهما من الاضطراب؟ فقال: كلاهما عندي صحيح؛ لأن يحيى بن أبي كثير روى عن أبي قلابة، عن أسماء، عن ثوبان، وعن أبي الأشعث، عن شداد روى الحديثين جميعًا، قال أبو عيسى: وهكذا ذكروا عن علي بن عبد الله، قال: وسألت محمدًا عن أحاديث الحسن في هذا الباب فقال: يحتمل أن يكون سمع من غير واحد، قلت: حديثه عن معقل بن يسار أصح أو ابن سنان؟ فقال: سنان أصح، ولم نعرفه إلا من حديث ابن السائب
(7)
.
(1)
"السنن الكبرى" 2/ 224 (3166 - 3167).
(2)
"السنن الكبرى" للبيهقي 4/ 265.
(3)
"السنن الكبرى" للنسائي 2/ 223 (3165).
(4)
"المستدرك" 1/ 430.
(5)
"المستدرك" 1/ 427 كتاب: الصوم.
(6)
"المستدرك" 1/ 428.
(7)
"علل الترمذي الكبير" 1/ 362 - 365.
وفي "سؤالات يوسف بن عبد الله الخوارزمي" قال أحمد بن حنبل: في هذا حديث غير ثابت قلت: فهو قولك؟ قال: نعم. وكان مذهب إسحاق بن راهويه أيضًا، قال إسحاق: قد ثبت هذا من خمسة أوجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال المروذي: قلت لأحمد: قالوا ليحي بن معين، وسألوه عن هذا، فقال: ليس فيها حديث يثبت، فقال: هذا كلام مجازفة. وقال الميموني: سألت يحيى بن معين عن الأحاديث في كراهة الحجامة للصائم كيف أسانيدها؟. قال: جياد كلها، قلت: فيقولون: هي مضطربة، قال: لا أقول: إنها مضطربة.
وقال الحاكم في "مستدركه" عن أحمد: حديث ثوبان صحيح، أصح ما روي في هذا الباب، وقال إسحاق بن إبراهيم في حديث شداد: هذا إسناد صحيح تقوم به الحجة، وهذا الحديث قد صح بأسانيد، قال الحاكم: رحم الله إسحاق فقد حكم بالصحة لحديث ظاهر صحته وقال به، وقد اتفق الثوري وشعبة على روايته عن عاصم الأحول، عن أبي قلابة، وقال ابن المديني: حديث شداد رواه عاصم، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، ورواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، ولا أري الحديثين إلا صحيحين، وقد يمكن أن يكون سمعه منهما جميعًا
(1)
.
وقال أبو داود: سألت أحمد: أي حديث أصح في "أفطر الحاجم والمحجوم"؟ فقال: حديث ابن جريج، عن مكحول، عن شيخ من الحي مصدق، عن ثوبان
(2)
.
(1)
"المستدرك" 1/ 428 - 429.
(2)
"مسائل أبي داود" ص 425 - 426 (1971).
وقال البيهقي في "المعرفة" -لما ذكر كلام علي-: زعم غيره أن حديث أبي أسماء وهم، والمحفوظ حديث أبي قلابة عن أبي الأشعث، عن شداد، وحديثه عن أبي أسماء، عن ثوبان
(1)
. ثم ذكر الحاكم حديث معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، عن السائب بن يزيد، عن رافع بن خديج رفعه:"أفطر الحاجم والمحجوم" وفي لفظ: "والمستحجم" وقال: قال أبو بكر محمد بن إسحاق: سمعت العباس بن عبد العظيم، سمعت علي بن المديني يقول: لا أعلم في الحاجم والمحجوم حديثًا أصح من هذا، ثم قال: تابعه معاوية بن سلام عن يحيى -قال: وليعلم طالب هذا العلم أن الإسنادين ليحيى بن أبي كثير، وحكم لأحدهما أحمد بالصحة، وحكم للآخر ابن المديني بالصحة، ولا يعلل أحدهما بالآخر
(2)
، قال أبو عبد الله: وهو حديث صحيح على شرط الشيخين
(3)
.
ولما سأل الترمذي البخاري عن حديث معمر، عن يحيى، عن إبراهيم، قال: هو غير محفوظ، قال: وسألت إسحاق بن منصور عنه، فأبى أن يحدث به عن عبد الرزاق، وقال: هو غلط. قلت له: ما علته؟ قال: روى الدستوائي عن يحيى، عن إبراهيم بن قارظ، عن السائب بن يزيد، عن رافع بن خديج، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"كسب الحجام خبيث" الحديث
(4)
. ولما ذكره في "جامعه" حسنه
(5)
، وفي بعض
(1)
"معرفة السنن والآثار" 6/ 319.
(2)
"المستدرك" 1/ 428.
(3)
"المستدرك" 1/ 430.
(4)
"علل الترمذي الكبير" 1/ 361.
(5)
الترمذي (1275) كتاب: البيوع، باب: ما جاء في ثمن الكلب، والحديث بسنده ومتنه رواه مسلم (1568/ 41) كتاب: المساقاة، باب: تحريم ثمن الكلب، =
النسخ زيادة: صحيح، وقال: ذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث رافع
(1)
. وذكر ابن حبان في "صحيحه" حديث رافع وثوبان وشداد
(2)
، ثم قال: سمع أبو قلابة هذا الخبر عن أبي أسماء عن ثوبان، وسمعه عن أبي الأشعث، عن أبي أسماء، عن شداد، وهما طريقان محفوظان، وقد جمع شيبان بن عبد الرحمن بين الإسنادين، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، وعن أبي الأشعث، عن أبي أسماء عن شداد، بلفظ: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع زمان الفتح. وفي لفظ: مر بمعقل بن يسار صبيحة ثمان عشرة من رمضان
(3)
.
وقال ابن حزم: صح من طريق ثوبان وشداد ومعقل بن سنان، وأبي هريرة ورافع بن خديج، وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أفطر الحاجم والمحجوم" فوجب الأخذ به إلا أن يصح نسخه
(4)
.
وقال ابن عبد البر: صحح أهل العلم بالحديث حديث رافع، وثوبان وشداد، وهي أحسن ما روي في هذا المعنى، وأما حديث أسامة ومعقل وأبي هريرة فمعلولة كلها لا يثبت منها شيء من جهة النقل
(5)
.
= وحلوان الكاهن، ومهر البغي والنهي عن بيع السنور، من حديث يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن قارظ، به.
(1)
"سنن الترمذي" 3/ 136 بعد حديث (774).
(2)
حديث رافع رواه ابن حبان 8/ 306 (3535) كتاب: الصوم، باب: حجامة
الصائم، وحديث شداد 8/ 302 (3533)، وحديث ثوبان 8/ 301 (3532).
(3)
"صحيح ابن حبان" 8/ 303.
(4)
"المحلى" 6/ 204.
(5)
"الاستذكار" 10/ 120 - 123 بتصرف.
وحديث أبي هريرة ذكره ابن أبي حاتم في "علله" وقال في حديث رافع بن خديج: عندي باطل
(1)
.
وروى ابن عبد البر عن سعد بن أبي وقاص مرفوعًا: "أفطر الحاجم والمحجوم"، ثم قال: حجامة سعد وهو صائم تضعف هذا الحديث.
قال: وقد أنكروه على من رواه عن سعد؛ لما جاء عنه من طريق ابن شهاب وغيره أنه كان يحتجم وهو صائم. وهو حديث انفرد به داود بن الزبرقان، قال: وهو متروك عن محمد بن جحادة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وقد جاء عن عائشة وابن عباس في ذَلِكَ ما لا يصح عنهما، بل الصحيح عن ابن عباس خلاف ذَلِكَ
(2)
.
ولأبي داود من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، حَدَّثَني رجل من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة والمواصلة للصائم، ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه
(3)
.
ولابن أبي شيبة: رجال من الصحابة
(4)
.
(1)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 249.
(2)
"الاستذكار" 10/ 118 - 123، وحديث سعد بن أبي وقاص رواه أيضًا ابن عدي في "الكامل" 3/ 568 في ترجمة: داود بن الزبرقان، عن محمد بن جحادة، عن عبد الأعلى عن مصعب بن سعد بن مالك عن أبيه سعد، مستشهدًا به على ضعف ابن الزبرقان، وقال الزيلعي: رواه الطبراني في الجزء الذي جمعه من أحاديث محمد بن جحادة، وهو جزء لطيف، جملته خمس عشرة ورقة: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا الحسن بن عمر بن شقيق، حدثنا داود بن الزبرقان، عن محمد بن جحادة، عن يونس بن الحصيب، عن مصعب به اهـ. "نصب الراية" 2/ 477.
(3)
أبو داود (2374) كتاب: الصوم، باب: الرخصة في الحجامة، وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 178: إسناده صحيح، والجهالة بالصحابي لا تضر. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2055).
(4)
"المصنف" 2/ 309 (9328) كتاب: الصوم، من رخص للصائم أن يحتجم.
وفي "علل ابن أبي حاتم": سألت أبي عن حديث رواه ابن برقان عن أبي الزبير، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طيبة أن يحجمه في رمضان مع غيبوبة الشمس، فقال: حديث منكر، وجعفر بن برقان لا يصح له سماع من أبي الزبير، ولعل بينهما رجلًا ضعيفًا
(1)
. وذكره أبو عمر بلفظ: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم، وأشار إلى ضعفه
(2)
، وحديث ابن عباس في أنه عليه السلام احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم، فهو من أفراده، وكذا حديث أنس بعده، ولم يذكر مسلم احتجام الصائم، وروي مرسلًا
(3)
.
قال الترمذي: رواه إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن عكرمة، بإسقاطه أيضًا
(4)
.
وعند ابن أبي حاتم رواه شريك، عن عاصم الأحول، عن الشعبي، عن ابن عباس، وقال: قال أبي هذا خطأ، أخطأ فيه شريك، ورواه جماعة فلم يذكروا: صائمًا محرمًا، وإنما قالوا: احتجم وأعطى الحجام أجرة، فحدث شريك به من حفظه، وقد كان شيئًا حفظه فغلط فيه
(5)
.
وفي حديث عبيد بن إسحاق، عن قيس بن الربيع، عن منصور، عن
(1)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 255.
(2)
"الاستذكار" 10/ 119.
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 212 (7536) كتاب: الصوم، باب: الحجامة للصائم، وابن أبي شيبية 2/ 308 (9315)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 234 (3220 - 3223) كتاب: الصيام عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
(4)
"سنن الترمذي" بعد حديث (775).
(5)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 230 (668).
مجاهد، عن ابن عباس قال: وُثئت رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحجمها وهو محرم قال: قلت لأبي زرعة: الوهم من قيس أو من عبيد؟ فقال: ما أدري ما كان عبيد بذلك الثبت. قلت: فأحد يقول: عن ابن عباس، قال: لا أعلمه غير قيس
(1)
.
وروى ابن سعد من حديث شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم بالقاحة وهو صائم
(2)
، وكذا رواه أبو السَّوَّار السُلمي عن أبي حاضر عنه
(3)
، ورواه أبو جعفر الرازي ومندل
(4)
وغيرهما عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم عنه أنه عليه السلام احتجم وهو صائم
(5)
.
(1)
المصدر السابق 1/ 228.
(2)
"الطبقات الكبرى" 1/ 444.
ورواه أيضًا بهذا الإسناد أحمد 1/ 244، 344، ابن الجارود في "المنتقى" 2/ 37 - 38 (388) والبغوي في "مسند ابن الجعد"(318)، والخطيب في "السابق واللاحق" ص 65 - 66، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 93 (1105)، وقال ابن الجعد في "المسند" ص 62 (319) سمعت أحمد بن حنبل يقول: قال يحيى يعني ابن سعيد: قال شعبة: لم يسمع الحكم من مقسم، يعني حديث الحجامة.
(3)
"الطبقات الكبرى" 1/ 446، وبهذا الإسناد رواه أسلم بن سهل الواسطي في "تاريخ واسط" ص 134، والطبراني 12/ 211 (12919)، 12/ 220 (12943)
(4)
في الأصل: ومبدول، والمثبت من "الطبقات" 1/ 445. وهو الصواب.
(5)
"الطبقات الكبرى" 1/ 445 من طريق أبي جعفر ومندل؛ كلاهما عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم به، ورواه البغوي في "مسند ابن الجعد" ص 438 (2994) والطبراني 11/ 403 (12139) من طريق أبي جعفر، عن يزيد، ورواه أيضًا ابن سعد في "طبقاته" 1/ 445 من طريق عبد العزيز بن مسلم، عن يزيد، ورواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 213 (7541) من طريق الثوري، عن يزيد، والطبراني 11/ 402 - 403 (12137 - 12138 - 1214 - 12141) من طريق الثوري، وشريك والحسن بن صالح ثلاثتهم عن يزيد بن أبي زياد.
ورواه الحجاج، عن الحكم به: احتجم وهو صائم، فغشي عليه يومئذ، فلذلك كرهت الحجامة للصائم
(1)
.
قال عكرمة: فنافق عند ذَلِكَ رجل
(2)
.
وفي "المغني": روى الجوزجاني زيادة فيه: فوجد لذلك ضعفًا شديدًا، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتجم الصائم
(3)
. ولابن سعد أيضًا من حديث هلال بن خباب، عن عكرمة، عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم من أكلة أكلها من شاة سمتها امرأة من أهل خيبر، فلم يزل شاكيًا
(4)
.
ومن حديث عطاء ومجاهد أنه عليه السلام احتجم وهو محرم من وجع
(5)
.
وفي كتاب الميموني عن شعبة: لم يسمع الحكم حديث مقسم في الحجامة.
وقال مهنا: سألت أحمد عن حديث حبيب بن الشهيد، عن ميمون، عن ابن عباس أنه عليه السلام احتجم وهو صائم محرم
(6)
؟ فقال: ليس بصحيح،
(1)
"الطبقات الكبرى" 1/ 444، وبهذا الإسناد رواه أحمد 1/ 248، والطبراني 11/ 389 (12086).
(2)
"الطبقات الكبرى" 1/ 448.
(3)
"المغني" 4/ 351.
(4)
"الطبقات الكبرى" 1/ 445، وبهذا الإسناد رواه أحمد 1/ 374، والنسائي في "الكبرى" 4/ 377 (7600).
(5)
"الطبقات الكبرى" 1/ 446 ..
(6)
رواه من هذا الطريق الترمذي (776) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في الرخصة في الحجامة، وأحمد 1/ 315، والنسائي في "الكبرى" 2/ 235 (3231) كتاب: الصيام، الحجامة للصائم، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 101 كتاب: الصيام، باب: الصائم يحتجم، والطبراني في "الأوسط" 3/ 48 (2434) - =
فقد أنكره يحيى بن سعيد على الأنصاري، وإنما كانت أحاديث ميمون عن ابن عباس نحو خمسة عشر حديثًا.
وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله ذكر هذا الحديث فضعفه. قال مهنا: وسألته عن حديث قبيصة، عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير عنه مثله. فقال: هو خطأ من قبل قبيصة، وقال يحيى: هو خطأ من قبله، وقال حنبل: قال أبي أحمدُ: هو في كتاب الأشجعي عن ابن جبير مرسل: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم لا يذكر فيه: صائمًا. قال مهنا: وسألت أحمد عن حديث ابن عباس: احتجم عليه السلام وهو صائم محرم. فقال: ليس فيه: صائم، إنما هو: محرم، رواه أصحاب ابن عباس عنه، ولا يذكرون: صائمًا.
= وقال: لم يرو هذا الحديث عن حبيب إلا الأنصاري- وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 95، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" 4/ 91، والخطيب في "تاريخ بغداد" 5/ 409، 10/ 89، 12/ 141، وفي "موضح أوهام الجمع والتفريق" 2/ 8 - 9، من حديث محمد بن عبد الله، عن حبيب، به.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي وقال أبو خيثمة: أنكر معاذ ويحيى بن سعيد حديث الأنصاري -يعني محمد بن عبد الله-، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم وصائم، سمعت أبي يقول: ميمون بن مهران أوثق من عكرمة، ميمون ثقة وذكره بخير اهـ. "العلل ومعرفة الرجال" 1/ 320 (556). وقال النسائي في "الكبرى" 2/ 236: هذا منكر ولا أعلم أحدًا رواه عن حبيب غير الأنصاري، ولعله أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة، قال الخطيب البغدادي في "تاريخه" 5/ 410: أخبرنا ابن الفضل: حدثنا عبد الله بن جعفر: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: سئل علي بن المديني عن هذا الحديث وقال: ليس من ذلك شيء؛ إنما أراد حديث حبيب، عن ميمون، عن يزيد الأصم: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة محرمًا، وانظر:"ضعيف أبي داود"(4008) و"الإرواء"(932) ففيه بحث نفيس فليراجع.
وقال أبو عمر: وحسبك بحديث ابن عباس في ذَلِكَ فإنه لا مدفع فيه عند جماعة أهل العلم بالحديث، وكان ذَلِكَ عام حجة الوداع فيما صح عنه
(1)
.
وفي "الأوسط" من حديث جابر: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيبة فوضع المحاجم مع غيبوبة الشمس ثم أمره مع إفطار الصائم فحجم
(2)
.
وأما حديث أنس فسلف أنه من أفراده، وأخرجه أبو نعيم من حديث محمد بن عبد الوهاب العسقلاني: ثنا أدم: ثنا شعبة، عن حميد قال: سمعت ثابتًا، عن أنس، ومن حديث جعفر بن محمد القلائسي بمثله. وأخرجه الإسماعيلي من حديث محمد هذا قال: ورواه علي بن سهل عن أبي النضر، عن شعبة به، قال: وفيه دليل على صحة ما رويناه عن آدم.
وفي "مصنف ابن أبي شيبة" من حديث حميد: سُئل أنس عن الحجامة للصائم فقال: ما كنا نحسب يكره من ذَلِكَ إلا جهده
(3)
. ولما رواه البيهقي من حديث آدم به قال: رواه البخاري في "الصحيح"
بإسقاط حميد، قال: والصحيح ما رويناه عن آدم
(4)
.
(1)
"الاستذكار" 10/ 124.
(2)
"المعجم الأوسط" 5/ 10 (4527) وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن جعفر بن برقان إلا سعيد بن يحيى، تفرد به: هشام بن عمار.
وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 169: رجاله رجال الصحيح. ورواه ابن حبان 8/
307 (3536) كتاب: الصوم، باب: حجامة الصائم، وضعفه العلامة الألباني في "ضعيف موارد الظمآن"(104).
(3)
"المصنف" 2/ 308 (9318).
(4)
"سنن البيهقي" 4/ 263 كتاب: الصيام، باب: الصائم يحتجم، لا يبطل صومه.
وفي "سؤالات حنبل": حَدَّثَنَا أبو عبد الله: حَدَّثَنَا وكيع، عن ياسين الزيات، عن رجل، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم في رمضان بعدما قال:"أفطر الحاجم والمحجوم" قال أبو عبد الله: الرجل أُراه أبان بن أبي عياش. فقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: روى محمد بن معاوية النيسابوري عن أبي عوانة، عن السدي، عن أنس أنه عليه السلام احتجم وهو صائم. فأنكر هذا. ثم قال: السدي عن أنس؟ قلت: نعم، فعجب من هذا.
ولابن أبي حاتم من حديث الحسن الطنافسي
(1)
عن علي بن غراب، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر أنه عليه السلام احتجم وهو صائم محرم وقال: قال أبي: هذا حديث باطل
(2)
.
وقال الدارقطني: أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أفطر هذان" ثم رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم، وقال: رواته كلهم ثقات ولا أعلم له علة
(3)
.
وفي "الأوسط" من حديث أبي قلابة، عن أنس: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما قال: "أفطر الحاجم والمحجوم". وقال: لم يروه عن أبي قلابة إلا أبو سفيان طريف السعدي، تفرد به أبو حمزة السكري
(4)
.
(1)
في الأصل: الطيالسي، والمثبت من "علل ابن أبي حاتم" 1/ 258 ولعله الصواب.
(2)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 258 (763).
(3)
"سنن الدارقطني" 2/ 182.
(4)
"الأوسط" 8/ 38 (7890)، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 170 فيه طريف أبو سفيان، وهو ضعيف، وقد وثقه ابن عدي. وقال الحافظ في "الدراية" 1/ 286: فيه أبو سفيان وهو ضعيف. =
ولابن أبي عاصم من حديث مسروق، عن عائشة أنه عليه السلام احتجم وهو صائم، ومن حديث جبير بن نفير، عن معاذ مرفوعًا مثله
(1)
، قال أبو زرعة فيما نقله ابن أبي حاتم: هذا خطأ في كتاب عيسى بن يونس بإسقاط معاذ مرسل
(2)
.
وفي "الموطأ" عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: احتجم وهو صائم ثم ترك ذَلِكَ، فكان إذا صام لم يحتجم حَتَّى يفطر
(3)
.
ورواه بقية، عن سعيد بن أبي سعيد، عن هشام، عن أبيه عنها، قال الرازيان: إنما هو سعيد
(4)
بن عبد الجبار عن أبي جزي، وهو ضعيف عن هشام، والحديث حديث هشام عن أبيه أنه كان يحتجم وهو صائم
(5)
. ولابن أبي عاصم من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد أنه عليه السلام أرخص في الحجامة، قال أبو بكر: يعني: للصائم، وأحسب في حديث المعتمر: وإنما زجر عن ذَلِكَ مخافة الضعف. وقال الدارقطني: أسنده معتمر عن حميد، وغيرهُ يرويه موقوفًا
(6)
.
= وقال الألباني في "الإرواء"(931): وطريف هذا ضعيف كما قال الحافظ في "الدراية" و"التقريب".
(1)
حديث عائشة أورده ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 246 (724) وقال: قال أبي: هذا حديث باطل، ومحمد هذا ضعيف الحديث.
وحديث جبير عن معاذ رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 309 (9330) موقوفًا على معاذ.
(2)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 258.
(3)
لم أقف عليه في روايات "الموطأ" التي بين يدي بهذا الإسناد من حديث عائشة، والذي في "الموطأ" ص 199 عن نافع عن ابن عمر.
(4)
علق فوقها في الأصل: م. د: ثقة
(5)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 252.
(6)
"علل الدارقطني" 11/ 346.
قلت: رواه أيضًا عن إسماعيل بن هود: ثنا إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن خالد، عن أبي المتوكل، فذكره -أيضًا - مرفوعًا
(1)
، لكن قال الترمذي في "علله" عن البخاري: حديث إسحاق الأزرق عن سفيان خطأ. قال أبو عيسى: وحديث أبي المتوكل عن أبي سعيد موقوفًا أصح، هكذا روى قتادة وغير واحد عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد
(2)
قوله - وحدثنا إبراهيم بن سعيد، ثنا ابن علية، عن حميد -وهو الطويل- عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد مثله ولم يرفعه
(3)
، وقال في "جامعه": أخبرني الزعفراني قال: قال الشافعي: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم، وروي أنه قال:"أفطر الحاجم والمحجوم" ولا أعلم واحدًا منهما ثابتًا، ولو توقى رجل الحجامة كان أحب إليَّ، ومال بمصر إلى الرخصة، واحتج بحديث ابن عباس
(4)
.
وقال ابن أبي حاتم عن الرازيين: رفعه خطأ، قلت: إن إسحاق رفعه؟ قالا: وَهَمٌ. قلت: وتابعه المعتمر؟ قالا: وَهِمَ فيه أيضًا المعتمر
(5)
. قال: وسألتهما عن حديث رواه عبد الرحمن بن زيد بن
(1)
رواه النسائي في "الكبرى" 2/ 237 (3241)، والطبراني في "الأوسط" 8/ 10 (7797)، والدارقطني في "سننه" 2/ 182، وفي "علله" 11/ 347، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" ص 335 (404)، والبيهقي في "سننه" 4/ 264، وابن حزم في "المحلى" 6/ 204، جميعًا من حديث إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن خالد، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد مرفوعًا، وقال الدارقطني: رجاله كلهم ثقات، وانظر "علل ابن أبي حاتم" 1/ 232، و"نصب الراية" 2/ 481.
(2)
"علل الترمذي الكبير" 1/ 367 - 368.
(3)
"علل الترمذي الكبير" 1/ 368.
(4)
"الترمذي" 3/ 136 (774).
(5)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 232 (676).
أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد يرفعه:"لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم". ورواه أيضًا أسامة عن أبيه، عن عطاء مرفوعًا فقالا: هذا خطأ. رواه الثوري عن زيد بن أسلم، عن رجل من أصحابه، عن رجل من الصحابة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الصحيح
(1)
.
وأشار ابن عبد البر إلى عدم ثبوته
(2)
.
وقال ابن حزم: قتادة وأبو (النضر)
(3)
أوقفاه على أبي المتوكل، ومحمد بن أبي عدي أوقف عن الحذاء، عن أبي المتوكل، ولكن هذا لا معنى له إذا أسنده ثقة، والمسندان له عن خالد الحذاء وحميد
ثقتان فقامت به الحجة
(4)
. وقال البيهقي: المحفوظ عن أبي سعيد أنه قال: رخص للصائم في الحجامة والقبلة
(5)
.
إذا تقرر ذَلِكَ: ففقه الباب في حكم القيء والحجامة، وقد سلف حكم القيء، أما الحجامة للصائم فجمهور الصحابة والتابعين والفقهاء على أنها لا تفطر، وروي عن علي: أنها تفطر
(6)
، وهو قول ابن
(1)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 239 - 240. وانظر طرق هذا الحديث والكلام عليه في "نصب الراية" 2/ 446 - 448، و"البدر المنير" 5/ 674 - 677، و"التلخيص الحبير" 2/ 194، و"البداية" 1/ 278 - 279، و"ضعيف أبي داود" (409) ففيها فوائد جمة.
(2)
"الاستذكار" 10/ 127.
(3)
كذا بالأصل، وفي "المحلى" 6/ 205: نضرة.
(4)
"المحلى" 6/ 205 ووقع فيه: ابن المبارك، بدل: محمد بن أبي عدي. ورواه النسائي في "الكبرى" 2/ 237 (3242) من حديث ابن المبارك عن خالد الحذاء عن أبي المتوكل عن أبي سعيد- موقوفًا. فجاء موافقًا لما قاله ابن حزم في "المحلى".
(5)
"سنن البيهقي الكبرى" 4/ 264.
(6)
تقدم تخريجه.
المبارك والأوزاعي وابن مهدي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة وأبي الوليد النيسابوري والحاكم
(1)
، واحتجوا بالأحاديث السالفة "أفطر الحاجم والمحجوم"، وقد صح عن علي بن المديني والبخاري منها حديث شداد وثوبان كما سلف، وصحح غيرهما غيرها كما تقدم أيضًا، وحجة الجماعة حديث ابن عباس في الباب وهو ناسخ لها
(2)
، كما قاله الشافعي وغيره؛ لأن في حديث شداد كان عام الفتح. وحجة الوداع سنة عشر.
فإن قلت: إنه عليه السلام لم يكن محرمًا إلا وهو مسافر وله أن يفطر بالحجامة وغيرها.
قلت: الخبر يقتضي أن يكون صائمًا في حال حجامته وبعد الفراغ، والحجامة كالفصد وهو لا يفطر، ويجوز أن يكون فطرهما لمعنى آخر، وقد قيل: إنهما كانا يغتابان، كما ذكره يزيد بن ربيعة، عن أبي الأشعث الصنعاني فحبط أجرهُما بها فصارا مفطرين، كقولنا: الكذب يفطر الصائم، أي: يحبط أجره، وقد روي عن جماعة من الصحابة في ذَلِكَ معنى آخر، روى قتادة، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد قال: إنما كرهت للصائم من أجل الضعف كما سلف
(3)
، وعن ابن
(1)
"المغني" 4/ 350.
(2)
سلف برقم (1938) باب: الحجامة والقيء للصائم.
(3)
رواه النسائي في "الكبرى" 2/ 238 (3244)، وابن أبي شيبة 2/ 309 (9323) كتاب: الصوم، من رخص للصائم أن يحتجم، والبزار كما في "كشف الأستار"(1009 - 1010)، وابن خزيمة 3/ 232 (1971) كتاب: الصوم، باب: ذكر بيان أن الحجامة تفطر الحاجم والمحجوم جميعًا، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 100 كتاب: الصيام، باب: الصائم يحتجم، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" 2/ 245، والبيهقي في "سننه" 4/ 264 كتاب: الصيام، باب: الصائم =
عباس وأنس مثله
(1)
، فيفطر من أجلها بتناول المفطر، وقد روي هذا المعنى عن أبي العالية وأبي قلابة وسالم والنخعي والشعبي والحسن بن علي
(2)
.
وقال القاسم بن محمد فيما يذكر من قول الناس: أفطر الحاجم والمحجوم، فقال: لو أن رجلًا حجم يده، أو بعض جسده لم يفطره ذَلِكَ
(3)
.
قال الطحاوي: وتأويل أبي الأشعث أشبه بالصواب؛ لأن الضعف لو كان هو المقصود بالنهي لما كان الحاجم داخلًا في ذَلِكَ، فإذا اجتمعا فيه كان أشبه أن يكون ذَلِكَ بمعنى واحد هما فيه سواء مثل الغيبة التي هما فيها سواء، كما قال أبو الأشعث. والصائم لا يفطره قطع العروق، فكذا الحجامة
(4)
.
وقد أوضح المسألة الحازمي فقال: اختلف أهل العلم في هذا الباب فقال بعضهم: يبطل بها وعليه القضاء، وإليه ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق وتمسكوا بأحاديث:"أفطر الحاجم والمحجوم".
= يحتجم، والحافظ في "تغليق التعليق" 3/ 183. وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 169: رواه البزار ورجاله ثقات، وقال الألباني كما في "صحيح ابن خزيمة"(1971) إسناده صحيح موقوف.
(1)
رواه عن ابن عباس، أحمد 1/ 248، وأبو يعلى في "مسنده" 4/ 335 - 336 (2449)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 100، والطبراني 11/ 269 (11699)، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 169: فيه نصر بن باب وفيه كلام كثير، وقد وثقه أحمد. وعن أنس سلف برقم (1939).
(2)
انظرها في "شرح معاني الآثار" 2/ 100 - 101.
(3)
انظر "شرح معاني الآثار" 2/ 100.
(4)
"شرح معاني الآثار" 2/ 100 - 102 بتصرف.
ورأوها صحيحة ثابتة محكمة وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم من أهل الحجاز والكوفة والبصرة والشام وقالوا: لا شيء عليه، وقالوا: الحكم بالفطر منسوخ. وعن الشافعي: إسناد الحديثين جميعًا مشتبه، وحديث ابن عباس أمثلهما إسنادًا، والذي أحفظ عن بعض الصحابة والتابعين وعامة المدنيين أنه لا يفطر أحد بها
(1)
.
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى ما قاله الشافعي، فممن روينا عنه ذَلِكَ من الصحابة سعد بن أبي وقاص والحسين بن علي وابن مسعود وابن عباس وزيد بن أرقم وابن عمر وأنس وعائشة وأم سلمة
(2)
، ومن غيرهم: عروة وعطاء بن يسار والقاسم بن محمد وعكرمة وزيد بن أسلم وإبراهيم، وأبو العالية
(3)
، وسفيان ومالك والشافعي وأصحابه إلا ابن المنذر
(4)
.
ومن حديث خلاد بن عبد الرحمن عن شقيق بن ثور- أحسبه عن أبيه- قال: سألت أبا هريرة عن الصائم يحتجم قال: يقولون: أفطر
(1)
"المبسوط" 3/ 57، "عيون المجالس" 2/ 661، "الأم" 2/ 92.
(2)
انظر هذِه الآثار في "مصنف عبد الرزاق" 4/ 213 - 214 (7540 - 7544) كتاب: الصيام، باب: الحجامة للصائم، و"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 308 - 310 (9312 - 9314، 9317، 9320 - 9321، 9324 - 9325، 9335، 9337) كتاب: الصيام، من رخص للصائم أن يحتجم، و"شرح معاني الآثار" 2/ 101 كتاب: الصيام، باب: الصائم يحتجم.
(3)
انظر هذِه الآثار أيضًا في "مصنف عبد الرزاق" 4/ 211 - 214 (7528، 7536 - 7539، 7546)، و"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 308 - 310 (9315 - 9316، 9331 - 9332، 9334)، و"شرح معاني الآثار" 2/ 100 - 101.
(4)
انتهى كلام الحازمي من "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" ص 108 - 109 وانظر: "اختلاف الحديث" 1/ 197، و"سنن البيهقي" 40/ 268.
الحاجم والمحجوم، ولو احتجم ما باليت
(1)
، قالوا؛ وهذا من أبي هريرة يدل على أنه قد ثبت عنده الرخصة.
وقال الشافعي وقال بعض من روى "أفطر الحاجم والمحجوم" لأنهما كانا يغتابان رجلًا فقال ذَلِكَ
(2)
، روى عثمان بن سعيد الدارمي بإسناده إلى أبي الأشعث عن ثوبان: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وهو يحتجم وهو (يعرض)
(3)
برجل فقال: "قد أفطر الحاجم والمحجوم"، كذا رواه أبو النضر
(4)
، ورواه الوحاظي، عن يزيد، عن أبي الأشعث أنه قال: إنما قال عليه السلام ذَلِكَ؛ لأنهما كانا يغتابان
(5)
.
وفي كتاب ابن شاهين من حديث حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 211 (7527)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 179، والنسائي في "الكبرى" 2/ 226 (3178 - 3179).
(2)
"معرفة السنن والآثار" 6/ 322.
(3)
في "سنن البيهقي": يقرض!
(4)
روى البيهقي في "سننه" 4/ 269 بسنده إلى عثمان بن سعيد الدارمي قال: أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنبأ أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا أبو النضر، ثنا يزيد بن ربيعة، ثنا أبو الأشعث عن ثوبان .... الحديث.
وروى الطبراني 2/ 94 (1417) من حديث أبي النضر، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، ثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النضر، ثنا يزيد بن ربيعة، ثنا أبو الأشعث عن ثوبان
…
الحديث.
وقال البيهقي 4/ 267: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أحمد بن محمد العنزي، يقول: سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول: قد صح عندي حديث أفطر الحاجم والمحجوم لحديث ثوبان وشداد بن أوس، وأقول به، وسمعت أحمد بن حنبل يقول به، ويذكر أنه صح عنده حديث ثوبان وشداد.
(5)
رواه من حديث الوحاظي الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 99 كتاب: الصيام، باب: الصائم يحتجم، قال: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوحاظي قال: ثنا يزيد بن ربيعة .. به، وقال: هذا المعنى معنى صحيح.
يذكره مرسلًا
(1)
فحمل الشافعي الحديث على الغيبة؛ لسقوط الأجر، وجعل نظير ذَلِكَ أن بعض الصحابة قال للمتكلم يوم الجمعة: لا جمعة لك، فقال عليه السلام:"صدق" ولم يأمره بالإعادة
(2)
، فدل على أن ذَلِكَ محمول على إسقاط الأجر، وقال فيمن أشرك "حبط عمله" والله أعلم أنه لو ابتاع بيعًا أو زراعة أو قضى حقًا عليه، أو أعتق أو كاتب لم يحبط عمله وحبط أجر عمله.
وذهب ابن خزيمة إلى البطلان فيما ذكره الحاكم عنه وقال: إنما احتجم في السفر؛ لأنه لم يكن قط محرمًا مقيمًا ببلده، وللمسافر الفطر ولو نواه، لا كما توهم بعضهم من المنع فكذا الحجامة
(3)
.
وقال ابن حزم: ظن قوم أن رواية ابن عباس ناسخة لخبر: "أفطر الحاجم والمحجوم" وهو غير جيد؛ لأنه عليه السلام قد يحتجم وهو مسافر
(1)
"الناسخ والمنسوخ" لابن شاهين ص: 336 - 337 (409).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 459 (5306) كتاب: الصلوات، في الكلام إذا صعد الإمام
المنبر وخطب، من حديث جابر قال: قال سعد لرجل يوم الجمعة: لا جمعة لك،
قال: فذكر ذلك الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن سعدًا قال: لا جمعة لك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لم يا سعد"، فقال: إنه تكلم وأنت تخطب، فقال:"صدق صعد". وكذا رواه عبد بن حميد في "المنتخب" 3/ 73 (1140) -وهذا لفظه- والبزار كما في "كشف الأستار"(642) وقال: لا نعلمه عن جابر إلا بهذا الإسناد- وأبو يعلى في "مسنده" 2/ 66 (708). وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 185: فيه مجالد بن سعيد، وقد ضعفه الناس، ووثقه النسائي في رواية. وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" 2/ 285 (1531): رواه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى كلهم من طريق مجالد، وهو ضعيف اهـ. بتصرف يسير. وقال الحافظ في "مختصر زوائد البزار" 1/ 293 (446) مجالد ضعيف.
وقد ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب"(443).
(3)
"المستدرك" 1/ 429.
فيفطر وذلك مباح، وليس في خبر ابن عباس أن ذَلِكَ كان بعد إخباره بالفطر، ولا يترك حكم متيقن بالظن، ولو صح أن خبر ابن عباس بعد خبر من ذكرنا لما كان فيه إلا نسخ إفطار المحجوم؛ لأنه قد يحجمه عليه السلام غلام لم يحتلم، ولكنا وجدنا في حديث أبي سعيد
(1)
: أرخص في الحجامة للصائم والقبلة. يعني: المتقدم. فصح نسخ الأول
(2)
.
وذكر ابن قدامة أن ابن عباس راوي حديث الحجامة كان يعد الحجام والمحاجم، فإذا غابت احتجم بالليل، وقال: كذا رواه الجوزجاني. فهذا يدل على أنه علم بنسخ ما رواه
(3)
. وذكر البيهقي في حديث أبي موسى أن المحفوظ فيه "رُخص"
(4)
يعني بضم الراء.
وتعلق بها بعض من يزعم أن هذِه اللفظة غير مرفوعة، وإذا كان كذلك فلا حجة فيه مع ما فيه من الاضطراب، وليس بجيد؛ لأن المعظم على الرفع. وأما قول من قال: مرَّ عليه السلام برجل يحجم آخر وقد أغمي على المحجوم، فرشَّ عليه الحاجم ماء، فدخل حلقه، فغير جيد؛ لأنه كان يقول: إن صح، فطر الحاجم المحجوم، ولم يأت في رواية أصلًا كذلك، وشذ عطاء عن جماعة من العلماء في إيجابه الكفارة أيضًا، وهو قول خلاف السنة، وعن الحديث جواب آخر أنه مجاز على تأويل، أن أمرهما يئول إلى الفطر فنهاهما بما يئول إليه
(1)
في الأصل: حديث أبي موسى، وهو خطأ؛ لأن الحديث الذي ذكره ورواه ابن حزم بسنده هو حديث أبي سعيد الخدري.
(2)
"المحلى" 6/ 204 - 205 بتصرف، وقد روى حديث أبي سعيد الخدري بسنده.
(3)
"المغني" 4/ 351 - 352.
(4)
"معرفة السنن والآثار" 6/ 322 (8874) وفيه أنه حديث أبي سعيد الخدري، ليس حديث أبي موسى كما ذكر المصنف أيضًا. فتأمل.
أمرهما كقوله {وَإِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] أي يئول إليه وآخر أنهما أكلا وعلمه عليه السلام، وفيه بعد، فإن اعترض بدم الحيض، فينقض بالفصد والرعاف.
فرع:
ترك القصد والحجامة؛ لأنهما يضعفانه كما سلف. قال الماوردي: الحجامة لا تفطر، ولا تكره في قول أكثر الصحابة والفقهاء
(1)
.
وقال الروياني في "بحره": ظاهر المذهب أنها لا تكره خلافًا لبعض أصحابنا. وجزم الجرجاني في "تحريره" بأنهما لا يكرهان. وكره المحاملي في "لبابه" أن يحجم غيره أيضًا، وقال الداودي: إن ثبت
حديث الحاجم والمحجوم وجب الأخذ بظاهره، وكان فعله عليه السلام من خواصه.
وهذا يرد عليه ما سلف من قول أنس أنه عليه السلام رخص في الحجامة للصائم بعد أن كان نهى عنها
(2)
.
(1)
"الحاوي الكبير" 3/ 461.
(2)
في هامش الأصل: ثم بلغ في الثامن بعد الأربعين، كتبه مؤلفه.
33 - باب الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالإِفْطَارِ
1941 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَقَالَ لِرَجُلٍ:"انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الشَّمْسُ. قَالَ:"انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الشَّمْسُ. قَالَ:"انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي". فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ، فَشَرِبَ، ثُمَّ رَمَى بِيَدِهِ هَا هُنَا، ثُمَّ قَالَ:"إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". تَابَعَهُ جَرِيرٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ. [1955، 1956، 1958، 5297 - مسلم: 1101 - فتح: 4/ 179]
1942 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ. [1943 - مسلم: 1121 - فتح: 4/ 179]
1943 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ:"إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ". [انظر: 1942 - مسلم: 1121 - فتح: 4/ 179]
ذكر فيه حديث أَبِي إِسْحَاقَ الشَيْبَانِيِّ -واسَمه سليمان- سمع ابن أَبِي أَوْفَى كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَقَالَ لِرَجُلٍ:"انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي". تَابَعَهُ جَرِيرٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابن أَبِي أَوْفَى قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ.
وحديث مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَن حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ: يا رسول الله، إني أسرد الصوم، وفي رواية: أَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثيرَ الصيَامِ، فَقَالَ:"إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ".
الشرح: حديث ابن أبي أوفى أخرجه مسلم أيضًا، وزاد: أنه في شهر رمضان و"إذا غابت الشمس من ها هنا"
(1)
. وفي بعض طرق البخاري: أن الرجل إنما جدح في المرة الرابعة بما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كل ذَلِكَ يراجعه
(2)
، وفي أخرى: أنه جدح في الثالثة
(3)
، ومتابعة جرير خرجها في الطلاق
(4)
، ومتابعة أبي بكر بن عياش ستأتي
(5)
، وحديث عائشة أخرجه مسلم أيضًا
(6)
، وانفرد مسلم بإخراجه من حديث حمزة بن عمرو
(7)
.
وقال ابن عبد البر: الحديث محفوظ عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: كذا رواه جماعة منهم ابن عيينة وعدد أربعة عشر كلهم عن هشام به، ورواه أبو معشر وجرير بن عبد الحميد والمفضل بن فضالة، عن هشام، عن أبيه أن حمزة.
كما رواه يحيى بن يحيى، عن مالك ورواه ابن وهب عن مالك، عن هشام، عن أبيه قال: أخبرني حمزة، ورواه أبو الأسود -وهو ثبت في عروة عنه- عن أبي مراوح، عن حمزة، ورواه سليمان بن يسار، عن عروة، عن حمزة، وسنه قريب من سن عروة، وقد يجوز أن يكون عروة سمعه من عائشة ومن أبي مراوح جميعًا عن حمزة، فحدث به عن كل واحد منهما وأرسله أحيانًا
(8)
.
(1)
مسلم (1101) كتاب: الصيام، باب: بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار.
(2)
سيأتي برقم (1955) باب: متى يحل فطر الصائم.
(3)
سيأتي برقم (5297) باب: الإشارة في الطلاق والأمور.
(4)
السابق.
(5)
برقم (1958).
(6)
مسلم (1121) كتاب: الصيام، باب: التخيير في الصوم والفطر في السفر.
(7)
مسلم (1121/ 107).
(8)
"التمهيد" 22/ 146 - 147 بتصرف.
وقال الدارقطني: رواه عبد الرحيم بن سليمان، ويحيى بن عبد الله بن سالم عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، عن حمزة، وخالفهم الحفاظ: الثوريُّ وشعبةُ وزائدةُ وعدَّد ستة عشر نفسًا فرووه عن هشام، عن أبيه، عن عائشة أن حمزة. قال: وحديث أبي مراوح صحيح، وأما قول ابن لهيعة: عن عمران بن أبي أنس، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن حمزة، فوهم منه
(1)
.
قلت: وفي الباب عن أنس (خ، م)، وابن عباس (خ، م)، وأبي سعيد (خ، م)، وجابر (خ، م)، وأبي الدرداء (خ، م) وأم الفضل (خ، م)، وميمونة (خ، م) كلهم في الصحيح
(2)
، وابن عمر وهذا في
"مسند أحمد"
(3)
وسلمة بن المحبق في أبي داود
(4)
.
(1)
"العلل" 15/ 36 - 39.
(2)
حديث أنس سيأتي برقم (1947) باب: لم يعب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم على بعض في الصوم والإفطار، ورواه مسلم (1118) كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر
…
وحديث ابن عباس سيأتي برقم (1948) باب: من أفطر في السفر ليراه الناس، ورواه مسلم (1113).
وحديث أبي سعيد رواه مسلم (1116 - 1117).
وحديث جابر رواه مسلم (1117).
حديث أبي الدرداء سيأتي برقم (1945)، ورواه مسلم (1122) باب: التخيير في الصوم والفطر في السفر. وحديث أم الفضل -وهي لبابة بنت الحارث- سلف برقم (1661) كتاب: الحج، باب: الوقوف على الدابة بعرفة، ورواه مسلم (1123) باب: استحباب الفطر للحاج بعرفات يوم عرفة.
وحديث ميمونة سيأتي برقم (1989) باب: صوم يوم عرفة، ورواه مسلم (1124).
(3)
"مسند أحمد" 2/ 47، 50.
(4)
أبو داود (2410 - 2411) كتاب: الصوم، باب: من اختار الصيام. من طريق عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي، عن أبيه، عن سنان بن سلمة، عن سلمة بن المحبق. =
وللدارقطني عن عائشة: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت قال: "أحسنت يا عائشة"، ثم حسن إسناده
(1)
.
وقال الخلال في "علله" عن أحمد: حديث منكر.
= والحديث إنما ضعف من قبل عبد الصمد بن حبيب وسنان بن سلمة فرواه العقيلي في "الضعفاء" 3/ 83 في ترجمة عبد الصمد وقال: لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به، ونقل عن البخاري أنه قال: عبد الصمد لين الحديث اهـ، وقال ابن حزم: حديث ساقط؛ لأن راويه عبد الصمد بن حبيب، وهو بصري لين الحديث عن سنان بن سلمة، وهو مجهول اهـ "المحلى" 6/ 249. وانظر "ضعيف أبي داود" (415).
(1)
هذا الحديث اختلف في إسناده ومتنه.
أما عن الاختلاف في السند فقيل: إنه متصل، وقيل: منقطع، فرواه النسائي 3/ 122 كتاب: تقصير الصلاة، المقام الذي يقصر بمثله الصلاة، من طريق العلاء بن زهير الأزدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة
…
الحديث.
ومن هذا الطريق رواه الدارقطني 2/ 188، والبيهقي في "سننه" 3/ 142 كتاب: الصلاة، باب: من ترك القصر في السفر غير رغبة عن السنة، وفي "معرفة السنن والآثار" 4/ 253 - 254 (6068) كتاب: الصلاة، باب: الإتمام في السفر، عن عائشة أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة
…
الحديث دون ذكر أن العمرة كانت في رمضان.
ورواه الدارقطني 2/ 188 من طريق العلاء بن زهير الأزدي، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة، بزيادة: أبيه.
ومن هذا الطريق وبهذه الزيادة رواه أيضا البيهقي في "سننه" 3/ 142، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 494 (765) من طريق الدارقطني.
وقال الدارقطني عن السند الأول: الأول متصل وهو إسناد حسن، وعبد الرحمن قد أدرك عائشة ودخل عليها وهو مراهق وهو مع أبيه وقد سمع منها اهـ.
وقال البيهقي: هكذا قال أبو نعيم عن عبد الرحمن، عن عائشة، ومن قال عن أبيه في هذا الحديث فقد أخطأ اهـ. "سنن البيهقي" 3/ 142.
وقال في "المعرفة" 4/ 259: هو إسناد صحيح موصول، فإن عبد الرحمن بن الأسود أدرك عائشة اهـ. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وذكر ابن حزم في "المحلى" 4/ 269 الحديث من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة، دون الزيادة، وقال: انفرد به العلاء بن زهير الأزدي: لم يروه غيره وهو مجهول فالحديث لا خير فيه. اهـ.
وقال الحافظ العلائي: عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد، قال أبو حاتم: أدخل على عائشة رضي الله عنها وهو صغير ولم يسمع منها.
قلت: روى حماد بن زيد وغيره عن الصعب بن زهير عن عبد الرحمن بن الأسود قال: كنت أدخل على عائشة بغير أذن حتى إذا كان عام احتلمت سلمت واستأذنت فعرفت صوتي الحديث. وهذا يقتضي خلاف ما قاله أبو حاتم والله أعلم. اهـ. "جامع التحصيل"(422).
قلت: فأثبت العلائي بهذا سماع عبد الرحمن من عائشة.
وقال المصنف رحمه الله رادًّا على ابن حزم: قال ابن حزم: هو حديث لا خير فيه، وهذا جهل منه فرجاله كلهم ثقات وإسناده متصل، ورواه النسائي والدارقطني وقال: إسناده حسن، والبيهقي وقال: إسناده صحيح. اهـ. "خلاصة البدر المنير" 1/ 201 بتصرف.
وقال الحافظ: فيه اختلاف في اتصاله، قال الدارقطني: عبد الرحمن أدرك عائشة ودخل عليها وهو مراهق، قلت: هو كما قال، ففي "تاريخ البخاري" وغيره ما يشهد لذلك، وقال أبو حاتم: أدخل عليها وهو صغير، ولم يسمع منها، قلت: في ابن أبي شيبة والطحاوي ثبوت سماعه منها، وفي رواية الدارقطني عن عبد الرحمن عن أبيه عن عائشة قال أبو بكر النيسابوري: من قال فيه: عن أبيه، فقد أخطأ، واختلف قول الدارقطني فيه، فقال في "السنن": إسناده حسن، وفي "العلل": المرسل أشبه. اهـ "التلخيص الحبير" 2/ 44.
قلت: انظر "التاريخ الكبير" للبخاري 5/ 252 - 253 (815) وحديث النسائي قال عنه الألباني في "ضعيف سنن النسائي"(81): منكر.
أما الاختلاف في متنه، فقال النووي في "خلاصة الأحكام" 2/ 727 - 728: في رواية: (خرجت معه في عمرة في رمضان) وهذِه اللفظة مشكلة، فإن المعروف أنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر إلا أربع عمر كلهن في ذي القعدة. اهـ، وكذا قال في "المجموع" 4/ 218. =
وحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب قاعدًا وقائمًا، وفي السفر صائمًا ومفطرًا. قال أبو حاتم: رواه عنه ابن أبي السمح وليس بالقوي
(1)
.
= وقال ابن القيم في "زاد المعاد" 2/ 93 - 94:
أما ما رواه الدارقطني عن عائشة قالت: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان .. الحديث فهذا الحديث غلط، فإن رسول الله لم يعتمر في رمضان قط، وعُمَرُه مضبوطة العدد والزمان. وقد قالت عائشة رضي الله عنها: لم يعتمر رسول الله إلا في ذي القعدة رواه ابن ماجه -[قلت: هو في ابن ماجه برقم (2997) وصححه الألباني]- ولا خلاف أن عُمَرَه لم تزد على أربع، فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسًا، ولو كان قد اعتمر في رمضان لكانت ستًا، إلا أن يقال: بعضهن في رجب، وبعضهن في رمضان، وبعضهن في ذي القعدة، وهذا لم يقع، وإنما الواقع، اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، وقد روى أبو داود في "سننه" عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في شوال -[قلت: هو في أبي داود برقم (1991) وقال عنه الألباني: صحيح لكن قوله: في شوال يعني ابتداء، وإلا فهي كانت في ذي القعدة أيضًا]- وهذا إذا كان محفوظًا، فلعله في عمرة الجعرانة حين خرج في شوال، ولكن إنما أحرم بها في ذي القعدة. اهـ.
وقال في موضع آخر في "الزاد" أيضًا 1/ 472: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديث كذب على عائشة اهـ.
قلت: قد اعترض شيخ الإسلام على الحديث لاستنكاره كيف تصلي عائشة بخلاف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
إلى آخره. فليراجع.
وقد رد الحافظ على ابن القيم، فقال: يمكن حمله على أن قولها في رمضان متعلق بقولها خرجت ويكون المراد سفر فتح مكة فإنه كان في رمضان، واعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة من الجعرانة لكن في ذي القعدة. اهـ "الفتح" 3/ 603.
وقد أجاد الشوكاني وأفاد في مناقشة هذِه المسألة في "نيل الأوطار" 3/ 202 - 203 ط. المعرفة، فراجعه.
(1)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 252 (757).
إذا تقرر ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
الرجل الذي قال له: "اجدح لنا" جاء في بعض طرق الحديث أنه بلال
(1)
، والجدح -بجيم مفتوحة ثم قال ساكنة ثم حاء مهملة- أن يحرك السويق بالماء فيخوض حَتى يستوي، وكذلك اللبن ونحوه، والمِجدح -بكسر الميم- عود مُجَنَّح الرأس يساط به الأشربة، وربما يكون له ثلاث شعب وقال الداودي: اجدح يعني: احلب. قال: ومنه قيل لبعض النجوم التي تكون النوء عند ارتفاعها وهبوطها: مجادح، ورده عياض وغيره، وقال ابن سيده وصاحب "العين": المجدح: خشبة في رأسها خشبتان معترضتان، وكلما خلط فقد جدح
(2)
، وعن القزاز هو كالملعقة، وقال الجوهري: جدحت السويق واجتدحته أي: لتتُّه
(3)
، وفي "المنتهى": شراب مجدوح، ومجدَّح أي: مخوض، والمجدح: عود ذو جوانب، وهو ما ذكره ابن فارس. وقيل: هو عود يعرض رأسه، والجمع: مجادح وقال أبو عبيد: المجدح: الشراب المخوض بالمجدح.
ثانيها:
قوله: (يا رسول الله، الشمس)، ظن أن الفطر لا يحل إلا بعد ذَلِكَ
(1)
رواه أبو داود (2352) باب وقت فطر الصائم، عن مسدد شيخ البخاري.
وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 198: أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طرق عن عبد الواحد وهو ابن زياد شيخ مسدد فيه فاتفقت رواياتهم على قوله: يا فلان، فلعلها تصحفت، ولعل هذا هو السر في حذف البخاري لها. اهـ.
(2)
"المحكم" 3/ 45، "العين" ص 129، مادة: جدح.
(3)
"الصحاح" 1/ 357، مادة: جدح.
لما رأى من ضوء الشمس ساطعًا، وإن كان جرمها غائبًا نوره، فلذلك قال ذَلِكَ، وفي بعض روايات الصحيح: إن عليك نهارًا
(1)
، وهو معنى قوله في رواية أخرى: لو أمسيت
(2)
، أي: تأخرت حَتَّى يدخل المساء، وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده أن ذَلِكَ نهار يحرم فيه الأكل مع تجويزه أنه عليه السلام لم ينظر إلى ذَلِكَ الضوء نظرًا تامًّا، فقصد زيادة الإعلام، فأعرض عليه السلام عن الضوء واعتبر غيبوبة الشمس، ثم بين ما يعتبره من لم يتمكن من رؤية جرم وهو إقبال الظلمة من المشرق، فإنها لا تقبل منه إلا وقد سقط القرص، ومعنى أفطر: دخل وقت فطره.
ثالثها:
فيه استحباب تعجيل الفطر، وأن الصوم ينقضي بمجرد الغروب، وتذكير العالم بما يخاف أن يكون نسيه، وإسراع الناس إلى إنكار ما يجهلون لما جُهل من الدليل الذي علمه الشارع، وأن الجاهل بالشيء ينبغي أن يسمع له فيه المرة بعد المرة، والثالثة تكون فاصلة بينه وبين معلمه.
وكما فعل الخضر بموسى وقال: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78]
(3)
، وفيه أيضًا أن الفطر على التمر ليس بواجب وهو مستحب، لو تركه جاز.
(1)
سيأتي برقم (1955) باب: متى يحل فطر الصائم، (1956) باب: يفطر بما تيسر عليه، بالماء وغيره.
(2)
سيأتي برقم (5297) كتاب: الطلاق، باب: الإشارة في الطلاق والأمور.
(3)
سلف برقم (122) كتاب: العلم، باب: ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله، ومواضع أخر، ورواه مسلم (2380) كتاب: الفضائل، باب: من فضائل الخضر عليه السلام.
رابعها:
معنى: (أسرد الصوم): آتي به متواليًا، من سرد يسرُد بضم راء المضارع، وضبط في بعض الأمهات بضم الهمزة ولا وجه له في اللغة -كما قال ابن التين- إلا أن يزيد بفتح السين وتشديد الراء على التكثير، وفيه رد لمن يرى كراهية سرد صوم الدهر؛ لأنه لم ينكر عليه وأذن له في السفر ففي الحضر أولى، وهو عندنا مكروه لمن خاف ضررًا أو فوت حق ويستحب لغيره، ويحمل نهيه عبد الله بن عمرو على ضعفه عن ذَلِكَ؛ لأن حمزة ذكر قوة، ذكرها غيره وكان ذَلِكَ من أعلام نبوته، كبر عبد الله وضعف وقال: ليتني أخذت برخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
، ثم ظاهره جواز صوم الفرض أيضًا، وإن قيل: أنه يحتمل أن يريد التطوع عملًا بقوله: (إني أسرد الصوم). وهو مذهب أهل
الظاهر
(2)
.
وفي مسلم: أن حمزة بن عمرو قال: يا رسول الله، أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل عليَّ جناح؟ فقال عليه السلام:"هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه"
(3)
وهو ظاهر أن سؤاله عن صوم رمضان.
خامسها:
الحديث دال على تخيير الصائم في السفر بينه وبين تركه، والعدة في الآية لمن أفطر لا أنه يصوم ويقضي.
(1)
سيأتي برقم (1975) باب: حق الجسم في الصوم، ورواه مسلم (1159) كتاب: الصيام، باب: النهي عن صوم الدهر لمن
…
(2)
تحتها في الأصل: يعني: في التطوع.
(3)
مسلم (1121).
وممن روي عنه التخيير ابن عباس
(1)
، وذكر أنس وأبو سعيد ذَلِكَ عن الصحابة
(2)
، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وابن جبير والحسن والنخعي ومجاهد
(3)
والأوزاعي والليث.
واختلف في الأفضل من ذَلِكَ لمن قدر عليه ولم يتضرر به، فروي
عن عثمان بن أبي العاص وأنس بن مالك أن الصوم أفضل
(4)
، وهو قول النخعي وسعيد بن جبير والأسود بن يزيد
(5)
، وحكاه ابن أبي شيبة، عن مجاهد وحذيفة أيضًا
(6)
، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك والثوري وأبو ثور
(7)
.
وروي عن ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي أن الأفضل الفطر؛ لأنه رخصة وصدقة تصدق الله بها فيجب قبولها
(8)
،
(1)
حديث أن عباس سيأتي برقم (1948) باب: من أفطر في السفر ليراه الناس، ورواه مسلم (1113) كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان ..
(2)
حديث أنس سيأتي برقم (1947) باب: لم يعب أصحاب النبي بعضهم بعضًا، ورواه مسلم (1118).
وحديث أبي سعيد رواه مسلم (1117).
(3)
انظرها في "مصنف عبد الرزاق" 4/ 269 (7760) باب: السفر في شهر رمضان، و"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 282 (8992) كتاب: الصوم، من قال: مسافرون فيصوم بعض ويفطر بعض، و"شرح معاني الآثار" 2/ 70 باب: الصيام في السفر.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 281 (8974، 8977، 8981، 8983) كتاب: الصوم، من كان يصوم في السفر ويقول هو أفضل.
(5)
انظرها في "مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 281 (8978)، و"شرح معاني الآثار" 2/ 70.
(6)
"المصنف" 2/ 282 - 283 (8986، 8988).
(7)
انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 94، "عيون المجالس 2/ 647، "البيان" 3/ 468.
(8)
انظرها في "مصنف عبد الرزاق" 2/ 566 - 567 (4480، 4482)، 4/ 269 - 270/ 7762 - 7763، 7766) و"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 280 (8963، 8967، 8972)، "شرح معاني الآثار" 2/ 64، و"الاستذكار" لابن عبد البر 10/ 79.
وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق وعبد الملك من المالكية
(1)
وروي عن عمر وابنه وأبي هريرة وابن عباس: إن صام في السفر لم يجزئه وعليه القضاء في الحضر
(2)
، وعن عبد الرحمن بن عوف قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر
(3)
. ذكره أجمع ابن المنذر، وبه قال أهل الظاهر،
(1)
انظر: "المغني" 4/ 406.
(2)
انظرها في "مصنف عبد الرزاق" 4/ 270 (7763)، و"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 282 - 283 (8995 - 8996، 8998)، و"شرح معاني الآثار" 2/ 63.
(3)
روي موقوفًا ومرفوعًا.
أما الموقوف، فروي من طريقين:
الأول: من طريق الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه، قوله.
رواه النسائي 4/ 183، وفي "الكبرى" 2/ 106 (2593 - 2594)، وابن أبي شيبة 2/ 280 (8962) باب من كره صيام رمضان في السفر، والفريابي في كتاب:"الصيام" ص 105 (140)، والضياء في "المختارة" 3/ 110 - 111 (911).
الثاني: من طريق الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه، قوله.
رواه النسائي 4/ 183، وفي "الكبرى" 2/ 106 (2595).
وأما المرفوع، فروي من طريق الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، مرفوعًا.
رواه ابن ماجه (1666) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الإفطار في السفر، والبزار كما في "نصب الراية" 2/ 462، وابن عدي في "الكامل" 9/ 145 - 146، والخطيب في "تاريخ بغداد" 11/ 383، والضياء في "المختارة" 3/ 111 (912).
قال أبو زرعة الرازي في "علل ابن أبي حاتم" 1/ 238 - 239 (694): الصحيح عن الزهري عن أبي سلمة عن أبيه، موقوف اهـ. وهو الذي رجحه ابن عدي أيضًا، وقال الدارقطني في "العلل" 4/ 283: الصحيح عن أبي سلمة عن أبيه موقوفًا عليه السلام.
وقال ابن حزم: حديث الزهري عن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن عوف، قوله، إسناده صحيح، وقد صح سماع أبي سلمة من أبيه، وحديث حميد بن عبد الرحمن عن أبيه، سند في غاية الصحة اهـ "المحلى" 6/ 257. وخالفه البيهقي فقال: روي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر وهو =
وحكاه ابن التين عن داود والنخعي ومن تابعهما.
وقد صح التخيير في الصيام في السفر والفطر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث حمزة بن عمرو وأنس، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صاموا مرة وأفطروا أخرى فلم يعب بعضهم على بعض
(1)
، فلا يلتفت إلى من خالف ذَلِكَ؛ لأن الحجة في السنة،
= موقوف، وفي إسناده انقطاع، وروي مرفوعًا ولا يصح اهـ.
قلت: والقول بالانقطاع هو قول المصنف أيضًا كما سيأتي، وتعقب ابن التركماني البيهقي فرجح ما قاله ابن حزم وقال: أخرجه النسائي وغيره من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، وقد قال ابن معين والنسائي: لم يسمع من أبيه، فهذا معنى قول البيهقي: وفي إسناده انقطاع؛ إلا أن ابن حزم صرح بسماعه من أبيه، وتابع حميد بن عبد الرحمن أخاه أبا سلمة فرواه عن أبيه كذلك، كذا أخرجه أيضًا النسائي في "سننه" بسند صحيح، وذكر ابن حزم أن سنده في غاية الصحة وحميد سمع من أبيه نص عليه صاحب "الكمال" والرواية المرفوعة ذكرها ابن ماجه في "سننه" من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، وسندها حسن، وذكرها ابن حزم ولم يذكر في إسنادها ضعفًا، إلا أسامة بن زيد وهو وإن تكلموا فيه يسيرًا فقد أخرج له مسلم في "صحيحه". اهـ "سنن البيهقي" 4/ 244.
وقال عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" 2/ 235: يقال: إن أبا سلمة لم يسمع من أبيه، ويروى موقوفًا عن أبي سلمة.
وقال ابن القيم في "الحاشية" 7/ 33: لا يصح رفعه إنما هو موقوف. وقال البوصيري في "زوائد ابن ماجه" ص 243 - 244: إسناد حديث عبد الرحمن بن عوف ضعيف ومنقطع، أسامة بن زيد متفق على تضعيفه، وأبو سلمة لم يسمع من أبيه شيئًا. قاله ابن معين والبخاري.
وقال الحافظ: أخرجه البزار وصوب وقفه، وكذا ابن أبي حاتم عن أبيه والدارقطني في "العلل" والبيهقي اهـ "التلخيص الحبير" 2/ 205.
وكذا رمز السيوطي لصحة وقفه في "الجامع الصغير"(4974) فيض، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(3456)، وانظر:"الضعيفة"(498).
(1)
تقدم تخريجها جميعًا.
والأحاديث السالفة شاهدة له، وفي "المستدرك" للحاكم أن حمزة قال: يا رسول الله، إني صاحب ظهر، وأنا أجد القوة، وأنا شاب
(1)
، وفي البزار وابن حبان من حديث أبي سعيد بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره والناس صيام في يوم صائف انتهى إلى نهر من ماء السماء وهو على بغلة له فقال:"يا أيها الناس اشربوا" فجعلوا ينظرون إليه فقال: "إني لست مثلكم إني راكب وأنتم مشاة" الحديث
(2)
، وقد قال تعالى:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]. وفي "علل ابن أبي حاتم" عن أنس: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر، وكان من صام في أنفسنا أفضل، وكان المفطرون هم الذين يعملون ويستقون، فقال صلى الله عليه وسلم:"ذهب المفطرون بالأجر" قال أبي: هذا حديث منكر
(3)
.
(1)
"المستدرك" 1/ 433، وسكت عنه الحاكم.
ورواه أبو داود (2403) كتاب: الصوم، باب: الصوم في السفر، وصححه الحافظ في "التلخيص الحبير" 2/ 204 وقال: صححه الحاكم!
وقال الألباني رحمه الله: وهم الحافظ في "التلخيص" وهمًا فاحشًا؛، فإنه صرح بأنها رواية صحيحة، وأنه صححها الحاكم!! وكل ذلك خطأ.
أما الأول؛ فواضح، وأما الحاكم، فإنه أخرجها من طريق النفيلي ولم يصححها، وإنما سكت عنها! وكذلك الذهبي!
ولم ينتبه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله لهذا الوهم، فنقل كلام الحافظ -المذكور- في حاشيته على "المحلى" 6/ 253 وسكت عنه! اهـ "ضعيف أبي داود"(414).
(2)
رواه أبو يعلى في "مسنده" 2/ 337 - 338 (1080)، 2/ 420 (1214)، وابن خزيمة في "صحيحه" 3/ 228 (1966) كتاب: الصيام، وابن حبان 8/ 319 (3550) 8/ 323 (3556) كتاب: الصوم، باب: صوم المسافر.
وقال الألباني في "صحيح موارد الظمآن"(753): صحيح لغيره.
(3)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 256 (756).
وقال عمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة: أفضل الأمرين أيسرهما عليه قال تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ} الآية
(1)
[البقرة: 185].
قال ابن المنذر: وبه أقول، وممن كان يصوم في السفر ولا يفطر: عائشة، وقيس بن عباد والنخعي وأبو الأسود وابن سيرين وابن عمر وابنه سالم وعمرو بن ميمون والأسود بن يزيد وأبو وائل
(2)
.
وعند ابن عبد البر: قال علي بن أبي طالب فيما رواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن عبيدة عنه: من أدرك رمضان وهو مقيم، ثم سافر بعد لزمه الصوم؛ لأن الله تعالى قال:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الآية [البقرة: 185]
(3)
، وقال أبو مجلز: لا يسافر أحد في رمضان، فإن سافر فليصم
(4)
، وقال أحمد: يباح له القصر فإن صام كره وأجزأه، وعنه الأفضل الفطر كما أسلفناه عنه.
وقال أبو هريرة: لا يصح صومه
(5)
، وقال أحمد: كان عمر وأبو هريرة يأمران بالإعادة، وصح أنه عليه السلام قال:"ليس من البر الصيام في السفر"
(6)
(1)
روى هذِه الآثار الطبري في "تفسيره" 2/ 158، 160، 162 (2876، 2892، 2904).
(2)
انظرها في "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 282 - 282 (8975 - 8976، 8978، 8982 - 8984 - 8987) باب من كان يصوم في السفر ويقول: هو أفضل، و"تفسير الطبري" 2/ 160 (2893) عن الأسود وعمرو بن ميمون وأبي وائل.
(3)
انظر: "الاستذكار" 10/ 72، و"التمهيد" 9/ 66.
(4)
رواه سعيد بن منصور 2/ 695 (274) تفسير سورة البقرة، وابن أبي شيبة 2/ 283 (9000) كتاب: الصيام، ما قالوا في الرجل يدركه رمضانان.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 182 - 183 (8996) كتاب: الصيام، من قال: إذا صام في السفر لم يجزه.
(6)
سيأتي قريبًا برقم (1946).
وقال فيمن صام: "أولئك العصاة" وهو محمول، وهذا إنما قاله لما خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حَتَّى بلغ كراعِ الغمِيم فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حَتَّى نظر الناس إليه وشرب، فقيل له بعد ذَلِكَ: إن بعض الناس قد صام فقال: "أولئك العصاة أولئك العصاة" أخرجه مسلم من حديث جابر منفردًا به
(1)
، وفي رواية قيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر
(2)
. وحديث: "ليس من البر الصيام في السفر" إنما قاله في الرجل الذي ظلل عليه من شدة ما ناله من الصوم كما سيأتي
(3)
، أي: من بلغ إلى هذِه الحالة ليس من البر صومه.
وأثر
(4)
عمر أخرجه ابن أبي شيبة، عن عمرو بن دينار، عن رجل، عن أبيه عنه
(5)
، وأثر أبي هريرة أخرجه أيضًا عن عبد الكريم -أبي أمية- عن عطاء، عن (المحرر ابنه)
(6)
عنه
(7)
، وأثر عبد الرحمن بن عوف السالف: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر رواه الزهري عن أبي سلمة، عن أبيه، وهو منقطع، أبو سلمة لم يسمع منه شيئًا
(8)
(9)
،
(1)
مسلم (1114) في الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر ..
(2)
مسلم (1114/ 91).
(3)
سيأتي برقم (1946).
(4)
ورد في هامش الأصل ما نصه: ومر أثره المذكور في قوله: وقال أبو هريرة: لا يصح صومه، وقال أحمد: كان عمر وأبو هريرة يأمران بالإعادة قبل هذا بيسير.
(5)
"المصنف" 2/ 282 (8998).
(6)
تحتها في الأصل: يعني ابن أبي هريرة.
(7)
"المصنف" 2/ 282 - 283 (8996).
(8)
في هامش الأصل: كون أبي سلمة لم يسمع من أبيه شيئا قاله ابن معين والبخاري، واسم أبي سلمة عبد الله، وقيل: إسماعيل.
(9)
تقدم تخريجه قريبًا باستيفاء.
وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر مرفوعًا به، وفي سنده عبيد الله بن عمر العمري المكبر المصغر
(1)
(2)
، ورواه غير واحد من الثقات، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أبي سلمة موقوفًا
(3)
.
وقال الأثرم: قلت لأحمد: رواه يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه مرفوعًا فعجب، وقال مرة عن يونس، قلت: عنبسة، فتبسم وقال: ما لنا ولعنبسة؟! فقلت: رواه أسامة بن زيد، عن ابن شهاب ورفعه، فقال: هكذا وسكت.
وفي "علل ابن أبي حاتم": ورواه أيضًا ابن لهيعة، عن يونس، عن
ابن شهاب، عن أبي سلمة عن عائشة مرفوعًا، ورواه بقية، عن آخر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال أبو زرعة: الصحيح:
الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه. موقوف
(4)
.
ولابن أبي حاتم من حديث غالب بن فائد، عن إسرائيل، عن (جابر)
(5)
، عن ابن المنكدر، عن جابر يرفعه: "خياركم من قصر
(1)
كذا وقع في الأصل المكبر المصغر، وهما اثنان، والصواب المصغر كما في "سنن ابن ماجه"(1655).
(2)
ابن ماجه (1665) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الإفطار في السفر، وقال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. اهـ
"مصباح الزجاجة" 2/ 64، وصححه الألباني في "الإرواء"(925)، و"صحيح سنن ابن ماجه"(1351).
(3)
رواه النسائي في "المجتبى" 4/ 183، وفي "الكبرى" 2/ 106 (2593)، وابن أبي شيبة 2/ 280 (8962) وقد تقدم.
(4)
"العلل" 1/ 238 - 239 (694).
(5)
كذا بالأصل وفي "العلل" 1/ 255، ولعل صوابه: خالد، كما سيأتي في تخريج الحديث.
الصلاة وأفطر"
(1)
.
فإن قلت: الأخبار السالفة ليس فيها إلا مجرد الفعل، ولا يلزم منه الإجزاء ولا سقوط القضاء. قلت: إخبارهم بصومه مع ترك الإنكار قال على الإجزاء، لإجماع الكل أنه لا يجب الجمع بين الصوم والقضاء، فإن قلت: يجوز أن يكونوا صاموه عن غير رمضان، قلت: خلاف الظاهر ورمضان لا يقبل غيره، وقوله:{فَعِدَّةٌ} [البقرة: 184] أي: فأفطر فعدة، ومثله {فَفِديَة مّن صِيَامٍ} [البقرة: 196] أي: فحلق ففديةٌ، والمريض لو تكلف فصام صح إجماعًا، فكذا المسافر.
(1)
"العلل" 1/ 255 (755).
والحديث رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 3/ 165 من حديث عبد الله بن صالح، عن إسرائيل، عن خالد العبد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر الحديث، ومن هذا الطريق رواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 447. قلت: والحديث ضعيف من أجل خالد العبد.
قال ابن عدي: سمعت يزيد بن زريع يقول: ثنا خالد فقال له رجل: من خالد؟ قال: أتراني أقول خالد العبد؛ لأن أقع من فوق هذِه المنارة أحب إلى من أن أحدث عن خالد العبد.
سمعت ابن حماد يقول: قال البخاري: خالد العبد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعًا:"خياركم من قصر الصلاة في السفر وأفطر". منكر الحديث. وقال: وخالد العبد أحاديثه بمقدار ما يرويه مناكير اهـ "الكامل" 3/ 446 - 447 بتصرف.
والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة"(3560).
34 - باب إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ
1944 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الكَدِيدَ أَفْطَرَ. فَأَفْطَرَ النَّاسُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَالكَدِيدُ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ. [1948، 2153، 4275، 4276، 4277، 4278، 4279 - مسلم: 1113 - فتح: 4/ 180]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الكَدِيدَ أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَالكَدِيدُ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ.
35 - باب
1945 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ حَدَّثَهُ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَابْنِ رَوَاحَةَ.
[مسلم: 1122 - فتح: 4/ 182]
ذكر فيه حديث أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَابْنِ رَوَاحَةَ.
الشرح:
حديث ابن عباس أخرجه مسلم بزيادة: فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر، من شاء صام، ومن شاء أفطر
(1)
. وفي لفظ: لا (تعب)
(2)
على من صام ولا على من أفطر، قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر
(3)
.
وحديث أبي الدرداء أخرجه مسلم، وقال: في شهر رمضان
(4)
، وهي أم الدرداء الصغرى هجيمة ويقال: جهيمة بنت حُيي الأوصابية، وقيل: الوصَّابية
(5)
، ووصاب: أخو جُبلان بضم الجيم ابنا سهل، وفي مسلم من حديث ابن عباس: وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون
(1)
مسلم (1113) كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر
…
(2)
في الأصل: يعيب، والمثبت من "صحيح مسلم".
(3)
مسلم (1113/ 89).
(4)
مسلم (1122) كتاب: الصيام، باب: التخيير في الصوم والفطر في السفر.
(5)
هي سيدة عالمة فقهية، روت علمًا جمًّا عن زوجها أبي الدرداء، وعن سلمان الفارسي وكعب بن عاصم الأشعري، وعائشة، وأبي هريرة. =
الأحدث فالأحدث من أمره، قال الزهري: وكان الفطر آخر الأمرين وإنما يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآخر فالآخر.
قال الزهري: فصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم لثلاث عشرة خلت من رمضان.
قال ابن عيينة: لا أدري من قول من هو، يعني: كان يؤخذ بالآخر فالآخر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: كانوا يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره ويرونه بالناسخ المحكم
(1)
.
وللبخاري أنه عليه السلام خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون، حَتَّى بلغ الكديد وهو ماء بين عسفان وقديد أفطر وأفطروا، ثم ذكر قول الزهري
(2)
. وفي رواية له: فلم يزل مفطرًا حَتَّى انسلخ الشهر
(3)
، وفي أخرى له: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس مختلفون فصائم ومفطر، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو بماء فوضعه على راحته، أو راحلته ثم
= عرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء، وطال عمرها، واشتهرت بالعلم والعمل والزهد، وهي معدودة في أفضل التابعيات، قال ابن الصلاح في "علوم الحديث" النوع الأربعون: سيدتا التابعين من النساء: حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن، وثالثتهما وليست كهما، أم الدرداء.
وانظر ترجمتها في "الثقات" لابن حبان 5/ 517، و"ذكر أسماء التابعين" للدارقطني 1/ 433، "وتهذيب الكمال" 35/ 352 (7974)، و"سير أعلام النبلاء" 4/ 277 (100).
(1)
"صحيح مسلم"(1113) كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر
…
وكلام الزهري وابن عيينة مذكور عقب الحديث.
(2)
سيأتي برقم (4276) كتاب: المغازي، باب: غزوة الفتح في رمضان.
(3)
سيأتي برقم (4275).
نظر الناس فقال المفطرون للصوام: أفطروا، ذكره في المغازي
(1)
، ولأحمد: مرُّوا بغدير في الطريق نحو الظهيرة فجعلوا يلوون أعناقهم وتتوق أنفسهم إليه، فدعا بقدح
(2)
، الحديث.
وله: فصام رجل من الصحابة فضعف ضعفًا شديدًا، وكاد العطش يقتله، وجعلت ناقته تدخل بين العضاة فأخبر عليه السلام فقال:"ائتوني به" فقال: "أنت في سبيل الله ومع رسول الله أفطر"، فأفطر
(3)
. وللحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم من حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر في رمضان، فاشتد الصوم على رجل من أصحابه فجعلت راحلته تهيم به تحت الشجر؛ فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره فأمره أن يفطر، ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء فوضعه على يده ثم شرب والناس ينظرون
(4)
.
إذا تقرر ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث مما لم يحضره ابن عباس؛ لأنه كان مع المستضعفين بمكة، قاله ابن التين، ويدخل في المسند؛ لأنه من صحابي
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (4277).
(2)
انظر: "مسند أحمد" 1/ 366.
(3)
رواه أحمد 3/ 329، وأبو يعلى في "مسنده" 4/ 174 (2252).
(4)
"المستدرك" 1/ 433 كتاب: الصوم، وقال الألباني كما في "صحيح ابن خزيمة"(2020) صحيح، إن سمع أبو الزبير من جابر.
(5)
قلت: هذا يسمى في أصول الفقه، وكذا في مصطلح الحديث بمرسل الصحابي وهو ما أخبر به الصحابي عن رسول الله بما لم يسمعه أو يشاهده منه؛ لغيابه أو تأخر إسلامه أو صغر سنه كابن عباس وغيره من صغار الصحابة، وهو حجة عند جمهور المحدثين والفقهاء. وللاستزادة ينظر:"علوم الحديث" لابن الصلاح رحمه الله النوع التاسع، و"المقنع" للمصنف رحمه الله 1/ 138.
ثانيها:
خروج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة يوم الأربعاء بعد العصر لعشر مضين من رمضان، فلما كان بالصلصل -جبل بذي الحليفة
(1)
- نادى مناديه: من أحب أن يفطر فليفطر، ومن أحب أن يصوم فليصم. فلما بلغ الكديد أفطر بعد صلاة العصر على راحلته كما سلف.
ثالثها:
الكَديد
(2)
بفتح الكاف، ثم دال مهملة، ثم مثناة تحت، ثم دال مهملة بينه وبين المدينة سبع مراحل أو نحوها، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين، وهو أقرب إلى المدينة من عسفان، قال أبو عبيد: بينه وبين عسفان ستة أميال، وعسفان على أربعة برد من مكة، وبالكديد عين جارية بها نخل كثير.
وفي البخاري -كما سلف-: وَالكَدِيدُ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ. ورواه بعد: حَتَّى بلغ عسفان
(3)
.
قال عبد الملك: والكَديد: العقبة المطلة على الجحفة، وذكر صاحب "المطالع" أن بين الكديد ومكة اثنين وأربعين ميلًا، وكذا قاله قبله القاضي عياض قال: وهذا كله في هذِه الغزوة، وسميت هذِه المواضع فيه لتقاربها وإن كانت عسفان متباعدة عن هذِه المواضع لكنها كلها مضافة إليها ومن عملها، فاشتمل اسم عسفان عليها
(4)
.
(1)
انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 880.
(2)
انظر: "معجم ما استعجم" 4/ 1119.
(3)
سيأتي قريبًا برقم (1948).
(4)
"إكمال المعلم" 4/ 64.
رابعها:
عَلِمَ صلى الله عليه وسلم بحال الناس ومشقتهم في بعض هذِه المواضع فأفطر وأمرهم بالفطر في بعضها.
خامسها:
فيه: دلالة لما ترجم له إشارة، وهو أن المسافر يصوم بعض رمضان دون بعض، ولا يلزمه بصوم بعضه الدوام عليه، وفيه: رد لما أسلفناه من قول علي، والمعنى عنده: من أدركه رمضان وهو مسافر فعدة من أيام أخر، ومن أدركه حاضرًا فليصمه، وهو قول عبيدة السلماني وسويد وأبي مجلز، كما سلف، وهو قول مردود بسفر الشارع في رمضان وإفطاره فيه في الكديد، وجمهور الأمة على خلافه لثبوت السنة بالتخيير فيه؛ ولصيامه في سفره، وإنما أمر من شهد الشهر كله أن يصوم، ولا يقال لمن شهد بعضه أنه شهده كله، والمبين عن الله سافر فيه وأفطر. ومن الغريب أن ابن أبي حاتم لما ذكره عن علي قال: وروي عن عائشة وابن عمر، وابن عباس وابن جبير، وابن الحنفية، وعبيدة، وعلي بن حسين، وسويد بن غفلة، وإبراهيم النخعي، ومجاهد، والشعبي، وأبي مجلز، والسدي نحو ذاك
(1)
.
وفيه أيضًا: رد ظاهر لقول من زعم أن فطره بالكديد كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة. وذهب الشافعي إلى أنه لا يجوز له الفطر في ذَلِكَ اليوم، وإنما يجوز لمن طلع عليه الفجر في السفر
(2)
، واختلفوا كما
(1)
"تفسير القرآن العظيم" لابن أبي حاتم 1/ 311 - 312، وقد روى حديث علي بسنده (1656).
(2)
"البيان" 3/ 471.
قال أبو عمر
(1)
وغيره في الذي يخرج في سفره وقد بيت الصوم، فقال مالك: عليه القضاء ولا كفارة، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وداود والطبري والأوزاعي، ونقله ابن بطال
(2)
عن سائر الفقهاء بالحجاز، وللشافعي قول آخر: أنه يكفر إن جامع، وعن مالك: الكفارة أيضًا
(3)
.
وقال أشهب: لا يُكَفِّر إن تأول فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكَديد، وقال ابن الماجشون: إن أفطر بالجماع كفر أو بغيره فلا
(4)
.
والحجة في سقوط الكفارة واضحة بحديث ابن عباس وجابر، كذا قال ابن بطال، وفيه ما سلف، ومن جهة النظر أيضًا؛ لأنه متأول غير هاتك لحرمة صومه عند نفسه وهو مسافر فدخل في عموم إباحة الفطر
(5)
.
سادسها:
السفرة التي كان فيها عبد الله بن رواحة غير هذِه، ويحتمل أن تكون غزوة بدر؛ لأن الترمذي روى عن عمر: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان يوم بدر والفتح
(6)
، قال: وأفطرنا فيهما
(7)
.
سابعها:
معنى حديث أبي الدرداء في الباب أنه عليه السلام كان صائمًا وابن رواحة،
(1)
"التمهيد" 9/ 69.
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 90.
(3)
"بدائع الصنائع" 2/ 100، "عيون المجالس" 2/ 648، "روضة الطالبين" 2/ 369، "المغني" 4/ 480.
(4)
"النوادر والزيادات" 2/ 24، 49.
(5)
"شرح ابن بطال" 4/ 90.
(6)
في هامش الأصل: ولا يحتمل أن يكون يوم الفتح وذلك؛ لأنه توفي في وقعة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان، والفتح كان في رمضان منها.
(7)
الترمذي (714) باب: ما جاء في الرخصة للمحارب في الإفطار، وقال: حديث عمر لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الألباني: ضعيف الإسناد.
وسائر أصحابه مفطرون، فلو لم يجز الفطر في رمضان لمن سافر فيه ما ترك الشارع أصحابه مفطرين فيه ولا سوغهم ذَلِكَ.
وفيه: وفي حديث ابن عباس الرد على من قال: إن الصيام لا يجزئ
في السفر معللًا بأن الفطر عزيمة من الله وصدقة فإن الشارع فعله، وكذا ابن رواحة، وقصد بذلك أن يسنَّ لأمته ليقتدوا به لمن كان به قوة له.
وقد روي عن ابن عباس: إنما أراد الله بالفطر في السفر التيسير عليكم فمن يسر الله عليه الصيام فليصم ومن يسر عليه الفطر فليفطر
(1)
.
فهذا ابن عباس لم يجعل إفطاره صلى الله عليه وسلم في السفر بعد صيامه ناسخًا للصوم في السفر ولكنه جعله على جهة التيسير، بل ظاهر الحديث أن الصوم فيه أفضل، وقد صام وكان يومًا حارًّا كما سلف وتكلف صومه.
فإن قلت: لا يأمن أن يضعف.
قلت: المقيم كذلك، نعم مظنة المشقة في السفر أكثر، ولا يقاس على القصر.
وفيه: ترك بعض العمل وهو يحب أن يعمل به خيفة أن يعمل به الناس فيفرض عليهم، وهو مخصص لقوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وقال الداودي: أفطر بعد أن بيَّت الصوم للضرورة، وقيل إنه أصبح ناويًا للفطر، وقال مطرف: للمسافر أن يفطر بعد أن يبيت الصوم، واحتج بهذا الحديث وكله مردود؛ لأنهم ظنوا أن ذَلِكَ في يوم واحد، وهو غلط كما أسلفناه، فبينهما أيام، ووقع ذَلِكَ للمزني؛ فإنه قال: إذا أصبح صائمًا ثم سافر يجوز له
(1)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 66 - 67 كتاب: الصيام، باب: الصيام في السفر، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 172.
الفطر. واحتج بأنه عليه السلام خرج عام الفتح إلى مكة صائمًا في رمضان حَتَّى بلغ كراع الغميم أفطر، أخرجه مسلم من حديث جابر
(1)
، وغلطوه؛ فإن بين المدينة وكراع الغميم ثمانية أيام، والمراد بالحديث: أنه صام أيامًا في سفره، ثم أفطر، وقيل: إن المزني تبين له ذَلِكَ فرجع عن هذا الاحتجاج لا عن مذهبه، لكن المزني غير منفرد بهذا الاحتجاج، فقد وقع أيضًا في كتاب البويطي وهذا لفظه ومنه نقلته: من أصبح في حضر صائمًا، ثم سافر فليس له أن يفطر. إلا إن ثبت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أفطر يوم الكديد انتهى. والكديد وكراع الغميم متقاربان.
فرع:
خرج مسافرًا فأفطر. فقال مالك: لا كفارة عليه، وبه قال أبو حنيفة، وقال المغيرة وابن كنانة: يكفر، وهو قول للشافعي
(2)
.
وفي القضاء على من سافر في صوم التطوع فأفطر قولان
(3)
، وإذا ابتدأ صوم التطوع في السفر ثم أفطر من غير عذر ففيه أيضًا روايتان لهم
(4)
.
(1)
مسلم (1114) كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر
…
(2)
"مختصر الطحاوي" ص 53 - 54، "عيون المجالس" 2/ 648، "روضة الطالبين" 2/ 369.
(3)
في الأصل تحتها تعليق: أي للمالكية.
(4)
في هامش الأصل: آخر 1 من 7 من تجرئة المصنف.
36 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الحَرُّ: "لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ
"
1946 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهم قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا، وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ:"مَا هَذَا؟ ". فَقَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: "لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ". [مسلم: 1115 - فتح: 4/ 183]
ذكر فيه حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا، وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ:"مَا هَذَا؟ ". فَقَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: "لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ".
هذا الحديث أخرجه مسلم بلفظ: "ليس البر أن تصوموا في السفر"، قال شعبة: وكان يبلغني عن يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الحديث أنه قال: "عليكم برخصة الله التي رخص لكم"، قال: فلما سألته لم يحفظه
(1)
.
ورواه الوليد عن الأوزاعي: حَدَّثَني يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر: مرَّ برجل في سفر في ظل شجرة يُرش عليه الماء فسأل فقالوا: صائم يا رسول الله، قال:"ليس من البر الصيام في السفر عليكم برخصة الله التي أرخص لكم فاقبلوها"
(2)
،
(1)
مسلم (1115).
(2)
هذا الحديث اختلف في إسناده:
فرواه النسائي 4/ 176 كتاب: الصيام، ما يكره من الصيام في السفر، وفي "الكبرى" 2/ 99 - 100 (2566) من طريق شعيب، قال: حدثنا الأوزاعي، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن، قال حدثني جابر بن عبد الله
…
فذكره.
قلت: في هذا السند ذكر محمد بن عبد الرحمن دون ذكر اسم جده، وصرح فيه بالتحديث من جابر.
قال النسائي: هذا خطأ ومحمد بن عبد الرحمن لم يسمع هذا الحديث من جابر! ورواه النسائي 4/ 176، وفي "الكبرى" 2/ 100 (2567) من طريق الفريابي قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى، قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن، قال حدثني من سمع جابرًا، عن جابر
…
فذكره.
قلت: وقع هنا أيضًا محمد بن عبد الرحمن دون ذكر اسم جده، وأبهم اسم شيخه الذي سمع الحديث من جابر.
ورواه الفريابي في كتاب "الصيام" ص 73 (77)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 62 كتاب: الصيام، باب: الصيام في السفر، وابن حبان 2/ 70 - 71 (355) كتاب: البر والإحسان، باب: ما جاء في الطاعات وثوابها. من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر
…
فذكره.
ورواه أيضًا النسائي 4/ 176، وفي "الكبرى" 2/ 100 (2568) من طريق علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر
…
فذكره.
ورواه أيضًا النسائي في "المجتبى" 4/ 176، وفي "الكبرى" 2/ 100 (2569) من طريق علي بن المبارك، عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن، عن رجل، عن جابر
…
فذكره.
ورواه أيضًا النسائي 4/ 177، وفي "الكبرى" 2/ 100 (2570) من طريق شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمرو بن حسن، عن جابر .. فذكره.
قلت: فسمى شعبة هنا اسم شيخ محمد بن عبد الرحمن المبهم في السند السابق بأنه محمد بن عمرو بن حسن. قال النسائي: حديث شعبة هذا هو الصحيح.
قال أبو حاتم في "العلل" 1/ 247 كما سيأتي رادًّا على من سمى محمد بن عبد الرحمن أنه ابن ثوبان-: إنما هو محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطي" 2/ 234: رواه النسائي من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر ولم يسمع محمد بن عبد الرحمن من جابر بن عبد الله. اهـ.
وأطنب ابن القطان في الرد عليه ومناقشة النسائي فقال: هو خطأ، وإنما هو قول النسائي تلقاه عنه، ولم ينظر فيه، ولا تفقَّد صحته، ولا نقله عنه كما قاله، فإن النسائي إنما قال: لم يسمع هذا الحديث محمد بن عبد الرحمن من جابر، فقال هو لم يسمع من جابر، هكذا بإطلاق، وزاد من عنده أنه ابن ثوبان، وأصاب في ذلك، ولكنه لم يصب من حيث القضاء عليه بأنه لم يسمع من جابر.
والنسائي إنما قال فيه: إنه لم يسمع من جابر هذا الحديث، وذلك أنه اعتقد فيه أنه رجل آخر.
وبيان اتصال الحديث المذكور وأنه ليس بمنقطع كما ذكر، فهو بأن تعلم أنه حديث يرويه رجلان، كل واحد منهما يقال له: محمد بن عبد الرحمن؛ أحدهما: ابن ثوبان، والآخر: ابن سعد بن زرارة، وهذا هو الذي لم يسمعه من جابر، فأما ابن ثوبان فإنه يقول فيه: حدثني جابر.
ثم ذكر ابن القطان حديث النسائي (2566) وقال: هذا إسناد صحيح متصل، يذكر كل واحد منهم: حدثني، حتى انتهى ذلك إلى محمد بن عبد الرحمن فقال: حدثني جابر.
وهذا هو الذي أورد أبو محمد وفسر محمد بن عبد الرحمن، بأنه ابن ثوبان، وأصاب في ذلك، وأخطأ في قوله: لم يسمع من جابر، وهو يروى من قوله ويسمع حدثني جابر.
والذي بعده من قول النسائي: هذا خطأ، ومحمد بن عبد الرحمن لم يسمع هذا الحديث من جابر.
نبين الآن -إن شاء الله- أنه إنما قال ذلك معتقدًا أنه محمد بن عبد الرحمن بن سعد، لا محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وذلك أن كل ما أورد بعده منقطعًا، إنما هو لمحمد بن عبد الرحمن بن سعد، لا لابن ثوبان.
ثم ساق طرق النسائي طريقًا طريقًا وناقش جميعها، فمن أراد الاستزادة فليراجع "بيان الوهم والإيهام" 2/ 577 - 582 فإنه شفى فيه وكفى. =
قال أبو حاتم في "علله": هذا خطأ إنما هو محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن جابر
(1)
.
قلت: وله طريقان آخران أحدهما من طريق كعب بن عاصم الأشعري مرفوعًا: "ليس من البر الصيام في السفر"، أخرجه الحاكم بإسناد صحيح
(2)
، وللبيهقي:"ليس من ام بر ام صيام في ام سفر"
(3)
،
= ونقل الحافظ في "التلخيص الحبير" 2/ 205 كلام ابن القطان وأقره.
أما في "الفتح" 4/ 185 فذهب إلى أن الصواب في رواية يحيى بن أبي كثير أنها عنه عن محمد بن عبد الرحمن، وهو ابن سعد عن محمد بن عمرو بن الحسن عن جابر، وأن قول من قال فيها: محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وهم، وإنما هو ابن عبد الرحمن بن سعد اهـ.
وقال الألباني في "الإرواء" 4/ 56 رادًّا على ما قاله الحافظ في "الفتح" وهذا عندي بعيد؛ لأنه يلزم منه تخطئة ثقتين حافظين هما الوليد بن مسلم ووكيع فإنهما قالا: ابن ثوبان، ومثل هذا ليس بالأمر السهل ما أمكن الجمع دون تخطئة الثقات الآخرين وذهب إليه ابن القطان، والله أعلم وخلاصة القول أن هذِه الزيادة إسنادها صحيح، ولا يضره تفرد يحيى بن أبي كثير؛ لأنه ثقة ثبت كما في "التقريب"، وإنما يخشى البعض من التدليس وقد صرح هنا بالتحديث فأمنا من تدليسه اهـ. انظر "الإرواء"(925).
(1)
"العلل" 1/ 427.
(2)
"المستدرك" 1/ 433. وصححه الألباني في "الإرواء" 4/ 58 (925).
(3)
رواه بهذا اللفظ أحمد 5/ 434، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 63 كتاب: الصيام، باب: الصيام في السفر، والطبراني 19/ 172 (387 - 388).
والذي عند البيهقي في "السنن" 2/ 242 كتاب: الصيام، باب: تأكيد الفطر في السفر إذا كان يجهده الصوم، وفي "معرفة السنن والآثار" 6/ 292 (8768) كتاب: الصيام، الفطر والصوم في السفر، بلفظ:"ليس من البر الصيام في السفر".
وكذا رواه النسائي 4/ 174 - 175 كتاب: الصوم، باب: ما يكره من الصيام في السفر، وابن ماجه (1664) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الإفطار، وأحمد 5/ 434. =
وهي لغة لبعضهم يبدلون اللام ميمًا فيما ذكره أبو القاسم البغوي وغيره
(1)
.
ثانيهما: من طريق ابن عمر مرفوعًا: "ليس من البر .. " الحديث، أخرجه ابن ماجه
(2)
، وقال أبو حاتم: منكر
(3)
.
وقوله: ("ليس من البر") من هنا يراد بها: تأكيد النفي، وأبعد من ذهب أنها للتبعيض.
إذا تقرر ذَلِكَ فإن احتج ظاهري نخعي به، فقال: ما لم يكن من البر فهو من الإثم فدل أن صيامه لا يجزئ في السفر.
فجوابه أن لفظه خرج على شيء معين كما سبق في الحديث، ومعناه: ليس البر أن يبلغ الإنسان بنفسه هذا المبلغ كما أسلفناه،
= والحديث بلفظ: "ليس من ام بر ام صيام في أم سفر".
قال الحافظ في "التلخيص الحبير" 2/ 205: هذِه لغة لبعض أهل اليمن، يجعلون لام التعريف ميمًا، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خاطب بها هذا الأشعري كذلك؛ لأنها لغته، ويحتمل أن يكون الأشعري هذا نطق بها على ما ألف من لغته، فحملها عنه الراوي عنه، وأداها باللفظ الذي سمعها به، وهذا الثاني أوجه عندي، والله أعلم. اهـ.
وقال الألباني في "الإرواء" 4/ 58 - 59، و"الضعيفة" (1130): شاذ بهذا اللفظ، وقال معقبًا على كلام الحافظ: إن إيراد الحافظ هذين الاحتمالين قد يشعر القارئ لكلامه أن الرواية ثبتت بهذا اللفظ عن الأشعري، وإنما تردد في كونه من النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، أو من الأشعري، ورجح الثاني. وهذا الترجيح لا داعي له، بعد أن أثبتنا أنه وهم من معمر، فلم يتكلم به النبي صلى الله عليه وسلم ولا الأشعري بل ولا صفوان بن عبد الله ولا الزهري، فليعلم هذا فإنه عزيز نفيس إن شاء الله تعالى. اهـ "الضعيفة" 3/ 265، وانظر أيضًا "الإرواء" 4/ 59 ففيه تعقب آخر على كلام الحافظ.
(1)
قد أسلفنا قول الحافظ فيه.
(2)
تقدم تخريجه، وانظر "الإرواء"(925).
(3)
"العلل" 1/ 247.
والله قد رخص في الفطر، ويصححه صوم الشارع في شدة الحر وحاشاه من الإثم، فالمعنى: ليس هذا أثر البر؛ لأنه قد يكون الإفطار أبر منه، إذا كان في حج أو جهاد ليقوى عليه؛ وهذا لقوله عليه السلام:"ليس المسكين بالطوَّاف الذي ترده التمرة والتمرتان"
(1)
، ومعلوم أن الطواف مسكين، وأنه من أهل الصدقة، وإنما أراد المسكين الشديد المسكنة الذي لا يسأل ولا يُتصدق عليه، وقال بعضهم: معناه: ليس من البر الواجب، وإنما يحتاج إلى هذا من قطع الحديث عن سببه وحمله على عمومه، وأما من حمله على القاعدة الشرعية في رفع ما لا يطاق عن هذِه الأمة، وبأن للمريض المقيم ومن أجهده الصوم أن يفطر، فإن خاف من صومه محذورًا عصى بصومه وعليه يحمل قوله عليه السلام:"أولئك العصاة"، وأما من حاله غير حال المظلل عليه فحكمه ما سلف من التخيير، وبهذا يرتفع التعارض وتجتمع الأدلة ولا تحتاج إلى فرض نسخ إذ لا تعارض.
وقال القاضي أبو محمد: لفظه يحتمل الفضيلة ويحتمل أن يراد به ما هو شرط في إجزاء الفعل فيتوقف إلى البيان، وقد أسلفنا أنه خرج على سبب والفطر رخصة فيأخذ منه، ومن أشد ما يوردونه حديث "الصائم في السفر كالمفطر في الحضر"، وقد سلف ضعفه
(2)
.
وقال القاضي أبو محمد: هو موقوف عند أهل النقل.
(1)
سلف هذا الحديث في كتاب: الزكاة، باب: قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (1476، 1479).
ورواه مسلم (1039) كتاب: الزكاة، باب: المسكين لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه.
(2)
تقدم تخريجه باستيفاء.
وأما حديث "إن الله وضع عن المسافر الصيام
(1)
"
(2)
فالمراد: وضع الوجوب؛ بدليل بقية الحديث وعن الحامل والمرضع.
(1)
وقع في الأصل بعدها: وشطرالصلاة وعلم عليها (لا .. إلى).
(2)
رواه أبو داود (2408) كتاب: الصوم، باب: اختيار الفطر، والترمذي (715) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع، والنسائي 4/ 180 - 182 كتاب: الصيام، وضع الصيام عن المسافر، وابن ماجه (1667) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الإفطار للحامل والمرضع، وأحمد 4/ 347، وابن سعد 7/ 45، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 394 (430)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/ 470 - 471، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 162 - 163 (1493)، وابن خزيمة 3/ 267 - 268 (2042 - 2044)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 422 - 423 كتاب: الصلاة، باب: صلاة المسافر، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 15 - 16، والطبراني في "الكبير" 1/ 262 - 263 (762 - 766)، وفي "الأوسط" 7/ 17 (6724)، والبيهقي في "سننه" 3/ 154 كتاب: الصلاة، باب: السفر في البحر كالسفر في البر في جواز القصر، و 4/ 231 كتاب: الصيام باب: الحامل والمرضع لا تقدران على الصوم .... ، من حديث أنس بن مالك، رجل من بني عبد الله بن كعب.
ووقع في بعض المصادر: أنس بن مالك، رجل من بني الأشهل، أو عبد الأشهل، وهو خطأ؛ قال الحافظ في "الإصابة" 1/ 72: الصواب عبد الله بن كعب.
قال الألباني في "صحيح أبي داود"(2083): إسناده حسن صحيح.
وفي الباب من حديث عمرو بن أمية الضمري.
رواه النسائي في 4/ 178: 180، وفي "الكبرى" 2/ 102 - 103 (2578 - 2580) كتاب: الصيام، وضع الصيام عن المسافر، والدارمي 2/ 1067 (1753) كتاب: الصيام، باب: الرخصة للمسافر في الإفطار، وقال الألباني: أخرج النسائي والدارمي من طريق الأوزاعي قال: أخبرني يحيى قال: حدثني أبو قلابة قال: حدثني أبو المهاجر قال: حدثني أبو أمية -يعني: الضمري-: أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم .. فذكره نحوه.
وهذا إسناد صحيح متصل، لكن قوله: أبو المهاجر! وهم من الأوزاعي كما قال =
فائدة:
يجوز أن يكون هذا المجهول هو أبو إسرائيل، روى الخطيب في "مبهماته" أنه عليه السلام رأى رجلًا يهادى بين ابنيه وقد ظُلل عليه فسأل عنه فقالوا: نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام، فقال:"إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه مروه فليمش وليركب"
(1)
. وفي "مسند أحمد" ما يشعر بأنه غيره فإن فيه أنه عليه السلام دخل المسجد وأبو إسرائيل يصلي فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هو ذا يا رسول الله لا يقعد ولا يتكلم ولا يستظل ولا يفطر، فقال:"ليقعد وليتكلم وليستظل وليفطر"
(2)
.
= ابن حبان وغيره، والصواب: أبو المهلب؛ وهو ثقة من رجال مسلم. اهـ "صحيح سنن أبي داود" 7/ 171.
(1)
سلف من حديث أنس (1865) أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخًا يهادى بين ابنيه، قال:"ما بال هذا"، قال: نذر أن يمشي. قال: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني". وأمره أن يركب.
(2)
أحمد 4/ 168 وفيه: "وليصم" بدل قوله: "وليفطر".
37 - باب لَمْ يَعِبْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الصَّوْمِ وَالإِفْطَارِ
1947 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلَا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. [مسلم: 1118 - فتح: 4/ 186]
ذكر فيه حديث أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلَا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.
هذا الحديث أخرجه مسلم مطولًا بزيادة ذكر رمضان
(1)
، وهو حجة على من زعم أن الصائم في السفر لا يجزئه صومه؛ لأن تركهم لإنكار الصوم، والفطر يدل أن ذَلِكَ عندهم من المتعارف المشهور الذي تجب الحجة به ولا حجة لأحد مع خلاف السنة الثابتة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صام ولم يعب على من صام ولا على من أفطر، فوجب التسليم له.
(1)
مسلم (1118).
38 - باب مَنْ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ لِيَرَاهُ النَّاسُ
1948 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى يَدَيْهِ لِيُرِيَهُ النَّاسَ، فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدْ صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. [انظر: 1944 - مسلم: 1113 - فتح: 4/ 186]
ذكر فيه حديث ابن عباس السالف قريبًا: فصَام حتى بلغ عسفان فأفطر
(1)
. ولعل سبب فطره أنه قيل له: إن الناس هلكوا إذ أخذوا باختيارك في الصوم فأفطر ليراه الناس فأفطروا بفطره.
وقد سلف ذَلِكَ من حديث جابر
(2)
، وأن الناس قد شق عليهم الصيام
(3)
.
قال ابن بطال
(4)
: اختلف العلماء في الفطر المذكور في هذا الحديث، فقال قوم: معناه أنه أصبح مفطرًا قد نوى الفطر في ليلته، هذا جائز بالإجماع أن يُبَيِّت المسافر الفطر إن اختاره، وقال آخرون: معناه أنه يفطر في نهاره لعل إن مضى صدر عنه، وأن الصائم جائز له أن يفعل ذَلِكَ في سفره؛ لأنه عليه السلام صنع ذَلِكَ رفقًا بأمته، وقد جاء
(1)
سلف برقم (1944) باب: إذا صام أيامًا من رمضان ثم سافر.
(2)
سلف قريبًا برقم (1946).
(3)
رواه مسلم (1114/ 91) كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان ..
(4)
إلى نهاية هذا الباب نقله المصنف بتمامه من "شرح ابن بطال" 4/ 89 - 90.
ذاك مبينًا في حديث جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر أنه عليه السلام خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حَتَّى بلغ كراع الغميم، فصام الناس وهم مشاة وركبان، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصوم، وإنما ينظرون إلى ما فعلت فدعا بقدح من ماء فرفعه حَتَّى نظر الناس إليه، وصام بعض فقيل له: إن بعضهم قد صام فقال: "أولئك العصاة"، وقد أسلفناه من "صحيح مسلم" عن جابر
(1)
، وهو يبين معنى الترجمة وأنه عليه السلام إنما أفطر ليراه الناس فيقتدوا به ويفطروا؛ لأن الصيام كان نهكهم وأضرَّ بهم فأراد عليه السلام الرفق بهم والتيسير عليهم أخذًا بقوله تعالى:{يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} [البقرة: 185] فأخبر تعالى أن الإفطار في السفر أراد به التيسير على عباده، فمن اختار رخصة الله فأفطر في سفره أو مرضه لم يكن معنفًا، ومن اختار الصوم وهو يسير عليه فهو أفضل؛ لصحة الخبر أنه صام حين شخص من المدينة متوجهًا إلى مكة حَتَّى بلغ عُسفان والكديد فصام معه أصحابه، إذ كان ذَلِكَ يسيرًا عليهم، وأفطر وأمر أصحابه بالإفطار لما دنا من عدوه فصار الصوم عسرًا إذ كان لا يؤمن عليهم الضعف والوهن في حربهم لو كانوا صيامًا عند لقاء عدوهم، فكان الإفطار حينئذ أولى بهم من الصوم عند الله وأفضل لما يرجون من القوة على العدو، وإعلاء كلمة الدين بالإفطار.
وروى شعبة (عن)
(2)
عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم فتح مكة فقال:
(1)
مسلم (1114) كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية.
(2)
في الأصل: (بن)، والمثبت من مصادر التخريج.
"أفطروا فإنه يوم قتال"
(1)
.
وروى حماد، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر فأتى على غدير فقال للقوم:"اشربوا" فقالوا: يا رسول الله أنشرب ولا تشرب؟ قال: "إني أيسركم إني راكب وأنتم مشاة" فشرب وشربوا
(2)
.
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 5/ 302 (9688) كتاب: الجهاد، باب: الصيام في الغزو، وفيه: عبد الله بن شعبة، عن عمرو بن دينار، بدل شعبة.
ورواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 2/ 140 - 141، وقال: قال شبابة: قال شعبة: لم يسمع عمرو بن دينار من عبيد بن عمير إلا ثلاثة أحاديث.
(2)
رواه أبو يعلى في "مسنده" 4/ 146 (2208)، والفريابي في "كتاب الصيام" ص: 84 (94)، وذكره ابن حزم في "المحلى" 6/ 250 - 251.
39 - باب {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184]
قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ: نَسَخَتْهَا {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ} إلى قوله {وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} [البقرة: 185]. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ، وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ
1949 -
حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَرَأَ: فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ. قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ. [4506 - فتح: 4/ 187]
ثم ساق عن نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَرَأَ:"فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ". قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ
(1)
.
وَقَالَ ابن نُمَيْرٍ: حدثنا الأَعْمَشُ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، ثَنَا ابن أَبِي لَيْلَى قال: حَدَّثنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْم مِسْكِينَا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَنْ يُطِيقُهُ، وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فَأمِرُوا بِالصَّوْمِ
الشرح:
أثر ابن عمر أخرجه أيضًا في التفسير وقال: {طَعَامُ مِيكِينٍ}
(2)
،
(1)
وقع في هامش الأصل ما نصه: في نسختي التعليق قبل الحديث.
(2)
سيأتي برقم (4506)، وكذا الآية في الأصل، وفي اليونينية 6/ 25:(طعام مساكين) ليس عليها تعليق.
وكذا رواه الإسماعيلي في "صحيحه". وأثر سلمة أخرجه في تفسيره عن قتيبة، عن بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكير، عن يزيد بن أبي عبيد، عنه بلفظ قال: لما نزلت {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} كان من أراد أن يفطر ويفتدي حَتَّى نزلت الآية التي بعدها فنسختها
(1)
.
وفي "مستدرك" الحاكم عنه وقال: صحيح على شرط الشيخين أنه قر {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} واحد {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} .
قال: زاد مسكينًا آخر فهو خير له وليست منسوخة إلا أنه رخص للشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام، وأمر أن يطعم الذي يعلم أنه لا يطيق
(2)
. وفي رواية له على شرط البخاري ولا قضاء عليه
(3)
.
وفي الجزء الخامس من حديث أبي عبد الله محمد بن جعفر ونفيل البغدادي، عن ابن عباس {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} قال: الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام يفطر ويطعم نصف صاع، مكان كل يوم
(4)
. ثم قال: محفوظ من حديث الثوري يعني عن منصور، عن مجاهد عنه. موقوف. وفليح من حديث عبد الله بن الوليد العدني، عنه، ثم ساقه.
وتعليق ابن نمير أسنده أبو نعيم عن أبي إسحاق، ثنا ابن زيدان، ثنا أبو كريب والحسن بن عفان قالا: ثنا ابن نمير، ثنا الأعمش بلفظ: ثنا صاحب محمد قال: أحيلت الصلاة على ثلاثة أحوال، قال: ونزل
رمضان فشق عليهم .. الحديث.
(1)
سيأتي برقم (4507).
(2)
"المستدرك" 1/ 440 كتاب: الصوم.
(3)
"المستدرك" 1/ 440.
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 221 (7574) من حديث مجاهد عن ابن عباس بنحوه، وكذا رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" 2/ 138 (ط. الحلبي)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 308 (1641)، والدارقطني 2/ 207، والبيهقي في "سننه" 4/ 271 كتاب: الصيام، باب: الشيخ الكبير لا يطيق الصوم.
وأسنده البيهقي من حديث علي يعني: ابن الربيع الأنصاري، ثنا عبد الله بن نمير بلفظ، ثنا أصحاب محمد قال: أحيل الصوم على ثلاثة أحوال.
ثم ساقه من حديث المسعودي، عن عمر، عن ابن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل قال: أحيل الصيام ثلاثة أحوال فذكره
(1)
.
وهذا يبين الصاحب من هو، لكن قال البيهقي: إنه مرسل، ابن أبي ليلى لم يدرك معاذًا
(2)
، وللحازمي من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، عن عمرو به قال: وذكر فيه أن ذَلِكَ كان على وجه التطوع لا على جهة الفرض
(3)
.
إذا تقرر ذَلِكَ فاختلف العلماء في تأويل هذِه الآية؛ فروي عن عائشة وابن عباس في رواية، وعكرمة وسعيد بن جبير وطاوس وعمرو بن دينار ومجا هد: أنهم قرءوها (يَطَّوقون) بفتح أوله وثانيه مشددًا
(4)
، قال: الذين يحملونه ولا يطيقونه فدية
(5)
، فعلى هذا القول الآية محكمة غير منسوخة
(1)
"سنن البيهقي" 4/ 200.
(2)
السابق.
(3)
"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" ص 111.
(4)
انظر: "مختصر الشواذ" ص 19.
(5)
رواه عن عائشة الطبري 2/ 143 (2779)، والبيهقي في "سننه" 4/ 272.
وعن ابن عباس، سيأتي برقم (4505).
وعن عكرمة وسعيد بن منصور 2/ 684 (266)، والطبري 2/ 143 (2776)، وعزاه في "الدر المنثور" 1/ 329 لوكيع وعبد بن حميد وابن الأنباري.
وعن سعيد بن جبير، والطبري 2/ 143 (2777)، وعزاه في "الدر المنثور" لابن أبي داود في "المصاحف".
وذكره القرطبي في "تفسيره" 2/ 267 عن طاوس وعمرو بن دينار.
ورواه عن مجاهد الطبري 2/ 143 (2780).
يعني: في الشيخ والحامل والمرضع، وهو قول حسن كما قال أبو عبيد، ولكن الناس ليسوا عليه؛ لأن الذي ثبت بين اللوحين في مصاحف أهل العراق والحجاز والشام {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} ولا تكون الآية على هذا اللفظ إلا منسوخة، رُوي ذَلِكَ عن عمر وسلمة بن الأكوع ومعاذ وابن أبي ليلى وعلقمة والنخعي والحسن والشعبي والزهري
(1)
، ونقله القاضي عياض عن جمهور
(2)
. فتفرق الناس في ناسخ هذِه الآية ومنسوخها على أربعة منازل، لكل واحدة منهن حكم سوى حكم الأخرى:
فالفرقة الأولى: وهم أصحاء ففرضهم الصيام ولا يجزئهم غيره لزمهم ذَلِكَ بالآية المحكمة وهي قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} .
والثانية: هم مخيرون بين الإفطار والصيام، ثم عليهم القضاء بعد ذَلِكَ -ولا طعام عليهم- وهم المسافرون، والمرضى بقوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .
والثالثة: هم الذين لهم الرخصة في الإطعام -ولا قضاء عليهم- وهم الشيوخ الذين لا يستطيعون الصيام.
(1)
رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع، فيما سيأتي (4507) كتاب: التفسير، باب: من شهد منكم الشهر فليصمه، ومسلم (1145) كتاب: الصيام، باب: نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} ، وعن معاذ، ابنُ جرير 2/ 138 (2740) وعن ابن أبي ليلى، ابنُ جرير 2/ 138 (2742)، وابنُ أبي حاتم 1/ 309 (1646).
وعن علقمة والنخعي، ابنُ جرير 2/ 138 (2743 - 2744).
وعن الحسن، ابن جرير 2/ 139 (2745)، وابن أبي حاتم 1/ 310 (1647).
وعن الشعبي والزهري، ابن جرير 2/ 139 (2750، 2752).
(2)
"إكمال المعلم" 4/ 99.
والرابعة: هم الذين اختلف العلماء فيهم بين القضاء والإطعام، وبكل ذَلِكَ قد جاء به تأويل القرآن، وأفتت به الفقهاء فذهب القاسم وسالم وربيعة ومكحول وأبو ثور إلى أن الشيخ إن استطاع الصوم صام، وإلا فليس عليه شيء؛ لقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] إلا أن مالكًا استحب له الإطعام عن كل يوم مدًّا، وحجة هذا القول: أن الله تعالى إنما أوجب الفدية قبل
النسخ على المطيقين دون غيرهم وخيَّرهم فيه بين أن يصوموا بقوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} ثم نسخ ذَلِكَ وألزمهم الصوم حتمًا وسكت عمن لا يطيق. فلم يذكره في الآية فصار فرض الصيام زائلًا
عنهم كما زال فرض الزكاة والحج عن المعدمين الذين لا يجدون إليه سبيلا
(1)
.
وأبى ذَلِكَ أهل العراق والثوري، وأوجبوا الفدية على الشيخ وقالوا: إن الزكاة والحج لا يشبهان الصيام؛ لأن الكتاب والسنة فرق بينهما وذلك أن الله تعالى جعل من الصوم بدلًا أوجبه على كل من حيل بينه وبين الصيام -وهو الفدية - كما جعل التيمم بدلًا من الطهور واجبًا على من أعوزه الماء، وكما جعل الإيماء بدلًا من الركوع والسجود لمن لا يقدر عليهما، ولم يجعل من الزكاة والحج بدلًا لمن لا يقدر عليهما، وإلى هذا ذهب الكوفيون والأوزاعي والشافعي، وحُكي عن علي وابن عباس وأبي هريرة وأنس وسعيد بن جبير وطاوس وأحمد
(2)
.
(1)
"المدونة" 1/ 186.
(2)
"المبسوط" 3/ 99، "البيان" 3/ 466، "المغني" 4/ 395 - 396.
وأما الفرقة الرابعة: فالحامل والمرضع وفيهما اختلف الناس قديمًا وحديثًا، فقال بعض العلماء: إذا ضعفتا عن الصيام وخافت على نفسها وولدها أفطرت وأطعمت عن كل يوم مسكينًا، فإذا فطمت ولدها قضته، وهو قول مجاهد
(1)
، وأحمد.
وعند الشافعي: إن أفطرتا خوفًا على أنفسهما وجب القضاء بلا فدية أو على الولد فالقضاء والفدية
(2)
، وقال المزني: تستحب الفدية، وقيل: تجب على المرضع دون الحامل.
وعن إسحاق: يخيران بين القضاء ولا فدية وبين الفدية ولا قضاء.
وقالت الظاهرية: لا قضاء ولا فدية. وقال آخرون: عليهما الإطعام ولا قضاء، وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير وقتادة
(3)
، وقال آخرون: عليهما القضاء ولا كفارة كالمريض، وهو قول عطاء والنخعي والحسن والزهري وابن جبير وربيعة
(4)
والأوزاعي وأبي حنيفة والثوري.
وروى ابن عبد الحكم عن مالك مثله، وهو قول أشهب، وفرقة رابعة فرقت بين الحبلى والمرضع؛ فقالت في الحبلى: هي بمنزلة المريض تفطر وتقضي ولا إطعام عليها، والمرضع تفطر وتطعم وتقضي، هذا قول مالك في "المدونة"
(5)
والليث، قال أبو عبيد:
(1)
رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 308 (1640).
(2)
"المغني" 4/ 393، "البيان" 3/ 473.
(3)
رواه عن ابن عباس وابن عمر، عبدُ الرزاق في "المصنف" 4/ 218 - 219 (7558، 7561، 7567)، والبيهقي 4/ 230.
ورواه عن سعيد بن جبير وقتادة، عبدُ الرزاق 4/ 216 - 217 (7555 - 7556).
(4)
انظر: "مصنف عبد الرزاق" 4/ 218، و"الدر المنثور" 1/ 327.
(5)
"المدونة" 1/ 186.
وكل هؤلاء إنما تأولوا قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} فمن أوجب القضاء والإطعام معًا ذهب إلى أن الله تعالى حكم في تارك الصوم من غير عذر بحكمين فجعل الفدية في آية والقضاء في أخرج.
فلما لم يجد ذكر الحامل والمرضعٍ مسمًى في كل واحدة منهما جمعهما جميعا عليها احتياطا لهما وأخذا بالثقة، ومن أوجب الإطعام أطعم فقط وقال: ليس كالسفر والمرض، ولكنهما ممن كلف وطوّقه وليس بمطيق فهم من أهل الإطعام فقط؛ لقوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} وهي قراءة ابن عباس وفُتْياه
(1)
، وقد يجوز هذا على قراءة {يُطِيقُونَهُ} أي بجهد ومشقة فيتحد معناهما، قاله غير أبي عبيد، ومن أوجب القضاء فقط ذهب إلى أن الحمل والرضاع علتان من العلل؛ ولأنه يخاف فيهما من التلف على الأنفس ما يخاف من المرض، وشاهده حديث أنس: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في إبل لجار لي أخذت فوافقته يأكل، فدعاني إلى طعامه، فقلت: إني صائم فقال: "ادنُ أخبِرُك عن ذَلِكَ أن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل والمرضع"
(2)
فقرنهما بالمسافر ولا يلزمه القضاء.
وقال القاضي عياض: اختلف السلف هل هي محكمة أو مخصوصة أو منسوخة كلها أو بعضها؟ فقال الجمهور: هي منسوخة، ثم استدل بقول سلمة.
ثم اختلفوا هل بقي منها ما لم ينسخ فروي عن ابن عمر والجمهور أن حكم الإطعام باقٍ على من لم يطق الصوم لكبره، وقال جماعة من
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه باستيفاء، وأنس هذا هو أنس بن مالك رجل من بني عبد الله بن كعب، كما سلف.
السلف ومالك وأبو ثور وداود جميع الإطعام منسوخ وليس على الكبير إذا لم يطق الصوم إطعام، واستحبه له مالك. وقال قتادة: كانت الرخصة لمن يقدر على الصوم ثم نسخ فيه، وبقيَ فيه فيمن لا يطيق
(1)
.
وقال ابن عباس وغيره: نزلت في الكبير والمريض الذَيْن لا يقدران على الصوم
(2)
فهي عنده محكمة، لكن المريض يقضي إذا برأ، وأكثر العلماء على أنه لا إطعام على المريض.
وقال زيد بن أسلم والزهري ومالك: هي محكمة، ونزلت في المريض يفطر، ثم يبرأ فلا يقضي حَتَّى يدخل رمضان آخر فيلزمه صومه ثم يقضي بعدما أفطر
(3)
، ويطعم عن كل يوم مدًّا من حنطة، فأما من اتصل صومه برمضان ثانٍ فليس عليه إطعام بل عليه القضاء فقط.
وقال الحسن وغيره: الضمير في: (يطوقونه) عائد على الإطعام لا على الصوم، ثم نسخ ذَلِكَ، فهي عنده عامة، ثم جمهور العلماء على أن الإطعام عن كل يوم مدٌّ، وقال أبو حنيفة: مدَّان، ووافقه صاحباه.
فائدة:
(يَطَّوقونه) بفتح أوله وثانيه مشددًا كما أسلفته، وقرئ بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الواو وفتحها، حكاهما ابن التين مع الأولى، وعزا الأولى إلى مجاهد، قال: والناسخ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} خلافًا لابن أبي ليلى كما سلف، قال: وهو أصح من قول
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 141 (2762).
(2)
الطبري 2/ 141 (2759) وقد تقدم.
(3)
"إكمال المعلم" 4/ 99 - 100 بتصرف.
ابن عباس أنها محكمة، قال: وحمل (يطيقونه) على (يطوقونه) مجاز بعيد بغير دليل، ولا يقال لمن لا يقدر أن يصوم: أن تصوم خير لك، وقوله:{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} ، قال ابن عباس: زاد مسكينًا
آخر
(1)
، وقال مجاهد: أطعم صاعًا فتطوع بثلاثة أمداد
(2)
.
(1)
رواه النسائي 4/ 190 - 191 كتاب: الصيام، تأويل قول الله عز وجل:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ، وفي "الكبرى" 2/ 112 - 113 (2626)، والطبري 2/ 148 (2802)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 309 (1642)، والطبراني 11/ 168 (88 - 113)، والدارقطني 2/ 205 وقال: إسناد صحيح ثابت والحاكم في "المستدرك" 1/ 440. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه والبيهقي 4/ 271 كتاب: الصيام، باب: الشيخ الكبير لا يطيق الصوم ويقدر على الكفارة يفطر ويفتدي. وصححه الألباني في "صحيح النسائي".
(2)
رواه الطبري 2/ 148 (2804).
40 - باب مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ
؟
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ فِي صَوْمِ العَشْرِ: لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا. وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ يُطْعِمُ. وَلَمْ يَذْكُرِ اللهُ الإِطْعَامَ إِنَّمَا قَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
1950 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَىَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ. قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ، أَوْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [مسلم: 1146 - فتح: 4/ 189]
ثم ساق حديث عَائِشَةَ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا
أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ. قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ، أَوْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
أثر ابن عباس أخرجه البيهقي من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عنه فيمن عليه قضاء شهر رمضان أن يقضيه مفرقًا، فإن الله تعالى قال:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
(1)
. وأثر ابن المسيب أراد به أن براءة الذمة أولى من التطوع، وقد روى ابن أبي شيبة، عن عبدة، عن سفيان، عن قتادة، عن سعيد: أنه كان لا يرى بأسًا أن يقضى رمضان
(1)
"سنن البيهقي" 4/ 258 كتاب: الصيام، باب: قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقًا.
في العشر
(1)
، وقد أخرج الدارقطني، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يرى بأسًا بقضاء رمضان في عشر ذي الحجة، ثم ذكره موقوفًا أيضًا
(2)
، وعن الحارث، عن علي مرفوعًا:"لا يقضى رمضان في عشر ذي الحجة"، ثم قال: الموقوف أصح
(3)
، زاد ابن أبي شيبة: فإنه شهر نسك، وعن أبي هريرة: لا بأس أن يصومها في العشر، وعن إبراهيم وابن المسيب مثله، وعن عطاء وطاوس ومجاهد: اقض رمضان متى شئت، وقال سعيد بن جبير: لا بأس به، يعني: في العشر، وعن الحسن: أنه كرهه
(4)
.
وقال ابن المنذر: اختلف في قضاء رمضان في ذي الحجة فكان ابن المسيب والشافعي وغيرهما يقولون: ذَلِكَ جائز إلا أيام النهي، وروينا عن علي أنه كرهه
(5)
، وبه قال الحسن البصري، قال: وجوازها
أولى؛ لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} إلا يوم النحر وأيام التشريق
(6)
.
وقوله: ويذكر عن أبي هريرة، إلى آخره، يعني: أنه روي عن أبي
(1)
"المصنف" 2/ 325 (9519) في الصيام، ما قالوا في قضاء رمضان في العشر.
(2)
"علل الدارقطني" 2/ 202 - 203.
(3)
المصدر السابق 3/ 175 - 176، ورواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 60 (906) مرفوعًا.
ورواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 256 (7712) موقوفًا.
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 325 (9516 - 9519، 9521 - 9522) كتاب: الصيام، ما قالوا في قضاء رمضان في العشر.
(5)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 256 (7712)، والبيهقي 4/ 285 كتاب: الصيام، باب: جواز قضاء رمضان في تسع ذي الحجة.
(6)
رواه عبد الرزاق 4/ 255 - 256 (7710)، والبيهقي 4/ 285.
هريرة مرسلًا
(1)
، وابن عباس موقوفًا
(2)
، وذكر الدارقطني حديث أبي هريرة مرفوعًا من طريق مجاهد عنه -ولم يسمع عنه فيما ذكره البرديجي
(3)
- ولعل هذا مراد البخاري بالإرسال، ولفظه عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل أفطر في شهر رمضان، ثم صح ولم يصم، ثم أدركه رمضان قال:"يصوم الذي أدركه، ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه ويطعم مكان كل يوم مسكينًا"، ثم قال: إبراهيم بن نافع وابن وجيه ضعيفان
(4)
، ورواه من طريق مجاهد وعطاء إلى أبي
هريرة موقوفًا، وقال: في كل منهما إسناد صحيح موقوف، وفي طريق عطاء: مدًّا من حنطةٍ. ومن طريق مجاهد عن ابن عباس موقوفًا: يطعم عن كل يوم مسكينًا
(5)
.
(1)
رواه عبد الرزاق 4/ 234 (7620 - 7621) عن مجاهد وعطاء، عن أبي هريرة موقوفًا.
(2)
رواه عبد الرزاق 4/ 236 (7628)، والبيهقي 4/ 253.
(3)
علق عليها في هامش الأصل بقوله: الذي ذكره العلائي عن البرديجي ما نصه: الذي صح لمجاهد من الصحابة: ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة على خلاف فيه، قال بعضهم: لم يسمع منه يدخل بينه وبين أبي هريرة عبد الرحمن بن أبي ذئاب. اهـ.
(4)
"سنن الدارقطني" 2/ 197، ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 97 (1122) من طريق بكر بن محمود بن مكرم الفزاري: ثنا إبراهيم بن نافع -أبو إسحاق الجلاب-: ثنا عمر بن موسى بن وجيه: ثنا الحكم، عن مجاهد، عن أبي هريرة.
وقال: قال الدارقطني: إسناد صحيح موقوف، وعلى الموقوف العمل، فأما المسند فلا يصح فيه إبراهيم بن نافع، قال أبو حاتم الرازي: كان يكذب، وحدث عن ابن وجيه أحاديث بواطيل، قال: وعمر متروك الحديث كان يضع الحديث، وقال يحيى بن معين: ليس بثقة اهـ.
(5)
"سنن الدارقطني" 2/ 196 - 197.
وللبيهقي من حديث مجاهد عنه: ويقضيه، ثم قال: وروينا عن ابن عمر وأبي هريرة في الذي لم يصح حَتَّى أدركه رمضان آخر: يطعم، ولا قضاء عليه، وعن الحسن وطاوس والنخعي: يقضي ولا كفارة عليه
(1)
. وحديث عائشة أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، ويحيى هو ابن سعيد
(3)
كما أخرجه ابن ماجه مصرحًا به
(4)
، وجزم به عبد الحق في "جمعه"، وجزم الضياء بأنه يحيى القطان، وقيل: يحيى بن أبي كثير، حكاه ابن التين وهما غريبان، وللترمذي مصححًا: ما كنت أقضي ما علىَّ من رمضان إلا في شعبان حَتَّى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
(5)
(6)
.
إذا علمت ذَلِكَ فالإجماع قائم على أن من قضى ما عليه من رمضان
في شعبان بعد. فإنه مؤدٍّ لفرضه غير مفرط، واختلفوا في جواز قضائه متفرقًا فقال: قيل متتابعًا، روي ذَلِكَ عن علي وابن عمر وعائشة
(7)
، وبه قال الحسن البصري والنخعي والشعبي ونافع بن جبير بن مطعم
(1)
"سنن البيهقي" 4/ 253 كتاب: الصيام، باب: المفطر يمكنه أن يصوم ففرط حتى جاء رمضان آخر.
(2)
مسلم (1146) كتاب: الصيام، باب: قضاء رمضان في شعبان.
(3)
علق عليها في هامش الأصل بقوله: الأنصاري هو قاضي المدينة للسفاح.
(4)
ابن ماجه (1669) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في قضاء رمضان.
(5)
ورد في هامش الأصل ما نصه: من خط الشيخ: قال أبو عمر: لا يجيء هذا من ثقة يحتج به. وذكره ابن أبي حاتم في "علله".
(6)
الترمذي (783) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في تأخير قضاء رمضان.
(7)
رواه عن علي وابن عمر، عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 242 (7658، 7660) كتاب: الصيام، باب: قضاء رمضان، وابن أبي شيبة 2/ 295 (9134 - 9136) كتاب: الصيام، من كان يقول: لا يفرقه، والبيهقي 4/ 259 - 260.
ورواه عن عائشة، عبد الرزاق 4/ 241 - 242 (7657)، والبيهقي 4/ 258 كتاب: الصيام، باب: قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقًا وإن شاء متتابعًا.
ومحمد بن سيرين وعروة بن الزبير
(1)
، وهو قول أهل الظاهر، وقالت طائفة: يجوز أن يقضى متفرقًا، روي ذَلِكَ عن ابن عباس وأبي هريرة وأنس ومعاذ وحذيفة ورافع بن خديج
(2)
، وهو قول جماعة أئمة الأمصار منهم الأربعة، وعدد ابن أبي حاتم في "تفسيره" منهم فوق الثلاثين من الصحابة والتابعين وأتباعهم
(3)
، وفيه حديث مرسل
(4)
، وحجة الجماعة ظاهرة بأن عائشة قالت: نزل {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} متتابعات فسقطت متتابعات
(5)
.
(1)
انظرها في "مصنف عبد الرزاق" 4/ 242 - 243 (7659)، و"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 295 (9137، 9139، 9141 - 9143).
(2)
انظرها في "مصنف عبد الرزاق " 4/ 243 - 245 (7664 - 7665، 7672 - 7673)، و"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 293 (9114 - 9116، 9119، 9125)، و"سنن البيهقي" 4/ 258.
(3)
"تفسير القرآن العظيم" لابن أبي حاتم 1/ 306 - 307.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 239 (9113)، والدارقطني 2/ 194 من طريق محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وقال الدارقطني: إسناده حسن إلا أنه مرسل وقد وصله غير أبي بكر عن يحيى بن سليم إلا أنه جعله عن موسى بن عقبة، عن أبي الزبير عن جابر، ولا يثبت متصلًا. اهـ.
وكذا رواه البيهقي 2/ 259 من طريق الدارقطني، ونقل كلامه السالف وسكت عليه. لذا تعقبه ابن التركماني قائلًا: سكت عنه البيهقي، فهو رضًا به، وكيف يكون حسنًا وفي إسناده يحيى بن سليم الطائفي، قال البيهقي: كثير الوهم سيئ الحفظ، وفي "الكاشف" للذهبي: قال النسائي: منكر الحديث، وفي "الميزان" له: قال أحمد: رأيته يخلط في أحاديثه فتركته اهـ.
ورواه البيهقي 2/ 259 من حديث صالح بن كيسان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
وقال عقب حديث ابن المنكدر: روي من وجه آخر ضعيف عن ابن عمر مرفوعًا، ومن وجه آخر عن ابن عمرو مرفوعًا في جواز التفريق، ولا يصح شيء من ذلك.
(5)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 240 (7648)، والدارقطني 2/ 192 وقال: إسناده صحيح، والبيهقي 4/ 258، وزاد نسبته في "الدر" 1/ 348 لابن المنذر.
قلت: قد أخبرت بسقوطها فلا حكم لها حَتَّى تثبت القراءة وذلك حجة لنا، وناقض ابن حزم فادعى الوجوب لقوله:{وَسَارِعُوا} [آل عمران: 133]، ثم قال: فإن لم يفعل فيقضيها متفرقة؛ لقوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ولم يحد له حدًّا
(1)
.
وقال أبو عمر في "استذكاره": روى مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يقول به، يصوم قضاء رمضان متتابعًا من أفطر من مرض أو سفر
(2)
، وعن ابن شهاب: أن ابن عباس وأبا هريرة: اختلفا فقال أحدهما: يفرق، وقال الآخر: لا يفرق
(3)
، وعن يحيى بن سعيد، سمع ابن المسيب يقول: أحب إليَّ أن لا يفرق قضاء رمضان وإن تواتر
(4)
، قال أبو عمر: صح عندنا عن ابن عباس وأبي هريرة أنهما أجازا أن يفرق قضاء رمضان
(5)
.
وصحح الدارقطني إسناد حديث عائشة: نزلت {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} متتابعات، فسقطت متتابعات
(6)
.
وقال ابن قدامة: لم يثبت عندنا صحته، ولو صح فقد سقطت اللفظة وهي لا يحتج بها وإن صحَّ حملناه على الاستحباب والأفضلية
(7)
.
(1)
"المحلى" 6/ 261.
(2)
"الموطأ" ص 202 كتاب: الصيام، باب: ما جاء في قضاء رمضان.
(3)
"الموطأ" ص 202.
(4)
"الموطأ" ص 201.
(5)
رواه عبد الرزاق 4/ 243 - 245 (7664 - 7665، 7672 - 7673)، وابن أبي شيبة 2/ 293 (9114)، والبيهقي 4/ 258، وقد تقدم. وانظر:"الاستذكار" 10/ 177 - 179.
(6)
"سنن الدارقطني" 2/ 192، قد تقدم.
(7)
"المغني"409.
وقال غيره: لو ثبت كانت منسوخة لفظًا وحكمًا؛ ولهذا إنه لم يقرأ به في الشواذ، وادعى القرطبي أنها قراءة في قراءة ابن مسعود
(1)
.
وحديث أبي هريرة مرفوعًا: "من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه"
(2)
، أنكره ابن أبي حاتم على رواية عبد الرحمن بن
(1)
"الجامع لأحكام القرآن" 6/ 283.
(2)
رواه الدارقطني 2/ 191 - 192، والبيهقي 4/ 259 كتاب: الصيام، باب: قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقًا وإن شاء متتابعًا، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 99 - 100 (1131) من حديث حبان بن هلال، عن عبد الرحمن بن إبراهيم القاص، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، مرفوعًا.
قال الدارقطني: عبد الرحمن بن إبراهيم ضعيف الحديث، وقال البيهقي عبد الرحمن بن إبراهيم مدني قد ضعفه يحيى بن معين والنسائي والدارقطني، وأورده عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" 2/ 238 وقال: رواه عبد الرحمن بن إبراهيم، وقد أنكره عليه أبو حاتم ووثقه وضعف اهـ.
وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 3/ 259 في ترجمة عبد الرحمن بن إبراهيم القاص (4803): من مناكيره عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا:"من كان عليه صوم" .. الحديث.
وقد تعقب ابن القطان قول من قال: إن هذا الحديث أنكره أبو حاتم، فقال: لا يتعين أن يكون الذي أنكره أبو حاتم هو هذا الحديث بعينه، ولعله حديث آخر، ثم قال: اعلم أن هذا الحديث لا بأس به؛ لأن رجاله لا بأس بهم، وليس فيهم من يوضع فيه النظر إلا هذا القاص، وهو لا بأس به، وما جاء من ضعفه بحجة، واستضعافهم إياه، إنما هو بالقياس إلى غيره، فيقول قائلهم: ليس بالقوي.
وهذا الحكم في كل من يحفظ دون حفظ غيره وهم بلا شك متفاوتون، وحال هذا الرجل لا بأس بها.
قال ابن معين: عبد الرحمن بن إبراهيم القاص، مدني وهو ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به، أحاديثه مستقيمة، وقال البخاري: قال حبان: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، ثقة.
والمقصود أن تعلم أنه مختلف فيه، والحديث من روايته حسن والله أعلم اهـ =
إبراهيم القاص
(1)
. واختلف العلماء في المسافر والمريض إذا فرط في قضاء رمضان حَتَّى جاء رمضان آخر، فروي عن أبي هريرة وابن عباس أنه يصوم الذي حصل فيه فإذا خرج قضى ما كان عليه وعليه الفدية
(2)
، وهو قول عطاء والقاسم والزهري
(3)
، ومالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس عليه إلا القضاء فقط ولا إطعام عليه
(4)
، وحكاه البخاري عن إبراهيم وهو النخعي، وقال سعيد بن جبير وقتادة: يطعم ولا يقضي
(5)
، وحجة من
قال بالإطعام ما حكاه الطحاوي عن يحيى بن أكثم قال: فتشت عن أقاويل الصحابة في هذِه المسألة فوجدت عن ستة منهم قالوا: عليه
= "بيان الوهم والإيهام" 5/ 375 - 377 بتصرف.
وقال الحافظ رادًّا على ابن القطان ومضعفًا للحديث: قد صرح ابن أبي حاتم عن أبيه أنه أنكر هذا الحديث بعينه على عبد الرحمن عليه السلام "التلخيص الحبير" 2/ 206.
وقال الألباني في "تمام المنة" ص 424 جملة القول، أنه لا يصح في هذا الباب شيء لا سلبًا ولا إيجابًا.
(1)
"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم 5/ 211 في ترجمة عبد الرحمن بن إبراهيم القاص (977).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
رواه عن عطاءٍ، عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 234 (7622) كتاب: الصيام، باب: المريض في رمضان وقضائه. ورواه عن القاسم ابنُ أبي شيبة 2/ 295 (9146) كتاب: الصيام، من كان يقول: لا يفرقه. ورواه عن الزهري، عبد الرزاق 4/ 237 (7634).
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 21، "عيون المجالس" 2/ 649، "الأم" 2/ 88، "البيان" 3/ 451، "المغني" 4/ 400 - 401.
(5)
رواه عن سعيد بن جبير، ابن أبي شيبة 2/ 294 (9122) ما قالوا في تفريق رمضان. ورواه عن قتادة، عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 235 (7625) كتاب: الصيام، باب: المريض في رمضان وقضائه.
القضاء والفدية ولم أجد لهم مخالفًا، فإن قلت: فالشارع أمر الواطئ في رمضان بالقضاء على ما ورد كما مضى ولم يذكر له حدًّا، قلت: قد حدته عائشة هنا إلى شعبان فعلم أنه الوقت المضيق، فإذا ثبت أن للقضاء وقتًا يؤدى فيه ويفوت ثبتت الفدية؛ لأنه يشبه الحج الذي يفوت وقته. ألا ترى أن حجة القضاء إذا دخل (وقتها)
(1)
وفات وجب الدم، فكذا إذا فات الصوم وجبت الفدية، واختلفوا فيما يجب عليه إن لم يصح من مرضه حَتَّى دخل رمضان آخر المقبل، فقال ابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير: يصوم عن الثاني ويطعم عن الأول ولا قضاء عليه
(2)
، وقال الحسن والنخعي وطاوس والأوزاعي والثوري والأربعة وإسحاق: يصوم الثاني ويقضي الأول ولا فدية عليه؛ لأنه لم يفرط
(3)
.
تنبيهات:
أحدها: إنما حمل عائشة رضي الله عنها على قضاء رمضان في شعبان الأخذ بالرخصة والتوسعة؛ لأن ما بين رمضان عامها ورمضان العام المقبل وقت للقضاء، كما أن وقت الصلاة له طرفان، ومثله قوله عليه السلام:"ليس التفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة أن يؤخر صلاة حَتَّى يدخل وقت صلاة أخرى"
(4)
.
(1)
في الأصل: فيها.
(2)
رواه عن ابن عباس عبد الرزاق 4/ 237 (7630)، والدارقطني 2/ 196.
وعن ابن عمر، عبد الرزاق 4/ 235 (7623)، والدارقطني 2/ 196.
وعن سعيد بن جبير، عبد الرزاق 4/ 237 (7630) مقترنًا بابن عباس.
(3)
رواه عبد الرزاق 4/ 236، 241 (7626، 7654)، وذكره عنهم البيهقي 4/ 253 كتاب: الصيام، باب: المفطر يمكنه أن يصوم ففرط حتى جاء رمضان آخر.
(4)
قطعة من حديث طويل رواه مسلم (681) من حديث أبي قتادة، كتاب: المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها.
وقد بيَّنت السبب المقتضي للتأخير هو الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم هذا محل الرفع وهو الاستمتاع أو التصرف في حوائجه، وورد أنها قالت: كانت كل واحدة منهن مهيئة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إن أراد ذَلِكَ، ولا تدري متى يريده، ولم تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن، وقد يكون له حاجة فيها فتفوتها عليه وهذا من أدبهن، وقد اتفق العلماء على أن المرأة يحرم عليها صوم التطوع وبعلها حاضر إلا بإذنه؛ لحديث أبي هريرة الثابت في مسلم:"ولا تصوم إلا بإذنه"
(1)
وصومها من شعبان إنما كان؛ لأنه كان يصوم معظم شعبان
(2)
. وفي "علل ابن أبي حاتم": فما أقضيها إلا في شعبان من العام المقبل، وكان صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلا، قال أبي: هذِه الكلمة الأخيرة: كان يصوم شعبان إلا قليلا، لم يروها غير ابن إسحاق
(3)
.
قال الباجي في "منتقاه": والظاهر أنه ليس للزوج جبرها على تأخير القضاء إلى شعبان بخلاف صوم التطوع
(4)
.
(1)
مسلم (1026) كتاب: الزكاة، باب: ما أنفق العبد من مال مولاه.
(2)
انظر "مسلم بشرح النووي" 8/ 22، فقد أورد النووي هذا الكلام بتمامه، ويبدو أن المصنف قد نقله عنه، لكن النووي قال: وبقولها في الحديث الثاني: فما تقدر على أن تقضيه، ثم ساق باقي الكلام.
قلت: والحديث الذي أشار إليه النووي رواه مسلم (1146) كتاب: الصيام، باب: قضاء رمضان في شعبان.
(3)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 239 (695). وروى النسائي في "المجتبى" 4/ 200 - 201 كتاب: الصيام، باب: صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وفي "الكبرى" 2/ 120 (2664) من حديث ابن إسحاق عن يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله.
(4)
"المنتقى" 2/ 72.
ونقل القرطبي عن بعض أشياخه أن لها أن تقضي بغير إذنه؛ لأنه واجب، ويحمل الحديث على التطوع
(1)
.
ثانيها: قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن من قضى ما عليه من أيام رمضان في شعبان بعده فهو مؤدٍّ لفرضه غير مفرط
(2)
، قلت: وحديث أبي هريرة مرفوعًا: "من أدرك رمضان وعليه منه شيء لم يقضه لم يتقبل منه ومن صام تطوعًا وعليه شيء منه لم يقضه لم يتقبل منه"، ضعيف، كما نبه عليه ابن أبي حاتم في "علله"
(3)
.
ثالثها: الإطعام في ذَلِكَ مد لكل مسكين عند جمهور القائلين به، وقال أشهب: يطعم في غير المدينة مدًّا ونصفًا وهو قدر شبع أهل مصر
(4)
.
وقيل: إنه استحباب، وقال الثوري: يطعم نصف صاع.
(1)
"المفهم" 3/ 208.
(2)
"الاستذكار" 10/ 229.
(3)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 259 (768). والحديث رواه أحمد 2/ 352، والطبراني في "الأوسط" 3/ 321 (3285) وقال: لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة، وأورده الهيثمي في "المجمع" 3/ 149، 179 وقال في الموضع الأول: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه كلام! وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال في الثاني: هو حديث حسن!!
وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" 3/ 118 (2334): فيه عبد الله بن لهيعة.
قلت: ولم يزد على هذا، فكأنه يشير إلى ضعفه.
وضعفه الألباني في "الضعيفة"(838) فليراجع.
(4)
في "النوادر والزيادات" 2/ 54. قال أشهب: يجزئه مد لكل يوم بالمدينة ومكة، وليخرج بغيرها مدًا وثلثًا، يريد الوسط من شبع كل بلد.
رابعها: لو منعه مانع من قضائه بعد الإمكان فلا شيء عليه عند البغداديين من المالكيين، وقيل: إنه معنى ما في "المدونة" وفي رواية عيسى: نعم. وعن مالك: أنه إذا استمر المرض إلى الموت يطعم عنه، وقال ابن الماجشون: إذا غلب عنه حَتَّى جاء رمضان آخر كفر. حكاه ابن التين عنهم.
خامسها: قال الخطابي: إن للزوج منع زوجته من الخروج إلى الحج
(1)
.
قال ابن التين: يريد حج النافلة، قلت: لا بل له أن يمنعها من الحج الفرض على الأصح من مذهب الشافعي.
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 998.
41 - باب الحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلَافِ الرَّأْيِ، فَمَا يَجِدُ المُسْلِمُونَ بُدًّا مِنِ اتِّبَاعِهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ.
1951 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدٌ، عَنْ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا". [انظر: 304 - مسلم: 80 - فتح: 4/ 191]
ثم ساق حديث أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا".
هذا الحديث سلف في أثناء الحيض مطولًا
(1)
، وأثر أبي الزناد حسن بيِّن، وأبدله ابن بطال بأبي الدرداء فاجتنبه
(2)
، وهو أصل لترك الحائض الصوم والصلاة، وفيه من الفقه أن للمريض أن يترك الصيام وإن كان فيه نقص القوة إذا كان يدخل عليه المشقة والخوف. ألا ترى أن الحائض ليست تضعف عن الصيام ضعفًا قويًا، وإنما يشق عليها بعض المشقة من أجل نزف دمها وضعف النفس عند خروج الدم، معلوم ذَلِكَ من عادة البشر، فخفف بالترك وأمرت بإعادة الصيام عملًا بقوله:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} والنزف مرض، بخلاف الصلاة فإنها
(1)
سلف برقم (304) باب: ترك الحائض الصوم.
(2)
قلت: قاله أيضًا العيني في "عمدة القاري" 9/ 121 قال: أبدله ابن بطال بأبي الدرداء، يعني قائل هذا الكلام هو أبو الدرداء الصحابي. اهـ.
والذي في المطبوع من "شرح ابن بطال" 4/ 97: أبو الزناد، فيحتمل أنه كان في الأصل منه: أبو الدرداء، ونقله المحقق على الصواب، وأن المصنف رحمه الله والعيني قد نقلاه من الأصل الذي فيه أبو الدرداء. والله أعلم.
أكبر الفرائض وأكثرها ترددًا وكما يلزم من المحافظة على وضوئها والقيام إليها وإحضار النية للمناجاة {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ} [البقرة: 45] وهي التي حطها الله تعالى في أصل الفرض من خمسين إلى خمس فلو أمرت بإعادتها لتضاعف عليها الفرض؛ إذ المرأة نصف دهرها ونحوه حائض، فكأن الناس يصلون صلاة واحدة وتصلي هي في كل صلاة صلاتين.
فرع: طهرت قبل طلوع الفجر ونوت ليلًا، صح عندنا وعند مالك وأهل العراق
(1)
، وخالف ابن مسلمة فقال: تصومه وتقضيه.
فرع: طهرت في أثناء النهار لم يلزمها إتمامه خلافًا للأوزاعي، قال مالك: أوزاعِيُّكم يا أهل الشام كلّف فتكلف، وكان رجلًا صالحًا.
وقال ابن بطال
(2)
: اختلف الفقهاء في المرأة تطهر من حيضها في أثناء النهار، والمسافر يقدم والمريض يبرأ، فقال أبو حنيفة والأوزاعي وأحمد وإسحاق: يلزمهم كلهم الإمساك بقية النهار، وإن قدم المسافر مفطرًا فلا يطأ زوجته لعظم حرمة الشهر، وقال مالك والشافعي وأبو ثور: يأكلون بقية يومهم، وللمسافر المفطر يقدم وطء زوجته إذا وجدها طهرت من حيضها
(3)
، حجة الأولين قوله عليه السلام يوم عاشوراء:"من أكل فليمسك بقية نهاره"
(4)
فأمرهم بالإمساك مع الفطر، وهذا
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 34، "المدونة" 1/ 184.
(2)
إلى نهاية الباب نقله المصنف من "شرح ابن بطال" 4/ 98 - 99. بتصرف.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 24، "المدونة" 1/ 148، "روضة الطالبين" 2/ 372، 373، "مسائل أحمد برواية الكوسج" 1/ 285.
(4)
سلف برقم (1924) باب: إذا نوى بالنهار صومًا، ورواه مسلم (1135) كتاب: الصيام، باب: من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه.
المعنى موجود في الإقامة الطارئة في أثناء النهار، وحجة الباقين الآية {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وهؤلاء قد أفطروا فحكم الإفطار لهم باقٍ، والفطر رخصة للمسافر، ومن تمامها أن لا يجب عليه أكثر من يوم، فلو أمرناه بالإمساك والقضاء منعناه منها وأوجبنا عليه في بدل اليوم أكثر من يوم، والله تعالى إنما قال:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} لذلك الحائض كان يلزمها أكثر من يوم إنما يلزم الصيام من يصح منه الذي لا قضاء معه.
وأما صوم عاشوراء فإنما خوطبوا به إذ ذاك ولم يعلموا غيره، وأيضًا فإنهم متطوعون وأمره بالإمساك لهم على وجه الاستحباب.
42 - باب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ
وَقَالَ الحَسَنُ: إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ.
1952 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ". تَابَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو. وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ. [مسلم: 1147 - فتح: 4/ 192]
1953 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ:"نَعَمْ قَالَ: -فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى". قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقَالَ الحَكَمُ وَسَلَمَةُ، وَنَحْنُ جَمِيعًا جُلُوسٌ حِينَ حَدَّثَ مُسْلِمٌ بِهَذَا الحَدِيثِ، قَالَا: سَمِعْنَا مُجَاهِدًا يَذْكُرُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي خَالِدٍ: حَدَّثَنَا الأعمَشُ، عَنِ الَحكَمِ وَمُسْلِمِ البَطِينِ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطًاءٍ وَمُجَاهِدٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: قَالَتِ امْرَأة لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ. وَقَالَ يَحْيَى وَأَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: قَالَتِ امْرَأة لِلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ الَحكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: قَالَتِ امْرَأه لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ. وَقَالَ أبو حَرِيزٍ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: قَالَتِ امْرَأة لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَاتَتْ أمِّي وَعَلَيْهَا صَوْمُ خمسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. [مسلم: 1148 - فتح: 4/ 192]
ثم ذكر حديث عائشة أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "منْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَليُّهُ".
وإسناده ثماني وهو غريب في البخاري، والذي بعده سباعي وشيخه محمد بن خالد هو أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي، مولاهم النيسابوري، مات
(1)
بعد البخاري، وقد أخرجه مسلم أيضًا
(2)
. ثم قال: تابعه ابن وهب، عن عمرو ورواه يحيى بن أيوب، عن ابن أبي جعفر.
وحديث ابن عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ:"نَعَمْ فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى". قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقَالَ الحَكَمُ وَسَلَمَةُ، وَنَحْنُ جَمِيعًا جُلُوسٌ حِينَ حَدَّثَ مُسْلِمٌ بهذا الحَدِيثِ، قَالَا: سَمِعْنَا مُجَاهِدًا يَذْكُرُ هذا عَنِ ابن عَبَّاسٍ.
وَيُذْكَرُ
(3)
عَنْ أَبِي خَالِدٍ: ثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الحَكَمِ وَمُسْلِمٍ البَطِينِ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ، عَنِ ابن عَباسٍ: قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ. وَقَالَ يَحْيَى
(4)
وَأَبُو مُعَاوِيَةَ: ثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ. وَقَالَ
(5)
عُبَيْدُ اللهِ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ. وَقَالَ
(6)
أَبُو حَرِيزٍ: حدثني عِكْرِمَةُ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ: إنَّ أمي ماتت وَعَلَيْهَا
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: توفي سنة 258 وله 86 سنة.
(2)
مسلم (1147) باب: قضاء الصيام عن الميت.
(3)
في الأصل كتب فوقها: معلق كذا.
(4)
في الأصل كتب فوقها: كذا معلق.
(5)
مثل سابقه.
(6)
مثل سابقه.
صَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
الشرح:
أثر الحسن غريب وهو فرع ليس في مذهبنا، وهو الظاهر كما لو استؤجر عنه بعد موته من يحج عنه عن فرض استطاعته، وآخر يحج عنه عن قضائه، وآخر عن نذره في سنة واحدة فإنه يجوز.
وحديث عائشة أخرجه مسلم أيضًا، ومتابعة ابن وهب رواها مسلم عن هارون الأيلي وأحمد بن عيسى، عن ابن وهب
(1)
. وطريق يحيى بن عبيد الله بن أبي جعفر أخرجها البيهقي من حديث عمرو بن الربيع بن طارق، عن يحيى به
(2)
، ومحمد بن خالد سلف، وما ذكرناه فيه هو ما ذكره أبو علي الجياني عن أبي نصر والحاكم
(3)
، واقتصر عليه الدمياطي وغيره ولم يصرح البخاري باسمه في شيء من "الجامع".
وقال ابن عدي في "شيوخ البخاري": محمد
(4)
بن خالد بن جبلة الرافقي
(5)
وقال ابن عساكر: قيل إن البخاري روى عنه، وقال أبو نعيم في "مستخرجه": رواه -يعني: البخاري- عن محمد بن خالد بن خلِّي (س)
(6)
وهو غريب، وعبيد الله بن أبي جعفر المذكور في إسناده: هو أبو بكر المصري أحد الإعلام. وقال مهنا: سألت أحمد عن حديث
(1)
مسلم (1147) باب: قضاء الصيام عن الميت.
(2)
"سنن البيهقي الكبرى" 4/ 255 كتاب: الصيام، باب: من قال يصوم عنه وليه.
(3)
"تقييد المهمل" 3/ 1054 - 1055.
(4)
في هامش الأصل: ولم يرو البخاري عن محمد بن خالد بن جبلة، ولم يرو عنه غير النسائي، والصحيح في اسمه محمد بن جبلة وقيل: محمد بن خالد بن جبلة.
(5)
"شيوخ البخاري" ص 191 (219). ط. دار البشائر الإسلامية.
(6)
في هامش الأصل: لم نر في البخاري محمد بن خالد بن خليّ ولا روى له إلا النسائي فاعلمه.
عبيد الله هذا فذكر الحديث فقال: ليس بمحفوظ وهذا من قبيل عبيد الله بن أبي جعفر هو منكر الأحاديث، كان فقيهًا، وأما الحديث فليس فيه بذاك.
وحديث ابن عباس أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وتعليق أبي خالد أخرجه مسلم عن أبي سعيد الأشج، عن أبي خالد الأحمر
(2)
، وللترمذي -وقال: صحيح-: حَدَّثَنَا أبو سعيد وأبو كريب، عن أبي خالد -بإسقاط الحكم-: وعليها صوم شهرين متتابعين، وكذا للنسائي
(3)
.
وقال البخاري فيما نقله الترمذي عنه في "علله": جوده أبو خالد، واستحسنه جدًّا، قال: وروى بعض أصحاب الأعمش مثل ما روى (أبو خالد)
(4)
.
وتعليق يحيى وأبي معاوية أخرجهما أبو داود في طريق ابن العبد وغيره عن مسدد، عن يحيى وهو ابن سعيد، وحَدَّثَنَا محمد بن العلاء، عن أبي معاوية به
(5)
، وفي حديث أبي بشر، عن ابن جبير عنه: أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهرًا فنجاها الله فلم تصم حَتَّى ماتت، فجاءت بنتها أو أختها إلى رسول الله
(6)
.
(1)
مسلم (1148).
(2)
مسلم (1148/ 155).
(3)
الترمذي (716 - 717) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الصوم عن الميت، النسائي في "الكبرى" 2/ 173 - 174 (2914) كتاب: الصيام، باب: صوم الحي عن الميت.
(4)
في الأصل: أبو خيثمة والصواب ما أثبتناه. "علل الترمذي الكبير" 1/ 339 - 340.
(5)
أبو داود (3310) كتاب: الأيمان والنذور، باب: ما جاء فيمن مات وعليه صيام صام عنه وليه.
(6)
أبو داود (3308) باب: في قضاء النذر عن الميت.
وتعليق عبيد الله أخرجه مسلم من حديث زكرياء بن أبي زائدة، عن عبيد الله
(1)
بن عمرو الرقي به
(2)
، وتعليق أبي حريز أخرجه البيهقي من حديث الفضيل عنه، وفيه: امرأة من خثعم
(3)
، وأبو حريز: هو قاضي سجستان عبد الله بن الحسين الأزدي، مختلف فيه، وثق، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد، وجاء عنه أنه يؤمن بالرجعة
(4)
. وفي أفراد مسلم من حديث بريدة قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت: يا رسول الله إن أمي كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: "صومي عنها"
(5)
.
إذا تقرر ذَلِكَ فمن مات وعليه صوم فاته بعذر ولم يتمكن منه فلا تدارك له ولا إثم، وأبعد أبو يحيى البلخي -فيما حكاه القاضي
(1)
في متن الأصل: عبد الله، وصوبه في الهامش بقوله: صوابه عبيد الله.
(2)
مسلم (1148/ 156) وفيه من حديث زكرياء بن عبدي، ليس زكرياء بن أبي زائدة كما ذكر المصنف، وهو الصواب؛ لأن زكرياء الذي يروي عن عبيد الله بن عمرو الرقي هو ابن عدي، انظر ترجمتهما في "تهذيب الكمال" 9/ 359 (1992)، 9/ 364 (1994).
(3)
"سنن البيهقي" 4/ 256.
(4)
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: منكر الحديث، وسئل عنه أيضًا فقال: يحيى بن سعيد كان يحمل عليه، لا أراه إلا كما قال، وقال يحيى بن معين: ثقة، وفي رواية عنه قال: ضعيف، ووثقه أبو زرعة، وقال أبو حاتم: حسن الحديث، ليس بمنكر الحديث، يكتب حديثه، وقال أبو داود: ليس حديثه بشيء، وضعفه النسائي، وقال الحافظ في "التقريب" (3276): صدوق يخطئ.
انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 5/ 72 (187)، و"الجرح والتعديل" 5/ 34 (153)، و"الكامل" لابن عدي 5/ 260 (981)، و"تهذيب الكمال" 14/ 420 (3227).
(5)
مسلم (1149) باب: قضاء الصيام عن الميت.
الحسين- أنه تجب عليه الكفارة والحالة هذِه، فإن فاته بغير عذرٍ أو به وتمكن ففي صوم الولي عنه قولان للعلماء:
أحدهما: يصوم عنه وليه، وهو قول طاوس
(1)
، والحسن
(2)
، والزهري
(3)
، وقتادة
(4)
، وبه قال أبو ثور وأهل الظاهر
(5)
واحتجوا بأحاديث الباب، قال محمد بن عبد الحكم: ولا أرى بأسًا به.
وفيه قول ثانٍ: أنه يصوم عنه في النذر خاصة ويطعم عنه في قضاء رمضان، وهو قول أحمد والليث وإسحاق وأبي عبيد وحكاه ابن قدامة عن ابن عباس وأبي ثور
(6)
.
والثاني: لا يصوم أحد عن أحد، وهو قول ابن عمر
(7)
، وابن عباس
(8)
، وعائشة
(9)
، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 239 (4646) كتاب: الصيام، باب: المريض في رمضان وقضائه.
(2)
ذكره البيهقي 4/ 257، وابن حزم في "المحلى" 5/ 167 عن الحسن بن حي، وابن عبد البر في "التمهيد" 9/ 28.
(3)
رواه عبد الرزاق 4/ 240 (7648).
(4)
ذكره البيهقي 4/ 257.
(5)
انظر: "المحلى" 7/ 2.
(6)
انظر: "المغني" 4/ 398، "مسائل أحمد برواية الكوسج" 1/ 288.
(7)
رواه البيهقي 4/ 254.
(8)
رواه النسائي في "الكبرى" 2/ 175 (2918) كتاب: الصيام، باب: صوم الحي عن الميت، وقال ابن التركماني: سنده صحيح على شرط الشيخين خلا ابن عبد الأعلى فإنه على شرط مسلم اهـ "سنن البيهقي" 4/ 258.
(9)
رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 3/ 23 (1398)"تحفة"، وقال ابن التركماني كما في حاشية "سنن البيهقي" 4/ 258: إسناده صحيح.
وعزاه إلى الجمهور القاضي عياض
(1)
، وابن قدامة
(2)
، وحجة هؤلاء: أن ابن عباس لم يخالف في فتواه ما رواه إلا لنسخ علمه، لكن العبرة بما رواه على الأصح وكذلك روى عبد العزيز بن رُفيع، عن عمرة، عن عائشة أنها قالت: يطعم عنه في قضاء رمضان ولا يصام عنه
(3)
، ولهذا قال أحمد: إن معنى حديث ابن عباس في النذر دون القضاء من أجل فتيا ابن عباس، وقد ذكره البخاري في بعض طرقه في الباب، وقال أبو داود في حديث عائشة: معناه في النذر
(4)
.
ومعنى الأحاديث: الأول: أن يفعل عنه وليه ما يقوم مقام الصيام وهو الإطعام، وقد جاء مثل ذَلِكَ في قوله عليه السلام:"الصعيد الطيب وضوء المسلم"
(5)
فسمي التراب وهو بدل باسم مبدله وهو الوضوء
(1)
"إكمال المعلم" 4/ 104 - 105.
(2)
انظر: "المبسوط" 3/ 89، "عيون المجالس" 2/ 650، "الأم" 2/ 89، "المغني" 4/ 398.
(3)
رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 3/ 23 (1398) تحفة، وذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 9/ 29.
(4)
"سنن أبي داود" 1/ 370 بعد حديث (2400).
(5)
رواه أبو داود (332) في الطهارة، باب: الجنب يتيمم. الترمذي (124) في الطهارة، باب التيمم للجنب إذا لم يجد الماء، والنسائي 1/ 171 في الطهارة، باب: الصلوات بتيمم واحد، وأحمد 5/ 155، 5/ 180، والطيالسي 1/ 389 - 390 (486)، وعبد الرزاق في "المصنف" 1/ 238 (913) كتاب: الطهارة، باب: الرجل يعزب عن الماء، والبزار في "البحر الزخار" 9/ 387 - 389 (3973 - 3974)، وابن المنذر في "الأوسط" 1/ 257، 175، وابن حبان 4/ 135 - 140 (1311 - 1313) كتاب: الطهارة، باب: التيمم، والدارقطني 1/ 186 - 187، والحاكم في "المستدرك" 1/ 176 - 177 كتاب: الطهارة -وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، والبيهقي 1/ 7 كتاب: الطهارة، باب: منع التطهير بما عدا الماء من المائعات، و 1/ 212 باب: التيمم بالصعيد الطيب. من =
فيصيرون كأنهم صاموا عنه، ولو جاز أن يقضي عمل البدن عن ميت قد فاته ذَلِكَ العمل لقيل به في الصلاة، والإجماع على خلافه، كما نقله أبو عمر
(1)
وألزم به في الإيمان أيضًا، ولو ساغ لكان الشارع فعله عن عمه أبي طالب، وقام الإجماع على منعه، وإنما وقع الاختلاف في الصوم والحج فيجب أن يرد حكم ما اختلف فيه إلى ما اتفق عليه، ولما لم يجز الصيام عن الشيخ الهرم في حياته كان بعد وفاته أولى ألا يجوز.
وذهب الكوفيون والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور إلى أنه واجب أن يطعم عنه من رأس ماله وإن لم يوص إلا أبا حنيفة فإنه قال: يسقط ذَلِكَ عنه بالموت.
وقال مالك: الإطعام غير واجب على الورثة إلا أن يوصى به ففي ثلثه
(2)
، فإن قلت: من أوجب الإطعام فإنما هو لتشبيهه عليه السلام بالدَّين.
قلت: هو حجة لنا؛ لأنه قال: أفأقضيه عنها؟ ونحن نقول: قضاؤه أن يطعم عن كل يوم مسكينًا، وأما حديث ابن عمر مرفوعًا:"من مات وعليه صيام فليطعم عنه مكان كل يوم ممسكينًا" فأخرجه ابن ماجه
= حديث أبي ذر مطولًا مختصرًا. وصححه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 3/ 327 - 328، 5/ 266 - 267، وقال الحافظ في "فتح الباري" 1/ 235: إسناده قوي، وقال في 1/ 446: صححه الترمذي وابن حبان والدارقطني. اهـ.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" 358 - 359 وفيه بحث نفيس فليراجع.
وفي الباب عن أبي هريرة رواه البزار كما في "كشف الأستار"(310) وصححه ابن القطان في "بيانه" 5/ 266 - 267، وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 261: رجاله رجال الصحيح.
(1)
"التمهيد" 22/ 154.
(2)
"المدونة" 1/ 187.
والترمذي وصحح وقفه على راويه
(1)
، وقال البيهقي: ثبت بهذِه
(1)
الترمذي (718) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الكفارة من طريق عبثر بن القاسم، عن أشعث، عن محمد -هكذا مهملًا-، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا، وقال الترمذي: حديث ابن عمر لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، والصحيح عن ابن عمر موقوف قوله، وأشعث هو ابن سوار، ومحمد هو عندي ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى. اهـ.
وابن ماجه (1757) كتاب: الصيام، باب: من مات وعليه صيام رمضان قد فرط فيه، من طريق عبثر، عن أشعث، عن محمد بن سيرين، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا.
ورواه ابن عدي في "الكامل" 2/ 44 في ترجمة أشعث بن سوار، من طريق عبثر بن القاسم -أبو زبيد-، عن أشعث، عن محمد لا يدري أبو زبيد- قلت: يقصد عبثر، عن محمد، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا.
ثم قال: هذا الحديث لا أعلمه رواه عن أشعث غير عبثر، ومحمد المذكور في هذا الإسناد هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأشعث في الجملة يكتب حديثه، وأشعث بن عبد الملك خير منه. اهـ.
قلت: فوافق ابن عدي الترمذي في تسمية محمد.
ورواه البيهقي 4/ 254 عن ابن عمر موقوفًا وقال: هذا هو الصحيح، وقد رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع فأخطأ فيه، ثم رواه من هذا الطريق عن ابن عمر مرفوعًا.
وقال: رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ، وإنما هو من قول ابن عمر. اهـ.
ورواه ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 98 (1123) من طريق الترمذي، وقال: أشعث هو ابن سوار، وكان ابن مهدي يخط على حديثه، وقال يحيى: لا شيء، وفي رواية: هو ثقة، ومحمد هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ضعيف مضطرب الحديث اهـ.
ورواه الذهبي في "ميزان الاعتدال" 1/ 246 - 265 بسنده في ترجمة أشعث بن سوار (996) وقال: الصحيح موقوف.
قال المصنف رحمه الله: رواه الترمذي من حديث محمد، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا، وابن ماجه من حديث محمد بن سيرين عن نافع به، وهو وهم؛ وإنما =
الأحاديث جواز الصوم عن الميت وكان الشافعي في القديم قال: روي في الصوم عن الميت شيء فإن كان ثابتًا صيم عنه كما يحج عنه، وأما في الجديد فإنه سأل عن نفسه فقال: فإن قيل: فروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصوم عن أحد، قيل: نعم، رواه ابن عباس
(1)
، فإن قيل: لم لا نأخذ به،
= هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال الترمذي: أشعث هو ابن سوار، ومحمد هو ابن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، قلت: وكلاهما ضعيف، أما أشعث بن سوار فالأكثر على أنه غير مرضي ولا مختار، وأما ابن أبي ليلى فصدوق سيئ الحفظ ضعفه ابن معين والنسائي وأبو حاتم، والصحيح أنه موقوف على ابن عمر، قال الدارقطني: المحفوظ وقفه على ابن عمر اهـ "البدر المنير" 5/ 730 - 731، وقال في "خلاصة البدر" 1/ 330: رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد ضعيف، والمحفوظ وقفه على ابن عمر اهـ.
وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" 2/ 209: وقع عند ابن ماجه عن محمد بن سيرين بدل محمد بن عبد الرحمن، وهو وهم منه أو من شيخه اهـ.
والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(389)، و"ضعيف الجامع الصغير"(5853).
تنبيهان: الأول: قال ابن التركماني: فهم البيهقي أن محمدًا الذي روى عنه أشعث هذا الحديث هو ابن أبي ليلى، وكذا صرح الترمذي به، وقد أخرج ابن ماجه هذا الحديث بسند صحيح عن أشعث، عن محمد بن سيرين، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا، فإن صح هذا فقد تابع ابنُ سيرين ابنَ أبي ليلى على رفعه فلقائل أن يمنع الوقف. اهـ "سنن البيهقي" 4/ 254.
قلت: الحديث ليس سنده صحيحًا كما قال، وإنما هو ضعيف كما أسلفنا، وتسمية محمد في سند ابن ماجه أنه ابن سيرين وهم كما نبه عليه المصنف رحمه الله وكذا الحافظ، كما سلف فلا تصلح رواية ابن سيرين أن تكون متابعة لابن أبي ليلى.
الثاني: قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تخريج "سنن الترمذي" 3/ 87 (718): لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة سوى الترمذي.
قلت: الحديث مخرج عند ابن ماجه كما أسلفناه.
(1)
والصحيح أنه موقوف على ابن عباس، كما سيأتي تخريجه قريبًا.
قيل: حديث الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن رسول الله نذرًا
(1)
، ولم يسمه مع حفظ الزهري وطول مجالسته عبيد الله أشبه أن لا يكون محفوظًا، يعني: حديث عبيد الله، المُخرَّج عند البخاري عن ابن عباس: أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر فقال: "اقضه عنها"
(2)
. ووقع في رواية ابن جبير: أن امرأة سألت، فالأشبه أن تكون هذِه القصة التي وقع السؤال فيها عن الصوم قضاءً غير قصة سعد التي فيها النذر مطلقًا، كيف وقد روي عن عائشة مرفوعًا النص في جواز الصوم عن الميت؟
وقد رأيت بعض أصحابنا يضعف حديث ابن عباس بما روى -يعني النسائي- عن محمد بن عبد الأعلى بإسناده إلى ابن عباس أنه قال: لا يصوم أحد عن أحد ويطعم عنه
(3)
. وبما رويناه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن ابن عباس في الإطعام عمن مات وعليه صوم شهر رمضان وصيام نذر
(4)
، وفي رواية ميمون بن مهران، عن عبد الله وأبي حصين، عن ابن جبير، عن عبد الله أنه قال في صيام رمضان: أطعم، وفي النذر: قضى عنه وليه، ورواية ميمون وسعيد توافق الرواية عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النذر إلا أن الروايتين
(1)
سيأتي برقم (2761) كتاب: الوصايا، باب: ما يستحب لمن توفي فجاة أن يتصدقوا عنه وقضاء النذور عن الميت، ورواه مسلم (1638) كتاب: النذر، باب: الأمر بقضاء النذور.
(2)
سيأتي برقم (2761).
(3)
"السنن الكبرى" 2/ 175 (2918) وسنده صحيح كما سيأتي قريبًا.
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 240 (7650) كتاب: الصيام، باب: المريض في رمضان وقضائه، والبيهقي 4/ 254 كتاب: الصيام، باب: من قال يصوم عنه وليه.
الأوليين يخالفانها، ورأيت بعضهم ضعّف حديث عائشة أي: الذي في الباب بما روي عن عمارة بن عمير، عن امرأة، عن عائشة في امرأة ماتت وعليها الصوم، قالت: يطعم عنها
(1)
، وروي من وجه آخر عن عائشة أنها قالت: لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم، وفيما روي عنها في النهي عن الصوم عن الميت نظر، والأحاديث المرفوعة أصح إسنادًا وأشهر رجالًا، وقد أودعها صاحبا الصحيح كتابيهما، ولو وقف الشافعي على جميع طرقها وتظاهرها لم يخالفها، وممن رأى جواز الصيام عنه الحسن وغيره كما سلف
(2)
.
قلت: وحديث الإطعام لا يقاوم هذِه الأحاديث، وعلى تقديره يحمل على الجواز، والولي: كل قريب -على المختار- سواء كان وارثًا أو عصبة أو غيرهما على الأصح، ولو صام عنه أجنبي بإذن الولي صح لا مستقلًا في الأصح، وعن الأوزاعي والثوري قول آخر: أنه يطعم عنه وليه فإن لم يجد صام، وحكى ابن حزم الاتفاق على أن من حج عن غيره يصلي ركعتي الطواف عنه
(3)
.
قلت: وصحح أصحابنا أنها تقع عن الميت، لكن على سبيل التبعية، وقد أسلفنا الإجماع في الصلاة، وهو ما نقله ابن عبد البر حيث قال: أجمع المسلمون أنه لا يصلي أحد عن أحد فرضًا عليه ولا نفلًا في حياته ولا موته
(4)
.
(1)
رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 3/ 23 (1398) تحفة، والبيهقي 4/ 257.
(2)
"سنن البيهقي" 4/ 257 - 258 كتاب: الصيام، باب: من قال: يصوم عنه وليه. بتصرف وحذف للأسانيد.
(3)
"المحلى" 8/ 7.
(4)
"التمهيد" 9/ 29.
وقال ابن يونس -من أصحابنا- لما فرع على القديم: أنه يصام عنه، وقيل: إنه يتفرع عليه أيضًا قضاء الصلاة والاعتكاف وهو مذهب أحمد في الصلاة النافلة، حكاه غير واحد من أصحابه، قال ابن عبد البر: وأجمعوا على أنه لا يصوم أحد عن أحد في حياته
(1)
. وإنما الخلاف بعد موته.
تنبيهات:
أحدها: إنما لم يقل بحديث ابن عباس لأمور ذكرها القرطبي (أحدها)
(2)
: أن عمل أهل المدينة ليس عليه، ثانيها: أنه حديث اختلف في إسناده قتيبة
(3)
، قلت: لا يضره فإن من أسنده أئمة ثقات.
ثالثها: أنه رواه أبو بكر البزار، وقال في آخره:"لمن شاء"
(4)
، وهذا
(1)
"التمهيد" 9/ 27، 29.
(2)
ليست في الأصل.
(3)
"المفهم" للقرطبي 3/ 209.
(4)
رواه البزار كما في "كشف الأستار"(1023) من حديث ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة مرفوعًا:"من مات وعليه صيام فليصم عنه وليه إن شاء".
قال البزار: لا نعلمه عن عائشة إلا من حديث عبيد الله، ورواه عنه يحيى بن أيوب وابن لهيعة. وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 179: هو في الصحيح خلا قوله: إن شاء، وإسناده حسن. قال المصنف رحمه الله زاد البزار: إن شاء، وفي إسنادها ابن لهيعة وهو معروف الحال -قلت: يشير إلى ضعفه واختلاطه- ودونه يحيى بن كثير الزيادي، وهو ضعيف عندهم اهـ "البدر المنير" 5/ 732.
وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" 2/ 209: زيادة ضعيفة؛ لأنها من طريق ابن لهيعة، وقال الألباني: هذِه الزيادة ضعيفة منكرة فإن مدارها على ابن لهيعة وهو ضعيف، والمؤلف -قلت: يقصد صاحب فقه السنة- كأنه تبع في تحسينها صديق خان في "الروضة" وهو تبع الهيثمي في "المجمع" وهو خطأ أو تساهل منهم جميعًا اهـ "تمام المنة" ص: 427 - 428.
يرفع الوجوب الذي قالوا به
(1)
.
قلت: هذِه زيادة اْخرجها من طريق ابن لهيعة ويحيى بن أيوب، وكلاهما معلوم. رابعها: أنه معارض لقوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وقوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164، والإسراء: 15، وفاطر: 18، والزمر: 7]. وقوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} [النجم: 39]
(2)
.
قلت: هذِه والتي قبلها في قوم إبراهيم وموسى بدليل ما قبلهما.
خامسها: أنه معارض لما خرَّجه النسائي، عن ابن عباس مرفوعًا: "لا
يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مُدًّا من حنطة"
(3)
.
قلت: ما في الصحيح هو العمدة وقد سلف في رأيه: أن العبرة بما رواه، أي: صحيحًا
(4)
. سادسها: أنه معارض للقياس الجلي وهو أنه عبادة بدنية فلا مدخل للمال فيها، ولا يفعل عمن وجبت عليه كالصلاة ولا ينقض هذا بالحج؛ لأن للمال فيه مدخلًا
(5)
.
(1)
"المفهم" 3/ 209.
(2)
السابق 3/ 209.
(3)
السابق 3/ 209. والحديث رواه النسائي في "الكبرى" 2/ 175 (2918) كتاب: الصيام، صوم الحي عن الميت، من حديث عطاء عن ابن عباس، موقوفًا، ومن طريقه ابن عبد البر في "التمهيد" 9/ 27.
قال الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 463: غريب مرفوعًا، روي موقوفًا على ابن عباس، وقال الحافظ في "الدراية" 1/ 283: إسناده صحيح، ولم أجده مرفوعًا، وأورده موقوفًا في "الفتح" 11/ 584 وفي "التلخيص" 2/ 209 وقال: إسناده صحيح، وأورده أيضًا المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 3/ 335 موقوفًا، وقال: إسناده صحيح.
(4)
وقع في متن الأصل: قد سلف أن العبرة بما رواه لا بما رآه. وعلم عليها (لا .. إلى).
(5)
"المفهم" 3/ 209.
ثانيها: قوله: ("لو كان على أمك دين أكنت قاضيته") مشعر بأن ذَلِكَ على الندب لمن طابت به نفسه؛ لأنه لا يجب على ولي الميت أن يؤدي من ماله عن الميت دينًا بالاتفاق، ولكن من تبرع به انتفع به الميت وبرئت ذمته، ويمكن أن يقال: إن مقصود الشرع أن ولي الميت إذا عمل العمل بنفسه من صوم أو حج أو غيره فصيّره للميت انتفع به الميت ووصل إليه ثوابه، وذلك أنه عليه السلام شبه قضاء الصوم بقضاء الدين عنه
(1)
.
ثالثها: قال ابن قدامة: إذا مات قبل إمكان الصيام إما لضيق الوقت أو لعذر شرعي فلا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم، وعن طاوس وقتادة: يجب الإطعام عنه
(2)
، وهو نظير مقالة أبي يحيى البلخي السالفة.
رابعها: فيه صحة القياس وقضاء الدين عن الميت وقد قام الإجماع عليه، فلو اجتمع دين الله ودين الآدمي قدم دين الله على أصح الأقوال لقوله:"فدين الله أحق".
ثانيها: يقدم دين الآدمي، ثالثها: يقسم بينهما.
خامسها: أغرب ابن حزم فقال: من مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان أو نذر أو كفارة واجبة ففرض على أوليائه أن يصوموه عنه هم أو بعضهم ولا إطعام في ذَلِكَ أصلًا، أوصى بذلك أو لم يوص به ويبدأ به على ديون الناس
(3)
.
سادسها: في الحديث: إن أمي عليها صوم شهر، وفي الأخرى: صوم نذر، وفي أخرى: إن أختي، وليس اضطرابًا خلاف قول
(1)
"المفهم" 3/ 210.
(2)
رواه عنهما عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 238 (7636 - 7637) كتاب: الصيام، باب: المريض في رمضان وقضائه.
(3)
"المحلى" 7/ 2.
عبد الملك: إنه اضطراب عظيم يدل على وهم الرواة وبدونه يعلّ الحديث. ولقد أصاب الداودي فقال: ليس هذا مما يضعفه، وقد يحتمل أن يكون هؤلاء كلهم سألوه، وروى في بعض الأوقات عن بعضهم وفي بعضها عن الآخرين قال: ولعل مالكًا لم يبلغه هذا الحديث أو ضعفه لما في سنده من الخلاف
(1)
.
(1)
في هامش الأصل: ثم بلغ في التاسع بعد الأربعين، كتبه مؤلفه.
43 - باب مَتَى يَحِلُّ فِطْرُ الصَّائِمِ
؟
وَأَفْطَرَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ حِينَ غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ.
1954 -
حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". [مسلم: 1100 - فتح: 4/ 196]
1955 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِبَعْضِ القَوْمِ:"يَا فُلَانُ، قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَمْسَيْتَ. قَالَ:"انْزِلْ، فَاجْدَحْ لَنَا". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَلَوْ أَمْسَيْتَ. قَالَ: "انْزِلْ، فَاجْدَحْ لَنَا". قَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا. قَالَ: "انْزِلْ، فَاجْدَحْ لَنَا". فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:"إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". [انظر: 1941 - مسلم: 1101 - فتح: 4/ 196]
ذكر فيه حديث عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل من ها هنا .. " الحديث. وحديث ابن أبي أو في السالف في باب: الصوم في السفر.
وحديث عمر أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
قال الترمذي: لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وإسناده صحيح، وفي الباب عن أبي سعد الخير يعني: أن الله عز وجل لم يكتب على الليل الصيام، فمن صام فليتعن ولا أجر له
(2)
،
(1)
مسلم (1100).
(2)
كلام الترمذي هذا لم أجده في مطبوع "السنن" ولعله في نسخة أخرى. قال المزي =
وقال في "علله": سألت البخاري عنه، فقال: أراه مرسلًا وقال: أُرى عبادة سمع من أبي سعيد، وأبو فروة صدوق إلا أن ابنه محمدًا روى عنه أحاديث مناكير
(1)
.
وفي "علل ابن أبي حاتم" قال أبي: الصحيح: أبو سعيد الخير
(2)
.
= في "تحفة الأشراف" 8/ 34: وقال الترمذي: صحيح، وقال في موضع آخر: لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وإسناده صحيح.
وأما حديث أبي سعد الخير فرواه الترمذي في "العلل الكبير" 1/ 338 - 339، والدولابي في "الكنى" 1/ 63 (239)، وابن عدي في "الكامل" 9/ 155، والحافظ في "موافقة الخبر الخبر" 1/ 77 من طريق أبي فروة يزيد بن سنان الرهاوي عن معقل الكناني [وقال بعضهم: الكندي] عن عبادة بن نسي عن أبي سعد [وقال بعضهم: أبي سعيد] الخير، مرفوعًا به.
وعزاه السيوطي في "الجامع الصغير"(1785)، والمتقي الهندي في "الكبير" 8/ 518 (23925) لابن قانع والشيرازي في "الألقاب".
(1)
"علل الترمذي الكبير" 1/ 339. ووقع في الأصول: أرى عبادة سمع من أبي سعيد، وفي "العلل": من أبي سعد.
(2)
"العلل" 1/ 225 - 226 (656) ط. دار المعرفة. ووقع في الأصول أيضًا: أبو سعيد الخير، وكذا في "العلل" من الطبعة المذكورة، ووقع في "العلل" ط. دار ابن حزم، وط. الفاروق الحديثة: أبو سعد.
وقال محقق الطبعة الأولى: كذا قرأتها من الأصل وهي مشتبهة بـ (سعيد) جدًّا، وفي بقية النسخ: سعيد. وقال محقق الطبعة الثانية: وقع في (ت): أبو سعيد، وهو خطأ.
وانظر: "الإصابة" 4/ 86 ففيه تفصيل.
قال الحافظ: قال ابن منده: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ثم قال: ومعقل الكناني لا أعرفه: لا في هذا الحديث وقد ذكره البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان فلم يعرفوه بأكثر مما في هذا الإسناد، وعبادة بن نسي شامي تابعي ثقة مشهور. اهـ. "موافقة الخبر" 1/ 77 - 78 بتصرف.
والحديث رمز السيوطي لضعفه في "الجامع الصغير"(1785)، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(3083)، وفي "ضعيف الجامع"(1644).
وقوله: "إذا أقبل الليل من ها هنا" إلى آخر الأمور الثلاثة، وإذا وجد واحد منها وجد الباقي وجمعت في الذكر؛ لأن الناظر قد لا يرى الغروب لحائل، ويرى ظلمة الليل في المشرق، وقد قام الإجماع على أنه إذا غربت الشمس حل فطر الصائم، وذلك آخر النهار وأول أوقات الليل.
ومعنى "أفطر": أي حُكمًا، أو دخل فيه كأنجد وأتهم إذا دخلهما، وعلى هذا لا يكون فيه تعرض للوصال بنفي، ولا إثبات، وعلى الحكمي فيه أن زمن الليل يستحيل فيه الصيام شرعًا ويخرج على ذَلِكَ خلاف العلماء في صحة إمساك ما بعد الغروب فمنهم من قال: لا يصح وهو كيوم الفطر ومنع الوصال، وقال: لا يصح ومنهم من جوز إمساك ذَلِكَ الوقت، ورأى أن له أجر الصائم محتجًّا بأحاديث الوصال إلى الفجر.
وقال الطبري: قوله: "فقد أفطر" هو عزم عليه أن يكون معتقد أنه مفطر وإن كان وقت صومه قد انقضى غير عزم عليه أن يأكل أو يشرب، قال: والدليل عليه إجماع الجميع من أهل العلم أن المراد قد يكون مفطرًا بتركه العزم على الصوم من الليل مع تركه نية الصوم نهاره أجمع وإن لم يأكل ولم يشرب وكان معلومًا بذلك أن اعتقاد المعتقد بعد انقضاء وقت الصوم الإفطار وترك الصوم وإن لم يفعل شيئًا مما أبيح للمفطر فعله موجب له اسم المفطر، وإذا كان ذلك كذلك وكان الجميع مجمعين على أن الأكل والشرب غير فرض على الصائم في ذَلِكَ الوقت مع إجماعهم أن وقت الصوم قد انقضى لمجيء الليل وإدبار النهار كان بيّنًا أن معنى أمره بالإفطار في تلك الحال إنما هو أمر عزم منه كما قلناه، وأما وصاله عليه السلام من السَّحر
إلى السَّحر
(1)
، فلعل ذَلِكَ كان توخيًا منه للنشاط على قيام الليل؛ فإنه كان إذا دخل العشر شدَّ مئزره ورفع فراشه
(2)
؛ لأن الطعام مثقل للبدن مفتر عن الصلاة يجلب الغم، فكان عليه السلام يؤخر الإصابة من الطعام إلى السحر؛ إذ كان الله تعالى قد أعطاه من القوة على تأخير ذَلِكَ إلى ذَلِكَ الوقت والصبر عليه ما لم يعط غيره من أمته. وقد بين لهم ذَلِكَ بقوله:"إني لست مثلكم .. " إلى آخره. فأما الصوم ليلًا فلا معنى له؟ لأنه غير وقت الصوم؛ لقوله: إلى "فقد أفطر الصائم" أي حل
وقت فطره على ما سلف، ويأتي في باب: من كره الوصال
(3)
ومن فعله من السلف. واضحًا.
فائدة: قرص الشمس في أثر أبي سعيد يعني: الصورة المستديرة، ومعنى الحديث: أن ما بقي من الحمرة ليس من النهار
(4)
.
(1)
انظر ما سيأتي برقم (1963).
وروى الإمام أحمد في "المسند" 1/ 141، وفي "فضائل الصحابة" 2/ 899 (1236)، والطبراني 1/ 109 (185)، والضياء في "المختارة" 2/ 347 (725) عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل من السحر إلى السحر. قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 158: رجاله رجال الصحيح.
ورواه الطبراني في "الأوسط" 4/ 117 (3756) عن جابر، بلفظ حديث علي.
وحسنه الهيثمي في "المجمع" 3/ 158.
(2)
حديث سيأتي (2024)، ورواه مسلم (1174) من حديث عائشة.
(3)
انظر حديث (1965 - 1966) باب: التنكيل لمن أكثر الوصال.
(4)
تتمة الفائدة: أثر أبي سعيد المعلق هذا وصله سعيد بن منصور في "السنن" كما في "التغليق" 3/ 195: حدثنا سفيان، عن عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، أنه نزل على أبي سعيد فرآه يفطر قبل مغيب القرص، وكذا رواه ابن أبي شيبة 2/ 279 (8949) بنحوه.
44 - باب يُفْطِرُ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ بِالمَاءِ وَغَيْرِهِ
1956 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ:"انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَمْسَيْتَ. قَالَ:"انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا. قَالَ:"انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا". فَنَزَلَ فَجَدَحَ، ثُمَّ قَالَ:"إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ قِبَلَ المَشْرِقِ. [انظر: 1941 - مسلم: 1101 - فتح: 4/ 198]
ذكر فيه حديث ابن أبي أوفى أيضًا.
45 - باب تَعْجِيلِ الإِفْطَارِ
1957 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ". [مسلم: 1098 - فتح: 4/ 198]
1958 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَصَامَ حَتَّى أَمْسَى، قَالَ لِرَجُلٍ:"انْزِلْ، فَاجْدَحْ لِي". قَالَ: لَوِ انْتَظَرْتَ حَتَّى تُمْسِيَ. قَالَ: "انْزِلْ، فَاجْدَحْ لِي، إِذَا رَأَيْتَ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". [انظر: 1941 - مسلم: 1101 - فتح: 4/ 198]
ذكر فيه حديث سهل بن سعد: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ".
وحديث ابن أبي أوفى أيضًا السالف، وحديث سهل أخرجه مسلم أيضًا.
وكله مطابق لما ترجم له. أي: اجدح لنا سويقًا - كما سلف.
ونص أصحابنا على أنه يستحب الفطر على تمر، وإلا بماء عند عدمه، وفي السنن الأربعة و"صحيح ابن حبان" و"مستدرك الحاكم" من حديث سلمان بن عامر مرفوعًا:"إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإنه طهور"، قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري
(1)
. قال:
(1)
"سنن أبي داود"(2355)، "سنن الترمذي"(658، 695)، "سنن النسائي الكبرى" 2/ 254 - 255 (3319 - 3323، 3326)، "سنن ابن ماجه"(1699)، "صحيح ابن حبان" 8/ 281 - 282 (3515)، "المستدرك" 1/ 431 - 432. =
وله شاهد على شرط مسلم: عن أنس أنه عليه السلام كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء، وروى هذا الترمذي وقال: فتميرات بالتصغير، وقال: حسن غريب
(1)
، وقال البزار وأبو أحمد الجرجاني: تفرد به جعفر عن ثابت
(2)
، وللحاكم، وقال: على شرط الشيخين من حديث عبد العزيز بن
= ورواه أيضًا أحمد 4/ 17 (16225 - 16226، 16228)، و 4/ 18 (16231 - 16232، 16237)، و 4/ 213 (17870) و 4/ 214 (17873 - 17874، 17876 - 17877، 1788)، وابن خزيمة 3/ 278 - 279 (2067)، والبغوي في "معجم الصحابة" 3/ 172 - 173 (1087 - 1089)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 3/ 1331 - 1332 (3355، 3357)، وابن حزم في "المحلى" 7/ 31، والبيهقي 4/ 238، والمزي في "التهذيب" 35/ 171 - 172 من طرق عن حفصة بنت سيرين عن الرباب، عن سلمان بن عامر به. والحديث صححه أبو حاتم كما في "العلل" 1/ 237 (687)، وكذا المصنف في "البدر المنير" 5/ 696. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (404): إسناده ضعيف؛ لجهالة الرباب، ومع ذلك صححه جمع! وقد صح من فعله صلى الله عليه وسلم.
قلت: يشير إلى حديث أنس الآتي تخريجه. وضعفه أيضًا في "الإرواء" 4/ 50 - 51 وتعقب من صححه مثل أبي حاتم.
(1)
"المستدرك" 1/ 432، الترمذي (696)، ورواه أيضًا أبو داود (2356)، وأحمد 3/ 164، والدارقطني 2/ 185، وابن حزم 7/ 31 - 32، والبيهقي 4/ 239، والخطيب 1/ 243، 9/ 379 - 380، والضياء في "المختارة" 4/ 411 - 412 (1584 - 1586) من طريق عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان بن ثابت البناني، عن أنس بن مالك به.
(2)
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن هذا الحديث، فقالا: لا نعلم روى هذا الحديث غير عبد الرزاق، ولا ندري من أين جاء عبد الرزاق، وقال: وقد رواه سعيد بن سليمان القشيطي وسعيد بن هبيرة: شربة من الماء مثلا، قال أبو زرعة: لا أدري ما هذا الحديث لم يرفعه إلا من حديث عبد الرزاق. اهـ. "العلل" 1/ 224 - 225 (652) بتصرف. =
صهيب عن أنس مرفوعًا، بمثل حديث سلمان
(1)
.
وقال الترمذي في "علله " عن البخاري: هذا وهم والصحيح حديث سلمان
(2)
، وللحاكم من حديث قتادة، عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي المغرب حَتَّى يفطر ولو على شربة من ماء
(3)
.
= وقال الدارقطني: إسناده صحيح، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2040): إسناده حسن صحيح، وقال في "الإرواء" (922): حديث حسن. وانظر: "التلخيص الحبير" 2/ 199.
(1)
"المستدرك" 1/ 431.
ورواه الترمذي (694)، وفي "العلل الكبير" 1/ 335، والنسائي في "الكبرى" 2/ 253 (3317)، وابن خزيمة 3/ 278 (2066)، والبيهقي 4/ 239 من طريق شعبة عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك مرفوعًا:"من وجد تمرًا فليفطر عليه، ومن لا فليفطر على الماء فإنه طهور".
(2)
"العلل الكبير" 1/ 336 - 337. وأعله الألباني أيضًا في "الإرواء" 4/ 48 - 49.
(3)
"المستدرك" 1/ 432.
ورواه أيضًا البيهقي 4/ 293 من طريق شعيب بن إسحاق.
ورواه البزار كما في "كشف الأستار"(984)، وكما في "إتحاف المهرة" 2/ 177، وابن خزيمة 3/ 276 (2063)، والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 472، والبيهقي في "الشعب" 3/ 406 (3899) من طريق القاسم بن غصن، كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، به.
قال البزار: القاسم بن غصن لين الحديث، وإنما نكتب من حديثه ما لا نحفظه من غيره. وقال الذهبي: القاسم بن غصن، قال أحمد: حدث بأحاديث مناكير، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير، ثم أورد هذا الحديث. "ميزان الاعتدال" 4/ 297 (6829).
ورواه الفريابي في "الصيام"(69)، وأبو يعلى 6/ 424 (3792)، وابن حبان 8/ 274 - 275 (3504 - 3505)، والضياء في "المختارة" 6/ 36 - 37 (1997 - 1999) من طريق زائدة عن حميد عن أنس، بنحوه.
قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 155: رجاله رجال الصحيح. وكلذا صححه الألباني من هذا الوجه في "صحيح موارد الظمآن"(890). وقال في "الصحيحة" 5/ 146: =
وقال ابن المنذر في "الإقناع": إنه يجب ذَلِكَ، ولعل مراده تأكيده- نعم ذهب إليه ابن حزم على مقتضى الحديث قال: فإن لم يفعل فهو عاص ولا يبطل صومه بذلك
(1)
، والحكمة فيه ما في التمر من البركة والماء أفضل المشروبات، وقيل غير ذلك مما أوضحته في كتب الفروع وأما تعجيل الفطر فهو سنة؛ لحديث سهل المذكور
(2)
، قال ابن عبد البر: أحاديث تعجيل الفطر وتأخير السحور متواترة صحاح
(3)
وفي "سنن أبي داود" والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون"، صححه ابن حبان والحاكم على شرط مسلم
(4)
، وإنما حض الشارع عليه؛ لئلا يزاد في النهار ساعة من الليل فيكون ذَلِكَ زيادة في فروض الله تعالى؛ ولأنه أرفق بالصائم
= هذا سند صحيح، وصححه من طريقيه فيها (2110).
وروى ابن خزيمة (2065) من طريق يحيى بن أيوب، عن حميد الطويل، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان صائمًا لم يصل حتى نأتيه برطب وماء
…
الحديث.
وانظر: "الإرواء" 4/ 47.
(1)
"المحلى" 7/ 31.
(2)
هو حديث الباب (1957).
(3)
"الاستذكار" 1/ 177.
(4)
"سنن أبي داود"(2353)، "سنن النسائي الكبرى" 2/ 253 (3313)، "سنن ابن ماجه"(1698)، ابن حبان 8/ 273 - 274 (3503)، و 8/ 277 (3509)، الحاكم 1/ 431.
ورواه أيضًا أحمد 2/ 450، وابن خزيمة 3/ 275 (2060)، والبيهقي 4/ 237 من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا به. قال النووي في "المجموع" 6/ 404: إسناده صحيح. وأورده البوصيري في "المصباح" 2/ 71 وذكر أن أبا داود والنسائي روياه، فلا أدري لماذا أورده؟! وقال: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(2038): إسناده حسن.
وأقوى له على الصيام، وقال عمرو بن ميمون الأودي: كان أصحاب محمد أسرع الناس فطرًا وأبطأهم سحورًا
(1)
، وقال سعيد بن المسيب: كتب عمر إلى أمراء الأجناد: لا تكونوا مسوِّفين بفطركم ولا منتظرين بصلاتكم اشتباك النجوم
(2)
، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: سمعت عروة بن عياض يخبر عبد العزيز بن عبد الله: أنه يُؤمر أن يفطر الإنسان قبل أن يصلي ولو على حسوة من ماء، وروى عبد الرزاق عن صاحب له، عن عوف، عن أبي رجاء قال: كنت أشهد ابن عباس عند الفطر في رمضان فكان يوضع له طعامه، ثم يأمر مراقبًا يراقب الشمس، فإذا قال: قد وجبت قال: كلوا، ثم قال: كنا نفطر قبل الصلاة
(3)
، وليس ما في "الموطأ" عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن أن عمر وعثمان كانا يصليان المغرب حين يفطران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا ويفطران بعد الصلاة
(4)
،
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 226 (75911)، والفريابي في "الصيام"(56)، والبيهقي 4/ 238. وأورده الهيثمي في "المجمع" 3/ 154، وعزاه للطبراني في "الكبير". وقال: ورجاله رجال الصحيح. وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 199: إسناده صحيح. ورواه ابن أبي شيبة 2/ 277 (8932) عن عمرو بن الحارث بنحوه. وأورده الهيثمي في "المجمع" 3/ 154 وعزاه إلى الطبراني في "الكبير" لكنه قال: عمرو بن حريث، وقال: ورجاله رجال الصحيح.
(2)
رواه عبد الرزاق (7590).
(3)
"المصنف" 4/ 227 (7596 - 7597).
(4)
"الموطأ" ص 193، وعنه الشافعي في "المسند" 1/ 277، ورواه أيضًا عبد الرزاق 4/ 225 (7588)، وابن سعد 5/ 154، وابن أبي شيبة 2/ 349 (9792)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 155، والبيهقي 4/ 238.
قال ابن الأثير في "الشافي " 3/ 199: حديث صحيح. ووقع فيه: عليًّا. بدل عثمان، ولعله تحريف.
مخالف لذلك؛ لأنهما إنما كانا يراعيان أمر الصلاة وكانا يعجلان الفطر بعدها من غير كثرة تنفل لما جاء في تعجيل الفطر، ذكره الداودي. قال الشافعي: كانا يريان تأخير ذَلِكَ واسعًا لا أنهما يتعمدان الفعل لتركه بعد أن أبيح لهما وصارا مفطرين بغير أكل وشرب؛ لأن الصوم لا يصلح في الليل
(1)
.
وفي الترمذي -وقال حسن غريب- من حديث أبي هريرة: "أحَبُ عبادي إليَّ أعجلهم فطرًا"
(2)
، وفي أفراد مسلم عن عائشة وذكر لها رجلان من الصحابة، أحدهما يعجل الإفطار والصلاة، والآخر
يؤخرهما فقالت من يعجلهما، قال: عبد الله، قالت: هكذا كان
(1)
"الأم" 2/ 83. وذكره عنه البيهقي في "السنن" 4/ 238، وكذا نقله عنه ابن الأثير في "الشافي" 3/ 199.
(2)
"سنن الترمذي"(700 - 701).
ورواه أيضًا أحمد 2/ 237 - 238 و 329، وأبو يعلى 10/ 378 (5974)، وابن خزيمة (2062)، والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 486، وابن حبان 8/ 275 - 277 (3507 - 3508)، والبيهقي 4/ 237، من طريق الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: "أحب عبادي إلي أعجلهم فطرًا"
قال العقيلي: قرة بن عبد الرحمن، صاحب الزهري، منكر الحديث جدًّا، ثم ساق هذا الحديث. وقال: لا يتابع محليه، وهذا يروى من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا.
وضعفه الألباني في "ضعيف موارد الظمآن"(886)، و"ضعيف الجامع"(4041).
والإسناد الآخر الذي أشار إليه العقيلي، لعله ما رواه الطبراني في "الأوسط" 1/ 54 (149)، وابن عدي في "الكامل" 8/ 13 من طريق مسلمة بن علي، عن الزبيري، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به.
قال الذهبي في "الميزان" 5/ 234 - 235: مسلمة بن علي، شامي واهٍ. وذكر هذا الحديث، فالحديث ضعيف من طريقيه، والله أعلم.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع. عبد الله هو ابن مسعود والآخر: أبو موسى الأشعري
(1)
.
قال ابن عبد البر: وقد روي عن ابن عباس وطائفة أنهم كانوا يفطرون قبل الصلاة
(2)
، قلت: وفي التعجيل رد على الشيعة الذين يؤخرون إلى ظهور النجوم.
فائدة: في الدعاء عند الإفطار، روى أبو داود عن معاذ بن زهرة أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال:"اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت" وهذا مرسل
(3)
، ورواه الطبراني في "أصغر معاجمه" من حديث
(1)
مسلم (1099) كتاب: الصيام، باب: فضل السحور وتأكيد استحباب واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر.
(2)
"الاستذكار" 10/ 410.
ورواه عبد الرزاق (7597) عن ابن عباس، ورواه ابن أبي شيبة 2/ 348 - 349 (9790 - 9791) عن أبي بردة الأسلمي وإبراهيم النخعي.
(3)
"سنن أبي داود"(2358)، ووراه أيضًا في "المراسيل"(99)، وابن المبارك في "الزهد"(1410 - 1411)، والبيهقي في "السنن" 4/ 239، وفي "فضائل الأوقات"(143)، وفي "الدعوات الكبير" 2/ 220 (449)، والبغوي في "شرح السنة" 6/ 265 (1741) من طريق حصين عن معاذ بن زهرة، به.
والحديث أعله النووي في "المجموع" 6/ 407، والمنذري في "مختصر السنن" 3/ 236، والمزي في "تهذيب الكمال" 28/ 122، والحافظ في "التهذيب" 4/ 99، وفي "التلخيص" 2/ 202، وفي "الفتوحات الربانية" 4/ 340 بالإرسال.
وقال المصنف في "البدر المنير" 5/ 710، وفي "الخلاصة" 1/ 327: إسناد حسن لكنه مرسل.
وقال الألباني في "الإرواء" 4/ 38: سنده ضعيف؛ فإنه مع إرساله فيه جهالة معاذ هذا، فإنهم لم يذكروا له راويًا عنه سوى حصين هذا.
وقال في "ضعيف أبي داود"(406): إسناده ضعيف مرسل؛ معاذ هذا تابعي مجهول. =
أنس مرفوعًا بإسناد فيه ضعف
(1)
، وروى ابن عمرو مرفوعًا:"إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد" رواه الحاكم
(2)
، وعن أبي هريرة مرفوعًا: "ثلاث
= والحديث رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(479)، والبيهقي في "الشعب" 6/ 403 (3902)، وفي الدعوات (450) بزيادة رجل غير مسمى بين حصين ومعاذ بن زهرة.
قال الحافظ في "الفتوحات" 4/ 341: هذا محقق الإرسال، وفي زيادة الرجل الذي لم يسمه ما يعل به السند الأول. وانظر:"النكت الظراف" 13/ 391.
(1)
"المعجم الصغير" 2/ 133 - 134 (912) ووراه أيضًا في "الأوسط" 7/ 298 (7549)، وفي "الدعاء" 2/ 1229 (918)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 2/ 217 - 218 من طريق داود بن الزبرقان، عن شعبة، عن ثابت البناني، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "بسم الله، اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت".
قال الطبراني: لم يروه عن شعبة إلا داود بن الزبرقان، تفرد به إسماعيل بن عمرو.
وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 156: فيه داود بن الزبرقان، وهو ضعيف. وقال الحافظ في "التلخيص" 2/ 202: إسناده ضعيف؛ فيه داود بن الزبرقان، وهو متروك. وضعفه الألباني في "الإرواء" 4/ 38 بإسماعيل بن عمرو، وبشيخه داود.
(2)
"المستدرك" 1/ 422.
ووراه أيضًا ابن ماجه (1753)، والطبراني في "الدعاء" 2/ 1229 - 1230، وابن السني (481)، والبيهقي في "الشعب" 3/ 407 (3904 - 3905)، وفي فضائل الأوقات" (142)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 2/ 773 من طريق الوليد بن مسلم، عن إسحاق بن عبيد الله [وقال بعضهم: عبد الله وزاد بعضهم: المدني] عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، به.
ورواه ابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" 1/ 178 - 179 (140) من طريق أسد، ثنا إسحاق بن عبد الله الأموي من أهل المدينة [كذا نسبه] حدثني ابن أبي مليكة، به.
قال الحاكم: وإسحاق هذا إن كان ابن عبد الله مولى زائدة، فقد خرَّج عنه مسلم، وإن كان ابن أبي قرة فإنهما لم يخرجاه. وتعقبه الذهبي فقال: وإن كان ابن أبي فروة فواه. =
ترد دعوتهم: الصائم حَتَّى يفطر" الحديث، حسنه الترمذي
(1)
،
= وقال البوصيري في "المصباح" 2/ 81: إسناد صحيح رجاله ثقات! وقال الحافظ في "الفتوحات" 4/ 342: حديث حسن.
والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(387)، وفي "ضعيف الجامع"(1965)، وفي "ضعيف الترغيب"(582)، و"تمام المنة" ص 415، و"الإرواء" (921) وقال: هذا سند ضعيف؛ وعلته إسحاق هذا، وهو عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي، مولاهم الدمشقي، أخو إسماعيل بن عبيد الله. وساق خلافًا في إسحاق هذا وفي اسم أبيه، فليراجع. وانظر:"الميزان" 1/ 193 - 194، "لسان الميزان" 1/ 365، "تهذيب التهذيب" 1/ 124، "الفتوحات" 4/ 342.
والحديث رواه الطيالسي 4/ 20، ومن طريقه البيهقي في "الشعب"(3907) من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، بنحوه. وانظر:"الإرواء" 4/ 44.
(1)
الترمذي (3598).
ورواه أيضًا ابن ماجه (1752)، وأحمد 2/ 305 و 445، والطيالسي في "مسنده" 4/ 310 (2707)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" 1/ 317 (300)، وعبد بن حميد في "المنتخب" 3/ 194 - 195 (1418)، وابن خزيمة 3/ 199 (1901)، وابن حبان 8/ 214 - 215 (3428)، والبيهقي في "السنن" 3/ 345 و 8/ 162 و 10/ 88، وفي "الأسماء والصفات" 1/ 334 (264)، والخطيب في "موضح الأوهام" 2/ 327، والبغوي في "شرح السنة" 5/ 196 (1395)، والمزي في "تهذيب الكمال" 34/ 269 - 270 من طريق سعد الطائي -أبي مجاهد- عن أبي مدلة -مولى أم المؤمنين عائشة- عن أبي هريرة، به. ووقع عند بعضهم مطولًا.
ووقع في سند ابن ماجه: عن سعد أبي مجاهد -وكان ثقة- عن أبي مدلة -وكان ثقة- عن أبي هريرة.
والحديث صححه المصنف في "البدر المنير" 5/ 152، وحسنه الحافظ في "الفتوحات" 4/ 338.
لكن ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب"(597)، وفي "تمام المنة" ص 416، وفي "ضعيف موارد الظمآن"(894، 2407)، وفي "الضعيفة" (1358) وقال: هو مخالف لحديث آخر عن أبي هريرة: "ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم". انظره وتخريجه في "الصحيحة" =
وصحح الحاكم حديث ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله"
(1)
، وللدارقطني عن ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فطر قال: "لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم"، وفي إسناده عبد الملك بن
= (596) وانظر أيضًا حديث (1797) في "الصحيحة"، وانظر:"البدر المنير" 5/ 153، "التلخيص" 2/ 96.
(1)
"المستدرك" 1/ 422.
ورواه أيضًا أبو داود (2357)، والنسائي في "الكبرى" 255 (3329) و 6/ 82 (10131)، وفي "عمل اليوم والليلة"(301)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(478)، والدارقطني 2/ 185، والبيهقي في "السنن" 4/ 239، وفي "الدعوات الكبير" 2/ 219 (448)، والبغوي في "شرح السنة" 6/ 265 (1740)، والمزي في "تهذيب الكمال" 27/ 391 من طريق الحسين بن واقد، عن مروان بن سالم المقفع، قال: رأيت عبد الله بن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف،
وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "ذهب الظمأ
…
" الحديث.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بالحسين بن واقد ومروان بن المقفع. وقال الذهبي في "التلخيص": احتج البخاري بمروان وهو ابن المقفع، وهو ابن سالم.
وقال الحافظ في "التهذيب" 4/ 50: زعم الحاكم في "المستدرك" أن البخاري احتج بمروان بن المقفع فوهم، ولعله اشتبه عليه بمروان الأصفر.
وقال الدارقطني: تفرد به الحسين بن واقد، وإسناده حسن.
وقال المزي: قال الحافظ أبو عبد الله: هذا حديث غريب لم نكتبه إلا من حديث الحسين بن واقد. والحديث ذكره المصنف في "البدر" 5/ 711 وذكر قول الحاكم والدارقطني وسكت فكأنه أقرهما على ما قالا. وحسنه الحافظ في "الفتوحات" 4/ 339. والحديث حسنة الألباني في "الإرواء" (920) وقال في "صحيح أبي داود" (2041): إسناده حسن.
فائدة: الشطر الأول من الحديث، ألا وهو فعل ابن عمر سيأتي برقم (5892) بإسناد آخر وبسياق آخر.
هارون بن عنترة
(1)
، وهو واهٍ
(2)
.
(1)
ورد في هامش الأصل: قال الذهبي في "المغني" اتهمه الجوزجاني -يعني: بالوضع- وقال غير واحد: متروك.
(2)
"السنن" 2/ 185.
ورواه الطبراني 12/ 146 (12720)، وابن السنى (480) من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، به.
قال النووي في "المجموع" 6/ 407: إسناده ضعيف، وقال ابن القيم في "زاد المعاد" 2/ 51: لا يثبت. وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 156: فيه: عبد الملك بن هارون، وهو ضعيف. وأشار المصنف رحمه الله لضعفه هنا، وقال في "البدر" 5/ 711: عبد الملك بن هارون، قد ضعفوه، قال الدارقطني: هو وأبوه ضعيفان، وقال يحيى: عبد الملك كذا. زاد السعدي: دجال، وقال ابن حبان: وضاع، وقال: وهو الذي يقال له: عبد الملك بن أبي عمرو حتى لا يعرف. اهـ. بتصرف يسير.
وضعف الحافظ إسناده في "الفتوحات" 4/ 341، وقال: حديث غريب من هذا الوجه، وسنده واهٍ جدًّا، وهارون بن عنترة كذبوه، وضعف إسناده أيضًا في "التلخيص" 2/ 202.
وضعفه الألباني في "الإرواء"(919) وقال: إسناد ضعيف جدًّا.
46 - باب إِذَا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ
1959 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. قِيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالقَضَاءِ؟ قَالَ: بُدٌّ مِنْ قَضَاءٍ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ هِشَامًا لَا أَدْرِى أَقْضَوْا أَمْ لَا. [فتح: 4/ 199]
ذكر فيه حديث أسماء بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ قِيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالقَضَاءِ؟ قَالَ: بُدٌّ مِنْ قَضَاءٍ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ هِشَامًا لَا أَدْرِي أَقْضَوْا أَمْ لَا.
هذا الحديث من أفراده، وذكر ابن أبي شيبة في "مصنفه"، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: أُخرجت عساس من بيت حفصة وعلى السماء سحاب فظنوا أن الشمس كابت فأفطروا فلم يلبثوا أن تجلى السحاب فإذا الشمس طالعة، فقال عمر: ما تجانفنا من إثم
(1)
، زاد ابن قدامة: فجعل الناس يقولون: نقضي يومًا مكانه فقال عمر: لا نقضيه، وحكي عن عروة ومجاهد والحسن البصري: أنه لا قضاء عليه
(2)
. زاد ابن عبد البر: هشام بن عروة وداود الظاهري
(3)
. قال ابن
حزم: وكذا الوطء
(4)
، وفي "الموطأ" عن زيد بن أسلم، عن أخيه
(1)
"المصنف" 2/ 287 (9052) وسيأتي تخريجه أيضًا بزيادة.
(2)
"المغني" 4/ 389.
ورواه ابن أبي شيبة 2/ 287 (9051) عن الحسن كما نقله المصنف عن ابن قدامة.
لكن روى عبد الرزاق 4/ 177 (7389 - 7390) عن مجاهد وعروة أن عليه القضاء!
(3)
"الاستذكار" 10/ 175.
(4)
"المحلى" 6/ 220.
خالد: أن عمر أفطر في رمضان في يوم ذي غيم ورأى أنه قد أمسى فجاءه رجل فقال: الشمس طلعت فقال عمر: الخطب يسير وقد اجتهدنا
(1)
، قال الشافعي ومالك: يعني قضاء يوم مكانه
(2)
، قال البيهقي
(3)
: ورواه ابن عيينة عن زيد بن أسلم، عن أخيه خالد، عن أبيه عن عمر، وروي من وجهين آخرين مفسرًا في القضاء من جهة جبلة بن سحيم، عن علي بن حنظلة، عن أبيه: كنا عند عمر فذكره وفيه: يا هؤلاء من كان منكم أفطر فقضاء يوم يسير وإلا فليتم صومه
(4)
، ومن حديث إسرائيل عن زياد -يعني: ابن علاقة- عن بشر بن قيس، عن عمر قال: كنت عنده عشيًا في رمضان، فذكره، وفيه: فقال عمر: لا نبالي والله نقضي يومًا مكانه
(5)
، وكذا رواه
(1)
"الموطأ" ص 202.
ورواه عنه بهذا اللفظ، الشافعي في "المسند" 1/ 277 (729) ترتيب السندي، و 2/ 124 (657) ترتيب سنجر، وفي "الأم" 2/ 82، ومن طريقهما البيهقي في "السنن" 4/ 217، وفي "المعرفة" 6/ 258 - 259 (8654).
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 20/ 573: صح عن عمر أنه قال: الخطب يسير. وقال المصنف في "البدر المنير" 5/ 740: هذا أثر صحيح.
(2)
قاله مالك في "الموطأ" ص 202، والشافعي في "الأم" 2/ 82، ونقله عن ابن الأثير في "الشافي" 3/ 227، ونقله عنهما البيهقي في "السنن" 4/ 217، وكذا في "المعرفة" 6/ 259.
(3)
"سنن البيهقي" 4/ 217، وانظر:"معرفة السنن والآثار" 6/ 259.
(4)
رواه عبد الرزاق 4/ 178 (7393)، وابن أبي شيبة 2/ 287 (9046)، والبيهقى 4/ 217.
(5)
رواه البيهقي 4/ 217، وفي "المعرفة" 6/ 259، ورواه عبد الرزاق 4/ 187 (7394) عن سفيان الثوري به، وابن أبي شيبة 2/ 287 (9047) عن وكيع، عن سفيان، عن زياد، عمن سمع بشر بن قيس.
وقال الحافظ في "الإصابة" 1/ 173 (776): بشر بن قيس، له إدراك، قال =
الوليد بن أبي ثور عن زياد
(1)
. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة: الأشبه أن يكون ما قاله الثوري: زياد بن علاقة، عن رجل، عن بشر بن قيس، قال: وقال أبي: ومنهم من يقول قيس بن بشر والأشبه بشر بن قيس
(2)
. قال البيهقي: وفي تظاهر هذِه الرواية عن عمر في القضاء دليل على خطأ رواية زيد بن وهب في ترك القضاء
(3)
، وكان يعقوب ابن سفيان الفارسي يحمل على زيد بن وهب بهذِه الرواية المخالفة للروايات المتقدمة ويعدها مما خولف فيه، وزيد ثقة إلا أن الخطأ غير مأمون
(4)
. وصوب أيضًا رواية القضاء على رواية زيد ابنُ عبد البر
= عبد الرزاق عن الثوري، عن زياد بن علاقة، عن بشر بن قيس
…
وساقه. ثم قال: إسناده صحيح.
(1)
انتهى كلام البيهقي من "السنن" 4/ 217، وانظر:"المعرفة" 6/ 259.
(2)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 230 (669).
والرواية التي أشار إليها أنها الأشبه، هي التي رواها ابن أبي شيبة 2/ 287 (9047) عن وكيع، عن سفيان، عن زياد عمن سمع بشر بن قيس، وقد تقدم تخريجها.
وانظر ترجمة بشر بن قيس في "تهذيب الكمال" 4/ 141 (703)، وترجمة قيس بن بشر 24/ 5 (4892).
(3)
رواها عبد الرزاق 4/ 179 (7395) عن معمر بن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: أفطر الناس في زمان عمر، قال: فرأيت عساسا عسامًا أخرجت من بيت حفصة فشربوا في رمضان، ثم طلعت الشمس من سحاب، فكأن ذلك شق على الناس، وقالوا: نقضي هذا اليوم، فقال عمر: ولم؟ فوالله ما تجنفنا لإثم.
وبنحوه ابن أبي شيبة 2/ 287 (9052)، ورواه ابن أبي شيبة (9050)، والبيهقي 4/ 217 من طريق الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن زيد بن وهب، به.
(4)
"سنن البيهقي" 4/ 217. وانظر: "المعرفة" 6/ 259.
قال شيخ الإسلام: وثبت عن عمر بن الخطاب أنه أفطر، ثم تبين النهار فقال: لا نقضي فإنا لم نتجانف لإثم، وروي عنه أنه قال: نقضي، ولكن إسناد الأول =
وغيره
(1)
، وللبيهقي: أن صهيبًا أفطر في يوم غيم فطلعت الشمس فقال: طعمة الله، أتموا صومكم إلى الليل واقضوا يومًا مكانه
(2)
.
إذا تقرر ذَلِكَ فجمهور العلماء يقولون بالقضاء في هذِه المسألة. وقد روي ذَلِكَ عن عمر بن الخطاب من رواية أهل الحجاز وأهل العراق، وأما رواية أهل الحجاز فروى ابن جريج عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: أفطر الناس في شهر رمضان في يوم غيم، ثم طلعت الشمس، فقال عمر: الخطب يسير، وقد اجتهدنا نقضي يومًا. هكذا قال ابن جريج، وعن زيد بن أسلم، عن أبيه وهو متصل
(3)
، ورواية مالك في
= اثبت. اهـ. "مجموع الفتاوى" 20/ 572 - 573.
وقال الذهبي أيضًا متعقبًا البيهقي: لعله تغير اجتهاد عمر فيكون له في المسألة قولان. اهـ. "المهذب" 4/ 1592. فكأنه حاول أن يجمع بين الأحاديث، والله أعلم.
ورد العلامة ابن القيم على البيهقي فقال: فيما قال البيهقي نظر، فإن الرواية لم تتظاهر عن عمر بالقضاء، وإنما جاءت من رواية علي بن حنظلة، عن أبيه وكان أبوه صديقًا لعمر فذكر القصة، وقال فيها: من كان أفطر فليصم يومًا مكانه؛ ولم أر الأمر بالقضاء صريحًا إلا في هذِه الرواية، وأما رواية مالك فليس فيها ذكر للقضاء ولا لعدمه؛ فتعارضت رواية حنظلة ورواية زيد بن وهب، وتفضلها رواية زيد بن وهب بقدر ما بين حنظلة وبينه من الفضل، وقد روى البيهقي -بإسناد فيه نظر [وسيأتي]- عن صهيب أنه أمر أصحابه بالقضاء في قصة جرت لهم مثل هذِه، فلو قدر تعارض الآثار عن عمر لكان القياس يقتضي سقوط القضاء؛ ولأن الجهل ببقاء اليوم كنسيان نفس الصوم ولو أكل ناسيًا لصومه لم يجب عليه قضاؤه، والشريعة لم تفرق بين الجاهل والناسي فإن كل واحد منهما قد فعل ما يعتقد جوازه وأخطأ في فعله، وقد استويا في أكثر الأحكام وفي رفع الآثام فما الموجب للفرق بينهما في هذا الموضع. اهـ. "حاشية ابن القيم" 3/ 347.
(1)
"الاستذكار" 10/ 175.
(2)
"سنن البيهقي" 4/ 217 - 218، وبنحوه رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 219 - 220. قال ابن القيم في "الحاشية" 3/ 347: إسناده فيه نظر، وقد تقدم.
(3)
رواه عنه عبد الرزاق 4/ 178 (7392).
"الموطأ"، عن زيد بن أسلم، عن أخيه مرسلة
(1)
؛ خالد أخو زيد لم يدرك عمر، وأما رواية أهل العراق: فروى الثوري، عن جبلة بن سحيم، وقد سلفت
(2)
، وجاءت رواية أخرى عن عمر أنه لا قضاء عليه، روى معمر عن الأعمش عن زيد بن أسلم قال: أفطر الناس في زمن عمر فطلعت الشمس فشق ذَلِكَ على الناس وقالوا: يُقضى هذا اليوم، فقال عمر: ولم نقضي؟! والله ما تجانفنا الإثم
(3)
، والرواية الأولى أولى بالصواب كما سلف، وقد روي القضاء عن ابن عباس ومعاوية
(4)
، وهو قول عطاء ومجاهد والزهري
(5)
والأربعة والثوري وأبي ثور
(6)
، وقال الحسن: لا قضاء عليه
(7)
، كالناسي، وهو قول إسحاق وأهل الظاهر
(8)
وبعض ذَلِكَ تقدم.
قال ابن التين: وقاله مالك إذا كان صومه نذرًا معينًا، وحجة من أوجب القضاء إجماع العلماء أنه لو غمَّ هلال رمضان فأفطروا، ثم قامت البينة برؤية الهلال أن عليهم القضاء بعد إتمام صيامهم، ومن حجتهم أيضًا قوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]
(1)
"الموطأ" ص 202 وتقدم تخريجها بزيادة.
(2)
تقدم تخريجها، وهي عند ابن أبي شيبة (9046)، والبيهقي 4/ 217.
(3)
تقدمت أيضًا، وهي عند عبد الرزاق (7395).
(4)
رواه ابن أبي شيبة (9053).
(5)
رواه عنهم عبد الرزاق 4/ 177 (7387 - 7389)، ورواه ابن أبي شيبة (9054) عن عطاء.
(6)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 14، "عيون المجالس" 2/ 619، "البيان" 3/ 500، "المغني" 4/ 389.
(7)
رواه ابن أبي شيبة (9051).
(8)
"المحلى" 6/ 229، "المغني" 4/ 389.
ومن أفطر، ثم طلعت الشمس فلم يتم الصيام إلى الليل كما أمره الله فعليه القضاء من أيام أخر بنص القرآن، ويحتمل ما روي عن عمر أنه قال: لا نقضي والله ما تجانفنا الإثم
(1)
، إلا أن يكون ترك القضاء إذا لم يعلم ووقع الفطر في النهار بغير شك، وقد أسلفنا في مثله الذي يأكل وهو يشك في الفجر من جعله بمنزلة من أكل وهو يشك في الغروب ومن فرق بينهما في باب:{كُلُوا وَاشْرَبُوا}
(2)
.
وفرق ابن حبيب بين من أكل وهو يشك في الفجر وفي الغروب، وأوجب القضاء للشاك في الغروب واحتج بأن الأصل بقاء النهار فلا يأكل إلا بيقين والأصل في الفجر بقاء الليل فلا يمسك إلا بيقين،
وبهذا قال المخالفون لمالك في هذا الباب.
وقال ابن قدامة: أجمع العلماء على أنه لو غمَّ هلال رمضان فأفطروا، ثم قامت البينة برؤية الهلال أن عليهم القضاء بعد إتمام صيامهم، وقال ابن المنذر: اختلفوا في الذي أكل وهو لا يعلم بطلوع الفجر ثم علم به، فقالت طائفة: يتم صومه ويقضي يومًا مكانه، روي هذا القول عن محمد بن سيرين وسعيد بن جبير، وبه قال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور كما سلف، وقد سلف قول من قال: لا قضاء عليه وحكي عن إسحاق أنه قال: لا قضاء عليه وأحب إلينا أن يقضيه وجعل من قال هذا القول ذاك منزلة من أكل ناسيًا؛ لأنه والناسي أكل كل واحد منهما والأكل عنده له مباح
(3)
.
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
راجع حديثي (1916 - 1917) في الباب المذكور.
(3)
تتمة: قول البخاري: وقال معمر: سمعت هشامًا يقول: لا أدري أقضوا أم لا؟ =
47 - باب صَوْمِ الصِّبْيَانِ
وَقَالَ عُمَرَ رضي الله عنه لِنَشْوَانٍ فِي رَمَضَانَ: وَيْلَكَ، وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ. فَضَرَبَهُ.
1960 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: "مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ". قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ. [مسلم: 136 - فتح: 4/ 200]
ثم ساق من حديث الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرى الأَنْصَارِ: "مَنْ أَصْبِحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ". قَالَتْ: فَكُنَّا نصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا
…
الحديث.
أما أثر عمر فأخرجه سفيان، عن عبد الله بن سنان، عن عبد الله بن أبي (الهذيل)
(1)
، عن عمر أنه أتي بشيخ شرب الخمر في رمضان، فقال: للمِنْخَرين للمِنْخَرين
(2)
وولدانا صيام! ثم ضربه ثمانين وسيَّره إلى
= هذا التعليق وصله عبد بن حميد في "المنتخب" 3/ 264 (1572)، ومن طريقه الحافظ في "التغليق" 3/ 195 - 196: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: سمعت هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أفطرنا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ذات يوم ثم بدت الشمس، فقال إنسان لهشام: أقضوا أم لا؟ قال: لا أدري.
وينظر: "الفتح" 4/ 200.
(1)
وقع في الأصل: الهدير، والمثبت من "مصنف عبد الرزاق".
(2)
أي: كبه الله للمنخرين، كما في "النهاية".
الشام
(1)
، ونقل ابن التين عن الشيخ أبي إسحاق أنه قال في "زاهيه": من شرب الخمر في رمضان ضرب مائة: عشرون لاستخفافه، وثمانون حدًّا.
قلت: وسنده في ذَلِكَ ما رواه سفيان، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه: أن علي بن أبي طالب أتي بالنجاشي الشاعر وقد شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين، ثم ضربه من الغد عشرين، وقال: ضربناك العشرين لجرأتك على الله وإفطارك في رمضان
(2)
.
وفي "أمالي أبي إسحاق
(3)
الزجاجي": كان يشرب عند أبي السماك فلما دُلَّ علي عليهما هرب أبو السماك وأُخذ النجاشي.
وفي "كتاب أبي الفرج": فطرح عليه يومئذٍ أربعمائة مطرف خز ثم هرب من علي إلى معاوية وهجا أهل الكوفة، ووقع لأبي عبيد البكري في كتابه "فصل المقال شرح الأمثال" فقال: لما ذكر أبو عبيد القاسم بن سلام ومثله قولهم للمنخرين وهذا يروى عن عمر أنه قال لرجل أتي به سكران فقال: للمنخرين ولداننا صيام.
المحفوظ في هذا أنه لعلي لا عمر، قلت: وما في البخاري هو المعروف، فصح قول أبي عبيد.
والنشوان: السكران وقيل هو: السكر الخفيف، حكاه ابن التين.
(1)
رواه عنه عبد الرزاق في "المصنف" 7/ 382 (13557) و 9/ 231 - 232 (17043)، ومن طريقه البيهقي 8/ 321، وابن حزم في "المحلى" 6/ 183 - 184 قال: روينا من طريق سفيان الثوري، وساقه.
ووصله سعيد بن منصور كما في "التغليق" 3/ 196، والبغوي في "الجعديات"(595)، والحافظ في "التغليق" 3/ 196 بنحوه.
(2)
رواه عبد الرزاق 7/ 382 (13556) و 9/ 231 (17042)، ومن طريقه البيهقي 8/ 321، ورواه ابن أبي شيبة 5/ 519 (28615) بنحوه.
(3)
هكذا في الأصل، والصواب: ابن إسحاق.
وحديث الربيع بضم الراء وفتح الباء وتشديد المثناة تحت مكسورة، ومعوذ بكسر الواو وبالذال المعجمة، أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
والعِهن: فيه هو الصوف الأحمر، كما قيده القرطبي
(2)
، وقال ابن التين: إنه الصوف وقيل المصبوغ، وقد تقدم ذَلِكَ، وظاهر حديثها وقول عمر التدريب في حقهم، والإجماع قائم على أنه لا تلزم العبادات إلا بعد البلوغ إلا أن كثيرًا من العلماء استحبوا تدريب الصبيان على الصيام والعبادات رجاء بركتها لهم وليعتادوها وتسهل عليهم عند اللزوم، وفيه أن من حمل صبيًا على الطاعة ودربه على التزام الشرائع فإنه مأجور به
(3)
، وأن المشقة التي تلزم الصبيان في ذَلِكَ غير محاسب بها من حملهم عليها.
واختلفوا في الوقت الذي يؤمر فيه الصبيان بالصيام، فكان الحسن وابن سيرين وعروة وعطاء والزهري وقتادة
(4)
والشافعي يقولون: يؤمر به إذا أطاقه
(5)
، وقال الأوزاعي: إذا أطاق صيام ثلاثة أيام تباعًا لا يخور فيهن ولا يضعف حمل على صوم رمضان
(6)
، واحتج بحديث ابن
(1)
مسلم (1136).
(2)
"المفهم" 3/ 196 - 197.
(3)
ويدل لذلك أيضًا ما رواه مسلم (1336) عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء، فقال:"من القوم؟ " قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: رسول الله، فرفعت إليه امرأة صبيًّا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر".
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 153 (7290 - 7293) عن ابن سيرين والزهري وقتادة وعروة. ورواه (7294) عن عطاء قال: يؤمر الغلام بالصلاة قبل الصيام؛ لأن الصلاة هي أهون.
(5)
"حلية العلماء" 3/ 143، "البيان" 3/ 462.
(6)
"المغني" 4/ 414.
أبي لبيبة
(1)
، عن أبيه، عن جده رفعه:"إذا صام الغلام ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صيام شهر رمضان"
(2)
.
وقال إسحاق: إذا بلغ ثنتي عشرة سنة أحببت له أن يتكلف الصيام للعادة
(3)
، وقال ابن الماجشون: إذا أطاقوه ألزموا، فإن أفطروا لغير عجز ولا علة فعليهم القضاء
(4)
، وقال أشهب: يستحب لهم إذا أطاقوه
(5)
، وعن أحمد رواية: إنه يجب على من بلغ عشر سنين الصلاة
(6)
.
(1)
في هامش الأصل: محمد بن عبد الرحمن بن لبيية أو ابن أبي لبيبة، قال ابن معين: ليس بشيء. قاله في "المغني" وقال الدارقطني: ضعيف. وقال أحمد: ليس بقوي.
(2)
رواه ابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 9 - 10 من طريق ابن جريج عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة، عن أبيه، عن جده، مرفوعًا به.
ورواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 154 - 155 (7300) عن ابن جريج، عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة، عن جده، به.
ورواه ابن حبان في "المجروحين" 3/ 116، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2427 (5935) من طريق حاتم بن إسماعيل، عن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة، عن أبيه، عن جده، به. قال ابن حبان: يحيى بن العلاء كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات التي إذا سمعها من الحديث صناعته، سبق إلى قلبه أنه كان المتعمد لذلك، لا يجوز الاحتجاج به، كان وكيع شديد الحمل عليه.
ورواه أبو نعيم (5935) من طريق حاتم بن إسماعيل، عن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة، عن جده، به.
قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" 4/ 305 (3182): أبو لبيبة الأنصاري، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكره وكيع وابن أبي فديك، قال .. وساق حديثًا، ثم قال: وله أحاديث بغير هذا الإسناد ليست بالقوية، لم يرو عنه غير ابنه عبد الرحمن.
(3)
انظر: "المغني" 4/ 413.
(4)
"النوادر والزيادات" 2/ 28.
(5)
المصدر السابق.
(6)
انظر: "المغني" 4/ 413.
وقال القرطبي: صنيع اللعب من العهن للصوم لعله صلى الله عليه وسلم لم يعلم به ومعلوم أن يكون أمر به؛ لأنه تعذيب صغير بعبادة شاقة غير متكررة في السنة
(1)
.
وغلَّط عياض قول عروة: يجب إذا أطاقوه
(2)
، ورده برفع القلم عنه
(3)
.
وقال ابن التين: ظاهر الحديث وقول عمر: إنهم كانوا يدربونهم على الصوم كالصلاة وليس هو مذهب مالك، ثم نقل عن الشافعي مثل مقالة ابن الماجشون، ولعله من باب الاستحباب ووجه قول مالك: أن التدريب على الصلاة لها فوائد تعلم أحكامه بخلافه.
(1)
"المفهم" 3/ 197.
(2)
"إكمال المعلم" 4/ 91.
ولم أجد فيه تغليطًا صريحًا لقول عروة، إنما نص كلام القاضي عياض: والصبيان لا يلزمهم صوم، ولا يخاطبون به حتى يبلغوا، وقيل: إنهم مخاطبون بالطاعات على الندب، وهذا لا يصح، وروي عن عروة أنهم متى أطاقوا الصوم وجب عليهم. اهـ. والله أعلم.
(3)
يشير إلى حديث: "رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق". تقدم تخريجه باستيفاء في حديث رقم (1) فليراجع.
48 - باب الوِصَالِ، وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي اللَّيْلِ صِيَامٌ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ رَحْمَةً لَهُمْ وَإِبْقَاءً عَلَيْهِمْ، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ.
1961 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تُوَاصِلُوا". قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: "لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى" أَوْ "إِنِّى أَبِيتُ أُطْعَمُ وَأُسْقَى". [7241 - مسلم: 1104 - فتح: 4/ 202]
1962 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الوِصَالِ. قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى". [انظر: 1922 - مسلم: 1102 - فتح: 4/ 202]
1963 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"لَا تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ". قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ". [1967 - فتح: 4/ 202]
1964 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدٌ قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ". [قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ:] لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ: رَحْمَةً لَهُمْ. [مسلم: 1105 - فتح: 4/ 202]
ثم ساق حديث أنسٍ قَالَ: "لَا تُوَاصِلُوا". قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: "لَسْتُ كأَحَدٍ مِنْكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى" أَوْ "إِنِّي أَبِيتُ أُطْعَمُ وَأُسْقَى".
وحديث ابن عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الوِصَالِ. قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى".
وحديث أبي سعيد "لَا تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ". قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ كهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُني وَسَاقٍ يَسْقِينِ".
وحديث عائشة نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. الحديث
(1)
.
الشرح:
حديث أنس وابن عمر وعائشة أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، وقد سلف حديث ابن عمر في باب: بركة السحور
(3)
وحديث أبي سعيد من أفراده، وقد أسلفنا اختلاف العلماء في الباب المذكور: أن العلماء اختلفوا في تأويل أحاديث الوصال فقال قائلون: نهى عنه؛ رحمة لأمته وإبقاء عليهم فمن قدر عليه فلا حرج، وقد واصل جماعة من السلف، ذكر الطبري بإسناده عن ابن الزبير أنه كان يواصل سبعة أيام حَتَّى تيبس أمعاؤه
(4)
. كما سلف هناك، والصوم ليلًا لا معنى له؛ لأنه غير وقته كما أن شعبان غير وقت لصوم شهر رمضان، ولا معنى لتأخير الأكل إلى السحر على من يقول به؛ لأنه يجيع نفسه لغير ما فيه
(1)
ورد بهامش الأصل: كذا في نسختي، وفي الدمياطي: قال أبو عبد الله: لم يقل عثمان: رحمة لهم.
(2)
حديث أنس رواه برقم (1104) كتاب: الصيام، باب: النهي عن الوصال في الصوم، وحديث ابن عمر برقم (1102)، وحديث عائشة برقم (1105).
(3)
برقم (1922).
(4)
"تفسير الطبري" 2/ 184 (3036).
لله رضًا، وقد حكم الشارع بإفطاره، ولما قال الشارع:"إني لست كهيئتكم" أعلمهم أن الوصال لا يجوز لغيره، وما أسلفناه هناك عن السلف أنهم كانوا يواصلون الأيام الكثيرة فإنه على بعض الوجوه السالفة لا على أنه كان يصوم الليل، أو على أنه كان يرى أن تركه الأكل والشرب فيه كصوم النهار. ولو كان ذَلِكَ صومًا كان لمن شاء أن يفرد الليل بالصوم دون النهار ويقرنهما إذا شاء.
وفي إجماع من تقدم ومن تأخر ممن أجاز الوصال وممن كرهه على أن إفراد الليل بالصوم إذا لم يتقدمه صوم نهار تلك الليلة غير جائز أدل دليل على أن صومه غير جائز وإن كان تقدمه صوم نهار تلك الليلة.
49 - باب التَّنْكِيلِ لِمَنْ أَكْثَرَ الوِصَالَ
رَوَاهُ أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1961]
1965 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الوِصَالِ فِي الصَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ". فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الهِلَالَ، فَقَالَ:"لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ". كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. [1966، 6851، 7242، 7299 - مسلم: 1103 - فتح: 4/ 205]
1966 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِيَّاكُمْ وَالوِصَالَ". مَرَّتَيْنِ قِيلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: "إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ، فَاكْلَفُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ". [انظر: 1965 - مسلم: 1103 - فتح: 4/ 206]
ثم ساق حديث أَبي هُرَيْرَةَ نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الوِصَالِ فِي الصَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ". فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الهِلَالَ، فَقَالَ:"لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ". كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا.
وحديث أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"إِيَّاكُمْ وَالوِصَالَ". مَرَّتَيْنِ، قِيلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: "إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ، فَاكلَفُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ".
هذان الحديثان أخرجهما مسلم أيضًا، وقال في الأول: كالمنكر لهم -بالراء -
(1)
وكذا أخرجه البخاري في: الاعتصام
(2)
، والصحيح باللام، ولم يكرر مسلم:"إياكم والوصال"، ولما نهاهم الشارع عن الوصال فلم ينتهوا؛ بين لهم أنه مخصوص بالقوة وأن الله يطعمه ويسقيه.
فأرادوا حمل المشقة بالاستنان به والاقتداء فواصل بهم، كالمنكل
لهم على تركهم ما أُمِروا به من الرخصة فبان أنه مباح له، والنكال: العقوبة فكأنه عاقبهم حين أبوا أن ينتهوا بعقوبة تنكل من ورائهم.
(1)
مسلم (1103) وفيه: كالمنكل لهم، باللام.
(2)
سيأتي برقم (7299) باب: ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع، وفيه: كالمنكل لهم، باللام أيضًا.
قال الحافظ في "الفتح" 4/ 206: وقع في رواية المستملي: كالمنكر بالراء، وسكون النون من الإنكار.
50 - باب الوِصَالِ إِلَى السَّحَرِ
1967 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"لَا تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ". قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ". [انظر: 1963 - فتح: 8/ 204]
ذكر فيه حديث أَبِي سَعِيدٍ السالف، وسلف حكمه.
51 - باب مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لِيُفْطِرَ فِي التَّطَوُّعِ، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً إِذَا كَانَ أَوْفَقَ لَهُ
1968 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو العُمَيْسِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً. فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا. فَقَالَ: كُلْ. قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ. قَالَ: فَأَكَلَ. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ. فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ. فَقَالَ: نَمْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ. فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"صَدَقَ سَلْمَانُ". [6139 - فتح: 4/ 209]
ذكر فيه حديث أَبي العُمَيْسِ -واسمه: عتبة بن عبد الله أخو عبد الرحمن المسعودي- عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً. فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا. فَقَالَ: كُلْ. قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ. قَالَ: فَأَكَلَ. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ. فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ. فَقَالَ: نَمْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ. فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "صَدَقَ سَلْمَانُ".
هذا الحديث سلف في الصلاة، في باب: من نام أول الليل وأحيا آخره، معلقًا
(1)
، وقد أسنده هنا، وفي الأدب كما سيأتي
(2)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(3)
.
وأبو جحيفة: هو وهب بن عبد الله السوائي
(4)
، وأم الدرداء هذِه الكبرى، اسمها: خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي، في قول أحمد ويحيى
(5)
، والصغرى اسمها: هجيمة. وقيل: جهيمة بنت حيي الوصابية، وهي أيضًا زوج أبي الدرداء
(6)
، والصحبة للكبرى توفيت بالشام في خلافة عثمان قبل أبي الدرداء
(7)
، ولم يرو عنها شيء في الكتب الستة، وروت الصغرى فيها ومات عنها أبو الدرداء فخطبها معاوية فلم تتزوجه، وحجت سنة إحدى وثمانين.
وأبو الدرداء اسمه عويمر بن زيد بن مالك من بني الحارث بن الخزرج، كان حكيم الأمة، مات بالشام سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة إحدى وثلاثين، وله عقب بالشام فولد بلالًا
(8)
. وأمه أم محمد
(1)
قبل حديث (1146).
(2)
برقم (6139) باب: صنع الطعام والتكلف للضيف.
(3)
قلت: عزو المصنف رحمه الله الحديث لمسلم، وهم، فالحديث من أفراد البخاري.
(4)
انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" 5/ 2722 (2955)، "الاستيعاب" 4/ 121 (2761)، "أسد الغابة" 5/ 460 (25486)"الإصابة" 3/ 642 (9166).
(5)
انظر ترجمتها في: "الاستيعاب" 4/ 488 (3584)، "أسد الغابة" 7/ 100 (6894)، "الإصابة" 4/ 295.
(6)
تقدمت.
(7)
ورد بهامش الأصل: قبل وفاة أبي الدرداء بسنتين كذا قال ابن عبد البر، روى لها أحمد في "المسند".
(8)
انظر ترجمته في: "معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 251 (765)، "الاستيعاب" 4/ 211 (2970)، "أسد الغابة" 4/ 318 (4136)، "الإصابة" 3/ 45 (6117).
بنت أبي حدرد سلامة بن عمر بن أبي سلامة بن سعد، وليس في الباب ما ترجم له وهو القسم، وإنما قال: ما آكل حَتَّى تأكل.
ومعنى (متبذلة) في ثياب بذلتها ومهنتها، وأجمع العلماء -كما قال أبو عمر بن عبد البر- على أن من دخل في صلاة تطوع أو صيام تطوع فقطعه عليه عذر من حدث أو غيره لم يكن له فيه سبب أنه لا شيء عليه
(1)
، واختلف فيمن دخل في صلاة أو صيام تطوع وقطعه عامدًا هل عليه قضاء أم لا؟ فروي عن علي وابن عباس وجابر: لا
(2)
، وبه قال الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق
(3)
واحتجوا بحديث الباب، وقالوا: ألا ترى سلمان لما أمره بالفطر جوزه الشارع، وجعله أفقه منه، واحتج ابن عباس لذلك، وقال: مثله كمثل رجل طاف سبعًا ثم قطعه فلم يوفه فله ما احتسب، أو صلى ركعة ثم انصرف ولم يصل أخرى فله ما احتسب، أو ذهب بمال يتصدق به، ثم رجع ولم يتصدق، أو تصدق ببعضه وأمسك بعضًا
(4)
.
وكره ابن عمر ذَلِكَ وقال: المفطر متعمدًا في صوم التطوع ذَلِكَ اللاعب بدينه
(5)
، وكره النخعي، والحسن البصري، ومكحول الفطر
(1)
"التمهيد" 12/ 72.
(2)
رواه عن علي عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 274 (7779).
وعن ابن عباس: عبد الرزاق 4/ 271 (7767 - 7770)، وابن أبي شيبة 2/ 292 (9099 - 9100)، والبيهقي 4/ 277.
وعن جابر: عبد الرزاق 4/ 272 (7771)، والبيهقى 4/ 277.
(3)
"البيان" 3/ 555، "المغني" 4/ 410.
(4)
رواه الشافعي في "المسند" 1/ 262 (708)، وعبد الرزاق 4/ 271 (7767)، والبيهقي 4/ 277.
(5)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 12/ 81.
في التطوع وقالوا: يقضيه
(1)
. وقال مالك، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وأبو ثور: عليه القضاء. لكن قال مالك: إن أفطر لعذر فلا قضاء عليه. وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه القضاء
(2)
.
والفقهاء كلهم وأصحاب الأثر والرأي يقولون: إن المتطوع إذا أفطر ناسيًا أو غلبه شيء فلا قضاء عليه، وقال ابن علية: إذا أفطر ناسيا أو متعمدًا عليه القضاء، واحتج مالك لمذهبه بما رواه في "الموطأ" عن ابن شهاب: أن عائشة، وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أصبحتا صائمتين متطوعتين فأهدي لهما طعام فأفطرتا عليه، فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بذلك فقال:"اقضيا يومًا آخر مكانه"
(3)
، ورواه ابن أبي عاصم في كتاب "الصيام " من حديث عبد الله بن أبي بكر بن محمد، عن عمرة، عن عائشة أنها دخلت عليها امرأة فأتت بطعام، فقالت: إني صائمة، فقال عليه السلام:"أمن قضاء رمضان؟ "، قال:"فأفطري واقضي يومًا مكانه"
(4)
فكان معنى هذا الحديث عنده أنهما أفطرتا لغير عذر؛ لذلك أمرهما بالقضاء، وقد قال تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ومن أفطر متعمدًا بعد دخوله في الصوم فقد
(1)
رواه عن النخعي والحسن عبد الرزاق 4/ 276 (7788 - 7789)، وابن أبي شيبة 2/ 291 - 292 (9096، 9103 - 9104). ورواه عن مكحول ابن أبي شيبة 2/ 291 (9095).
(2)
"المبسوط" 3/ 68 - 70، "عيون المجالس" 2/ 667.
(3)
"الموطأ" ص 203.
(4)
رواه بنحوه الطبراني في "الأوسط" 2/ 46 (1200) وقال: لم يرو هذا الحديث عن عمرة إلا عبد الله بن أبي بكر، ولا عن عبد الله إلا أبو عبيدة، تفرد به يعقوب، وأورده الهيثمي في "المجمع" 3/ 201 وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، ولم يتكلم عليه!
أبطل عمله، وقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وأجمع المسلمون أن المفسد لحجة التطوع وعمرته يلزمه القضاء. فالقياس على هذا الإجماع يوجب القضاء على مفسد صومه عامدًا، وقد أجاب الشافعي نفسه عن هذا، وفرق بأن من أفسد صلاته أو صيامه أو طوافه كان عاصيًا لو تمادى في ذَلِكَ فاسدًا وهو في الحج مأمور بالتمادي فيه فاسدًا، ولا يجوز له الخروج منه حَتَّى يتمه على فساده ثم يقضيه، وليس كذلك الصوم والصلاة ورواية "اقضيا إن شئتما يومًا مكانه" لا تصح
(1)
، ولو صحت كان معناها: أنهما أفطرتا لعذر فقال لهما: "اقضيا إن شئتما"
(1)
رواه أبو داود (2457) كتاب: الصوم، باب: من رأى عليه القضاء، والعقيلي 2/ 83، والطبراني في "الأوسط" 6/ 250 - 251 (6321)، وابن عدي 4/ 206 - 207، والبيهقي 4/ 281، والمزي في "التهذيب" 9/ 390 - 391 من طريق حيوة بن شريح عن ابن الهاد، عن زميل مولى عروة، عن عروة بن الزبير، عن عائشة به.
قال العقيلي: حدثنا آدم قال: سمعت البخاري قال: زميل، عن عروة، روى عنه يزيد بن الهاد، قال البخاري: ولا يعرف لزميل سماع من عروة ولا يزيد سمع من زميل، فلا تقوم به الحجة اهـ ..
وقال المنذري في "المختصر" 3/ 335: إسناده ضعيف، وزميل مجهول، وقال الذهبي في "الميزان" 2/ 271: حديث منكر، وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (324): إسناده ضعيف.
ورواه الترمذي (735) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في إيجاب القضاء عليه، وأحمد 6/ 141، 263، وإسحاق بن راهويه 2/ 160 (658)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 247 - 248 (3291 - 3294)، وأبو يعلى 8/ 101 (4639)، والطحاوي في "شرح المعاني" 2/ 108، والبيهقي 4/ 280 من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة به.
وهو ضعيف أيضًا من هذا الطريق، قال الترمذي في "العلل الكبير" 1/ 352: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: لا يصح حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة في هذا. =
وأفطرتا مرة بغير عذر فأمرهما بالقضاء جمعًا بين الروايتين، وحجة أبي حنيفة ظاهر حديث مالك الأمر بالقضاء، ولم يشرط ذَلِكَ بعذر ولا غيره، وبالقياس على الصلاة، والصدقة، والصوم، والحج، والعمرة إذا
= ورواه إسحاق 2/ 162 (659)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 248 (3296 - 3298)، والطحاوي 2/ 108 من طرق عن الزهري أن عائشة قالت
…
الحديث، وعند بعضهم: أن عائشة وحفصة، وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 212 عن حديث الزهري المرسل: هو الأصح اهـ.
ورواه ابن حبان 8/ 284 (3517)، والطبراني في "الأوسط" 6/ 286 - 287 (6433)، وابن حزم في "المحلى" 6/ 270 من طريق ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة به.
روى البيهقي 4/ 281 بسنده عن أحمد بن حنبل قيل له: تحفظه عن يحيى، عن عمرة، عن عائشة: أصبحت أنا وحفصة صائمتين. فأنكره وقال: من رواه؟ قيل: جرير بن حازم، فقال: جرير كان يحدث بالتوهم اهـ.
ونقل أيضًا البيهقي نحو هذا القول عن ابن المديني.
قال ابن حزم: لم يخف علينا قول من قال: إن جرير بن حازم أخطأ في هذا الخبر، إلا أن هذا ليس بشيء؛ لأن جريرًا ثقة، ودعوى الخطأ باطل، إلا أن يقيم المدعي له برهان على صحة دعواه، وليس انفراد جرير بإسناده علة؛ لأنه ثقة اهـ.
والحديث جمع طرقه الألباني، لكنه ضعفه أيضًا في "الضعيفة"(2502).
قلت: وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وابن عباس.
حديث ابن عمر رواه البزار (1063 - كشف)، والطبراني في "الأوسط" 5/ 307 - 308 (5395)، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 202: فيه: حماد بن الوليد، ضعفه الأئمة، وقال أبو حاتم: شيخ.
وأما حديث أبي هريرة فرواه العقيلي 4/ 79، والطبراني في "الأوسط" 8/ 76 (8012)، قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 202: فيه: محمد بن أبي سلمة المكي، وقد ضعف بهذا الحديث.
وأما حديث ابن عباس فرواه النسائي في "الكبرى" 2/ 249 (3301)، والطبراني في "الصغير" 1/ 295 (488).
قلت: وهو حديث ضعيف، قال النسائي: حديث منكر.
نذرها، وعلى الحج والعمرة كما سلف فالصلاة والصيام كذلك، وأيضًا فطر أبي الدرداء كان لعذر، وهو منع زائره من الأكل ولم يكن منتهكًا ولا متهاونًا. ألا ترى أن ابن عمر لم يجد ما يصفه به إلا أن قال: ذَلِكَ المتلاعب بدينه. فإذا لم يكن متلاعبًا وكان لإفطاره وجه لم يكن عليه قضاؤه.
وقال ابن قدامة: روى حنبل عن أحمد: إذا أجمع رجل الصيام فأوجبه على نفسه وأفطر من غير عذر أعاد يومًا مكان ذَلِكَ اليوم، وهذا محمول على أنه استحب ذَلِكَ أو نذره ليكون موافقًا لسائر الروايات عنه
(1)
، واستدل الشافعي ومن قال بقوله بقول علي، وجابر بن عبد الله، وابن عباس: لا قضاء عليه. وقد سلف، وبحديث أم هانئ: وشربت من شراب ناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كنت صائمة، فقال:"الصائم المتطوع أمين". وفي رواية "أمير نفسه: إن شاء صام وإن شاء أفطر"، قال الترمذي: في إسناده مقال
(2)
.
(1)
"المغني" 4/ 410.
(2)
الترمذي (732) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في إفطار الصائم المتطوع. من طريق أبي داود الطيالسي عن شعبة قال: كنت أسمع سماك بن حرب يقول: أحد ابني أم هانئ حدثني، فلقيت أنا أفضلهما، وكان اسمه جعدة، وكانت أم هانئ جدته فحدثني عن جدته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بشراب فشرب ثم ناولها فشربت .. الحديث.
وهكذا رواه أيضًا أحمد في "العلل" 3/ 251 (5107 - 5108)، والطيالسي 3/ 189 - 190 (1723)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 250 (3303) والعقيلي في "الضعفاء" 1/ 206، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 1/ 163، والدارقطني 2/ 174، والبيهقي 4/ 276، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" 2/ 46 (1137)، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 101 (1139)، والمزي في "التهذيب" 4/ 568 - 569. =
ولأحمد: فقالت: إني صائمة، ولكن كرهت أن أرد سؤرك، فقال:"إن كان قضاءً من رمضان فاقضي مكانه يومًا وإن كان تطوعًا فإن شئت فاقضيه وإن شئت فلا تقضيه"
(1)
، وبحديث أبي سعيد لما قال رجل
= وفيه: قال شعبة فقلت له: أأنت سمعت هذا من أم هانئ؟ قال: لا، أخبرني أبو صالح وأهلنا عن أم هانئ.
ورواه أحمد 6/ 343، والنسائي في "الكبرى" 2/ 249 (3302)، وابن عدي 2/ 441، والدارقطني 2/ 173 - 174، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 101 (1140) من طريق محمد بن جعفر عن شعبة، به، وليس فيه ذكر لسماك، وفيه: دخل عليها يوم الفتح فأتي بإناء فشرب ثم ناولها
…
الحديث.
قال البخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 239: جعدة من ولد أم هانئ، عن أبي صالح عن أم هانئ، روى عنه شعبة، لا يعرف إلا بحديث فيه نظر اهـ.
قلت: هو حديثنا هذا؛ كذا قال العقيلي، وكذا الذهبي في "الميزان" 1/ 399.
(1)
أحمد 6/ 343 - 344، 424 من طريق حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن هارون ابن بنت أم هانئ -أو ابن أم هانئ، عن أم هانئ، به.
ورواه من هذا الطريق أيضًا الطيالسي 3/ 188 (1721)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 250 (3305)، والطبراني 24 (990)، والدارقطني 2/ 174 - 175، وابن الجوزي 2/ 101 (1141).
ورواه الترمذي (731)، والنسائي 2/ 250 (3306)، والطبراني (24/ 991)، وابن الجوزي 2/ 101 (1138) من طريق أبي الأحوص، عن سماك بن حرب، عن ابن أم هانئ، عن أم هانئ قالت: كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث، وفيه: فقال صلى الله عليه وسلم: "أمن قضاء كنت تقضينه"، قالت: لا، قال:"فلا يضرك".
ورواه أحمد 6/ 342 من طريق إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن رجل، عن أم هانئ قالت: لما كان يوم فتح مكة .. الحديث، وفي آخره:"لا يضرك إذًا".
ورواه أحمد 6/ 424، والفاكهي في "أخبار مكة" 3/ 271 - 272 (2105)، والنسائي 2/ 251 (3309)، والدارقطني 2/ 175، والحاكم 1/ 439، والبيهقي 4/ 276 من طريق حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب، عن أبي صالح، عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح .. الحديث، وفيه: قال صلى الله عليه وسلم: "فإن الصائم المتطوع بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه النسائي 2/ 250 (3304)، والطبراني 24 (993)، والدارقطني 2/ 174، والبيهقي 4/ 276 من طريق أبي عوانة، عن سماك، عن ابن أم هانئ، عن جدته أم هانئ قالت: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب يوم فتح مكة .. الحديث.
ورواه الطبراني 24 (992) من طريق قيس بن الربيع، عن سماك به.
قال النسائي 2/ 252: حديث أم هانئ مضطرب، اختلف على سماك فيه، وسماك بن حرب ليس ممن يعتمد عليه إذا انفرد بالحديث؛ لأنه كان يقبل التلقين، وأما حديث جعدة فإنه لم يسمعه من أم هانئ، ذكره عن أبي صالح عن أم هانئ، وأبو صالح هذا اسمه باذان، وقيل باذام، وهو مولى أم هانئ، وأبو صالح هذا نقل ابن عيينة أنه كذاب اهـ. بتصرف.
قال الدارقطني: اختلف عن سماك فيه، وإنما سمعه سماك من ابن أم هانئ، عن أبي صالح، عن أم هانئ.
وقال عبد الحق في "أحكامه" 2/ 229 - 230: طريق حماد بن سلمة، عن سماك، عن هارون بن هانئ عن أم هانئ، هو أحسن أسانيد أم هانئ، وإن كان لا يحتج به اهـ.
بتصرف وأورد ابن القطان في "بيان الوهم" 3/ 434 كلام عبد الحق، وقال: وهو كما ذكر، إلا أن العلة لم يبينها، وهي الجهل بحال هارون ابن أم هانئ، أو ابن ابنة أم هانئ، فكل ذلك قيل فيه، وهو لا يعرف أصلًا اهـ.
والحديث رواه أبو داود (2456) كتاب: الصوم، باب: في الرخصة في ذلك، والبيهقي 4/ 277 من طريق جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن أم هانئ قالت: لما كان يوم الفتح -فتح مكة- جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم هانئ عن يمينه قالت: فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته فشرب منه ثم ناوله أم هانئ فشربت منه، فقالت: يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة، فقال لها:"أكنت تقضين شيئًا"، قالت: لا. قال:
"فلا يضرك إن كان تطوعًا".
قال المنذري في "المختصر" 3/ 334: في إسناده مقال، ولا يثبت، وفي إسناده اختلاف كثير.
وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(2120): حديث صحيح، وقال العراقي: =
في وليمته: أنا صائم، قال له عليه السلام:"دعاكم أخوكم وتكلَّف لكم، أفطر وصم مكانه يومًا إن شئت" أخرجه البيهقي، ثم قال: وروي بسند آخر عنه
(1)
، وبحديث عائشة: يا رسول الله، أهدي لنا حيس قال: "أما
= إسناده حسن، لكن ذكر الفتح فيه منكر؛ لأن (الفتح) كان في رمضان، فكيف يتصور قضاء رمضان في رمضان؟! قاله ابن التركماني والعسقلاني اهـ. وانظر:"البدر المنير" 5/ 734 - 737، و"الصحيحة"(2802) ففيه تصحيح لحديث أحمد الذي ذكره المصنف.
(1)
"سنن البيهقي" 4/ 279 من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن أبي أويس، عن محمد بن المنكدر عن أبي سعيد الخدري به.
قال الحافظ في "الفتح" 4/ 210: إسناده حسن، وقال في "التلخيص" 3/ 198: عند ابن عدي من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن أبيه، عن ابن المنكدر، عن أبي سعيد، وفيه لين، وابن المنكدر لا يعرف له سماع من أبي سعيد اهـ.
قلت: وفيه نظر من وجهين: الأول: أنه أشار هنا إلى تضعيفه بالرغم من أنه قد حسنه في "الفتح" كما ذكرنا أولًا.
الثاني: أن حديث ابن عدي الذي في "الكامل" 6/ 440 هو من طريق محمد بن أبي حميد المديني، عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، عن أبي سعيد الخدري، لا كما أورد أنه من طريق إسماعيل بن أبي أويس.
وتابعه حماد بن أبي حميد حدثني محمد بن المنكدر، به، رواه الطبراني في "الأوسط" 3/ 306 (3240) من طريق عطاف بن خال المخزومي ثنا حماد بن أبي حميد، به.
قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 53: فيه: حماد بن أبي حميد، وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات، وقال العجلوني في "كشف الخفا" 1/ 206: رواه البيهقي، وهو ضعيف.
قلت: والطريق الآخر الذي أشار إليه البيهقي رواه هو في "سننه" 7/ 463 - 464، وأيضًا الطيالسي 3/ 655 (2317)، وابن عدي 6/ 440، والدارقطني 2/ 177 من طريق محمد بن أبي حميد، عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، عن أبي سعيد به. قال الدارقطني: حديث مرسل، وقال البيهقي: ابن أبي حميد يقال له: محمد، ويقال: حماد، وهو ضعيف، وقال الحافظ في "الفتح" 9/ 248: أخرجه =
إني أصبحت صائمًا" ثم أكل، حسنه الترمذي
(1)
وهو في مسلم
(2)
، زاد النسائي:"يا عائشة إنما منزلة من صام في غير رمضان أو في غير قضاء رمضان أو في التطوع بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله، فجاد منها بما شاء وأمضاه وبخل بما بقي فأمسكه"
(3)
، وحديث أنس مرفوعًا:"الصائم بالخيار فيما بينه وبين نصف النهار" ضعفه البيهقي
(4)
، وأخرجه من حديث أبي ذر وضعفه
(5)
، ومن حديث أبي أمامة، وإسناده
= الطيالسي والطبراني في "الأوسط" وفي إسناده راوٍ ضعيف، لكنه توبع، وقال في "التلخيص" 3/ 198: مرسل؛ لأن إبراهيم تابعي، ومع إرساله فهو ضعيف، لأن محمد بن أبي حميد متروك، ورواه الطيالسي فقال: عن إبراهيم، عن أبي سعيد، وصححه ابن السكن، وهو متعقب بضعف ابن أبي حميد اهـ.
والحديث حسنه الألباني في "الإرواء"(1952) بمجموع طرقه.
(1)
الترمذي (734) كتاب: الصوم، باب: صيام المتطوع بغير تبييت.
(2)
مسلم (1154) كتاب: الصيام، باب: جواز صوم النافلة
…
(3)
النسائي 4/ 194، وفي "الكبرى" 2/ 114 (2632).
(4)
البيهقي 4/ 277 من طريق عون بن عمارة، عن حميد الطويل، عن أبي عبيدة، عن أنس مرفوعًا به.
ورواه أيضًا ابن حبان في "المجروحين" 2/ 197، لكنه عن حميد عن أنس، بإسقاط أبي عبيدة.
قلت: وهو حديث ضعيف؛ لضعف عون بن عمارة، قال ابن حبان: كان عون صدوقًا ممن كثر خطؤه حتى وجد في روايته المقلوبات، فبطل الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(3526)، وقال في "الإرواء" 4/ 138: حديث ضعيف لا يصح.
(5)
البيهقي 4/ 278 من طريق يحيى بن غيلان، عن إبراهيم بن مزاحم، عن سريع بن نبهان قال: سمعت أبا ذر يقول: سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "الصائم
…
" الحديث قال البيهقي مشيرًا إلى تضعيف الحديث إبراهيم بن مزاحم وسريع بن نبهان مجهولان.
ضعيف
(1)
، ورواه موقوفًا على ابن عمر قال: ولا يصح رفعه
(2)
، وعن ابن مسعود: إذا أصبحت وأنت تنوي الصيام فأنت بأخير النظرين: إن شئت صمت، وإن شئت أفطرت
(3)
، وحديث "الموطأ" السالف عن ابن شهاب
(4)
أخرجه الترمذي بذكر عروة عن عائشة، ثم قال: والأصح إسقاط عروة فإنه قال: إنه لم يسمعه منه، وإنما سمعه عن ناس، عن بعض من سأل عائشة عنه
(5)
.
وروى الشافعي، عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج: قلت لابن شهاب: أسمعته من عروة؟ قال: لا إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان، أو رجل من جلسائه
(6)
، وقال الترمذي في "علله" عن محمد -يعني: البخاري- لا يصح حديث الزهري عن عروة، عنها في هذا، وجعفر بن برقان الراوي عن الزهري ثقة وربما يخطئ في الشيء
(7)
. وقال الخلال: أصحاب الزهري الثقات اتفقوا على إرساله، ووصله ابن برقان وابن أبي الأخضر ولا يعبأ بهما. ولما
(1)
البيهقي 4/ 278 من طريق عون بن عمارة، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة مرفوعًا به.
قال البيهقي: تفرد به عون بن عمارة العنبري وهو ضعيف.
قلت: فيه نظر، فلم يتفرد به عون بن عمارة، بل تابعه عيسى بن يونس، رواه ابن
عدي في "الكامل" 2/ 363 من طريق عيسى بن يونس، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة به. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(3526).
(2)
البيهقي 4/ 277.
(3)
رواه البيهقي 4/ 277.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
الترمذي 3/ 103 (735) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في إيجاب القضاء عليه.
(6)
"مسند الشافعي" 1/ 266.
(7)
"علل الترمذي الكبير" 1/ 352.
رواه النسائي من حديث جعفر وسفيان بن عيينة عن الزهري
(1)
، قال: هذا خطأ وهما ليسا بالقويين في الزهري ولا بأس بهما في غيره.
ورواه أيضًا من حديث يحيى بن أيوب، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة- ابن أخي موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن عروة عنها
(2)
، وذكر ابن عبد البر: أن القدامي وروح بن عبادة وعبد الملك بن يحيى رووه عن مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، والصحيح ما في "الموطأ" قال: ورواه صالح بن كيسان ويحيى بن سعيد الأنصاري وإسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة وعبد الله العمري، عن الزهري، عن عروة عنها، إلا أن مدار حديث صالح ويحيى على يحيى بن أيوب وليس بذاك القوي، وابن أبي حبيبة متروك، وابن برقان في الزهري ليس بشيء، وسفيان وابن أبي الأخضر في حديثهما عن الزهري خطأ كبير، وحفاظ أصحاب الزهري يروونه مرسلًا منهم: مالك ومعمر وابن عيينة، قال ابن عيينة: سألوا ابن شهاب وأنا شاهد: أهو عن عروة؟ قال: لا. قال ابن عبد البر: والظاهر أن السائل المشار إليه ابن جريج
(3)
.
(1)
"السنن الكبرى" للنسائي 2/ 247 (3291 - 3292).
(2)
السابق (3294).
(3)
انتهى من "الاستذكار" 10/ 196 - 201 بتصرف.
وننبه على أن عبارة ابن عبد البر في "الاستذكار" 10/ 196: مدار حديث صالح بن كيسان، ويحيى بن سعيد الأنصاري على يحيى بن أيوب. وليس بذاك القوي. كما نقل المصنف رحمه الله متصرفا.
وقال ابن عبد البر نحوًا من هذا الكلام في "التمهيد" 12/ 67 وعبارته: مدار حديث صالح بن كيسان، ويحيى بن سعيد. على يحيى بن أيوب، وهو صالح!.
كذا قال هنا: وهو صالح. وفي "الاستذكار": وليس بذاك القوي. والله أعلم. =
ورواه أبو خالد الأحمر، عن عبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد وحجاج بن أرطاة كلهم عن الزهري، عن عروة عنها. قال
(1)
: قد روي أيضًا في هذا الباب حديث لا يصح فيه قوله لهما: "صوما يومًا مكانه"
(2)
، وروي عنهما حديث ابن عباس أيضًا بمثل ذَلِكَ، وهو حديث منكر
(3)
.
قلت: أخرجه النسائي من حديث خطاب بن القاسم عن خصيف عنه
(4)
، وقال أبو حاتم الرازي: رواه عبد السلام بن حرب، عن خصيف، عن مقسم، عن عائشة، وهو أشبه بالصواب ومقسم أدرك عائشة
(5)
، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن عبد السلام بن حرب، عن سعيد بن جبير: أن عائشة وحفصة، فذكره
(6)
.
قال أبو عمر: وأحسن حديث في هذا الباب إسنادًا حديث ابن وهب، عن حيوة، عن ابن الهاد، عن زميل مولى عروة، عن عائشة
= قلت: ويحيى بن أيوب هنا هو الغافقي، أبو العباس المصري.
قال أحمد: سيِّئ الحفظ، وعن يحيى بن معين أنه قال: صالح، ومرة قال: ثقة، وقال أبو حاتم: محله الصدق، يكتب حديثه ولا يحتج به، وعن أبي داود: صالح وقال النسائي: ليس بالقوي. وفي موضع آخر: ليس به بأس.
قال الحافظ في "التقريب"(7511): صدوق ربما أخطأ.
انظر ترجمته في "التاريخ الكبير"(2919)، و"الجرح والتعديل"(542)، و"تهذيب الكمال" 31/ 233 (6792).
(1)
القائل هو ابن عبد البر.
(2)
تقدم تخريجه باستيفاء.
(3)
"التمهيد" 12/ 70.
(4)
"السنن الكبرى" 2/ 249 (3301).
(5)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 256 (758).
(6)
"المصنف" 2/ 291 (9092) لكنه، عن عبد السلام، عن خصيف، عن سعيد به.
بنت طلحة، عن عائشة، وحديث ابن وهب أيضًا عن جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة
(1)
، إلا أن غير جرير إنما يرويه عن يحيى بن سعيد عن الزهري
(2)
. ولما خرج النسائي حديث ابن الهاد قال: حَدَّثَني زميل، قال: زميل وليس بالمشهور، وقال البخاري: لا يعرف له سماع من عروة، ولا لابن الهاد منه، ولا تقوم به حجة
(3)
، ولما سأل مهنا أحمد عنه كرهه، وقال: زميل لا أدري من هو، وقال الخطابي: إسناده ضعيف، وزميل مجهول
(4)
.
قلت: ذكره ابن حبان في "ثقاته"
(5)
وخرج له الحاكم، وقال ابن عدي لما ذكر هذا الحديث: إسناده لا بأس به، وقد صرح بالسماع، ثم قال: ولو ثبت احتمل أن يكون أمرها استحبابًا
(6)
، وأما ابن حزم فصحح حديث جرير بن حازم وقال: لم يخف علينا قول من قال -يريد أحمد وابن المديني- أخطأ جرير في هذا الخبر، وهذا ليس بشيء؛ لأن جريرًا ثقة، وقد صح النص بالقضاء في الإفطار
(7)
.
قلت: وكذا صححه ابن حبان من حديث حرملة، عن ابن وهب، عن جرير
(8)
، والنسائي رواه من حديث أحمد بن عيسى الخشاب، عن ابن وهب
(9)
.
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
"التمهيد" 70/ 12.
(3)
"التاريخ الكبير" 3/ 450 (1500).
(4)
"معالم السنن" 2/ 116.
(5)
"ثقات ابن حبان" 6/ 347.
(6)
"الكامل في الضعفاء" 6/ 206.
(7)
"المحلى" 6/ 271.
(8)
"صحيح ابن حبان" 8/ 284 (3518) كتاب: الصوم، باب: قضاء الصوم.
(9)
"السنن الكبرى" 2/ 248 (3299).
وأعله ابن القطان بأحمد هذا، وقال: يروي أباطيل
(1)
، وقال ابن الحصار في "تقريب المدارك": هذا سند صحيح ورجاله رجال الصحيح ولا يضره الإرسال. قلت: وتابع جريرًا عن يحيى الفرجُ بن فضالة، أخرجه الدارقطني، لكن ضعفوه، وأخرج النسائي بإسناده الصحيح من حديث ابن عيينة، عن طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة في حديث الهدية "أدنيها فقد أصبحت صائمًا" فأكل ثم قال:"لكن أصوم يومًا مكانه"
(2)
وهو في مسلم بغير هذِه الزيادة
(3)
. ثم قال النسائي: هذا خطأ قد رواه جماعة عن طلحة فلم يذكر أحد منهم هذِه الزيادة.
وروى وكيع بن الجراح من حديث داود بن أبي عاصم عن سعيد بن المسيب: خرج عمر يومًا على أصحابه فقال: إني أصبحت صائمًا، فمرت بي جارية لي فوقعت عليها فما ترون؟ فقال علي: أصبت حلالًا وتقضي يومًا مكانه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر: أنت أحسنهم فتيا
(4)
. وهو منقطع فيما بين سعيد وعمر، ولعله سمعه من علي.
قال ابن حزم: روينا عن ابن عباس أنه كان يأمر المفطر في التطوع بقضاء يوم مكانه
(5)
، وفي "مصنف ابن أبي شيبة" من حديث عثمان البتي: أن أنس بن سيرين صام يوم عرفة فعطش عطشًا شديدًا، فأفطر
(1)
"بيان الوهم والإيهام" 3/ 285 - 286.
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 249 (3300).
(3)
مسلم (1154) كتاب: الصوم، باب: جواز صوم النافلة بنية من النهار.
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 272 (7772) بمعناه.
(5)
"المحلى" 6/ 270.
فسأل عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمروه أن يقضي يومًا مكانه. وعن مكحول، والحسن مثله، وعن عطاء، ومجاهد مثله
(1)
.
قال ابن عبد البر: ومن احتج في هذِه المسالة بقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فجاهل بأقوال أهل العلم، وذلك أن العلماء فيها على قولين: فقول أكثر أهل السنة: لا تبطلوها بالرياء أخلصوها لله. وقال آخرون: لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر، وقد ثبت في الحديث:"إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان صائمًا فلا يأكل"
(2)
فلو كان الفطر في التطوع حسنًا لكان أفضل ذَلِكَ وأحسنه في إجابة الدعوة التي هي سنة مسنونة، فلما لم يكن ذَلِكَ كذلك عُلم أن الفطر لا يجوز. وقال عليه السلام:"لا تصوم امرأة وزوجها شاهد يومًا من غير شهر رمضان إلا بإذنه"
(3)
. وفيه ما يدل على أن المتطوع لا يفطر ولا يفطره غيره؛ لأنه لو كان للرجل أن يفسد عليها صومها ما احتاجت إلى إذنه، ولو كان مباحًا لكان إذنه لا معنى له، فكذا في حديث الأعرابي:"إلا أن تطوع"
(4)
فأثبت الوجوب مع التطوع
(5)
.
(1)
"المصنف" 2/ 291 (9093 - 9097).
(2)
رواه مسلم (1431) كتاب: النكاح، باب: الأمر بإجابة الداعي إلى الدعوة، وأبو داود (2460) كتاب: الصوم، باب: في الصائم يدعى إلى وليمة، والترمذي (780) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في إجابة الصائم الدعوة. وأحمد 2/ 279، 489، 507. كلهم من حديث أبي هريرة.
(3)
يأتي برقم (5195) ورواه مسلم (1026)
(4)
سبق برقم (46) كتاب: الإيمان، باب: الزكاة من الإسلام، ورواه مسلم (11) كتاب: الإيمان، باب: بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام.
(5)
"التمهيد" 12/ 79 - 80.
قال القرطبي: وأجابوا عن حديث أبي جحيفة في الباب أن إفطار أبي الدرداء كان لقسم سلمان.
قلت: قد سلف أن ذَلِكَ ليس فيه، ولعذر الضيافة. وأيضًا يقول الحنفي: أخبارنا مثبتة، والثبوت أولى من النفي، وتلك الأخبار إما نافية أو مسكوت فيها عن القضاء.
خاتمة:
فيه من الأحكام: جواز الموآخاة في الله، وأنه عليه السلام -كان يفعله بين أصحابه؛ ليتحابوا ويتواسوا ويتزاوروا، واستحباب الزيارة والنظر إلى ذات المرأة غير ذات المحرم؛ ليعرف حالها، والمبيت عند المزور، والنوم للتقوي على القيام، والنهي عن الغلو في الدين، وتنبيه من غفل، وزينة المرأة للزوج، وقيام آخر الليل، وذكر ما جرى؛ ليحمل على الأوفق، وتصويبه للمصيب. وذُكر أن أبا الدرداء كان بعد ذَلِكَ يقول: تداركني سلمان تداركه الله، أحيانى أحياه الله، والله ما كان شيء أبغض إليَّ من سواد الليل إذا أقبل.
ونقل ابن التين عن مذهب مالك: أنه لا يفطر لضيف نزل به، قال: وكذلك لو حلف عليه بالطلاق والعتاق، وكذا لو حلف هو بالله ليفطرن كفَّر ولا يفطر.
52 - باب صَوْمِ شَعْبَانَ
1969 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. [1970 - مسلم: 1156 - فتح: 4/ 213]
1970 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ:"خُذُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا" وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّتْ وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا. [1969، 1970، 5861، 6464، 6465 - مسلم: 782، 1156 - فتح: 4/ 213]
ذكر فيه حديث أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ.
وفي رواية
(1)
يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ:"خُذُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا" وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ما دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا.
(1)
ورد بهامش الأصل: طريق آخر.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وفي رواية له: وما صام شهرًا كاملًا منذ قدم المدينة إلا رمضان
(2)
، وللترمذي من حديث أبي سلمة، عن أم سلمة محسنًا: ما رأيته يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان
(3)
، وصححه في "شمائله"، وقال: رواه غير واحد عن أبي سلمة، عن عائشة
(4)
، ويحتمل أن يكون أبو سلمة رواه عنهما، (أخرجه)
(5)
أبو داود من حديث أبي سلمة، عن أم سلمة: لم يكن يصوم من السنة شهرًا تامًا إلا شعبان يصله برمضان
(6)
، وحمله ابن المبارك على الأكثر، وأنه جائز في كلام العرب.
قال الترمذي: كأنه رأى كلا الحديثين متفقين، يقول: إنما معناه أنه كان يصوم أكثر الشهر، وقوله:(كان يصومه كله) أي: أكثره وقد جاء عنها مفسرًا: كان يصوم شعبان أو عامة شعبان
(7)
، وفي لفظ: كان يصومه كله إلا قليلا
(8)
. وهي أولى من رواية يحيى عن أبي سلمة.
وقال ابن التين: إما أن يكون في أحدهما وهم، أو يكون فعل هذا
(1)
مسلم (782) كتاب: صلاة المسافرين، باب: فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره.
(2)
مسلم (1156) كتاب: الصيام.
(3)
الترمذي (736) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في وصال شعبان برمضان.
(4)
"الشمائل"(302)
(5)
في (م): (أخرجهما).
(6)
أبو داود (2336) كتاب: الصوم، باب: فيمن يصل شعبان برمضان، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2024).
(7)
روى هذا اللفظ النسائي 4/ 150، وفي "الكبرى" 2/ 83 (2487)، والطحاوي في "شرح المعاني" 2/ 83.
(8)
روى هذا اللفظ النسائي 4/ 150، وفي "الكبرى" 2/ 83 (2488)، والطحاوي في "شرح المعاني" 2/ 83 (2487).
وهذا، أو أطلق الكل على الأكثر مجازًا. وقيل: كان يصومه كله في سنة وبعضه في أخرى، وقيل: كان يصوم تارة من أوله، وتارة من آخره، وتارة بينهما لا يخلي منه شيئًا بلا صيام، وخصصه بكثرة الصوم؛ لكونه ترفع فيه أعمال العباد. ففي النسائي من حديث أسامة قلت: يا رسول الله، [لا]
(1)
أراك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم"
(2)
.
وللترمذي من حديث صدقة بن موسى، عن ثابت، عن أنس: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: "شعبان؛ لتعظيم رمضان". قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: "صدقة في رمضان" ثم قال: حديث غريب، وصدقة ليس عندهم بذاك القوي
(3)
. وقد روي أن هذا الصيام كان؛ لأنه كان يلتزم صوم ثلاثة أيام من كل شهر كما
(1)
ليست في الأصل.
(2)
النسائي 4/ 201، ورواه أحمد 2/ 201، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 82، وابن عدي 2/ 293، وأبو نعيم في "الحلية" 9/ 18، والبيهقي في "الشعب" 3/ 378، والضياء في "المختارة" 4/ 142 - 143 (1356)، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب"(1022)، وكذا في "تمام المنة" ص:412.
(3)
الترمذي (663) كتاب: الزكاة، باب: ما جاء في فضل الصدقة.
ورواه أيضًا البيهقي في "سننه" 4/ 305 - 306، وفي "الشعب" 3/ 377 (3819)، والخطيب 13/ 314 - 315، والمزي في "التهذيب" 13/ 154 من طريق صدقة بن موسى، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك به.
قال المناوي في "فيض القدير" 2/ 50: قال ابن الجوزي: حديث لا يثبت، فيه صدقة بن موسى، قال ابن معين: ليس بشيء، وضعفه الألباني في "الإرواء"(889).
قال لابن عمرو، فربما شغل عن صيامها أشهرًا فيجتمع كل ذَلِكَ في شعبان فيتداركه قبل رمضان
(1)
، حكاه ابن بطال
(2)
، وورد كما قال ابن الجوزي في حديث أنه عليه السلام سئل عن صومه فيه فقال:"إن الآجال تكتب فيه فأحب أن يكتب أجلي وأنا في عبادة ربي"
(3)
.
وقال الداودي: أرى الإكثار فيه؛ لأنه ينقطع عنه التطوع برمضان.
قلت: ويجوز أنه كان يصوم صوم داود فيبقى عليه بقية فيكملها في هذا الشهر، والحكمة في كونه لم يستكمل غير رمضان؛ لئلا يظن وجوبه، فإن قلت: صح في مسلم: "أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم"
(4)
فكيف أكثر منه في شعبان دونه؟ قلت: لعله كان يعرض له فيه أعذار من سفر أو مرض أو غير ذَلِكَ، أو لعله لم يعلم بفضل المحرم إلا في آخر عمره قبل التمكن منه.
(1)
رواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 320 (2098) من طريق عمرو بن قيس، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبيه عبد الرحمن، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة، وربما أخره حتى يصوم شعبان.
قلت: وهو حديث ضعيف؛ قال الهيثمي 3/ 192: فيه: محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام، وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 324 مشيرًا إلى ضعفه، وفيه حديث ضعيف أخرجه الطبراني في "الأوسط" من طريق ابن أبي ليلى، وهو ضعيف.
وحديث ابن عمرو الذي أشار إليه المصنف رحمه الله يأتي برقم (1976)، ورواه مسلم (1159).
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 115.
(3)
رواه أبو يعلى في "مسنده" 8/ 311 - 312 (4911) من حديث أبي هريرة عن عائشة. قال في "المجمع" 3/ 192: فيه مسلم بن خالد الزنجي، وفيه كلام وقد وثق، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(5086).
(4)
مسلم (1163).
وفيه: أن أعمال التطوع ليست منوطة بأوقات معلومة، وإنما هي على قدر الإرادة لها والنشاط فيها.
فائدة:
معنى: "خذوا من العمل ما تطيقون" أي: تطيقون الدوام عليه بلا ضرر، واجتناب التعمق عام في جميع أنواع العبادات، والملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويله، وأوَّله المحققون على أن المعنى: لا يعاملكم بمعاملة الملل فيقطع عنكم ثوابه ورحمته وفضله حَتَّى تقطعوا أعمالكم. وقيل: معناه: لا يمل إذا مللتم، وقد سلف في الإيمان في باب: أحب الدين إلى الله أدومه
(1)
، وفي آخر كتاب الصلاة في باب: ما يكره من التشديد في العبادة
(2)
، و (حتى) بمعنى: حين. وقيل بمعنى: إذ. وقال الهروي: لا يمل أبدًا مللتم أم لم تملوا. وقيل: سمي مللًا على معنى الازدواج كقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194] فكأنه قال: لا يقطع عنكم فضله حَتَّى تملوا سؤاله.
وقولها: (وأحب الصلاة)، وفي لفظ: أحب الأعمال ما دووم عليه
(3)
، وفي رواية: ديم عليه
(4)
، كذا ضبطناه: دووم بواوين، وفي
(1)
سبق برقم (43).
(2)
سبق برقم (1150).
(3)
يأتي برقم (5761).
(4)
رواه الترمذي (2856)، وابن خزيمة 3/ 61 (1626).
قلت: وردت هذِه اللفظة في حديث آخر رواه الطبراني في "الأوسط" 8/ 40 (7896) من طريق الخضر المروزي، عن الجارود بن يزيد، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا: "إن النفس ملولة وإن أحدكم لا يدري =
بعض النسخ بواو. والصواب الأول كما قال النووي
(1)
. والديمة: المطر الدائم في سكونٍ، شبهت عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر، وأصله الواو فانقلبت بالكسرة قبلها.
فائدة:
فيه أيضًا: الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم خير من كثير منقطع؛ لأن بدوام القليل تدوم الطاعة.
فائدة:
شعبان سمي بذلك كما قال ابن دريد: لتشعبهم فيه، أي: تفرقهم في طلب المياه. قال: والشعب الاجتماع والافتراق، وليس من الأضداد وإنما هو لغة القوم
(2)
، وقال ابن سيده: لتشعبهم في الغارات. وقيل؛ لأنه شعب، أي: ظهر بين رمضان ورجب
(3)
، وعن ثعلب فيما حكاه أبو عمر الزاهد: لتشعب القبائل، أي: تفرقها لقصد الملوك والتماس الغبطة.
فائدة:
لم يصح في الصلاة في النصف منه حديث، كما نبه عليه ابن في حية أنها موضوعة، وفي الترمذي منها حديث مقطوع
(4)
. نعم، قيل: إنها
= ما قدر المدة، فلينظر من العبادة ما يطيق ثم ليداوم عليه، فإن أحب الأعمال إلى الله ما ديم عليه وإن قل".
قال في "المجمع" 2/ 259: فيه: الجارود بن يزيد، وهو متروك، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(3160).
(1)
"مسلم بشرح النووي" 6/ 71.
(2)
"جمهرة اللغة" 1/ 343 - 344.
(3)
"المحكم": 1/ 236 - 237.
(4)
الترمذي (739) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في ليلة النصف من شعبان. من =
الليلة المباركة في الآية، والأصح أنها ليلة القدر.
= طريق الحجاج بن أرطاة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فخرجت فإذا هو بالبقيع، فقال: "أكنت تخافين أن يحيف
الله عليك ورسوله"، قلت: يا رسول الله إني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: "إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب".
ورواه أيضًا من هذا الطريق ابن ماجه (1389) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في ليلة النصف من شعبان، وأحمد 6/ 238، وإسحاق بن راهويه 2/ 326 - 327 (850)، 3/ 979 - 980 (1700 - 1701)، وعبد بن حميد 3/ 233 (1507) واللالكائي في "شرح السنة" 3/ 496 - 497 (764)، والبيهقي في "الشعب" 3/ 380 (3826)، والبغوي في "شرح السنة" 4/ 126 (992)، وأعله ابن الجوزي في "العلل" 2/ 66 (915)، وقال الترمذي: هذا الحديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث الحجاج، وسمعت محمدًا يضعف هذا الحديث، وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير اهـ.
وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي".
قلت: قول المصنف رحمه الله عن حديث الترمذي: حديث مقطوع، غير مضبوط اصطلاحًا، فالحديث المقطوع- كما هو مقرر في مصطلح الحديث هو: ما أُسند أو أضيف إلى التابعي من قول أو فعل، وحديث الترمذي الذي أشار إليه المصنف هو حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فقول المصنف: حديث مقطوع، لعله يقصد به أنه حديث منقطع، وهو الحديث الذي في إسناده راوٍ روى عمن لم يسمع منه أو لم يدركه، وهو على قول بعض العلماء، وعرفه البعض بأنه الحديث الذي رواه مَن دون التابعي عن الصحابي، كمالك عن ابن عمر، وعرفه البعض بأنه الحديث الذي في إسناده راوٍ مبهم، والأول أشهر، وهو الذي ينطبق على حديث الترمذي المشار إليه؛ لأن الترمذي نقل عن البخاري: قال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج لم يسمع من يحيى اهـ. فهو بذلك منقطع في موضعين، وهذا يؤكد ما قلناه. والله أعلم.
وانظر: "علوم الحديث" لابن الصلاح ص 47 - 51، 56 - 59 ط. دار الفكر. =
وذكر الطرطوشي في "بدعه" عن أبي محمد المقدسي قال: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذِه التي تصلى في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وقد
= وقد ورد في فضل ليلة النصف من شعبان أحاديث: منها: ما رواه البيهقي في "الشعب" 3/ 382 - 1386، 3835، 3837 - 3838)، وضعفها الألباني في "ضعيف الترغيب"(620، 622، 1247، 1501، 1654).
ومنها: ما رواه ابن أبي عاصم في "السنة"(512)، والطبراني 20 (215)، وفي "مسند الشاميين" 1/ 128 - 129 (203)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 191، والبيهقي في "الشعب" 5/ 272 (6628) من طريق الأوزاعي وابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل مرفوعًا:"يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك أو مشاحن".
ووقع عند بعضهم بإسقاط قوله: عن أبيه.
قال ابن أبي حاتم في "العلل" 2/ 173 (2012): سألت أبي عن هذا الحديث، فقال: حديث منكر، وقال الألباني في "السنة": حديث صحيح ورجاله موثقون، لكنه منقطع بين مكحول ومالك بن يخامر، ولولا ذلك لكان الإسناد حسنًا، ولكن صحيح بشواهده.
ومنها: ما رواه ابن أبي عاصم (509)، والبزار في "البحر الزخار" 1/ 206 - 207 (80)، والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 29، وابن الجوزي في "العلل" 2/ 66 - 67 (916) عن أبي بكر الصديق، بنحو السند السابق.
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح ولا يثبت، وقال الألباني: حديث صحيح، وإسناده ضعيف.
وفي الباب أيضا من حديث أبي موسى، وأبي ثعلبة، وعلي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي هريرة.
قال العقيلي: وفي النزول في ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين، والرواية في النزول في كل ليلة أحاديث ثابته صحاح، فليلة النصف من شعبان داخلة فيها إن شاء الله.
وللوقوف على طرق هذا الحديث انظر: "الصحيحة"(1144)، فقد جمع طرق الحديث، والتي بمجموعها صححه.
بين ابن الصلاح أولًا والشيخ عز الدين إنكار ذَلِكَ، وقد حكم بينهما أبو شامة. والوقود في تلك الليلة أوله زمن يحيى بن خالد بن برمك؛ لأنهم كانوا مجوسًا فأدخلوا في الدين ما يموهون به على الطغام
(1)
، وقد أبطلها الملك الكامل ولله الحمد.
أخرى: استدل به القاضي أبو محمد على أصحاب داود حين قالوا: لا يصح صوم يوم الشك ونحن نقول: يصح صومه على وجه
(2)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: الطغام: أوغاد الناس.
(2)
انظر "عيون المجالس" 2/ 610.
53 - باب مَا يُذْكَرُ مِنْ صَوْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِفْطَارِهِ
1971 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَا صَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ، وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لَا وَاللهِ لَا يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لَا وَاللهِ لَا يَصُومُ. [مسلم: 1157 - فتح: 4/ 215]
1972 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ، حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ لَا تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ: عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسًا فِي الصَّوْمِ. [انظر: 1141 - فتح: 4/ 215]
1973 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا رضي الله عنه عَنْ صِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَائِمًا إِلَّا رَأَيْتُهُ وَلَا مُفْطِرًا إِلَّا رَأَيْتُهُ، وَلَا مِنَ اللَّيْلِ قَائِمًا إِلَّا رَأَيْتُهُ، وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتُهُ، وَلَا مَسِسْتُ خَزَّةً وَلَا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلَا عَبِيرَةً أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1141، 3561 - مسلم: 2330 - فتح: 4/ 215]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ: مَا صَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ، وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: والله لَا يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لَا والله لَا يَصُومُ.
وحديث مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عن أنس: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ، حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يَصُومَ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيئًا، وَكَانَ لَا تَشَاءُ ترَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلَّيًا إِلَّا رَأَيْتَةُ، وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيتهُ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ: عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسًا فِي الصَّوْمِ.
ثم ساق عن محمد، عن الأحمر -أبي خالد- عن حميد قال: سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ صِيَامِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَائِمًا إِلَّا رَأَيْتُهُ، الحديث.
الشرح:
تعليق سليمان عن حميد تقدم في باب: قيامه بالليل ونومه أيضًا
(1)
، ومحمد هذا قال الجياني وغيره: هو محمد بن سلام
(2)
.
وفي هذِه الأحاديث من الفقه: أن النوافل المطلقة ليس لها أوقات معلومة وإنما يراعى فيها وقت النشاط لها والحرص عليها.
وفيه: أنه عليه السلام لم يلتزم سرد الصيام الدهر كله، ولا سرد الصلاة بالليل كله رفقًا بنفسه وبأمته؛ لئلا تقتدي به في ذَلِكَ فيجحف بهم، وإن كان قد أُعطي من القوة في أمر الله تعالى ما لو التزم الصعب منه لم ينقطع عنه، فركب من العبادة الطريقة الوسطى فصام وأفطر وقام ونام، وبهذا أوصى عبد الله بن عمرو، فكان إذ كبر يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
وقول ابن عباس: أنه عليه السلام ما صام شهرًا كاملًا قط غير رمضان، يشهد لحديث أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة السالف بالصحة، وهما مبينان لحديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة: أنه عليه السلام كان يصوم شعبان كله، أن المراد بذلك أكثره، كما
سلف.
(1)
سلف برقم (1141).
(2)
"تقييد المهمل" 3/ 1028.
(3)
يأتي قريبًا برقم (1975).
وقول أنس: ما مسِسْت خزة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، كسر السين أفصح من الفتح، وهو دال على كمال فضائله خَلْقًا وخُلُقًا، وأما طيب رائحته فإنما طيبها الرب تعالى لمباشرته الملائكة ولمناجاته لهم.
54 - باب حَقِّ الضَّيْفِ فِي الصَّوْمِ
1974 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ الحَدِيثَ يَعْنِي:"إِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا". فَقُلْتُ: وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ؟ قَالَ: "نِصْفُ الدَّهْرِ". [انظر: 1131 - مسلم: 1159 - فتح: 4/ 217]
حَدَّثنَا إِسْحَاقُ، أَنا هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا عَلِيٌّ، ثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ الحَدِيثَ يَعْنِي:"إِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا". فَقُلْتُ: وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ؟ قَالَ: "نِصْفُ الدَّهْرِ".
إسحاق هذا قال الجياني: لم ينسبه أحد من شيوخنا ولا أبو نصر
(1)
، ورواه أبو نعيم في "مستخرجه" عن أبي أحمد، ثَنَا ابن شيرويه، ثَنَا إسحاق بن إبراهيم، أنا هارون، ثنا علي بن مبارك. وقد جاء في إكرام الضيف وبره أحاديث، وهو من صنع المرسلين، ألا ترى ما صنع إبراهيم صلى الله عليه وسلم بضيفه حين جاءهم بعجل سمين، وصح:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"
(2)
، ومن إكرامه أن يأكل معه ولا يوحشه بأن يأكل وحده، وهو معنى قوله:"وإن لضيفك عليك حقًّا"
(3)
يريد أن تطعمه أفضل ما عندك وتأكل
(1)
"تقييد المهمل" 3/ 985.
(2)
يأتي برقم (6138) كتاب: الأدب، باب: إكرام الضيف، ورواه مسلم (47) كتاب: الإيمان، باب: الحث على إكرام الضيف والجار. من حديث أبي هريرة.
(3)
رواه بهذا اللفظ أبو داود (1369) كتاب: التطوع، باب: ما يؤمر به من القصد في =
معه. ألا ترى أن أبا الدرداء كان صائمًا فزاره سلمان فلما قرب إليه الطعام قال: لا آكل حَتَّى تأكل، فأفطر أبو الدرداء من أجله وأكل معه، ومن حقه أن يقوم بحقه، والزور: الضيف، والرجل يأتيه زائرًا، الواحد والاثنان والثلاثة، والمذكر والمؤنث في ذَلِكَ بلفظ واحد، يقال: هذا رجل زَور، ورجلان زَور، وقوم زَور فيؤخذ في كل موضع؛ لأنه يتصدر في موضع الأسماء، ومثل ذَلِكَ هم قوم صوم وفطر وعدل في أن المذكر والمؤنث بلفظ واحد، وقد سلف، ذلك في الصلاة وقيل: زور جمع زائر مثل تاجر وتجر.
وحقها هنا: يريد الوطء، فإذا سرد الصوم ووالى قيام الليل ضعف عن حقها، وفي لفظ:"إن لأهلك"
(1)
بدل "زوجك"، والمراد بهم هنا: الأولاد والقرابة، ومن حقهم الرفق بهم والإنفاق عليهم وشبه ذَلِكَ. والزوج أفصح، وفي لغة زوجة.
= الصلاة، والترمذي (2413) كتاب: الزهد، والنسائي 4/ 210 - 211. كتاب: الصيام، صوم يوم وإفطار يوم.
(1)
رواه عبد بن حميد 1/ 287 - 288 (321)، والبزار في "البحر الزخار" 6/ 379 (2397).
55 - باب حَقِّ الجِسْمِ فِي الصَّوْمِ
1975 -
حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ اللهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ ". فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ". فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ:"فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ عليه السلام وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ". قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ عليه السلام؟ قَالَ: "نِصْفَ الدَّهْرِ". فَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1131 - مسلم: 1159 - فتح: 4/ 217]
ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ اللهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ ". فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا" الحديث بطوله.
وحق الجسم أن يترك فيه من القوة ما يستديم به العمل؛ لأنه إذا أجهد نفسه قطعها عن العبادة وفترت، كما قال في الحديث المروي عند أبي داود:"إن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى"
(1)
.
قال المبرد: المنبت: المسرع في السير، فكأنه وقفت دابته ولم يبلغ
(1)
قلت: لم أقف عليه عند أبي داود، إنما رواه ابن المبارك في "الزهد"(1179)، والبزار كما في "كشف الأستار"(74)، والخطابي في "العزلة" ص: 125، =
منزله، وقال صلى الله عليه وسلم:"أحب العمل إلى الله تعالى ما داوم عليه صاحبه وإن قل"
(1)
، وقال:"اكلفوا من العمل ما تطيقون"
(2)
فنهى عن التعمق في العبادة وإجهاد النفس في العمل؛ خشية الانقطاع، ومتى دخل أحد في شيء من العبادة لم يصلح له الانصراف عنها، وقد ذم الله تعالى
من فعل ذَلِكَ بقوله {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} الآية [الحديد: 27] فوبخهم على ترك التمادي فيما دخلوا فيه، ولهذا قال ابن عمرو حين ضعف عن القيام بما كان التزمه: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد
= والحاكم في "معرفة علوم الحديث" ص: 95 - 96، والقضاعي في "مسند الشهاب" 2/ 184 (1147)، والبيهقي في "سننه" 3/ 18، وعبد الكريم القزويني في "التدوين" 1/ 237 - 238 من طريق أبي عقيل محمد بن المتوكل، عن محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعًا به.
قال الحاكم: حديث غريب الإسناد والمتن، وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 62: فيه: يحيى بن المتوكل؛ وهو كذاب.
ورواه البيهقي في "الشعب" 3/ 401 - 402 (3885)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 336 (1375) من طريق محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر، عن عائشة مرفوعًا به.
ورواه ابن المبارك (1178) من طريق محمد بن سوقة، عن ابن المنكدر مرسلًا.
قال البخاري في "التاريخ" 1/ 103: المرسل أصح.
وللحديث طريق أخرى من حديث ابن عمرو بن العاص، رواه ابن المبارك (1334)، والبيهقي في "السنن" 3/ 19، وفي "الشعب" 3/ 402 (3886) عن عبد الله مرفوعًا به.
والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة"(2480).
(1)
سيأتي برقم (5861) كتاب: اللباس، باب: الجلوس على الحصير ونحوه، ورواه مسلم (782) كتاب: صلاة المسافرين، باب: فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، و (2818) كتاب: صفة الجنة والنار، باب: لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى. من حديث عائشة.
(2)
يأتي برقم (6465).
جاء في رواية أخرى تأتي في باب: صوم داود: "إنك إذا فعلت ذَلِكَ هجمت له العين"
(1)
. أي: غارتا ودخلتا وهجمت على الضرر دفعة واحدة، والهجم: أخذ الشيء بسرعة، وهجمت على القوم: دخلت عليهم، ويحتمل أن يكون هجمت بغلبة النوم وكثرة السهر.
وقوله: "بحسبك" أي: يكفيك أن تصوم ثلاثة أيام.
وفي رواية: "صم من كل عشرة يومًا"
(2)
وقد علل صيامها بأنه يعادل صيام الدهر كله، وسيأتي الكلام على ذَلِكَ. والسين ساكنة، أي: يكفيك ما ذكرته. ونقل ابن التين عن بعض العلماء أن صيامها حسن ما لم يعيِّنْها، وليس فيها تشبه بالفرض إذا لم يعين أيامًا من الشهر، مثل قصد أيام البيض فقد كرهه مالك، وقال: ما هذا ببلدنا، وقال: الأيام كلها لله، وكره أن يجعل على نفسه صوم يوم يوفيه أو شهر
(3)
، قال عنه ابن وهب: وإنه لعظيم أن يجعل على نفسه صوم يوم يوفيه أو شهر كالفرض، ولكن يصوم إذا شاء ويفطر إذا شاء، وذكر علي بن الفضل المقدسي في رسالة مالك إلى هارون أنه أمره بصيامها، وقال: بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ذَلِكَ صيام الدهر"
(4)
إلا أنه
(1)
يأتي قريبًا برقم (1979).
(2)
رواه النسائي في "المجتبى" 4/ 212، وفي "الكبرى" 2/ 130، وأحمد 2/ 224.
(3)
انظر: "المنتقى" 2/ 77.
(4)
هذا الحديث رواه أحمد 4/ 19، 5/ 34، 35، والدارمي 2/ 1093 (1788)، والبزار كما في "كشف الأستار"(1059) من حديث معاوية بن قرة، عن أبيه مرفوعًا:"صيام ثلاثة أيام من كل شهر، صيام الدهر وإفطاره".
قال المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/ 82: إسناده صحيح، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 196: رجاله رجال الصحيح.
وصححه الألباني في "الصحيحة"(2806).
تكلم في إسنادها -أعني: الرسالة- وهي مذكورة في "سنن الكجي" وهو ثقة إمام، وادعى الباجي أنه روى في إباحة تعمدها أحاديث لا تثبت، وفي "صحيح مسلم" عن (معاذة)
(1)
، قلت لعائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم. قلت: فمن أي شهر كان يصوم؟ قالت: ما كان يبالي من أي الشهر كان يصوم
(2)
.
قال: واختلف القائلون بإباحة تعمد صومها على أربعة أقوال في تعيينها: فقال ابن حبيب: كان أبو الدرداء يصوم أول يوم واليوم العاشر والعشرين
(3)
.
قال: وبلغني أن هذا كان صوم مالك، رواها ابن حبيب. قال الباجي: فيه نظر؛ لأن رواية ابن حبيب، عن مالك فيها ضعف ولو صحت، إذ أن المعنى أن هذا مقدار صوم مالك، فأما أن يتحرى صيامها، فالمشهور عن مالك منعه
(4)
.
وقال سحنون: يصوم أوله. واختاره الشيخان [أبو محمد و]
(5)
الحسن؛ لأنه لا يدري ما يمنعه من فعل ذَلِكَ من مرض، أو موت أو غير ذَلِكَ.
وفي الترمذي قال أبو ذر: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشر" ثم
(1)
في الأصل: (معاذ) والصواب ما أثبتنا كما في مصادر التخريج.
(2)
مسلم (1160) كتاب: الصيام، باب: استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر
…
(3)
انظر "المنتقى" 2/ 77.
(4)
"المنتقى" 2/ 77.
(5)
زيادة يقتضيها السياق، فالمشهور أن الشيخين في المالكية يطلق على أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني وأبي الحسن علي القابسي.
حسنه
(1)
، وقال الشيخ أبو إسحاق في "زاهيه": أفضل صيام التطوع أول يوم من الشهر من العشر الأول وحادي عشرة وحادي عشريه.
وقوله: "فصم صيام نبي الله داود ولا تزد عليه" وقال في الباب بعده: "لا أفضل من ذَلِكَ"
(2)
، وقال:"صم وأفطر"، وقال:"لا صام من صام الأبد" مرتين
(3)
، وقال فيمن صام الأبد:"لا صام ولا أفطر" أخرجاه
(4)
.
استدل بهذا من منع صوم الدهر من خمسة أوجه:
قوله: "ولا تزد""صم وأفطر"، "لا أفضل من ذَلِكَ"، دعاؤه على من صامه، أنه في معنى من لم يؤجَرْ لقوله:"لا صام ولا أفطر" لأنه أمسك ولا أجر له.
ومعنى: "لا صام من صام الأبد": أنه لم يصم يومًا ينتفع به، وتكون (لا) بمعنى لم، كقوله:{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)} [القيامة: 31] وقوله: "وأي عبدٍ لك لا ألما"
(5)
ويحتمل أنه دعا ليرجع عن ذَلِكَ، وأجاز
(1)
الترمذي (761) كتاب: الصوم.
ورواه أيضًا النسائي 4/ 222، وأحمد 5/ 162، والطيالسي 1/ 381 (477)،
والحميدي 1/ 227 (136)، وابن خزيمة 3/ 302 - 303 (2128)، وابن حبان 8/ 414 - 416 (3655 - 3656)، والبيهقي 4/ 294، والخطيب في "تالي التلخيص" 2/ 428 (257)، والمزي في "التهذيب" 31/ 318. والحديث صححه المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 5/ 753، وكذا رمز السيوطي لصحته في "الجامع الصغير" كما في "الفيض" 1/ 507 (735)، وحسنه الألباني في "الإرواء" (947).
(2)
يأتي برقم (1976).
(3)
يأتي برقم (1977).
(4)
قلت: قول المصنف رحمه الله عن هذا الحديث: أخرجاه، فيه نظر، فالحديث انفرد مسلم بإخراجه (1162) من حديث أبي قتادة.
(5)
رواه الترمذي (3284) كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة والنجم، والبزار =
مالك، وابن القاسم، وأشهب في "المجموعة" صيامه.
قال ابن حبيب: إنما النهي إذا صام فيه ما نهي عنه
(1)
، وهو مذهب
سائر الفقهاء إلا الظاهرية، فإنهم أثموا فاعله عمدًا بظاهر أحاديث النهي عنه
(2)
، وقد صح أنه قال:"إني أصوم وأفطر فمن رغب عن سنتي فليس مني"
(3)
، وعندنا أن صومه غير العيد والتشريق مكروه لمن خاف ضررًا أو فوت حق، ومستحب لغيره.
واحتج من لم يكرهه بقوله تعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: 184] وبقوله عليه السلام حكاية عن الله تعالى: "إلا الصوم فإنه لي"
(4)
.
قال الداودي: وإنما صار صيام يوم ويوم أفضل؛ لأنه أبقى لقوة الجسم وإذا استمر صار عادة.
= كما في "كشف الأستار"(2262)، والحاكم 1/ 54، 2/ 469، والبيهقي في "السنن" 10/ 185، وفي "الشعب" 5/ 392 - 393 (7055 - 7056). عن ابن عباس مرفوعًا.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 155: رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(1417).
ورواه الحاكم 1/ 55، 4/ 245، والبيهقي في "السنن" 10/ 185، وفي "الشعب" 5/ 393 (7057).
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 77.
(2)
انظر "المحلى" 7/ 12.
(3)
سيأتي برقم (5063) كتاب: النكاح، باب: الترغيب في النكاح، ورواه مسلم (1401) كتاب: النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت
…
من حديث أنس.
(4)
سبق برقم (1904)، ورواه مسلم (1151) من حديث أبي هريرة.
56 - باب صَوْمِ الدَّهْرِ
1976 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَقُولُ: وَاللهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ. فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. قَالَ: "فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ". قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ". قُلْتُ: إِنِّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عليه السلام وَهْوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ". فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ". [انظر: 1131 - مسلم: 1159 - فتح: 4/ 220]
ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَقُولُ: والله لأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ. إلى آخر الحديث. وفي آخره، "لا صام من صام الأبد" مرتين.
وقد أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
وفيه: أن التألي على الله تعالى في أمر لا يجد منه سعة ولا إلى غيره سبيلًا منهي عنه، كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو عما تألى فيه من قيام الليل وصيام النهار، وكذا من حلف: لا يتزوج، ولا يأكل، ولا يشرب، فهذا كله غير لازم عند أهل العلم؛ لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} [التحريم: 1] والذي حلف ألَّا ينكح أن ينكح، كذلك سائر المحرجات الشاملة مباح له إتيان ما حلف عليه، وعليه كفارة يمين.
(1)
مسلم (1159).
وفيه: أن التعمق في العبادة والإجهاد للنفس مكروه؛ لقلة صبر البشر على التزامها، لاسيما في الصيام الذي هو إضعاف للجسم، وقد رخص الله تعالى فيه في السفر لإدخال الضعف على من تكلف مشقة الحلِّ والترحال، فكيف إذا انضاف ذَلِكَ إلى من كلفه الله قتال أعدائه الكافرين؛ حَتَّى تكون كلمة الله هي العليا!؟
(1)
ألا ترى أنه عليه السلام قال ذَلِكَ في الحديث عن داود (وكان لا يفر إذا لاقى)
(2)
: أي أنه أبقى لنفسه قوة؛ لئلا يضعف نفسه عند المدافعة واللقاء، وقد كره قوم من السلف صوم الدهر، روي ذَلِكَ عن ابن عمر، وابن مسعود، وأبي ذر، وسليمان، وعن مسروق، وابن أبي ليلى، وعبد الله بن شداد،
(1)
قال ابن القيم رحمه الله: سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام وأفطر، وخير الصحابة بين الأمرين، وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله. فلو اتفق مثل هذا في الحضر، وكان في الفطر قوة لهم على لقاء عدوهم، فهل لهم الفطر؛ فيه قولان: أصحهما دليلًا: أن لهم ذلك وهو اختيار ابن تيمية، وبه أفتى العساكر الإسلامية لما لقوا العدو بظاهر دمشق، ولا ريب أن الفطر لذلك أولى من الفطر لمجرد السفر، بل إباحة الفطر للمسافر تنبيه على إباحته في هذِه الحالة، فإنها أحق بجوازه؛ لأن القوة هناك تختص بالمسافر، والقوة هنا له وللمسلمين؛ ولأن مشقة الجهاد أعظم من مشقة السفر؛ ولأن المصلحة الحاصلة بالفطر للمجاهد أعظمُ من المصلحة بفطر المسافر؛ ولأن الله تعالى قال:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]. والفطر عند اللقاء، من أعظم أسباب القوة. اهـ. "زاد المعاد" 2/ 52 - 53.
قلت: وحول هذا المعنى روى مسلم (1120) من حديث أبي سعيد الخدري قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام قال: فنزلنا منزلًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم" فكانت رخصة فمنا من صام
ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلًا آخر فقال: "إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا
…
".
(2)
الحديث الآتي (1977)، ورواه مسلم (1159/ 186 - 187).
وعمرو بن ميمون، واعتلوا بقوله في صيام داود:"لا أفضل من ذَلِكَ" وغيره كما سلف، وقالوا: إنما نهى عن صوم الأبد لما في ذَلِكَ من الإضرار بالنفس، والحمل عليها في منعها من الغذاء الذي هو قوامها وقوتها على ما هو أفضل من الصوم كصلاة النافلة وقراءة القرآن والجهاد وقضاء حق الزور والضيف، وقد أخبر الشارع بقوله: في صوم داود: "وكان لا يفر إذا لاقى" أن من فضل صومه على غيره إنما كان من أجل أنه لا يضعف عن القيام بالأعمال التي هي أفضل من الصوم، وذلك بثبوته لحرب الأعداء عند التقاء الزحوف وتركه الفرار منهم؛ فكان إذا قضى لصوم داود بالفضل على غيره من معاني الصيام، قد بين أن كل من كان صومه لا يورثه ضعفًا عن أداء الفرائض. وعمَّا هو أفضل من صومه ذَلِكَ من ثقل الأعمال وهو صحيح الجسم غير مكروه له صومه ذَلِكَ، وكل من أضعفه صومه النفل عن أداء شيء من الفرائض فغير جائز له صومه، بل هو محظور عليه، فإن لم يضعفه عنها عما هو أفضل منه من النوافل فإن صومه مكروه وإن كان غير آثم.
وكان ابن مسعود يقل الصوم، فقيل له في ذَلِكَ قال: إني إذا صمت ضَعُفْتُ عن الصلاة وهي أحب إليَّ منه
(1)
. وكان أبو طلحة لا يكافي يصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل الغزو، فلما توفي ما رأيته يفطر إلا يوم فطر وأضحى
(2)
.
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 310 (7903)، وابن سعد 9/ 15، والطبراني 9/ 175 - 176 (8875)، والبيهقي في "الشعب" 2/ 354 (2018). وقال الهيثمي 5/ 257: رجاله رجال الصحيح.
(2)
سيأتي برقم (2828) كتاب: الجهاد والسير، باب: من اختار الغزو على الصوم من حديث أنس.
وصححه الحاكم
(1)
، وقد سرد ابن عمر الصيام قبل موته بسنتين
(2)
، وسرده أبو الدرداء، وأبو أمامة الباهلي، وعبد الله بن عمرو، وحمزة بن عمرو، وعائشة، وأم سلمة، وأسماء بنت الصديق، وعبد الله وعروة ابنا الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وابن سيرين، وقالوا: من أفطر الأيام المنهي عن صومها فليس بداخل فيما نهي عنه من صوم الدهر، وحمل بعضهم النهي عنه لمن تضرر به، وأيده برواية أبي قلابة: أن امرأةً صامت حَتَّى ماتت؛ فقال عليه السلام: "لا صامت ولا أفطرت"
(3)
ومن صام حَتَّى بلغ به الصوم هذا الحد فلا شك أنه بصومه ذَلِكَ آثم.
وفي "صحيح ابن حبان" من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعًا: "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم" وضم أصابعه هكذا على تسعين
(4)
(1)
"المستدرك" 3/ 353.
قلت: وهذا قصور في العزو من المصنف رحمه الله لأن الحديث بتمامه في "صحيح البخاري" كما سبق.
ومما يؤخذ على الحاكم أيضًا أنه قال بعد روايته للحديث: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وهذا مما يؤخذ عليهما، فالحديث في "صحيح البخاري" كما مر.
قال الحافظ في "الفتح" 6/ 42: هذا الحديث يؤخذ فيه على الحاكم أن أصله في البخاري فلا يستدرك. اهـ. بتصرف.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 329 (9564).
(3)
رواه معمر بن راشد 11/ 292 (20571).
(4)
"صحيح ابن حبان" 8/ 349 (3584) كتاب: الصوم، باب: صوم الدهر، ورواه أحمد 4/ 414، والطيالسي 1/ 414 (516)، وابن أبي شيبة 2/ 328 (9554)، والبزار في "البحر الزخار" 8/ 68 (3063)، والعقيلي في "الضعفاء" 2/ 219، والبيهقي في "سننه" 4/ 300، وفي "الشعب" 3/ 403 - 404 (3891) من طريق الضحاك بن يسار عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا به.
قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 193: رجاله رجال الصحيح. =
قيل: هو مدح، وقيل: ذم كما أوضحته في "التحفة". وفي ابن ماجه بإسناد فيه ابن لهيعة من حديث ابن عمر مرفوعًا: "صام نوح الدهر إلا يومين الأضحى والفطر"
(1)
.
= ورواه البزار 8/ 67 (3062)، والرويا في 1/ 368 (561)، وابن خزيمة 3/ 313
(2154 - 2155) من طريق قتادة عن أبي تميمة عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا به.
ورواه الطيالسي 1/ 414 (515)، وابن أبي شيبة 2/ 382 (9553)، وعبد بن حميد 1/ 494 (562)، والبيهقي 4/ 300 من طريق قتادة، عن أبي تميمة، عن أبي موسى موقوفًا.
قال العقيلي: لا يصح مرفوعًا، وقال العراقي في "تخريج الإحياء" 1/ 189 (754): رواه أحمد والنسائي في "الكبرى" وابن حبان، وحسنه أبو علي الطوسي.
والحديث صححه الألباني بطرقه المرفوعة والموقوفة في "الصحيحة"(3202).
قلت: للعلماء في تأويل قوله: ضيقت عليه جهنم، قولان:
الأول: أن تضيق عليه جهنم فلا يدخلها جزاء لصومه.
الثاني: أن يكون إذا صام الأيام التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صومها فتعمد مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك عقوبة لمخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذان القولان قالهما البزار في "البحر" 8/ 69، وابن خزيمة 3/ 313 نقلًا عن المزني.
وعاب ابن حزم على من قال بالقول الأول، فقال: من نوادرهم قولهم: معناه: ضيقت عليه جهنم حتى لا يدخلها، وهذِه لكنة وكذب، أما اللكنة فإنه لو أراد هذا لقال: ضيقت عنه، ولم يقل: عليه، وأما الكذب فإنما أورده رواته كلهم على التشديد والنهي عن صومه اهـ. "المحلى" 7/ 16.
وأورد ابن القيم هذين القولين في "الزاد" 2/ 83، ومال إلى ترجيح القول الثاني، وهو الذي ذكره ورجحه الحافظ في "الفتح" 4/ 222، وكذا الألباني في تعليقه على "صحيح ابن خزيمة".
(1)
ابن ماجه (1814) كتاب؛ الصيام، باب: صيام نوح عليه السلام، ورواه البيهقي في "الشعب" 3/ 388 (3846)، والمزي في "التهذيب" 32/ 121 - 122 من طريق ابن لهيعة عن ابي قنان، عن يزيد بن رباح أبي فراس أنه سمع عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث. =
فرع:
قال القاضي والمتولي: صوم داود أفضل من صوم الدهر، وفي كلام غيرهما إشارة إلى تفضيل السرد وتخصيص هذا بابن عمرو ومن في معناه تقديره لا أفضل من هذا في حقك، يؤيد هذا أنه لم ينه حمزة بن عمرو عن السرد، ولو كان ما قاله لابن عمرو أفضل في حق كل الناس لأرشد حمزة إليه وبينه له.
وقال الغزالي في "الإحياء" بعد أن قرر استحباب صوم الدهر: ودونه مرتبة أخرى وهي صوم نصفه
(1)
. كذا ذكر، وهو أشد على النفس، ومن لا يقدر على ذَلِكَ فليصم ثلاثة، وهو أن يصوم يومًا ويفطر يومين، فإذا صام ثلاثة من أول الشهر، وثلاثة من وسطه، وثلاثة من آخره فهو ثلث واقع في الأوقات الفاضلة، فإن صام الاثنين والخميس والجمعة فهو قريب من الثلث.
= قال البوصيري في "المصباح" 2/ 72: إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة، وكذا ضعفه الألباني في "الضعيفة"(459)، وقال: ثم إن الحديث لو صح، لم يجز العمل به؛ لأنه من شريعة من قبلنا وهي ليست شريعة لنا على ما هو الراجح عندنا، لاسيما وقد ثبت النهي عن صيام الدهر في غير ما حديث عنه صلى الله عليه وسلم حتى قال صلى الله عليه وسلم، في رجل يصوم الدهر:"وددت أنه لم يطعم الدهر". رواه النسائي بسند صحيح اهـ.
(1)
"الإحياء" 1/ 238.
57 - باب حَقِّ الأَهْلِ فِي الصَّوْمِ
رَوَاهُ أَبُو جُحَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1968]
1977 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ عَطَاءً، أَنَّ أَبَا العَبَّاسِ الشَّاعِرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو رضى الله عنهما: بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ وَأُصَلِّي اللَّيْلَ، فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَىَّ، وَإِمَّا لَقِيتُهُ، فَقَالَ:"أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلَا تُفْطِرُ، وَتُصَلِّى [وَلَا تَنَامُ]؟ فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَظًّا". قَالَ إِنِّي لأَقْوَى لِذَلِكَ. قَالَ: "فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ عليه السلام". قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: "كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى". قَالَ مَنْ لِي بِهَذِهِ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ عَطَاءٌ: لَا أَدْرِي كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الأَبَدِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ". مَرَّتَيْنِ. [انظر: 1131 - مسلم: 1159 - فتح: 4/ 221]
رواه أبو جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم. هذا قد سلف مسندًا قريبًا
(1)
.
ثم ساق حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو السالف، وفيه:"وَإِنَّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَظًّا".
وفيه أبو العباس المكي الشاعر وهو السائب بن فروخ الأعمى والد العلاء.
ثم ترجم له:
(1)
سلف برقم (1968).
58 - باب صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ
1978 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ". قَالَ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: "صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا" فَقَالَ: "اقْرَإِ القُرْآنَ فِي شَهْرٍ". قَالَ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ. فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: "فِي ثَلَاثٍ". [انظر: 1131 - مسلم: 1159 - فتح: 4/ 224]
وفي سنده المغيرة، وهو ابن مقسِّم الكوفي، مات سنة ثلاث أو ست وثلاثين ومائة.
و:
59 - باب صَوْمِ نبي الله دَاوُدَ عليه السلام
-
1979 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ المَكِّيَّ -وَكَانَ شَاعِرًا وَكَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ- قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ: لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ ". فَقُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: "إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ العَيْنُ وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ". قُلْتُ: فَإِنِّى أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ عليه السلام، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى". [انظر: 1131 - مسلم: 1159 - فتح: 4/ 224]
1980 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، [بْنُ عَبْدِ اللهِ] عَنْ خَالِدٍ [الحَذَّاءِ] عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو المَلِيحِ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ، وَصَارَتِ الوِسَادَةُ بَيْنِى وَبَيْنَهُ، فَقَالَ:"أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "خَمْسًا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "سَبْعًا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "تِسْعًا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "إِحْدَى عَشْرَةَ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ عليه السلام شَطْرَ الدَّهْرِ، صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا". [انظر: 1131 - مسلم: 1159 - فتح: 4/ 224]
وذكره من طريقين عنه، وفيه أبو قلابة واسمه عبد الله بن زيد، وأبو المليح واسمه عامر بن أسامة.
وقوله: ("إنك إذا فعلت ذَلِكَ هجمت له العين") سلف بيانه قريبًا
(1)
.
وقوله: (نهتت) هو بالنون ثم هاء ثم مثناة فوق ثم أخرى مثلها،
(1)
ورد بهامش الأصل: حرره في "الكاشف".
ومعناها: ضعفت، ولأبي الهيثم: نهكت، وليست هذِه الكلمة معروفة في كلامهم حَتَّى "الصحاح"، كذا بخط الدمياطي في الحاشية، وقال ابن التين: ضبط بكسر التاء في بعض الروايات وبالفتح في بعضها، وأعجم التاء ثلاثًا، ثم قال: ولم يذكره أحد من أهل اللغة وإنما ذكره الهروي، وابن فارس بتاء معجمة باثنتين. قال ابن فارس: النهيت دون الزئير
(1)
. قال: وكذلك ذكر صاحب "الصحاح"
(2)
. قال الهروي: نهت ينهت أي: صوت، والنهيت: صوت يخرج من الصدر شبيه بالزجر، وقال في رواية أخرى: نهكت
(3)
، ولا وجه له إلا أن يقرأ بضم النون، من نهكته الحمى إذا نقضته، وسلف عقب باب: ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه: "فإنك إذا فعلت ذَلِكَ هجمت عينك ونفهت نفسك". ونفهت: أعيت وملَّت، وكذا في كتاب مسلم
(4)
، وذكره الهروي.
وقال الداودي: قوله في داود عليه السلام في "ولا يفر إذا لاقى" يريد أنه لم يتكلف من العمل ما يوهنه عن لقاء العدو. وقوله في الباب الأول: أسرد الصوم. أي: أديمه. وقوله: فإما أرسل إليَّ أو لقيته، الشك من عبد الله راويه، وسببه طول الزمن.
وقوله: ("أما يكفيك من الشهر صوم ثلائة أيام") وسبق: "صم يومًا وأفطر يومين"
(5)
، وفي أخرى: وذكر خمسًا وسبعًا وتسعًا، وإحدى
(1)
"مجمل اللغة" 2/ 845.
(2)
"الصحاح" 1/ 269.
(3)
رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة" 3/ 437 (656).
(4)
مسلم (1176).
(5)
سلف برقم (1976).
عشرة. فإما أن يكون اختصر المحدث في بعضها، أو حفظ بعضًا ونسي بعضًا، أو حدث عبد الله ببعضه تارة وبكماله أخرى.
وقوله في باب: صوم الدهر: بأبي أنت وأمي، أي: أفديك بهما، وهذا من جملة توقيره وحقيق فدائه بالأنفس.
وقوله: ("إحدى عشرة") هو الصواب، ووقع في رواية أبي الحسن بحذف الهاء، والصواب إثباتها، وكذا هو عند أبي ذر. وللأصيلى: أحد عشر بغير ياء.
ودخوله عليه السلام على عبد الله، فيه زيارة المفضول وإكرامه، وإلقاء الوسادة له من باب التكريم، وتواضعه عليه السلام وجلوسه بالأرض.
والأدم: الجلود. قال الداودي: الأدم: الجلد، والذي ذكره أهل اللغة: أن الأدم، بفتح الألف والدال: جمع أديم، وهو جمع نادر في أحرف، ومنه: أفيق وأفق، وأديم وأدم، وأهيب وأهب، زاد الهروي قضيم وقضم. قال: وهي الجلود البيض، ولم يذكر أنه نادر مثل ما ذكره الخطابي
(1)
، والليف: جمع ليفة.
وحق الأهل أن تبقى في نفسه قوة يمكنه معها الجماع، فإنه حق يجب للمرأة المطالبة به لزوجها عند بعض أهل العلم، كما لها المطالبة بالنفقة عليها؛ فإن عجز عن واحد منهما طلقت عليه بعد الأجل في ذَلِكَ، هذا قول أبي ثور وحكاه عن بعض أهل الأثر، ذكره ابن المنذر
(2)
، وجماعة الفقهاء على خلافه في الطلاق إذا عجز عن الوطء، وسيأتي الكلام في أحكام ذَلِكَ في موضعه من النكاح.
(1)
"غريب الحديث" للخطابي 2/ 502.
(2)
انطر "الإشراق" 1/ 124.
60 - باب صِيَامِ أَيَّامِ البِيضِ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ
1981 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِى صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ. [انظر: 1178 - مسلم: 721 - فتح: 4/ 226]
ساق فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ.
وسلف في باب الضحى في الحضر
(1)
، وأبو التياح اسمه: يزيد بن حميد.
واعترض ابن بطال فقال: ليس في حديث أبي هريرة أن الثلاثة الاْيام التي أوصاه بها من كل شهر هي الأيام البيض كما ترجم له، وهي موجودة في حديث آخر من حديث عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أُنيسة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن جرير بن عبد الله البجلي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر أيام البيض صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة"
(2)
.
(1)
برقم (1178).
(2)
رواه بهذا الإسناد النسائي في "المجتبى" 4/ 221، وفي "الكبرى" 2/ 136 (2728)، وأبو يعلى 13/ 492 (7504)، والطبراني في "الكبير" 2/ 356 (2499)، وفي "الأوسط" 7/ 298 - 299 (7550)، وفي "الصغير" 2/ 134 (913)، والبيهقي في "الشعب" 3/ 390 (3853)، والحديث أشار أبو زرعة إلى صحته، فقال فيما نقله عنه ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 266 - 267 (785): =
وروى شعبة، عن أنس بن سيرين، عن عبد الملك بن المنهال، عن أبيه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيام البيض وقال: "هو صوم الشهور"
(1)
، وروي من حديث عمر وأبي ذر مرفوعًا قال لأعرابي ذكر له أنه صائم:"أين أنت عن الغرِّ البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة"، رواه ابن عيينة، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن موسى بن طلحة، عن رجل من بني تميم يقال له: ابن الحوتكية، عن عمر وأبي ذر
(2)
. وممن كان يصوم أيام البيض من السلف عمر وابن مسعود وأبو ذر
(3)
ومن التابعين الحسن والنخعي، وسئل الحسن البصري لم صام الناس الأيام البيض؟ وأعرابي يسمع، فقال الأعرابي: لأنه لا يكون الكسوف إلا فيها ويحب الله أن لا يكون في السماء آية إلا كانت في الأرض عبادة
(4)
. وكذا قال الطحاوي: إن
= روي موقوفًا ومرفوعًا وهو أصح. وقال المنذري كما في "صحيح الترغيب" 1/ 603: رواه النسائي بإسناد جيد، وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 226: إسناده صحيح، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(3849) وكذا في "صحيح الترغيب "(1040).
(1)
رواه النسائي 4/ 224، وابن ماجه (1707) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأحمد 4/ 165، وابن سعد 7/ 43، وابن حبان 8/ 411 - 412 (3651)، والطبراني 19/ (24)، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(375).
ووقع عند بعضهم: هو صوم الشهر، وعند البعض: صوم الدهر.
(2)
رواه النسائي 4/ 223، 7/ 196 - 197، وأحمد 5/ 150، وعبد الرزاق في "المصنف" 4/ 299 (7874)، 4/ 516 - 517 (8693)، وابن خزيمة 3/ 302 (2127)، والضياء 1/ 420 - 421 (299)، وانظر:"الصحيحة"(1567).
(3)
رواه البيهقي 4/ 293.
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 124 - 125. بتصرف.
الكسوف يكون فيها دون غيرها، وقد أمرنا بالتقرب إلى الله تعالى بالصلاة والصيام وغير ذَلِكَ من فعل البر عند الكسوف وأمر بصيامها لذلك
(1)
.
وقال غيره: كأن البخاري أراد بالترجمة أحاديث ليست على شرطه، واعترض عليه أيضًا ابن التين وقال: لم يأت بحديث وإنما ذكرها لأجل حديث أبي ذر في الترمذي
(2)
، وليس إسناده عنده بالقوي فأشار أن فيه حديثًا، وكذا ابن المنير، وقال: الأحوط للمتطوع أن يخصص الثلاث الذي في حديث أبي هريرة بهذِه الأيام؛ ليجمع بين ما صح وما نقل في الجملة وإن لم يبلغ مرتبة هذِه
(3)
الصحة
(4)
قلت: جاء في بعض طرق حديث أبي هريرة ذَلِكَ مصرحًا به فلا حاجة إلى هذا التخرص.
أخرج الإمام أبو محمد عبد الله بن عطاء الإبراهيمي من حديث يونس بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي صادق، عن أبي هريرة: أوصاني خليلي بثلاث: بالوتر قبل أن أنام، وأصلي الضحى ركعتين، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. وهي البيض. وجاء فيه أحاديث أخر منها عن معاوية بن قرة، عن أبيه مرفوعًا:"صيام البيض صيام الدهر" أخرجه الدارمي في "مسنده"
(5)
. ومنها عن أبي ذر: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام ثلاث عشرة
(1)
"شرح معاني الآثار" 2/ 81.
(2)
الترمذي (761) وقال حسن، وقال الألباني: حسن صحيح.
(3)
ورد بالهامش: كذا في ابن المنير: هذا في.
(4)
"المتواري" ص 134.
(5)
"مسند الدارمي" 2/ 1093 (1788).
وصححه ابن حبان 8/ 413 (3652)، والألباني في "الصحيحة"(2806).
وأربع عشرة وخمس عشرة. رواه الترمذي محسنًا
(1)
، وفي لفظ:"من كان منكم صائمًا فليصم الثلاثة البيض"
(2)
.
ومنها عن أبي هريرة مرفوعًا: "صم أيام الغر" وهو مؤكد لحديثه السالف، أخرجه يوسف بن حماد في "الصوم" له وابن حبان
(3)
.
ومنها عن عمر: "فهلا البيض ثلاثًا"، واستشهد بأبي الدرداء وأبى ذر وعمار: أما سمعتم من النبي صلى الله عليه وسلم يقول الحديث فقالوا: نعم
(4)
.
ومنها عن عبد الملك بن قتادة، عن أبيه: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نصوم أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة قال: هي كهيئة الذكر، رواه النسائي
(5)
.
ومنها له عن ابن عباس: كان عليه السلام لا يفطر في أيام البيض في حضر
(6)
.
وروينا في كتاب "الصيام" للقاضي يوسف من حديث الحارث عن علي مرفوعًا: "صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر،
(1)
الترمذي (761). وحسنه أيضًا الألباني في "الإرواء"(947).
(2)
رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 11/ 120، والضياء في "المختارة" 1/ 422 (300).
(3)
ابن حبان 8/ 410 - 411 (3650) كتاب: الصوم، باب: صوم التطوع. ورواه أيضًا النسائي 4/ 222، 7/ 196، وفي "الكبرى" 2/ 136 (2729)، 3/ 155 (4822)، وأحمد 2/ 336، 346، وصححه الألباني في "الصحيحة"(1567).
(4)
رواه بنحوه البيهقي 9/ 321.
(5)
النسائي 4/ 225. وضعفه الألباني في "ضعيف النسائي" (150).
(6)
النسائي 4/ 198 - 199، وفي "الكبرى" 2/ 118 - 119 (2654)، وانظر:"الصحيحة"(580).
ويذهب وحر الصدور"
(1)
، وفي حديث الأعرابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
(2)
، وعن عثمان بن أبي العاصي مرفوعًا:"صيام حسن ثلاثة أيام من الشهر" أخرجه النسائي
(3)
.
ومن الغرائب أنه عليه السلام أمر بصيام ثلاثة أيام من كل شهر لما قدم المدينة ثم نسخ برمضان
(4)
، وحجة من اختار صيام الأيام البيض الآثار السالفة، واختار قوم من السلف صيام ثلاثة أيام من كل شهر غير معينة على ظاهر رواية حديث أبي هريرة في الباب.
وروى معمر، عن الجريري، عن أبي العلاء بن الشخير أن أعرابيًّا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن كثيرًا من وغر الصدور"
(5)
.
قال مجاهد: وغر الصدر: غشه
(6)
.
(1)
رواه البزار (1055 - 1056/ كشف)، وأبو يعلى 1/ 346 (442)، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 196: فيه: الحجاج بن أرطاة، وفيه كلام.
(2)
رواه أحمد 5/ 77 - 78، وابن الجارود في "المنتقى" 3/ 349 (1099)، وابن حبان 14/ 498 - 499 (6557)، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 196: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(3)
النسائي 4/ 219، ورواه أحمد 4/ 22، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 195 - 196 (1542)، والرويانى 2/ 492 (1522)، وابن حبان 8/ 409 - 410 (3649)، والطبراني 9/ 52 (8364)، وصححه الألباني في "صحيح النسائي"(1/ 24).
(4)
رواه البيهقي 4/ 201.
(5)
رواه بنحوه ابن حبان في "صحيحه" 14/ 497 - 498 (6557) من طريق مسلم بن إبراهيم عن قرة بن خالد عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، به.
(6)
رواه عبد الرزاق 4/ 298 (7872).
وممن كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ويأمر بهن: علي، ومعاذ، وأبو ذر، وأبو هريرة
(1)
، وكان بعض السلف يختار الثلاثة من أول الشهر وهو الحسن البصري.
وكان بعضهم يختار الاثنين والخميس وهي أم سلمة أم المؤمنين وقالت: إنه أمرها بذلك
(2)
، وكان بعضهم يختار السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الذي يليه الثلاثاء والأربعاء والخميس، ومن الشهر الذي يليه كذلك، وهي عائشة أم المؤمنين، وهو في الترمذي محسنًا
(3)
.
ومنهم من كان يصوم آخر الشهر وهو النخعي، ويقول: هو كفارة لما مضى.
فأما الذين اختاروا صوم الاثنين والخميس؛ فلحديث أم سلمة
(4)
وأخبار أخر رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الأعمال تعرض على الله
(1)
رواه البيهقي 4/ 293.
(2)
رواه أبو داود (2452). وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" 422/ 3: منكر.
وسيأتي قريبا زيادة تخريج لهذا الحديث.
(3)
الترمذي (746) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في صوم يوم الاثنين والخميس، ورواه أيضًا في "الشمائل" (309). قال الحافظ في "الفتح" 4/ 227: وروي موقوفًا وهو أشبه، وصححه الألباني في "مختصر الشمائل"(260).
(4)
رواه أبو داود (2452) كتاب: الصوم، باب: من قال الاثنين والخميس، والنسائي 4/ 221، وأحمد 6/ 289، 310، وأبو يعلى 12/ 315 (6889)، 12/ 326 (6898)، 12/ 416 (6982)، والطبرني 23 (397)، (1017)، والبيهقي 4/ 295، وفي "شعب الإيمان" 3/ 390 (3854). من طريق هنيدة الخزاعي، عن أمه قالت: دخلت على أم سلمة فسألتها عن الصيام فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الاثنين والخميس. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود"(422) منكر.
فيهما فأحبوا أن تعرض أعمالهم عليه وهم صيام
(1)
.
وأما مختار عائشة؛ فلئلا يكون من أيام السنة إلا قد صامته، وأما مختار الحسن؛ فلما رواه سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر ثلاثًا
(2)
، وصوب الطبري تصحيح كل الأخبار.
(1)
منها ما رواه أبو داود (2436) كتاب: الصوم، باب: في صوم الاثنين والخميس، والنسائي 4/ 201 - 202، وأحمد 5/ 200، 201، 204 - 205، 208 - 209، والطيالسي 2/ 23 (666)، وابن سعد 4/ 71، والدارمي 2/ 1069 - 1097 (1791)، والبزار في "البحر الزخار" 7/ 69 (2617)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 147 - 148 (2781 - 2783)، وأبو القاسم البغوي في "مسند أسامة"(49)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 225 (771)، وفي "الحلية" 9/ 18، والبيهقي في "سننه" 4/ 293، وفي "الشعب" 3/ 377 - 378 (3820)، وفي "فضائل الأوقات"(291)، والضياء في "المختارة" 4/ 142 - 143 (1356 - 1358) من طرق عن أسامة بن زيد مرفوعًا. والحديث صححه الحافظ في "الفتح" 4/ 236.
ومنها: ما رواه الترمذي (747) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في صوم الاثنين والخميس، ورواه في "الشمائل"(308)، وابن ماجه (4017) كتاب: صيام يوم الاثنين والخميس، وأحمد 2/ 329، والدارمي 2/ 1098 (1792) والمزي في "التهذيب" 25/ 201 - 202 من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا.
قال البوصيري في "المصباح" 2/ 77: إسناده صحيح رجاله ثقات.
وأصله في "صحيح مسلم"(2565) دون ذكر الصوم.
(2)
رواه أبو داود (2450) كتاب: الصوم، باب: في صوم الثلاث من كل شهر، والترمذي (742) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في صوم يوم الجمعة، وأحمد 1/ 406، والبزار في "البحر الزخار" 5/ 215 (1818)، وأبو يعلى 9/ 206 (5305)، وابن خريمة 3/ 303 (9129)، وابن حبان 8/ 403 (3641)، والبيهقي 4/ 294، والبغوي في "شرح السنة" 6/ 358 (1803) من طريق شيبان بن عبد الرحمن، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن مسعود به. =
ولكن لما صحَّ عنه أنه اختار لمن أراد صوم الثلاثة أيام من كل شهر الأيام البيض، فالصواب اختيار ما اختار، وإن كان غير محظور عليه أن يجعل صوم ذَلِكَ ما شاء من أيام الشهر؛ إذ كان ذلك نفلًا لا فرضًا.
فإن قلت: قد أسلفت أنه كان يصوم الاثنين، والخميس، والثلاثة من غرة الشهر، قلت: نعم، ولا يدل على أن الذي اختار للأعرابي من أيام البيض كما اختار وأن ذَلِكَ من فعله دليل على أن أمره له ليس بواجب وإنما هو ندب وأن لمن أراد من أمته صوم ثلاثة أيام من كل شهر يختار ما أحب من أيام الشهر؛ فيجعل صومه فيما اختار من ذَلِكَ كما كان عليه السلام يفعله، فيصوم مرة الأيام البيض، ومرة غرة الهلال، ومرة الاثنين والخميس؛ إذ كان لأمته الاستنان به فيما لم يعلمهم أنه له خاص دونهم. وفي النسائي بإسناد صحيح من حديث جرير مرفوعًا:"صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، الأيام البيض صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة "
(1)
.
قال القرطبي: كذا رُوِّيناه عن متقني شيوخنا برفع (أيام) و (صبيحة) على إضمار المبتدأ كأنه قال: أيام البيض عائدًا على ثلاثة أيام، و (صبيحة) ترفع على البدل من (أيام)، ومن خفض فيها فعلى البدل
= ورواه النسائي 4/ 204، وفي "الكبرى" 2/ 122 (2677) من طريق أبي حمزة، عن عاصم به.
قلت: وقع عند بعضهم بزيادة: وقلما كان يفطر يوم الجمعة.
قال النسائي: أبو حمزة هذا اسمه: محمد بن ميمون مروزي.
والحديث صححه ابن عبد البر في "الاستذكار" 10/ 260 ونقل الحافظ في "التلخيص" 2/ 216 تصحيح ابن عبد البر للحديث وسكت، فكأنما أقره على تصحيحه له، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2116): إسناده حسن.
(1)
تقدم تخريجه.
من الأيام المذكورة
(1)
.
وذكر الجواليقي فيما تخطئ فيه العامة من ذَلِكَ قولهم: الأيام البيض، يجعلون البيض وصفًا للأيام، والأيام كلها بيض وهو غلط، والصواب أن يقال: أيام البيض، أي: أيام الليالي البيض؛ لأن البيض صفة لها دون الأيام، ثم هذا الحديث مقيد لمطلق الثلاثة الأيام التي صومها كصوم الدهر، ويحتمل أن يكون عليه السلام عينها؛ لأنها وسط الشهر وأعدله كما قال:"خير الأمور أوساطها"
(2)
.
واختلف في: أي أيام الشهر أفضل للصوم؟ فقالت جماعة من الصحابة والتابعين منهم عمر، وابن مسعود، وأبو ذر: صوم الأيام البيض أفضل، وقد سلف ذَلِكَ مبسوطًا. وفي حديث ابن عمر: كان عليه السلام يصوم ثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين والخميس الذي بعده والخميس الذي يليه
(3)
، وفي حديث عائشة عند مسلم: كان لا يبالي
(1)
"المفهم" 3/ 233.
(2)
رواه ابن سعد 7/ 142، وابن أبي شيبة 7/ 187 (35118)، والبيهقي في "الشعب" 5/ 261 - (6601) عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن مطرف بن الشخير، قوله.
ورواه البيهقي 3/ 273 عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد، عن هارون، عن كنانة الحديث وفي آخره قال عمرو: بلغني أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "أمرًا بين أمرين وخير الأمور أوساطها".
قال البيهقي: هذا منقطع، وقال الشوكاني في "الفوائد" (95): رواه البيهقي معضلًا، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (1252). وانظر:"المقاصد الحسنة"(455)، و"الضعيفة"(3940).
(3)
رواه النسائي 4/ 220، وفي "الكبرى" 2/ 135 (2722)، والبيهقي في "الشعب" 3/ 389 (3851) من طريق شريك، عن الحر بن صباح عن ابن عمر به.
ورواه أبو يعلى 12/ 326 (6898) من طريق الحسن بن عبيد الله عن الحر بن =
من أي الشهر صام
(1)
. وحاصله ثلاثة أيام من كل شهر حيث صامها في أي وقت أوقعها كما قالت عائشة، واختلاف الأحاديث يدل على أنه لم يرتب على زمن بعينه من الشهر. ومن الغريب إبدال الخامس عشر بالثاني عشر مع أن الاحتياط صومه معه.
فصل:
قوله: (أوصاني خليلي) فيه: جواز قول الصاحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك ولا يقول: أنا خليله لقوله: "لو كنت متخذًا خليلا لتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن إخوة الإسلام" وقد تقدم
(2)
.
وقوله: "وأن أُوتر قبل أن أنام" قال الداودي: فيه جواز النفل بعد الوتر وتعجيل الوتر قبل القيام لما يخشى من غلبة النوم
(3)
(4)
.
= الصباح، عن هنيدة الخزاعي، عن امرأته، عن أم سلمة قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صم من كل شهر ثلاثة أيام من أوله، الاثنين والخميس، والخميس الذي يليه". وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه شريك، عن الحر بن الصباح، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من الشهر الاثنين، والخميس الذي يليه ثم الاثنين الذي يليه، فقالا: هذا خطأ، إنما هو الحر بن صباح، عن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. "علل ابن أبي حاتم" 1/ 231 (671).
(1)
مسلم (1160) كتاب: الصيام، باب: استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر
…
(2)
سيأتي برقم (466)، كتاب: الصلاة، باب: الخوخة والممر في المسجد ورواه مسلم (2382) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق.
(3)
ورد بهامش الأصل: آخر 2 من 7 من تجزئة المصنف.
(4)
ورد بهامش الأصل: ثم بلغ في الخمسين كتبه مؤلفه غفر الله له.
61 - باب مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَمْ يُفْطِرْ عِنْدَهُمْ
1982 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدٌ -هُوَ: ابْنُ الحَارِثِ- حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، قَالَ" "أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّى صَائِمٌ". ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ، فَصَلَّى غَيْرَ المَكْتُوبَةِ، فَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي خُوَيْصَةً. قَالَ: "مَا هِىَ؟ ". قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ. فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلَا دُنْيَا إِلَّا دَعَا لِي بِهِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا وَوَلَدًا وَبَارِكْ لَهُ". فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصَارِ مَالًا. وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ البَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ.
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [6334، 6344، 6378، 6380 - مسلم: 2481 - فتح: 4/ 228] ذكر فيه حديث أَنَسٍ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، فقَالَ:"أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّى صَائِمٌ". ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ، فَصَلَّى غَيْرَ المَكْتُوبَةِ .. الحديث، وفي آخره: وقال: ابن أَبِي مَرْيَمَ، أنَا يَحْيَى بن أيوب، نا حُمَيْدٌ: سمعت أَنَسًا، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي بعض النسخ: حَدَّثَنَا ابن أبي مريم، وهو من أفراده، وهو من رواية الآباء عن الأبناء فإن فيه: وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة وفيه تصنيف للحافظ أبي بكر الخطيب
(1)
، وفي رواية محمد بن عبد الله الأنصاري، عن حميد:
(1)
رواية الآباء عن الأبناء هي: أن يروي الراوي عن ابنه، ومثاله: ما رواه العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين =
ثلاثة وعشرون ومائة. ذكرها الخطيب في الكتاب المذكور، وعند ابن اللباد أن المجتمعين من ولد أنس وولد ولده عشرون ومائة.
وفيه زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سليم؛ لأنها خالته من الرضاعة، كذا قال ابن التين. وقال ابن عبد البر: إحدى خالاته من النسب؛ لأن أم عبد الله سلمى بنت عمرو بن زيد بن أسد بن حراش ابن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم، وأنكره الدمياطي وقال: إنها خئولة بعيدة لا تثبت حرمة، ولا تمنع نكاحًا.
وفي الصحيح: أنه عليه السلام كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا على أم سليم فقيل له في ذَلِكَ، فقال:"أرحمها؛ قتل أخوها حرام معي"
(1)
فبين تخصيصها بذلك ولو كان ثم علة أخرى لذكرها؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز. وهذِه العلة مشتركة بينها وبين أختها أم حرام، وليس في الحديث ما يدل على الخلوة بها فلعله كان ذَلِكَ مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع، لكن العصمة قائمة به فلا حاجة إلى ذَلِكَ ولا حاجة إلى دعوى أن قتل حرام كان يوم بئر معونة في صفر سنة أربع
(2)
، ونزول الحجاب سنة خمس، فلعل دخوله عليها كان قبل ذَلِكَ؛ لما قلناه.
= بالمزدلفة، ومن فوائد معرفة هذا النوع، ألا يظن أن هناك انقلابًا في السند. انظر:"معرفة علوم الحديث" ص: 313 - 314.
(1)
سيأتي برقم (2844) كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير، ورواه مسلم (2455) كتاب: فضالل الصحابة، باب: فضائل أم سليم. من حديث أنس.
(2)
انظر: "الاستيعاب" 1/ 395 (515)، و"سير أعلام النبلاء" 1/ 241.
وفيه أيضًا: رجوع الطعام إلى أهله إذا لم يقبله من قدم إليه إذا لم يكن في ذَلِكَ سوء أدب على باذله ومهديه، ولا نقيصة عليه، ولا يكون عودًا في الهبة.
وقولها: (إن لي خويصة) هو بتشديد (الياء)
(1)
تصغير خاصة مثل دابة ودويبة. وفيه حجة لمالك والكوفيين أن الصائم المتطوع لا ينبغي له أن يفطر بغير عذر ولا سبب يوجب الإفطار، وليس هذا الحديث بمعارض لإفطار أبي الدرداء حين زاره سلمان وامتنع منه إن لم يأكل معه، وهذِه علة للفطر؛ لأن للضيف حقًّا كما قال عليه السلام
(2)
.
وفيه: أن الصائم إذا دعي إلى طعام فليدع لأهله بالبركة ويؤنسهم بذلك ويسرهم. وفيه: الإخبار عن نعم الله على الإنسان، والإعلام بمواهبه، وأن لا تجحد نعمه، وبذلك أمر الجليل في كتابه حيث قال:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} [الضحى: 11].
(1)
في الأصل: الصاد، والصواب ما أثبتناه.
(2)
من ذلك ما سيأتي برقم (2461، 6137)، ورواه مسلم (1727) من حديث عقبة بن عامر قال: قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك تبعثنا، فننزل بقوم لا يقرونا .. الحديث، وفي آخره:"فإن لم تفعلوا فخذوا منهم حق الضيف".
ومن ذلك ما جاء في حديث أبي الدرداء وسلمان السالف (1968) ففي بعض
ألفاظه كما عند الترمذي (2413)، وابن خزيمة 3/ 309 (2144):"ولضيفك عليك حقا".
ومن ذلك أيضا ما رواه أبو داود (1369) عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون فجاءه، فقال:"يا عثمان أرغبت عن سنتي؟ " وفيه: "فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، فصم وأفطر وصل ونم".
والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1239) وغير ذلك من الأحاديث.
وفيه: أن تصغير اسم الرجل على معنى التعطف له والترحم عليه والمودة له، لا ينقصه ولا يحطه.
وفيه: رد الهدية كما سلف ويخص الطعام من ذَلِكَ؛ لأنه إذا لم يعلم الناس حاجة فحينئذٍ يحمد رده، وإذا علم منهم حاجة فلا يرده ويبذله لأهله كما فعل عليه السلام بأم سليم في غير هذا الحديث حين بعث هو وأبو طلحة أنسًا إليها؛ لتعد الطعام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وفيه: التلطف بقولها: خادمك أنس.
وفيه: سؤال خير الدنيا والآخرة حيث قال: فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به.
وفيه: الدعاء بكثرة الولد والمال.
وفيه: أن المال خير للمريد الكفاف،.
وفيه: التصغير بمعنى الاختصاص، وقد سلف
وفيه: التأريخ بولاية الأمراء لقوله: (مقدم حجاج البصرة) وكانت ولاية الحجاج سنة خمس وسبعين
(1)
، وولد لأنس بعد ذَلِكَ وعاش ممن ولد له قبل قدومه وبعده، ومات سنة ثلاث وتسعين وهو آخر من توفي من الصحابة بالبصرة.
وقوله: (بضع وعشرون ومائة)، قيل: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، وقيل: ما بين الواحد إلى التسع، وقيل: ما دون الخمسة، وقد سلف ذَلِكَ. وقول ابن اللباد: وظاهر ما في البخاري (لصلبي)
خلافه.
(1)
انظر: "البداية والنهاية" 9/ 11.
وقوله: (مقدم الحجاج) تريد إلى مقدمه فكأنما عدت من دفن قبل قدومه، ويحتمل أن يكون عُدَّ في البخاري من مات له قبل مقدمه، وعد غيره من اجتمع له أحياء من ولده وولد ولده
(1)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: وفائدة الطريق الثاني المعلق تصريح حميد بالسماع من أنس؛ لأنه مدلس.
62 - باب الصوم من آخر الشهر
1983 -
حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، عَنْ غَيْلَانَ. وَحَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضى الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. أَنَّهُ سَأَلَهُ -أَوْ سَأَلَ رَجُلًا وَعِمْرَانُ يَسْمَعُ- فَقَالَ:"يَا أَبَا فُلَانٍ، أَمَا صُمْتَ سَرَرَ هَذَا الشَّهْرِ؟ ". قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: يَعْنِى رَمَضَانَ -قَالَ الرَّجُلُ: لَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ". لَمْ يَقُلِ الصَّلْتُ: أَظُنُّهُ يَعْنِي رَمَضَانَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ ثَابِثٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ". [مسلم: 1161 - فتح: 4/ 230]
ذكر فيه حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَأَلَهُ -أَوْ سَأَلَ رَجُلًا وَعِمْرَانُ يَسْمَعُ- فَقَالَ:"يَا أَبَا فُلَانٍ، أَمَا صُمْتَ سَرَرَ هَذَا الشَّهْرِ؟ ". قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: يَعْنِي رَمَضَانَ - قَالَ الرَّجُلُ: لَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ". لَمْ يَقُلِ الصَّلْتُ: -وهو شيخ البخاري- أَظُنُّهُ يَعْنِي رَمَضَانَ، وَقَالَ ثَابِثٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ".
قال أبو عبد الله: وشعبان أصح.
هذا الحديث أخرجه مسلم بلفظ: "هل صمت من سرر هذا الشهر شيئًا؟ " يعني: شعبان. من طريقين عن مطرِّف، وهو الصواب
(1)
.
وقوله: (وقال ثابت) أخرجه مسلم عن هداب بن خالد، ثنا حماد بن
(1)
مسلم (1161) كتاب: الصيام، باب: استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
وورد بهامش الأصل: في مسلم قبل الطريقين اللتين أشار إليهما الشيخ طريق أصرح منهما من طريق مطرف: "أصمت من سرر شعبان؟ " وهذِه أصرح مما ذكره.
سلمة، عن ثابت
(1)
، وجه كونه صوابًا أن رمضان يتعين صوم جميعه.
وذكر الحميدي في "جمعه" مقالة البخاري السالفة
(2)
. وقال الخطابي: ذكر رمضان فيه وهم
(3)
.
و (سرر الشهر) بفتح السين وضمها، وعن الفراء: أنه أجود -أعني: الفتح- وسراره بالفتح والكسر، وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: وهو قول أبي عبيد- لأنه آخر الشهر يستتر الهلال
(4)
، وبه قال عبد الملك بن حبيب: لثمان وعشرين ولتسع وعشرين، فإن كان تامًّا فليلة ثلاثين، وأنكره
(5)
غيره وقال: لم يأت في صوم آخر الشهر حض.
ثاتيها: أنه وسطه، وسرار كل شيء وسطه وأفضله، كأنه يريد الأيام الغر من وسطه.
ثالثها: وهو قول الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: سرة الشهر أوله، وعن الأوزاعي أنه آخره، حكاهما الخطابي
(6)
، وحكاهما البيهقي عنه، وقال: الصحيح آخره
(7)
، ولم يعرف الأزهري سرة. وهو ثابت في مسلم من حديث عمران. وحديث البخاري دال للأول. وادعى ابن التين: أنه المشهور عند أهل اللغة. وحمل الحديث الخطابي على أن الرجل كان أوجبه على نفسه نذرًا فأمره بالوفاء، أو كان اعتاده فأمره بالمحافظة عليه.
(1)
مسلم (1161/ 199).
(2)
"الجمع بين الصحيحين" 1/ 350.
(3)
"أعلام الحديث" 2/ 974.
(4)
"غريب الحديث" 1/ 251.
(5)
ورد تعليق في الأصل: يعنى أنكره على أبي عبيد.
(6)
"أعلام الحديث" 2/ 974، "معالم السنن" 2/ 84.
(7)
"سنن البيهقي" 4/ 211.
قال: وإنما تأولناه للنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين
(1)
.
وقال ابن التين عقبه: قال غيره: وجهه لمن يتحراه من رمضان، وحمل هذا على صومه تطوعًا لغير التحري.
وفيه: دليل على ابن سلمة في منعه صومه تطوعًا، وعلى أصحاب داود حين منعوا صومه أصلًا. وقيل: يحتمل أن يكون جرى هذا جوابًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكلام تقدمه لم ينقل إلينا وقيل: أمره به ليودعه.
وقوله: "يا أبا فلان" فيه: جواز الكنية.
وقوله: "فإذا أفطرت" وقع في مسلم زيادة: "رمضان"
(2)
. أي: منه حذفت، وهي مراده كقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ [الأعراف: 155] أي: من قومه، وقد جاء إثباتها في الدارمي
(3)
. وأمره بصوم يومين حض على ملازمة عادة الخير؛ لكي لا تقطع، ولئلا يمضي على المكلف مثل شعبان ولم يصم منه شيئًا، فلما فاته صومه أمره بتداركه؛ ليحصل له أجره من الجنس الذي فوته على نفسه، ويظهر كما قال القرطبي: أنه لمزية شعبان، فلا يبعد أن يقال: إن صوم يوم منه كصوم يومين في غيره، ويشهد له كثرة صومه فيه أكثر من صيامه في غيره
(4)
.
وقال الطبري: من اختار صيامها من آخر الشهر فلكفارة ذنبه.
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 974.
(2)
مسلم (1161).
(3)
"سنن الدارمي" 2/ 1090 (1783) كتاب: الصوم، باب: الصوم من سرر الشهر.
(4)
"المفهم" 3/ 235.
63 - باب صَوْمِ يَوْمِ الجُمُعَةِ، وإِذا أَصْبَحَ صَائِمًا يَوْمَ الجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ
يعني: إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده.
1984 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا رضي الله عنه: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. زَادَ غَيْرُ أَبِي عَاصِمٍ: أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَوْمهِ. [مسلم: 1143 - فتح: 4/ 232]
1985 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ". [مسلم: 1144 - فتح: 4/ 232]
1986 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ ح. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهْيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ:"أَصُمْتِ أَمْسِ؟ ". قَالَتْ: لَا. قَالَ "تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِين غَدًا؟ ". قَالَتْ: لَا. قَالَ: "فَأَفْطِرِي".
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ الجَعْدِ، سَمِعَ قَتَادَةَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ، أَنَّ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَتْهُ: فَأَمَرَهَا فَأَفْطرَتْ. [فتح: 4/ 232]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ: سَألْتُ جَابِرًا: أنَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنْ صَوْمِ يَوْمِ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. زَادَ غَيْرُ أَبِي عَاصِمٍ: أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَوْمهِ.
ثانيها: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ".
ثالثها: حَدَّثَنَا مُسَدَّد، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ. حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ، ثَنَا غُنْدَرٌ،
عن شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهْيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ:"أَصُمْتِ أَمْسِ؟ ". قَالَتْ: لَا. قَالَ: "تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومي غَدًا؟ ". قَالَتْ: لَا. قَالَ: "فَأَفْطِرِي".
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ الجَعْدِ، سَمِعَ قَتَادَةَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ
(1)
، أَنَّ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَتْهُ: فَأَمَرَهَا فَأَفْطَرَتْ.
الشرح: حديث جابر أخرجه مسلم إلى قوله: ورب هذا البيت
(2)
.
وغير أبي عاصم هو يحيى بن سعيد القطان كما بينه النسائي حيث قال: حَدَّثَنَا عمرو بن علي، عن يحيى، عن ابن جريج، أخبرني محمد بن عباد بن جعفر قلت لجابر: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أن ينفرد يوم الجمعة بصوم؟ قال: إي ورب الكعبة
(3)
. وكذا قال البيهقي.
قوله: (زاد غير أبي عاصم) ذكرها يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج، إلا أنه قضى بإسناده فلم يذكر فيه عبد الحميد بن (جبير)
(4)
.
ورواه الإسماعيلي، عن القاسم بن زكريا، عن عمرو بن علي، عن يحيى بن سعيد وأبي عاصم، عن ابن جريج، عن محمد .. الحديث، ثم قال: ذكر البخاري حديث أبي عاصم، عن ابن جريج، عن عبد الحميد، عن ابن (عباد)
(5)
.
وقد روينا من حديث أبي عاصم أيضًا كما قال يحيى: وتابعه فضيل بن سليمان وحفص بن غياث أيضًا، وكذا رواه عن ابن جريج
(1)
ورد بالهامش: فائدة التعليق تصريح قتادة بالسماع من أبي أيوب.
(2)
مسلم (1143) كتاب: الصيام، باب: كراهية صيام يوم الجمعة منفردًا.
(3)
"السنن الكبرى" 2/ 141 (2747).
(4)
في الأصل: (جعفر). وانظر: "سنن البيهقي" 4/ 302.
(5)
في الأصل: حماد وهو خطأ. والمثبت من "صحيح البخاري"
النضر بن شميل وحجاج، عند النسائى
(1)
. ورواه أبو سعيد محمد بن مبشر، عن ابن جريج، عن عبد الحميد: سمع محمد بن عباد -يعني: فيما ذكره البخاري قال: وليس أبو سعيد كهؤلاء.
قلت: وفيه حمل منه على البخاري وليس بجيد؛ لأن ابن جريج رواه عنه -كما رواه البخاري- الجم الغفير، منهم ما رواه أبو قرة في "سننه" عن ابن جريج وهو من أثبت الناس فيه، فقال: ذكر ابن جريج: أخبرني عبد الحميد بن جبير أنه أخبره محمد بن عباد به. وكذا رواه الدارمي في "مسنده" عن أبي عاصم
(2)
. ورواه أيضًا عن أبي عاصم، أبو موسى محمد بن المثنى، كما ساقه ابن أبي عاصم في كتاب "الصيام". ورواه مسلم من حديث عبد الرزاق، أنا ابن جريج به
(3)
. ورواه علي بن المفضل المقدسي من حديث إبراهيم بن مرزوق، ثنا أبو عاصم.
وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم والأربعة
(4)
. وفي رواية لمسلم: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم"
(5)
.
وفي رواية للحاكم: "يوم الجمعة عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده"
(6)
، وللنسائي من حديث أبي
(1)
"السنن الكبرى" 2/ 140 - 141 (2746، 2748).
(2)
"مسند الدارمي" 2/ 1094 (1789) كتاب: الصوم، باب: النهي عن الصيام يوم الجمعة.
(3)
مسلم (1143).
(4)
مسلم (1144)، أبو داود (2420)، الترمذي (743)، النسائي في "الكبرى" 2/ 142 (2756)، ابن ماجه (1723).
(5)
مسلم (1144/ 148).
(6)
"المستدرك" 1/ 437. =
الدرداء مرفوعًا: "يا أبا الدرداء، لا تختص الجمعة بصيام دون الأيام"، الحديث
(1)
.
وحديث جويرية من أفراده. ومحمد شيخ البخاري، ذكر أبو نعيم الأصبهاني في "مستخرجه" والإسماعيلي أنه ابن بشار بندار.
قال الجياني: لم ينسبه أحد من شيوخنا في شيء من المواضع، ولعله محمد بن بشار، وإن كان محمد بن المثنى يروي أيضًا عن شعبة، زاد أبو نضر: ومحمد بن الوليد البسري أيضا روى عن غندر في "الجامع الصحيح"
(2)
. وقال علي بن المفضل: الأقرب أنه بندار.
وأبو أيوب اسمه يحيى بن مالك، ويقال: حبيب بن مالك العتكي المراغي نفسه، وحماد بن الجعد، ويقال: ابن أبي الجعد ضعفوه، وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، وذكره عبد الغني في "الكمال" وقال: استشهد به البخاري بحديث واحد متابعة، ولم يذكر أن غيره أخرج
= ورواه أيضًا أحمد 2/ 303، 532، وإسحاق 1/ 451 (524)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 457 - 458 (2512)، وابن خزيمة 1/ 315 - 316 (2161)، والطحاوي 2/ 79 من طريق معاوية بن صالح، عن أبي بشر، عن عامر بن لدين الأشعري، عن أبي هريرة مرفوعًا به.
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، إلا أن أبا بشر هذا لم أقف على اسمه، وليس بيان بن بشر ولا بجعفر بن أبي وحشية، وشاهد هذا بغير هذا اللفظ مخرج في الكتابين، وقال الذهبي: أبو بشر مجهول، وشاهده في الصحيحين. وقال الألباني في "الضعيفة" (5344): منكر.
قلت: والشاهد الذي أشار إليه الحاكم والذهبي في الصحيحين هو حديث الباب (1985).
(1)
النسائي في "الكبرى" 2/ 141 - 142 (2752)، ورواه أحمد 6/ 444، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 105 (1167).
(2)
"تقييد المهمل" 3/ 1033 - 1034.
له
(1)
، وأسقطه في "الكاشف"
(2)
، وفي النسائي من حديث ابن المسيب، عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية بنت الحارث .. الحديث
(3)
.
وفي "مسند أحمد"، عن ابن عباس مرفوعًا:"لا تصوموا يوم الجمعة وحده"
(4)
، ومن حديث قتادة أيضًا
(5)
.
وفي الترمذي محسنًا من حديث ابن مسعود: قلَّ ما رأيت رسول الله
(1)
حماد بن الجعد، قال ابن معين: ضعيف ليس بثقة، وليس حديثه بشيء، ولينه أبو زرعة، وضعفه النسائي.
انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 828 (1475).
(2)
قلت: كذا قال، وتبعه العيني في "عمدة القاري" 9/ 178!
لكن وجدت الحافظ الذهبي قد ترجمه في "الكاشف" 1/ 348 (1214) وأثبته فقال: حماد بن الجعد، عن قتادة وثابت، وعنه أبو داود الطيالسي وهدبة، لين. خت. اهـ.
والاعتذار عنهما فيما وقعا فيه بما قالاه محققا الكتاب فقالا: الترجمة على الحاشية، ووضع لها المصنف لحقًا، ولم تظهر في الصورة تماما. فيبدو أن المصنف رحمه الله لم تظهر له هذِه الترجمة. والله أعلم.
(3)
"سنن النسائي" 2/ 142 (2753).
(4)
"مسند أحمد" 1/ 288. قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 199: فيه الحسين بن عبد الله بن عبيد الله، وثقه ابن معين، وضعفه الأئمة.
(5)
رواه ابن سعد 7/ 502، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 277 (2297)، والطحاوي 2/ 79، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 155، والطبراني 2/ 281 (2173)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 2/ 613 (1663)، والحاكم 3/ 608، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 105 (1170)، والمزي في "التهذيب" 5/ 511.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 234: إسناده صحيح، وعزاه للنسائي.
- صلى الله عليه وسلم يفطر يوم الجمعة
(1)
. وقال أبو عمر: حديث صحيح
(2)
. وقال ابن بطال: رواه شعبة، عن عاصم فلم يرفعه فهي علة فيه
(3)
. قال أبو عمر: وروى ابن عمر أيضًا أنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مفطرًا يوم جمعة قط
(4)
. رواه ابن أبي شيبة من حديث ليث، عن عمير بن أبي عمير، عنه
(5)
. قلت: ليث ضعيف.
وعن ابن عباس أنه كان يصوم يوم الجمعة ويواظب عليه
(6)
. ورواه ابن عباس أيضًا مرفوعًا أنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر يوم جمعة قط، رواه ابن شاهين من حديث ليث، عن عطاء عنه
(7)
. ومن حديث صفوان بن سليم، عن رجل من أشجع، عن أبي هريرة مرفوعًا: "من صام يوم
الجمعة أعطاه الله عشرة أيام من أيام الآخرة غرًا لا يشاكلهن أيام الدنيا"
(8)
.
(1)
الترمذي (742) وقد تقدم.
(2)
"الاستذكار" 10/ 260.
(3)
"شرح ابن بطال" 4/ 131.
(4)
"الا ستذكار" 10/ 260.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 304 (9260) كتاب: الصيام، باب: من رخص في صوم يوم الجمعة.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 304 (9259) كتاب: الصوم، من رخص في صوم يوم الجمعة.
(7)
ابن شاهين فِي "الناسخ والمنسوخ"(388) من حديث ليث، عن طاوس، عن ابن عباس، ومن هذا الطريق رواه البزار (1070/ كشف)، وابن الجوزي في "التحقيق" (2/ 106) (1173). قال الهيثمي 3/ 200: فيه: ليث بن أبي سليم، وهو ثقة ولكنه مدلس.
(8)
رواه البيهقي في "الشعب" 3/ 393 (3862 - 3863)، وفيه:"كتب الله له عشرة أيام عددهن من أيام الآخرة". وأورده المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/ 80 =
وفي "الموضوعات" للنقاش: "من صام يوم الجمعة غفر له ذنوب خمسين سنة، ومن صام يوم السبت حرم الله لحمه على النار".
قال ابن شاهين: الأحاديث المصرحة بفضل صومه طريقها فيه اضطراب، ولا يدفع (فضل)
(1)
صومه، وأما صومه عليه السلام فيجوز أن يكون كما أمر لغيره، ويجوز أن يكون هو له دون غيره، كما كان يأمر بالإفطار في النصف من شعبان
(2)
، ويصوم هو شعبان كله
(3)
، قال: والحديث الأول خرج على وجه النهي عن التفرد بصيامه، فإذا انضاف إليه يوم قبله أو بعده خرج عن النهي ولا يكون طريقه النسخ
(4)
.
إذا تقرر ذلك: فاختلف العلماء في صوم يوم الجمعة، فنهت طائفة عن صومه إلا أن يصام قبله أو بعده على ما جاء في هذِه الأحاديث، روي ذلك عن أبي هريرة وسلمان وعلله علي وأبو ذر بأنه يوم عيد
وطعام وشراب فلا ينبغي صيامه. وقد أسلفنا رواية الحاكم فيه، وهو قول ابن سيرين والزهري، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق، ومنهم من قال: ليفطر ليقوى على الصلاة في ذلك اليوم والدعاء والذكر
= (1579) وقال: رواه البيهقي، عن رجل من جشم، عن أبي هريرة، وعن رجل من أشجع، عن أبي هريرة أيضًا، ولم يسم الرجلين، وقال الألباني في "ضعيف الترغيب" (634): منكر.
(1)
في هامش الأصل: لعله: عدم.
(2)
يشير إلى ما رواه أبو داود (2337) عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا".
والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2025).
(3)
يدل لذلك ما سلف برقم (1970)، ورواه مسلم (1156/ 176) وانظر:"الناسخ والمنسوخ" لابن شاهين ص 329.
(4)
"الناسخ والمنسوخ" ص 328.
بعدها. قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: 10] وروى ذلك عن النخعي، كما قال ابن عمر: لا يصام يوم عرفة بعرفة من أجل الدعاء
(1)
. ومنهم من قال: الحكمة فيه لئلا يعتقد وجوبه وهو منقوض بالصوم المرتب كعرفة وغيرها، ومنهم من قال: إنه أفضل الأيام، فخشي افتراضه كقيام رمضان، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه عمر ومنهم من قال: لئلا يلتزم الناس من تعظيمه ما التزمت اليهود في السبت وفيه نظر؛ لأن فيه وظائف حث الشارع عليها، وعبر بعضهم فيه عنه بأنه يوم يجب صومه على النصارى، ففي صومه تشبيه لهم.
وقال الطحاوي بعد أن روى حديث أبي هريرة: "إن يوم الجمعة عيدكم" كره أن يقصد إلى يوم بعينه بصوم للتفرقة بينه وبين شهر رمضان وسائر الأيام؛ لأن فريضة الله في رمضان بعينه وليس كذلك
سائر الأيام
(2)
.
والمعتمد الأول أن معناه: التقوي على وظائفه، وإنما زالت الكراهة
بصوم يوم معه لجبر ساقه فحصل من فتور أو تقصير في وظائف الجمعة بسبب صومه. وللشافعي قول أنه لا يكره إلا لمن كان إذا صامه منعه عن الصلاة التي لو كان مفطرًا لفعلها، رواه المزني في "جامعه الكبير". وفي لفظ: لا يتبين لي أنه نهى عن صومه إلا على الاختيار.
قال ابن الصباغ: وحمل الشافعي أحاديث النهي على من كان الصوم يضعفه ويمنعه من الطاعة. وقال صاحب "البيان" -من
(1)
انظر "مصنف عبد الرزاق" 4/ 279 (7803)، 4/ 280 (7805)، 4/ 281 (7810، 7811)، 4/ 282 (7813)، "روضة الطالبين" 2/ 387، "المغني" 4/ 426 - 427، "مسائل أحمد برواية الكوسج" 1/ 293.
(2)
"شرح معاني الآثار" 2/ 79.
أصحابنا- في كراهة إفراده بالصوم وجهان: المنصوص الجواز
(1)
. وقال الماوردي؛ مذهب الشافعي أن معنى نهي الصوم فيه أنه يضعف عن حضور الجمعة والدعاء فيها، فكل من يضعفه الصوم عن حضورها كان مكروهًا وإلا فلا بأس به، وقد داوم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صوم
شعبان، ومعلوم أن فيه جمعات كان يصومها وكذلك رمضان فعلم أن معنى نهي الصوم فيه ما ذكرناه
(2)
.
وقال الغزالي في "الإحياء": يستحب الصوم في الأيام الفاضلة في الإسبوع، ثم ذكر الاثنين والخميس والجمعة، فلعله أراد الجمعة مع الخميس
(3)
.
ولو أراد اعتكاف يوم الجمعة فهل يستحب له صومه ليصح اعتكافه بالإجماع، أو يكره لكونه أفرده بالصوم؟ فيه احتمالان، ويستثنى عندنا من النهي ما إذا وافق عادة له بأن نذر صوم يوم شفاء مريضه أو قدوم زيد أبدًا فوافق الجمعة. صرح به النووي في "شرح المهذب"
(4)
.
وأجازت طائفة صيامه، روي عن ابن عباس أنه كان يصومه ويواظب عليه
(5)
.
قال مالك في "الموطأ": لم أسمع أحدًا من أهل العلم ومن يقتدى به ينهي عنه. وصيامه حسن، ورأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه
(6)
، قيل: إنه كان محمد بن المنكدر.
(1)
"البيان" 3/ 561.
(2)
"الحاوي الكبير" للماوردي 3/ 478.
(3)
"الإحياء" 1/ 237.
(4)
"شرح المهذب" 6/ 479.
(5)
انظر "مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 304 (9259).
(6)
"الموطأ" ص 207.
قال ابن بطال: وأحاديث النهي أصح، ثم قال: وأكثر الفقهاء على الأخذ بأحاديث الإباحة؛ لأن الصوم عمل بر فوجب أن لا يمنع منه إلا بدليل لا معارض له
(1)
.
قلت: وأي دليل أقوى من الأحاديث الصحيحة السالفة والمعارض لم يصح أو مؤول، وروى ابن القاسم عن مالك، أنه كره أن يجعل على نفسه صوم يوم مؤقت.
قال ابن التين، عن بعضهم: يحتمل أن تكون هذِه رواية مالك في منع صوم يوم الجمعة، وأنصف الداودي فقال: لم يبلغ مالكًا الحديث بالمنع ولو بلغه لم يخالفه، قال: ولا يبالي صام الذي يليه قبله أو بعده؛ لأن من صام يوما سواه فقد صام قبله أو بعده؛ لأنه لم يقل اليوم الذي يليه. قال: وحديث جويرية يدل أن قبله يوم الخميس وبعده يوم السبت؛ لأنه قال لها: "أصمت أمس؟ " قالت: لا. قال: "أفتريدين أن تصومي غدًا" قالت: لا، ولم يسألها هل صامت قبل أمس؟ ولا هل تصومين بعد غد؟ وقال ابن التين: ورد في صومه أحاديث متفقة المعنى: حديث أبي هريرة وجويرية وطريق أبي هريرة الآخر يعني: عند مسلم
(2)
، وهي أحاديث صحيحة والتعلق بها واجب.
فائدة: حديث أبي هريرة الذي سقناه عن مسلم احتج به جماعة من العلماء على كراهة الرغائب التي هي ليلة أول الجمعة في رجب
(3)
،
(1)
"شرح ابن بطال" 4/ 131.
(2)
مسلم (1144).
(3)
قلت: روى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 10/ 408 من طريق إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي قعنب عن أبي أمامة الباهلي مرفوعًا: "خمس ليال لا ترد فيهن الدعوة: أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الجمعة، وليلة الفطر وليلة النحر". =
وصلاة نصف شعبان
(1)
.
= قال الألباني في "ضعيف الجامع"(2852)، وفي الضعيفة، (1452): موضوع. وروى البيهقي في "فضائل الأوقات"(11) من طريق خالد بن الهياج، عن أبيه، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان الفارسي مرفوعًا:"في رجب يوم وليلة من صام ذلك اليوم، وقام تلك الليلة كان كمن صام من الدهر مائة سنة، وقام مائة سنة". وروى عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 317 (7927)، ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 342 (3713)، وفي "فضائل الأوقات" (149): أخبرني من سمع البيلماني يحدث عن أبيه، عن ابن عمر قال: خمس ليال لا ترد فيهن الدعاء: ليلة الجمعة، وأول ليلة من رجب. وليلة النصف من شعبان، وليلتي العيد. هكذا موقوفا.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 22/ 234 في سياق الحديث عن البدعة: وكذلك لما أحدث الناس اجتماعا راتبا غير الشرعي، مثل الاجتماع على صلاة معينة: أول رجب. أو أول ليلة جمعة فيه، وليلة النصف من شعبان، فانكر ذلك علماء المسلمين. وقال أيضا 23/ 134: صلاة الرغائب بدعة باتفاق أئمة الدين، لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من خلفائه والحديث المروي فيها كذب بإجماع أهل المعرفة بالحديث، وكذلك الصلاة التي تذكر أول ليلة جمعة من رجب، وفي ليلة المعراج. فلا نزاع بين أهل المعرفة بالحديث أنه أحاديثه كلها موضوعة.
وقال في موضع آخر 23/ 414: صلاة الرغائب في أول جمعة من رجب. والألفية في أول رجب ونصف شعبان، وأمثال ذلك فهذا غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام، ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع. وقال في "منهاج السنة النبوية" 7/ 433 - 434: ما يروى في صلاة الأسبوع. كصلاة يوم الأحد والاثنين، وما يروى من الصلاة المقدرة ليلة النصف، وأول ليلة جمعة من رجب ونحو ذلك كلها كذب.
وقال شيخ الإسلام ابن القيم في "المنار المنيف"(167، 169): أحاديث صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب كلها كذب مختلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحديث: "لا تغفلوا عن أول جمعة من رجب، فإنها ليلة تسميها الملائكة الرغائب"، حديث مكذوب. اهـ. بتصرف.
(1)
ينظر المصادر السالف النقل منها فيما يخص أول جمعة في رجب وليلها. وينظر أيضا "الضعيفة"(2132).
64 - باب هَلْ يَخُصُّ الأَيَّامِ مِنَ شَيْئًا
؟
1987 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْتَصُّ مِنَ الأَيَّامِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُطِيقُ؟! [6466 - مسلم: 783 - فتح: 4/ 235]
ذكر فيه حديث عَلْقَمَةَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْتَصُّ مِنَ الأَيَّامِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُطِيقُ؟!
معناه: أنه كان لا يخص شيئًا من الأيام دائمًا ولا راتبًا إلا أنه كان أكثر صيامه في شعبان، وقد حضَّ على صوم يوم الاثنين والخميس، لكن كان صيامه على حسب نشاطه. فربما وافق الأيام التي رغب فيها وربما لم يوافقها.
وفي أفراد مسلم عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم
(1)
.
ونقل ابن التين عن بعض أهل العلم: أنه يكره أن يتحرى يومًا من الأسبوع بصيام؛ لهذا الحديث. وهو قريب من تبويب البخاري.
ومعنى (ديمة): دائم، مثل الديمة من المطر.
(1)
سبق تخريجه.
65 - باب صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ
1988 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرٌ -مَوْلَى أُمِّ الفَضْلِ- أَنَّ أُمَّ الفَضْلِ حَدَّثَتْهُ ح. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ- عَنْ عُمَيْرٍ -مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ العَبَّاسِ- عَنْ أُمِّ الفَضْلِ بِنْتِ الحَارِثِ، أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهْوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ، فَشَرِبَهُ. [انظر: 1658 - مسلم: 1123 - فتح: 4/ 236]
1989 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ -أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ- قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِي صِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِحِلَابٍ وَهْوَ وَاقِفٌ فِي المَوْقِفِ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ. [مسلم: 1124 - فتح: 4/ 237]
ذكر فيه حديث أُمِّ الفَضْلِ
(1)
وميمونة.
أما حديث أم الفضل فقد سلف في الحج في باب: صوم يوم عرفة أيضًا
(2)
، وأما حديث ميمونة فأخرجه مسلم أيضًا
(3)
، وقد سلف فقهه هناك واضحًا، ووقع هنا وهناك عن عمير مولى أم الفضل، ووقع هنا عن عمير مولى عبد الله بن عباس، وأمُّ الفضلِ هي أم عبد الله بن عباس صار إليه ولاء مواليها.
(1)
ورد بهامش الأصل: وأم الفضل اسمها لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية، أخت جويرية بنت الحارث. ولدت للعباس ستة رجال: الفضل وعبد الله ومعبد وعبيد الله وقثم وعبد الرحمن أسلمت كذا قال الكلبي وغيره. هي أول امراة أسلمت بعد خديجة ولها أخت يقال لها لبابة الصغيرة أم خالد بن الوليد أثبت لها صحبة الواقدي روى لها الجماعة، قال أبو عمر: وفي إسلامها نظر.
(2)
برقم (1658).
(3)
مسلم (1124).
وفيه: نظر الناس إلى فعله عليه السلام؛ ليتأسوا به.
وفيه: وقوفه بعرفة على البعير وشربه؛ ليعرف الناس فطره. والحلاب بكسر الحاء المهملة، والمحلب: ما يحلب فيه، قاله الهروي والداودي، وقال الخطابي: هو اللبن المحلوب، وقد يكون الإناء
(1)
.
وفيه: الشرب في موقف عرفة.
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 982.
66 - باب صَوْمِ يَوْمِ الفِطْرِ
1990 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ -مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ- قَالَ: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، فَقَالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَاليَوْمُ الآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ.
[قَالَ أبو عبدِ اللهِ: قَالَ ابن عُيَيَنَةَ: مَن قَالَ: مَولى ابن أزهرَ فَقَدْ أصَابَ، ومَن قَالَ: مَولى عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ فقد أصابَ]. [5571 - مسلم: 1137 - فتح: 4/ 238]
1991 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَعَنِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. [انظر: 367 - مسلم: 1512 - فتح: 4/ 239]
1992 -
وَعَنْ صَلَاةٍ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالعَصْرِ. [انظر: 586 - مسلم: 827 - فتح: 4/ 239]
ذكر فيه حديث أَبِي عُبَيْدٍ -مَوْلَى ابن أَزْهَرَ- قَالَ: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَاليَوْمُ الآخَرُ تَأكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ.
قَالَ أبو عبدِ اللهِ: قَالَ ابن عُيَيَنَةَ: مَن قَالَ: مَولى ابن أزهرَ فَقَدْ أصَابَ، ومَن قَالَ: مَولى عبدِ الرحمنِ فقد أصابَ.
وحديث أَبِي سَعِيدٍ: نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَعَنِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. وعن صلاة بعد الصبح والعصر.
حديث عمر أخرجه مسلم
(1)
، وكذا حديث أبي سعيد
(2)
، وسلف ما فيه، وأخرج الأول في: الأدب، من حديث ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، وقال في آخره: وعن معمر، عن الزهري، عن أبي عبيد، نحوه
(3)
.
قال الطرقي: طريق معمر هذِه معطوف على طريق يونس فتكون على هذا القول متصلة غير معلقة.
وفي أفراد مسلم من حديث عائشة: النهي عنهما
(4)
، وفي الترمذي مصححًا من حديث عقبة بن عامر مرفوعًا بلفظ:"يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب" قال الحاكم: وهو على شرط مسلم
(5)
.
وقال أبو عمر: تفرد به موسى بن علي عن أبيه وما تفرد به ليس بالقوي وذكر يوم عرفة غير محفوظ، وهو قابل لصوم التمتع
(6)
.
(1)
مسلم (1137).
(2)
مسلم (1138).
(3)
يأتي برقم (6284) كتاب: الاستئذان، باب: الجلوس كيفما تيسر.
(4)
مسلم (1140) كتاب: الصيام، باب: النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى.
(5)
الترمذي (773) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في كراهية الصوم في أيام التشريق، "المستدرك" 1/ 434.
ورواه أيضًا أبو داود (2419) كتاب: الصوم، باب: صيام أيام التشريق، والنسائي 5/ 252، وأحمد 4/ 152، وابن خزيمة 3/ 292 (2100)، وابن حبان 8/ 368 (3603)، والطبراني 17 (803)، والبيهقي 4/ 298، والبغوي في "شرح السنة" 6/ 351 (1796).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2090).
(6)
"التمهيد" 21/ 163.
وأما النسائي ترجم عليه باب: إفطار يوم عرفة بعرفة
(1)
، وحمله البيهقي في "فضائل الأوقات" على الحاج
(2)
؛ وأجاب الطحاوي بأنه قد يجمع بين الأشياء المختلفة لقوله {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} الآية [البقرة: 197]. والرفث: الجماع يفسد الحج دون ما سواه
(3)
.
وأبدى الطبري سؤالًا فقال: لم لا يجعل النهي هنا كالنهي عن يوم الشك وأيام التشريق، وأنت تجيز صيام أيام التشريق قضاء عن واجب وتبيح صوم يوم الشك تطوعًا؟ ثم أجاب بأن الأمة قد أجمعت على تحريم صوم العيدين تطوعًا لا فريضة، وصحت الأخبار بصوم شعبان يوصله برمضان
(4)
.
(1)
"السنن الكبرى" 2/ 153 قبل حديث رقم (2814).
(2)
"فضائل الأوقات" ص 408.
(3)
"شرح معاني الآثار" 2/ 71 بتصرف.
(4)
قلت: صح منها حديثي عائشة وأم سلمة.
حديث عائشة رواه أبو داود (2431) كتاب: الصوم، باب: في صوم شعبان، والنسائي 4/ 199، وأحمد 6/ 188، وابن خزيمة 3/ 282 (2077)، والحاكم 1/ 434، والبيهقي 4/ 292، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 41، والبغوي في "شرح السنة" 6/ 330 (1779) من طريق معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس سمع عائشة تقول: كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصوم شعبان ثم يوصله برمضان.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2101): إسناده صحيح على شرط مسلم.
وحديث أم سلمة رواه أبو داود (2336) كتاب: الصوم، باب: فيمن يصل شعبان برمضان، والترمذي (736) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في وصال شعبان برمضان، والنسائي 4/ 150، 200، وابن ماجه (1648) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في وصال شعبان برمضان، وأحمد 6/ 293 - 294، 300، 311، وأبو يعلى 12/ 405 (2970)، والطحاوي 2/ 82، والبيهقي 2/ 210، والبغوي في =
وقامت الحجة بأن الفاقد للهدي يصوم أيام التشريق فافترقا، وقول ابن عيينة السالف سببه أنهما اشتركا في ولائه، وأما الصلاة بعد العصر والصبح فسلف في بابه، وكذا اشتمال الصماء والاحتباء أيضًا.
= "شرح السنة" 6/ 237 (1720).
قال الترمذي: حديث حسن، وقال في "الشمائل" ص: 134: إسناده صحيح، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2024): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
67 - باب الصَّوْمِ يَوْمَ النَّحْرِ
1993 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَا قَالَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: يُنْهَى عَنْ صِيَامَيْنِ وَبَيْعَتَيْنِ: الفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَالمُلَامَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ. [انظر: 368 - مسلم: 1511 - فتح: 4/ 240]
1994 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فَقَالَ: رَجُلٌ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا -قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ الاِثْنَيْنِ- فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَرَ اللهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ هَذَا اليَوْمِ. [6705، 6706 - مسلم: 1139 - فتح: 4/ 240]
1995 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ، سَمِعْتُ قَزَعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه -وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً- قَالَ: سَمِعْتُ أَرْبَعًا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْجَبْنَنِي قَالَ: "لَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ: الفِطْرِ وَالأَضْحَى، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، وَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا". [انظر: 586 - مسلم: 827 - فتح: 4/ 241]
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: يُنْهَى عَنْ صِيَامَيْنِ وَبَيْعَتَيْنِ: الفِطْرِ والأضحى، وَالمُلَامَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ.
وعن زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ
(1)
قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابن عُمَرَ فَقَالَ: رَجُلٌ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَظُنُّهُ قَالَ الاثْنَيْنِ- فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ. فَقَالَ ابن عُمَرَ: أَمَرَ اللهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ هذا اليَوْمِ.
(1)
ورد فوقها بالأصل: سند متصل.
وعن أَبي سَعِيدٍ
(1)
الخُدْرِيَّ، الحديث بطوله "وَلَا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ: الفِطْرِ وَالأَضْحَى".
حديث أبي هريرة أخرجه مسلم بلفظي: نَهى، ونُهي عن بيعتين: الملامسة والمنابذة، لم يذكر صومًا
(2)
، وقال الطرقي: عند البخاري دون غيره، عن عطاء بن ميناء في هذا الحديث زيادة: وعن صيامين: الفطر والنحر. وساقه الإسماعيلي بدون المنابذة من طريقه.
قال: نهى -يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الأضحى ويوم الفطر، وحديث ابن عمر أخرجه مسلم
(3)
، وقال ابن أبي شيبة: حَدَّثَنَا عبد الله بن موسى، عن موسى بن عبيدة، عن نافع، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر ويوم النحر
(4)
، وحديث أبي سعيد سلف
(5)
، وقد قدمنا آنفًا إجماع الأمة على تحريم صومهما ولا ينعقد عند عامتهم، خلافًا لأبي حنيفة؛ بناء على أن النهي لا يقتضي الفساد ولو نذر ناذر صيام يوم بعينه فوافق ذَلِكَ يوم فطر أو أضحى فأجمعوا أنه لا يصومهما
(6)
.
واختلفوا في قضائهما، فعن مالك ثلاثة أقوال: لا قضاء، نعم،
(1)
ورد فوقها بالأصل: سند متصل.
(2)
مسلم (1511) كتاب: البيوع، باب: إبطال بيع الملامسة والمنابذة.
(3)
مسلم (1139).
(4)
"المصنف" 2/ 437 (9773) كتاب: الصيام، ما نهي عنه في صيام الأضحى والفطر.
(5)
برقم (586) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس.
(6)
انظر "الإقناع" 2/ 722 - 723.
إلا أن يكون نوى عدمه، وبه قال الأوزاعي: لا يقضيهما إلا أن يكون نوى أن يصومهما. قال ابن القاسم: والأحب إليَّ أن لا قضاء إلا أن ينويه. وقال أبو حنيفة وصاحباه: يقضيهما، واختلف قول الشافعي فأثبته مرة، وبه قال الأوزاعي، ونفاه أخرى، وبه قال زُفر.
والقياس المنع؛ لأن من نذر صوم يوم بعينه أبدًا هل يدخلان؟ فإن
قلنا به فلا، لبطلانه؛ وإلا فهو أبعد من أن يجب عليه قضاؤه، فإن قلت: ما الحكمة في النهي عن صومهما؟ قلت: أما عيد الفطر؛ فلأنه إذا تطوع فيه بالصوم لم يبن المفروض من غيره، ولهذا استحب الأكل قبل الصلاة وليتحقق انقضاء زمن مشروعية الصوم.
وأما يوم النحر: ففيه دعوة الله تعالى التي دعا عباده إليها من تضييفه، وإكرامه أهل منى وغيرهم بما شرع لهم من ذبح النسك والأكل فيها، فمن صامه فقد رد على الله كرامته، نبه عليه ابن الجوزي، وقد نبه عليه البيهقي أيضًا في "فضائل الأوقات" حيث قال: والمعنى في فطر الحاج هذِه الأيام ما أخبرنا الحاكم أبو عبد الله، ثم ساقه إلى علي رضي الله عنه أنه سئل عن الوقوف في الجبل ولم يكن في الحرم؛ قال: لأن الكعبة بيت الله والحرم باب الله، فلما قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرعون، قيل: فالوقوف بالمشعر. قال: لأنه لما أذن لهم بالدخول إليه وقفهم بالحجاب الثاني: وهو المزدلفة، فلما طال تضرعهم أذن لهم بتقريب قربانهم بمنى، فلما أن قضوا تفثهم وقربوا قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت لهم، أذن بالزيارة إليه على الطهارة.
قيل: فمن أين حرم الصيام في أيام التشريق؟ قال: لأن القوم زوَّار
الله، وهم في ضيافته، ولا يجوز لضيف أن يصوم دون إذن من أضافه، قيل: فتعلق الرجل بأستار الكعبة لأي معنى هو؟ قال: هو مثل الرجل يكون بينه وبين صاحبه جناية فيتعلق بثوبه ويتصل به ويستجيره فيهب له جنايته
(1)
، ونزع أبو حنيفة وغيره إلى أنه ما يشرع غير معلل.
تنبيهات:
أحدها: قد أسلفنا الخلاف في القضاء إذا نذرهما، وعند أحمد: ينعقد ويقضي ويكفر، وعنه: يكفر من غير قضاء كفارة يمين، ونقل عنه مهنَّا ما يدل على أنه إن صامه صح، وقال القاضي أبو يعلى: قياس المذهب أنه لا يصح الصوم لأجل النهي.
وعن أبي حنيفة: ينعقد ويقضي بلا كفارة، فإن صام أجزأه كما سلف. وعن مالك والشافعي: لا ينعقد ولا كفارة ولا يقضي كما سلف، وفي "شرح الهداية" عن أبي يوسف: لا يصح صومهما، ولا ينعقد نذرهما، وهو رواية ابن المبارك، عن أبي حنيفة، وروى الحسن عنه: إن نذر صوم يوم النحر لا يصح وإن نذر صوم غد، وهو يوم النحر صح.
ثانيها: الملامسة والمنابذة، يأتي بيانها في: البيع -إن شاء الله تعالى
(2)
- وسلفا أيضًا في: الصلاة في باب: صلاة بعد الفجر
(3)
.
ثالثها: جواب ابن عمر جواب من أشكل عليه الحكم فتورع عن قطع الفتيا فيه.
(1)
"فضائل الأوقات" ص 408 - 410.
(2)
انظر شرح الحديثين الآتيين برقم (2145 - 2146) كتاب: البيوع.
(3)
برقم (584).
قال أبو عبد الملك: لو كان صيامه ممنوعًا منه لعينه ما توقف ابن عمر فيه، وقال الداودي: المفهوم من كلامه النهي؛ لأن من نذر ما ليس بطاعة لا يلزم نذره، قد أمر عليه السلام الذي يهادى بين اثنين -وقد نذر أن يمشي- أن يركب ويمشي
(1)
.
(1)
سلف برقم (1865) كتاب: جزاء الصيد، باب: من نذر أن يمشي إلى الكعبة، ورواه مسلم (1642) كتاب: النذر، باب: من نذر أن يمشي إلى الكعبة.
68 - باب صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
1996 -
وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي كَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تَصُومُ أَيَّامَ مِنًى، وَكَانَ أَبُوهَا يَصُومُهَا. [فتح: 4/ 242]
1997، 1998 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عِيسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ.
وَعَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم قَالَا: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ، إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ. [فتح: 4/ 242]
1999 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ.
تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. [فتح: 4/ 242]
وقال لي محمد بن المثنى، حدثنا يحي، عن هشام قال: أخبرني أبي: كانت عائشة تصوم أيام منى، وكان أبوه -يعني: عروة- يصومها.
ثم ساق بإسناده عَنْ عَائِشَةَ، وابْنِ عُمَرَ قَالَا: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ، إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ.
ومن حديث مَالِكٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى. وَعَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ.
تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ يعني: عَنِ ابن شِهَابٍ
(1)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: يعني قوله عن ابن شهاب هو من توضيح الشيخ، والذي في نسختي عن ابن شهاب ثابتة وعليها صورة حـ.
الشرح: الأول موقوف. وقوله: (وقال لي محمد) يعني: أنه أخذه عنه مذاكرة كما سلف، وأثر عائشة وابن عمر في معنى المرفوع وهما من أفراده. وفي أفراد مسلم من حديث نبيشة الهذلي مرفوعًا، "أيام منى أيام أكل وشرب وذكر الله"
(1)
بل لم يخرج البخاري في "صحيحه " عن نبيشة (الأربعة)
(2)
، ويقال له: نبيشة الخير. وفي أفراده أيضًا من حديث كعب بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق فنادى: أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى أيام أكل وشرب
(3)
. وللنسائي، عن بشر بن سحيم وحمزة بن عمرو مثله
(4)
وسلف حديث عقبة في ذَلِكَ، وللنسائي والحاكم مثله من حديث يوسف بن مسعود بن الحكم، عن جدته: أنها رأت عليًّا في حجة الوداع ينادي: أيها الناس إنها ليست بأيام صيام، إنما هي أيام أكل وشرب وذكر. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم
(5)
، وزاد البيهقي ونساء وبعال
(6)
. وللدارقطني من حديث أنس أنه عليه السلام نهى عن صوم خمسة أيام في السنة: يوم الفطر، ويوم النحر، وثلاثة أيام
(1)
مسلم (1141) بلفظ: "أيام التشريق أيام أكل وشرب".
(2)
أي روى له الأربعة. انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 315 (6380).
(3)
مسلم (1142).
(4)
"سنن النسائي" 8/ 104.
(5)
النسائي في "الكبرى" 2/ 168 - 169 (2887 - 2888)، "المستدرك" 1/ 434 - 435، أحمد 1/ 92، وأبو يعلى 1/ 356 - 357 (461)، وابن خزيمة 3/ 310 (2147).
وقال الألباني في تعليقه على "صحيح ابن خزيمة": إسناده حسن لولا عنعنة ابن إسحاق، لكن الحديث صحيح.
(6)
"سنن البيهقي" 4/ 298.
التشريق
(1)
. وفيه من حديث عبد الله بن حذافة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره في رهط أن ينادوا: هذِه أيام أكل وشرب وذكر الله، فلا تصوموا فيهن إلا صومًا في هدي
(2)
. وأخرجه النسائي بدون هذِه الزيادة
(3)
.
وقوله: (تابعه إبراهيم بن سعد) أي: أن إبراهيم تابع مالكًا في روايته، عن الزهري، عن سالم، وذكر خلف ذَلِكَ عقب قوله:(عن سالم، عن ابن عمر)، ومقتضى ما أوردناه عن البخاري: أن إبراهيم تابع مالكًا في روايته، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة؛ لأنه ذكرها عقب قوله:(وعن ابن شهاب، عن عروة) ذكره المزي في
(1)
"سنن الدارقطني" 2/ 212 من طريق محمد بن خالد الطحان، عن أبيه، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، به.
ومن هذا الطريق رواه أيضًا أبو يعلى 5/ 292 (2913)، وعزاه الحافظ في "المطالب" 6/ 188 (1097) له.
ورواه الطيالسي 3/ 575 - 576 (2219) من طريق الربيع بن صبيح، عن يزيد الرقاشي، عن أنس به، لكن فيه: عن صوم ستة أيام. وعزاه الحافظ في "المطالب"(1097) له.
ورواه أحمد بن منيع كما في "المطالب" 6/ 185 (1097)، والحارث بن أبي
أسامة كما في "البغية"(346)، وكما في "المطالب"(1097) من طريق روح بن عبادة، عن الربيع بن صبيح ومرزوق الشامي كلاهما عن يزيد الرقاشي، عن أنس به.
قال الحافظ في "المطالب" 6/ 188 عن طريق محمد بن خالد الأول: أخطأ فيه محمد بن خالد، وإنما هو يزيد الرقاشي لا قتادة.
والحديث رواه أبو يعلى 7/ 149 - 150 (4117) من طريق كهمس بن المنهال، عن سعيد بن أبي عروبة، عن يزيد الرقاشي، عن أنس به. وقال الهيثمي 3/ 203: رواه أبو يعلى، وهو ضعيف من طرقه كلها.
(2)
"سنن الدارقطني" 2/ 187.
(3)
النسائي في "الكبرى" 2/ 167 (2880).
ترجمة مالك، عن ابن شهاب، عن عروة
(1)
، وعند البيهقي من حديث ابن مهدي، عن مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، ثم قال: وبإسناده عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر مثله، ثم رواه البخاري، عن ابن يوسف، عن مالك، قال: وتابعه إبراهيم بن سعد، وساق بسنده إلى الربيع، نا الشافعي، نا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة في المتمتع إذا لم يجد هديًا ولم
يصم، ثم قال: وبإسناده عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه مثل ذَلِكَ
(2)
، وهو يدل على أن إبراهيم بن سعد رواه عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، ورواه عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.
إذا تقرر ذَلِكَ: فأيام التشريق هي: أيام منى، وهي الأيام المعدودات وهي الحادي عشر وتالياه، وسميت أيام التشريق؛ لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها، أي: تنشر في الشمس. وأضافها إلى منى؛ لأن الحجاج فيها في منى. وقيل: لأن الهدي لا ينحر حَتَّى تشرق الشمس. وقيل: إن صلاة العيد عند شروق الشمس أول يوم منها فصارت هذِه الأيام تبعًا ليوم النحر، وهو يؤيد قول من يقول: إن يوم النحر. منها والمعروف خلافه، وقال أبو حنيفة: التشريق التكبير دبر الصلاة.
واختلف العلماء في صيامها، فروي عن ابن الزبير وابنه أنهما كانا يصومانها. وعن الأسود بن يزيد مثله
(3)
، وكذا ابن عمر
(4)
، وقال أنس:
(1)
"تحفة الأشراف" 12/ 80 (16606).
(2)
"سنن البيهقي" 4/ 298.
(3)
رواه عنه ابن أبي شيبة 3/ 420 (15729، 15731).
(4)
رواه الطحاوي 2/ 243، والبيهقي 4/ 298.
كان أبو طلحة قلما رأيته يفطر إلا يوم فطر أو أضحى
(1)
، وكذلك كان ابن سيرين يصوم الدهر غير هذين اليومين.
قال ابن قدامة: كأنهما لم يبلغهما النهي ولو بلغهما لم يعدوه إلى غيره.
قال: فإن صامها فرضًا فروايتان: المنع ومقابله
(2)
.
ونقل علي بن المفضل المقدسي عن عثمان بن عفان أنه قفل أوسط أيام التشريق وهو صائم، وكان مالك والشافعي يكرهان صومها إلا لمتمتع فاقد الهدي؛ لأنها في الحج إذا لم يصمها في العشر على ما جاء عن عائشة وابن عمر
(3)
. هذا قول الشافعي القديم، ومال إليه أبو محمد والبيهقي، وصححه ابن الصلاح، وقال النووي
(4)
: هو الراجح دليلًا وإن كان مرجوحًا عند الأصحاب، والمصحح عندهم الجديد، وهو التحريم، وبه قال أبو حنيفة
(5)
، فإن جوزنا له ففي غيره وجهان أو طريقان أصحهما: لا، وقال عبد الملك: إن عروة وعائشة صامتاه تطوعًا، وخالف الداودي فقال: كان في التمتع واحتج بما بعده، وروي أنهما كانا يعلمان أنهما كانا يصومانها أو يأمران الناس بصيامها عند عدم الهدي. وقال السرخسي من أصحابنا: الخلاف مبني على أن إباحتها للمتمتع للحاجة أم لكونه له سبب، والخلاف عند المالكية أيضًا.
(1)
رواه عبد الرزاق 4/ 298 (7870).
(2)
"المغني" 4/ 426.
(3)
رواهما الطحاوي 2/ 243.
(4)
"شرح المهذب" 6/ 485.
(5)
"مختصر الطحاوي" ص 55، "عيون المجال" 2/ 655، "البيان" 3/ 562.
قال القاضي أبو محمد: لا يجوز ذَلِكَ بإجماع، وقال القاضي أبو الفرج في "حاويه": من نذر أن يعتكف أيام التشريق اعتكفها وصامها، وفي "المدونة": يصوم اليوم الرابع إذا نذره وخالف أشهب، ومن نذر صوم ذي الحجة فقال ابن القاسم: يصوم الرابع، وقال ابن الماجشون: أحب إليَّ أن يفطر ويقضيه ولا أوجبه، ومن نذر صوم عام معين ففي "المختصر" عن مالك: لا يصومه، وفي "المدونة" ما يدل أنه يصومه
(1)
.
وروي الجواز للمتمتع عن عبيد بن عمير، وعروة، وهو قول الأوزاعي وإسحاق، ذكره ابن المنذر. وذكر الطحاوي أن هؤلاء أباحوا صيام أيام التشريق للمتمتع والقارن والمحصر إذا لم يجد هديًا، ولم يكونوا صاموا قبل ذَلِكَ، ومنعوا منها من سواهم.
وخالفهم آخرون فقالوا: ليس لهؤلاء ولا لغيرهم من الناس أن يصوموا هذِه الأيام عن شيء من ذَلِكَ، ولا عن كفارة، ولا في تطوع لنهي الشارع عن ذَلِكَ، ولكن على المتمتع والقارن الهدي؛ لتمتعهما، وقرانهما، وهدي آخر؛ لأنهما حلا بغير صوم
(2)
. هذا قول الكوفيين، وهو أحد قولي الشافعي.
وذكر ابن المنذر، عن علي: أن المتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم الأيام الثلاثة في العشر يصومها بعد أيام التشريق
(3)
، وهو قول الحسن وعطاء، واحتج الكوفيون بما روى إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي
(1)
"المدونة" 1/ 187 - 189.
(2)
"شرح معاني الآثار" 2/ 243.
(3)
رواه البيهقي 5/ 25.
وقاص، عن أبيه، عن جده قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أيام منى: إنها أيام أكل، وشرب، ولا صوم فيها -يعني: أيام التشريق
(1)
- وأخرجه أحمد من حديث محمد بن أبي حميد المدني
(2)
وهو متكلم فيه
(3)
. وروته عائشة، وعمرو بن العاص (د)، وعبد الله بن حذافة
وأبو هريرة (ق) كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: ما ساقه المؤلف هي الطريق الثانية وطريق أول ليس فيها، يعني: أيام التشريق.
(2)
رواه أحمد 1/ 169، 174، وإسحاق بن راهويه كما في "المطالب العالية" 6/ 180 (1096)، وأحمد بن منيع كما في "المطالب" 6/ 181 (1096)، والفاكهي في "أخبار مكة" 4/ 253 (2564)، والحارث بن أبي أسامة كما في "البغية"(347)، والبزار كما في "الكشف"(1067)، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 104 (1153) من طريق محمد بن أبي حميد المدني، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن جده -سعد بن أبي وقاص- به.
قال الحافظ في "المطالب" 6/ 181: محمد ضعيف.
وقال الهيثمي 3/ 202: رواه أحمد والبزار، ورجال الجميع رجال الصحيح.
وتعقبه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لـ "المسند" 3/ 33 فقال: ليس رجالها رجال الصحيح، بل فيه محمد بن أبي حميد، وهو ضعيف، ثم لم يخرج له واحد من صاحبي الصحيحين.
(3)
قال أحمد: أحاديثه مناكير، وقال ابن معين: ضعيف ليس حديثه بشيء، ووهاه وضعف أحاديثه الجوزجاني، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، وكذا قال أبو حاتم وزاد: منكر الحديث.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 1/ 70 (168)، "الجرح والتعديل" 7/ 233 - 234 (1276)، "تهذيب الكمال" 25/ 112 - 115 (5169).
(4)
روى مسلم (1140) عن عائشة قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومين: يوم الفطر ويوم الأضحى.
أما حديث عمرو بن العاص فرواه أبو داود (2418) كتاب: الصوم، باب: صيام =
فلما تواترت هذه الآثار بالنهي عن صيامها، وكان نهيه عن ذَلِكَ بمنى والحجاج مقيمون بها وفيهم المتمتعون والقارنون، ولم يستثن
= أيام التشريق، ومالك في "الموطأ" 1/ 529 (1369) كتاب: الصوم، باب: النهي عن صيام أيام منى، وأحمد 4/ 197، والحاكم 1/ 435، والبيهقي 4/ 297 كتاب: الصيام، باب: الأيام التي نهي عن صومها، والحديث سكت عليه الحاكم، لكن صححه الذهبي، وكذا الألباني في "صحيح أبي داود"(2089)، وقال في "الإرواء" 4/ 130: إسناده صحيح.
وحديث عبد الله بن جذامة تقدم، وهو عند الدارقطني 2/ 187 من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب عنه.
وروي من طريق سفيان، عن عبد الله ابن أبي بكر وسالم أبي النضر، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن حذافة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي في أيام التشريق: إنها أيام أكل وشرب.
رواه أحمد 3/ 450 - 451، والنسائي في "الكبرى" 2/ 166 (2876)، والطحاوي في "شرح المعاني" 2/ 244.
قال مالك: مرسل، وسليمان بن يسار لم يدرك عبد الله بن حذافة، وكذا قال ابن معين لم يسمع سليمان بن يسار من عبد الله بن حذافه اهـ. انظر:"مراسيل الرازي" ص 81 - 82، وقال الألباني في "الإرواء" 4/ 130: رواه الطحاوي وأحمد بسند صحيح.
وحديث أبي هريرة رواه ابن ماجه (1719) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في النهي عن صيام أيام التشريق، وأبو يعلى 10/ 320 (5913)، وابن حبان 8/ 366 (3601) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به.
قال البوصيري في "الزوائد" ص 250: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال الألباني في "الإرواء" 4/ 129: إسناده حسن.
والحديث له طريقان: الأول: عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة.
رواه أحمد 2/ 229، 387، وأبو يعلى 10/ 415 (6024)، وابن حبان 8/ 367 - 368 (3602).
الثاني: عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
رواه أحمد 2/ 513، 535. وانظر:"الإرواء"(963).
منهم أحدًا، دخل في ذَلِكَ المتمتعون والقارنون وغيرهم، ومن حجة مالك: قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ} [البقرة: 196] ولا خلاف بين العلماء أن هذِه الآية نزلت يوم التروية وهو ثامن ذي الحجة، فعلم أنه أباح لهم صومها، وأنهم صاموا فيها؛ لأن الذي بقى من العشر الثامن والتاسع، فأما الثامن الذي نزلت فيه الآية لا يصح صومه؛ لأنه محتاج إلى تبييت من الليل، والعاشر يوم النحر، والإجماع أنه لا يصام فعلم أنهم صاموا بعد ذَلِكَ، وقول ابن عمر وعائشة السالف يرفع الإشكال في ذَلِكَ. ومن حجته أيضًا: قوله عليه السلام: "هذان يومان نهي عن صيامهما"
(1)
فخصهما بالنهي وبقيت أيام التشريق مباحة.
وأما قوله: "إنها أيام أكل وشرب" فإنما يختص بذلك من لم يكن عليه صوم واجب فعلى هذا تتفق الأحاديث، وفي إباحة صيامها للمتمتع حجة لمالك فيما ترجح قوله فيه فيمن يبتدئ صوم الظهار من ذي القعدة، وقال: عسى أن يجزئه إن نسي، أو غفل، أو أفطر يوم النحر صام أيام التشريق، ثم وصل اليوم الذي أفطره، رجوت أن يجزئه. ويبتدأه أحب إليَّ، وإنما قال ذَلِكَ؛ لأن صوم المتمتع صوم واجب، وإنما ينهى عن صيامها من ليس عليه صوم واجب.
وقال غير واحد عن مالك: إن اليوم الرابع لم يختلف قوله فيه أنه يصومه من نذره ومن يصل فيه صيامًا واجبًا، ولا يبتدأ فيه ولا يصام تطوعًا
(2)
.
(1)
سلف برقم (1990).
(2)
"المدونة" 1/ 187.
وقال ابن المنذر: مذهب ابن عمر في صيام هذِه الأيام الثلاثة من حين يحرم بالحج وآخرها يوم عرفة، وهذا معنى قول البخاري: عن ابن عمر لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة.
قال ابن المنذر: وجماعة الفقهاء لا يختلفون في جواز صومها بعد الإحرام بالحج إلا عطاء فإنه قال: إن صامهن حلالًا أجزأه، وهو قول أحمد، قال: ولا يجب الصوم على المتمتع بعد الإحرام فمن صام قبل ذَلِكَ كان تطوعًا، ولا يجزئه عن فرضه، وفي قوله تعالى:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ} [البقرة: 196] أبين البيان أنه لا يجزئه صيامها في غير الحج، وهذا يرد أيضًا ما روي عن علي والحسن وعطاء.
69 - باب صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ
2000 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ: "إِنْ شَاءَ صَامَ". [انظر: 1892 - مسلم: 1126 - فتح: 4/ 244]
2001 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. [انظر: 1592 - مسلم: 1125 - فتح: 4/ 244]
2002 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. [انظر: 1592 - مسلم: 1125 - فتح: 4/ 344]
2003 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ المَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ". [مسلم: 1129 - فتح: 4/ 244]
2004 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ:"مَا هَذَا؟ ". قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ:"فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ". فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. [3397، 3943، 4680، 4737 - مسلم: 1130 -
فتح: 4/ 244]
2005 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ اليَهُودُ عِيدًا، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"فَصُومُوهُ أَنْتُمْ". [3942 - مسلم: 1131 - فتح: 4/ 244]
2006 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا اليَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ. يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ. [مسلم: 1132 - فتح: 4/ 245]
2007 -
حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: "أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ". [انظر: 1924 - مسلم: 1135 - فتح: 4/ 245]
ذكر فيه ثمانية أحاديث:
أحدها: عن سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوْمَ عَاشُورَاءَ: "إِنْ شَاءَ صَامَ".
ثانيها: حديث الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ.
ثالثها: حديث هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أن عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصُومُهُ فِي الجاهلية، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.
رابعها: حديث الزهري، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ ابْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ المَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"هذا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يكْتَبْ الله عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ".
خامسها: حديث ابن عَبَّاسٍ: قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، فَرَأى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ:"مَا هذا؟ ". قَالُوا: هذا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ:"فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ". فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
سادسها: حديث أَبِي مُوسَى قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ اليَهُودُ عِيدًا. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَصُومُوهُ أَنْتُمْ".
وفي إسناده أبو عميس: وهو عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود وأخو عبد الرحمن المسعودي.
سابعها: حديث ابن عَبَّاسٍ: مَا رَأَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتَحَرى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هذا اليَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وهذا الشَّهْرَ. يَعْنِي: شَهْرَ رَمَضَانَ.
ثامنها: حديث سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ
(1)
أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: "أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ".
(1)
بهامش الأصل: والرجل الأسلمي اسمه: هند بن أسماء كذا قاله ابن بشكوال في "مبهماته" وساق سندًا وأظنه في سند ابن رشدين. وصواب هذا الاسم: هند أخو أسماء بن حارثة. اهـ
[قلت: انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" 1/ 380 - 381.]
الشرح:
حديث ابن عمر كذا ذكره البخاري إلى قوله: "إن شاء صام"، وأخرجه مسلم مطولًا وقال:"فمن شاء صامه ومن شاء تركه"
(1)
وذكره البخاري في تفسير {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} بلفظ: "من شاء صامه ومن شاء لم يصمه"
(2)
والبخاري رواه، عن أبي عاصم، عن عمر بن محمد، عن سالم، ومسلم أخرجه من حديث أبي عاصم، عن (محمد بن عمر)
(3)
بن زيد العسقلاني، عن سالم
(4)
.
وحديث عائشة من طريقيه أخرجه مسلم أيضًا
(5)
، وقد تقدم
(6)
، وحديث معاوية أخرجه مسلم أيضا
(7)
.
وأخرجه النسائي من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن والسائب بن يزيد، عن معاوية، وقال: كلا الحديثين خطأ والصواب حديث الزهري، عن حميد
(8)
-يعني: الذي في البخاري.
وحديث ابن عباس أخرجه مسلم أيضًا
(9)
، وفي رواية البخاري:"أنتم أحق بصومه" فأمر بصومه
(10)
، وفي أخرى من قول اليهود في
(1)
مسلم (1126) كتاب: الصيام، باب: صوم يوم عاشوراء.
(2)
سيأتي برقم (4501) كتاب: التفسير.
(3)
كذا بالأصل، وصوابه: عمر بن محمد. كما في "صحيح مسلم".
(4)
مسلم (1126/ 121).
(5)
مسلم (1125).
(6)
برقم (1592).
(7)
مسلم (1129).
(8)
النسائي في "الكبرى" 2/ 161 (2855).
(9)
مسلم (1130).
(10)
سيأتي برقم (4680) كتاب: التفسير، باب:{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ البَحْرَ} .
عاشوراء: هذا يوم صالح
(1)
. وأخرجه ابن ماجه من حديث أيوب، عن سعيد بن جبير
(2)
، والصواب: أيوب، عن عبد الله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، كما في البخاري.
وحديث أبي موسى أخرجه مسلم
(3)
، وفي رواية له: كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدًا فيلبسون فيه حليهم وشاراتهم فقال عليه السلام: "فصوموا أنتم"
(4)
وأخرجه البخاري في باب: إتيان اليهود من المناقب، وفيه: وأمر بصومه
(5)
.
وحديث ابن عباس الذي بعده أخرجه مسلم أيضًا
(6)
، وفي كتاب "الصيام" للقاضي يوسف من حديث ابن عباس مرفوعًا:"ليس ليوم فضل على يوم فضل في الصيام إلا شهر رمضان، أو يوم عاشوراء"
(7)
.
(1)
أحد أحاديث الباب (2004).
(2)
ابن ماجه (1734) كتاب: الصيام، باب: صيام يوم عاشوراء.
(3)
مسلم (1131).
(4)
مسلم (1131/ 130).
(5)
يأتي برقم (3942) كتاب: مناقب الأنصار.
(6)
مسلم (1132).
(7)
رواه أيضا أبو يعلى في "معجمه"(253)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 75، والطبراني 11/ 127 (11253)، وابن عدي في "الكامل" 7/ 16، والبيهقي في "الشعب" 3/ 362 (3780)، والذهبي في "السير" 17/ 51 - 52 من طريق عبد الجبار بن الورد، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس مرفوعًا به.
قال المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/ 71 (1534): رواه الطبراني في "الكبير" والبيهقي، ورواة الطبراني ثقات، وتبعه الهيثمي فقال: في "المجمع" 3/ 186: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
والحديث ضعفه الذهبي فقال في "السير": حديث غريب فيه نكارة، وقال الألباني في "الضعيفة" (285): منكر.
وللنقاش: "إن عشت إلى قابل صمت التاسع"
(1)
، خوفًا أن يفوته، وفي لفظ:"من صام عاشوراء فكأنما صام الدهر كله وقام ليله"
(2)
. وفي آخر: "من صامه يحسب له بألف سنة من سني الآخرة" وفي آخر: "يكفر سنتين: سنة قبله وسنة بعده وإن الله أمرني بصومه"
(3)
.
وحديث سلمة بن الأكوع سلف
(4)
، وفي أفراد مسلم، عن أبي قتادة قال:"صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"
(5)
قال الترمذي: لا نعلم في شيء من الروايات أنه قال في صيام عاشوراء: "يكفر سنة" إلا في حديث أبي قتادة، وبه يقول أحمد وإسحاق
(6)
.
قلت: قد أخرج هو في "جامعه" من حديث أبي هريرة يرفعه: "ما من أيام الدنيا أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من أيام العشر وإن صيام يوم منها ليعدل صيام سنة وليلة فيها بليلة القدر"
(7)
ثم قال: حديث غريب
(8)
،
(1)
قلت: هو في مسلم (1134) من حديث ابن عباس.
(2)
رواه السهمي في "تاريخ جرجان" ص: 344.
(3)
رواه أسلم بن سهل الواسطي في "تاريخ واسط" ص: 246 - 247.
(4)
برقم (1924) باب: إذا نوى بالنهار صومًا.
(5)
مسلم (1162).
(6)
"سنن الترمذي" 3/ 117 بعد حديث (752).
(7)
ورد بهامش الأصل: هذا في عشر الحجة لا في عشر المحرم وهذا الحديث في ابن ماجه.
(8)
الترمذي (758) في الصوم، باب ما جاء في العمل في أيام العشر، ورواه أيضًا ابن ماجة (1728) في الصيام، باب: صيام العشر، والبيهقي في "الشعب" 3/ 355 - 356 (3757)، والخطيب 11/ 208، والمزي في "تهذيب الكمال" 27/ 482 - 483، والذهبي في "الميزان" 5/ 225 من طريق مسعود بن واصل عن نهاس بن قهم، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، مرفوعًا به.
وفي كتاب "عاشوراء" لأبي محمد الحسن النقاش
(1)
من حديث زيد بن أرقم مرفوعًا: "إنه يكفر السنة التي أتت قبلها والسنة التي بعدها"
(2)
.
وفي "الصحيحين" من حديث ابن مسعود: أنه عليه السلام كان يصومه قبل أن ينزل رمضان فلما نزل ترك، والسياق لمسلم: كان يصام قبل أن ينزل رمضان، إلى آخره، ذكره في تفسير:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183][البقرة: 183]
(3)
.
وفي أفراد مسلم من حديث جابر بن سمرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم
= قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل، عن النهاس. وسألت محمدًا عن هذا الحديث، فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا، وقد روي عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا شيء من هذا.
وقد تكلم يحيى بن سعيد في نهاس بن قهم من قبل حفظه اهـ.
وأعله الدارقطني فقال في "العلل" 9/ 199 - 200 (1719): تفرد به مسعود بن واصل، عن النهاس بن قهم، والنهاس مضطرب الحديث تركه يحيى القطان، ومسعود بن واصل ضعفه أبو داود الطيالسي، وهذا الحديث إنما روي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب مرسلًا. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(5142).
قلت: سلف من حديث ابن عباس (969) مرفوعًا: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه". قالوا: ولا الجهاد؟ قال: "ولا الجهاد، إلا رجل .. " الحديث.
(1)
ورد بهامش الأصل: والذي يعرف من النقاشين ثلاثة حفاظ: محمد بن الحسن أبو بكر هذا له مصنفات كثيرة وهو مع جلالته غير محتج به، وحافظ آخر يقال له النقاش وهو أبو بكر محمد بن علي بن الحسن نزل تنيس، رضيه الدارقطني، وارتحل إليه في تنيس فكان من علماء الحديث. توفي سنة 329، وأبو سعيد النقاش محمد. بن علي كنيته في آخر حاشية هذِه الصفحة.
(2)
تقدم.
(3)
يأتي برقم (4503) كتاب: التفسير، باب:{يا أيها الذين آمنوا .. } ، مسلم (1127) باب: صوم يوم عاشوراء.
يأمرنا، ولم ينهنا، ولم يتعاهدنا عنده
(1)
، وفي أفراده أيضًا من حديث الحكم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه في زمزم فقلت: أخبرني عن صوم يوم عاشوراء فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائمًا، فقلت: هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: نعم
(2)
.
وسلف حديث الربيع بنت معوذ فيه
(3)
.
وفي الباب عن محمد بن صيفي
(4)
، وهند
(5)
بن أسماء
(6)
أحمد، وعبد الرحمن بن سلمة عن عمه (في أبي داود)
(7)
، وقيس بن سعد بن
(1)
مسلم (1128).
(2)
مسلم (1133).
(3)
سلف برقم (1960).
(4)
رواه النسائي 4/ 192، وابن ماجه (1735) باب: صيام يوم عاشوراء، وأحمد 4/ 388، وابن أبي شيبة 2/ 312 - 313 (9367)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 113 (2629)، وابن خزيمة 3/ 289 (2091)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 20 - 21، وابن حبان 8/ 382 (3617) والطبراني 19 (532).
قال البوصيري في "المصباح" 2/ 76: إسناده صحيح، ووافقه الألباني في "الصحيحة" 6/ 247.
(5)
ورد بالهامش: كذا وقع في "المسند": هند بن أسماء. قال الذهبي في "التجريد": والصواب هند أخو أسماء ابنا حارثة. ولهما إخوة وكان من أصحاب الصفة.
(6)
رواه أحمد 4/ 484، والبخاري في "التاريخ" 8/ 238 - 239، والطحاوي 2/ 73، والطبراني 22 (545).
قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 183: رجال أحمد رجال الصحيح، وقال الألباني في "الصحيحة" 6/ 247: اسناده حسن، رجاله ثقات معروفون غير حبيب بن هند.
(7)
رواه أبو داود (2447)، وأحمد 5/ 29، 368، 409، والنسائي في "الكبرى" 2/ 160 (2850 - 2852). والبيهقي 4/ 221. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (422).
عبادة (في النسائي)
(1)
، وابن الزبير
(2)
، وعلي (في الترمذي) ولفظه: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الشهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان قال: "صُم المحرم؛ فإنه شهر الله، وفيه يوم تاب فيه على قوم ويتوب فيه على آخرين"، ثم قال: حسن غريب
(3)
، ونحوه في مسلم:"أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم"
(4)
.
وحفصة (في النسائي)
(5)
، وبعض أزواجه
(6)
.
ولابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "يوم عاشوراء كانت
(1)
رواه النسائى 5/ 49.
(2)
رواه أحمد 4/ 5، 6، والبزار (1050/ كشف)، والطحاوي 2/ 76، وابن عدي في "الكامل" 2/ 317.
قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 184: فيه ثوير وهو ضعيف اهـ. بتصرف.
(3)
الترمذي (741) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في صوم المحرم، ورواه أيضًا عبد الله بن أحمد 1/ 154، 155، والدارمي 2/ 1101 (1797) كتاب: الصوم، باب: في صيام المحرم، وأبو يعلى 1/ 232 (267)، 1/ 337 (426 - 427).
وابن عدي في "الكامل" 5/ 498 من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن على مرفوعًا به.
وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب"(614).
(4)
مسلم (1163).
(5)
رواه النسائي 4/ 220، وأحمد 6/ 287، وأبو يعلى 12/ 469 (7041)، وابن حبان 14/ 332 (6422)، والطبراني 23 (354)، وقال الألباني في "ضعيف النسائي" (140): إسناده ضعيف.
(6)
رواه أبو داود (2437) كتاب: الصوم، باب: في صوم العشر، والنسائي 4/ 220 - 221، وأحمد 5/ 271 من طريق أبي عوانة، عن الحر بن الصباح عن هنيدة بن خالد عن امرأته، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء
…
الحديث. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2106). وانظر جملة هذِه الأحاديث في "الصحيحة"(2624).
تصومه الأنبياء فصوموه أنتم"
(1)
وللنقاش من حديث ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء أن (نصومه)
(2)
(3)
. ومن حديث فاطمة بنت محمد، عن أم يزيد بنت وعلة، عن أبيها مرفوعًا مثله. ومن حديث عليلة قالت: حدثتني أمي
عن أمة الله بنت رزينة
(4)
عن أمها مرفوعًا مثله. وزيادة: "وصوم الصبيان" ويقول: "لا تذوقوا اليوم شيئًا فإنه يعدل سنة"
(5)
.
ومن "الموضوعات" لأبي سعيد محمد بن علي النقاش مرفوعًا: "يوم عاشوراء يوم مبارك أمرني الله بصومه قبل أن ينزل رمضان"، فذكر حديثًا طويلًا.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 311 (9355) كتاب: الصوم، ما قالوا في صوم عاشوراء. عن حفص بن غياث، عن الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة مرفوعًا به.
وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(3508)، وقال في "الإرواء" 4/ 112: منكر بهذا اللفظ، وعلته الهجري واسمه إبراهيم بن مسلم، قال الحافظ: لين الحديث، والثابت في الصحيحين وغيرهما أن (موسى وقومه صاموه).
(2)
في الأصل: يصوموه، والمثبت من "المسند".
(3)
رواه أحمد 3/ 340، 348، والطبراني في "الأوسط" 3/ 61 (2480) بنحوه من هذا الطريق. قال الهيثمي 3/ 185: فيه: ابن لهيعة، وهو حسن الحديث، وفيه كلام.
(4)
ورد بهامش الأصل: رزينة هذِه خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاة زوجته صفية روت عنها، ابنتها أمة الله ولها صحبة.
(5)
رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 6/ 207 (3437)، وأبو يعلى 13/ 92 (7162)، وابن خزيمة 3/ 2888 - 289 (2089)، والطبراني في "الكبير" 24 (704)، وفي "الأوسط" 3/ 84 - 85 (2568) من هذا الطريق.
قال الحافظ في "الفتح" 4/ 201: إسناده لا بأس به.
إذا تقرر ذَلِكَ: فاتفق العلماء على أن صوم عاشوراء اليوم سنة وليس بواجب، واختلفوا في حكمه أول الإسلام، فقال أبو حنيفة: كان واجبًا، وهو وجه لأصحابنا والأشهر المنع ولم يكن واجبًا قط في هذِه الأمة، ولكنه كان متأكد الاستحباب فلما نزل صوم رمضان صار مستحبًّا دون ذَلِكَ الاستحباب، ونقل عياض عن بعض السلف أن فريضته الآن باقية، وانقرض القائلون بذلك، وحصل الإجماع
على أنه ليس بفرض إنما هو مستحب، وروي عن ابن عمر كراهية قصد صومه وتعيينه بالصوم
(1)
، وهو ما في "المحيط" عن أبي حنيفة، والعلماء مجمعون على استحبابه وتعيينه. وحديث عائشة دال على أنه رد إلى التطوع، وحديث سلمة دال على وجوبه أو تأكده، وحديث ابن عباس دال على أن صومه شكرًا في إظهار موسى على عدوه فرعون فدل ذَلِكَ على الاحتياط لا على الفرض، وعلى مثل ذَلِكَ دل حديث ابن عمر ومعاوية، وفي أمر الشارع إياهم بصومه بعد أن أصبحوا دليل على أن من كان في يوم عليه صومه بعينه ولم يبيت النية أنه يجوز أن ينوي صومه بعدما أصبح إذا كان ذَلِكَ قبل الزوال، وقد سلف ما فيه.
واختلفت الآثار أي يوم هو عاشوراء؟ فعند الترمذي مصححًا عن ابن عباس: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء اليوم العاشر
(2)
، وتقدم قول ابن عباس في "مسلم" وأنه اليوم التاسع
(3)
، وقد بين ذَلِكَ
(1)
"إكمال المعلم" 4/ 78 - 79.
(2)
الترمذي (755) وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"(603).
(3)
مسلم (1133).
حماد بن سلمة عن حماد، عن علي بن زيد، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس قال: هو اليوم التاسع
(1)
، وقد جاء كما قال الطحاوي: في حديث الحكم بن الأعرج: أنه اليوم العاشر
(2)
. ذكر عبد الرزاق، عن إسماعيل بن عبد الله، أخبرني يونس بن عبيد، عن الحكم بن الأعرج، عن ابن عباس قال: إذا أصبحت فعد تسعًا وعشرين يومًا، ثم أصبح صائمًا فهو يوم عاشوراء
(3)
. يعني: عدَّ من يوم النحر، وكذلك قال سعيد بن المسيب والحسن البصري: هو اليوم العاشر، وحكاه في "المصنف" عنهما، وعن محمد وعكرمة
(4)
. وهو ظاهر مذهب مالك فيما قاله ابن المفضل؛ لأنه مأخوذ من العشر فلزم أن يختص به؛ لأن التاسع إنما يسمى تاسوعاء، وحديث مسلم:"لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" فلم يأت العام المقبل حَتَّى توفي، وفي رواية أبي بكر قال: يعني: يوم عاشوراء
(5)
.
(1)
روى ابن أبي شيبة 2/ 314 (9387) في الصوم، في يوم عاشوراء أي يوم هو؟ وعبد بن حميد (668) من طريق الحكم بن الأعرج، عن ابن عباس قال: هو يوم التاسع. وقال الألباني في "الضعيفة" 8/ 309: رواه ابن أبي شيبة وإسناده صحيح.
وروي مرفوعًا، رواه ابن عدي في "الكامل" 1/ 516، وأبو نعيم في "لحلية" 9/ 322، وابن الجوزي في "العلل" 2/ 61 - 62 من طريق علي بن بكار، عن أبي أمية بن يعلى، عن سعيد المقبري، عن ابن عباس مرفوعًا به.
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو أمية اسمه إسماعيل بن يعلى، قال يحيى والدارقطني: متروك الحديث، وإنما هذا يروى، عن ابن عباس من قوله، وقال الألباني في "الضعيفة" (3849): موضوع.
(2)
"شرح معاني الآثار" 2/ 77.
(3)
"المصنف" لعبد الرزاق 4/ 288 (7840).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 314 (9384، 9385).
(5)
مسلم (1134).
قال الطحاوي: ورواه ابن أبي ذئب، عن القاسم بن عياش، عن عبد الله بن عمير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لئن عشت للعام القابل لأصومن يوم التاسع عاشوراء"، وقال ابن أبي ذئب مرة في حديثه:"لأصومن عاشوراء يوم التاسع"
(1)
.
قال ابن دحية: أفتى ابن عباس بعد موته صلى الله عليه وسلم بصوم التاسع كما كان عليه السلام عزم عليه أن يفعله لو عاش، ونقله ابن عبد البر في "تمهيده"
(2)
وابن التين تبعًا لابن المنذر والقرطبي
(3)
، عن الشافعي وأحمد وإسحاق، وهو غريب عن الشافعي: نعم استحبه معه
(4)
.
وقال طائفة، بصوم التاسع والعاشر، روي ذَلِكَ عن ابن عباس، وأبي رافع صاحب أبي هريرة وابن سيرين
(5)
، وأبي ثور وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، هذا قول ابن المنذر.
وقال صاحب "العين": عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم
(6)
، وقيل: هو التاسع. وقال الضحاك: إنه التاسع، نقله ابن أبي شيبة في "مصنفه"
(7)
عنه، قال الطحاوي: وقوله فيما مضى: "لأصومن عاشوراء يوم التاسع" خلاف قوله: "لأصومن يوم التاسع"؛ لأن قوله:
(1)
"شرح معاني الآثار" 2/ 77.
(2)
"التمهيد" 7/ 213.
(3)
"المفهم" 3/ 190.
(4)
انظر: "روضة الطالبين" 2/ 387، "المغني" 4/ 440 - 441، "مسائل أحمد برواية الكوسج" 1/ 296.
(5)
انظر: "مصنف عبد الرزاق" 4/ 287 - 288، و"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 314، و"التمهيد" 7/ 213 - 214.
(6)
"العين" 1/ 249.
(7)
"المصنف" 2/ 314 (9383).
"لأصومن عاشوراء يوم التاسع" إخبار منه بكون ذَلِكَ اليوم يوم عاشوراء.
وقوله: "لأصومن التاسع" يحتمل لأصومه مع العاشر لئلا أقصد بصومي إلى يوم عاشوراء بعينه كما تفعل اليهود، لكني أخلطه بغيره فأكون قد صمته بخلاف ما يصومه اليهود، وقد روي عن ابن عباس ما دل على هذا المعنى، روى ابن جريج، عن عطاء عنه صرف تأويل قوله:"لأصومن التاسع" إلى ما قلناه
(1)
، وقد جاء ذَلِكَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم روى ابن أبي ليلى عن داود بن علي، عن أبيه، عن جده ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم يوم عاشوراء:"صوموه وصوموا قبله يومًا أو بعده ولا تشبهوا باليهود"
(2)
، فثبت بهذا أنه عليه السلام أراد بالتاسع أن يدخل صوم يوم عاشوراء في غيره من الصيام، حَتَّى لا يكون مقصودًا بعينه، كما جاء عنه في صيام يوم الجمعة، كما سلف في حديث جويرية وغيرها
(3)
.
ووجه كراهية إفراد هذِه الأيام بالصيام التفرقة بين شهر رمضان وسائر ما يصوم الناس غيره؛ لأنه مقصود بعينه فرضًا وغيره ليس كذلك
(4)
. وبهذا كان يأخذ ابن عمر وكان لا يصوم عاشوراء إلا أن
(1)
رواه عبد الرزاق 4/ 287 (7839)، والطحاوي 2/ 78، وابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 213.
(2)
رواه أحمد 1/ 241، والبزار كما في "كشف الأستار"(1052) وابن خزيمة 3/ 290 - 291 (2095)، والطحاوي 2/ 78، والبيهقي 4/ 287.
قال الهيثمي: 3/ 188: فيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام، وقال الألباني في تعليقه على "صحيح ابن خزيمة": إسناده ضعيف لسوء حفظ ابن أبي ليلى.
(3)
سلف برقم (1986).
(4)
"شرح معاني الآثار" 2/ 78 - 79 بتصرف.
يوافق صومه
(1)
وقال الطبري: نظير كراهية ابن عمر لصيامه نظير كراهية من كره صيام رجب، إذ كان شهرًا تعظمه الجاهلية، فكره أن يعظم في الإسلام أيضًا من غير تحريم صومه إذا ابتغى بصيامه الثواب لا التشبه بأهل الشرك، وقد جاء في فضل صوم عاشوراء حديث أبي قتادة
(2)
وغيره مما سلف، وكان يصومه من السلف علي وأبو موسى، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، وابن عباس
(3)
، وأمر بصومه الصديق، وعمر
(4)
.
فإن قلت: قد رخص في صيام أيام بعينها مقصودة بالصوم كأيام البيض، فدل أنه لا بأس بالقصد إلى يوم بعينه.
قلت: مالك أمر بصومها لمعنى كما أسلفناه، وهو الشكر لله لعارض كان فيه، وكذا صوم الجمعة إذا صامه لعارض من كسوف شمس أو قمر، أو لمعنًى فلا بأس به، وإن لم يصم قبله أو بعده مع أن مالكًا استحبه، أعني: صوم يوم عاشوراء وفضله على غيره. وكذا جميع المالكيين بالمغرب، ويتصدقون فيه ويرونه من أجل القرب اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم وإمام مذهبهم.
تنبيهات:
أحدها: (قول)
(5)
الداودي: قول معاوية: (أين علماؤكم؟) يدل أنه
(1)
مسلم (1126/ 119).
(2)
رواه مسلم (1126/ 196).
(3)
انظر هذِه الآثار في: "مصنف عبد الرزاق" 4/ 287 (8736، 7839)، و"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 312 (9361 - 9362)، و"سنن البيهقي" 4/ 286 - 287.
(4)
رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 215.
(5)
في (م): قال.
سمع شيئًا أنكره إما أن سمع قول من لا يرى لصومه فضلًا، أو سمع (قول)
(1)
من يقول: إنه فرض على ما ذكر فيه. وقال ابن التين: يحتمل أن يريد به استدعاء موافقتهم، أو بلغه أنهم يرون صيامه فرضًا، أو نفلًا، أو للتبليغ، ويحتمل أن يريد بقوله:(لم يكتب الله عليكم صيامه) الآن، أو لا مطلقًا. وتظهر فائدته في عدم تبييت النية فيه.
ثانيها: قد أسلفنا أنه قال: "لئن بقيت إلى قابل" إلى آخره. قال ابن الجوزي: لما قدم عليه السلام المدينة رأى اليهود يصومونه فصامه وأمر بصيامه، فلما نزلت فريضة رمضان فلم يأمرهم بغيره، ثم أراد مخالفتهم اليهود في آخر عمره فمات قبل العام، وأراد بالتاسع أن يكون عوضًا عن العاشر؛ ليخالف اليهود، أو يكون أراد صومهما؛ للمخالفة أيضًا، أو يكون كره صوم يوم مفرد فأراد أن يصله بيوم غيره، أو يكون أراد بالتاسع ما كان يذهب إليه ابن عباس أنه العاشر.
ثالثها: من الغريب ما في "تفسير أبي الليث السمرقندي" أن عاشوراء الحادي عشر، وحكاه المحب الطبري أيضًا.
رابعها: تاسوعاء وعاشوراء ممدودان، وحكي قصرهما
(2)
ويقال: عشورا ذكره ابن سيده
(3)
، والخلاف السالف في تعيينه ذكره أهل اللغة.
قال الليث فيما حكاه الأزهري في "تهذيبه": هو العاشر
(4)
، وعن
(1)
من (م).
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: في "المطالع" عن أبي عمرو السدي قصر عاشوراء ومدها. كلامه، نقله أيضا غير التنقيب.
(3)
"المحكم" 1/ 219.
(4)
"تهذيب اللغة" 3/ 2446.
المزني: يحتمل أن يكون التاسع، قال الأزهري: كأنه تأول عشر الورد أنها تسعة أيام وهو الذي حكاه الليث عن الخليل وليس ببعيد عن الصواب
(1)
.
وقال ابن دحية في حديث الأعرج بن الحكم
(2)
السالف: روايته
مضطربة ولا يصح مع الاضطراب شيء. قال أبو زرعة: فيه لين
(3)
، ولذلك أعرض عنه البخاري، والصحيح رواية مسلم:"لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع يوم عاشوراء"
(4)
.
وقال صاحب "العين": هو العاشر
(5)
، وقيل: التاسع، وقد أسلفناه، ومن أنكر هذا القول احتج بأنه لو كان التاسع لكان يقال له: التاسوعاء، وعن سيبويه: هو على مثال فاعولاء
(6)
.
وقال ابن سيده: هو العاشر
(7)
وفي "الجامع": سمي في الإسلام ولم يعرف في الجاهلية.
قال الخليل: بنوه على فاعولاء ممدودًا؛ لأنها كلمة عبرانية، وقال ابن دريد في "الجمهرة": هو اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية؛ لأنه لا يعرف في كلامهم فاعولاء
(8)
.
(1)
السابق 3/ 2446 - 2447.
(2)
قلت: هو الحكم بن الأعرج كما ذكره آنفًا، وكما هو في كتب الرجال، انظر:"تهذيب الكمال" 7/ 104.
(3)
انظر: "الجرح والتعديل" 3/ 120 (557)، و"تهذيب الكمال" 7/ 104.
(4)
مسلم (1134/ 134).
(5)
"العين" 1/ 249.
(6)
انظر: "الكتاب" 4/ 250.
(7)
"المحكم"(1/ 219).
(8)
"جمهرة اللغة" 2/ 727، وعبارة ابن دريد: وليس في كلام العرب فاعولاء ممدودًا إلا عاشوراء.
قلت: غريب فقد نطق به الشارع وأصحابه أنه كان يسمى في الجاهلية الجهلاء به ولا يعرف إلا به، وقال ابن الأعرابي: سمعت العرب تقول: خابوراء، وقال ابن بري: قد جاء فاعولاء غير عاشوراء وهي ضاروراء بمعنى: الضرر، وساروراء بمعنى: السرور، ودالولاء بمعنى: الدلالة، وخابوراء: اسم موضع، وفي "تثقيف اللسان" للحميري عن أبي عمرو الشيباني أنه بالقصر، وذكر فيه سيبويه المد والهمز، وأهل الحديث لم يضبطوه وإنما تركوه على القصر وترك الهمز.
وقال ابن بطال: عاشوراء وزنه: فاعولاء، وهو من أبنية المؤنث وهو صفة لليلة، واليوم مضاف إليها، وعلى ما حكاه الخليل أنه التاسع يكون صفة لليوم، فيقال: يوم عاشوراء، وينبغي أن لا يضاف إلى اليوم؛ لأن فيه إضافة الشيء إلى نفسه، ومن جعل عاشوراء صفة لليلة فهو أصح في اللغة وهو قول من يرى أنه العاشر
(1)
.
خامسها: خص هذا اليوم بخصائص، قال الداودي: ست عشرة، ولم يذكرها، ويحضرنا منها: نصر موسى، وفلق البحر له، وغرق فرعون وجنوده، واستواء سفينة نوح على الجودي، وأغرق قومه، ونجا يونس من بطن الحوت، وتاب على قومه، وتاب على آدم، قاله عكرمة
(2)
. وأن من أصبح ولم يبيت صيامه أنه يصومه كذا وقع أولًا، قال ابن حبيب: وفيه أخرج يوسف من الجب، وولد فيه عيسى، ويوم تاب الله فيه على قوم، ويتوب فيه على آخرين. وروى معمر، عن قتادة قال: ركب نوح في السفينة في رجب في عشر بقين منه، ونزل
(1)
"شرح ابن بطال" 4/ 144.
(2)
رواه عبد الرزاق 4/ 291 (7852).
من السفينة يوم عاشوراء
(1)
، وفيه تكسى الكعبة الحرام في كل عام، ذكره ابن بطال عن ابن حبيب في أشياء عدها، وروى شعبة، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعًا:"من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته"
(2)
.
(1)
السابق 4/ 290 (7849).
(2)
رواه من هذا الطريق ابن عبد البر في "الاستذكار" 10/ 140 (14296).
من طريق محمد بن معاوية، عن الفضل بن الحباب، عن هشام بن عبد الملك الطيالسي، عن شعبة به.
قال الحافظ في "اللسان" 4/ 439 - 440: حديث منكر جدًّا ما أدري من الآفة فيه.
ونقل السيوطي في "اللآلى" 2/ 63 قول الحافظ، ولم يتعقبه بشيء، فكأنما أقره على ما قال، وضعفه الألباني أيضًا في "تمام المنة" ص: 411 وقال: وفيه علة أخرى، وهي عنعنة أبي الزبير فإنه مدلس.
ورواه البيهقي في "الشعب" 3/ 365 (3791) من طريق محمد بن يونس عن عبد الله بن إبراهيم الغفاري، عن عبد الله بن أبي بكر - ابن أخي محمد بن المنكدر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، مرفوعًا به. قال الألباني في "تمام المنة" ص: 410 - 411: هذا إسناد موضوع من أجل محمد بن يونس -وهو الكديمي- فإنه كذاب، قال ابن عدي: قد اتهم الكديمي بالوضع. وشيخه عبد الله بن إبراهيم الغفاري، قال الذهبي: يدلسونه لوهنه، نسبه ابن حبان إلى أنه يضع الحديث، قال الحاكم: يروي عن جماعة من الضعفاء أحاديث موضوعة -قلت: وهذا منها اهـ. بتصرف.
قلت: وفي الباب من حديث ابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري، وعمر موقوفًا، وإبراهيم بن محمد بن المنتشر قوله.
وقد روي البيهقي في "الشعب" 3/ 365 - 366 (3792 - 3795) أحاديث ابن مسعود وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة المرفوعة، وقال: هذِه الأسانيد وإن كانت ضعيفة فهي إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة. والله أعلم. كذا قال.
قال السخاوي في "المقاصد الحسنة"(1193): رواه الطبراني، والبيهقي في "الشعب" و"فضائل الأوقات"، وأبو الشيخ؛ عن ابن مسعود؛ والأولان فقط عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أبي سعيد؛ والثاني فقط في "الشعب" عن جابر وأبي هريرة، وقال: إن أسانيده كلها ضعيفة، ولكن إذا ضم بعضها إلى بعض أفاد قوة.
بل قال العراقي في "أماليه": لحديث أبي هريرة طرق صحح بعضها ابن ناصر الحافظ، وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق سليمان بن أبي عبد الله، وقال: سليمان مجهول، وسليمان ذكره ابن حبان في "الثقات"؛ فالحديث حسن على رأيه. قال: وله طريق عن جابر على شرط مسلم، أخرجها ابن عبد البر في "الاستذكار" من رواية أبي الزبير عنه، وهي أصح طرقه. ورواه هو والدارقطني في الأفراد بسند جيد، عن عمر موقوفًا عليه، والبيهقي في "الشعب" من جهة محمد بن المنتشر، قال: كان يقال فذكره، قال: وقد جمعت طرقه في جزء.
قلت -أي السخاوي-: واستدرك عليه شيخنا رحمه الله كثيرًا لم يذكره، وتعقب اعتماد ابن الجوزي في "الموضوعات" قول العقيلي في هيصم بن شداخ راوي حديث ابن مسعود إنه مجهول، يقول: بل ذكره ابن حبان في "الثقات" والضعفاء. اهـ.
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 25/ 300. رووا في حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر
السنة. ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب، ولكنه معروف من رواية سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه قال: بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء، وسع الله عليه سائر سنته زإبراهيم بن محمد بن المنتشر من أهل الكوفة، وأهل الكوفة كان فيهم طائفتان، طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت، وهم في الباطن إما ملاحدة زنادقة، وإما جهال وأصحاب هوى، وطائفة ناصبة تبغض عليًّا وأصحابه، لما جرى من القتال في الفتنة ما جرى. اهـ.
وقال الشيخ سيد سابق: رواه البيهقي في "الشعب" وابن عبد البر، وللحديث طرق أخرى كلها ضعيفة، ولكن إذا ضم بعضها إلى بعض ازدادت قوة، كما قال السخاوي: كذا قال، قال الألباني: هذا رأي السخاوي، ولا نراه صوابًا؛ لأن شرط تقوي الحديث بكثرة الطرق -وهو خلوها من متروك أو متهم- لم يتحقق في هذا الحديث. =
قال جابر وأبو الزبير وشعبة: جربناه فوجدناه كذلك
(1)
.
وقاله يحيى بن سعيد وابن عيينة أيضًا
(2)
، ورواه الحافظ أبو موسى المديني في كتابه "فضائل الأيام والشهور". ثم قال: حديث حسن.
سادسها: سمي عاشوراء؛ لأنه عاشر المحرم كما سلف، أو لأنه عاشر كرامة أكرم الله بها هذِه الأمة، أو لأن الله أكرم فيه عشرة من الأنبياء بعشر كرامات.
سابعها: لأي معنى استحب صوم التاسع؟ فقيل: لمخالفة أهل الكتاب في إفراد الصوم فعلى هذا يسن لمن تركه صوم الحادي عشر، وقيل للاحتياط لعاشوراء؛ لاحتمال الغلط في أول المحرم فيكون
= قلت: لم يصب الشيخ سيد سابق رحمه الله في عزو القول الذي ذكره للسخاوي، وتبعه عليه الألباني، ولم ينتبها أن القول هو قول البيهقي، وإنما نقله السخاوي فقط عنه في "المقاصد" كما أسلفناه، فظنا أنه قول السخاوي والله أعلم. ثم قال الألباني: فسائر طرق الحديث مدارها على متروكين أو مجهولين، ومن الممكن أن يكونوا من أعداء الحسين رضي الله عنه، الذين وضعوا الأحاديث في فضل الإطعام، والاكتحال، وغير ذلك يوم العاشوراء؛ معارضة منهم للشيعة الذين جعلوا هذا اليوم يوم حزن على الحسين رضي الله عنه؛ لأن قتله كان فيه. ولذلك جزم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن هذا الحديث كذب، وذكر أنه سُئل الإمام أحمد عنه، فلم يره شيئًا، وأيد ذلك بأن أحدًا من السلف لم يستحب التوسعة يوم عاشوراء، وأنه لا يعرف شيء من هذِه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة، وقد نقل المناوي عن المجد اللغوي أنه قال:
ما يُروى في فضل صوم يوم عاشوراء، والصلاة فيه، والإنفاق، والخضاب، والادهان، والاكتحال، بدعة ابتدعها قتلة الحسين رضي الله عنه. اهـ. "تمام المنة" ص: 410 - 412.
(1)
ذكرها ابن عبد البر في "الاستذكار" 10/ 140 (14295 - 14296).
(2)
"شرح ابن بطال" 4/ 145.
عاشرًا، وقد كان ابن عباس يصومهما خوفًا أن يفوته، وفعله في السفر
(1)
، وفعله ابن شهاب
(2)
.
وقيل: لأجل إفراده كما نهى عن صوم يوم الجمعة وحده، وإذا فاته تاسع المحرم لا يصوم الحادي عشر، وقال البندنيجي من أصحابنا: من يستحب صوم التاسع والعاشر، فإن ضم إليهما الحادي عشر كان أكمل، ونقله في "البحر" عن بعض الأصحاب، ونص عليه الشافعي في "الأم"، وفيه حديث في البيهقي، ولأحمد أيضًا ولفظه: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود وصوموا قبله يومًا وبعده
(3)
يومًا"
(4)
، وصام أبو إسحاق يوم عاشوراء ثلاثة أيام يومًا قبله ويومًا بعده في طريق مكة، وقال: إنما أصوم قبله وبعده كراهية أن يفوتني، وكذلك روي عن ابن عباس أيضًا أنه قال: صوموا قبله يومًا وبعده يومًا، وخالفوا اليهود
(5)
.
ثامنها: اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى هو عند اليهود العاشر من تشرين لا يتغير عندهم بحسب الكبس والبسط، فيأتي تارة في المحرم وأخرى في رمضان وغيره لعلة دوران الشهور القمرية؛ لأن الشهور عندهم (شمسية)
(6)
والسنين على أحكام السنة (القمرية)
(7)
، وتزيد
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 314 (9388)، والبيهقي في "الشعب" 3/ 264 (3786)، وابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 213.
(2)
رواه البيهقي في "الشعب" 3/ 397 (3798).
(3)
ورد بهامش الأصل: هو في "المسند" من حديث ابن عباس فقد عزي هذا الحديث للبزار أيضا، كذا رأيته معزوًّا للبزار بخط الدمياطي.
(4)
تقدم تخريجه، وإسناده ضعيف، فيه محمد بن أبي ليلى.
(5)
رواه عبد الرزاق 4/ 287 (7839)، وابن الجعد (2411)، والبيهقي في "الشعب" 3/ 365.
(6)
في (م) قمرية.
(7)
في (م) شمسية.
السنة الشمسية على القمرية أحد عشر يومًا وكسر، فالسنة الأولى عندهم اثنا عشر شهرًا، والثانية كذلك ثم لبسوا الثالثة، فجبروا فيها ما نقص من عدة الشهور القمرية، فتكون الثالثة ثلاثة عشر شهرًا، نبه عليه ابن دحية في "علمه".
تاسعها: ما ورد في صلاة ليلة عاشوراء ويوم عاشوراء، وفي فضل الكحل يوم عاشوراء لا يصح. ومن ذَلِكَ حديث جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس رفعه:"من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدًا". وهو حديث وضعه قتلة الحسين عليه السلام
(1)
.
قال الإمام أحمد: والاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أثر وهو بدعة
(2)
.
(1)
رواه من هذا الطريق البيهقي في "الشعب" 3/ 367 (3797)، وابن الجوزي في
"الموضوعات" 2/ 673 (1143).
قلت: هو حديث موضوع، قال البيهقي: جويبر ضعيف، والضحاك لم يلق ابن عباس، وقال ابن الجوزي: قال الحاكم: أنا أبرأ إلى الله من عهدة جويبر، فإن الاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أثر، وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين عليه السلام، قال أحمد: لا يشتغل بحديث جويبر، وقال يحيى: ليس بشئ، وقال النسائي والدارقطني: متروك اهـ.
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 4/ 513: حديث كذب مختلق باتفاق من يعرف علم الحديث.
وأورده الشوكاني في "الفوائد" ص: 98، وقال السخاوي في "المقاصد" (1085): حديث موضوع وكذا قال الألباني في "الضعيفة"(624).
(2)
قلت: نقل ابن الجوزي وغيره هذا القول عن الحاكم. وقال ابن رجب في "الطائف المعارف" ص: 58: وكل ما روي في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء: الاختضاب والاغتسال فيه، فموضوع لا يصح. فالحديث منكر لا يصح بهذِه الألفاظ.
ومن أغرب ما روي فيه أنه عليه السلام قال في الصرد: "إنه أول طائر صام عاشوراء"
(1)
، وهذا من قلة الفهم فإن الطائر لا يوصف بالصوم.
قال الحاكم: وضعه قتلة الحسين عليه السلام.
(1)
رواه ابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 276، والخطيب 6/ 296، وابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 574 - 575 (1144 - 1146) من طريق عبد الله بن معاوية الجمحي قال: سمعت أبي يحدث، عن أبيه، عن جده، عن أبي غليظ بن أمية بن خلف الجمحي، مرفوعًا به.
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، ومما يرد هذا أن الطير لا يوصف بصوم، وقال الذهبي في "الميزان" 5/ 262: حديث منكر، وقال ابن رجب الحنبلي في "اللطائف" ص: 58: إسناده غريب، وقال الشوكاني في "الفوائد" ص 97: رواه الخطيب عن أبي غليظ مرفوعًا، ولا يعرف في الصحابة من له هذا الاسم، وفي إسناده عبد الله بن معاوية، منكر الحديث. اهـ.
31
صلاة التراويح
31 - صلاة التراويح
1 - باب فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ
2008 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِرَمَضَانَ: "مَنْ قَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". [انظر: 35 - مسلم: 759، 760 - فتح: 4/ 250]
2009 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما. [انظر: 35 - مسلم: 759، 760 - فتح: 4/ 250]
2010 -
وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ. ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ
عَلَى أُبَى بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ. يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ. [فتح: 4/ 250]
2011 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. [انظر: 729 - مسلم: 761، 782 - فتح: 4/ 250]
2012 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى فِي المَسْجِدِ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، [فَصَلَّى] فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى، فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَىَّ مَكَانُكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا". فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ [انظر: 729 - مسلم: 761، 782 - فتح: 4/ 250]
2013 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها: كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهَا عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ:"يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي". [انظر: 1147 - مسلم: 837 - فتح: 4/ 251]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها: حديث أَبَي هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِرَمَضَانَ: "مَنْ قَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
ثانيها: عنه مثله.
قَالَ ابن شِهَابٍ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرِ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ.
وَعَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرى لَوْ جَمَعْتُ هؤلاء عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ فجمعهم عَلَى أُبَى. وفي آخره: قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ البِدْعَةُ هذِه، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ التِي يَقُومُونَ. يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْل
ثالثها: حديث عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. ثم ساقه مطولًا.
رابعها: حديثها أيضا: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهَ عَلَى إِحْدى عَشْرَةَ رَكْعَةَ.
الشرح: حديث أبي هريرة سلف في الإيمان
(1)
. ومعنى: (يقول
لرمضان): أي: لأجله كقوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] أي: قل لأجلهم ونحوه، ومعنى "إيمانًا": مصدقًا بما وعد الله من الثواب عليه "واحتسابًا" يعني: يفعل ذَلِكَ ابتغاء وجهه و"غفر ما تقدم له من ذنبه" قول عام يرجى لمن فعل ما ذكر فيه غفران ذنوبه صغيرها وكبيرها؛ لأنه لم يستثن ذنبًا دون
(1)
سلف برقم (35).
ذنب، ولأبي داود من حديث مسلم بن خالد عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد فقال: "من هؤلاء؟ " فقيل: هؤلاء ناس ليس معهم قرآن، وأبي بن كعب يصلي بهم وهم يصلون بصلاته، فقال عليه السلام:"أصابوا" أو"نعم ما صنعوا" ثم قال: ليس هذا الحديث بالقوي
(1)
.
وحديث عائشة: ما كان يزيد .. إلى آخره. سلف مطولًا في باب: قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره، من كتاب: الصلاة
(2)
. وفي جمع عمر رضي الله عنه الناس على قارئ واحد؛ دليل على نظر الإمام لرعيته في جمع كلمتهم وصلاح دينهم.
وفيه: أن اجتهاد الإمام ورأيه في السنن مسموع له مؤتمر له كما ائتمر الصحابة لعمر في جمعهم على قارئ واحد؛ لأن طاعتهم لاجتهاده واستنباطه طاعة لله؛ لقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ} الآية [النساء: 83].
(1)
أبو داود (1377).
ومن هذا الطريق رواه أيضًا ابن خزيمة 3/ 339 (2208)، وابن حبان 6/ 282 (2541)، والبيهقي 2/ 495.
قال أبو داود: ليس هذا الحديث بالقوي، مسلم بن خالد، ضعيف.
ونقل البيهقي قول أبي داود وسكت، فكأنما أقره على ما قال.
والحديث ذكره الحافظ في "الفتح" 4/ 252 وقال: ذكره ابن عبد البر. هكذا اكتفي بعزوه لابن عبد البر الذي ذكره في "التمهيد" 8/ 111 بدون إسناد، ثم قال: وفيه مسلم بن خالد وهو ضعيف، والمحفوظ أن عمر هو الذي جمع الناس على أبي بن كعب.
وأورده الألباني في "ضعيف أبي داود"(243) وقال: هذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، غير مسلم بن خالد -وهو الزنجي- وهو ضعيف.
(2)
سلف برقم (1147).
وفيه: جواز الاجتماع في صلاة النوافل وأنها في البيت أفضل.
وفيه: أن الجماعة المتفقة في عمل الطاعة مرجو بركتها، إذ دعاء كل واحدٍ منهم يشمل جماعتهم، ولذلك صارت صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة
(1)
، فيجب أن تكون النافلة كذلك.
وفيه: أن قيام رمضان سنة؛ لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان الشارع يحبه، وقد أخبر عليه السلام بالعلة التي منعت من الخروج إليهم وهي خشية أن يفترض عليهم، وكان بالمؤمنين رحيما، فلما أمن عمر أن يفترض عليهم في زمنه لانقطاع الوحي أقام هذِه السنة وأحياها، وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته.
وفبه: أن الأعمال إذا تركت لعلة وزالت العلة أنه لا بأس بإعادة العمل، كما أعاد عمر صلاة الليل في رمضان في الجماعة.
وفيه: أنه يجب أن يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، ولذلك قال عمر: أُبي أقرؤنا. فلذلك قدمه عمر، وهذا على الاختيار إذا أمكن؛ لأن عمر قدم أيضًا تميمًا الداري
(2)
ومعلوم أن كثيرًا من الصحابة أقرأ منه، فدل
(1)
دليله ما سلف برقم (645) عن ابن عمر مرفوعًا: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة". ورواه مسلم (650).
(2)
روى مالك في "الموطأ" ص 92 (280)، والنسائي في "الكبرى" 3/ 113 (4687)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 293، والبيهقي 2/ 496 من طريق محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد، أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة،. الحديث.
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 3/ 442: قال النيموي في "آثار السنن": إسناده صحيح. وقال الألباني في "الإرواء" 2/ 192، وفي "صلاة التراويح" ص 53: سنده صحيح جدًّا، وقال في ص 63: سنده صحيح. وقال في "المشكاة"(1302): إسناده صحيح. وسيذكر المصنف هذا الحديث قريبًا.
هذا أن قوله عليه السلام: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"
(1)
إنما هو على الاختيار.
والأوزاع: الفَرق، لا واحد له من لفظه، وقوله:(متفرقون) على معنى التأكيد؛ لأن الأوزاع: الجماعات المتفرقون، وقال ابن فارس: الأوزاع: الجماعات
(2)
، فعلى هذا يكون المتفرقون تفسيرًا، وعبارة صاحب "العين" أوزاع الناس: ضروب منهم، والتوزيع: القسمة
(3)
.
وقول عمر: (نعم البدعة) كذا هو في رواية أبي الحسن (نعم)، ووجهه أنها تقدمت مؤنثًا غير ذي فرج مثل:{وَجَآهُمُ البَيِنَاتُ} [آل عمران: 86]، وهي كلمة تجمع المحاسن كلها كضده في بئس.
وقال ابن التين: وقع في بعض النسخ: بالهاء وهو الصواب على أصول الكوفيين، وإنما يكون عند البصريين بالتاء ممدودًا نعمت؛ لأن نعم عندهم فعل فلا يتصل به إلا تاء التأنيث دون هائه. والبدعة: اختراع ما لم يكن قبل، فما خالف السنة فهو بدعة ضلالة، وما وافقها فهو بدعة هدى، وقد سُئل ابن عمر عن صلاة الضحى فقال: بدعة، ونعمت البدعة
(4)
، وهذا تصريح من عمر أنه أول من جمع في قيام
(1)
رواه مسلم (673) من حديث أبي مسعود الأنصاري.
(2)
"مجمل اللغة" 4/ 924. مادة: وزع.
(3)
" العين"(2/ 207) وفيه: التوزيع: القسمة.
(4)
رواه البغوي في "الجعديات"(2136)، ومن طريقه الطبراني 12/ 424 (13563) من طريق إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر.
وقال الحافظ في "الفتح" 3/ 52: وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، عن الحكم بن الأعرج، عن الأعرج قال: سألت ابن عمر
…
فساقه.
والذي في "المصنف" 2/ 175 (7782) عن حاجب بن عمر عن الحكم بن الأعرج قال: سألت ابن عمر فساقه، وليس فيه: ونعمت البدعة.
رمضان على إمام واحد وتابعوه، وسماها بدعة؛ لأنه عليه السلام لم يسنها لهم ولا فعلها الصديق وقد فعلها الفاروق، وقد صح:"اقتدوا بالذين من بعدي"
(1)
ووصفها بنعم؛ لما فيها من وجوه المصالح.
(1)
رواه الترمذي (3662)، وأحمد 5/ 382، والحميدي في "مسنده" 1/ 413 (454)، وابن أبي حاتم في "العلل" 2/ 379، وأبو نعيم في "الحلية" 9/ 109، والبغوي في "شرح السنة" 14/ 101 (3895) من طريق سفيان بن عيينة، عن زائدة بن قدامة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة مرفوعًا به.
قال الترمذي: حديث حسن.
ورواه الترمذي (3662)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" 2/ 334، والترمذي في "العلل الكبير" 2/ 933، والبيهقي 5/ 212، والبغوي (3894)، والذهبي في "السير" 1/ 481، وفي "تذكرة الحفاظ" 2/ 755 من طريق سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، به. ولم يذكر زائدة.
قال الترمذي في "السنن": كان سفيان بن عيينة يدلس في هذا الحديث، فربما ذكره عن زائدة، عن عبد الملك، وربما لم يذكر فيه: عن زائدة. وقال أبو حاتم: كان يحدث به أيام الموسم، عن عبد الملك بن عمير، ولم يذكر زائدة، ثم قال: لم آخذه من عبد الملك، إنما حدثناه زائدة عن عبد الملك. وقال سفيان: إذا ذكرت لهم زائدة لم تسألوني عنه، وهذا حديث فيه فضيلة للشيخين. اهـ. "العلل" 2/ 379.
ورواه الترمذي كما في "تحفة الأشراف" 3/ 29، وابن ماجه (97)، وأحمد 5/ 385 و 5/ 402، وأبو حاتم في "العلل" 2/ 381، والبيهقي 8/ 153، وابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 126، وفي "الاستيعاب" 3/ 97، والخطيب في "تاريخ بغداد" 4/ 346 - 347، والحافظ في "موافقة الخبر الخبر" 1/ 143، من طريق سفيان بن سعيد الثوري.
ورواه الخطيب 7/ 403 من طريق سالم المرادي.
ورواه أيضًا 12/ 20 من طريق مسعر.
ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، به.
قال المزي في "التحفة": قال الترمذي: حديث حسن.
ورواه الحاكم في "المستدرك" 3/ 75 من طريق الحميدي. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه البيهقي 18/ 153، والمزي في "التهذيب" 30/ 356، والحافظ في "الموافقة" 1/ 143 من طريق إبراهيم بن سعد.
كلاهما عن سفيان بن سعيد الثوري، عن عبد الملك، به، إلا أنهم قالوا: عن هلال مولى ربعي، فسموه.
قال الترمذي: وقال الثوري: عن عبد الملك، عن مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة، قال حذيفة، وهو الصحيح. "العلل الكبير" 2/ 933 - 934. وانظر:"علل ابن أبي حاتم" 2/ 381 (2655).
ورواه الترمذي (3663)، وأحمد 5/ 399، وابن سعد 2/ 334، وابن حبان 15/ 327 - 328/ (6902)، والخطيب 14/ 366، والمزي في "التهذيب" 10/ 161 - 162 من طريق سالم -أبي العلاء- المرادي الأنعمي، عن عمرو بن هرم، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة به.
وقد روى الحاكم الحديث بعدة أسانيد في "المستدرك" 3/ 75 وحكى اختلافًا، ثم قال: فثبت بما ذكرنا صحة هذا الحديث وإن لم يخرجاه. وحسنه المصنف في "البدر المنير" 9/ 578، وكذا الحافظ في "الموافقة" 1/ 143، وانظر:"التلخيص" 4/ 190. وحسنه الألباني في "الصحيحة" 3/ 234 - 235، وفي "صحيح الجامع" (1142 - 1143).
وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وابن عمر وأبي الدرداء.
حديث ابن مسعود رواه الترمذي (3805)، والحاكم 3/ 75 - 76، والبغوي في "شرح السنة" 14/ 102 (3896)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 3/ 228 من طرق عن ابن مسعود.
وضعف الحافظ إسناد الحديث -غير إسناد ابن عساكر- فقال في "تلخيص الحبير" 4/ 190 في إسناده يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو ضعيف. وانظر:"الصحيحة" 3/ 234. "وصحيح الجامع" (1144).
وأما حديث أنس فرواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 29. قال الألباني في "الصحيحة" 3/ 235: إسناده جيد. وانظر: "صحيح الجامع"(1144).
وأما حديث ابن عمر فرواه العقيلي في "الضعفاء" 4/ 94 - 95، وابن عساكر 30/ 228 من طريق مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر.
قال العقيلي: حديث منكر لا أصل له من حديث مالك، وهذا يروى عن حذيفة، =
وقوله: (والتي ينامون عنها أفضل): يعني: القيام آخر الليل؛ لحديث عائشة أنه عليه السلام كان ينام أول الليل ويحيي آخره
(1)
. وأيضًا فهو وقت التنزل واستجابة الرب تعالى في ذَلِكَ الوقت لمن دعاه، وقد تقدم معنى خشيته الافتراض في الصلاة في باب: تحريض رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب
(2)
، وكذلك أسلفنا في باب: قيامه عليه السلام بالليل في رمضان وغيره
(3)
، اختلافهم في عدد القيام في رمضان.
وننبه هنا على طرف وهو أن قول عائشة هنا موافقة لما روى مالك عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد. قال: أمر عمر أُبي بن كعب وتميمًا الداريَّ أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة
(4)
، وقال الداودي
وغيره: ليست هذِه الرواية معارضة لرواية من روى عن السائب: ثلاثًا وعشرين ركعة
(5)
، ولا ما روى مالك، عن يزيد بن رومان قال: كان
= عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد ثابت. وقال المصنف في "البدر" 9/ 580: إسناده منكر.
وانظر: "الصحيحة" 3/ 235 - 236.
وأما حديث أبي الدرداء فرواه الطبرانى في "مسند الشاميين" 2/ 57 - 58، وابن عساكر 30/ 229.
قال الهيثمي في "المجمع" 9/ 53: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(2330).
(1)
سلف برقم (1146) أبواب: التهجد، باب: من نام أول الليل وأحيا آخره، ورواه مسلم (739).
(2)
يراجع أحاديث (1126 - 1129) أبواب: التهجد.
(3)
يراجع حديثي (1147 - 1148).
(4)
تقدم تخريجه قريبًا.
(5)
رواه عبد الرزاق 4/ 261 - 262 (7733).
وقال الألباني في "صلاح التراويح" ص 60: سنده ضعيف.
الناس يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة
(1)
بمعارضة لرواية السائب؛ لأن عمر جعل الناس يقومون في أول أمره بإحدى عشرة كما فعل عليه السلام، وكانوا يقرءون بالمئين ويطولون القراءة، ثم زاد عمر بعد ذَلِكَ فجعلها ثلاثًا وعشرين ركعة على ما رواه يزيد بن رومان، وبهذا قال الثوري والكوفيون والشافعي -أي بالوتر- وأحمد
(2)
، فكان الأمر على ذَلِكَ إلى زمن معاوية، فشق على الناس طول القيام؛ لطول القراءة فخفف القراءة، وكثروا من الركوع، وكانوا يصلون تسعًا وثلاثين ركعة، الوتر منها ثلاث ركعات، فاستقر الأمر على ذَلِكَ وتواطأ عليه الناس وبهذا قال مالك
(3)
، فليس ما جاء من اختلاف أحاديث رمضان بتناقض، وإنما ذَلِكَ في زمان بعد زمان
(4)
، وقد
سلف اختلافهم في تأويل قوله: (يصلي أربعًا) في أبواب صلاة الليل
(5)
، وأن ذَلِكَ مرتب على قوله عليه السلام:"صلاة الليل مثنى مثنى"
(6)
(1)
"الموطأ" ص 92.
ومن طريق البيهقي في "السنن" 2/ 496، وفي "معرفة السنن" 4/ 42 (5411).
قال النووي في "المجموع" 3/ 527: مرسل؛ فإن يزيد بن رومان لم يدرك عمر.
وقال الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 154: قال البيهقي: يزيد بن رومان لم يدرك عمر.
وقال الألباني في "الإرواء"(446): حديث ضعيف؛ لانقطاعه.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 312، "البيان" 2/ 278، "المغني" 2/ 604.
(3)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 443.
(4)
قال البيهقي 2/ 496: يمكن الجمع بين الروايتين، فإنهم كانوا يقومون بإحدى عشرة، ثم كانوا يقومون بعشرين ويوترون بثلاث، والله أعلم.
(5)
راجع حديث (1147).
(6)
سلف برقم (1137).
وأنه سلم بين الأربع، والرد على من أنكر ذَلِكَ، وكذلك سلف في باب: تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل اختلافهم في صلاة رمضان، هل هي أفضل في البيت أو مع الإمام؟ وقال الترمذي: اختلف أهل العلم في قيام رمضان، فرأى بعضهم أن يصلى إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، وهو قول أهل المدينة والعمل على هذا عندهم بها، وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر وعلي وغيرهما من الصحابة: عشرين ركعة
(1)
، وهو
(1)
رواه عن عمر ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 165 (7681) عن وكيع، عن مالك، عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب أمر رجلًا يصلي بهم عشرين ركعة.
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 3/ 445: قال النيموي في "آثار السنن": رجاله ثقات، لكن يحيى بن سعيد الأنصاري لم يدرك عمر، انتهى. قلت: الأمر كما قال النيموي، فهذا الأثر منقطع لا يصلح للاحتجاج، ومع هذا فهو مخالف لما ثبت بسند صحيح عن عمر أنه أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وأيضًا هو مخالف لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث الشريف. اهـ.
وضعفه الألباني أيضًا في "صلاة التراويح" ص 63، وقال: هذا منقطع.
وروى الفريابي في "الصيام"(176)، والبغوي في "الجعديات"(2825)، ومن طريقه البيهقي 2/ 496 من طريق ابن أبي ذئب عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة،
…
الحديث.
قال الألباني في "صلاة التراويح" ص 57: وظاهر إسناده الصحة، ولهذا صححه بعضهم، ولكن له علة بل علل تمنع القول بصحته وتجعله ضعيفًا منكرًا، وساق هذِه العلل، فليراجعها من أراد الاستزادة.
لكن هذا الحديث صححه النووي في "المجموع" 3/ 527، وفي "خلاصة الأحكام" 1/ 576، وصنف من أجل تصحيحه والرد على تضعيف الألباني له، الشيخ إسماعيل الأنصاري في كتابه "تصحيح حديث صلاة التراويح عشرين ركعة والرد على الألباني في تصعيفه" وقال في طليعة الكتاب ص 7: هذا حديث صححه النووي في كتابه "الخلاصة" 1/ 576، و"المجموع" 3/ 527، وأقره =
قول الثوري وابن المبارك والشافعي، قال الشافعي: هكذا أدركت ببلدنا
= الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 154 وصححه السبكي في "شرح المنهاج" وابن العراقي في "طرح التثريب" 3/ 97 والعيني في "عمدة القاري" 9/ 201 والسيوطي في "المصابيح في صلاة التراويح" وعلي القاري في "شرح الموطأ" والنيموي في "آثار السنن" وغيرهم.
ورغم هذا كله أنكر الألباني في رسالته في التراويح الزيادة على إحدى عشرة ركعة متابعًا للمباركفوري صاحب "تحفة الأحوذي" 3/ 446 وضعف الحديث. اهـ. ثم ساق تضعيف الألباني للحديث وأدلته في ذلك، وألحقه بالجواب عن هذا التضعيف. فليراجع ففيه فوائد.
وقال الألباني في رسالته "قيام رمضان" ص 6: رواية أن الناس كانوا يقومون على عهد عمر في رمضان بعشرين ركعة، رواية شاذة ضعيفة مخالفة لرواية الثقات الذين قالوا: إحدى عشرة ركعة، وأن عمر رضي الله عنه أمر بها.
وقد ساق في مقدمة هذِه الرسالة ردًّا مختصرًا لكنه مستوعبًا على رسالة الشيخ إسماعيل الأنصاري في الرد عليه فلتنظر هذِه المقدمة ص 4 - 16 ففيها درر ونفائس.
وأما ما روي عن علي فرواه ابن أبي شيبة 2/ 165 (7680) من طريق الحسن بن صالح، عن عمرو بن قيس، عن ابن أبي الحسناء أن عليًّا أمر رجلًا يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة.
ورواه البيهقي 2/ 497 من هذا الطريق، إلا أنه وقع عنده: أبي سعد البقال مكان عمرو بن قيس، ووقع عنده أيضًا: عن أبي الحسناء بلفظ: إن علي بن أبي طالب أمر رجلًا أن يصلي بالناس خمس ترويحات عشرين ركعة.
قال البيهقي: في هذا الإسناد ضعف. وتعقبه ابن التركماني في "الجواهر النقي" فقال: الأظهر أن ضعفه من جهة أبي سعد سعيد بن المرزبان البقال، فإنه متكلم فيه، فإن كان كذلك فقد تابعه عليه غيره. وساق حديث ابن أبي شيبة، ثم قال: وعمرو بن قيس أظنه الملائي، وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم، وأخرج له مسلم. اهـ.
والحديث ضعفه الألباني وأعله بعلتين في "صلاة التراويح" ص 76 - 77 فلينظر.
وممن روي عنه أيضًا عشرين ركعة من الصحابة: أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود، =
مكة يصلون عشرين ركعة
(1)
.
= ينظر تخريجهما في "تحفة الأحوذي" 3/ 445 - 446، و"صلاة التراويح" ص 78 - 82، وفيهما تضعيف وإعلال لهذين الحديثين. وانظر أيضًا "تمام المنة" ص 252 - 256 ففيه فوائد نفيسة.
ننبيه: هذا المروي عن عُمر وعلي، وأبي بن كعب وابن مسعود: عشرين ركعة، روي مرفوعًا بإسناد لا يصح.
رواه ابن أبي شيبة 2/ 166 (7691)، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 557 (652)، والطبراني في "الكبير" 11/ 393 (12102)، وفي "الأوسط" 1/ 243 - 244 (798) و 5/ 324 (5440)، وابن عدي في "الكامل" 1/ 391،، والبيهقي 2/ 496، وابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 115، والخطيب في "تاريخه" 12/ 45 من طريق أبي شيبة إبراهيم بن عثمان، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر.
قال البيهقي: تفرد به إبراهيم بن عثمان، وهو ضعيف. وقال ابن عبد البر: حديث يدور على إبراهيم بن عثمان، وليس بالقوي. وروى الخطيب بإسناده في "تاريخه" 6/ 113 عن صالح بن محمد قال: أبو شيبة ضعيف؛ روى عن الحكم أحاديث مناكير، لا يكتب حديثه، منها
…
وساق هذا الحديث. وضعفه النووي في "الخلاصة" 1/ 579 (1971).
وقال الذهبي في "الميزان" 1/ 48: منكر. وقال الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 153: حديث معلول بإبراهيم بن عثمان، وهو متفق على ضعفه.
وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 172: فيه: أبو شيبة إبراهيم، وهو ضعيف. وأشار المصنف رحمه الله لضعفه في "البدر المنير" 4/ 350. وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 254 وفي "الدراية" 1/ 203: إسناده ضعيف. وأقره الحافظ السيوطي في "تنوير الحوالك" ص (141). وقال الزرقاني في "شرحه" 1/ 334: حديث ضعيف، وقال في 1/ 351: إسناده ضعيف. وقال المباركفوري في "التحفة" 3/ 445: حديث ضعيف جدًّا لا يصلح للاستدلال.
وقال الألباني في "صلاة التراويح" ص 22: حديث ضعيف جدًا.
وقال في "الإرواء"(445) وفي "الضعيفة"(560): حديث موضوع، وذلك لأمور ثلاثة أوضحها في "الضعيفة" فليراجعها من شاء.
(1)
"البيان" 2/ 278.
وقال إسحاق: يختار إحدى وأربعين ركعة على ما روي عن أُبي بن كعب
(1)
(2)
. وعن مالك: تسع وثلاثون ركعة، الوتر منها ثلاث، والباقي ست وثلاثون ركعة
(3)
. وقال صاحب "الرسالة": واسع أن يفعل ثلاثًا وعشرين وتسعًا وثلاثين، وقال أحمد: روي في هذا ألوان، ولم يقض فيه بشيء، واختار هو وابن المبارك وإسحاق الصلاة مع الإمام في شهر رمضان، واختار الشافعي أن يصلي الرجل وحده إذا كان قارئًا
(4)
(5)
، وذكر أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش في كتابه "فضل صلاة التراويح"، عن الشافعي قال: رأيت الناس يقومون بالمدينة بضعًا وثلاثين ركعة، وأحب إليَّ غير ذَلِكَ، وكذلك يقومون بمكة، وعن الحسن: أن أُبي بن كعب صلى بهم أربعين ركعة غير ركعة، أو أربعين وركعة، وعن صالح مولى التوأمة قال: أدركت الناس يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها
بخمس
(6)
، وقال الحسن بن عبيد الله: كان عبد الرحمن بن الأسود يصلي بنا في رمضان أربعين ركعة ويوتر بسبع
(7)
.
فأما الصلاة بين التراويح فعن مالك بن أنس: لا بأس به
(8)
. وكذلك قاله ابن أبي ذئب، وكان الليث بن سعد، والأوزاعي، وسعيد بن
(1)
"المغني" 2/ 604.
(2)
لم أعثر عليه. قال المباركفوري في "التحفة" 3/ 448: لم أقف على من رواه.
(3)
"عيون المجالس" 1/ 443.
(4)
"البيان" 2/ 277، "المغني" 2/ 607.
(5)
انتهى من "سنن الترمذي" 3/ 161 بتصرف.
(6)
ذكره المقريزي في "مختصر قيام الليل" ص 221.
(7)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 165 (7686).
(8)
"المدونة" 1/ 195.
عبد العزيز، وابن جابر، وبكر بن مضر يصلون بين التراويح في شهر رمضان، وقال سفيان بن سعيد: لا بأس بذلك
(1)
. وزجر عن ذَلِكَ عبادة بن الصامت وضربهم عليه
(2)
ونهى عامر عن الصلاة بين
التراويح وقال: لا تشبهوها بالفريضة.
وكان أبو الدرداء إذا رأى الرجل يصلي بين الترويحتين قال: تصلي وإمامك قاعد بين يديك، أترغب عنا؟! فلست منا
(3)
. وكان عامر بن عبد الله بن الزبير وأبو بكر بن حزم ويحيى بن سعيد يصلون بين الأشفاع
(4)
، وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والحسن كانوا يصلون بين الركوع
(5)
، وأحمد بن حنبل يقول بالصلاة بين التراويح
(6)
، وقال قيس بن عباد: صليت خلف أبي موسى الأشعري في رمضان فقام بين الركعتين. وقال زيد بن وهب: كان عمر يتروح بين الترويحتين قدر ما يذهب الرجل إلى سلع ويأتي
(7)
. وقال سفيان بن سعيد: أطول ذَلِكَ قدر ما يصلي الركعات ويستريح. وقال نصر بن سفيان: كنا نروح مع عمر قدر ما يقرأ الرجل مائة آية، وابن الزبير: قدر ما يصلي الرجل أربع ركعات يقرأ في كل ركعة عشر آيات، وقال السائب بن يزيد: كان القارئ يقرأ بالمئين حَتَّى كنا نعتمد على العصا من طول القيام
(8)
. وقال أبو عثمان النهدي: أمر عمر بن الخطاب ثلاث نفر
(1)
انظر: "مختصر قيام الليل" ص 239.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 169 (7729).
(3)
رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 118 - 119.
(4)
انظر: "مختصر قيام الليل" ص 239.
(5)
السابق.
(6)
قال أحمد في "المغني" 2/ 607: يتطوع بعد المكتوبة، ولا يتطوع بين التراويح.
(7)
رواه البيهقي 2/ 497.
(8)
تقدم تخريجه.
يؤم فأسرعهم أن يقرأ ثلاثين آية، وأوسطهم خمسًا وعشرين آية، وأبطأهم عشرين آية
(1)
، وكان ابن أبي مليكة يقرأ في رمضان في الركعة الواحدة بفاطر وعسق، وكان مسروق يقرأ بالعنكبوت
(2)
، وقال عروة بن الزبير: جاء عمر المسجد ذات ليلة في رمضان فقال: ما شأن الناس قد اجتمعوا؟ فقال: اجتمعوا للصلاة، فقال: بدعة ونعمت البدعة ثلاثًا، ثم قال لأُبي بن كعب: صل بالرجال
(3)
. وقال لسهل بن أبي حثمة: صل بالنساء
(4)
. وفي لفظ: لتميم الداري
(5)
.
فائدة: حديث النضر بن شيبان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه مرفوعًا:"رمضان افترض الله صيامه، وإني سننت للمسلمين قيامه، فمن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه "
(6)
.
(1)
رواه البيهقي 2/ 497.
(2)
رواه عنهما ابن أبي شيبة 2/ 164 (7672 - 7673) وانظر: "مختصر قيام الليل" ص 224.
(3)
رواه مالك في "الموطأ" ص 91.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 34 (6148).
(5)
عزاه الحافظ في "الفتح" 4/ 253 لسعيد بن منصور.
(6)
رواه النسائى 4/ 158، وابن ماجه (1328)، وأحمد 1/ 191، 194 - 195، والطيالسي 1/ 180 - 181 (221)، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 186 (158)، والبزار في "البحر الزخار" 3/ 256 - 257 (1048)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 89 (2518 - 2520)، وأبو يعلى 2/ 168 - 169 (863 - 864)، وابن خزيمة 3/ 335 (2201)، والشاشي في "مسنده" 1/ 273 (241)، والبيهقي في "الشعب" 3/ 307 (3614 - 3615)، والمزي في "تهذيب الكمال" 29 - 386.
وقد جاء في مواضع بهذا اللفظ، وفي أخرى باللفظ الذي سيذكره المصنف قريبًا ويعزوه للنسائي: عن النضر قلت لأبي سلمة: حدثني بشيء سمعته عن أبيك
…
إلى آخر الحديث.
سئل عنه البخاري فقال: الصحيح حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة ولا يصح لأبي سلمة سماع من أبيه
(1)
. وقال إبراهيم الحربي: اجتمع يحيى ومحمد بن عمرو على هذا الحديث أنه عن أبي سلمة، عن أبي هريرة
(2)
، ووافقهم الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: كان يرغب في قيام رمضان من غير عزيمة
(3)
، وفي النسائي، عن النضر:
(1)
قال البخاري: النضر بن شيبان سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان، وقال الزهري ويحيى بن أبي كثير ويحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصح. اهـ "التاريخ الكبير" 8/ 88 بتصرف.
وقال النسائي: هذا خطأ، والصواب: أبو سلمة عن أبي هريرة.
وقال ابن خزيمة: هذا الخبر مشهور من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، ثابت لا شك ولا ارتياب في ثبوته، وأما ما ذكر النضر بن شيبان، فإني خائف أن يكون هذا الإسناد وهمًا، أخاف أن يكون أبو سلمة لم يسمع من أبيه شيئًا، وهذا الخبر لم يروه عن أبي سلمة أحد أعلمه غير النضر بن شيبان. اهـ. بتصرف.
وسئل الدارقطني في "العلل" 4/ 283 - 284 (565) عن هذا الحديث، فقال: حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أشبه بالصواب.
والحديث ضعفه أيضًا الألباني في "ضعيف سنن النسائي"(129)، وفي "ضعيف سنن ابن ماجه"(278).
(2)
رواية يحيى سلفت برقم (38) كتاب: الإيمان، باب: صوم رمضان احتسابًا من الإيمان. ويحيى في هذِه الرواية هو ابن سعيد، كما جاء مصرحًا باسمه.
وسلف أيضًا برقم (1901) كتاب: الصوم، باب: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ونية. عن يحيى غير منسوب، وهو ابن كثير، كما جاء في رواية مسلم (760/ 175) وكذا قال الحافظ في "الفتح" 4/ 115.
ورواية محمد بن عمرو رواها الترمذي (683)، وابن ماجه (1326)، وأحمد 2/ 385 (9001)، وابن حبان 8/ 437 - 438 (3682)، والبغوي في "شرح السنة" 6/ 218 (1707).
(3)
رواه مسلم (759/ 174).
قلت لأبي سلمة: حِّدْثني بشيء سمعته، عن أبيك سمعه أبوك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بين أبيك وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد في شهر رمضان. فقال: نعم حَدَّثَني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث
(1)
. وقال البزار: لا نعلمه يروى، عن ابن عوف إلا بهذا الإسناد، ومن حديث النضر، ورواه عن النضر غير واحد
(2)
.
تنبيهات:
أحدها: قوله: (وصدرًا من خلافة عمر) أي: مقدمها، وإقرار أبي بكر على ذَلِكَ إما أنه شغل ولم يتفرغ للنظر في ذَلِكَ لقصر مدته، أو رأى قيامهم كذلك أفضل من جمعهم على إمام.
وقوله: (يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط) يجوز أن يكون الألف واللام في الرجل للجنس وللعهد، أي: ويصلي آخر غيره معه الرهط يصلون بصلاته، فالضمير في (بصلاته) راجع إلى غير مذكور يدل عليه الرجل وعلى الثاني
فيه: أن الإمام لا يحتاج إلى نية الإمامة والرهط: ما بين الثلاثة إلى العشرة، ذكره الخطابي
(3)
، وقال ابن فارس: الرهط: العصابة دون العشرة، قال: ويقال إلى الأربعين
(4)
.
ثانيها: قوله: (فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد) هذا من اجتهاده رضي الله عنه واستنباطه من إقرار الشارع
(1)
"سنن النسائي" 4/ 158، "السنن الكبرى" 2/ 89 (2520) وتقدم تخريجه قريبًا والكلام عليه.
(2)
"البحر الزخار" 3/ 258.
(3)
"أعلام الحديث" 2/ 983.
(4)
"مجمل اللغة" 2/ 402 مادة: رهط.
الناس يصلون خلفه ليلتين، وقياسه ذَلِكَ على جمع الناس على واحد في الفرض؛ ولما في اختلاف الأئمة من افتراق الكلمة؛ ولأنه أنشط لكثير من الناس على الصلاة، وقوله:(لكان أمثل). أي: أفضل، وقيل: أشد.
وفيه: دلالة واضحة على صحة القول بالرأي، وذكر أن عليًّا مر ليلة ببعض مساجد الكوفة في رمضان وهم يقومون فقال: نوَّر علينا مساجدنا نور الله عليه قبره
(1)
.
ثالثها: ذكرنا هنا أنه امتنع في الليلة الرابعة، وجاء الثالثة أو الرابعة، وعلة امتناع خروجه خشية الفرض كما نص عليه في الحديث.
وقال ابن التين: اختلف في علة امتناعه على أربعة أوجه:
قال القاضي أبو بكر: يحتمل أن يكون الله تعالى أوحى إليه أنه إن صلى هذِه الصلاة معهم فرضها عليهم.
وأن يكون ظن أنه سيفرض عليهم لما جرت به عادتهم أن ما داوم عليه من القرب فرض على أمته. وأن يكون خاف أن يظن أحد من أمته بعده إذا داوم عليها أنها واجبة، فالزيادة على هذا من جهة وجوب الاقتداء لا من جهة إنشاء فرض زائد على الخمس، كما يوجب المرء على نفسه صلاة بنذر،
(1)
رواه الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 119، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 44/ 280.
وأما ما رواه ابن عدي في "الكامل" 1/ 411 - 412، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 406 (681) عن زر بن حبيش، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نور في مساجدنا نورًا نور الله عز وجل له بذلك النور نورًا في قبره يؤديه إلى الجنة".
فقال ابن الجوزي: حديث لا يصح.
وأن الله تعالى أول ما فرض الصلاة خمسين ثم خففت إلى خمس
(1)
، فإذا عادت الأمة فيما استوهبت لم يستنكر إثبات فرض عليهم، وقد ذكر الله تعالى عن فريق من النصارى أنهم ابتدعوا رهبانية ونسكًا، فقال تعالى:{مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد: 27]، ثم لما قصروا فيها لحقهم اللوم في قوله:{فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27] فخشي أن يكون سبيلهم سبيل أولئك فقطع العمل به شفقة على أمته.
(1)
سلف هذا في حديث أبي ذر (349).
32
كتاب فضل ليلة القدر
بسم الله الرحمن الرحيم
[32 - كتاب فضل ليلة القدر]
1 - باب فَضْلِ لَيْلَةِ القَدْرِ
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ} إلى اخر السورة.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا كَانَ فِي القُرْآنِ: مَا أَدْرَاكَ، فَقَدْ أَعْلَمَهُ، وَمَا قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهُ.
2014 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ -وَإِنَّمَا حَفِظَ مِنَ الزُّهْرِيِّ- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. [انظر: 35 - مسلم: 759، 760 - فتح: 4/ 255]
حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ -وَإِنَّمَا حَفِظَ مِنَ الزُّهْرِيِّ- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَامَ
رَمَضَانَ" .. الحديث "وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
الشرح: سورة القدر مكية عند الأكثرين أو مدنية، وقيل: إنها أول ما نزلت بالمدينة.
{أَنزَلناهُ} : جبريل، أو القرآن، نزل في ليلة القدر في رمضان في ليلة مباركة، فيها يفرق كل أمر حكيم، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكاتبين في سماء الدنيا، فنجمته السفرة على جبريل عشرين ليلة ونجمه جبريل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فكان ينزل إرسالًا على مواقع النجوم في الشهور والأيام، أو ابتدأ الله بإنزاله في ليلة القدر، قاله الشعبي
(1)
.
وهي منحصرة عند الجمهور في رمضان وأرجاؤها العشرين وأوتاره، وأرجاؤها في أوتاره ليلة حادية وثالثة وسابعة، وفي انتقالها قولان: المختار نعم.
{اَلقَدرِ} لأن الله تعالى قدر فيها أو يقدر فيها أمور السنة، أو لعظم قدرها، أو لعظم قدر الطاعات فيها وجزيل ثوابها.
{وَمَآ أدراكَ} تفخيمًا لشأنها وحثًّا على العمل فيها. قال الشعبي: يومها كليلتها وليلتها كيومها
(2)
.
قال الضحاك: لا يقدر الله فيها إلا السعادة والنعم، ويقدر في غيرها البلايا والنقم، وكان ابن عباس يسميها: ليلة التعظيم. وليلة النصف من شعبان: ليلة البراءة. وليلتي العيد: ليلة الجائزة.
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 651 (37700).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 253 (8693).
{خَيرٌ مِن أَلفِ شَهر} أي: العمل فيها خير من العمل في غيرها ألف شهر، أو خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، أو كان رجل في بني إسرائيل يقوم حَتَّى يصبح ويجاهد العدو حَتَّى يمسي فعل ذَلِكَ ألف شهر، فأخبر الله أن قيامها خير من عمل ذَلِكَ الرجل ألف شهر، أو كان ملك سليمان خمسمائة شهر وملك ذي القرنين مثلها، فجعلت ليلة القدر خيرًا من ملكهما.
{تنَزَّلُ اَلمَلآئكَةُ} ، قال أبو هريرة: الملائكة ليلة القدر أكثر من عدد الحصى
(1)
{وَاَلرُّوحُ} : جبريل، أو حفظة الملائكة أو أشرافها، أو جند من أجناد الله من غير الملائكة.
{بِإِذنِ رَبِّهِم} : بأمره في كل أمر يقضى في تلك الليلة من رزق وأجل إلى مثلها من قابل.
{سَلام} : سالمة من كل شر لا يحدث فيها حدث ولا يرسل فيها شيطان، أو هي سلامة وخير وبركة، أو تسليم الملائكة على المؤمن إلى طلوع الفجر.
(1)
رواه أحمد 2/ 519، والطيالسي 4/ 277 (2668)، والبزار كما في "كشف الأستار"(1030)، وابن خزيمة 3/ 332 (2197)، والطبراني في "الأوسط" 5/ 159 (4937) من طريق عمران القطان، عن قتادة، عن أبي ميمونة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: "إنها ليلة سابعة -أو تاسعة- وعشرين، إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى". هكذا مرفوعًا لا موقوفًا كما ذكر المصنف.
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 14/ 414: إسناده لا بأس به. وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 175 - 176: رجاله ثقات. وأورده الألباني في "الصحيحة"(2205) وقال: إسناده حسن.
وحديث أبي هريرة سلف في الإيمان
(1)
، وما ذكره عن ابن عيينة أخرجه في "تفسيره" الذي رواه عنه أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي
(2)
، وذكر ابن وهب، عن مسلمة بن علي، عن عروة قال: ذكر رسول الله أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ولم يعصوه طرفة عين، فذكر أيوب وزكريا وحزقيل ويوشع بن نون، فعجب الصحابة من ذَلِكَ، فأتاه جبريل فقال: يا محمد، عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا الله طرفة عين، فقد أنزل الله عليك خيرًا من ذَلِكَ، ثم قرأ:{إنَاَ أَنزَلناهُ فِي لَيلَةِ اَلقَدرِ} هذا أفضل مما عجبت منه أنت وأمتك، فسر بذلك والناس معه
(3)
.
قال مالك: وبلغني أن سعيد بن المسيب كان يقول: من شهد العشاء ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها
(4)
. وكذا قال إمامنا الشافعي: من شهد العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بنصيبه منها
(5)
.
قلت: وفي "مسند عبد الله بن وهب المصري": من صلى العشاء الآخرة أصاب ليلة القدر. وقال ابن عباس: أنزل الله صحف إبراهيم
(1)
سلف برقم (35).
(2)
وصله الطبري في "تفسيره" 12/ 1206 (34717): حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان قال: ما في القرآن وما يدريك فلم يخبره، وما كان وما أدراك فقد أخبره.
وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 255، والعيني في "العمدة" 9/ 205: وصله محمد بن يحيى بن أبي عمر في كتاب: "الإيمان" له من رواية أبي حاتم الرازي عنه قال: حدثنا سفيان بن عيينة، فذكره.
قلت: ووصله الحافظ بإسناده في "تغليق التعليق" 3/ 204 - 205 من هذا الطريق.
(3)
رواه ابن أبي حاتم 10/ 3452 (19426).
(4)
"الموطأ" ص 213.
(5)
"روضة الطالبين" 2/ 390.
في أول ليلة من رمضان وأنزل التوارة لستِّ ليالٍ خلون منه، وأنزل الزابور لاثنتي عشرة ليلة خلت منه، وأنزل القرآن ليلة أربعة وعشرين من رمضان
(1)
. قال ابن عباس: لأن أقوم ليلة أربع وعشرين أحب إليَّ من أن أقوم الشهر كله.
(1)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 6/ 202 من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ:"أنزل الصحف على إبراهيم في ليلتين من شهر رمضان، وأنزل الزبور على داود في ست من رمضان، وأنزلت التوراة على موسى لثمان عشرة من رمضان، وأنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم لأربع وعشرين من رمضان".
قال الألباني في "الصحيحة" 4/ 104: هذا منقطع؛ لأن عليًّا هذا لم ير ابن عباس.
وله شاهد من حديث واثلة مرفوعًا نحوه.
رواه أحمد 4/ 107، والطبري في "تفسيره" 2/ 150 (2821)، والطبراني في "الكبير" 22 (185)، وفي "الأوسط" 4/ 111 (3740)، والبيهقي في "السنن" 9/ 188، وفي "الشعب" 2/ 414 (2248)، وفي "الأسماء والصفات" 1/ 561 - 569 (494) من طريق عمران القطان، عن قتادة، عن أبي المليح، عنه باللفظ الذي ذكره المصنف هنا، إلا أنه جاء في بعض المواضع: والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، دون ذكر الزبور، وفي بعض المواضع بذكر الزبور، لكن فيه لثمان عشرة خلت من رمضان.
قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 197: فيه: عمران القطان ضعفه يحيى ووثقه ابن حبان، وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث، وبقية رجاله ثقات. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(1497)، وقال في "الصحيحة" (1575): إسناد حسن رجاله ثقات، وفي القطان كلام يسير، وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعًا نحوه. وذكر حديث ابن عباس المتقدم تخريجه.
قال البيهقي في "الأسماء والصفات" 1/ 569: خالفه -أي: قتادة- عبيد الله بن أبي حميد وليس بالقوي، فرواه عن أبي المليح، عن جابر بن عبد الله من قوله.
قلت: رواه أبو يعلي 4/ 135 - 136 (2190) وقال الحافظ في "المطالب العالية" 4/ 350 (3482) هذا مقلوب إنما هو عن واثلة رضي الله عنها. وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 197: فيه سفيان بن وكيع، وهو ضعيف.
2 - باب (التِمَسِوا)
(1)
لَيْلَةِ القَدْرِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ
2015 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي المَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ". [انظر: 1158 - مسلم: 1165 - فتح: 4/ 256]
2016 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ -وَكَانَ لِى صَدِيقًا- فَقَالَ: اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم العَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ، فَخَطَبَنَا وَقَالَ:"إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا -أَوْ نُسِّيتُهَا- فَالتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الوَتْرِ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلْيَرْجِعْ". فَرَجَعْنَا وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ المَسْجِدِ، وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي المَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ. [انظر: 669 - مسلم: 1167 - فتح: 4/ 256]
ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ، أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي المَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ".
(1)
كذا في الأصل وفي هامشها: (التماس) وهي المثبتة في اليونينية 3/ 46 وبهامشها: (التمسوا) معزوة إلى أبي ذر عن الكشميهني، والمستملي.
وحديث أَبَي سَعِيدٍ: اعْتَكَفْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم العَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا فقال: "إِنِّي (أُرِيتُ)
(1)
لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا فَالتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الوَتْرِ" .. الحديث.
(1)
في الأصل: رأيت والمثبت من اليونينية 3/ 46.
3 - باب تَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ
فِيهِ عن عُبَادَةُ
2017 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ". [2019، 2020 - مسلم: 1169 - فتح: 4/ 259]
2018 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ فِي رَمَضَانَ العَشْرَ الَّتِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ، فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمْسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً تَمْضِي، وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، رَجَعَ إِلَى مَسْكَنِهِ وَرَجَعَ مَنْ كَانَ يُجَاوِرُ مَعَهُ، وَأَنَّهُ أَقَامَ فِي شَهْرٍ جَاوَرَ فِيهِ اللَّيْلَةَ الَّتِى كَانَ يَرْجِعُ فِيهَا، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَمَرَهُمْ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ قَالَ:"كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ العَشْرَ، ثُمَّ قَدْ بَدَا لِى أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا فَابْتَغُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَابْتَغُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ". فَاسْتَهَلَّتِ السَّمَاءُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَأَمْطَرَتْ، فَوَكَفَ المَسْجِدُ فِي مُصَلَّى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، فَبَصُرَتْ عَيْنِي [رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم] وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، انْصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ وَوَجْهُهُ مُمْتَلِئٌ طِينًا وَمَاءً. [انظر: 669 - مسلم: 1167 - فتح: 4/ 259]
2019 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"التَمِسُوا". [انظر: 2017 - مسلم: 1169 - فتح: 4/ 259]
2020 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَقُولُ:"تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ". [انظر: 2017 - مسلم: 1169 - فتح: 4/ 259]
2021 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى". [2022 - فتح: 4/ 260]
2022 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ وَعِكْرِمَةَ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هِيَ فِي العَشْرِ، هِيَ فِي تِسْعٍ يَمْضِينَ أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ". يَعْنِي: لَيْلَةَ القَدْرِ. قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، وَعَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: التَمِسُوا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ. [انظر: 2021 - فتح: 4/ 260]
ثم ذكر فيه حديث عائشة من طريقين وأبي سعيد السالف وابن عباس: "التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى". تابعه، عَبْدُ الوَهَّابِ، عَنْ أَيّوبَ. وَعَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: التَمِسُوها فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وفي رواية "هي في العشر" يعني هي في سبع يمضين أو في سبع يبقين. يعني: ليلة القدر.
الشرح:
حديث ابن عمر أخرجه مسلم
(1)
، وفي بعض طرق البخاري: كانوا لا يزالون يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا أنها في الليلة السابعة من العشر الأواخر، وقال: العشر بدل السبع فيهما
(2)
. وفي رواية لمسلم: أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين
(3)
، وله:"التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي"
(4)
، وحديث أبي
(1)
مسلم (1165).
(2)
مسلم (1165/ 207).
(3)
سلف برقم (1158).
(4)
مسلم (1165/ 209).
سعيد أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وسلف في: الصلاة، في باب: السجود على الأنف في الطين
(2)
. وحديث عبادة وهو من أفراده، وساقه في الباب الآتي بعده
(3)
، وفي لفظ آخر:"فالتمسوها في السبع والتسع والخمس"
(4)
، وحديث عائشة أخرجه مسلم أيضًا، ولم يذكر: في الوتر
(5)
، وحديث ابن عباس من أفراده ولم يخرج مسلم عنه ولا عن عبادة في ليلة القدر شيئًا.
وقوله: (تابعه عبد الوهاب .. ) إلى آخره
(6)
أخرجه البيهقي من
(1)
مسلم (1167).
(2)
سلف برقم (813) كتاب: الأذان، مطولًا.
(3)
برقم (2023).
(4)
سلف برقم (49) من حديث عبادة.
(5)
مسلم (1169).
(6)
فائدة: هكذا وقع هنا: (تابعه)، وهو ما جاء في سياق الأحاديث التي ذكرها المصنف أول الباب، وكذا هو في "الفتح" 4/ 260 و 262، وفي "عمدة القاري" 9/ 213، وفي "منحة الباري" 4/ 454، وفي "التوشيح" 4/ 1484، وهو ما ذكره المزي في "تحفة الأشراف" 5/ 112 فقال: قال البخاري: وتابعه الثقفي: وهذا هو ما جاء في نسختي أبي ذر الهروي وابن عساكر: (تابعه). ووقع في بعض النسخ: (قال) مكان: (تابعه) وكذا وقع في "تغليق التعليق" 3/ 205.
وقال الحافظ: في "النكت الظراف" 5/ 112 بعد أن ذكر كلام المزي: قلت: لفظ البخاري: وقال عبد الوهاب! وكذا وقع في "صحيح البخاري" بحاشية السندي 1/ 344 ط. دار إحياء الكتب العربية، وكذا هو في ط. بيت الأفكار الدولية: قال عبد الوهاب. وانظر: اليونينة 3/ 47.
فائدة أخرى: وقع في ذكر هذِه المتابعة تقديم وتأخيره، قال الحافظ في "الفتح" 4/ 262: هكذا وقعت هذِه المتابعة عند الأكثر من رواية الفربري، هنا -أي بعد حديث (2022) - وعند النسفي عقب طريق وهيب عن أيوب، وهو الصواب -أي بعد حديث (2021) - وأصلحها ابن عساكر في نسخته كذلك.
قلت: وكذا ذكرها المزي في "تحفة الأشراف" 5/ 112 بعد طريق وهيب أي بعد حديث (2021). وانظر: اليونينية 3/ 47.
حديث إسحاق بن الحسن، عن أبي سلمة موسى بن إسماعيل عنه
(1)
.
وانفرد مسلم عنه بحديث أبي هريرة مرفوعًا: "أريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر"
(2)
، وبحديث عبد الله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أريت ليلة القدر ثم أنسيتها، وأراني في صبيحتها أسجد في ماء وطين" فمطرنا في ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه. قال: وكان عبد الله بن أنيس (مسلم والأربعة)
(3)
يقول: ثلاث وعشرون
(4)
.
ولم يخرج البخاري عن عبد الله هذا شيئا في "صحيحه" وبحديث زر بن
(1)
الذي رواه البيهقي في "السنن" 4/ 308 - 309 هو من طريق إسحاق بن الحسن، ثنا أبو سلمة، ثنا وهيب، ثنا أيوب، به.
فالإسناد كما ذكر المصنف، لكنه ليس فيه ذكر لعبد الوهاب، إنما هو عن وهيب! ثم قال: قال البخاري: تابعه عبد الوهاب، عن أيوب.
ورواه في "معرفة السنن والآثار" 6/ 388 (9077)، وفي "الشعب" 3/ 328 (3680) من طريق وهيب فقط.
ولما ذكر الحافظ في "الفتح" 4/ 262، والعيني في "العمدة" 9/ 213 من وصل هذِه المتابعة، لم يعزواها للبيهقي. والمتابعة هذِه إنما وصلها أحمد في "المسند" 1/ 365، والحافظ في "التعليق" 3/ 205 - 206.
أما قول البخاري: وعن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: التمسوا في أربع وعشرين.
قال الحافظ في "الفتح" 4/ 262: ظاهره أنه من رواية عبد الوهاب، عن خالد أيضًا، لكن جزم المزي بأن طريق خالد هذِه معلقة، والذي أظن أنها موصولة بالإسناد الأول، وإنما حذفها أصحاب المسندات لكونها موقوفة.
وما رأيته في "تحفة الأشراف" 5/ 112: وعن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: التمسوا في أربع وعشرين- موقوف.
(2)
مسلم (1166).
(3)
فوقها في الأصل: أي: عن البخاري.
(4)
مسلم (1168).
حبيش قال: سألت أبي بن كعب فقلت: إن أخاك عبد الله بن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر، فقال: رحمه الله أراد أن لا يتكل الناس، أما إنه قد علم أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر، وأنها ليلة سبع وعشرين. فقلت: بأي شيء تقول ذَلِكَ يا أبا المنذر؟ قال: بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ، لاشعاع لها، ثم حلف -لا يستثني- أنها ليلة سبع وعشرين
(1)
.
وله من حديث شعبة: هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها شك شعبة في هذا الحرف. هي التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها
(2)
. فهذِه ثلاث طرق ليست في البخاري، المجموع ثمانية، وروى البخاري عن بلال مرفوعًا:"هي في السبع الأواخر"
(3)
، ولأبي نعيم الحافظ:"إنها في أول السبع من العشر الأواخر"
(4)
، وللطبراني من حديث ابن لهيعة:"ليلة القدر ليلة أربع وعشرين"
(5)
، وللحاكم -على شرط مسلم- من حديث عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس: إني
(1)
مسلم (1169/ 762).
(2)
مسلم (1169/ 221).
(3)
سيأتي برقم (4470) كتاب: المغازي.
(4)
روى أبو نعيم في "المستخرج" 3/ 246 (2660) عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ: "تحينوا ليلة القدر في العشر الأواخر في السبع الأواخر".
وروى في "الحلية" 4/ 183 عن أبي بن كعب مرفوعًا بلفظ: "ألا إن ليلة القدر في رمضان في العشر الأواخر، في السبع الأواخر، قبلها ثلاث وبعدها ثلاث".
وأما حديث بلال بهذا اللفظ، فلعله في "مستخرج أبي نعيم على صحيح البخاري" وهو في عداد المفقود، والله أعلم.
(5)
"المعجم الكبير" 1/ 360 (1102). ورواه أيضًا أحمد 6/ 12، والبزار في "البحر الزخار" 4/ 211 (1376)، والروياني في "مسنده" 2/ 367 (971)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 54/ 93 من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن الصنابحي، عن بلال، مرفوعًا به. =
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر السبع، فذكر سبع سماوات، ومن الأرض مثلهن، وخلق الإنسان من سبع، ونبت الأرضين من سبع. فقال عمر: والله إني لأرى القول كما قلت
(1)
.
وفي الباب أحاديث أخر:
أحدها: حديث جابر بن سمرة أخرجه ابن أبي شيبة بلفظ: "التمسوها في العشر الأواخر"
(2)
زاد أحمد
(3)
: "في وتر، فإني قد
= قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 14/ 411: ابن لهيعة ضعيف. وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 264: أخطأ ابن لهيعة في رفعه، فقد رواه عمرو بن الحارث، عن يزيد بهذا الإسناد موقوفًا بغير لفظه.
وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 176: إسناده حسن!!
والحديث ذكره الألباني في "صحيح أبي داود" 5/ 127 وقال: فيه ابن لهيعة. وضعفه في "ضعيف الجامع"(4957).
(1)
"المستدرك" 1/ 437 - 438 و 3/ 539 وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه أيضًا ابن خزيمة 3/ 322 - 323، والبيهقي 4/ 313، وفي "الشعب" 3/ 330 - 331 (3686)، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 210 - 211.
ورواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 246 - 247 (7679)، والطبراني 10/ 264 - 265 (10618)، والبيهقي في "الشعب" 3/ 332 (3687)، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 211 - 212 من طريق معمر، عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول: قال ابن عباس
…
بنحوه. قال الحافظ ابن كثير في "التفسير" 14/ 413: هذا إسناد جيد قوي ونص غريب جدًا. وقال الذهبي في "المهذب" 4/ 1692: غريب جدًا. وانظر: "الفتح" 4/ 261 - 262.
(2)
"المصنف" 2/ 252 و 327 (8672، 9538) وجاء في موضع: "اطلبوا ليلة القدر".
ورواه أيضًا الطيالسي 2/ 132 - 133 (815)، وأحمد 5/ 86، والبزار كما في "كشف الأستار"(1032)، والطبراني في "الكبير" 2/ 220 (1906) و 2/ 227 (1941) و 2/ 245 (2027)، وفي "الصغير" 1/ 180 (285) هكذا مختصرًا.
(3)
ورد بهامش الأصل: إنما زادها عبد الله بن أحمد.
رأيتها فأنسيتها، وهي مطر وريح" أو قال:"قطر وريح"
(1)
.
ثانيها: حديث جابر بن عبد الله أخرجه ابن أبي عاصم بمثله وزيادة أنها: "ليلة طلقة، بلجة، لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمرًا، لا يخرج شيطانها حَتَّى يضيء فجرها"
(2)
.
ثالثها: عن عاصم بن كليب، عن خاله لقمان- يقال: اسمه الفلتان
(3)
. قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي آخره: "فالتمسوها في العشر الأواخر" أخرجه أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد
(4)
النصري في "العاشر" من حديثه
(5)
.
(1)
"المسند" 5/ 98. وبنحوه رواه البزار كما في "الكشف" (1031، 1033)، والطبراني 2/ 231 (1962). وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(1239).
(2)
ورواه ابن خزيمة 3/ 330 (2190)، وعنه ابن حبان 8/ 443 - 444 (3688).
وضعفه الألباني في "الضعيفة" 9/ 395، وقال في "صحيح ابن خزيمة" (2190): إسناده ضعيف، وهو حديث صحيح لشواهده. قلت: لذا صححه في "صحيح موارد الظمأن" 1/ 392 (927) فقال: صحيح لغيره.
(3)
ورد بهامش الأصل: وقد ذكره في "التجريد" كذلك ولم يتعرض لتسمية لقمان.
(4)
كذا وقع في الأصل، وصوابه عبد الرحمن بن عمرو. انظر ترجمته في "تاريخ الإسلام" 21/ 212 (332) و"سير أعلام النبلاء" 13/ 311 (146).
(5)
ورواه ابن أبي شيبة 2/ 253 (8684)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" كما في "المطالب العالية" 6/ 221 (1115)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 282 (1040) و 5/ 58 (2594)، والبزار في "البحر الزخار" 9/ 143 (3698)، والطبراني 18/ (857 - 860)، وابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 295 من طرق عن عاصم بن كليب عن أبيه عن خاله الفلتان بن عاصم، به، مطولًا في مواضع ومختصرًا في أخرى. والحديث ذكره الحافظ في "الإصابة" 3/ 209 وعزاه للبغوي وابن السكن وابن شاهين، وسكت عليه.
وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 178: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح. وقال في 7/ 348: رواه البزار ورجاله ثقات.
رابعها: عن أنس: "التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة" أخرجه النسائي
(1)
، ورواه ابن أبي عاصم من حديث خالد بن محدوج
(2)
عنه مرفوعًا: "التمسوها في أول ليلة من رمضان، أو في تسع، أو في أربع عشرة، أو في إحدى وعشرين، أو في آخر ليلة" قال: ولا نعلم أحدًا قال: "أول ليلة" إلا هذا
(3)
.
(1)
"سنن النسائي الكبرى" 2/ 271 (3396). وقد رواه النسائي من طريق مالك في "الموطأ" ص 213 عن حميد الطويل عن أنس. به.
قال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 200: هكذا روى مالك هذا الحديث لا خلاف عنه في إسناده ومتنه، وإنما الحديث لأنس، عن عبادة بن الصامت.
وقال في "الاستذكار" 10/ 332 - 333: هكذا روى مالك هذا الحديث، عن أنس، وخالفه أصحاب حميد كأنهم قرءوه، عن حميد، عن أنس، عن عبادة بن الصامت، وكذلك رواه يحيى القطان وبشر بن المفضل وابن أبي عدي وحماد بن سلمة وغيرهم، عن حميد، عن أنس، عن عبادة، كلهم جعله من مسند عبادة، وقال علي بن المديني: وهم فيه مالك، وخالفه أصحاب حميد، وهم أعلم به منه، ولم يكن له وحميد علم كعلمه بمشيخة أهل المدينة. اهـ. بتصرف.
قلت: الحديث سلف برقم (491) من طريق إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس، عن عبادة بن الصامت.
ويأتي في الباب التالي (2023) من طريق خالد بن الحارث، مثله.
ويأتي أيضًا (6049) من طريق بشر بن المفضل، مثله.
وذكر الحافظ في "الفتح" 4/ 268 تصويب ابن عبد البر لإثبات عبادة وأن الحديث من مسنده وسكت، فإنما أقره على ما قال.
وروي من وجه آخر عن أنس، رواه البزار (1029 - كشف) من طريق قتادة، عن أنس، مرفوعًا به.
قال الهيثمي 3/ 176: رجاله رجال الصحيح. وقال الحافظ في "مختصر زوائد البزار" 1/ 429: إسناده صحيح.
(2)
ورد بهامش الأصل: خالد متروك الحديث، قاله في "المغني".
(3)
ورواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 419 من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن =
خامسها: أبو بكرة أخرجه الترمذي بلفظ: "التمسوها في تسع يبقين أو سبع يبقين، أو خمس يبقين، أو آخر ليلة" ثم صححه، وكذا الحاكم
(1)
.
سادسها: ابن مسعود أخرجه أبو داود بلفظ: "اطلبوها ليلة سبع عشرة وليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين" وفي إسناده مقال
(2)
.
= خالد بن محدوج، سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "التمسوها آخر ليله". وخالد بن محدوج هذا، روى ابن عدي، عن يزيد بن هارون أنه كان يرميه بالكذب، وقال: قال النسائي: متروك الحديث.
وترجمه الذهبي في "الميزان" 2/ 165 (2465) والحافظ في "اللسان" 2/ 387 وذكرا له هذا الحديث.
وعزاه الحافظ في "الفتح" 4/ 265 لابن أبي عاصم، وقال: إسناده ضعيف.
(1)
الترمذي (794)، الحاكم 1/ 438.
ورواه أيضًا أحمد 5/ 36 و 29، والطيالسي 2/ 206 (922)، وابن أبي شيبة 2/ 250 (8661) و 2/ 326 (9532)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 273 - 274 (3403 - 3404)، وابن خزيمة 3/ 324 (2175)، وابن حبان 8/ 442 (3686).
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(1243).
(2)
أبو داود (1384).
ومن طريقه البيهقي في "السنن" 4/ 310، وفي "فضائل الأوقات"(97).
قال المنذري في "المختصر" 2/ 112: في إسناده: حكيم بن سيف، وفيه مقال.
وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 265: إسناد فيه مقال.
وقال الألباني في "ضعيف أبي داود"(244): إسناد ضعيف.
والحديث رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 252 (7697)، والطبراني 9/ 221 - 222 (9074) و 9/ 315 (9579) والبيهقي 4/ 310 عن ابن مسعود موقوفًا.
قال الألباني في "ضعيف أبي داود" 10/ 66 بعد أن أعل الحديث المرفوع: الوقف علة أخرى.
سابعها: معاوية بن أبي سفيان أخرجه أيضًا بلفظ: "ليلة القدر ليلة سبع وعشرين"
(1)
.
ثامنها: أبو ذر أخرجه الحاكم على شرط مسلم: "التمسوها في السبع الأواخر"
(2)
.
(1)
أبو داود (1386). ورواه أيضًا ابن حبان 8/ 436 - 437 (3680)، والطبراني 19 (813 - 814)، البيهقي 4/ 312، وفي "فضائل الأوقات"(102) عن معاوية مرفوعًا، به. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1254): إسناده صحيح، ورجاله رجاله الصحيح. والحديث رواه البيهقي 4/ 312 عن معاوية، موقوفًا بنحوه. وقال: وقفه أبو داود الطيالسي، ورفعه معاذ بن معاذ.
وقال الحافظ في "بلوغ المرام"(724): الراجح وقفه.
وقال الألباني معقبًا على كلام البيهقي: معاذ بن معاذ ثقة متقن، احتج به الشيخان، وأما أبو داود، فهو ثقة حافظ، غلط في أحاديث، احتج به مسلم وحده، فالأول أتقن، لاسيما ومعه زيادة الرفع، وهي مقبولة. اهـ "صحيح أبي داود" 5/ 132.
والحديث هذا صححه ابن عبد البر في "الاستذكار" 10/ 334.
(2)
"المستدرك" 1/ 437 و 2/ 530 - 531.
ورواه أيضًا أحمد 5/ 171، ومسدد كما في "المطالب العالية" 6/ 230 (1117/ 1)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" كما في "المطالب" 6/ 230 (1117/ 1)، والبزار في "البحر الزخار" 9/ 456 - 457 (4068)، و (1036 - كشف)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 278 (3427)، وابن خزيمة 3/ 321 (2170)، والطحاوي في "شرح المعاني" 3/ 85، والبيهقي 4/ 307، وفي "فضائل الأوقات"(85)، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 213 - 214 من طريق عكرمة بن عمار، عن أبي زميل سماك الحنفي، عن مالك بن مرثد، عن أبيه مرثد قال: سألت أبا ذر، فقلت: أسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال: .. الحديث مطولًا.
قال الحاكم 1/ 437 - كما ذكر المصنف- حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال في 2/ 531: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في "التلخيص" 2/ 531: صحيح رواه ابن راهويه عن العقدي عنه. =
تاسعها: النعمان بن بشير أخرجه النسائي: قمنا معه ليلة ثلاث
= والحديث من هذا الطريق أورده الحافظ في "مختصر الزوائد" 1/ 430 - 431 (726) وقال: قال البزار: لا نعلمه عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد، وسكت.
وأشار ابن التركماني في "الجوهر النقي" 4/ 506: لتضعيف الحديث فقال: في سنده عكرمة، وهو ابن عمار، متكلم فيه. وقال الألباني في "صحيح ابن خزيمة" (217): إسناده ضعيف لجهالة مرثد.
والحديث رواه ابن أبي شيبة 2/ 251 (8664)، وإسحاق بن راهويه كما في "المطالب" 1117/ 2، والبزار في "البحر الزخار" 9/ 455 - 456 (4067)، و (10350 - كشف)، وابن خزيمة 3/ 320 (2169)، وابن حبان 8/ 438 - 439 (3683)، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 212 - 213 من طريق الأوزاعي، قال: حدثنا مرثد بن أبي مرثد [وقال بعضهم: حدثني مرثد أو أبو مرثد] عن أبيه قال: لقيت أبا ذر عند الجمرة الوسطى فسألته عن ليلة القدر فقال:
…
الحديث.
قال المزي في "تهذيب الكمال" 27/ 155 (5750): مالك بن مرثد، روى عنه الأوزاعي، فقال مرة: عن مرثد بن أبي مرثد، وقال مرة: عن ابن مرثد أو أبي مرثد.
وقال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 213: هكذا قال الأوزاعي: عن مرثد بن أبي مرثد وهو خطأ إنما هو مالك بن مرثد، عن أبيه، ولم يقم الأوزاعي إسناد هذا الحديث، ولا ساقه سياقة أهل الحفظ له.
والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" 3/ 177 بسياق حديث الأوزاعي، عن مرثد، وقال: رواه البزار، ومرثد هذا لم يروه عنه غير أبيه مالك، وبقية رجاله ثقات.
فهكذا وقع هنا: غير أبيه مالك، وصوابه: غير ابنه مالك، فلا أدري أهذا تحريف وقع فيه الهيثمي، أو هو خطأ مطبعي! والله أعلم.
وقال الحافظ في "المطالب" 6/ 231 عقب حديث الأوزاعي: هذا إسناد حسن صحيح. وقال في "مختصر الزوائد" 1/ 430 (725): إسناده حسن.
وقال البوصيري في "الإتحاف" 3/ 131: حديث أبي ذر هذا حديث حسن.
والحديث في الجملة ضعفه الألباني في "الضعيفة"(3100) فلينظر، وضعف إسناد الأوزاعي في "صحيح ابن خزيمة"(2170).
وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين. زاد أحمد: فأما نحن فنقول: ليلة سبع وعشرين، وأنتم تقولون: ليلة ثلاث وعشرين: السابعة، فمن أصوب نحن أو أنتم؟
(1)
عاشرها: معاذ أخرجه ابن أبي عاصم
(2)
، وله من حديث أبي الدرداء -بإسناد ضعيف-:"التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، فإن الله عز وجل يفرق فيها كل أمر حكيم، وفيها أنزلت التوراة والزابور وصحف موسى والقرآن العظيم، وفيها غرس الله الجنة، وجبل طينة آدم"
(3)
وروي أيضًا من حديث علي
(4)
.
(1)
"المجتبى" 3/ 203، و"السنن الكبرى" 1/ 410 - 411 (1299)، و"المسند" 4/ 272.
وصححه ابن خزيمة 3/ 236 - 237 (2204)، والحاكم في "المستدرك " 1/ 440 فقال: حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي قائلًا: ليس الحديث على شرط واحد منهما، بل هو حسن.
وقال الألباني في "صلاة التراويح" ص 11، إسناده صحيح.
(2)
ورواه أحمد 5/ 234، والطبراني في "الكبير" 20 (177)، وفي "مسند الشاميين" 2/ 187 (1160) من طريق بقية بن الوليد، حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن أبي بحرية، عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ليلة القدر فقال: "هي في العشر الأواخر، أو في الخامسة، أو في الثالثة".
قال الهيثمي 3/ 175: رجاله ثقات.
وعزاه العيني في "العمدة" 9/ 209 لابن أبي عاصم، بلفظ: في العشر الأواخر، في الخامسة أو السابعة. وقال: سنده صالح.
وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(5471). وقال في "الصحيحة" 3/ 457: إسناده جيد، فإن رجاله كلهم ثقات، وبقية قد صرح بالتحديث.
(3)
ذكره العيني في "العمدة" 9/ 209 بنحوه وقال: بسند فيه ضعف.
(4)
رواه عبد الله بن أحمد في "الزوائد على المسند" 1/ 133 (1111)، وابن بشران في "أماليه" 2/ 30 - 31 (1019) عن هبيرة بن يريم، عن علي مرفوعًا: "اطلبوا =
إذا تقرر ذَلِكَ، فحاصل ما فيها من الخلاف، واعلم قبله أنه أجمع من يعتد به في الإجماع على بقائها إلى يوم القيامة، وشذت الروافض فقالوا: رفعت
(1)
، واختلف في محلها فقيل بانتقالها في ليالي العشر
= ليلة القدر في العشر الأواخر، فإن غلبتم فلا تغلبوا على السبع البواقي".
قال الهيثمي 3/ 174: فيه: عبد الحميد بن الحسن الهلالي، وثقه ابن معين وغيره، وفيه كلام. وقال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (1111): إسناده صحيح. وقال الألباني في "الصحيحة"(1471): سنده ضعيف، لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدًا قويًا عن ابن عمر، وساق الحديث وتخريجه.
وصححه في "صحيح الجامع"(1027).
(1)
قال ابن حزم في "مراتب الإجماع" ص 73: وأجمعوا أن ليلة القدر حق وأنها في كل سنة ليلة واحدة.
ونقل ابن القطان الفاسي هذا الإجماع بنحوه في كتابه "الإقناع في مسائل الإجماع" 2/ 757 ونسبه لكتاب "الاستذكار" لابن عبد البر، ولم أجده فيه ولا في "التمهيد" وانظر:"الاستذكار" 10/ 319 - 343، و"التمهيد" 2/ 200 - 214.
وقال المصنف في "الإعلام" 5/ 397: أجمع من يعتد به من العلماء على دوام ليلة القدر ووجودها إلى آخر الدهر، وشذ قوم فقالوا: كانت خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رفعت، وعزاه الفاكهي إلى أبي حنيفة وهو غريب، وإنما هو معزي إلى الروافض. اهـ.
وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 263: القول الأول: أنها رفعت أصلًا ورأسًا حكاه المتولي في "التتمة" عن الروافض، والفاكهاني -هكذا هنا وفي "الإعلام" الفاكهي- في "شرح العمدة" عن الحنفية وكأنه خطأ منه، والذي حكاه السروجي أنه قول الشيعة.
وقال العيني في "العمدة" 9/ 207: هذا النقل عن الحنفية غير صحيح.
وقال العمراني في "البيان" 3/ 565: إن ليلة القدر باقية في شهر رمضان لم ترفع إلى الآن. وهو قول النووي في "المجموع" 6/ 489 من الشافعية.
وهو ما قاله شمس الدين ابن قدامة في "الشرح الكبير" 7/ 551، وابن مفلح في "الفروع" 3/ 141، وابن مفلح المؤرخ في "المبدع" 3/ 60 من الحنابلة.
وقد روي هذا القول مسندًا، فروى عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 255 (7707) =
وبه قال مالك
(1)
، وأحمد
(2)
، وابن خزيمة
(3)
، والمزني، وهو قوي يجمع به بين أحاديث الباب، وإنما تنتقل في العشر الأواخر، وقيل: في كله، وقيل: تلزم ليلة بعينها قيل: هي في السنة كلها، وهو قول ابن مسعود
(4)
وأبي حنيفة وصاحبيه
(5)
، وقيل: بل في كل رمضان
= من طريق داود بن أبي عاصم، عن عبد الله بن يحنس قلت لأبي هريرة: زعموا أن ليلة القدر رفعت، قال: كذب من قال ذلك.
وروي نحوه عن الحجاج، فروى عبد الرزاق 4/ 253 (7701) من طريق عبد الله بن شريك قال: ذكر الحجاج ليلة القدر فكأنه أنكرها
…
الحديث.
وكذا ساقه الحافظ 4/ 263.
ويدل للقول الراجح -وهو الصواب- أنها باقية، حديث أبي ذر: أنا كنت أسأل الناس عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أخبرني عن ليلة القدر تكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم الوحي، فإذا قبضوا رفعت؟ قال:"بل هي إلى يوم القيامة" الحديث.
وقد تقدم تخريجه قريبًا فليراجع. والله أعلم.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 104 - 105، و"الذخيرة" 2/ 550.
(2)
انظر: "المغني" 4/ 449.
(3)
"صحيح ابن خزيمة" 3/ 327.
حيث قال: جماع أبواب ذكر الليالي التي كان فيها ليلة القدر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على أن ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر من رمضان في الوتر على ما ثبت. وقال في 3/ 329: إذ ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر في الوتر.
(4)
رواه مسلم (762)، وبعد حديث (1169).
(5)
قلت: وهو نص كلام المصنف أيضا في "الإعلام" 5/ 399.
ونقل ابن الهمام في "شرح فتح القدير" 2/ 389 - 390 عن أبي حنيفة: أنها في رمضان فلا يدري أية ليلة هي، وقد تتقدم وتتأخر، وعندهما كذلك، إلا أنها معينة لا تتقدم ولا تتأخر، هكذا النقل عنهم في المنظومة والشروح، وفي "فتاوى قاضيخان" قال: وفي المشهور عنه أنها تدور في السنة وتكون في غيره فجعل ذلك رواية. =
قول ابن عمر، وجماعة من الصحابة
(1)
، وقيل: أول ليلة منه
(2)
،
= فهكذا ذكر هنا أنها رواية عن أبي حنيفة وحده دون صاحبيه، وهو ما حكاه الحافظ في "الفتح" 4/ 263 فقال: أنها ممكنة في جميع السنة، وهو قول مشهور عن الحنفية حكاه قاضيخان وأبو بكر الرازي منهم.
وكذا حكاه العيني في "العمدة" 9/ 206 - 207.
(1)
رواه عن ابن عمر ابن أبي شيبة 2/ 326 (9528) أنه قال: في رمضان.
قال الحافظ 2/ 263 إسناده صحيح.
وروي أيضا عن أبي هريرة، رواه عبد الرزاق في "المصنف" 3/ 266 (5586) و 4/ 255 (7707).
وروي أيضًا عن ابن عباس، رواه عبد الرزاق 4/ 255 (7708).
ورواه ابن أبي شيبة 2/ 252 (8681)، 2/ 326 (9534) عن الحسن، وزاد المصنف في "الإعلام" 5/ 399 أنه روي مرفوعًا، وكذا قال الحافظ 4/ 263 وزاد عزوه إلى أبي داود.
قلت: رواه أبو داود برقم (1387) من طريق موسى بن عقبة عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عمر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر، فقال:"هي في كل رمضان".
ومن هذا الطريق بنحوه رواه البيهقي 4/ 307، قال أبو داود والبيهقي: رواه سفيان وشعبة عن أبي إسحاق موقوفًا على ابن عمر لم يرفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأورد الألباني في "ضعيف أبي داود"(245) الحديث المرفوع مضعفًا له، ومرجحًا للموقوف.
وقد تقدم في "شرح فتح القدير" 2/ 389 الجزم به عن أبي حنيفة.
(2)
وتقدم عزو المصنف هذا القول مرفوعًا، فقال: ورواه ابن أبي عاصم من حديث خالد بن محدوج عنه مرفوعًا -أي: عن أنس-: "التمسوها في أول ليلة من رمضان" الحديث.
ونقل الحافظ ابن كثير في "التفسير" 14/ 410، والحافظ في "الفتح" 4/ 263 حكاية هذا القول عن أبي رزين العقيلي الصحابي.
ثم قال الحافظ: وروى ابن أبي عاصم من حديث أنس قال: ليلة القدر أول ليلة من رمضان، قال ابن أبي عاصم: لا نعلم أحدًا قال ذلك غيره.
وقيل: في العشر الأوسط والآخر
(1)
، وقيل: في العشر الأواخر
(2)
، وقيل: يختص بأوتار العشر الأواخر، وقيل: بأشفاعها، وقيل: في ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين، وهو قول ابن عباس، وقيل: بل تطلب في ليلة سبع عشرة أو إحدى وعشرين وهو محكي عن علي وابن مسعود
(3)
، وقيل: ليلة ثلاث وعشرين وهو قول كثير من الصحابة وغيرهم
(4)
. وقيل: ليلة إحدى وعشرين، وقيل: ليلة أربع وعشرين ليلة يوم بدر، وقيل: ليلة خمس وعشرين وقيل: ليلة سبع وعشرين، وهو قول جماعة من الصحابة. وادعى الروياني في "الحلية" أنه قول أكثر العلماء، وقيل: ليلة سبع عشرة، وقيل: ثمان عشرة، وقيل: ليلة تسع عشرة، وقيل: آخر ليلة من الشهر، حكى هذِه الأقوال أجمع القاضي عياض في "شرحه"
(5)
وادعى الماوردي أنه لا خلاف أنها في العشر الأخير
(6)
.
(1)
وذكره كذلك في "الإعلام" 5/ 399.
وهذا القول حكاه النووي في "المجموع" 6/ 494. وقال الحافظ 4/ 263: وعزاه الطبري لعثمان بن أبي العاص والحسن البصري، وقال به بعض الشافعية.
(2)
وكذا قال في "الإعلام " 5/ 400 وزاد: وادعى الماوردي الاتفاق عليه.
قلت: قال الماوردي في "الحاوي الكبير" 3/ 483: لا اختلاف بين العلماء أن ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان. اهـ.
وعمدة الاستدلال لهذا القول حديث الباب المروي عن عائشة (2020)، ورواه مسلم (1169/ 219).
(3)
رواه البيهقي 4/ 310 عن ابن مسعود.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 326 - 327 (9526، 9537، 9540، 9541) عن بلال ومعاوية وعائشة وابن عباس.
(5)
"إكمال المعلم" 4/ 145 - 146.
(6)
"الحاوي الكبير" 3/ 483.
قال القاضي: ما في ليلة من ليالي العشر إلا وقد روي أنها هي، لكن ليالي الوتر أرجاها
(1)
، وفي "شرح الهداية" ذهب أبو حنيفة إلى أنها في رمضان تتقدم وتتأخر، وعندهما لا تتقدم ولا تتأخر لكن غير معينة
(2)
، وقيل: هي عندهما في النصف الأخير من رمضان، وقال أبو بكر الرازي هي غير مخصوصة بشهر من الشهور، وبه قال الحنفيون، وفي قاضي خان
(3)
المشهور عن أبي حنيفة: أنها تدور في السنة كلها، وقد تكون في رمضان، وقد تكون في غيره وصح ذَلِكَ عن ابن مسعود
(4)
، وقال ابن عباس: السورة ثلاثون كلمة فإذا وصلت إلى قوله {هِىَ} فهي سابعة وعشرون منها
(5)
.
وأجيب بأن قوله: {لَيلَةُ اَلقَدرِ} نص على عينها وهي الكلمة الخامسة، وهي كناية فإذا لم يدل الصريح فالكناية أولى، وقيل: إنها في ليلة النصف من شعبان، وقال ابن حزم: إن كان الشهر ناقصًا فهي أول العشر الأخر من غير شك، فهي إما في ليلة عشرين أو ثانية أو أربع أو ست أو ثمان وإن كان كاملًا فأول العشر الأواخر بلا شك
(6)
إما ليلة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع في وترها. وعند جمع من الصوفية: أنه إذا وافق الوتر ليلة جمعة من العشر الأخير كانت هي ليلة القدر.
(1)
"إكمال المعلم" 4/ 145 - 146.
(2)
انظر: "شرح فتح القدير" 2/ 389 - 390.
(3)
انظر "شرح فتح القدير" 2/ 390.
(4)
تقدم تخريجه، وهو في مسلم (762).
(5)
ينظر هذا القول وما يتعلق به في "المحلى" 7/ 35، و"الإعلام" 5/ 402 - 403، و"الفتح" 47/ 265.
(6)
"المحلى" 7/ 33.
تنبيهات وفوائد:
الأول: قوله في حديث ابن عمر: ("فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر من رمضان ") يريد في ذَلِكَ العام الذي تواطأت فيه الرؤيا على ذَلِكَ وهي ليلة ثلاث وعشرين: لأنه قال في حديث أبي سعيد: "التمسوها في العشر الأواخر في الوتر فمطرنا ليلة إحدى وعشرين". وكانت ليلة القدر في ذَلِكَ العام في غير السبع الأواخر ولا تتضاد الأخبار.
وفي حديث أبي سعيد زيادة معنى أنها تكون في الوتر، وحديث عبد الله بن أنيس السالف دال أنها ليلة ثلاث وعشرين أيضًا
(1)
، فقال رجل: هذا أول ثمان فقال: "بل أول سبع: لأن الشهر لا يتم"
(2)
، فثبت بهذا أنها في السبع الأواخر، وأنه قصد ليلة ثلاثٍ وعشرين؛ لأن ذلك الشهر كان ناقصًا، فدل هذا أنها قد تكون في غيرها من السنين بخلاف ذَلِكَ.
ثانيها: من ذهب إلى قول ابن مسعود وتأول منه أنها في سائر السنة، فلا دليل له إلا الظن من دوران الزمان بالزيادة والنقصان في الأهلة، وذلك فاسد؛ لأنه محال أن يكون تعليقها بليلة في غير شهر رمضان، كما لم يعلق صيامه بأيام معلومة تدور في العام كله بالزيادة والنقصان فرب الأهلة، فيكون صوم رمضان في غيره، فكذلك لا يجب أن تكون ليلة القدر في غير رمضان، وفي القرآن ما يدل على أنها في رمضان خاصة، قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} الآية [الدخان: 3].
فأخبر أن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم هي ليلة القدر، وهي
(1)
رواه مسلم (1168).
(2)
رواه أحمد 3/ 495.
الليلة التي أنزل الله فيها القرآن حيث قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ} [البقرة: 185] فثبت بذلك أن تلك الليلة في شهر رمضان.
وقال الداودي: أراد به تحريض الناس على العمل في السنة كلها وهو من المعاريض: لأن قوله "في" يوجب البعض، فمعناه: أنها في السنة في العشر الأواخر، فسكت؛ ليجتهد في طلبها. قال: والذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة أنها في وتر العشر الأواخر وأنها تنتقل.
ثالثها: القزع -المذكور في حديث
(1)
أبي سعيد- قطع من سحاب دقاق، قاله في "العين"
(2)
، والتحري: القصد، يقال: تحريت الشيء: إذا قصدته وتعمدته.
و (تواطت). قال ابن بطال: المحدثون يروونه كذلك، وإنما هو (توطأت)
(3)
بالهمز من قوله: {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ} [التوبة: 37].
ومن قوله: {أشد وطأ} ولكنه يجوز في كلام كثير من العرب حذف الهمزة، ومعنى تواطأت: اتفقت واجتمعت على شيء واحد. والتوطئة: التليين، يقال: وطأت لفلان هذا الأمر إذا سهلته ولينته
(4)
.
رابعها: قال الطبري: أجمع الجميع أنها في وتر العشر الأواخر ثم لا حدَّ في ذَلِكَ خاص لليلة بعينها لا يعدوها لغيرها؛ لأنه لو كان محصورًا على ليلة بعينها لكان أولى الناس بمعرفتها سيد الأمة مع جِدِّه في أمرها ليعرفها أمته، فلم يعرفهم منها إلا الدلالة عليها أنها
(1)
ورد بالهامش: الآتي في باب: الاعتكاف وخروج النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة عشرين.
(2)
"العين" 1/ 132.
(3)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال":(تواطأت).
(4)
"شرح ابن بطال" 4/ 153.
ليلة طلقة
(1)
، وأن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها
(2)
؛ ولأن في دلالته أمته عليها بالآيات دون توقيفه على ليلة بعينها دليل واضح على كذب من زعم أنها تظهر تلك الليلة للعيون ما لا تظهر في سائر السنة، من سقوط الأشجار إلى الأرض ثم رجوعها قائمة إلى أماكنها، إذ لو كان ذَلِكَ حقًّا لم يخف عن بصر من يقوم ليالي السنة كلها، كيف ليالي شهر رمضان:؟!
خامسها: خصت هذِه الليلة بأنها خير من ألف شهر بنص القرآن، ويستجاب فيها الدعاء ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم
(3)
، وهي أفضل ليالي السنة وهي من خواص هذِه الأمة، وقد سلف من علامتها أنها طلقة، وأن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع فيها. وفيه حديث أخرجه البيهقي في "فضائل الأوقات"
(4)
، ثم قال: وقد روي في حديثين ضعيفين في صفة الهواء ليلة القدر فقال في أحدهما: "إنها ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة، تصبح شمسها في صبيحتها ضعيفة حمراء"
(5)
(1)
دليله حديث جابر بن عبد الله، المتقدم ذكره وتخريجه.
(2)
دليله ما رواه مسلم (762).
(3)
إجابة دعاء الداعي في ليلة القدر معلوم ضرورة لا يحتاج إلى دليل مستقل فضلًا عن وجود عشرات الأدلة النقلية والعقلية على ذلك، وتقييد المصنف رحمه الله إجابة الدعاء فيها بمن لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ليس خاصًا بلية القدر وحدها، إنما هو يشمل كل دعاء دعا به المسلم: ودليل ذلك ما رواه مسلم في "صحيحه"(2735/ 92) عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل".
(4)
"فضائل الأوقات" 100 - 101 وهو حديث أبي بن كعب الذي رواه مسلم (762) وبعد حديث (1169).
(5)
رواه الطيالسي 4/ 401 (2802)، والبزار كما في "كشف الأستار"(1034)، وابن خزيمة 3/ 331 - 332 (2192)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" 2/ 147، =
وفي الآخر معناه
(1)
، ثم روى، عن الأوزاعي، عن عبدة بن أبي لبابة:
= وأبو نعيم الأصبهاني في "أخبار أصبهان" 2/ 26، والبيهقي في "الشعب" 3/ 334 (3693) من طريق زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس، مرفوعًا به.
قال البزار: سلمة بن وهرام لا نعلم حدث عنه غير ابنه عبيد الله وزمعة، وهو من أهل اليمن لا بأس به، أحاديثه عن ابن عباس غرائب.
وروى العقيلي، عن الإمام أحمد أنه قال: سلمة بن وهرام روى عنه زمعة أحاديث مناكير، أخشى أن يكون حديثه حديث ضعيف.
ثم قال العقيلي: وله عن عكرمة أحاديث لا يتابع منها على شيء، وفي ليلة القدر أحاديث صحاح بخلاف هذا اللفظ.
وضعف البيهقي إسناد هذا الحديث في "الشعب" 3/ 335.
وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 177: فيه. سلمة بن وهرام وثقه ابن حبان وغيره، وفيه كلام.
والحديث صححه الألباني في "صحيح الجامع"(5475)، وقال في "صحيح ابن خزيمة" (2192): حديث صحيح لشواهده -قلت: سيأتي تخريجها.
وقال في "الضعيفة" 9/ 394: زمعة بن صالح وسلمة فيهما ضعف، لكن لا بأس بهما في الشواهد.
(1)
"فضائل الأوقات" ص 240.
والحديث الآخر الذي أشار إليه البيهقي، لعله حديث عبادة بن الصامت كما أشار هو في "الشعب" 3/ 334 - 335.
وهو حديث رواه أحمد 5/ 324، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 166 - 167 (1119)، وابن عبد البر في "الاستذكار" 10/ 342 - 343 (15146) من طريق بقية، حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليلة القدر في العشر البواقي .. " الحديث.
وفي شطره الثاني: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمرًا ساطعًا ساكنة ساجية، لا برد فيها ولا حر .. " الحديث.
قال ابن عبد البر: هذا حديث حسن، حديث غريب، وهو من حديث الشاميين، رواته كلهم ثقات. وبقية إذا روى عن الثقات فليس بحديثه بأس. =
فإن ذقت ماء البحر ليلة سبع وعشرين من رمضان فإذا هو عذب
(1)
، وروى في "دلائل النبوة" -في آخره في باب: ما جاء في رؤيا ابن عباس في منامه- عن ابن عباس أن الشيطان يطلع مع الشمس كل يوم إلا ليلة القدر وذلك أنها تطلع يومئذ ولا شعاع لها
(2)
.
= وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 175: رجاله ثقات.
وقال الألباني في "الضعيفة" 9/ 393: هذا إسناد رجاله ثقات، صرح بقية فيه بالتحديث، فهو صحيح إن كان ابن معدان سمع من عبادة، وذلك مما نفاه أبو حاتم، وبين وفاتيهما نحو سبعين سنة.
وقد وصله معاوية بن يحيى، عن الزهري، عن محمد بن عبادة بن الصامت عن أبيه مرفوعًا. اهـ.
قلت: وهذا الطريق هو الذي رواه منه البيهقي في "الشعب"(3694) وضعف الإسناد.
ثم قال الألباني: ومحمد بن عبادة هذا، أورده ابن حبان في "الثقات" 1/ 240 هكذا: محمد بن الوليد بن عبادة بن الصامت الأنصاري، يروي عن عبادة، عداده في أهل الشام، روى عنه عيسى بن سنان.
وهكذا أورده ابن أبي حاتم 4/ 1/ 112 إلا أنه قال: أبيه، بدل: عبادة، قلت: ولعله الصواب، كما في هذا الحديث من رواية الزهري عنه، لكن معاوية بن يحيى -وهو الصدفي- ضعيف لا يحتج به. اهـ.
وفي الباب عن واثلة بن الأسقع مرفوعًا.
رواه الطبراني في "الكبير" 225/ 139، وفي "مسند الشاميين" 4/ 309 (3389) بلفظ: ليلة القدر بلجة لا حارة ولا باردة. ولا سحاب فيها ولا مطر ولا ريح، ولا يرمى فيها بنجم، ومن علامة يومها: تطلع الشمس لا شعاع لها".
قال الهيثمي 3/ 178 - 179: فيه بشر بن عون، عن بكار بن تميم، وكلاهما ضعيف.
وقال الألباني في "الضعيفة"(4404): ضعيف بتمامه، وإسناده ضعيف.
(1)
"فضائل الأوقات"(106) وبنحوه في "الشعب" 3/ 332 (3690).
(2)
"دلائل النبوة" 7/ 33، ورواه بنحوه ابن أبي شيبة 2/ 251 (8666).
سادسها: من أهم الدعاء في هذِه الليلة: "اللَّهُمَّ إنك عفو تحب العفو فاعف عني"
(1)
فيستحب الإكثار منه.
قال البيهقي في "فضائل الأوقات": طلب العفو من الله مستحب في جميع الأوقات، وخاصة في هذِه الليلة، ثم روى بإسناده إلى أبي عمرو بن أبي جعفر قال: سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل كثيرًا يقول في مجلسه، وفي غير المجلس: عفوك. ثم يقول: عفوك يا عفو، عفوك في المحيا عفوك، وفي القيامة عفوك، وفي مناقشة الحساب عفوك. قال أبو عمرو: فرئي أبو عثمان في المنام بعد وفاته بأيام فقيل
(1)
رواه الترمذي (3513)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 218 - 219 (10708 - 10712)، وابن ماجه (3850)، وأحمد 6/ 171، 182، 183، 208 وإسحاق بن راهويه في "مسنده" 3/ 748 - 749 (1361 - 1362)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(767)، والقضاعي في "مسند الشهاب" 2/ 335 - 336 (1474 - 1475، 1477)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 338 - 339 (3700 - 3701)، وفي "الأسماء والصفات" 1/ 148 - 149 (92)، وفي "فضائل الأوقات" 113 - 114، وفي "الدعوات الكبير" 1/ 150 (203)، والبغوي في "معالم التنزيل" 8/ 491 من طرق عن عبد الله بن بريدة عن عائشة، به.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ورواه أحمد 6/ 258، والنسائي 6/ 219 (10713)، والطبراني في "الدعاء" 2/ 1228 (916) والحاكم 1/ 530، والقضاعي 2/ 336 (1478) من طريق علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن عائشة، به.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وصحح النووي أسانيد هذا الحديث في "الأذكار"(544). وقال شيخ الإسلام ابن القيم في "إعلام الموقعين" 4/ 298: حديث صحيح. وصححه الألباني في "الصحيحة"(3337) ورجح أن الحديث حديث عبد الله بن بريدة، وأن ذكر سليمان شاذ.
له: ماذا انتفعت من أعمالك؟ قال: بقولي: عفوك عفوك
(1)
.
سابعها: الحكمة في إخفائها أن يجتهد الناس في طلبها رجاء إصابتها كما في ساعة الإجابة يوم الجمعة
(2)
وغيره، ويسن لمن رآها كتمها، صرح به الماوردي
(3)
، والمعروف أنها ترى حقيقة، وقول المهلب إنه لا يمكن رؤيتها حقيقة، غلط جدًّا.
ثامنها: قال مالك: في قوله: "التمسوها في تاسعةٍ تبقى" هي ليلة إحدى وعشرين "وسابعة تبقى" ليلة ثلاث وعشرين، "وخامسة تبقى" ليلة خمس وعشرين، وإنما يصح معناه ويوافق ليلة القدر وترًا من
الليالي على ما ذكر في الحديث إذا كان الشهر ناقصًا، فأما إذا كان كاملًا فإنها لا تكون إلا في شفع، فتكون التاسعة الباقية ليلة ثنتين وعشرين، والخامسة الباقية ليلة ست وعشرين، والسابعة الباقية ليلة
أربع وعشرين على ما ذكره البخاري عن ابن عباس، فلا يصادف واحدة منهن وترًا
(4)
، وهذا دال على الانتقال كما اخترناه من وترٍ إلى شفع وعكسه: لأنه عليه السلام لم يأمر أمته بالتماسها في شهر كامل دون ناقص، بل أطلق طلبها في جميعه التي قدر بها الله تعالى على التمام مرة وعكسه، فثبت انتقالها في العشر الأواخر، قيل: وإنما خاطبهم
(1)
"فضائل الأوقات"(115) وروى الحديث بنحوه في "الشعب" 3/ 339 (3703).
(2)
يشير المصنف رحمه الله إلى ما سلف برقم (935) ورواه مسلم (852) عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئًا إلا أعطاه" وأشار بيده يقللها.
(3)
"الحاوي الكبير" 3/ 484.
قال الماوردي: ويستحب لمن رأى ليلة القدر أن يكتمها ويدعو بإخلاص نية وصحة يقين بما أوجب من دين ودنيا ويكون أكثر دعائه لدينه وآخرته.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 104 - 105.
بالبعض: لأنه ليس على تمام الشهر على يقين.
تاسعها: قول ابن عباس في حديثه السالف: "هي في سبع يمضين" أو "سبع يبقين" هو شك منه، أو من غيره في أي اللفظين قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ودل قوله عليه السلام في الحديث الآخر "في سابعة تبقى" أن الصحيح من لفظ الشك قوله:"في سبع بقين". على طريقة العرب في التأريخ إذا جاوزوا نصف الشهر، إنما يؤرخون بالباقي لا بالماضي؛ ولهذا المعنى عدُّوا "تاسعة تبقى" ليلة إحدى وعشرين، ولم يعدوها ليلة تسع وعشرين، وعدوا "سابعة تبقى" ليلة ثلاث
(1)
وعشرين، ولم يعدوها ليلة سبع وعشرين لما لم يأخذوا العدد من أول العشر. وإنما كان يكون ذَلِكَ لو قال عليه السلام في تاسعة تمضي، ولما قال عليه السلام:"التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة" وكان كلامًا مجملًا يحتمل معاني، وخشي عليه السلام التباس معناه على أمته بيَّن الوجه المراد به، فقال:"في تاسعة تبقى، وفي سابعة تبقى، وفي خامسة تبقى" ليزول الإشكال في ذَلِكَ.
عاشرها: معنى: (وكف): سال، قال صاحب "الأفعال": وكف المطر والدمع والبيت وكوفًا ووكيفًا ووكفانًا: سال
(2)
.
وقوله: ("أرى رؤياكم") هكذا يرويه المحدثون بتوحيد الرؤيا وهو جائز: لأن رؤيا: مصدر، وأفصح منه: رؤاكم جمع رؤيا؛ ليكون جمعًا في مقابلة جمع، وهو الأشبه بكلام الشارع.
الحادي عشر: حديث ابن عمر دال أن رؤياهم اختلفت، فقوله:"التمسوها في العشر" يجوز أن يكون أعلم أولا أنها بالعشر فأخبر
(1)
في الأصل: أربع، والمثبت من (م) ولعله الصواب.
(2)
"الأفعال" لابن القوطية ص 154 - 155.
بذلك، ثم في السبع فأخبر به، ويجوز أن يكون حض على العشر من به قوة، وعلى السبع من لم يقدر على العشر.
وقوله في حديث أبي سعيد الأول: (فخرج صبيحة عشرين فخطبنا).
وجهه -كما قال ابن التين- أنه أخرج قبته أو خرج هو من موضع إلى آخر، وأما هو فليس بوقت خروج من الاعتكاف، ولا يخرج من اعتكف وسط الشهر إلا بمغيب الشمس من ليلة إحدى عشرين.
قلت: في حديث أبي سعيد بيان ذَلِكَ ففي الصحيح: فإذا كان من حين تمضي عشرون ليلة، ويستقبل ليلة إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه
(1)
، وفي أخرى -وهي أيضًا لمسلم-: اعتكف في قبة تركية على سدتها حصير. قال: فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه
(2)
.
قال ابن عبد البر: والوجه في ذَلِكَ عندي أنه أراد أنه خطبهم غداة عشرين: ليعرفهم أنه اليوم الآخر من اعتكافه، وأن الليلة التي تلي تلك الصبيحة هي ليلة إحدى وعشرين وهي المطلوب فيها ليلة القدر
(3)
.
وقال المهلب: ليس بين الروايتين تعارض: لأن يوم عشرين معتكف فيه وبه تتم العشرة أيام؛ لأنه دخل في أول الليل فيخرج في أوله، فيكون معنى قوله: في ليلة إحدى وعشرين وهي التي يخرج من صبيحتها. يريد الصبيحة التي تلي قبل ليلة إحدى وعشرين، وأضافها إلى الليلة كما تضاف أيضًا الصبيحة التي بعدها إلى الليلة، وكل متصل بشيء فهو مضاف إليه سواء كان فيه أو بعده، وإن كانت العبارة في نسبة
(1)
أحد أحاديث الباب، حديث (2018).
(2)
هذِه الرواية عند مسلم وحده (1167 - 215).
(3)
"الاستذكار" 10/ 322.
الصبيحة إلى الليلة التي قبلها لتقدم الليل على النهار فإن نسبة الشيء إلى ما بعده جائز.
الثاني عشر: قوله "ثم أنسيتها" أو "نسيتها": هو شك من المحدث أي الكلمتين قال، ومعنى (يجاور) في حديث عائشة: يعتكف.
وقوله: (وخطب الناس) فيه: أنه كان إذا أراد أن يؤكد أمرًا خطب، وجاز النسيان في هذا عليه: لأنه لم يؤمر بأن يبلغه أمته؛ لأنه معصوم من ضده. ومعنى (استهلت): أمطرت، يقال: استهلت السماء بالمطر، وهو شدة انصبابه، وقوله بعده:(فأمطرت) تأكيد، وسلف معنى:(وكف).
وقول ابن عباس: (التمسوها في أربع وعشرين)
(1)
، روى أنس أنه عليه السلام كان يتحرى ليلة ثلاث وعشرين، وليلة أربع وعشرين.
قال ابن حبيب: يتحرى أن يتم الشهر أو ينقص، فيتحراها في ليلة من السبع البواقي، فإن كان تامًّا
(2)
فهي ليلة أربع وعشرين، أو ناقصًا فثلاث، قاله الداودي. ولعل ابن عباس إنما قصد في الأربع احتياطًا كما في حديث أنس فنسي الناقل ذكر ليلة ثلاث وعشرين
(3)
.
(1)
رواه البيهقي 4/ 308.
(2)
في (م): تماما.
(3)
قلت: كنت أودُّ لو أفردت كل قول من أقوال المصنف في تعيين ليلة القدر بالبحث والعزو لكتب الأحاديث والآثار ثم كتب الفقه في كل مذهب من المذاهب، لكني رأيت الأمر سيطول بنا جدًا فيما ليس في محله ولا في موضعه، فتركته خشية الإطالة والاستطراد، فالمسألة تحتاج إلى الإفراد بالتصنيف والبحث والتخريج، ولكي لا تفوت الفائدة لمن أرادها، نعزو هنا لكتب الآثار والفقه التي توسعت في بحث المسألة.=
4 - باب رَفْعِ مَعْرِفَةِ لَيْلَةِ القَدْرِ لِتَلَاحِي النَّاسِ
(1)
2023 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ:"خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ؛ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالخَامِسَةِ". [مسلم: 1174 - فتح: 4/ 269]
ذكر فيه حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ليُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ: "خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ
= فلينظر: "مصنف عبد الرزاق" 4/ 246 - 255، و"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 250 - 253، و 2/ 325 - 327.
وينظر: "الإعلام" للمصنف 5/ 391 - 405 فقد فصل هناك القول، وكذا ينظر:"فتح الباري" 4/ 263 - 266 فقد ذكر ستة وأربعين قولًا في تعيينها فوجدته قد شفي فيه وكفي بما لا تجده في مكان آخر - فيما أعلم-.
وينظر من كتب الحنفية في: "المبسوط" 3/ 127 - 128، و"شرح فتح القدير" 2/ 389 - 390، و"تبيين الحقائق" 1/ 347 - 348، و"حاشية ابن عابدين" 6/ 447 - 449.
ومن كتب المالكية في "مقدمات ابن رشد" 1/ 207، و"النوادر والزيادات" 2/ 102 - 105، و"شرح ابن بطال" 4/ 151 - 159، و"التمهيد" 2/ 200 - 214، و"الذخيرة" 2/ 549 - 551.
ومن كتب الشافعية "الحاوي الكبير" 2/ 483 - 484، و"المجموع" 6/ 488 - 499، و"النجم الوهاج" 3/ 370 - 372.
ومن كتب الحنابلة "المغني" 4/ 447 - 454، و"الشرح الكبير" 7/ 550 - 560، و"الفروع" 3/ 140 - 143، و"المبدع" 3/ 59 - 62.
وينظر كذلك "المحلى" 7/ 33 - 35، و"نيل الأوطار" 3/ 232 - 236.
(1)
ورد بهامش الأصل: يعني: ملاحاة.
القَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَان؛ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالخَامِسَةِ".
وقد سلف أن هذا الحديث من أفراد البخاري وفي لفظ له: "فالتمسوها في السبع والتسع والخمس"
(1)
ومعنى تلاحيا: تماديا
(2)
أو تسابا.
قال ابن فارس: اللحا: الملاحاة، وهي المسارعة
(3)
، وقال الهروي: هما كالسباب.
ومعنى "فرفعت": أي رفع تعينها بدليل قوله: "فالتمسوها" فرفع علمها عنه بسبب تلاحيهما، فحرموا بركة تعينها، وهو دال على أن الملاحاة والخلاف تصرف فضائل كثير من الدين وتحرم أجرًا عظيمًا: لأن الله لم يرد التفرق بين عباده إنما أراد الاعتصام بحبله، وجعل الرحمة مقرونة بالاعتصام بالجماعة: لقوله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: 118 - 119] وقد يذنب القوم فتتعدى العقوبة إلى غيرهم، وهذا في الدنيا، وأما في الآخرة فلا تزر وازرة وزر أخرى.
وقد روي وجه آخر في رفع معرفتها من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر"
(4)
.
(1)
سلف برقم (49).
(2)
ورد بهامش الأصل: لعله: تماريا.
(3)
"المجمل" 3/ 408.
(4)
رواه مسلم (1166).
ويجوز أن يكون هذا مرة، والملاحاة أخرى، وقد يتذكر الرؤيا من يوقظ من نومه. والغوابر: البواقي في آخر الشهر، ومنه {إِلَّا عَجُوزًا فِي الغَابِرِينَ (171)} [الشعراء: 171] يعني: الباقين الذين أتت عليهم الأزمنة، وقد تجعله العرب بمعنى الماضي أحيانًا، وهو من الأضداد.
ومعنى قوله: "وعسى أن يكون خيرًا لكم" يريد أن البحث عنها والطلب لها بكثير من العمل هو خير من هذِه الجهة، قاله ابن بطال
(1)
، وقال ابن التين: لعله يريد أنه لو أخبرتم بعينها لأقللتم في العمل في غيرها، وأكثرتموه فيها، وإذا غيبت عنكم أكثرتم العمل في سائر الليالي رجاء موافقتها، قاله ابن حبيب وغيره.
(1)
"شرح ابن بطال" 4/ 158.
5 - باب العَمَلِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
2024 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. [مسلم: 1174 - فتح: 4/ 269]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا بلفظ: وجد وشد المئزر
(1)
، وفي آخر: كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره
(2)
، وفي إسناده: أبو يعفور -وهو الصغير- وهو عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس
(3)
.
وروى ابن أبي عاصم من حديث علي: كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أيقظ أهله ورفع المئزر
(4)
. يعني: اعتزل النساء، وإنما فعل ذَلِكَ؛ لأنه أخبر أن ليلة القدر في العشر الأواخر، فسن لأمته الأخذ بالأحوط في طلبها في العشر كله، لئلا تفوت إذ قد يمكن أن يكون الشهر ناقصًا، وأن يكون
(1)
مسلم (1174).
(2)
مسلم (1175).
(3)
هو في إسناد حديث (1174).
وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 17/ 269 (3895) و 34/ 413.
(4)
ورواه أيضًا ابن أبي شيبة 2/ 252 (8673)، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" 1/ 132 (1103، 1105)، 1/ 133 (1114) وفي "الزهد" ص 263، والفريابي في "الصيام"(157) من طريق أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، عن علي، به.
وتحرفت في مطبوع "المصنف" من هبيرة إلى أبي هريرة!.
قال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"(1103): إسناده صحيح.
كاملًا، فمن أحيا ليالي العشر كلها لم يفته منها شفع ولا وتر، ولو أعلم الله عباده أن في ليالي السنة كلها مثل هذِه الليلة، وأوجب عليهم أن يحيوا الليالي كلها في طلبها، فذلك يسير في جنب غفرانه، والنجاة من عذابه، فرفق تعالى بعباده وجعل هذِه الليلة الشريفة موجودة في عشر ليالٍ؛ ليدركها أهل الضعف، وأهل الفتور في العمل منا، منة ورحمة.
قال سفيان الثوري: معنى شد المئزر هنا لم يقرب النساء
(1)
، وهو من ألطف الكنايات. قلت: قد أسلفنا في قوله: (أيقظ أهله) من الفقه: أن للرجل أن يحض أهله على عمل النوافل، ويأمرهم بغير الفرائض من أعمال البر ويحملهم عليها، وقد روى ابن أبي عاصم من حديث ابن عباس: أنه عليه السلام كان يرش على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين
(2)
.
والمئزر والإزار: ما يأتزر به الرجل من أسفله، وهو يذكر ويؤنث وهو هنا كناية عن الجد والتشمير في العبادة.
ونقل القرطبي عن بعض أئمتهم أنه عبارة عن الاعتكاف ثم استبعده؛ لقوله: أيقظ أهله، فإنه يدل على أنه كان معهم في البيت وهو كان في حال اعتكافه في المسجد، وما كان يخرج منه إلا لحاجة الإنسان، على أنه يصح أن يوقظهن من موضعه من باب الخوخة التي كانت له في بيته في المسجد
(3)
.
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 253 (7702).
(2)
رواه الطبراني 11/ 128 (11259).
(3)
"المفهم" 3/ 249.
قلت: ويحتمل أمره به أن يوقظ المعتكفة معه في المسجد، أو إذا دخل البيت لحاجته.
وقوله: (وأحيا ليله): يعني: باجتهاده في العشر الأخير من رمضان: لاحتمال أن يكون الشهر إما ناقصًا وإما تامًّا، فإذا أحيا لياليه كلها لم يفته منها شفع ولا وتر، وقيل: لأن العشر آخر العمل فينبغي أن يحرص على تجويد الخاتمة
(1)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: ثم بلغ في الحادي بعد الخمسين، كتبه مؤلفه.
كتاب الاعتكاف
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الاعتكاف
1 - باب الاِعْتِكَافِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ وَالاِعْتِكَافِ فِي المَسَاجِدِ كُلِّهَا
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ} [البقرة: 187] الآية.
2025 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ. [مسلم: 1171 - فتح: 4/ 271]
2026 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. [مسلم: 1172 - فتح: 4/ 271]
2027 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الهَادِ، عَن
مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ -وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِى يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنِ اعْتِكَافِهِ- قَالَ:"مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا، فَالتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ". فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَانَ المَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ المَسْجِدُ، فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ المَاءِ وَالطِّينِ، مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. [انظر: 669 - مسلم: 1167 - فتح: 4/ 271]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها: حديث ابن عُمَرَ: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ.
ثانيها: حديث عَائِشَةَ مثله حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِه.
ثالثها: حديث أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ.
الحديث بطوله، وقد سلف
(1)
.
وحديث عائشة وابن عمر أخرجهما مسلم أيضًا
(2)
. قال الداودي: وحديث اعتكافه العشر الأوسط قبل بنائه بعائشة.
(1)
برقم (669).
(2)
مسلم (1171 - 1172).
والاعتكاف في اللغة: اللزوم على الشيء والمقام عليه، ومنه:{يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] أي: يقيمون، يقال: عكف يعكف: إذا أقام.
وفي الشرع: إقامة مخصوصة. قال عطاء: قال يعلى بن أمية: إني لأمكث في المسجد الساعة وما أمكث إلا لأعتكف. قال عطاء: وهو اعتكاف ما مكث فيه، وإن جلس في المسجد احتساب الخير فهو معتكف وإلا فلا
(1)
.
والمباشرة في الآية: الجماع عند الأكثرين، وقيل: المقدمات، وقام الإجماع على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد لهذِه الآية
(2)
، ولا عبرة بمخالفة ابن لبابة المالكي
(3)
فيه لشذوذه.
وقوله: (في المساجد كلها) أشار به إلى الرد على من يقول باختصاصه ببعض المساجد.
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 346 (8006 - 8007).
(2)
نقل هذا الإجماع الحافظ ابن عبد البر في "الاستذكار" 10/ 273، وعنه نقله ابن القطان الفاسي في "الإقناع" 2/ 749 (1347).
ونقل ابن القطان 2/ 750 (1349) من "الإيجاز": ولا أعلم بين العلماء اختلافًا في أن الاعتكاف لا يجوز في غير المساجد.
(3)
هو أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عمر بن لبابة القرطبي، شيخ المالكية، كان إمامًا في الفقه، انتهت إليه الإمامة في المذهب، مقدمًا على أهل زمانه في الفتوى، كبير الشأن، حافظًا لأخبار الأندلس، أديبًا شاعرًا.
وروى عنه خلق كثير، ولم يكن له علم ولا حذق بالحديث، بل ينقل بالمعنى، مات في شعبان سنة أربع عشرة وثلاثمائة. انظر تمام ترجمته في "تاريخ الإسلام" 23/ 485 (183)، "سير أعلام النبلاء" 14/ 495 (278)، "شذرات الذهب" 2/ 269.
قال حذيفة: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: مسجد مكة، والمدينة، والأقصى. وقال سعيد بن المسيب: لا اعتكاف إلا في مسجد نبي
(1)
.
وفي "الصوم" لابن أبي عاصم بإسناده إلى حذيفة: لا اعتكاف إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
(1)
رواه بهذا اللفظ ابن أبي شيبة 2/ 338 (9672) لكنه عن سعيد بن المسيب، وكذا رواه عنه أيضًا عبد الرزاق 4/ 346 (8008) بلفظ: إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سيأتي ذكره عن حذيفة.
(2)
قلت: روى الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" كما في "تحفة الأخيار" 3/ 82 (1500)، والإسماعيلي في معجم "شيوخه" 2/ 720 - 721 (336)، والبيهقي 4/ 316، والذهبي في "تاريخ الإسلام" 24/ 270، وفي "السير" 15/ 81 من طريق سفيان بن عيينة، عن جامع بن أبي راشد، عن أبي وائل قال: قال حذيفة لعبد الله [يعني ابن مسعود]: عكوف بين دارك ودار أبي موسى لا تغير، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة" وفي رواية بزيادة: "المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومسجد بيت المقدس" وفي رواية: "لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام -أو قال- إلا في المساجد الثلاثة" فقال عبد الله: لعلك نسيت وحفظوا، أو أخطأت وأصابوا.
قال الذهبي في "السير": صحيح غريب عال.
وقال الألباني في "الصحيحة"(2786): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
ورواه سعيد بن منصور كما في "المحلى" 5/ 195، ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 109 (1181) من طريق سفيان، عن جامع بن أبي راشد، عن شقيق بن سلمة قال: قال حذيفة لعبد الله بن مسعود: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة -أو قال- مسجد جماعة".
قال ابن حزم: هذا شك من حذيفة أو ممن دونه، ولا يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشك، ولو أنه عليه السلام قال: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة لحفظه الله تعالى علينا.
ورواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 348 (8016)، والفاكهي في "أخبار مكة" =
قلت: وروى الحارث، عن علي: لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام ومسجد المدينة
(1)
، وذهب هؤلاء إلى أن الآية خرجت على نوع من المساجد وهو ما بناه نبي؛ لأن الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في مسجده فكان القصد والإشارة إلى نوع تلك المساجد مما بناه نبي.
وذهب طائفة إلى أنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الجمعة، روي عن علي وابن مسعود وعروة وعطاء والحسن والزهري، وهو قول مالك في "المدونة" قال: أما من تلزمه الجمعة فلا يعتكف إلا في الجامع
(2)
. قال: وأقل الاعتكاف عشرة أيام
(3)
،
= 2/ 149 (1334)، والطبراني 9/ 302 (9511) من طريق سفيان بن عيينة، عن جامع بن أبي راشد قال: سمعت أبا وائل يقول: .. فذكره بنحوه، إلا أنه موقوف.
قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 173: رجاله رجال الصحيح.
ورواه عبد الرزاق (8014)، وابن أبي شيبة 2/ 337 (9669)، والطبراني (9510) من طريق الثوري، عن واصل الأحدب، عن إبراهيم قال: جاء حذيفة إلى عبد الله، فذكره موقوفًا أيضًا.
قال الهيثمي 3/ 173: إبراهيم لم يدرك حذيفة.
وقال الألباني في "الصحيحة" 6/ 669: رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أن إبراهيم -وهو النخعي- لم يدرك حذيفة أهـ.
وقد خرجت هذا الحديث بغير اللفظ الذي ذكر المصنف؛ لأن مسجد النبي لا يكون إلا أحد هذِه المساجد، كما قال ابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 325: فقالوا: لا اعتكاف إلا في مسجد نبي كالمسجد الحرام أو مسجد الرسول، أو مسجد بيت المقدس لا غير.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 337 (9670) بلفظ: لا اعتكاف إلا في مصر جامع.
وبنحوه رواه عبد الرزاق 4/ 346 (8009)، وابن أبي شيبة (9670) بإسناد آخر.
(2)
"المدونة" 1/ 203.
(3)
"المدونة" 1/ 203.
وروى عنه ابن القاسم لا بأس به يومًا ويومين، وقد روي أن أقله يوم وليلة
(1)
، وقال في "المدونة": لا أرى أن يعتكف أقل من عشرة أيام فإن نذر دونها لزمه
(2)
، وعندنا يصح اعتكاف قدر يسمى عكوفًا، وضابطه مكث يزيد على طمأنينة الركوع أدنى زيادة. ومن أصحابنا من اكتفي بالمرور بلا لبث.
وقالت طائفة: الاعتكاف في كل مسجد، روي ذَلِكَ عن النخعي وأبي سلمة والشعبي
(3)
، وهو قول أبي حنيفة والثوري والشافعي في الجديد وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود والجمهور
(4)
، والبخاري حيث استدل بالآية وعمومها في سائر المساجد، وهو قول مالك في "الموطأ" قال: لا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة، فإن كان مسجدًا لا يجمع فيه ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه فلا أرى بأسًا بالاعتكاف فيه؛ لأن الله تعالى قال:{وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فعم المساجد كلها ولم يخص منها شيئًا
(5)
، ونحوه قول الشافعي: المسجد الجامع أحب إليَّ وإن اعتكف في غيره فمن الجمعة إلى الجمعة
(6)
.
قلت: علل بأمور كثيرة: الجماعة واستغنائه عن الخروج إلى الجمعة
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 88.
(2)
"المدونة" 1/ 203.
(3)
رواه عنهم ابن أبي شيبة 2/ 337 (9665 - 9666، 9668).
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 48، "روضة الطالبين" 2/ 398، "المحلى" 5/ 193، "المغني" 4/ 461.
(5)
"الموطأ" ص 208.
(6)
"مختصر المزني" مع "الأم" 2/ 33.
وللإجماع عليه
(1)
إذ قال الزهري: لا يصح الاعتكاف في غيره
(2)
، وبه قال الحكم وحماد
(3)
، وأومأ الشافعي في القديم إلى اشتراطه
(4)
(5)
، وقال الجوني من أصحابنا: الجماعة إذا كانت في بعض مساجد العشائر أكثر من جماعة الجامع فالمسجد أولى منه. وعند أبي يوسف أن الاعتكاف الواجب لا يجوز أداؤه في غير مسجد الجماعة والنفل يجوز أداؤه في غيره.
فرع: قد يتعين الجامع في صورة وهي: ما إذا نذر اعتكاف مدة متتابعة تتخللها جمعة وهو من أهلها فإن الخروج لها يقطع التتابع على الأصح، قاله القاضي الحسين.
فرع: يصح في سطح المسجد ورحبته.
(1)
ورد بهامش الأصل: وأين الإجماع فقد حكي الخلاف في اشتراطه وفي اختصاص بعض المساجد دون بعض.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 338 (9673).
(3)
"المصنف" 2/ 338 (9674).
(4)
"البيان" 3/ 576.
(5)
ورد بهامش الأصل: قوله: وأومأ الشافعي في القديم إلى اشتراطه، يريد أنه كمذهب الزهري. قال الإسنوي في "مهماته": وهذِه الحكاية عن الشيخ أبي حامد غلط عليه حصل فيها التباس؛ فإنه قال في تعليقه الذي علقه عنه البندنيجي ما نصه: روي عن الزهري أنه قال: لا يصح الاعتكاف إلا في الجوامع، وأومأ الشافعي في القديم إلى أن الاعتكاف متى زاد على أسبوع، فإنه يعتكف في الجامع حتى لا يحتاج لقطع الاعتكاف بصلاة الجمعة. هذا لفظه، وهو صريح في صحة الاعتكاف على القديم في غير الجامع.
قال الإسنوي: وهذِه الحكاية لم يقع الغلط فيها من صاحب "المعتمد" بل الأصل فيه صاحب الشامل فإنه نقله عن الشيخ أبي حامد بنصه على ما نقله عنه من صنف بعده كالشاشي وصاحب "البيان" وصاحب "الذخائر"، ولا يوجد ذلك في كلام أحد إلا ناقلًا له عن الشيخ أبي حامد، وعبّرَ بعض المتأخرين بقوله: رواه الشيخ أبو حامد وأصحابنا، وهو غلط. انتهى لفظه بحروفه.
فائدة:
قوله: (وكان المسجد على عريش) قال صاحب "العين": العريش: شبه الهودج، وعرش البيت: سقفه
(1)
. وقال الداودي: كان الجريد قد بسط فوق الجذوع بلا طين فكان المطر يسقط منه داخل المسجد، وكان عليه السلام لما بنى مسجده أخرج قبور المشركين وقطع النخل التي كانت فيه، فجعل منها سواري وجذوعًا، وألقى الجريد عليها، فقيل له بعد ذَلِكَ: يا رسول الله ألا تبنيه؟ قال: "عريش كعريش موسى! "
(2)
.
فرع: الجديد من قولي الشافعي: أنه لا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو المعتزل المهيأ للصلاة، ووافقنا مالك وأحمد، والقديم وفاقًا لأبي حنيفة: نعم، وبه قال النخعي والثوري وابن علية
(3)
. وعلى هذا ففي صحة اعتكاف الرجل في مسجد بيته وجهان: أصحهما المنع
(4)
.
فرع: للمعتكف قراءة القرآن والحديث والعلم، وأمور الدين، وسماع العلم، خلافًا لمالك
(5)
، وعن ابن القاسم: لا يجوز له عيادة المريض ولا مدارسة العلم، ولا الصلاة على الجنازة
(6)
خلافًا لابن
وهب
(7)
.
(1)
"العين" 1/ 249.
(2)
تقدم تخريج هذا الحديث باستيفاء في حديث (428)، وانظره في "الصحيحة"(616).
(3)
انظر هذِه المسألة في: "المبسوط" 3/ 119، "النوادر والزيادات" 2/ 88، "البيان" 3/ 574 - 575، "المغني" 4/ 464.
(4)
انظر "البيان" 3/ 575.
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 93.
(6)
انظر: "الذخيرة" 2/ 539.
(7)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 93، و"الذخيرة" 2/ 539.
فرع: لا بأس بتطييبه. قال الشافعي في "الأم": ولا بأس بأن يقص فيه: لأنه وعظ وتذكير
(1)
.
فرع: في "شرح الهداية": أنه يكره التعليم في المسجد بأجر، وكذا كتابة المصحف بأجر، وقيل: إن كان الخياط يحفظ المسجد فلا بأس أن يخيط فيه.
فائدة: قام الإجماع على أن الاعتكاف لا يجب إلا بالنذر
(2)
.
فرع: من نوى اعتكاف مدة، وشرع فيها فله الخروج منها خلافًا لمالك
(3)
، وادعى ابن عبد البر
(4)
عدم اختلاف الفقهاء في ذَلِكَ وأن القضاء لازم عند جميع العلماء فإن لم يشرع فالقضاء مستحب. ومن العلماء من أوجبه إن لم يدخل فيه، واحتج بحديث عائشة: كان يعتكف العشر الأواخر .. الحديث.
وفيه: فأتى معتكفه (فلما اعتكف أفطر عشرًا)
(5)
من شوال،
(6)
وهو قول غريب.
قال الترمذي: لما قطع اعتكافه من أجل أزواجه قضاه على مذهب من يرى قضاء التطوع إذا قطعه
(7)
. قلت: لكنه لم يشرع فيه.
(1)
"الأم" 2/ 90.
(2)
نقل هذا الإجماع ابن المنذر في "الإجماع" ص 60 (155)، ونقله ابن القطان الفاسي في "الإقناع" 2/ 751 (1351) عن ابن المنذر في "الإشراف".
(3)
انظر: "عيون المجالس" 2/ 680.
(4)
"الاستذكار" 10/ 286.
(5)
ورد بهامش الأصل: لعله: فلما أفطر اعتكف عشرا.
(6)
سيأتي برقم (2033)، ورواه مسلم (1173).
(7)
"سنن الترمذي" 3/ 157.
2 - باب الحَائِضُ تُرَجِّلُ المُعْتَكِفَ
2028 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي، أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصْغِي إِلَىَّ رَأْسَهُ وَهْوَ مُجَاوِرٌ فِي المَسْجِدِ، فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ. [انظر: 295 - مسلم: 297 - فتح: 4/ 272]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهْوَ مُجَاوِر فِي المَسْجِدِ، فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، ومعناه: يميل فيدخل رأسه وكتفيه إلى الحجرة فترجله أي: تسرحه بدهن، وما قاله الداودي -ولم يقيده غيره-: لئلا يخرج من المسجد ما وجد المقام فيه؛ لأن الحائض لا تدخله، وترجم عليه بعد في آخره باب: المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل، وذكره بلفظ: أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهو في حجرتها يناولها رأسه
(2)
. وهو دال على جواز ترجيل رأس المعتكف، وفي معناه: الحلق وأن اليدين من المرأة ليسا بعورة ولو كانتا عورة ما باشرته بهما في اعتكافه، ويشهد له أن المرأة تنهى عن لبس القفازين في الإحرام وتؤمر بستر ما عدا وجهها وكفيها، وهكذا حكمها في الصلاة، وأن الحائض طاهر إلا موضع النجاسة منها.
فرع: الجوار والاعتكاف سواء عند مالك، حكمهما واحد إلا من جاور نهارًا بمكة وانقلب ليلًا إلى أهله فلا صوم فيه، وله أن يطأ أهله،
(1)
مسلم (297).
(2)
سيأتي برقم (2046).
قال: وجوار مكة أمر يتقرب به إلى الله تعالى كالرباط والصيام
(1)
، وقال عمرو بن دينار: الجوار والاعتكاف واحد
(2)
، وقال عطاء: هما مختلفان، كانت بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما اعتكف في شهر رمضان خرج من بيوته إلى بطن المسجد فاعتكف فيه، وإلجوار بخلاف ذَلِكَ، إن شاء جاور بباب المسجد، أو في جوفه لمن شاء
(3)
، وقال مجاهد: الحرم كله مسجد يعتكف في أيه شاء، وإن شاء في منزله، إلا أنه لا يصلي إلا في جماعة
(4)
.
فرع:
استدل به على أن من حلف لا يدخل دارًا فأدخل بعض بدنه لا يحنث، واختلف فيمن حلف لا يدخل دارًا فأدخل إحدى رجليه، قال ابن القاسم: إن منع الباب أن ينغلق حنث
(5)
، وقال ابن حبيب:
إن اعتمد على الداخلة حنث.
(1)
"المدونة" 1/ 200 - 201.
(2)
رواه عبد الرزاق 4/ 345 (8004).
(3)
السابق (8003).
(4)
السابق (8005).
(5)
انظر: "مواهب الجليل" 4/ 471.
3 - باب لَا يَدْخُلُ البَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ
2029 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها -زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهْوَ فِي المَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ البَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ، إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا [انظر: 295 - مسلم: 297 - فتح: 4/ 273]
ذكر فيه عن الزهري
(1)
، عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن، عن عَائِشَةَ قَالَتْ: وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيُدْخِلُ عَلَى رَأسَهُ وَهْوَ فِي المَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لا يَدْخُلُ البَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ، إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا، وقال: لحاجة الإنسان
(2)
.
والمراد بالحاجة: البول والغائط. وكذا فسره الزهري وهو راوي الحديث
(3)
، وهو إجماع
(4)
، ورواه مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عمرة، عن عائشة، وفيه: إلا لحاجة الإنسان
(5)
. قال أبو داود: لم يتابع أحد مالكًا في هذا الحديث على ذكر عمرة
(6)
. واضطرب فيه أصحاب الزهري فقالت طائفة: عنه، عن عروة، عن عائشة. وكذا رواه ابن مهدي، عن مالك.
(1)
ورد فوق الكلمة بالأصل: مسند متصل.
(2)
مسلم (6/ 297).
(3)
روى عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 357 (8051) عن معمر، عن الزهري قال: لا يخرج المعتكف إلا لحاجة لابد له منها، من غائط أو بول.
(4)
انظر: "الإجماع" لابن 60 (157)، و"الإقناع" لابن لقطان 2/ 752 (1355)، و"الإفصاح" 3/ 198 - 199.
(5)
"الموطأ" ص 208.
(6)
"سنن أبي داود" بعد حديث (2468) كتاب: الصوم باب: المعتكف يدخل البيت لحاجته.
وقالت طائفة: عن عروة وعمرة جميعًا عن عائشة. وكذا رواه ابن وهب، عن مالك، وأكثر الرواة عن مالك، عن عروة، عن عمرة فخطئوه في ذكر عمرة
(1)
.
قال ابن بطال: ولهذه العلة -والله أعلم- لم يدخل البخاري حديث مالك وإن كان فيه زيادة تفسير؛ (لكونه)
(2)
ترجم للحديث بتلك الزيادة إذ كان ذَلِكَ عنده معنى الحديث، ثم الحديث دال على أن المعتكف لا يشتغل بغير ملازمة المسجد للصلاة، والتلاوة، والذكر، ولا يخرج إلا لما إليه حاجة، وفي معنى الترجيل: كل ما فيه صلاح بدنه من الغذاء وغيره، ولا شك أن المعتكف ألزم نفسه المقام للطاعة
فلا يشتغل بما يلهي عنها، ولا يخرج إلا لضرورة كالمرض البين والحيض في النساء، وهو في معنى خروجه للحاجة.
واختلفوا في خروجه لما سوى ذَلِكَ، فروي عن النخعي، والحسن البصري، وابن جبير أن له أن يشهد الجمعة ويعود المرضى ويتبع الجنائز
(3)
. وذكر ابن الجهم، عن مالك: يخرج للجمعة ويتم اعتكافه في الجامع. وقال عبد الملك: إن خرج إلى الجمعة فسد اعتكافه، ومنعت طائفة خروجه لعيادة المريض والجنائز، وهو قول عطاء وعروة والزهري
(4)
ومالك وأبي حنيفة، والشافعي وأبي ثور.
(1)
انظر في هذا الاختلاف والاضطراب: "التمهيد" 8/ 316 - 321، و"الفتح" 4/ 273، و"صحيح أبي داود" 7/ 230 - 233.
(2)
في (م): (لأنه).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 335 (9632، 9634، 9635، 9637، 9640).
(4)
رواه عبد الرزاق 4/ 357 (8051 - 8054)، وابن أبي شيبة (9643 - 9644، 9646).
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يخرج المعتكف إلا إلى الجمعة والبول والغائط خاصة. وقال مالك: إن خرج المعتكف لعذر ضرورة مثل موت أبويه وابنه ولا يكون له من يقوم به فإنه يبتدئ اعتكافه، والذين منعوا خروجه لغير الحاجة أسعد باتباع الحديث
(1)
.
وفيه كما قال ابن المنذر: دلالة على امتناع العشاء في بيته والخروج من موضعه إلا للحاجة. قال: واختلفوا في ذَلِكَ، فكان الحسن وقتادة يقولان: له أن يشرط العشاء في منزله. وبه قال أحمد، وقال أحمد: إن كان المعتكف في بيته فلا شيء عليه
(2)
. وقال أبو مجلز: ليس له ذَلِكَ
(3)
. وهو يشبه مذاهب المدنيين وبه نقول؛ لأنه موافق للسنة، وعن مالك في الرجل يأتيه الطعام من منزله ليأكله في المسجد فقال: أرجو أن يكون خفيفًا
(4)
.
وفيه: دلالة غير ما سلف على إباحة غسل المعتكف رأسه: لأنه في معنى الترجيل
(5)
.
(1)
انظر هذِه المسألة في "المبسوط" 1/ 117، "المنتقى" 2/ 77، 79، "النوادر والزيادات" 2/ 91، "الأم" 2/ 90.
(2)
في "شرح ابن بطال" 4/ 166 - وهو المصدر المنقول منه ها هنا- أن هذا قول الشافعي، وهو نص قوله في "الأم" 2/ 91.
(3)
ذكر قول أبي مجلز صاحب "المغني" 4/ 471.
(4)
"النوادر والزيادات" 2/ 94.
(5)
من قول المصنف رحمه الله آنفًا: قال ابن بطال إلى هذا الموضع، نقله من "شرح ابن بطال" 4/ 165 - 166.
4 - باب غَسْلِ المُعْتَكِفِ
2030 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ. [انظر: 300 - مسلم: 293 - فتح: 4/ 274]
2031 -
وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنَ المَسْجِدِ -وَهْوَ مُعْتَكِفٌ- فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ. [انظر: 295 - مسلم: 297 - فتح: 4/ 274]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ. وَكَانَ يُخْرِجُ رَأسَهُ مِنَ المَسْجِدِ -وَهْوَ مُعْتَكِفٌ- فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ.
فيه: دلالة واضحة لما ترجم له، فغسل رأسه جائز كترجيله وغسل جسده في معناه، ولا نعلم في ذَلِكَ خلافًا، وروى ابن وهب عن مالك قال: لا بأس أن يخرج إلى غسل الجمعة إلى موضع الذي يتوضأ فيه، ولا بأس أن يخرج يغتسل للحرِّ يصيبه.
وقولها: (كان يباشرني وأنا حائض): تريد: غير معتكف: لأن المعتكف لا يجوز له المباشرة للآية، وإنما ذكرت المباشرة هنا لتدل على جواز غسلها رأسه وهي حائض، وتدل على طهارة بدن الحائض ولا يجتنب منها إلا موضع الدم، وقال الداودي: يريد أنها تشد إزارها في فور حيضتها.
5 - باب الاِعْتِكَافِ لَيْلًا
2032 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ؟ قَالَ: "فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ". [2042، 2043، 3144، 4320، 6697 - مسلم: 1656 - فتح: 4/ 274]
ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ؟ قَالَ: "فَأَوْفِ بَنَذْرِكَ".
وترجم عليه في أواخر الباب باب: من لم ير عليه إذا اعتكف صومًا، وزاد فيه: فاعتكف ليلة
(1)
. وترجم عليه أيضًا عقيبه باب: إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم
(2)
. وهو حديث صحيح أخرجه مسلم أيضًا
(3)
، وفي رواية له: يومًا بدل (ليلة)
(4)
.
قال ابن حبان في "صحيحه": ألفاظ أخبار هذا الحديث مصرحة بأن عمر نذر اعتكاف ليلة إلا بهذا -يعني: رواية مسلم- فإن صحت هذِه اللفظة، فيشبه أن يكون (أراد)
(5)
باليوم مع ليلته، وبالليلة مع اليوم حَتَّى لا يكون بين الخبرين تضاد
(6)
، والعرب تعبر بذلك، قال الله تعالى:{فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142] وقد روى عمرو بن دينار، عن ابن عمر أن عمر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة:
(1)
سيأتي برقم (2042).
(2)
برقم (2043).
(3)
مسلم (1656).
(4)
مسلم (1656/ 28).
(5)
في (م) المراد.
(6)
"صحيح ابن حبان" 10/ 226 - 227.
إني نذرت أن أعتكف يومًا وليلة. فاقتصر بعضهم على البعض، ويجوز للراوي أن ينقل بعض ما سمع، وفي رواية لأبي داود والنسائي:"فاعتكف وصم"
(1)
.
قال ابن حزم: لا يصح: لأن في سندهما عبد الله بن بديل
(2)
وهو مجهول
(3)
. قلت: لا، فقد علق له البخاري
(4)
، ووثق
(5)
، نعم تفرد بزيادة الصوم، كما قاله ابن عدي والدارقطني وضعفاه
(6)
، ونقل
(1)
أبو داود (2474 - 2475)، "سنن النسائي الكبرى" 2/ 262 (3355) بلفظ: أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتكاف عليه فأمر أن يعتكف.
ورواه أيضًا الطيالسي 1/ 68 - 69 (69)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 276، وأبو يعلى 10/ 5 - 6 (5632)، وابن عدي في "الكامل" 5/ 357، والحاكم في "المستدرك" 1/ 439، والدارقطني 2/ 200 - 201، والبيهقي 4/ 316، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 111 (1189) من طريق عبد الله بن بديل، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، به.
(2)
ورد بهامش الأصل: قال في "الكاشف": صويلح الحديث له مناكير وفي غمزه الدارقطني، فيه ضعف.
(3)
"المحلى" 5/ 183.
(4)
سيأتي له بعد حديث (6284).
(5)
قال يحيى بن معين: مكي صالح، ووثقه ابن حبان، وقال ابن شاهين: صالح، وقال الذهبي: صويلح الحديث له ما ينكر. وقال الحافظ: صدوق يخطئ.
انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 156 (127)، و"الجرح والتعديل" 5/ 14 (68)، و"ثقات ابن حبان" 7/ 21، و"ثقات ابن شاهين"(674)، و"تهذيب الكمال" 14/ 325 (3176)، و"تاريخ الإسلام" 9/ 453، و"الكاشف"(2642)، و"التقريب"(3224).
(6)
قال ابن عدي في "الكامل" 5/ 357: لا أعلم ذكر في هذا الإسناد ذكر الصوم مع الاعتكاف إلا من رواية عبد الله بن بديل، عن عمرو بن دينار. وقال الدارقطني في "السنن" 2/ 200: تفرد به ابن بديل عن عمرو، وهو ضعيف الحديث.
وسئل عن هذا الحديث في "العلل" 2/ 26 - 27 (93) فقال: يرويه عبد الله بن بديل =
الدارقطني، عن النيسابوري أنه حديث منكر: لأن الثقات من أصحاب عمرو لم يذكروه -يعني: الصوم- منهم: ابن جريج، وابن عيينة، وحماد بن سلمة وغيرهم
(1)
.
ثم قال ابن حزم: ولا نعرف هذا الخبر من مسند عمرو بن دينار أصلًا، وما نعرف لعمرو بن دينار عن ابن عمر حديثًا مسندًا إلا ثلاثة ليس هذا منها فسقط الخبر؛ لبطلان سنده
(2)
.
= المكي -وكان ضعيفًا-، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر، ولم يتابع عليه ولا يعرف هذا الحديث عن أحد من أصحاب عمرو بن دينار، ورواه نافع عن ابن عمر عن عمر، فلم يذكر فيه الصيام، وهو أصح من قول ابن بديل عن عمرو.
(1)
"سنن الدارقطني" 2/ 200 - 201.
(2)
"المحلى" 5/ 183.
تتمات: قال البيهقي في "المعرفة" 6/ 394: حديث منكر؛ قد أنكره حفاظ الحديث، لمخالفته أهل الثقة والحفظ في روايته. ونقل المنذري في "مختصر السنن" 3/ 350: تضعيف ابن عدي، والدارقطني لعبد الله بن بديل، مشيرًا لتضعيف الحديث. وضعف الحديث أيضًا ابن قدامة في "المغني" 4/ 460 فقال: تفرد به ابن بديل، وهو ضعيف. وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 274: إسناده ضعيف: أخرجه أبو داود، والنسائي من طريق عبد الله بن بديل، وهو ضعيف. ومال العلامة أحمد شاكر لتحسين الحديث فقال: ليس عبد الله بن بديل من الضعف بالمنزلة التي يصورها كلام المنذري، ففي "التهذيب": قال ابن معين: صالح، وقال ابن عدي: له ما ينكر عليه الزيادة في متن أو إسناد، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ولم يذكره البخاري، ولا النسائي في "الضعفاء"، فهذا أقل حاله أن يكون حديثه حسنًا وتقبل زيادته. اهـ. "مختصر السنن" 3/ 350.
والحديث أورده الألباني في "ضعيف أبي داود"(425 - 426) وقال: إسناده ضعيف: ابن بديل فيه ضعف من قبل حفظه.
لكنه أورده أيضًا في "صحيح أبي داود"(2136 - 2137) وقال: مدار الإسنادين على عبد الله بن بديل، وفيه ضعف، ولكن لما كان الحديث قد صح من غير طريقيه أوردته هنا. اهـ.
قلت: لعمرو بن دينار في الصحيح عن ابن عمر نحو عشرة أحاديث فما هذا الكلام!
إذا تقرر ذَلِكَ، فمن نذر اعتكاف ليلة لم يلزمه سواها خلافًا لمالك؛ حيث قال: يلزمه يوم معها. وقال سحنون: لا شيء عليه؛ لأنه لا صيام في الليل قال: ومن نذر اعتكاف يوم يلزمه يوم وليلة، ويدخل اعتكافه قبل غروب الشمس من ليلته، وإن دخل قبل الفجر لم يجزه، وإن أضاف إليه الليلة المستقبلة
(1)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ("أوف بنذرك") محمول على الاستحباب بدليل أن الإسلام يهدم ما قبله
(2)
، وقد حمله الطبري على الوجوب، وسيأتي الخلاف فيه في الأيمان والنذور
(3)
. والبخاري ذهب إلى وجوب الوفاء به، كما بوب عليه هناك وقاس اليمين على النذر، وهو قول أبي ثور والطبري، واختلف أصحابنا في صحة نذره في حال شركه، والأصح عدم صحته.
وفيه: دليل على تأكيد الوفاء بالوعد، ألا ترى أنه أمره بالوفاء به وقد خرج من الجاهلية إلى الإسلام، كمان كان عند الفقهاء ما كان في الجاهلية من أيمان وطلاق وعقد فإن الإسلام يهدمها ويسقط حرمتها، قاله ابن بطال
(4)
.
(1)
انظر "النوادر والزيادات" 2/ 98.
(2)
هي قطعة من حديث طويل رواه مسلم (121) كتاب: الإيمان، باب: كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج.
(3)
ينظر شرح الحديث الآتي برقم (6697).
(4)
"شرح ابن بطال" 6/ 158.
قال الخطابي: وفيه دلالة على أن نذر الجاهلية إذا كان على وفاق الإسلام كان معمولًا به
(1)
، وهو ظاهر تبويب البخاري، ومن حلف في كفره ثم أسلم فحنث كَفَّر، وإليه ذهب الشافعي، وعن أشهب نحوه، ومذهب مالك: لا شيء عليه.
وفيه: دلالة على جواز الاعتكاف بغير صوم وهو مذهب الشافعي، والحسن، وأبي ثور، وروي عن علي أيضًا وابن مسعود، وطاوس، وعمر بن عبد العزيز، وأحمد وإسحاق
(2)
، وقال مالك، وأبو حنيفة، والأوزاعي: لا اعتكاف إلا بصوم. وقاله ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وعروة، والزهري. وقيل: إنه مذهب علي، والشعبي، ومجاهد، والقاسم بن محمد، وابن المسيب، ونافع، والثوري، والليث، والحسن بن حي، والشافعي في القديم، وقول لأحمد، ورواه عطاء ومقسم وأبو فاختة عن ابن عباس
(3)
، والحديث دال للأول: إذ الليل ليس قابلًا للصوم وإن كان يحتمل أن يكون نذر اعتكاف ليلة مع يومها.
ومعنى قوله: (في الجاهلية) أي: في زمنها. قال الخطابي: وقد يستدل به أن الكافر إذا أسلم وهو جنب لزمه أن يغتسل
(4)
.
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 990.
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 319 (8587)، "البيان" 3/ 578، "المغني" 4/ 459.
(3)
انظر: "المصنف" لابن أبي شيبة 2/ 334 (9619، 9621، 9622، 9623، 9626)، "المصنف" لعبد الرزاق 4/ 353 (8033، 8034، 8037، 8038، 8041)، "مختصر الطحاوي" ص 57، "المدونة" 1/ 195، "عيون المجالس" 2/ 671، "البيان" 3/ 580، "المغنى" 4/ 459.
(4)
"أعلام الحديث" 2/ 990.
تنبيه: استدل من قال بعدم شرطية الصوم في صحة الاعتكاف مع حديث الباب بما رواه الدارقطني عن ابن عباس: "ليس على المعتكف صوم إلا أن يجعله على نفسه" ثم قال: رفعه أبو بكر محمد بن
إسحاق السوسي، وغيره لا يرفعه
(1)
، ومن جهة القياس: أنه عبادة
(1)
"السنن" 2/ 199 عن محمد بن إسحاق السوسي، ومن طريقه الحافظ ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 110 (1187). ورواه الحاكم 1/ 439، والبيهقي 4/ 318 - 319، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 5/ 489 من طريق أبي الحسن أحمد بن محبوب الرملي. كلاهما -محمد بن إسحاق وأحمد بن محبوب- عن عبد الله بن محمد بن نصر الرملي، عن محمد بن يحيى بن أبي عمر، عن عبد العزيز بن محمد، عن أبي سهيل عم مالك [وعند الحاكم: عن أبي سهل بن مالك] عن طاوس، عن ابن عباس، مرفوعًا به.
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه!
وقال البيهقي: الصحيح موقوفا، ورفعه وهم وقال في "المعرفة" 6/ 396: رفعه ضعيف. وذكره عبد الحق في "الأحكام الوسطى" 2/ 250 مرفوعًا، وقال: هذا يروى غير مرفوع.
وتعقبه ابن القطان في "البيان" 3/ 442 قائلًا: لم يزد على هذا!! وقال الحافظ في "الدراية" 1/ 288: الصواب موقوف. وقال في "بلوغ المرام"(722): الراجح وقفه. وأورد الألباني المرفوع في "الضعيفة"(4378) وضعفه أيضًا.
تنبيه: قال الدارقطني: رفعه هذا الشيخ وغيره لا يرفعه.
قلت: هذا هو نص كلامه، فلم يصرح باسم هذا الشيخ، وجزم المصنف هنا وكذا العيني في "العمدة" 9/ 217، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 110، ومجد الدين ابن تيمية في "المنتقى"(2284)، والمناوي في "فيض القدير"(7616) بأن هذا الشيخ هو شيخ الدارقطني في الحديث، محمد بن إسحاق السوسي!
وهو -والله أعلم- خطأ تتابعوا عليه؛ ويدل لذلك أن محمد بن إسحاق هذا لم ينفرد برواية الحديث، إنما تابعه أحمد بن محبوب الرملي، كما عند الحاكم والبيهقي، فالمتفرد به هو شيخهما عبد الله بن محمد بن نصر الرملي -وهو ما جزم وصرح به البيهقي 4/ 319. =
أصل بنفسه فلا يكون شرطًا لغيره كالصلاة وغيرها، وصوم رمضان لا يقبل غيره، ومعلوم أن اعتكاف الشارع كان في رمضان. وقال ابن شهاب: اجتمعت أنا وأبو سهل بن مالك عند عمر بن عبد العزيز فقلت: لا يكون اعتكاف بغير صوم، فقال عمر: أمن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لا. قال: أمن أبي بكر؟ قلت: لا. قال: أمن عمر؟ قلت: لا. قال: (أمن)
(1)
عثمان؟ قلت: لا. قال: فلا إذًا
(2)
. وقد صح أنه عليه السلام اعتكف العشر الأول من شوال
(3)
، ويوم العيد غير قابل للصوم، احتج من اشترطه بقول عائشة مرفوعًا:"لا اعتكاف إلا بصوم" رواه البيهقي، ووهم راويه
(4)
، وهو عند أبي داود عنها: السنة على المعتكف
= فالشيخ الذي ذكره الدارقطني هو عبد الله بن محمد الرملي. وهو ما جزم به أيضًا ابن القطان 3/ 442. وقال الزيلعي: قال في "التنقيح ": والشيخ هو عبد الله بن محمد الرملي. اهـ "نصب الراية" 2/ 490. وهذا أيضًا هو ما رجحه الألباني في "الضعيفة".
(1)
من (م).
(2)
"سنن البيهقي" 4/ 319.
(3)
رواه مسلم (1173).
(4)
"سنن البيهقي" 4/ 317. والحديث أيضًا رواه الحاكم في "المستدرك" 1/ 440، والدارقطني في "سننه" 2/ 199، ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 111 (1188) من طريق محمد بن هاشم، عن سويد بن عبد العزيز، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، مرفوعًا به. قال الدارقطني: تفرد به سويد، عن سفيان بن حسين. وقال البيهقي: وهذا وهم من سفيان بن حسين أو من سويد بن عبد العزيز، وسويد، ضعيف بمرة لا يقبل منه ما تفرد به. وقال الحاكم: لم يحتج الشيخان بسفيان بن حسين. وقال شيخ الإسلام ابن القيم: سويد قال فيه أحمد: متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي وغيره: ضعيف، وسفيان بن حسين في الزهري ضعيف. اهـ. "الحاشية" 3/ 344. وضعفه أيضًا الألباني في "الضعيفة" (4768).
أن لا يعود مريضًا. وفيه: ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع
(1)
.
(1)
أبو داود (2473). ومن طريقه البيهقي 4/ 321 من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، به. قال أبو داود: غير عبد الرحمن لا يقول فيه: قالت: السنة. ثم قال: جعله قول عائشة.
وقال البيهقي 4/ 321: ذهب كثير من الحفاظ إلى أن هذا الكلام من قول من دون عائشة، وأن من أدرجه في الحديث وهم فيه، فقد رواه سفيان الثوري، عن هشام، عن عروة قال: فذكره. وقال في "المعرفة" 6/ 395: لم يخرج البخاري ومسلم باقي الحديث، من قوله: والسنة .. ، لاختلاف الحفاظ فيه، منهم من زعم أنه من قول عائشة، ومنهم من زعم أنه من قول الزهري، ويشبه أن يكون من قول من دون
عائشة. اهـ. بتصرف.
وقال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 330: ولم يقل أحد في حديث عائشة هذا: "السنة" إلا عبد الرحمن بن إسحاق، ولا يصح هذا الكلام كله عندهم إلا من قول الزهري في صوم المعتكف.
وقاله في "الاستذكار" 10/ 283 وزاد: وبعضه من كلام عروة.
وقال ابن القيم في "الحاشية" 3/ 343 - 344: عبد الرحمن هذا قال فيه أبو حاتم: لا يحتج به، وقال البخاري: ليس ممن يعتمد على حفظه، وقال الدارقطني: ضعيف يرمى بالقدر. اهـ.
وقال الحافظ في "بلوغ المرام"(721): رواه أبو داود ولا بأس برجاله إلا أن الراجح وقف آخره.
وقال الألباني في "الإرواء" 4/ 139: أخرجه أبو داود، وإسناده جيد على شرط مسلم.
وقال في "صحيح أبي داود"(2135): إسناده حسن صحيح، ورجاله كلهم ثقات على شرط مسلم، على ضعف يسير في عبد الرحمن بن إسحاق، ولا ينزل حديثه عن رتبة الحسن. وقال في "الضعيفة"10/ 311: إسناده صحيح.
وأما قول الحافظ ابن عبد البر في كتابيه المذكورين آنفًا، ومن قبله أبو داود بتفرد عبد الرحمن، فمتعقب؛ فقد تابعه ابن جريج، فيما رواه الدارقطني 2/ 301، ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 111 (1190) من طريق القاسم بن معن. =
قال الدارقطني: يقال: قوله: (السنة) إلى آخره، إنما هو من قول ابن شهاب ومن أدرجه في الحديث فقد وهم
(1)
. وقال: الأشبه أن يكون من قول من دون عائشة
(2)
. وقال الحاكم: لفقهاء أهل الكوفة في ضد حديث ابن عباس يرفعه: "ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" وهو صحيح على شرط مسلم، حديثان: الأول: حديث عائشة هذا، والثاني: حديث عمر السالف: "اعتكف وصم" قال: ولم يحتج الشيخان بسفيان ولا بابن بديل
(3)
. وقال ابن عدي: لا أعلم أحدًا ذكر الصوم في الاعتكاف هنا إلا هو وله غير ما ذكرت مما ينكر عليه الزيادة في إسناده أو متنه ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا فأذكره
(4)
، قلت: قد قال يحيى: صالح
(5)
. وذكره ابن حبان وغيره في
= عنه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وعن عروة، عن عائشة.
قال ابن الجوزي 2/ 112: فيه إبراهيم بن مجشر، قال ابن عدي: له أحاديث مناكير. لكن قال الألباني في "الضعيفة" 10/ 311: سنده صحيح.
وتابعه أيضًا عقيل، فيما رواه البيهقي في "الشعب" 3/ 423 (3962) من طريق الليث، عنه، عن الزهري عن عروة، عن عائشة.
قال البيهقي: قوله: والسنة
…
إلى آخره، قيل إنه من قول عروة. والله أعلم.
(1)
"سنن الدارقطني" 2/ 201.
(2)
هذا هو قول البيهقي في "المعرفة" 6/ 395.
وقال الألباني في "الإرواء" 4/ 140: رواية ابن جريج وعقيل عند البيهقي في معنى رواية عبد الرحمن كما لا يخفي، ولذلك ادعى الدارقطني أنه من كلام الزهري، واتفاق هؤلاء الثقات الثلاث على جعله من الحديث يرد دعوى الإدراج. والله أعلم. وانظر:"صحيح أبي داود" 7/ 236.
(3)
"المستدرك" 1/ 439 - 440 بتصرف، وحديث ابن عباس وعائشة وعمر، تقدم تخريجها، وآخرها حديث عائشة.
(4)
"الكامل" 5/ 357 - 358، وقد تقدم.
(5)
تقدم ذكر هذا في ترجمة ابن بديل فلتراجع ترجمته.
"ثقاته"
(1)
، وصحح حديثه هذا ابن العربي، ولا يوافقه عليه أحد وقد توبع ولم ينفرد به، أخرج الدارقطني من حديث سعيد بن بشير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر نذر أن يعتكف في الشرك ويصوم، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أوف بنذرك"
(2)
.
قال عبد الحق: تفرد به سعيد هذا
(3)
، وقال الشافعي -فيما حكاه البيهقي عنه-: رأيت عامة من الفقهاء يقولون: لا اعتكاف إلا بصوم
(4)
.
(1)
"ثقات ابن حبان" 7/ 21، وتقدم أيضًا.
(2)
"سنن الدارقطني" 2/ 201.
ورواه أيضًا البيهقي 4/ 317، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 110 (1186) من طريق الوليد بن مسلم، عن سعيد بن بشير، به.
(3)
"الأحكام الوسطى" 2/ 250. وفيه أنه قال: هذا إسناد حسن، تفرد به سعيد بن بشير، عن عبيد الله بن عمر. اهـ.
وهذا هو نص كلام الدارقطني الذي قاله عقب روايته للحديث في "السنن"، فيبدو أن عبد الحق قد نقله عنه، خاصة أنه في ذكره للحديث عزاه للدارقطني.
وقال الدارقطني في "العلل" 2/ 27: إن كان سعيد بن بشير ضبط هذا، فهو عنه صحيح، إذا كان في عقد نذره الصوم مع الاعتكاف.
والحديث ضعفه غير واحد، قال البيهقي 4/ 317: ذكر نذر الصوم مع الاعتكاف غريب، تفرد به سعيد بن بشير، عن عبيد الله، والله أعلم.
وقال في "المعرفة" 6/ 394: وروى قصة أنه نذر أن يعتكف
…
، ذكره سعيد بن بشير، عن عبيد الله بن عمر، وهو ضعيف. اهـ بتصرف.
وقال ابن الجوزي: تفرد به سعيد بن بشير، قال ابن معين وابن نمير: ليس بشيء، وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن القطان في "بيان الوهم" 3/ 442: كذا أورد عبد الحق الحديث، ولم يبين لم لا يصح؛ وذلك لأنه من رواية سعيد بن بشير، وهو مختلف فيه.
وينظر: "البدر المنير" 5/ 773 - 774، و"تلخيص الحبير" 2/ 218، و"الجوهر النقي" 3/ 317 ففي الثلاثة مصادر إشارات إلى تضعيف الحديث.
(4)
"معرفة السنن والآثار" 6/ 394 (2092).
وقال القاضي عياض: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف بغير صوم، ولو كان جائزًا لفعله تعليمًا للجواز، وهو عمل أهل المدينة
(1)
.
قالوا: ويجاب عن حديث ابن عباس بأمور: منها: أن السوسي تفرد به
(2)
، ولم يحتج به أهل الصحيح، فلا يعارض حديث عبد الرحمن بن إسحاق
(3)
المحتج به في الصحيح
(4)
.
ثانيها: أسلفنا عن ابن عباس اشتراط الصوم
(5)
، والراوي إذا عمل بخلاف ما روى قدح ذَلِكَ في روايته عند الحنفية
(6)
.
ثالثها: القول بموجب الحديث، وهو أن الهاء عائدة على الاعتكاف دون الصوم؛ لأنه أكثر فائدة: ولأن وجوب المنذور بالنذر معلوم والخفاء في وجوب غير المنذور بالنذر، فكان حمله على الأكثر فائدة أو يحتمل فيحمل عليه توفيقًا بين الحديثين.
رابعها: نقول إنه محمول على الحض والندب، وحديث عمر محمول على أنه كان نذر يومًا وليلة، وهو في مسلم: أعني يومًا
(7)
.
(1)
"إكمال المعلم" 4/ 150. بتصرف.
(2)
قلت: لم يتفرد به، بل تابعه أحمد بن محبوب الرملي، عند الحاكم 1/ 439. والبيهقي 4/ 318 - 319، وإنما المنفرد به هو شيخهما عبد الله بن محمد الرملي، وتقدم قريبًا الكلام عن هذا الحديث فليراجع.
(3)
هو حديث أبي داود (2473) المتقدم تخريجه قريبًا.
(4)
قلت: استشهد به البخاري في ثلاثة مواضع من "صحيحه" فيما سيأتي (2214، 3356، 4891) وروى له مسلم حديثًا واحدًا (2225). وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 16/ 519 (3755).
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
انظر: "المبسوط" 3/ 115 - 166.
(7)
مسلم (1656/ 28).
وادعى بعضهم أن الصوم كان في أول الإسلام بالليل، فلعل ذَلِكَ قبل نسخه وليس بجيد؛ لأن حديث عمر كان في السنة الثانية.
وادعى القرطبي أن الصحيح اشتراطه ومراده من مذهبه، قال: لاْن حديث عائشة إن صح فهو نص، وإن لم يصح فالأصل في العبادات والقرب أنها لا تفعل إلا على نحو ما قررها الشارع أو فعلها، وقد تقرر مشروعية الاعتكاف مع الصوم في قوله تعالى:{وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ} [البقرة: 187] قلت: لا يلزم منه الصوم- قال وأنه عليه السلام لم يعتكف إلا صائمًا، فمن ادعى جوازه بغيره فليأت بدليل
(1)
.
قلت: قد أسلفنا اعتكافه عليه السلام العشر الأول من شوال، ويوم الفطر لا يصلح للصوم، ولهذا لما ذكره الإسماعيلي في "صحيحه" قال: فيه دلالة على جواز الاعتكاف بغير صوم، لكن في البخاري: اعتكف في آخر العشر من شوال
(2)
. وفي لفظ له: في العشر، وفي آخر: عشرًا من شوال
(3)
، ولفظ مسلم: اعتكف العشر الأول من شوال
(4)
، وفي الإسماعيلي: حَتَّى إذا أفطر اعتكف في شوال، ولأبي نعيم: فلم يعتكف في رمضان إلا في العشر. الأواخر من شوال، وللطحاوي: ترك الاعتكاف حَتَّى أفطر من رمضان، ثم اعتكف في عشر من شوال. وسيكون لنا عودة إلى تتمة المسألة قريبًا في بابه.
(1)
"المفهم" 3/ 241.
(2)
سيأتي برقم (2041).
(3)
الحديث الآتي (2033)، وحديث (2034، 2045).
(4)
مسلم (1173/ 6).
6 - باب اعْتِكَافِ النِّسَاءِ
2033 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ. فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً، فَأَذِنَتْ لَهَا، فَضَرَبَتْ خِبَاءً، فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَأَى الأَخْبِيَةَ فَقَالَ:"مَا هَذَا؟ ". فَأُخْبِرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"آلْبِرُّ تُرَوْنَ بِهِنَّ؟! ". فَتَرَكَ الاِعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ. [2034، 2041، 2045 - مسلم: 1173 - فتح: 4/ 275]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ. فَاسْتَأْذَنَتْ (عَائِشَةَ وحَفْصَةُ)
(1)
أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً الحديث. وفي آخره.
فَتَرَكَ الاِعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ.
وقد أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، وسلف ألفاظه، وهو ظاهر في جواز اعتكافهن كما ترجم له، وقد أذن لهن فيه كما ستعلمه، وقد أسلفنا اختلاف العلماء
(3)
: هل يصح اعتكافها في مسجد بيتها؟ وإن مذهب الثلاثة المنع خلافًا لأبي حنيفة. قال مالك: تعتكف المرأة في مسجد الجماعة، ولا يعجبه أن تعتكف في مسجد بيتها. وقال الشافعي: تعتكف المرأة والعبد والمسافر حيث شاءوا؛ لأنه لا جمعة عليهم.
(1)
كذا بالأصل بالأصل وفي اليونينية 3/ 48/ (حفصة عائشة).
(2)
مسلم (1173).
(3)
انظر هذِه المسألة في: "مختصر الطحاوي" ص 58، "عيون المجالس" 673 - 674، "الأم" 2/ 93.
وقال الكوفيون: لا تعتكف المرأة إلا في مسجد بيتها، ولا تعتكف في مسجد الجماعة وذلك مكروه. واحتجوا بأن الشارع نقض اعتكافه؛ إذ تبعه نساؤه، وهذا إنكار عليهن
(1)
. قالوا: وقد قال عليه السلام: "صلاة المرأة في بينها أفضل"
(2)
، فإذا مُنِعَتْ من المكتوبة في المسجد مع وجوبها فلأن تكون ممنوعة من اعتكاف هو نفل أولى، ولما كان صلاة الرجل في المسجد أفضل، كان اعتكافه فيه أفضل. وحجة مالك: أنه عليه السلام لما أراد الاعتكاف أذن لعائشة وحفصة في ذَلِكَ، وقد
جاء هذا مبينًا في باب: من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج، كما ستعلمه، ولو كان المسجد غبر موضع اعتكافهن لما أباح ذَلِكَ لهن منه، ولا يجوز أن يظن أنه نقض اعتكافه ولكن أخره تطييبًا لقلوبهن؛ لئلا يجعل معتكفًا وهن غير معتكفات، وإنما فعل ذَلِكَ؛ لأنه كره أن يكنَّ مع الرجال في مسجده؛ لأنه موضع الاجتماع والوفود ترد عليه فيه، وهذا كما يستحب لهن أن يتعمدن الطواف في الأوقات الخالية، وكما يكره للشابات منهن الخروج للجمع والأعياد، فإذا أردن أن يصلين الجمع لم يجز إلا في الجامع مع الرجال.
(1)
سيأتي قريبًا (2045)، ورواه مسلم (1173).
(2)
رواه أبو داود (570)، والبزار في "البحر الزخار" 5/ 426 - 428 (2059 - 2060، 2063)، وابن خزيمة 3/ 94 - 95 (1688، 1690)، والحاكم 1/ 209، وابن حزم في "المحلى" 3/ 139 - 137، والبيهقي 3/ 131، وابن عبد البر في "التمهيد" 23/ 398 عن ابن مسعود، مرفوعًا به.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقال النووي في "المجموع" 4/ 93، وفي "الخلاصة"(2347)، والألباني في "صحيح أبي داود" (579): إسناده صحيح على شرط مسلم.
وقال الحافظ ابن كثير في "التفسير" 11/ 151: إسناده جيد.
وفيه كما قال ابن المنذر دلالة أيضًا أن المرأة إذا أرادت اعتكافًا لم تعتكف حَتَّى تستأذن زوجها، ويدل على أن الأفضل في حق النساء لزوم منازلهن وترك الاعتكاف مع إباحته لهن؛ لأن ردهن منه دال على ذَلِكَ، وقد ترجم عليه أيضًا:
7 - باب الأَخْبِيَةِ فِي المَسْجِدِ
2034 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى المَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ إِذَا أَخْبِيَةٌ خِبَاءُ عَائِشَةَ، وَخِبَاءُ حَفْصَةَ، وَخِبَاءُ زَيْنَبَ، فَقَالَ:"آلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟! ". ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ، حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ. [انظر: 2033 - مسلم: 1173 - فتح: 4/ 277]
وفيه من الفقه: أن المعتكف يهيئ له مكانًا فيه بحيث لا يضيق على المسلمين كما فعل الشارع؛ إذ ضرب فيه خباء.
وفيه: أن المعتكف إذا أراد أن ينام في المسجد أن يتنحى عن الناس خوف أن يكون ما يؤذيهم من آفات البشر.
وفيه: إباحة ضرب الأخبية في المسجد للمعتكف.
قال مالك: وليعتكف في عجز المسجد ورحابه، فذلك الشأن فيه
(1)
.
وقوله: ("آلبرَّ تردن؟ ")
(2)
: هو بهمزة الاستفهام ومده على وجه الإنكار، ونصبه "البر" على أنه مفعول "تردن" مقدمًا، وذكره في باب: الاعتكاف في شوال "آلبر؟ انزعوها فلا أراها" فنزعت
(3)
، وضبط الدمياطي "آلبر" بالرفع أيضًا
(4)
.
(1)
انظر "التاج والإكليل" 3/ 396.
(2)
هكذا ذكر المصنف هنا: "آلبر تردن" وجاء في "الفتح" 4/ 275، وكذا في "صحيح البخاري" ط. دار إحياء الكتب العربية 1/ 345:"آلبر ترون"، وجاء في "حاشية اليونينية" 3/ 49 أنه وقع في نسخة ابن عساكر:"تردن". والله أعلم.
(3)
سيأتي قريبًا برقم (2041).
(4)
ورد بهامش الأصل: ضبطه بهما وكتب فوقه (معا) كذا رأيته.
قال ابن التين: كذا وقع في أكثر النسخ "فلا أراها" بالألف، وصوابه بحذفها: لأنه مجذوم بالنهي، وهو مثل:(أريتك هذا)، ويجوز إثبات الألف مثل: ألم يأتيك والأنباء تنمى. وقال الخطابي: "آلبر تقولون
بهن" معناه: البر تظنون بهن. قال الشاعر:
متى تقول القلص الرواسما
…
يحملن أم قاسم وقاسما
أي: متى تظن
(1)
القلص يلحقهما، ولذلك نصب القلص.
قال الفراء: تجعل ما بعد القول مرفوعًا على الحكاية فتقول: عبد الله ذاهب. وقلت: إنك قائم. هذا في جميع القول إلا في (أتقول) وحدها في حروف الاستفهام، فإنهم ينزلونها منزلة الظن فيقولون: أتقول إنك خارج؟ ومتى تقول إن عبد الله منطلق؟ وأنشد:
أما الرحيل فدون بعد غدٍ
…
فمتى تقول الدار تجمعنا
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 986 - 987.
ووقع فيه، وفي "غريب الحديث" 1/ 335 له، وفي "الفائق" للزمخشري 3/ 233.
متى تقول القلص الرواسما
…
يلحقن أم عاصم وعاصما
وجاء في "شرح ابن عقيل" 2/ 59 كما هو هنا:
متى تقول القلص الرواسما
…
يحملن أم قاسم وقاسما.
وجاء في "الجمل في النحو" ص 174 للخليل:
متى تقول القلص الرواسما
…
يلحقن أم غانم وغانما.
وجاء في "الشعر والشعراء" ص 460:
متى تظن القلص الرواسما
…
يبلغن أم قاسم وقاسما.
وجاء في "شرح شذور الذهب" ص 454، و"تاج العروس" 10/ 641، و"لسان العرب" 6/ 3779 و"التاج" 17/ 541، و"اللسان" 6/ 3441.
متى تقول القلص الرواسما
…
يدنين أم قاسم وقاسما.
وقائل البيت هو: هدبة بن خشرم العذري، كما في "الشعر والشعراء" ص 460، وكذا صرح باسمه ابن منظور والزبيدي.
بنصب (الدار) كأنه يقول: فمن يظن الدار تجمعنا، وأجاز سيبويه الرفع في قوله: الدار تجمعنا على الحكاية، وهو في معنى الإنكار عليهن، وقيل: إنما كرهه للتنافس فيضيق المسجد وقيل: خشية الافتراض فيعجزن، وأبعد من قال: لأنهن لم يعتكفن عن إذنه. فقد استأذنته عائشة وحفصة كما سلف
(1)
، وقيل: إنما أردن الحفوف به والمؤانسة لا البر.
وقولها: (فيصلي الصبح ثم يدخله)، احتج به من يقول يبدأ بالاعتكاف من أول النهار. وبه قال الأوزاعي، والليث في أحد قوليه
(2)
، واختاره ابن المنذر، وذهبت الأربعة والنخعي إلى جواز دخوله قبل الغروب إذا أراد اعتكاف عشرٍ
(3)
أو شهرٍ، وتأولوا أنه في دخل المعتكف، وانقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح؛ لأن ذَلِكَ وقت ابتداء الاعتكاف، بل كان قبل المغرب معتكفًا لابثًا في المسجد، فلما صلى الصبح انفرد. وقال الداودي: يحتمل أن يكون ذَلِكَ اليوم أو يكون دخل الاعتكاف أول الليل، ولم يدخل الخباء إلا بعد ذَلِكَ. وقال أبو ثور: إن أراد اعتكاف عشرة أيام دخل قبل الفجر، وإن أراد اعتكاف عشر ليالٍ دخل قبل الغروب.
وهل يبيت ليلة الفطر في معتكفه ولا يخرج منه إلا إذا خرج لصلاة العيد فيصلي، وحينئذٍ يخرج إلى منزله، أو يجوز له أن يخرج عند الغروب من آخر يوم من شهر رمضان: قولان للعلماء:
(1)
حديث (2033).
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 50، "المغني" 4/ 490.
(3)
انظر "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 50، "المدونة" 1/ 196، "الأم" 2/ 90، "المغني" 4/ 488.
الأول: قول مالك، وأحمد وغيرهما، وسبقهم أبو قلابة وأبو مجلز، وحكاه مالك عن أهل الفضل، واختلف أصحاب مالك إذا لم يفعل هل يبطل اعتكافه أم لا؟ قولان. قال عبد الملك وابن سحنون: من دخل بعد الغروب أسقط ذَلِكَ اليوم، وقال القاضي أبو محمد: هذا على الاستحباب، وأما الواجب فهو أن يدخل في وقت يمكنه أن ينوي الصوم فيه، وهو قبل طلوع الفجر: لأن الاعتكاف لا يصح إلا بصوم، وذهب الشافعي
(1)
والليث والأوزاعي في آخرين إلى أنه يجوز خروجه ليلة القطر ولا يلزمه شيء.
وفيه: أن عائشة كانت تلزم أموره ولا تضيعها في حال القسم حيث ضربت له الخباء.
وفيه: معرفة حفصة بحق عائشة، ومنافسة زينب في الخير، وهي التي كانت تسامي عائشة.
خاتمة: حديثا الباب من رواية عمرة عن عائشة، وذكره
(2)
ابن التين من رواية عمرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: هو مرسل، وإنما أدخله لاختلاف الرواية فيه: لأنها أسندته قبل هذا
(3)
، وفي بعض روايات أبي ذر: عن عمرة، عن عائشة. قلت: ولم نقف على غيره
(4)
.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 90 - 91، "روضة الطالبين" 2/ 389، "المغني" 4/ 490.
(2)
ورد في هامش الأصل: يعني الثاني.
(3)
قال الحافظ في "الفتح" 4/ 277: وقع في أكثر الروايات: عن عمرة عن عائشة، وسقط قوله: عن عائشة، في رواية النسفي والكشميهني، وكذا هو في "الموطأت" كلها أهـ. وانظر:"اليونينية" 3/ 49.
(4)
ورد بهامش الأصل: في نسختي كما قال ابن التين عن عمرة أن رسول الله وبينها إشارة إلى الإرسال، وصرح في الهامش عن عائشة، وكتب عليه كلمة: صح.
8 - باب هَلْ يَخْرُجُ المُعْتَكِفُ لِحَوَائِجِهِ إِلَى بَابِ المَسْجِدِ
؟
2035 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ رضي الله عنهما أَنَّ صَفِيَّةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي المَسْجِدِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ المَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ". فَقَالَا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّى خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا". [2038، 2039، 3101، 3281، 6219، 7171 - مسلم: 2175 - فتح: 4/ 278]
ذكر فيه حديث صَفِيَّةَ -أم المؤمنين- أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي المَسْجِدِ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةَ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَعَهَا يَقْلِبُهَا .. الحديث.
وترجم له:
9 - باب زِيَارَةِ المَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي اعْتِكَافِهِ
2038 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ رضي الله عنهما، أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي المَسْجِدِ، وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ، فَرُحْنَ، فَقَالَ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ:"لَا تَعْجَلِى حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ". وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهَا، فَلَقِيَهُ رَجُلَانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَجَازَا، وَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"تَعَالَيَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ". قَالَا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَي الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُلْقِيَ فِي أَنْفُسِكُمَا شَيْئًا". [انظر: 2035 - مسلم: 2175 - فتح: 4/ 281]
وذكر أن بيت صفية كان في دار أسامة خارج المسجد، خرج معها، ولا خلاف في جواز خروج المعتكف فيما لا غناء به، وإنما اختلفوا في المعتكف يدخل لحاجته تحت سقف، فأجازه الزهري ومالك وأبو حنيفة، والشافعي
(1)
، وفيه قول ثانٍ بالمنع روي عن ابن عمر والنخعي وعطاء
(2)
وإسحاق. وثالث: إن دخل بيتًا غير مسجد بطل اعتكافه إلا أن يكون ممره فيه، وهو قول الثوري والحسن بن حي، وكذلك اختلفوا في استقلاله بالأمور المباحة؛ فقال مالك في "الموطأ":
(1)
"مختصر الطحاوي" ص 58، "المدونة" 1/ 202 - 203، "البيان" 3/ 586.
(2)
رواه عبد الرزاق 4/ 365 - 366 (8089 - 8090) عن عطاء.
ورواه ابن أبي شيبة 2/ 336 (9653، 9655 - 9656) عن ابن عمر وإبراهيم النخعي وكذا عكرمة.
لا يأتي المعتكف حاجته، ولا يخرج لها ولا يعين أحدًا عليها ولا يشتغل بتجارة ولا بأس أن يأمر أهله ببيع ماله، وصلاح صنعته
(1)
، وقال أبو حنيفة، والشافعي: له أن يتحدث ويبيع ويشتري في المسجد، ويتشاغل بما لا يأثم فيه، وليس عليه صمت
(2)
. وقال مالك: لا يشتري إلا ما لا غناء له عنه من طعامه إذا لم يكن من يكفيه
(3)
.
وكره مالك والليث الصعود على المنارة قالا: ولا يصعد على ظهر المسجد، وأجاز ذَلِكَ أبو حنيفة والشافعي قالا: ولو كانت المنارة خارج المسجد
(4)
. وكذلك اختلفوا في حضور مجالس العلم، فرخص في ذلك كثير من العلماء، روي ذلك عن عطاء والأوازعي والليث والشافعي، وقال مالك: لا يشتغل بمجالس العلم. وكره أن يكتب العلم
(5)
.
قال ابن المنذر: وطلب العلم أفضل الأعمال بعد أداء الفرائض؛ لانتشار الجهل ونقصان العلم، وذلك إذا أراد الله به طالبه. عمل البر لا ينافي الاعتكاف، لا يقال: مجالس العلم شاغلة له عن اعتكافه فأي شغل أهم منه، ولا يعترض بعود المريض وتباع الجنازة وهما من أعمال البر؛ لأنهما يحوجان إلى الخروج، وهذا الحديث حجة على الاشتغال بالمباح؛ فإن الشارع حادث صفية ومشى معها، وفيه
(1)
"الموطأ" ص 208 - 209.
(2)
"مختصر الطحاوي" ص 57، "روضة الطالبين" 2/ 392.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 92.
(4)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 58، "النوادر والزيادات" 2/ 94، "البيان" 3/ 587.
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 93.
ما ترجم له. -ثانيًا - وهو زيارة أهل المعتكف له في اعتكافه ومحادثته والسلام عليه، وأنه لا بأس أن يعمل في اعتكافه بعض العمل الذي ليس من الاعتكاف من تشييع قاصد، وبر زائر، وإكرام (معتقد)
(1)
، وما كان في معناه مما لا ينقطع به عن اعتكافه.
وقوله: (قامت تنقلب) أي: تنصرف إلى منزلها، يقال: قلبه يقلبه، وانقلب هو: إذا انصرف.
وقوله: (مر رجلان من الأنصار) كذا في البابين، وفي رواية سفيان بعد هذا في باب: هل يدرأ المعتكف عن نفسه. أنه كان رجلًا واحدًا
(2)
.
قال ابن التين: ولعله وهم؛ لأن أكثر الروايات أنهما اثنان، ويحتمل أن هذا كان مرتين، أو أنه عليه السلام أقبل على أحدهما بالقول بحضرة الآخر، فيصح على هذا نسبة القصة إليهما جميعًا وأفرادًا، نبه عليه القرطبي
(3)
.
وقولها: (فسلما) فيه جواز التسليم على رجل معه امرأة بخلاف ما يقوله بعض الأغبياء.
وقوله: ("على رسلكما") أي: على هينتكما. قال ابن فارس: الرسل: السير السهل
(4)
، وضبطه بالفتح وهذِه اللفظة بكسر الراء وبالفتح، قيل: بمعنى التؤدة وترك العجلة. وقيل: بالكسر التؤدة، وبالفتح: اللين والرفق. والمعنى متقارب، وفي رواية "تعاليا"
(5)
، أي: قفا ولم يرد المجيء إليه. قال تعالى: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية [آل عمران: 64]، وقال ابن التين: كذا قال الداودي أن معناه قفا هنا،
(1)
يأتي برقم (2039).
(2)
"المفهم" 5/ 506.
(3)
"مجمل اللغة" 2/ 376.
(4)
الرواية الاتية (2038).
(5)
كذا بالأصل، أو كأنها (معتقه) ووقع في "شرح ابن بطال"(مفتقر). والله أعلم بالصواب.
وأخرجه عن معناه وهو تكلما بغير دليل واضح، وقد قال ابن قتيبة: تعال تفاعل من علوت
(1)
.
قال الفراء: أصلها عال إلينا وهو من العلو، ثم إن العرب لكثرة استعمالهم إياها صارت عندهم بمنزلة هلم، حَتَّى استجازوا أن يقولوا لرجلٍ وهو فوق (شرف)
(2)
: تعالى -أي: اهبط- وإنما أصله الصعود.
وقوله: "إنما هي صفية بنت حيي" فيه: النسبة إلى الأب الكافر.
وقوله: "إني خشيت أن يقذف في قلؤبكما شيئًا" وفي رواية: "شرًّا"
(3)
، يريد بذلك شفقته على أمته وصيانة قلوبهم، فإن ظن السوء بالأنبياء عليهم السلام كفر بالإجماع.
قال الخطابي: وبلغني عن الشافعي أنه قال في معنى هذا الحديث: خاف عليهما الكفر لو ظنا به ظن التهمة، فبادر إلى إعلامهما نصيحة لهما في حق الدين
(4)
.
وقيل: فعله تعليمًا لنا لرفع الظنون، وقد يكون الأنصاريان في أول الإسلام، ولم يكن عندهما من اليقين ما يدفع به كيد الشيطان، لكن رأيت من قال: قيل: إنهما أسيد بن حضير وعباد بن بشر
(5)
صاحبا
(1)
"غريب الحديث" 3/ 743.
(2)
بهامشها: لعله (مشربة).
(3)
رواه مسلم (2175/ 24).
(4)
"أعلام الحديث" 2/ 989.
وينظر "مناقب الشافعي" 1/ 309 - 310 و 2/ 241.
(5)
كذا نقله العيني في "العمدة" 9/ 228، وجزم به زكريا الأنصاري في "المنحة" 4/ 465، وعزاه الحافظ في "هدي الساري" ص 278 لابن العطار في "شرح العمدة"، وكذا في "الفتح" 4/ 279 فقال: إلا أن ابن العطار في "شرح العمدة" زعم أنهما أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، ولم يذكر لذلك مستندًا. =
المصباحين
(1)
. ولما ذكر البزار حديث صفية هذا قال: هذِه أحاديث مناكير: لأنه عليه السلام كان أطهر وأجل من أن يرى أن أحدًا يظن به ذَلِكَ، ولا يظن به ظن السوء إلا كافر أو منافق فقيل له: لو كان حقًّا كما قلت لما احتاج إلى الاعتذار؛ لأن الكفر بالله أعظم من ذَلِكَ، وإن كان منافقًا فحاله حال الكافر، وإن كان مسلمًا قيل: هذا الظن به يخرجه من الإسلام. فهذِه الأخبار عندنا ليست ثابتة، فإن قيل: قد رواها قوم ثقات، ونقلها أهل العلم بالأخبار. قيل له: العلة التي بيناها لا خفاء بها، ويجب على كل مسلم القول بها والذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان الراوي لها ثقات فلا يعرون من الخطأ والنسيان والغلط.
وقال أبو الشيخ عند ذكره هذا الحديث وبوب له قال: إنه غير محفوظ.
وفيه: استحباب التحرز من التعرض لسوء الظن وطلب السلامة والاعتذار بالأعذار الصحيحة تعليمًا للأمة.
= وأورد الخطيب البغدادي الحديث في "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" ص 146 - 147، وكذا ابن بشكوال في "غوامض الأسماء المبهمة" 1/ 75 - 76 ولم يسميا الرجلان، فالله أعلم.
(1)
سلف برقم (465) عن أنس: أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد، حتى أتى أهله.
وهذان الرجلان هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر؛ كما سيأتي مصرحًا باسمهما في حديث (3805) وهناك بوب البخاري: باب: منقبة أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما.
ولذا سميا: صاحبا المصباحين.
وقوله: ("يبلغ وفي الرواية الأخرى: يجري
(1)
- من ابن آدم مجرى الدم") قيل: هو على ظاهره، وأن الله تعالى جعل له قوة على ذَلِكَ، وقيل: مجاز لكثرة أعوانه ووسوسته، فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دمه، وقيل: إنه يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن، فتصل الوسوسة إلى القلب. وزعم ابن خالويه في كتاب "ليس" أن الشيطان ليس له تسلط على الناصية وعلى أن يأتي العبد من فوقه. قال تعالى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} الآية [الأعراف: 17] ولم يقل: من فوقهم؛ لأن رحمة الله تنزل من فوق.
وقو": ("وكبر عليهما") أي: عظم، قاله الداودي.
وور 4: بيان ما يخشى أن يظن به.
وفيه: دلالة على أن للمعتكف الاشتغال بالمباح كما وقع له مع صفية، وقد سلف.
فرع: إذا خرج المعتكف لحاجته قنع رأسه حَتَّى يرجع، أخرجه ابن أبي عاصم من حديث أنس مرفوعًا كذلك
(2)
.
فرع:
لا يتعدى في خروجه أقرب المواضع إليه، فإن خالف ابتدأ اعتكافه، قاله مالك فيما نقله ابن العربي قال: ولا يقف لأداء شهادة إلا ماشيًا، فإن وقف ابتدأ، ولا يعزِّي أحدًا، ولا يصلي على جنازة إلا في المسجد، ولا يخيط ثوبه، إلا الشيء المفتق.
(1)
الآتية برقم (2039).
(2)
رواه من طريقه المزي في "تهذيب الكمال" 16/ 467. وانظر: "الضعيفة" (4679).
قال: وأجمع العلماء على أن من وطئ زوجته في اعتكافه عامدًا ليلًا كان أو نهارًا فسد اعتكافه
(1)
. وروي عن ابن عباس ومجاهد أنهما قالا: كانوا يجامعون وهم معتكفون حَتَّى نزلت {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} الآية [البقرة: 187]، وعن ابن عباس: كانوا إذا اعتكفوا فخرج أحدهم إلى الغائط جامع امرأته ثم اغتسل ورجع إلى اعتكافه، فنزلت الاية.
واختلفوا فيما دونه من القبلة واللمس والمباشرة، فقال مالك: من فعل شيئًا من ذَلِكَ ليلًا أو نهارًا فسد اعتكافه أنزل أو لم ينزل. وأظهر أقوال الشافعي أنه إن أنزل بطل، وإلا فلا.
فرع:
خروجه مع صفية للتشييع؛ فإن خرج بغير علة بطل اعتكافه، وقال النعمان: إن خرج ساعة بغير عذر استأنف. وقال صاحباه: يومًا أو أكثر من نصفه. وأجاز مالك إذا اشتد مرض أحد أبويه، ويبتدئ، ويخرج للاغتسال من الحلم وللجمعة وللحر، كما سلف، وفي الخروج لشراء الطعام خلاف، واختلف هل يدخل تحت سقف؟
فرع:
لو شرط في اعتكافه الخروج لعارض، صح الشرط عندنا على الأظهر خلافًا لمالك.
(1)
حكاه ابن المنذر في "الإجماع"(159).
وقال ابن حزم في "مراتب الإجماع" ص (74): واتفقوا أن الوطء يفسد الاعتكاف.
وانظر: "الاستذكار" 10/ 318 (15041)، و"الإقناع" 2/ 754 (1359).
تنبيه:
قوله: (وعنده أزواجه، فرحن، فقال لصفية: "لا تعجلي حَتَّى انصرف معك"). فيه: الأمر بما لابد للمعتكف منه. قال ابن التين: والرواح من الزوال إلى الليل. وسيأتي عن سفيان أنه كان ليلًا
(1)
، فيحمل كما قال الداودي: أن تقيم صفية بعدهن من الليل؛ لأن الرواح إنما يكون نهارًا، ويرده قوله بعد:(فتحدثت عنده ساعة) والجمع بينهما أن أزواجه رحن عقب الغروب، وأقامت هي ساعة فقامت وقد دخل الليل، إلا أن في قول سفيان: أتته ليلًا
(2)
. يمنع من هذا كله، والأحاديث أولى من قول سفيان: لأنه مرسل.
نعم البخاري روى في موضع آخر عن صفية: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفًا فأتيته أزوره ليلًا
(3)
.
وقوله: (فنظرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم أجازا) أي: مضيا عنه وخلفاه. قال ابن فارس: جزت الموضع: سرت فيه، وأجزته: خلفته وقطعته
(4)
.
(1)
برقم (3281).
(2)
حديث (2039).
(3)
الآتي برقم (3281).
(4)
"مجمل اللغة" 1/ 203.
10 - باب الاِعْتِكَافِ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَبِيحَةَ عِشْرِينَ
2036 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ هَارُونَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه قُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ لَيْلَةَ القَدْرِ؟ قَالَ: نَعَمِ، اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم العَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ -قَالَ:- فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ، -قَالَ:- فَخَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَقَالَ: "إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، فَالتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَن أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، وَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلْيَرْجِعْ". فَرَجَعَ النَّاسُ إِلَى المَسْجِدِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً -قَالَ:- فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَسَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الطِّينِ وَالمَاءِ، حَتَّى رَأَيْتُ الطِّينَ فِي أَرْنَبَتِهِ وَجَبْهَتِهِ. [انظر: 669 - مسلم: 1167 - فتح: 4/ 280]
ذكر فيه حديث أَبي سَعِيدٍ السالف وفيه: فَخَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَبِيحَةَ عِشْرِينَ .. الحديث.
والأرنبة هي المارن وهي طرف الأنف وحدُّه، وهو ما لان منه، وسلف شرحه
(1)
، وأولنا رواية خطبته صبيحة عشرين، وسلف خروج المعتكف، ويأتي أيضًا
(2)
، وذكر في باب: من خرج من اعتكافه بعد الصبح على أنفه وأرنبته
(3)
. وكرره لاختلاف اللفظ مثل: غرابيب سود.
(1)
راجع حديث (2027).
(2)
برقم (2040).
(3)
السابق.
وفيه: السجود على الأنف، وهو عندنا مستحب وفاقًا لابن القاسم وخلافًا لابن حبيب ويعيد عند ابن القاسم من يسجد على الجبهة في الوقت
(1)
.
(1)
انظر "النوادر والزيادات"(1/ 185).
11 - باب اعْتِكَافِ المُسْتَحَاضَةِ
2037 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهْىَ تُصَلِّي. [انظر: 309 - فتح: 4/ 281]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ: اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهْىَ تُصَلِّي.
هو ظاهر فيما ترجم له، وهو اعتكاف المستحاضة، وهو إجماع، وظاهره أنها دخلت بعد استحاضتها، واستنبط بعضهم كون النجاسة في المسجد للضرورة وهو ماشٍ إن كانت الاستحاضة حدثت بعد.
قال الداودي: وضع الطست تحتها لا يمكن (إلا)
(1)
في حال القيام وذكرت ذَلِكَ ليؤخذ به، والطست: مؤنثة، وسينه مهملة وتعجم أيضًا.
وفيه: اعتكاف المرأة مع زوجها إذا كان لها موضع تستتر فيه.
واختلف العلماء في المعتكفة تحيض، فقال الزهري وربيعة ومالك والأوزاعي وأبو حنيفة، والشافعي: تخرج إلى دارها، فإذا رجعت بنت
(2)
. وقال أبو قلابة: تضرب خباءها على باب المسجد إذا حاضت
(3)
.
(1)
من (م).
(2)
"النوادر والزيادات" 2/ 95، "البيان" 3/ 592، "المغني" 4/ 487.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 340 (9699).
فائدة:
هذِه المعتكفة سَوْدة، وفي "الموطأ": أن زينب بنت جحش استحيضت وكانت تحت ابن عوف
(1)
، وهو وهم، إنما كانت تحت زيد بن حارثة
(2)
، والمستحاضة أختها حمنة، وأم حبيبة لا هي، نبه على ذَلِكَ المنذري، وذكر بعضهم أن بنات جحش الثلاث اسمهن زينب وأنهن استحضن كلهن، واستبعد. وقال ابن الجوزي: ما يعلم في زوجاته مستحاضة، وكأن عائشة أرادت بقولها:(من نسائه) أي: من النساء المتعلقات به بسبب صهارة وشبهها.
قلت: هذا مردود، فقد سلف في الطهارة أنها امرأة من أزواجه
(3)
،
(1)
"الموطأ" برواية يحيى الليثي ص 62: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، أنها رأت زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلي.
وبنحوه في "الموطأ" برواية القعنبي (93) لكن فيه: كانت عند عبد الرحمن بن عوف.
وبنحوه في "الموطأ" برواية أبي مصعب الزهري 1/ 69 (173) لكن فيه: أنها رأت ابنة جحش. هكذا بإبهام اسمها.
(2)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار" 3/ 227: هكذا رواه يحيى وغيره عن مالك في "الموطأ" وهو وهم من مالك: لأنه لم تكن قط زينب بنت جحش تحت عبد الرحمن بن عوف، وإنما كانت تحت زيد بن حارثة، ثم كانت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما التي كانت تحت عبد الرحمن أم حبيبة بنت جحش.
وقال العلامة ابن القيم في "الحاشية" 1/ 188: وقع في "الموطأ": أن زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، استشكل ذلك بأنها لم تكن تحت عبد الرحمن، وإنما كانت عنده أختها أم حبيبة.
وانظر ما سيأتي برقم (4787، 742)، وما رواه مسلم (1428/ 19).
وانظر: "معرفة الصحابة" 6/ 3222 (3751)، و"الاستيعاب" 4/ 406 (3389).
(3)
سلف برقم (309 - 310). قلت: بل ذلك في رواية الباب.
وفي رواية أخرى أن بعض أمهات المؤمنين اعتكفت وهي مستحاضة
(1)
.
فرع:
يكره في المسجد الفصد والحجامة في إناء، والأصح: أنه يحرم بول فيه في إناء لقبحه؛ ولهذا يجوز الفصد مستقبل القبلة بخلاف البول. قال ابن قدامة: الكل حرام. وعن ابن عقيل: يجوز الفصد في
طست كالمستحاضة، وفرق بأن المستحاضة لا يمكنها التحرز إلا بترك الاعتكاف بخلاف الفصد
(2)
.
(1)
سلف برقم (311).
واختلف في تعيين هذِه المعتكفة على أوجه كثيرة، وكذا اختلف فيمن هي المستحاضة من بنات جحش، مع العلم بأن البعض جعلهن ثلاث: زينب وأم حبيبة وحمنة، والبعض جعلهن اثنتين: زينب وحمنة وكنيتها أم حبيبة.
فمن أراد بحث المسألة والاستزادة فيها فلينظر: "الاستذكار" 3/ 227 - 228، و"الأسماء المبهمة" ص 60 - 61، و"مسلم بشرح النووي" 4/ 24، و"حاشية ابن القيم" 1/ 188، و"شرح الكرماني" 3/ 176، و"هدي الساري" ص 256، و"الفتح" 1/ 411 - 412، 4/ 281، و"عمدة القاري" 3/ 182، 9/ 231، و"التوشيح" 1/ 407، و"منحة الباري" 1/ 631، 4/ 467.
وينظر أيضًا: "أسماء من يعرف بكنيته" للأزدي (155)، و"ثقات ابن حبان" 3/ 99، و"المعجم الكبير" 24/ 216، و"المستدرك" 4/ 61.
وانظر: "الاستيعاب" 4/ 374 (3338)، 4/ 482 (3569)، و"أسد الغابة" 7/ 69 (6850)، 7/ 314 (7400)، و"تهذيب الكمال" 35/ 157 (7821)، 35/ 336 و"الإصابة" 4/ 275 (303)، 4/ 440 (1210).
(2)
"المغني" 4/ 484.
12 - باب هَلْ يَدْرَأُ المُعْتَكِفُ عَنْ نَفْسِهِ
؟
2039 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ رضي الله عنهما أَنَّ صَفِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُخْبِرُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ أَنَّ صَفِيَّةَ رضي الله عنها أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُعْتَكِفٌ، فَلَمَّا رَجَعَتْ مَشَى مَعَهَا، فَأَبْصَرَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا أَبْصَرَهُ دَعَاهُ فَقَالَ:"تَعَالَ، هِيَ صَفِيَّةُ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: هَذِهِ صَفِيَّةُ- فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ". قُلْتُ لِسُفْيَانَ أَتَتْهُ لَيْلًا؟ قَالَ: وَهَلْ هُوَ إِلَّا لَيْلٌ؟! [انظر: 2035 - مسلم: 2175 - فتح: 4/ 282]
ذكر فيه حديث صَفِيَّةَ السالف بشرحه واضحًا
(1)
.
وفيه أيضًا: تجنب مواضع التهم وأن الإنسان إذا خشي أن يسبق إليه بظن سوء أن يكشف معنى ذَلِكَ الظن، ويبرئ نفسه من نزغات الشيطان الذي يوسوس بالشر في القلوب.
وفيه: تعليم أمته مثل ما فعل، وكما جاز أن يدرأ المعتكف عن نفسه بالقول يدرأ بالفعل من يريد أذاه، وليس المعتكف أكثر من المصلي، وقد أبيح له أن يدرأ عن نفسه في صلاته من يمر بين يديه
(2)
، فكذلك المعتكف.
(1)
راجع شرح حديث (2035).
(2)
دليل ذلك حديث أبي سعيد الخدري السالف برقم (509)، ورواه مسلم (505)، وحديث ابن عمر الذي رواه مسلم (506).
13 - باب مَنْ خَرَجَ مِنَ اعْتِكَافِهِ عِنْدَ الصُّبْحِ
2040 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ -خَالِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ-، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ: وَأَظُنُّ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَبِيدٍ حَدَّثَنَا، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه. قَالَ: اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم العَشْرَ الأَوْسَطَ، فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ نَقَلْنَا مَتَاعَنَا، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى مُعْتَكَفِهِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، وَرَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ". فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُعْتَكَفِهِ، وَهَاجَتِ السَّمَاءُ، فَمُطِرْنَا فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ لَقَدْ هَاجَتِ السَّمَاءُ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ اليَوْمِ، وَكَانَ المَسْجِدُ عَرِيشًا، فَلَقَدْ رَأَيْتُ عَلَى أَنْفِهِ وَأَرْنَبَتِهِ أَثَرَ المَاءِ وَالطِّينِ. [انظر: 669 - مسلم: 1167 - فتح: 4/ 283]
ذكر فيه حديث أَبِي سَعِيدٍ السالف، وفيه: فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ نَقَلْنَا مَتَاعَه .. إلى آخره
(1)
.
وترجم عليه بما سبق من ظاهره في خروج المعتكف صبيحة عشرين، وبين لك أن المراد إنما هو بالمتاع لا بالبدن، فإذا غربت فهو وقت الخروج، فأخبر الله تعالى نبيه أن الذي تطلبه أمامك، فقال:"من اعتكف معي" إلى آخره
(2)
.
ومعنى (هاجت) أي: بالسحاب، قاله الداودي.
وقوله: (من آخر ذَلِكَ اليوم) يعني: يوم عشرين وقد تهيج نهارًا ثم لا تمطر إلى الليل.
(1)
سلف برقم (2027، 2036) وطرفه الأول (669).
(2)
بهذا اللفظ سلف برقم (2018، 2027).
14 - باب الاِعْتِكَافِ فِي شَوَّالٍ
2041 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، وَإِذَا صَلَّى الغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ. قَالَ: فَأسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ تَعْتَكِفَ، فَأَذِنَ لَهَا فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً، فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ، فَضَرَبَتْ قُبَّةً، وَسَمِعَتْ زَيْنَبُ بِهَا، فَضَرَبَتْ قُبَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الغَدِ أَبْصَرَ أَرْبَعَ قِبَابٍ، فَقَالَ:"مَا هَذَا؟ ". فَأُخْبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقَالَ:"مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا آلْبِرُّ؟! انْزِعُوهَا فَلَا أَرَاهَا". فَنُزِعَتْ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ العَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ. [انظر: 2033 - مسلم: 1173 - فتح: 4/ 283]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم يعْتَكِفُ فِي كُل رَمَضَان، وَإِذَا صَلَّى الغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ .. الحديث. وفي آخره: فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ العَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ.
وقد سلف ذَلِكَ
(1)
، والاعتكاف في شوال وسائر السنة مباح لمن أراده، وهو يوهم أنه كان يدخل بعد صلاة الغداة وليس كذلك، بل كان يدخل الخباء فإذا صلى المغرب دخل معتكفه، واتفق الأربعة أن المعتكف إذا نذر اعتكاف شهر أنه لا يدخل إلا عند الغروب، وهو قول النخعي.
وقال الأوزاعي بظاهر الحديث: يصلي الصبح، ثم يقوم إلى معتكفه، وما أسلفناه يرده، واختلفوا إذا نذر يومًا أو أيامًا، فقال مالك: يدخل قبل غروب ليلة ذَلِكَ اليوم. وقال الشافعي: إذا أراد
(1)
برقم (2033).
اعتكاف يوم دخل قبل طلوع فجره وخرج بعد غروب شمسه. خلاف قوله في الشهر.
وقال أبو ثور: إذا أراد أن يعتكف عشرة أيام دخل في اعتكافه قبل طلوع الفجر، وإذا أراد اعتكاف عشر ليالٍ دخل قبل الغروب.
وقال الليث وزفر وأبو يوسف: يدخل قبل طلوع الفجر. واليوم والشهر عندهم سواء.
ذهب هؤلاء إلى أن الليل لا يدخل في الاعتكاف إلا أن يتقدمه اعتكاف النهار، وليس الليل بموضع للاعتكاف، فلا يصح الابتداء به.
وذهب الأولون إلى أن النهار تبع لليل على كل حال: فلذلك بدءوا بالليل، وهذا هو الصحيح في هذِه المسألة: لأن المعروف عند جميع الأمة تقديم الأول للنهار، بكون الأهلة مواقيت للناس في الشهور، والعدد وغير ذَلِكَ، وأول الشهر ليله، فكذلك كل عدد من الأيام وإن قل فإن أوله ليله، ولا حجة لمن خالف هذا.
15 - باب مَنْ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ إِذَا اعْتَكَفَ صَوْمًا
2042 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَوْفِ نَذْرَكَ". فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً. [انظر: 3033 - مسلم: 1656 - فتح: 4/ 284]
سلف
(1)
، وكذا الباب بعده
(2)
، واحتج به من أجاز الاعتكاف بغير صوم كما سلف، وقد سلف الخلف فيه واضحًا، واحتج مالك في "الموطأ" بقول القاسم ونافع قالا: لا اعتكاف إلا بصوم؛ لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} الآية [البقرة: 187]، إلى قوله:{فِي المَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، فإنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام
(3)
.
قال مالك: وعلى ذَلِكَ الأمر عندنا احتج من لم يوجبه بأنه لو كان كذلك لم يكن لنهيه تعالى عن المباشرة من أجل الاعتكاف معنى، وأجيب بأن الله تعالى لما ذكر الوطء في أول الآية وعلق حظره بالصوم في النهار عطف عليه حكم الاعتكاف، وذكر حظر الوطء معه: لأنه قد يصح في وقت لا يصح فيه الصوم وهو زمن الليل، ولو وطئ ليلًا فسد اعتكافه. هذا فائدة ذكره للوطء بعد تقدم ذكره، وأما احتجاجهم بحديث عمر فيجوز أن يراد بالليلة مع يومها كما سلف هناك.
(1)
برقم (2032).
(2)
برقم (2043).
(3)
"الموطأ" كتاب: الصيام، باب: صيام المعتكف وخروجه إلى العيد من المصلى.
16 - [باب إِذَا نَذَرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ ثُمَّ أَسْلَمَ
2043 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه نَذَرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ- قَالَ: أُرَاهُ قَالَ: لَيْلَةً. قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ"]
(1)
. [انظر: 2032 - مسلم: 1656 - فتح: 4/ 284]
(1)
ليس بالأصل والمثبت من "اليونينية" 4/ 51.
17 - باب الاِعْتِكَافِ فِي العَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ
2044 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا. [4998 - فتح: 4/ 284]
ذكر فيه حديث أَبِي حَصِينٍ عثمان بن عاصم بن حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ.
وهو من أفراده، يحتمل أن يكون عليه السلام إنما ضاعف اعتكافه في العام الذي قبض من أجل أنه علم بانقضاء أجله، فأراد استكثار عمل الخير، ليسن لأمته الاجتهاد في العمل إذا بلغوا أقصى العمر: ليلقوا الله على خير أحوالهم، وقد روى ابن المنذر حديثًا دل على غير هذا المعنى ساقه من حديث ثابت، عن أبي رافع، عن أبي بن كعب: أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فسافر عامًا فلم يعتكف، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين ليلة
(1)
.
وقوله: (كان يعتكف في كل رمضان) فيه: دلالة على أن الاعتكاف من السنن المؤكدة مما واظب عليه الشارع، فينبغي للمؤمن الاقتداء في
(1)
رواه أبو داود (2463)، وابن ماجه (1770)، وعبد الله بن أحمد في "زوائد
المسند" 5/ 141، والنسائي في "الكبرى" 2/ 270 (3389)، وابن خزيمة 3/ 346 (2225)، وابن حبان 8/ 422 (3663)، والحاكم 1/ 439، والبيهقي 4/ 3147، والضياء في "المختارة" 4/ 45 - 47 (1271 - 1277).
والحديث صححه الحاكم، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2126): إسناده صحيح على شرط مسلم.
ذَلِكَ به، وذكر ابن المنذر، عن ابن شهاب أنه كان يقول: عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتركه منذ دخل المدينة كل عام في العشر الأواخر حَتَّى قبضه الله.
وروى ابن نافع، عن مالك قال: ما زلت أفكر في ترك الصحابة الاعتكاف، وقد اعتكف عليه السلام حَتَّى قبضه الله تعالى، وهم أتبع الناس لآثاره حَتَّى أجد بنفسي أنه كالوصال المنهي عنه، وأراهم إنما تركوه لشدته، وأن ليله ونهاره سواء. قال: ولم يبلغني أن أحدًا من السلف اعتكف إلا أبو بكر بن عبد الرحمن واسمه المغيرة
(1)
وابن أخي أبي جهل وهو أحد فقهاء تابعي المدينة.
وقال ابن المنذر: روينا عن عطاء الخراساني أنه كان يقال: مثل المعتكف كمثل عبد ألقى نفسه بين يدي ربه، ثم قال: ربي لا أبرح حَتَّى تغفر لي، ربي لا أبرح حَتَى ترحمني
(2)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: قال النووي في "التهذيب": قيل: اسمه محمد وكنيته أبو بكر. وقيل: اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن، والصحيح أن اسمه كنيته، ولم يذكره المصنف والثاني بصيغة: يقال.
(2)
رواه ابن عدي في "الكامل" 7/ 69، ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 426 (3970) عن عبد الله بن المبارك، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه قال: إن مثل المعتكف مثل المحرم ألقى نفسه بين يدي الرحمن تعالى فقال: والله لا أبرح حتى ترحمني.
18 - باب مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَخْرُجَ
2045 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ، فَأَذِنَ لَهَا، وَسَأَلَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَسْتَأْذِنَ لَهَا فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ أَمَرَتْ بِبِنَاءٍ، فَبُنِيَ لَهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى انْصَرَفَ إِلَى بِنَائِهِ، فَبَصُرَ بِالأَبْنِيَةِ فَقَالَ:"مَا هَذَا؟ ". قَالُوا: بِنَاءُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "آلْبِرَّ أَرَدْنَ بِهَذَا؟! مَا أَنَا بِمُعْتَكِفٍ". فَرَجَعَ، فَلَمَّا أَفْطَرَ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ. [انظر: 2033 - مسلم: 1173 - فتح: 4/ 285]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ. وفي آخره: "آلْبِرَّ أَرَدْنَ بهذا؟! ".
وقد سلف
(1)
، يحتمل أن يكون عليه السلام شرع في الاعتكاف؛ فلذلك قضاه لقول عائشة: إنه كان إذا صلى انصرف إلى بنائه. فإن كان هكذا يكون قضاؤه واجبًا، وأهل العلم متفقون أنه لا يجب قضاؤه إلا من نواه وشرع في عمله ثم قطعه لعذر على مذهب من يراه، ويحتمل أن يكون أنه لم يشرع فيه، وإنما كان انصرافه إلى بنائه بعد صلاة الصبح؛ تطلعًا لأموره والنظر في إصلاحها، ومن كان هكذا فله أن يرجع عن إمضاء نيته لأمر يراه، وقد قال العلماء: من نوى اعتكافًا فله تركه قبل أن يدخل فيه، وعلى هذا الوجه تأوله البخاري وترجم عليه، فقضاؤه له تطوع.
وفيه: أن من نوى شيئًا من الطاعات ولم يعمل به أن له أن يتركه، إن شاء مطلقًا وإن شاء إلى وقت آخر، واعتكافه عليه السلام وإن كان تطوعًا فغير
(1)
برقم (2033).
كثير أن يكون قضاؤه في شوال؛ من أجل أنه كان يرى أن يعمله وإن لم يدخل: لأنه كان أوفى الناس بما عاهد عليه. ذكر سنيد، حَدَّثَنَا معتمر بن سليمان، عن كهمس، عن معبد بن ثابت في قوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} الاية [التوبة: 75]، إنما هو شيء نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به، ألم تسمع إلى قوله تعالى:{أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} الاية [التوبة: 78]
(1)
؟
وفي قوله: ("آلبر يردن؟ ") أن من علم منه الرياء في شيء من الطاعات فلا بأس بالقطع عليه فيه ومنعه منه، ألا ترى قوله:"البر" يعني: إنهن إنما أردن الحظوة والمنزلة منه: فلذلك قطع عليهن ما أردنه وأخر ما أراده لنفسه.
وفيه: أن للرجل منع زوجته وأمته وعبده من الاعتكاف ابتداءً، كما منع نساءه اللاتي ضربن الأبنية، وهو قول مالك والكوفيين والشافعي، واختلفوا عند الإذن فقال مالك: لا يمنعهم. وقال الكوفيون: لا يمنع زوجته إذا أذن لها ويمنع عبده إن أذن له. وقال الشافعي: له منعهما جميعًا
(2)
، وقال ابن شعبان كقول الشافعي ما لم يدخلا فيه، والحديث دال له؛ لأنه عليه السلام كان أذن لعائشة وحفصة في الاعتكاف، ثم منعهما منه حين رأى ذَلِكَ.
وفيه: أيضًا أنه قد يستر على الضرائر تفضيل بعضهن على بعض و [لو]
(3)
بترك طاعة لله تستدرك بعد حين.
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 429 (17017).
(2)
"مختصر اختلاف العلماء" 2/ 55، "المدونة" 1/ 200، "البيان" 3/ 572 - 573.
(3)
في الأصل: (لم) والمثبت من "شرح ابن بطال".
19 - باب المُعْتَكِفِ يُدْخِلُ رَأْسَهُ البَيْتَ لِلْغَسْلِ
2046 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حَائِضٌ وَهْوَ مُعْتَكِفٌ فِي المَسْجِدِ وَهْيَ فِي حُجْرَتِهَا، يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ. [انظر: 295 - مسلم: 297 - فتح: 4/ 286]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ ترجيلها رسول اللهُ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حَائِضٌ يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ.
وقد أخرجه مسلم أيضًا
(1)
وسلف في الباب
(2)
.
(1)
مسلم (297).
(2)
برقم (2028) وفي مواضع أخر.
وورد بالهامش: آخر 3 من 7 من تجزئة المصنف.