الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
34 - كتاب البيوع
وَقَوْلِ اللهِ تبارك وتعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وَقَوْلِهِ:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} [البقرة: 282]
1 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} إلى قوله: {وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 10 - 11](1) وَقَوْلِهِ تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}
[النساء: 39]
2047 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَقُولُونَ: مَا بَالُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بِالأَسْوَاقِ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ:"إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ". فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ، حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ مِنْ شَىْءٍ. [انظر: 118 - مسلم: 2492 - فتح: 4/ 287]
2048 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالًا، فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي، وَانْظُرْ أَى زَوْجَتَىَّ هَوِيتَ؟ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا، فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا.
قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَا حَاجَةَ لِى فِي ذَلِكَ، هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعَ. قَالَ: فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ. قَالَ: ثُمَّ تَابَعَ الغُدُوَّ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"تَزَوَّجْتَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "وَمَنْ". قَالَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: "كَمْ سُقْتَ؟ ". قَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ -فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". [3780 - فتح: 4/ 288]
2049 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ المَدِينَةَ، فَآخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ، وَأُزَوِّجُكَ. قَالَ بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ. فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمْنًا، فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلِهِ، فَمَكَثْنَا يَسِيرًا -أَوْ مَا شَاءَ اللهُ- فَجَاءَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَهْيَمْ؟ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: "مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟ ". قَالَ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ -أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ- قَالَ: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". [2293، 3781، 3937، 5072، 5148، 5153، 5155، 5167، 6082، 6386 - مسلم: 1427، فتح: 4/ 288]
2050 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمِجَنَّةُ وَذُو المَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلَامُ فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ فَنَزَلَتْ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ، قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ. [انظر: 1770 - فتح: 4/ 288]
ذكر فيه حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَقُولُونَ: مَا بَالُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصارِ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ
يَشْغَلُهُمْ السَفْقٌ بِالأَسْوَاقِ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ:"إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّىِ أَقْضِيَ مَقَالَتِي هذِه، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ". فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ، حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ مِنْ شَئ.
وقد سلف في باب: حفظ العلم
(1)
.
وذكر حديث إبراهيم بن سعد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالًا، فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي .. الحديث. فغدا إلى سوق قينقاع فأتى بسمْنٍ وأقِطٍ.
ثم ساقه بكماله.
وذكر بعده حديث حميد، عن أنس بنحوه.
وحديث ابن عباس: قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمِجَنَّةُ وَذُو المَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلَامُ فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ فَنَزَلَتْ:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ، قَرَأَهَا ابن عَبَّاسٍ.
وقد سلف هذا في الحج
(2)
.
(1)
برقم (118) كتاب: العلم.
(2)
برقم (1770) باب: التجارة أيام الموسم.
الشرح: لما فرغ البخاري رحمه الله من بيان العبادات المقصود بها التحصيل الأخروي شرع في بيان المعاملات المقصود بها التحصيل الدنيوي، فقدم العبادات لاهتمامها، ثم ثنى بالمعاملات؛ لأنها ضرورية، وأخَّر النكاح؛ لأن شهوته متأخرة عن الأكل ونحوه، وأخَّر الجنايات والمخاصمات؛ لأن وقوع ذَلِكَ في الغالب إنما هو بعد الفراغ من شهوة الفرج والبطن. وأغرب ابن بطال فذكر هنا الجهاد
(1)
، وأخَّر البيوع إلى أن فرغ من الأيمان والنذور
(2)
، ولا أدري لم فعل ذَلِكَ، وقد أسلفنا أنه قدم الصوم عَلَى الحج أيضًا
(3)
، وجمع البيوع باعتبار أنواعه، وغيره أفرده تبركًا بلفظ القران، وهو في اللغة: مقابلة شيء بشيء ويسمى شراءً أيضًا، قَال تعالى:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] ويسمى كل واحد من المتبايعين بائعًا ومشتريًا. وسيأتي حديث "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا"
(4)
.
وقول" إبراهيم في باب: لا يشترِ حاضر لباد
(5)
: فيه عن العرب، وهو في الشرع: مقابلة مال بمال ونحوه، وبعته وأبعته بمعنى، وكذا باع وأباع، قيل: سمي بيعًا؛ لأن البائع يمد باعه إلى المشتري حالة العقد
(1)
"شرح ابن بطال" 5/ 5.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 189.
(3)
وقع شرح كتاب الصوم في "شرح ابن بطال" في 4/ 5، وبعده كتاب الحج 4/ 185.
وانظر: "عمدة القاري" 9/ 237 ففيه توجيه لصنيع ابن بطال.
(4)
سيأتي برقم (2110) باب: البيعان بالخيار، ورواه مسلم (1532) كتاب: البيوع، باب: الصدقة في البيع والبيان، من حديث حكيم بن حزام.
ويأتي أيضًا برقم (1211)، ورواه مسلم (1531) باب: ثبوت خيار المجلس للمتبايعين من حديث ابن عمر.
(5)
يأتي قبل حديث (2160).
غالبًا، وغلط قائله؛ لأن المصادر غير مشتقة، ولأن البيع من ذوات الياء، والباع من ذوات الواو.
ثم استفتحه بقوله تعالى؛ {وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ} [البقرة؛ 275] ولم يذكر الواو فيما رأيناه من أصوله، وأصح أقوال الشافعي؛ أنها عامة مخصوصة؛ وهو بناء عَلَى أن المفرد المعرف بـ (ال) يعم، وهو ما عليه الأكثرون.
وبقوله؛ {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} [البقرة؛ 282] أي؛ متجر فيه حاضر من العروض وغيرها مما يتقابض، وهو معنى {تُدِيُرونَهَا بَينَكُم} وذلك أن ما يخاف من الفساد والتأجيل يؤمن في البيع يدًا بيد، وذلك قوله:{فَلَيسَ عَلَيكم جُنَاحُ أَلَّا تَكتُبُوهَا} [البقرة؛ 282].
والاية الثالثة: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: 10] إلى آخر السورة، هي مدنية بإجماع.
وقوله: {فَانْتَشِرُوا} ؛ جماعة أهل العلم عَلَى أنه إباحة بعد حظر، وقيل: هو أمر عَلَى بابه. وقال الداودي: هو على الإباحة لمن له كفاف أو لا يطيق التكسب، وفرضٌ عَلَى من لا شيء له ويطيق التكسب. وقال غيره: من يعطف عليه بسؤال أو غيره ليس طلب الكفاف عليه بفريضة.
{وَابتَغُواْ مِن فَضلِ اللهِ} أي: اطلبوا، وفي الحديث:"ليس لطلب الدنيا ولكن من عيادةٍ، وحضور جنازة، وزيارة أخ في الله"
(1)
، أو البيع والشراء، أو العمل يوم السبت.
(1)
رواه الطبري 12/ 97 (34133) عن أنس.
{وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} أي: عَلَى كل حال، و (لعل) من الله واجب.
والفلاح: الفوز والبقاء. واللهو: الطبل.
هو دحية الكلبي وافى بتجارته
(1)
، وقيل: كانوا في مجاعة وكان الطعام إذا جاءوا به ضرب الطبل، وقيل: الغناء. وقيل: اللعب.
{انفَضُّواْ إِلَيها} [الجمعة: 11] في الكلام حذف: إن كان لهوًا انفضوا إليه، أو تجارة إليها، كقولك: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ، والرأي مختلف، وأعاد الضمير عَلَى التجارة؛ لأنها المقصود لا اللهو.
{وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]، أي: في خطبتك ومعه اثنا عشر رجلًا
(2)
، منهم: أبو بكر، وعمر
(3)
، أو ثمانية
(4)
.
قال الحسن: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تبع آخرهم أولهم اضطرم الوادي نارًا عليهم"
(5)
.
{قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ} [الجمعة: 11] أي: ما عنده من الثواب والأجر خير من ذَلِكَ لمن جلس واستمع الخطبة.
{وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 11] فارغبوا إليه في سعتها.
واستفتحه أيضا بقوله تعالى: ({إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ})[النساء: 29] أي: فليست من الباطل؛ لأنه بحق، والباطل
(1)
راجع تفصيل هذِه المسألة في شرح حديث (936).
(2)
سلف برقم (936) ويأتي برقم (2058، 2064، 4899)، ورواه مسلم (863/ 36 - 37).
(3)
رواه مسلم (863/ 38).
(4)
ذكر ذلك الفراء في "معاني القرآن" 3/ 157، ونقله البغوي في "معالم التنزيل" 8/ 124 عن ابن عباس من رواية الكلبي.
(5)
تقدم تخريجه في شرح حديث (936) فليراجع.
بغير حق، وكذا ما كان من هبة أو صدقة ونحوهما، وهذا استثناء منقطع بالإجماع، أي: لكن لكم أكلها تجارة عن تراض منكم، وخص الأكل بالنهي؛ تنبيهًا عَلَى غيره؛ لكونه معظم المقصود من المال، كما قَالَ:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} [النساء: 10] و {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} [البقرة: 275]. وقام الإجماع عَلَى أن التصرف في المال بالحرام باطل حرام، سواء كان أكلًا أو بيعًا أو هبة أو غير ذلك.
والباطل: اسم جامع لكل ما لا يحل في الشرع كالزنا
(1)
، والغصب والسرقة، والجناية، وكل محرم ورد الشرع به.
وفي {تِجَارَةً} قراءتان: الرفع عَلَى أن تكون تامة، والنصب عَلَى تقدير: إلا أن يكون المأكول تجارة، أو إلا أن تكون الأموال أموال تجارةٍ فحذف المضاف
(2)
.
قَالَ الواحدي: الأجود الرفع: لأنه أدل عَلَى انقطاع الاستثناء؛ ولأنه لا يحتاج إلى إضمار.
و {عَن تَرَاضٍ مِنكُم} [النساء: 29] يرضى كل واحد منهما بما في يده، قَالَ أكثر المفسرين: هو أن يخير كل واحد من البائعين صاحبه بعد عقد البيع عن تراضٍ، والخيار بعد الصفقة.
ثم الآيات التي ذكرها الإمام البخاري ظاهرة في إباحة التجارة، إلا قوله:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} فإنها عتب عليها، وهي أدخل في النهي منها في الإباحة لها، لكن مفهوم النهي عن تركه قائمًا اهتمامًا أنها
(1)
في (م): (كالربا).
(2)
انظر: "الحجة للقراء السبعة" 2/ 151 - 152، و"الكشف عن وجوه القراءات السبع" 1/ 386.
تشعر أنها لو خلت من المعارض الراجح لم تدخل في العتب، بل كانت حينئذٍ مباحة، وفي "صحيح الحاكم" من حديث عمرو بن تغلب مرفوعًا:"إن من أشراط الساعة أن تظهر الفتن وتفشوَ التجارة" ثم قَالَ: صحيح عَلَى شرط الشيخين
(1)
.
وفيه: -عَلَى شرطهما- من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "إياكم وهيشات الأسواق"
(2)
وكأن النهي محمول عَلَى أن يجعلها ديدنه فيشتغل بها عن المهمات.
إذا تقرر ذَلِكَ كله: فقد أباح الله تعالى التجارة في كتابه وأمر بالابتغاء من فضله، وكان أفاضل الصحابة يتجرون ويحترفون طلب المعاش، وقد نهى العلماء والحكماء عن أن يكون الرجل لا حرفة له ولا صناعة؛ خشية أن يحتاج إلى الناس فيذل لهم، وقد روي عن لقمان أنه قَالَ لابنه: يا بني خذ من الدنيا بلاغك، وأنفق من كسبك لآخرتك، ولا ترفض الدنيا كل الرفض فتكون عيالًا، وعلى أعناق الرجال كلالًا.
(1)
"المستدرك" 2/ 7.
ورواه أيضًا النسائي 7/ 244، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 284 (1664)، والخطابي في "غريب الحديث" 1/ 405.
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وإسناده على شرطهما صحيح، إلا أن عمرو بن تغلب ليس له راو غير الحسن.
وانظر: "الصحيحة"(2767).
(2)
قلت: رواه مسلم (432/ 123) كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف ..
ورواه الحاكم- كما ذكر المصنف 2/ 8 قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجه البخاري.
ففي كلام الحاكم إشارة إلى أن مسلم قد أخرج الحديث، والله أعلم.
وروي عن حماد بن زيد أنه قَالَ: كنت عند الأوزاعي فحدثه شيخ كان عنده أن عيسى صلى الله عليه وسلم قَالَ: إن الله يحب العبد يتعلم المهنة يستغني بها عن الناس، وإن الله تعالى يبغض العبد يتعلم العلم يتخذه مهنة.
وقال أبو قلابة لأيوب السختياني: يا أيوب الزم السوق فإن الغنى من العافية. وقد أسلفنا قريبًا ما يخالف ذَلِكَ وتأويله.
إذا علمت ذَلِكَ:
فالحديث الأول: فيه ابن المسيَّب بفتح الياء، وكسرها. قَالَ علي بن المديني: أهل المدينة عَلَى الثاني، وأهل الكوفة عَلَى الأول
(1)
. ويشغلهم: بفتح الياء. والسفق بالسين، كذا وقع في بعض روايات أبي الحسن، وفي بعضها ورواية أبي ذر بالصاد
(2)
، قَالَ الخليل: كل صاد قبل القاف، وكل سين تجيء بعد القاف فللعرب فيها لغتان: سين وصاد، لا يبالون اتصلت أو انفصلت بعد أن يكونا في كلمة، إلا أن الصاد في بعض أحسن، والسين في بعض أحسن
(3)
، وموضع التبويب قوله:(سفق بالأسواق)، وأراد بالصفق: صفق الأكف عند البيع، كانوا إذا تبايعوا تصافقوا بالأكف علامة عَلَى انبرام البيع، وذلك لأن الأملاك إنما تضاف إلى الأيدي والقبض بها يقع، فإذا تصافقت الأكف استقرت كل يد منها عَلَى ما اشترت.
وقوله: (وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا) فيه: ذكر ما كانوا عليه من المسكنة عَلَى غير الشكوى.
(1)
تقدم ضبط اسمه والتعريف به في شرح حديث (26) فلينظر.
(2)
انظر: "الفتح" 4/ 289.
(3)
"العين" 1/ 129.
وفيه: ذكر لزومه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ). قَالَ الداودي: إنما أصلحوها؛ للنهي عن إضاعة المال، وشغل: ثلاثي.
قَالَ ابن فارس: لا يكادون يقولون: أشغل وهو غير جائز
(1)
.
وقوله: (أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ) أي: أحفظ.
وقوله: (فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ) قَالَ ثعلب: النمرة: ثوب مخطط تلبسه العجوز. وقال ابن فارس: هي كساء ملون
(2)
. وقال القتبي: هي بردة تلبسها الإماء، وجمعها نمرات ونمار.
قَالَ الهروي: هو إزار من صوف، وقال القزاز: هي دراعة تلبس أو تجعل عَلَى الرأس، فيها سواد وبياض. وجزم ابن بطال بأنه: ثوب مخمل من وبرٍ أو صوف
(3)
.
وقوله: (فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ النبي صلى الله عليه وسلم تِلْكَ مِنْ شَئ)، يريد ما بعد ذَلِكَ.
وفيه: جواز نسيانه لما قبله.
وفي الحديث الثاني: مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه.
وفيه: مواساة النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار، وقد مدحهم الله تعالى في كتابه فقال:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وكان هذا القول قبل أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار أن يكفوا المهاجرين العمل، ويعطوهم نصف الثمرة
(4)
.
(1)
"مجمل اللغة" 2/ 506.
(2)
"مجمل اللغة" 4/ 885
(3)
"شرح ابن بطال" 3/ 334.
(4)
انظر ما سيأتي برقم (2325).
وفيه: تعفف عبد الرحمن عن أخذ ما يجوز، وكان مجيدًا في التجارة، قيل: كان يشتري الجمال فيبيعها ويربح أرسانها، ومات عن مال جسيم.
وقينقاع -مثلث النون أعني: بضم النون وفتحها وكسرها- قَالَ ابن التين: ضبط في أكثر نسخ أبي الحسن بكسر النون، وكذا سمعته، وفي بعضها بضمها، ولم يذكر الفتح، وهو: شعب من يهود المدينة أضيفت إليهم السوق، وينصرف عَلَى إرادة الحي ولا ينصرف عَلَى إرادة القبيلة، وهم أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بين بدر وأحد، فحاصرهم حَتَّى نزلوا عَلَى حكمه
(1)
.
وأثر الصفرة المذكورة هو الوضر -بالضاد والراء- في الرواية الأخرى
(2)
، وهو التلطخ بخلوق أو طيب له لون.
قَالَ أبو عبد الملك: كانت الأنصار إذا دخل الزوج بزوجته كسته ثوبًا مصبوغًا بصفرة يعرف بأنه عروس. وقال الداودي: فيه ما يصيب العروس من خلوق الزوجة. قلت: وهذا هو الظاهر
(3)
.
وفيه: سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عن أحوالهم وكم مقدار صداقهم.
وقوله: (زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ). النواة: خمسة دراهم قاله لوين وغيره، وقيل: إنه وهم. قَالَ أبو عبيد: كان بعض الناس يقول
(1)
انظر ما سيأتي برقم (4028)، ورواه مسلم (1766).
وانظر الخبر في: "تاريخ الإسلام" 2/ 145 - 148 و"البداية والنهاية" 4/ 376 - 377.
(2)
حديث (2049).
(3)
ورد في هامش (م) ما نصه: وصححه النووي.
لم يكن ثم ذهب، وإنما هي خمسة دراهم تسمى نواة كما سميت الأربعون أوقية والعشرون نشًّا
(1)
. وقال الأزهري: لفظ الحديث يدل عَلَى أنه تزوجها عَلَى ذهب قيمته خمسة دراهم، ألا تراه قَالَ: نواة من ذهب، ولست أدري لم أنكره أبو عبيد
(2)
؟ وقال أبو عبد الملك: زنة نواة من ذهب، مثل ثمن دينار أو سدس دينار، وعوضه خمسة دراهم من الفضة وقال الخطابي: هي زنة خمسة دراهم ذهبًا كان أو فضة
(3)
، وعن أحمد: زنة ثلاثة دراهم، زاد الترمذي عنه: وثلث
(4)
. وقيل: وزن نواة التمر من ذهب. وقيل: ربع دينار.
وقوله: ("أَوْلمْ وَلَوْ بِشَاهٍ") أخذ بظاهره الشافعي في أحد قوليه وأحمد وقالا: الوليمة واجبة، وبه قَالَ داود. وقال مالك والشافعي في أظهر قوليه: إنها مستحبة وحملاه عَلَى الاستحباب. ووقتها بعد الدخول، وقيل: عند العقد. وعن ابن حبيب
(5)
: الاستحباب فيهما
(6)
. وظاهر الحديث بعد الدخول.
قَالَ أبو عبد الملك: والمعروف أنها عنده، ولعله إذ ذاك لما فاته كالقضاء. وقال ابن الجلاب: الوليمة تكون عند الدخول
(7)
.
(1)
"غريب الحديث" 1/ 310.
(2)
"تهذيب اللغة" 4/ 3683. مادة: نوى.
(3)
"أعلام الحديث" 2/ 995.
(4)
"سنن الترمذي" 3/ 394.
(5)
ورد في الهامش: عمر بن حبيب ولاه الرشيد قضاء البصرة ثم قضاء الشرقية ببغداد.
(6)
انظر هذِه المسألة في: "المنتقى" 3/ 348، "البيان" 9/ 481، "المغني" 10/ 192، و"المحلى" 9/ 450.
(7)
ورد في الهامش: كما في وليمة صفية رضي الله عنها.
وفيه: أن العيش بالتجارة والصناعات أولى بنزاهة الأخلاق من العيش بالصدقات والهبات.
ثم اعلم أن هذا الحديث رواه البخاري هنا عن عبد العزيز، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده: قَالَ عبد الرحمن: لما قدمنا المدينة. وذكره في فضائل الأنصار عن إسماعيل بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده قَالَ: لما قدموا المدينة
(1)
. (وظاهره)
(2)
الإرسال؛ لأنه إن كان الضمير في جده يعود إلى إبراهيم ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن
(3)
، فيكون الجد فيه إبراهيم بن عبد الرحمن، وإبراهيم لم يشهد أمر المؤاخاة؛ لأنه توفي بعد التسعين قطعًا عن خمس وسبعين سنة. وقيل: إنه ولد في حياته، ولا تصح له رواية عنه. وأمر المؤاخاة كان حين الهجرة
(4)
، وإن عاد إلى جد
(1)
سيأتي برقم (3780) باب: إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار.
(2)
ورد في الأصل أسفلها: ظاهر الطريق الثانية.
(3)
تقدمت ترجمته في شرح حديث (23)، وتقدمت ترجمة أبيه سعد بن إبراهيم في شرح حديث (182).
(4)
نقل ابن سعد في "طبقاته" 5/ 56 عن الواقدي قال: توفي إبراهيم بن عبد الرحمن سنة ست وسبعين، وهو ابن خمس وسبعين سنة! وقال المزي في "تهذيب الكمال" 2/ 135: توفي سنة ست، وقيل: سنة خمس وتسعين، وهو ابن خمس وسبعين.
وقال الذهبي في "الكاشف"(165): توفي 96. وكذا قال في "السير" 4/ 292 وزاد: عن سن عالية، ويحتمل أنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الحافظ في "التهذيب" 1/ 74 متعقبًا المزي في تقدير سنه بـ (75) سنة: في هذا التقدير في سنه نظر، فإن جماعة من الأئمة ذكروه في الصحابة، منهم أبو نعيم وابن إسحاق وابن منده. انظر:"معرفة الصحابة" 1/ 212 (76)، و"الاستيعاب" 1/ 158 (2)، و"أسد الغابة" 1/ 53 (13)، و"الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة" 1/ 42 (2)، و"الإصابة"1/ 95 (404).
وقال الحافظ في "التقريب"(206) قيل: له رؤية.
سعد بن إبراهيم، فيكون عَلَى هذا سعد روى عن جده عبد الرحمن بن عوف، وهذا لا يصح؛ لأن عبد الرحمن توفي سنة اثنتين وثلاثين، ومات سعد سنة ست وعشرين ومائة
(1)
عن ثلاث وسبعين سنة
(2)
، ولكن الحديث المذكور هنا متصل؛ لأن إبراهيم قَالَ فيه: قَالَ عبد الرحمن ابن عوف.
يوضح ذَلِكَ رواية أبي نعيم لما قَالَ عن جده، عن عبد الرحمن بن عوف قَالَ: لما قدمنا المدينة .. الحديث
(3)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: في "الكاشف" سنة 25 مجزوم به وفي "الوفيات" له: سنة 27.
(2)
لا خلاف أن عبد الرحمن بن عوف توفي سنة اثنتين وثلاثين، كما ذكر المصنف، أو إحدى وثلاثين.
وانظر ترجمته في: "الاستيعاب" 2/ 386 (1455)، و"أسد الغابة" 3/ 480 (3364)، و"تهذيب الكمال" 17/ 324 (3923)، و"سير أعلام النبلاء" 1/ 68 (4)، و"الإصابة" 2/ 416 (5179).
وأما سعد بن إبراهيم فاختلف في وفاته اختلافًا يسيرًا، فقال المزي: قال ابنه إبراهيم بن سعد وغير واحد: مات سنة خمس وعشرين ومائة، وقال يعقوب بن إبراهيم: مات سنة ست وعشرين، وقال مرة: سنة سبع وعشرين، وهو ابن اثنتين وسبعين، وقال خليفة بن خياط وغير واحد: مات سنة سبع وعشرين، وقال في موضع: سنة ثمان وعشرين ومائة. انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 246.
قلت: وعلى كل فلا يمكن أن يروي عن جده عبد الرحمن بحال؛ فبين وفاة عبد الرحمن بن عوف ومولد سعد بن إبراهيم ما يزيد عن عشرين سنة.
وأيضًا في ترجمة عبد الرحمن بن عوف من "تهذيب الكمال" 17/ 324 (3923) لم يذكر في الرواة عنه سعد بن إبراهيم، وكذا في ترجمة سعد 10/ 240 (2199) لم يذكر في الراوي عنهم جده عبد الرحمن، وإنما ذكر أنه يروي عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن.
(3)
انظر زيادة بيان لذلك في: "الفتح" 4/ 289، 7/ 113، و"عمدة القاري" 9/ 241 - 242، 13/ 333، و"منحة الباري" 4/ 481، 7/ 98.
وكذا ذكره الطرقي وأصحاب الأطراف، وقد أخرجه مسلم أيضًا من حديث أنس، عن ابن عوف
(1)
، وكذا هو في "الموطأ": عن حميد، عن أنس، أن ابن عوف
(2)
. وقال الدارقطني: أسنده روح بن عبادة فقال: عن مالك، عن حميد، عن أنس، عن ابن عوف، وتفرد به.
وأما حديث أنس فقوله في سعد: (وكان ذا غنًى) -هو مقصور- أي: المال، وكانوا يستكثرون منه للمواساة، ونعم الغبط عليه. والأقط: من اللبن معروف.
تنبيهات:
أحدها: هذِه المؤاخاة ذكرها ابن إسحاق في أول سنة من سني الهجرة بين المهاجرين والأنصار
(3)
، ولها سببان:
أحدهما: أنه أجراهم عَلَى ما كانوا ألفوا في الجاهلية من الحلف، فإنهم كانوا يتوارثون به. قَالَ صلى الله عليه وسلم:"لا حِلْفَ في الإسلام"
(4)
وأثبت المؤاخاة؛ لأن الإنسان إذا فطم مما ألفه علل بجنسه.
ثانيهما: أن المهاجرين قدموا محتاجين إلى المال وإلى المنزل فنزلوا عَلَى الأنصار، فأكدوا هذِه المخالطة بالمؤاخاة، ولم يكن بعد بدر مؤاخاة؛ لأن الغنائم استغني بها.
والمؤاخاة: مفاعلة من الأخوة، ومعناها: أن يتعاقد الرجلان عَلَى التناصر والمواساة حَتَّى يصيرا كالأخوين نسبًا كما قَالَ أنس. وقالوا: إن
(1)
مسلم (1427).
(2)
"الموطأ" ص 337. رواية يحيى.
(3)
انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 123 - 128.
(4)
رواه مسلم (2530) كتاب: فضائل الصحابة، باب: مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه رضي الله عنهم. عن جبير بن مطعم.
رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الصحابة مرتين: مرة بمكة قبل الهجرة، والأخرى بعدها، ذكره القرطبي
(1)
.
وقال ابن عبد البر: والصحيح في المؤاخاة في المدينة بعد بنائه المسجد، فكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات حَتَّى نزلت {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} الآية [الأنفال: 75]. وقيل: كان قبل ذَلِكَ والمسجد يبنى
(2)
. وقيل: بعد قدومه المدينة بخمسة أشهر. وفي "تاريخ ابن أبي خيثمة" عن زيد بن أبي أوفى أنها كانت في المسجد، وكانوا مائة: خمسون من الأنصار، وخمسون من المهاجرين.
ثانيها: المرأة التي تزوجها عبد الرحمن بن عوف هي ابنة أبي الحيسر (أنس)
(3)
بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل
(4)
. قَالَ الزبير: ولدت له القاسم وأبا عثمان عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف
(5)
.
(1)
"المفهم" 6/ 483.
(2)
الدرر في اختصار المغازي والسير" ص 88 - 89.
(3)
في الأصول: (أنيس) والصواب ما أثبتناه -كما سيأتي في مصادر الترجمة.
(4)
ورد في هامش الأصل ما نصه: كونها ابنة أنيس ذكره ابن عبد البر.
(5)
روي أنه لما قدم أبو الحيسر، أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل، فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
رواه أبو نعيم الحافظ في "معرفة الصحابة" 1/ 244 (839) في ترجمة أنس بن رافع (99)، وفي 1/ 293 - 294 (954) في ترجمة إياس بن معاذ الأشهلي (162) ووقع في الموضعين:(أبو الحيسم) وهو خطأ، وإنما هو:(أبو الحيسر). وذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" 1/ 213 في ترجمة إياس بن معاذ (123)، وكذا ابن الأثير في "أسد الغابة" 1/ 147 ترجمة أنس بن رافع (248) ورواه بإسناده في 1/ 186 ترجمة إياس بن معاذ (347)، وذكره الحافظ في "الإصابة" =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 1/ 90 - 91 ترجمة إياس بن معاذ (387) بإسناد ابن إسحاق في "مغازيه"، وذكره في 1/ 132 ترجمة أنس بن رافع (562) مختصرًا ووقع في هذا الموضع:(أبو الجيش) وببدو أنه تصحيف وذكره الحافظ مغلطاي في "الإنابة" 1/ 93 ترجمة أنس بن رافع (64) وعزاه للأصبهانيين يقصد أبا نعيم وابن منده- وقال: وفيه نظر من حيث إن الاصطلاح؛ إذا قيل في رجل قدم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يكون قدم مسلمًا وقد ذكر ابن إسحاق أن أبا الحيسر إنما قدم مكة ليطلب الحلف من قريش، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام، ولم يذكر له إسلامًا. أهـ.
وأبو الحيسر هذا لا خلاف أن اسمه: أنس بن رافع، كما ذكره المصنف، وهو ما جزم به أبو نعيم في الموضعين المذكورين آنفًا، وكذا ابن عبد البر في الموضع المذكور، وفي ترجمة ابنه الحارث بن أنس الأشهلي 1/ 346 (396)، وابن الأثير في الموضعين المذكورين آنفًا، وأيضًا في ترجمة الحارث بن أنس 1/ 378 (845)، وترجمة شريك ابن أبي الحيسر 2/ 522 (2433)، والحافظ في الموضعين المذكورين آنفًا وأيضًا في ترجمة شريك 2/ 149 (3896) ووقع فيه: شريك بن أبي الحيسر بن أنس -فيبدو والله أعلم أن (بن) الثانية زائدة- وأيضًا في ترجمة: أبو الحيسر 4/ 49 (325).
وأما ابنته التي تزوجها عبد الرحمن بن عوف فاسمها: أم إياس بنت أبي الحيسر، أو: بنت أنس بن رافع.
وترجم لها الحافظ في "الإصابة" 4/ 431 - 432 (1143) فقال: أم إياس بنت أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصارية، ثم نقل كلامًا عن ابن سعد.
نصه في "الطبقات الكبرى" 8/ 317: أم إياس بنت أنس بن رافع .. تزوجت أبا سعد بن طلحة بن أبي طلحة، وأسلمت أم إياس وبايعت رسول صلى الله عليه وسلم.
فقول ابن سعد هنا أنها تزوجت أبا سعد بن طلحة، لا ينافي أنها تزوجت عبد الرحمن بن عوف؛ لأنه قال: وأسلمت أم إياس .. ، فلعل أبا طلحة هذا توفي عنها، ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف بعدما أسلمت، أو أنه طلقها قبل أو بعدما أسلمت وتزوجها عبد الرحمن، والله أعلم.
ثالثها: إن قلتَ: جاء النهي عن التزعفر فكيف الجمع بينه وبين أثر الصفرة والوضر؟
قلتُ: من أوجه: أنه كان يسيرًا فلم ينكره.
ثانيها: أن ذَلِكَ علق من ثوبها من غير قصد.
ثالثها: أنه كان في أول الإسلام أن من تزوج لبس ثوبًا مصبوغًا لسروره وزواجه، وقيل: كانت المرأة تكسوه إياه- وقد سلف. وقيل: إن هذا غير معروف. وقيل: إنه كان يفعل ذَلِكَ ليعان عَلَى الوليمة.
رابعها: قاله أبو عبيد: كانوا يرخصون في ذَلِكَ للشاب أيام عرسه
(1)
.
خامسها: أنه يحتمل أن ذَلِكَ كان في ثوبه دون بدنه. ومذهب مالك جوازه
(2)
- حكاه عن علماء بلده. وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يجوز ذَلِكَ للرجال
(3)
.
رابعها: ذكر الصفرة في الحديث؛ لأنها أحسن الألوان كما قاله ابن عباس، قَالَ تعالى:{فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة: 69] قَالَ: فقرن السرور بالصفرة. ولما سئل عبد الله عن الصبغ بها قَالَ: رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أصبغ بها
(4)
.
خامسها: قوله: ("مَهْيَمْ؟ ") هو بفتح الميم وسكون الهاء ثم ياء مثناة تحت، ثم ميم، وهي كلمة يمانية أي: ما شانك؟
(1)
"غريب الحديث" 1/ 311.
(2)
انظر: "المنتقى" 7/ 221.
(3)
"تبيين الحقائق" 6/ 229، "المجموع" 4/ 327.
(4)
سلف برقم (166) كتاب: الوضوء، باب: غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين.
سادسها: ذكر البخاري هذا الحديث في النكاح، في باب: كيف يدعى للمتزوج
(1)
. لقوله: (بَارَكَ اللهُ لَكَ) فيه رد عَلَى ما كانت العرب تقوله: بالرفاء والبنين. ولما قيل ذَلِكَ لعقيل بن أبي طالب قَالَ: لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك وبارك عليك" أخرجه النسائي
(2)
.
(1)
يأتي برقم (5155).
(2)
"المجتبى" 6/ 128، "السنن الكبرى" 3/ 331 (5561).
ورواه أيضًا ابن ماجه (1906)، والطبراني 17 (516) من طريق أشعث.
وأحمد 1/ 201، 3/ 451، والدارمي 3/ 1389 - 1390 (2219)، والبزار في "البحر الزخار" 6/ 119 (2172)، والطبراني 17/ 514، وفي "الدعاء" 3/ 1239 (937)، والبيهقي 7/ 148 من طريق يونس بن عبيد.
وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 1/ 279 - 280 (367)، والطبراني 17/ (517) من طريق علي بن زيد.
والطبراني 17 (515)، والحاكم في "المستدرك" 3/ 577 من طريق الحسن -وقع عند الطبراني: الحسين، ويبدو أنه تصحيف- بن دينار.
والطبراني 17 (512)، وفي "الدعاء"(936) من طريق أبي هلال الراسبي. و 17 (513)، وفي "الدعاء"(937) من طريق أبي سعيد البصري. و 17 (518) من طريق الربيع بن صبيح.
سبعتهم عن الحسن قال: تزوج عقيل بن أبي طالب .. الحديث.
والحديث سكت عليه الحاكم. وقال البزار: هذا الحديث قد رواه غير واحد عن الحسن عن عقيل، ولا أحسب سمع الحسن من عقيل.
وقال الحافظ في "الفتح" 9/ 222: أخرجه النسائي والطبراني من طريق أخرى عن الحسن، ورجاله ثقات إلا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال. وتعقبه العلامة أحمد شاكر في "تعليقه على المسند" (1739) فبعد أن قال: إسناده صحيح، قال: وهذِه دعوى لا دليل عليها، فالحسن سمع من صحابة أقدم من عقيل، فقد أثبتنا سماعه من عثمان، وصحة روايته عن علي. اهـ. وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1547). =
وفي الترمذي -وقال: حسن صحيح- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الإنسان -إذا تزوج- قَالَ: "بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير"
(1)
. وعن خالد بن معدان عن معاذ -ولم يسمع منه
(2)
- أنه عليه السلام شهد إملاك رجل من الأنصار، فقال: "عَلَى الألفة
= والحديث رواه أحمد 1/ 201، 3/ 451 من طريق إسماعيل بن عياش، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: تزوج عقيل بن أبي طالب .. الحديث.
قال العلامة أحمد شاكر (1738): إسناده مشكل، لا أدري ما وجهه! ثم ذكر كلامًا نفيسًا فليراجع.
وهذا الحديث سيذكره المصنف رحمه الله في شرح حديث (5155).
(1)
الترمذي (1091).
ورواه أيضًا أبو داود (2130)، وابن ماجه (1905)، وأحمد 2/ 281، وسعيد بن منصور في سننه 1/ 147 (522)، والدارمي 3/ 1391 (2220)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 73 (10089)، وابن حبان 9/ 359 (4052)، والطبراني في "الدعاء"(938)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(604)، والحاكم 2/ 183، والبيهقي في "سننه" 7/ 148، وفي "الدعوات الكبير" 2/ 280 (495) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وكذا قال الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد في "الاقتراح" ص 111 - 112، والألباني في "صحيح أبي داود"(1850).
وصححه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" 3/ 162، والمصنف في "البدر المنير" 7/ 534. وقواه الحافظ في "الفتح" 9/ 222.
فائدة: قال المصنف رحمه الله: معنى رفأ -بفتح الراء والفاء- دعاه وهنأه،
والرفاء -بالمد- هو الدعاء بالاتفاق وحسن الاجتماع، يقال للمتزوج: بالرفاء والبنين، وأصله من رف الثوب، وهو إصلاحه. اهـ "البدر المنير" 7/ 535.
(2)
في هامش الأصل: قاله البزار.
والخير والطير الميمون والسعة في الرزق، بارك الله لكم"
(1)
.
سابعها: ظا"ر قوله: ("أَوْلمْ وَلَوْ بِشَاةٍ") أنها أقل ما تتأدى به السنة.
وفيه: دلالة عَلَى الإستكثار منها ما لم يرد إلى الرياء، قاله الداودي.
(1)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الاثار" 3/ 50، والطبراني في "الكبير" 20 (191)، وفي "مسند الشاميين" 1/ 234 - 235 (416)، وفي "الدعاء"(935)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 215 - 216 و 6/ 96، والبيهقي 7/ 288، وابن الجوزي في "الموضوعات" 3/ 58 (1269) من طريق لمازة بن المغيرة، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان به.
قال أبو نعيم في الموضع الأول: غريب من حديث خالد، تفرد به ثور. وقال في الموضع الثاني: غريب من حديث ثور لم نكتبه إلا من حديث حازم عن لمازة.
وقال البيهقي: في إسناده مجاهيل وانقطاع. وقال ابن الجوزي 3/ 60 حازم ولمازة مجهولان.
وقال الذهبي في "المهذب" 6/ 2868: الآفة من لمازة ولا أعرفه بحال.
وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 56: فيه: حازم مولى بني هاشم عن لمازة، وليس ابن زبار، هذا متأخر، ولم أجد من ترجمهما. وبقية رجاله ثقات. وكذا قال في 4/ 290.
وقال الحافظ في "الفتح" 9/ 222: رواه الطبراني في "الكبير" بسند ضعيف.
والحديث رواه العقيلي في "الضعفاء" 1/ 142، والطبراني في "الأوسط" 1/ 43 - 44 (118)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (1268) من طريق القاسم بن عمر العتكي قال: حدثنا بشر بن إبراهيم الأنصاري، عن الأوزاعي، عن مكحول، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: حدثني معاذ بن جبل
…
الحديث.
قال العقيلي: بشر بن إبراهيم حدث عن الأوزاعي بأحاديث موضوعة لا يتابع عليها.
وقال ابن الجوزي: بشر بن إبراهيم هو المتهم به.
وقال البيهقي: إسناده مجهول، ولا يثبت في هذا الباب شيء.
وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 1/ 313 عقب ذكر الحديث: هكذا فليكن الكذب. وقال الهيثمي 4/ 56، 290: في إسناده بشر بن إبراهيم، وهو وضاع.
وضعف الحافظ إسناده في "الفتح" 9/ 222.
قَالَ القاضي: والإجماع أنه لا حد لقدرها المجزئ
(1)
. وقال الخطابي: الشاة للقادر عليها وإلا فلا حرج، قد أولم صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بسويق وتمر
(2)
.
فرع: كرهت طائفة الوليمة أكثر من يومين. وعن مالك: أسبوعًا.
ثامنها: عكاظ ومَجنة -بفتح الميم- وذو المجاز أسواق في الجاهلية عند عرفات.
وقراءة ابن عباس. في (مواسم الحج) كالتفسير، إذ لم يثبت بين اللوحين.
خاتمة: في سرد الفوائد في حديث عبد الرحمن أنه لا بأس للشريف أن يتصرف في السوق بالبيع والشراء، ويتعفف بذلك عما يبذل له من المال وغيره، والأخذ بالشدة عَلَى نفسه في أمر معاشه، وأن العيش من الصناعات أولى بنزاهة الأخلاق من العيش من الهبات والصدقات وشبهها، وبركة التجارة والمؤاخاة عَلَى التعاون في أمر الله تعالى، وبذل المال لمن يؤاخي عليه.
وفي حديث أبي هريرة الحرص عَلَى التعلم، وإيثار طلبه عَلَى طلب المال. وفضيلة ظاهرة لأبي هريرة، وأنه صلى الله عليه وسلم خصه ببسط ردائه وضمه، فما نسي من مقالته تلك شيئًا. وقوله:(مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ) كان رئيسهم. والعرب تقول: صففت البيت وأصففته: جعلت له صفة -وهي السقيفة- أمامه. وأصحاب الصفة: الملازمون لمسجده صلى الله عليه وسلم.
(1)
"إكمال المعلم" 4/ 588.
(2)
"أعلام الحديث" 2/ 995.
2 - باب الحَلَالُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ
(1)
2051 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضى الله عنه: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالمَعَاصِى حِمَى اللهِ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكْ أَنْ يُوَاقِعَهُ". [انظر: 52 - مسلم: 1599 - فتح: 4/ 290]
ذكر فيه حديث النعمان بن بشير: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. "الحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّن، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإثْمِ كَانَ لِمَا اسْتبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتبَانَ، وَالمَعَاصِي حِمَى اللهِ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكْ أَنْ يُوَاقِعَهُ".
هذا الحديث سلف في الإيمان في باب: فضل من استبرأ لدينه
(2)
.
وذكر هنا (سنده)
(3)
مرتين متفقًا ومرتين مختلفا، قَالَ في الأول: عن ابن
(1)
ورد في هامش الأصل: نسخة: مشبهات.
(2)
برقم (52).
(3)
ورد بهامش الأصل: يعني بعض السند، وإلا فالطرق الأربعة مختلفة، ومجموع الثلاثة منها في أبي فروة، والاخر في ابن عون، ويجتمعان في الشعبي -أعني: ابن عون وأبا فروة-.
عون، عن الشعبي، سمعت النعمان بن بشير، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم. وقال في الثاني: عن أبي فروة -واسمه عروة بن الحارث بن فروة الهمداني الكوفي- عن الشعبي: سمعت النعمان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الثالث: عن أبي فروة: سمعت الشعبي. مثل هذا. وقال في الرابع: عن أبي فروة، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحاصل أن النعمان صرح بسماعه في الرواية الأولى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى في الثانية والثالثة بعن، وفي الرابعة بقال.
وعند أبي داود: عن الشعبي: سمعت النعمان -ولا أسمع أحدًا بعده- يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الحلال بين
…
" الحديث
(1)
.
وقد أسلفنا في الإيمان بطلان من ادعى عدم سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يوضحه سماع ابن (النعمان)
(2)
حديث نحلني أبي: كما ستعلمه في موضعه
(3)
.
وسفيان الراوي عن أبي فروة في الرابع هو الثوري كما صرح به أبو نعيم وغيره.
قَالَ أبو نعيم: وهذا لفظ الثوري، وجمع البخاري بين ابن عون وأبي فروة ظنًّا أن الروايتين في إسناد واحد، وساق الحديث بلفظ الثوري. وفي كتاب الإسماعيلي لما قَالَ:"ألا وإن في الجسد مضغة" قَالَ: قَالَ فلان -يعني أحد رواته-: لا أدري هذا من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا.
(1)
"سنن أبي داود"(3329) كتاب: البيوع، باب: في اجتناب الشبهات.
(2)
ورد بهامش الأصل: وحميد بن عبد الرحمن معه في طريق واحدة.
(3)
يأتي هذا الحديث برقم (2586) كتاب: الهبة، باب: الهبة للولد، ورواه مسلم (1623) كتاب: الهبات، باب: كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة.
ولا بد لنا أن نذكر نبذة هنا فنقول: هذا الحديث أصل في باب الورع وما يجتنب من الشبه. والشبه: كل ما أشبه الحلال من وجه والحرام من آخر، والورع: اجتنابها فالحلال البين: ما علم المرء ملكه يقينًا لنفسه، والحرام البين عكسه، والشبهة: ما يجده في بيته فلا يدري أهو له أو لغيره. وقد اختلف في حكم المشتبهات عَلَى أقوال أسلفناها هناك، فرواية:"لا يعلمها كثير من الناس"
(1)
دالة عَلَى الوقف. ورواية: "من وقع في الشبهات وقع في الحرام"
(2)
دالة عَلَى أن تركها واجب. ورواية: "من رتع حول الحمى يوشك أن يواقعه"
(3)
تدل عَلَى الحيل. وقيل: قوله: ("حَوْلَ الحِمَى") نهيٌ عما يشك فيه هو من الحمى أو مما حوله؟ فنزهه عما قرب منه، ولم يشك فيه خوفًا أن تزين النفس أنه ليس منه، ويحمل عَلَى الندب.
والمشتبهات في الدماء والأموال والأعراض والفتيا والقضاء وغير ذَلِكَ، فأشدها الاجتراء عَلَى الفتيا بغير علم؛ لأنه قد تزين له نفسه أنه أهل لها وهو خلافه، قَالَ تعالى:{فَاَحكمُ بَينَ اَلنًاسِ بِاَلحِق} الآية
[ص: 26]. وفي الحديث: "حبك للشيء يعمي ويصم"
(4)
. ويقال:
(1)
سلفت برقم (52).
(2)
سلفت برقم (1599).
(3)
في حديث الباب.
(4)
رواه أبو داود (5130)، وأحمد 5/ 194، 6/ 450، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 214 (205)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 107، 3/ 171 - 172، والطبراني في "الأوسط" 4/ 334 (4359) وفي "مسند الشاميين" 2/ 340 (1454)، وابن عدي في "الكامل" 2/ 212، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 157 (219)، والبيهقي في "الشعب" 1/ 368 (411)، والمزي في "تهذيب الكمال" 4/ 287 من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني، عن خالد بن =
أشقى الناس من باع دينه بدنياه، وأشقى منه من باع دينه بدنيا سواه
(1)
.
= محمد الثقفي، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبي الدرداء، مرفوعًا به.
قال الإمام أحمد: وحدثناه أبو اليمان، لم يرفعه، ورفعه القرقساني محمد بن مصعب.
ورواه موقوفًا البيهقي في "الشعب"(412) من طريق يزيد بن هارون، أنا حريز بن عثمان، عن بلال، عن أبي الدرداء، قوله.
قال المنذري في "المختصر" 8/ 31: في إسناده: بقية بن الوليد، وأبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم، وفي كل واحد منهما مقال، وروي عن بلال عن أبيه قوله، ولم يرفعه وقيل: إنه أشبه بالصواب.
وضعف الحافظ العراقي في "تخريج الأحياء"(2636) إسناد المرفوع.
ورجح الحافظ في كتاب "أجوبة عن أحاديث وقعت في مصابيح السنة"(311) كما في "موسوعة الحافظ الحديثية" 5/ 447 رجح الموقوف، وقال: في سنده: أبو بكر بن أبي مريم وهو شامي صدوق، طرقه لصوص ففزع فتغير عقله، وعدوه فيمن اختلط.
وقال السيوطي في "الدرر المنتثرة"(187): الوقف أشبه.
والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة" وقال: الموقوف أقوى من المرفوع.
وانظر: "المقاصد الحسنة"(381)، و"كشف الخفاء"(1095).
(1)
قلت: ورد نحوه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فروى ابن ماجه (3966)، والطبراني 8/ 122 - 123 (7559)، والقضاعي في "مسند الشهاب" 2/ 173 (1125)، والمزي في "تهذيب الكمال" 16/ 402 من طريق مروان بن معاوية، عن الحكم السدوسي، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عبد أذهب آخرته بدنيا غيره".
قال البوصيري في "الزوائد"(1327): هذا إسناد حسن، سويد بن سعيد مختلف.
لكن ضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(858).
ورواه الطيالسي 4/ 151 (2520)، وعنه البخاري في "التاريخ الكبير" 6/ 128، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(237)، وأبو نعيم في "الحلية" 6/ 65، والبيهقي في "شعب الإيمان" 5/ 358 (6938) من طريق عبد الحكم بن ذكوان، =
قَالَ سحنون: إنما ذَلِكَ في الفتيا. وما يجتنب من الشبهات: الظن أن يقطع به: فإن النفس ربما تزين عند الظن خلاف الحق، تغطي عند الرضا العيب، وتبدي في عكسه المساوئ. وقسم بعضهم الورع ثلاثة أقسام، واجب: وهو اجتناب ما يحققه لغيره، ومستحب: وهو اجتناب معاملة من أكثر ماله حرام، ومكروه: أن لا يقبل الرخص، ولا يجيب الداعي، ولا يقبل الهدية، ويجتنب الأشياء المباحة مثل المياه التي يتوضأ بها، واجتناب الغريب التزويج مع الحاجة؛ لقيام قدوم أبيه البلدة المذكورة والتزوج بها، وكره ذَلِكَ؛ لأن النادر لا عبرة به.
وقوله: ("مَنْ يَرْتَعْ") قَالَ ابن فارس: يقال رتع: إذا أكل ما شاء، وقيل: رتعت أقامت في المرتع
(1)
.
وعبارة ابن بطال: الحلال البين: ما نص الله عَلَى تحليله أي ورسوله، والحرام البين: ما نص عَلَى تحريمه، وكذا ما جعل فيه حَدٌّ أو عقوبة أو وعيد، والمشتبه: ما تنازعته الأدلة من الكتاب والسنة،
وتجاذبته المعاني فوجه منه يعضده دليل الحرام، وآخر عكسه، وقال فيه: من ترك الشبهات إلى آخره، فالإمساك عنه ورع، والإقدام عليه لا يقطع عالم بتحريمه
(2)
.
= عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن من أسوأ الناس منزلة من أذهب آخرته بدنيا غيره".
وضعفه الألباني في "الضعيفة"(2229، 2990).
وأورده أيضًا في "الضعيفة"(1915) من حديث أبي هريرة، وعزاه لابن ماجه. وهو خطأ: لأن الذي عند ابن ماجه من حديث أبي أمامة، وذكره على الصواب في الموضعين الآخرين (2229، 2990).
(1)
"المقاييس" ص 420.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 192 - 193.
وقال القرطبي: أقل مراتب الحلال أن يستوي فعله وتركه فيكون مباحًا، وما كان كذلك لم يتصور فيه الورع من حيث هو متساوي الطرفين، فإنه إن ترجح أحد طرفيه عَلَى الآخر خرج عن كونه مباحًا فحينئذ يكون تركه راجحًا عَلَى فعله وهو المكروه، أو عكسه فالمندوب، وفيه دليل أن الشبهة لها حكم خاص بها
(1)
.
قَالَ الخطابي: وقوله: "لا يعلمها كثير من الناس" معناه: أنها تشتبه عَلَى بعض الناس دون بعض والعلماء يعرفونها؛ لأن الله جعل عليها دلائل عرفها بها، لكن ليس كل أحد يقدر عَلَى تحقيق ذَلِكَ؛ ولهذا قَالَ ذَلِكَ ولم يقل: لا يعلمها كل الناس
(2)
.
وقوله: "كراع يرعى حول الحمى" هو مثل يحتمل أن صاحبه يقع في الحرام ولا يدري.
وقال الخطابي: إذا اعتادها قادته إلى الوقوع في الحرام، فيتجاسر عليه ويواقعه عالمًا ومتعمدًا؛ لخفة الزاجر عنده، ولما قد ألفه من المساهلة
(3)
.
(1)
"المفهم" 4/ 488 - 489.
(2)
"معالم السنن" 3/ 49.
(3)
المصدر السابق 3/ 50، وورد بهامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في الثاني بعد الخمسين. كتبه مؤلفه.
3 - باب تَفْسِيرِ المُشَبَّهَاتِ
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الوَرَعِ، دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ.
2052 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ رضي الله عنه، أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ جَاءَتْ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا، فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ:"كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟! ". وَقَدْ كَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ أَبِي إِهَابٍ التَّمِيمِيِّ. [انظر: 88 - فتح: 4/ 291]
2053 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامَ الفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَالَ: ابْنُ أَخِي، قَدْ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ.
فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنُ أَخِي، كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ. فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ". ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "احْتَجِبِي مِنْهُ". لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللهَ. [2218، 2421، 2533، 2745، 4303، 6749، 6765، 6817،7182 - مسلم: 1457 - فتح: 4/ 292]
2054 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ المِعْرَاضِ، فَقَالَ:"إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَل فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي، فَأَجِدُ مَعَهُ عَلَى الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ لَمْ أُسَمِّ عَلَيْهِ، وَلَا أَدْرِى أَيُّهُمَا أَخَذَ؟ قَالَ: "لَا تَأْكُلْ، إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ
عَلَى الآخَرِ". [انظر: 175 - مسلم: 1929 - فتح: 4/ 292]
وذكر فيه حديث المرأة السوداء في الرضاع وقَالَ: "كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟! ".
وحديث "احْتَجِبِي مِنْهُ".
وحديث عدي بن حاتم في الصيد: "لَا تَأْكُلْ".
ثم ترجم:
4 - (باب مَا يُتَنَزَّهُ مِنَ الشُّبُهَاتِ)
(1)
2055 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ فَقَالَ: "لَوْلَا أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً لأَكَلْتُهَا".
[2431، 2432 - مسلم: 1071 - فتح: 4/ 293]
وَقَالَ هَمَّام، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَجِدُ تَمْرَةً
سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي". [2432 - مسلم: 1070 - فتح: 4/ 293]
وذكر فيه حديث التمرة الساقطة وتركها خشية الصدقة.
ثم ذكره (معلقًا)
(2)
. ثم ترجم:
(1)
في الأصل: باب: ما يُتَنَزَّهُ من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات، وعلى جملة: من لم ير الوساوس ونحوها: كتب الناسخ مكرر من .. إلى.
(2)
تحتها في الأصل: عن همام، عن أبي هريرة.
5 - باب مَنْ لَمْ يَرَ الوَسَاوِسَ وَنَحْوَهَا مِنَ المُشَبَّهَاتِ
2056 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا، أَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ:"لَا، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا". وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: لَا وُضُوءَ إِلَّا فِيمَا وَجَدْتَ الرِّيحَ أَوْ سَمِعْتَ الصَّوْتَ. [انظر: 137 - مسلم: 361 - فتح: 4/ 294]
2057 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ المِقْدَامِ العِجْلِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"سَمُّوا اللهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ". [5507، 7398 - فتح: 4/ 294]
ثم ذكر فيه حديث: الرَّجُلُ يَجِدُ الشيء فِي الصَّلَاةِ، وقوله:"لَا، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا". وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: لَا وُضُوءَ إِلَّا فِيمَا وَجَدْتَ الرِّيحَ أَوْ سَمِعْتَ الصَّوْتَ.
ثم ذكر حديث: إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِلَّحْمٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا. فَقَالَ: "سَمُّوا اللهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ".
الشرح: أثر حسان أخرجه أبو نعيم، عن محمد بن جعفر، ثَنَا محمد بن أحمد بن (عمرو)
(1)
، ثَنَا عبد الرحمن بن (عمرو)
(2)
رسته، ثَنَا زهير بن نعيم البابي قَالَ: اجتمع يونس بن عبيد وحسان بن أبي
(1)
في "الحلية": عمر، وهو خطأ، فذكر المزي في ترجمة (رسته) من "التهذيب" 17/ 297 فيمن روى عنه: محمد بن أحمد بن عمرو الأبهري الأصبهاني.
(2)
كذا بالأصول، وصوابه: عمر، انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" 12/ 242 (87)، و"تهذيب الكمال" 17/ 296 (3914).
سنان -يعني أبا عبد الله عابد أهل البصرة- فقال يونس: ما عالجت شيئًا أشد عليَّ من الورع. فقال حسان: لكن أنا ما عالجت شيئًا أهون عليَّ منه. قال يونس: كيف؟ قال حسان: تركت ما يريبني إلى ما لا يريبني فاسترحت
(1)
. ثم روى بإسناده عن الحسن بن عبد العزيز الجروي قَالَ: كتب إليَّ ضمرة، عن عبد الله بن شوذب قَالَ: قَالَ حسان بن أبي سنان: ما أيسر الورع! إذا شككت في شيء فاتركه
(2)
.
قلت: ولفظ: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" صح من حديث الحسن بن علي. قَالَ الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد
(3)
.
(1)
أبو نعيم في "الحلية" 3/ 116.
ورواه في موضع آخر 3/ 23 عن عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: ثنا أحمد بن
جعفر بن بهرد، قال: ثنا أحمد بن روح الأهوازي، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا يونس بن عمر، بنحوه.
ومن هذا الطريق وصله الحافظ بإسناده في "التغليق" 3/ 209.
(2)
"الحلية" 3/ 116. ورواه الحافظ في "التغليق" 3/ 209 - 210.
(3)
الترمذي (2518)، "المستدرك" 2/ 13، 4/ 99.
ورواه أيضًا النسائي 8/ 327 - 328، وأحمد 1/ 200، والطيالسي 2/ 499 (1274)، وابن خزيمة 4/ 59 (2348)، وابن حبان 2/ 498 (722)، والبيهقي 5/ 335 من طريق بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء السعدي، قال: قلت للحسن بن علي .. الحديث.
ووقع عند الحاكم: يزيد بن أبي مريم عن أبي الجوراء، وكلاهما تصحيف، وكذا عند البيهقي تصحفت بريد إلى يزيد.
قال الذهبي في "التلخيص" 4/ 99: سنده قوي. وحسنه النووي في "المجموع" 1/ 235.
وقال الحافظ في "التغليق" 3/ 211: سنده صحيح.
وقال الألباني في "الإرواء" 1/ 44 (12)، 7/ 155 (2074): إسناده صحيح.
وشاهده حديث أبي أمامة أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان؟ قَالَ: "إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن" قَالَ: يا رسول الله: ما الإثم؟ قَالَ: "إذا حاك في صدرك شيء فدعه"
(1)
. وروى محمد ابن أسلم في كتاب "الربا" من حديث ابن لهيعة، عن يزيد، عن سويد بن قيس، عن عبد الرحمن بن معاوية بن حُدَيْج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لمن سأله عما يحل له:"ما أنكر قلبك فدعه"
(2)
.
(1)
رواه أحمد 5/ 251، 252، 255 - 256، وعبد الرزاق في "المصنف" 11/ 126 (20104)، والحارث بن أبي أسامة كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 1/ 84 (36)، وابن حبان 1/ 402 (176)، والطبراني 8/ 117 (7539)، والحاكم 1/ 14، 2/ 13، والبيهقي في "الشعب" 5/ 52 (5746) من طريق يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام، عن جده ممطور -أبو سلام الأسود الحبشي- عن أبي أمامة به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وقال الهيثمي 1/ 176: رجاله رجال الصحيح.
وقال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" 2/ 95، والألباني في "الصحيحة" (550): إسناد جيد -صحيح- على شرط مسلم.
ملحوظة: قول المصنف: وشاهده حديث أبي أمامة .. إلى آخره، هو من كلام الحاكم، كما في "المستدرك" 2/ 13 من قوله: صحيح الإسناد، إلى نهاية حديث أبي أمامة.
(2)
رواه من هذا الطريق عبد الله بن المبارك في "الزهد"(824، 1162)، ومن طريقه أبو نعيم الأصبهاني في "معرفة الصحابة" 4/ 1858 - 1859 (4680)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 35/ 441 - 442، وذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم" 2/ 96 وعزاه للبغوي في "معجم الصحابة" وقال: قال البغوي: لا أدري عبد الرحمن بن معاوية سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ ولا أعلم له غير هذا الحديث. قلت: عبد الرحمن هذا تابعي مشهور، فحديثه مرسل. اهـ بتصرف يسير.
وهذا ما جزم به الحافظ في "الإصابة" 3/ 155 (6711) أنه ليست له صحبة.
وهو ما رجحه الحافظ مغلطاي في "الإنابة" 2/ 29 (677). =
وحديث عقبة في المرأة السوداء انفرد به البخاري؛ بل لم يخرج مسلم في "صحيحه" عن عقبة هذا شيئًا. وللترمذي: فجاءت امراة سوداء فقالت: إني أرضعتكما، وهي كاذبة. فقال صلى الله عليه وسلم:"دعها عنك"
(1)
وسلف في الرحلة في المسألة النازلة، من كتاب العلم
(2)
، وسيأتي
في النكاح
(3)
، وفي باب إذا شهد شاهد، فقال آخرون: ما علمنا بذلك
(4)
.
وحديث: "احتجبي منه يا سودة" أخرجاه
(5)
.
وحديث عدي تقدم في الطهارة في آخر باب: الماء الذي يغسل به شعر الإنسان
(6)
، وذكره هنا؛ لأجل قوله:"إنما سميت عَلَى كلبك ولم تسم عَلَى غيره"، ويأتي في الصيد إن شاء الله
(7)
.
وحديث أنس في التمرة أخرجه مسلم أيضًا
(8)
.
وتعليق أبي هريرة الذي قَالَ فيه: وقال همام عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أجد تمرة ساقطة عَلَى فراشي" وهذا سيأتي مسندًا في اللقطة
(9)
.
= والحديث صححه العلامة الألباني في "الصحيحة"(2230) وقال: إسناده مرسل صحيح، رجاله ثقات، فإن ابن لهيعة صحيح الحديث إذا روى عن العبادلة. وابن المبارك أحدهم.
(1)
الترمذي (1151).
(2)
تقدم برقم (88).
(3)
يأتي برقم (5104) باب: شهادة المرضعة.
(4)
يأتي برقم (2640) كتاب: الشهادات.
(5)
يأتي برقم (2421)، مسلم (1457/ 36).
(6)
تقدم برقم (175).
(7)
يأتي برقم (5475 - 5477، 5483، 5485، 5487).
(8)
مسلم (1071).
(9)
يأتي برقم (2433) باب: إذا وجد تمرة ساقطة.
وأخرجه مسلم أيضًا
(1)
. وللحاكم مثله من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا نحوه، وقال: صحيح الإسناد
(2)
. وللترمذي عن عطية السعدي مرفوعًا: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حَتَى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس" ثم قَالَ: حسن غريب
(3)
. وحديث عبد الله بن زيد سلف في الطهارة
(4)
. وابن أبي حفصة (خ. م. س) هو أبو سلمة محمد بن ميسرة البصري.
وحديث: إن قومًا يأتوننا بلحم. انفرد به البخاري من حديث عائشة.
وللدارقطني من حديث مالك، عن هشام، عن أبيه، عنها: أن ناسًا من أهل البادية يأتون بأجبان أو بلحمان لا ندري أسموا عليها أم لا، فقال صلى الله عليه وسلم:"سموا عليها ثم كلوا" ثم قَالَ: تفرد به عبد الوهاب بن عطاء عن مالك متصلًا، وغيره يرويه عنه مرسلًا لا يذكر عائشة
(5)
.
(1)
مسلم (1070).
(2)
"المستدرك" 2/ 14. ورواه عنه البيهقي في "الشعب" 5/ 51 - 52 (5744).
(3)
الترمذي (2451). ورواه أيضًا ابن ماجه (4215)، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 433 (483)، والطبراني 17/ (446)، والقضاعي في "مسند الشهاب" 2/ 74 - 75 (909 - 911)، والبيهقي في "السنن" 5/ 335، وفي "الشعب" 5/ 52 (5745)، والمزي في "تهذيب الكمال" 16/ 320 من طريق أبي عقيل -عبد الله ابن عقيل- حدثنا عبد الله بن يريد، حدثني ربيعة بن يزيد وعطية بن قيس، عن عطية السعدي به. ورواه الحاكم 4/ 319 بنحوه، لكن سقط من السند عبد الله بن يزيد. وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والحديث ضعفه الألباني في "غاية المرام"(178)، وفي "ضعيف الترغيب"(1081)، وفي "ضعيف ابن ماجه"(924).
(4)
برقم (137، 177).
(5)
رواه الدارقطني في "غرائب مالك"، كما سيعزوه المصنف رحمه الله في شرح الحديث الآتي برقم (5507). وهو في "الموطأ" 2/ 191 (2141) هكذا مرسلًا.
وقال ابن عبد البر: لم يختلف عن مالك في إرساله فيما علمته، وقد أسنده جماعة عن هشام
(1)
.
قَالَ ابن أبي شيبة: حَدَّثنَا عبد الرحيم بن سليمان، عن هشام، عن أبيه، عنها. وقال حوثرة بن محمد: ثَنَا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه عنها، فذكرته
(2)
. وساقه البخاري خوفًا عَلَى الوسواس في المكاسب إذ لا فرق بينهما.
إذا تقرر ذَلِكَ: فـ (يريب) في أثر حسان بفتح الياء، قَالَ أبو العباس: يقال: رابني الشيء: إذا تبينت منه الريبة، وأرابني: إذا لم أتبينها، وقال غيره: أراب في نفسه وراب غيره. ورابني أفصح من أرابني.
وحسان هذا عابد، روى عن الحسن، وعنه ابن شوذب وغيره
(3)
.
وقد أسلفنا في الباب قبلُ: الشبهات ما تنازعته الأدلة وتجاذبته المعاني وتساوت فيه الأدلة، ولم يغلب أحد الطرفين صاحبه. وبيان ذَلِكَ في حديث عقبة بن الحارث.
وذلك أن الجمهور ذهبوا إلى أنه صلى الله عليه وسلم أفتاه بالتحرز من الشبهة وأمره
(1)
"التمهيد" 22/ 298. وقال في "الاستذكار" 15/ 212: ورواه مرسلًا كما رواه مالك- ابن عيينة ويحيى القطان وسعيد بن عبد الرحمن، وعمرو بن الحارث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، لم يتجاوزوه.
قلت: وحماد بن سلمة، رواه أبو داود (2829).
قال الألباني في "صحيح أبي داود" 8/ 178: ومالك وإن توبع على إرساله فالحكم لمن وصل؛ لأنهم جماعة من الثقات.
وسيذكر المصنف رحمه الله زيادة بيان وتفصيل في هذِه المسألة في شرح حديث (5507)، وانظر:"الفتح" 9/ 634 - 635.
(2)
"المصنف" 5/ 131 (24427).
(3)
انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 26 (1190).
بمجانبة الريبة؛ خوفًا من الإقدام عَلَى فرج يخاف أن يكون الإقدام عليه ذريعة إلى الحرام؛ لأنه قد قام دليل للتحريم بقول المرأة: أنا أرضعتهما. لكن لم يكن قاطعًا ولا قويًّا؛ لإجماع العلماء أن شهادة امرأة واحدة لا يجوز في مثل ذَلِكَ. كذا ادعاه ابن بطال
(1)
، وقد أفسدناه في كتاب: العلم، لكن أشار عليه الشارع بالأحوط، يدل عليه أنه لما أخبره أعرض عنه، فلو كان حرامًا لما أخبرها وأعرض عنه بل كان يجيبه بالتحريم، فلما كرر عليه مرة بعد أخرى أجابه بالورع.
وأما حديث: "احتجبي منه" وهو حديث عائشة فالكلام عليه من أوجه:
أحدها: في الأسماء الواقعة فيه:
سعد بن أبي وقاص -مالك- بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري أحد العشرة فارس الإسلام، أسلم سابع سبعة، مات سنة خمس وخمسين
(2)
. وعبد بن (موسى)
(3)
عامري من السادات. وزمعة -بفتح الميم وإسكانها وهو الأكثر
(4)
- أمه عاتكة بنت الأخيف
(5)
بن علقمة،
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 195.
(2)
تقدمت ترجمة سعد في حديث (27).
(3)
كذا بالأصل، والصواب:(زمعة).
(4)
قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 310 - 311: زمعة بفتح الميم وإسكانها وجهان مشهوران.
(5)
وقع في بعض المصادر: (الأحنف) بالحاء المهملة والنون. وهو تصحيف، والصواب:(الأخيف) بالخاء المعجمة والياء: كذا ضبطه ابن ماكولا في "الإكمال" 1/ 26، وابن ناصر الدين في "توضيح المشتبه" 1/ 166، والحافظ في "تبصير المنتبه" 1/ 9 - 10، وفي "الإصابة" 2/ 433 ترجمة عبد بن زمعة (5273) قال: أمهما: عاتكة بنت الأخيف بخاء معجمة بعدها مثناة تحتانية.
وهو
(1)
أخو سودة -أم المؤمنين- لأبيها، وأخوه لأبيه عبد الرحمن بن زمعة المبهم
(2)
في هذا الحديث
(3)
، وأخوه لأمه: قرظة بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف
(4)
، وعتبة بن أبي وقاص، ذكره العسكري في الصحابة، وقال: كان أصاب دمًا في قريش، وانتقل إلى المدينة قبل الهجرة، ومات في الإسلام. وكذا قَالَ أبو عمر. وجزم به الذهبي في "معجمه"
(5)
فأخطأ.
ولم يذكره الجمهور في الصحابة. وذكره ابن منده فيهم. واحتج بوصيته إلى أخيه سعد بابن وليدة زمعة، وأنكره أبو نعيم. قَالَ أبو نعيم: وهو الذي شج وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته يوم أحد، وما علمت له إسلامًا ولم يذكره أحد من المتقدمين في الصحابة.
(1)
ورد تعليق على الكلمة نصه: أي: زمعة.
(2)
هو عبد الرحمن بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حِسل بن عامر بن لؤي القرشي العامري.
انظر تمام ترجمته في "معجم الصحابة" 2/ 162 (638)، "الاستيعاب" 2/ 376 (1421)، و"أسد الغابة" 3/ 448 (3305)، و"الإصابة" 3/ 68 (6210). وسيأتي ذكره.
(3)
صرح بذلك ابن عبد البر وابن الأثير والحافظ في المصادر الثلاثة السابقة.
وكذا أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 4/ 1824 (1824) لكنه خلط في نسبه -تبعًا لابن منده- فجعله من بني أسد بن عبد العزى، وليس كذلك.
(4)
ترجمه الحافظ في "الإصابة" 3/ 231 (7097)، وكذا في ترجمة ابنته فاختة بنت قرظة 4/ 373 (816) وذكر في الموضعين: قرظة بن عبد عمرو بن نوفل، بزيادة:(عبد) قبل عمرو، لا كما ذكر المصنف.
وينظر ترجمة عبد بن زمعة في: "معرفة الصحابة" 4/ (1896) و (1933)، و"الاستيعاب" 2/ 364 (1390)، و"أسد الغابة" 3/ 515 (3436)، و"الإصابة" 2/ 433 (5272).
(5)
ورد تعليق على الكلمة نصه: يعني: "تجريده".
وقيل: إنه مات كافرًا
(1)
. وروى معمر، عن عثمان الجزري، عن مقسم أن عتبة لما كسر رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليه فقال:"اللَّهُمَّ لا يحول عليه الحول حَتَّى يموت كافرًا" فما حال عليه الحول حَتَّى مات كافرًا
(2)
.
وذكر الزبير أنه أصاب دمًا في قريش، فانتقل إلى المدينة قبل الهجرة واتخذ بها منزلًا ومالًا، ومات في الإسلام، وأوصى لأخيه سعد، وأمه هند بنت وهب بن الحارث بن زهرة. وعتبة هذا أخو سعد لأبيه
(3)
، وكذلك خالدة
(4)
أخت سعد لأبيه، وأخوه لأبيه وأمه: عمر
(1)
"معرفة الصحابة" 4/ 2138 (2226).
وقال الحافظ ابن عبد البر في "الدرر في اختصار المغازي والسير" ص 148 في الحديث عن غزوة أحد: وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر، وهشمت البيضة على رأسه صلى الله عليه وسلم، وكان الذي تولى ذلك عمرو بن قمئة وعتبة بن أبي وقاص. وروى عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 135 (452)، ومن طريقه الطبري 3/ 432 (7814) عن قتادة: أن رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم أصيبت يوم أحد، أصابها عتبة بن أبي وقاص، وشجه في جبهته .. الحديث.
(2)
رواه أبو نعيم في "المعرفة" 4/ 2138 (5365). ورواه أيضًا الطبري 3/ 432 - 433 (7815). كلاهما من طريق عبد الرزاق في "المصنف" 5/ 290 - 291 (4649)، وفي "التفسير" 1/ 136 (455) عن معمر به.
قال الحافظ في "التهذيب" 3/ 54: سنده منقطع. وقال في "الفتح" 12/ 33: مرسل. ورواه أبو نعيم أيضًا في "المعرفة"(5366) من وجه آخر عن سعيد بن المسيب، بنحوه.
(3)
ينظر تمام ترجمة عتبة بن أبي وقاص في: "أسد الغابة" 3/ 571 (3556)، و"الإنابة" 2/ 53 (725)، و"الإصابة" 3/ 161 (6750).
(4)
هي خالدة بنت أبي وقاص، أم جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب، انظر:"معجم الطبراني الكبير" 2/ 194 (1788)، و"معرفة الصحابة" 2/ 544 (453)، و"الاستيعاب" 1/ 296 - 297 (303)، و"أسد الغابة" 1/ 304 (638)، و"الإصابة" 1/ 212 (1018).
وعامر
(1)
، أمهم حمنة بنت سفيان بن أمية.
وقال ابن التين: فيه: وصية الكافر إلى المسلم؛ لأن عتبة كان كافرًا، وأن للمسلم قبولها. وذكر بعده أيضًا أنه مات كافرًا، وبه جزم الدمياطي أيضًا.
والغلام المتنازع فيه اسمه عبد الرحمن -كما سلف- بن زمعة بن قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر، وأمه امرأة يمانية، وله عقب بالمدينة، وله ذكر في الصحابة
(2)
.
وهذِه المخاصمة كانت عام الفتح كما أخرجه البخاري في الفرائض
(3)
. وسودة إحدى أمهات المؤمنين، تزوجها بعد خديجة، وماتت في آخر خلافة معاوية
(4)
.
ثانيها: في ألفاظه: (الوليدة): الجارية، وجمعها: ولائد. قَالَ ابن داود من أصحابنا: وهو اسم لغير أم الولد. وقال الجوهري: (الوليدة): الصبية والأمة
(5)
.
وقوله: ("يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ") يجوز في ابن رفعه عَلَى النعت ونصبه عَلَى الموضع، ويجوز لك في عبد ضم داله عَلَى الأصل وفتحه إتباعًا
(1)
انظر: ترجمته في: "الاستيعاب" 2/ 347 (1353)، و"أسد الغابة" 3/ 146 (2746)، و"الإصابة" 2/ 257 (4423).
(2)
تقدم ذكره ونسبه، وانظر:"تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 296 (347).
(3)
سيأتي برقم (6749) باب: الولد للفراش حرة كانت أو أمة.
(4)
انظر: ترجمتها في: "طبقات ابن سعد" 8/ 55، و"معرفة الصحابة" 6/ 3227 (3752)، و"الاستيعاب" 4/ 421 (3428)، و"أسد الغابة" 7/ 157 (7027)، و"الإصابة"4/ 338 (606).
(5)
"الصحاح" 2/ 554.
لنون ابن. وزمعة باسكان الميم عَلَى الأكثر كما مضى.
واختلف في معنى قوله: ("هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ") عَلَى قولين:
أحدهما: معناه: هو أخوك، قضاء منه صلى الله عليه وسلم بعلمه لا باستلحاق عبد له؛ لأن زمعة كان صهره صلى الله عليه وسلم، وسودة ابنته كانت زوجته فيمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم علم أن زمعة كان يمسها.
والثاني: معناه: هو لك يا عبد ملكًا؛ لأنه ابن وليدة أبيك، وكل أمة تلد من غير سيدها فولدها عبد، ولم يقر زمعة ولا شهد عليه، والأصول تدفع قول ابنه فلم يبق إلا أنه عبد تبعًا لأمه، قاله ابن جرير.
وقال الطحاوي: معنى: "هُوَ لَكَ" أي: بيدك لا ملك له، لكنك تمنع منه غيرك، كما قَالَ للملتقط في اللقطة:"هي لك"
(1)
أي: بيدك تدفع عنها غيرك حَتَّى يأتيها صاحبها، لا أنها ملك لك. ولا يجوز أن يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعله ابنا لزمعة وأمر أخته أن تحتجب منه، لكن لما كان لعبد شريك فيما ادعاه وهو سودة، ولم يعلم منها تصديقه ألزم صلى الله عليه وسلم عبدًا بما أقر به، ولم يجعله حجة عَلَى سودة، ولم يجعله أخاها، وأمرها أن تحتجب منه
(2)
.
قلت: فيه نظر، وسيأتي الجواب عن احتجابها منه، وليس بمحال.
ويؤيد الأول رواية البخاري في المغازي: "هو لك، هو أخوك يا عبد ابن زمعة"
(3)
من أجل أنه ولد عَلَى فراشه. لكن في "مسند أحمد" و"سنن النسائي": "ليس لك بأخ"
(4)
. واختلف في تصحيحها؛
(1)
سبق برقم (91) ويأتي برقم (2372)، ورواه مسلم (1722/ 5).
(2)
"شرح مشكل الآثار" 4/ 37 - 38 (تحفة).
(3)
يأتي برقم (4303) باب: من شهد الفتح.
(4)
"المسند" 4/ 55 من طريق سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن =
فأعلها البيهقي
(1)
والمنذري
(2)
والمازري
(3)
، وأما الحاكم فاستدركها وصحح إسنادها
(4)
.
= الزبير، أن زمعة كانت له جارية .. الحديث.
و"سنن النسائي" 6/ 180 - 181 من طريق جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن يوسف بن الزبير -مولى لهم- عن عبد الله بن الزبير قال: كانت لزمعة جارية يطؤها .. لحديث.
فسقط من سند أحمد يوسف بن الزبير.
ورواه من طريق أحمد، عبد الرزاق في "المصنف" 7/ 443 (13820) -وهو الذي رواه أحمد عنه- والطحاوي في "المشكل" كما في "التحفة" 4/ 39 (2283).
ورواه من طريق النسائي، أبو يعلى 12/ 187 (6813)، والطحاوي في "شرح المعاني" 3/ 115، وفي "المشكل"(2284)، والدارقطني 4/ 240، والحاكم في "المستدرك" 4/ 96 - 97 - وسيأتي- والبيهقي 6/ 87، والمزي في "تهذيب الكمال" 32/ 425، والذهبي في "ميزان الاعتدال" 6/ 139.
(1)
قال في "السنن" 6/ 87: إسناد هذا الحديث لا يقاوم إسناد الحديث الأول يقصد حديث عائشة الذي هو حديث الباب؛ لأن الحديث الأول رواته مشهورون بالحفظ والفقه والأمانة، والحديث الآخر في رواته من نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ، وهو جرير بن عبد الحميد، وفيهم من لا يعرف بسبب يثبت به حديثه، وهو يوسف بن الزبير.
وقال في "المعرفة" 8/ 298: لم يثبت إسناده.
(2)
قال في "مختصر سنن أبي داود" 3/ 182: هذِه الزيادة لا نعلم ثبوتها ولا صحتها.
(3)
قال في "المعلم بفوائد مسلم" 1/ 431: دعواهم في بعض الطرق: أنه لما أمر سودة بالاحتجاب منه قال: ليس بأخ لك، رواية لا تصح وزيادة لا تثبت.
وقال الخطابي في "معالم السنن" 2/ 705: في بعض الروايات: "احتجبي منه فإنه ليس لك بأخ". وليس بالثابت.
وقال النووي في "شرح مسلم" 10/ 39: قوله: "ليس بأخ لك"، لا يعرف في هذا الحديث، بل هي زيادة باطلة مردودة.
(4)
"المستدرك" 4/ 96 - 97.
وقال الذهبي في "الميزان" 6/ 139: حديث صحيح الإسناد. =
وقال بعضهم الرواية فيه: "هو لك عبد" بإسقاط حرف النداء الذي هو ياء، أي: هو وارثه، فيرث هذا الولد وأمه. وهي غير صحيحة، ثم عَلَى تقدير صحتها قد يكون المراد: يا عبد، فحذف حرف النداء كقوله:{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29].
وقوله: ("الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ") أي: لصاحب الفراش. وكذا أخرجه في الفرائض البخاري من حديث أبي هريرة وترجم عليه وعلى حديث عائشة: الولد للفراش حرة كانت أو أمة
(1)
. والعاهر: الزاني. ومعنى له الحجر: الخيبة ولا حق له في الولد.
وقد أوضحت شرح هذا الحديث في شرحي "للعمدة" فليراجع منه
(2)
.
وانفرد أبو حنيفة فقال: لا تصير الأمة فراشًا إلاِ إذا ولدت ولدًا
(3)
واستلحقه فما يأتي بعد ذَلِكَ يلحقه إلا أن ينفيه. ومقصود البخاري بإيراده هنا استعمال الورع في الأمر الثابت في ظاهر الشرع، والأمر للاحتياط حيث أمرها بالاحتياط ورعًا.
وقوله: (مِنْ شَبَهِهِ) بفتح الشين والباء وبكسر الشين وسكون الباء.
وادعى الداودي أن هذا الحديث ليس من الباب في شيء؛ لأنه يحكم
= وذكر الحافظ في "الفتح" 12/ 37 تضعيف الخطابي والنووي لهذِه الزيادة وقال: وتعقب بأنها وقعت في حديث عبد الله بن الزبير عند النسائي بسند حسن، فرجال سنده رجال الصحيح، إلا شيخ مجاهد، وهو يوسف مولى آل الزبير. وذكر تعليل البيهقي، وتعقبه بما يرده، فلينظر. وكذا تعقبه ابن التركماني في "الجوهر" 6/ 87 بما يرده.
(1)
يأتيا برقمي (6749 - 6750).
(2)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 8/ 458 - 480.
(3)
"بدائع الصنائع" 4/ 126، 6/ 244.
فيه بالشبه وبقول القافة. وليس كما زعم بأنه تفسير للشبهات. واحتج لابن القاسم عَلَى عبد الملك بقوله: ("احْتَجِبِي") في قوله: إن الزاني لا ينكح ابنته. قالوا: فلو لم يراعِ الزاني، لما أمرها أن تحتجب. وأجيب بأن ذَلِكَ من باب الستر، وللرجل أن يمنع زوجته رؤية أخيها.
تنبيهات:
أحدها: روى الطحاوي من حديث عروة، عن عكرمة، عن عبد الله ابن زمعة أنه خاصمه رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولد ولد عَلَى فراش أبيه؛ فقال صلى الله عليه وسلم:"الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة"
(1)
قَالَ: والأول أولى لموافقة الجماعة؛ ولأن عبد الله بن زمعة لم يعلم له حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى حديث الوليدة. وعبد الله بن زمعة -الذي روى عنه عروة أمر النبي صلى الله عليه وسلم باستخلاف أبي بكر عَلَى الصلاة
(2)
.
(1)
"شرح مشكل الآثار" 4/ 31 - 32 (2273)"تحفة".
وإسناده: حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي، حدثنا الهيثم بن جميل، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن زمعة.
فالحديث عن عروة عن عبد الله بن زمعة، ليس فيه ذكر لعكرمة كما ذكر المصنف رحمه الله فيبدو أنه سبق قلم. والله أعلم.
(2)
"شرح المشكل" 4/ 34 (2277). ورواه أيضًا أبو داود (4660)، وأحمد 4/ 322، وابن أبي عاصم في "السنة"(1161)، والطبراني في "الكبير" 13 (213)، وفي "الأوسط" 2/ 11 - 12 (1065)، والحاكم في "المستدرك" 3/ 640 - 641، والضياء في "المختارة" 9/ 356 - 358 (322 - 324) من طريق محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن زمعة بن الأسود قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة قال: مروا من يصلي بالناس،
…
الحديث بطوله.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(4406): إسناده جيد.
وحديث عاقر الناقة
(1)
-ليس هو بابن زمعة أخي سودة، إنما هو عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب
(2)
.
ثانيها: ذكر ابن الجوزي: إذا مات السيد ولم يكن ادعاه ولا أنكره فادعاه ورثته لحق به، إلا أنه لا يشارك مستلحقيه في ميراثهم إلا أن يستلحق قبل القسمة، فإن كان أنكره فلا إلحاق. وكان سعد يقول: هو ابن أخي، يشير إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، وكان عبد يقول: هو أخي ولد عَلَى فراشه، يشير إلى ما استقر عليه الحكم في الإسلام، فقضى به صلى الله عليه وسلم إبطالًا لحكم الجاهلية.
ثالثها: يؤخذ من قوله: "احتجبي منه يا سودة" أن من فجر بامرأة حرمت عَلَى أولاده، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد والأوزاعي والثوري، وهو قول لنا لأنه لما رأى الشبه بعتبة فأجراه مجرى النسب، والأظهر عندنا وعن مالك وأبي ثور: لا، والاحتجاب للتنزيه
(3)
.
ويحتمل كما قَالَ القرطبي أن يكون ذَلِكَ لتغليظ أمر الحجاب في حق سودة. وكذلك قَالَ في حفصة وعائشة في حق ابن أم مكتوم: "أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه"
(4)
، وقال لفاطمة بنت قيس:
(1)
"شرح المشكل" 4/ 33 (2275).
وسيأتي الحديث برقم (3377، 4942)، ورواه مسلم (2855).
(2)
"شرح مشكل الآثار" 4/ 32 - 34 تحفة.
وانظر: ترجمة عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي في: "معرفة الصحابة" 3/ 1653 (1638)، و"الاستيعاب" 3/ 43 (1555)، و"أسد الغابة" 3/ 245 (2949)، و"الإصابة" 2/ 311 (4684).
(3)
"المنتقى" 6/ 10، "الفروع" 5/ 526.
(4)
رواه أبو بكر الشافعي في "الفوائد" 21/ 4 - 5، كما في "الإرواء" 6/ 211 من طريق وهب بن حفص نا محمد بن سليمان نا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي =
"انتقلي إلى بيت ابن أم مكتوم تضعين ثيابك عنده"
(1)
فأباح لها ما منعه لأزواجه
(2)
.
قلت: بل هما أم سلمة وميمونة، لا حفصة وعائشة
(3)
.
رابعها: قول عبد: (أَخِي) تمسك به الشافعي عَلَى أن الأخ يجوز أن يستلحق الوارث نسبًا لمورثه بشرط حوزه للإرث، إذ يستلحقه الكل وبشرط الإمكان وغير ذَلِكَ مما هو مذكور في الفروع، وهي موجودة في الولد المذكور حين استلحقه عنده. وتأوله أصحابنا بتأويلين:
أحدهما: أن سودة أخت عبد استلحقته معه ووافقته في ذَلِكَ حَتَّى يكون كل الورثة مستلحقين.
= عثمان، عن أسامة قال: كانت عائشه وحفصة عند النبي صلى الله عليه وسلم جالستين فجاء ابن أم مكتوم .. الحديث. قلت -أي: الألباني-: وهذا سند واه جدًّا، حفص هذا كذبه أبو عروبة، وقال الدارقطني: كان يضع الحديث ا. هـ.
والحديث رواه: أبو داود (4112)، والترمذي (2778) وأحمد 1/ 296 عن أم سلمة أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل ابن أم مكتوم .. الحديث. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وضعفه الألباني في "الإرواء"(1806).
ملحوظة: قال الألباني: حفص، وفي الإسناد وهب بن حفص وهو الصحيح.
انظر ترجمته في "لسان الميزان" 6/ 229 وكلام ابن أبي عروبة والدارقطني فيه.
(1)
رواه مسلم (1480/ 37) كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.
(2)
"المفهم" 4/ 197 - 198.
(3)
سيأتي تخريج حديث: "أفعمياوان أنتما" هذا في حديث (5236) كتاب: النكاح، باب: نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة. وذلك لأن المصنف رحمه الله سيذكر هذا الحديث هناك بشيء من التفصيل، مصححًا له، وفيما ذكرنا من تخريجه رد على المصنف في تخطئته القرطبي إن كان القرطبي قصد ما في "الفوائد". والله أعلم.
ثانيهما: أن زمعة مات كافرًا فلم ترثه سودة كما سلف وورثه عبد.
وقال مالك: لا يستلحق إلا الأب خاصة
(1)
، واعتذر عنه بأنه صلى الله عليه وسلم لعله علم أنه بالفراش.
خامسها: قَالَ الطحاوي: جعل بعض الناس دعوى سعد دعوى ادعاها لأخيه من أمةٍ لغيره لا تزويج بينهما
(2)
، وليس كما قَالَ؛ لأنه أعلم من أن يدعي دعوى لا معنى لها، ووجه دعواه أن أولاد البغايا في الجاهلية قد كانوا يُلحقونهم في الإسلام بمن ادَّعاهم، وقد كان عمر بن الخطاب يحكم بذلك عَلَى بعده من الجاهلية، فكيف في عهده صلى الله عليه وسلم مع قربه من الجاهلية! فإن ما ادَّعى سعد ما كان يحكم له به؛ لأنه بمنزلة أخيه في ذَلِكَ الذي قد توفي بعهده فيه؛ لولا أن عبد بن زمعة قابل دعواه بدعوى توجب عتاقه للمدِّعي فيه؛ لأنه كان يملك بعضه بكونه ابن أمة أبيه، فلما ادَّعى الأخوة عتق منه حظه، وكان ذَلِكَ هو الذي أبطل دعوى سعد فيه لا لأنها كانت باطلة، ولم يكن من سودة تصديق لأخيها عبد عَلَى ما ادَّعاه من ذَلِكَ، فألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أقر به في نفسه وخاطبه بقوله:"الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ" ولم يجعل ذلك حجة عليها، وأمرها بالحجاب منه، إذ لم يجعله أخاها، وكيف يجوز أن يجعله أخاها ويأمرها بالاحتجاب منه، وهو قد أنكر عَلَى ذَلِكَ احتجابها من عمها من الرضاعة
(3)
؟
فائدة: لا خلاف أن من مات وبيده عبد فادَّعى بعض بني المتوفي أنه أخوه أنه لا يثبت له بتلك الدَّعوى نسب من المتوفي، وأنه يدخل مع المدعي في ميراثه عند أكثر أهل العلم، وإن كان ما يدخل منه مختلفًا
(1)
انظر: "المنتقى" 6/ 7، 8.
(2)
"مشكل الآثار" 4/ 35 تحفة.
(3)
سيأتي برقم (2644)، ورواه مسلم (1445) والمذكورة في الحديث عائشة.
في مقداره، ولا يدخل في قولِ أخرى في شيء مما بيده، منهم الشافعي، وحكي أنه قول جماعة من المدنيين.
قَالَ الطحاوي: وقد روي عن عبد الله بن الزبير أنه كان لزمعة جارية يطؤها، وكان يظن برجل يقع عليها، فمات زمعة وهي حامل، فولدت غلامًا كان يشبه الرجل الذي يظن بها فذكرته سودة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أما الميراث فله وأما أنت فاحتجبي منه فإنه ليس بأخ لك" ففيه نفي الأخوة
(1)
. واحتمل قوله: "أما الميراث فله" أن يكون المراد به الميراث الذي وجب له في قصة عبد بإقراره به لا فيما سواه من تركه زمعة.
سادسها؛ فائدة: فيه -كما قَالَ أبو عمر-: الحكم بالظاهر إذ حكم للولد بالفراش ولم يلتفت للشبه، وكذلك حكم في اللعان بظاهر الحكم، ولم يلتفت إلى ما جاءت به عَلَى النعت المكروه. وحكم الحاكم لا يحل الأمر في الباطل لأمره سودة بالاحتجاب
(2)
.
وأما حديث عدي فذكره هنا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أفتاه بالشدة عن الشبهة أيضًا؛ خشية أن يكون الكلب الذي قتله غير مسمًّى عليه كما أسلفناه، فكأنه أهل به لغير الله، وقد قَالَ تعالى في ذَلِكَ {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فكانت في فتياه باجتناب الشبهات دلالة عَلَى اختيار القول في الفتوى بالأحوط في النوازل والحوادث المحتملة للتحليل والتحريم الذي لا يقف عَلَى حلالها وحرامها؛ لاشتباه أسبابها، وهذا معنى الحديث السالف:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"
(3)
أي: دع ما تشك فيه ولا تتيقن إباحته، وخذ ما لا يشك فيه ولا التباس، وقال ابن المنذر عن بعضهم: الشبهة تنصرف ثلاثة أقسام:
(1)
"شرح معاني الاثار" 3/ 155.
(2)
"التمهيد" 8/ 182.
(3)
تقدم تخريجه أول الباب.
أحدها: شيء يعلمه المرء حرامًا ثم يشك في حله، فالأصل التحريم إلا بيقين مثل الصيد حرام قبل ذكاته، ثم يشك في ذكاته. وحديث عدي شاهد له، وهو أصل لكل محرم حَتَّى يحل، ومن ذَلِكَ موت قريب عَلَى ما بلغه، وله جارية فيتوقف حَتَّى يتبين. وكذا إذا اشتبه عليه مذكًى بميتة، ولا مدخل للاجتهاد فيه عَلَى الأصح.
ثانيها: شيء يعلمه حلالًا ثم يشك في تحريمه، فالأصل الحل، كجارية شك في عتقها، وزوجة شك في طلاقها. وحديث عبد الله بن زيد شاهد له
(1)
.
ثالثها: أن يشكل فلا يدري حله أو حرمته ويحتملان، فالأحسن التنزه كما فعل الشارع في التمرة الساقطة.
وفيه: المعراض وهو عصا في طرفها حديدة يرمي الصائد بها الصيد،
فما أصاب بحده فهو وجه ذكاته فيؤكل، وما أصاب بعرضه فهو وقيذ، وهو المقتول بما لا حد له كالعصا والحجر. يقال: أَقِذُتها أقذها إذا أثخنتها ضربًا. وقَالَ أبو سعيد: الوقذ: الضرب عَلَى ما بين القفا فتصير هَدتها إلى الدماغ فتذهب العقل. وقال ابن فارس: الوقذ: شدة الضرب
(2)
.
وفيه: دلالة عَلَى اعتبار التسمية في الصيد. وقد اختلف العلماء في تاركها عمدًا وسهوًا عَلَى ثلاثة أقوال، ثالثها: يفرق بين العامد والساهي، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن
(1)
يشير المصنف إلى حديث عبد الله بن زيد بن عاصم السالف برقم (137): أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ فقال: "لا ينفتل -أو لا ينصرف- حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا". ويأتي بعد باب برقم (2056).
(2)
"مجمل اللغة" 4/ 933.
حي وإسحاق ورواية عن أحمد، وقال أشهب: يؤكل مطلقًا إلا أن يكون مستحقًّا.
وحمل ابن القصار وابن الجهم قول مالك في العامد عَلَى الكراهية.
وقال عيسى وأصبغ: هو حرام مطلقًا. وهو قول أبي ثور وداود. وقال الشافعي: هو حلال مطلقًا، وهو قول ابن عباس وأبي هريرة.
قَالَ ابن عبد البر: ولا أعلم أحدًا من السلف روي عنه المنع مطلقًا إلا محمد بن سيرين والشعبي، عَلَى خلاف فيه، ونافع
(1)
.
وأما حديث التمرة المسقوطة والساقطة، قد يأتي مفعول بمعنى فاعل كقوله:{إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم: 61]، أي: آتيا، و {حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: 45] أي: ساترًا.
وفيه: أن التمرة وغيرها من اللقط لا يعرف.
وفيه: أنه لا يجب أن يتصدق بها.
وفي "المدونة": يتصدق بالطعام تافهًا كان أو غير تافه أعجب إليَّ إذا كان إن بقي خشي عليه الفساد. وقال مطرف: إن أكله غرِمَه وإن كان تافهًا. وهذا الحديث حجة عليه، قَالَ: وإن تصدق به فلا شيء عليه، ومذهبه تعريف اللقطة وإن قلت كالتمرة والدرهم، وكذا الشافعي لكن ليس كالكثير بل زمنًا يقل أسف صاحبه عليه غالبًا. وحكى ابن المنذر عن مالك: يعرفها سنة فإن كانت أقل من درهم إلاِ أن تكون اليسير مثل الفلس والجزرة فإنه يتصدق به من يومه ولا يأكله. وعن أبي حنيفة أن القليل عشرة دراهم. وقال ابن وهب: يعرفه أيامًا ثم يأكله إن كان فقيرًا أو يتصدق به إن كان مليًا.
(1)
"التمهيد" 22/ 302.
وفيه: أنه لا يأكل الصدقة؛ لتخوفه أن يكون ذَلِكَ من الصدقة، وأنها حرام عليه، وقد سلف ذَلِكَ في الزكاة.
قَالَ المهلب: تركها تنزهًا عنها؛ لجواز أن تكون من تمر الصدقة، وليس عَلَى أحد غيره بواجب أن يتبع (الجزازات)
(1)
؛ لأن الأشياء مباحة حَتَّى يقوم الدليل عَلَى الحظر، فالتنزه عن الشبهات لا يكون إلا فيما أشكل أمره، ولا يدرى أحلال هو أم حرام واحتملهما ولا دليل عَلَى أحدهما، ولا يجوز أن يحكم عَلَى من أخذ مثل ذَلِكَ أنه أخذ حرامًا؛ لاحتمال أن يكون حلالًا، غير أنا نستحب من باب الورع أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل في التمرة، وقد قَالَ لوابصة بن معبد حين سأله عن البر والإثم فقال:"البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في الصدر" كذا ساقه ابن بطال عن وابصة
(2)
، والذي يحضرنا أنه قَالَ للنواس بن سمعان
(3)
. وقال ابن عمر: لا يبلغ أحد حقيقة التقوى
(1)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" 6/ 197، وفي "عمدة القاري" 9/ 251: الجوازات.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 198.
(3)
حديث النواس رواه مسلم (2553) كتاب: البر والصلة، باب: تفسير البر والإثم.
وحديث وابصة -هو ابن معبد- حديث مشهور معروف:
رواه أحمد 4/ 228، والدارمي 3/ 1649 (2575)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 144 - 145، والحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث"(55)، وكما في "إتحاف الخيرة المهرة" 1/ 242 - 243 (359/ 1)، وأبو يعلى 3/ 160 - 162 (1586 - 1587)، والطبراني في "الكبير" 22 (403)، وأبو نعيم في "الحلية" 2/ 24، 6/ 255، والبيهقي في "الدلائل" 6/ 292 - 293 من طريق حماد بن سلمة، عن الزبير أبي عبد السلام، عن أيوب بن عبد الله بن مكرز، عن وابصة، بنحوه. =
حَتَّى يدع ما حاك في الصدر
(1)
.
فإن قلت: إذا وجدت التمرة في البيت فقد بلغت محلها وليست من
الصدقة، قلت: كان صلى الله عليه وسلم يؤتى بالتمر عند صرام النخل -كما ساقه البخاري عن أبي هريرة- وإن الحسن أو الحسين أخذ تمرة فجعلها في فيه، فطرحها من فيه
(2)
. وهذا أحسن من جواب القابسي أنه يحتمل
أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم الصدقة ثم ينقلب إلى أهله، فربما علقت تلك التمرة بثوبه فسقطت عَلَى فراشه فصارت شبهة.
وفيه أيضًا: أن أموال المسلمين لا يحرم منها إلا ما له قيمة ويتشاح في مثله، وأما التمرة واللبابة من الخبز ونحوهما فقد أجمعوا عَلَى أخذها
= قال النووي في "المجموع" 9/ 175 وفي "الأذكار" كما في "نيل الأوطار بتخريج أحاديث الأذكار"(1255) وفي "رياض الصالحين"(591) وفي "الأربعين النووية" الحديث (27): حديث حسن.
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب"(2683): إسناده حسن.
لكن الحديث أشار الحافظ ابن رجب لضعفه في "جامع العلوم والحكم" 2/ 94.
وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 175: فيه أيوب بن عبد الله بن مكرز، قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه، ووثقه ابن حبان.
وقال البوصيري في "الإتحاف" 1/ 243: مدار هذِه الطرق على أيوب بن عبد الله، وهو مجهول.
وقال الألباني في "صحيح الترغيب"(1734): حسن لغيره.
اعتذار: ذكر شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 10/ 476 هذا الحديث وقال: هو في السنن! وهذا خطأ؛ فالحديث -كما في التخريج- ليس في شيء من السنن الأربعة، إلا في "سنن الدارمي". وجلَّ من لا يسهو، فالمصنف لم يحضره هذا الحديث وإنما عزاه لابن بطال! والله أعلم.
(1)
سلف معلقًا قبل حديث (8) وسلف الكلام عليه هناك.
(2)
سلف برقم (1485).
ورفعها من الأرض وإكرامها بالأكل دون تعريفها؛ استدلالًا بقوله:
"لأَكَلْتُهَا" وأنها مخالفة لحكم اللقطة، وسيأتي ذَلِكَ في كتاب: اللقطة. وحديث أنس وحديث أبي هريرة يدل أنهما واقعتان، وجد تمرة في الطريق والثانية عَلَى فراشه.
وأما حديث عائشة فإقراره لهم عَلَى هذا السؤال وجوابه لهم يدل عَلَى اعتبار التسمية إما عند الذبح أو عند الأكل، والتسمية عند الأكل مستحبة، وظاهره أنها تنوب عن التسمية عند الذكاة، لا كما نفاه ابن التين وابن الجوزي حيث قال: قوله: "سَمُّوا وَكُلُوا" ليس يعني أنه يجزئ عما لم يسم عليه ولكن؛ لأن التسمية عند الطعام سنة، ويستباح بها أكل ما لم يعرف أَسُمِّي عليه أم لا إذا كان الذابح ممن تصح ذكاته إذا سمى.
قَالَ الداودي: أمر صلى الله عليه وسلم ألا نظن بالمسلمين إلا خيرًا، وأن نحمل أمرهم عَلَى الصحة حَتَّى يتبين غيره.
وقال مالك في "الموطأ": هذا كان في أول الإسلام قبل أن تنزل آية التسمية
(1)
. وقد روى ذَلِكَ مبينًا في حديث عائشة: أن الذابحين كانوا حديثي عهد بالإسلام وممن يصح أن لا يعلموا أن هذا شرع، وأما الآن فقد استبان ذَلِكَ حَتَّى لا نجد من لا يعلم أنها مشروعة، ولا نظن بالمسلمين تركها، فليسم إذا أكل، ويسمي الآكل لما يخشى من النسيان، قاله الداودي، وهي نزعة مالكية.
وقال ابن بطال: في جواب هذا منه صلى الله عليه وسلم من الأخذ بالحزم في ذَلِكَ؛ خشية أن ينسى الذي صاده التسمية، وإن كانت التسمية عند الأكل غير
(1)
"الموطأ" ص 302.
واجبة، لما تقرر من فضل أهل ذَلِكَ القرن، وبعدهم عن مخالفة أمر الله ورسوله في ترك التسمية عَلَى الصيد
(1)
. وإنما لم تدخل الوساوس في حكم الشهات المأمور باجتنابها لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم"
(2)
فالوسوسة ملغاة مطرحة لا حكم لها ما لم تستقر وتثبت. والمالكية حملوا حديث عبد الله بن زيد عَلَى المستنكح الذي يغتر به ذَلِكَ كثيرًا بدليل شكايته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ. والشكوى إنما تكون من علة، فإذا كثر الشك في مثل ذَلِكَ وجب إلغاؤه وإطراحه؛ لأنه لو أوجب له صلى الله عليه وسلم حكمًا؛ لما انفك صاحبه من أن يعود إليه مثل ذَلِكَ التخيل والظن فيقع في ضيق وحرج. وكذا حديث عائشة مثل هذا المعنى؛ لأنه لو حمل ذَلِكَ الصيد عَلَى أنه لم يذكر اسم الله عليه، لكان في ذَلِكَ أعظم الحرج، والمسلمون محمولون عَلَى السلامة، ولا ينبغي أن نظن بهم ترك التسمية، فتضعف الشبهة فيه، فلذلك لم يحكم بها وغلب الحكم بضدها، لأن المسلمين في ذَلِكَ الزمن كانوا من القرن الذين أُثني عليهم، فلا يتوجه إليهم سوء الظن في دينهم
(3)
.
وكذا قَالَ أبو عمر: في الحديث من الفقه أن ما ذبحه المسلم ولا يدرى هل سمى عليه أم لا؟ أنه لا بأس به، وهو محمول عَلَى
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 200.
(2)
رواه مسلم (127) عن أبي هريرة.
(3)
يشير المصنف رحمه الله إلى حديث ابن مسعود الآتي برقم (2652): "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم
…
" الحديث. ورواه مسلم (2533).
ورواه مسلم أيضًا (2534 - 2536) من حديث أبي هريرة وعمران بن حصين وعائشة، بنحوه.
أنه سمى، إذ المؤمن لا يظن به إلاِ الخير، وذبيحته وصيده أبدًا محمولة عَلَى السلامة حَتَّى يتبين غيره من تعمد ترك التسمية ونحوه، قَالَ: وبلغني أن ابن عباس سئل عن الذي نسي أن يسمي الله عز وجل عَلَى ذبيحته، قَالَ: يسمي الله ويأكل ولا بأس عليه
(1)
. وقال مالك مثله.
ومما يدل عَلَى بطلان قول من قَالَ: إن ذَلِكَ كان قبل نزول: {وَلَا تَأكُلُو} أن هذا الحديث كان بالمدينة، وأن أهل مكة باديتها هم الذين أشير إليهم بالذكر في الحديث. ولا يختلف العلماء أن الآية نزلت في الأنعام بمكة، وأن الأنعام مكية.
قلت: لكن ذكر الثعلبي وغيره أن فيها ست آيات مدنيات نزلن بها.
وأجمع العلماء عَلَى أن التسمية عَلَى الأكل إنما معناها التبرك لا مدخل لها في الذكاة بوجه من الوجوه. واستدل جماعة العلماء عَلَى أن التسمية ليست واجبة بهذا الحديث لما أمرهم بأكل ذبيحة الأعراب بالبادية، إذ يمكن أن يسموا ويمكن أن لا بجهلهم. ولو كان الأصل أن لا يؤكل من ذبائح المسلمين إلا ما صحت التسمية عليه لم يجز استباحة شيء من ذَلِكَ إلا بيقين من التسمية، إذ الفرائض لا تؤدى إلا بيقين، والشك والإمكان لا تستباح به المحرمات. قالوا: وأما قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} الآية [الأنعام: 121] فإنما خرج على تحريم الميتة وتحريم ما ذبح على النصب وأهل به لغير الله، قال ابن عباس: خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أنأكل مما قتلنا ولا نأكل
(1)
"التمهيد" 22/ 299 - 303. وأثر ابن عباس رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 479 (8538، 8541)، 4/ 481 (8548)، والدارقطني 4/ 296، والحاكم 4/ 233، والبيهقي 9/ 239 من طرق عنه، وبألفاظ مختلفة.
(1)
رواه أبو داود (2819)، والترمذي (3069)، والطبري في "تفسيره" 5/ 328 (13829)، والبيهقي 9/ 240، وابن عبد البر 22/ 300 - 301، والضياء في "المختارة" 10/ 255 - 257 (269 - 271) من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
ووقع عند الترمذي: أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم، دون تعيين أنهم اليهود.
ووقع عند الضياء في الحديث الثاني: إن المشركين قالوا.
قال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" 4/ 113: عطاء بن السائب اختلفوا في الاحتجاج بحديثه، وأخرج له البخاري مقرونًا بجعفر بن أبي وحشية، وفي إسناده أيضًا عمران بن عيينة، قال أبو حاتم: لا يحتج بحديثه فإنه يأتي بالمناكير. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن القيم في "الحاشية" 4/ 113 - 114: هذا الحديث له علل: إحداها: أن عطاء بن السائب اضطرب فيه، فمرة وصله ومرة أرسله. الثانية: ذكر العلة الأولى التي ذكرها المنذري. الثالثة: ذكر العلة الثانية التي ذكرها المنذري. الرابعة: أن سورة الأنعام مكية باتفاق، ومجيء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم إياه إنما كان بعد قدومه المدينة.
وقال الحافظ ابن كثير في "التفسير" 6/ 156 - 157: الحديث فيه نظر من وجوه ثلاثة:
أحدها: أن اليهود لا يرون إباحة الميتة حتى يجادلوا.
الثاني: أن الآية من الأنعام وهي مكية.
الثالث: أن الحديث رواه الترمذي بلفظ: أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: حسن غريب، وروي عن سعيد بن جبير مرسلًا. اهـ.
وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(2510): حديث صحيح، لكن ذكر اليهود فيه منكر. والمحفوظ أنهم المشركون أهـ.
وروى أبو داود (2818)، وابن ماجه (3173)، والطبري 5/ 326 (13816)، والحاكم 4/ 113، 231، والبيهقي 9/ 241 من طريق إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} يقولون: ما ذبح الله فلا تأكلوا وما ذبحتم أنتم فكلوا، فأنزل الله عز وجل {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} والحديث قال عنه الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. =
قَالَ أبو عمر: كذا في الحديث: اليهود، وإنما هم المشركون؛ لأن اليهود لا يأكلون الميتة كما ساقه ابن عباس مرة أخرى
(1)
. والمخاصمة هي التي قَالَ تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} الآية [الأنعام: 121]. يريد قولهم: ما قتل الله تعالى.
= وقال الحافظ ابن كثير 6/ 158: إسناده صحيح. وكذا قال الحافظ في "الفتح" 9/ 624. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2509).
قال ابن كثير 6/ 158: المحفوظ ما روي عن ابن عباس وليس فيه ذكر اليهود. اهـ بتصرف.
(1)
"التمهيد" 22/ 301. وحديث ابن عباس تقدم تخريجه والكلام عليه.
6 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11]
2058 -
حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَقْبَلَتْ مِنَ الشَّأْمِ عِيرٌ، تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالتَفَتُوا إِلَيْهَا، حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11][انظر: 936 - مسلم: 863 - فتح: 4/ 296]
ذكر فيه حديث حُصَيْنٍ -وهو ابن عبد الرحمن- عَنْ سَالِمٍ -وهو ابن أبي الجعد رافع- قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَقْبَلَتْ مِنَ الشَّأْمِ عِيرٌ، تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالتَفَتُوا إِلَيْهَا، حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11].
هذا الحديث سلف بالإسناد المذكور في الجمعة، في باب: إذا نفر الناس عنه، فراجعه
(1)
. وسلف تفسير الآية قريبًا
(2)
. وقال قتادة: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلًا وامرأة
(3)
.
(1)
سلف برقم (936).
(2)
يراجع أول كتاب: البيوع.
(3)
رواه الطبري 12/ 98 (34140، 34142).
7 - باب مَنْ لَمْ يُبَالِ مِنْ حَيْثُ كَسَبَ المَالَ
2059 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لَا يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ، الحَلَالِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ". [2083 - فتح: 4/ 296]
ذكر فيه حديث المقبري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لَا يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ، الحَلَالِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ".
هذا الحديث من أفراده.
ونحوه حديث الحسن عن أبي هريرة أيضًا مرفوعًا: "يأتي عَلَى الناس زمان لا يبالي فيه أحد إلا آكل الربا فإن لم يأكله أصابه من غباره"، أخرجه الحاكم، ثم قَالَ: إن صح سماع الحسن من أبي هريرة فهذا حديث صحيح
(1)
.
(1)
"المستدرك" 2/ 11.
ورواه أيضًا أبو داود (3331)، والنسائي 7/ 243، وابن ماجه (2278) وأحمد 2/ 494، وأبو يعلى 11/ 105 - 106 (6233)، 11/ 114 (6241)، والبيهقي 5/ 275 - 276، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/ 93 (1272)، والمزي في "تهذيب الكمال" 10/ 417 من طرق عن الحسن، به.
قال المنذري في "الترغيب والترهيب"(2864): اختلف في سماع الحسن من أبي هريرة، والجمهور على أنه لم يسمع منه.
وقال في "مختصر سنن أبي داود" 5/ 8: الحسن لم يسمع من أبي هريرة، فهو منقطع.
وقال الذهبي في "المهذب" 4/ 2042: لم يصح؛ للانقطاع.
وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب"(1167)، و"ضعيف الجامع"(4864).
وهذا يكون لضعف الدين وعموم الفتن، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا
(1)
، وأنذر بكثرة الفساد، وظهور المنكر، وتغير الأحوال، وذلك من أعلام نبوته.
وفي الحديث: "من بات كالًّا من عمل الحلال بات والله عنه راضٍ، وأصبح مغفورًا له"
(2)
.
و"طلب الحلال فريضة عَلَى كل مؤمن"
(3)
ذكره (المنذري) من
(1)
رواه مسلم (145) عن أبي هريرة.
(2)
روي من حديث ابن عباس والمقدام بن معدي كرب.
حديث ابن عباس رواه الطبراني في "الأوسط" 7/ 289 (7520) بلفظ: "من أمسى كالًا من عمل يديه أمسى مغفورًا له".
قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 63: فيه جماعة لم أعرفهم، وضعفه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(1660)، والألباني في "الضعيفة"(2626).
وأما حديث المقدام فرواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 14/ 10 بلفظ: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو باسط يديه وهو يقول: "ما أكل العبد طعامًا أحب إلى الله من كدّ يده، ومن بات كالًا من عمله بات مغفورًا له".
قال الحافظ الذهبي في "السير" 14/ 550، والألباني في "الضعيفة" (1794): حديث منكر. وانظر الحديث الآتي قريبًا برقم (2072).
(3)
روي من حديث عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وابن عباس وابن عمر.
حديث ابن مسعود رواه الطبراني 10/ 74 (9993)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "طبقات المحدثين" 3/ 320 (510)، والأزدي في "من وافق اسمه" ص 51، وأبو الحسين الصيداوي في "معجم الشيوخ" ص 106، وأبو نعيم في "الحلية" 7/ 126، وفي "أخبار أصبهان" 2/ 339، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 104 (122)، والبيهقي في "السنن" 6/ 128، وفي "الشعب" 6/ 420 (8741)، والحافظ الذهبي في "السير" 15/ 422، وفي "تذكرة الحفاظ" 3/ 902 من طريق
يحيى بن يحيى، عن عباد بن كثير الرملي، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا:"طلب الحلال فريضة بعد الفريضة". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وسقط من سند الذهبي في "السير": إبراهيم.
والحديث آفته عباد بن كثير؛ قال ابن حبان في "المجروحين" 2/ 169 - 170: هو عندي لا شيء في الحديث؛ لأنه روى عن سفيان .. وذكر الحديث، ثم قال: ومن روى مثل هذا الحديث عن الثوري بهذا الاسناد بطل الاحتجاج بخبره.
وقال الحاكم في "المدخل إلى الصحيح" في ترجمة عباد بن كثير الرملي (145): روى عن الثوري أحاديث موضوعة، وهو صاحب حديث .. فذكره.
وقال أبو نعيم الحافظ في مقدمة "المستخرج" 1/ 76 (178): عباد بن كثير الرملي، روى عن الثوري حديث:"طلب الحلال فريضة"، لا شيء.
وقال البيهقي في "السنن": تفرد به عباد بن كثير، وهو ضعيف. وقال في "الشعب": قال الحاكم: بلغني عن محمد بن يحيى أنه قال: لم أكره ليحيى بن يحيى شيئًا قط غير رواية هذا الحديث.
وقال الذهبي في "السير": تفرد به عباد، وهو ضعيف. وقال في "التذكرة": عباد واهٍ.
وقال الهيثمي في "المجمع" 10/ 291: عباد متروك.
وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(684): سنده ضعيف.
وقال الألباني في "الضعيفة"(6645): حديث منكر.
وأما حديث أنس فرواه الطبراني في "الأوسط" 8/ 272 (8610).
بلفظ: "طلب الحلال واجب على كل مسلم".
قال المنذري في "الترغيب"(2658): إسناده حسن. وتبعه الهيثمي في "المجمع" 10/ 291، وكذا الحافظ في "مختصر الترغيب والترهيب"(161).
لكن الحديث ضعف إسناده الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(1649).
وأورده الألباني في "الضعيفة"(3826) وقال: منكر. وجلّى فيه ثلاث علل، وتعقب المنذريَّ والهيثميَّ إذ حسناه.
وأما حديث ابن عباس فرواه أبو عبد الرحمن السلمي في "طبقات الصوفية" ص 281، ومن طريقه القضاعي 1/ 83 (82) من طريق محمد بن الفضل، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعًا:"طلب الحلال جهاد". وزاد السلمي: "وإن الله يحب المؤمن المحترف".
والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة"(1301). =
حديث ابن عباس في "ترغيبه وترهيبه"
(1)
.
وهو مثل مقارعة الأبطال في سبيل الله
(2)
، فأخبر بما ذكره تحذيرًا؛ لأن فتنة المال شديدة.
قَالَ ابن سيرين: لو علمت مائدة يؤكل عليها رغيف حلال لانتحلت به. وكان هذا عَلَى وجه التوقي، وقد دُعي أبو هريرة إلى طعام، فلما أكل لم ير نكاحًا ولا ختانًا ولا مولودًا، قَالَ: ما هذا؟ قيل: خفضوا جارية، قَالَ: هذا طعام ما كنا نعرفه، ثم قاءه. وقال: يقال: أول ما ينتن من الإنسان بطنه
(3)
. ذكره ابن التين.
وقال أبو خالد الأحمر: سمعت الثوري يقول: كان أقوام يدعون إلى الحلال فلا يقبلونه، وإنهم لفي جهد، يقولون: نخاف منه عَلَى أنفسنا
(4)
.
= وخالف محمد بن مروان، محمد بن الفضل، فيما رواه ابن عدي في "الكامل" 7/ 213 فرواه عن ليث عن مجاهد، عن ابن عمر، فجعله من مسند ابن عمر.
قال الحافظ في "التهذيب" 3/ 692: حديث منكر.
والحديث أورده السخاوي في "المقاصد الحسنة"(801) وقال: لحديث ابن مسعود شواهد -فذكره عن أنس وابن عباس وابن عمر- وقال: وبعضها يؤكد بعضًا، لاسيما وشواهدها كثيرة. وأورده أيضًا ابن الديبع الشيباني في "تميز الطيب"(977) عن ابن مسعود، وقال: له شواهد كثيرة.
(1)
وانظر: "الترغيب والترهيب" اللمنذري 2/ 344 - 345.
(2)
يشير المصنف إلى ما رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 2/ 86 (1232) عن السكن يرفعه: "طلب الحلال مثل مقارعة الأبطال في سبيل الله، ومن بات عييًا من طلب الحلال بات والله عز وجل عنه راضٍ". وقد ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(3621).
(3)
الشطر الأخير هذا صح عن جندب، فيما سيأتي برقم (7152): "إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع ألا يأكل إلا طيبًا فليفعل
…
" الحديث.
(4)
رواه أبو نعيم في "الحلية" 7/ 10.
وروى إسماعيل بن عياش، ثَنَا حميد الطويل، عن أنس يرفعه:"إن مثل هذا الدين كمثل شجرة ثابتة: الإيمان أصلها، والزكاة فرعها، والصيام عروقها، والتآخي في الله نباتها، وحسن الخلق ورقها، والكف عن محارم الله ثمرتها فكما لا تكمل هده الشجرة إلا بثمرة طيبة لا يكمل الايمان إلا بالكف عن محارم الله"
(1)
.
وعن عتبة بن يزيد قَالَ: قَالَ عيسى صلوات الله وسلامه عليه: ابن آدم الضعيف اتق الله حيثما كنت، وكل كسرتك من حلال.
وفي حديث ابن عباس مرفوعًا: "من نبت لحمه من سحت فالنار أولى به"
(2)
.
(1)
رواه الديلمي كما في "الفردوس" 4/ 145 (6447).
(2)
قطعة من حديث رواه الطبراني في "الكبير" 11/ 114 (11216) من طريق حمزة النصيبي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس.
قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 212: فيه: أبو محمد الجزري ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وقال المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 9/ 357: حمزة النصيبي، هو آفته، فإنه وضاع.
وقال الألباني في "الصحيحة" 3/ 19: رجاله كلهم ثقات غير حمزة هذا، قال في "التقريب": متروك متهم بالوضع. اهـ.
ورواه الطبراني في "الكبير" 11/ 217 - 218 (11544)، والبيهقي في "الشعب" 4/ 393 - 394 (5518) من طريق حسين بن قيس، عن عكرمة، عن ابن عباس.
قال الهيثمي 10/ 293: فيه حسين بن قيس، وهو متروك. وقال الذهبي في "الميزان" 2/ 69: حديث منكر. وقال في "التلخيص" 4/ 100 حنش وهو لقب حسن بن قيس- ضعيف. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(2970).
لكنه تابعه إبراهيم بن أبي عبلة، رواه الطبراني في "الأوسط" 3/ 211 (2944)، وفي "الصغير" 1/ 147 (224)، وفي "مسند الشاميين" 1/ 61 (63)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 248. =
وروى أبان بن أبي عياش: قَالَ أنس: قلت: يا رسول الله اجعلني مستجاب الدعوة، قَالَ: "يا أنس أطب كسبك تستجاب دعوتك، فإن الرجل يرفع إلى فمه اللقمة من حرام فلا (تستجاب)
(1)
له دعوة أربعين يومًا"
(2)
وفي الصحيح: "ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك"
(3)
.
= قال الهيثمي 4/ 117: فيه: سعيد بن رحمة، وهو ضعيف.
وقال الألباني في "الصحيحة" 3/ 18: إبراهيم بن أبي عبلة ثقة من رجال الشيخين.
وتابعه أيضًا خصيف. رواه الخطيب 6/ 76، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 277 (1272) وضعفه.
وقال الألباني في "الصحيحة" 3/ 18: خصيف صدوق سيئ الحفظ، خلط بآخره.
وروى الطبراني في "الأوسط" 6/ 310 - 311 (6495)، وعنه ابن مردويه كما في "تفسير ابن كثير" 2/ 144 - 145 من طريق أبي عبد الله الجوزجاني، عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس قال: تليت هذِه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يومًا وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى" به.
قال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" 1/ 260: إسناد فيه نظر. وقال الحافظ في "التلخيص" 4/ 150: أعله ابن الجوزي. وقال الألباني في "الضعيفة"(1812): ضعيف جدًّا. وكذا قال في "ضعيف الترغيب"(1071).
وفي الباب عن كعب بن عجرة وأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، انظر تخريجها في "البدر المنير" 9/ 355 - 357، و"تلخيص الحبير" 4/ 149، و"الكاف الشاف" 1/ 622، و"الضعيفة"(3458).
(1)
فوقها في الأصل: كذا؛ وذلك لأن الجادة: (تستجب) على الجزم في جواب الطلب.
(2)
لم أهتد إليه عن أنس، وتقدم تخريجه عن ابن عباس، وفيه سعد بن أبي وقاص، بدل أنس.
(3)
رواه مسلم (1015) عن أبي هريرة.
8 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {(أَنْفِقُوا)
(1)
مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267]
2065 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا". [انظر: 1425 - مسلم: 1024 - فتح: 4/ 300]
2066 -
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ". [5192، 5195، 5360 - مسلم: 1026 - فتح: 4/ 301]
ذكر فيه حديث عائشة رفعته: "إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا".
وحديث أبي هريرة مرفوعًا: "إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ".
هذا باب في أصل الدمياطي هنا، وهو مؤخر بعده في الشروح كلها وفي غيره
(2)
.
(1)
في الأصل: (كلوا) وعليها في الهامش: التلاوة (أنفقوا).
(2)
وقع في "شرح ابن بطال" 6/ 201، و"فتح الباري" 4/ 297، و"عمدة القاري" 9/ 254، و"شرح الكرماني" 9/ 190، و"منحة الباري" 4/ 492، و"التوشيح" 4/ 1505، واليونينية 3/ 55، و"صحيح البخاري بحاشية السندي" 2/ 4 مكان هذا =
وقوله: في التبويب ({أَنفِقُواْ}) كذا هو في بعض الروايات، وفي بعض رواة أبي الحسن:(كلوا)، والأول: التلاوة، ولعل الثاني سبق قلم، فالآية الأخرى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}
(1)
[البقرة: 57] والطيب: الحلال وكذا كل ما في القران من ذكر الطيبات.
وحديث عائشة سلف في باب: من أمر خادمه بالصدقة
(2)
سواء متنًا
= الباب، باب: التجارة في البر وغيره، وتحته حديثان:(2060 - 2061) وبعده باب: الخروج في التجارة. حديث (2062). وهو الباب الآتي بعد هنا أيضًا.
وأما الباب المذكور هنا فوقع في "شرح ابن بطال" 6/ 25 بعد باب: التجارة في البحر. وفي "الفتح" 4/ 300، و"العمدة" 9/ 260، والكرماني 9/ 194، و"المنحة" 4/ 495، و"التوشيح" 4/ 1508، واليونينية 3/ 56، و"الصحيح بحاشية السندي" 2/ 5 بعد باب:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} .
وهو الباب الآتي هنا بعد باب: التجارة في البحر.
(1)
وقع في "شرح ابن بطال" 6/ 205: (كلوا) أي: على الخطأ، لذا قال: الآية التي ترجم بها وقع فيها غلط من الناسخ، والله أعلم، وصوابها:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} .
ووقع في "الفتح" 4/ 300: (أنفقوا) على الصواب. وقال الحافظ: حكى ابن بطال أنه وقع في الأصل: (كلوا) بدل: (أنفقوا) وقال: إنه غلط. اهـ.
وكذا رأيته في رواية النسفي، وقد ساق الآية في كتاب الزكاة على الصواب.
قلت: هو باب رقم (29) بعد حديث (1444).
ووقع في "عمدة القاري" 9/ 260: (أنفقوا) وقال: في "التلويح": وفي بعض النسخ -كلوا من طيبات ماكسبتم- فالأول التلاوة، وكأن الثاني من طغيان القلم.
ووقع أيضًا في "شرح الكرماني" 9/ 194: (أنفقوا) وقال: وفي بعضها؛ (كلوا) بدل: (أنفقوا)، وهو سهو. وكذا وقع في "المنحة" 4/ 496 وقال صاحبه: في نسخة: (كلوا) وهو غلط. ووقع أيضًا في "التوشيح" 4/ 1508 على الصواب: (أنفقوا). وقال في هامش "اليونينية" 3/ 56: لأبي الوقت: (كلوا) بدل: (أنفقوا).
(2)
ورد بهامش الأصل: لكن هناك قال: عن شقيق وهنا: عن أبي وائل فذكره هناك باسمه، وهنا بكنيته.
وإسنادًا
(1)
، ولا تنافي بينه وبين حديث أبي هريرة: لأن قوله: ("لها نِصْفُ أَجْرِهِ")
(2)
يريد أن أجر الزوج وأجر مناولة الزوجة يجتمعان فيكون لكل النصف، فذلك النصف هو أجرها كله، والنصف الذي للزوج هو أجره كله. وعلى هذا تتخرج رواية أبي الحسن:"فله نصف أجره"
(3)
أي: نصف أجرها.
قلت: والأول: لم يعين أجرها ولا مقداره، وفي الثاني: للزوج نصف أجره لكونه لم يأذن، فلو أذن استوفى الأجر كله.
وقال المنذري: هو عَلَى المجاز أي: أنهما سواء في المثوبة كل واحد منهما له أجر كامل، وهما اثنان فكأنهما نصفان. وقيل: يحتمل أن أجرهما مثلان، فأشبه الشيء المنقسم بنصفين، وأن نية هؤلاء وإخراجهم الصدقة ماثلت قدر ما خرج من مال الآخر بغير يده أو يكون ذَلِكَ فضلًا من الله، إذ الأجور ليست بقياس، ولا بحسب الأعمال، وذلك من فضل الله العميم.
وفي الآية: الأمر بالإنفاق والصدقة من حلال الكسب والتجارة.
وفي الحديث: صدقة المرأة من غير إذن زوجها، وإنما يباح ما يعلم أن نفسه تطيب به ولا يشح بمثله فيؤجر كل منهما؛ لتعاونه عَلَى الطاعة، وقد سلف بسطه في الزكاة. وفي "مسند أبي داود الطيالسي" و"سنن البيهقي" من حديث ابن عمر رفعه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن عليها
(1)
برقم (1425).
(2)
كذا في أصل نسخة المصنف رحمه الله وفي "صحيح البخاري بحاشية السندي" 2/ 6: فله نصف أجره.
وسيذكرها المصنف قريبًا.
(3)
انظر: "اليونينة" 3/ 56، و"منحة الباري" 4/ 497.
-في هذِه الحالة- الوزر وله الأجر"
(1)
. قَالَ البيهقي: فإن كان هذا محفوظًا فيحمل الأول عَلَى إنفاقها مما أعطاها الزوج من قوتها، وبذلك أفتى أبو هريرة
(2)
.
(1)
"مسند الطيالسي" 3/ 457 (2063)، "سنن البيهقي" 4/ 194، 7/ 292.
ورواه أيضًا مسدد كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 4/ 75 (3196/ 2)، وفي "المطالب العالية" 8/ 331 (1664/ 2)، وعبد بن حميد في "المنتخب" 2/ 38 - 39 (811)، وأبو يعلى كما في "المطالب" 1664/ 5. من طرق عن ليث بن أبي سليم، عن عطاء، عن ابن عمر.
قال الحافظ الذهبي في "المهذب" 6/ 2875: ليس ليث بحجة.
وقال الحافظ في "المطالب" 8/ 332: ليث بن أبي سليم ضعيف.
لذا ضعف الألباني الحديث في "الضعيفة"(3515).
(2)
"سنن البيهقي" 7/ 293.
9 - باب التِّجَارَةِ فِي البَرِّ، وغيره
وَقَوْلِهِ: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ} [النور: 37]. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ القَوْمُ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللهِ.
2060، 2061 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ قَالَ: كُنْتُ أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ، فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رضي الله عنه فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وَحَدَّثَنِي الفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَعَامِرُ بْنُ مُصْعَبٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا المِنْهَالِ يَقُولُ: سَأَلْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَا: كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَ:"إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلَا يَصْلُحُ". الحديث 2060 [2180، 2497، 3939 - فتح: 4/ 294] الحديث 2061 [2181، 2498، 3940 - مسلم: 1589 - فتح: 4/ 217]
ذكر فيه حديث عَمْرِو بْن دِينَارٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ قَالَ: كُنْتُ أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ، فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَعَامِرُ بْنُ مُصْعَبٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا المِنْهَالٍ يَقُولُ: سَأَلْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَا: كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلَا يَصْلُحُ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
(1)
مسلم (1589) كتاب: المساقاة، باب: النهي عن بيع الورِق بالذهب دينًا.
وشيخ البخاري: أبو عاصم اسمه الضحاك بن مخلد، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أحد الأعلام، أخو محمد قَالَ: ما دون العلم بتدوين أحد، مات سنة خمسين ومائة، وأبو المنهال اسمه عبد الرحمن بن مطعم البصري الراوي عن ابن عباس والبراء، وعنه عمرو بن دينار، مات سنة ست ومائة
(1)
، وليس بأبي المنهال ذاك سيار بن سلامة الراوي عن أبي برزة فاعلمه
(2)
، والبر في الترجمة -بفتح الباء والراء المشددة، وكذا هو مضبوط في أصل الدمياطي، وسيترجم بعده: التجارة في البحر، وقال بعض شيوخنا: اختلف في هذا التبويب هل هو البر بفتح الباء أو ضمها أو بالزاي.
قَالَ: وبكلها جاءت النسخ ولم أر متقنًا ضبطها
(3)
.
(1)
انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 17/ 406 (3958).
(2)
انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 12/ 308 (2667).
(3)
قال الحافظ في "الفتح" 4/ 297 وقد وقع عنده: (البز) بفتح الباء والزاي المعجمة: اختلف في ضبط البز فالأكثر على أنه بالزاي، وصوب ابن عساكر أنه بالراء وهو أليق بمؤاخاة الترجمة التي بعد هذِه بباب، وهو: التجارة في البحر، وكذا ضبطها الدمياطي، وقرأت بخط القطب الحلبي ما يدل على أنها مضبوطة عند ابن بطال وغيره بضم الموحدة وبالراء، قال: وليس في الباب ما يقتضي تعيينه من بين أنواع التجارة.
ووقع في "عمدة القاري" 9/ 254: "البر" بفتح الباء الموحدة والراء- وقال: قيل: بفتح الباء والزاي، وقيل: بضم الباء والراء.
قيل: الأكثر على أنه بالزاي؛ وليس في الحديث ما يدل عليه بخصوصه، وكذلك ليس في الحديث ما يقتضي تعيين (البر) بضم الباء والراء، والأقرب أن يكون بفتح الباء والراء، وإلى هذا مال ابن عساكر.
ووقع في "التوشيح" 4/ 1505: (البر) بفتح الباء والراء، وقال السيوطي: ضبط بالراء ضد البحر، وبالزاي.
وقال زكريا الأنصاري في "المنحة" 4/ 492: (البر) بفتح الموحدة وبراء، وفي =
وقال ابن بطال: إن التجارة في البز ليس في الباب ما يقتضي تعيينها من بين سائر التجارات غير أن قوله: {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ} [النور: 37] يدخل في عمومه جميع أنواع التجارات من البز وغيره
(1)
. وتفسير قتادة المذكور
(2)
روي عن عطاء وابن عُمر. وبنحوه قال عطاء: لا يلهيهم ذَلِكَ عن حضور الصلاة أي: في جماعة، وجاز بهم ابن عمر السوق، وقد غلقوا حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة فقال: فيهم نزلت، وذكر الآية
(3)
.
قَالَ ابن بطال: ورأيت في تفسير الآية قَالَ: كانوا حدادين وخرازين، وكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الإشفي فسمع الأذان، لم يخرج الإشفي من الغرزة، ولم يرفع المطرقة، ورمى بها وقام إلى الصلاة
(4)
.
= نسخة: بزاي، بدل الراء، وفي أخرى: بضم الموحدة وبالراء، والمناسب لما يأتي في الباب الآتي الأول، أي: بفتح الباء والراء. وانظر: "اليونينية" 3/ 55.
إضافة: وقع في الأصل هنا: البر وغيره. وقد سقطت كلمة: (غيره) من بعض النسخ. وأثبتت في "الفتح" 4/ 297 وقال الحافظ: لم يقع في رواية الأكثر قوله: (وغيره) وثبتت عند الإسماعيلي وكريمة.
وكذا أثبتت في "العمدة" 9/ 254. وقال السيوطي في "التوشيح" 4/ 1506: زادت كريمة: وغيره. وسقطت من "المنحة" 4/ 492 وقال الأنصاري: زاد في نسخة: (وغيره).
وكذا في "اليونينية" 3/ 55 وأشار في الهامش أنها وقعت لأبي الوقت.
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 202.
(2)
قال الحافظ في "الفتح" 4/ 297: لم أقف عليه موصولًا عنه.
(3)
رواه عبد الرزاق في "التفسير" 2/ 51 (2051)، وابن أبي حاتم 8/ 2607 (14647).
(4)
"شرح ابن بطال" 6/ 202.
وفي الآية نعت تجار سلف الأمة وما كانوا عليه من مراعاة حقوق الله تعالى والمحافظة عليها والتزام ذكر الله في حال تجارتهم وصبرهم عَلَى أداء الفرائض، وإقامتها وخوفهم سوء الحساب والسؤال يوم
القيامة، والنَّساء -بالمد- التأجيل.
ثم الحديث دال عَلَى أن اسم الصرف إنما يقع عَلَى بيع الذهب بالورِق، وأما الذهب بمثله والورِق بمثله، فيسمى مراطلة ومبادلة.
وفيه: أن الصرف لا يكون إلا يدًا بيد.
وقوله: (وسَأَلْنَاه عَنِ الصَّرْفِ)، قَالَ الداودي: يعني الذهب والفضة.
وقول أبي المنهال: (كنت أَتَّجِر في الصرف)، كان في ذَلِكَ الزمان؛ لاهتمامهم بالأحكام. وأما اليوم فقل من يعمل بها.
قَالَ الحسن البصري -في زمانه-: لو استقيت ماء فسقيت من بيت صراف، فلا تشرب. قَالَ بُكَير بن عبد الله بن الأشج: بئس ما قَالَ الحسن، رُب صراف خير من الحسن. قَالَ مالك: ليس كما قَالَ بُكَير، إنما ينظر إلى الأمر الذي يشمل الناسَ كثرته فيجتنب لذلك.
وقال الخليل: الصرف: فضل الدرهم عَلَى الدرهم، ومنه اشتق اسم الصيرفي؛ لتصريفه بعض ذَلِكَ في بعض
(1)
. وقول ابن التين: قول الداودي أولى للحديث الآخر: "الذهب بالذهب مثلًا بمثل، والفضة بالفضة مثلًا بمثل"
(2)
وهو مذهب سائر الفقهاء.
(1)
"العين" ص 7/ 109. مادة: صرف.
(2)
يأتي برقم (2176).
10 - باب الخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} [الجمعة: 10].
2062 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ -وَكَأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا- فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى، فَفَرَغَ عُمَرُ فَقَالَ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ. قِيلَ: قَدْ رَجَعَ. فَدَعَاهُ، فَقَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ. فَقَالَ: تَأْتِينِي عَلَى ذَلِكَ بِالبَيِّنَةِ. فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسِ الأَنْصَارِ، فَسَأَلَهُمْ. فَقَالُوا: لَا يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلَّا أَصْغَرُنَا أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ. فَذَهَبَ بِأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ. فَقَالَ عُمَرُ: أَخَفِيَ عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. يَعْنِي: الخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ. [6245، 7353 - مسلم: 2153 - فتح: 4/ 218]
ثم ذكر حديث عبيد بن عمير: أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ -وَكَأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا- فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى، فَفَرَغَ عُمَرُ فَقَالَ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ. قِيلَ: قَدْ رَجَعَ. فَدَعَاهُ، فَقَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ. فَقَالَ: (لتَأْتِينِّي)
(1)
عَلَى ذَلِكَ بِالبَيِّنَةِ. فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسِ الأَنْصَارِ، فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: لَا يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلَّا أَصْغَرُنَا أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ. فَذَهَبَ بِأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ. فَقَالَ عُمَرُ: أَخَفِيَ عَلَيَّ (هذا)
(2)
مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. يَعْنِي: الخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا. وفيه: أن الشاهد أُبي بن كعب وقال له: يا ابن الخطاب: لا تكن عذابًا عَلَى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
(1)
كذا في الأصل، وفي اليونينية 3/ 55:(تَأْتِيْنِي) ليس عليها تعليق، وهي في "صحيح ابن حبان" 13/ 122 (5806).
(2)
في هامش اليونينية نسبها لأبي الوقت وأبي ذر.
قَالَ: سبحان الله إنما سمعت شيئًا فأحببت أن أتثبت
(1)
، وفي أبي داود: فقال عمر لأبي موسى: إني لم أتهمك ولكن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد
(2)
. وفي "الموطأ": أما إني لم أتهمك، ولكن خشيت أن يتقول الناس عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
وقال ابن عبد البر: عن بعضهم في هذا الحديث: كلنا سمعه، وقد رواه قوم عن أبي سعيد عن أبي موسى: وإنما هو من النقلة لاختلاط الحديث عليهم ودخول قصة أبي سعيد مع أبي موسى في ذَلِكَ، كلهم يقولون: عن أبي سعيد في قصة أبي موسى
(4)
.
ولم يخف عَلَى عمر أصل الاستئذان فإنه ثابت بنص القرآن، وإنما خفي عليه تثليث الاستئذان فطلب تأكيده.
وفيه: إيجاب الاستئذان، والاستئناس وهو الاستئذان أيضًا في قوله تعالى:{حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27] الآية. وقال بعضهم: تثليث الاستئذان مأخوذ من قوله تعالى: {ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} [النور: 58] أي: ثلاث دفعات، فورد القرآن في المماليك والصبيان، والسنة في الجميع.
قَالَ أبو عمر: وهذا وإن كان له وجه فإنه غير معروف عن العلماء في تفسير الآية الكريمة، والذي عليه جمهورهم في قوله:{ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} [النور: 58] أي: ثلاثة أوقات، ويدل عَلَى صحة هذا القول ذكره فيها {مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ} [النور: 58] الآية
(5)
.
وفيه: أن الرجل العالم قد يوجد عند من هو دونه في العلم ما ليس عنده، إذا كان طريق ذَلِكَ العلم السمع، وإذا جاز هذا عَلَى عمر فما
(1)
مسلم (2153) كتاب: الأدب، باب: الاستئذان.
(2)
أبو داود (5183).
(3)
"الموطأ" ص 597.
(4)
"التمهيد" 3/ 191.
(5)
"التمهيد" 3/ 191 - 192.
ظنك بغيره بعده، وقد قَالَ ابن مسعود: لو أن علم عمر وضع في كِفَّة ووضع علم أحياء أهل الأرض في كِفَّة لرجح علم عمر عليهم
(1)
.
وزعم قوم أن عمر لا يقبل خبر الواحد، وليس كما زعموا، كما قَالَ ابن عبد البر؛ لأنه قد ثبت عنه خبر الواحد وقبوله وإيجاب الحكم به، أليس هو الذي نشد الناس بمنًى: من كان عنده علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدية فليخبرنا، وكان رأيه: أن المرأة لا ترث من دية زوجها؛ لأنها
ليست من عصبته الذين يعقلون عنه، فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال: كتب إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن "ورث امرأة أشيم من دية زوجها"
(2)
،
(1)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 2/ 336، والطبراني 9/ 162 - 163 (8808 - 8810)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(70)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 4/ 155 من طرق عن ابن مسعود.
(2)
رواه أبو داود (2927)، والترمذي (1415، 2110)، وابن ماجه (2642)، والشافعي في "المسند" ترتيب السندي 2/ 107 (360)، وأحمد 3/ 452 وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 166 (1496)، والنسائي في "الكبرى" 4/ 78 (6363 - 6364)، وابن الجارود 3/ 229 - 231 (966)، والطبراني 8/ 300 (8142)، والبيهقي 8/ 57 - 58، 134، والبغوي في "شرح السنة" 8/ 371 (2234)، والضياء في "المختارة" 8/ 85 - 87 (86 - 87، 89)، والمزي في
"تهذيب الكمال" 13/ 262، والحافظ في "موافقة الخبر" 1/ 455 من طريق سفيان بن عيينة.
ورواه أبو داود (2927)، وعبد الرزاق في "المصنف" 9/ 397 - 398 (17764)، وعنه أحمد 3/ 452، وسعيد بن منصور 1/ 98 (297)، والطبراني 8/ 299 (8139)، والضياء 8/ 85 (85)، والحافظ في "الموافقة" 1/ 456 من طريق معمر.
ورواه ابن أبي عاصم (1497)، والنسائي في "الكبرى" 4/ 179 (6365 - 6366)، والطبراني (8140)، والضياء (88) من طريق يحيى بن سعيد.
ورواه سعيد بن منصور (296)، والطبراني (8141) من طريق سفيان بن حسين. ورواه عبد الرزاق 9/ 398 (17765) عن ابن جريج. =
وكذلك نشد الناس في دية الجنين، فقال حمل بن النابغة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبدٍ أو وليدةٍ، فقضى به عمر
(1)
، ولا يشك ذو لبٍّ
= خمستهم عن ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر .. الحديث.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه ابن الأثير في "الشافي" 5/ 220.
وقال الحافظ في "الدراية" 2/ 269: إسناده صحيح إلى سعيد. وصححه في "الموافقة" 1/ 455. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 8/ 281: إسناده صحيح على شرط البخاري إلى الضحاك.
والحديث رواه مالك في "الموطأ" ص 540، ومن طريقه البيهقي 8/ 134 عن الزهري مرسلًا.
قال الحافظ الذهبي في "المهذب" 6/ 3227 (12792): إسناده منقطع.
وقال الحافظ في "الإتحاف" 12/ 372 - 373 (15783)، والألباني في "الإرواء" 8/ 271: منقطع.
(1)
رواه أبو داود (4572)، والنسائي 8/ 21 - 22، وابن ماجه (2641)، وأحمد 1/ 364، 4/ 79 - 80 والترمذي في "العلل الكبير" 2/ 586، وابن حبان 13/ 378 (6021)، والدارقطني 3/ 117، وأبو نعيم، في "معرفة الصحابة" 2/ 891 (2302، 2304)، والبيهقي 8/ 114، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 312 (1768)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 2/ 58، والحافظ في "موافقة الخبر" 1/ 449 من طريق ابن جريج.
ورواه عبد الرزاق في "المصنف" 10/ 58 - 59 (18343)، ومن طريقه الطبراني 4/ 8 - 9 (3482)، والدارقطني 3/ 117، والحاكم 3/ 575، وأبو نعيم في "المعرفة"(2303)، والحافظ في "الموافقة"1/ 448 من طريق ابن عيينة.
كلاهما عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، عن عمر، به.
والحديث صححه البخاري فيما نقله عنه الترمذي في "العلل" 2/ 587.
وقال الحافظ في "الموافقة" 1/ 449: حديث حسن صحيح. وقال في "الإصابة" 1/ 355، وكذا العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"(3439)، والألباني في "صحيح ابن ماجه" (2136): إسناده صحيح.
والحديث رواه أبو داود (4573)، والنسائي 8/ 47، والشافعي في "المسند" 2/ 103 - 104 (345)، وفي "الرسالة"(1174)، والبغوي في "معجم الصحابة" =
ومن له أقل منزلة من العلم أن موضع أبي موسى من الإسلام ومكانه من الفقه والدين أجل من أن يرد خبره ويقبل خبر الضحاك وحمل، وكلاهما لا يقاس به في حال، وقد قَالَ له عمر في "الموطأ": إني لم أتهمك، كما سلف. فدل ذَلِكَ عَلَى اعتمادٍ كان من عمر في ذَلِكَ الوقت، الله أعلم به.
وقد يحتمل أن عمر عنده في ذَلِكَ الحين من ليست له صحبة من أهل العراق أو الشام، ولم يتمكن الإيمان من قلوبهم؛ لقرب عهدهم به، فخشي عليهم أن يختلقوا الكذب عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الرغبة أو الرهبة أو طلبًا للحجة، لقلة علمهم، فأراد عمر أن يريهم أن من فعل شيئًا ينكر عليه ففزع إلى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليثبت له بذلك فعله وجب التثبت فيما جاء به إذا لم يعرف حاله حَتَّى يصح قوله، فأراهم عمر ذَلِكَ ووافق أبو موسى، وإن كان عنده معروفًا بالعدالة غير متهم؛ ليكون ذَلِكَ أصلًا عنه لهم، وللحاكم أن يجتهد ما أمكنه.
= 2/ 214 - 215 (572 - 574)، والبيهقي 8/ 114، والحافظ في "الموافقة" 1/ 447، 448 من طرق، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن عمر، به.
ورواه الشافعي في "المسند" 2/ 103 - 104 (345)، وفي "الرسالة"(1174)، ومن طريقه البيهقي 8/ 114، والحافظ في "الموافقة" 1/ 448 عن سفيان، عن ابن طاوس، عن طاوس، عن عمر. لكنه بهذا الإسناد ضعيف؛ قال المنذري في "مختصر السنن" 6/ 367: هذا منقطع، طاوس لم يسمع من عمر.
وقال الحافظ: في الإسناد انقطاع، فإن طاوسًا لم يحضر القصة بل ولا أدركها.
وقال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "الرسالة" ص 427: إسناده مرسل: فإن طاوسًا لم يدرك عمر، وهو حديث متصل صحيح وإن أرسله سفيان وحماد. وذكر من رواه مرسلًا.
وقال الألباني في "ضعيف أبي داود": ضعيف الإسناد.
والحديث سيأتي عن المغيرة بن شعبة، برقم (6907)، ورواه مسلم (1683).
وكان عمر قد استعمل أبا موسى، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا ساعيًا وعاملًا عَلَى بعض الصدقات، وهذِه منزلة رفيعة في الثقة والأمانة
(1)
.
وزعم الترمذي أن عمر إنما أنكر عَلَى أبي موسى قول: "الاستئذان ثلاث مرات فإن أذن لك، وإلا فارجع"
(2)
، وذلك أن أبا زميل روى عن ابن عباس قَالَ: حَدَّثَني عمر بن الخطاب قَالَ: استأذنت عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا فأذن لي. ثم قَالَ: حسن غريب
(3)
.
وفيه دلالة على أن طلب الدنيا تمنع من استفادة العلم، وأن كلما ازداد المرء طلبًا لها ازداد جهلًا، وقلَّ علمه، ومن هذا قول أبي هريرة السالف: وإن إخواني من المهاجريق كان يشغلهم السفق بالأسواق
(4)
، وروى عقيل عن ابن شهاب أنه قَالَ: إنما سن التسليمات الثلاثة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أتى سعد بن عبادة، فقال:"السلام عليكم"، فلم يردوا، ثم قَالَ:"السلام عليكم"، فلم يردوا، فرجع صلى الله عليه وسلم، فلما فقد سعد صوت رسول صلى الله عليه وسلم، عرف أنه قد انصرف، فخرج سعد في إثره حَتَى أدركه، فقال: وعليك السلام يا رسول الله، إنما أردنا أن نستكثر من تسليمك. الحديث
(5)
. وروى حماد بن سلمة، عن أيوب وحبيب، عن محمد، عن أبي هريرة قَالَ:
(1)
"التمهيد" 3/ 198 - 201 بتصرف.
(2)
إذكار عمر على أبي موسى هذا القول رواه الترمذي في الحديث السابق على حديث أبي زُمَيل، والقول رواه مسلم (2153/ 34) من حديث أبي سعيد الخدري.
(3)
"سنن الترمذي" 5/ 54. وحديث ابن عباس رواه الترمذي برقم (2691).
وأصله في مسلم (1479/ 30). وانظر ما سيأتي برقم (5191).
(4)
سلف برقم (118) وسلف أول البيوع (2047) ورواه مسلم (2492).
(5)
حديث سعد بن عبادة رواه عبد الرزاق في "المصنف" 10/ 383 - 384 (19425)، وعنه أحمد 3/ 138، والبيهقي 7/ 287، والضياء في "المختارة" 5/ 157 - 158 (1783 - 1784) من طريق معمر عن ثابت عن أنس أو غيره أن =
قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رسول الرجل إلى الرجل إذنه"
(1)
، ومن أحسن حديث روي في كيفية الاستئذان ما رواه سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: استأذن عمر عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عَلَى رسول الله، السلام عليكم، أيدخل عمر
(2)
؟
= رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة .. الحديث.
ورواه أبو داود (5185)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 89 (10157) من طريق يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن قيس بن سعد .. به.
قال الألباني في "ضعيف أبي داود": ضعيف الإسناد.
ورواه النسائي (10156)، والطبراني 18 (890)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(664) من طريق ابن أبي ليلى، عن محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن عمرو بن شرحبيل، عن قيس بن سعد بن عبادة قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد
…
الحديث.
(1)
رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 4/ 260 (1588)، ابن حبان 1/ 128 (5811)، والبيهقي 8/ 34، وفي "الشعب" 6/ 444 (8830) بهذا الإسناد، وحبيب هو ابن الشهيد، ومحمد هو ابن سيرين.
ورواه أبو داود (5189)، والبخاري في "الأدب المفرد"(1076)، والبيهقي 8/ 340 من طريق حماد عن حبيب، وهشام عن محمد، به.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"، وقال في "الإرواء" 7/ 17: سنده صحيح على شرط مسلم.
ويشهد لهذا الحديث ما سيأتي معلقًا في كتاب: الاستئذان، باب: إذا دعي الرجل فجاء هل يستأذن؟ قبل حديث (6246) قال البخاري: وقال سعيد، عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: هو إذنه.
وهناك إن شاء الله تذكر من وصله، فانظر تخريجه هناك، وانظر:"الإرواء"(1955).
(2)
رواه أبو داود (5201)، وأحمد 1/ 303، 325، والبخاري في "الأدب المفرد"(1085)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 88 (10152 - 10153)، والبيهقي في =
وروى ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير، عن عَمرو مولى آل عمر أنه دخل عَلَى عبد الله بن عمر بمكة، قَالَ: فوقفت عَلَى الباب، فقلت: السلام عليكم، ثم دخلت، فنظر في وجهي، ثم قَالَ: أخرج، قَالَ: فخرجت، ثم قلت: السلام عليكم، أأدخل؟ قَالَ: ادخل الآن
(1)
.
وقال عطاء: سمعت أبا هريرة يقول: إذا قَالَ الرجل: أأدخل؟، ولم يسلم، فلا تأذن له حَتَّى يأتي بمفتاح، قلت: السلام؟ قَالَ: نعم
(2)
.
ومن حديث إبراهيم بن إسماعيل، عن أبي الزبير، والوليد أبي المغيث، عن جابر قَالَ نبي الله صلى الله عليه وسلم:"من لم يبدأ بالسلام فلا تأذنوا له"
(3)
وروى عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة، عن ابن عباس قَالَ: كان الناس
= "الشعب" 6/ 440 - 441 (8815)، وابن عبد البر في "التمهيد" 3/ 202.
قال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"(2756، 2994): إسناده صحيح. وقال الألباني في "الأدب المفرد"(1085): صحيح الإسناد.
وأغرب الهيثمي فأورد الحديث في "المجمع" 8/ 44 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. فأوهم أن الحديث ليس في شيء من الكتب الستة، والحديث عند أبي داود كما تقدم تخريجه. والله أعلم.
(1)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 3/ 203 وفيه: عن عمر مولى آل عمر.
(2)
رواه البخاري في "الأدب المفرد" 1067، 1083، ومن طريقه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 1/ 162 (226) وصحح الألباني إسناده في "الأدب المفرد".
(3)
رواه أبو يعلى 3/ 344 (1809) من طريق معتمر بن سليمان، حدثنا أبو إسماعيل، عن أبي الزبير والوليد بن عبد الله بن أبي المغيث عن جابر، به.
وأبو إسماعيل هو إبراهيم بن يزيد الخوزي، من أهل مكة.
ورواه البيهقي في "الشعب" 6/ 441 (8816)، والخطيب في "الجامع" 1/ 162 (225) من طريق المعتمر، عن إبراهيم أبي إسماعيل، عن أبي الزبير عن جابر.
فروي هنا عن أبي الزبير وحده، دون الوليد. =
ليس لبيوتهم ستر ولا حجاب
(1)
، فأمرهم الله تعالى بالاستئذان، ثم جاءهم الله بالستور وبالخير، فلم أر أحدًا يعمل بذلك بعد
(2)
، وأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى جابر حين دق الباب، فقال:"من هذا؟ " قلت: أنا، قَالَ:
= ورواه ابن عدي في "الكامل" 1/ 372 من طريق معافى بن عمران، حدثنا إبراهيم بن يزيد المكي، عن أبي الزبير، والوليد بن أبي مغيث، عن أحدهما أو كلاهما عن جابر، عن عبد الله.
هكذا وقع هنا عن جابر عن عبد الله! وهو تحريف، تحرفت (بن) إلى (عن) فصوابه: جابر بن عبد الله. والله أعلم.
ورواه أيضًا ابن عدي 1/ 371 - 372، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 357 من طريق علي بن هاشم عن إبراهيم بن يزيد الخوزي، عن أبي الزبير عن جابر.
وإبراهيم بن يزيد الخوزي، ترجمه ابن حبان في "المجروحين" 1/ 100 وذكر له هذا الحديث.
وقال الهيثمي في "المجمع" 8/ 32: فيه من لم أعرفه.
وانظر: "الصحيحة"(817)، 2/ 462 - 463. وقال في "الضعيفة" 4/ 222: هو حديث صحيح لطرقه وشواهده.
تنبيهان: الأول: ذكر المصنف رحمه الله في إسناد هذا الحديث: إبراهيم بن إسماعيل، ويبدو أنه تحريف، فليس في إسناد الحديث راوٍ بهذا الاسم، إنما هو إبراهيم بن يزيد الخوزي، كنيته أبو إسماعيل، فمن المحتمل أنه كتب (بن) بدل (أبو) فصوابه: إبراهيم أبو إسماعيل.
الثاني: ذكر المصنف أيضًا في الإسناد: الوليد أبي المغيث، وصوابه: الوليد بن أبي المغيث، كما تقدم في تخريج الحديث.
(1)
كذا بالأصل: حجاب، وفي كل مصادر تخريج الحديث الآتي ذكرها حجال.
والحجال: قال الجوهري: والحَجَلة بالتحريك، واحدة حجال العروس، وهي بيت يزين بالثياب والأسرَّة والستور "الصحاح" 4/ 1667.
وقال ابن الأثير: هي بيت كالقبة يستر بالثياب وتكون له أزرار كبار.
(2)
رواه أبو داود (5192)، وابن أبي حاتم في "التفسير" 8/ 2632 (14787)، والبيهقي 7/ 97، وابن عبد البر في "التمهيد" 3/ 203 - 204، 16/ 233 - 234.
قال أبو داود: حديث عبيد الله وعطاء يفسد هذا الحديث. وكذا قال البيهقي. =
"أنا"! فكرهه"
(1)
، والسنة أن يسلم ويستأذن ثلاثًا؛ ليجمع بينهما. واختلفوا هل يستحب تقديم السلام، ثم الاستئذان أو عكسه، وقد صح حديثان في تقديم السلام، فذهب جماعة إلى الأول، وقيل: يقدم الاستئذان واختار الماوردي في "حاويه": إن وقعت عين المستأذن عَلَى صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام، وإلا قدم الاستئذان، وأما إذا استأذن ثلاثًا، فلم يؤذن له، فظن أنه لم يسمعه، ففيه ثلاثة مذاهب، أظهرها: أنه ينصرف ولا يعيد الاستئذان - ثانيها: يزيد فيه، ثالثها: إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعده، وإن كان بغيره أعاده
(2)
.
وقوله: (أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ): يعني: الخروج إلى التجارة، وهذا عَلَى معنى الذم لنفسه؛ لأن بخروجه إليه تحدث وقائع، فيفتي
= قلت: حديث عبيد الله وعطاء المعني رواه أبو داود (5191): سمع ابن عباس يقول: لم يؤمر بها أكثر الناس -آية الإذن- وإني لآمر جاريتي هذِه تستأذن علي. وكذا رواه البيهقي.
وتعقب الحافظ الذهبي تضعيف البيهقي لهذِه الرواية، فقال في "المهذب" 5/
2674 (10862): ما هي بضعيفة، فيكون لابن عباس في المسألة قولان.
والحديث أشار المنذري إلى تضعيفه فقال: قال بعضهم: هذا لا يصح عن ابن عباس، هذا آخر كلامه.
وليس فيه ما يدل على أن عكرمة سمعه من ابن عباس، وفي إسناده عمرو بن أبي عمرو، وهو وإن كان البخاري ومسلم قد احتجا به، فقد قال ابن معين: لا يحتج بحديثه، وقال مرة: ليس بالقوي وليس بحجة، وقال مرة: مالك يروي عن عمرو، وكان يضعف. اهـ "مختصر السنن" 8/ 66 - 67.
وقال القرطبي في "تفسيره" 12/ 303: هذا متن حسن. وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 10/ 271: هذا إسناد صحيح إلى ابن عباس.
وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(5192): حسن الإسناد موقوف.
(1)
سيأتي برقم (6250)، ورواه مسلم (2155).
(2)
انظر: "الحاوي" 14/ 315 ط/ دار الفكر بيروت.
فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتفوته، وكان عمر يفعل ذَلِكَ للكفاف، حاشا أن يقل من مجالسته وملازمته، فقد كان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يقول:"فعلت أنا وأبو بكر وعمر"، و"كنت أنا وأبو بكر وعمر"
(1)
، ومكانهما منه عال، لا يُقدر عَلَى نواله، وكان عمر من أزهد الناس؛ لأنه وجد فترك.
قَالَ المهلب: وهذا مأخوذ من قوله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [الجمعة: 11] قرنا به، فسماها عمر لهوًا مجازًا؛ لأن اللهو المذكور في الآية غير التجارة للفصل بأو، وهو الدف عند النكاح وشبهه، فدل هذا إنما أراد: شغلني البيع والشراء عن الملازمة في كل أحيانه، حَتَّى حضر من هو أصغر مني ما لم أحضره من العلم
(2)
.
وفيه: أن الصغير قد يكون عنده ما ليس عند الكبير كما سلف، وإنه يجب البحث وطلب الدليل عَلَى ما ينكره من الأقوال حَتَّى تثبت عنده.
(1)
سيأتي برقم (3677) كتاب: فضائل الصحابة، باب ..
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 203.
11 - باب التِّجَارَةِ فِي البَحْرِ
وَقَالَ مَطَرٌ: لَا بَأْسَ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ اللهُ فِي القُرْآنِ إِلَّا بِحَقٍّ، ثُمَّ تَلَا:{وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النحل: 14] وَالفُلْكُ: السُّفُنُ، الوَاحِدُ وَالجَمْيعُ سَوَاءٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمْخَرُ السُّفُنُ الرِّيحَ، وَلَا تَمْخَرُ الرِّيحَ مِنَ السُّفُنِ إِلَّا الفُلْكُ العِظَامُ.
2063 -
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، خَرَجَ فِي البَحْرِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ. وَسَاقَ الحَدِيثَ. [حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بِهَ]. [انظر: 1498 - فتح: 4/ 299]
وَقَالَ الليْثُ
(1)
: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائيلَ، خَرَجَ فِي البَحْرِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ. وَسَاقَ الحَدِيثَ.
الشرح: حديث أبي هريرة هذا سلف الكلام عليه في الزكاة في باب: ما يستخرج من البحر ووصلناه
(2)
، وما ذكره عن مطر -وهو ابن طهمان الوراق
(3)
- من استدلاله بالآية حسن: لأن الله تعالى
(1)
ورد فوق الكلمة لفظه (معلق).
(2)
سلف برقم (1498).
(3)
ورد بهامش (ص) تعليق نصه: قال ابن حجر: الرواية الصحيحة: قال: مطر وهو شيخ البخاري وهو الوراق البقري مذكور في التابعين وقد خرج أبو حاتم عن مطر الوراق أنه كان لا يرى بركوب البحر بأسًا ويقول: ما ذكره الله في القرآن إلا بحق، قال: ومطرف تصحيف. والله أعلم.
قلت: انظر: "الفتح" 4/ 299، و"تغليق التعليق" 3/ 213 - 214، و"اليونينية" =
جعل تسخير البحر، لعباده؛ لابتغاء فضله من نعمه التي عدها لهم، وأراهم في ذَلِكَ عظيم قدرته، وسخر الرياح باختلافها تحملهم وترددهم، وهذا من عظيم آياته، ونبههم عَلَى شكره عليها بقوله:{وَلَعَلَّكُم تشَكُرُونَ} وهذِه الآية في سورة فاطر [فاطر: 12]، وأما التي في النحل وهي:{وتَرَى الفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا} [النحل: 14] بالواو، وما ذكره البخاري في الفلك لائح وهو قول أكثر أهل اللغة كما قَالَ ابن التين، ودليله في القرآن:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] وقال في أخرى: {فِي الفُلْكِ المَشْحُونِ} [يس: 41] فأجراه مرة عَلَى حكم الجمع، ومرة عَلَى حكم الإفراد، وقيل: هو جمع، والسفن: جمع سفينة.
قَالَ ابن سيده: سميت سفينة؛ لأنها تسفن وجه الماء، أي: تقشره، فعيلة بمعنى فاعلة، والجمع سفان وسفن وسفين
(1)
. قلت: والسفان: صاحبها، وواحد الفُلْك: فَلَك بفتح اللام، مثل أُسْد وأَسَد، وتذكر وتؤنث كما قَالَ القزاز.
وأثر مجاهد
(2)
يريد به تفسير {وَتَرَى الفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} [فاطر: 12] والمخر في اللغة: الشق، يقال: مخرت السفينة، تمخَر، وتمخُر إذا شقت الماء وسمعت لها صوتًا، وذلك عند هبوب الرياح. وقيل:
المخر: الصوت، والريح: تصوت السفينة، والفلك أيضًا: تصوت
= 3/ 56. والتعليق عزا الحافظ وصله إلى ابن أبي حاتم في "تفسيره". وهو في "التفسير" 7/ 2278 (12482) معلقًا.
(1)
"المحكم" 8/ 343. وفيه: والجمع سفائن وسفن وسفين.
(2)
وصله الفريابي في "تفسيره" كما في "التغليق" 3/ 214 وهو في "تفسير ابن أبي حاتم"(12486) معلقًا.
الريح، فلعله يريد أن السفن تمخر من الريح، وإن صغرت أي: تصوت.
والريح لا تمخر، أي لا تصوت إلا من كبار السفن: لأنها إن كانت عظيمة صوت الريح، فأسقط مجاهد {فِي} فيقرأه {الفُلْكَ} بالنصب، وفي خفضه قول آخر، ليس ببين، وتصحيح الكلام: فلا تمخر الريح من السفن إلا العظام.
وحديث الخشبة في الذي تسلف المال وأرسله في البحر فيه إباحة التجارة فيه وركوبه.
قَالَ الداودي: وأتى به، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليتحدث بما لا فائدة فيه، فذكره ليتأسى به، ويرد قول من منع ركوبه، في إبان ركوبه وهو قول يروى عن عمر أنه كتب إلى عمرو بن العاصي يسأله عن البحر، فقال: خلق عظيم، يركبه خلق ضعيف، دور
(1)
عَلَى عود، فكتب إليه عمر أن لا يركبه أحد طول حياته
(2)
، فلما كان بعد عمر لم يزل يركب حَتَّى كان عمر بن عبد العزيز فاتبع فيه رأي عمر، وسيأتي هذا في الجهاد في باب ركوبه
(3)
إن شاء الله.
منع عمر إنما كان لشدة شفقته عَلَى المسلمين، ولما حفر عمرو بن العاص البحر ووصله إلى عمر خرج إليه واستبشر بما حمل إليه من الميرة وغيرها، وكان ذلك عن إذنه، كما ذكره ابن عبد الحكم وغيره. وإذا كان الرب جل جلاله قد أباح ركوبه للتجارة، فركوبه للحج والجهاد أجوز،
(1)
كذا بالأصل، وفي "ثقات ابن حبان" 2/ 221، و"عمدة القاري" 9/ 259: دود.
بدالين بينهما واو.
(2)
ذكره ابن حبان في "الثقات" 2/ 221
(3)
انظر: حديث أنس الآتي برقم (2894 - 2895) باب: ركوب البحر. وشرح المصنف عليه.
ولا حجة لأحد مع مخالفة الكتاب والسنة، وأما إذا كان إِبَّان (إلجاجه)
(1)
فالأمة مجمعة عَلَى أنه لا يجوز ركوبه؛ لأنه تعرض للهلاك وقد نهى الله عباده عن ذَلِكَ بقوله: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وقوله:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء: 29] ولم يزل البحر يُركَب في قديم الزمان، ألا ترى إلى ما ذكر في هذا الحديث أنه رُكب في زمن بني إسرائيل، فلا وجه لقول من منع ركوبه.
(1)
ورد بهامش الأصل: لعله: التجاجه.
قلت: وفي شرح ابن بطال 6/ 204: (ارتجاجه) وهو أوجه.
12 - باب {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] وَقَوْلُهُ جل جلاله: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ} [النور: 37]
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ القَوْمُ يَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللهِ.
2064 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ، وَنَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الجُمُعَةَ، فَانْفَضَّ النَّاسُ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11][انظر: 936 - مسلم: 863 - فتح: 4/ 300]
ثم ذكر قول قتادة السالف قريبًا في باب التجارة في البر إلى قوله: (حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللهِ).
(1)
.
وذكر حديث جابر السالف قريبًا
(2)
. في مثل الباب المذكور، وستأتي حكمته، وشيخ البخاري فيه: محمد هو بن سلام البيكندي، قاله الدمياطي والمزي
(3)
.
والعير: الإبل تحمل الميرة.
(1)
سلف قبل حديث (2060 - 2061).
(2)
سلف برقم (2058). وأول مواضع هذا الحديث في كتاب: الجمعة، باب: إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة حديث (936).
(3)
قاله المزي في "تحفة الأشراف" 2/ 174.
وهو ما جزم به الكرماني في "شرحه" 9/ 194، وزكريا الأنصاري في "المنحة" 4/ 496، ولم ينسبه الحافظ في "الفتح" 4/ 300.
ونسبه في "هدي الساري" ص 239 فقال: قال البخاري في البيوع: حدثنا محمد حدثنا ابن فضيل، محمد هو ابن سلام به جزم ابن السكن. اهـ بتصرف.
وقوله: (إِلَّا اثْنَي عَشَرَ رَجُلًا)، أجاز الكوفيون رفع (اثني عشر)، ومنعه البصريون، وإنما ذكر الآية في الترجمة لمنطوقها وهو الذم، وتقدم ذكرها في باب الإباحة لمفهومها، وهو تخصيص ذمها بحالة اشتغل بها عن الصلاة والخطبة، نبه عليه ابن المنير
(1)
.
(1)
"المتواري" ص 237.
13 - باب مَنْ أَحَبَّ البَسْطَ فِي الرِّزْقِ
2067 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الكِرْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ". [5986 - مسلم: 2557 - فتح: 4/ 301]
ذكر فيه حديث أنس: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقه أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أثَرِهِ: فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا، وخرجه من حديث أبي هريرة أيضًا،
(1)
ومحمد الراوي عن أنس هو الزهري، وأخرجه البخاري في الأدب عن ابن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب
(2)
.
وشيخ البخاري محمد بن أبي يعقوب الكرماني، هو محمد بن إسحاق بن منصور بصري، مات سنة أربع وأربعين ومائة.
و ("يُنْسَأَ") مهموز أي: يؤخر وهو رباعي أنسأ الله أجله ونسأ الله في أجله. والأثر -مفتوح الهمزة والثاء- باقي الأجل.
قَالَ كعب بن زهير:
والمرء ما عاش ممدود له أجل
…
لا تنتهي العين حَتَّى ينتهي الأثر
وفي الحديث: إباحة اختيار الغنى عَلَى الفقر، وسيأتي بسطه في الرقاق، وجملة من الباب في الأدب في باب: من بسط له في الرزق لصلة الرحم
(3)
، إن شاء الله، ولا تعارض بينه وبين حديث: "يجمع خلق
(1)
مسلم (2557، 2558) كتاب: البر والصلة، باب: صلة الرحم وتحريم قطعها.
(2)
يأتي برقم (5986) باب: من بسط له في الرزق بصلة الرحم.
(3)
الحديث الآتي برقم (5985).
أحدكم في بطن أمه"، وفيه: "ويؤمر بكتب رزقه وأجله"
(1)
؛ لأمرين:
أحدهما؛ أن معنى البسط في الرزق: البركة فيه؛ لأن صلته أقاربه صدقة، والصدقة تربي المال، وتزيد فيه فينمو بها ويزكو.
ومعنى قوله: ("يُنْسَأَ لَهُ فِي أثَرِهِ") يبقى ذكره الطيب وثناؤه الجميل مذكورًا عَلَى الألسنة فكأنه لم يمت، وبه قَالَ القاضي عياض فقال: المراد بقاء الثناء الجميل بعد الموت
(2)
. والعرب تقول: الثناء يعارض الخلود. قَالَ الشاعر:
إن الثناء هوالخلو
…
د كما يسمى الذم موتًا
قَالَ: قد مات قوم وهم في الناس أحياء
(3)
.
يعني: بسوء أفعالهم وقبح ذكرهم.
ثانيهما: أنه يجوز أن يكتب في بطن أمه أنه إن وصل رحمه فإن رزقه وأجله كذا، وإن لم يصله فكذا؛ لدلالة قوله تعالى في قصة نوح عليه السلام:{وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [نوح: 3 - 4] يريد أجلًا قد قضى به إليكم إن أطعتم يؤخركم إليه؛ لأن أجل الله إذا جاء في حال معصيتهم لا يؤخر عنهم، قَالَ تعالى:{إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 98] وهو
(1)
سيأتي برقم (3208) كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، ورواه مسلم (2643) كتاب: القدر، باب: كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه. من حديث ابن مسعود.
(2)
"إكمال المعلم" 8/ 21.
(3)
هذا عجز بيت صدره: موت التقى حياة لا نفاد لها. وهو يدل على أن معنى العجز خلاف ما قاله المصنف رحمه الله تابعًا فيه ابن بطال في "شرحه" 6/ 206.
والبيت بكامله في: "مجمع الحكم والأمثال" في: التقوى. و"المستطرف" 1/ 313 ونسبه لمعروف الكرخي.
الهلاك عَلَى الكفر، ومتعناهم إلى حين فهذا كله من المكتوب في بطن أمه أي الأجلين استحق، لا يؤخر عنه، ويؤيده قوله تعالى:{يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ (39)} [الرعد: 39] وقد روي عن عمر ما هو تفسير لهذِه الآية أنه كان يقول في دعائه: اللَّهُمَّ إن كنت كتبتني عندك شقيًّا فامحني واكتبني سعيدًا، فإنك تقول:{يَمحُواْ اَللَّهُ} الآية
(1)
. وفي الحديث الحض عَلَى صلة الرحم.
قَالَ الداودي: وفيه: دليل عَلَى فضل الكفاف. والزيادة كما أسلفناه مؤولة بأنه سبق في علم الله أن سيكون، وقيل: الزيادة حقيقة لو لم يصل عمره رحِمَه ما زيدها في أجله، وليس في قوله تعالى:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)} [الأعراف: 34] ما يدفعه؛ لأن معناه الأجل الذي يكون بصلة الرحم لا كالذي يكون بقطعها، وكذا الكلام في الرزق ودعاء الشارع لأنس:"اللَّهُمَّ أكثر ماله وولده"
(2)
فأجيبت دعوته ولولاها لم يكن بتلك الكثرة، فلما كان الدعاء يزيد في الرزق ويدفع البلاء
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 401 (20481)، وابن بطة في "الإبانة" 2/ 131 - 132 (1565)، واللالكائي في "شرح الأصول" 4/ 735 (1206 - 1207).
وقد سئل شيخ الإسلام: هل شرع في الدعاء أن يقول: اللهم إن كنت كتبتني كذا
فامحني واكتبني كذا فإنك قلت: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ (39)} ؟ وهل صح أن عمر كان يدعو بمثل هذا؟ وهل الصحيح عندكم أن العمر يزيد بصلة الرحم، كما جاء في الحديث؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب رضي الله عنه بما يفهم منه صحة هذا الأثر عن عمر وأن ذلك في أجل الموت الذي يعرفه الملائكة. أما الأجل المسمى فهو وقت الساعة الذي لا يعرفه إلا الله. انظر: "مجموع الفتاوى" 14/ 488 - 492.
(2)
يأتي برقم (6378 - 6379) كتاب: الدعوات باب: الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة، ورواه مسلم (2480) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل أنس بن مالك.
يبرئ المريض كذلك صلة الرحم، وكما كان الدواء والرقى يبرئان المريض.
وفي "الترغيب والترهيب" للحافظ أبي موسى المديني من حديث عبد الرحمن بن سمرة -وقال: حسن جدًا- مرفوعًا: "إني رأيت البارحة عجبًا، رأيت رجلًا من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه بر والديه فرد ملك الموت عنه". الحديث
(1)
.
ومن حديث أبي هريرة مرفوعًا: "بر الوالدين يزيد في العمر"
(2)
وفيه
(1)
رواه ابن حبان في "المجروحين" 3/ 43 - 44، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 210 (1166) من طريق مخلد بن عبد الواحد، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة. قال ابن حبان: مخلد ابن عبد الواحد منكر الحديث جدًا ينفرد بأشياء مناكير لا تشبه حديث الثقات، فبطل الاحتجاج به فيما وافقهم من الروايات، ثم ذكر له هذا الحديث.
ورواه الطبراني في "الأحاديث الطوال"(39) من طريق الوزير بن عبد الرحمن، عن علي بن زيد بن جدعان، به.
ورواه الخرائطي في "مكارم الأخلاق"(55)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 34/ 406، وابن الجوزي في "العلل" (1665) من طريق بشر بن الوليد عن الفرج بن فضالة [وعند الخرائطي: المفضل بن فضالة] عن هلال أبي جبلة، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة. والحديث عند الخرائطي مختصرًا ليس فيه هذِه القطعة. قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح. وقال الحافظ العراقي: حديث عبد الرحمن بن سمرة: إني رأيت البارحة عجبًا .. الحديث. الخرائطي في "مكارم الأخلاق" بسند ضعيف. اهـ "تخريج الإحياء"(2707). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(2086).
(2)
رواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 479، وأبو الشيخ الأصبهاني في "طبقات المحدثين بأصبهان" 4/ 295. قال ابن عدي: حديث منكر.
وقال الألباني في "الضعيفة"(1429)، و"ضعيف الترغيب"(1757)، و"ضعيف الجامع" (2327): حديث موضوع.
الوقاصي
(1)
. وفي حديث داود بن المحبر، عن عباد، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأبي سعيد يرفعانه:"ابن آدم اتق ربك، وبر والديك، وصل رحمك، يمد لك في عمرك وييسر لك يسرك ويجيب عسرك وييسر لك في رزقك"
(2)
. ومن حديث داود بن عيسى بن علي، عن أبيه، عن ابن عباس مرفوعًا:"إن صلة الرحم تزيد في العمر"
(3)
.
قَالَ أبو موسى: وفي الباب عن علي وابن عمر وأبي أمامة ومعاوية ابن حيدة وأم سلمة. ومن حديث زَيَّان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن
(1)
هو عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري الوقاصي.
قال ابن معين: لا يكتب حديثه، كان يكذب، وقال مرة: ضعيف، ومرة: ليس بشيء. وقال ابن المديني: ضعيف جدًا.
وقال الجوزجاني: ساقط.
وقال أبو حاتم: متروك الحديث، ذاهب، وقال البخاري: تركوه.
وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال الترمذي: ليس بالقوي. وقال النسائي: متروك.
انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 425 (3837).
وقال الحافظ في "التقريب"(4493): متروك وكذبه ابن معين.
(2)
رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث"(850)، وكما في "إتحاف الخيرة المهرة" 6/ 24 (5240)، وكما في "المطالب العالية" 13/ 720 (3308).
قال الحافظ في "المطالب" 13/ 725: حديث موضوع.
وبنحوه رواه ابن أبي شيبة 5/ 218 (25381)، وهناد في "الزهد" 2/ 426 - 427 (835)، وابن حبان في "روضة العقلاء" ص 34، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 389 عن كعب قوله.
ولأبي نعيم في "الحلية" 3/ 150 عن محمد بن المنكدر، مثله.
(3)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 17/ 172 من طريق داود بن عيسى، عن أبيه عيسى بن علي، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(1873).
أنس، عن أبيه مرفوعًا:"مَنْ بَرَّ والديه طوبى له، زاد الله في عمره"
(1)
.
ومن حديث عبد الله بن الجعد عن ثوبان مرفوعًا: "لا يزيد في العمر إلا بر الوالدين، ولا يزيد في الرزق الأصلة الرحم"
(2)
. ومن حديث علي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ (39)} [الرعد: 39] فقال: "هي الصدقة عَلَى وجهها، وبر
(1)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(22)، وأبو يعلى في "المسند" 3/ 65 (1494)، وفي "المفاريد"(12)، والطبراني 20 (447)، والحاكم 4/ 154، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 162 - 163 من هذا الطريق.
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه!
فتعقبه الحافظ فقال: زبان ضعيف. "إتحاف المهرة" 13/ 220 (16618).
وقال الهيثمي في "المجمع" 8/ 137: رواه أبو يعلى والطبراني، وفيه: زبان بن فائد، وثقه أبو حاتم، وضعفه غيره، وبقية رجال أبي يعلى ثقات.
والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة"(4567) قال: إسناد ضعيف؛ علته زبان.
(2)
رواه ابن ماجه (90، 4022)، وأحمد 5/ 277، 280، 282، ابن أبي شيبة 6/ 111 (29858)، وهناد في "الزهد" 2/ 491 (1009)، وأبو زرعة الرازي كما في "العلل" 2/ 208، وابن حبان 3/ 153 (872)، والحاكم 1/ 493، والبيهقي في "الشعب" 7/ 258 (10233)، والبغوي في "شرح السنة" 13/ 6 (3418)، والمزي في "تهذيب الكمال" من طريق عبد الله بن عيسى، عن عبد الله بن أبي الجعد [بزيادة (أبي) لا كما ذكر المصنف فقال: عبد الله بن الجعد] عن ثوبان.
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 9/ 174 فإنه نقله وسكت عليه، وهذا يعد موافقة، كما صرح به في المقدمة 1/ 316 - 317.
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 15: سألت شيخنا أبا الفضل العراقي رحمه الله عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن.
وقال في "الزوائد"(1346): إسناد حسن.
والحديث حسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(73، 3248). وانظر: "الصحيحة"(154).
الوالدين، واصطناع المعروف، وصلة الرحم تحول الشقاء سعادة، وتزيد في العمر، وتقي مصارع السوء"
(1)
. زاد محمد بن إسحاق العكاشي: "يا علي من كانت فيه خصلة واحدة من هذِه الأشياء أعطاه الثلاث خصال"
(2)
.
وروي عن عمر وابنه وابن عباس وجابر بن عبد الله بن رئاب نحوه. ومن حديث عكرمة بن إبراهيم، عن زائدة بن أبي الرقاد، عن موسى بن الصباح، عن ابن عمرو مرفوعًا:"إن الإنسان ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة، وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فينقص الله تعالى عمره حَتَّى لا يبقى فيه إلا ثلاثة أيام"
(3)
. قَالَ: هذا حديث حسن لا أعرفه إلا بهذا الإسناد
(4)
.
ومن حديث إسماعيل بن عياش عن داود بن عيسى قَالَ: مكتوب في التوراة: صلة الرحم وحسن الخلق وبر القرابة تعمر الديار وتكثر
(1)
رواه أبو الشيخ في "زهر الفردوس" 4/ 267 كما في "حاشية الفردوس" 5/ 262 (8130) من طريق محمد بن كامل بن ميمون الزيات، حدثنا محمد بن إسحاق العكاشي، حدثنا الأوزاعي: قدمت الشام فدخلت على محمد بن علي ابن فاطمة فقال: سمعت أبي عن جدي علي بن أبي طالب، فذكره بهذا اللفظ، دون ذكر الزيادة الآتية.
ورواه أبو نعيم في "الحلية" 6/ 145 بهذا اللفظ مع ذكر الآية.
وضعفه الألباني في "الضعيفة"(3795).
(2)
رواه بهذِه الزيادة ابن مردويه كما في "كنز العمال" 2/ 442 - 443 (4450). قال الهندي: والعكاشي يضع.
(3)
ذكره الهندي في "كنز العمال" 3/ 357 (6920) وعزاه لأبي الشيخ.
وقال الألباني في "الضعيفة"(2290): ضعيف جدًّا.
(4)
القائل هو أبو موسى المديني والذي تقدم نقل المصنف عنه من كتابه "الترغيب والترهيب".
الأموال وتزيد في الاجال وإن كان القوم كفارًا
(1)
.
(1)
قلت: يروى نحوه مرفوعًا من حديث عائشة وابن عباس.
حديث عائشة رواه أحمد 6/ 159، وعبد الله بن محمد القرشي في "مكارم الأخلاق"(429، 340)، وابن حبان في "المجروحين" 2/ 305، والبيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 226 (7969) من طريق محمد بن مهزم عن عبد الرحمن بن القاسم، حدثنا القاسم، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "
…
وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمرن الديار ويزيدان في الأعمار".
قال الحافظ في "الفتح" 10/ 415: رواه أحمد بسند رجاله ثقات.
وقال الهيثمي في "المجمع" 8/ 153: رواه أحمد، ورجاله ثقات، إلا أن عبد الرحمن بن القاسم لم يسمع من عائشة! قلت: كذا قال ولا حاجة لما قال؛ فالحديث رواه عبد الرحمن عن أبيه القاسم عن عائشة، فالإسناد متصل. والله أعلم.
والحديث صححه الألباني في "الصحيحة"(519).
وأما حديث ابن عباس فرواه الطبراني 12/ 85 - 86 (12556)، والحاكم 4/ 161، وتمام في "الفوائد" 2/ 286 (1764)، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 331، والبيهقي في "الشعب" 6/ 224 - 225 (7967) من طريق أبي خالد الأحمر، عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل ليعمر بالقوم الديار ويثمر لهم الأموال، ومانظر إليهم منذ خلقهم بغضًا لهم". قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: "بصلتهم أرحامهم". قال الحاكم: عمران الرملي من زهاد المسلمين وعبادهم [فإن] كان حفظ هذا الحديث عن أبي خالد الأحمر، فإنه غريب صحيح. وقال أبو نعيم: هذا حديث غريب من حديث داود والشعبي، تفرد به عمران الرملي عن أبي خالد. وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" 3/ 228 (3799): رواه الطبراني بإسناد حسن. وتبعه الهيثمي في "المجمع" 8/ 152. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2425).
والحديث روي من طريق آخر، من طريق عبد الصمد بن علي، حدثني أبي، عن جدي عبد الله بن العباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن البر والصلة ليطيلان الأعمار ويعمران الديار ويثريان الأموال ولو كان القوم فجارًا". هكذا لفظه، رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 1/ 385 - 386. لكن ضعفه أيضًا الألباني في "الضعيفة" (2984).
قَالَ أبو موسى: يروى هذا من طريق أبي سعيد الخدري مرفوعًا عن التوراة
(1)
. فإن قلت: أليس فرغ من الرزق والأجل؟ قلت: فيه خمسة أجوبة:
أحدها: أن يكون المراد بالزيادة توسعة الرزق وصحة البدن، فإن الغنى يسمى حياة والفقر موتًا.
ثانيها: أن يكتب أجل العبد مائة سنة، ويجعل تركيبه تعمير ثمانين سنة، فإذا وصل رحمه زاده الله في تركيبه فعاش عشرين أخرى، قالهما ابن قتيبة
(2)
.
ثالثها: أن هذا التأخير في الأجل مما قد فرغ منه، لكنه علق الإنعام به بصلة الرحم فكأنه كتب أن فلانًا يبقى خمسين سنة فإن وصل رحمه بقي ستين.
رابعها: أن تكون هذِه الزيادة في المكتوب، والمكتوب غير المعلوم، فما علمه الله من نهاية العمر لا يتغير، وما كتب قد يمحى ويثبت.
(1)
روى البيهقي في "الشعب" 3/ 244 - 245 (3442) -بإسناد فيه الواقدي- عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "صدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر وفعل المعروف يقي مصارع السوء".
وأشار المصنف لضعف إسناده فقال في "البدر المنير" 7/ 408: فيه الواقدي وحالته معلومة.
وكذا قال الحافظ في "تلخيص الحبير" 3/ 114. وانظر: "الصحيحة" (1908).
وسيكون للمصنف عودة -إن شاء الله - في هذِه المسألة بذكر بعض هذِه الأحاديث وأحاديث أخر فيما سيأتي برقم (5985 - 5986).
(2)
"تأويل مختلف الحديث" ص 294.
وقد كان عمر بن الخطاب يقول: إن كنت كتبتني شقيًا فامحني، كما سلف، وما قَالَ: إن كنت علمتني؛ لأن ما علم وقوعه لا بد أن يقع. ويبقى عليه إشكال، وهو أنه إذا كان المحتوم واقعًا فما في أفاده زيادة المكتوب ونقصانه.
وجوابه: أن المعاملات عَلَى الظواهر، والمعلوم الباطن خفي لا يعلق عليه حكم، فيجوز أن يكون المكتوب يزيد وينقص ويمحى ويثبت، ليبلغ ذَلِكَ عَلَى لسان الشارع إلى الآدمي، فيعلم فضيلة البر وشؤم العقوق. ويجوز أن يكون هذا مما يتعلق بالملائكة، فتؤمر بالإثبات والمحو، والعلم الحتم لا يطلعون عليه، ومن هذا إرسال الرسل إلى من لا يؤمن.
خامسها: إن زيادة الأجل تكون بالبركة فيه، وتوفيق صاحبه بفعل الخير، وبلوغ الأغراض، فينال في قصر العمر ما يناله غيره في طويله.
وادعى الحكيم الترمذي أن المراد بذلك قلة المقام بالبرزخ. ولا أدري ما هذا!؟
قَالَ القاضي عياض: لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة، والأحاديث تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات بعضها فوق بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام. ويختلف ذَلِكَ باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعًا، ولو قصر عما يقدر عليه، وينبغي له ألا يسمى واصلًا.
واختلف في حد الرحم التي تجب صلتها، فقيل: في كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام وأولاد الأخوال.
واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح ونحوه، وجاوز ذَلِكَ في بنات الأعمام والأخوال.
وقيل: هو عام في كل رحم من الأرحام في الميراث يستوي فيه المحرم وغيره، ونزل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"ثم أدناك أدناك"
(1)
. قلت: وروي: "إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرًا فإن لهم ذمة ورحمًا" أخرجه مسلم
(2)
. وحديث "أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه"
(3)
مع أنه لا محرمية.
(1)
"إكمال المعلم" 8/ 20 - 21 بتصرف.
والحديث رواه مسلم (2548/ 2) من حديث أبي هريرة.
(2)
مسلم (2543) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر، من حديث أبي ذر.
(3)
رواه مسلم (2552) كتاب: البر والصلة، باب: فضل صلة أصدقاء الأب والأم ونحوهما.
14 - باب شِرَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّسِيئَةِ
2068 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَمِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ. [2096، 2200، 2251، 2386، 2509، 2513، 2916، 4467 - مسلم: 1603 - فتح: 4/ 302]
2069 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ ح.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ أَبُو اليَسَعِ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخُبْزِ شَعِيرٍ، وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِرْعًا لَهُ بِالمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لأَهْلِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ:"مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم صَاعُ بُرٍّ وَلَا صَاعُ حَبٍّ" وَإِنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ. [2508 - فتح: 4/ 302]
ذكر فيه حديث الأَعْمَشِ قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَمِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ.
وحديث أنس: أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِرْعًا لَهُ بِالمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لأَهْلِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ:"مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم صَاعُ بُرٍّ وَلَا صَاعُ حَبٍّ" وَإِنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ.
الشرح: حديث عائشة أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
وفي رواية للبخاري: ومات ودرعه مرهونة عنده
(2)
.
(1)
مسلم (1603) كتاب: المساقاة، باب: الرهن وجوازه في الحضر والسفر.
(2)
سيأتي برقم (2916) كتاب: الجهاد والسير، باب: ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم والقميص في الحرب.
وترجم عليه أيضًا في السلم: باب الكفيل في السلم، ثم ساقه
(1)
، وباب الرهن في السلم، ثم ساقه، وفيه: إلى أجل معلوم، وارتهن منه درعًا من حديد
(2)
، وكان ذَلِكَ لأهله كما في النسائي من حديث ابن عباس
(3)
، وفي "المدونة": قضى بذلك دينًا كان عليه، وفي غير البخاري أنه كان لضيف طَرَقَه، ثم فداها الصديق. وخرجه البخاري في أحد عشر موضعًا من "صحيحه"
(4)
، هذا أولها.
وحديث أنس الظاهر أنه من أفراده.
وفي الباب عن ابن عباس سلف، وهو في أبي داود وابن ماجه بإسناد عَلَى شرط البخاري
(5)
. وأسماءَ أخرجه النسائي
(6)
. واختلف في
(1)
يأتي برقم (2251).
(2)
يأتي برقم (2252).
(3)
"المجتبى" 7/ 303. وهو في "الكبرى" 4/ 49 (6247).
ورواه أيضًا الترمذي (1214)، وأحمد 1/ 236، 361، والبيهقي 6/ 36 وغيرهم من طريق هشام بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس.
قال ابن دقيق العيد في "الاقتراح" ص 103، والألباني في "الإرواء" 5/ 232: حديث على شرط البخاري.
وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(2308): إسناده جيد.
وقال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"(2109، 3409): إسناده صحيح.
(4)
تأتي بأرقام (2096، 2200، 2251، 2252، 2386، 2509، 2513،
2516، 4467).
(5)
قلت: ليس الحديث في أبي داود، إنما هو في الترمذي وابن ماجه بإسناد على شرط البخاري -كما ذكر المصنف- وقد تقدم.
(6)
حديث أسماء، هي بنت يزيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بطعام.
ليس هو عند النسائي لا في "المجتبى" ولا في "السنن الكبرى"! =
مقدار ما استدانه، ففي البخاري من حديث عائشة: ثلاثين صاعًا من شعير
(1)
، وفي أخرى: بعشرين
(2)
، وفي "مصنف عبد الرزاق": بوسق شعير أخذه لأهله
(3)
، وللبزار من طريق ابن عباس أربعين صاعًا.
وروى زيد بن أسلم: أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقاضاه، فأغلظ له، فقال لرجل:"انطلق إلى فلان فليبعنا طعامًا إلى أن يأتينا شيء"، فأبى اليهودي إلا برهن، فقال:"اذهب إليه بدرعي"
(4)
.
= إنما رواه ابن ماجه (2438) وهذا لفظه، وأحمد 6/ 453، 457، وابن سعد 1/ 488، والطبراني 24 (444) من طريق عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد.
والحديث لما طرَّفه المزي في "تحفة الأشراف" 11/ 267 (15774) عزاه لابن ماجه فقط، ولم يعزه للنسائي.
قال البوصيري في "الزوائد"(813): إسناده فيه مقال. وحكى خلافًا في شهر بن حوشب. وانظر: "صحيح ابن ماجه"(1977).
(1)
سيأتي برقم (2916).
(2)
هي في حديث ابن عباس المتقدم تخريجه.
(3)
هي عند أحمد في "المسند" 6/ 457 من حديث أسماء المتقدم تخريجه.
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 10 - 11 (14091).
وإسناده مرسل؛ زيد بن أسلم قال عنه الحافظ في "التقريب"(2117): ثقة عالم وكان يرسل.
والحديث روي متصلًا عن أبي رافع.
رواه ابن أبي شيبة كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 3/ 346 (2882/ 3)، وكما في "المطالب العالية" 7/ 450 (1498/ 2)، 15/ 53 (3664)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" كما في "الإتحاف" 2882/ 1، 2، وكما في "المطالب" 1498/ 1، 3، والبزار في "البحر الزخار" 9/ 315 (3863)، وأبو يعلى كما في "الإتحاف" 2882/ 4، وكما في "المطالب" 1498/ 4، والروياني في "مسنده" 1/ 462 (695)، 1/ 472 (715)، والطبري في "تفسيره" 8/ 479 (24455)، والطبراني 1/ 331 (989) من طريق موسى بن عبيدة الربذي، عن يزيد بن =
وهذا اليهودي يقال له: أبو الشحم، قاله الخطيب البغدادي في "مبهماته"
(1)
وكذا جاء في رواية للشافعي والبيهقي من حديث (عبد الله ابن)
(2)
جعفر بن أبي طالب عن أبيه أنه صلى الله عليه وسلم رهن درعًا له عند أبي الشحم اليهودي -رجل من بني ظفر- في شعير، لكنه منقطع كما قاله البيهقي
(3)
. ووقع في "نهاية إمام الحرمين" تسميته بأبي شحمة. وهذِه الدرع هي ذات الفضول قاله أبو عبد الله محمد بن أبي بكر التلمساني في كتابه: "الجوهرة".
= عبد الله بن قسيط، عن أبي رافع، بنحوه. بإسناده ضعيف، قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 126: فيه: موسى بن عبيدة، وهو ضعيف.
وضعف الحافظ العراقي إسناده في "تخريج الإحياء"(1349).
وقال الحافظ في "الكافي الشاف" 3/ 96: فيه: موسى بن عبيدة، وهو متروك.
(1)
"الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" ص 140.
(2)
ورد بهامش الأصل: لعله سقط.
(3)
"مسند الشافعي" 2/ 163 (565 - 566)، "سنن البيهقي" 6/ 37. ورواه أيضًا في "معرفة السنن والآثار" 8/ 220 (11703) من طريق الشافعي.
والحديث رواه أيضًا ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 1/ 488، والخطيب في "الأسماء المبهمة" ص 141.
جميعًا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه، به.
والحديث منقطع كما نقل المصنف عن البيهقي في "السنن" 6/ 37. ووقع في "مهذب السنن" 4/ 2164 - 2165 (9124): مرسل. وقال محقق الكتاب في الهامش: ضبب عليها المصنف -أي الذهبي- للانقطاع.
قلت: علة انقطاعه -أو إرساله وهو الأضبط والأدق في التعبير- أن محمد بن علي بن الحسين ليس له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ونقل المصنف في "البدر المنير" 6/ 629 عن الخطيب تسمية هذا اليهودي بأبي شحم. وكذا قال الحافظ في "تلخيص الحبير" 3/ 35، وجزم به أيضًا النووي في "التهذيب" 2/ 311 (638)، والسيوطي في "التوشيح" 4/ 1739، وزكريا الأنصاري في "المنحة" 4/ 499.
وفيه أحكام خمسة:
أحدها: ما ترجم عليه وهو الشراء بالنسيئة، وهو إجماع. قَالَ ابن عباس: هو في كتاب الله، وذكر:{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282]
(1)
.
ثانيها: معاملة الشارع اليهود لبيان الجواز والاقتداء به. فإن قلت: لِمَ لَمْ يرهن عند مياسير الصحابة؟ أجيب؛ لأنه لا يبقى لأحد عليه منة لو أبرأ منه وقبل.
ثالثها: معاملة من يظن أن أكثر ماله حرام ما لم يتيقن أن المأخوذ بعينه حرام، قاله الخطابي
(2)
. قَالَ ابن التين: ولا أدري من أين أخذه؟ قلت: ظاهر، وقد أخبر الله تعالى أنهم أكالون للسحت.
الرابعة: قَالَ بعضهم: إنما رهن منهم؛ لأنهم كانوا الباعة في المدينة حينئذٍ، والأشياء (متعددة)
(3)
عندهم ممكنة، وكان وقت ضيق، وربما لم يوجد عند أصحابه، وكانت الأشياء متعذرة، مع إشارته صلى الله عليه وسلم بالتخفيف مع أصاحبه.
وفيه: الرهن في الحضر كما صرح به في الحديث، وانفرد مجاهد وتبعه داود بمنعه، وقال: إنما ذكر الله في السفر. وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
روى قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمًّى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه، ثم قال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282].
وقد أشار البخاري إليه فيما سيأتي معلقًا قبل حديث (2253) كتاب: السلم.
فقال: باب: السلم إلى أجل معلوم.
ثم قال: وبه قال ابن عباس وأبو سعيد والأسود والحسن ..
فانظر تخريجه هناك تجد مهمات إن شاء الله.
(2)
"أعلام الحديث" 2/ 1011.
(3)
من (ص).
أصح ولم يمنعه الله، وإنما ذكر وجهًا من وجوهه وهو السفر.
والدرع: درع الحرب، وقيده بالحديد؛ لأن القميص يسمى درعًا، فرهن ما هو أشد إليه حاجة، فما وجد شيئًا يرهنه غيره. قَالَ ابن فارس: درع الحديد مؤنثة، ودرع المرأة قميصها مذكر
(1)
.
و (الإِهَالَةُ): الودك. واستأهل الرجل إذا أكل الإهالة، وقال ابن سيده: إنها ما أذيب من الشحم. وقيل: الشحم والزيت وقيل: كل دهن تأدم به إهالة، واستأهل أخذ الإهالة. وفي "الواعي": الإهالة: ما أذيب من شحم الأَلية. وقال الداودي: إنها العكة.
والسَّنِخَة: المتغيرة الرائحة من طول الزمن من قولهم: سَنِخ الدهن -بكسر النون-: تغير. وقال ابن التين: يعني أن فيها سمنًا لم يغير طعمه شيئًا، ثم ذكر ما قدمته وروي زنخة بالزاي.
و (الآلُ) هنا الأهل أي: أهل البيت. وإنما قَالَ ذَلِكَ ليعزي فقراء المؤمنين وهو شرح حال لا شكوى. ولعله سئل في وقت لم يكن عنده شيء واعتذر، وهذا كله ابتلاء من الله ليعظم الأجر، وإلا فقد آتاه الله مفاتيح خزائن الأرض فردها تواضعًا ورضي بزي المساكين. وقال:"اللَّهُمَّ أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين"
(2)
(1)
"المجمل" 1/ 322.
(2)
روي من حديث أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وعبادة بن الصامت.
حديث أبي سعيد الخدري رواه ابن ماجه (4126)، وعبد بن حميد في "المنتخب" 2/ 109 (1000)، والخطيب في "تاريخه" 4/ 111، والحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال" 6/ 241 - 242، والحافظ الحسيني في "ذيل تذكرة الحفاظ" ص 88 - 89 من طريق أبي خالد الأحمر، عن يزيد بن سنان، عن أبي المبارك، عن عطاء بن أبي رباح، عنه. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال العلامة النووي في "المجموع" 6/ 178: إسناده ضعيف. وقال الحافظ الذهبي في "الميزان" 6/ 241: أبو المبارك، لا يدرى من هو، وخبره منكر، ثم ذكر له هذا الحديث. وضعف المصنف أيضًا إسناده في "البدر المنير" 7/ 367. وكذا الحافظ في "التلخيص" 3/ 109.
وبالغ ابن الجوزي فرواه من هذا الطريق في "الموضوعات" 3/ 381 (1621) وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعد ذلك المصنف رحمه الله غلوًا منه كما في "البدر" 7/ 368، وعده الحافظ في "التلخيص" 3/ 109 إسرافًا منه.
وقال الألباني في "الإرواء" 3/ 360: سنده ضعيف. وكذا قال في "الصحيحة" 1/ 618.
والحديث رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 421 (1615)، وفي "الدعاء"(1426)، وابن عدي 3/ 424 - 425، والحاكم 4/ 322، والبيهقي في "السنن" 7/ 13، والحافظ الذهبي في "السير" 11/ 139 - 140 من طريق خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، عن عطاء، به.
قال الحاكم: حديث لا يصح. وقال الذهبي: غريب جدًا، وخالد دمشقي، ضعفه ابن معين.
والحديث صححه الألباني في "الصحيحة"(308) بمجموع طريقيه.
وأما حديث أنس فرواه الترمذي (2352)، والبيهقي 7/ 12، والذهبي في "السير" 15/ 434، وفي "تذكرة الحفاظ" 3/ 851 من طريق ثابت بن محمد الزاهد، عن الحارث بن النعمان، عن أنس بن مالك.
قال الذهبي في "المهذب" 5/ 2567 - 2568 (10519): الحارث بن النعمان منكر الحديث، قاله البخاري.
وقال العلامة النووي في "المجموع" 6/ 178، والحافظ في "التلخيص" 3/ 109: إسناده ضعيف.
والحديث أشار ابن بطال في "شرحه" 10/ 170 - 171 لضعفه فقال: إن ثبت في النقل.
وقال العلامة ابن القيم في "عدة الصابرين" ص 286: لا يحتج بإسناده. =
ليكون أرفع لدرجته، ولقد كان يخرج فيلقى أبا بكر فيقول:"ما أخرجك" فيقول: الجوع. قَالَ: "وأنا أخرجني"
(1)
.
فكان هذا ابتلاء من الرب جل جلاله لجلالة قدره عنده. وقد قَالَ موسى كليمه: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24] والخير كسرة من شعير اشتاقها واشتهاها.
وفائدة ذَلِكَ من وجهين:
أحدهما: تعليم الخَلْق الصبر فكأنه قَالَ: أنا أكرم الخلق عَلَى الله وهذا حالي، فإذا ابتليتم أنتم فاصبروا.
ثانيهما؛ إعلام الناس أن البلاء يليق بالأخيار؛ ليفرح المبتلى.
وفيه: رد عَلَى زفر والأوزاعي أن الرهن ممنوع في السلم.
= وضعفه المصنف رحمه الله في "البدر" 7/ 367، وكذا الحافظ في "الفتح" 11/ 274. وقال الحافظ السخاوي في "المقاصد" (538): سنده فيه منكر.
وبالغ أيضًا ابن الجوزي فرواه في "الموضوعات"(1622) وقال: قال البخاري: الحارث بن النعمان منكر الحديث.
وتبعه شيخ الإسلام فقال في "مجموع الفتاوى" 18/ 326: ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في "الموضوعات" وسواء صح لفظه أو لم يصح
…
وخطأ الهندي ابن الجوزي إيراده هذا الحديث في "الموضوعات" كما في "الكنز" 6/ 489 (16668).
وأما حديث عبادة بن الصامت فرواه الطبراني في "الدعاء"(1427)، والبيهقي 7/ 12، والضياء في "المختارة" 8/ 270 - 271 (332 - 333) من طريق الهقل بن زياد، عن عبيد بن زياد الأوزاعي، عن جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت.
قال الحافظ السخاوي في "المقاصد"(538): رواه الطبراني في "الدعاء" بسند رجاله ثقات.
والحديث في الجملة صححه الألباني في "الإرواء"(861) بمجموع طرقه وشواهده.
(1)
رواه مسلم (2038) من حديث أبي هريرة.
نعم كره عليٌّ الرهن والقبيل في السلم، وابن عمر وابن عباس وطاوس وسعيد بن جبير وشريح وسعيد بن المسيب، كما ذكره ابن أبي شيبة عنهم
(1)
.
وقال مالك: لا بأس بالرهن والكفيل فيه، ولم يبلغني أن أحدًا كرهه غير الحسن البصري، ورخص فيه عطاء والشعبي
(2)
. وبه قَالَ أبو حنيفة وصاحباه والثوري والشافعي. وقال أحمد وأبو ثور: لا يجوز ذَلِكَ في السلم ولا سبيل له عَلَى الكفيل
(3)
.
وحجة من كرهه أنه أن أخذ الرهن في رأس المال فرأس المال غير الدين، إنما دينه ما أسلم فيه، ورأس المال مستهلك في الذمة غير مطلوب به، وإن أخذه بالسلم فيه فكأنه اقتضاه قبل أجله، وهو من
باب سلف، جرَّ منفعة لإنه ينتفع بما يستوثق به من الرهن والضامن.
وحجة المجيز إجماعهم عَلَى إجازة الرهن والكفيل والحمالة في الدين المضمون من ثمن سلعة قبضت، فكذلك السلم، وبالقياس عَلَى الثمن.
وفيه: جواز رهن آلة الحرب عند أهل الذمة، وذَلِكَ أن من أمنته فأنت آمن منه، بخلاف الحربي.
وفيه: قبول ما تيسر وإهداء ما تيسر، وقد دعي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجاب، أخرجه البيهقي عن الحسن مرسلًا.
وفيه: مباشرة الشريف والعالم شراء الحوائج بنفسه وإن كان له من
يكفيه؛ لأن جميع المؤمنين كانوا حريصين عَلَى كفاية أمره وما يحتاج إلى التصرف فيه رغبة منه في رضائه وطلب الأجر والثواب.
(1)
"المصنف" 4/ 278 (20027 - 20033).
(2)
رواه عنهما ابن أبي شيبة 4/ 277 (20012 - 20013).
(3)
انظر: "المغني" 6/ 423، 424.
فإن قلت: فما تعمل في الحديث الصحيح: "نفس المؤمن معلقة بدينه حَتَّى يقضى عنه"
(1)
مع أنه صلى الله عليه وسلم مات وهي مرهونة.
قلت: هو محمول عَلَى من لم يخاف وفاءً دون من خلف
(2)
.
(1)
روي من طرق عن أبي هريرة مرفوعًا.
الأول: عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
رواه الترمذي (1078)، وأحمد 2/ 508، والحاكم 2/ 26 - 27، والبيهقي 4/ 61، 6/ 76. قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"(860).
الثاني: عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة.
رواه الترمذي (1079)، وابن ماجه (2413)، وأبو يعلى 10/ 416 (2026)، وابن عبد البر في "التمهيد" 23/ 235، والبغوي في "شرح السنة" 8/ 202 (2147). قال الترمذي: حديث حسن، وهو أصح من الأول. وحسنه البغوي.
وقال النووي في "المجموع" 5/ 108، وفي "الخلاصة" 2/ 930 (3301): رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح أو حسن. وقال الألباني في "صحيح الترمذي"(861): صحيح بما قبله. وصححه في "صحيح ابن ماجه"(1957).
الثالث: عن سفيان الثوري عن سعد بن إبراهيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة. رواه أحمد 2/ 440، 475، والبيهقي 4/ 61، 6/ 76، وابن عبد البر 23/ 236. والحديث من هذا الطريق صححه الدارقطني في "العلل" 9/ 305.
ونقل ابن عبد البر عن يحيى بن سعيد أنه صحح هذا الحديث، وسئل عن عمر بن أبي سلمة، فقال: ضعيف الحديث، وقال ابن المديني عن يحيى القطان: كان شعبة يضعف عمر بن أبي سلمة. وقال السخاوي في "المقاصد"(2832) بعدما عزاه لأحمد والترمذي: قال المناوي: إسناده صحيح. وقال الشوكاني في "النيل" 2/ 680: الحديث رجاله ثقات إلا عمر بن أبي سلمة، وهو صدوق يخطئ.
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الصغير"(9281) لأحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، ورمز له بالصحة. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(6779).
(2)
ورد في هامش الأصل: ثم بلغ في الثالث بعد الخمسين كتبه مؤلفه.
15 - باب كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ
2070 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي، وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ المُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا المَالِ وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ. [فتح 4/ 303]
2071 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ أَرْوَاحٌ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ.
رَوَاهُ هَمَّامٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. [انظر: 902 - مسلم: 847 - فتح: 4/ 303]
2072 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ المِقْدَامِ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ عليه السلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ". [فتح: 4/ 303]
2073 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَنَّ دَاوُدَ عليه السلام كَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ". [3417، 4713 - فتح: 4/ 303]
2074 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ -مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ-، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ". [انظر: 1470 - مسلم: 1042 - فتح: 4/ 303]
2075 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلَهُ [خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ"]. [انظر: 1471 - فتح: 4/ 304]
ذكر حديث عروة أن عائشة قَالَتْ لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ الصديقُ قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي، وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ المُسْلِمِينَ، فَسَيَأكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هذا المَالِ وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ.
وحديثها: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ الحديث.
وسلف في الجمعة
(1)
، رواه همام، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.
ثم ساق حديث المقدام من حديث خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عنه عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ".
وهو من أفراده كالأثر الأول، وهو هنا خاصة.
ومحمد شيخ البخاري في حديث عائشة هو محمد بن يحيى الذهلي كما قاله الجياني
(2)
.
(1)
برقم (902) وعليها بالهامش: معلق عن عائشة.
(2)
ذكره الجياني في "تقييد المهمل" 3/ 1045 في باب: المواضع التي ذكر شيوخنا أن البخاري رحمه الله روى فيها عن محمد بن يحيى ى الذهلي وقال: لم ينسبه أحد من الرواة، ولا ذكر فيه أبو نصر شيئًا.
ونص كلامه هذا نقله الحافظ في "هدي الساري" ص 237 وقال: ويظهر لنا أنه الذهلي، وبه جزم الحاكم. وكذا قال في "الفتح" 4/ 305. وقال السيوطي في "التوشيح" 4/ 1511: حدثني محمد، قال الحاكم: هو الذهلي، وقال غيره: هو المصنف، وكأنه من قول الفربري وقد سقط في رواية ابن شبويه.
وقال زكريا الأنصاري في "المنحة" 4/ 501: هو ابن يحيى ى الذهلي، وقيل: هو البخاري.
وذكره المزي في "التحفة" 12/ 23 (16392) ولم ينسبه.
وقوله: (رواه همام إلى آخره) أسنده أبو نعيم من حديث هدبة عنه
(1)
.
والراوي عن أبي الأسود سعيد وهو ابن أبي أيوب مقلاص أبو يحيى، وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة.
وزعم الإسماعيلي أن سنده منقطع، بين خالد والمقدام جبير بن نفير.
ورواه ابن ماجه، عن هشام، عن ابن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن خالد بن معدان، عنه مرفوعًا:"ما من كسب الرجل أطيب من عمل يديه، وما أنفق الرجل عَلَى نفسه وولده وخادمه فهو صدقة"
(2)
.
والمقدام: - (خ) والأربعة -هو ابن معدي كرب مات سنة سبع وثمانين عن إحدى وتسعين سنة.
ثم ذكر حديث أَبي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ دَاوُدَ كَانَ لَا يَأْكلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ".
وهو من أفراده، وللإسماعيلي زيادة:"خفف عَلَى داود القرآن فكان يأمر بداوبه لتسرج فكان يقرأ القرآن قبل أن تسرج وإنه كان لا يأكل إلا من عمل يده"
(3)
.
ويحيى بن موسى شيخ البخاري فيه هو المعروف: بخت، لقب بذلك؛ لأن اللفظة المذكورة جرت عَلَى لسانه.
(1)
أسنده أبو نعيم في "المستخرج على البخاري" كما في "تغليق التعليق" 3/ 215 قال: حدثنا إبراهيم بن حمزة، ثنا أبو القاسم بن عبد الكريم، ثنا أبو زرعة، ثنا هدبة به.
(2)
ابن ماجه (2138). قال الحافظ في "الدراية" 2/ 146: إسناده جيد.
(3)
ستأتي هذِه الزيادة وحدها برقم (3417، 4713).
وحديثه أيضًا: "لأَنْ يَحْتَطِبَ
…
" إلى آخره. سلف
(1)
. وكذا حديث الزبير مثله
(2)
.
وفي الإسرائيليات: سمع داود يومًا قائلًا يقول: نعم العبد داود لو كان يأكل من عمل يده، فدعا الله فعلمه صنعة الحديد. وفي الحاكم من حديث أبي بردة، -يعني: ابن نيار-: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أطيب وأفضل؟ قَالَ: "عمل الرجل بيده أو كل بيع مبرور"
(3)
.
وعن البراء بن عازب نحوه، وقال: صحيح الإسناد
(4)
.
(1)
برقم (1470، 1480).
(2)
برقم (1471).
(3)
"المستدرك" 2/ 10.
ورواه أيضًا أحمد 3/ 466، والبزار كما في "كشف الأستار"(1258)، والطبراني 22 (520)، والبيهقي 5/ 263 من طريق شريك عن وائل بن داود عن جميع بن عمير، عن خاله أبي بردة. والحديث سكت عنه الحاكم. وقال البيهقي: هكذا رواه شريك، وغلط فيه في موضعين: أحدهما في قوله: جميع بن عمير، وإنما هو سعيد بن عمير، والآخر في وصله وإنما رواه غيره عن وائل مرسلًا.
وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(1586): جميع ضعيف.
وقال الألباني في "ضعيف الجامع"(1049): ضعيف جدًا.
(4)
"المستدرك" 2/ 10.
ورواه البيهقي 5/ 263 من طريق سفيان الثوري، عن وائل بن داود، عن سعيد بن عمير، عن عمه. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووائل بن داود وابنه بكر ثقتان، وقد ذكر ابن معين أن عم سعيد بن عمير: البراء بن عازب وإذا اختلف الثوري وشريك فالحكم للثوري.
ورواه البيهقي 5/ 263 من طريق محمد بن عبيد عن وائل بن داود، عن سعيد بن عمير -أبو أمه البراء بن عازب- قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم .. فذكره.
ثم قال: هذا هو المحفوظ مرسلًا.
وقال ابن أبي حاتم في "العلل" 2/ 443 (2837): المرسل أشبه.
وعن رافع بن خديج مثله
(1)
.
وللنسائي عن عائشة: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه"
(2)
.
(1)
"المستدرك" 2/ 10.
ورواه أيضًا أحمد 4/ 141، والطبراني 4/ 276 - 277 (4411) من طريق المسعودي عن وائل بن داود عن عباية بن رافع، عن أبيه رافع بن خديج.
قال الحاكم: هذا خلاف ثالث على وائل بن داود إلا أن الشيخين لم يخرجا عن المسعودي، ومحله الصدق.
وخطأ البيهقي هذِه الرواية أيضًا وقال: والصحيح رواية وائل عن سعيد بن عمير، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، قال البخاري: أسنده بعضهم وهو خطأ. اهـ.
ولمزيد من التفصيل عن هذِه الثلاثة الأحاديث، انظر:"البدر المنير" 6/ 439 - 441، و"تلخيص الحبير" 3/ 3، و"الصحيحة"(607).
(2)
"سنن النسائي" 7/ 240 - 241 من طريقين عنها:
الأول: عن عمارة بن عمير عن عمته عنها:
ورواه من هذا الطريق أيضًا أبو داود (3528)، والترمذي (1358)، ابن ماجه (2290)، وأحمد 6/ 31، 41، 162، 173، 193، 201، 220، وإسحاق بن راهويه 3/ 848 - 849 (1508)، (1657)، وابن حبان 10/ 72 (72)، والحاكم 2/ 46، والبيهقي 7/ 479.
ومن هذا الطريق صححه أبو حاتم كما في "العلل" 1/ 465 (1396)، وقال الألباني في "الإرواء" 3/ 330: رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمة عمارة، فلم أعرفها.
ورواه بعضهم فقال: عن أمه، بدل: عمته.
رواه هكذا: أبو داود (3529)، وإسحاق (1655 - 1656)، والبيهقي 7/ 480، والحديث صححه عبد الحق 3/ 349 - 350.
الثاثي: عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.
النسائي 7/ 241.
ورواه أيضًا ابن ماجه (2137)، وأحمد 6/ 42، 220، وإسحاق 3/ 848 (1507)، وابن حبان (4260 - 4261)، والبيهقي 7/ 480، والبغوي في "شرح السنة" 9/ 328 - 329 (2398). =
ولأبي داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا:"إن أطيب ما أكلتم من كسبكم"
(1)
.
إذا تقرر ذَلِكَ: فالحرفة والاحتراف: الكسب، يقال: فلان يحترف لعياله أي يكتسب، واحترف احترافًا نما ماله وصلح، قَالَ المهلب: الحرفة هنا: التصرف في المعاش. والتحرف لما اشتغل عنه أبو بكر بأمر المسلمين ضاع أهله، فاحتاج أن يأكل هو وأهله من بيت المال؛ لاستغراقه وقته في أمورهم واشتغاله عن تعيش أهله.
وقوله: (واحترف للمسلمين فيه) أي: اتجر لهم في مالهم حَتَّى يعود عليهم من ربحه بقدر ما أكل أو أكثر، وليس بواجب عَلَى الإمام أن يتجر في مال المسلمين بقدر مؤنته إلا أن يتطوع بذلك كما تطوع الصديق؛ لأن مؤنته مفروضة في بيت المال بكتاب الله تعالى؛ لأنه رأس العاملين عليها.
وفي "الطبقات" عن حميد بن هلال: لما ولي أبو بكر قَالَ الصحابة: افرضوا للخليفة ما يعينه، قالوا: نعم برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ
= وصححه من هذا الطريق أبو حاتم كما في "العلل" 1/ 465 (1396). وقال الألباني في "الإرواء" 3/ 330: إسناده صحيح. وزاد في 6/ 66: على شرط الشيخين.
والحديث في الجملة حسنه المنذري في "المختصر" 5/ 183، وصححه المصنف في "البدر المنير" 8/ 308، والألباني في "الإرواء"(1626، 2162/ 2).
(1)
أبو داود (3530).
ورواه أيضًا ابن ماجه (2292)، وأحمد 2/ 179، 214، وابن الجارود 3/ 251 - 252 (995)، والبيهقي 7/ 480، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 231 (1632).
قال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"(6678، 7001): إسناده صحيح. وقال الألباني في "الإرواء" 3/ 325: سنده حسن.
بدلهما، وظهره إذا سافر، ونفقته عَلَى أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف، فقال أبو بكر: رضيت.
وعن ميمون قَالَ: لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين، قَالَ: زيدوني فإن لي عيالًا، فزادوه خمسمائة، قَالَ: إما أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة، أو كانت ألفين وخمسمائة، فزادوه خمسمائة
(1)
.
وقال ابن التين: يقال: إن أبا بكر، أرزق في كل يوم شاة، وكان شأن الخليفة أن يطعم من حضره قصعتين كل يوم غدوة وعشاء. ولما حضرت أبا بكر الوفاة حسب ما أنفق من بيت المال فوجده سبعة آلاف درهم، فأمر بماله غير الرباع فأدخل في بيت المال، فكان أكثر مما أنفق، فربح المسلمون عليه وما ربحوا عَلَى غيره.
وقوله: (تعجز) أي: تقصر.
(وشغلت بأمر المسلمين) أي: عن حرفته. وآله: أهل بيته. وهو دليل واضح عَلَى أن للعامل أن يأخذ من عرض المال في يعمل فيه قدر عمالته إذا لم يكن فوقه إمام يقطع له أجرة معلومة.
و (الأرْوَاحٌ) في حديث عائشة جمعٌ، وأصل ريح: روح، فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء.
وفيه: ما كان عليه الصحابة من التواضع واستعمال أنفسهم في أمور دنياهم.
و (أحبُلَه) قَالَ ابن التين: كذا سمعناه، وفي بعضها حبله.
وقوله: (لَوِ اغْتَسَلْتُمْ) يبين ما روى أبو سعيد الخدري مرفوعًا:
(1)
"الطبقات الكبرى" 3/ 184 - 185.
"غسل الجمعة واجب عَلَى كل محتلم"
(1)
أنه ليس بواجب فرضًا، وأن المراد بذلك الندب إلى النظافة، وتأكيد الغسل عليهم لفضل الجمعة ومن يشهدها من الملائكة والمؤمنين، وقد تقدم ما للعلماء فيه في كتاب: الجمعة فراجعه.
وفي حديث المقدام: أن أفضل الكسب عمل اليد، ألا ترى أن نبي الله داود صلى الله عليه وسلم كان يأكل من عمل يده، وعليه ترجم البخاري. وقال أبو الزاهرية: كان داود يعمل القفاف ويأكل منها. قلت: عمله الحديد -أي: الدروع- بنص القرآن، فالأكل مما عملته الأيدي أفضل مآكل التجر، وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل من سعيه في بعثه الله عليه في القتال، وكان يعمل طعامه بيده ليأكل من عمل يده، قيل لعائشة: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في أهله، قالت: كان في مهنة أهله فإذا أقيمت الصلاة خرج إليها
(2)
.
قَالَ الماوردي: أصول المكالسب الزراعة والتجارة والصنعة، وأيها أطيب؟ فيه ثلاثة مذاهب للناس، وأشبهها بمذهب الشافعي: أن التجارة أطيب، والأشبه عندي: أن الزراعة أطيب لأنها أقرب إلى التوكل.
قَالَ النووي: وحديث البخاري صريح في ترجيح الزراعة والصنعة لكونها عمل يده، لكن الزراعة أفضلهما؛ لعموم النفع بها للآدمي وغيره، وعموم الحاجة إليها. وظاهر تبويب البخاري ترجيح
الصناعة
(3)
.
(1)
سلف برقم (858)، ورواه مسلم (846).
(2)
سلف برقم (676).
(3)
انظر قولي الماوردي والنووي في "المجموع" 9/ 66.
وقوله: " (لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ") إلى آخره، يدل عَلَى فضل الكفاف وكراهية السؤال.
قَالَ ابن المنذر: وإنما فضل عمل اليد عَلَى سائر المكاسب إذا نصح العامل بيده، جاء ذَلِكَ مبينًا في حديث رواه المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا:"خير الكسب يد العامل إذا نصح"
(1)
وكان زكريا نجارًا و"ما من نبي إلا ورعى الغنم"
(2)
. وذكر معمر عن سلمان أنه كان يعمل الخوص، فقيل له: أتعمل هذا وأنت أمير المدائن يجري عليك رزق. قَالَ: إني أحب أن آكل من عمل يدي
(3)
.
(1)
رواه أحمد 2/ 334، 357 - 358، وأبو نعيم الأصبهاني في "أخبار أصبهان" 1/ 356، وفي "تسمية ما انتهى إلينا" ص 39، والبيهقي في "الشعب" 2/ 87 (1236)، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" 2/ 47 (1140) من طريق محمد بن عمار كُشاكِش، عن المقبري.
قال المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/ 180 (1161): رواه أحمد ورواته ثقات. وتبعه الهيثمي في "المجمع" 4/ 61، 98. وحسن الحافظ العراقي إسناده في "تخريج الاحياء" (1587). وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(3283)، وفي "صحيح الترغيب"(776).
(2)
سيأتي برقم (2262) من حديث أبي هريرة. وبنحوه (3406)، ورواه مسلم (2050) من حديث جابر.
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 418 (15768).
16 - باب السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالبَيْعِ، وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ
.
2076 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى". [فتح: 4/ 306]
ذكر فيه حديث جابر: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرى، وَإِذَا اقْتَضَى".
هذا الحديث من أفراده. وللترمذي: "غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلًا إذا باع، سهلًا إذا اشترى، سهلًا إذا اقتضى" ثم قَالَ: حسن غريب صحيح من هذا الوجه
(1)
. قَالَ الداودي: يحتمل قوله: رجلًا أن يريد: الخبر أو الدعاء، والظاهر أنه للدعاء.
وقوله: ("وَإِذَا اقْتَضَى") جاء في رواية: "وإذا أقضى" وفي أخرى: "خذ حقك في عفاف وافيًا أو غير واف" وروي هذا عن ابن عمر وعائشة مرفوعًا
(2)
. وفي رواية
(3)
: "إذا اقتضي له".
(1)
الترمذي (1320).
وانظر تخريجًا موسعًا لهذا الحديث في كتاب: "فضيلة إنظار المعسر" ليوسف بن عبد الهادي. تحقيق دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث. حديث رقم (6).
(2)
رواه ابن ماجه (2421)، وابن حبان 11/ 474 (5080)، والحاكم 2/ 32، والبيهقي 5/ 358 من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن نافع، به.
وانظر: "فضيلة إنظار المعسر" حديث (35).
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: رواه البزار.
وفيه: الحض عَلَى المسامحة -كما ترجم له- وحسن المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة في البيع، وذلك سبب لوجود البركة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يحض أمته إلا عَلَى ما فيه النفع لهم دينًا ودنيا. فأما فضله في الآخرة فقد دعا صلى الله عليه وسلم بالرحمة والغفران لفاعله، فمن أحب أن تناله هذِه الدعوة فليقتدِ به ويعمل به.
وفي قوله: ("وَإِذَا اقْتَضَى") حض عَلَى ترك التضييق عَلَى الناس عند طلب الحقوق وأخذ العفو منهم، ويؤيده حديث ابن عمر وعائشة السالف.
قَالَ ابن المنذر: وفيه الأمر بحسن المطالبة وإن قبض دون حقه. وقد جاء في إنظار المعسر من الفضل ما ستعلمه في الباب بعده.
قَالَ ابن حبيب: تستحب السهولة في البيع والشراء، وليس هي ترك المكايسة فيه، إنما هي ترك المضاجرة ونحوها، والرضا بالإحسان وبيسير الربح، وحسن الطلب.
وفي الحديث: "صاحب السلعة أحق أن يسوم تحريًا من أن يسام"
(1)
. والبركة في أول السوم وفي المسامحة. ورغب في إقالة النادم، وكانوا يحبون المكايسة في الشراء.
(1)
روى ابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 469 (22172)، وأبو داود في "مراسيله" (166) من طريق ابن المبارك عن عبد الله بن عمرو بن علقمة عن ابن أبي حسين مرفوعًا:"سيد السلعة أحق بالسوم".
وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(3319).
وانظر في "صحيح مسلم" حديث (1408/ 38).
17 - باب مَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا
2077 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، أَنَّ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "تَلَقَّتِ المَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنِ المُوسِرِ قَالَ: قَالَ: فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ". وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ:"كُنْتُ أُيَسِّرُ عَلَى المُوسِرِ، وَأُنْظِرُ المُعْسِرَ". وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ. وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ:"أُنْظِرُ المُوسِرَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ المُعْسِرِ". وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْد، عَنْ رِبْعِيٍّ:"فَأَقْبَلُ مِنَ المُوسِرِ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ المُعْسِرِ". [2391، 3451 - مسلم: 1560 - فتح: 4/ 307]
ذكر فيه حديث منصور، عن ربعي، عن حذيفة: قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "تَلَقَّتِ المَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنِ المُوسِرِ قَالَ: قَالَ: فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ". وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ:"كُنْتُ: أسِّرُ عَلَى المُوسِرِ، وَأُنْظِرُ المُعْسِرَ". وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ. وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ:"أُنْظِرُ المُوسِرَ، وَأتجَاوَزُ عَن المُعْسِرِ". وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ:" فَأَقْبَلُ مِنَ المُوسِرِ، وَأتَجَاوَزُ عَنِ المُعْسِرِ".
الشرح:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وفي بعض رواياته: قَالَ أبو مسعود: هكذا سمعت من رسول الله
(2)
وفي أخري: قال
(1)
مسلم (1560).
(2)
مسلم (1560/ 27).
عقبة بن عامر وأبو مسعود الأنصاري هكذا سمعناه من فِيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
. والصحيح كما قَالَ عبد الحق: عقبة بن عمرو لا ابن عامر، وعقبة بن عامر وهم. وقال البخاري: قَالَ عقبة بن عمرو أنا سمعته يقول: وذكر معه حديثًا آخر، وهو حديث الرجل في حرق نفسه يأتي
(2)
.
وقوله: وقال أبو مالك: ثنا ربعي، هذا أسنده مسلم: عن أبي سعيد الأشج، ثَنَا أبو خالد الأحمر، عن أبي مالك -سعد بن طارق- عن ربعي، عن حذيفة
(3)
، وهو في قَالَ فيه: فقال: عقبة وأبو مسعود
كما سلف.
وكذا قَالَ خلف في "أطرافه": عقبة بن عامر وهم لا أعلم أحدًا قَالَ غيره -يعني: الأشج- والحديث إنما يحفظ من حديث عقبة بن عمرو وأبي مسعود الأنصاري. وذكر الدارقطني أن الوهم من أبي خالد
الأحمر، وصوابه: ابن عمرو. كذا رواه أبو مالك ونعيم بن أبي هند وعبد الملك بن عمير عن ربعي
(4)
.
(1)
مسلم (1560/ 29).
(2)
سيأتي برقم (3450 - 3451) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل.
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" 5/ 231: هكذا روي هذا الإسناد في كتاب مسلم، والحديث محفوظ لعقبة بن عمرو الأنصاري، لا لعقبة بن عامر الجهني، والوهم في هذا الإسناد من أبي خالد الأحمر، قاله الدارقطني. وصوابه: فقال عقبة بن عمرو. اهـ.
وانظر: "مسلم بشرح النووي" 10/ 225 - 227.
(3)
مسلم (1560) كتاب: المساقاة، باب: فضل إنظار المعسر.
(4)
تقدم نقل هذا الكلام عن القاضي عياض، وحكى نحوه النووي.
ومتابعه شعبة ستأتي في الاستقراض مسندة: حدثَنَا مسلم، بن إبراهيم عن شعبة به
(1)
. وكذا ما علقه أبو عوانة، أسنده فيه
(2)
عن موسى بن إسماعيل عنه مطولًا، وفيه: قَالَ عقبة: أنا سمعته يقول ذَلِكَ، وكان نبَّاشًا
(3)
.
وتعليق نعيم بن أبي هند أسنده مسلم عن علي بن حجر إسحاق بن إبراهيم، عن جرير، عن المغيرة، عن نعيم به
(4)
.
(1)
تأتي برقم (2391) باب: حسن التقاضي.
(2)
ورد بهامش الأصل: إنما ذكره البخاري في: بني إسرائيل.
(3)
يأتي برقم (3450 - 3452) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل.
(4)
مسلم (1560) كتاب: المساقاة، باب: فضل إنظار المعسر.
18 - باب مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا
2078 -
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ؛ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُ". [3480 - مسلم: 1562 - فتح: 4/ 308]
ذكر فيه حديث أبي هريرة: عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ؛ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا. فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وللحاكم على شرط مسلم:"خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله أن يتجاوز عنا"، وفيه:"فقال الله تعالى: قد تجاوزت عنك"
(2)
. وفي أفراد مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعًا: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه"
(3)
. وله من حديث ربعي عن أبي اليسر مرفوعًا: "من انظر معسرًا أو وضع له أظله الله في عرشه"
(4)
.
قَالَ الحاكم: ورواه زيد بن أسلم وحنظلة بن قيس أيضًا عن أبي اليسر
(5)
.
(1)
مسلم (1562).
(2)
"المستدرك" 2/ 28.
(3)
مسلم (1563).
(4)
مسلم (3006) كتاب: الزهد والرقائق، باب: حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر.
(5)
"المستدرك" 2/ 29.
ولابن أبي شيبة عن ابن مسعود مرفوعًا: "حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان رجلًا موسرًا يخالط الناس، فيقول لغلمانه: تجاوزوا عن المعسر، فقال الله لملائكته: لنحن
أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه"
(1)
.
فيه والباب قبله: أن الرب جل جلاله يغفر الذنوب بأقل حسنة توجد للعبد وذلك -والله أعلم- إذا حصلت النية فيها لله، وأن يريد بها وجهه وابتغاء مرضاته، فهو أكرم الأكرمين ولا يخيب عبده من رحمته، وقد قَالَ تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)} [الحديد: 11] وللترمذي في هذا الحديث أنه ينظر فلا يجد حسنة ولا شيئًا، فيقال له، فيقول: ما أعرف شيئًا إلا كنت إذا داينت معسرًا تجاوزت عنه، فيقول الله تعالى: أنت معسر ونحن أحق بهذا منك
(2)
.
وفيه أيضًا: أن المؤمن يلحقه أجر ما يأمر به من أبواب البر وإن لم يتول ذَلِكَ بنفسه.
وفيه أيضًا: إباحة كسب العبد؛ لقوله: آمر فتياني، والفتيان: المماليك والفتية. قَالَ تعالى: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ} [يوسف: 62].
وفيه: توكيلهم عَلَى التقاضي. ومعنى: ينظروا: يؤخروا.
وفيه: أن العبد يحاسب عند موته بعض الحساب.
وفيه: أنه يخبر بما يصير إليه.
(1)
"المصنف" 4/ 547 (23006).
قلت: والحديث رواه مسلم (1561)!.
(2)
"سنن الترمذي"(1307).
وفيه: أنه إن أنظره أو وضع عنه ساغ ذَلِكَ، وهو شرع من قبلنا، وشرعنا لا يخالفه بل ندب إليه.
وقوله: ("تَجَاوَزوا عَنْهُ") يدخل فيه الإنظار والوضيعة وحسن التقاضي.
وقوله-: "أيسر عَلَى الموسر وأنظر المعسر" قَالَ ابن التين: رواية غيره أولى: "أنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر" وأما إنظار المعسر فواجب.
19 - باب إِذَا بَيَّنَ البَيِّعَانِ وَلَمْ يَكْتُمَا وَنَصَحَا
.
وَيُذْكَرُ
(1)
عَنِ العَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ كَتَبَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ العَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ، بَيْعَ المُسْلِمِ المُسْلِمَ، لَا دَاءَ، وَلَا خِبْثَةَ، وَلَا غَائِلَةَ". وَقَالَ قَتَادَةُ: الغَائِلَةُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالإِبَاقُ. وَقِيلَ لإِبْرَاهِيمَ: إِنَّ بَعْضَ النَّخَّاسِينَ يُسَمِّي آريَّ: خُرَاسَانَ وَسِجِسْتَانَ، فَيَقُولُ: جَاءَ أَمْسِ مِنْ خُرَاسَانَ، جَاءَ اليَوْمَ مِنْ سِجِسْتَانَ. فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً، يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً، إِلَّا أَخْبَرَهُ.
2079 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ رَفَعَهُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا -أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا- فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا". [2082، 2108، 2110، 2114 - مسلم: 1532 - فتح: 1/ 309]
ثم ذكر حديث عبد الله بن الحارث رفعه إلى حكيم بن حزام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "البَيعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا -أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا- فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا".
(1)
ورد بهامش الأصل: إنما قال البخاري: ويذكر، بصيغة التمريض كما ستعلمه في كلام المصنف أنه اشترى أو باع أو يكون عباد بن ليث، قال في ابن معين: ليس بشيء، أو لانفراده به على ما قاله الدراقطني، والثاني لم يذكره المصنف
الشرح:
حديث العداء بن خالد بن هوذة العامري -وقد أسلم هو
(1)
وأبوه
(2)
وعمه
(3)
- رواه الترمذي. وابن ماجه عن ابن بشار، عن عباد بن ليث -صاحب الكرابيسي- عن عبد المجيد
(4)
بن وهب قَالَ: قَالَ لي العداء بن خالد: ألا أريك كتابًا كتبه لي النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى. فأخرج لي كتابًا: "هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله اشترى منه عبدًا أو أمة لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم للمسلم". ثم قَالَ: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن ليث
(5)
، وقال الدارقطني: لم يروه غيره. قلت: لا، فقد أخرجه أبو عمر من حديث عثمان الشحام عن أبي رجاء العطاردي قَالَي: قَالَ لي العداء:
(1)
انظر ترجمته في "الاستيعاب" 3/ 306 (2047)، و"أسد الغابة" 4/ 3 (3596)، و"الإصابة" 2/ 466 (5467).
(2)
هو خالد بن هوذة بن ربيعة العامري. انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 2/ 16 (628)، و"أسد الغابة" 2/ 113 (1402)، و"الإصابة" 1/ 413 (2200).
(3)
هو حرملة بن هوذة العامري. انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 1/ 397 (517)، و"أسد الغابة"1/ 476 (1134)، و"الإصابة" 1/ 321 (1671).
(4)
في حاشيته بخط الدمياطي في هذا المكان: عبد بن حميد وكقوله ما في الأصل.
(5)
الترمذي (1216)، ابن ماجه (2251).
ورواه النسائي في "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" 7/ 270 (9848)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 169 - 170 (15014)، وابن الجارود في "المنتقى" 3/ 277 - 278 (1028)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 280، والدارقطني 3/ 77، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 4/ 2245 (5577)، والبيهقي 5/ 327 - 328، وابن الأثير في "أسد الغابة" 4/ 3، والمزي في "تهذيب الكمال" 14/ 155 - 156، والحافظ في "التغليق" 3/ 220 من طريق عباد بن ليث، به. والحديث حسنه الألباني في "صحيح الترمذي"(971)، وفي "صحيح ابن ماجه"(1824).
ألا أقرئك كتابًا كتبه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا فيه مكتوب: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشترى منه عبدًا أو أمة -شك عثمان- بياعة المسلم -أو بيع المسلم- المسلم لا داء ولا غائلة ولا خبثة"
(1)
.
وهذا أشبه من لفظ البخاري: "اشْتَرى مُحَمَّدٌ" لأن العهدة إنما تكتب للمشتري لا للبائع. وكذلك رواه جماعة كرواية الترمذي، وهو الصحيح
(2)
، وادعى ابن التين إرسال الحديث فقال: هذا الحديث
مرسل. وهو عجيب، وكأنه أراد أنه ذكره معلقًا بغير إسناد، وقد أسندناه واتصل ولله الحمد.
(1)
رواه أبو عمر ابن عبد البر في "الاستيعاب" 3/ 307 ترجمة العداء (2047).
ورواه الطبراني 18 (15)، وأبو نعيم في "المعرفة"(5578)، والبيهقي 5/ 328، والحافظ في "التغليق" 3/ 220 - 221 من طريق عثمان الشحام، به.
قال البيهقي عن هذا الإسناد: وجه غير معتمد.
فتعقبه الذهبي في "المهذب" 4/ 2094 قائلًا: ما أرى بهذا الإسناد بأسًا.
والحديث في الجملة حسنه الحافظ في "التغليق" 3/ 219. والألباني في "صحيح الجامع" (2821).
(2)
قال الحافظ: في "التغليق" 3/ 220: قد تتبعت طرق هذا الحديث من الكتب التي عزوتها إليها فاتفقت كلها على أن العداء هو المشتري وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو البائع، وهو بخلاف ما علقه المصنف فليتأمل.
وقال في "الفتح" 4/ 310: اتفقوا على أن البائع النبي صلى الله عليه وسلم والمشتري العداء.
عكس ما هنا، فقيل: إن في وقع هنا مقلوب، وقيل: هو صواب، وهو من الرواية بالمعنى؛ لأن اشترى وباع بمعنى واحد، ولزم من ذلك تقديم اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم على اسم العداء. اهـ.
وقال أيضًا في "التغليق" 3/ 221: وقد تؤول، قال القاضي عياض: ما وقع في البخاري من ذلك بأن البخاري ذكره بالمعنى على لغة من يطلق اشترى مكان باع، وباع مكان اشترى، وهو تأويل متكلف، والله الموفق. اهـ.
وقوله: ("بَيْعَ المُسْلِمِ المُسْلِمَ") أي لا خديعة فيه؛ لأنه شأن المسلم. والداء: العيب كله.
قَالَ ابن قتيبة: أي لا داء لك في العبد من الأدواء التي يرد بها كالجنون والجذام والبرص والسل والأوجاع المتفاوتة.
وقوله: ("وَلَا غَائِلَةَ") هو من قولهم: اغتالني فلان إذا احتال عليك بحيلة يتلف بها بعض مالك، يقال: غالت فلانًا غولًا إذا أتلفته. والمعنى: لا حيلة عليك في هذا البيع يغتال بها مالك. وقد نقل البخاري قول قتادة في الغائلة كما سلف وقال الخطابي: الغيلة: ما يغتال حقك من حيلة أو تدليس بعيب
(1)
، وهو معنى قول قتادة، أي: لا يخفي شيئًا من ذَلِكَ وليبينه. وذكر الأزهري وغيره أيضًا: أن الغائلة هنا معناها: لا حيلة عَلَى المشتري في هذا البيع يغال بها ماله
(2)
. ولما سأل الأصمعي سعيد بن أبي عروبة عن الغائلة أجاب كجواب قتادة سواء، ولما سأله عن الخِبثَة قَالَ: بيع عهدة المسلمين
(3)
. وقال الخطابي: خِبثَة عَلَى وزن خيرة
(4)
قيل: أراد بها الحرام كما عبر عن الحلال بالطيب. قَالَ تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] والخبثة: نوع من أنواع الخبيث أراد به عبد رقيق لا أنه من قوم لا يحل سبيهم.
وقال ابن بطال: الخبثة: يريد الأخلاق الخبيثة كالإباق (والسرقة)
(5)
، والعرب أيضًا يدعون الزنا خبثًا وخبثة. وقال صاحب
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 1015.
(2)
"تهذيب اللغة" 3/ 2624.
(3)
وصله الحافظ بإسناد في "التغليق" 3/ 221.
(4)
"أعلام الحديث" 2/ 1015.
(5)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال": والسرف.
" العين": الخِبْثَة: الريبة
(1)
.
قَالَ ابن التين: وهو مضبوط في أكثر الكتب بضم الخاء، وكذا سمعناه، وضبط في بعضها بالكسر أيضًا، والخِبْثَة أن يكون غير طيب؛ لأنه من قوم لا يحل سبيهم لعهد تقدم لهم أو جزية، في الأصل وخبث لهم. وقال الداودي: الخِبْثَة: أن يخفي عنه شيثًا.
وفي حديث العداء هذا ثماني فوائد أبداها ابن العربي
(2)
:
الأولى: البداءة باسم الناقص قبل الكامل في الشروط، والأدنى قبل الأعلى بمعنى: هو الذي اشترى، فلما كان هو في طلب أخبر عن الحقيقة كما وقعت، وكتب حَتَّى يوافق المكتوب ويذكر عَلَى وجهه
في (المثول)
(3)
.
قلت: رواية البخاري السالفة عكس هذا، وهو تقديم الأعلى عَلَى الأدنى.
ثانيها: في كتبه صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ له وهو ممن يؤمن عهده ولا يجوز عليه أبدًا نقضه لتعليم الأمة؛ لأنه إذا كان هو يفعله فكيف غيره. قلت: هذا لا يتأتى عَلَى رواية البخاري.
ثالثها: أنه عَلَى الاستحباب؛ لأنه باع وابتاع من اليهود من غير إشهاد ولو كان أمرًا مفروضًا أقام به قبل الخلق.
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 214.
وانظر: "العين" 4/ 249 ووقع فيه: والخبثة: الزِّنية من الفجور، وعلق محققا الكتاب على كلمة الزنية فقالا: كذا في "اللسان" وأما في الأصول المخطوطة فهو: الريبة.
(2)
انظر كلام ابن العربي في "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" 5/ 221 - 222.
(3)
كذا بالأصل، وفي "عارضة الأحوذي" 5/ 221: المنقول.
قلت: ذهب جماعة إلى اشتراطه؛ ولأن الآية محكمة وابتياعه من اليهودي كان مرهن، وقد قَالَ تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283].
رابعها: يكتب الرجل اسمه واسم أبيه وجده حَتَّى ينتهي إلى جد يقع به التعريف ويرتفع الاشتراك الموجب للإشكال عند الاحتياج إليه، وما ذكره إنما يتأتى إذا كان الرجل غير معروف، أما إذا كان معروفًا فلا يحتاج إلى ذكر أبيه، فإن لم يكن معروفًا وكان أبوه معروفًا لم يحتج إلى ذكر الجد، كما جاء في البخاري من غير ذكر جد العداء.
خامسها؛ لا يحتاج إلى ذكر النسب إلا إذا أفادت تعريفًا أو دفع إشكال.
سادسها: قوله: "هذا ما اشترى العداء بن خالد من رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى منه" كرر لفظ الشرى وقد كان الأول كافيًا، ولكنه لما كانت الإشارة بهذا إلى المكتوب، ذكر الاشتراء في القول (المقول)
(1)
.
سابعها: قوله: (عبد) ولم يصفه، ولا ذكر الثمن، ولا قبضه، ولا قبض المشتري.
واقتصر عَلَى قوله: ("لَا دَاءَ") وهو ما كان في الجسد والخلقة، ("وَلَا خِبْثَةَ"): وهو ما كان في الخلق. ("وَلَا غَائِلَةَ") وهو سكوت البائع عَلَى ما يعلم من مكروه البيع وهو في قصد الشارع إلى كتبه ليبين كيف
يجب عَلَى المسلم في بيعه. فأما تلك الزيادات فإنما أحدثها الشروطيون لما حدث من الخيانة في العالم.
(1)
كذا بالأصل، وفي "العارضة": المنقول.
ثامنها: قوله: ("بَيْعَ المُسْلِمِ المُسْلِمَ") ليبين أن الشراء والبيع واحد. قَالَ: وقد فرق بينهما أبو حنيفة وجعل لكل واحد حكمًا. وقال غيره: فيه تولي الرجل البيع بنفسه، وكذا في حديث اليهودي. وذكر بعضهم لئلا يسامح ذو المنزلة فيكون نقصًا من أجره، وجاز ذَلِكَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعصمته لنفسه
(1)
.
وقوله -أعني البخاري-: وقيل لإبراهيم: إن بعض النخاسين يسمي آريَّ خراسان وسجستان، فيقول: جاء أمس من خراسان وجاء اليوم من سجستان، فكرهه كراهة شديدة. أي: كان بعض النخاسين يسمى آريَّ يريد: يسمي موضع الدابة في داره ومربطها خراسان وسجستان، يريد بذلك الخديعة والغرر بالمشتري منه، وهذا الأثر رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن هشيم، عن مغيرة، عنه بلفظ: قيل له: إن ناسًا من النخاسين وأصحاب الدواب يسمي أحدهم اصطبل دوابه خراسان وسجستان، ثم يأتي السوق، فيقول: جاءت من ذَلِكَ، فكره ذَلِكَ إبراهيم
(2)
، ورواه دعلج عن محمد بن علي بن زيد، ثَنَا سعيد بن قيس، ثَنَا هشيم ولفظه: إن بعض النخاسين يسمي آريّه خراسان وسجستان، إلى آخره.
واختلف أهل اللغة في تفسير الآريّ كما قَالَ ابن بطال، وضبطها خطأ بضم الهمزة: فقال ابن الأنباري: هو عند العرب الأخية التي تحبس بها الدابة وتلزم بها موضعًا واحدًا، وهو مأخوذ من قولهم: قد تأرى الرجل بالمكان إذا أقام به
(3)
.
(1)
انتهى كلام ابن العربي بتصرف.
(2)
"المصنف" 5/ 18 (23301).
(3)
"شرح ابن بطال" 6/ 214.
قَالَ الأعشى:
لا يتأرى لما في القدر يرقبه
…
..............................
والعامة تخطئ في الاري فتظن أنها المعلف. هذا آخر كلام ابن الأنباري، وجعله أيضًا ابن السكيت من لحن العامة، وقال صاحب "العين": الآري: المعلف، وأرت الدابة إلى معلفها تأري إذا ألفته
(1)
.
وقال ابن التين: ضبط في بعض الكتب بفتح الهمزة وسكون الراء، وفي بعضها بضم الهمزة وفتح الراء، وفي رواية أخرى: قرى خراسان وسجستان، وضبط في بعض الكتب بالمد وكسر الراء وتشديد الياء
(2)
.
قَالَ ابن فارس: آريّ الدابة: المكان في تتأرى فيه أي: تتمكث به
(3)
، وتقديره آريّ. وكذا قَالَ أهل اللغة: إنها الخية التي تعمل في الأرض للدابة، وقال صاحب "المطالع ": آرى كذا قيده جل الرواة، ووقع للمروزي: أرى بفتح الهمزة والراء، عَلَى مثال دعا، وليس بشيء. ووقع لأبي ذر بضم الهمزة، وهو أيضًا تصحيف، وهو في التقدير فاعول، وهو مربط الدابة، ويقال: معلفها، قاله الخليل
(4)
.
وقال الأصمعي: هو الخية في الأرض، وأصله من الحبس والإقامة، وعند التاريخي عن الشعبي وغيره: أمر سعد بن أبي وقاص أبا الهياج الأسدي والسائب بن الأقرع أن يقسما للناس -يعني: الكوفة- فاختطوا من رواء السهام، وكان المسلمون يعقلون إبلهم ودوابهم في ذلَكَ الموضع حول المسجد فسموه: الآري، ومعنى ما أراد البخاري:
(1)
"العين"(8/ 303).
(2)
انظر: "اليونينية" 3/ 58، و"الفتح" 4/ 310 - 311، و"التغليق" 3/ 222.
(3)
"المجمل" 1/ 93.
(4)
"العين"(8/ 303).
أن النخاسين كانوا يسمون مرابط دوابهم بهذِه الأسماء ليدلسوا على المشتري فيحرص المشتري عليها، ويظن أنها طرية الجلب، وأرى أنه نقص في الأصل بعد لفظه: آري لفظه: دوابهم.
وما ذكره البخاري عن عقبة موقوفًا، رفعه الأئمة: أحمد، وابن ماجه والحاكم من حديث ابن شماسة عنه مرفوعًا:"المسلم أخو المسلم، لا يحل لامرئٍ مسلم أن يغيب ما بسلعته عن أخيه، إن علم بذلك تركها" هذا لفظ أحمد، ولفظ ابن ماجه:"المسلم أخو المسلم، لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعًا وفيه عيب إلا بينه"، ولفظ الحاكم:"المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم إن باع من أخيه بيعًا فيه عيب أن لا يبينه له"، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين
(1)
. وأقره البيهقي في "خلافياته" على تصحيحه.
وفي "مسند الإمام أحمد" -وحده- ابن لهيعة، وحالته معلومة.
وابن شماسة: هو عبد الرحمن، وقد انفرد عنه بالإخراج مسلم ووثق
(2)
.
(1)
أحمد 4/ 158، ابن ماجه (2246) كتاب: التجارات، باب: من باع عيبًا فليبينه، والحاكم في "المستدرك" 2/ 8، ورواه الحافظ بسنده في "تغليق التعليق" 3/ 222، وقال في "الفتح" 4/ 311: إسناده حسن، وصححه الألباني في "الإرواء"(1321)، و"صحيح الترغيب والترهيب"(1775).
(2)
هو عبد الرحمن بن شماسة بن ذؤيب بن أحور -بالحاء والراء المهملتين- المهري، أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الله المصري، يقال: إن أصله من دمشق، وثقه العجلي وابن حبان.
انظر ترجمته في: "تاريخ البخاري الكبير" 5/ 295 (964)، و"الجرح والتعديل" 5/ 243 (1158)، و"ثقات ابن حبان" 5/ 96، و"تهذيب الكمال" 17/ 172 (3848).
وفي سند الحاكم محمد بن سنان القزاز. قال الدارقطني: لا بأس به.
وضعفه غيره جدًا
(1)
، وقد تابعه ابن بشار الإمام كما هو عند ابن ماجه
(2)
، وأما ابن جرير الطبري فقال: في إسناده نظر
(3)
. ولابن ماجه من حديث مكحول وسليمان بن موسى عن واثلة مرفوعًا: "من باع (عيبًا)
(4)
لم يبينه لم يزل في مقت الله ولم تزل الملائكة تلعنه"
(5)
.
وروى مكحول عن أبي أمامة مرفوعًا: "أيما مسلم استرسل إلى
مسلم فغبنه كان غبنه ذاك ربًا"، رواه قاضي سمرقند محمد بن أسلم في كتاب "الربا" عن علي بن إسحاق: أنا موسى بن عمير، عن مكحول به
(6)
.
(1)
قال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يتكلم فيه، يطلق فيه الكذب، قال ابن أبي حاتم: كتب عنه أبي بالبصرة وكان مستورًا، وسألت عنه عبد الرحمن بن خراش. فقال: هو كذاب، روى حديث والان عن روح بن عبادة، فذهب حديثه، ونقل الخطيب عن أبي العباس بن عقدة: في أمره نظر، سمعت عبد الرحمن بن يوسف يذكره، فقال: ليس عندي ثقة. وقال الحافظ في "التقريب"(5935): ضعيف.
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 7/ 279 (1517)، و"ثقات ابن حبان" 9/ 133، و"تاريخ بغداد" 5/ 343، و"تهذيب الكمال" 25/ 323 (5268) وقد ذكره الحافظ المزي تمييزًا -كما قال- بينه وبين محمد بن سنان الباهلي (5267) وإلا فليس هو من رجال الكتب الستة.
(2)
ابن ماجه (2246) وقد تقدم.
(3)
نقله المصنف أيضًا عنه في "البدر المنير" 6/ 546.
(4)
في الأصل بيعًا، والصواب ما أثبتناه وهو في ابن ماجه (2447).
(5)
ابن ماجه (2247) باب: من باع عيبًا فليبينه. قال أبو حاتم في "العلل" 1/ 391 - 392 (1173): حديث منكر، وقال البوصيري في "زوائد ابن ماجه" ص: 310 (479) فيه: بقية بن الوليد وهو مدلس وشيخه ضعيف، وقال الألباني في "ضعيف الجامع" (5501): ضعيف، وقال في "ضعيف ابن ماجه" (490): ضعيف جدًّا.
(6)
ورواه ابن عدي في "الكامل" 8/ 55، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 187، والبيهقي =
وحديث الباب يأتي قريبًا في باب: كم يجوز الخيار
(1)
، وأقرب منه باب: ما يمحق الكذب والكتمان في البيع
(2)
.
وأصل الباب: أن نصيحة المسلم للمسلم واجبة، وقد كان سيد الأمة يأخذها في البيعة على الناس كما يأخذ عليهم الفرائض.
= في "سننه" 5/ 348 - 349 كتاب: البيوع، باب: ما ورد في غبن المسترسل، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 184 (1453)، من طريق موسى، بن عمير القرشي، عن مكحول، عن أبي أمامة مرفوعًا:"أيما مسلم استرسل إلى مسلم فغبنه كان غبنه ربا".
قال ابن عدي وقد رواه في ترجمة: موسى بن عمير القرشي (1819): هذا حديث متنه منكر، وعامة ما يرويه عمير مما لا يتابعه الثقات عليه. والحديث أورده الذهبي من هذا الطريق في ترجمة موسى بن عمير (8904) قال أبو حاتم: موسى ذاهب الحديث كذاب.
وقال الألباني في "الضعيفة"(1565): ضعيف جدًا.
ورواه الطبراني 8/ 126 - 127 (7576)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 187 من حديث أبي توبة، عن موسى بن عمير، به مختصرًا بلفظ:"غبن المسترسل حرام".
وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 76: فيه موسى بن عمير الأعمى، وهو ضعيف جدًا، وقال العراقي في "تخريج الإحياء" 1/ 426 (1618): سنده ضعيف، وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص: 215: سنده ضعيف جدًا، وكذا قال العجلوني في "كشف الخفاء" 1/ 342، وقال الألباني في "الضعيفة" (667): ضعيف جدًا.
ورواه البيهقي 5/ 349 من حديث يعيش بن هشام عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر مرفوعًا:"غبن المسترسل ربا"، ويعيش هذا ضعيف مجهول، ورواه كذلك من حديث أنس وعلي مرفوعًا بلفظه، وقال الألباني في الضعيفة (668): حديث باطل.
(1)
سيأتي قريبًا برقم (2108).
(2)
سيأتي برقم (2082).
قال جرير: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، فشرط عليَّ:
"والنصح لكل مسلم" كما سلف آخر الإيمان
(1)
، فكان إذا بايع أحدًا يقول:"في أخذنا منك أحبُّ إلينا من في أعطيناك" لأجل هذِه المبايعة
(2)
.
وأمر أمير المؤمنين بالتحابب والمؤاخاة في الله. وصح كما سلف أنه: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"
(3)
؛ فحرم بهذا كله غش المؤمن وخديعته، دليله حديث عقبة السالف
(4)
وغيره، فكتمان العيب في السلع حرام، ومن فعل هذا فهو متوعد بمحق بركة بيعه في الدنيا والعقاب الأليم في الآخرة.
وعندنا: أن الأجنبي إذا علم بالعيب -أيضًا- يجب عليه بيانه
(5)
.
(1)
سلف برقم (58) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة.
(2)
رواه بهذِه التتمة أبو داود (4945) كتاب: الأدب، باب: في النصيحة، وابن حبان 10/ 412 (4546) كتاب: السير، باب: بيعة الأئمة وما يستحب لهم، والطبراني 2/ 338 - 339 (2414 - 2416)، والبيهقي في "سننه" 5/ 271 كتاب: البيوع، باب: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 262، وابن عبد البر في "التمهيد" 16/ 349.
(3)
سلف برقم (13) كتاب: الإيمان، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه. من حديث أنس.
(4)
تقدم تخريجه قريبًا.
(5)
ورد بهامش الأصل: آخر 4 من 7 من تجزئة المصنف.
20 - باب بَيْعِ الخِلْطِ مِنَ التَّمْرِ
2080 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضى الله عنه قَالَ: كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الجَمْعِ، وَهْوَ الخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ، وَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"لَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ". [مسلم: 1595 - فتح: 4/ 311]
ذكر فيه حديث أبي سعيد: كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الجَمْعِ، وَهْوَ الخِلْطُ مِنَ التمْرِ، وَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"لَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ".
فقه الباب:
إن التمر كله جنس واحد رديئه وجيده، لا يجوز التفاضل في شيء
منه، ويدخل في معنى التمر جميع الطعام، فلا يجوز في الجنس الواحد منه التفاضل ولا النَّساء بإجماع، وإذا كانا جنسين كحنطة وشعير جاز التفاضل، واشترط الحلول والمماثلة.
هذا حكم الطعام المقتات كله عند مالك.
وعند الشافعي: الطعام كله المقتات والمتفكه به والمتداوى.
وعند الكوفيين: الطعام المكيل والموزون.
وفيه من الفقه: أن من لم يعلم بتحريم الشيء فلا حرج عليه حتى يعلمه، والبيع إذا وقع محرمًا فهو منسوخ مردود لقوله عليه السلام:"من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"
(1)
.
(1)
سيأتي برقم (2697) كتاب: الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، ورواه مسلم (1718) كتاب: الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور.
فائدة:
الجمع: هو الخلط من التمر. قال الأصمعي: هو كل لون من التمر لا يعرف اسمه. وقيل: هو نوع رديء. وقيل: هو المختلط. وعن المطرز: هو نخل الدقل -يعني- تمر الدوم، قاله عياض
(1)
، والذي في "المغرب" له: الجمع: الدقل؛ لأنه يجمع من خمسين نخلة.
وقال صاحب "المطالع": هو تمر من تمر النخل رديء يابس.
والخلط من التمر ألوان مجتمعة. وفي "الموعب" يقال: ما أكثر الجمع في أرض بني فلان للنخل في يخرج من النوى ولا يعرف.
أخرى: قول ابن عباس: لا ربا إلا في النسيئة ثبت رجوعه عنه
(2)
.
(1)
"إكمال المعلم" 5/ 278.
(2)
رواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 346 في ترجمة حيان بن عبيد الله بن حيان (542)، والحاكم في "المستدرك" 2/ 42 - 43، والبيهقي في "سننه" 5/ 286 من طريق حيان بن عبيد الله العدوي قال: سئل أبو مجلز -لاحق بن حميد- عن الصرف فقال: كان ابن عباس لا يرى به بأسًا زمانًا من عمره، ما كان منه عينًا بعين يدًا بيد، وكان يقول: إنما الربا في النسيئة، فلقيه أبو سعيد الخدري، فذكر القصة والحديث، وفيه التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدًا بيد مثلًا بمثل، فمن زاد فهو ربا، فقال ابن عباس: أستغفر الله وأتوب إليه، فكان ينهى عنه أشد النهي.
وعند الحاكم قال حيان: سألت أبا مجلز -لاحق بن حميد- عن الصرف، وساق الحديث، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذِه السياقة، وتعقبه الذهبي قائلًا: حيان فيه ضعف وليس بالحجة اهـ.
قال الحافظ في "الفتح" 4/ 382: اتفق العلماء على صحة حديث أسامة -[قلت: يقصد الحديث في سيأتي برقم (2178 - 2179)، ورواه مسلم (1596) من حديث عمرو بن دينار أن أبا صالح الزيات أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم، فقلت له: فإن ابن عباس =
أخرى: قال الأثرم في "سننه": قلت لأبي عبد الله: التمر بالتمر وزنًا بوزن: قال: لا، ولكن كيلًا بكيل، إنما أصل التمر الكيل.
قلت لأبي عبد الله: صاع بصاع، واحد التمرين يدخل في المكيال أكثر؟ فقال: إنما هو صاع بصاع. أي: جائز.
أخرى: قوله: ("ولا درهمين بدرهم") يؤيده الحديث الآخر: "الذهب بالذهب مثلًا بمثل" إلى أن قال: "والتمر بالتمر مثلًا بمثل" حتى عدد الستة
(1)
.
= لا يقوله. فقال أبو سعيد: سألته فقلت سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم أو وجدته في كتاب الله؟ قال: كل ذلك لا أقول، وأنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولكن حدثني أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا ربا إلا في النسيئة"]- ثم قال الحافظ: واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد، فقيل: منسوخ لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وقيل: المعنى في قوله "لا ربا": الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد في الأكمل لا في الأصل، وأيضا ففي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم، فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق، ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر، كما تقدم. والله أعلم اهـ ..
قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 71: قد رجع ابن عباس عن قوله، فإما أن يكون رجوعه لعلمه أن ما كان أسامة رضي الله عنه حدثه إنما هو ربا القرآن، وعلم أن ربا النسيئة بغير ذلك، أو يكون ثبت عنده ما خالف حديث أسامة رضي الله عنه، مما لم يثبت منه، حديث أسامة من كثرة من نقله له، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قامت عليه به الحجة ولم يكن ذلك في حديث أسامة رضي الله عنه؛ لأنه خبر واحد، فرجع إلى ما جاءت به الجماعة، الذين تقوم بنقلهم الحجة، وترك ما جاء به الواحد، الذي قد يجوز عليه السهو والغلط والغفلة.
(1)
رواه مسلم (1584/ 82) كتاب: المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب.
21 - باب مَا قِيلَ فِي اللَّحَّامِ وَالجَزَّارِ
2081 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ -يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ- فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ قَصَّابٍ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِى خَمْسَةً، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الجُوعَ. فَدَعَاهُمْ، فَجَاءَ مَعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ هَذَا قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فَأْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ". فَقَالَ: لَا، بَلْ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ. [2456، 5434، 5461 - مسلم: 2036 - فتح: 2/ 314]
ذكر فيه حديث الأَعْمَش حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ وهو عقبة بن عمرو البدري قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ -يُكْنَى أَبَا شُعَيْب- فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ قَصَّابٍ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدعُوَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الجُوعَ. فَدَعَاهُمْ، فَجَاءَ مَعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ هذا قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ يَرْجِعَ رَجَع". فَقَالَ: لَا، بَلْ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ.
وفي لفظ: "قد اتبعنا"
(1)
. ولما رواه النسائي من حديث شعبة عن الحكم، عن أبي وائل قال: هذا خطأ، وليس هذا من حديث الحكم إنما هو من حديث الأعمش
(2)
.
وإنما صنع طعام خمسةٍ؛ لعلمه أنه عليه السلام يتبعه من أصحابه غيره، فوسع في الطعام لكي يبلغ عليه السلام شبعه.
وفيه من الأدب: أن لا يدخل المدعو مع نفسه غيره.
(1)
يأتي برقم (2456) كتاب: المظالم، باب: إذ أذن إنسان لآخر شيئًا جاز.
ورد بهامش الأصل: في غير هذا الموضع. قلت: سيأتي برقم (2456).
(2)
"السنن الكبرى" 4/ 141 - 142.
وفيه: كراهة طعام الطفيلي؛ لأنه مقتحم غير مأذون له. وقيل: إنما استاذن الشارع؛ لأنه لم يكن بينه وبين القصاب في دعاه من الوئام والمودة ما كان بينه وبين أبي طلحة، إذ قام هو وجميع من معه، وقد
قال تعالى {أَو صدِيقِكم} [النور: 61].
وفيه: الشفاعة حيث شفع للرجل عند صاحب الطعام بقوله: "إن شئت أن تأذن له".
وفيه: الحكم بالدليل؛ لقوله: (فإني عرفت في وجهه الجوع).
وفيه: أكل الإمام والعالم والشريف طعام الجزار، وإن كان في الجزارة شيء من الضعة؛ لأنه يمتهن فيها نفسه، وإن ذلك لا ينقصه ولا يسقط شهادته إذا كان عدلًا.
وفيه: مؤاكلة القصَّاب وهو الجزار. والقصاب: الجزار، قاله صاحب "العين"
(1)
.
وقال القرطبي: اللحام هو الجزار، والقصاب على قياس قولهم: عطار وتمار
(2)
للذي يبيع ذلك.
ومعنى (خامس خمسة): أحد خمسة.
وفيه: دلالة على ما كانوا عليه من شدة العيش ليوفى لهم الأجر، وهذا التابع كان ذا حاجة وفاقة وجوع.
واستئذان صاحب الدعوة بيان لحاله وتطييب لقلبه ولقلب المستأذن، ولو أمره بإدخاله معهم لكان له ذلك، فإنه كان عليه السلام قد أمرهم بذلك حيث قال:
(1)
"العين" 5/ 68.
(2)
كلمة غير واضحة بالأصل، والمثبت من "المفهم" 5/ 302.
"طعام الاثنين كافي الثلاثة"
(1)
.
وقال: "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، أو رابع فليذهب بخامس"
(2)
، والوقت كان وقت فاقة وشدة، وكانت المواساة واجبة إذ ذاك، ومع ذلك استاذن تطييبًا لقلبه وبيانًا للمشروعية في ذلك، إذ الأصل أن لا يتصرف في ملك أحد إلا بإذنه
(3)
.
ويستحب لصاحب الطعام أن يأذن له إن لم يترتب على حضوره مفسدة.
ونقل ابن التين عن الداودي: جائز أن يقول: خامس خمسة، وخامس أربعة، قال تعالى {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} [التوبة: 40].
واعلم أن البخاري بوَّب لهذا في كتاب: الأطعمة، باب: الرجل يتكلف الطعام لإخوانه
(4)
، ولم يترجم كذلك لحديث أبي طلحة، والسر فيه كما قال ابن المنير أن هذا قال لغلامه: اصنع لي طعامًا لخمسة فكانت نيته في الأصالة التحديد: ولهذا لم يأذن الشارع للسادس حتى لو أذن له، وقد عرف أن التحديد (بحد)
(5)
ينافي البركة
(6)
، والاسترسال في فعله أبو طلحة يلائم البركة، والتحديد
(1)
سيأتي برقم (5392) كتاب: الأطعمة، باب: طعام الواحد يكفي الاثنين، ورواه مسلم (2058) كتاب: الأشربه، باب: فضيلة المواساة في الطعام القليل. من حديث أبي هريرة.
(2)
سلف برقم (602) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: السمر مع الضيف والأهل، ورواه مسلم (2057). من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر.
(3)
"المفهم" 5/ 302 - 303.
(4)
سيأتي برقم (5434).
(5)
ساقطة من (م).
(6)
في هامش (م): التحديد يمنع البركة.
في الطعام حال التكلف
(1)
، أو علم أن أبا طلحة لا يكره ذلك، أو نقول: إنما أطعم هؤلاء من بركته لا من طعام أبي طلحة، أو نقول: إنه لما أرسله إليه لم يبق له فيه حق، والذي دعا إلى منزله في العرف إذا بقي شيء يكون لصاحب المنزل؛ فلذلك استأذنه.
وفيه: إخبار الغلام الوجه في يصنع له.
وفيه: نظرهم إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليعرفوا ما فيه من جزع أو سرور أو غيره؛ لقوله: (قد عرفت في وجهه الجوع).
وفيه: أنه عليه السلام كان يجوع أحيانًا ليعظم أجره، ويطعم أحيانًا.
وفيه: صنيعهم الطعام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجابته إليه، ومضيه بمن دعي معه لما فيه من النفع للفريقين والأجر، ولأنه كان يأمر بإجابة دعوة المسلم.
وفيه: استئذانه له من غير عزيمة.
وفيه: استخباره من الذين معه، ولعله عذره لما يخشى من ألم جوعه.
(1)
"المتواري" ص 380 - 381. وفيه: حال المتكلف.
22 - باب مَا يَمْحَقُ الكَذِبُ وَالكِتْمَانُ فِي البَيْعِ
2082 -
حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ المُحَبَّرِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الخَلِيلِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا -أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا- فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا". [انظر: 2079 - مسلم: 1532 - فتح: 4/ 312]
ذكر فيه حديث حكيم بن حزام السالف قريبًا
(1)
.
وأبو الخليل فيه هو ابن أبي مريم. قال مسلم: ولد حكيم في جوف الكعبة، وعاش مائة وعشرين سنة.
وقوله: "فَإِنْ صَدَقَا وَبَينَا" أي: في بيعهما. والمحق: الذهاب. وسيكون لنا عودة إليه في باب: كم يجوز الخيار.
وفيه: حرمة الكذب والكتمان في البيع من العيوب وهو لائح.
(1)
برقم (2079).
23 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (30)} [آل عمران: 130]
2083
- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي المَرْءُ بِمَا أَخَذَ المَالَ، أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ". [انظر: 2059 - فتح: 4/ 313]
ذكر فيه حديث أبي هريرة، السالف في باب: من لم يبال من حيث كسب المال
(1)
.
ومعنى {أَضعَاف مُضَاعَفَة} : أن يقول عند حلول الأجل: إما أن تعطي وإما أن تربي. فإن لم يعطه ضاعف عليه، ثم يفعل ذلك عند حلول أجله من بعد، فيضاعف بذلك.
ووجه حديث أبي هريرة هنا: أن الربا محرم بالقرآن، متوعد عليه، فمن لم يبال عن الحرام من أين أخذه لم يبال عن الربا؛ لأنه نوع من الحرام.
(1)
سلف برقم (2059).
24 - باب آكِلِ الرِّبَا وَشَاهِدِهِ وَكَاتِبِهِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ} . الآية [البقرة: 275].
2084 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ آخِرُ البَقَرَةِ قَرَأَهُنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الخَمْرِ. [انظر: 459 - مسلم: 1580 - فتح: 4/ 313]
2085 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، وَعَلَى وَسَطِ النَّهْرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: الذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا". [انظر: 845 - مسلم: 2275 - فتح: 4/ 313]
ذكر فيه حديث عائشة: لَمَّا نَزَلَتْ آخِرُ البَقَرَةِ قَرَأَهُن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ فِي المَسْجِدِ، ثُم حَرَّمَ التجَارَةَ فِي الخَمْرِ.
وحديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتَيَانِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَر مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، وَعَلَى وَسَطِ النَّهْرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فُأَقْبَلَ الرَّجُلُ الذِي فِي النَّهَرِ، فَإذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ
فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ
…
" الحديث.
ثم فسره بأنه أكل الربا.
هذِه الترجمة شمل فيها. حديث ابن مسعود: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله.
قال أحد رواته: قلت: وكاتبه وشاهديه؟ فقال: إنما نحدث بما سمعناه
(1)
.
وعن جابر: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال:"هم سواء" وهما من أفراد مسلم
(2)
. وحديث سمرة سلف قطعة منه في الصلاة في باب: عقد الشيطان على قافية الرأس
(3)
، وآخر الجنائز مطولًا
(4)
، ويأتي في التعبير إن شاء الله تعالى
(5)
. وحديث عائشة سلف في الصلاة
(6)
.
ومعنى {يَأكُلُونَ} في الآية: يأخذون، عبر به عن الأخذ؛ لأنه الأغلب.
والربا: الزيادة، وفي معناه: كل قرض جر منفعة، ويكتب بالواو والياء والألف، وبالميم بدل الباء مع المد، والربية بالضم والتخفيف لغة فيه.
{لَا يَقُومُونَ} أي: من قبورهم، وهو يوم القيامة.
{يَتَخَبَّطُهُ} يخفقه الشيطان {مِنَ الْمَسِّ} وهو الجنون، وذلك لغلبة السوداء، فنسب إلى الشيطان تشبيهًا بما يفعله من إغوائه به، أو هو فعل الشيطان؛ لجوازه عقلًا، وهو ظاهر الآية. وعلامة آكل الربا يوم القيامة
(1)
رواه مسلم (1597) كتاب: المساقاة، باب: لعن آكل الربا ومؤكله.
(2)
رواه مسلم (1598)، وانظر:"الجمع بين الصحيحين" 2/ 410 (1709).
(3)
سلف برقم (1143).
(4)
سلف برقم (1386).
(5)
سيأتي برقم (4047) باب: تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح.
(6)
سلف برقم (459) باب: تحريم تجارة الخمر في المسجد.
أن الناس يخرجون من قبورهم سراعًا إلا أكلة الربا فإنهم يقومون ويسقطون، ويريدون السرعة فلا يقدرون.
وقوله في حديث سمرة: "فأخرجاني إلى أرض مقدسة" أي: مطهرٍ، وهي دمشق وفلسطين. وترجم على الشاهد والكاتب، ولم يذكر فيه حديثًا، وقد ذكرته لك، وكأنه لما أعان على أكل الربا بشهادته وكتابته وكان سببًا فيه معينًا عليه؛ فلذلك ألحق به في اللعن، كما ستعلمه.
وروى الجوزي من حديث أبان عن أنس مرفوعًا: "يأتي آكل الربا يوم القيامة مخبلًا يجر شقه" ثم قرأ الآية
(1)
. قلت: لأن الربا ثقله يعجز عن الإيفاض، والفرق بين البيع (والربا)
(2)
بزيادات؛ لأنه في البيع أخذ عوضًا عن ماله، وهو في الربا أخذ من غير مقابل، والإمهال ليس مالًا. حتى يجعل عوضًا.
قال ابن النقيب: والصحيح أن الآية من العموم في خصَّ من المجمل، ثم جمهور العلماء على أن عقد الربا مفسوخ. وقال أبو حنيفة: هو فاسد، إذا أزيل عنه ما يفسده انقلب صحيحًا. وأكل الربا محرم بنص القرآن -كما سلف- وهو من الكبائر المتوعد عليها بمحاربة الله ورسوله، وبما ذكره في الحديث.
قال الماوردي: أجمع المسلمون على تحريمه وعلى أنه من الكبائر، وقيل: إنه كان محرمًا في جميع الشرائع
(3)
.
(1)
ذكره الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" 3/ 8 وعزاه للطبراني والأصبهاني، وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1166): موضوع.
(2)
من (م).
(3)
"الحاوي" 5/ 74.
25 - باب مُوكِلِ الرِّبَا
لِقَوْلِهِ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَا} إلى قوله: {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 278 - 281] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟. [4544]
2086 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى عَبْدًا حَجَّامًا، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَثَمَنِ الدَّمِ، وَنَهَى عَنِ الوَاشِمَةِ وَالمَوْشُومَةِ، وَآكِلِ الرِّبَا، وَمُوكِلِهِ، وَلَعَنَ المُصَوِّرَ. [2238، 5347، 5945، 5962 - فتح: 4/ 314]
ثم ساق من حديث عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرى عَبْدًا حَجَّامًا، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَثَمَنِ الدَّمِ، وَنَهَى عَنِ الوَاشِمَةِ وَالمَوْشُومَةِ، وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ، وَلَعَنَ المُصَوِّرَ.
الشرح: أما الآية: فنزلت في بقية من الربا في حق جماعة من الصحابة، والآية مدنية، ويدل على تاريخها حديث عائشة السالف في الباب قبله
(1)
، وحرمت الخمر في شهر ربيع الأول سنة أربع.
{إن كنُتُم مُؤْمِنِينَ} على ظاهره، أو من كان، فهذا حكمه، {فَأْذَنُوا} أي: أيقنوا، أو: فأعلموا غيركم أنكم على حربهم، {لَا تَظْلِمُونَ}: لا تأخذون زيادة على رأس المال
(2)
{وَلَا تُظْلَمُونَ} بنقص رأس المال {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} : في مصحف عثمان: ذا عسرة:
(1)
سلف برقم (2084).
(2)
ورد في هامش (م): وقيل: معنى {لَا تَظْلِمُونَ} : بحبس رأس المال، فإن الجاهلية كانوا يحبسون ويقولون: زيدوا في الأجل ونزيدكم في المال إذا لم يقدروا على القضاء به.
نزلت في الربا وأعم، {فَنَظِرَةٌ}: أي: تأخير، فينظر في دين الربا، أو مطلقًا، أو الإنظار، في دين الربا نصًا، وفي غيره قياسًا، {مَيْسَرَةٍ}: يسار، وقيل: الموت، {وَأَن تَصَدَّقُوا} على المعسر بالإبراء خير من الإنظار {إِلَى اللَّهِ} إلى جزائه أو ملكه، {مَا كَسَبَتْ} من الأعمال أو الثواب والعقاب، {لَا يُظلَمُونَ} بنقص ما يستحقونه من الثواب، ولا بزيادة على ما يستحق به من العقاب. وما ذكره البخاري
عن ابن عباس أسنده في تفسيره من طريق الشعبي عنه
(1)
.
وقال ابن جريج: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها سبع ليال
(2)
.
وقال ابن عباس: أحدًا وثمانين يومًا
(3)
.
واعترض الداودي فقال: إما أن يكون وهم من بعض الرواة أو اختلافًا من القول، وقد قيل: إن آخر آية نزلت: {وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} [البقرة: 281] والوهم؛ لقربها منها، وقيل: آخر آية نزلت: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} [التوبة: 128] من آخر سورة براءة، وفي البخاري بعد هذا؛ آخر سورة نزلت براءة، وآخر اية نزلت خاتمة النساء:{يستَفْتُونَكَ}
(4)
الآية [النساء: 176].
(1)
سيأتي برقم (4544).
(2)
رواه ابن جرير في "تفسيره" 3/ 115 (6312).
(3)
رواه البيهقي في "دلائله" 7/ 137، وعزاه في "الدر المنثور" 1/ 653 للفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في "الدلائل".
(4)
سيأتي برقم (6364) كتاب: المغازي، باب: حج أبي بكر بالناس في سنة تسع، (4654) كتاب: التفسير، باب: قوله: براءة من الله ورسوله. من حديث البراء بن عازب.
وقال أبي بن كعب: آخر اية نزل {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}
(1)
[التوبة: 128]. وقيل: إن قوله تعالى {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] أنها نزلت يوم النحر بمنى في حجة الوداع.
وحديث أبي جحيفة من أفراده، وذكره في باب: ثمن الكلب وغيره
(2)
، وفي بعض طرقه زيادة:(كسب الأمة)
(3)
وفي أخرى: (وكسب البغي)
(4)
، وتفرد منه بلعن المصور أيضًا
(5)
.
(1)
رواه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" 5/ 117، وإسحاق بن راهويه كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 6/ 217 (5724) وكما في "المطالب العالية" 14/ 681 (3617).
وقال الحافظ عقبه: هذا إسناد حسن.
والطبري في "تفسيره" 6/ 524 (17529 - 17530)، والشاشي في "مسنده" 3/ 310 - 312 (1414، 1416)، والطبراني 1/ 199 (533)، والحاكم في "المستدرك" 2/ 338 وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه- والبيهقي في "الدلائل" 7/ 139، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" 1/ 345 جميعًا من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 36: فيه: علي بن زيد بن جدعان، وهو ثقة سيِّئ الحفظ، وبقية رجاله ثقات.
ورواه أحمد بن منيع في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 6/ 218 (5724) وكما في "المطالب العالية" 14/ 684 (3616) عن طريق منصور عن الحسن، عن أبي بن كعب. والحسن لم يسمع من أبي بن كعب، قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" في ترجمة الحسن البصري 1/ 388: روى عن أبي بن كعب وسعد بن عبادة وعمر بن الخطاب، ولم يدركهم. قلت: فروايته عن أبي منقطعة ضعيفة. والله أعلم.
(2)
سيأتي برقم (2237) كتاب: البيوع.
(3)
سيأتي برقم (2238).
(4)
سيأتي برقم (5347).
(5)
سيأتي برقم (2086).
وإذا تقرر ذلك:
فقد سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين بين موكل الربا وآكله في النهي: تعظيمًا لإثمه، سوى بين الراشي والمرتشي في الإثم
(1)
.
(1)
روى أبو داود (3580) كتاب: الأقضية، باب: في كراهية الرشوة، من حديث عبد الله بن عمرو قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي.
وكذا رواه الترمذي (1337) كتاب: الأحكام، باب: ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (2313) كتاب: الأحكام، باب: التغليظ في الحيف والرشوة، وأحمد 2/ 164، وعبد الرزاق 8/ 148 (14669) كتاب: البيوع، باب: الهدية للأمراء والذي يشفع عنده، والطيالسي 4/ 34 (2390)، وابن الجارود 2/ 171 (586)، ووكيع في "أخبار القضاة" 1/ 46، وابن حبان 11/ 468 (5077) كتاب: القضاء، باب: الرشوة، والحاكم 4/ 102 - 103 - وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي في "سننه" 10/ 138 - 139، والبغوي في "شرح السنة" 10/ 87 - 88 (2493)، وصححه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 3/ 48، والمصنف في "خلاصة البدر" 2/ 53، والدارقطني في "العلل" 4/ 189، والألباني في "صحيح الترغيب"(2211).
وفي الباب عن ثوبان وأبي هريرة وأم سلمة وابن عمر وعبد الرحمن بن عوف وعائشة.
فأما حديث ثوبان فرواه أحمد 5/ 179، والبزار كما في "كشف الأستار"(1353)، والروياني 1/ 418 - 419 (639)، والحاكم 4/ 103، والبيهقي في "شعب الإيمان" 4/ 390 (5503)، والمزي في "تهذيب الكمال" 33/ 285، بلفظ: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش.
قال البزار: قوله: الرائش، لا نعلمها إلا من هذا الطريق، وإنما يرويه ليث بن أبي سليم.
قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 198: فيه أبو الخطاب وهو مجهول، وقال الألباني في "الضعيفة" (1235): منكر.
وحديث أبي هريرة رواه الترمذي (1336)، وأحمد 2/ 387، ووكيع في "أخبار القضاة" 1/ 47، وابن الجارود 2/ 170 - 171 (585)، وابن حبان 11/ 467 =
وموكل الربا: هو معطيه، وآكله: في يأخذه. وأمر الله تعالى عباده بتركه والتوبة منه بقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]، وتوعد تعالى من لم يتب منه بمحاربة الله ورسوله، وليس في جميع المعاصي ما عقوبتها محاربة الله ورسوله غير الربا، فحق
= (5076)، وابن عدي في "الكامل" 6/ 78 - 79 في ترجمة عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عون (1209)، والحاكم 4/ 103، والخطيب في "تاريخ بغداد" 11/ 254، وعبد الكريم القزويني في "التدوين في أخبار قزوين" (2/ 496) بلفظ: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم. والحديث حسنه الألباني في "غاية المرام"(457).
وحديث أم سلمة رواه الطبراني 23 (951) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم"، وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 199: رجاله ثقات، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب": إسناده جيد، وخالفه الألباني فضعفه في "ضعيف الترغيب والترهيب"(1345).
وحديث ابن عمر رواه وكيع في "أخبار القضاة" 1/ 46، وابن عدي في "الكامل" 7/ 88 في ترجمة عصمة بن محمد بن فضالة (1535) بلفظ: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والماشي في الرشوة، وقال العجلوني في "كشف الخفاء" (2048): رواه أحمد بن منيع عن ابن عمر وسنده حسن.
وحديث عبد الرحمن بن عوف رواه البزار كما في "كشف الأستار"(1355)، ووكيع في "أخبار القضاة" 1/ 47. بلفظ:"الراشي والمرتشي في النار". وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 199: فيه من لم أعرفه.
وحديث عائشة رواه البزار كما في "كشف الأستار"(1354)، ووكيع في "أخبار القضاة" 1/ 46، وأبو يعلى 8/ 74 (4601)، 8/ 360 (4947) بلفظ: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي، وفي بعض الروايات بزيادة: في الحكم. وقال البزار: لا نعلمه عن عائشة إلا من هذا الوجه، تفرد به إسحاق وهو لين الحديث، وقد حدث عنه ابن المبارك وغيره.
وقال الهيثمي 4/ 199: فيه إسحاق بن يحيى بن طلحة، وهو متروك. وانظر:"الإرواء"(2621).
على كل مؤمن أن يجتنبه ولا يتعرض لما لا طاقة له به من المحاربة المذكورة، ألا ترى فهم عائشة هذا المعنى حين قالت للمرأة التي قالت لها: بعت من زيد بن أرقم جارية إلى العطاء بثمانمائة درهم، ثم ابتعتها بستمائة درهم. فقالت لها عائشة: بئس ما شريت، أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب
(1)
. ولم تقل
(1)
رواه أحمد في "مسنده" كما في "نصب الراية" 4/ 16، وكما في "الدراية" 2/ 151 من طريق شعبة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وأم ولد زيد بن أرقم فقالت أم ولد زيد لعائشة: إني بعت من زيد
…
الحديث.
ورواه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 184 (14812) من طريق معمر والثوري، عن أبي إسحاق، عن امرأته أنها دخلت على عائشة في نسوة، فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين كانت لي جارية، فبعتها من زيد بن أرقم
…
الحديث.
ورواه أيضًا عبد الرزاق 8/ 185 (14813) من طريق الثوري، عن أبي إسحاق، عن امرأته قالت: سمعت امرأة أبي السفر تقول سألت عائشة فقلت: بعت زيد بن أرقم جارية
…
الحديث، ورواه البغوي في "مسند ابن الجعد"(451) كرواية أحمد السالفة سندًا ومتنًا، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 545 - 546 (2897) من طريق ابن وهب عن جرير بن حازم، عن أبي إسحاق، عن امرأته -أم يونس العالية بنت أيفع- أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لها أم محبة -أم ولد لزيد بن أرقم
…
الحديث، والدارقطني 3/ 52 من طريق معمر عن أبي إسحاق، عن امرأته أنها دخلت عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم، وامرأة أخرى، فقالت أم ولد زيد
…
الحديث، والبيهقي في "سننه" 5/ 330 - 331 من ثلاث طرق:
الأول: من طريق أحمد والبغوي.
الثاني: من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق، عن العالية قالت: كنت قاعدة عند عائشة فأتتها أم محبة فقالت لها
…
الحديث.
الثالث: من طريق عبد الرزاق الثاني وذكر فيه أيضًا؛ امرأة أبي السفر.
ورواه ابن سعد في "الطبقات" 8/ 487 من طريق يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن أمه العالية بنت أيفع أنها حجت مع أم محبة فدخلتا على عائشة
…
الحديث مختصرًا وبنحوه رواه ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 184 (1454) مطولًا، ووقع =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فيه أم مجية بدل أم محبة، وهو تصحيف بيَّن.
قلت: اختلف في هذا الحديث فبعضهم أبهم اسم السائلة لعائشة، والبعض سماها أم محبة، والبعض ميزها بأنها امرأة أبي السفر.
وأبو السفر هو: سعيد بن يحمد ويقال: ابن أحمد الهمداني الثوري الكوفي روى عنه سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج وجماعة انظر ترجمته في:"ثقات ابن حبان" 7/ 25، و"تهذيب الكمال" 15/ 41.
قال البيهقي: قال الشافعي: فقيل له: أيثبت هذا الحديث عن عائشة؟ فقال: أبو إسحاق رواه عن امرأته، قيل: فتعرف امرأته بشيء يثبت من حديثها؛ فما علمته قال شيئًا، وجملة هذا أنا لا نثبت مثله على عائشة، وزيد بن أرقم لا يبيع إلا ما يراه حلالًا، ولا يبتاع إلا مثله اهـ. "معرفة السنن والآثار" 8/ 136.
وأورد ابن حزم الحديث في "المحلى" 7/ 29 وقال: خبر لا يصح، وقال في موضع آخر 9/ 49 - 50: هذا الخبر فاسد جدًا من وجوه: الأول: أن امرأة أبي إسحاق مجهولة الحال لم يرو عنها أحد غير زوجها وولدها يونس، على أن يونس قد ضعفه شعبة بأقبح تضعيف، وضعفه يحيى القطان وابن حنبل.
الثاني: قد صح أنه مدّلَّس، وأن امرأة أبي إسحاق لم تسمعه من عائشة؛ وذلك أنه لم يذكر عنها زوجها ولا ابنها أنها سمعت سؤال المرأة لعائشة ولا جواب عائشة لها، إنما في حديثها: دخلت على عائشة أنا وأم ولد لزيد فسألتها أم ولد زيد، وهذا يمكن أبي يكون ذلك السؤال في ذلك المجلس ويمكن أن يكون في غيره- ثم ساق بسنده حديث الثوري، عن أبي إسحاق، عن امرأة قالت: سمعت امرأة أبي السفر الحديث، ثم قال: فبين سفيان الدفينة التي في هذا الحديث وأنها لم تسمعه امرأة أبي إسحاق من أم المؤمنين، وإنما روته عن امرأة أبي السفر، وهي في الجهالة أشد وأقوى من امرأة أبي إسحاق، فصارت مجهوله عن أشد منها جهالة ونكرة، فبطل جملة، ولله تعالى الحمد، وليس بين يونس وسفيان نسبة في الثقة فالرواية ما روى سفيان.
الثالث: من البرهان الواضح على كذب هذا الخبر ووضعه، وأنه لا يمكن أن يكون حقًا أصلًا ما فيه مما نسب إلى عائشة من أنها قالت: أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب، وزيد لم يفته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم =
لها: إنه أبطل صلاته ولا صيامه ولا حجه، فمعنى ذلك -والله أعلم- أن من جاهد في سبيل الله فقد حارب محاربة الله، ومن أربا فقد أبطل حربه عن الله، فكانت عقوبته من جنس (ذنبه)
(1)
.
= إلا غزوتان بدر وأحد، وشهد بيعة الرضوان ونزل فيه القرآن، وشهد الله له بالجنة على لسان رسوله أن لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، فوالله ما يبطل هذا كله ذنب من الذنوب غير الردة، وقد أعاذه الله منها برضاه عنه، وأعاذ عائشة من أن تقول هذا الباطل.
الرابع: يوضح كذب هذا الخبر أيضًا أنه لو صح أن زيدًا أتى أعظم الذنوب من الربا المصرح، وهو لا يدري أنه حرام لكان مأجورًا في ذلك أجرًا واحدًا غير آثم، فكيف بعائشة إبطال جهاد زيد بن أرقم في شيء عمله مجتهدًا لا نص في العالم يوجد بخلافه لا صحيح ولا من طريق واهية، هذا والله الكذب المحض المقطوع به، فليتب إلى الله تعالى من ينسبه إلى عائشة، فهذِه براهين أربعة في بطلان هذا الخبر وأنه خرافة مكذوبة اهـ. بتصرف.
قلت: في بعض ما قاله ابن حزم نظر:
قال ابن سعد في "طبقاته" 8/ 487: العالية بنت أيفع امرأة أبي إسحاق، دخلت على عائشة وسألتها وسمعت منها.
قال ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 84: قالوا: العالية امرأة مجهولة فلا يقبل خبرها. قلنا بل هي امرأة جليلة القدر معروفة. اهـ.
قال الزيلعي: قال في "التنقيح": هذا إسناد جيد، وإن كان الشافعي قال: لا يثبت مثله عن عائشة، وكذلك الدارقطني قال في العالية: هي مجهولة لا يحتج بها، فيه نظر، فقد خالفه غيره، ولولا أن عند أم المؤمنين علمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد. اهـ. "نصب الراية" 4/ 16.
وأورد ابن كثير في "تفسيره" 2/ 486 حديث ابن أبي حاتم وقال: هذا الأثر مشهور. وقال ابن التركماني: العالية معروفة، روى عنها زوجها وابنها، وهما إمامان اهـ. "الجوهر النقي" 5/ 331.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: أو يكون من أربى فقد حارب الله، ولا يكون الشخص محاربا لله وفي الله.
وهذِه الأشياء المنهي عنها في الحديث مختلفة الأحكام، فمنها ما هو على سبيل التنزه ككسب الحجام، ومنها ما هو على سبيل التحريم كثمن الكلب عندنا
(1)
، وكره عند المالكية
(2)
للضعة والسقوط في حقه، ومنها حرام بين كالربا. وأما اشتراء أبي جحيفة الحجام، ثم قال:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الدم (بمحجمه)
(3)
. وتخلص من إعطاء الحجام أجرة حجامته؛ خشية أن يواقع نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الدم على ما تأوله في الحديث، وقد جاء هذا مبينًا في باب ثمن الكلب بعد هذا، قال عون بن أبي جحيفة: رأيت أبي اشترى (عبدًا)
(4)
حجامًا، فأمر بمحاجمه فكسرت، فسألت عن ذلك، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الدم
(5)
. وإنما فعل ذلك على سبيل التورع والتنزه، وسيأتي القول في كسب الحجام بعد هذا.
وقد اختلف العلماء في بيع الكلب، فقال الشافعي: لا يجوز بيعها، كلها سواء كان كلب صيد أو حرث أو ماشية أو غير ذلك، ولا قيمة فيها
(6)
، وهو قول أحمد وحماد والحسن
(7)
.
واختلفت الرواية عن مالك في بيعه، فقال في "الموطأ": أكره بيع الكلب الضاري وغيره؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب
(8)
.
(1)
انظر "الحاوي" 5/ 375.
(2)
انظر "المنتقى" 5/ 28.
(3)
ساقطة من (م)
(4)
من (م).
(5)
سيأتي برقم (2238).
(6)
"الأم" 3/ 9.
(7)
انظر "المغني" 6/ 352.
(8)
"الموطأ" ص 407.
وروى نافع عن مالك أنه كان يأمر ببيع الكلب الضاري في الميراث والدين والمغانم، وكان يكره بيعه الرجل ابتداءً، وقال نافع: وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن العقور.
وقال ابن القاسم: لا بأس بشراء كلاب الصيد، ولا يعجبني بيعها.
وكان ابن كنانة وسحنون يجيزان بيع كلاب الصيد والحرث والماشية.
قال سحنون: ويحج بثمنها. وهو قول الكوفيين. وقال مالك: إن قتل كلب الدار فلا شيء فيه، إلا أن يسرح مع الماشية
(1)
.
وفي "مختصر ابن الحاجب": وفي كلب الصيد قولان
(2)
. وقال أبو عبد الملك: يجوز في القسم والمواريث دون غيرها. وعن أبي حنيفة: من قتل كلبًا لرجل ليس بكلب صيد ولا ماشية فعليه قيمته،
وكذلك السباع كلها. وقال الأوزاعي: الكلب لا يباع في مقاسم المسلمين، هو لمن أخذه.
حجة الشافعي حديث الباب، فإن النهي فيه عام.
حجة المخالف أن الله تعالى لما أباح لنا في علمناه أفاد لنا ذلك إباحة التصرف فيها بالإمساك والبيع وغير ذلك، وما قالوه هو عين النزاع.
قالوا": و {مَا} في الآية بمعنى: في، التقدير: في أحل لكم من الطيبات والذي علمتم من الجوارح مكلبين، وهذا قول جماعة من السلف. وروي عن جابر: أنه جعل القيمة في كلاب الصيد
(3)
، وعن عطاء مثله، وقال: لا بأس بثمن الكلب السلوقي. وعن النخعي مثله
(4)
.
(1)
انظر: "المنتقى" 5/ 28.
(2)
"مختصر ابن الحاجب" ص 204.
(3)
انظر: "التمهيد" 8/ 404.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 4/ 353 (20910، 20911، 20915) كتاب: البيوع، من رخص في ثمن الكلب.
وقال أشهب: في قتل المعلم القيمة. وأوجب ابن عمر فيه أربعين درهمًا، وفي كلب ماشية شاة، وفي كلب الزرع فرقًا من طعام، وفي كلب الدار فرقًا من تراب
(1)
- أي: تراب المعدن دون الرماد.
ويقضى على صاحب الكلب بأخذه كما يقضى على الآخر بدفعه، وأجاز عثمان الكلب الضاري في المهر، وجعل فيه عشرين من الإبل على من قتله
(2)
.
وقد أذن في اتخاذ كلب الصيد والماشية. وكان النهي منصبًا إلى غير المنتفع به، أو كان النهي فيه، وكسب الحجام كان في بدء الإسلام، ثم نسخ ذلك وأبيح الاصطياد به، وكان كسائر الجوارح في جواز بيعه؛ ولذلك لما أعطى الحجام أجرة كان ناسخًا لما تقدمه. وذكر الطحاوي من حديث أبي رافع: أنه عليه السلام لما أمر بقتل الكلاب أتاه أناس فقالوا: يا رسول الله، ما يحل لنا من هذِه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فنزلت {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوَارِحِ} [المائدة: 4]، فلما أبيح الانتفاع بها حل بيعها وأكل ثمنها
(3)
، لكن جاء في "سنن أبي داود":(فإن جاء يطلب ثمنه فاملأ كفه ترابًا)
(4)
، وهو دالٌّ على عدم صحة بيعه.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 4/ 353 (20914).
(2)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 403.
(3)
"شرح معاني الاثار" 4/ 57.
(4)
أبو داود (3482) كتاب: الإجارة، باب: في أثمان الكلاب.
قال الحافظ في "الفتح" 4/ 426: إسناده صحيح، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(465).
فصل:
وأما النهي عن ثمن الدم فهو على التنزيه على المشهور، وبه قال الأكثرون، وهو مشهور مذهب أحمد، فإنه عليه السلام أعطاه أجرة، ولو كان حرامًا لم يعطه، وقال لمحيصة: "اعلفه ناضحك، وأطعمه
رقيقك"
(1)
.
ونقل ابن التين عن كثير من العلماء أنه جائز من غير كراهة، كالبناء، والخياطة، وسائر الصناعات، والنهي عن ثمن الدم السائل في حرم الله تعالى. وقال أبو جحيفة: أجرة الحجام من ذلك. وهو قول أبي هريرة والنخعي
(2)
؛ لأنه قرنه بمهر البغي، وهو حرام، فكذا هو. قالوا: ولأن عمله غير معلوم، وكذا مدة عمله، فالإجارة فاسدة. وقال آخرون: إنه
(1)
رواه أبو داود (3422) كتاب: التجارة، باب: في كسب الحجام، والترمذي (1277) كتاب: البيوع، باب: ما جاء في كسب الحجام، وابن ماجه (2166) كتاب: البيوع، باب: ما جاء في كسب الحجام والبغي وحلوان الكاهن وعسب الفحل، وأحمد 5/ 435 - 436، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 139 (2120)، وابن الجارود 2/ 169 - 170 (583)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 131 - 132 كتاب: الإجارات، باب: الجعل على الحجامة، وأبو عوانة 3/ 359 (5299) كتاب: البيوع، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 251 - 252، 3/ 116 - 117، وابن حبان 11/ 557 - 558 (5154) كتاب: الإجارة، والطبراني 20/ 312 (742)، والبيهقي في "سننه" 9/ 337 كتاب: الضحايا، باب: التنزيه عن كسب الحجام، والبغوي في "شرح السنة" 8/ 18 (2034)، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 220 (1582) وابن الأثير في "أسد الغابة" 5/ 120 جميعًا من حديث حرام بن محيصة عن أبيه محيصة بن مسعود به.
قال الترمذي: حديث حسن، وقال العقيلي في "الضعفاء" 4/ 357: إسناده صالح، وصححه الألباني في "الصحيحة"(4000) وفيه بحث رائع فليراجع.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 4/ 360 (20985، 20991) كتاب: البيوع، كسب الحجام.
يأخذها على أخذ الشعر، وهو قول عطاء: إذا رأى الشعر قبله. وقال الآخرون: يجوز للمحتجم إعطاؤها، ولا يجوز للحجام أخذها. ورواه ابن جرير عن أبي قلابة. فإن الشارع أعطاها مع أنه قال:" إن كسبه خبيث"
(1)
وفي رواية: "سحت"
(2)
، وبه قال ابن جرير إلا أنه قال: يعلفها ناضحه ومواشيه ولا يأكله، فإن أكله كان حرامًا. وعن أحمد وبه قال فقهاء المحدثين: يحرم على الحرِّ دون العبد؛ لحديث: "اعلفه ناضحك ورقيقك" رواه حرام بن محيصة، عن أبيه مرفوعًا
(3)
.
(1)
رواه مسلم (1568) كتاب: المساقاة، باب: تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي والنهي عن بيع السنورة، وأبو داود (3421) كتاب: الإجارة، باب: في كسب الحجام، والترمذي (1275) كتاب: البيوع، باب: ما جاء في ثمن الكلب، وأحمد 3/ 464 - 465، 4/ 141 جميعًا من حديث رافع بن خديج.
ورواه أيضًا الحاكم في "المستدرك" 2/ 42 كتاب: البيوع، من حديث رافع، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه! وهو وهم منه رحمه الله، فالحديث عند مسلم كما ترى.
قال الألباني في "الصحيحة"(3622): تنبيه: رويت الفقرة الأولى من الحديث بزيادة في آخرها:
…
وهو أخبث مثله، وهي زيادة لا تصح اهـ.
قلت: رواه الحاكم في "المستدرك" 1/ 154 - 155، والبيهقي في "سننه" 1/ 19 من حديث ابن عباس مرفوعًا:"ثمن الكلب خبيث وهو أخبث منه". قال الألباني في "الضعيفة"(3459): ضعيف جدًا.
(2)
رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 211، والنسائي في "الكبرى" 3/ 115 (4697) كتاب: المزارعة، باب: عسب الفحل، والطبري في "تفسيره" 4/ 580 (11961)، والعقيلي في "الضعفاء" 4/ 94، والدارقطني 3/ 72 - 73، والبيهقي في "سننه" 6/ 6 كتاب: البيوع، باب: النهي عن ثمن الكلب، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 190 (1485 - 1486) جميعًا من حديث أبي هريرة، وصحح الألباني هذِه الرواية بمجموع طرقها في الصحيحة (2990) وعقد فيه بحثًا نفيسًا فراجعه.
(3)
تقدم تخريجه قريبًا.
قالوا: ولا يجوز للحرِّ أن يحترف بالحجامة، وإن كان غلامه حجامًا لم ينفق على نفسه من كسبه، وإنما ينفقه على العبيد وعلى بهائمه. والقصد بالحجام: في يحجم ليس في يزين الناس.
وذكر ابن الجوزي: أن أجرة الحجام إنما كرهت؛ لأنه مما يعين به المسلم أخاه إذا احتاج إليه، فلا ينبغي له أن يأخذ من أخيه على ذلك أجرًا.
وروى ابن حبيب: أن قريشًا كانت تتكرم في الجاهلية عن كسب الحجام؛ فلذلك جاء فيه النهي على وجه التكرم والأنفة عن دقائق الأمور. وروى ربيعة أنه قال: كان للحجامين سوق على عهد عمر،
ولولا أن يأنف رجال لأخبرتك عن آبائهم أنهم كانوا حجامين
(1)
.
وقال يحيى بن سعيد: لم يزل المسلمون مُقِرِّينَ بأجر الحجامة ولا ينكرونها
(2)
.
وحاصل الخلاف: كراهة التنزيه، التحريم مطلقًا، الفرق بين الحر والعبد، يجوز الإعطاء دون الأخذ. قول ابن جرير.
فصل:
قوله: (ونهى عن الواشمة والموشومة)؛ أي: عن فعل الواشمة.
والوشم: أن يغرز ظهر كف المرأة ومعصمها بإبرة، ثم يحشى بالكحل و (النَّئُور)
(3)
(4)
فيخضر، وقال الداودي: فيسود موضعه إذا حشي بالإثمد، وهو من عمل الجاهلية، وفيه تغيير لخلق الله.
(1)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 11/ 81.
(2)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الاثار" 4/ 132.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: النئور يلج، وهو دخان الشحم يعالج به الوشم حتى يخضر ولك أن تقلب الواو، المضمومة همزة كما في "الصحاح".
(4)
النَّئُور: هو دخان الشحم، انظر: لسان العرب، مادة: وشم 5/ 189.
والموشومة: التي يفعل ذلك بها، وفي حديث آخر:"الموتشمة"
(1)
، وفي آخر:"المستوشمة"
(2)
. وفسر العتبي في حديث آخر "لعن الواشمة"
(3)
: أي: التي تنتحل.
فصل:
وقوله: (وآكل الربا): قال الداودي: هو الذي يأكله، كان هو المربي أو غيره. وقال القزاز: هو في يعمل به ويأكل منه، وموكله: في يزيد في المال؛ لأنه هو في جعل له ذلك وأطعمه إياه. وقال الداودي موكله: الذي يطعمه غيره، وهذا من قوله تعالى {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. قال الخطابي: وإنما سوى في الإثم بين آكله وموكله وإن كان أحدهما هو الرابح مغتبطًا والآخر منهضمًا؛ لأنهما في الفعل شريكان، ولله حدود لا تتجاوز في حال العدم والوجد
(4)
.
فصل:
قوله: (ولعن المصور): ظاهره العموم، وخفف منه ما لا روح فيه كالشجر. وجاء أنه يقال لهم يوم القيامة:"أحيوا ما خلقتم"
(5)
. وسيأتي باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح وما يكره من ذلك، والنهي عن كسب الإماء؛ لأنه رذيلة.
(1)
ذكر هذا اللفظ الحافظ في "تلخيص الحبير" 1/ 276.
(2)
سيأتي برقم (5945) كتاب: اللباس، باب: الواشمة.
(3)
سيأتي برقم (2238) باب: بيع الميتة والأصنام.
(4)
"أعلام الحديث" 2/ 1018.
(5)
سيأتي برقم (3224) كتاب: بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم: آمين، ورواه مسلم (2107) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه. من حديث عائشة.
26 - باب {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]
2087 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ ابْنُ المُسَيَّبِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ". [مسلم: 1606 - فتح: 4/ 315]
ذكر حديث أبي هريرة: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ".
معنى {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا} : ينقصه شيئًا بعد شيء، من محاق الشهر؛ لنقصان الهلال فيه. {وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ} يضاعف أجرها وعدًا منه، أو ينمي المال في أخرجت منه.
{وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} أي: لا يحب كل مصرٍ على كفر مقيم عليه مستحل أكل الربا أو إطعامه.
(أثيم) متمادٍ في الإثم يريد فيما نهاه عنه من أكل الربا والحرام وغير ذلك من معاصيه، لا يزجر عن ذلك ولا يرعوي عنه، ولا يتعظ بموعظة ربه.
قال المهلب: سئل بعض العلماء عن معنى هذِه الآية، وقيل له: نحن نرى صاحب الربا يربو ماله، وصاحب الصدقة ربما كان مقلًا! قال: معنى {وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ} : أي: الصدقة يجدها صاحبها مثل أحد يوم القيامة، فكذلك صاحب الربا يجد عمله ممحوقًا، إن تصدق منه أو وصل رحمه لم يكتب له بذلك حسنة، وكان عليه إثم الربا بحاله.
وقالت طائفة: إن الربا يمحق في الدنيا والآخرة على عموم اللفظ، احتجوا لذلك بحديث الباب، فلما كان نفاقها بالحلف الكاذبة في الدنيا، كان محق البركة فيها في الدنيا.
وذكر عبد الرزاق عن معمر قال: سمعنا أنه لا يأتي على صاحب الربا أربعون سنة حتى يمحق
(1)
. وروى الطبري في "تفسيره" من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "الربا وإن كثر فإلى قل"
(2)
وقيل: إن تصدق منه فلا يقبل؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن صرف في سبيل الخير لم ينفعه، وربما محقه في الدنيا وتبقى تبعاته.
وقيل: يهلك وتذهب بركته، ومحقه الله فامتحق. وحديث الباب أخرجه مسلم أيضًا، وذكره كالتفسير للآية
(3)
، فيقال: كيف يجتمع المحاق والزيادة؟ فبين الحديث أن اليمين مزيدة في الثمن، وممحقة للبركة منه، والبركة أمر زائد على العدد، فتأويل قوله:{يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا} [البقرة: 276] أي: يمحق البركة منه -كما سلف- وإن كان عدده باقيًا على ما كان.
وفي أفراد مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعًا: "إياكم وكثرة الحلف، فإنه ينفق ثم يمحق"
(4)
.
(1)
"مصنف عبد الرزاق" 8/ 316 (15353) كتاب: البيوع، باب: ما جاء في الربا.
(2)
"تفسير الطبري" 3/ 105 (6250) معلقًا.
ورواه ابن ماجه (2279) كتاب: التجارات، باب: التغليظ في الربا، وأحمد 1/ 395، 424، والحاكم في "المستدرك" 2/ 37، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال البوصيري في "زوائد ابن ماجه"(758): هذا إسناد صحيح رجاله موثقون، العباس بن جعفر وثقه ابن أبي حاتم وابن المديني وابن حبان، وباقي رجاله على شرط مسلم.
وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 315: إسناده حسن، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(3542)، و"صحيح الترغيب"(1863).
(3)
مسلم (1606) كتاب: المساقاة، باب: النهي عن الحلف في البيع.
(4)
مسلم (1607)، وانظر "الجمع بين الصحيحين" 1/ 459 (737).
و"ممحقة"
(1)
بفتح الميم وكسر الحاء ويصح فتحها، قال صاحب "المطالع": كذا قيد القاضي أبو الفضل، والذي أعرف بفتحها.
و"منفقة" بفتح الميم كما قيد ابن التين؛ لأنها مفعلة من نفق ومحق،
وعن ابن فارس: ويقال: المحقة، وهو رديء
(2)
، وضبطهما النووي بفتح أولهما وثالثهما وسكون ثانيهما
(3)
. ويقال: نفق البيع ينفق نفاقًا: كثر الراغب.
و"الحلف": اليمين بإسكان اللام وكسرها، ذكره ابن فارس
(4)
، وهي اليمين الكاذبة.
(1)
ورد بهامش (م): وفي رواية: مُمحقة: بالضم وكسر الحاء، اسم فاعل وزنه للمبالغة لا التأنيث.
(2)
"مجمل اللغة" 3/ 824.
(3)
"مسلم بشرح النووي" 11/ 44.
(4)
"المجمل" 1/ 249.
27 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الحَلِفِ فِي البَيْعِ
2088 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا العَوَّامُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً -وَهُوَ فِي السُّوقِ- فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطَ، لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77][2675، 4551 - فتح: 4/ 316]
ذكر فيه حديث عبد الله بن أبي أوفى: أَن رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً -وَهُوَ فِي السُّوقِ- فَحَلَفَ بالله لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطَ؛ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} .
حديث الباب من أفراده، وعنده في موضع آخر عن ابن مسعود مرفوعًا في حديث الأشعث
(1)
، وسيأتي أنها نزلت في من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم
(2)
.
ومعنى {بِعَهْدِ اللَّهِ} : أمره ونهيه، أو ما جعل في العقل من الزجر عن الباطل والانقياد إلى الحق {لَا خَلَقَ}: من الخلق، وهو النفسس، أو من الخلق أي: لا نصيب لهم مما يوجبه الخلق الكريم.
{وَلَا يُكلمُهُم} بما يسرهم، بل بما يسوءهم عند الحساب بقوله {إنَّ عَلَينَا حِسَابَهُم} [الغاشية: 26]، أو لا يكلمهم أصلًا، بل يكل حسابهم إلى الملائكة، ويسمع كلامه أولياؤه، أو يغضب عليهم كما
(1)
سيأتي برقم (2676 - 2677) كتاب: الشهادات، باب: قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} و (4549 - 4540) كتاب: التفسير.
(2)
سيأتي برقم (2675) كتاب: الشهادات، باب: قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} ، و (4551) كتاب: التفسير.
تقول: فلان لا يكلم فلانًا.
{وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} : لا يبرهم ولا يمنُّ عليهم
(1)
{وَلَا يُزَكِّيهِمْ} أي: لا يقضي بزكاتهم، نزلت في من يحلف أيمانًا فاجرة لينفق بها بيع سلعته، أو في الأشعث نازع خصمًا في أرض، فقام ليحلف، فنزلت، فنكل الأشعث واعترف بالحق
(2)
، أو في أربعة من أحبار اليهود كتبوا كتابًا وحلفوا أنه من عند الله فيما ادعوه أنه ليس عليهم في الأميين سبيل
(3)
.
{أَلِيمٌ} : موجع حيث وقع، وهذا الوعيد الشديد في هذِه اليمين الغموس لما جمعت من المعاني الفاسدة، وكذا كذبه في اليمين بالله تعالى، وهو أصل ما يحلف فيه، وغرَّر المسلمين، واستحلال مال المشتري بالباطل في لا يدوم في الدنيا عوضًا عما كان يلزمه من تعظيم حق الله تعالى والوفاء بعهده والوقوف عند أمره ونهيه، فخاب متجره وخسرت صفقته.
وفي "تفسير الطبري": أنها نزلت في رافع، وكنانة بن أبي الحقيق، وابن أبي الأشرف، وحيي بن أخطب
(4)
. وفي "تفسير أبي القاسم الجُوزي": عن ابن عباس: نزلت في ناس من علماء اليهود أصابتهم فاقة، فجاءوا إلى كعب بن الأشرف، فسألهم كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نعم، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال كعب: لقد حرمتم خيرًا كثيرًا، فنزلت. وقيل: نزلت في الذين حرفوا التوراة، حكاه الزمخشري
(5)
.
(1)
هذا من التأويل المذموم، وسيأتي بيان ذلك في كتاب التوحيد.
(2)
رواه الطبري 3/ 320 (7278).
(3)
رواه الطبري 3/ 319 (2275) عن عكرمة.
(4)
المصدر السابق.
(5)
"الكشاف" للزمخشري 1/ 331.
والوجه أن نزولها في أهل الكتاب، وفي "المستدرك" صحيحًا عن قيس بن أبي غرزة مرفوعًا:"يا معشر التجار، إنه يشهد بيعكم اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة"
(1)
.
وفيه -أيضًا- مصحح الإسناد عن إسماعيل بن عبيد، عن ابن رفاعة بن رافع الزرقي، عن أبيه، عن جده مرفوعًا:"يا معشر التجار، إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتقى وبر وصدق"
(2)
، وفيه -أيضًا- مثله عن عبد الرحمن بن شبل مرفوعًا:"إن التجار هم الفجار"، فقالوا: يا رسول الله: أليس الله قد أحل البيع؟ قال: "بلى، ولكنهم يحلفون فيأثمون، ويحدثون فيكذبون"
(3)
.
قال الداودي: هذا جزاؤه إن لم يتب. وريد: أنه يتحلل صاحبه إلا أن يرضي الله خصمه بما شاء ويتجاوز عنه، أو يأخذ له من حسناته، أو يلقي عليه من سيئاته.
(1)
"المستدرك" 2/ 5. ورواه أيضًا أبو داود (3326) كتاب: البيوع، باب: في التجارة يخالطها الحلف واللغو، والترمذي (1208) كتاب البيوع، باب: ما جاء في التجار وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم، والنسائي 7/ 14 - 15 كتاب: الإيمان والنذور، في الحلف والكذب لمن لم يعتقد اليمين بقلبه، وابن ماجه (2145) كتاب: التجارات، باب: التوقي في التجارة، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7974).
(2)
"المستدرك" 2/ 6.
ورواه أيضا الترمذي (1210) كتاب: البيوع، باب: ما جاء في التجار وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم -وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (2146)، وصححه ابن حبان 11/ 276 - 277 (4910) كتاب: البيوع، وصححه الألباني في "الصحيحة"(994).
(3)
"المستدرك" 2/ 7، وسكت عنه الحاكم والذهبي، وصححه الألباني في "الصحيحة"(366).
وأما الحلف فهو بينه وبين الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه. قال بعض العلماء: الذنوب كلها، الباري تعالى يقتص للبعض من البعض بأخذ حسنات الظالم أو بإلقاء السيئة عليه. وقيل: نزلت الآية في
رجلين اختصما في أرض، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمين على المدعى عليه فقال: المدير إذًا يحلف. فنزلت
(1)
.
(1)
في هامش الأصل: ثم بلغ في الرابع بعد الخمسين كتبه مؤلفه.
28 - باب مَا قِيلَ فِي الصَّوَّاغِ
وَقَالَ طَاوُسٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا". وَقَالَ العَبَّاسُ: إِلَّا الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ. فَقَالَ:"إِلَّا الإِذْخِرَ".
2089 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيًّا عليه السلام قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ المَغْنَمِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الخُمْسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِىَ بِفَاطِمَةَ عليها السلام بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ، أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرُسِي. [2375، 3091، 4003، 5793 - مسلم: 1979 - فتح: 4/ 316]
2090 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ". وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ: إِلَّا الإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَلِسُقُفِ بُيُوتِنَا. فَقَالَ: "إِلَّا الإِذْخِرَ". فَقَالَ عِكْرِمَةُ هَلْ تَدْرِي مَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا؟ هُوَ أَنْ تُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّلِّ، وَتَنْزِلَ مَكَانَهُ.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ: لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا. [انظر: 1349 - مسلم: 1353 - فتح: 4/ 317]
ثم ذكر فيه حديث علي: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ المَغْنَمِ
…
وساق الحديث.
وفيه: وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي فَنَأْتِيَ بإِذْخِرٍ.
وحديث عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قال: إن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الله حَرَّمَ مَكَّةَ
…
" الحديث إلى قوله: "إِلَّا الإِذْخِرَ فإنه لِصَاغَتِنَا وَلسُقُفِ بُيُوتنَا".
الشرح: التعليقان الأولان مسندان كما سلف
(1)
، وحديث علي ساقه -أيضًا- مطولًا بقصة حمزة وإنشادها:
ألا يا حمز للشرف النواء
(2)
والشارف: المسن من النوق، وفيه في مسلم: بأنه المسن الكبير
(3)
. والمعروف أنه النوق خاصة لا من الذكور، وبه جزم ابن التين حيث قال: إنها المسنة من الإبل. وحكى الحربي عن الأصمعي أنه يقال: شارف للذكر والأنثى، ويجمع على شرف، ومنه البيت المذكور، ولم يأت فعل جمع فاعل إلا قليلًا، كما قاله عياض
(4)
. وفي "المخصص" عن الأصمعي: ناقة شارف وشروف، قال سيبويه: جمع الشاوف: شُرُف، والقول في الشارف كالقول في البازل -يعني: خروج نابها- أبو حاتم: شارفة، صاحب "العين"، والجمع: شوارف. ولا يقال للبعير شارف
(5)
. وقال في "المحكم": الشارف من الإبل: المسن والمسنة، والجمع: شُرَّف وشُرُف
(6)
، وفي "الجامع": هي الناقة المسنة، وتجمع شرفًا وشوارف.
(1)
سلف برقم (1834) كتاب: جزاء الصيد، باب: لا يحل القتال بمكة.
(2)
سيأتي برقم (2375) كتاب: المساقاة، باب: بيع الحطب والكلأ.
(3)
مسلم (1750).
(4)
"مشارق الأنوار على صحاح الآثار" للقاضي عياض 2/ 248 - 249.
(5)
انتهى من "المخصص"(2/ 138). وانظر: "العين"(6/ 253).
(6)
"المحكم" لابن سيده 8/ 34.
والنواء: ذكره ابن ولاد في الممدود المكسور أوله: السمان من الإبل
(1)
. وفي "التهذيب"
(2)
: النوى: الشحم واللحم أيضًا. نوت الناقة: سمنت، فهي ناوية والشعر لعبد الله بن السائب جد أبي السائب المخزومي، فيما ذكره ابن المرزباني وأن القينة تمثلت به. وحديث عكرمة عن ابن عباس سلف في الحج
(3)
، وشيخ البخاري فيه إسحاق هو ابن شاهين الواسطي، قاله ابن ماكولا وابن البيع
(4)
، وصرح به الإسماعيلي وأبو نعيم.
وقوله: (وقال عبد الوهاب عن خالد: لصاغتنا وقبورنا) سلف مسندًا قبل
(5)
.
إذا تقرر ذلك:
ففيما ذكر أن الصياغة صناعة جائز التكسب منها، والصوّاغ إذا كان عدلًا لا تضره صناعته؛ لأنه عليه السلام قد أجازه.
وفيه: جواز بيع الإذخر وسائر المباحات والاكتساب منها للرفيع والوضيع.
وفيه: الاستعانة بأهل الصناعة فيما ينفق عندهم، والاستعانة على الولائم والتكسب لها من طيب الكسب، وأن طعام الوليمة على
(1)
"المقصور والممدود" ص 112.
(2)
"تهذيب اللغة" للأزهري 4/ 2683 مادة: نوى.
(3)
سلف برقم (1587).
(4)
قلت: هو الحاكم أبو عبد الله، صاحب "المستدرك"، قال ذلك في كتابه "المدخل إلى الصحيح" 4/ 244 - 245 (23) ط. مكتبة الفرقان. فقال: إسحاق، قال أبو عبد الله في مواضع كثيرة من الكتاب: حدثني إسحاق سمع خالد بن عبد الله. ولم ينسبه -قلت: وهذا الحديث منها- وهو إسحاق بن شاهين الواسطي.
(5)
سلف برقم (1349).
الناكح. ولم يختلف أهل السير كما قاله ابن بطال
(1)
في غير هذا الباب
أن الخمس لم يكن يوم بدر. وذكر إسماعيل القاضي أنه كان في غزوة بني النضير حين حَكَّم سعدًا
(2)
.
قال: وأجيب أن بعضهم قال: ترك أمر الخمس بعد ذلك. وقيل: إنما كان الخمس يقينًا في غنائم حنين، وهي آخر غنيمة حضرها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وإذا كان كذلك فيحتاج قول علي إلى تأويل.
قلت: ذكر ابن إسحاق أن عبد الله بن جحش لما بعثه عليه السلام في السنة الثانية إلى نخلة في رجب، وقيل: عمرو بن الحضرمي وغيره واستاقوا الغنيمة، وهي أول غنيمة، قسم ابن جحش الغنيمة وعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس وذلك قبل أن يفرض الخمس فأخر النبي صلى الله عليه وسلم الخمس والأسيرين
(3)
، ثم ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر في رمضان فقسم غنائمها مع الغنيمة الأولى وعزل الخمس فيكون قول علي: شارفي من نصيبي من المغنم. يريد: يوم بدر. ويكون قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفًا قبل ذلك من الخمس قبله من غنيمة ابن جحش.
وقال الداودي: فيه دليل أن آية الخمس نزلت يوم بدر؛ لأنه لم يكن قبل بنائه بفاطمة مغنم غيره، وذلك كله سنة اثنتين من الهجرة في رمضان، وكان بناؤه بفاطمة بعد ذلك.
(1)
"شرح ابن بطال" 5/ 248 في كتاب: الخمس، باب: فرض الخمس.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: إنما حكم سعدًا في قريظة، هذا المعروف.
[قلت (المحقق): وهو كما قال فالثابت أن تحكيم سعد بن معاذ كان في غزوة بني قريظة. انظر: "البداية والنهاية" 4/ 499 - 510، و"تاريخ الإسلام" 2/ 307 - 318].
(3)
انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 241.
قال: وذكر أبو محمد في "جامع مختصره" أنه تزوجها في السنة الأولى. قال: ويقال: في الثانية على رأس اثنين وعشرين شهرًا، وهذا كان بعد بدر؛ لأن بدرًا كانت على سنة ونصف من مقدمه المدينة، وهذا يعضد ما قاله الداودي.
وذكر أبو عمر عن عبد الله بن محمد بن سليمان الهاشمي: نكحها بعد وقعة أحد. وقيل: تزوجها بعد بنائه بعائشة بسبعة أشهر ونصف.
وقال ابن الجوزي: بنى بها في ذي الحجة وقيل: في رجب. وقيل: في صفر من السنة الثانية.
وفي كتاب ابن شبّة من رواية أبي بكر بن عياش أنه عليه السلام غرم حمزة الناقتين. وقد قام الإجماع على أن ما أتلفه السكران من الأموال يلزمه ضمانه كالمجنون، والسنام المقطوع حرام، والحالة هذِه بالإجماع، فإن سبقت التذكية فلا شك في حله وخالف عكرمة وإسحاق وداود فقالوا: لا تحل ذبيحة الغاصب ولا بيعه.
وفي الحديث: الاستعانة باليهود ومعاملتهم وإن كان مالهم يخالطه الربا.
(وقينقاع): نونه مثلثة كما سلف أول الباب أول البيوع
(1)
.
وقوله: (فلما أردت أن أبني بفاطمة). البناء: الدخول، والأصل فيه أنهم كانوا إذا أراد أحدهم الدخول على أهله رفع قبة أو بناء يدخلان فيه.
وقوله: (في وليمة عرسي) الوليمة: الطعام الذي يصنع عند العرس، والعرس -بضم الراء وإسكانها مهملة: الأملاك والبناء. وقيل: هو طعامه خاصة- أنثى وقد يذكر ويصغر بغيرها، وهو نادر؛ لأن حقه الهاء إذ هو
(1)
في الحديث السالف برقم (2048).
مؤنث على ثلاثة أحرف. والجمع: أعراس وعروسات. والعروس: نعت الرجل والمرأة؟ رجل عروس في رجال أعراس، وامرأة عروس في نسوة عرائس، ذكره ابن سيده
(1)
.
وقال الأزهري: العرس طعام الوليمة وهو من أعرس الرجل بأهله إذا بنى عليها ودخل بها، وتسمى الوليمة عرسًا والعرب تؤنثه
(2)
.
وفي "الموعب": العرس هو طعام الزفاف. والعرس هو الطعام في يمد للعروس. وقال ابن دينار: سألت أبا عثمان عن اشتقاق العروس، فقال: قالوه تفاؤلًا، من قولهم عرس الصبي بأمه إذا ألفها. ووقع في
كتاب الشرب عند البخاري: و (معي صائغ)
(3)
.
قال ابن التين عند أبي الحسن قال علي: (ومعي طالع). أي: يدله على الطريق ووقع في بعض رواياته: (فأفظعني)
(4)
.
قال ابن فارس: أفظع الأمر وفظع اشتد، وهو مفظع وفظيع
(5)
.
وفيه من الفقه: تضمين الجنايات بين ذوي الأرحام، والعادة فيها أن تهدر من أجل القرابة.
وقوله: (هل أنتم إلا عبيد لأبي). قيل: أراد أن أباه جدهم والأب كالسيد.
وقيل: كان ثملًا. فقال ما ليس جدًا.
(1)
"المحكم" 1/ 297.
(2)
"تهذيب اللغة" 3/ 2390 مادة: عرس.
(3)
سيأتي برقم (2375) باب: بيع الحطب والكلأ.
(4)
رواه مسلم (1979) كتاب: الأشربة، باب: تحريم الخمر ..
(5)
"المجمل" 3/ 723.
وفيه: وذلك قبل تحريم الخمر.
احتج به من لا يرى بوقوع طلاق السكران كما قال ابن الجوزي.
ووهّى النووي مقالة من قال: إن السكر لم يزل محرمًا فقال: هو قول من لا تحصل له أن السكر لم يزل محرمًا فباطل لا أصل له ولا يعرف
(1)
.
وفيه: ما كانوا عليه من القلة.
وفيه: طلبهم الكفاف.
(1)
"مسلم بشرح النووي" 13/ 144.
29 - باب ذِكْرِ القَيْنِ وَالحَدَّادِ
2091 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ لِي عَلَى العَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ. قَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: لَا أَكْفُرُ حَتَّى يُمِيتَكَ اللهُ، ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ وَأُبْعَثَ، فَسَأُوتَى مَالًا وَوَلَدًا فَأَقْضِيَكَ. فَنَزَلَتْ:{أَفَرَأَيْتَ الَّذِى كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} . [مريم: 77 - 78]
القين: هو الحداد، ثم استعمل في الصانع، قال ابن سيده: القين: الحداد
(1)
. وقيل: كل صانع قين.
قلت: والقين أيضًا العبد، والقينة: المغنية والأمة والماشطة أيضًا، والتقين: التزين بأنواع الزينة، والجمع أقيان وقيون.
وقد قان الحداد قينًا ضربها بالمطرقة. وقان الشيء يقين قيانة: أصلحه.
وقالت أم أيمن: أنا قينت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
، أي: زينتها.
(1)
"المحكم" 6/ 314.
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح" أيضًا 4/ 318، وما وقفت عليه، من حديث شهر بن حوشب أن أسماء بنت يزيد بن السكن، إحدى نساء بني عبد الأشهل، دخل عليها يومًا، فقربت إليه طعامًا، فقال: لا أشتهيه، فقالت: إني قينت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث مطولًا.
رواه أحمد 6/ 458، والحميدي 2/ 359 - 360 (371)، والطبراني 24 (434)، وأبو عبد الله الأصبهاني في "مجلس إملاء في رؤية الله" ص 376 (861)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 7/ 20. وقال الهيثمي في "المجمع" 6/ 50 - 51: شهر فيه كلام وحديثه حسن.
والقين: هو في يصلح الأبنية أيضًا.
ذكر فيه حديث خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ لِي عَلَى العَاصِي بْنِ وَائِل دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ. قَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ قلت: لَا أَكْفُرُ بمحمد حَتَّى يُمِيتَكَ اللهُ، ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ وَأُبْعَثَ، فَسَأُوتَى مَالًا وَوَلَدًا فَأَقْضِيَكَ.
فَنَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} الآية [مريم: 77].
هذا الحديث أخرجه البخاري في موضع آخر قريبًا، في باب: هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في دار الحرب بلفظ: (وإني لمبعوث بعد الموت فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال)
(1)
. وقال في التفسير إثره: قال ابن عباس: {هَدًّا} [مريم: 90] أي: هدمًا
(2)
. وقد أسنده ابن أبي حاتم في "تفسيره" عن أبيه، ثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن طلحة، عنه
(3)
.
قال مقاتل: صاغ خباب شيئًا من الحلي فلما طلب منه الأجر قال: ألستم تزعمون أن في الجنة الحرير والذهب والفضة والولدان؟ قال خباب: نعم. قال العاصي: فميعاد ما بيننا الجنة.
وقال الكلبي ومقاتل فيما ذكره الواحدي: كان خباب قينًا وكان العاصي يؤخر حقه فأتاه يتقاضاه، فقال: ما عندي اليوم ما أقضيك. فقال خباب: لست بمفارقك حتى تقضيني. فقال العاصي: يا خباب
(1)
سيأتي برقم (2275) كتاب: الإجارة.
(2)
سيأتي قبل حديث (4735).
(3)
رواه ابن جرير 8/ 384 (23955) من طريق عبد الله عن معاوية، عن علي بن طلحة، عن ابن عباس، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 511 لابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر.
مالك! ما كنت هكذا، وإن كنت لحسن الطلب. قال: كنت إذ ذاك على دينك وأما اليوم فإني على الإسلام. قال: أفلستم تزعمون أن في الجنة ذهبًا وفضة وحريرًا؟ قال: بلى. قال: فأخرني حتى أقضيك في الجنة -استهزاءً- فوالله إن كان ما تقول حقًّا إني لأفضل فيها نصيبًا منك. فأنزل الله الآية
(1)
.
وهذا الباب كالباب قبله أن الحداد لا تضره مهنته في صناعته إذا كان عدلًا.
قال أبو العتاهية:
ألا إنما التقوى هو العز والكرم
…
وحبك للدنيا هو الذل والعدم
وليس على حر تقي نقيصةٌ
…
إذا أسس التقوى وإن حاك أو حجم
وفيه: أن الكلمة من الاستهزاء قد يتكلم بها المرء فيكتب الله لربها سخطه إلى يوم القيامة
(2)
. ألا ترى وعيد الله على استهزائه بقوله {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)} [مريم: 79، 80] يعني من المال والولد بعد إهلاكنا إياه. {وَيَأتِينَا فَرْدًا} أي: نبعثه وحده تكذيبًا لظنه.
وكان العاصي بن وائل لا يؤمن بالبعث فلذلك قال له خباب: (والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث)
(3)
. ولم يرد خباب أنه إذا بعثه الله بعد الموت أن يكفر بمحمد لأنه حينئذٍ {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2]، ويتمنى العاصي بن وائل وغيره أن لو كان ترابًا ولم يكن كافرًا وبعد البعث يستوي يقين المكذب به مع يقين المؤمن
(1)
"أسباب النزول" ص 310 (612).
(2)
سيأتي برقم (6477 - 6478) ما في معنى كلام المصنف هذا فانظره.
(3)
سيأتي برقم (2425) كتاب: البيوع، باب: التقاضي.
ويرتفع الكفر وتزول الشكوك وكان غرض خباب من قوله إياس العاصي من كفره، وذكر ابن الكلبي عن جماعة في الجاهلية أنهم كانوا زنادقة منهم العاصي بن وائل، وعقبة بن أبي معيط، والوليد بن المغيرة، وأبي بن خلف.
وفيه: جواز الإغلاظ في اقتضاء الدين لمن خالف الحق وظهر منه الظلم والتعدي. فإن قلت: من عين الكفر آجلًا فهو كافر الآن إجماعًا، فكيف يصدر هذا عن خباب ودينه أصح وعقيدته أثبت وإيمانه أقوى وآكد من هذا كله. قلت: لم يرد خباب هذا وإنما أراد لا تعطني حتى تموت ثم تبعث أو إنك لا تعطيني ذلك في الدنيا فهنالك يؤخذ قسرًا منك.
وقال أبو الفرج: لما كان اعتقاد هذا المخاطب أنه لا يبعث خاطبه على اعتقاده فكأنه قال: لا أكفر أبدًا. وقيل: أراد خباب أنه إذا بعث لا يبقى كفر؛ لأن الدار دار الآخرة. وقرئ: (ووُلدًا) بضم الواو ذكره الفراء، ونصبها عاصم، وثقل في كل القرآن، وقرأ مجاهد:{مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} ، ونصب سائر القرآن. والوُلد والوَلَد لغتان، وقيس تجعل الوُلد جمعًا والوَلَد واحدًا
(1)
.
(1)
"معاني القرآن" للفراء 2/ 172 - 173.
قلت: قال أبو علي الفارسي في "الحجة للقراء السبعة"(5/ 210 - 211): اختلفوا في ضم الواو وفتحها من قوله عز وجل: (وولدا)[مريم: 77] في ستة مواضع، في مريم أربعة مواضع [77، 88، 91، 92] وفي الزخرف [81] ونوح [21].
فقرأهن ابن كثير وأبو عمرو: (وولدا) بالفتح؛ إلا في سورة نوح: (ماله وولده) فإنهما قرآه بضم الواو في هذِه وحدها. وقرأهن نافع وعاصم وابن عامر بفتح الواو في كل القرآن. وقرأهن حمزة والكسائي بضم الواو في كل القرآن. اهـ.
وانظر: "الكشف عن وجوه القراءات السبع" 2/ 92 - 93 و"تفسير الطبري" 12/ 253.
وقال الفارابي: الوُلد لغة في الوَلد ويكون واحدًا وجمعًا، وذكره أيضًا بكسر الواو وفتح الواو. وقال ابن سيده: الوَلَد والوُلد ما ولد أيًّا ما كان وهو يقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى، ويجوز أن يكون الوُلد جمع وَلَد كوَثَن ووُثْن. والوِلد كالولد وليس بجمع. والوَلَد أيضًا: الرهط
(1)
.
(1)
"المحكم" 10/ 131.
30 - باب ذِكْرِ الخَيَّاطِ
2092 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خُبْزًا وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ القَصْعَةِ -قَالَ:- فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ. [5379، 5420، 5433، 5435، 5436، 5437، 5439 - مسلم: 2041 - فتح: 4/ 318]
ذكر فيه حديث أَنَسَ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسُ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خُبْزًا وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ القَصْعَةِ -قَالَ:- فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ.
وفي لفظ: فجعلت ألقيه إليه
(1)
. هذا الحديث يأتي في الأطعمة أيضًا
(2)
، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي في الأطعمة، وقال: حسن صحيح، والنسائي في الوليمة
(3)
.
وفيه: جواز أكل الشريف طعام الخياط والصائغ وإجابته إلى دعوته.
(1)
رواه مسلم (2041).
(2)
سيأتي برقم (5379).
(3)
أبو داود (3782)، الترمذي (1850)، النسائي في "الكبرى" 4/ 155 (6662) كتاب: الأطعمة، باب: القديد، وقال في هامش "السنن الكبرى" 4/ 146: هنا آخر كتاب الوليمة، ويلاحظ أن أبواب الوليمة وأبواب الأطعمة وآداب الأكل وكتاب الأشربة المحظورة والدعاء بعد الأكل والشرب، جاءوا في المخطوط (ج) تحت مسمى: كتاب الوليمة. اهـ.
ويبدو أنها النسخة التي نقل منها المصنف رحمه الله.
وفيه: مؤاكلة الخدم وأن المؤاكل لأهله وخدمه مباح له أن يتبع شهوته حيث رآها إذا علم أن ذلك لا يكره منه وإذا لم يعلم ذلك فلا يأكل إلا مما يليه. وقد سئل مالك عن ذلك فأجاب بهذا الجواب.
وفيه: دليل على جواز الإجارة خلافًا لمن لا يعتد به؛ لأنها ليست بأعيان مرئية ولا صفات معلومة.
وفي صنعة الخياطة معنى ليس في سائر ما ذكره البخاري من ذكر القين والصائغ والنجار؛ لأن هؤلاء إنما تكون منهم الصنعة المحضة فيما يستصنعه صاحب الحديد والخشب والذهب والفضة وهي أمور من الصنعة يوقف على حدها ولا يختلط بها غيرها، والخياط إنما يخيط الثوب في الأغلب بخيوط من عنده فيجتمع إلى الصنعة الآلة، واحد منهما معناه التجارة والآخر الإجارة، وحصة أحدهما لا تتميز عن الأخرى، وكذلك هذا في الخراز والصباغ إذا كان يخرز بخيوطه ويصبغ هذا بصبغه على العادة المعتادة فيما بين الصناع، وجميع ذلك فائدة في القياس؛ لأن الشارع وجدهم على هذِه العادة أول زمن الشريعة فلم يغيرها إذ لو طولبا بغيرها شق عليهم فصار بمعزل، والعمل به ماض صحيح لما به من الإرفاق، قاله أجمع الخطابي
(1)
.
وفيه: تواضعه صلى الله عليه وسلم إذ أجاب دعوة الخياط وشبهه، وقد اختلف في إجابة الدعوة هل هي على الوجوب أو على الندب؟
والأظهر عندنا أنها في العرس واجبة.
وفيه: إتيانه منازل أصحابه.
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 1019 - 1020.
وفيه: الائتمار بأمرهم، وقد قال شعيب عليه السلام:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88] فتأسى به في الإجابة.
وفيه: الإجابة إلى الثريد، وهو خير الطعام. والدباء -ممدود-: القرع، جمع دباءة، وفيه لغة بالقصر، وأنكرها القرطبي
(1)
.
ووقع في "شرح المهذب" أنه القرع اليابس. والخبر في جاء به الخياط كان من شعير -كما ذكره الإسماعيلي- وإنما تتبعه من حوالي القصعة لأن الطعام كان مأكلًا مختلفًا، فكان يأكل مما يعجبه منه وهو الدباء ويترك ما لا يعجبه وهو القديد.
قال ابن التين: وفيه: جواز ذلك إذا أكل مع خادمه إذا كان في القصعة شيء مفرد. وحديث: "كل مما يليك"
(2)
؛ لأنه لم يكن معه خادمه، وكان في القصعة شيء متماثل.
وقول أنس: (فلم أزل أحبها من يومئذٍ) حقيق أن يحب ما أحب نبيه.
وقوله: (من حوالي القصعة): يقال: رأيت الناس حوله وحولَيْه وحواله وحواليه، والجمع أحوال. وإلقاء أنس له الدباء دليل على جواز مناولة الضيفان بعضهم بعضًا، ولا نكير على فاعله، نعم، المكروه أن يتناول شيئًا من أمام غيره أو من مائدة أخرى، فقد كرهه ابن المبارك، ويأتي في الأطعمة -إن شاء الله تعالى- كما نبهنا عليه
(3)
.
(1)
"المفهم" 5/ 314.
(2)
سيأتي برقم (5376) كتاب: الأطعمة، باب: التسمية على الطعام، والأكل باليمين، ورواه مسلم (2022) كتاب: الأشربة، باب: آداب الطعام والشراب وأحكامهما.
(3)
سيأتي برقم (5379).
فائدة: كان أيوب خياطًا. وأول من خاط الثياب ولبسها إدريس عليه السلام، وكانوا قبله يلبسون الجلود. وسيأتي أن إبراهيم كان عطارًا، وأن زكريا كان نجارًا. وأجَّر موسى نفسه على الرعي صلى الله وسلم عليهم.
31 - باب ذِكْرِ النَّسَّاجِ
2093 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ -قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟ فَقِيلَ لَهُ: نَعَمْ، هِىَ الشَّمْلَةُ، مَنْسُوجٌ فِي حَاشِيَتِهَا- قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِى أَكْسُوكَهَا. فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ، اكْسُنِيهَا، فَقَالَ:"نَعَمْ". فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي المَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ القَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ، لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ سَائِلًا. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ. [انظر: 1277 - فتح: 4/ 318]
ذكر فيه حديث سهل بن سعد في قصة البردة، وسلف في الكفن من الجنائز فراجعه
(1)
وفيه: جواز قبول الهدية من الضعيف إذا كان له مفضلة من التبرك وشبهه. والهبة لما يسأله الإنسان من ثوبه أو غيره. والأثرة على نفسه وإن كانت به حاجة إلى ذلك الشيء، والتبرك بثوب الإمام والعالم؟ رجاء النفع به في استشعاره كفنًا وشبه ذلك، وإعداد الكفن.
والبردة كالمئزر، وربما كانت من صوف أو كتان، وربما كانت أكبر من المئزر وقدر الرداء، قاله الداودي. وظاهر إيراد الحديث أنها الشملة، أنها الصوف؛ لأن الشملة كساء يؤتزر به، قاله ابن فارس
(2)
.
وقوله: (منسوج في حاشيتها): قال الجوهري: حاشية الثوب: أحد جوانب الثوب
(3)
. وقال الهروي نحوه. وقال القزاز: حاشيتاه ناحيتاه
(1)
راجع شرح حديث (1277).
(2)
"المجمل" 2/ 512.
(3)
"الصحاح" 6/ 2313.
اللاتي في طرفها الهدب.
وقوله: (وأخذها محتاجًا إليها، ولما طلبها بعث بها إليه)؛ لأنه عليه السلام كان إذا أتاه شيء صرفه للمسلمين.
وقوله: (إنها إزاره): يقول: ليأتزر بها.
وقوله: (ثم رجع فطواها): يعني: رجع بعد قيامه من مجلسه.
وقوله: (لا يرد سائلًا) أي: فيما يجد وفيما ينبغي أن يجاب سائله.
وقوله: (لتكون كفني): رجاء بركتها لما صارت شعاره ولصقت بجسده.
وكذلك قال: أشعرنها إياه يعني: حقوه. وسأله عبد الله بن أُبي في قميصه في يلي جسده ليكفن والده فيه فأجاب
(1)
.
(1)
سلف الحديث برقم (1269) كتاب: الجنائز، باب: الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف، ومن كفن بغير قميص، ورواه مسلم (2400) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه. من حديث ابن عمر.
32 - باب النَّجَّارِ
2094 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: أَتَى رِجَالٌ إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ يَسْأَلُونَهُ عَنِ المِنْبَرِ، فَقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى فُلَانَةَ -امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ-: "أَنْ مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ، يَعْمَلُ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ". فَأَمَرَتْهُ يَعْمَلُهَا مِنْ طَرْفَاءِ الغَابَةِ ثُمَّ جَاءَ بِهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ. [انظر: 377 - مسلم: 544 - فتح: 4/ 319]
2095 -
حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا. قَالَ:"إِنْ شِئْتِ". قَالَ: فَعَمِلَتْ لَهُ المِنْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبَرِ الذِي صُنِعَ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ التِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَنْشَقَّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ. قَالَ:"بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ". [انظر: 449 - فتح: 4/ 319]
ذكر فيه حديث أَبِي حَازِمٍ قَالَ: أَتَى رِجَالٌ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ يَسْأَلُونَهُ عَنِ المِنْبَرِ، فَقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى فُلَانَةَ -امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ-: "مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ، يَعْمَلُ أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ" .. الحديث.
وحديث جَابِرٍ: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ: يا رَسُولِ اللهِ، أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا .. الحديث.
وقد سلفا في الجمعة
(1)
، وظاهرهما التعارض؛ فإن في الأول: أنه عليه السلام بعث إليها، وفي الثاني: أنها قالت ذلك، فيجوز أن يكون أرسل
(1)
سلفا برقم (917 - 918) باب: الخطبة على المنبر.
إليها بذلك ثم أرسلت فقالت، أو تكون ابتدأته، ثم بعث إليها أن مريه، فحفظ كل واحد بعض القصة.
وكان اتخاذه سنة سبع، وقيل: سنة ثمان. حكاه ابن التين عن الشيخ أبي محمد. وكان من طرفاء الغابة، وصانعه غلام لسعد بن عبادة، قاله مالك، أو غلام العباس، أو غلام امرأة من الأنصار أو غير ذلك كما سلف في موضعه. قال ابن فارس: ناقة طرفة: ترعى أطراف المراعي ولا تختلط بالنوق، والطرفاء: شجرة معروفة
(1)
.
وقوله: (فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها): كذا هنا. وفي لفظ: (حنت حنين الناقة التي فارقت ولدها)
(2)
. وفي آخر (سمع للجذع مثل أصوات العشار)
(3)
، وقد أسلفنا أنه نزل فضمه، وقال:
"لو لم أضمه لحن إلى قيام الساعة"
(4)
.
وفيه: رد على القدرية؛ لأن الصياح ضرب من الكلام، وهم لا يجوزون الكلام إلا من حي ذي فم ولسان، كأنهم لم يسمعوا قوله:{وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} الآية [فصلت: 21].
و (تئن): بكسر الهمزة، يقال: أنَّ يئن أنينًا وأنانًا: بكت على ما كانت تسمع من الذكر.
(1)
"المجمل" 2/ 594.
(2)
رواه أحمد 3/ 293.
(3)
انظر ما سلف برقم (918)، وما سيأتي برقم (3585).
(4)
رواه ابن ماجه (1415) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في بدء شأن المنبر، وأحمد 1/ 249 - 363، والدارمي 1/ 182 (39) باب: ما أكرم النبي صلى الله عليه وسلم من حنين المنبر، والضياء في "المختارة" 5/ 38 (1645)، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 2/ 16: إسناد صحيح رجاله ثقات، وصححه الألباني في "الصحيحة"(2174).
وقوله: (حتى استقرت): أي سكنت، من قر يقر، إذا سكن. وفيه معنى آخر أي: قل صوتها شيئًا فشيئًا حتى سكنت.
وفيه: أن الأشياء التي لا روح لها تعقل، إلا إنها لا تتكلم حتى يؤذن لها. وإنما كان عليه أفضل الصلاة والسلام يقبل هدايا أصحابه ويأكل معهم ويستوهب منهم؛ لأنه أب لهم رحيم بهم رفيق. وأطيب
ما أكل الرجل من كسب يده وولده من كسبه.
ومنه قول لوط صلوات الله وسلامه عليه: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} [هود: 78] أي: أيامى نساء أمتي، قاله مجاهد
(1)
، وهو حسن، أو كان في شرعه تزويج الكافر المسلمة، أو هؤلاء بناتي إن أسلمتم. وقال عكرمة: أراد انصرافهم ولم يعرض عليهم شيئًا لا بناته ولا بنات أمته.
وقوله {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: 61]، ولم يذكر بيوت الأبناء؛ لأنها داخلة في بيوتكم.
وفيه: المطالبة بالوعد، والاستنجاز فيه، وتكليف سيد العبد ما يفعله العبد، ولا يسأل عن طيب نفس العامل بما علم وكلام ما لا يعرف له كلام: الجمادات وشبهها كما سلف، وكانت هذِه آية معجزة أراد الله تعالى أن يريها عباده ليزدادوا إيمانًا، وما جرى على مجرى الإعجاز فهو خرق للعادات.
قال ابن بطال: وأما نحن بيننا فلا يجوز كلام الجمادات إلينا
(2)
.
قلت: لا امتناع في ذلك.
(1)
رواه الطبري 7/ 82 - 83 (18389 - 18390)، وابن أبي حاتم 6/ 2062 (11088).
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 226 - 227.
33 - باب شِرَاءِ
(1)
الحَوَائِجِ بِنَفْسِهِ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: اشْتَرَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَمَلًا مِنْ عُمَرَ. [2115] واشْتَرَى ابن عُمَرَ بِنَفْسِهِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: جَاءَ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ، فَاشْتَرَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ شَاةً. [2116] وَاشْتَرَى مِنْ جَابِرٍ بَعِيرًا. [انظر: 443]
ثم ساق حديث عائشة: قَالَتِ: اشْتَرى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ.
الشرح:
حديث عائشة سلف
(2)
. والغَنَمُ: اسم للشاة والمعز، لا واحد لها من لفظها، والجمع: أغنام فإذا أرادوا واحدة قالوا: شاة، صرح به القزاز.
وفيه: ما بوب له، وهو مباشرة الشريف والإمام والعالم شراء الحوائج بنفسه وإن كان له من يكفيه؛ إيثارًا للتواضع وخروجًا عن أحوال المتكبرين؛ لأنه لا يشك أحد أن جميع الأمة كانوا حراصًا على كفاية ما يعن له من أموره، وما يحتاج إلى التصرف فيه رغبة منهم في دعوته وتبركًا بذلك.
(1)
ورد بهامش الأصل: (الإمام)، وعلَّم عليها أنها نسخة. ونسبها الحافظ في "الفتح" 319/ 4 لأبي ذر الهروي.
(2)
الحديث السابق (2068).
34 - باب شِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالحَمِيرِ
(1)
وَإِذَا اشْتَرَى دَابَّةً أَوْ جَمَلًا وَهُوَ عَلَيْهِ، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ؟ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: "بِعْنِيهِ". يَعْنِى جَمَلًا صَعْبًا.
2097 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ، فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا، فَأَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"جَابِرٌ؟ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟ ". قُلْتُ: أَبْطَأَ عَلَيَّ جَمَلِي وَأَعْيَا فَتَخَلَّفْتُ. فَنَزَلَ يَحْجُنُهُ بِمِحْجَنِهِ، ثُمَّ قَالَ:"ارْكَبْ". فَرَكِبْتُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"تَزَوَّجْتَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ ". قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: "أَفَلَا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ؟! ". قُلْتُ: إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ، وَتَمْشُطُهُنَّ، وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ. قَالَ:"أَمَّا إِنَّكَ قَادِمٌ، فَإِذَا قَدِمْتَ فَالكَيْسَ الكَيْسَ". ثُمَّ قَالَ: "أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟ ". قُلْتُ نَعَمْ. فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلِي، وَقَدِمْتُ بِالغَدَاةِ، فَجِئْنَا إِلَى المَسْجِدِ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ، قَالَ:"الآنَ قَدِمْتَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَدَعْ جَمَلَكَ، فَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ". فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَزِنَ لَهُ أُوقِيَّةً. فَوَزَنَ لِي بِلَالٌ، فَأَرْجَحَ فِي المِيزَانِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى وَلَّيْتُ فَقَالَ:"ادْعُ لِي جَابِرًا". قُلْتُ: الآنَ يَرُدُّ عَلَيَّ الجَمَلَ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ. قَالَ:"خُذْ جَمَلَكَ وَلَكَ ثَمَنُهُ". [انظر: 443 - مسلم: 715 - فتح: 4/ 320]
ثم ساق حديث جَابِرٍ في بيع الجمل.
(1)
ورد بهامش الأصل: (والحُمُر) وعلَّم عليها أنها نسخة.
حديث جابر هذا أخرجه البخاري في نحو عشرين موضعًا ستمر بك إن شاء الله، وسلف منها: الصلاة إذا قدم من سفر
(1)
، وبعضه في الحج
(2)
.
في حديث عمر: ركوب الجمل الصعب؛ لأنه بين بعد في باب: إذا اشترى شيئًا فوهب من ساعته، أن ابن عمر كان راكبًا عليه
(3)
؛ فلذلك بوب عليه هنا.
وقول جابر: (كنت في غزوة).
فيه: ذكر العمل الصالح ليأتي بالأمر على وجهه لا يريد فخرًا.
وقوله: "ما شأنك؟ ".
فيه: تفقد لأحوال صحابته وذكرهم له ما ينزل بهم عند سؤاله.
وقوله: (فتخلفت فنزل يحجنه بمحجنهِ): فيه نزول الشارع لأصحابه.
ومعنى يحجنه: يضربه بالمحجن -بكسر الميم- عصا محنية الرأس كالصولجان.
وقال ابن فارس: خشبة في طرفها انعقاف، واحتجنتُ بها الشيء
(4)
.
وفيه: ضرب الدواب.
وقوله: (أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فيه: توقيره، وهو واجب من غير شك.
وقوله: "أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك".
(1)
برقم (443).
(2)
برقم (1801).
(3)
برقم (2115).
(4)
"المجمل" 2/ 266 مادة: حجن.
فيه: حض على تزويج البكر، وعلى ما هو أقرب لطول الصحبة والمودة وما تستريح إليه النفوس؛ لما فيها من طبع البشرية والضعف، وقيل: معنى تلاعبها: من اللعاب لا اللعب، يؤيده رواية البخاري في
موضع آخر: "فأين أنت من الأبكار ولعابها
(1)
"
(2)
بضم اللام كما قيده المستملي.
وقوله: " إنهن أطيب أفواهًا".
وفيه: اعتذار جابر بأخواته.
وقوله: "أما إنك قادم ": يحتمل أن يكون إعلامًا وإن قدمت، قاله الداودي. و"الكيس الكيس" أي: الجماع، كما قاله ابن الأعرابي؛ لما فيه. والغسل من الأجر والكيس: العقل جعل طلب الولد عقلًا. وفي البخاري في موضع آخر الكيس: الولد
(3)
، ولعله حضه على طلب الولد واستعمال الكيس والرفق فيه إذا كان لا ولد له إذ ذاك، وقيل: أمره أن يتحفظ لئلا تكون حائضًا. والكيس: شدة المحافظة على الشيء، وقيل: حضه على الولد؛ ليكثر الإسلام ويعملوا بشرائعه.
وفيه: سؤال رب السلعة للبيع وإن لم يعرضها له.
وفيه: وزن ما يباع به: لقوله: "بأوقية".
وفيه: الاستعجال للمقدوم.
وقوله: (وقدمت بالغداة)، أي: غداة اليوم في قدم فيه عليه السلام.
(1)
ورد بهامش الأصل: رجح في "المطالع" أن تلاعبها من الملاعبة، ولم يذكر الضم في اللعاب إلا عن أبي الهيثم فقط وقدم عليه اللمز.
(2)
سيأتي برقم (5080) كتاب: النكاح، باب: تزويج الثيبات.
(3)
سيأتي برقم (5246) كتاب: النكاح، باب: طلب الولد.
وقوله: (فوزن لي أوقية) هكذا هو بالألف، وادعى ابن التين أنه وقع بدونها
(1)
.
وفيه: التوكيل في القضاء، قاله الداودي.
وفيه: الرجحان في الوزن، ولعله كان يأمره
(2)
الوكيل، والوكيل لا يرجح إلا بالإذن. ومذهب مالك والشافعي والكوفيين: أن الزيادة في البيع من البائع والمشتري والحط من الثمن يجوز، سواء قبض الثمن أم لا، على حديث جابر، وهي عندهم هبة مستأنفة. وقال ابن القاسم: هبة، فإن وجد بالمبيع عيبًا رجع بالثمن في الهبة. وقال أبو حنيفة: إن كانت الزيادة فاسدة لحقت بالعقد وأفسدته، وخالفه صاحباه
(3)
.
وقال الطحاوي: لا تجوز الزيادة في البيع
(4)
. وترك أصحابنا فيه القياس، ورجعوا إلى حديث جابر، وسنوضح ذلك في باب: استقراض الإبل.
واختلفوا في أحكام الهبة فعند مالك: أنها تجوز وإن لم تقبض.
وعند الشافعي والكوفيين: لا تجوز حتى تقبض، كما ستعرفه في أحكامها في بابه.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: وهي لغة لبعضهم وقد رأيت في بعض روايات مسلم، وقال النووي فيما رواه ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقد ذكرها البخاري في باب: إذا اشترط البائع ظهر الدابة قال ذكرها مسلم فيه، وجاءت فيها أحاديث أخر انتهى وفي "المطالع" أن الخطابي حكاه وعنده باب، وحكاه اللحياني.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: وفي الصحيح أمره به.
(3)
انظر: "المبسوط"(13/ 123، 14/ 85)، "بدائع الصنائع" 5/ 259، "المنتقى" 5/ 13، "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 390، "أنوار البروق" 3/ 284، "المجموع" 9/ 462، "مسائل الكوسج"(2233).
(4)
"شرح معاني الآثار" 4/ 48.
وفيه: جواز هبة المبتاع ورد ما اشتراه، وكذا فعل في جمل عمر كما سيأتي
(1)
.
وقد اختلف أهل العلم في البيع هل القبض شرط في صحته أم لا؟
على قولين: أحدهما: لا، وأن البيع يتم بالقول غير الربوي، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق
(2)
.
وثانيهما: نعم، وإنه من تمام العقد، فإن تلف قبل قبضه فمن ضمان بائعه. قال ابن المنذر: وقد وهب الشارع الجمل من جابر قبل أن يقبضه، وإذا جاز أن يهبه المشتري للبائع قبله، جاز أن يهبه لغيره وجاز بيعه، وأن يفعل فيما اشتراه ما يفعله المالك فيما ملكه، وليس مع من خالف هذا سنة يدفع بها هذِه السنة الثابتة.
(1)
برقم (2115).
(2)
انظر: "المدونة" 3/ 165 - 167، "التفريع" 2/ 130، "مسائل الكوسج"(1786، 1806، 1821، 1845، 1847)، "مسائل صالح"(1287)، "مسائل ابن هانئ"(1175)، "الروايتين والوجهين" 1/ 326 - 327، "المغني" 7/ 188.
35 - باب الأَسْوَاقِ التِي كَانَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَتَبَايَعَ بِهَا النَّاسُ فِي الإِسْلَامِ
.
2098 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو المَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلَامُ تَأَثَّمُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِيهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [البقرة: 198] فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ، قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا.
ذكر فيه حديث ابن عباس: كَانَتْ عُكَاظ وَمَجَنَّةُ
…
إلى آخره.
سلف في الحج
(1)
. وفقهه أن الناس تجروا قبل الإسلام وبعده، وأن التجارة في الحج وغيره جائزة، وأن ذلك لا يحط أجر الحج إذا أقام الحج على وجهه وأتى بجميع مناسكه؛ لأن الله تعالى قد أباح لنا
الابتغاء من فضله.
وفيه: أن مواضع المعاصي وأفعال الجاهلية لا تمنع من فعل الطاعة فيها؛ بل يستحب توخيها وقصدها بالطاعة وبما يرضي الرب جل جلاله، ألا ترى أنه عليه السلام أباح دخول حجر ثمود لمن دخله متعظًا باكيًا خائفًا من النقمة ونزول السطوة.
وقوله: (فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها)، ومعنى (تأثموا): تحرجوا من الإثم: كفوا عنه، وأثم: ثلاثي إذا وقع في الإثم، فصار مثل حرج إذا وقع في الحرج وتحرج إذا كف.
(1)
برقم (1770) باب: التجارة أيام الموسم.
36 - باب شِرَاءِ الإِبِلِ الهِيمِ أَوِ الأَجْرَبِ
الهَائِمُ: المُخَالِفُ لِلْقَصْدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
2099 -
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: كَانَ هَا هُنَا رَجُلٌ اسْمُهُ نَوَّاسٌ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ إِبِلٌ هِيمٌ، فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما فَاشْتَرَى تِلْكَ الإِبِلَ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ شَرِيكُهُ فَقَالَ: بِعْنَا تِلْكَ الإِبِلَ. فَقَالَ: مِمَّنْ بِعْتَهَا؟ قَالَ: مِنْ شَيْخٍ، كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: وَيْحَكَ ذَاكَ -وَاللهِ- ابْنُ عُمَرَ. فَجَاءَهُ فَقَالَ: إِنَّ شَرِيكِي بَاعَكَ إِبِلًا هِيمًا، وَلَمْ يَعْرِفْكَ. قَالَ: فَاسْتَقْهَا. قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبَ يَسْتَاقُهَا فَقَالَ: دَعْهَا، رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا عَدْوَى". سَمِعَ سُفْيَانُ عَمْرًا. [2858، 5093، 5094، 5772 - مسلم: 2225 - فتح: 4/ 321]
حَدثَنَا عَلِيُّ بن عبد الله، ثَنَا سُفْيَانُ قال: قَالَ عَمْرٌو: كَانَ هَا هُنَا رَجُلٌ أسْمُهُ نَوَّاسٌ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ إبل هِيمٌ، فَذَهَبَ ابن عُمَرَ فَاشْتَرى تِلْكَ الإِبِلَ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ شَرِيكُهُ فَقَالَ: بِعْنَا تِلْكَ الإِبِلَ. فَقَالَ: مِمَّنْ بِعْتَهَا؟ قَالَ: مِنْ شَيْخِ، كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: وَيْحَكَ -والله- ذاك ابن عُمَرَ. فَجَاءَهُ فَقَالَ: إِن شَرِيكِي بَاعَكَ إبلًا هِيمًا، وَلَمْ يَعْرِفْكَ. قَالَ: فَاسْتَقْهَا، فَلَمَّا ذَهَبَ يَسْتَاقُهَا قَالَ: دَعْهَا، قد رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا عَدْوى". سَمِعَ سُفْيَانُ عَمْرًا.
هذا السياق تفرد به البخاري.
وقوله: (سمع سفيان عمرًا)، هو كما قال، وقد قال عبد الله بن الزبير الحميدي: حدثنا سفيان، ثنا عمرو بن دينار، وزاد: وكان نواس يجالس ابن عمر وكان يضحكه، فقال يومًا؛ وددت أن لي أبا قبيس ذهبًا.
فقال له ابن عمر: ما تصنع به؟ قال: أموت عليه، فضحك
ابن عمر
(1)
.
إذا عرفت ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها: (نواس) بفتح النون وكسرها، قال صاحب "المطالع": عند الأصيلي، والكافة نَوَّاس، وعند القابسي: نِوَاس بكسر النون وتخفيف الواو، وعند بعضهم: نواسي.
ثانيها: (الإبل) -بكسر الباء والتخفيف- اسم واحد يقع على الجميع ليس بجمع ولا باسم جمع، إنما هو دال عليه، وجمعها: إبال.
وعن سيبويه: إبلان، ذكره في "المخصص"
(2)
.
والهيم: هي التي أصابها الهيام: داء لا تروى معه من الماء، بضم الهاء وبالكسر اسم الفعل ومنه قوله تعالى {شُرْبَ الهِيمِ} [الواقعة: 55] وقيل: في الآية غير هذا، وقيل: هو داء يكون معه الجرب؛ ولهذا ترجم عليه البخاري، ويدل عليه قول ابن عمر حين تبرأ إليه بائعها من عيبها: رضيت بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا عدوى" وقيل: الهيم جمع الأهيم والهيماء، قال ذلك الخطابي وهو: العطشان الذي لا يروى، قال: ولا أعرف للعدوى في الحديث معنى، إلا أن تكون إذا رعت مع سائر الإبل وتركت معها ظن بها العدوى، وقد تكون من الهيام: وهو جنون يصيبها فلا تلزم القصد في سيرها
(3)
.
قلت: للعدوى معنى ظاهر؛ ولذلك قال ابن عمر: رضيت بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحة هذا البيع، على ما فيه من التدليس والعيب ولا عدوى عليك ولا عليه، ولا أرفعكما إلى حاكم ولا ظلم ولا اعتداء.
(1)
"مسند الحميدي" 1/ 561 (722).
(2)
"المخصص"(2/ 125).
(3)
"أعلام الحديث" 2/ 1024 - 1025.
وعبارة ابن سيده: الهيام: داء يصيب الإبل عن بعض المياه بتهامة يصيبها مثل الحمى
(1)
. وقال الهجري: هو داء يصيبها عن شرب النجل إذا كثر طحلبه واكتنفت به الذبان
(2)
، جمع ذباب بضم الذال. قلت: وفي "نوادره": الهيام: من أدواء الإبل مجرور الهاء، وكل الأدواء بضم أولها، ثم أوضحه أكثر مما ذكره عنه ابن سيده وواحد الهيم أهيم، وهيماء في المؤنث.
وقول البخاري: (والهائم المخالف للقصد في كل شيء): أي: يهيم، يذهب على وجهه. واعترض ابن التين فقال: ليس الهائم واحد الهيم، فانظر لم أدخل البخاري هذا في تبويبه؟
قلت: وجهه لائح، فإن الإبل الهيم لما كانت تخالف القصد في قيامها وقعودها ودورها مع الشمس كالحرباء، كالرجل الهائم العاشق. قال ذلك. ولم يذكر ابن بطال غير قول صاحب "العين"
(3)
: الهيام كالجنون، ويقال: الهيوم أن يذهب على وجهه، والهيمان: العطشان
(4)
. وقال الهروي: هيم، أي: مراض تمص الماء مصًّا فلا تروى
(5)
، وقيل: لا تروى حتى تموت به. وكذا قال الداودي: التي لا تشرب من الماء إلا قليلًا وهي عطاش، ومنه {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)} [الواقعة: 55] أي: لأنه {كَالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ} [الكهف: 29] فهم عطاش أبدًا.
(1)
"المحكم" 4/ 282.
(2)
انظر: "لسان العرب" 8/ 4740. مادة [هيم].
(3)
"العين" 4/ 101.
(4)
"شرح ابن بطال" 6/ 231.
(5)
انظر "النهاية في غريب الحديث" 5/ 289.
ثالثها: كلمة: (ويح) للرحمة، كما قاله ابن سيده
(1)
، وقيل: ويحه كويله، وقيل: ويح تقبيح، وفي "المجمل" عن الخليل: لم يسمع على بنائه إلا ويس وويه وويل وويك. وعن سيبويه: ويح: كلمة زجر لمن أشرف على الهلكة
(2)
، وقيل: لمن وقع فيها، وكذا فرق الأصمعي بين ويح وويل فقال: ويل تقبيح، وويح ترحم، وويس تصغيرها. وفي "التهذيب": ويح: كلمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها؛ بخلاف ودل: فإنها للذي يستحقها
(3)
.
وقوله: (فاستقها)، يحتمل أن يكون قاله مجمعًا على رد المبيع أو مختبرًا هل الرجل مغتبط بها أم لا؟
وفيه من الفقه: شراء المعيب وبيعه إذا كان البائع قد عرَّف [عيبه]
(4)
ورضيه (المشتري)
(5)
.
وليس ذلك من الغش إذا بين له. وأما ابن عمر فرضي بالعيب والتزمه، فصحت الصفقة فيه. وفيه: تجنب ظلم الصالح؛ لقوله: ويحك ذاك ابن عمر.
ومعنى "لا عدوى"، في الحديث هي ما كانت الجاهلية تعتقده، ويجوز أن يكون من الاعتداء وهو العدوان والظلم، وحديث:"لا يورد ممرض على مصح"
(6)
خشية أن يصيب المصح شيء فيظن أنه منه.
(1)
"المحكم" 4/ 29.
(2)
"المجمل" 3/ 913.
(3)
"تهذيب اللغة" 4/ 3968 - 3969 مادة: ويح.
(4)
في الأصل: بيعه، والصواب ما أثبتناه.
(5)
من (م).
(6)
سيأتي برقم (5771) كتاب: الطب، باب: لا هامة، ورواه مسلم (2221) كتاب: السلام، باب: لا يورد ممرض على مصح. من حديث أبي هريرة.
37 - باب بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الفِتْنَةِ وَغَيْرِهَا
وَكَرِهَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ بَيْعَهُ عند الفِتْنَةِ.
2100 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ -مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ، -فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلَامِ. [3142، 4321، 4322، 7170 - مسلم: 1751 - فتح: 4/ 322]
ثم ساق من حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ، فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلَامِ.
الشرح: أثر عمران ذكره عبد الله بن أحمد في "علله" فقال: سألت ابن معمر، عن محمد بن مصعب القرقساني، فقال: ليس بشيء، وكان لي رفيقًا فحدثنا عن أبي الأشهب، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين: أنه كره بيع السلاح في الفتنة، فقلنا لمحمد بن مصعب: هذا يرويه عن أبي رجاء قوله، فقال: هكذا سمعه. ثم قال: يحيى لم يكن من أصحاب الحديث
(1)
. قال عبد الله: وسمعت أبي، ذكر محمد بن
مصعب فقال: لا بأس به
(2)
. فقلت: أنكر يحيى عليه حديث أبي رجاء إذ رواه عن عمران قوله. فسكت.
وفي "تاريخ الخطيب" رواه محمد بن مصعب أيضًا مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
، وكذا هو في كتاب "البيوع" لابن أبي عاصم، ورواه
(1)
"العلل ومعرفة الرجال" 1/ 492 (1142)، 2/ 596 - 597 (3829).
(2)
المصدر السابق 2/ 599 (3840) وفيه: قال: لا بأس به، وحدثنا عنه بأحاديث كثيرة.
(3)
"تاريخ بغداد" 3/ 394.
ابن عدي في "كامله" من حديث بحر بن كنيز السقاء -وهو ضعيف- عن عبيد الله بن القبطي عن أبي رجاء عن عمران
(1)
.
وحديث أبي قتادة أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، والبخاري مطولًا بقصة
تأتي
(3)
، وأسقط هنا ما لم يتم الكلام إلا به، وهو أنه قتل رجلًا من الكفار فأعطاه عليه السلام درعه. والبخاري أراد بيع الدرع فذكر موضعه فقط، وذكر في الأحكام:
وقال لي عبد الله بن صالح، عن الليث: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه إليّ
(4)
، وقد ساقها مرة أخرى كذلك متصلًا
(5)
.
(1)
"الكامل في ضعفاء الرجال" 2/ 229 - 230 في ترجمة بحر بن كنيز (287).
ورواه البيهقي في "سننه" 5/ 327 كتاب: البيوع، باب: كراهية بيع العصير ممن يعصر الخمر، والسيف ممن يعصي الله عز وجل به، من طريق ابن عدي، وقال: بحر السقاء ضعيف لا يحتج به.
ورواه أيضًا 5/ 327 من طريق محمد بن مصعب القرقساني، عن أبي الأشهب، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين موقوفًا، وقال: رفعه وهم، والموقوف أصح، ويروى ذلك عن أبي رجاء، من قوله.
وروى ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 8/ 103 في ترجمة محمد بن مصعب من أصحاب الحديث، كان مغفلًا، حدث عن أبي رجاء عن عمران بن حصين، كره بيع السلاح في الفتنة، وهو كلام أبي رجاء.
وقال الحافظ في "الفتح": رواه ابن عدي والطبراني، وإسناده ضعيف.
وقال في "التلخيص" 3/ 18 رواه ابن عدي والبزار والبيهقي مرفوعًا، وهو ضعيف والصواب وقفه.
وضعفه الألباني في "الإرواء"(1296).
(2)
مسلم (1751).
(3)
سيأتي برقم (3142) كتاب: فرض الخمس، باب: من لم يخمس الأسلاب.
(4)
سيأتي برقم (7170) باب: الشهادة تكون عند الحاكم.
(5)
سيأتي برقم (4322) كتاب: المغازي، باب: قول الله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} .
والذي شهد لأبي قتادة بالقتل: الأسود بن خزاعي وعبد الله بن أنيس -قاله المنذري
(1)
، وفي الإسناد: ابن أفلح
(2)
، وهو عمر بن كثير بن أفلح وأبو محمد مولى أبي قتادة واسمه: نافع
(3)
.
وبنو سلِمة -بكسر اللام- بطن من الأنصار، واعترض الإسماعيلي فقال: الحديث ليس في شيء من ترجمة الباب. وليس كما ذكر فإنه ذكر للترجمة على بيع السلاح في الفتنة أثر عمران، وعلى قوله وغيرها حديث أبي قتادة: إذ باع السلاح في غير أيام الفتنة، أو يقال: إن الرجل لما قال: سلب ذلك القتيل عندي فارضه فكأنه بمنزلة البيع وذلك وقت فتنة؛ لأن الرضى لا يكون إلا مع مقارنة التماثل.
والمخرف: بفتح الميم وكسر الراء وعكسه وفتحها: البستان. وقيل: الحائط من النخل يخترف فيه الرطب أي: يُجتنى، وقيل: بالكسر ما يجنى فيه الثمر أو ما يقطع به، وبالفتح: الحائط من النخل، وقال ابن سيده: المخرف: القطعة الصغيرة من النخل لست أو سبع يشتريها الرجل للخرفة
(4)
.
(1)
انظر: "تفسير الطبري" 8/ 9.
(2)
هو عمر بن كثير بن أفلح المدني، مولى أبي أيوب الأنصاري. روى عن: سفينة وابن عمر وكعب بن مالك وغيرهم. روى عنه: سعد بن سعيد الأنصاري ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهما، وثقه النسائي وابن حبان. انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" 6/ 188 (2125)، "ثقات ابن حبان" 7/ 166، "تهذيب الكمال" 21 (491)(4298).
(3)
هو نافع بن عباس، ويقال: عياش الأقرع. روى عن: أبي قتادة الأنصاري وأبي هريرة وغيرهما. روى عنه: صالح بن كيسان والزهري وغيرهما.
وثقه النسائي وابن حبان وغيرهما. انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 8/ 453 (2073)، "ثقات ابن حبان" 5/ 468، "تهذيب الكمال" 29/ 278 (6361).
(4)
"المحكم" 5/ 105.
و (تأثلته): جعلته أصل مالي مأخوذ من الأثلة وهو الأصل، والآثال بالفتح: المجد، وبالضم: اسم جبل وبه سُمي الرجل قال:
ولكنما أسعى لمجد مؤثل
…
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
(1)
أي: المجد في له أصل.
إذا تقرر ذلك فإنما كره بيع السلاح في الفتنة؛ لأنه من باب التعاون على الإثم وذلك منهي عنه. فأما بيعه في غيرها فمباح وداخل في عموم {وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ} [البقرة: 275] وقال ابن التين: لعله في فتنة لا يعرف الظالم من المظلوم فيها وإلا فلو علمنا بيع من المظلوم ولم يبع من الظالم.
قلت: ومن الأول بيع العنب لعاصر الخمر فإنه حرام وباطل عند مالك، يفسغ البيع فيه
(2)
. وخالف الثوري فقال: لا كراهة بع حلالك ممن شئت
(3)
.
وفيه ذكر الرجل الصالح بصالح عمله.
فائدة: حنين: سنة ثمان
(4)
، وهو واد بين مكة والطائف على ثمانية عشر ميلًا من مكة
(5)
.
(1)
البيت من قول امرئ القيس، وانظر:"لسان العرب" 1/ 28 مادة [أثل].
(2)
انظر: "المنتقى" 3/ 158.
(3)
انظر: "المغني" 6/ 317 - 318.
(4)
انظر تفاصيل الغزوة في: "سيرة ابن هشام" 4/ 65، و"الكامل" لابن الأثير 2/ 261، و"البداية والنهاية" 4/ 718.
(5)
انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 471، و"معجم البلدان" 2/ 313.
38 - باب فِي العَطَّارِ وَبَيْعِ المِسْكِ
2101 -
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ، لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً".
ذكر فيه حديث أبي موسى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ، لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً".
هذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في الذبائح
(1)
، والمسك طاهر بالإجماع، ولا عبرة بخلاف الشيعة أن أصله دم.
قال ابن بطال: واختلف فيمن استحب المسك ومن كرهه، والحديث حجة على الجواز؛ لأنه عليه السلام ضرب مثل الجليس الصالح بصاحب المسك، وأخبر بعادة الناس في شرائه ورغبتهم في شمه، ولو لم يجز شراءه لبينه، وقد حرم الله بيع الأنجاس واستعمال روائح الميتة، فلا معنى لقول من كرهه، وإنما خرج كلامه عليه السلام في هذا الحديث على المثل في النهي على مجالسة من يتأذى بمجالسته، كالمغتاب والخائض في الباطل، والندب إلى مجالسة من ينال في مجالسته الخير، من ذكر الله وتعلم العلم وأفعال البر كلها، وقد روي
(1)
برقم (5534) باب: المسك.
عن إبراهيم الخليل أنه كان عطارًا، فيما ذكره ابن بطال
(1)
.
ووجه إدخاله هذا الحديث في الذبائح؛ ليدل على تحليله؛ إذ أصله التحريم؛ لأنه دم فلما تغير عن الحالة المكروهة من الدم وهي الزهم وقبح الرائحة صار حلالًا بطيبها، وانتقلت حاله، وكانت حاله كحال الخمر، فتحل بعد أن كانت حرامًا بانتقال الحال. وأصل هذا في كتاب الله تعالى في قصة موسى {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا} [طه: 20، 21] فحكم لها بما انتقلت إليه، وأسقط عنها حكم ما انتقلت عنه.
وحديث الباب حجة في طهارة المسك؛ لأنه لا يجوز حمل النجاسة في الصلاة ولا يأثم بذلك؛ فدل على طهارته، وممن أجاز الانتفاع به: علي
(2)
، وابن عمر
(3)
، وأنس
(4)
، وسلمان الفارسي
(5)
، ومن التابعين: سعيد بن المسيب
(6)
، وابن سيرين
(7)
، وجابر بن زيد
(8)
، ومن الفقهاء:
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 232 بتصرف.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 461 (11036) كتاب: الجنائز، في المسك في الحنوط من رخص فيه، وابن المنذر في "الأوسط" 2/ 295 (891)، والبيهقي في "سننه" 3/ 405 - 406 كتاب: الجنائز، باب: الكافور والمسك للحنوط.
(3)
رواه عبد الرزاق 3/ 414 (6139 - 6141) كتاب: الجنائز، باب: الحفاظ، وابن أبي شيبة 2/ 461 (11032 - 11033، 11038)، وابن المنذر 2/ 294 (889)، والبيهقي 3/ 406.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 460 (11031)، وابن المنذر في "الأوسط" 2/ 294 - 295 (890)، والبيهقي 3/ 406.
(5)
ذكره ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 294.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 461 (11034).
(7)
رواه عبد الرزاق 3/ 414 (6138)، وابن أبي شيبة 5/ 307.
(8)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 461 (11034). وانظر: "الأوسط" لابن المنذر 2/ 294 - 295.
الليث والأربعة وإسحاق
(1)
.
وممن خالف في ذلك عمر فيما ذكره ابن أبي شيبة، أنه كره المسك وقال: لا تحنطوني به
(2)
، وكرهه عمر بن عبد العزيز
(3)
، وعطاء
(4)
، والحسن
(5)
، ومجاهد
(6)
، والضحاك
(7)
، وعن أكثرهم: لا يصلح للحي ولا للميت؛ لأنه ميتة، وهو عندهم بمنزلة ما قطع من الميتة ولا يصح ذلك إلا عن عطاء، كما قاله ابن المنذر
(8)
، والذي رأيته في "المصنف" عنه خلافه: إذ سئل: أطيب الميت بالمسك؟ قال:
نعم، أو ليس تجعلون في الذي تجمرونه المسك
(9)
. ثم ما قالوه قياس غير صحيح؛ لأن ما قطع من الحي يجري فيه الدم وليس هذا سبيل نافجة المسك؛ لأنها تسقط عند الاحتكاك كسقوط الشعر، وهو في معنى الجبن والبيض واللبن.
(1)
"المبسوط" 4/ 4، "تبيين الحقائق" 1/ 74، "فتح القدير" 1/ 204، "المدونة" 3/ 69، "المنتقى" 2/ 11، "الأم" 1/ 62، "قواعد الأحكام في مصالح الآنام" 2/ 164 وقال: والأصل في الطهارات أن يتبع الأوصاف المستطابة وفي النجاسة أن يتبع الأوصاف المستخبثة، "الفروع" 1/ 249، "الإنصاف" 1/ 329.
(2)
"المصنف" 2/ 461 (11039).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 461 (11040).
(4)
رواه عبد الرزاق 3/ 415 (6143)، وابن أبي شيبة 2/ 461 (11041).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 461 (11043)، 5/ 308 (26350).
(6)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 461 (11043)، 5/ 308 (26349).
(7)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 462 (11044)، 5/ 308 (26348).
وانظر: "الأوسط" 2/ 297.
(8)
"الأوسط" 2/ 297.
(9)
"المصنف" 2/ 461 (11035).
وفي أفراد مسلم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"المسك أطيب الطيب"
(1)
وهو نص يقطع الخلاف.
وفي "سنن أبي داود"
(2)
. كان له سكّة يتطيب بها
(3)
. وقال ابن المنذر: روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد: أنه كان له مسك يتطيب به.
وذكره البخاري هنا بلفظ "يحذيك" يعني: يعطيك. تقول العرب: حذوته وأحذيته، إذا أعطيته، والاسم الحذيا مقصور.
وفيه: الحض على صحبة الصالح وتجنب الجليس السوء، كما سلف.
وفي الحديث: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"
(4)
.
(1)
مسلم (2252)، وانظر:"الجمع بين الصحيحين" 2/ 477 (1837).
(2)
ورد بهامش الأصل: من خط الشيخ: لفظ أبي داود: "أطيب طيبكم المسك".
(3)
أبو داود (4162) كتاب: الترجل، باب: ما جاء في استحباب الطيب، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(4831).
(4)
روي هذا الحديث من طريقين عن أبي هريرة.
الأول: من طريق زهير بن محمد التميمي عن موسى بن وردان عن أبي هريرة مرفوعًا.
رواه من هذا الطريق: أبو داود (4833) كتاب: الأدب، باب: من يؤمر أن يجالس، والترمذي (2378) كتاب: الزهد، وأحمد 2/ 303، 334، والطيالسي 4/ 299 (2696)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" 352 (351)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(691)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 178 في ترجمة زهير بن محمد العنبري التميمي (714) والحاكم في "المستدرك" 4/ 171، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 141 - 142 (187 - 188)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 7/ 55 (9436)، وفي "الآداب"(285)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 4/ 115، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 236 (1206) والمزي في "تهذيب الكمال" 29/ 167. قال حديث غريب.
الثاني: من طريق صفوان بن سليم عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة مرفوعًا. =
وفيه: جواز اشتراء المسك وهو إجماع.
والكير: الموضع في يجمع فيه الحداد، قاله الداودي. وقيل: الفرن المبني، وقيل: الزق في ينفخ فيه.
وقوله: ("لا يَعدمك") بفتح الياء أي: لا يعدوك. قال ابن فارس: ليس يعدمني هذا الأمر. أي: ليس يعدوني
(1)
، وضبط في أصل الدمياطي بضم أوله وكسر ثالثه.
قال ابن التين: وهو ما ضبط هنا.
وفيه: إباحة المقايسات في الدين، استنبطه ابن حبان في "صحيحه"
(2)
.
فائدة: المسك مذكر، ومن أنثه ذهب إلى رائحته، وذكر المسعودي في "مروجه" أصله.
= رواه من هذا الطريق: الخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(692)، وابن حبان في "المجروحين" 1/ 107، والبيهقي في "الشعب" 7/ 55 (9438)، والبغوي في "شرح السنة" 13/ 70 (3486)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 236 - 237 (1207) وقال: حديث لا يصح عن رسول الله، فيه: إبراهيم بن أبي يحيى، قد كذبه مالك ويحيى بن معين وغيرهما. اهـ. ورواه أيضًا الحاكم في "المستدرك" 4/ 171 من طريق صدقة بن عبد الله عن إبراهيم بن محمد الأنصاري عن سعيد بن يسار. به، وقال: صحيح إن شاء الله تعالى ولم يخرجاه. وتعقبه الحافظ في "إتحاف المهرة" 15/ 15 (18773) قائلًا: كلا؛ فصدقة ضعيف، وشيخه مجهول. قال الدارقطني في "العلل" 8/ 324: المعروف من رواية موسى بن وردان عن أبي هريرة اهـ. وقال النووي في "رياض الصالحين"(367): رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح. وأيضًا صححه الألباني في "الصحيحة"(927).
(1)
"المجمل" 3/ 652 مادة: عدم.
(2)
"صحيح ابن حبان" 2/ 321.
39 - باب ذِكْرِ الحَجَّامِ
2102 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ. [2210، 2277، 2280، 2281، 5696 - مسلم: 1577 - فتح: 4/ 324]
2103 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ -هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ- حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الذِي حَجَمَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ.
ذكر فيه حديث أَنَسِ: حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ.
وحديث ابن عَبَّاسٍ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الذِي حَجَمَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ.
وأخرجهما مسلم، ولفظه في الأول: بصاع أو مد أو مدين
(1)
.
وله في الطب والبخاري: ولم يكن يظلم أحدًا أجره
(2)
، وفي لفظٍ: بصاعين من طعام
(3)
.
(1)
حديث أنس أخرجه مسلم (1577) كتاب: المساقاة، باب: حل أجرة الحجامة.
وحديث ابن عباس أخرجه مسلم (1202) كتاب: الحج، باب: جواز الحجامة للمحرم، وفي المساقاة بعد حديث (1577) برقم (1202/ 65).
(2)
سيأتي برقم (2285) كتاب: الإجارة، باب: خراج الحجام، ورواه مسلم (1577/ 177) بعد حديث (2208) كتاب: السلام، باب: لكل داء دواء، واستحباب التداوي.
(3)
سيأتي برقم (2277)، ورواه مسلم (1577).
ولمسلم من حديث ابن عباس: عبد لبني بياضة، وزاد تخفيف الضريبة
(1)
.
وقد سلف الكلام على كسب الحجام قريبًا في باب: موكل الربا، وحكينا فيه عدة أقوال.
وأبو طيبة: بفتح الطاء المهملة، اسمه دينار أو نافع أو ميسرة، أقوال. قال ابن الحذاء: عاش مائة وثلاثًا وأربعين سنة
(2)
.
وفيه: استعمال الأجير من غير تسمية أجرته وإعطاؤه قدرها وأكثر، قاله الداودي. وهذا غير جائز عند مالك
(3)
ولا غيره، ولعل محله أنهم كانوا يعلمون مقدارها فدخلوا على العادة. والحديث نص في إباحة ما تناوله، ولا وجه لكراهية أبي جحيفة لأجره، واستدلاله على ذلك بنهيه عن ثمن الدم.
وفيه: إشارة، أعنى: النهي عن رفع أمته عن الصناعات الوضيعة.
(1)
مسلم (1202/ 66) بعد حديث (1577).
(2)
انظر: "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 4/ 262 (3088)، و"أسد الغابة" 6/ 183 (6032)، و"الإصابة" 4/ 114 (682).
(3)
انظر: "المعونة" 2/ 109.
40 - باب التِّجَارَةِ فِيمَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
2104 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه بِحُلَّةِ حَرِيرٍ -أَوْ سِيرَاءَ- فَرَآهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ:"إِنِّي لَمْ أُرْسِلْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، إِنَّمَا يَلْبَسُهَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ، إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا". يَعْنِى: تَبِيعُهَا. [انظر: 886 - مسلم: 2068 - فتح: 4/ 325]
2105 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى البَابِ، فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ ". قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ القِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ". وَقَالَ: "إِنَّ البَيْتَ الذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ المَلَائِكَةُ". [3224، 5181، 5957، 5961، 7557 - مسلم: 2107 - فتح: 4/ 325]
ذكر فيه حديث ابن عمر
(1)
في إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه الحلة الحرير.
وحديث عائشة في النمرقة.
والحديثان في مسلم
(2)
، وللبخاري في الأول في طريق آخر:
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: حديث عمر تقدم في الجمعة، وتقدم من حديث ابنه في العيد.
(2)
حديث ابن عمر رواه مسلم (2068) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة ..
وحديث عائشة رواه مسلم (2107) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم تصوير صورة الحيوان ..
"لتبيعها أو لتكسوها". وقالا: حلة سيراء
(1)
. وفي الثاني: فأخذتها فجعلتها مرفقتين يرتفق بهما في البيت
(2)
. وفي رواية: (قرامًا) بدل: (نمرقة)
(3)
. والقرام: ثوب صوف ملون كما قال الخليل
(4)
، والنمرقة: جمعها نمارق، وهي الوسادة. قال ابن التين: ضبطناها في الكتب بفتح النون وضم الراء، وضبطه ابن السكيت بضمهما ويكسرهما
(5)
، ونمرق بغير هاء، قال: وذكرها القزاز بفتح النون وضم الراء ولم يضبطها، وقيل: هي المجالس ولعلها الطنافس. وضبطها في "المحكم" بضمهما وبكسرهما، ثم قال: قيل: التي يُلبَسُها الرَّحل
(6)
.
وفي "الجامع": نمرق تجعل تحت الرحل. وقال الجوهري: هي وسائد صغيرة، وربما سموا الطنفسة التي فوق الرحل نمرقة
(7)
. عن أبي عبيد: والسيراء برود يخالطها حرير
(8)
، قاله صاحب "العين"
(9)
، وقد سلف الكلام عليها في الجمعة.
إذا تقرر ذلك:
فالتجارة فيما يكره لبسه جائزة إذا كان في البيع منفعة لغير اللابس، بخلاف ما لا منفعة فيه مطلقًا، فإنه من أكل المال بالباطل.
(1)
سيأتي برقم (5841) كتاب: اللباس، باب: الحرير للنساء.
(2)
رواه مسلم (2107/ 96).
(3)
سيأتي من حديث عائشة برقم (5954)، ورواه مسلم (2107/ 91).
(4)
"العين" 5/ 159، مادة:(قرم).
(5)
"إصلاح المنطق" ص 134.
(6)
"المحكم" 6/ 393.
(7)
"الصحاح" 4/ 1561، مادة:(نمرق).
(8)
"غريب الحديث" 1/ 138.
(9)
"العين" 7/ 291، مادة:(سير).
وأما بيع الثياب التي فيها الصور المكروهة فظاهر حديث عائشة أن بيعها لا يجوز؛ لكن قد جاءت آثار
(1)
مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على جواز بيع ما يوطأ ويُمْتهن من الثياب التي فيها الصور، منها ستر عائشة سهوة لها بستر فيه تصاوير، فهتكه عليه السلام، فجعلته قطعتين فاتكأ عليه السلام على إحداهما، رواه وكيع عن أسامة بن زيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عنها
(2)
: وإذا تعارضت الآثار فالأصل الإباحة حتى يرد الحظر، ويحتمل أن يكون معنى حديث عائشة في النمرقة -لو لم يعارضه غيره- محمولًا على الكراهة دون التحريم، بدليل أنه عليه السلام لم يفسخ البيع في النمرقة التي اشترتها عائشة، وكأن البخاري اكتفي بذكر النمرقة عن لبس النساء. وقد يستنبط منه أنها للنساء عند الاختلاف في متاع البيت.
وقوله: (حَرِيرٍ أَوْ سِيرَاءَ) شك من الراوي.
وقوله: (فَرَآهَا عَلَيْهِ). قال الداودي: هو وهم، وقد سلف في العيد أنه أعطاها له فقال: كسوتنيها، وقد قلت في حلة عَطارد ما قلت؟ فقال:"إني لم أكسُكَها لتلبسها" فكساها عمر
(3)
أخًا له بمكة مشركًا
(4)
.
(1)
من ذلك ما سيأتي عن عائشة برقم (5954) كتاب: اللباس، باب: ما وطئ من التصاوير، ورواه مسلم 2107/ 91.
(2)
رواه من هذا الطريق ابن ماجه (3653)، وابن أبي شيبة 5/ 207 - 208 (25276). قال البوصيري في "الزوائد" (1242): رواه البخاري ومسلم من هذا الوجه خلا قوله: (فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئ على إحداهما) والباقي نحوه، وإسناد طريق ابن ماجه فيه أسامة بن زيد متفق على تضعيفه. اهـ.
والحديث سيأتي برقم (2479)، ومسلم (2107) من وجه آخر.
(3)
ورد بهامش الأصل: الظاهر أنه أخو أخيه زيد لأمه ثم رأيت بخط الدمياطي قيل: اسمه عثمان بن حكيم السلمي ( .... ) إنما أخوه لأمه زيد بن الخطاب لا عمر بن الخطاب ( ..... ).
(4)
سلف برقم (886) كتاب: الجمعة، باب: يلبس أحسن ما يجد.
وقيل: إنه أخوه من الرضاعة؛ لأنه لا يُعلم له أخ إلا زيد
(1)
.
والخلاق: النصيب. أي: من لا نصيب له في الآخرة.
و (الحلة): إزارٌ ورداءٌ، لا يسمى حلةً حتى يكونا ثوبين، قاله أبو عبيد
(2)
، وقد سلف.
و (الصُّوَرِ): بضم الصاد وفتح (الواو)
(3)
جمع صورة، قال ابن التين: وهذا ما سمعناه، ويجوز بسكون الواو.
قال الداودي: وهو ناسخ لكل ما جاء في الصور، لأنه خبر والخبر لا ينسخ، وما جاء من الرخصة فيما يمتهن فمنسوخ، لأن الأمر والنهي يدخله النسخ.
وقال غيره إن قوله: "إلا ما كان رقمًا في ثوب"
(4)
ناسخ لحديث الباب؛ لأن الرخصة نسخت الشدة، والخبر إذا قارن الأمر يجوز فيه النسخ، وقد قارنه أمر وهي العادة التي أمرهم أن لا يتخذوها ثم نسخت الإباحة.
وقوله: ("أَحْيُوا") هو بفتح الهمزة.
("مَا خَلَقْتُمْ") أي: ما قدرتم وصورتم بصور الحيوان.
(1)
قال الحافظ في "الفتح" 5/ 233: قال الدمياطي: إنما كان عثمان بن حكيم أخا زيد بن الخطاب أخي عمر- لأمه، أمهما أسماء بنت وهب.
قلت -أعني الحافظ- إن ثبت احتمل أن تكون أسماء بنت وهب أرضعت عمر؛ فيكون عثمان بن حكيم أخاه أيضًا من الرضاعة كما هو أخو أخيه زيد من أمه.
(2)
"غريب الحديث" 1/ 139.
(3)
في الأصل: الراء.
(4)
سيأتي برقم (3226) كتاب: بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم: آمين.
ومسلم (2106) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم تصوير صورة الحيوان.
والمراد بالملائكة: غير الحفظة. وقيل: ملائكة الوحي، أما الحفظة فلا تفارقه إلا عند الجماع والخلاء، كما أخرجه ابن عدي وضعفه
(1)
.
(1)
قلت: رواه الترمذي (2800) من طريق الأسود بن عامر: حدثنا أبو محياة عن ليث عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم".
قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأبو محياة اسمه يحيى بن يعلى.
ووجه المباركفوري قول الترمذي: حديث غريب، فقال: في سنده ليث بن أبي سليم، وكان قد اختلط أخيرًا ولم يتميز حديثه. اهـ "تحفة الأحوذي" 8/ 69.
وضعفه الألباني رحمه الله في "الإرواء"(64) وفي "ضعيف الجامع"(2194).
والحديث رواه البزار كما في "كشف الأستار"(317)، وكما في "مختصر زوائد مسند البزار" 1/ 181 (205)، والسراج في "حديثه" 2/ 202 (838) كلاهما عن محمد بن عثمان، عن عبيد الله بن موسى، عن حفص بن سليمان، عن علقمة بن مرثد، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ:"إن الله ينهاكم عن التعري، فاستحيوا من ملائكة الله الذين لا يفارقونكم إلا عند ثلاث حالات: الغائط والجنابة والغسل، فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بحذمة حائطٍ أو ببعيره". قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه، وحفص لين الحديث. ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 10/ 3408 (19177) من طريق وكيع، عن سفيان ومسعر، عن علقمة بن مرثد عن مجاهد، بنحو حديث ابن عباس، مرسلًا. وأورده الألباني في "الضعيفة"(2243) مرسلًا وموصولًا عن ابن عباس، وقال: ضعيف جدًّا.
ورواه الدارقطني في "العلل" 8/ 232، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 328 (538) من طريق أحمد بن عبدة، عن زياد البكائي، عن مسعر، عن علقمة بن مرثد، عن مجاهد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن التعري فإن الكرام الكاتبين لا يفارقان العبد إلا عند الخلاء، وعند خلوة الرجل بأهله.
وضعف الدارقطني حديثي ابن عباس وأبي هريرة المرفوعين.
وقال: والصحيح عن علقمة بن مرثد عن مجاهد. اهـ.
قلت: أي مرسلًا. =
وقال ابن عبد البر: لم يرخص في شيء منها في هذا الحديث، وإن كانت الرخصة وردت في غيره في هذا المعنى وأن ذلك يتعارض، وحديث عائشة هذا من أصح ما يُروى في هذا الباب، إلا أن في بعض الروايات ذكر الرخص فيما يرتفق ويتوسد، فالله أعلم بالصحيح في ذلك، ومن جهة النظر: لا يجب أن يقع المنع إلا بدليل لا منازع له، وحديث سهل بن حنيف مع أبي طلحة يعضد الاستثناء، أخرجه
مالك
(1)
.
ولم يدرك (ابن عتبة)
(2)
سهلًا ولا سمع أبا طلحة
(3)
، وإنما الحديث
= وفي الباب عن زيد بن ثابت مضعفًا. رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 146 (7739) من طريق سليمان بن النعمان، عن الحسن بن أبي جعفر، عن ليث، عن محمد بن عمرو، عن أبيه، عن زيد بن ثابت مرفوعًا:"ألم أنهكم عن التعري، إن معكم من لا يفارقكم في نوم ولا يقظة، إلا حين يأتي أحدكم أهله، أو حين يأتي خلاءه، ألا فاستحيوها ألا فأكرموها".
والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة"(2300).
وجملة القول أن الأحاديث في هذا الباب ضعيفة، لا تقوم بها حجة، والله أعلم.
(1)
انتهى من "التمهيد" 16/ 51 - 54 بتصرف.
وانظر: "الموطأ" 2/ 966. وسيأتي لهذا الحديث زيادة تخريج.
(2)
تصحفت في الأصل إلى (عيينة) والصواب المثبت: فالحديث رواه مالك: عن أبي النضر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده
…
الحديث.
ورواه هكذا الترمذي (1750)، والنسائي 8/ 212، وأحمد 3/ 486، والنسائي في "الكبرى" 5/ 499 (9766)، وابن حبان 13/ 162 (5851)، والطبراني 5/ 104 (4731)، والبيهقي 7/ 271 جميعًا من طريق مالك، به. والحديث صححه الألباني في "غاية المرام" (134) وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(3)
قال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" 21/ 192 - 193 بعد أن قال: لم يختلف الرواة عن مالك في إسناد هذا الحديث ومتنه في "الموطأ". فقال: قال بعض أهل =
لعبيد الله عن ابن عباس، عن أبي طلحة وسهل
(1)
.
= العلم: لم يلق عبيد الله أبا طلحة، وما أدري كيف ذلك! وهو يروي حديث مالك هذا؟ وأظن ذلك أن بعض أهل السير قال: توفي أبو طلحة سنة أربع وثلاثين، وعبيد الله لم يكن في ذلك الوقت ممن يصح له سماع.
ثم قال: واختلف في وفاة أبي طلحة، وأصح ما في ذلك أن وفاته لم تكن إلا بعد خمسين سنة من الهجرة.
وأما سهل بن حنيف، فلا يشك عالم بأن عبيد الله لم يره ولم يسمع منه، وذكره في هذا الحديث خطأ لا شك فيه؛ لأن سهلًا توفي سنة ثمان وثلاثين، ولا يذكره في الأغلب عبيد الله بن عبد الله؛ لصغر سنه، والصواب في ذلك -والله أعلم- عثمان بن حنيف.
ثم قال: والصحيح في هذا الحديث رواية الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس، عن أبي طلحة، كذا قال علي بن المديني وغيره، وهو عندي -كما قالوه - والله أعلم. اهـ بتصرف.
وجزم بانقطاعه في "الاستذكار" 27/ 171 - 172 فقال: هذا الحديث منقطع غير متصل؛ لأن عبيد الله لم يدرك سهل بن حنيف ولا أبا طلحة ولا حفظ له عنهما، ولا عن أحدهما سماع، ولا له مسند يدركهما به.
ثم قال: والصحيح في هذا الحديث أن بين عبيد الله وبين أبي طلحة وسهل بن حنيف فيه ابن عباس. اهـ بتصرف.
قلت: سيأتي تخريجه من هذا الوجه.
(1)
قلت: وهو ما جزم به ابن عبد البر فيما تقدم نقله عنه:
وكذلك جزم به الدارقطني في "العلل" 8/ 6 - 9 وينظر: "تحفة الأشراف" 3/ 250 - 251.
والحديث المشار إليه في في إسناده ابن عباس، فسيأتي برقم (3225)، ورواه مسلم (2106) من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، أنه سمع ابن عباس يقول: سمعت أبا طلحة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة ثماثيل".
ووجه الحافظ رواية من روى الحديث بإسقاط ابن عباس فقال: لعل عبيد الله سمع الحديث من ابن عباس عن أبي طلحة ثم لقي أبا طلحة لما دخل يعوده فسمعه منه. =
وقال أبو بكر الحازمي بعد إيراده حديث عائشة: (فجعلته وسائد): دالٌّ على النسخ، واللفظ مشعر به، إذ كان يصلي إليه لا إلى السهوة كما توهمه بعضهم. وقال: السهوة: المكان
(1)
، ولهذا قال "أخريه عني"
(2)
ويدل عليه أيضًا حديث أبي هريرة: استأذن جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ادخل" فقال: كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير، فإما أن تقطع رءوسها أو تجعل بساطًا يوطأ، فإنَّا معشر الملائكة لا ندخل بيتًا فيه تصاوير
(3)
. واعلم أن الإسماعيلي قال: جعل البخاري ترجمة الباب: التجارة فيما يُكره لبسه للرجال والنساء، وقد قال عليه السلام في قصة علي:"شقها خمرًا بين نسائك"
(4)
.
= ثم ساق كلام ابن عبد البر، وقال: وعثمان بن حنيف تأخر بعد سهل بمدة وكذلك أبو طلحة، فلا يبعد أن يكون عبيد الله أدركهما. اهـ "الفتح" 10/ 381.
(1)
"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" ص 181.
(2)
رواه مسلم (2107/ 93) كتاب: اللباس والزينة، باب: في مخالفة اليهود في الصبغ.
(3)
انتهى من "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" ص 181 بتصرف.
وحديث أبي هريرة بهذا اللفظ رواه النسائي 8/ 216، وفي "الكبرى" 5/ 504 (9793)، ومن طريقه الحازمي في "الاعتبار" ص 181 من طريق أبي بكر، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن أبي هريرة، به.
وصححه الألباني في "غاية المرام"(141).
ورواه أبو داود (4158) من طريق أبي إسحاق الفزاري، عن يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد، عن أبي هريرة، بنحوه بلفظ آخر مقارب.
وحديث أبي داود هذا صححه عبد الحق الإشبيلي في "أحكامه" 4/ 191 - 192.
وأصل الحديث رواه مسلم (2112) من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا:"لا تدخل الملائكة بيتًا فيه تماثيل أو تصاوير".
(4)
سيأتي برقم (2614) كتاب: الهبة، باب: هدية ما يكره الله بنحوه.
ورواه مسلم (2071) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره.
وكان على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء
(1)
، وإنما المعنى من لا خلاق له من الرجال، فأما النساء فلا، فإن أراد شراء ما فيه تصاوير فحديث عمر لا يدخل في الترجمة، وقد أسلفنا الجواب عن هذا.
وكذا قال ابن المنير: في الترجمة إشعار يحمل قوله: ("مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ") على العموم للرجال والنساء، والحق أن النهي خاص بالرجال، والنمرقة المصورة يستوي فيها الرجال والنساء في المنع
(2)
.
(1)
رواه النسائي 8/ 197، وفي "الكبرى" 5/ 464 (9576)، وابن ماجه (3598)، وأبو يعلى 6/ 277 (3586) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 254 (6726).
قال الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(789): شاذٌّ، والمحفوظ أم كلثوم مكان زينب.
قلت: حديث أم كلثوم سيأتي برقم (5842).
(2)
"المتواري" ص 239.
41 - باب صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِالسَّوْمِ
2106 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ". وَفِيهِ خِرَبٌ وَنَخْلٌ. [انظر: 234 - مسلم: 524 - فتح: 4/ 326]
ذكر فيه حديث أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ". وَفِيهِ خِرَبٌ وَنَخْلٌ.
هذا الحديث سلف في الصلاة واضحًا
(1)
، فأبو التياح اسمه: يزيد بن عبيد.
و (خرب) بفتح الخاء مع كسر الراء، وكسرها (مع فتح الراء)
(2)
قال ابن التين: ضبط في بعض الكتب بكسر الخاء كأنه جمع خربة، والذي سمعناه حرب بالحاء المهملة، والأول أولى: لقوله في الحديث الآخر فأمر بالخرب فسويت.
ولا خلاف بين الأئمة أن صاحب السلعة أحق الناس بالسوم في سلعته، وأولى بطلب الثمن فيها، ولا يجوز ذلك إلا له أو لمن وكله بالبيع
(3)
.
(1)
يراجع شرح حديثي (428 - 429).
(2)
من (م).
(3)
ورد بهامش الأصل: ثم بلغ في الخامس بعد الخمسين، كتبه مؤلفه.
42 - باب كَمْ يَجُوزُ الخِيَارُ
؟
2107 -
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ المُتَبَايِعَيْنِ بِالخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَكُونُ البَيْعُ خِيَارًا". قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ. [2109، 2111، 2112، 2113، 2116 - مسلم: 1531 - فتح: 4/ 326]
2108 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا" ..
وَزَادَ أَحْمَدُ: حَدّثَنَا بَهْزٌ قَالَ: قَالَ هَمَّامٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأبِي التَّيَّاحِ فَقَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي الخَلِيلِ لَمَّا حَدّثَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الَحارِثِ بهذا الَحدِيثِ. [انظر: 2079 - مسلم: 1532 - فتح: 4/ 326]
ذكر فيه حديث يحيى، عن نافع، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ المُتَبَايِعَيْنِ بِالخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَكُونُ البَيْعُ خِيَارًا".
قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابن عُمَرَ إِذَا اشْتَرى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ.
وحديث أبي الخليل -هو صالح بن أبي مريم- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يتفرقا".
وَزَادَ أَحْمَدُ: ثَنَا بَهْزٌ قَالَ: قَالَ هَمَّامٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبِي التَّيَّاحِ قال: كُنْتُ مَعَ أَبِي الخَلِيلِ لَمَّا حَدَّثَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الحَارِثِ هذا الحَدِيثِ.
حديث ابن عمر وحكيم أخرجهما مسلم أيضًا
(1)
، والثاني سلف
(2)
.
وأحمد قيل: إنه ابن حنبل
(3)
الإمام، وكذا ذكره عن أبي المعالي أحمد بن يحيى بن هبة الله بن البيع.
وبهز: هو ابن أسد.
ثم ترجم:
(1)
حديث ابن عمر رواه مسلم برقم (1531) كتاب: البيوع، باب: ثبوت خيار المجلس للمتبايعين.
وحديث حكيم رواه برقم (1532) باب: الصدقة في البيع والبيان.
(2)
برقم (2079) كتاب: البيوع، باب: إذا بين البيعان ولم يكتما
…
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: وكذا قاله الدمياطي بلفظ: حنبل.
43 - باب إِذَا لَمْ يُوَقِّتْ فِي الخِيَارِ، هَلْ يَجُوزُ البَيْعُ
؟
2109 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ". وَرُبَّمَا قَالَ: "أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ". [انظر: 2107 - مسلم: 1531 - فتح: 4/ 327]
ثم ذكر حديث أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ:"البَيِّعَانِ بالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ". وَرُبَّمَا قَالَ: "أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ".
ثم ترجم عليه:
44 - باب البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا
وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِىُّ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ.
2110 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: قَتَادَةُ أَخْبَرَنِي عَنْ صَالِحٍ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا". [انظر: 2079 - مسلم: 1532 - فتح: 4/ 328]
2111 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"المُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعَ الخِيَارِ". [انظر: 2107 - مسلم: 1531 - فتح: 4/ 328]
ثم ذكر حديث حكيم بن حزام السالف.
وحديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا:"المُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ، إِلَّا بَيْعَ الخِيَارِ".
ثم ترجم عليه.
45 - باب إِذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ البَيْعِ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ
2112 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ يَتَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا البَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ". [انظر: 2107 - مسلم: 1531 - فتح: 4/ 332]
ثم ساق حديث ليث، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا:"إِذَا تبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفرقَا .. " الحديث.
ثم ترجم عليه.
46 - باب إِذَا كَانَ البَائِعُ بِالخِيَارِ، هَلْ يَجُوزُ البَيْعُ
؟
2113 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعَ الخِيَارِ".
2114 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا -قَالَ هَمَّامٌ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي: يَخْتَارُ ثَلَاثَ مِرَارٍ- فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا فَعَسَى أَنْ يَرْبَحَا رِبْحًا، وَيُمْحَقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا".
قَالَ: وَحَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ أنَهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الَحارِثِ يُحَدِّثُ بهذا الَحدِيثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَام، عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2079 - مسلم: 1532 - فتح: 4/ 334]
ثم ساق حديث سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر مرفوعًا:"كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعَ الخِيَارِ".
وحديث حكيم بن حزام السالف.
قَالَ هَمَّامٌ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي: يَخْتَارُ ثَلَاثَ مِرَارٍ
…
الحديث.
وَحَدَّثَنَا هَمَّامٌ، ثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الحَارِثِ يُحَدِّثُ بهذا الحَدِيثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامِ، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشرح: الكل في "صحيح مسلم" أيضًا
(1)
.
واتفقت الأئمة على إخراج حديث نافع
(2)
.
(1)
مسلم (1532) كتاب: البيوع، باب: الصدقة في البيع والبيان.
(2)
كذا رواه أبو داود (3454 - 3455)، والترمذي (1245)، والنسائي 7/ 248 - =
واتفق البخاري والنسائي على حديث ابن دينار
(1)
، وانفرد البخاري بحديث سالم. وفي الباب عن سمرة، أخرجه النسائي وابن حزم بزيادة "ويتخايران ثلاث مرار"
(2)
، وأبي برزة
(3)
، وعمرو بن العاص
(4)
، وأبي هريرة
(5)
، وجابر
(6)
، وغيرهم
(7)
.
وتعليق ابن عمر سلف
(8)
.
= 250، وابن ماجه (2181)، ومالك في "الموطأ" 2/ 671، وأحمد 1/ 56، 2/ 4، 54، 73، 119.
(1)
النسائي 7/ 250.
(2)
النسائي 7/ 251، "المحلى" 8/ 365.
ورواه أيضًا ابن ماجه (2183)، وأحمد 5/ 12، 17، 21، 22، 23.
(3)
رواه أو داود (3457)، وابن ماجه (2182) وأحمد 4/ 425.
(4)
لم أهتد إليه عن عمرو بن العاص رضي الله عنه وإنما هو عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رواه أبو داود (3456)، والترمذي (1247)، والنسائي 7/ 251، وأحمد 2/ 183.
حتى إن الترمذي لما روى حديث ابن عمر (1245) وذكر كعادته أحاديث الباب، فقال: وفي الباب عن أبي برزة وحكيم بن حزام وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو وسمرة وأبي هريرة.
فلم يذكر عمرو بن العاص.
(5)
رواه أحمد 2/ 311.
(6)
رواه الترمذي (1249)، وابن ماجه (2184).
(7)
قلت: هو مروي أيضًا عن ابن مسعود.
رواه أبو داود (3511 - 3512)، والترمذي (1270)، والنسائي 7/ 302، وابن ماجه (2186) من طرق عنه.
وانظر في حديث ابن مسعود هذا تخريجًا موسعًا كافيًا شافيًا، ما رأت عيناي أوفى من ذلك في "البدر المنير" 6/ 593 - 607 فسارع إليه ترشد وتهتد.
وانظر مزيدًا لتخريج الحديث في "نصب الراية" 4/ 1 - 4.
(8)
برقم (2107).
والتعاليق الأربعة -أعني تعليق شريح والشعبي وعطاء وابن أبي مليكة- أسندها ابن أبي شيبة
(1)
، وروى أثر ابن أبي مليكة مرسلًا مرفوعًا
(2)
أيضا
(3)
. وشريح هو ابن الحارث بن قيس، كان قاضيًا شاعرًا فائقًا كوسجًا بلغ مائة وثماني سنين، وقيل: مائة وعشرين سنة، ولي القضاء من زمن عمر إلى زمن الحجاج ستين سنة، ثم استعفى فأعفاه الحجاج، وولي قضاء البصرة أيضًا
(4)
، وحكي عنه أن التفرق إذا حصل بالقول وجب البيع
(5)
.
وقوله في باب: البيعين بالخيار: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ ثنا حَبَّانُ.
ذكر الجياني أنه ابن منصور وقال: حديث مسلم عن إسحاق بن منصور، عن حبان
(6)
.
(1)
تعليق شريح وصله ابن أبي شيبة 4/ 507 (22563، 22566).
ووصله أيضًا الحافظ في "تغليق التعليق" 3/ 227 - 228.
وتعليق الشعبي وصله ابن أبي شيبة 4/ 507 (22564).
وكذا وصله سعيد بن منصور كما في "التغليق" 3/ 228.
وتعليقا عطاء وابن أبي مليكة وصلهما ابن أبي شيبة 4/ 506 (22561 - 22562) لكنهما مرسلان مرفوعان.
(2)
في هامش الأصل تعليق نصه: قال النووي: قال البيهقي: قال الساجي في كتاب "الجرح والتعديل": كان شريح قاضيًا لعمر، قال البيهقي: قد اختلفنا فيه، قال: فبهذا قال جماعة، وذكر آخرون قول الشافعي.
(3)
"المصنف" 4/ 506 (22562) وكلاهما مرفوع.
ولم يذكر المصنف رحمه الله وصل تعليق طاوس، فنقول وصله الحافظ بإسناده في "التغليق" 3/ 228 - 229.
(4)
انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 12/ 435 (2725)، "الطبقات الكبرى" 6/ 161، "الجرح والتعديل" 4/ 332 (1458)، "التاريخ الكبير" 4/ 228 (2611).
(5)
رواه سعيد بن منصور كما في "المحلى" 8/ 355، وكما في "الفتح" 4/ 329.
(6)
مسلم (223). وانظر: "تقييد المهمل" 3/ 975 - 976.
وقوله في الباب الأخير: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) هو الفريابي.
(ثَنَا سُفْيَانُ) هو ابن سعيد الثوري، كما بينه أبو نعيم.
واعترض ابن التين على هذا التبويب فقال: لم يأتِ فيه هنا بما يدل على خيار البائع وحده. وأخذه القاضي من حديث حبان السالف، قال: وقول همام
(1)
إلى آخره، ليس بمحفوظ والرواية على خلافه، وإذا خالف الواحد الرواة جميعًا لم يقبل قوله، سيما أنه إنما وجده في كتابه، وربما أُدْخل على الرجل في كتبه إذا لم يكن شديد الضبط.
قال: وليس في الباب الأول ذكر مدته إلا ما ذكر من التفرق.
وأجاب ابن المنير بأنه يؤخذ من عدم تحديده إذ فيه تفويض الأمر إلى الحاجة في اشتراطه، وهو مذهب مالك
(2)
.
قلت: لعله يشير إلى رواية همام السالفة؛ لأنه عقده للكمية لا للمدة.
إذا عرفت ذلك:
فألفاظ الحديث مع كثرة طرقه متواردة على ثبوت خيار المجلس لكل واحد من المتبايعين؛ وأن التفرق المذكور إنما هو بالأبدان، وإليه ذهب كثير من الصحابة والتابعين والشافعي
(3)
وأحمد
(4)
، وحمله
طائفة على أنه محمول على ظاهره لكن على جهة الندب لا على الوجوب، وعليه طائفة من المالكية وغيرهم.
(1)
في هامش الأصل: في رواية ابن مريم المتقدمة ما يشهد لصحة قول همام، اللهم إلا أن يكون من جهته.
(2)
"المتواري" ص 240، وانظر:"أنوار البروق في أنواع الفروق" 3/ 283.
(3)
"أسنى المطالب" 2/ 47.
(4)
"المغني" 6/ 12 وفيه: قال أبو الحارث: سئل أحمد عن تفرقة الأبدان، فقال: إذا أخذ هذا كذا وهذا كذا فقد تفرقا.
وعن مالك وربيعة وأبى حنيفة وصاحبيه والثوري والنخعي في أحد قوليهما: أن التفرق إذا حصل بالأقوال وجب البيع، وأن لا خيار إلا إن اشترط، ولهم على الحديث شبه كثيرة ذكرتها موضحةً في "شرح العمدة" فلتراجع منه
(1)
.
ولنتكلم على أبواب البخاري بابًا بابًا:
أما أمد الخيار: فاختلف الفقهاء فيه على خمسة أقوال:
أحدها: أن البيع جائز والشرط لازم إلى الأمد الذي اشترط إليه الخيار، وهو قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبي يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبي ثور عن ابن المنذر
(2)
(3)
.
ثانيها: وهو قول مالك: يجوز شرط الخيار في بيع الثوب اليوم واليومين، وفي "الواضحة": الثلاثة، والجارية الخمسة أيام والجمعة.
وفي ابن وهب: الرقيق الشهر. وقيل: عشرة أيام. وقيل: خمسة.
والدابة تُركب اليوم وشبهه، ويُسار عليها البريد ونحوه، وفي الدار الشهر لتُختبر ويُستشار فيها. وفي "الواضحة": الشهران والثلاثة، ذكره الداودي، وما بعد من أجل الخيار لا خير فيه؛ لأنه غرر، ولا فرق بين شرط الخيار للبائع والمشتري
(4)
.
ثالثها: وهو قول الثوري وابن شبرمة: يجوز شرطه للمشتري عشرة أيام وأكثر ولا يجوز شرطه للبائع.
(1)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 7/ 10 - 18، وانظر:"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 46.
(2)
انظر: "المغني" 6/ 38.
(3)
فوقها في الأصل: يعني فيما حكاه.
(4)
"النوادر والزيادات" 6/ 385 - 387.
رابعها: وهو قول الأوزاعي: يجوز أن يشرط الخيار شهرًا وأكثر.
خامسها: وهو قول أبي حنيفة والشافعي والليث وزفر: الخيار في البيع ثلاثة أيام، ولا تجوز الزيادة عليها، فإن زاد فسد البيع
(1)
.
وقال عبيد الله بن الحسن: لا يعجبني شرط الخيار الطويل إلا أن الخيار للمشتري ما رضي البائع، احتجوا بأن حبان بن منقذ أو والده كان يُخدع في البيوع، فقال له عليه السلام:"إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ" وجعل له الخيار ثلاثًا فيما يبتاع
(2)
. وفي حديث المصراة إثبات الخيار ثلاثًا
(3)
.
قالوا: ولولا الحديث في الثلاثة أيام ما جاز الخيار ساعة واحدة.
وحجة القول الأول ظاهر حديث الباب: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا" إلا بيع الخيار وهو مطلق، وقد قال عليه السلام:"المؤمنون عند شروطهم"
(4)
.
وحجة الثاني أن العبد والجارية لا يُعرف أخلاقهما، ولا ما هما عليه من الطباع في الثلاث؛ لأنهما يتكلفان ما ليس من طبعهما في مدة يسيرة ثم يعودان بعد ذلك إلى الطبع، فيجب أن يكون الخيار مدة
يختبران في مثلها، ليكون المبتاع داخلًا على بصيرة، يوضحه أنَّ أجل
(1)
انظر: "تبيين الحقائق" 4/ 16، "المبسوط" 13/ 40، "بدائع الصنائع" 5/ 179، "الأم" 8/ 186، "المجموع" 9/ 224.
(2)
سيأتي برقم (2117) كتاب: البيوع، باب: ما يكره من الخداع في البيع، ورواه مسلم (1533) كتاب: البيوع، باب: من يخدع في البيع.
(3)
رواه مسلم (1524).
(4)
سيأتي هذا الحديث معلقًا قبل حديث (2274) كتاب: الإجارة، باب: أجر السمسرة. وهناك يأتي تخريجه -إن شاء الله- فسارع إليه تجد فوائد.
العنين سنة؛ لأن حاله يختبر فيها
(1)
؛ فلذلك ينبغي أن يكون كل خيار على حسب تعرف حال المختبر، ويقال لمن قال بالخامس: إن خيار الثلاث في حديث حبان من رواية ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، أخرجه البخاري في "تاريخه"، وابن ماجه في "سننه"، وليس في رواية الثقات الحفاظ
(2)
.
(1)
عِنّين بكسر العين وتشديد النون، يقال: رجل عِنّين لا يريد النساء ولا يشتهيهن. انظر: "الصحاح" 6/ 2166، "تاج العروس" 18/ 287.
(2)
حديث حبان هذا رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 8/ 17 - 18، وفي "التاريخ الصغير" 1/ 63، وابن ماجه (2355)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2618 (6302 - 6303)، والبيهقي 5/ 273 من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان قال: هو جدي منقذ بن عمرو
…
الحديث، وفيه: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له: "إذا أنت بايعت، فقل: لا خلابة، ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليالٍ
…
". قال النووي في "المجموع" 9/ 225: هذا الحديث حسن، رواه البيهقي بإسناد حسن، وكذلك رواه ابن ماجه بإسناد حسن، وكذا رواه البخاري في "تاريخه" بإسناد صحيح إلى محمد بن إسحاق. اهـ. وقال البوصيري في "الزوائد" (782): إسناده ضعيف لتدليس محمد بن إسحاق، وقد عنعنه.
وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1907).
أما الطريق في ذكره المصنف، فرواه منه الحميدي في "مسنده" 1/ 537 (677)، وابن الجارود في "المنتقى" 1/ 158 - 159 (567)، والدارقطني 3/ 54 - 55، والحاكم 2/ 22، والبيهقي 5/ 273، وابن عبد البر في "التمهيد" 17/ 7 - 8 من طريق سفيان عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، بنحوه، بأخصر منه.
قال النووي في "المجموع" 9/ 225: محمد بن إسحاق المذكور هو صاحب "المغازي" والأكثرون وثقوه، وإنما عابوا عليه التدليس، وقد قال في روايته: حدثني نافع، والمدلس إذا قال: حدثني أو سمعت، احتج به عند الجماهير. اهـ.
ولتمام فوائد في الحديث ينظر: "البدر المنير" 6/ 536 - 540، "خلاصة البدر" 2/ 65 - 66، "تلخيص الحبير" 3/ 21 - 22.
وأما حديث المصراة فهو حجة لنا؛ لأن المصراة لما كانت لا يختبر أمرها في أقل من ثلاث، جعل فيها هذا المقدار في يختبر في مثله، فوجب أن يكون الخيار في كل مبيع على قدر المدة التي يختبر فيها، وأما القول الثالث فلم يقل به أحد من أهل العلم غير الثوري، كما قاله الطحاوي.
وأما الباب الثاني فهو: إذا اشترط في الخيار مدة غير معلومة، وقد اختلف العلماء فيه على خمسة أقوال:
أحدها: صحة البيع وإبطال الشرط، وهو قول ابن أبي ليلى والأوزاعي عملًا بحديث بريرة
(1)
.
ثانيها: صحتهما، وله الخيار أبدًا، وهو قول أحمد وإسحاق
(2)
.
ثالثها: وهو قول مالك: البيع جائز، ويجعل له من الخيار مثل ما يكون له في تملك السلعة
(3)
.
رابعها: وهو قول أبي يوسف ومحمد: له أن يختار بعد الثلاث
(4)
.
خامسها: وهو قول أبي حنيفة والشافعي: البيع فاسد؛ فإن اختاره في الثلاث جاز، وإن مضت الثلاث لم يكن له أن يختاره
(5)
.
والحديث سيأتي قريبًا برقم (2117) من طريق مالك عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجلًا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال: "إذا بايعت فقل: لا خلابة". ورواه مسلم (1533).
(1)
سلف برقم (1493) كتاب: الزكاة، باب: الصدقة على موالي أزواج النبي، ورواه مسلم (1504) كتاب: العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق.
(2)
"المغني" 6/ 43.
(3)
"النوادر والزيادات" 5/ 385، 386.
(4)
"المبسوط" 13/ 40.
(5)
"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 55، "أسنى المطالب" 2/ 51.
وظاهر الحديث يرده ويدل أنه يجوز من غير توقيت؛ لأنه أطلق وسوى بين تمام البيع بعد التفرق، وبعد الأخذ بالخيار إذا شرطاه دون ذكر توقيت مدة، فلا معنى لقول من خالفه، وأما الثالث وهو معنى
التفرق المذكور في الحديث.
وفيه قولان:
أحدهما: أن المراد به التفرق بالأبدان، وأن المتبايعين إذا عقدا بيعهما فكل واحد منهما بالخيار بين إتمامه وفسخه، ما داما في مجلسهما لم يتفرقا بأبدانهما، رُوي ذلك عن ابن عمر وأبي برزة وجماعة من التابعين، ذكرهم البخاري
(1)
، ورُوي عن سعيد بن المسيب
(2)
والزهري، وبه قال الليث وابن أبي ذئب والثوري والأوزاعي وأبو يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور
(3)
. ونقله ابن التين
عن علي وابن عباس وأبي هريرة والحسن.
ثانيهما: أن البيع يتم بالقول دون الافتراق بالأبدان، ومعنى قوله "ما لم يفترقا" أن البائع إذا قال له: قد بعتك فله أن يرجع ما لم يقل المشتري: قد قبلتُ، والمتبايعان هما المتساومان، رُوي هذا القول عن النخعي
(4)
، وهو قول ربيعة ومالك وأبي حنيفة ومحمد. ونقله الطحاوي عن أبي يوسف أيضًا، وعيسى بن أبان
(5)
.
(1)
قبل حديث (2110).
(2)
رواه عنه ابن أبي شيبة 4/ 507 (22567).
(3)
"شرح معاني الآثار" 4/ 17، "المجموع" 9/ 214، "المغني" 6/ 12، "أحكام القرآن" 2/ 250.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 4/ 507 (22570).
(5)
"شرح معاني الآثار" 4/ 14، 17.
احتج الأولون بأن ابن عمر راوي الحديث وهو أعلم بمخرجه قد رُوي عنه أنه بايع عثمان بن عفان، قال: فرجعت على عقبي كراهة أن يُرَادَّني البيع
(1)
. قالوا: فالتفرق عند ابن عمر بالبدن لا باللفظ.
وقالوا: إن من جعل المتبايعين هنا المتساومين لا وجه له؛ لأنه معقول أن كل واحد في سلعته بالخيار قبل السوم، وما دام متساومًا حتى يمضي البيع ويعقده وكذلك المشتري بالخيار قبل الشراء، وفي حين المساومة، وإذا كان هذا كله بطلت فائدة الخبر، والشارع يجل عن أن يخبر بما لا فائدة فيه.
وأُجيب بأن له فائدة، وذلك أن المتبايعين لا يبعد أن يختلفا قبل الافتراق بالأبدان، فلو كان كل واحدٍ منهما بالخيار لم يجب على البائع يمين ولا ترادٌّ؛ لأن الترادَّ إنما يكون فيما تم من البيوع.
وادَّعى الطحاوي أن من لم يسم المتساومين متساومين فقد أغفل سعة اللغة؛ لأنه يُحتمل أن يسميا متبايعين لقربهما من التبايع وإن لم يتبايعا، كما سُمي إسحاق ذبيحًا
(2)
لقربه من الذبح وإن لم يذبح، وقد قال عليه السلام: "لا يسوم
(3)
الرجل على سوم أخيه، ولا يبع الرجل على بيع أخيه"
(4)
ومعناهما واحد
(5)
، وهو اللازم لهم. والتفرق في لسان
(1)
سيأتي قريبًا برقم (2116) كتاب: البيوع، باب: إذا اشترى شيئًا فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا.
(2)
ورد بهامش الأصل: الأكثرون على أن الذبيح إسماعيل؛ لأنه المعروف في الحديث (
…
) إسحاق نبي الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
كذا في الأصل وعليها: كذا. قلت "المحقق": وفي "صحيح مسلم"(1413): (يقُسم).
(4)
رواه مسلم (1413) كتاب: النكاح، باب: تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك.
(5)
المصدر السابق 4/ 15.
العرب بالكلام معروف كعقد النكاح، وكوقوع الطلاق في سمَّاه الله فراقًا قال تعالى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] وقوله: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ (4)} [البينة: 4] وأجمعت الأمة أن التفريق فيها أن يقول لها: أنت طالق.
وقال عليه السلام: "تفترق أمتي"
(1)
ولم يرد التفرق بالأبدان.
وأجمعوا أن رجلًا لو اشترى قرصًا أو ماءً فأكل القرص أو شرب الماء قبل التفرق لكان ذلك له جائزًا، أو كان قد أكل ماله، وسيأتي ذكر مبايعة ابن عمر لعثمان، بعد بيان مذهب ابن عمر، وأنه حجة لمن قال: التفرق بالكلام؛ كذا قال، ولا يسلم له. وحكى الطحاوي، عن المزني، عن الشافعي أنه قال في قوله تعالى {فَإذَا بَلَغنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] أي: قاربن
(2)
. وإثبات الشارع الخيار للمتبايعين ما لم يفترقا، إنما هو على ما سوى بيع الخيار، عملًا بقوله:"إِلَّا بَيْعَ الخِيَارِ" فاستثنى بيع الخيار فيما قد تم فيه البيع، وبقي الخيار في بيع الخيار بعد التفرق حتى يتم أمد الخيار فيختار البيع أو يرد.
وذهب أكثر من يرى التفرق بالأبدان إلى أنه إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع فاختار إمضاء البيع فقد تم البيع وإن لم يتفرقا بالأبدان، إلا أحمد فإنه قال: هما بالخيار حتى يتفرقا، خَيَّرَ أحدهما صاحبه
أو لم يُخَيِّرْه
(3)
.
(1)
رواه أبو داود (4596)، والترمذي (2640) وقال: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه (3991)، والإمام أحمد 2/ 332، وصححه الألباني في "الصحيحة"(203).
(2)
انظر قول الشافعي في: "الأم " 5/ 128.
(3)
انظر "المغني" 6/ 15، 16.
وأما الذين يجيزون البيع بالكلام دون افتراق الأبدان فهو عندهم بيع جائز. قال: اختر أو لم يقله، فجعل من ذلك اتفاق الجميع غير أحمد وحده، وقوله خلاف الحديث، فلا معنى له كما قاله ابن بطال
(1)
.
تنبيهات:
أحدها؛ قوله: "إن المتبايعين" كذا وقع في الأصل، وهو الصواب.
وادعى ابن التين أنه وقع في رواية أبي الحسن "المتبايعان" وخرجه على لغة من يجعل المثنى على حد سواء رفعًا ونصبًا وجرًا، وهو أحد وجوه {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63].
ثانيها: قال ابن التين: جمهور أصحاب مالك على أن حديث
الخيار ليس بمعمول به؛ ثم اختلفوا في الانفصال عنه، فادَّعى أشهب نسخه بقوله "المسلمون على شروطهم"
(2)
، وبقوله:"إذا اختلف البيعان استحلف البائع"
(3)
، أي: لو كان هناك خيار لم يحتج إلى اليمين.
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 241.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
رواه الدارقطني 3/ 18، والبيهقي في "السنن" 5/ 333 من طريق سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الملك بن عبيدة، عن ابن لعبد الله بن مسعود، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلف البيعان ولا شهادة بينهما استحلف البائع، ثم كان المبتاع بالخيار إن شاء أخذ، وإن شاء ترك".
والحديث روي من وجوه أخر وبألفاظ أخر.
فرواه النسائي 7/ 303، وأحمد 1/ 466، والدارقطني 3/ 18، والحاكم 2/ 48، والبيهقي في "السنن" 5/ 332 - 333، وفي "المعرفة" 8/ 140 (11412) من طريق ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عبيد وقال بعضهم: ابن عبيدة، وقال بعضهم: ابن عمير- قال: حضرنا أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود أتاه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= رجلان تبايعا سلعة .. الحديث.
وفيه: أتى ابن مسعود في مثل هذا فقال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بمثل هذا فأمر البائع أن يستحلف، ثم يختار المبتاع فإن شاء أخذ وإن شاء ترك.
وصوب البيهقي في "المعرفة" 8/ 140 رواية من قال: عبيدة.
وقال ابن حزم: هذا لا شيء؛ لأن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود سئل: أتذكر من أبيك شيئًا؟: قال: لا، وعبد الملك بن عبيدة المذكور مجهول فسقط هذا القول. اهـ. "المحلى" 8/ 369.
وقال البيهقي في "السنن" 5/ 333: حديث مرسل؛ أبو عبيدة لم يدرك أباه. وقال في "المعرفة"(11417): مرسل: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئًا. وكذا أعله عبد الحق في "أحكامه" 3/ 270.
وقال المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 6/ 594: ضعيف لأجل انقطاعه؛ فإن أبا عبيدة لم يدرك أباه وقال الألباني في "الإرواء" 5/ 169: حديث مرسل، أبو عبيدة لم يدرك أباه.
ورواه أبو داود (3511)، والنسائي 7/ 302 - 303، والدارقطني 3/ 20، والحاكم 2/ 45، والبيهقي في "السنن" 5/ 332، وفي "المعرفة" 8/ 141 (11420)، وابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 291 - 292 من طريق عمر بن حفص بن غياث عن أبيه، عن أبي عميس، عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث، عن أبيه، عن جده قال: اشترى الأشعث رقيقًا من رقيق الخمس
…
الحديث.
وفيه: قال عبد الله بن مسعود: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان".
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه!
وقال البيهقي في "السنن" 5/ 332: إسناد حسن موصول.
وقال في "المعرفة" 8/ 141: هذا أصح إسناد روي في هذا الباب.
وقال المصنف في "البدر المنير" 6/ 603: هذا الطريق أقوى طرق هذا الحديث.
لكن الحديث من هذا الوجه أعله غير واحد، منهم ابن حزم في "المحلى" 8/ 368، وابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 292، وفي "الاستذكار" 20/ 222 - =
وقيل: إنه مخالف لظاهر قوله {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]؛ لا يمكن الإشهاد بعد التفرق. وقيل: عمل أهل المدينة ومكة أقوى منه.
وقيل: إنها جهالة وقف البيع عليها، فيكون كبيع الملامسة، وكبيع خيار إلى أجل مجهول. وسلف أن من جملتها حمله علي المتساومين، ويرده أنه لو حلف ما باع -وكان في السوم- لا حنث.
= 223 وعبد الحق في "أحكامه" 3/ 270، وابن القطان في "البيان" 3/ 525، وابن التركماني في "الجوهر النقي" 5/ 332، والألباني في "الإرواء" 5/ 169.
ورواه أبو داود (3512)، وابن ماجه (2186)، والدارقطني 3/ 21 من طريق هشيم عن ابن أبي ليلى، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه أن ابن مسعود، بنحوه.
وللحديث طرق أخرى تركت ذكرها خشية الإطالة ومكتفيًا بما ذكرت، ينظر أكثرها في "سنن الدارقطني" 3/ 20 - 21 ولتخريجها في:"البدر المنير" 6/ 593 - 607.
والحديث لكثرة طرقه صححه بعضهم بمجموعها، فقال البيهقي في "السنن" 5/ 332: روي الحديث من أوجه بأسانيد مراسيل إذا جمع بينها صار الحديث بذلك قويًّا.
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 293: هذا الحديث وإن كان في إسناده مقال؛ من جهة الانقطاع مرة، وضعف بعض نقلته أخرى، فإن شهرته عند العلماء بالحجاز والعراق يكفي ويغني.
وصححه الألباني في "الإرواء"(1322 - 1324) وقال 5/ 169: إن الحديث قوي بمجموع طرقه، ذلك مما لا يرتاب فيه الباحث.
ولم يعتبر بعضهم بكثرة هذِه الطرق فأطلق القول بضعف الحديث، فذكر ابن جزم بعض طرق الحديث، وقال: هذا كله لا حجة فيه ولا يصح شيء منه؛ لأنها كلها مرسلات، وذهب يفصل. "المحلى" 8/ 368.
وقال المنذري في "المختصر" 5/ 164: روي هذا الحديث من طرق عن عبد الله بن مسعود كلها لا تثبت.
ثم وجدت العلامة ابن القيم قد نصر قول من قال بتصحيح الحديث بمجموع طرقه، فقال في "الحاشية" 5/ 162: روي حديث ابن مسعود من طرق يشد بعضها بعضًا، وليس فيهم مجروح ولا متهم. =
ثالثها: قوله في الباب الثاني ("أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر"، وربما قال: "أو يكون بيع خيار"): هما سواء كما قال الداودي، ومعناهما: أنه بيع خيار الشرط.
وقال ابن حبيب: معناه قطع خيار المجلس
(1)
.
وقوله في الباب الرابع: ("مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا") إلى آخره، هو أوضح حديث فيه كما قال الخطابي
(2)
؛ لأن قوله: "وكانا جميعًا" يبطل كل تأويل يخالف ظاهر الحديث مما تأوله أهل العراق وغيرهم يعني: مالكًا وأصحابه
(3)
. وكذا قوله: "وإن تفرفا بعد أن تبايعا" إلى آخره، فيه أبين دليل على أن التفرق بالبدن هو القاطع للخيار، وأن للمتبايعين أن يتركا البيع بعد عقده ما داما في مجلسهما، ولو كان معناه التفرق بالقول لخلا الحديث عن الفائدة؛ لأن الناس على اختيارهم في أملاكهم، فأي فائدة في ذكر البيع إذا وقع.
وادَّعى الداودي أن قوله في هذا الحديث "وكانا جميعًا" إلى آخره ليس بمحفوظ، قال: وليس مقام الليث في نافع مقام مالك.
رابعها: في الترمذي محسنًا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي "إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله"
(4)
وهو مؤول إما باستقلاله باختيار الفسخ أو باختيار الاستقلال كما قاله ابن العربي، والصواب الأول، وعبَّر عن الإقالة به.
خامسها: نقل ابن حزم عن الأوزاعي أن كل بيع فالمتبايعان فيه
(1)
انظر: "المنتقى" 5/ 56.
(2)
"أعلام الحديث" 2/ 1030 - 1031.
(3)
انظر: "المنتقى" 5/ 56.
(4)
الترمذي (1247).
بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما، إلا بيوعًا ثلاثة: المغنم، والشركاء في الميراث يتقاومونه، والشركاء في التجارة يتقاومونها
(1)
.
سادسها: من تلك الاعتراضات المشار إليها فيما سلف خمسة: أن مالكًا رواه وذهب إلى خلافه
(2)
، وأنه خبر واحد فيما تعم به البلوى، وأنه يخالف قياس الأصول؛ لأن عقود المعاوضات لا خيار فيها، حمله على المتساومين باعتبار ما يئول إليه حالهما من التبايع، وحمله على ما إذا قال البائع: بعت، ولم يقل المشتري: قبلت؛ لأنه بعد تمام العقد يقال: كانا متبايعين، وحمله التفرق على الأقوال، وقد
قال تعالى: {أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المائدة: 1] وجوابه كله لائح، والحق أحق بالاتباع.
سابعها: لما ذكر ابن حزم مقالة الثوري السالفة قال: روينا في ذلك آثارًا عن المتقدمين. روى الشعبي أن عمر اشترى فرسًا واشترط حبسه على إن رضيه وإلا فلا بيع بعد بينهما، فحمل عليه رجلًا فعطب
الفرس فجعل بينهما شريحًا، فقال شريح لعمر: سلم ما ابتعت أو رُدَّ ما أخذت، فقال عمر: قضيت بالحق
(3)
.
ومن طريق عبد الرزاق، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن فروخ، عن أبيه قال: اشترى نافع دار السجن بأربعة آلاف، فإن رضي عمر فالبيع بيعه، وإن عمر لم يرضَ فلصفوان
أربعة، فأخذها عمر
(4)
. وعن ابن عمر قال: كنت أبتاع إن رضيت
(1)
"المحلى" 8/ 355.
(2)
"الموطأ" رواية يحيى ص 416.
(3)
رواه عبد الرزاق 8/ 224 (14979).
(4)
عبد الرزاق 5/ 148 (9213).
حتى ابتاع ابن مطيع إن رضيها فقال: إن الرجل ليرضى ثم يدع وكأنما أيقظني، وكان يبتاع ويقول: ما إن أحدثت. وقال سليمان بن البرصاء، بايعت ابن عمر بيعًا فقال لي: إن جاءتنا نفقتنا إلى ثلاث ليالٍ فالبيع بيعنا وإلا فلا بيع بيننا وبينك
(1)
.
قال ابن حزم: لا نعلم عن الصحابة في بيع الخيار غير هذا، وهو خلاف قول أبي حنيفة والشافعي ومالك، وهي عندهم بيوع مفسودة مفسوخة
(2)
.
ثامنها: في "علل الخلال": قال الأثرم: قلت لأحمد: في يقول أهل المدينة في العهدة الثلاث والسنة؟!
قال: أما عهدة السنة فما أدري رووه عن أبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل
(3)
. وأما حديث الثلاث فلو ثبت حديث عقبة، ولكن الحسن ما أراه سمع منه؛ لأنه بصري، ولكن الحسن كان يأخذ الحديث هكذا. وقال محمد بن الحكم عن أحمد: ليس في عهدة الرقيق حديث صحيح، ولا أذهب إليه، إنما روي عن الحسن، عن عقبة
(4)
وليس فيه شيء يصح. قلت: إن مالكًا يذهب إليه، قال: لا يعجبني.
(1)
عبد الرزاق 8/ 53 (14276)، وابن أبي شيبة 45 (23162).
(2)
"المحلى" 8/ 374.
(3)
رواه مالك في "الموطأ" 2/ 612.
(4)
روى أبو داود (3506)، وأحمد 4/ 150 و 152 وغيرهما من طريق قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"عهدة الرقيق ثلاثة أيام".
والحديث ضعفه أحمد -كما نقل المصنف رحمه الله وقال البيهقي في "المعرفة" 8/ 129: كان علي بن المديني وغيره من أهل العلم بالحديث لا يثبتون سماع الحسن عن عقبة، فهو إذًا منقطع.
وكذا ضعفه المنذري في "المختصر" 5/ 157. =
تاسعها: الكلام كله في خيار المجلس، أما خيار الشرط فثابت بالإجماع
(1)
ودليله حديث حبان بن منقذ السالف
(2)
، وإنما يجوز شرط الخيار في البيوع التي لا ربا فيها، أما تلك فلا، إذ لو جوزنا تفرقًا ولم يتم البيع بينهما.
عاشرها: إذا شرط الخيار عندنا زيادة على الثلاث بطل البيع، ولا يخرج على تفريق الصفقة، وقد روى الجذامي محمد بن يوسف، أنا محمد بن عبد الرحيم بن شروس، أنا حفص بن سليمان، أنا أبان، عن أنس أن رجلًا اشترى بعيرًا واشترط الخيار أربعة أيام، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم البيع فقال:"إنما الخيار ثلاثة أيامٍ".
قال: ثنا عبد الرزاق: ثنا رجل سمع أبانًا يقول عن الحسن: اشترى رجل بيعًا، وجعل الخيار أربعة أيام فقال عليه السلام:"البيع مردود، وإنما الخيار ثلاثة أيام" وأبان وحفص ضعيفان، والحديثان عزيزان
(3)
.
= ورواه ابن ماجه (2244) من طريق قتادة عن الحسن إن شاء الله عن سمرة بن جندب، بنحوه.
قال البيهقي 8/ 129: ليس بمحفوظ. وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(488).
(1)
ورد بهامش الأصل: كذا نقل الإجماع فيه غير واحد، وعن "الاستذكار" نقل فيه عن قوم أنه لا يجوز، فقال: خيار الشرط جائز. وقال قوم: لا يجوز.
(2)
تقدم تخريجه قريبًا.
(3)
ذكرهما ابن حزم في "المحلى" 8/ 372.
وذكره عبد الحق في "أحكامه" 3/ 266 وعزاه لعبد الرزاق من حديث أبان بن عياش. وقال: أبان لا يحتج بحديثه وكان رجلًا صالحًا.
وكذا عزاه الريلعي في "نصب الراية" 4/ 8 لعبد الرزاق في "المصنَّف"، والمصنِّف في "البدر المنير" 6/ 540، والحافظ في "تلخيص الحبير" 3/ 21 - 22.
وقال المصنف رحمه الله في "البدر": حديث واهٍ؛ أبان بن أبي عياش متروك. =
الحادي عشر: قال ابن المنير في ترجمة البخاري: إذا لم يوَقِّت في الخيار هل يجوز البيع؟ ثم ذكر حديث ابن عمر: "أو يقول أحدهما لصاحبه اختر"
(1)
: الظاهر أنه قصد تجوز البيع، وتفويض الأمر بعد اشتراط الخيار المطلق إلى العادة في مثل السلعة، وهذا مذهب مالك، وهو أسعد بإطلاق الحديث، خلافًا لمن منع البيع لذلك إلحاقًا بالغرر.
= وقال الحافظ في "الدراية" 2/ 148: في إسناده أبان وهو متروك.
قلت: والحديث لم أجده في "مصنف عبد الرزاق".
(1)
"المتواري" ص 240 وفيه: إلحاقًا بالعذر!
47 - باب إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَوَهَبَ مِنْ سَاعَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَلَمْ يُنْكِرِ البَائِعُ عَلَى المُشْتَرِي، أَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ
.
وَقَالَ طَاوُسٌ فِيمَنْ يَشْتَرِى السِّلْعَةَ عَلَى الرِّضَا ثُمَّ بَاعَهَا: وَجَبَتْ لَهُ، وَالرِّبْحُ لَهُ.
2115 -
وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ القَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ "بِعْنِيهِ". قَالَ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ:"بِعْنِيهِ". فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ". [2610، 2611 - فتح:4/ 334]
2116 -
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بِعْتُ مِنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ مَالًا بِالوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا تَبَايَعْنَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِهِ، خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي البَيْعَ، وَكَانَتِ السُّنَّةُ أَنَّ المُتَبَايِعَيْنِ بِالخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَلَمَّا وَجَبَ بَيْعِي وَبَيْعُهُ رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ غَبَنْتُهُ بِأَنِّي سُقْتُهُ إِلَى أَرْضِ ثَمُودٍ بِثَلَاثِ لَيَالٍ، وَسَاقَنِي إِلَى المَدِينَةِ بِثَلَاثِ لَيَالٍ. [انظر: 2107 - مسلم: 1531 - فتح: 4/ 334]
وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: ثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا عَمْرٌو، عَنِ ابن عُمَرَ في بيع الجمل الصعب بطوله.
وَقَالَ اللَّيْثُ
(1)
: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بِعْتُ مِنْ عُثْمَانَ بن عفان مَالًا بِالوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا تبَايَعْنَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِهِ، خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي البَيْعَ، وَكَانَتِ السُّنَةُ أَنَّ المُتَبَايعَيْنِ بِالخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَلَمَّا وَجَبَ بَيْعِي وَبَيْعُهُ رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ غَبَنْتُهُ بِأَنِّي سُقْتُهُ إِلَى أَرْضِ ثَمُودَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ، وَسَاقَنِي إِلَى المَدِينَةِ بِثَلَاثِ لَيَالٍ.
الشرح:
أثر طاوس أخرجه عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه به
(2)
. وعن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين: إذا بعت شيئًا على الرضا قال: الخيار لكليهما حتى يتفرقا عن رضا
(3)
.
وتعليق الحميدي روى البخاري منه قطعة في باب: من أهدي له هدية وعنده جلساؤه. فقال: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا ابن عيينة
(4)
.
وأخرجه الإسماعيلي من حديث ابن أبي عمر وهارون عنه، وأخرجه أبو نعيم من حديث بشر بن موسى عنه، وكذا هو في "مسنده" من رواية بشر بن موسى عنه.
وتعليق الليث رواه الإسماعيلي من حديث أبي صالح عنه، ورواه أيضًا من حديث أيوب بن سويد، عن يونس بن يزيد، عن الزهري به، قال: ورواه أبو صالح، عن الليث: عن يونس أخبرنا القاسم: أنا
ابن زنجويه، ثنا أبو صالح.
(1)
فوقها في الأصل: معلق.
(2)
"مصنف عبد الرزاق" 8/ 55 (14285).
(3)
"مصنف عبد الرزاق" 8/ 52 (14269).
(4)
ستأتي برقم (2610) كتاب: الهبة.
وقال البيهقي: رواه يحيى بن بكير أيضًا عن الليث، عن يونس، عن الزهري به
(1)
وذكره أبو نعيم من حديث أبي صالح عنه، ثم قال: ذكره -يعني: البخاري- فقال: وقال الليث، ولم يذكر من دونه، ويدل على أن الحديث لأبي صالح، وأبو صالح ليس من شرطه.
إذا تقرر ذلك: فالحديث حجة لمن يرى الافتراق بالكلام في الحديث السالف في الباب قبله "البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا" وهو بين في ذلك، ألا ترى أنه عليه السلام وهب الجمل من ساعته لابن عمر قبل التفرق من عمر، ولو لم يكن الجمل له ما جاز له أن يهبه لابن عمر حتى يجب له بافتراق الأبدان.
وأما حديث ابن عمر في مبايعته لعثمان فقد احتج به من قال: إن التفرق بالأبدان.
واحتج به أيضًا من قال: إنه بالكلام، وكان من حجة الثاني أن قالوا: لو كان معنى الحديث التفرق بالأبدان، لكان المراد به الحض والندب إلى حسن المعاملة من المسلم للمسلم وألَّا يفترسه في البيع على استخباره عن الداء والغائلة، وقد قال عليه السلام:"من أقال نادمًا أقال الله عثرته يوم القيامة". من حديث أبي هريرة
(2)
؛ ألا ترى قول ابن عمر: (وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار ما لم يفترقا)، وفي رواية:
(1)
البيهقي 5/ 271.
(2)
رواه أبو داود (3460)، وابن ماجه (2199)، وابن حبان 11/ 405 (5030)، والحاكم 2/ 45، والبيهقي 6/ 27، من طريق الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ:"من أقال مسلمًا أقاله الله عثرته".
ورواه ابن حبان 11/ 404 (5029)، والبيهقي 6/ 27 من طريق سمي عن أبي صالح، به، باللفظ في ذكره المصنف هنا. =
وكانت السنة يومئذٍ. ذكرها أبو عبد الملك، ولو كان على الإلزام لقال: كانت، وتكون إلى يوم الدين، فحكى ابن عمر أن الناس حينئذٍ كانوا يلتزمون الندب، لأنه كان زمن مكارمةٍ، وأن الوقت في حدث ابن عمر بهذا الحديث كان التفرق بالأبدان متروكًا، ولو كان على الوجوب ما قال: وكانت السنة، فكذلك جاز أن يرجع على عقبيه؛ لأنه فهم أن المراد بالحديث الحض والندب، لا سيما وهو في حصر فعله في هبته البكر له بحضرة البائع قبل التفرق.
وقال الطحاوي: يحتمل حديث ابن عمر الوجهين جميعًا، فنظرنا في ذلك، فروينا عنه ما يدل أن رأيه كان في الفرقة، بخلاف ما ذهب إليه من قال: إن البيع لا يتم إلا بها. وهو ما رويناه عن ابن عمر
قال: ما أدركت الصفقة حيًّا فهو من مال المبتاع
(1)
.
قال ابن حزم: صح هذا عنه ولا يُعلم له مخالف من الصحابة
(2)
.
قال ابن المنذر: يعني في السلعة تتلف عند البائع قبل أن يقبضها
= وللحديث طرق وألفاظ أخرى.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين. وقال ابن دقيق العيد في "الاقتراح" ص 99: على شرط الشيخين. وصححه ابن حزم في "المحلى" 9/ 3، والمصنف في "البدر المنير" 6/ 556. وقال البوصيري في "الزوائد" (730):
إسناد طريق ابن ماجه صحيح على شرط مسلم.
وصححه الألباني في "الإرواء"(1334).
(1)
"شرح معاني الآثار" 4/ 16.
وأثر ابن عمر هذا سيأتي معلقًا قبل حديث (2138) باب إذا اشترى متاعًا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض.
وهناك -إن شاء الله- يأتي مزيد تخريج له.
(2)
"المحلى" 8/ 383، 396.
المشتري بعد تمام البيع هي من مال المشتري؛ لأنه لو كان عبدًا فأعتقه المشتري كان عتقه جائزًا؛ بخلاف عتق البائع، فهذا ابن عمر يذهب فيما أدركت الصفقة حيًّا فهلك بعدها أنه من مال المشتري، فدل ذلك أنه كان يرى أن البيع يتم بالأقوال قبل الفرقة التي تكون بعد ذلك، وأن البيع ينتقل بالأقوال من ملك البائع إلى ملك المبتاع حتى يهلك من ماله إن هلك، وهذا من ابن عمر قال على أن مذهبه في الفرقة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكروا. وقد وجدنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن المبيع يملكه المشتري بالقول دون التفرق بالأبدان، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه"
(1)
فكان ذلك دليلًا على أنه إذا قبضه حل له بيعه فيكون قابضًا له قبل التفرق بالأبدان.
وفي ابن ماجه من حديث ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عن
سعيد بن المسيب قال: سمعت عثمان يخطب على المنبر ويقول: كنت أشتري التمر وأبيعه بربح فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اشتريت فاكتل، وإذا بعت فكِلْ"
(2)
وسيأتي عند البخاري أيضًا معلقًا
(3)
. وكان من ابتاع طعامًا مكايلة فباعه قبل أن يكتاله لا يجوز بيعه، فإذا ابتاعه واكتاله وقبضه ثم فارق بائعه، فكلٌّ قد أجمع أنه لا يحتاج بعد الفرقة إلى إعادة الكيل. وخولف بين اكتياله إياه بعد البيع قبل التفرق وبين اكتياله إياه قبل البيع، فدل ذلك أنه إذا اكتاله اكتيالًا يحل له به بيعه،
(1)
سيأتي برقم (2132) كتاب: البيوع، باب: ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، ورواه مسلم (1525) كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض.
(2)
ابن ماجه (2230) كتاب: التجارات، باب: بيع المجازفة.
(3)
قبل حديث (2126) كتاب: البيوع، باب: الكيل على البائع والمعطي.
فقد كان ذلك اكتيالًا له وهو له مالك، وإن اكتال اكتيالًا لا يحل له، فهو كاله وهو غير مالك له، فثبت بما ذكرنا وقوع ملك المشتري في المبيع بابتياعه إياه قبل فرقة تكون بعد ذلك، فهذا وجه طريق الآثار.
وأما طريق النظر: فرأينا الأموال تملك بعقود في أبدان وفي أموال وفي أبضاع وفي منافع، فكان ما يملك من الأبضاع هو النكاح، وكأنه (يملك)
(1)
بعقده لا بفرقةٍ بعد العقد وكان ما يملك به المنافع هو الإجارات، وكان ذلك أيضًا مملوكًا بالعقد لا بفرقةٍ بعده، فالنظر على ذلك أن تكون كذلك الأموال المملوكة بسائر العقود من البيوع، وغيرها تكون مملوكة بالأقوال لا بفرقة بعدها قياسًا ونظرًا.
وفي الحديث: أن يسأل رب السلعة بيعها وإن لم يعرضها، وأن البيع لا يحتاج إلى قبض.
وقول البخاري: (ولم ينكر البائع على المشتري) فيه تعسف، ولا يحمل فعله أنه وهب ما فيه لآخر خيار ولا إنكار؛ لأنه إنما بعث مبينًا. نبه عليه ابن التين، قال: وليس فيه ما بوَّب له.
ومعنى: (سُقْتُهُ إِلَى أَرْضِ ثَمُود): يعني: أن الأرض التي أعطيت بعدها من أرض ثمود ثلاث ليالٍ، والأرض التي أعطاني من المدينة على ثلاث، وما قرب موضع حاجته، وقد ذكر أن مسافة ما بين
المدينة وخيبر أكثر من أربعة أيام.
وقوله في الترجمة: (أو اشترى عبدًا فأعتقه). كأنه إنما أخذه من القياس على الهبة؛ لأن القبض آكد من الهبة.
(1)
من (م).
وفي الحديث: جواز بيع الغائب علي الصفة، وهو مذهب جماعات، وسيأتي ذلك بعد إن شاء الله تعالى.
وقام الإجماع أن البائع إذا لم ينكر على المشتري ما أخذ به من الهبة أو العتق أنه بيع جائز، واختلفوا إذا لم ينكر ولم يرض بما أخذ به المشتري، فالذين يرون أن البيع يتم بالكلام يجيزون هبته وعتقه، ومن يرى التفرق بالأبدان لا يجيز شيئًا من ذلك، إلا بعد التفرق، وحديث عمر حجة عليهم، وفي حديث الجمل توقيرهم الشارع، ولا يتقدمونه في المشي.
وفيه: زجر الدواب، وهبة المبيع للغير وإن لم يأذن البائع كما سلف. وفي مبايعة ابن عمر جواز بيع الأرض بالأرض.
وفي تلطف ابن عمر وافتراقه من عثمان استعمال الندب؛ إذ ليس من شأنهم التحيل.
48 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الخِدَاعِ فِي البَيْعِ
2117 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي البُيُوعِ، فَقَالَ:"إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ". [2407، 2414، 6946 - مسلم: 1533 - فتح: 4/ 337]
ذكر فيه حديث ابن عمر: أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي البُيُوعِ، فَقَالَ:"إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا، فكان إذا بايع يقول: لا خلابة
(1)
.
وهذا الرجل هو حَبَّان بن منقذ، بفتح الحاء المهملة ثم باء موحدة مفتوحة، شهد أحدًا وأصابته آفة في رأسه، وولد ولده محمد بن يحيى بن حبان، روى له الجماعة، وعمه واسع بن حبان أخرجوا له أيضًا، وروى مسلم وأبو داود والترمذي لابنه حبان
(2)
. وقيل: إن هذِه القصة لمنقذ بن عمرو، قال ابن بطال: وهو أصح
(3)
. وعاش منقذ مائة وثلاثين سنة كما سيأتي.
وفي "الاستيعاب" أنه منقذ
(4)
، وذلك محفوظ من حديث ابن عمر وغيره. والحاكم ذكره من حديث ابن عمر في ولده حَبان، ثم قال:
(1)
مسلم (1533) كتاب: البيوع، باب: من يخدع في البيع. وفيه يقول: لا خيابة.
(2)
"تهذيب التهذيب"(م. د. ت) 1/ 344.
أخرجوا له حديثًا واحدًا في الوضوء: مسلم (236) باب: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو
داود (120)، والترمذي (35)، وانظر ترجمته في "الاستيعاب" 1/ 379 (482)، "أسد الغابة" 1/ 437 (1025).
(3)
"شرح ابن بطال" 6/ 246.
(4)
"الاستيعاب" 4/ 14 (2529).
متصل الإسناد
(1)
.
وللدارقطني من حديث ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر أن رجلًا من الأنصار كان بلسانه لوثة
(2)
، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ مرتين".
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن يحيى بن حبان قال: هو جدي منقذ بن عمرو، وكان رجلًا قد أصابته آفة في رأسه فكسرت لسانه ونازعته عقله، وكان لا يدع التجارة ولا يزال يغبن.
وفيه، وكان عَمَّر عُمرًا طويلًا، عاش ثلاثين ومائة سنة، وكان في زمن عثمان حين فشا الناس
(3)
. وفي لفظ عن ابن عمر: كان حبان رجلًا ضعيفًا، وكان قد سُفع في رأسه مأمومة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم له الخيار فيما يشتري ثلاثًا، وكان قد ثقل لسانه، فكنت أسمعه يقول: لا خذابة لا خذابة. (4) قال الدارقطني: وكان ضرير البصر
(5)
.
وفي الطبراني لما عمي قال له عليه السلام ذلك. ولابن حزم من حديث ابن إسحاق: أن منقذًا سفع في رأسه مأمومة في الجاهلية فحلت لسانه.
وفيه: "وأنت بالخيار ثلاثًا"
(6)
.
(1)
"المستدرك" 2/ 22، وليس فيه قول الحاكم: متصل الإسناد. وإنما صححه الذهبي.
(2)
ورد بهامش الأصل: الاسترخاء.
(3)
"سنن الدارقطني" 3/ 55.
(4)
"سنن الدارقطني" 3/ 54.
(5)
"سنن الدارقطني" 3/ 54 من كلام عمر رضي الله عنه.
(6)
"المحلى" 8/ 296.
وقال الجياني: شج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحصون بحجر. قال صاحب "المطالع": وكان ألثغ لا يعطيه لسانه إخراج اللام، وكان ينطق به ياءً أو ذالًا معجمة، وصحف من قال: لا خيانة
(1)
.
و (الخِلَابَة): المخادعة، فلا خلابة، أي: لا خديعة، ولا غش، ولا كيد، ولا غبن ونحو ذلك. قال المهلب: أي: لا تخلبوني فإنه لا يحل، فإن اطلعتُ على عيب رجعت به.
واختلف الفقهاء فيمن باع بيعًا غبن فيه غبنًا لا يتغابن الناس بمثله، فقال مالك: إن كانا عارفين بتلك السلعة وبأسعارها في وقت البيع لم يفسخ ولو كثر الغبن، وإن كانا أو أحدهما غير عارفٍ بتقلب السعر وتغيره وتفاوت الغبن فسخ البيع، إلا أن يريد أن يمضيه. ومن أصحاب مالك من اعتبر مقدار ثلث السلعة، ولم يجد مالك في ذلك حدًّا. ومذهبه إذا خرج عن تغابن الناس في مثل تلك السلعة أنه يفسخ. وبهذا قال أبو ثور. وقال أبو حنيفة والشافعي: ليس له أن يفسخ في الغبن وإن كثر، وبه قال ابن القاسم: وحجتهم هذا الحديث؛ لأن من يخدع في عقله بضعف يلحقه الغبن في عقوده، فجعل له الشارع الخيار لما يلحقه من ذلك، فلو كان الغبن شيئًا يملك به فسخ العقد لما احتاج إلى شرط خيار مع استغنائه عنه
(2)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: وفيه أيضًا: لا خيابة. ذكره في "المطالع".
[قلت: رواه مسلم بهذِه اللفظة "لا خيابة" (1533)].
(2)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 80، "الهداية" 3/ 41، "التفريع" 2/ 173، "عيون المجالس" 3/ 1418 - 1420، "المنتقى" 5/ 108، "القوانين الفقهية" ص 265، "الأم" 3/ 68، "المغني" 6/ 36.
قلت: ذلك بأنه عليه السلام قال: "لك الخيار"
(1)
ولم يقل له: اشترط الخيار. وقال له: ("قُلْ: لَا خِلَابَةَ") أي: لا خديعة، فلو كان الغبن مباحًا لم يكن لقوله:"لا خِلابة" معنًى، ولم ينفعه ذلك، فلما كان ذلك ينفعه جعل له الشارع الخيار بعد ذلك، لينظر فيما باعه ويسأل عن سعره ويرى رأيه فيه، وإنما جعل ذلك في حبان ليعلمنا الحكم في مثله، وإنما تعرف الأحكام بما يبينه، فبين من يغبن في بيعه إذا لم يكن عارفًا بما يبيعه. وأيضًا فقد جعل الشارع الخيار للمتلقي لأجل الغبن، واعترضه ابن حزم بأن فيه الخيار إلى دخول السوق، ولعله لا يدخله إلا بعد عام أو أكثر
(2)
.
قلت: خلاف الغالب، وأيضًا لو ابتاع سلعةً فوجد بها عيبًا كان له الخيار في الرد لأجل النقص الموجود بها، فلا فرق بين أن يجد النقص بالسلعة أو بالثمن؛ لأنه في كلا الموضعين قد وجد النقص في يخرج به عن القصد، ولا يرد الغبن اليسير؛ لاحتماله غالبًا.
وذكر ابن حبيب عن مالك أنه سُئل عن جاهل باع حجرًا أو درة بدرهمين فألفاه، أي: وجده المشتري ياقوتة فلم ير فيه رجوعًا؛ لأن الغلط ماض على البائع والمبتاع في المساومة، وإنما يرد في البيع على المرابحة، إلا أن يبيعه بائعه على أنه زجاج فألفاه المشتري ياقوتة، فإنه يرد البيع، وكذلك لو باعه على أنه ياقوت فألفاه المشتري زجاجًا، يُرد أيضًا
(3)
.
وزعم ابن عبد البر أن هذا خاص بحبان، وأن الغبن بين المتبايعين
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
"المحلى" 8/ 373.
(3)
انظر: "المنتقى" 5/ 108، "تبصرة الحكام" 2/ 127.
لازمه، ولا خيار للمغبون بتسببها، سواء قلت أو كثرت
(1)
، وهو أصح الروايتين عن مالك. وقال البغداديون من أصحابه: للمغبون الخيار بشرط أن يبلغ الغبن ثلث القيمة
(2)
. وكذا حدَّه أبو بكر بن موسى من الحنابلة. وقيل: السدس، وعن داود: العقد باطل
(3)
. ويؤيد الخصوص رواية ابن لهيعة، عن حبان، عن طلحة بن يزيد بن ركانة أنه كلم عمر بن الخطاب في البيوع، فقال: ما أجد لكم شيئًا مما جعله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبان
(4)
، ورواية ابن لهيعة أيضًا عن حبان بن واسع، عن أبيه، عن جده، قال عمر بن الخطاب الحديث
(5)
، لكنهما ضعيفان.
وتمسك بهذا الحديث من لا يرى الحجر على الكبير، لا سيما وقد جاء في بعض طرقه أن أهل هذا الرجل سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحجر عليه لما في عقوده من الغبن، فلم يحجر عليه، وأمره بقوله:"لَا خِلَابَةَ".
قلت: قد يقال: إن الحجر عليه يؤخذ منه؛ لأنهم سألوه ما أنكر عليهم، وقد قال له:"قل: لا خلابة، ولك الخيار ثلاثًا". ويروى: "واشترط الخيار ثلاثًا"
(6)
.
(1)
"التمهيد" 17/ 9.
(2)
انظر: "التاج والإكليل" 6/ 399، "مواهب الجليل" 6/ 398.
(3)
انظر: "المغني" 6/ 36، 37.
(4)
رواه الطبراني في "الأوسط" كما في "نصب الراية" 4/ 8 والدارقطني 3/ 54، والبيهقي 5/ 274، وأشار الحافظ لضعفه، فقال في "التلخيص" 3/ 231: فيه ابن لهيعة.
(5)
انظر: "سنن البيهقي" 5/ 274 قال البيهقي مشيرًا لضعف الطريقين: الحديث ينفرد به ابن لهيعة.
(6)
تقدم تخريجه وقال المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 6/ 539 - 540: رواية "واشترط الخيار ثلاثًا" غريبة قال ابن الصلاح: منكرة لا أصل لها وانظر "تلخيص الحبير" 3/ 21 - 22.
ويجوز أن يكون تركه لكونه يسيرًا لا يحجر بمثله.
قال الدودي: أسفر لنفسه فدله على وجه يختص به، ولم يضرب على يديه. وأجاب ابن العربي بأنه يحتمل أن تكون الخديعة كانت في العيب أو في الغبن أو في الكذب أو في الثمن أو في العين.
وليست قضية عامة فتحمل على العموم، وإنما هي خاصة في عين وحكاية حال. وعند المالكية خلاف في الحجر على من يخدع في بيعه، قال ابن شعبان: نعم. وقال غيره: لا؛ عملًا بهذا الحديث، واستدل به على أن بيع السفيه إذا لم يكن عليه وصي على الجواز حتى يضرب على يده، لإجازة الشارع ما تقدم من بيوعه.
وعورض بأنه يحتمل أن يكون بائعه غير معروف أو غائبًا. وقد قال ابن القاسم: يفسخ بيعه وإن لم يضرب على يديه، وخالفه جميع أصحاب مالك
(1)
.
قال ابن حزم: من قال حين يبيع أو يبتاع: لا خلابة، فله الخيار ثلاث ليالٍ بما في خلالهن من الأيام، إن شاء رد بعيب أو بغيره أو بخديعةٍ أو بغيرها بغبن أو بغيره، وإن شاء أمسكه، فإذا انقضت الليالي الثلاث بطل خياره ولزمه، ولا رد إلا من عيب إذا وجد، فإن قال لفظًا غير: لا خلابة بأن يقول: لا خديعة، أو لا غش، أو لا كيد، أو لا غبن، أو لا منكر، أو لا عيب، أو لا ضرر، أو على السلامة،
أو لا داء، أو لا غائلة أو لا خبث، أو نحو هذا لم يكن له الخيار المجعول لمن قال: لا خلابة؛ لكن إن وجد شيئًا مما بايع على أن لا يعقد بيعه عليه بطل البيع، وإن لم يجده لزم البيع
(2)
.
(1)
انظر: "مواهب الجليل" 6/ 115.
(2)
"المحلى" 8/ 409 - 410.
وحكى ابن التين قولًا أن معنى: لا خلابة في صفة النقد، وفي وفاء الوزن والكيل، قال: ويحتمل أن يأمره بذلك على وجه الإعذار لبائعه. وقيل: إنه عليه السلام جعل له ذلك علامة يثبت له بها الخيار ثلاثًا. واحتج به على جواز اشتراطه للبائع والمشتري والأجنبي؛ لإطلاق الحديث.
وفيه: ما كان القوم عليه من أداء الأمانة لمن عاملهم والنصح لمن استنصحهم.
49 - باب مَا ذُكِرَ فِي الأَسْوَاقِ
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ قُلْتُ: هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعَ. [انظر: 2048] وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ. [انظر: 2049] وَقَالَ عُمَرُ: أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. [انظر: 2062]
2118 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ". قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ:"يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ". [مسلم: 2884 - فتح: 4/ 338]
2119 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةُ أَحَدِكُمْ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ، لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ، لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، وَالمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ". وَقَالَ: "أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ". [انظر: 176 - مسلم: 362، 649 - فتح: 4/ 338]
2120 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي السُّوقِ، فَقَالَ: رَجُلٌ يَا أَبَا القَاسِمِ. فَالتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّمَا دَعَوْتُ هَذَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي".
2121 -
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: دَعَا رَجُلٌ بِالبَقِيعِ: يَا أَبَا القَاسِمِ. فَالتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لَمْ أَعْنِكَ. قَالَ: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". [انظر: 2120 - مسلم: 2131 - فتح: 4/ 339]
2122 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ، حَتَّى أَتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَ بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ فَقَالَ:"أَثَمَّ لُكَعُ، أَثَمَّ لُكَعُ؟ ". فَحَبَسَتْهُ شَيْئًا، فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تُلْبِسُهُ سِخَابًا أَوْ تُغَسِّلُهُ، فَجَاءَ يَشْتَدُّ حَتَّى عَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ، وَقَالَ:"اللَّهُمَّ أَحْبِبْهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ". قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَأَى نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ. [5884 - مسلم: 2421 - فتح: 4/ 339]
2123 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مِنَ الرُّكْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَبْعَثُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ حَيْثُ اشْتَرَوْهُ، حَتَّى يَنْقُلُوهُ حَيْثُ يُبَاعُ الطَّعَامُ. [2131، 2137، 2166، 2167، 6852 - مسلم: 1527 - فتح: 4/ 339]
2124 -
قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاعَ الطَّعَامُ إِذَا اشْتَرَاهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ. [2126، 2133، 2136 - مسلم: 1526 - فتح: 4/ 339]
ذكر فيه أثر عبد الرحمن السالف أول البيع
(1)
. وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، وَقَالَ عُمَرُ: أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وقد سلف هناك
(2)
. وفعلهما دال على فضل الكفاف.
ثم ذكر حديث عائشة مرفوعًا: "يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ
(1)
برقم (2048) كتاب: البيوع، باب: ما جاء في قول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} .
(2)
مسندًا برقم (2062) كتاب: البيوع، باب: الخروج في التجارة.
مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ" -الحديث-. وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ؟ "ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ". وأخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
وحديث أبي هريرة السالف في الصلاة
(2)
: "صَلَاةُ أَحَدِكُمْ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاِتهِ فِي بيته وسوقه بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً
…
" الحديث بطوله.
وفيه: ("ولَا يَنْهَزُهُ") أي: لا يخرجه ولا يدفعه، يقال: نهز الرجل بنفسه إذا نهض، وهو بضم الياء وفتحها.
والخطوة: -بفتح الخاء وحكي الضم-. ويؤذ: يغتب. وقال: أبو هريرة: يحدث.
وحديث أنس: كَانَ عليه السلام بالسوق، فَقَالَ: رَجُلٌ يَا أَبَا القَاسِمِ
…
الحديث. وفي آخره: "لا تسموا بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي".
وفي رواية
(3)
: دَعَا رَجُلٌ بِالبَقِيعِ: يَا أَبَا القَاسِمِ
…
الحديث.
وحديث عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلَّمُهُ، حَتَّى أَتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَ بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ فَقَالَ:"أثَمَّ لُكَعُ، أثَمَّ لُكَعُ؟ " وفي آخره: "اللَّهُمَّ أَحْبِبْهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ".
يريد: الحسن
(4)
بن علي.
(1)
مسلم (2884) كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: الخسف بالجيش في يؤم البيت.
(2)
برقم (477) باب: الصلاة في مسجد السوق.
(3)
ورد بهامش الأصل: ساقها بسند آخر يجتمعان في حميد.
(4)
في الأصل فوق الكلمة: الحسين.
وعند الإسماعيلي: جاء الحسن والحسين يشتدوا.
واللكع: الاستصغار، ويقال: اللؤم.
وفيه: (فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تُلْبِسُهُ سِخَابًا) والسِخَابً: قلادة خرزها طيب.
قال سفيان
(1)
: قال عبيد الله -يعني: ابن أبي يزيد- أخبرني أنه رأى نافع بن جبير أوتر بركعة.
وحديث موسى بن عقبة، عَنْ نَافِعٍ، ثَنَا ابن عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مِنَ الرُّكْبَانِ عَلَى عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَيَبْعَثُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ حَيْثُ اشْتَرَوْهُ، حَتَّى يَنْقُلُوهُ حَيْثُ يُبَاعُ الطَّعَامُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابن عُمَرَ: نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاعَ الطَّعَامُ إِذَا اشْتَرَاهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ.
وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
.
(1)
ورد فوق الكلمة في الأصل: معلق.
قلت: وكأنه تعليق سبط بن العجمي، وفيه نظر؛ فإنه ليس تعليقًا، بل هو موصول بإسناد الحديث قبله مباشرة، حديث (2122) والمصنف ذكره هنا ولم يذكر أنه معلق، وكذا لم يذكره الحافظ في "تغليق التعليق".
بل قال في "الفتح" 4/ 342: هو موصول بالإسناد المذكور.
وكذا قال العيني في "عمدة القاري" 9/ 331 وزاد: وسفيان هو ابن عيينة، وعبيد الله هو ابن أبي يزيد المذكور في الحديث؛ وقد نقد الراوي على قوله:(أخبرني أنه)، وهذا لا يضر، وفائدة إيراد هذِه الزيادة التنبيه على لقي عبيد الله لنافع بن جبير، فلا تضر العنعنة في الطريق الموصول؛ لأن من ثبت لقاؤه لمن حدث عنه ولم يكن مدلسًا حملت عنعنته على السماع اتفاقًا، وإنما الخلاف في المدلس أو فيمن لم يثبت لقيه لمن روى عنه. اهـ.
(2)
مسلم (1526) كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض.
الشرح:
إنما أراد بذكر الأسواق إباحة المتاجر، ودخول السوق والشراء فيه للعلماء والفضلاء، وكأنه لم يصح عنده الحديث المروي:"شر البقاع الأسواق وخيرها المساجد"
(1)
، وهذا إنما خرج علي الأغلب؛ لأن
(1)
رواه الحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث"(119)، و"إتحاف الخيرة المهرة" 2/ 27 (969)، وأبو يعلى كما في "المطالب العالية" 3/ 468 (350)، وابن حبان 4/ 476 (1599)، والحاكم 1/ 90 و 2/ 7، والبيهقي 3/ 65 و 7/ 50 - 51، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" 2/ 826 (1550)، والحافظ في "موافقة الخبر الخبر" 1/ 11 من طريق جرير بن عبد الحميد عن عطاء عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث وفيه قصة. وفيه: فحدثه أن خير البقاع المساجد وأن شر البقاع الأسواق.
والحديث صححه الحاكم 2/ 7. وكذا ابن حبان. وقال البوصيري في "الإتحاف" 2/ 28: في الحكم بصحة الحديث نظر؛ فإن جرير بن عبد الحميد سمع من عطاء بعد اختلاطه، قاله أحمد بن حنبل، وشيخه يحيى بن سعيد القطان.
وقال الحافظ في "المطالب" 3/ 468: صححه ابن حبان. وسكت، فكأنما أقره.
بل صرح بتصحيحه في "الموافقة" 1/ 11 فقال: حديث حسن صحيح.
والحديث ذكره الألباني في "الثمر المستطاب" 1/ 499 - 500 ونحا منحى البوصيري، فقال: جرير ممن سمع من عطاء حديثًا بعد الاختلاط، وقد جاء في حديث هذا ألفاظ ظاهرة النكارة مما لم يرد في الأحاديث الأخرى. وذلك يدل على اختلاطه، لكن أصل الحديث صحيح بشواهده. اهـ.
قلت: فله شاهد من حديثي جبير بن مطعم وأنس.
فأما حديث جبير بن مطعم: رواه الإمام أحمد 4/ 81، والبزار كما في "كشف الأستار"(1252)، وأبو يعلى 13/ 400 (7403)، والطبراني 2/ 128 (1546)، والحاكم 1/ 89 - 90 و 2/ 7، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" 2/ 361 (1102)، والحافظ في "الموافقة" 1/ 10 من طريق زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير بن مطعم أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره، بنحو حديث ابن عمر. =
المساجد يُذكر فيها اسم الله، والأسواق غلب عليها اللغط واللهو، والاشتغال بجمع الأموال، والكلب على الدنيا من الوجه المباح وغيره، وأما إذا ذكر الله فيه فهو من أفضل الأعمال: لحديث: "من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير. كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة، وبنى له بيت في الجنة"
(1)
.
= وصححه الحاكم. وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 339: إسناده حسن وتابعه قيس بن الربيع عن عبد الله بن محمد بن عقيل: رواه الطبراني 2/ 128 (1545)، ومن طريقه الحافظ في "الموافقة" 1/ 10 من طريق عاصم بن علي، عن قيس، به.
ومن هذين الطريقين حسنه الحافظ في "الموافقة" 1/ 11.
وتابعه أيضًا عمرو بن ثابت، رواه الحاكم 1/ 90.
والحديث حسنه الألباني بمتابعاته في "الثمر" 1/ 498.
وأما حديث أنس فرواه الطبراني في "الأوسط" 7/ 154 - 155 (7140)، ومن طريقه الحافظ في "الموافقة" 1/ 9 - 10 من طريق عبيد بن واقد، عن عمارة بن عمارة الأزدي، عن محمد بن عبد الله، عن أنس بن مالك، بنحوه.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عمارة بن عمارة إلا عبيد بن واقد.
قال الحافظ: وهو ضعيف.
قلت: والحديث رواه مسلم (671) عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها".
(1)
رواه الترمذي (3428)، والطبراني في "الدعاء" 2/ 1167 (792)، والحاكم 1/ 538 من طريق أزهر بن سنان عن محمد بن واسع قال: قدمت مكة فلقيني أخي سالم بن عبد الله بن عمر، فحدثني عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب، مرفوعًا به.
قال الترمذي: حديث غريب.
ورواه الترمذي (3429)، وابن ماجه (2235)، والطيالسي 1/ 14 - 15 (12)، وأحمد 1/ 47، والبزار في "البحر الزخار" 1/ 238 (125)، والطبراني في "الدعاء" 2/ 1165 - 1166 (789)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(183)، وابن عدي 6/ 235 من طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عن أبيه عن جده عمر، به.
وتابعه المعتز بن سليمان عند الترمذي وهشام بن حسان عند الطبراني في "الدعاء"(790)، وابن عدي 6/ 235 - 236 وثابت بن يزيد عند الطبراني (791).
قال الترمذي: عمرو بن دينار هذا هو شيخ بصري تكلم فيه بعض أصحاب الحديث.
قال شيخ الإسلام ابن القيم في "الحاشية" 13/ 285: حديث معلول، لا يثبت مثله. ثم أورد طرقه عند الترمذي، وذهب يضعفها بتفصيل.
وقال في "المنار المنيف" ص 46: حديث معلول، أعله أئمة الحديث.
وقال الحافظ في "الفتح" 11/ 206: رواه الترمذي وغيره، وفي سنده لين.
وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"(327): إسناده ضعيف جدًا، وضعفه بعمرو بن دينار.
والحديث رواه الترمذي في "العلل الكبير" 2/ 912، والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 304 من طريق يحيى بن سليم عن عمران بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، مرفوعًا به.
قال الترمذي: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: هذا حديث منكر. وانظر: "علل ابن أبي حاتم" 2/ 181 (2038)، و"علل الدارقطني" 2/ 48 - 49.
والحديث في الجملة بأسانيده ضعِّف، فقال العقيلي 3/ 305: الأسانيد في هذا الحديث فيها لين.
وأومأ شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 18/ 67 لضعف الحديث.
وهذا الحديث أورده فضيلة الشيخ أبي إسحاق الحويني في "النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة"(74) وقال: حديث منكر. وخرجه تخريجًا نفيسًا، فلينظر.
ونضيف أيضًا أن الحديث رواه الطبراني في "الدعاء"(793) من طريق أبي خالد الأحمر عن المهاجر بن حبيب قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت عمر، به. ومن هذا الطريق أورده العلامة الألباني في "الصحيحة"(3139) وصححه وعقد فيه بحثًا بلغ عشر صفحات، رد فيه على من أعله وضعفه، وأتى على بنيانهم من القواعد، فليسارع إليه.
تتمة أخيرة: الحديث رواه ابن السني (184) عن ابن عباس مرفوعًا.
قال الألباني في "الضعيفة"(5171): موضوع.
ولذلك إذا لغا في المسجد أو لغط فيه أو عصى ربه لم يضر المسجد، ولا نقص من فضله، وإنما أضر بنفسه، وبالغ في إثمه. وقد روي عن علي أنه قال: من عصى الله في المسجد فكأنما عصاه في الجنة، ومن عصاه في الحمام فكأنما عصاه في النار، ومن عصاه في المقبرة فكأنما عصاه في عرصات القيامة، ومن عصاه في البحر فكأنما عصاه على أكف الملائكة.
وفي حديث عائشة: أن من كثَّر سواد قوم في معصية أو في فتنة أن العقوبة تلزمه معهم إذا لم يكونوا مغلوبين على ذلك؛ لأن الخسف لما أخذ السوق عقوبة لهم شمل الجميع. واستنبط منه مالك أن من وُجد مع قوم يشربون الخمر وهو لا يشرب أنه يعاقب، ويريد أن المغلوبين على تكثير السواد ليسوا ممن يستحق العقوبة، لقوله تعالى {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ} الآية [الفتح: 25].
وفيه: علم من أعلام النبوة، وهو إخباره بما يكون.
وفيه: أنه لا بأس بمهازلة الصبي وغيره إذا كان واقعًا تحت السنن والفضل، لاسيما إن عضد ذلك أبوه؛ لأنه عليه السلام أبوه، والجد أب.
والبيداء: المفازة وجمعها بيد.
وقوله: (وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ)، في "مستخرج أبي نعيم": فيهم أشرافهم بالشين المعجمة بدله، وعند الإسماعيلي: وفيهم سواهم، بدل: من أسواقهم، قال: ورواه البخاري: (وفيهم أسواقهم)، وليس هذا
الحرف في حديثنا، وأظن أن أسواقهم تصحيف، فإن الكلام في الخسف بالناس لا بالأسواق.
قال ابن التين: ولعل هذا الجيش الذين يخسف بهم هم الذين
(يهدمون)
(1)
الكعبة فينتقم منهم، ويكون الذين يبعثون على نياتهم وحضرت آجالهم بالخسف، كانوا ينكرون بقلوبهم ولا يقدرون على غير ذلك؛ وقد قال تعالى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، وقال:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} الآية [الأنعام: 44].
قلت: قد يقال: (الحبش)
(2)
الذين يقدمون ليسوا من هذِه الأمة.
والشارع قال في "صحيح مسلم": "إن ناسًا من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش قد لجأ إلى البيت" فذكر الحديث
(3)
.
فإن قلت: فما ذنب من أكره على الخروج أو من جمعته وإياهم
الطريق؟ قلت: عائشة لما سألت، قال:"يبعثون على نياتهم" فماتوا بها لما حضر من آجالهم وبعثوا على نياتهم.
وحديث أنس -يعني: الثاني- لا مناسبة له للباب، نعم ذكر في أصله.
وروي أيضًا من حديث جابر وأبى حميد الساعدي "من تسمى باسمي فلا يكتني بكنيتي"
(4)
.
(1)
في (م): يقدمون.
(2)
في (م): إن.
(3)
مسلم (2884) كتاب: الفتن، باب: الخسف بالجيش في يؤم البيت.
(4)
حديث جابر سيأتي بنحوه برقم (3538)، ورواه مسلم (2133).
وأما حديث أبي حميد الساعدي فرواه البزار كما في "كشف الأستار"(1990) من طريق محمد بن سليمان: ثنا أبو بكر بن أبي سبرة، عن عبد الله بن أبي بكر، عن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبي حميد، به.
قال البزار: لا نعلم لأبي حميد غير هذا الطريق، وابن أبي سبرة لين الحديث.
وقال الهيثمي في "المجمع" 8/ 47: فيه أبو بكر بن أبي سبرة، وهو متروك.
قلت: قال الحافظ عنه في "التقريب"(7973): رموه بالوضع، وقال مصعب الزبيري: كان عالمًا. فعلى كلٍ فالحديث ضعيف.
وأبي هريرة: "لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي أنا أبو القاسم، والله يعطي وأنا أقسم"
(1)
.
والبراء بن عازب: "لا تجمعوا بين أسمي وكنيتي"
(2)
.
وعائشة: "ما أحل اسمي وحرَّم كنيتي"
(3)
ذكرها ابن شاهين
(4)
، وذكر عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد أن محمد بن علي ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن طلحة ومحمد بن سعد كانوا كلهم يكنون بأبي القاسم، وكان لمالك بن أنس ابن يقال له محمد وكنيته أبو القاسم، فقيل له في ذلك، فقال: لا بأس به. قال: وهذا الحديث يوجب أن يكون ناسخًا للأول؛ لأن ولدان الصحابة كنوا بأبي القاسم، وقد روي عن بعض التابعين أنه كان يقول: إذا رأينا
(1)
بهذا اللفظ رواه أحمد 2/ 433، وصححه ابن حبان 13/ 134 (5817).
وأصل الحديث سلف برقم (110)، ورواه مسلم (2134) بلفظ:"تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي".
(2)
رواه ابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" ص 377 (477 - 478).
(3)
رواه أبو داود (4968)، وأحمد 6/ 135 - 136 و 6/ 209، والطبراني في "الأوسط" 2/ 9 (1057)، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ"(481)، والبيهقي 9/ 309 - 310، والحافظ المزي في "تهذيب الكمال" 26/ 233، والحافظ الذهبي في "الميزان" 5/ 118 من طريق محمد بن عمران الحجبي عن جدته صفية بنت شيبة عن عائشة، به.
وهو حديث ضعيف، ضعفه الذهبي في "الميزان" وقال في "المهذب" 8/ 3897 - 3898 (14979): الحجبي حديثه منكر. وأشار الحافظ في "الفتح" 10/ 574، وفي "تلخيص الحبير" 3/ 144 لضعفه. وقال في "التهذيب" 3/ 666: متن منكر، مخالف للأحاديث الصحيحة.
وضعفه أيضًا الألباني في "ضعيف الجامع"(5015).
(4)
"الناسخ والمنسوخ" لابن شاهين (474 - 475، 477 - 479).
الرجل يكنى بأبي القاسم كنيناه بأبي القاصم بالصاد من جهة الكره لذلك.
قال وحديث النهي طرقه لا أعلم في أكثرها علة
(1)
.
ومذهب الشافعي وأهل الظاهر أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحدٍ أصلًا، سواء كان اسمه أحمد أو محمدًا أو لم يكن؛ لظاهر الحديث
(2)
.
وفيه: مذاهب أخر:
أحدها: أنه منسوخ، وأن هذا الحكم كان في الزمن الأول للمعنى المذكور في الحديث ثم نسخ، فيباح لكل أحد وهو مذهب مالك وجمهور العلماء.
ثانيها: لا نسخ، والنهي للتنزيه، قاله ابن جرير.
ثالثها: النهى عن التكني بأبي القاسم مختص بمن اسمه محمد أو أحمد، ولا بأس بها لمن لم يكن اسمه ذلك.
رابعها: النهي عن التكني بأبي القاسم مطلقًا، وأن لا يسمى القاسم؛ لئلا يكنى والده به
(3)
.
وشذ من منع التسمية بمحمد أيضًا لحديث "تسمون أولادكم محمدًا وتلعنونهم"
(4)
.
(1)
انتهى من "الناسخ والمنسوخ" ص 379 - 380 (482 - 483).
(2)
انظر: "المجموع" 8/ 421.
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار" 4/ 339، "المنتقى" 7/ 297، "المجموع" 8/ 421، "الفروع" 3/ 566.
(4)
رواه أبو يعلى 6/ 116 (3386)، وابن عدي في "الكامل" 2/ 485، والحاكم 4/ 293، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 2/ 286 من طريق الحكم بن عطية عن ثابت عن أنس، مرفوعًا به. =
وقوله: ("وَلَا تَكَنَّوْا") قال ابن التين ضبط في أكثر الكتب بفتح التاء وضم النون المشددة، ولا أعلم لها وجهًا في تصاريف الكلام، وضبطت أيضًا بضم التاء والنون على وزن تزكوا، وفي بعضها بفتح التاء والنون مشددة مفتوحة على حذف إحدى التائين.
و (البَقِيعِ) في الحديث: مقبرة أهل المدينة، وهو في اللغة المكان المتسع. وقال قوم: لا يكون بقيعًا إلا وفيه الشجر، وهذا البقيع كان ذا شجر، ثم ذهب منه الشجر وبقي الاسم.
وقوله: (لَمْ أَعْنِكَ) أي: لم أردك، يقال: عنيت بالقول كذا، أي: أردته.
وحديث أبي هريرة: (حتى أتى سوق بني قينقاع فجلس بفناء بيت فاطمة).
قال الداودي سقط بعضه على الناقل، وإما أدخل حديثًا في حديث إذ ليس بيت فاطمة في سوق بني قينقاع، وإنما بيتها بين أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
= قال الحاكم: تفرد الحكم بن عطية عن ثابت.
فتعقبه الذهبي قائلًا: الحكم وثقه بعضهم، وهو لين.
والحديث ضعفه المصنف رحمه الله في شرح حديث (6199) فيما سيأتي، بالحكم بن عطية.
وضعفه الألباني في "الضعيفة"(3403).
(1)
تعقب الحافظ قول الداودي بقوله: ما ذكره أولًا هو الواقع، ولم يدخل الراوي حديثًا في حديث، وقد أخرجه مسلم (2421) بلفظ "حتى جاء سوق بني قينقاع، ثم انصرف حتى أتى فناء فاطمة". فأثبت ما سقط من حديث الباب. "الفتح" 4/ 341.
ومعانقته للحسن فيه إباحة ذلك لغيره، واستحب سفيان معانقة الرجل للرجل، وكرهها مالك وقال: هي بدعة
(1)
، وتناظرا فيها فاحتج سفيان بأنه عليه السلام فعل ذلك بجعفر
(2)
، فقال مالك: هو خاص له، فقال: ما يخصه بغير ذلك؟ فسكت مالك.
واللُكَعُ: أسلفنا أنه الاستصغار، ويقال: اللؤم. وقال أبو عبيد: هو عند العرب العبد
(3)
. وهو في قول الأصمعي: الصبي الذي لا يتجه لمنطق ولا غيره، مأخوذ من الملاكيع، يعني: التي تخرج مع السلا من البطن. قال الأزهري: والقول قول الأصمعي، ألا ترى أنه عليه السلام قال للحسن وهو صغير:"أين لكع"
(4)
أراد به لصغره لا يتجه لمنطق
(1)
انظر: "المدخل" لابن الحاج 2/ 295.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: والسنة معانقة القادم من سفره.
قلت: وحديث جعفر رواه أبو يعلى 3/ 398 (1876) من طريق إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن عامر، عن جابر قال: لما قدم جعفر من الحبشة عانقه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الهيثمي في "المجمع" 9/ 272: رواه أبو يعلى، وفيه: مجالد بن سعيد، وهو ضعيف وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح.
ورواه الطبراني 2/ 108 (1470) من طريق مخلد بن يزيد، عن مسعر بن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: لما قدم جعفر
…
الحديث، بنحوه.
ورواه العقيلي في "الضعفاء" 4/ 257، والصيداوي في "معجم الشيوخ" ص 170 - 171 من طريق مكي بن عبد الله الرعيني، عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير، عن جابر، الحديث، لكن ليس فيه ذكر المعانقة، وإنما ذكرته؛ لأن في إسناده سفيان، وهو المناظر لمالك، فيما ذكره المصنف.
والحديث روي من طرق أخرى، انظرها في "نصب الراية" 4/ 254 - 255، و"البدر المنير" 9/ 51 - 53، و"الدراية" 2/ 231 - 232، "تلخيص الحبير" 4/ 96. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2657).
(3)
"غريب الحديث" 1/ 330.
(4)
سيأتي برقم (5884).
ولا ما يصلحه، ولم يرد أنه لئيم ولا عبد، وفي "الموعب": يوسف به الحسن والرق واللؤم. وفي "الجامع": أصل اللكع من الكلع ولكن قلب. وفي "الصحاح": اللكع: الذليل
(1)
.
قال السهيلي: أراد: تشبيهه بالفلو والمهر؛ لأنه طفل كما أنهما كذلك، وإذا قصد بالكلام قصد التشبيه لم يكن إلا صدقًا
(2)
.
وقول (سُفْيَان: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: رَأَيت نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ)، أراد البخاري أن يبين سماع عبيد الله المعنعن في السند عن نافع.
وادَّعى ابن التين أن الإتيان بركعة غير معمول به، وذكر ذلك عن معاوية، وذكر فعله لابن عباس فقال: إنه فقيه.
وقوله في حديث ابن عمر: (حتى ينقلوه حيث يباع الطعام) وفي لفظ: حتى يستوفيه.
ولمسلم من حديث أبي هريرة: حتى يكتاله
(3)
. وهو من أفراده، وانفرد به أيضًا من حديث جابر
(4)
.
قال ابن عبد البر: وفي حديث القاسم بن محمد نهى أن يبيع أحد طعامًا اشترى بكيل حتى يستوفيه، قال: والقبض والاستيفاء سواء، ولا يكون ما بيع من الطعام على الكيل والوزن مقبوضًا إلا كيلًا
أو وزنًا. وهذا لا خلاف فيه، فإن وقع البيع في الطعام على الجزاف، فقد اختلف في بيعه قبل قبضه وانتقاله
(5)
.
(1)
"الصحاح" 3/ 120 مادة: (لكع).
(2)
"الروض الأنف" 3/ 177.
(3)
مسلم (1528) كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض.
(4)
مسلم (1529).
(5)
"التمهيد" 13/ 329 بتصرف.
وقال ابن التين في قوله: (كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى ينقلوه حيث يباع الطعام): هذا للرفق بأهل السوق. ومعناه: أنهم لم يتلقوا الركبان لعلهم قدموا معهم، أو أمروا بهم أو لقوهم من غير قصد التلقي، ويدل عليه اشتراء النبي صلى الله عليه وسلم من جابر وعمر
(1)
. وهذا الحديث أبين ما روي عن ابن عمر في هذا، وقد روى مالك عنه: كانوا يشترون الطعام فيبعث إليهم من يأمرهم بانتقاله
(2)
، فتأول قوم ذلك أنهم أمروا بالانتقال ليوسعوا على أهل الأسواق، وتأوله قوم على أن الجزاف من الطعام لا يباع حتى ينقل، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي
(3)
، واختلف قول مالك في استحباب ذلك، فعنه في "المدونة": لا بأس ببيعه قبل قبضه
(4)
. قال القاضي في "إشرافه": إذا خلا البائع بينه وبينه، وعنه في "العتبية" كراهة بيعه حتى ينقل، وبه قال ابن حبيب وابن الجلاب. وهذا الحديث هنا مبين أنهم كانوا يشترون من الركبان. وقيل: إنما منع من بيع الجزاف قبل نقله؛ لئلا يشترى منه في باعه فيكون دراهم بدراهم أكثر منها
(5)
.
(1)
حديث جابر سلف برقم (2097) كتاب: البيوع، باب: شراء الدواب والحمير.
وحديث عمر سيأتي برقم (2115) كتاب: البيوع، باب: إذا اشترى شيئًا فوصب من ساعته.
(2)
"الموطأ" ص 397.
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار" 4/ 40، "أحكام القرآن" للجصاص 1/ 463، "المجموع" 9/ 326.
(4)
"المدونة" 3/ 170.
(5)
انظر: "المنتقى" 4/ 280، 284.
وقد فسره ابن عباس فقال: تلك دراهم بدراهم، والطعام مرجأ
(1)
.
وقوله في حديث أبي هريرة: (لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ) قد يكون ذلك لأمر قد شغل ضميره، أو لفكر في أمر معاده، ولم يكلمه أبو هريرة لما أحس منه، وهذا كان شأنهم إذا لم يروا منه نشاطًا كفوا عن كلامه إلى أن يحدث ما يسألونه عنه.
وفي حديث: ("اللَّهُمَّ أَحْبِبْهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ"). يقال أحب يحب وهي اللغة المشهورة. وحكى حب ثلاثي، وحكى المبرد قراءة (يَحْبِبْكم الله) [آل عمران: 31] كأنه من حببت وأُدغم في موضع الجزم
(2)
، وهو مذهب تميم وقيس وأسد، ورد عليه بأنه (يحبَّكم الله) بإظهار التضعيف وفتح الباء من يحب، ولا يكادون يقولون حب، في الماضي، إنما يُقال في المستقبل فقط، هذا هو المشهور، على أنهم
قالوا في يحب أيضًا؛ إنها لغةٌ، وقال غيره: إنها شذوذ، وفي المثل السائر: من حب طب
(3)
.
(1)
رواه البيهقي 5/ 312.
(2)
انظر: "الكامل في اللغة والأدب" 2/ 267. ط. دار الكتب العلمية.
(3)
ورد بهامش الأصل: ثم بلغ في السادس بعد الخمسين كتبه مؤلفه. وأسفله قال: (آخر 6 من 7) من تجزئة المصنف.
50 - باب كَرَاهِيَةِ السَّخَبِ فِي السُّوقِ
2125 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلَالٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاةِ. قَالَ أَجَلْ، وَاللهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا. تَابَعَهُ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ هِلَالٍ. وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ هِلَالٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ سَلَامٍ: غُلْفٌ: كُلُّ شَيْءٍ فِي غِلَافٍ، سَيْفٌ أَغْلَفُ، وَقَوْسٌ غَلْفَاءُ، وَرَجُلٌ أَغْلَفُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا. [4838 - فتح: 4/ 342]
ذكر فيه حديث فليح، ثَنَا هِلَالٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارِ: لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ ابْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، فقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاةِ. قَالَ أَجَلْ، إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القُرْانِ
…
الحديث.
وفيه: (وَلَا سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ) إلى آخره، تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال، وقالَ: سعيد عن هلال، عن عطاء، عن ابن سلام: غلف: كل شيء في غلاف، سيف أغلف، وقوس غلفاء، ورجل
أغلف: إذا لم يكن مختونًا.
الشرح:
متابعة عبد العزيز أسندها البخاري فقال: حدثنا عبد الله، عن عبد العزيز بن أبي سلمة، عن هلال به
(1)
، وهو حديث تفرد به البخاري، وعبد الله هذا قال ابن السكن: هو ابن مسلمة، وقال أبو مسعود الدمشقي: هو عبد الله بن محمد بن رجاء. وقال الجياني: عندي أنه عبد الله بن صالح كاتب الليث وإلى ذلك أشار أبو مسعود، على أن الحاكم أبا عبد الله قطع أن البخاري لم يخرج في "صحيحه" عن كاتب الليث
(2)
. وقد روى البخاري في كتاب "الأدب" هذا الحديث عنه
(3)
.
وأما قول سعيد بن هلال، فأخرجه الطبراني في "معجمه" ثنا المطلب بن شعيب، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، عن خالد بن يزيد، عن (سعيد بن أسامة)
(4)
، عن هلال، عن عطاء، عن
(1)
سيأتي برقم (4838) كتاب: التفسير، باب:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} .
(2)
"تقييد المهمل" 3/ 993 - 994.
(3)
"الأدب المفرد"(247). وقال الحافظ في "الفتح" 8/ 585: قوله: (حدثنا عبد الله بن مسلمة) أي: القعنبي، كذا في رواية أبي ذر وأبي على بن السكن، ووقع عند غيرهما:(عبد الله) غير منسوب، فتردد فيه أبو مسعود بين أن يكون عبد الله بن رجاء وعبد الله بن صالح كاتب الليث، وقال الجياني: عندي أنه عبد الله بن صالح، ورجح هذا المزي وحده؛ لأن البخاري أخرج هذا الحديث في "الأدب المفرد" عن عبد الله بن صالح.
قلت: لكن لا يلزم من ذلك الجزم به، وما المانع أن يكون له في الحديث الواحد شيخان عن شيخ واحد؟ وليس في وقع في "الأدب" بأرجح مما وقع الجزم به في رواية أبي علي وأبي ذر، وهما حافظان. اهـ.
وانظر: "اليونينية" 6/ 135.
(4)
كذا بالأصل، وفي "معجم الطبراني الكبير":(سعيد بن أبي هلال).
عبد الله بن سلام: إنا لنجد صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث
(1)
.
وأخرجه الترمذي من حديث محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه، عن جده، ثم قال: حسن غريب
(2)
.
والصخب عند أهل اللغة: الصياح، قال صاحب "العين": صخب صخبًا، إذا صاح
(3)
، ولم يذكره في حرف السين وهو في النسخ كما قدمناه بالسين، ونقله ابن بطال عن بعض النسخ، وقال أبو حاتم: أمَّا ما كان مع الخاء فتجوز كتابته بالسين والصاد
(4)
.
وبخط الدمياطي: الصخب بالسين والصاد: اختلاط الأصوات، قال: وقيل: الصوت الشديد، قيل: الفصيح بالصاد، وهي بالسين لغة قبيحة لربيعة، أعنى: السخب، وقال الفراء أيضًا: هما لغتان.
قال ابن التين: والذي ذكره غيره من أهل اللغة بالصاد، وهو في البخاري بالسين. ومعنى (أجل): نعم.
وكان عبد الله بن عمرو كما روى البزار من حديث ابن لهيعة، عن واهب عنه، رأى في المنام كان في إحدى يديه عسلًا وفي الأخرى سمنًا وكأنه يلعقهما، فأصبح فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "تقرأ الكتابين التوراة والقرآن"، فكان يقرأهما
(5)
.
(1)
"المعجم الكبير" ص 121 - 122 (163). ط. دار الراية.
(2)
الترمذي (3617). وقال الألباني في "مشكاة المصابيح"(5772): ضعيف.
(3)
"العين" 4/ 190.
(4)
"شرح ابن بطال" 6/ 254.
(5)
رواه أحمد 2/ 222، والطحاوي في "مشكل الآثار" كما في "تحفة الأخيار" 6/ 20 (3876)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 286، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" 2/ 283 (980). =
وقوله: (شَاهِدًا) أي: شاهدًا بالإبلاغ، وقيل: لمن أطاعه. وقيل: على تصديق من قبله من الأنبياء، وقيل: مبشرًا بالجنة ونذيرًا من النار. روي عن ابن عباس: لما نزلت هذِه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا ومعاذًا وقال: "يسِّرا ولا تعسِّرا، فإنه قد أُنزل عليَّ الليلة:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)}
(1)
[الأحزاب: 45] ".
(سميتك بالمتوكل): بأن قد أيقن بتمام وعد الله وتوكل عليه.
وقوله: (وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ) أي: حافظهم وحافظ دينهم. يقال: أحرزت الشيء أحرزه إحرازًا، إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ. والأميون: العرب؛ لأن الكتابة عندهم قليلة.
وقوله: (سَمَّيْتُكَ المُتَوَكِّلَ) يعني: لقناعتك باليسير من الرزق، واعتمادك علي في الرزق والنصر، والصبر عند انتظار الفرج، والأخذ بمحاسن الأخلاق، واليقين بتمام وعد الله، فتوكل عليه، فسمي
المتوكل.
وقوله: (لَيْسَ بِفَظٍّ) أي: سيئ الخلق.
(وَلَا غَلِيظٍ): وهي الشدة في القول، وهما حالتان مكروهتان.
= قال الهيثمي في "المجمع" 7/ 184: فيه ابن لهيعة، وفيه ضعف.
وكذا أشار الحافظ لضعفه في "الإصابة" 2/ 352 فقال: في سنده ابن لهيعة.
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند"(7067): إسناده صحيح.
(1)
رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" 11/ 186، والطبراني 11/ 312 (11840) من طريق عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن شيبان، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس.
قال الهيثمي في "المجمع" 7/ 92: فيه عبد الرحمن العرزمي، وهو ضعيف.
وقول القائل لعمر: أنت أفظ وأغلظ
(1)
. قيل: لم تأت هنا للمفاعلة بينه وبين من أشرك معه، بل بمعنى: أنت فظ غليظ على الجملة لا على التفصيل.
والسخاب: الكثير الصياح والجلبة، ولم يكن سخابًا في سوق ولا غيره، بل كان على خلقٍ عظيم.
وفيه: ذم الأسواق وأهلها الذين يكونون بهذِه الصفة المذمومة من الصخب، واللغط والزيادة في المدحة والذم لما يتبايعونه، والأيمان الحانثة؛ ولهذا قال عليه السلام:"شر البقاع الأسواق"
(2)
كما مضى لما يغلب على أهلها من هذِه الأحوال المذمومة.
ومعنى (لَا يَدْفَعُ بِالسَّيئَةِ السَّيِّئَةَ): لا يسيء إلى من أساء إليه على سبيل المجازاة المباحة ما لم تنتهك لله حرمة، لكن يأخذ بالفضل كما قال تعالى:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} [الشورى: 43] وقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34] وسمى جزاء السيئة سيئة للمجاورة.
والمراد (بالملة العوجاء) أي: المعوجة، ما كانوا عليه من عبادة الأصنام، وتغيير ملة إبراهيم عن استقامتها، وإمالتها بعد قوامها، فأقام الله بنبيه عوج الكفر حتى ظهر دين الإسلام ووضحت أعلامه،
وأيد الله نبيه بالصبر والإنابة والسياسة في نفوس العالمين والتوكل على الله.
وقوله: (وَيفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا) كذا للأصيلي كما نقله ابن التين، جعل عميًا، نعتًا للأعين، وهو جمع عمياء، وفي بعض روايات
(1)
سيأتي برقم (3294) كتاب: بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، ورواه مسلم برقم (2396) كتاب:"فضائل الصحابة" باب من فضائل عمر رضي الله عنه.
(2)
سبق تخريجه.
الشيخ أبي الحسن: أعين عُمي، فأضاف أعين إلى عُمي وهو جمع أعمى، وكذلك الكلام في الآذان أيضًا.
وقوله: (وَقُلُوبًا غُلْفًا) فليس هو إلا جمع أغلف سواء كان مضافًا أو غير مضاف، وترك الإضافة فيه بيِّن، وذلك كله ممن قبل الإسلام وخرج من الكفر إلى الإيمان. وقرأ ابن عباس {غُلْفٌ} -بضم اللام- كأنه جعله جمع غلاف، وهي قراءة الأعرج وابن محيصن
(1)
. قال ابن عباس: مملوءة لا تحتاج إلى علم محمد
(2)
.
وقوله: (غُلْف) كل شيء في غلاف يريد أنه مستور عن الفهم والتمييز، وقال مجاهد: غُلْف: عليها غشاوة
(3)
. وقال عكرمة: طابع
(4)
.
وفي الحديث: مدح النبي صلى الله عليه وسلم ببعض صفاته الشريفة -التي خصه الله تعالى وجبله عليها، وقد وصفه الله تعالى في آخر سورة براءة نحو هذِه الصفة.
وهذا الباب آخره ابن بطال بعد باب: بركة صاعه، فاعلمه
(5)
.
(1)
انظر: "مختصر شواذ القرآن" ص 15، و"الحجة للقراء السبعة" 2/ 153 - 154، و"تفسير القرطبي" 2/ 22.
(2)
رواه الطبري في "تفسيره" 1/ 452 (1516)، وكذا ابن أبي حاتم 1/ 170 (893).
(3)
رواه الطبري 1/ 451 (1504).
(4)
رواه ابن أبي حاتم 1/ 171 (899).
(5)
انظر: "شرح ابن بطال" 6/ 253.
51 - باب الكَيْلِ عَلَى البَائِعِ وَالمُعْطِي
لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3] يَعْنِي: كَالُوا لَهُمْ وَوَزَنُوا لَهُمْ كَقَوْلِهِ: {يَسْمَعُونَكُمْ} [الشعراء: 72]: يَسْمَعُونَ لَكُمْ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا". وَيُذْكَرُ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "إِذَا بِعْتَ فَكِلْ، وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ".
2126 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ". [انظر: 2126 - مسلم: 1526 - فتح: 4/ 344]
2127 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاسْتَعَنْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَضَعُوا مِنْ دَيْنِهِ، فَطَلَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أَصْنَافًا، العَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ، وَعَذْقَ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَيَّ". فَفَعَلْتُ، ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ فَجَلَسَ عَلَى أَعْلَاهُ، أَوْ فِي وَسَطِهِ ثُمَّ قَالَ:"كِلْ لِلْقَوْمِ". فَكِلْتُهُمْ حَتَّى أَوْفَيْتُهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَبَقِيَ تَمْرِي، كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَ فِرَاسٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّاهُ. وَقَالَ هِشَامٌ، عَنْ وَهْبٍ، عَنْ جَابِرٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "جُذَّ لَهُ، فَأَوْفِ لَهُ". [2395، 2396، 2405، 2601، 2701، 2781، 3580، 4053، 6250 - فتح: 4/ 344]
ثم ذكر حديث ابن عمر: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ".
وسلف قريبًا في آخر ما ذكر في الأسواق.
وحديث جابر في وفائه دين والده ثُمَّ قَالَ: " (كِلْ)
(1)
لِلْقَوْمِ". فَكِلْتُهُمْ
(1)
ساقطة من الأصل.
حَتَّى أَوْفَيْتُهُمُ الذِي لَهُمْ، وَبَقِيَ تَمْرِي، كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ. (وَقَالَ)
(1)
فِرَاسٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّاهُ. (وَقَالَ)
(2)
هِشَامٌ، عَنْ وَهْبٍ، عَنْ جَابِرٍ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جُذَّ لَهُ، فَأَوْفِ لَهُ".
الشرح: أما الآية فما فسره البخاري فسره الأخفش وأبو عبيدة وكذا الفراء، فقال: الهاء في موضع نصب، تقول في الكلام: قد كلتك طعامًا كثيرًا، وكلتني مثله، وقوله:({اكتَالُواْ عَلَى النَّاسِ})[المطففين: 2] يريد من الناس وهما يتعاقبان: على ومَنْ هنا؛ لأنه حق عليه
(3)
.
وهذِه السورة مكية، وقيل: مدنية. وقيل: نزلت في طريقه من مكة إلى المدينة. وقال السدي: استقبل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو داخل المدينة من مكة -شرفها الله- وقيل: أولها مدني وآخرها مكي. وقال ابن عباس: كان يمر عليٌّ على الحارث بن قيس وناس معه فيسخرون من علي ويضحكون؛ ففيه نزلت: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29)} إلى آخر السورة. وقال السدي فيما حكاه الواحدي عنه في "أسبابه": قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبها رجل يقال له: أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر. فأنزل الله الآية
(4)
. وقال الطبري في "تفسيره": كان عيسى بن عمر فيما ذكر عنه يجعلهما حرفين ويقف على كالوا وعلى وزنوا، ثم يبتدئ فيقول: هم يخسرون، والصواب عندنا الوقف على هم
(5)
.
(1)
فوقها في الأصل: سند معلق.
(2)
فوقها في الأصل: سند معلق.
(3)
"معاني القرآن" للفراء 3/ 245 - 246.
(4)
"أسباب النزول"(850).
(5)
"تفسير الطبري" 12/ 484.
والتعليق الأول ذكره ابن أبي شيبة من حديث طارق بن عبد الله المحاربي بإسناد جيد
(1)
، والثاني -ويذكر عن عثمان- أسنده الدارقطني بإسنادٍ ضعيف إلى منقذ مولى سراقة، وليس بمشهور عن عثمان، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا ابتعت طعامًا فاكتل، وإذا بعت فكِل"
(2)
. ولابن أبي حاتم، عن محمد بن حمير، عن الأوزاعي، حدثني ثابت بن ثوبان، حدثني مكحول، عن أبي قتادة قال: كان عثمان يشتري الطعام ويبيعه قبل أن يقبضه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكلتَلْ إِذَا بِعْتَ فَكِلْ" ثم قال: قال أبي: هذا حديث منكر الإسناد
(3)
. وأخرجه ابن ماجه
(4)
من حديث ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عن سعيد بن المسيب، عن عثمان
(5)
، وعن جابر: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان، صاع البائع وصاع المشتري.
وفي إسناده ابن أبي ليلى
(6)
.
ومعنى "إذا بعت فكل" أي: أوفِ. "وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ" أي: استوف بكيل لا لك ولا عليك. نبه عليه ابن التين.
(1)
وصله ابن أبي شيبة في "مسنده" 2/ 322 - 323 (822).
(2)
"سنن الدارقطني" 3/ 7.
(3)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 383 - 384 (1145).
(4)
ورد بهامش الأصل: وما أخرجه ابن ماجه هو في "مسند أحمد" أطول منه. قال أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا عبد الله بن لهيعة به إلى سعيد. قال: سمعت عثمان رضي الله عنه، وهو يخطب على المنبر: كنت أبتاع التمر من بطن من اليهود، يقال لهم: بنو قينقاع فأبيعه بربح فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عثمان، إذا اشتريت فاكتل وإذا بعت فكِلْ".
(5)
"سنن ابن ماجه"(2230).
(6)
"سنن ابن ماجه"(2228).
والتعليقان إثر حديث جابر سلفا في الصلاة موصولين
(1)
وستكون لنا عودة إليه في الأطعمة.
و (فِرَاسٌ) هو ابن يحيى ى أبو يحيى الهمداني المعلم.
و (وَهْبٌ) هو ابن كيسان، أبو نعيم، مولى عبد الله بن الزبير المدني التابعي، مات سنة ست. وقيل: سنة سبع وعشرين ومائة
(2)
.
وروي عنه أنه قال: رأيتا سعد بن مالك وأبا هويرة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك يلبسون الخز
(3)
، ومغيرة الراوي عن الشعبي عن جابر هو ابن مقسم الضبي، مات بعد الثلاثين ومائة.
أما فقه الباب: فالذي عليه الفقهاء أن الكيل والوزن فيما يكال ويوزن من المبيعات على البائع ومن عليه الكيل والوزن فعليه أجرة ذلك، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأبي ثور، وقال الثوري:
كل بيع فيه قيل أو وزن أو عدّ فهو على البائع حتى يوفيه إياه، فإن قال: أبيعك النخلة فجذاذها على المشتري، قال: وكل بيع ليس فيه قيل ولا وزن ولا عد فجذاذه وحمله ونقصه على المشتري، والقرآن في ذكره البخاري يشهد لحديث عثمان في الباب، وكذا قصة يوسف عليه السلام أن البائع عليه الكيل، قال تعالى:{أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ} [يوسف: 59] وقوله: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} [يوسف: 88] ومع أنه
(1)
قلت: عزو المصنف رحمه الله وصل هذين التعليقين لكتاب الصلاة، وهم؛ فالتعليق الأول إنما سيأتي موصولًا في كتاب: الوصايا برقم (2781)، والثاني يأتي موصولًا في كتاب: الاستقراض، برقم (2396).
(2)
ورد بهامش من الأصل: الثاني اقتصر عليه في "الكاشف" في ترجمة مغيرة، توفي سنة 133 و"الوفيات".
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 11/ 77، والطحاوي في "شرح معاني الاثار" 4/ 256، والبيهقي في "الشعب" 5/ 165، وابن عبد البر في "التمهيد" 23/ 9.
شرع من قبلنا. وكذا قوله: " (كِلْ لِلْقَوْمِ". فَكِلْتُهُمْ حَتَّى أَوْفَيْتُهُمُ) وجابر هو الغارم عن أبيه، وهو لائح؛ لأن من باع شيئًا مسمًى ومقدارًا معروفًا من طعام فعليه أن يعينه ويميزه مما سواه، وكذلك من ابتاع بدراهم موزونة معلومة يعطيها للبائع فعليه الوزن والانتقاء، كذا قاله ابن بطال معللًا بأن عليه تعيين ما باعه من الدراهم بالسلعة
(1)
.
وعندنا أن مؤنة الكيل على البائع، ووزن الثمن على المشتري. وفي أجرة النقاد وجهان، وينبغي أن تكون على البائع، وأجرة النقل المحتاج إليها في تسليم المنقول على المشتري صرح به المتولي، وقال بعض أصحابنا: على الإمام أن ينصب كيَّالًا ووزَّانًا في الأسواق ويرزقهما من سهم المصالح، ثم إذا تولى ما ذكرناه أحد المتبايعين وجب عليه العدل وحرم عليه التطفيف. والأولى للباذل أن يزيد يسيرًا للاحتياط، وللبائع إن تولاه أن ينقص يسيرًا.
قال الغزالي: وكل من خلط مع الطعام ترابًا أو وزن مع اللحم عظامًا لم تجر العادة بها فهو من المطففين، وكذا إذا جرَّ البزاز الثوب مع الذراع عند بيعه لغيره.
وقال ابن التين: ومعنى ("إِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ") أي: استوف كما سلف، ليس أن الكيل على البائع والكيل على المشتري، وهذا تضاد لو كان هكذا.
وحديث جابر: فيه: الشفاعة في وضع بعض الدين.
وفيه: تأخير الغريم بمقدار ما لا يضر بأهل الدين، وكان غرماؤه يهود فلم يشفعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي
(2)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 252.
(2)
برقم (5443).
ومعنى ("صَنِّفْ تَمْرَكَ أَصْنَافًا"): اعزل كل صنف على حدة.
والعجوة: أحد أنواع تمر المدينة.
("وَعَذْقَ زَيْدٍ") بفتح العين. نوع من التمر رديء كعذق ابن حبيق
(1)
.
و (العَذْقُ) بفتح العين: النخلة، وبكسرها: الكباسة.
وفيه: الإرسال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي الموضع في وعد أن يأتيه.
وفيه: جواز الجلوس على التمر.
وقوله: ("كِلْ لِلْقَوْم") فيه: أن الكيل على البائع كما قدمناه: لأنه يوفي عن أبيه، فصار كأَنه البائع، ولهذا أتى به البخاري هنا.
وقوله: (وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء): هو من أعلام نبوته، وظهور بركته حين مشى في المجد.
وفيه: أن بعض الورثة يقوم مقام بعض.
ومعنى ("جُذَّ لَهُ") أي: اقطع، وفي رواية أخري: سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبضوا تمر حائطي ويبرئوه
(2)
.
فائدة: قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن من اشترى طعامًا فليس له بيعه حتى يقبضه
(3)
، واختلفوا في غير الطعام على أربعة مذاهب:
(1)
روى مالك في "الموطأ" 1/ 270 - 271 عن زياد بن سعد، عن ابن شهاب أنه قال: لا يؤخذ في صدقة النخل الجعرور، ولا مصران الفأرة، ولا عذق ابن حبيق ..
(2)
ستأتي برقم (2395) كتاب: الاستقراض، باب: إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز.
(3)
"الإجماع" لابن المنذر (544).
أحدها: لا يجوز بيع شيء قبل قبضه سواء جميع المبيعات كما في الطعام، قاله الشافعي ومحمد بن الحسن، وهو قول ابن عباس
(1)
.
ثانيها: يجوز بيع كل مبيع قبل قبضه إلا المكيل والموزون. قاله عثمان بن عفان وابن المسيب والحسن والحكم وحماد والأوزاعي وأحمد وإسحاق
(2)
.
ثالثها: لا يجوز بيع مبيع قبل قبضه إلا الدور والأراضي، قاله أبو حنيفة وأبو يوسف
(3)
.
رابعها: مثله، إلا المأكول والمشروب، قاله مالك وأبو ثور.
وفي رواية ابن وهب عن مالك: في دون الخضروات. وقال عثمان البتي يجوز بيع كل شيءٍ قبل قبضه، وهو مصادم للنصوص
(4)
.
(1)
انظر: "بدائع الصنائع" 5/ 182، "المجموع" 6/ 327.
(2)
انظر: "المغني" 6/ 188، 189.
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" 5/ 182.
(4)
انظر: "المنتقى" 5/ 32.
52 - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الكَيْلِ
2128 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ". [فتح: 4/ 345]
ذكر فيه حديث ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فيه".
هذا الحديث من أفراده.
و (ثَوْر)(خ. الأربعة) هو ابن يزيد الكلاعي الحمصي من أفراده، أما ثور (ع) بن زيد الديلي، فاتفقا عليه.
وأخرجه ابن ماجه من حديث بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد، عن المقدام، عن أبي أيوب، فجعله من مسند أبي أيوب
(1)
.
ورواه إسماعيل بن عياش، عن بحير به
(2)
، وقال الدارقطني في "علله": القول قول بحير لأنه زاد
(3)
. وأخرجه ابن ماجه أيضًا من حديث إسماعيل بن عياش عن محمد بن عبد الرحمن الحمصي، عن عبد الله بن بسر
(4)
. وقال البيهقي: رواه أبو الربيع الزهراني، عن ابن
(1)
"سنن ابن ماجه"(2232).
(2)
رواه الطبراني في "الكبير" 4/ 121 (3859)، وفي "مسند الشاميين" 2/ 171 (1129) من طريق إسماعيل عن بقية عن بحير.
ورواه أبو نعيم في "الحلية" 5/ 217 من طريق إسماعيل عن بحير، كما ذكره المصنف.
(3)
"علل الدارقطني" 6/ 121 - 122 (1021).
(4)
"سنن ابن ماجه"(2231) وجاء عنده: محمد بن عبد الرحمن اليحصبي، وهنا قال المصنف: الحمصي، وكلاهما صواب فاسمه كما ترجمه المزي في "تهذيب =
المبارك، عن ثور، عن خالد، عن جبير بن نفير، عن المقدام. أخرجه من طريق الإسماعيلي عن المنيعي عنه
(1)
. وكذا ذكره الإسماعيلي في "مستخرجه" من حديث أبي الربيع كذلك. وفي "علل ابن أبي حاتم" عن أبيه: هذا الصحيح؛ لأن ثورًا زاد رجلًا، وهو أشبه بالصواب
(2)
.
أما فقه الباب: فالكيل مندوب فيما ينفقه المرء على عياله؛ والسر فيه معرفة ما يقوته ويستغله، وقد ندب الشارع إليه معللًا بالبركة، ويحتمل أنهم كانوا يأكلون بلا كيل فيزيدون في الأكل، فلا يبلغ بهم الطعام إلى المدة التي كانوا يتقدرونها، فندبهم الشارع إليه؛ أي: أخرجوا بكيل معلوم يبلغكم إلى المدة التي قدرتم مع ما وضع الله تعالى من البركة في مُدِّ أهل المدينة بدعوته.
وقال ابن الجوزي: يشبه أن تكون هذِه البركة للتسمية عليه؛ فإن
قلت: هذا معارض بما ذكرته عائشة: كان عندي شطر شعير فأكلت منه حتى كال علي، فكلته ففني
(3)
. فالجواب: أن معناه أنها كانت تخرج قوتها بغير كيل، وهي متقوتة باليسير، فيبارك لها فيه مع بركته عليه السلام الباقية عليها وفي بيتها، فلما كالته علمت. المدة التي يبلغ إليها ففني عند انقضائها، لا أن الكيل وكد فيه أن يفنى، وقيل أيضًا؛ إنه معارض بما روي أنه عليه السلام دخل على حفصة فوجدها تكتال، فقال
= الكمال" 25/ 616 (5453): محمد بن عبد الرحمن بن عرق اليحصبي، أبو الوليد الشامي الحمصي. فهو يحصبي وحمصي، فلينتبه لذلك.
(1)
"سنن البيهقي الكبرى" 6/ 32.
(2)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 377 (1128)، 1/ 388، (1164).
(3)
سيأتي برقم (3097) كتاب: فرض الخمس، باب نفقة نساء النبي بعد وفاته، ورواه مسلم (2973) كتاب: الزهد والرقائق.
"لا توكلي يوك الله عليك"
(1)
، قالوا: قال ذاك في معنى الإحصاء على الخادم والتضييق، أما إذا كان على معنى المقادير وما يكفي الإنسان فهو الذي في حديث الباب، وقد كان الشارع يدخر لأهله قوت سنة، ولم يكن ذلك إلا بعد معرفة الكيل.
وقال المحب في "أحكامه": أنها كالته ناظرة إلى مقتضى العادة، ولو قصدت البركة في كيلها لانخرقت لها العادة، ويشبه هذا قول أبي رافع: وهل للشاة إلا ذراعان
(2)
. أو يحمل الأول على القبض أولًا ثم
تلف عنه بعد، أو يحمل الأول على ما إذا أراد ادخاره، فإنه إذا كاله بعد شك في الإجابة.
فائدة: في الحديث النظر في المعيشة خير من بعض التجارة، ويقال: ما عال من اقتصد
(3)
.
(1)
سلف برقم (1433) وفيه أنه قال ذلك لأسماء، لا لحفصة! رضي الله عنهما.
(2)
رواه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 393، وأحمد 6/ 8 والطبراني 1/ 1325 (970) من طريق حماد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته سلمى، عن أبي رافع قال: صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية
…
الحديث.
قال العلامة الألباني رحمه الله في "المشكاة"(327): سنده ضعيف.
ورواه أحمد 6/ 392 من طريق أبي جعفر الرازي عن شرحبيل، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: .. الحديث.
قال الألباني في "المشكاة"(327): سنده ضعيف، لكن يتقوى بالذي قبله.
ورواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 6/ 203 - 204 (3434)، والطبراني 24 (761) من طريق فضيل بن سليمان عن فائد مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع: حدثني عبيد الله أن جدته سلمى أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي رافع بشاة
…
بنحوه.
وللحديث طرق أخرى، يستغنى عنها بما ذُكر، وانظر:"مجمع الزوائد" 8/ 311.
(3)
قلت: هو حديث مرفوع رواه أحمد 1/ 447، والشاشي في "مسنده" 2/ 162 =
وقال أبو الدرداء: من فقهك عويمر إصلاحك معيشتك
(1)
.
= (714)، والطبراني في "الكبير" 10/ 108 - 109 (10118)، وفي "الأوسط" 5/ 206 (5094)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 544، والبيهقي في "شعب الإيمان" 5/ 255 (6569) من طريق سُكين بن عبد العزيز العبدي، عن إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عال من اقتصد". وهو حديث ضعيف: قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 252: فيه: إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو ضعيف.
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند"(4269): إسناده ضعيف؛ لضعف الهجري.
وفي الباب عن ابن عباس وأنس بن مالك.
أما حديث ابن عباس فرواه الطبراني في "الكبير" 12/ 123 (12656)، وفي "الأوسط" 8/ 152 (8241)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "الأمثال في الحديث"(85)، والبيهقي في "الشعب" 5/ 255 (6570 - 6571) من طريق خالد بن يزيد، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عال مقتصد قط".
قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 252: رجاله وثقوا، وفي بعضهم خلاف.
وحديثا ابن مسعود وابن عباس كلاهما ضعفه الألباني في "الضعيفة"(4459).
وأما حديث أنس بن مالك فرواه الطبراني في "الأوسط" 6/ 365 (6627)، وفي "الصغير" 2/ 175 (980)، ومن طريقه القضاعي في "مسند الشهاب" 2/ 7 (774) من طريق النعمان بن بشير، عن عبد القدوس بن عبد السلام بن عبد القدوس، عن
أبيه، عن جده، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد".
وهذا الحديث أوهى من سابقيه فقد قال الهيثمي 8/ 96: رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" من طريق عبد السلام بن عبد القدوس، وكلاهما ضعيف جدًا.
وضعفه الحافظ كما في "الفتوحات الربانية" 5/ 94.
وكذا العيني في "عمدة القاري" 6/ 241، والعجلوني في "كشف الخفاء"(2205)، وقال الألباني في "الضعيفة" (611): موضوع.
(1)
رواه أحمد 5/ 194، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 352 - 353 (1482)، =
53 - باب بَرَكَةِ صَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمُدِّه
فِيهِ عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
2129 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَدَعَا لَهَا، وَحَرَّمْتُ المَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَدَعَوْتُ لَهَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا، مِثْلَ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام لِمَكَّةَ". [مسلم: 1360 - فتح: 4/ 346]
2130 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ". يَعْنِي: أَهْلَ المَدِينَةِ. [6714، 7331 - مسلم: 1368 - فتح: 4/ 347]
وذكر حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدِ: "أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ
…
" الحديث.
وحديث أنس: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ". يَعْنِي: أَهْلَ المَدِينَةِ.
= وابن عدي في "الكامل" 2/ 211، والبيهقي في "شعب الإيمان" 5/ 254 (6565) من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن حمزة بن حبيب، عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من فقه الرجل رفقه في معيشته" وعند بعضهم بلفظ: "من فقهك رفقك في معيشتك".
وأعل الهيثمي الحديث في "المجمع" 4/ 74 بأبي بكر فقال: رواه أحمد، وفيه: أبو بكر بن أبي مريم، وقد اختلط.
ورواه ابن الأعرابي في "المعجم" 3/ 1091 (2351)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 211 من طريق فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء، قوله. والحديث أورده الألباني مرفوعًا وموقوفًا في "الضعيفة"(556) وضعفه.
أما اللفظ في ذكره المصنف رحمه الله والذي ظاهره أن أبا الدرداء يعظ نفسه؛ لأن أبا الدرداء اسمه عويمر، فلم أجده، والله أعلم.
ويأتي في الاعتصام أيضًا، وكفارة الأيمان
(1)
، وأخرجه مسلم والنسائي في المناسك
(2)
فيه الدعاء بالبركة، فيما ذكر وهو علم من أعلام نبوته، فما أكثر بركته، وكم يؤكل منه ويدخر وينقل إلى سائر بلاد الله. والمراد بالبركة في المد والصاع: ما يكال بهما، وأضمر ذلك لفهم السامع، وهذا من باب تسمية الشيء بما قرب منه، وكان مد أهل المدينة صغيرًا؛ لقلة الطعام عندهم فدعا لهم بالبركة في طعامهم، ويستحب أن يتخذ ذلك المكيال رجاءً لبركة دعوته والاستنان بأهل البلد في دعا لهم.
وقد أسلفنا الكلام في حرم المدينة آخر الحج، والخلاف في الجزاء في قتل صيدها.
وفي الحديث: المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزان أهل (مكة)
(3)
، وهو أصل لكل مكيل وموزون، وإنما يأتم الناس فيهما، ثم ألا ترى أن التمر يكال في المدينة ويوزن في كثير غيرها، والسمن
عندهم موزون ويكال في كثير غيرها.
(1)
في كفارات الأيمان برقم (6714).
وفي "الاعتصام" برقم (7331) باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم.
(2)
مسلم (1368) كتاب: الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم، والنسائي في "الكبرى" 2/ 484 (4269).
(3)
في (ج): المدينة.
54 - باب مَا يُذْكَرُ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ وَالحُكْرَةِ
2131 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مُجَازَفَةً، يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُئْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ. [انظر: 2123 - مسلم: 1527 - فتح: 4/ 347]
2132 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ طَعَامًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ. قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: ذَاكَ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ وَالطَّعَامُ مُرْجَأٌ. [قَالَ أَبُو عبد الله: مرجئون [التوبة: 106]: مُؤَخَّرُونَ.] [2135 - مسلم: 1525 - فتح: 4/ 347]
2133 -
حَدَّثَنِي أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ". [انظر: 2124 - مسلم: 1526 - فتح: 4/ 347]
2134 -
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يُحَدِّثُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ عِنْدَهُ صَرْفٌ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا، حَتَّى يَجِيءَ خَازِنُنَا مِنَ الغَابَةِ. قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ. فَقَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ، سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ". [2170، 2174 - مسلم: 1586 - فتح: 4/ 347]
ذكر فيه حديث ابن عمر قَالَ: رَأَيْتُ الذِينَ يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مُجَازَفَةً، يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يُئْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ.
وحديث ابن عباس: نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ.
قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: ذَاكَ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ وَالطَّعَامُ مُرْجَأٌ.
وحديث ابن عمر: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ".
وحديث مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر:"الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ".
وذكر مثله في البر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير.
الشرح:
هذِه الأحاديث كلها في مسلم أيضًا
(1)
وسلف بعضها، منها حديث ابن عمر
(2)
.
ورواه -أعني: حديث مالك- ابن حزم من طريق ابن وهب بإسقاط عمر، ثم قال: مالك لا يعرف له سماع من رسول الله في صلى الله عليه وسلم وفي إسناده مجهول وكذاب
(3)
، وعنى بالمجهول: جبير بن أبي صالح، لكن وثق
(4)
، ومالك هذا هو النصري بالنون والصاد المهملة، أدرك الجاهلية،
وقيل: له صحبة، ولا يصح، وإن ذكرها أبو نعيم وأبو عمر وغيرهما
(5)
،
(1)
حديث ابن عمر الأول رواه مسلم برقم (1527/ 38) كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض.
وحديث ابن عباس الثاني رواه مسلم برقم (1525).
وحديث ابن عمر الثالث رواه مسلم برقم (1526).
وحديث مالك بن أوس الرابع رواه مسلم برقم (1586) كتاب: المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا.
(2)
حديث ابن عمر الأول سلف في البيوع برقم (2123) باب ما ذكر في الأسواق.
وحديثه الثالث سلف برقم (2124).
(3)
"المحلى" 8/ 487.
(4)
انظر: "ثقات ابن حبان" 4/ 112.
(5)
ذكر ذلك أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2478 (2627)، وابن عبد البر في "الاستيعاب" 3/ 402 - 403 (2281).
وقال البغوي في "معجم الصحابة" 5/ 257: يقال: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم. =
بل البخاري في "تاريخه"
(1)
. مات سنة اثنتين وتسعين
(2)
. ونصر هذا أخو حسم، وفي أسد خزيمة نصر بن قعين.
(وَالحُكْرَةِ): بضم الحاء المهملة: حبس الطعام عن البيع مع الاستغناء عنه عند الحاجة إليه إرادة غلائه. والجزاف -بالتثليث- بيعك الشيء واشتراؤك بلا كيل ولا وزن. قال ابن سيده: وهو يرجع إلى المساهلة، وهو دخيل
(3)
.
= وذكره ابن قانع في كتابه "معجم الصحابة" 3/ 49 (995) وروى له حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وجزم بذلك الحافظ فقال في "التقريب"(6426): له رؤية.
(1)
"التاريخ الكبير" 8/ 305 (1296).
ويبدو -والله أعلم- أن الكلام هنا فيه سقط أو بتر، وينبغي أن تكون عبارة المصنف، رحمه الله: بل البخاري في "تاريخه" جزم بأن صحبته لم تصح. أو نحو ذلك. والله أعلم.
وهذا هو ما في "تاريخ البخاري" قال: وقال بعضهم: له صحبة، ولم يصح.
قلت: والقول بعدم صحبة مالك هو قول الأكثر:
فقال ابن سعد في "طبقاته" 5/ 56 - 57: لم يبلغنا أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن معين في "تاريخ الدوري" 3/ 52 - 53: ليست له صحبة، أو لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذا جزم بعدم صحبته ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 8/ 203 (896).
وابن حبان في "الثقات" 5/ 382، بل قال: من زعم أن له صحبة فقد وهم.
وقال الجياني في "تقييد المهمل" 1/ 130: مالك بن أوس من كبار التابعين وقدمائهم.
وقال الحافظ الذهبي في "السير" 4/ 171: أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم. لكنه جزم في
"تاريخ الإسلام" 6/ 464 فقال: قيل: له صحبة، ولم يصح.
(2)
انظر تمام ترجمته في "أسد الغابة" 5/ 11 (4559)، و"الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة" 2/ 134/ 873)، و"الإصابة" 3/ 339 (7595).
(3)
"المحكم" 7/ 213.
ولم يرو مالك لفظة (مُجَازَفَةً) وفسرها بأنهم كانوا يريدون بيعه بالدين
(1)
، وأما بالنقد فلا بأس.
واعترضه ابن التين بأنه إذا باعه من غير بائعه لا فرق بين دين ونقد.
وفي قوله: (مُجَازَفَةً): جواز بيع الجزاف، وأن الغرر اليسير معفو عنه في البيع.
وقوله: (ذَاكَ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ وَالطَّعَامُ مُرْجَأٌ) تأوله أن يشتري منه طعامًا بمائة إلى أجل ويبيعه منه قبل قبضه بمائة وعشرين، وهو غير جائز؛ لأنه في التقدير بيع دراهم بدراهم والطعام مرجأ غائب.
وليس هذا تأويله عند أكثر العلماء، وقيل: معناه: أن يبيعه من آخر ويحيله به. قال ابن فارس: أرجأت الشيء: أخرته
(2)
، وأرجيت أيضًا، ذكره الخطابي
(3)
. قال ابن التين: والذي سمعناه بغير همز، وبهمزة في بعض النسخ.
وقوله: ("هاء وهاء") قال الهروي: اختلف في تفسيره، وظاهر معناه: أن يقول كل واحد منهما: هاء فيعطيه ما في يده.
وقيل: معناه: هات وهاك، أي: خذ وأعط، وهو ممدود لكنهم يقرءونه بالقصر. وقال الخطابي: الهمزة في هاء وهاء بدل من الكاف، كأنه قال: هاك أي: خذ، وقد يقال بالكسر
(4)
.
واختلف العلماء في بيع الطعام جزافًا قبل أن يقبض، فذهب أبو حنيفة وأصحابه والشافعي والثوري وأحمد وأبو ثور وداود إلى أنه
(1)
"الموطأ" ص 393 - 394.
(2)
"المقاييس" ص 445، و"مجمل اللغة" 2/ 423 - 424 مادة:[رجو].
(3)
"أعلام الحديث" 2/ 1043. وفيه: ورجأت.
(4)
"أعلام الحديث" 2/ 163 - 164.
لا يجوز بيعه قبل قبضه
(1)
، وروي عن مالك أيضًا، وقال ابن عبد الحكم: إنه استحسان من قوله
(2)
.
وقالت طائفة: يجوز بيع الطعام الجزاف قبل قبضه، روي ذلك عن عثمان بن عفان، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن البصري والحكم وحماد، وهو المشهور عن مالك، وبه قال الأوزاعي وإسحاق، حجة القول الأول ظاهر حديث ابن عمر، وعموم نهيه عن بيع الطعام قبل استيفائه، فدخل فيه الجزاف والكيل، وقد أشار ابن عباس إلى أنه إذا باعه قبل قبضه أنه دراهم بدراهم والطعام لغو، فأشبه عنده العينة. قال الأبهري: العينة من باب سلف جر منفعة.
والحجة للثاني أن من باع جزافًا فلم يبع إلا ما وقعت حاسة العين عليه، ولذلك سقط الكيل عن البائع، والاستيفاء إنما يكون بالكيل أو الوزن، هذا مشهور عند العرب، ويشهد لذلك قوله تعالى {فَأَوْفِ لَنَا الكَيْلَ} [يوسف: 88] و {وَأَوْفُوا الكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ} [الإسراء: 35]{الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2)} [المطففين: 2] فإنما عنى بالاستيفاء في المكيل والموزون خاصة، وما عدا هذِه الصفة فلم يبق فيه إلا التسليم فيما يستوفى من جزاف الطعام كالعقار وشبهه.
فإن قلت: لو كان كما زعمتم لم يتأكد النهي عن ذلك بضرب الناس عليه، فدل على أن حكم الجزاف حكم المكيل.
فالجواب: أنهم إنما أمروا بانتقال طعامهم وإن كان جزافًا؛ لأنهم
(1)
انظر: "مشكل الآثار" 4/ 192 - 193، "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 1459 - 1460، "المبسوط" 13/ 9، "البيان" 5/ 67 - 68، "المجموع" 9/ 327 - 328، "المغني" 6/ 188 - 191.
(2)
انظر: "المدونة" 3/ 166، "المنتقى" 3/ 290.
كانوا بالمدينة يتبايعون بالعينة، فكذلك يجب أن يؤمروا بانتقال الجزاف في كل موضع يشهد فيه العمل بالعيب؛ ليكون حاجزًا بين دراهم بأكثر منها؛ لأنه إذا باعه بالمكان في ابتاعه بدراهم أكثر منها كان الطعام لغوًا وكانت دراهم بأكثر منها، وقد روي عن ابن عمر أنَّ النهي إنما ورد في المكيل خاصة، وروى ابن وهب من حديث ابن عمر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحد طعامًا اشتراه بكيل حتى يستوفيه
(1)
.
وفي حديث ابن عمر: (رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يئووه إلى رحالهم) إباحة الحكرة؛ لأنه لو لم يجز لهم احتكاره لتقدم إليهم في بيعهم ولم يؤذن لهم في حبسه، هذا قول أئمة الأمصار، وبه يزول اعتراض الإسماعيلي بأن البخاري بوب لها ولم يذكرها.
ورخصت طائفة لمن يقع الطعام من أرضه أو جلبه من مكان في حبسه، ومنعت من ذلك لمشتريه من الأسواق للحكرة، وروي ذلك عن عمر والحسن البصري، وبه قال الأوزاعي. قال مالك فيمن رفع طعامًا من ضيعته فرفعه: فليس بحكرة. وقال الشافعي وأحمد: إنما يحرم احتكار الطعام في هو قوت دون سائر الأشياء. وقالت طائفة: احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه
(2)
. روي عن عمر ومجاهد
(3)
.
(1)
رواه أبو داود (3495)، وأصله في "الصحيحين".
(2)
انظر: "البيان" 5/ 355، "المغني" 6/ 317.
(3)
رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 7/ 255 - 256 عن عمر موقوفًا.
وقد روي مرفوعًا:
رواه أبو داود (2020)، والبخاري في "التاريخ" 7/ 255 من طريق جعفر بن يحيى بن ثوبان، عن عمارة بن ثوبان، عن موسى بن باذان قال: أتيت يعلى بن أمية، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه". =
وفي مسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ" من حديث معمر بن عبد الله بن نضلة
(1)
، وروي عن عمر وعثمان أنهما نهيا عنها
(2)
.
ومعنى هذا النهي عند الفقهاء، في وقت الشدة، فيما ينزل بالناس من حاجة، يدل على ذلك أن سعيد بن المسيب راوي الحديث عن معمر كان يحتكر الزيت، فقيل له في ذلك فقال: كان معمر يحتكر
(3)
.
= وهو حديث ضعيف، أورده الذهبي في "الميزان" 1/ 430 وقال: هذا حديث واهي الإسناد.
وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(346).
ورواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 132 - 133 (1485)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 7/ 527 (11221) من طريق عبد الله بن المؤمل عن عمر [ووقع عند الطبراني:(عبد الله) خطأ] بن عبد الرحمن بن محيصن، عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر مرفوعًا:"احتكار الطعام بمكة إلحاد".
وهو حديث ضعيف أيضًا، قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 101: فيه: عبد الله بن المؤمل، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه جماعة.
وضعفه الألباني أيضًا في "ضعيف أبي داود" 10/ 193 فقال: عبد الله بن المؤمل، ضعيف الحديث. وضعف الحديث في "ضعيف الجامع"(183)، وفي "ضعيف الترغيب" (1107) وقال: منكر.
قلت: ويشبه أن يكون أصحها هي رواية عمر الموقوفة.
(1)
مسلم (1605) كتاب: المساقاة، باب: تحريم الاحتكار في الأقوات.
(2)
رواه عنهما ابن أبي شيبة في "المصنف" 6/ 304 - 307 (20381، 20384).
(3)
رواه أحمد 3/ 454 من طريق يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب عن معمر العدوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ". وكان سعيد بن المسيب يحتكر الزيت.
وروى عبد الرزاق 8/ 202 - 203 (14886)، وابن أبي شيبة 4/ 458 (22070) عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه كان يحتكر الزيت.
والحديث في "صحيح مسلم" 1605/ 129 بنحو ما ذكر المصنف، لكن دون ذكر (الزيت).
وفي "مسند أحمد"
(1)
: كان يحتكر النوى والخبط والبزر
(2)
، وجاء في الاحتكار أحاديث ضعيفة لا نطول بذكرها.
وقال أبو الزناد: قلت لابن المسيب: أنت تحتكر، قال: ليس هذا بالذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال:"أن يأتي الرجل للسلعة عند غلائها فيغالي بها"، وأما أن يشتريه إذا أبضع ثم يرفعه فإذا احتاج الناس إليه أخرجه، فذلك خير
(3)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: وفي "المسند" من حديث ابن عمر مرفوعًا: "احتكر طعامًا أربعين يومًا فقد برئ من الله تبارك تعالى، وبرئ الله تبارك وتعالى منه" الحديث.
قلت (المحقق): هو في "المسند" 2/ 33. وأورده الألباني في "غاية المرام" (324) وقال: حديث ضعيف منكر غير محفوظ، ليس بجيد ولا موضوع.
(2)
لم أجده في "مسند أحمد"، وروى ابن أبي شيبة 4/ 459 (22071) عن مسلم الخياط قال: كنت أبتاع لسعيد بن المسيب النوي والعجم والخبط، فيحتكره.
وقال أبو داود السجستاني في "السنن" 3/ 729: كان سعيد بن المسيب يحتكر النوى والخبط والبزر.
(3)
لم أجده ولا بنحوه إلا في "شرح ابن بطال" 6/ 259 ويبدو -والله أعلم- أن المصنف رحمه الله نقله منه، أو ممن نقله منه!! وروى الحاكم 2/ 12، وعنه البيهقي 6/ 30 من طريق إبراهيم بن إسحاق الغسيلي، عن عبد الأعلى بن حماد النرسي، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -مرفوعًا:"من احتكر يريد أن يغالي بها على المسلمين فهو خاطئ، وقد برئت منه ذمة الله".
والحديث سكت عليه الحاكم، وتعقبه الذهبي في "التلخيص" فقال: الغسيلي كان يسرق الحديث. وقال في "المهذب" 4/ 2158 (9087): حديث منكر؛ تفرد به إبراهيم بن إسحاق الغسيلي، وكان ممن يسرق الحديث.
وأعله به المنذر في "الترغيب والترهيب" 2/ 365 (2744) فقال: رواه الحاكم من رواية إبراهيم بن إسحاق الغسيلي، وفيه مقال.
وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب"(1108). =
فبان أن معنى النهي عن الحكرة في وقت حاجة الناس. روى ابن القاسم، عن مالك أنه قال: من اشترى الطعام في وقت لا يضر بالناس اشتراؤه فلا يضره أن يتربص به ما شاء. وهو قول الكوفيين
والشافعي.
قال مالك: وجميع الأشياء في ذلك كالطعام، وقال الأوزاعي: لا بأس أن يشتري في سنة الرخص طعامًا لسنين لنفسه وعياله مخافة الغلاء. قال مالك: وأما إذا قل الطعام في السوق واحتاج الناس إليه، فمن احتكر منه شيئًا فهو مضر بالمسلمين، فليخرجه إلى السوق ويبعه بما ابتاعه ولا يزدد فيه
(1)
.
فعلى هذا القول تتفق الآثار، ألا ترى أن الناس إذا استوت حالتهم في الحاجة فقد صاروا شركاء، ووجب على المسلمين المواساة في أموالهم، فكيف لا يمنع الضرر عنهم، وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأزواد بالصهباء عند الحاجة
(2)
، ونهى عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث للدافة
(3)
.
= ورواه أحمد 2/ 354 من طريق أبي معشر عن محمد بن عمرو، به، بنحوه.
وانظر: "الصحيحة"(3362). وهذا الحديث إنما خرجته؛ لأنه ذكر فيه المغالاة، التي ذكرها المصنف هنا بلفظ آخر.
(1)
انظر: "المدونة" 3/ 290، "البيان" 5/ 355، "المغني" 6/ 317، "المحلى" 9/ 64.
(2)
سلف هذا الحديث برقم (209) كتاب: الوضوء، باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ.
(3)
رواه مسلم (1971) من حديث عبد الله بن واقد.
وفي الباب بنحوه عن سلمة بن الأكوع سيأتي برقم (5569)، ورواه مسلم (1974)، وغيرهما في "الصحيحين".
وجمع أبو عبيدة بين أزواد السرية، وقسمها بين من لم يكن له زاد وبين من كان له
(1)
.
وأمر عمر أن يحمل في عام الرمادة على أهل كل بيت مثلهم من الفقراء، وقال: إنَّ المرء لا يهلك عن نصف شبعه
(2)
.
فرع: يصح بيع الصبرة مجازفة، وفي كراهته قولان: أظهرهما: نعم، وكذا صبرة الدراهم، وعن مالك: لا يصح بيعه إذا كان بائع الصبرة جزافًا يعلم قدرها
(3)
.
وروى الحارث بن أبي أسامة بسند فيه الواقدي من حديث عمران بن أبي أنس: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان يقول: في هذا الوعاء كذا وكذا، ولا أبيعه إلاَّ مجازفة. فقال:"إذا سميت كيلًا فكِلْ"
(4)
.
(1)
رواه بنحوه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 49/ 413.
(2)
روى البخاري في "الأدب المفرد"(562) عن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب قال عام الرمادة
…
الحديث، وفي آخره: الحمد لله، فوالله لو أن الله لم يفرجها ما تركت بأهل بيت من المسلمين لهم سعة، إلا أدخلت معهم أعدادهم من الفقراء. فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم واحدًا. وذكره بنحوه هكذا ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 1/ 192 - 193.
وقال الألباني: صحيح الإسناد.
وروى ابن سعد في "الطبقات" 3/ 316 عن ابن عمر أيضًا أن عمر قال: لو لم أجد للناس من المال ما يسعهم إلا أن أدخل على كل أهل بيت عدتهم فيقاسمونهم أنصاف عن أنصاف بطونهم حتى يأتي الله بحيا فعلت، فإنهم لن يهلكوا بطونهم.
(3)
انظر: "المدونة" 3/ 169 - 170، "النوادر والزيادات" 6/ 38 - 39.
(4)
رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث"(430)، وكما في "إتحاف الخيرة المهرة" 3/ 297 (2768/ 3): حدثنا محمد بن عمر الواقدي: ثنا عبد الحميد، عن عمران بن أبي أنس، عن أبيه، به. ولمن يذكر المصنف رحمه الله هنا (عن أبيه). والحديث ضعفه عبد الحق في "الأحكام" 3/ 238 - 239 فقال: الواقدي متروك. وضعفه أيضًا البوصيري في "الإتحاف".
وروى عبد الرزاق قال: قال ابن المبارك عن الأوزاعي رفعه: "لا يحل لأحد باع طعامًا جزافًا قد علم كيله حتى يعلم صاحبه"
(1)
.
وروى ابن أسلم في كتاب "الرِبَا" عنْ واصل قال: سألت مجاهدًا وعطاءً والحسن وطاوس عن الرجل يشتري طعامًا جزافًا لا يعلم كيله ورَب الطعام قد عرف كيله؟ فكرهوه كلهم.
وقال ابن قدامة: إباحة بيع الصبرة جزافًا مع جهل البائع والمشتري بقدرها لا نعلم فيه خلافًا، فإذا اشتراها جزافًا لم يجز بيعها حتى ينقلها، نص عليه أحمد في رواية الأثرم، وقد سلفت فيه رواية أخرى: بيعها قبل نقلها. واختاره القاضي، وهو مذهب مالك، قال: ونقلها قبضها، كما جاء الخبر
(2)
.
(1)
"المصنف" 8/ 131 (14602). وضعفه عبد الحق في "الأحكام" 3/ 239 فقال: هذا منقطع فاحش الانقطاع.
(2)
"المغني" 6/ 202.
55 - باب بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ
2135 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الذِي حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَهْوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا مِثْلَهُ. [انظر: 2132 - مسلم: 1525 - فتح: 4/ 349]
2136 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ". زَادَ إِسْمَاعِيلُ: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ". [2124 - مسلم: 1526 - فتح: 4/ 349]
ذكر فيه حديث ابن عباس: أَمَّا الذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَهْوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا مِثْلَهُ.
وحديث ابن عمر: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبْيِعَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ". زَادَ إِسْمَاعِيلُ: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبْيِعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ".
الحديثان في مسلم أيضًا
(1)
، وحديث ابن عمر تكرر.
وقوله: (زاد إسماعيل) يعني ابن أبي أويس عن مالك، ولو عبَّر بقوله: وقال إسماعيل لكان أحسن، وقد اعترضه الإسماعيلي فقال ردًّا عليه: قد قاله أيضًا الشافعي وقتيبة وابن مهدي عن مالك
(2)
(1)
رواهما مسلم برقمي (1525، 1526) كتاب: البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض.
(2)
فائدة: قال الحافظ في "الفتح" 4/ 350: قول البخاري: زاد إسماعيل، يريد الزيادة في المعنى؛ لأن في قوله:(حتى يقبضه) زيادة في المعنى على قوله: (حتى =
وقوله: "فلا يبيعه" قال ابن التين: كذا وقع، ولفظه لفظ الخبر،
ومعناه الأمر، كقوله تعالى:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79] وبوَّب ابن بطَّال باب بيع ما ليس عندك، وذكر فيه حديث مالك (م. الأربعة) بن أوس عن، عمر المذكور في الباب قبله فقط، ثم ترجم: باب بيع الطعام قبل أن يقبض، ثم ذكر حديث ابن عباس وابن عمر فيه
(1)
، والأمر قريب، والعمل بهذِه الأحاديث واجب ولم يختلف أحد من العلماء في ذلك -أعني: في الطعام إذا بيع على كيل أو وزن أو عدد- إلَّا عثمان البتي كما سلف، وعنه أيضًا أنَّه أجاز بيع الطعام المسلَّم فيه قبل قبضه وهو مردود.
= يستوفيه)؛ لأنه قد يستوفيه بالكيل بأن يكيله البائع ولا يقبضه للمشتري، بل يحبسه عنده لينقده الثمن مثلًا، وعرف بهذا جواب من اعترضه من الشراح فقال: ليس في هذِه الراوية زيادة. اهـ.
قلت: كذا قال الحافظ ووجه قول البخاري.
لكن تعقبه العيني في "العمدة" 9/ 346 فقال: قال بعضهم. وذكر كلام الحافظ، ثم قال:
قلت: الأمر في ذكره بالعكس؛ لأن لفظ الاستيفاء يشعر بأن له زيادة في المعنى على لفظ الإقباض، من حيث أنه إذا أقبض بعضه وحبس بعضه لأجل الثمن يطلق عليه معنى الاقباض في الجملة، ولا يقال له: استوفاه. حتى يقبض الكل، بل المراد بهذِه الزيادة زيادة رواية أخرى وهو (يقبضه)؛ لأن الرواية المشهورة: حتى يستوفيه. اهـ.
قلت: أرى العيني -رحمه الله تعالى- قد أصاب في هذا الموضع. ويدل لذلك أيضًا أن الحافظ أورد هذا الموضع في "انتقاض الاعتراض" 2/ 73 وذكر كلامه الذين في "الفتح"، وتعقب العيني له، وسكت، وفيه قرينة على الإقرار والموافقة.
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 260 - 262.
واختلف المذهب عندهم في مسائل هل يجري فيها هذا الحكم، كالخضروات والفلفل وغير ذلك، ولا يجوز بيع ما ليس عندك ولا في ملكك وضمانك من الأعيان المكيلة والموزونة والعروض كلها، لنهيه
عليه السلام عن ذلك.
وروي النهي عن بيع ما ليس عندك وربح ما لم تضمن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا، ومن حديث حكيم بن حزام أيضًا، لكن لم يكن إسناده من شرط الكتاب، وإنْ كان الأول صححه الترمذي والحاكم
(1)
، والثاني صححه الترمذي وحسَّنه
(1)
"سنن الترمذي"(1234)، "مستدرك الحاكم" 2/ 17.
ورواه أيضًا أبو داود (3504)، والنسائي 7/ 288، وابن ماجه (2188) من طريق أيوب عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعًا.
هكذا وقع الإسناد عند النسائي وابن ماجه والحاكم، ووقع عند أبي داود والترمذي: حدثنا أيوب، حدثنا عمرو بن شعيب، قال: حدثني أبي، عن أبيه حتى ذكر عبد الله بن عمرو. لذا قال السهيلي: هذِه رواية مستغربة عند أهل الحديث جدًّا؛ لأن المعروف عندهم أن شعيبًا إنما يروي عن جده عبد الله لا عن أبيه محمد؛ لأن أباه محمدًا مات قبل جده عبد الله، فقف على هذِه التنبيهة في هذا الحديث، فقل من تنبه إليها. "الروض الأنف" 3/ 254.
وقال المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 2/ 157 - 158: ومن روايات عمرو بن شعيب المستغربة. وذكرها وذكر كلام السهيلي.
وقال الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" 12/ 536: هكذا قال غير واحد أن شعيبًا يروي عن جده عبد الله، ولم يذكر أحد منهم أنه يروي عن أبيه محمد، ولم يذكر أحد لمحمد بن عبد الله والد شعيب هذا ترجمة إلا القليل، فدل ذلك على أن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيح متصل إذا صح الإسناد إليه.
وحديثنا هذا قال عنه الحاكم: حديث على شرط جملة من أئمة المسلمين، صحيح. وأقره المصنف رحمه الله في "البدر" 6/ 500 وصححه عبد الحق في "الأحكام" 3/ 239 - 240. =
البيهقي
(1)
فاستنبط معناه من حديث مالك بن أوس
(2)
، وبه يزول اعتراض ابن التين عليه حيث قال: بوَّب له ولم يأتِ فيه إلا بهذين الحديثين، وذلك يدخل في باب بيع ما ليس عندك. فالمعنى: ما يكون
= وقال النووي في "المجموع" 9/ 464: حديث صحيح، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة.
وصححه أيضًا شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 29/ 334 و 30/ 84، 162.
والحديث ذكره الحافظ ابن كثير في "الإرشاد" 2/ 14 وذكر تصحيح الترمذي وابن خزيمة. وكذا الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام"(821) وزاد تصحيح الحاكم، وسكتا فكأنما أقرا صحته.
وحسنه الألباني رحمه الله في "الإرواء"(1305 - 1306).
(1)
"سنن الترمذي"(1232)، "سنن البيهقي الكبرى" 5/ 313 من طريقين: فرواه الترمذي من طريق أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام.
ومن هذا الطريق رواه أبو داود (3503)، والنسائي 7/ 289، وابن ماجه (2187).
وهو حديث صححه ابن دقيق العيد على شرط الشيخين في "الاقتراح" ص 99.
وصححه المصنف في "البدر المنير" 6/ 448، 489، والألباني في "الإرواء"(1292).
أما البيهقي فرواه في الموضع الذي حسنه فيه من طريق يحيى بن أبي كثير عن يعلق بن حكيم عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عصمة عن حكيم بن حزام، به. ومن هذا الطريق رواه ابن حبان 11/ 358 (4983) وقال: هذا الخبر مشهور عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام، ليس فيه ذكر عبد الله بن عصمة، وهذا خبر غريب.
ومن هذا الطريق ضعفه عبد الحق في "الأحكام" 3/ 238 فقال: عبد الله بن عصمة ضعيف جدًّا. وابن التركماني في "الجوهر" 5/ 313.
قلت: والحديث صح من الطريق الأول، وإن كان في إسناده اختلاف كما قال الحافظ ابن كثير في "الإرشاد" 2/ 11 انظر مزيد تفصيل فيه في "البدر المنير" 6/ 448 - 452.
(2)
في الباب السابق.
في ملكك غائبًا من النقدين لا يجوز بيع غائب منه ابن بناجز، وكذلك البرُّ والتمر والشعير لا يُباع بشيء من جنسه، إلا بطعام مخالف لجنسه ولا يدًا بيدٍ، لقوله:"وإلا هاء وهاء" يعني: خذ وأعط؛ إحاطة من الله تعالى لأصول الأموال وحرزًا لها، إلا ما رخصت السُّنة بالجواز من بيع ما ليس عندك، ومن ربح ما لم يضمن وهو السلم، فجوزت فيه ما ليس عندك، ومن ربح مما يكون في الذمة من غير الأعيان؛ توسعة من الله تعالى لعباده ورفقًا بهم، وأيضًا إذا امتنع بيع المبيع قبل قبضه فما ليس في ملكه أولى بالمنع.
وبيع ما ليس عندك يحتمل معنيين، كما قال ابن المنذر: أحدهما: أن تقول: أبيعك عبدًا أو دارًا مغيبة عني في وقت البيع، فلعل الدار أنْ تتلف ولا يرضاها، وهذا يشبه بيع الغرر.
الثاني: أنْ تقول: أبيعك هذِه الدار بكذا على أنْ أشتريها لك من صاحبها، أو على أنْ يسلمها لك صاحبها، وهذا مفسوخ على كل حال؛ لأنه غرر، إذ قد يجوز ألا يقدر على تلك السلعة أولا يسلمها إليه مالكها، قال: وهذا أصح القولين عندي، لأني لا أعلمهم يختلفون أنه يجوز أنْ أبيع جارية رآها المشتري، ثم غابت عني وتوارت بجدار، وعُقد البيع، ثم عادت إليَّ، فإذا أجاز الجميع هذا البيع لم يكن فرق بين أنْ تغيب عني بجدار، أو يكون بيني وبينها مسافة وقت عقد البيع.
وقال غيره: ومن بيع ما ليس عندك العينة، وهي دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل بأن تقول: أبيعك بالدراهم التي سألتني سلعة كذا، ليست عندي ابتاعها لك، فبكم تشتريها مني؟ فيوافقه على الثمن ثم يبتاعها ويُسلمها إليه، فهذِه العينة المكروهة، وهي بيع ما ليس عندك، وبيع
ما لم تقبضه، فإن وقع هذا البيع، فسخ عند مالك في مشهور مذهبه وعند جماعة من العلماء.
وقيل للبائع: إنْ أعطيت السلعة أبتاعها منك بما أشتريها جاز ذلك، وكأنك إنما أسلفته الثمن الذي ابتاعها.
وقد روي عن مالك: أنه لا يفسخ البيع؛ لأنَّ المأمور كان ضامنًا للسلعة لو هلكت.
قال ابن القاسم: وأحط إليَّ لو تورَّع عن أخذ ما زاده عليه. وقال عيسى بن دينار: بل يفسخ البيع إلَّا أنْ تفوت السلعة فيكون فيها القيمة
(1)
.
وعلى هذا سائر العلماء بالحجاز والعراق، كما قال ابن بطال
(2)
، قال: وأجمع العلماء أنَّ كل ما يُكال أو يُوزن من الطعام كله مقتاتًا أو غيره، وكذلك الإدام والملح والكسبر وزريعة الفجل الذي فيها الزيت المأكول، فلا يجوز بيع شيء منه قبل قبضه، ومعنى النهي عن بيعه قبل قبضه عند مالك فيما بيع مكايلة أو موازنة لما فيها بيع منه جزافًا على ما سلف.
واختلفوا في بيع العروض قبل قبضها، فذهب ابن عباس وجابر إلى أنه لا يجوز بيع شيء منها قبل قبضه قياسًا على الطعام، وهو قول الكوفيين والشافعي
(3)
، وحملوا نهيه عليه السلام عن ربح ما لم يضمن على العموم في كل شيء، إلَّا الدور والأرضين عند أبي حنيفة، فأجاز
(1)
انظر: "المنتقى" 5/ 39.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 262.
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار" 3/ 41، "البيان" 5/ 68.
بيعها قبل قبضها؛ لأنها لا تنقل ولا تحول، وحمل مالك نهيه عن ربح ما لم يضمن عن الطعام وحده دون العروض والحيوان، فإنَّ ربحها حلال؛ لأنَّ بيعها قبل استيفائها حلال.
قال ابن المنذر: والحجة لهذا القول أنَّه عليه السلام إنما نهى عن بيع الطعام قبل قبضه خاصة، فدل أنَّ غير الطعام ليس كالطعام، ولو لم يكن كذلك لما كان في تخصيصه الطعام فائدة، وقد أجمعوا أنَّ من اشترى جارية وأعتقها في تلك الحال قبل قبضها أنَّ عتقه جائز، فكذلك البيع -قلت: لا، فالشارع متشوف إلى فك الرقاب- وقال أبو ثور كقول مالك
(1)
.
تنبيهات وفوائد:
الأول: قال الحميدي فيما حكاه أبو نعيم الأصبهاني: قال سفيان: حديث مالك بن أوس أصح حديث روي في الصرف
(2)
.
وخالف أبو الوليد ابن رشدٍ فقال: أصحها عندي حديث أبي سعيد الخدري
(3)
-يعني الآتي بعد
(4)
-، وكذا قاله أبو عمر ابن عبد البر
(5)
.
ثانيها: قوله: "الذهب بالذهب ربًا" كذا وقع هنا من طريق عمرو بن دينار، عن الزهري، عن مالك.
(1)
انتهى من "شرح ابن بطال" 6/ 262 - 263.
والعبارة الاعتراضية الأخيرة هي من قول المصنف رحمه الله.
(2)
ذكره الحميدي في "مسنده" 1/ 154.
(3)
"بداية المجتهد" 3/ 1285.
(4)
سيأتي برقم (2176 - 2177)، ورواه مسلم (1584).
(5)
"الاستذكار" 19/ 197 - 198.
وروى يحيى بن يحيى الليثي، عن مالك:"الذهب بالورق"
(1)
وكذا رواه معن وجماعة عن مالك
(2)
.
وقال ابن أبي شيبة: أشهد على ابن عيينة أنَّه قاله كذلك
(3)
، ولم يقل:"الذهب بالذهب" يعني: في حديث ابن شهاب هذا، ورواه ابن إسحاق عن الزهري كما في الكتاب بزيادة "والفضة بالفضة"
(4)
، وكذا رواه أبو نعيم عن ابن عيينة، ولم يقله أحد عن ابن عيينة غيره، وكذا رواه الأوزاعي عن مالك
(5)
.
ثالثها: في البيهقي من حديث مجاهد، عن ابن عمر: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا، ثم قال: قال الشافعي: هذا خطأ. ثم ساقه بإسناده إلى أنْ قال: هذا عهد صاحبنا إلينا، ثم قال الشافعي: يعني بصاحبنا؛ عمر بن الخطاب
(6)
.
واعترضه أبو عمر فقال: هذا غير جيد من الشافعي على أصله،
(1)
"الموطأ" ص 394.
(2)
رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 282 من طريق معن بن عيسى وروح بن عبادة وعبد الله بن نافع، ثلاثتهم عن مالك عن الزهري عن مالك بن أوس، به.
ورواه أبو داود (3348) عن عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك بن أنس، به.
ورواه ابن حبان 11/ 386 - 387 (5013) من طريق أحمد بن أبي بكر، عن مالك، به.
(3)
رواه أيضًا ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 283.
(4)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 283.
(5)
"التمهيد" 6/ 283 ورواية ابن إسحاق رواها الدارمي 3/ 1679 - 1680 (2620).
(6)
"السنن الكبرى" 5/ 279.
والأظهر أنَّ (صاحبنا) أراد به الشارع لا عمر، ثم قال: والناس لا يسلم أحد منهم من السهو
(1)
.
قلت: الواهم هو، فإن نافعًا قال: إنَّ ابن عمر لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصرف شيئًا -كما رواه البيهقي وبيَّنه- إنما سمعه من أبيه وأبي سعيد
(2)
.
رابعها: من الروايات الباطلة في حديث ابن عمر: (ونهى عن الزبيب بالزبيب)، نبه على ذلك ابن عدي
(3)
.
قاعدة أذكرها هنا تتعلق بحديث مالك بن أوس في الباب قبله وببقية أبواب الربا الآتية ويحال ما بعد عليها: وهي أنَّ الإجماع قائم على أنَّ الذهب عينه وتبره سواء لا تجوز المفاضلة فيه، وكذا الفضة بالفضة ومصوغ ذلك ومضروبه، وهو خلف عن سلف، إلَّا شيء يروى عن
(1)
"التمهيد" 2/ 248.
(2)
"السنن الكبرى" 5/ 279.
وقال الذي "معرفة السنن والآثار" 8/ 38 (11040): هو كما قال الشافعي؛ فالأخبار دالة على أن ابن عمر لم يسمع في ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، ثم قد يجوز أن يقول هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا، وهو يريد إلى أصحابه بعدما ثبت له ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري وغيره.
(3)
روى ابن عدي في "الكامل" 7/ 240 في ترجمة لوذان بن سليمان (1620) من طريقه عن هشام بن عروة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة، والمزابنة أن يباع تمر حائط نخل في رءوسها بتمر كيلًا
…
وفيه: وأن يباع تمر كرم بزبيب كيلًا
…
الحديث. فهذا لفظه.
وروى أيضًا 8/ 149 في ترجمة معاوية بن عطاء بن رجاء (1889) من طريقه عن سفيان الثوري: ثنا منصور عن زر، عن عمر بن الخطاب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهي عن الصرف ويقول: "الذهب بالذهب
…
" وفيه: "والزبيب بالزبيب
…
" الحديث. باللفظ الذي ذكره المصنف، لكنه عن عمر، لا عن ابنه. والله أعلم.
معاوية من وجوه أنَّه كان لا يرى الربا في بيع العين بالتبر ولا بالمصوغ، وكان يُجيز في ذلك التفاضل، ويذهب إلى أنَّ الربا لا يكون التفاضل إلَّا في التبر بالتبر، والمصوغ بالمصوغ، وفي العين بالعين
(1)
.
والسُّنة المجمع عليها بنقل الآحاد والكافة خلاف ما كان يذهب إليه معاوية، وقام الإجماع على تحريم الربا في الأعيان الستة المنصوص عليها: الذهب، والفضة، والبرُ، والشعير، والتمر، والملح
(2)
.
واختلفوا فيما سواها، فعند أهل الظاهر وقبلهم مسروق وطاوس والشعبي وقتادة، وعثمان البتي فيما ذكره المازري
(3)
إلى أنَّه يتوقف التحريم عليها، وأباه سائر العلماء وقالوا: بل يتعدى إلى ما في معناها.
فأمَّا الذهب والفضة ففي علتها قولان: أحدهما: أنَّ العلة كونهما قيم الأشياء غالبًا، قاله الشافعي
(4)
.
ثانيهما: أنَّ العلة الوزن في جنس واحد فألحق بها كل موزون، قاله أبو حنيفة.
وأمَّا الأربعة الباقية ففيها تسع مذاهب غير مذهب أهل الظاهر:
أحدها: أنها الانتفاع، تعدى إلى كل ما ينتفع به، قاله أبو بكر بن كيسان الأصم، فيما حكاه القاضي الحسين.
ثانيهما: أنها الجنسية، قاله ابن سيرين والأودي من أصحابنا، فحرم كل شيء بيع بجنسه، كالتراب بالتراب متفاضلًا، والثوب بالثوبين، والشاة بالشاتين.
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 4/ 498.
(2)
انظر: "مراتب الإجماع" لابن حزم ص 151.
(3)
"المعلم بفوائد مسلم" 1/ 504.
(4)
انظر: "البيان" 5/ 163.
ثالثها: أنها المنفعة في الجنس، قاله الحسن البصري، فيجوز عنده بيع ثوب قيمته ديناو بثويين قيمتهما دينار، لا بثوب قيمته ديناران.
رابعها: أنها تفاوت المنفعة في الجنس، قاله سعيد بن جبير، فيحرم التفاضل في الحنطة بالشعير؛ لتفاوت منافعهما، وكذلك الباقلاء بالحمص، والدخن بالذرة.
خامسها: أنها كونه جنسًا تجب فيه الزكاة، قاله ربيعة، فحرم الربا في جنس تجب فيه الزكاة من المواشي والزروع وغيرهما، ونفاه عما لا زكاة فيه.
سادسها: أنها الاقتيات والادخار، وهو مذهب مالك، ونفاه عما ليس بقوت كالفواكه، وعما هو قوت لا يدخر كاللحم.
سابعها: أنها كونه مكيل جنس أو الوزن مع جنسين، وهو مذهب
أبي حنيفة، فحرم الربا في كل مكيل وإن لم يؤكل كالحمص والنورة والأشنان، ونفاه عما لا يُكال ولا يُوزن وإن كان ماكولًا كالسفرجل
والرمان.
ثامنها: أنَّ العلة الطعم فقط، سواء كان مكيلًا أو موزونًا أم لا، وهو مذهبنا، وإليه ذهب أحمد وابن المنذر.
تاسعها: أنها المطعوم الذي يكال أو يوزن، وهو مذهب سعيد بن المسيب، وقول قديم للشافعي.
ونفوه عما لا يؤكل ولا يُشرب، أو يؤكل ولا يوزن كالسفرجل والبطيخ.
ومحل بسط أدلة المذاهب كتب الخلاف والفروع، واتفقوا على أنَّ من شرط الصرف أنْ يكون ناجزًا، واختلفوا في حده، فقال أبو حنيفة
والشافعي: ما لم يفترقا. وقال مالك: إن تأخر القبض في المجلس بطل الصرف وإن لم يفترقا.
وهذِه متعلقات به: فإنَّ البخاري فرق أبوابه.
الأولى: سيأتي في باب بيع الشعير بالشعير: فتراوضنا. يعني: زدت أنا ونقص هو.
وفيه: اصطرف مني
(1)
، افتعل من الصرف، والأصل اصترف بالتاء، والذهب ربما أنث لغة حجازية، القطعة منه ذهبة، والجمع: أذهاب وذهوب، قاله كله في "المنتهى". وقال الأزهري
(2)
: لا يجوز تأنيثه إلاَّ أن يجعل جمعًا لذهبة. وعن صاحب "العين": الذهب: التبر، والقطعة منه ذهبة تُذكر وتؤنث
(3)
.
وعن ابن الأنباري: الذهب أنثى، وربما ذكر. وعن الفراء: وجمعه ذهبان.
ثانيها: أسلفنا في باب: ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، الكلام على "هاء وهاء". وقال صاحب "العين": هو حرف مستعمل في المناولة، تقول: هاء وهاك، وإذا لم تجئ بالكاف مددت، فكانت المدة في هاء خلفًا من كاف المخاطبة
(4)
.
وعن الفراء: أهل نجد يقولون: ها يا رجل، وأهل نجد بنصبها كقول أهل الحجاز، وبعضهم يجعل مكان الهمزة كافًا. وفي "المنتهى": هاء بالهمز والسكون. وفي "الجامع": فيه لغات: بألف ساكنة وهمزة
(1)
سيأتي برقم (2174).
(2)
"تهذيب اللغة" 2/ 1297 (ذهب).
(3)
"العين" 4/ 40 - 41.
(4)
"العين" 4/ 102.
مفتوحة، وهو اسم للفعل، ولغة أخرى: ها يا رجل، فتحذف التاء للجزم، ومنهم من يجعله بمنزلة الصوت، فيقول: ها يا رجل. وذكر السيرافي فيها سبع لغات.
ثالثها: قوله: (سواء بسواء)
(1)
. قال ابن التين: ضبط في غير أمًّ بالقصر، وهو في اللغة ممدود مفتوح السين: أي المماثلة في المقادير.
وقوله هناك في باب بيع الفضة بالفضة: "ولا تشفُّوا بعضها على بعض"
(2)
. الشف: النقصان والزيادة، شفَّ يشفُّ شفُّا: زاد، وأشف يشف: إذا نقص، والاسم منه الشَّف والشِّف.
قال ابن التين: أراد في الحديث: لا تزيدوا بعضها على بعض ولا تنقصوا، وكأن الزيادة أولى إلَّا أنَّه عداه بعلى، و (على) مختصة بالزيادة، و (عن) مختصة بالنقصان، ولا يصح حمله على النقص مع (على) إلا على مذهب من يجيز بدل الحروف بعضها من بعض، فيجعل (على) موضع (عن) وفيه بعد.
رابعها: الربا يقع في التبايع إمَّا بالزيادة أو بالنسيئة، فالزيادة لا تكون إلَّا في الجنس الواحد كالذهب بالذهب مثلًا، بخلاف النسيئة فإنها قد تكون فيه وفي الجنسين كالذهب بالورق وعكسه نسيئة، وهذان
الأمران حرام عند الشافعي، وبه قال عامة الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
وقال أبو حنيفة كذلك في النقدين، وقال الذي عداهما: يجوز التفرق قبل القبض، فأجاز فيها النسيئة.
(1)
في الرواية الاتية برقم (2175).
(2)
سيأتي برقم (2177).
وذهب جماعة من الصحابة إلى أنَّ الربا إنما هو في النسيئة خاصة، فأمَّا في التفاضل فجائز إذا كان يدًا بيدٍ، حكي ذلك عن ابن عباس وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد وعبد الله بن الأثير والبراء بن عازب، واختلف عن ابن عباس؛ ففي مسلم أنَّ أبا سعيد قال له: أرأيت هذا الذي تقول أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو شيء وجدته في كتاب الله؟ فقال: لا ولأنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولكن أخبرني أسامة بن زيد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الربا في النسيئة"
(1)
.
وسيأتي في البخاري أيضًا
(2)
.
وفي رواية الأثرم عنه أنه قال: ما أنا بأقدمكم صحبة ولا أعلمكم لكتاب الله، ولكني سمعت زيد بن أرقم والبراء بن عازب يقولان: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصلح بيع الذهب والفضة إلَّا يدًا بيدٍ"، فقال أبو سعيد: إنما سمعته يقول: "مثلًا بمثل فمن زاد فهو ربا".
وعند الترمذي
(3)
وابن المنذر والأثرم: أنه رجع إلى قول الجماعة.
قال ابن التين: ورواية ابن عباس عن أسامة إنْ كانت محفوظة، فيحتمل أنْ يكون سمع بعض الحديث فحكى ما سمع، وذلك أن يكون عليه السلام سُئل عن الذهب بالفضة، أو الشعير بالتمر فقال:"إنما الربا في النسيئة".
ورد الخطابي قول من زعم النسخ؛ لأنَّه لم يكن مشروعًا قط حتى نسخ، وهذا مما غلط فيه كثير من العلماء، يضعون التحريم موضع النسخ
(1)
مسلم (1596) كتاب: المساقاة، باب: بيع الطعام مثلًا بمثل.
(2)
سيأتي برقم (2178 - 2179) باب: بيع الدينار بالدينار نساء.
(3)
الترمذي بعد حديث (1241) كتاب: البيوع، باب: ما جاء في الصرف.
لمن يقول: شرب الخمر منسوخ ولم يكن شربه مشروعًا قط، وإنما كانوا يشربونها على عادتهم المتقدمة قبل الحظر
(1)
.
ولابن حزم من طريق حيان بن عبيد الله، عن أبي مجلز: قال عبد الله لأبي سعيد: جزاك الله خيرًا ذكرتني أمرًا قد كنت أنسيته، فأنا أستغفر الله وأتوب إليه، فكان ينهى عنه بعد ذللك
(2)
.
ورواه الطبري بلفظ: فلقيه أبو سعيد فقال: يا ابن عباس ألا تتقي الله حتى متى تؤكل الناس الربا!؟ ثم ساق الحديث "يدًا بيد، مثلًا بمثل، فما زاد فهو ربا".
قال ابن حزم: حيان عن أبي مجلز لا حجة فيه؛ لأنه منقطع لم يسمعه من أبي سعيد ولا من ابن عباس، قال: وقد روي رجوعه، سليمان بن علي الربعي وهو مجهول لا يدرى من هو، عن أبي الجوزاء، وروى عنه أيضًا أبو الصهباء أنه كرهه، وروى عنه طاوس ما يدل على (التوقف)
(3)
، وروى عنه الثقة المختص به خلاف هذا، ثم روى بإسناده إلى سعيد بن جبير عنه أنَّه قال: ما كان الربا قط (هاك وهاك)
(4)
، وحلف سعيد بن جبير بالله ما رجع عنه عبد الله حتى مات
(5)
وفي حديث سعيد عن أبي صالح قال: صحبت ابن عباس حتى مات، فوالله ما رجع عن الصرف. وعن سعيد بن جبير: سألت ابن
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 1068.
(2)
"المحلى" 8/ 479.
(3)
في الأصل: (الثقة) والصواب المثبت إن شاء الله.
(4)
في "المحلى" 8/ 483: في هاء وهات.
(5)
"المحلى" 8/ 482 - 483.
عباس قبل موته بعشرين ليلة عن الصرف، فكان يأمر به ولم ير به بأسًا
(1)
.
قال ابن حزم: وفي حديث أبي مجلز عن ابن عباس الذي أسلفناه (وكذلك ما يُكال ويوزن) هذِه اللفظة مدرجة من كلام أبي سعيد ثم أوضحه؛ لأنه لما تم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو مجلز: وكذا ما يُكال، مفصولًا عن الحديث الأول
(2)
. وروى الأثرم في البيوع عن الحسن البصري: لو لم يرجع عنه لما التفت إليه.
فائدة: ذكر محمد بن أسلم قاضي سمرقند في كتاب "الربا": أنَّ من الاحتيال الذي الربا إذا قال: اشتر هذا حتى أشتريه منك، وأسند عن ابن عمر كراهته، وعن إبراهيم أيضًا.
وسماه الحسن: المواضعة وكرهه، وكذا طاوس. قال محمد بن أسلم: ولقد كره الحسن وابن سيرين أنْ يشتري الرجل التجارة ويحملها إلى منزله، فيضعها في بيته يبتغي بها من يشتريها بالنسيئة.
(1)
بمعناه رواه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 118 (14549) وفيه: بستة وثلاثين ليلة.
(2)
"المحلى" 8/ 483.
56 - باب مَنْ رَأَى إِذَا اشْتَرَى طَعَامًا جِزَافًا أَنْ لَا يَبِيعَهُ حَتَّى يُئْوِيَهُ إِلَى رَحْلِهِ، وَالأَدَبِ فِي ذَلِكَ
2137 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما: قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم -يَبْتَاعُونَ جِزَافًا -يَعْنِي: الطَّعَامَ- يُضْرَبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ. [انظر: 2123 - مسلم: 1527 - فتح: 4/ 350]
ذكر فيه حديث ابن عمر: رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَبْتَاعُونَ جِزَافًا -يَعْنِي: الطَّعَامَ- يُضْرَبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ حَتَّى يُئْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ.
هذا الحديث سلف في باب: ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، مع الكلام عليه
(1)
.
(1)
سلف برقم (2133).
57 - باب إِذَا اشْتَرَى مَتَاعًا أَوْ دَابَّةً فَوَضَعَهُ عِنْدَ البَائِعِ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا أَدْرَكَتِ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنَ المُبْتَاعِ.
2138 -
حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي المَغْرَاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا يَأْتِي فِيهِ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ فِي الخُرُوجِ إِلَى المَدِينَةِ لَمْ يَرُعْنَا إِلَّا وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا، فَخُبِّرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: مَا جَاءَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا لأَمْرٍ حَدَثَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ. يَعْنِي: عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ. قَالَ: "أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ؟ ". قَالَ: الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "الصُّحْبَةَ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عِنْدِي نَاقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، فَخُذْ إِحْدَاهُمَا. قَالَ:"قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ". [انظر: 476 - فتح: 4/ 351].
ثم ساق حديث عائشة: لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا يَأتِي فِيهِ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ فِي الخُرُوجِ .. الحديث.
وفي آخره إِنَّ عِنْدِي نَاقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، فَخُذْ إِحْدَاهُمَا. قَالَ:"قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ".
وشيخ البخاري فيه فروة بن أبي المغراء، معدي كرب الكوفي، وروى الترمذي عن رجل عنه مات سنة خمس وعشرين ومائتين
(1)
.
(1)
انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 23/ 178 (4721).
وأثر ابن عمر سلف
(1)
، وصححه ابن حزم
(2)
، ولا مخالف كما قال ابن المنذر، فهو كالإجماع.
وحديث عائشة سلف في الصلاة مطولًا
(3)
.
وقد اختلف العلماء في هلاك المبيع قبل أنْ يقبض، فذهب أبو حنيفة والشافعي أنَّه من ضمان البائع. وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور: من ضمان المشتري.
وفرَّق مالك بين الثياب والحيوان، فقال: ما كان من الثياب والطعام، وما يغاب عليه فهو من ضمان البائع.
قال ابن القاسم: لأنَّه لا يعرف هلاكه ولا بينة عليه، ويتهم أن يكون ندم فيه فغيبه، وأمَّا الدواب والحيوان والعقار فمن المشتري.
وبالأول قال سعيد بن المسيب وربيعة والليث فيمن باع عبدًا واحتبسه بالثمن وهلك في يده قبل أنْ يأتي المشتري بالثمن، وأخذ به ابن وهب، وكان مالك قد أخذ به أيضًا.
(1)
عني المصنف رحمه الله بقوله: سلف، أنه سلف ذكره وقد سلف ذكر هذا الأثر في شرح حديثي (2115 - 2116) باب: إذا اشترى شيئًا فوهب
…
ولم يعن أنه سلف في "صحيح البخاري" فلينتبه لذلك.
وأقول: الأثر وصله الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 16، والدارقطني 3/ 53 - 54، والحافظ في "التغليق" 3/ 242 - 243 من طريق الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر، به.
(2)
"المحلى" 8/ 383.
وقال في 8/ 364 - 365: قول ابن عمر الثابت عنه، وذكره.
وقال الحافظ في "التغليق" 3/ 243: موقوف صحيح الإسناد. وصححه أيضًا العلامة الألباني في "الإرواء"(1325).
(3)
سلف برقم (476) باب: المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس.
وقال سليمان بن يسار: هو من المشتري، سواء حبسه البائع ومنعه من الثمن أم لا. ورجع إليه مالك.
احتج الأولون بفساد بيع الصرف قبل القبض، فدل أنه من ضمان البائع، ولا خلاف أنَّ من اشترى طعامًا مكايلة فهلك قبل القبض في يد البائع أنه من البائع، فكذا ما سواه قياسًا، والشارع قد نهى عن بيع ما لم يقبض؛ لأنه لم يضمن. وفرَّق غيرهم بين الصرف وبين ما نحن فيه بانتفاء حق التوفية هنا.
قيل: وإنما نهى عن بيع ما لم يقبض إذا لم يضمن بدليل إتلاف المشتري، فإنه قبض.
ووجه استدلال البخاري بحديث عائشة هنا أنَّ قوله عليه السلام: "قد أخذتها" في الناقة لم يكن أخذًا باليد، ولا بحيازة شخصها، وإنما كان التزامه؛ لأنه باعها بالثمن وإخراجها من ملك أبي بكر؛ لأنَّ قوله:"قد أخذتها" يوجب أخذًا صحيحًا وإخراجًا للناقة من ذمة الصديق إليه بالثمن الذي يكون عوضًا عنها، فهل يكون الضياع أو التصرف بالبيع قبل القبض إلَّا لصاحب الذمة الضامنة لها؟
وفيه من الفقه: إخفاء السر في أمر الله عز وجل إذا خشي من أهل العصر.
وفيه: أنَّ الصديق أوثق الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه من أمنِّ الناس عليه في صحبته وماله؛ لأنه لم يرغب بنفسه عنه في حضر ولا سفر ولا استأثر بماله دونه.
ألا ترى أنه أعطاه إحدى ناقتيه بلا ثمن فأبى إلَّا به، وسره حتى تكون الهجرة خالصة لله.
وفي استعداد الصديق الناقتين دلالة على أنه أفهم الناس لأمر الدين، لأنه أعدهما قبل أن ينزل الإذن بالهجرة، لأنه قبل ذلك رجا أنه لا بد أن
يؤذن له، كما أخرجه البيهقي في "دلائله"
(1)
وغيره- فأعدَّ ذلك.
وفيه: أنَّ الافتراق الذي يتم به البيع في قوله: "البيعان بالخيار ما لم يفترقا"
(2)
إنما يكون بالكلام عند من يراه لا بالأبدان، لقوله عليه السلام لأبي بكر:"قد أخذتها بالثمن" قبل أن يفترقا، وتم البيع بينهما، وسيأتي بعض معانيه في باب: التقنع، من اللباس إنْ شاء الله
(3)
.
وبهذا الحديث أخذ مالك وأحمد وأبو حنيفة أنَّ بيع العين الغائبة على الصفة جائز، ومنعه الشافعي في أظهر قوليه، وجائز عند مالك أنْ يبيع على أن المشتري بالخيار إذا رأى، وأنكره البغداديون من أصحابه.
قال ابن التين: اختلف قول مالك في ضمان ما اشتري على الصفة وهو غائب، فقال مرة: هو من البائع، وبه أخذ ابن القاسم. وقال مرة: من المشتري، وبه أخذ أشهب.
وعند أبي حنيفة أنَّ البيع جائز، وإن لم يشترط المشتري الخيار، ويجب له الخيار حكمًا، ويستدل بهذا الحديث، وأنه عليه السلام أخذها بالثمن، ولم يذكر شرط خيار رؤية، ودليل البغداديين: أنه عقد عَري عن الصفة فكان فاسدًا كالسلم إذا عري عنها.
وفي "تاريخ دمشق" وغيره: أنَّ الصديق لمَّا قدَّم الناقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليركبها، قال:"لا أركب ناقة ليست لي" قال: هي لك، قال:"بالثمن"
(4)
.
(1)
"دلائل النبوة" 2/ 471 - 475.
(2)
سلف برقم (2079) باب: إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا.
(3)
انظر شرح الحديث الآتي برقم (5807) كتاب: اللباس، باب: التقنع.
(4)
"تاريخ دمشق" 30/ 77 - 78.
فيستدل أنَّه رآها عند العقد، لا كما استدل به من صحة بيع الغائب عند الوصف.
وقوله: (أعددتهما للخروج)، كذا هو بخط الدمياطي، وفي "الحاشية": عددتهما، وادعى ابن التين: أنه وقع في البخاري عددتهما، ثم قال: وصوابه: أعددتهما، لأنه رباعي وأمَّا عددت، فمن العدد، وليس هذا موضعه.
وقوله: (لم يرعنا): أي: لم يفزعنا.
وقوله: "أخرج من عندك" كذا هو بلفظ "من" وادعى ابن التين أنَّه وقع بلفظ "ما" ثم قال: وصوابه "من" ولا حاجة إلى ذلك.
58 - باب لَا يَبِيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ أَوْ يَتْرُكَ
2139 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ". [2165، 5142 - مسلم: 1412 - فتح: 4/ 352]
2140 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلَا تَسْأَلُ المَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا. [2148، 2150، 2151، 2160، 2162، 2723، 2727، 5144، 5152، 6601 - مسلم: 1413، 1515، 1520 - مسلم: 4/ 353]
وذكر فيه حديث ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ".
وحديث أبي هريرة: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِيعُ الرُّجُلُ عَلَى بَيْع أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ
أَخِيهِ، وَلَا تَسْأَلُ المَرْأَة طَلَاقَ أخْتِهَا لَتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا.
هذان الحديثان أخرجهما مسلم أيضًا
(1)
. وحديث ابن عمر يأتي أيضًا في باب: النهي عن تلقي الركبان
(2)
.
وفيه: النهي عن بيع بعض على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب.
(1)
رواهما مسلم (1412، 1413) كتاب: النكاح، باب: تحريم الخطبة على خطبة أخيه.
(2)
سيأتي قريبًا برقم (2165).
قال صاحب "المطالع": يأتي كثير من الأحاديث على لفظ الخبر، وقد يأتي بلفظ النهي، وكلاهما صحيح.
وقال ابن الأثير: كثير من روايات الحديث "لا يبيع" بإثبات الياء، والفعل غير مجزوم، وذلك لحن وإنْ صحت الرواية فتكون لا نافية، وقد أعطاها معنى النهي، لأنه إذا نفي أنْ يوجد هذا البيع، فكأنه قد استمر عدمه، والمراد من النهي عن الفعل: إنما هو طلب إعدامه أو استبقاء عدمه، فكان النفي الوارد من الواجب عندهم يفيد ما يراد من النهي
(1)
، ولما قرر ابن حزم حرمة ذلك -أعني: البيع على البيع، والسوم على السوم، وأنَّ الذمي كالمسلم فيه، وأنَّه إنْ فعل فالبيع مفسوخ- قال: هذا خبر معناه الأمر، لأنه لو كان معناه الخبر لكان خلفًا لوجود خلافه، والخلاف مقطوع ببعده عن الشارع
(2)
.
وقال النووي: في جميع النسخ: "ولا يسوم" بالواو يعني في مسلم، وكذا "لا يخطب" مرفوع وكلاهما لفظه لفظ الخبر، والمراد به النهي، وهو أبلغ في النهي، لأنَّ خبر الشارع لا يتصور وقوع خلافه، والنهي قد يقع خلافه، فكان المعنى عاملوا هذا النهي معاملة الخبر المتمم
(3)
.
فإن قلت: ترجم على السوم، ولم يذكره.
قلت: كأن البيع هنا السوم، وبه صرح مالك في "الموطأ"
(4)
.
وقال أبو عبيد: قال أبو عبيدة وأبو زيد وغيرهما: البيع هنا الشراء والنهي وقع عليه لا على البائع؛ لأنَّ العرب تقول: بعت الشيء بمعنى
(1)
"شرح مسند الشافعي" 4/ 60 - 61.
(2)
"المحلى" 8/ 447 - 448 بتصرف.
(3)
"مسلم بشرح النووي" 9/ 192.
(4)
"الموطأ" ص 424 - 425.
اشتريته. قال أبو عبيد: وليس للحديث عندي وجه غيره، كما أنَّ الخاطب هو الطالب
(1)
.
فإنْ قلت: ترجم حتى يأذن له أو يترك، ولم يذكره.
قلت: ذكره في الباب المذكور في الخطبة على الخطبة، فكأنه أشار إليه من باب لا فارق.
وحقيقة البيع على البيع: أنْ يأمر المشتري بالفسخ، ليبيعه مثله في مجلس خيار المجلس والشرط، والمعنى في تحريمه، أنَّه يوغر الصدور، ويورث الشحناء، ولهذا لو أذن له في ذلك ارتفع التحريم على الأصح.
وفي معناه: الشراء على الشراء قبل لزومه بأن يأمر البائع بالفسخ ليشتريه، وسيأتي في البخاري في الشروط، بلفظ:"لا يزيدن على بيع أخيه"
(2)
، وأخرجه مسلم بلفظ "لا يزيد الرجل على بيع أخيه"
(3)
، وأما السوم على سوم غيره، فهو أن يأتي الرجل قد أنعم لغيره في بيع سلعته بثمن، فيزيده ليبيع منه، أو يأتي إلى المشتري فيعرض عليه مثلها أو أجود منها بانقص من ذلك.
وفي كلام الشيخ أبي حامد أن هذا سوم، والأول استيام، والمعنى في حرمته ما فيه من الإيذاء والقطيعة والعداوة، وسواء كان ذلك الغير مسلمًا أو كافرًا
(4)
.
(1)
"غريب الحديث" 1/ 210.
(2)
سيأتي برقم (2723) باب: ما لا يجوز في الشروط في النكاح.
(3)
مسلم (1413) كتاب النكاح، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك.
(4)
ورد بهامش الأصل ما نصه: وبه صرح ابن حزم الظاهري.
وفي الكافر وجه لابن حربويه
(1)
، وهو قول الأوزاعي. قال ابن التين: وأجمع العلماء أن حكم الذمي كالمسلم في ذلك إلا الأوزاعي فإنه أجازه.
قلت: والظاهر جريانه في البيع على بيعه أيضًا.
ولفظ (الأخ) في الحديث خرج مخرج الغالب. وقام الإجماع على كراهة سوم الذمي على مثله، نقله ابن بطال
(2)
، والشافعي في "رسالته" توقف في صحة هذا النهي
(3)
، فقال البيهقي عقبه: هو ثابت من أوجه، وإنما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن، وأما ما يطاف به فيمن يزيد فطلبه طالب فلغيره الزيادة
(4)
؛ لأنه عليه السلام باع قدحًا وحلسًا فيمن يزيد، رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أنس، وحسنه الترمذي
(5)
.
(1)
هو القاضي العلامة، المحدث المثبت، قاضي القضاة، أبو عبيد، علي بن الحسين بن حرب بن عيسى البغدادي، قال ابن زولاق: كان عالمًا بالاختلاف والمعاني والقياس عارفًا بعلم القرآن والحديث فصيحًا عاقلًا عفيفًا، قوالًا بالحق سمحًا متعصبًا.
قال الخطيب: توفي ابن حربويه في صفر سنة تسع عشرة وثلاثمائة.
انظر تمام ترجمته في: "تاريخ بغداد" 11/ 395، "المنتظم" 6/ 238، "تاريخ الإسلام" 23/ 586 (426)، "سير أعلام النبلاء" 14/ 536 (309)، "شذرات الذهب" 2/ 281.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 268.
(3)
"الرساله" ص 312.
(4)
"السنن الكبرى" 5/ 345.
(5)
أبو داود (1641)، الترمذي (1218)، النسائي 7/ 259، ابن ماجه (2198) من طريق الأخضر بن عجلان عن أبي بكر الحنفي، عن أنس بن مالك.
وهو حديث ضعفه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 5/ 57 - 58 (2297)، والحافظ الذهبي في "الميزان" 1/ 168، والألباني في "الإرواء"(867، 1289)، وفي "ضعيف أبي داود" (291). وانظر:"البدر المنير" 6/ 514 - 516.
فرع: إنما يحرم أيضًا إذا حصل التراضي صريحًا، فإن لم يصرح ولكن جرى ما يدل على التراضي كأشاور عليك، وكذا إذا سكت، فالأصح لا تحريم، وقال بعض المالكية: لا يحرم حتى يرضوا بالزوج ويسمى المهر، واستدل بقول فاطمة بنت قيس: خطبني أبو جهم، ومعاوية، فلم ينكر الشارع ذلك، بل خطبها لأسامة
(1)
.
وقد يُقال: لعل الثاني لم يعلم بخطبة الأول، وأما الشارع فأشار بأسامة؛ لا أنه خطب ولم يعلم بأنها رضيت بواحد منهما ولو أخبرته لم يشر عليها. وقال القرطبي: اختلف أصحابنا في التراكن فقيل: هو مجرد الرضا بالزوج والميل إليه، وقيل: تسمية الصداق. قال: وهذا عند أصحابنا محمول على ما إذا كانا شكلين
(2)
. وزعم الطبري أن النهي هنا منسوخ بخطبته عليه السلام فاطمة لأسامة
(3)
. ثم أعلم أنه قام الإجماع على تحريم ما أسلفناه كما تقرر، فلو خالف وعقد فهو عاصٍ، وينعقد البيع عندنا وعند أبي حنيفة وآخرين.
وقال داود: لا ينعقد، وبه صرح ابن حزم منهم كما سلف، وعن مالك روايتان كالمذهبين. وقال جماعة من أصحابه: يفسخ قبل الدخول لا بعده، وجمهورهم على إباحة البيع والشراء فيمن يزيد،
وبه قال الشافعي كما سلف، وكرهه بعض السلف.
فصل:
وأما بيع الحاضر للبادي فهو أن يقدم غريب بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه، فيقول البلدي له: اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأغلى.
(1)
رواه مسلم (1480/ 47) كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا.
(2)
"المفهم" 4/ 158.
(3)
رواه مسلم (1480/ 47) وقد تقدم.
وفي مسلم من حديث جابر: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض"
(1)
، والمعنى فيه، التضييق على الناس، وأهل الحاضرة أفضل: لإقامتهم الجماعات وعلمهم.
واختلف في أهل القرى هل هم مرادون بهذا الحديث؟ فقال مالك: إن كانوا يعرفون الأثمان فلا بأس به، وإن كانوا يشبهون البادية فلا يباع ولا يشار عليهم.
واختلف هل يبيع مدني لمصري أو عكسه، فمنعه مالك واستخفه في "العتبية". واختلف إذا أنفذ البادي متاعه هل يبيعه الحضري؟ منعه ابن القاسم، وابن حبيب، وأجازه الأبهري. واختلف هل يشتري له؟ فأجازه في كتاب محمد و"العتبية" مالك، ومنعه ابن حبيب.
فرع: لو وقع البيع، فقال ابن القاسم: يفسخ حضر البدوي أو بعث بالسلعة، ورواه ابن حبيب لمالك، وقاله أصبغ، في بيع المصري للمدني. وقال ابن عبد الحكم: لا يفسخ. ورواه سحنون عن ابن القاسم، وهو قول الشافعي محتجًّا بحديث:"دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" ولم يقع الفساد في ثمن ولا مثمن ولا في عقد البيع، فلا فسخ.
فرع: فإن فعل وباع فهل يؤدب؟ قال ابن القاسم: نعم إن اعتاده.
وقال ابن وهب: يزجر عالمًا كان أو جاهلًا، ولا يُؤدب.
فصل:
والنجش: هو أن يزيد في الثمن لا لرغبة بل ليخدع غيره.
(1)
مسلم (1522) كتاب: البيوع، باب: تحريم بيع الحاضر للبادي.
و (تناجشوا): تفاعلوا من النجش، وأصله الختل، يقال: نجش الرجل إذا اختال وخدع، وأنكر ذلك على قائله، وإنما هو الإثارة والإطراء. والأصح عندنا أنه لا خيار خلافًا لمالك وابن حبيب، ووفاقًا لأبي حنيفة. وعن مالك: له الخيار إذا علم، وهو عيب من العيوب كما في المصراة.
وقال ابن حبيب: لا خيار إذا لم يكن للبائع مواطأة. وقال أهل الظاهر: البيع باطل مردود على بائعه إذا ثبت ذلك عليه. وكأن البخاري بوب على قولهم كما سيأتي
(1)
. وادعى ابن بطال أن قول مالك أعدلها وأولاها بالصواب
(2)
.
فرع: قال ابن القاسم في السائم والخاطب: لا يفسخ ويؤدب. وقال غيره: يفسخ.
فصل:
الخطبة على خطبة من صرح بإجابته حرام إلا بإذنه كما سلف، فإن لم يُجَبْ ولم يُرَدْ لا يحرم. وعند المالكية: إذا تراكنا أو سميا صداقًا أو اتفقا ولم يبق إلا العقد أقوال عندهم، وسيأتي إيضاحه في موضعه.
فصل:
قوله: "لتكفأ ما في إنائها" هذا مثل قوله: "ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها" إرادة ضررها فتصير بمنزلة من كفأ إناءها، أي: قلبه على وجهه.
وقيل: هو أن يخطب الرجل المرأة وله امرأة فتشترط عليه طلاق
(1)
بوب البخاري باب: النجش ومن قال: لا يجوز ذلك البيع. ويأتي بعد باب.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 271.
الأولى لتنفرد به. وتكفأ بفتح التاء والفاء كذا في رواية أبي الحسن. قال ابن التين: وهو ما سمعناه، ووقع في بعض رواياته كسر الفاء، وثالثة بضم التاء. وذكر الهروي الحديث وقال: لتكتفيء: تفتعل من كفأت (القدر)
(1)
إذا كببته لتفرغ ما فيها
(2)
، وهذا مثل إمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها. وقال الكسائي: كفئت الإناء: كببته، وكفأته وأكفأته: أملته، ومنه الحديث: كان إذا مشى تكفأ تكفؤًا
(3)
.
أي: تمايل إلى قدام كما تتكفأ السفينة في جريها. قال: والأصل فيه الهمزة تركت.
(1)
ساقطة من الأصل.
(2)
"غريب الحديث" 1/ 393.
(3)
بهذا اللفظ رواه الترمذي (3637)، وأحمد 1/ 96 و 127، والترمذي في "الشمائل المحمدية"(5)، والحاكم 2/ 605 - 606 من طريق عثمان بن مسلم بن هرمز عن نافع بن جبير بن مطعم عن علي رضي الله عنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل ولا بالقصير
…
إذا مشى تكفأ تكفؤًا كأنما انحط من صبب لم أر قبله ولا بعده مثله.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذِه الألفاظ.
وقال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"(746): إسناده صحيح.
وصححه الألباني في "مختصر الشمائل"(4).
والحديث رواه مسلم (2330/ 82) عن أنس بلفظ: إذا مشى تكفأ.
59 - باب بَيْعِ المُزَايَدَةِ
وَقَالَ عَطَاءٌ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِبَيْعِ المَغَانِمِ فِيمَنْ يَزِيدُ.
2141 -
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ المُكْتِبُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَاحْتَاجَ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ " فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بِكَذَا وَكَذَا، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ. [2230، 2231، 2403، 2415، 2534، 6716، 6947، 7186 - مسلم: 997 - فتح: 4/ 354]
ثم ذكر حديث جابر في بيع المدبر، وهو حديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
وشيخ البخاري فيه بشر بن محمد المروزي
(2)
انفرد به عن الخمسة، مات سنة أربع وعشرين ومائتين. والحسين المكتب هو ابن ذكوان العوذي، مات سنة خمس وأربعين ومائة.
وأثر عطاء روى ابن أبي شيبة بعضه عن وكيع، عن سفيان، عمن سمع مجاهدًا وعطاء قالا: لا بأس ببيع من يزيد
(3)
. وعند البيهقي من حديث زيد بن أسلم: سمعت رجلًا تاجرًا -يقال له: شهر- يسأل عبد الله بن عمر عن بيع المزايدة، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدكم على بيع أخيه حتى يذر، إلا المغانم والمواريث
(4)
.
(1)
مسلم (997) كتاب: الزكاة، باب: الابتداء في النفقة بالنفس ..
(2)
ورد بهامش الأصل: وثقة ابن حبان وقال: كان مرجئًا.
(3)
"المصنف" 6/ 469 (32961).
(4)
"السنن الكبرى" 5/ 344.
قال أحمد- فيما حكاه الخلال عنه: هذا حديث منكر
(1)
. وروى ابن أبي شيبة عن عمر أنه باع إبلًا من إبل الصدقة فيمن يزيد. وعن حماد: لا بأس ببيع من يزيد
(2)
.
والمعُتِقُ في حديث جابر رجل من بني عذرة كما ثبت في مسلم
(3)
.
وفي رواية: يقال له أبو مذكور، وجاء أنه من الأنصار
(4)
.
ويحتمل أن يكون عذريًا حليف الأنصار، والمعتَق: يعقوب
(5)
، والمشتري: نعيم، كما صرح به في الحديث، وهو ابن عبد الله النحام، أسلم قديمًا. والنحمة: السعلة. والثمن: ثمانمائة درهم كما ذكره البخاري في موضع آخر
(6)
ومسلم أيضًا
(7)
، وفي أبي داود بسبعمائة أو تسعمائة
(8)
، وفي النسائي: وكان محتاجًا وعليه دين فلما باعه قال: "اقض دينك"
(9)
.
وموضع الترجمة: "من يشتريه مني"؟، وفي النسائي تكراره
(10)
، وقد سلف حكم ذلك في الباب قبله.
(1)
لم أقف عليه.
(2)
"المصنف" 6/ 469 (32956 - 32957).
(3)
مسلم (997).
(4)
السابق.
(5)
جاء مُسَمًّى هكذا عند أبي داود (3957)، والنسائي في "المجتبى" 7/ 304، وفي "الكبرى" 4/ 50 (6249)، وأحمد 3/ 305 و 369، والبيهقي 10/ 308 - 309.
(6)
سيأتي برقم (6716) كتاب: كفارات الأيمان، باب: عتق المدبر وأم الولد.
(7)
مسلم (997).
(8)
أبو داود (3955).
(9)
النسائي 8/ 246.
(10)
"الكبرى" 3/ 192 (5006) و 4/ 50 (6249).
وقد اختلف العلماء في بيع المزايدة، فأجازها الأربعة وأكثر العلماء في المغانم وغيرها. وكان الأوزاعي يكره المزايدة إلا في الغنائم والمواريث، ولعل عمدته ما سلف، لكنه منكر، وهو قول إسحاق، وروي عن أبي أيوب وعقبة بن عامر كراهية الزيادة، وعن إبراهيم النخعي أنه كره بيع من يزيد.
قال مالك: لو ترك الناس السوم عند أول من يسوم بها أخذت بشبهة الباطل من الثمن، ودخل على الباعة في سلعهم المكروه، ولم يزل الأمر عندنا على ذلك، وحديث الباب حجة على من كرهه؛ لأنه قد قال:"من يشتريه مني"؟ فعرضه للزيادة، وأحب أن يستقصي فيه للمفلس الذي باعه عليه.
وهذا الحديث يفسر نهيه أن يسوم الرجل على سوم أخيه أو يبيع على بيع أخيه أنه أراد بذلك إذا تقاربا من تمام البيع كما قال جمهور الفقهاء. وعلى هذا المعنى حمل العلماء ما روي عن أبي أيوب وعقبة أن ذلك بعدما رضي البائع ببيعه الأول. وفي "المستخرجة" لابن القاسم: إذا وقع على رجلين يكونان شريكين. قال عيسى: لا يعجبني ذلك من قوله، وهو الأول. قال: ولا ينبغي للصالح أن يقبل من أحد مثل الذي أعطاه غيره، وإنما يقبل الزيادة وبها ينادي.
واعلم أن البخاري ترجم على الحديث أيضًا: باب من باع مال المفلس أو المعدم فقسمه بين الغرماء أو أعطاه حتى ينفق على نفسه
(1)
.
واعترض ابن التين على ترجمته هنا فقال: ليس فيه بيان لما بوب عليه من بيع المزايدة؛ لأنه إنما قال: "من يشتريه مني"؟ وكذا قال
(1)
سيأتي برقم (2403) كتاب في الاستقراض.
الإسماعيلي: ليس فيه ما ترجم له، فإن المزايدة أن يعطي آخرُ أكثر مما أعطى الأول.
قلت: وأثر عطاء مطابق لها، وقال عبد الملك: لم يخلص للبخاري السبب الموجب لبيعه في ديوانه كله على تكريره له، ولا يباع المدبر لدين بعده في حياة سيده، ويباع بعد موته فيقضي ديون سيده ويعتق ثلث ما بقي منه.
وقد روي بإسناد فيه نظر أنه كان عليه دين
(1)
. وهذا يعضده تبويب البخاري. وقالت فرقة: لسيده بيعه كسائر الوصايا، وقال بعض العلماء: لا يجوز لأحد أن يختلع من جميع ماله لهذا الحديث؛ ولقوله عليه السلام لكعب: "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك"
(2)
ولنهيه سعدًا أن يجاوز الوصية في الثلث
(3)
.
ومن تراجمه عليه أيضًا: باب بيع المدبر
(4)
.
(1)
رواه النسائي 8/ 246، وفي "الكبرى" 3/ 192 (5004).
رواه أحمد 3/ 390: حدثنا أسود، حدثنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن عطاء عن جابر أن رجلًا دبر عبدًا له وعليه دين، فباعه النبي صلى الله عليه وسلم في دين مولاه.
والإسناد فيه نظر؛ لأن فيه شريكًا وهو ابن عبد الله النخعي سيِّئ الحفظ. انظر: "التقريب"(2787).
لذا قال الثلاثة المعلقون على "المسند" ط. الرسالة: حديث صحيح دون قوله: وعليه دين
…
إلخ، وهذا إسناد ضعيف،
…
قلت: قد تابع شريكًا الأعمش، فيما رواه النسائي 8/ 246، وفي "الكبرى" 3/ 192 (5004) على قوله: وكان عليه دين.
(2)
سيأتي برقم (2757) كتاب: الوصايا، باب: إذا تصدق أو أوقف بعض ماله.
(3)
سلف برقم (1295) كتاب: الجنائز، باب: رثى النبي سعد بن خولة.
(4)
انظر ما سيأتي برقمي (2230 - 2231).
وقد اختلف العلماء فيه كما حكيته لك، والمنع هو قول مالك وأبي حنيفة وجماعة من أهل الكوفة. قال أبو حنيفة: إن مات سيده ولم يخرج من الثلث سعى في فكاك رقبته، وإن مات سيده وعليه دين فبيع للغرماء سعى لهم وخرج حرًّا. وأجازه الشافعي وأحمد وأهل الظاهر وأبو ثور وإسحاق، وهو قول عائشة ومجاهد والحسن وطاوس، وباعت عائشة مدبرة لها سحرتها
(1)
. وكرهه ابن عمر وزيد بن ثابت ومحمد بن سيرين وابن المسيب والزهري والشعبي والنخعي وابن أبي ليلى والليث
(2)
، وحكى ابن أبي شيبة المنع عن شريح وزيد بن ثابت وسالم والحسن
(3)
. وجوَّز أحمد بيعه بشرط أن يكون على السيد دين. وعند مالك: يجوز بيعه عند الموت، ولا يجوز في الحياة، حكاه ابن
(1)
حديث رواه الأئمة: مالك في "الموطأ" 2/ 422 - 423 (2782)، والشافعي في "المسند" 2/ 67 (221)، وأحمد 6/ 40، والبخاري في "الأدب المفرد"(162)، والدارقطني (4/ 140، والحاكم 4/ 219 - 220، وابن حزم في "المحلى" 11/ 395، والبيهقي 8/ 138 و 10/ 313، والبغوي في "شرح السنة" 12/ 188 - 189 (3261) من طريق أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة.
ووقع عند أحمد: عن ابن أخي عمرة -ولا أدري هذا أو غيره- عن عمرة. هكذا على الشك.
وصححه أيضًا الأئمة: الحاكم فقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. والمصنف في "البدر المنير" 8/ 520.
والحافظ في "التلخيص" 4/ 41 فقال: إسناده صحيح.
والألباني في "الإرواء"(1757). وفي تعليقه على "الأدب المفرد"(162) فقال: صحيح الإسناد.
(2)
انظر: "الإشراف على مذاهب أهل العلم" 2/ 205.
(3)
"المصنف" 4/ 330 - 331 (20654 - 20658).
الجوزي عنه. وحكى مالك إجماع أهل المدينة على بيع المدبر وهبته، وحديث الباب حجة للجواز، وأجاب عنه ابن بطال بأن في الحديث أن سيده كان عليه دين فثبت أن بيعه كان لذلك؛ ولأنها قضية عين تحتمل التأويل. وتأوله بعض المالكية على أنه لم يكن له مال غيره فرد تصرفه. وهذا مصرح به في نفس الحديث فلا حاجة إليه
(1)
.
وأما حديث: "المدبر لا يباع ولا يشترى، وهو حر من الثلث" فالأشبه وقفه على ابن عمر
(2)
، ووهاه ابن حزم، قال: وروي عن أبي
(1)
"شرح ابن بطال" 7/ 49.
(2)
رواه الدارقطني 4/ 138، والبيهقي 10/ 314 من طريق عمرو بن عبد الجبار -أبو معاوية الجزري- عن عمه عبيدة بن حسان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ:"المدبر لا يباع ولا يوهب، وهو حر من الثلث".
قال الدارقطني: لم يسنده غير عبيدة بن حسان. وهو ضعيف وإنما هو عن ابن عمر موقوف من قوله. وكذا ضعفه البيهقي.
وقال عبد الحق الأشبيلي في "الأحكام" 4/ 17: إسناده ضعيف، والصحيح موقوف. وأعله أيضًا ابن القطان في "البيان" 3/ 521 (1295).
وضعفه المصنف رحمه الله في "البدر" 9/ 733. وقال الحافظ في "الدراية" 2/ 87: فيه: عبيدة بن حسان. وهو ضعيف.
وقال الألباني في "الإرواء"(1756)، وفي "الضعيفة" (164): موضوع.
ورواه الدارقطني 4/ 138 من طريق أبي النعمان عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كره بيع المدبر.
وقال: هذا هو الصحيح، موقوف، وما قبله لا يثبت مرفوعًا، ورواته ضعفاء.
ورواه البيهقي 10/ 313 - 314 من طريق يحيى بن يحيى، أنبأ حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: لا يباع المدبر.
وقال: هذا الصحيح عن ابن عمر من قوله موقوفًا.
ثم الحديث رواه ابن ماجه (2514)، والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 234، والطبراني 12/ 367 (13365)، وابن عدي في "الكامل" 6/ 320، والدارقطني 4/ 138، =
جعفر محمد بن علي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلًا أنه باع خدمة المدبر
(1)
.
= والبيهقي في "السنن" 10/ 314 من طريق علي بن ظبيان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المدبر من الثلث". هكذا مرفوعًا بهذا اللفظ.
ونقل ابن ماجه عن شيخه في هذا الحديث عثمان بن أبي شيبة أنه قال: هذا خطأ.
ثم قال ابن ماجه: ليس له أصل.
وقال أبو زرعة في "علل ابن أبي حاتم" 2/ 432 (2803): حديث باطل. وضعفه أيضًا العقيلي وابن عدي وابن حزم في "المحلى" 9/ 35.
ورواه الدارمي 4/ 2069 (3316) من طريق شريك، عن الأشعث، عن نافع، عن ابن عمر، به موقوفًا.
ورواه البيهقي في "السنن" 10/ 314، وفي "المعرفة" 14/ 432 (25623) من طريق الشافعي، عن علي بن ظبيان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، به موقوفًا أيضًا. قال البيهقي: قال الشافعي: قال لي علي بن ظبيان كنت أحدث به مرفوعًا، فقال لي أصحابي: ليس بمرفوع، وهو موقوف على ابن عمر فوقفته، والحفاظ يقفونه على ابن عمر. ثم قال: والصحيح مرفوعًا كما رواه الشافعي.
قلت: هو خطأ مطبعي أو تصحيف، وصوابه: والصحيح موقوفًا، كما قال في "المعرفة".
ونقل الخطيب البغدادي 11/ 444 - 445 عن علي بن المديني ويحيى بن معين أنهما قالا: الحديث عن علي بن ظبيان مرفوع، حديث منكر. اهـ بتصرف.
وأورد ابن عبد البر الحديث المرفوع في "الاستذكار" 23/ 362 (34927) وقال: هذا خطأ من علي بن ظبيان، لم يتابع عليه، وإنما يرويه غيره عن ابن عمر، قوله.
وقال عبد الحق 4/ 17: علي بن ظبيان ضعيف عندهم، وأصح ما فيه أنه من قول ابن عمر.
وقال المصنف رحمه الله في "البدر" 9/ 736: اتفق الحفاظ على تصحيح رواية الوقف- وتضعيف رواية الرفع. وقال في "الخلاصة" 2/ 460: أطبق الحفاظ على تصحيح رواية الوقف.
(1)
رواه سعيد بن منصور في "سننه" 1/ 129 (443) والدارقطني 4/ 138، والبيهقي 10/ 312 من طريق عبد الملك بن أبي سليمان. ورواه ابن أبي شيبة 4/ 457 (22052)، ومن طريقه البيهقي 10/ 312 من طريق الحكم. كلاهما عن أبي جعفر به.
قال الحافظ الذهبي في "المهذب" 8/ 4337: منقطع.
وعن جابر: إن أولاد المدبرة إذا مات سيدها ما نراهم إلا أحرارًا
(1)
، وهو مذهب الجمهور. وعن ابن شهاب وربيعة أن عائشة باعت مدبرة
(2)
، فأنكر ذلك عمر وأمرها أن تشتري غيرها بثمنها وتدبرها
(3)
.
وقال ابن سيرين: لا بأس ببيع خدمة المدبر
(4)
. ونقل عن ابن المسيب أيضًا
(5)
.
وقيل: إن سيده كان سفيهًا، فلذلك تولى بيعه بنفسه، حكاه ابن بطال
(6)
، وعليه يدل تبويب البخاري السالف في الفلس.
فائدة: قام الإجماع على صحة التدبير، ومذهبنا ومذهب مالك في آخرين أنه يجب عتقه من الثلث. وقال الليث وزفر: من رأس المال.
فرع: جمهور العلماء -كما حكاه ابن رشد- على جواز وطء المدبرة إلا ابن شهاب فإنه منعه. وعن الأوزاعي كراهته وإن لم يكن وطئها قبل التدبير
(7)
.
(1)
رواه البيهقي 10/ 316 (21595).
(2)
تقدم تخريجه عن عائشة.
(3)
"المحلى" 9/ 35 - 36.
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 9/ 138 (16655)، وسعيد بن منصور في "سننه" 1/ 133 (472).
(5)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 9/ 143 (16679)، وسعيد بن منصور في "سننه" 1/ 130 (446).
(6)
"شرح ابن بطال" 7/ 49.
(7)
"بداية المجتهد" 4/ 1639.
60 - باب النَّجْشِ، وَمَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ البَيْعُ
وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ. وَهْوَ خِدَاعٌ بَاطِلٌ، لَا يَحِلُّ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:("الخَدِيعَةُ)
(1)
فِي النَّارِ، وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهْوَ رَدٌّ".
2142 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّجْشِ. [6963 - مسلم: 1516 - فتح: 4/ 355]
(وعن ابن عمر)
(2)
: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّجْشِ.
الشرح:
حديث "الخديعة في النار" أخرجه أبو داود بإسناد لا بأس به
(3)
،
(1)
في هامش الأصل: الخداع، وعلَّم أنها نسخة.
(2)
فوقها في الأصل: مسند متصل.
(3)
رواه أبو داود في "المراسيل"(165): حدثنا وهب بن بقية، عن خالد، عن يونس، عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المكر والخديعة والخيانة في النار".
قلت: وعزو المصنف رحمه الله لهذا الحديث هكذا، فيه نظر من وجهين:
الأول: أنه أطلق عزوه لأبي داود، فلربما أوهم أنه في "السنن"، وليس كذلك، إنما هو في "المراسيل" فقط.
الثاني: أن الحديث عند أبي داود، مرسلًا عن الحسن، بالرغم من أنه روي عن أربعة من الصحابة موصولًا! وها أنا ذا أذكرهم على وجه الاختصار؛ كي تتم الفائدة:
الأول: عن قيس بن سعد:
رواه ابن عدي في "الكامل" 2/ 409، والبيهقي في "شعب الإيمان" 4/ 324 (5268) و 7/ 494 (11106) من طريق الجراح بن مليح عن أبي رافع، عن قيس بن سعد قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المكر والخديعة في النار" لكنت من أمكر الناس.
قال الحافظ في "الفتح" 4/ 356: إسناده لا بأس به. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الثاني: عن أبي هريرة:
رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" 1/ 370 (381)، ومن طريقه الطبراني في "مسند الشاميين" 3/ 304 (2336)، وابن عدي في "الكامل" 7/ 212، والبيهقي في "الشعب" 367/ 5) 6978) من طريق كلثوم بن محمد بن أبي سدرة.
وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 209 من طريق حكيم بن نافع.
كلاهما عن عطاء بن أبي مسلم الخراساني عن أبي هريرة مرفوعًا: "المكر والخديعة في النار".
قال الحافظ في "التغليق" 3/ 244 - 245: فيه انقطاع بين عطاء وأبي هريرة. وقال في "الفتح" 4/ 356: في إسناده مقال.
وله عن أبي هريرة طريق أخرى:
فرواه البزار كما في "كشف الأستار"(103)، وابن عدي 5/ 526 من طريق مكي بن إبراهيم عن عبيد الله بن أبي حميد، عن أبي المليح بن أسامة، عن أبي هريرة، به.
قال البزار: عبيد الله ليس بالحافظ ولم يشاركه غيره في هذا.
وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 102: عبيد الله أجمعوا على ضعفه.
وقال الحافظ في "التغليق" 3/ 244: إسناده ضعيف.
الثالث: عن أنس بن مالك:
رواه ابن عدي 4/ 396، والحاكم 4/ 607 من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد الكندي عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"المكر والخديعة والخيانة في النار". قال الحافظ في "التغليق" 3/ 246، وفي "الفتح" 4/ 356: في إسناده مقال. لكن قال الألباني في "الصحيحة" 3/ 47: إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير سنان بن سعد. والحديث بمجموع طرقه السالفة صححه الألباني في "الصحيحة"(1057) قاطعًا بذلك.
الرابع: عن عبد الله بن مسعود:
رواه ابن حبان 2/ 326 (567) و 12/ 369 (5559)، والطبراني في "الكبير" 1/ 138 (10234)، وفي "الصغير" 2/ 37 - 38 (738)، وأبو نعيم الأصبهاني في "الحلية" 4/ 188 - 189 والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 175 (253،254)، =
وحديث "من عمل عملًا" إلى آخره أسنده في موضع آخر كما سيأتي
(1)
.
وحديث ابن عمر: أخرجه مسلم
(2)
، وقد سلف قريبًا بيانه وحكمه.
وقال ابن عبد البر: ورواه أبو سعيد إسماعيل بن محمد قاضي المدائن، عن يحيى بن موسى البلخي، أنا عبد الله بن نافع، عن مالك به، لكن بلفظ التخيير، وهو أن يمدح الرجل السلعة بما ليس فيها، هكذا قال التخيير وفسره، ولم يتابع على هذا اللفظ، والمعروف النجش
(3)
.
= والحافظ في "التغليق" 3/ 245 من طريق عثمان بن الهيثم، عن أبيه، عن عاصم، عن زر عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار". قال المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/ 359 (2721): إسناده جيد. وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 79: رجاله ثقات، وفي عاصم بن بهدلة كلام لسوء حفظه.
قال الألباني في "الإرواء" 5/ 164: المتقرر فيه عند أهل العلم أنه حسن الحديث يحتج به لا سيما إذا وافق الثقات.
وصححه الألباني في "الصحيحة"(1058).
ثم الحديث قد رواه الحافظ في "التغليق" 3/ 246 عن محمد بن سيرين قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المكر والخديعة في النار".
ثم قال: فإن كان حديث أنس محفوظًا فيحتمل أن يكون محمد بن سيرين سمعه منه.
تنبيه: قال الحافظ الذهبي في كتابه "الكبائر" ص 179 في سياقه ذكر فصل جامع لما يحتمل أنه من الكبائر، قال: وقال: "المكر والخديعة في النار" إسناده قوي.
قلت: هكذا ذكر الحديث، ولم يبين أي أسانيد الحديث عناه بالقوة.
(1)
سيأتي برقم (2697) كتاب: الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح ....
(2)
مسلم (1516) كتاب: البيوع، باب: تحريم بيعه الرجل على بيع أخيه.
(3)
"التمهيد" 13/ 347.
قلت: ومن فعل النجش فهو عاص إن كان عالمًا بالنهي كما نص عليه إمامنا
(1)
، وهو إجماع، والبيع جائز لا يفسده معصية رجل نجش عليه.
قال أبو عمر: والنجش أيضًا أن يفعل ذلك ليغر الناس في مصلحته، والمشتري لا يعرف
(2)
أنه ربا.
قال المطرزي في "المعرب": هو بفتحتين، وروي بالسكون.
(1)
ورد بهامش الأصل: قال الرافعي: أطلق الشافعي في "المختصر" بعضه الناجش وشرط في بعضه من باع على بيع أخيه أن يكون عالمًا بالحديث الوارد، قال الشارحون: السبب فيه أن النجش خديعة، وتحريم الخديعة واضح لكل أحد معلوم من الألفاظ العامة، وإن لم يعلم هذا الخبر بخصوصه، فالبيع على بيع الأخ إنما علم تحريمه من الخبر الوارد فيه؛ لئلا يعرفه من لا يعرف الخبر، متابعة الخبر بخصوصه، والبيع على بيع الأخ الخبر الوارد به ولا يعرفه من لا يعرف الخبر تابعه في "الروضة" وقد نص الشافعي على المسألة وشرط في النجش العلم بالحديث كما نقله البيهقي في "السنن الكبير" فقال في نصه: قال الشافعي: فمن نجش فهو عاص بالنجش إن كان عالمًا بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا لفظه.
وذكر الشافعي نحوه في "اختلاف الحديث". وحاصل مذهب الشافعي في البيع على البيع والنجش اشتراط العلم غير أنه سكت عن بيانه في موضع. والنص المذكور في "اليتيمة".
هذا خلاف كلام الإسنوى -رحمه الله تعالى- وكلام المصنف جارٍ على النص.
(2)
"التمهيد" 13/ 348.
61 - باب بَيْعِ الغَرَرِ وَحَبَلِ الحَبَلَةِ
2143 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا. [2256، 3843 - مسلم: 1514 - فتح: 4/ 356].
ذكر فيه حديث ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا، وكأن البخاري فهم من بيع حبل الحبلة الغرر، وهو في أفراد مسلم من حديث أبي هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر
(1)
. وأخرجه ابن حبان من حديث ابن عمر
(2)
، وأخرجه أحمد من حديث ابن مسعود
(3)
. وفي الباب عن
(1)
مسلم (1513) كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع الحصاة.
(2)
"صحيح ابن حبان" 11/ 346.
(3)
"المسند" 1/ 388 من طريق يزيد بن أبي زياد، عن المسيب بن رافع. عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا بلفظ:"لا تشتروا السمك في الماء؛ فإنه غرر".
وهكذا رواه الطبراني 10/ 209 (10491) والبيهقي 5/ 340 من طريق الإمام أحمد. وكذا ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 105 (978).
قال الدارقطني في "العلل" 5/ 276: الموقوف أصح. وكذا قال البيهقي.
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول ابن مسعود.
وقال الحافظ ابن كثير في "الإرشاد" 2/ 10: هذا إسناد ضعيف؛ لحال يزيد بن أبي زياد، فإنه كان سيئ الحفظ ويقبل التلقين، ثم هو منقطع بين المسيب بن رافع وبين ابن مسعود. =
عمران بن حصين
(1)
، وابن عباس
(2)
.
وجاء تفسير هذا الحديث كما ترى، وإنْ لم يكن مرفوعًا فهو من قول ابن عمر وحسبك، وجعله الخطيب مدرجًا من كلام نافع
(3)
، وبهذا التأويل قال مالك والشافعي، وهو الأجل المجهول، ولا خلاف بين العلماء أنَّ المبيع إلى هذا لا يجوز.
وقال آخرون في تأويله: معناه: بيع ولد الجنين الذي في بطن الناقة.
وقال أبو عبيدة هو نتاج النتاج
(4)
، وبه قال أحمد وإسحاق، وهو أيضًا مجمع على بطلانه؛ لأنه بيع غرر ومجهول، وبيع ما لم يُخلق.
و (حبل) بفتح الباء، وغلط من سكَّنها، وهو مختص بالآدميات إلَّا ما ورد في هذا الحديث، قاله أبو عبيد وابن السكيت، وفي "المحكم":
= وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند"(3676): إسناده ضعيف.
وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(6231).
قلت: ورواه موقوفًا ابن أبي شيبة 4/ 456 (22040)، والطبراني 9/ 321 (9607).
وصححه موقوفًا أيضًا المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 6/ 463.
(1)
ذكره المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 6/ 459 وعزاه لابن أبي عاصم في كتاب "البيوع" نقلًا عن الضياء في "أحكامه" وكذا عزاه الحافظ في "التلخيص" 3/ 7.
(2)
رواه ابن ماجه (2195)، وأحمد 1/ 302 من طريق أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن عطاء، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر.
وقد أعله المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 6/ 459 بأيوب بن عتبة. وكذا البوصيري في "الزوائد"(729).
وضعف إسناده أيضًا الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"(2753).
وله شاهد انظر تخريجه في "البدر المنير" 6/ 462.
(3)
"الفصل للوصل" 1/ 386.
(4)
"غريب الحديث" 1/ 208.
كل ذات ظفر حبلى
(1)
. ونقله الجوهري عن أبي زيد
(2)
. وقال ابن دريد: يُقال لكل أنثى من الإنس وغيرهم: حبلت
(3)
. وكذا ذكره الهجري والأخفش في نوادرهما. وفي "الجامع": امرأة حبلى، وسنورة حبلى، وحكاه في "الموعب" عن صاحب "العين"
(4)
والكسائي.
وقوله: نتجًا، قال الجوهري: نتجت الناقة -ما لم يسم فاعله- تنتج نتاجًا، وقد نتجها أهلها نتجت إذا تولوا نتاجها، بمنزلة القابلة للمرأة فهي منتوجة
(5)
. وأنتجت الفرس إذا حان نتاجها. قال يعقوب: إذا استبان حملها، وكذلك الناقة فهي نتوج، ولا يقال: منتج. ورأيت الناقة على منتجها. أي: الوقت الذي تنتج فيه، وهو مفعل بكسر العين، ويقال للشاتين إذا كانتا سنًّا واحدة: هما نتيجة. وغنم فلان نتائج. أي: في سن واحدة. وحكى الأخفش: نتج وأنتج بمعنًى.
وجاء في الحديث: فأنتج هذان وولد هذا
(6)
. وقد أنكره بعضهم.
يعني: أنَّ الصواب كونه ثلاثيًّا.
وأمَّا الغرر فهو ما احتمل أمرين أغلبهما أخوفهما، وأشار ابن بطال إلى أنَّه ما يجوز أن يوجد وألا يوجد، كحبل الحبلة وشبهه، وكل شيء لا يعلم المشتري هل يحصل أم لا فشراؤه غير جائز، لأنه غرر، وكل شيء حاصل للمشتري، أو يعلم في الغالب أنَّه يحصل له فشراؤه جائز
(7)
.
(1)
"المحكم" 3/ 273 (حبل).
(2)
"الصحاح" 4/ 1665 مادة: (حبل).
(3)
"جمهرة اللغة" 1/ 213 مادة [حبل] باب الباء والحاء والسلام.
(4)
"العين" 2/ 236.
(5)
"الصحاح" 1/ 343 مادة: (نتج).
(6)
سيأتي برقم (3464) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: حديث أبرص وأعمى وأقرع.
(7)
"شرح ابن بطال" 6/ 272.
فالغرر الغالب مانع، بخلاف اليسير، وهو من أكل المال بالباطل.
قال ابن الأثير: هو ما كان على غير عهدة ولا ثقة، ويدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول
(1)
. وزعم ابن حزم أنَّ بيع ذلك من المغيبات وشبهها جائز، ويتصرف المرء في ملكه بما شاء، والتسليم ليس شرطًا في صحة البيع، وليس هذا بغرر؛ لأنه بيع شيء قد صح في ملك بائعه وهو معلوم الصفة والقدر، فعلى ذلك يباع ويملكه المشتري ملكًا صحيحًا، فإنْ وجده وإلَّا اعتاض عنه آخر
(2)
.
وما ذكره الطبري عن ابن عون، عن ابن سيرين قال: لا أعلم ببيع الغرر بأسًا
(3)
. وذكر ابن المنذر عن ابن سيرين قال: لا بأس ببيع العبد الآبق إذا كان علمهما فيه واحدًا. وحكي مثله عن شريح
(4)
. وذكر عن ابن عمر أنه اشترى من بعض ولده بعيرًا شاردًا، فليس بغرر للضابط السالف، فإن قيل: يحتمل قول ابن سيرين أنه لا بأس ببيع الغرر إن سلم.
فالجواب: أنَّ السلامة وإنْ كانت فإنما هي في المال، كذا في ابن بطال، قال: والمال لا يراعى في البيوع في الأكثر من مذاهب أهل العلم، وإنما يراعى السلامة في حال عقد البيع. وقد ذكرنا أن الغرر هو ما يجوز أن يوجد وألا يوجد، وهذا المعنى موجود في عقد الغرر وإنْ سلم ماله، فلذلك لم يجز، وقد يمكن أن يكون ابن سيرين ومن أجاز بيع الغرر لم يبلغهم النهي عن ذلك، ولا حجة لأحد خالف السنة
(5)
.
(1)
"النهاية في غريب الحديث" 3/ 355 (غرر) نقلًا عن الأزهري.
(2)
"المحلى" 8/ 389.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 4/ 318 (20511).
(4)
رواه عنه عبد الرزاق 8/ 210 (14922)، وابن أبي شيبة 4/ 318 (20515).
(5)
"شرح ابن بطال" 6/ 272.
62 - باب بَيْعِ المُلَامَسَةِ
وَقَالَ أَنَسٌ: نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
2144 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رضي الله عنه أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُنَابَذَةِ، وَهْيَ: طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالبَيْعِ إِلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ أَوْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَنَهَى عَنِ المُلَامَسَةِ، وَالمُلَامَسَةُ: لَمْسُ الثَّوْبِ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ. [انظر: 367 - مسلم: 1512 - فتح: 4/ 358]
2145 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نُهِيَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ: أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، ثُمَّ يَرْفَعَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ: اللِّمَاسِ، وَالنِّبَاذِ. [انظر: 368 - مسلم: 1511 - فتح: 4/ 358]
ثمِ ساق حديث أبي سعيد الخدري أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نهَى عَنِ المُنَابَذةِ، وَهْيَ: طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالبَيْعِ إِلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ أَوْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَنَهَى عَنِ المُلَامَسَةِ، وَالمُلَامَسَةُ: لَمْسُ الثَّوْبِ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ.
وحديث أبي هريرة قَالَ: نُهِيَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ: أَنْ يَحْتَبِيَ الرجُلُ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، ثُمَّ يَرْفَعَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ: اللَّمَاسِ، وَالنِّبَاذِ.
الشرح:
تعليق أنس أسنده في باب بيع المخاضرة، كما سيأتي
(1)
، وهو من أفراده. وحديث أبي سعيد وأبي هريرة أخرجهما مسلم
(2)
، وسلف الثاني
(1)
سيأتي برقم (2207).
(2)
مسلم (1511 - 1512) كتاب: البيوع، باب: إبطال بيع الملامسة.
في تفسير الاحتباء
(1)
. وسعيد (خ. م. س) بن عفير هو ابن كثير بن عفير
(2)
.
روى مسلم عن رجل عنه. وعامر بن سعد هو ابن أبي وقاص، له أربعة عشر أخًا وست عشرة أختًا، منهن عائشة.
والملامسة: أن يلمس ثوبًا مطويًّا ثم يشتريه على ألا خيار له إذا رآه، أو يقول: إذا لمسته فقد بعتكه، أو يبيعه شيئًا على أنَّه متى لمسه فقد لزم البيع وسقط الخيار.
ووجه البطلان في الأول أنه بيع غائب، وفي الثاني: التعليق والعدول عن الصيغة الشرعية، وفي الثالث: الشرط الفاسد، وفيه احتمالٌ تفريعًا على صحة نفي خيار الرؤية، وعلى التأويل الثاني له حكم المعاطاة.
والمنابذة: فسرها في الحديث كما سلف، وهي مفاعلة من نبذه ينبذه إذا طرحه، فيجعلان النبذ بيعًا قائمًا مقام الصيغة ويجيء فيه خلاف المعاطاة، فإنَّ المنابذة مع قرينة البيع هي نفس المعاطاة. ولها تفسير ثان: وهو أن يقول: بعتك على أني إذا نبذته إليك لزم البيع. وثالث وهو أنَّ المراد نبذ الحصاة، والكل باطل.
وعبارة ابن حبان في "صحيحه": المنابذة أن ينبذ المشتري ثوبًا إلى البائع وينبذ البائع إلى المشتري ثوبًا، فيبيع أحدهما بالاخر على أنهما إذا وقفا بعد ذلك على الطول والعرض لا يكون لهما الخيار إلَّا ذلك النبذ فقط
(3)
.
(1)
سلف برقم (368) كتاب: الصلاة، باب ما يستر العورة.
(2)
ورد بهامش الأصل: يعني أن عفيرًا جده.
(3)
"صحيح ابن حبان" 11/ 351.
وظهر أنَّ بيع الملامسة والمنابذة غير جائز، وهو من بيع الغرر والقمار؛ لأنَّه إذا لم يتأمل ما اشتراه ولا علم صفته فلا يدري حقيقته وهو من أكل المال بالباطل.
وقد سلف اختلاف العلماء في بيع الأعيان الغائبة. قال مالك: لا يجوز بيعها حتى يتواصفا، فإن وجد على الصفة لزم المشتري، ولا خيار له إذا رآه، وإن كان على غيرها فله الخيار، وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور، وروي مثله عن محمد بن سيرين
(1)
، وحكاه ابن حزم عن أيوب والحارث العكلي والحكم وحمَّاد
(2)
.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري: يجوز بيع الغائب على الصفة وغير الصفة، وللمشتري خيار الرؤية إن وجد على الصفة، وروي مثله عن ابن عباس والشعبي والنخعي والحسن البصري ومكحول
والأوزاعي وسفيان، وللشافعي قولان: أحدهما كقول أبي حنيفة، وأظهرهما المنع، وهو قول الحكم وحمَّاد فيما حكاه ابن بطال
(3)
. واحتج الشافعي بأنَّ مالكًا لم يجز بيع الثوب المدرج في جرابه، ولا الثوب المطوي في طيه حتى ينشرا وينظر إلى ما في جوفهما، وذلك من الغرر، وأجاز بيع الأعدال على الصفة والبرنامج، فأجاز الغرر الكثير ومنع اليسير، فيقال له: قد سُئل مالك عن هذا فقال: فرق ما بين ذلك الأمر المعمول به وما مضى من عمل الماضين، أن بيع البرنامج لم يزل من بيوع الناس الجائزة بينهم، وأنه لا يراد به الغرر ولا يشبه الملامسة.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 317.
(2)
"المحلى" 8/ 338.
(3)
"شرح ابن بطال" 6/ 274.
واحتج الكوفيون على الجواز بأنه عليه السلام نهى عن بيع الحب حتى يشتد، فدل ذلك على إباحة بيعه بعدما يشتد وهو في سنبله، لأنه لو لم يكن كذلك لقال: حتى يشتد ويزال من سنبله، فلمَّا جعل الغاية في البيع المنهي عنه هي شدته ويبوسته دلَّ على أنَّ البيع بعد ذلك بخلاف ما كان عليه في أول أمره، ودلَّ ذلك على جواز بيع ما لا يراه المتبايعان إذا كانا يرجعان منه إلى معلوم، كما يرجع في الحنطة المبيعة المغيبة في السنبل إلى حنطة معلومة، واحتجوا بأنَّ الصحابة تبايعوا الأشياء الغائبة، فباع عثمان من طلحة دارًا بالكوفة بدار بالبصرة
(1)
، وباع عثمان من عبد الرحمن فرسًا بأرض له
(2)
، وباع ابن عمر من عثمان مالًا له بالوادي بمال له بخيبر
(3)
، وليس في الأحاديث عنهم صفة شيء من ذلك
واحتج الأولون بأنَّ تبايع الصحابة الأشياء الغائبة محمول إمَّا على الصفة، أو على خيار الرؤية، وفي الخبر أنَّ عثمان قيل له: غبنت، قال: لا أبالي لي الخيار إذا رأيت، فترافعا إلى جبير بن مطعم، فقضى بالبيع وجعل الخيار لعثمان، لأجل الغبن
(4)
.
وقد صحت الأخبار بنهيه عن الملامسة والمنابذة وشبههما أنَّ المبيع كان يدخل في ملك المبتاع قبل تأمله إياه ووقوفه على صفته، وكل ما اشتري كذلك من غير رؤية ولا صفة فحكمه حكم بيع الملامسة
(1)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 10، والبيهقي 5/ 268.
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 45 - 46 (14240) والبيهقي 5/ 267 - 268.
(3)
سلف برقم (2116) باب: إذا اشترى شيئًا فوهب من ساعته.
(4)
"شرح معاني الآثار" 4/ 10.
والمنابذة، ومن منع البيع على صفة والبرنامج؛ لأنه من بيوع الغرر، فقد يجاب بأنَّ الصفة تقوم مقام المعاينة، لأنَّ العلم يقع بحاسة السمع والشم والذوق كما يقع بحاسة العين، وقد أجاز الجميع بيع المصبر، والجوز في قشرته، والحب في سنبله، للحاجة في ذلك، ولأنّ القصد لم يكن إلى الغرر؛ فلذلك يجوز بيع الأعيان على الصفة والبرنامج؛ لضرورة الناس إلى البيع؛ لأنهم لو منعوا منه منعوا من وجه يرتفقون به من فتح الأعدال ونشرها، لمشقة ذلك عليهم، فلأنه قد لا يشتريها من يراها فجاز بيعها على الصفة، لأنها تقوم مقام العيان كما في السلم، وجواز بيعه لجواز بيع العين، وليس الأعدال كالثوب الواحد المطوي أو الثوبين؛ لأنَّ نشرهما وطيهما لا مؤنة فيه ولا ضرر، وقد قال عليه السلام:"لا تصف المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها"
(1)
فأقام الصفة مقام الرؤية
(2)
.
(1)
سيأتي برقم (5240) كتاب: النكاح، باب: لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها.
(2)
انتهى بنصه من "شرح ابن بطال" 6/ 274 - 276.
63 - باب بَيْعِ المُنَابَذَةِ
وَقَالَ أَنَسٌ: نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
2146 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُلَامَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ. [انظر: 368 - مسلم: 1511 - فتح: 4/ 359]
2147 -
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ المُلَامَسَةِ، وَالمُنَابَذَةِ. [انظر: 367 - مسلم: 1512 - فتح: 4/ 359]
ثمِ ساق حديث أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُلَامَسَةِ وَالمُنَابَذةِ.
وعن أبي سعيد
(1)
: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ: عن المُلَامَسَةِ، وَالمُنَابَذَةِ.
قد تقدَّم ذلك كله في الباب الماضي.
وشيخ البخاري عياش بن الوليد -بالشين المعجمة والمثناة تحت- الرقام البصري، مات سنة ست وعشرين ومائتين، انفرد به البخاري
(2)
، وعياش بن عباس القتباني انفرد به مسلم
(3)
، ومن عداهما، عباس -بالسين المهملة- منهم ابن الوليد النرسي
(4)
.
واعلم أن البخاري ترجم على حديث أنس الذي علقه هنا وفي
(1)
فوقها في الأصل: مسند متصل.
(2)
انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 22/ 562 (4603).
(3)
"تهذيب الكمال" 22/ 555 (4600).
(4)
السابق 14/ 259 (3145).
الباب الماضي باب: بيع المخاضرة، ثم أسنده بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمخاضرة والملامسة والمنابذة والمزابنة
(1)
. وقد أسلفت لك أنه من أفراده.
والمحاقلة: هو بيع الزرع في سنبله بصافية عندنا، مأخوذ من الحقل وهي الساحات التي تزرع، فسميت محاقلة؛ لتعلقها بزرع في حقل. وقال الماوردي: الحقل: السنبل، وهو في لسان العرب: الموضع الذي يكون فيه الشيء كالمعدن.
ووجه النهي عنها أنه بيع مقصود مستتر بما ليس من صلاحه، وأيضًا فإنه بيع حنطة وتبن بحنطة، فإنَّ الشافعية الخالصة من التبن، ولعدم العلم بالمماثلة أيضًا، فلو باع شعيرًا في سنبله بحنطة صافية وتقابضا في
المجلس، أو باع زرعًا قبل ظهور الحب بحب، جاز؛ لأنَّ الحشيش غير ربوي.
ومنهم من فسَّر المحاقلة ببيع الزرع قبل أن يطيب، وقيل: هو حقل ما دام أخضر، وقيل: هي المزارعة بالثلث والربع أو نحوه مما يخرج منها، فيكون كالمخابرة.
وحديث جابر في "الصحيح": نهى عن المخابرة والمحاقلة إلى آخره
(2)
، يرده.
والمخاضرة: بيع الثمار خضراء لم يبد صلاحها. والمزابنة: بيع الرطب على رءوس النخل بتمر على وجه الأرض، واستثنى منه العرايا كما سيأتي
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (2207) باب: بيع المخاضرة.
(2)
سيأتي برقم (2381) كتاب: المساقاة، باب: الرجل يكون له ممر أو شرب ....
(3)
ورد بهامش في الأصل: ثم بلغ في السابع بعد الخمسين كتبه مؤلفه.
64 - باب النَّهْىِ لِلْبَائِعِ أَنْ لَا يُحَفِّلَ الإِبِلَ وَالبَقَرَ وَالغَنَمَ وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ
وَالمُصَرَّاةُ التِي صُرِّيَ لَبَنُهَا وَحُقِنَ فِيهِ، وَجُمِعَ فَلَمْ يُحْلَبْ أَيَّامًا. وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ المَاءِ، يُقَالُ: صَرَّيْتُ المَاءَ إِذَا حَبَسْتَهُ.
2148 -
حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَا تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَيْ أَنْ يَحْتَلِبَهَا، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ". وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ، وَمُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"صَاعَ تَمْرٍ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ:"صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَهْوَ بِالخِيَارِ ثَلَاثًا". وَقَالَ بَعْضُهُمْ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ:"صَاعًا مِنْ تَمْرٍ". وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا، وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ. [انظر: 2140 - مسلم: 1413 و 1515 و 1520 و 1524 - فتح: 4/ 361]
2149 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي: يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا، فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا. وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُلَقَّى البُيُوعُ. [2164 - مسلم: 1518 - فتح: 4/ 361]
2150 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تُصَرُّوا الغَنَمَ، وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهْوَ 3/ 93 بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ". [انظر: 2140 - مسلم: 1413 و 1515 و 1520 و 1524 - فتح: 4/ 361]
ذكر فيه حديث الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تُصَرُّوا الابِلَ وَالغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فهو بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ [بعد]
(1)
أن يَحْتَلِبَهَا، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ". وَيُذْكَرُ
(2)
عَنْ أبِي صَالِحٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ، وَمُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:"صَاعَ تَمْرٍ". وَقالَ بَعْضُهُمْ، عَنِ ابن سِيرِينَ:"صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَهْوَ بِالخِيَارِ ثَلًاثا". وَقَالَ بَعْضُهُمْ، عَنِ ابن سِيرِينَ:"صَاعًا مِنْ تَمْرٍ". وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثا، وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ.
ثم ساق حديث عبد الله بن مسعود: مَنِ اشْتَرى شَاةً مُحَفَلَةً فَرَدَّهَا، فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا من تمر. وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُلَقَّى البُيُوعُ.
ثم ذكر حديث الأعرج عن أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَلَقوُا الرُّكْبَانَ، وَلَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تُصَرُّوا الغَنَمَ، وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ".
ثم ترجم:
(1)
ساقطة من الأصول والمثبت من اليونينية.
(2)
فوقها في الأصل: معلق
65 - باب إِنْ شَاءَ رَدَّ المُصَرَّاةَ وَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ
2151 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا المَكِّيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ، أَنَّ ثَابِتًا -مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ". [انظر: 2140 - مسلم: 1413 و 1515 ومسلم 1520 و 1524 - فتح: 4/ 368]
ثم ساق من حديث أبي هريرة: "مَن اشْتَرى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبتهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ".
الشرح: حديث أبي هريرة من طرقه أخرجه مسلم
(1)
، ولما ذكر ابن حزم من رواه عن الأعرج ومن رواه عن أبي هريرة قال: هؤلاء الأئمة الثقات الأثبات رواه عنهم من لا يحصيهم إلَّا الله، فصار نقل كافة وتواترٍ لا يرده إلَّا محروم غير موفق
(2)
.
وحديث ابن مسعود من أفراد البخاري.
والوليد (د. ت. قال) بن رباح دوسي مولى ابن أبي ذباب لم يخرجا له، إنما أخرج له أصحاب السنن، خلا النسائي، وهو صدوق
(3)
.
وموسى (م. د. ق. س) بن يسار روى له الجماعة إلَّا البخاري.
كذا بخط الدمياطي، ولم يعلَّم له المزي علامة الترمذي.
(1)
مسلم (1524) كتاب: البيوع، باب: حكم المصراة.
(2)
"المحلى" 9/ 66.
(3)
انظر: "الجرح والتعديل" 9/ 4 (15)، "ثقات ابن حبان" 5/ 493، "تهذيب الكمال" 31/ 11 (6703).
وثقه ابن معين
(1)
.
وشيخ البخاري في الحديث في باب: إنْ شاء رد المصرَّاة، محمد بن عمرو، وهو البلخي السواق، روى له مع البخاري الترمذي، مات سنة ست وثلاثين ومائتين
(2)
، وشيخ شيخه مكي، وهو ابن إبراهيم الحنظلي البلخي الحافظ، روى عنه البخاري، والجماعة بواسطة، قال عبد الصمد بن الفضل: سمعته يقول: حججت ستين حجة وتزوجت ستين امرأة، وكتبت عن سبعة عشر تابعيًّا. مات سنة خمس عشرة ومائتين ببلخ وقد قارب المائة
(3)
.
وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وزياد هو ابن سعد البلخي.
والتعليق عن أبي صالح أخرجه مسلم من حديث سهيل ولده عنه
(4)
، وكذا أخرج تعليق موسى بن يسار من حديث داود بن قيس عنه به
(5)
.
وتعليق مجاهد قال البزار: حدثنا محمد بن موسى القطان، ثنا عمران بن أبان، ثنا محمد بن مسلم، عن ابن أبي نجيح، عنه، عن أبي هريرة مرفوعًا:"من ابتاع مصراة فله أنْ يردها وصاعًا من طعام".
ثم قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد
(1)
انظر: "التاريخ الكبير" 7/ 298 (1273)، "الجرح والتعديل" 8/ 168 (740)، "ثقات ابن حبان" 5/ 404، "تهذيب الكمال" 29/ 168 (6313).
(2)
انظر: "الجرح والتعديل" 8/ (155)، "ثقات ابن حبان" 9/ 83، "تهذيب الكمال" 26/ 223 (5518).
(3)
انظر: "الطبقات" لابن سعد 7/ 373، و"التاريخ الكبير" 8/ (2199)، و"ثقات العجلي" 2/ 296 (1785)، و"تهذيب الكمال" 28/ 476 (6170).
(4)
مسلم (1524/ 24).
(5)
مسلم (1524/ 23).
إلَّا محمد بن مسلم، ورواه عن محمد عمران وأبو حذيفة
(1)
.
وما ذكره عن ابن سيرين: "صاعًا من طعام". أخرجه مسلم من حديث قرة عنه به، وفيه:"وهو بالخيار ثلاثة أيام". وفيه: "صاعًا من طعام لا سمراء"
(2)
.
قال البيهقي: المراد بالطعام هنا التمر لقوله: "لا سمراء"، وكذا رواه عوف عن الحسن مرسلًا وفيه:"إناء من طعام، أو يأخذها" قال: ورواه إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن أنس مرفوعًا، وفيه
"وصاعًا من تمر" وفي حديث عوف، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة:"هو بالخيار، إن شاء ردها وإناء من طعام"
(3)
.
وما ذكره البخاري، عن ابن سيرين ثانيًا أخرجه مسلم أيضًا من حديث أيوب عنه، فذكره
(4)
.
وادَّعى الداودي أنَّ قول ابن سيرين ليس بمحفوظ.
ورواه البيهقي من طريق يزيد بن هارون، ثنا هشام بن حسَّان، عن ابن سيرين:"من اشترى مصراة فردها، فليرد معها صاعًا من تمر لا سمراء"
(5)
.
(1)
ووصله الحافظ بإسناده في "التغليق" 3/ 248 وذكر له متابعات، قوى إسناد الحديث بها. وله يذكر المصنف رحمه الله وصل تعليق الوليد بن رباح فنقول: رواه أحمد بن منيع في "مسنده" كما في "التغليق" 3/ 249: ثنا أبو أحمد هو محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي، ثنا كثير هو ابن زيد، عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اشترى مصراة فليرد معها صاعًا من تمر" ثم قال الحافظ: وكثير بن زيد مختلف فيه.
(2)
مسلم (1524).
(3)
"السنن الكبرى" 5/ 318 - 319.
(4)
مسلم (1524).
(5)
"السنن الكبرى" 5/ 318.
ورواه ابن ماجه من حديث هشام عنه، وفيه "وهو بالخيار ثلاثة أيام" وقال:"صاعًا من تمر لا سمراء" يعني: الحنطة
(1)
.
قال الإسماعيلي: حديث ابن مسعود هو من قوله، وقد رفعه أبو خالد الأحمر، عن التيمي، ورواه ابن المبارك ويحيى بن سعيد وجرير وغيرهم موقوفًا عليه، ثم أسند من حديث أبي عثمان، عن عبد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من اشترى شاة محفلة فردها، فليرد معها صاعًا من تمر". وفي ابن ماجه من حديث جابر، عن أبي الضحى، عن مسروق عنه أنه قال: أشهد على الصادق المصدوق أنه قال: "بيع المحفلات خلابة، ولا تحل الخلابة لمسلم"
(2)
قال البزار: ولا نعلمه يروى عن أبي الضحى إلَّا من حديث جابر الجعفي
(3)
.
(1)
"سنن ابن ماجه"(2239).
(2)
"سنن ابن ماجه"(2241).
ورواه أيضًا أحمد 1/ 433، والبزار في "البحر الزخار" 5/ 336 - 337 (1963)، والبيهقي 5/ 317، وابن عبد البر في "التمهيد" 18/ 209 - 210، وفي "الاستذكار" 21/ 85 (30557) من طريق المسعودي عن جابر عن أبي الضحى، به.
والحديث ضعفه ابن القطان في "البيان"(1646، 2046).
وقال البوصيري في "الزوائد"(747): إسناد ضعيف، جابر هو الجعفي متهم بالكذب. وقال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (4125): إسناده ضعيف. وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(487)، وفي "ضعيف الجامع"(2357). والحديث رواه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 198 (14865)، وابن أبي شيبة 4/ 344 (20807)، والبيهقي 5/ 317 من طريق الأعمش عن خيثمة عن الأسود عن عبد الله بن مسعود، موقوفًا.
قال البيهقي: إسناده صحيح. وكذا قال الحافظ في "الفتح" 4/ 367.
وقال النووي -قدس الله روحه- في "المجموع" 11/ 229: الوقف أصح، والرفع ضعيف.
(3)
"مسند البزار" 5/ 337 (1963).
وفي الباب غير حديث أبي هريرة وابن مسعود، ابن عمر أخرجه ابن ماجه
(1)
، وابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة
(2)
، ورجل من الصحابة
(1)
ابن ماجه (2240).
والحديث رواه أيضًا أبو داود (3446)، والبيهقي 5/ 319 من طريق عبد الواحد بن زياد، عن صدقة بن سعيد الحنفي، عن جميع بن عمير التيمي، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس من باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة في أيام، فإن ردها رد معها مثلي لبنها -أو قال- مثل لبنها قمحًا". وهذا لفظ ابن ماجه.
وهو حديث أعله البيهقي، فقال: تفرد به جميع بن عمير، قال البخاري: فيه نظر.
وقال في "المعرفة" 8/ 118: هذِه الرواية غير قوية.
وقال ابن حزم في "المحلى" 9/ 69: فيه: صدقة بن سعيد، وجميع بن عمير، وهما ضعيفان فسقط.
وضعفه أيضًا الخطابي في "معالم السنن" 3/ 99 فقال: ليس إسناده بذاك. ووافقه المنذري في "المختصر" 5/ 89، وكذا النووي في "المجموع" 11/ 197. وقال المصنف رحمه الله في "خلاصة البدر" 2/ 68: إسناده لا يقوى. وضعف الحافظ إسناده في "الفتح" 4/ 364. وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (486). وفي "ضعيف الجامع"(5318). وسيذكره المصنف قريبًا عازيًا إياه لأبي داود، ومضعفًا لإسناده.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 344 (20809) و 4/ 401 (21433) و 7/ 297 (36239).
ورواه أيضًا الترمذي (1268)، وأحمد 1/ 256، وأبو يعلى 4/ 233 (2345) و 4/ 244 (2356)، والطبراني 11/ 292 (11774) من طريق أبي الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا:"لا تستقبلوا السوق ولا تحفلوا ولا ينفق بعضكم لبعض". وهذا لفظ الترمذي.
وهو حديث صححه الترمذي. وأشار أبو زرعة لصحته في "العلل" 1/ 376 (1120). وأورده الحافظ الذهبي في "المهذب" 4/ 2083 - 2084 (8787) وذكر تصحيح الترمذي، واكتفي، فكأنما أقره. وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (2313): إسناده صحيح. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(7324).
أخرجه البيهقي، وفيه:"صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر" قال البيهقي: يحتمل أنْ يكون هذا الشك من بعض الرواة، لا أنه على وجه التخيير، ليكون موافقًا للأحاديث الثابتة في هذا الباب
(1)
.
إذا تقرر ذلك فالكلام على المصراة من أوجه:
أحدها: المحفلة: هي المصراة، مأخوذ من حفل الناس، أي واحتفلوا إذا اجتمعوا وكثروا، وكل شيء كثرته فقد حفلته، وما كانت التصرية في الإبل والبقر والغنم وما في معناها يؤخر صاحبها حلبها
حتى يجتمع لبنها في ضرعها، فإذا رآها من يطلبها يحسبها غزيرة اللبن فيزيد في ثمنها، ثم يظهر له بعد ذلك نقص لبنها عن أيام تحفلها. وذكر ابن سيده مادة حفل، وأنها للاجتماع
(2)
.
وقوله: (وحقن فيه) أي: حبس، وتفسيره في المصرَّاة أنَّه من صرَّيت صحيح، وليس هو من الصِّرار، إذ لو كان منه كانت مصرورة.
ووقع في "غريب البخاري" للقزاز قال: صوت الناقة، وأصرت. قال ابن التين: وأراه وهلًا من الكاتب؛ لأنه قال: تقول: تصريت الماء تصرية إذا جمعته، فدلَّ على وهله.
قلت: قال ابن سيده: صريت الناقة، وصرت وأصرت: تحفل لبنها في ضرعها، وصريت الناقة وغيرها من ذوات اللبن، وصرَّيتها وأصريتها: حفلتها. وناقة صرياء: محفلة، وجمعها: صرايا، على غير قياس
(3)
.
(1)
"السنن الكبرى" 5/ 319.
(2)
"المحكم" 3/ 262 (حفل).
(3)
"المحكم" 8/ 237 - 238.
ثانيها: الأفصح: (لا تُصروا) بضم أوَّله على مثال: لا تزكوا، وما بعده منصوب على أنه مفعول، وروي رفعه، وروي بفتح أوله من الصرِّ وأصله: تصريوا، فاستثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها، لأنَّ واو الجمع لا يكون ما قبلها إلا مضمومًا، فانقلبت الياء واوًا واجتمع ساكنان، حذفت الأولى وبقيت واو الجمع.
ويحتمل أنْ يكون أصلها مصررة أُبدلت إحدى الرائين كقوله تعالى: {مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 10] أي: دسسها، كرهوا اجتماع ثلاثة أحرف من جنس، ويحتمل أن يكون أصلها مصرورة، فأبدل من إحدى الرائيين ياءً، وغلط أبو على البغدادي فذكره في باب الثنائي المضعف، وكلهم ذكرها في الثلاثي المعتل اللام
(1)
.
(1)
قلت: أبو علي البغدادي هذا هو القالي، إسماعيل بن القاسم، والمنقول عنه هذا ذكره في كتابه "البارع في اللغة"، كذا ذكره محقق الكتاب (ط. مكتبة النهضة، بغداد، ودار الحضارة العربية، بيروت) ص 717 في تذييل ألحقه بالكتاب تحت عنوان: لحق بما اقتبسته بعض الكتب من البارع من القسم الضائع منه. ناقلًا إياه عن "الروض الأنف".
وعبارة السهيلي في "الروض" 2/ 27: وقد غلط أبو علي في "البارع"، فجعل المصراة بمعنى المصرورة، وله وجه بعيد، وذلك أن يحتج له بقلب إحدى الرائين ياء، مثل: قصِت أظفاري، غير أنه بعيد في المعنى. اهـ.
والذي أنكره السهيلي وأظن المصنف رحمه الله نقله عنه، أو ممن نقله عنه، هو قول الشافعي -أسكنه الله عليين- كذا نقله عنه الخطابي في "المعالم" 3/ 95 واستشهد له بقول الشاعر:
وقلت: خذوها هذِه صدقاتكم
…
مُصَرَّرة أخلافها لم تجدد
وهذا حكاه الحافظ في "هدي الساري" ص 143، وعنه الزبيدي في "التاج" 19/ 598 ثم إني رأيت في "المقصور والممدود" لابن ولاد ص 63 قال: والصري، ثم ذكر كلامًا فيه.
ثالثها: معنى التصرية: الجمع كما سلف، نهى عن جمع اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها، فيظن المشتري أنَّ كثرة لبنها عادة مستمرة.
وعبارة الشافعي أنه ربط أخلافها اليومين والثلاثة لجمع لبنها -وهو صواب- وهي حرام: لما فيها من الغش.
رابعها: هذا الحديث أصل في الرد بالغش والتدليس، وقد سلف من حديث ابن مسعود أنه خلابة، ولا تحل خلابة مسلم، ولا تختص بالنعم على الأصح عندنا، بل تعم كل مأكول والجارية والإنسان، نعم لا يرد مع الجارية والإنسان شيئًا، وقد جاء في أبي داود:"من باع محفلة فالبيع صحيح، وللمشتري الخيار"
(1)
. والأصح أنه على الفور كالرد بالعيب.
وفي قول: يمتد ثلاثة أيام. وهذا مختاري، لحديث أبي هريرة في مسلم "فهو بالخيار ثلاثة أيام"
(2)
وإذا ردها بعد تلف اللبن رد معها صاع تمر، سواء اشتراها به أم لا، لحديث الباب، وهو الأظهر عند الشافعي، وبه قال مالك في رواية، والليث وابن أبي ليلى وأبو يوسف وأبو ثور وفقهاء الآثار.
والواجب: التمر الوسط من تمر البلد، كما حكاه أحمد بن بُشرى المصري عن النص، وقيل: يكفي صاع قوت؛ لأنه ورد في أبي داود: القمح، وليس إسناده بذاك
(3)
.
(1)
تقدم تخريجه قريبًا.
(2)
مسلم (1523).
(3)
تقدم تخريجه.
وعن مالك أنه إذا كان في موضع لا تمر فيه فصاع حنطة، وعنه: يُرد مكيله ما خلف من اللبن تمرًا أو قيمته.
خامسها: قال بحديث المصراة جمهور العلماء منهم ابن أبي ليلى ومالك والليث وأبو يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وخالف أبو حنيفة، وطائفة من أهل العراق، وبعض المالكية، ومالك في رواية عنه غريبة، وابن أبي ليلى في رواية، فقالوا: يردها ولا يرد معها صاعًا من تمر، قالوا وهذا الحديث مخالف للأصول المعلومة من وجوه ثمانية. وقد ذكرتها مع جوابها في "شرح العمدة"، فليراجع
منه، وذكرت فيه حكايته صحيحة بإسنادي تتعلق به
(1)
، بل قال أبو حنيفة
(1)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 7/ 63 - 73.
والحكاية التي أشار المصنف رحمه الله إليها قال: ومن الحكايات الصحيحة في هذا الباب ما أنبأنا به عن أبي الفضل أحمد بن عساكر، عن أبي المظفر عبد الرحيم السمعاني، عن والده عبد الكريم، عن أبي المعمر المبارك الأزجي، عن أبي القاسم يوسف بن علي الزنجاني، عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، قال: سمعت القاضي أبي الطيب الطبري قال: كنا في حلقة الذكر بجامع المنصور، فجاء شاب خراساني فسأل عن مسألة المصراة، فطالب بالدليل، فاحتج المستدل بحديث أبي هريرة الوارد فيها، فقال الشاب -وكان حنفيًّا-: أبو هريرة غير مقبول الحديث، قال القاضي: فما إن استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فوثب الناس من أجلها، وهرب الشاب من يديها وهي تتبعه فقيل له: تب تب. فقال: تبت، فغابت الحية فلم ير لها أثرًا. وهذا إسناد جليل صحيح رواته كلهم ثقات. اهـ، "الإعلام" 7/ 70 - 71.
قلت: لم يتفرد المصنف رحمه الله بذكر هذِه القصة، والتي لا أجد عليها تعليقًا إلا أن أقول: لا تعليق، وسبحان من لا يعلم مقادير عباده إلا هو. فقد ذكرها الحافظ الذهبي في "تاريخ الإسلام" 4/ 354، وفي "سير أعلام النبلاء" 2/ 618 - 619 معلقة عن أبي سعد السمعاني، ثم قال: إسنادها أئمة، وأبو هريرة إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول عليه السلام وأدائه بحروفه، وقد أدى حديث =
ومحمد: التصرية عيب، ولا يرد به. وحكي عن أبي حنيفة أنه يرجع بأرش التصرية، قالوا: ويعارضه حديث الخراج بالضمان، ووجهه أن مشتري المصراة ضامن لها لو هلكت عنده واللبن عليه، فلا يكون له، وأين هذا من قوة ذاك؟ ثم هذا عام وحديث المصراة خاص، ولا يعترض على السُّنة بالمعقولات.
قال مالك فيما نقله عنه ابن عبد البر: أو لأحد في هذا الحديث رأي؟ قال ابن القاسم: وأنا آخذ به، إلَّا أنَّ مالكًا قال لي: أرى أهل البلد إذا نزل بهم هذا أنْ يعطوا الصالح من عيشهم، قال: وأهل مصر
عيشهم الحنطة
(1)
.
وروي عنه أنه قال: أو لأحد في هذا الحديث رأي؟
وعنه أنَّه لمَّا سُئل عنه قرأ: {فَليحْذَرِ اَلَذِينَ} الآية. [النور: 63] وزعم أبو حنيفة أنَّه كان قبل تحريم الربا، وروى أشهب نحوه عن مالك
(2)
، وأنَّ ذلك كان حين كانت العقوبة بالمال، وهو واهٍ؛ لأنَّه إثبات نسخ بالاحتمال، وهو غير سائغ.
وقيل: نسخه حديث الخراج بالضمان والكالئ بالكالئ.
ومنهم من حمله على ما إذا اشترط ذلك وليس بشيء، ومنهم من ادَّعى نسخه بقوله تعالى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] ولم يجعلوا حديث المصراة أصلًا يقيسون عليه ولد
= المصراة بألفاظه، فوجب علينا العمل به، وهو أصل برأسه.
وكذا ذكرها الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" 12/ 656 معلقة عن أبي القاسم الزنجاني.
(1)
"التمهيد" 18/ 202.
(2)
انظر: "التمهيد" 8/ 411، و"الاستذكار" 21/ 25، 87.
الجارية إذا ولدت عند المشتري ثم ردت بالعيب. فالشافعي: يحبس الولد، ومالك يخالفه، ووافقه ابن القاسم، وخالفه أشهب، ومن جملة ما ردوا به الحديث اضطرابه، حيث قال مرة:"صاعًا من تمر" ومرة قال: "من طعام". ومرة قال: "مثل -أو مِثْلي- لبنها قمحًا".
وجوابه: أنَّ الأخبار كلها متفقة على إثبات الخيار، ومنهم من قال: إنَّه مخالف لقوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فإذن يعلُّ الحديث بذلك
(1)
.
وقال محمد بن شجاع فيما نقله الطحاوي: نسخه حديث: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"
(2)
.
فلمَّا قطع بالفرقة الخيار ثبت بذلك أنْ لا خيار لأحد بعد هذا، إلا ما استثناه الشارع في قوله:"إلَّا بيع الخيار"
(3)
ثم أفسده الطحاوي بأنَّ الخيار المجعول في المصراة خيار عيب، وخيار العيب لا تقطعه الفرقة
(4)
، وهو كما قال ابن حزم: صحَّ عن ابن مسعود: "من اشترى محفلة فليرد معها صاعًا من تمر"
(5)
وصحَّ أيضًا عن أبي هريرة من فتياه، ولا مخالف لهما من الصحابة في ذلك، وعن زفر: يردها وصاعًا من تمر أو شعير أو نصف صاع من بر. وقال ابن أبي ليلى في أحد قوليه، وأبو يوسف: يردها وقيمة صاع من تمر. وقال
(1)
"التمهيد" 18/ 207 - 209، 214 - 215 بتصرف.
(2)
"شرح معاني الآثار" 4/ 19 والحديث سلف برقم (2079) باب: إذا بيّن البيعان ولم يكتما ونصحا.
(3)
سلف برقم (2111) باب: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا.
(4)
"شرح معاني الآثار" 4/ 19.
(5)
سلف برقم (2149).
أبو حنيفة ومحمد: إنْ كان اللبن حاضرًا لم يتغير ردها ورد اللبن، ولا يرد معها صاع تمر ولا شيئًا، وإن كان قد أكله لم يكن له ردها، لكن يرجع بقيمة العيب فقط
(1)
.
وعن داود: لا يثبت الخيار بتصرية البقر؛ لأنها ليست مذكورة في الحديث.
قلت: فيه: "من باع محفلة" كما تقدم، وهو أعم.
وعند المالكية: لو ردَّ عين اللبن لم يصح ولو اتفقا؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه.
وقال سحنون: إقاله، فإنْ تعذرت ففي الاكتفاء بصاع قولان عندهم، ولو ردت بعيب غيره ففي الصالح قولان لهم.
ونقل ابن عبد البر عن مذهب الشافعي وأحمد تعدد الصالح في الأولى
(2)
.
تنبيهات:
أحدها: أكثر أصحاب مالك أنَّ التصرية عيب خلافًا لبعض متأخريهم، ذكره ابن التين.
ثانيها: في الحديث أربعة أدلة للجمهور نهيه عليه السلام عنها، وهي عيب، وجعل الخيار لمبتاعها، وإيجابه الصالح من التمر، وعندهم لا يجب، وأن اللبن له قسط من الثمن.
ثالثها: في "المدونة" أنه إذا حلبها ثالثة، فإن كان ما تقدَّم اختيارًا فهو رضا، وقال مالك: له ذلك
(3)
. وقال محمد: يلزمه. وقال عيسى:
(1)
"المحلى" 9/ 67.
(2)
"التمهيد" 18/ 217.
(3)
"المدونة" 3/ 287.
يحلف في الثالثة ما كان رضي بها.
رابعها: انفرد أحمد بقوله: إذا حلبها له الأرش ولا رد، فخالف النص، وانفرد ابن أبي ليلى وأبو يوسف فقالا: يرد قيمة ما حلب من اللبن.
خامسها: في الحديث أنَّ بيع شاة لبون بمثلها غير جائز؛ لأنَّ اللبن يأخذ قسطًا من الثمن، قاله الخطابي
(1)
.
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 1052.
وورد في هامش الأصل ما نصه: فرع: يتعدد الصالح بتعدد المصراة كما نقله ابن قدامة عن الشافعي. قال بعض أشياخي: ولم أره في كلام أشياخنا يعني الشافعية.
66 - باب بَيْعِ العَبْدِ الزَّانِي
وَقَالَ شُرَيْحٌ
(1)
: إِنْ شَاءَ رَدَّ مِنَ الزِّنَا.
2152 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ". [2234، 6839 - مسلم: 1703 - فتح: 4/ 361]
2153 -
2154 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ قَالَ:"إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ. [2232 و 2233 و 2555 و 2556 و 6837 و 6738 - مسلم: 1704 - فتح: 4/ 369]
وعن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا:"إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَتبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ".
وعنه وزيد بن خالد أنه صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ، قَالَ:"إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ". قَالَ ابن شِهَابٍ: لَا أَدْرِي بَعْدَ الثالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ.
الحديثان في "الصحيح"
(2)
.
(1)
فوقها في الأصل: مسند متصل.
(2)
الحديث الأول سيأتي برقمي (2234، 6839)، ورواه مسلم (1703)، والحديث الثاني سيأتي بأرقام (2232 - 2233، 2255 - 2556، 6837 - 6838)، ورواه مسلم (1704).
وفي رواية أيوب بن موسى: "فليجلدها الحد"
(1)
.
قال ابن عبد البر: لا نعلم أحدًا ذكر فيه الحد غيره
(2)
.
وقال الدارقطني: رواه ابن جريج وعدَّد جماعة، فقالوا: عن سعيد، عن أبي هريرة، لم يذكروا أبا سعيد
(3)
.
وفي مسلم كذلك
(4)
وذكره البخاري في كتاب المحاربين متابعة من جهة إسماعيل ابن أمية
(5)
.
قال الدارقطني: والمحفوظ حديث الليث يعني عن سعيد عن أبيه في الكتاب
(6)
.
وقوله: (ولم تحصن): قال الطحاوي: لم يقل هذِه اللفظة غير مالك عن الزهري.
قال ابن عبد البر: رواها ابن عيينة ويحيى بن سعيد عن ابن شهاب، كما رواه مالك. قال: وتابع مالكًا على هذا السند يونس بن يزيد ويحيى بن سعيد، ورواه عقيل والزبيدي وابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عبيد الله، عن شبل بن حامد المزني أنَّ عبد الله بن مالك الأوسي أخبره أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الأمة .. الحديث،
(1)
رواها مسلم (1703/ 31)، وستأتي برقم (2234)، ورواها مسلم (1703/ 30) من طريق الليث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة.
(2)
"التمهيد" 9/ 97 - 98.
قلت: كلا توبع أيوب على ذكر الحد، كما سلف تخريجه.
(3)
"علل الدارقطني" 10/ 376 - 378، و"الإلزامات والتتبع" ص 136 - 137.
(4)
مسلم (1703/ 30).
(5)
ستأتي بعد حديث (6839) كتاب: الحدود، باب: لا يثرب على الأمة.
(6)
"علل الدارقطني" 10/ 378.
إلَّا أنَّ عقيلًا وحده قال: مالك بن عبد الله، وعكس آخرون، وكذا قال يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن شبل به، فجمع الإسنادين جميعًا فيه، وانفرد مالك بإسناد واحد عند عقيل والزبيدي وابن أخي الزهري، فيه أيضًا إسناد آخر عن ابن شهاب عن عبيد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل أنَّه عليه السلام سُئل عن الأمة إذا زنت .. الحديث، هكذا قال ابن عيينة في هذا الحديث جعل شبلًا مع أبي هريرة وزيد، فأخطأ وأدخل إسناد حديث في آخر، ولم يتم حديث شبل. قال أحمد بن زهير: سمعت يحيى يقول: شبل لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، وفي رواية: ليست له صحبة، يقال: شبل بن معبد، وشبل بن حامد، روى عن عبد الله بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يحيى: وهذا عندي أشبه. وقال محمد بن يحيى النيسابوري: جمع ابن عيينة في حديث: أبا هريرة وزيد بن خالد وشبلًا، وأخطأ في ضمه شبلًا إلى أبي هريرة وزيد، في هذا الحديث، وإن كان عبيد الله بن عبد الله قد جمعهم فيه، فإنه رواه عن أبي هريرة وزيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن شبل، عن عبد الله بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك ابن عيينة حديثه، وضم شبلًا إلى أبي هريرة وزيد وجعله حديثًا واحدًا، وإنما ذا حديث وذاك حديث، وقد ميزهما يونس بن يزيد، وتفرد معمر ومالك بحديث أبي هريرة وزيد، وروى الزبيدي وابن أخي الزهري وعقيل حديث شبل فاجتمعوا على خلاف ابن عيينة، كذا قال محمد بن يحيى: إن مالكًا
ومعمرًا انفردا بحديث أبي هريرة وزيد، وقد تابعهما يحيى بن سعيد الأنصاري
(1)
.
(1)
"التمهيد" 9/ 94 - 96 بتصرف.
قلت: قد خرجه البخاري أيضًا من طريق صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة وزيد
(1)
، فذكره
(2)
.
وصححه الترمذي من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة
(3)
.
ورواه النسائي وأدخل بين الأعمش وأبي صالح، حبيب بن أبي ثابت
(4)
. وأخرجه من حديث الزهري، عن حميد، عن أبي هريرة في الرابعة أو الثالثة ببيعها ولو بضفير، وقال: هذا خطأ
(5)
.
قلت: وروى أيضًا من حديث عمارة بن أبي فروة، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة، عن عائشة مرفوعًا:"إذا زنت الأمة" الحديث، ذكره ابن عبد البر، ورواه إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن حميد، عن أبي هريرة، وهذان خطأ
(6)
.
وروي أيضًا من حديث أبي جميلة عن علي أنه عليه السلام أُخبر بأمة فجرت، فأرسلني إليها فقال:"أقم عليها الحد"، ثم قال:"أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" أخرجه ابن أبي شيبة
(7)
، وممن كان
(1)
ورد بهامش الأصل: من خط الشيخ: وذكر فيه: ولم تحصن.
(2)
سيأتي برقمي (2232 - 2233) باب: بيع المدبر.
(3)
الترمذي (1440).
(4)
"السنن الكبرى" 4/ 299 (7242).
(5)
السابق 4/ 301 (7255).
(6)
"التمهيد" 9/ 98.
(7)
"المصنف" 5/ 487 (28267).
ورواه أيضًا أبو داود (4473)، وأحمد 1/ 95، 145، وعبد الله بن أحمد 1/ 135، 135 - 136، والبزار في "البحر الزخار" 3/ 16 (762)، والنسائي في "الكبرى" 4/ 304 (7268 - 7269)، وأبو يعلى في "مسنده" 1/ 271 (320)، والمزي في "تهذيب الكمال" 14/ 388 - 389.
جميعًا من طريق عبد الأعلى عن أبي جميلة، عن علي، به. =
يجلدها إذا زنت أو يأمر برجمها ابن مسعود وأبو برزة وفاطمة وابن عمر وزيد بن ثابت وإبراهيم النخعي وأشياخ الأنصار -قاله عبد الرحمن بن أبي ليلى- وعلقمة والأسود وأبو جعفر محمد بن علي وأبو ميسرة
(1)
.
إذا عرفت ذلك فمعنى: "تبين زناها" أي: ثبت بالبينة أو بالإقرار أو بالحبل على خلفت فيه، والأمة: المملوكة، وجمعها إماء، وإموان.
وفقه الباب: الحض على بيع العبد الزاني، والندب إلى مباعدة الزانية.
ومعنى قوله: "بحبل من شعر": المبالغة في التزهيد فيها، وليس هذا من وجه إضاعة المال؛ لأنَّ أهل المعاصي نحن مأمورون بقطعهم ومنابذتهم.
والضفير: هو الحبل المضفور، فعيل بمعنى مفعول، تقول: ضفرته إذا فتلته. وقال ابن فارس: هو (حَبْك)
(2)
الشعر وغيره عريضًا
(3)
. وهو مثل تضربه العرب للتقليل، مثل لو منعوني عقالًا ولو فرسن شاة، ولم يذكر الحد في الثالثة اكتفاءً بما تقدم من تقرره ووجوبه، وقد قال تعالى:{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} [النساء: 25].
= ورواه ابن أبي شيبة أيضًا 7/ 280 (36077) مختصرًا.
قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"(736، 1137 - 1138، 1230): إسناده ضعيف. وضعفه العلامة الألباني في "الإرواء"(2325).
والحديث رواه مسلم (1705) بنحوه موقوفًا.
(1)
رواه عنهم جميعًا ابن أبي شيبة 5/ 487 - 488 (28268 - 28270، 28272 - 28278).
(2)
كذا بالأصل، وفي "المجمل" 2/ 564: نسجك.
(3)
"مجمل اللغة" 2/ 564.
يعني بالعذاب: الجلد، لأنَّ الرجم لا ينتصف، وإحصان الأمة إسلامها عند مالك والكوفيين والشافعي وجماعة كما نقله عنهم ابن القطان، وقيل: معناه: لم تعتق فيزول بالعتق، وقيل: معناه: ما لم تتزوج، وقد اختلف فيه في قوله تعالى:{فَإِذَآ أُحصِنَّ} [النساء: 25] هل هو الإسلام أو التزويج -فتحد المزوجة وإن كانت كافرة، قاله الشافعي- أو الحرية.
وحديث علي: "أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن". أخرجه مسلم موقوفًا
(1)
والنسائي مرفوعًا
(2)
، فتُحد الأمة على أي حالة كانت، ويعتذر عن الإحصان في الآية فإنه أغلب حال الإماء، وزعم أبو عمر أن من قرأ (أحصن) بالفتح فمعناه: تزوجن وأسلمن، ومن ضم قال: زوجن
(3)
.
ومعنى "لا يثرب": لا يلومن ولا يعذبن بعد الجلد، ويؤيده أنَّ توبة كعب بن مالك
(4)
، ومن فرَّ يوم حنين حين تاب الله عليهم
(5)
، كانت شرفًا لهم، ولم تكن لهم ملامة، فبان أنَّ اللوم والتثريب لا يكون إلَّا قبل التوبة أو الجلد.
وقال الخطابي: معناه لا يقتصر على تعييرها وتوبيخها دون الجلد
(6)
، ولا شك أنَّ الإكثار من اللوم يزيل الحياء والحشمة،
(1)
مسلم (1705) كتاب: الحدود، باب: تأخير الحد عن النفساء.
(2)
"السنن الكبرى" 4/ 304 (7268) وقد تقدم بنحوه.
(3)
"التمهيد" 9/ 98.
(4)
سيأتي حديثه هذا مطولًا برقم (4418)، ورواه مسلم (2769).
(5)
خبرهم في سورة التوبة [25 - 26].
(6)
"أعلام الحديث" 2/ 1053.
وغالب أحوال العبيد عدم الاندفاع باللوم، بخلاف الحر.
العبد يقرع بالعصا
…
والحر تكفيه الملامة
(1)
وأوجب أهل الظاهر بيع الأمة إذا زنت الرابعة وجلدت، والأمة كلها على خلافه، وكفى بقولهم جهلًا خلاف الأمة له.
واختلف العلماء في العبد إذا زنى، هل الزنا عيب يجب رده به أم لا؟
فقال مالك: هو عيب في العبد والأمة، وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور. وقال الشافعي: كل ما ينقص من الثمن فهو عيب.
وقال الكوفيون: هو في الجارية عيب لأنها تستولد دون الغلام، وكذلك ولد الزنا عيب يرد به.
وقال مالك: إذا كانت الجارية ولد زنا فهو عيب، وإنما جعل الزنا عيبًا؛ لأنه ربما بلغ الحد به مبلغ تلف النفس، وإنَّ المنايا قد تكون من القليل والكثير، وإذا صح أنَّه عيب وجب على البائع إعلامه، فإذا رضي به صح البيع كسائر العيوب، وإذا لم يبِّينه كان للمبتاع رده إن شاء.
فإن قلت: فما معنى أمره عليه السلام ببيع الأمة الزانية والذي يشتريها يلزمه من اجتنابها، ومباعدتها ما يلزم البائع.
فالجواب: أنَّ فائدة ذلك -والله أعلم- المبالغة في تقبيح فعلها، وإعلام أنَّ الأمة الزانية لا جزاء لها إلَّا البيع أبدًا، وأنها لابقاء لها عند سيد، وذلك زجر لها عن معاودة الزنا وأدب بالغ، ولعل الثاني يعفها بالوطء، أويبالغ في التحرز عليها أو يزوجها أو يصونها بهيبته، أو بالإحسان إليها والتوسعة عليها، وأشباه ذلك.
(1)
من قول الشاعر: خلف بن خليفة الأقطع. من شعراء العصر الأموي.
وهل يجلدها السيد أم لا؟
قال مالك والشافعي وأحمد: نعم، وخالف أبو حنيفة فقال: لا يقيمه إلَّا الإمام بخلاف التعزير، احتج في "الهداية" بحديث "أربع إلى الوالي" فذكر منها الحدود
(1)
، ولا نعلمه
(2)
.
وهل يكتفي السيد بعلم الزنا أو لا؟
فيه روايتان عند المالكية، ومنهم منْ فرَّق بين المزوجة فلا يقيمه السيد، وغيرها فيقيمه، وفي الحديث أنَّ الأمة لا تُرجم وإن كانت مزوجة، وأنَّ الزاني إذا حد ثم زنى ثانيًا حد أيضًا.
واستنبط بعضهم من قوله: "ولو بضفير"، جواز البيع بالغبن، لأنه بيع حقير بثمن يسير، وليس بجيد؛ لأنَّ الغبن المختلف فيه إنما هو مع الجهالة من المغبون، وأمَّا مع علم البائع بقدر ما باع وما قبض
فلا يختلف فيه؛ لأنه عن علم منه ورضا، فهو إسقاط لبعض الثمن لا سيما والحديث خرج على جهة التزهيد وترك الغبطة.
وأجمع فقهاء الأمصار أنَّ العبد في الحد كالأمة.
وانفرد أهل الظاهر فقالوا بجلده مائة، عملًا بظاهر القرآن، لكنهم خالفوا ظاهره في الأمة؛ فإنهم نصفوا عملًا بالآية الأخرى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ} [النساء: 25].
وزعم بعضهم فيما حكاه الطحاوي
(3)
أنَّ قوله: (ويجلدها) على التأديب لا الحد، ويحتمل أنَّ الله تعالى أعلم نبيه أنَّ حد الإماء إذا
(1)
"الهداية" 2/ 385.
(2)
وأورده الزيلعي في "نصب الراية" 3/ 326 وقال: غريب.
وتبعه الحافظ فقال في "الدراية" 2/ 99: لم أجده.
(3)
في "شرح معاني الآثار" 3/ 137.
زنين قبل الإحصان جلد خمسين، فأعلم بذلك الناس.
وكان الشطر فيهن بعد الإحصان بالتزويج ما هو أغلظ من ذلك إذ كان هو المفعول بالقياس على الحرائر، ثم أبان الله جل وعز أنَّ حكمهن بعد الإحصان كحكمهن فيه تخفيفًا ورحمة بقوله:{فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] الآية.
تنبيهان:
أحدهما: تردد ابن شهاب (لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة)، قد جزم المقبري أنه في الثالثة، كما ذكره البخاري أولًا.
ثانيهما: سقوط الرجم عن الأمة بالإجماع بين العلماء كما ادعاه ابن التين، وكان قتادة يرى زواج المملوك إحصانًا له، وبه قال أبو ثور.
قال: واختلفوا إذا زنت المملوكة ولا زوج لها، فروي عن ابن عباس لا حد لها
(1)
. وقرأى {أُحْصِنَّ} بضم الهمزة، وقال أكثر العلماء: تجلد وإن لم تزوج ومعنى الإحصان فيهن الإسلام وعليه قرأه {أَحْصِنَّ} بفتح الهمزة
(2)
، وقيل: على هذا أيضًا تزوجن، واحتج بقوله تعالى:{مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24]
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 489 (28288).
(2)
قال أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي في "الكشف عن وجوه القراءات السبع" 1/ 385: قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بفتح الهمزة والصاد، وقرأ الباقون بضم الهمزة وكسر الصاد. وانظر:"الحجة للقراء السبعة" 3/ 150 - 151.
(3)
تتمة هامة: تعليق شريح المذكور أول الباب -والذي فات المصنف رحمه الله ذكر من وصله- وصله سعيد بن منصور كما في "تغليق التعليق" 3/ 252: ثنا هشيم: أنا هشام، عن ابن سيرين أن رجلًا اشترى من رجل جارية كانت فجرت، ولم يعلم بذلك المشتري، فخاصمه إلى شريح، فقال: إن شاء رد من الزنا.
قال في "الفتح" 4/ 369: إسناده صحيح.
67 - باب البَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعَ النِّسَاءِ
2155 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اشْتَرِي وَأَعْتِقِي، فَإِنَّ الوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ". ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ العَشِيِّ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ:"مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ؟! مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهْوَ بَاطِلٌ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ، شَرْطُ اللهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ". [انظر: 456 - مسلم: 1504 - فتح: 4/ 369]
2156 -
حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها سَاوَمَتْ بَرِيرَةَ، فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَتْ: إِنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يَبِيعُوهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوا الوَلَاءَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". قُلْتُ لِنَافِعٍ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا؟ فَقَالَ: مَا يُدْرِينِي. [2169، 2562، 6752، 6757، 6759 - مسلم: 1504 - فتح: 4/ 370]
ذكر فيه حديث عائشة في شرائها بريرة من طريقين.
وشيخ البخاري في الثاني حسَّان بن أبي عباد، واسمه حسَّان
(1)
(2)
، فهو أبو علي حسَّان بن حسَّان، من أفراد البخاري، قال أبو حاتم: مُنكر الحديث
(3)
. قال الكلاباذي: مات سنة ثلاث عشرة ومائتين
(4)
.
(1)
في هامش الأصل: في "الكاشف": وقال البخاري: كان المقرئ يثني عليه.
(2)
أي اسم أبي عباد: أبو حسان.
(3)
"الجرح والتعديل" 3/ 238.
(4)
نقله عنه محمد بن طاهر المقدسي في كتاب "الجمع بين رجال الصحيحين" 1/ 94.
فائدة: ذكر ابن عدي في كتابه "أسامي من روى عنهم البخاري في جامعه الصحيح" ص 117: حسان بن حسان البصري (72) رجل، وحسان بن أبي عباد البصري (73) رجل، فجعلهما اثنين. وهو وهم منه رحمه الله لأنهما رجل واحد. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= صرح بذلك الحافظ مغلطاي في "إكمال تهذيب الكمال" 4/ 61 (1259)، والحافظ في "تهذيب التهذيب" 1/ 381 وقال في "الفتح" 4/ 370: وحسان، وقع عند المستملي: ابن أبي عباد، وعند غيره: حسان بن حسان، وهما واحد.
وقال في موضع آخر 7/ 355: حسان بن حسان، هو أبو علي البصري، ويقال أيضًا: حسان بن أبي عباد، ووهم من جعله اثنين.
وهو ما قرره أبو عبد الله الحاكم في كتاب "المدخل إلى الصحيح" 2/ 230 في سياقه لذكر أسامي من أخرج البخاري ومسلم حديثهم في "الصحيح"، فقال: وأخرج البخاري وحده (636) حسان بن أبي عباد. ولم يذكر الآخر، فجعلهما واحدًا.
وأما عن طعن أبي حاتم فيه وقوله: منكر الحديث.
فرأيت الحافظ رحمه الله ترجمه في "هدي الساري" ص 396 في الفصل التاسع: في سياق أسماء من طعن فيه من رجال البخاري، والجواب عن هذِه الاعتراضات. فقال: حسان بن حسان، وهو حسان بن أبي عباد البصري، ثم ذكر كلام أبي حاتم، وقال: روى عنه البخاري حديثين فقط، أحدهما في المغازي، والآخر في كتاب الحج. اهـ بتصرف.
وتعقب بأن البخاري أخرج له ستة أحاديث، ليس حديثين فقط، في كتاب العمرة (1778)، وكتاب البيوع (2156)، وكتاب الوصايا (2746)، وكتاب المغازي (4048)، وكتاب التفسير (4960)، وكتاب الاستئذان (6296).
وورد في هامش (م) في هذا الموضع:
قال ابن الرفعة في "الكفاية": استنكار بعضهم إذنه في اشتراط الولاء ومنعه منه بعد ذلك، وأجيب بأن قوله عليه السلام:"اشترطي بهم" المراد به: عليهم، كما في قوله تعالى:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} ، وقيل: معناه: اشترطي أو لا تشترطي فهو لاغٍ لا يضر شرطه ولا تركه.
وقيل: أذن فيه ثم منعه؛ ليكون أقطع لعادتهم. كما روي أنهم كانوا لا يرون جواز الإحرام بالعمرة في أشهر الحج، فأمرهم عليه السلام بالإحرام بالحج في أشهر الحج، فأحرموا به، ثم أمرهم بفسخ الإحرام بالحج بالعمرة للمبالغة في رجوعه عمَّا كانوا يعتقدون منعه. وعلى هذا التأويل يكون هذا الشرط خاصًّا في بيع بريرة لا غير، واختاره العمراني. =
والأُمَّة مجمعة على أنَّ المرأة إذا كانت مالكة أمر نفسها جائزًا لها أمرها أنَّ لها أنْ تبيع وتشتري، وليس لزوجها عليها في ذلك اعتراض، فإنْ كان في البيع محاباة قصدت إليها، فالمحاباة كالعطية، وقد اختلف العلماء في عطيتها بغير إذن زوجها، وقد سلف في الزكاة.
وفي قوله: "اشتري وأعتقي" بعد أنْ ذكرت له استشارة الزوج.
وفيه: الاستثناء قبل النقل.
وفيه: إذن الشارع لها في الاشتراء.
وفيه: دلالة أنها أعلمته قبل الشراء، وهو دليل على بعض المالكية القائلين هو بيع فاسد، وأنها ابتاعت عن غير علمه، وقرنت البيع بالعتق.
ففيه: أنَّ البيع الفاسد يفوت بالعتق عنده، والحديث يرده.
وقال أصحاب أبي حنيفة: ملكت بالقبض في هذا العقد الفاسد ملكًا تامًّا ومذهبه مثلنا، إلَّا أنه قال: يرد المبيع بيعًا فاسدًا مع النماء المنفصل والمتصل، وإذا وطئ غرم الأرش.
وقال الشافعي: لا تأثير للقبض في البيع الفاسد، وبه قال سحنون في الحرام البين، وانفصلت الشافعية بوجوه: منها: أنَّه يجوز أنْ يكون هذا الشرط تقدم العقد، وإنما تفسد المقارنة.
= وقيل: إن قوله: "واشترطي لهم الولاء" غير محفوظ في الحديث، وإنما رويت هذِه الزيادة من طريق هشام بن عروة، ولم يتابع عليها.
كذا حكاه البغوي وغيره. وفي "الذخائر" أن بعض الناس قال: إنما وقع البيع على نجوم كتابها. والجديد أنه لا يصح بيع المكاتب، وأجب عن ذلك بأن بريرة أظهرت العجز، فعجزها أهلها، وفسخوا العقد بإقدامهم على بيعها، والفسخ يحصل بالبيع أو مجمل ذلك، وهي قضية عين.
ومنها: أنَّ عائشة قضت بالصحة، وإنْ قارنه فساد بدليل قوله:"واشترطي لهم الولاء"
(1)
وهو لا يأمر بشرط فاسد.
ومنها: أنَّ (لهم) بمعنى (عليهم)، مثل {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} [غافر: 52] وغيره، ومنازع فيها.
والتخصيص بعيد إذ لو وقع لنقل كما نقل في عناق أبي بردة
(2)
، وشهادة خزيمة بشهادتين
(3)
، وتخصيص ابن عوف بلبس الحرير
(4)
، وحسَّان بإنشاد الشعر في المسجد
(5)
، وفيهما نظر.
(1)
سيأتي برقم (2168) باب: إذا اشترط شروطًا في البيع لا تحل.
(2)
سلف برقم (965) كتاب: العيدين، باب: الخطبة بعد العيد، ورواه مسلم (1961).
(3)
سيأتي برقم (2807) عن خارجة بن زيد أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: نسخت الصحف في المصاحف، ففقدت آية من سورة الأحزاب، كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري، الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين
…
وأما عن سبب ذلك فروى أبو داود (3607)، والنسائي 7/ 301 - 302، وأحمد 5/ 215 - 216، والطبراني 22/ 379 (946)، والحاكم 2/ 17 - 18، والبيهقي 10/ 145 - 146 من طريق الزهري عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه -وهو من أصحاب النبي- أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسًا من أعرابي
…
الحديث.
وفيه: فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي فقال: "أو ليس قد ابتعته منك"؟ فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدًا، فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال:"بم تشهد" فقال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين.
والحديث صححه الحاكم فقال: حديث صحيح الإسناد، ورجاله باتفاق الشيخين ثقات، ولم يخرجاه. وصححه المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 7/ 462، والألباني في "الإرواء"(1286).
(4)
سيأتي برقم (2919) كتاب: الجهاد والسير، باب: الحرير في الحرب.
(5)
سيأتي برقم (3212) كتاب بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة.
وقوله: "اشتريها واشترطي لهم الولاء". تفرَّد به هشام بن عروة وكان قد ساء حفظه، واختلط في آخر عمره، وقد سلف التنبيه على ما فيه.
وقوله: "فإنما الولاء لمن أعتق" فيه: حجة على أبي حنيفة حيث قال: لو والى رجل رجلًا ولا نسب بينهما توارثا وتعاقلا، ولهما أنْ يفسخا الموالاة ما لم يعقل أحدهما عن الآخر.
وفيه أيضًا: نفي الإرث بالإسلام على يد شخص؛ خلافًا لعمر بن عبد العزيز، واستدل به من قال: إن عتق السائبة لمعتقه، وهو قول بعض أصحاب مالك، ومذهب مالك أنَّ ولاءه لجميع المسلمين، وعليهم عقله، وهو قول عمر والنخعي والشعبي.
وزوج بريرة كان عبدًا كما قاله ابن عباس
(1)
. وقال نافع: لا أدري كان حرًّا أو عبدًا. واسمه: مغيث
(2)
.
(1)
سيأتي برقم (5280) كتاب الطلاق، باب خيار الأمة تحت العبد.
(2)
كذا صرح ابن عباس باسمه فيما سيأتي برقم (5281 - 5283).
68 - باب هَلْ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِغَيْرِ أَجْرٍ؟ وَهَلْ يُعِينُهُ أَوْ يَنْصَحُهُ
؟
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ". وَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءٌ.
2157 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ: سَمِعْتُ جَرِيرًا رضي الله عنه [يَقُولُ:] بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. [انظر: 57 - مسلم: 56 - فتح: 4/ 370]
2158 -
حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ". قَالَ: فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: "لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ"؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا. [2163، 2274 - مسلم: 1521 - فتح: 4/ 370]
ثم ساق حديث جرير:
بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ وَأَن مُحَمَّدا رَسُولُ اللهِ، إلى قوله: وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.
وحديث ابن عباس: "لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلَا يَبِيعُ حَاضرٌ لِبَادٍ". فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: "لَايَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ"؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا.
الشرح: حديث جرير سلف في الإيمان
(1)
، وحديث ابن عباس أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، والتعليق أسنده مسلم من حديث أبي هريرة
(1)
سلف برقم (57) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة".
(2)
مسلم (1521) كتاب: البيوع، باب: تحريم بيع الحاضر للبادي.
مرفوعًا: "حق المسلم على المسلم ست" فذكر منها: "وإذا استنصحك فانصح له" ذكره في الاستئذان
(1)
.
وأخرجه البيهقي من حديث أبي حمزة. عن عبد الملك بن عمير، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعًا:"وإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه"
(2)
.
قال البيهقي: وروي معناه، عن حكيم بن أبي يزيد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: عنه عن أبيه، عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
.
وفيه: النهي عن بيع حاضر لبادٍ.
وشيخ البخاري في حديث ابن عباس هو الصلت (م) بن محمد، من أفراده عن مسلم، صالح الحديث
(4)
، كالصلت بن مسعود، انفرد به مسلم، ثقة
(5)
.
إذا تقرر ذلك: فالبخاري أراد بحديث ابن عباس النهي، وبقول عطاء أن بيع الحاضر للبادي جائز بلا كراهة، وترجمته بعد تدل له، لأنَّ البدوي قد يستنصح الحضري.
ويحتمل أنْ يكون عليه السلام قال ذلك على معنى المصلحة لأهل الحضر والنظر لهم؛ لالتزامهم الجماعة، وطلبهم للعلم والمذاكرة فيه. وقد قال (إثره)
(6)
: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" أخرجه مسلم من حديث جابر وهو من أفراده
(7)
، فإذا تولى الحضري البيع للبدوي رفع
(1)
مسلم (2162) كتاب: السلام، باب: من حق المسلم للمسلم رد السلام.
(2)
"السنن الكبرى" 5/ 347.
(3)
السابق.
(4)
انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 13/ 228 (2899).
(5)
انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 13/ 229 (2900).
(6)
ورد بهامش الأصل: أي إثر الحديث هو مخرج.
(7)
مسلم (1522) كتاب: البيوع، باب: تحريم بيع الحاضر للبادي.
في أثمان السلعة، بخلاف تولي البدوي ذلك بنفسه، فربما سأل أقل من سؤال الحضري وينتفع بذلك أهل الحضر، ولم يزل عليه السلام ينظر للعامة على الخاصة، فيريد البخاري على هذا التأويل أن ترك السمسرة على هذا التأويل، وترك بيع الحاضر للبادي من النصيحة للمسلمين.
قال الطحاوي: فعلمنا من النهي أنَّ الحاضر إنما نهي أن يبيع للبادي؛ لأنَّ الحاضر يعلم أسعار الأسواق فيستقصي على الحاضرين، فلا يكون لهم في ذلك ربح، وإذا باعهم أعرابي على غرته وجهله بالأسعار ربح عليه الحاضرون، فأمر عليه السلام أنْ يخلي بين الأعراب والحاضرين في البيوع
(1)
.
واختلف العلماء في ذلك، فأخذ قوم بظاهر الحديث، وكرهوا بيع الحاضر للبادي، روي ذلك عن أنس وأبي هريرة وابن عمر
(2)
، وهو قول مالك
(3)
والليث والشافعي
(4)
ورخص فيه آخرون، روي ذلك عن عطاء كما ذكره البخاري
(5)
، ومجاهد قال: إنما نُهي عنه في زمانه فأما اليوم فلا
(6)
. وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وقالوا: قد عارض هذا الحديث حديث: "الدين النصيحة" لكل مسلم
(7)
، فيقال لهم: هذا عام وما نحن
(1)
"شرح معاني الآثار" 4/ 11.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 4/ 352 (20892)، عن أنس.
وسيأتي قريبًا (2159، 2161 - 2162) عن ثلاثتهم. مرفوعًا.
(3)
"بداية المجتهد" 2/ 134.
(4)
"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 65 - 66.
(5)
ورواه عنه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 201 (14877). وبنحوه ابن أبي شيبة 4/ 352 (20896).
(6)
رواه عنه ابن أبي شيبة 4/ 352 (20891).
(7)
رواه مسلم (55) كتاب: الإيمان باب: بيان أن الدين النصيحة.
فيه خاص، وهو قاض على العام؛ لأنَّه استثناء، كأنه قال: الدين النصيحة إلا أنه لا يبيع حاضر لباد. فيستعملان جميعًا العام فيما عدا الخاص.
وقال مالك في تفسير الحديث: لا أرى أنْ يبيع حاضر للبادي، ولا لأهل القرى، وأمَّا أهل المدن من أهل الريف فليس بالبيع لهم بأس، إلَّا من كان منهم يشبه أهل البادية، فإني لا أحب أنْ يبيع لهم حاضر.
وقال في البدوي يقدم المدينة فيسأل الحاضر عن السعر: أكره أنْ يخبره.
وقال مرة أخرى: لا بأس أن يشير عليه، روى عنه ابن القاسم القولين جميعًا
(1)
.
وقال ابن المنذر: قد تأول قوم نهيه على وجه التأديب لا على معنى التحريم، لحديث:"دعوا الناس" السالف
(2)
، وليس ببيِّن عندي أنَّ هذا الكلام يدل على أنَّه تأديب بل هو عندي على الحظر. وقد اختلف في نسخه، وقد بيناه واضحًا في باب البيع على البيع وفي جعله الخيار للبائع دلالة على صحة البائع إذ الفساد لا خيار فيه، قال صاحب "اللباب": نسخ هذا الخيار قوله: "البيعان بالخيار"
(3)
.
فرع:
إذا قدم البدوي يريد الابتياع فتعرض له بلدي يريد أنْ يبتاع له رخيصًا، فهل يحرم ذلك عليه كما في البيع؟ فيه تردد من حيث
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 6/ 447 - 449.
(2)
مسلم (1522) وقد تقدم.
(3)
سلف برقم (2079) باب: إذا بيّن البيعان ..
البحث وظاهر إيراد البخاري هنا المنع.
فائدة:
في حديث طلحة بن عبيد الله في أبي داود من حديث سالم المكي:
أنَّ أعرابيًّا حدَّثه أنه قدم بحلوبة له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل على طلحة، فقال له: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أنْ يبيع حاضر لبادٍ، ولكن اذهب إلى السوق فانظر من يبايعك، فشاورني حتى آمرك وأنهاك
(1)
.
ورواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث وابن لهيعة، عن سالم أبي النضر، عن رجل من بني تميم، عن أبيه، عن طلحة
(2)
. ورواه سليمان بن أيوب الطلحي، عن أبيه، عن جده، عن موسى بن طلحة عن أبيه، قال يعقوب بن شيبة في أحاديث سليمان بن أيوب الطلحي وهي سبعة عشر حديثا رواها عن أبيه عن جده عن موسى بن طلحة عن أبيه، هذِه الأحاديث عندي صحاح.
ولمَّا خرَّجه البزار من حديث ابن إسحاق عن سالم المكي، عن أبيه، قال: لا نعلمه يروى عن طلحة إلَّا من هذا الوجه، ولا نعلم أحدًا قال: عن سالم، عن أبيه: عن طلحة إلَّا مؤمل بن إسماعيل، وغير مؤمل يرويه عن رجل
(3)
.
(1)
أبو داود (3441).
ورواه أيضًا أبو يعلى 2/ 15 (643)، والبيهقي 5/ 347 من طريق محمد بن إسحاق عن سالم المكي، به.
وضعف إسناده المنذري في "المختصر" 5/ 83 فقال: في إسناده محمد بن إسحاق. وفيه أيضًا رجل مجهول.
وكذا ضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود"(3441).
(2)
قال الدارقطني في "العلل" 4/ 220: وهو الصواب.
(3)
"مسند البزار" 3/ 169 - 170 (956 - 957).
عن الأوزاعي: ليست الإشارة بيعًا.
وعن مالك الرخصة في الإشارة، وقال مالك: لا يشير عليه؛ لأنه إذا أشار عليه فقد باع له
(1)
. ولم يراع الفقهاء في السمسار أجرًا ولا غيره، والناس في تأويل الحديث على قولين: فمن كرهه كرهه بأجر وبغير أجر، ومن أجازه أجازه بأجر وبغير أجر.
(1)
"النوادر والزيادات" 6/ 447 - 449.
69 - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِأَجْرٍ
2159 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. [فتح: 4/ 372]
وبه قال ابن عباس
(1)
، ثم ذكر حديث ابن عمر: نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ.
وهو من أفراده، وفيه أبو علي الحنفي، وهو عبيد الله بن عبد المجيد
(2)
.
أراد البخاري في هذا الباب والذي قبله أن يجيز بيع الحاضر للبادي بغير أجر، ويمنعه إذا كان بأجر، واستدل على ذلك بقول ابن عباس: لا يكون له سمسارًا، وكأنه أجاز ذلك لغير السمسار إذا كان من
طريق النصح. وقد أجاز الأوزاعي أن يشير الحاضر على البادي، كما سلف.
(1)
ورد بهامش الأصل: قول ابن عباس في نسختين مؤخر عن حديث ابن عمر.
(2)
انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 391 (1257)، "تهذيب الكمال" 19/ 104 (3661).
70 - باب لَا يشري حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَ
وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ لِلْبَائِعِ وَالمُشْتَرِي، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ العَرَبَ تَقُولُ: بِعْ لِي
(1)
ثَوْبًا. وَهْيَ تَعْنِي الشِّرَاءَ.
2160 -
حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَبْتَاعُ المَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ"[انظر: 2140 - مسلم: 1413 و 1515 و 1520 - فتح: 4/ 372]
2161 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. [مسلم: 1523 - فتح: 4/ 372]
ثم ساق حديث أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَبْتَاعُ المَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ".
وحديث معاذ: ثَنَا ابن عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ.
الحديثان سلفا، زاد في الثاني:(وإن كان أخاه أو أباه)
(2)
. ومعاذ هو: ابن معاذ، قاضي البصرة. وابن عون هو عبد الله.
وقد اختلف العلماء في شراء الحاضر للبادي، فكرهته طائفة كما كرهت البيع له، (واحتجوا)
(3)
بأن البيع في اللغة يقع على الشراء كما
(1)
في الأصل: (بعني)، والمثبت من اليونينية.
(2)
الحديث الأول -حديث أبي هريرة- سلف برقم (2140). والحديث الثاني -حديث أنس- لم يخرجه البخاري إلا في هذا الموضع، إنما أخرجه مسلم (1523)، وبهذه الزيادة أخرجه (1523/ 21).
(3)
ورد بهامش الأصل: ورد النص بالنهي عن أن يبتاع المهاجر للأعرابي، في هذا الكتاب، وهو صريح في البيع.
يقع الشراء على البيع، لقوله تعالى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20]} أي: باعوه، وهو من الأضداد
(1)
(2)
، وروي ذلك عن أنس
(3)
.
وأجازت طائفة الشراء لهم، وقالوا: إن النهي إنما جاء في البيع خاصة ولم يعدوا ظاهر اللفظ، روي ذلك عن الحسن البصري
(4)
، واختلف قول مالك في ذلك فمرة قال: لا يشتري له ولا يشير عليه، ومرة أجاز الشراء له
(5)
، وبهذا قال الليث والشافعي
(6)
.
واحتج الشافعي بجواز الشراء له بقوله: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض"
(7)
.
(1)
انظر: "الأضداد" لابن الأنباري ص 199.
(2)
ورد بهامش الأصل: آخر 3 من 7 من تجزئة الشيخ.
(3)
رواه عنه ابن أبي شيبة 4/ 352 (20892).
(4)
رواه ابن أبي شيبة 4/ 352 (20888) وفيه: لا يرى بأسًا أن يشتري من الأعرابي للأعرابي.
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 6/ 447 - 449.
(6)
"مختصر المزني" ص 130.
(7)
"الأم" 3/ 81 - 82.
71 - باب النَّهْىِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ
وَأَنَّ بَيْعَهُ مَرْدُودٌ؛ لأَنَّ صَاحِبَهُ عَاصٍ آثِمٌ إِذَا كَانَ بِهِ عَالِمًا، وَهُوَ خِدَاعٌ فِي البَيْعِ، وَالخِدَاعُ لَا يَجُوزُ.
2162 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّلَقِّي، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. [انظر: 2140 - مسلم: 1413، 1515، 1520 - فتح: 4/ 373]
2163 -
حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: "لَا يَبِيعَنَّ حَاضِرٌ لِبَادٍ"؟ فَقَالَ: لَا يَكُنْ لَهُ سِمْسَارًا. [انظر: 2158 - مسلم: 1521 - فتح: 4/ 373]
2164 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: مَنِ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا. قَالَ: وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَلَقِّي البُيُوعِ. [انظر: 2149 - مسلم: 1518 - فتح: 4/ 373]
2165 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى السُّوقِ". [انظر: 2139 - مسلم: 1412، 1517 - فتح: 4/ 373]
ذكر فيه أربعة أحاديث:
أحدها: عن أبي هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّلَقِّي، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ.
ثانيها: حديث ابن طاوس عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: "لَا يَبِيعَنَّ حَاضِرٌ لِبَادٍ"؟ فَقَالَ: لَا يكون لَهُ سِمْسَارًا.
ثالثها: حديث ابن مسعود: مَنِ اشْتَرى مُحَفَّلَةً فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا. قَالَ: وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَلَقِّي البُيُوعِ.
رابعها: حديث ابن عمر
أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى السُّوقِ".
الشرح:
هذِه الأحاديث الأربعة أخرجها مسلم أيضًا
(1)
، وعبد الوهاب المذكور في إسناد حديث أبي هريرة، هو ابن عبد المجيد الحافظ الثقة، اختلط
(2)
.
قال ابن عبد البر: روي هذا المعنى بألفاظ مختلفة، فرواية الأعرج، عن أبي هريرة:"لا تلقوا الركبان"
(3)
، ورواية ابن سيرين عنه:"لا تلقوا الجلب"
(4)
، ورواية ابن أبي صالح وغيره: نهى أن
(1)
حديث أبي هريرة الأول رواه مسلم برقم (1413)، وحديث ابن عباس الثاني رواه برقم (1521)، وحديث ابن مسعود الثالث رواه برقم (1518)، وحديث ابن عمر الرابع رواه برقم (1517).
(2)
قال الحافظ العلائي في "كتاب المختلطين"(32): عبد الوهاب بن عبد المجيد
الثقفي، من رجال الصحيحين أيضًا، قال عقبة بن مكرم: كان قد اختلط قبل موته بثلاث سنين أو أربع، وقال أبو داود: تغير، وكذلك قال العقيلي، وزاد: أن أهله حجبوه، فلم يرو شيئًا بعد ذلك، فهو من القسم الأول أيضًا. اهـ.
قلت: والقسم الأول هذا يعني العلائي به ما قاله في مقدمة كتابه هذا ص 3 قال: أما الرواة الذين حصل لهم الاختلاط في آخر عمرهم، فهم على ثلاثة أقسام:
أحدها: من لم يوجب ذلك له ضعفًا أصلًا ولم يحط من مرتبته، إما لقصر مدة الاختلاط وقلته، كسفيان بن عيينة وابن راهويه، وإما لأنه لم يرو شيئًا حال اختلاطه فسلم حديثه من الوهم، كجرير بن حازم وعفان بن مسلم. اهـ بتصرف.
ولزيادة بيان ينظر: "الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات" لابن الكيال (38). وانظر في ترجمته "تهذيب الكمال" 18/ 503 (3604).
(3)
سلفت برقمي (2148، 2150)، ورواها مسلم (1515/ 11).
(4)
رواها مسلم (1519/ 17).
تتلقى السلع حتى تدخل الأسواق. ورواية ابن عباس: "لا تستقبلوا السوق ولا يتلقى بعضهم لبعض"
(1)
. والمعنى واحد، فحمله مالك على أنه لا يجوز أن يشترى أحد من الجلب والسلع الهابطة في الأسواق، وسواء هبطت من أطراف العصر أو من البوادي حتى يبلغ بالسلعة سوقها، وقيل لمالك: أرأيت إن كان ذلك على رأس ستة أميال؟ فقال: لا بأس بذلك، والحيوان وغيره في ذلك سواء.
وعن ابن القاسم: إذا تلقاها متلقٍّ واشتراها قبل أن يهبط بها السوق، قال ابن القاسم: تعرض، وإن نقصت عن ذلك الثمن لزمت المشتري. قال سحنون: وقال لي غير ابن القاسم: يفسخ البيع
(2)
.
وقال الليث: أكره تلقي السلع وشراءها في الطريق أو على بابك حتى تقف السلعة في سوقها، وسبب ذلك الرفق بأهل الأسواق؛ لئلا يقطع بهم عَمَّا له جلسوا يبتغون من فضل الله فنهوا عن ذلك؛ لأن في
ذلك فسادًا عليهم.
وقال الشافعي: رفقًا بصاحب السلعة؛ لئلا يبخس في ثمن سلعته، وعند أبي حنيفة: من أجل الضرر، فإن لم يضر بالناس تلقي ذلك لضيق المعيشة وحاجتهم إلى تلك السلعة فلا بأس بذلك
(3)
. وعن الأوزاعي نحوه
(4)
.
(1)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 7.
(2)
"النوادر والزيادات" 6/ 446 - 447.
(3)
انتهى من "التمهيد" 18/ 184 - 189 بتصرف.
(4)
انظر: "الأم" 3/ 82، و"مختصر المزني" ص 130، "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 63 - 64.
وقال ابن حزم: هو حرام سواء خرج لذلك أم لا، بعد موضع تلقيه أم قرب، ولو أنه من السوق على ذراع فصاعدًا، لا لأضحية ولا لقوت ولا لغير ذلك، أضر ذلك بالناس أم لا، فمن تلقى جلبًا أي شيء كان فالجالب بالخيار إذا دخل السوق، متى ما دخله ولو بعد أعوام في إمضاء البيع، أورده، واحتج بحديث علي وابن عمر وأبي هريرة وابن مسعود وابن عباس في النهي عن ذلك
(1)
، ثم قال: هذا نقل متواتر رواه خمسة من الصحابة، وأفتى به أبو هريرة وابن عمر
(2)
، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة
(3)
.
وقال ابن المنذر: كره تلقي السلع للشراء مالك والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق، وأجازه أبو حنيفة.
واختلفوا في معنى التلقي، فذهب مالك إلى أنه لا يجوز تلقي السلع حتى تصل إلى السوق، ومن تلقاها فاشتراها منهم شركه فيها أهل السوق إن شاءوا وكان واحدًا منهم
(4)
.
قال ابن القاسم: وإن لم يكن للسلعة سوق عرضت على الناس في العصر فيشتركون فيها إن أحبوا، فإن أخذوها وإلا ردوها عليه، ولم أردها على بائعها. وقال غيره: يفسخ البيع في ذلك. وقد سلف.
(1)
حديث ابن عمر وأبي هريرة وابن مسعود وابن عباس هي أحاديث الباب، وكلها رواها مسلم أيضًا.
أما حديث علي فرواه ابن أبي شيبة 4/ 402 (21439).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 4/ 401 (21434).
(3)
"المحلى" 8/ 449.
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 63 - 64، و"النوادر والزيادات" 6/ 443، و"الأم" 3/ 82.
وقال الشافعي: من تلقى فقد أساء، وصاحب السلعة بالخيار إذا قدم به السوق في إنفاذ البيع أو رده؛ لأنهم يتلقونهم فيخبرونهم بكساد السلع وكثرتها، وهم أهل غرة ومكر وخديعة؛ حجته حديث أبي
هريرة: "وإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار"
(1)
.
وذهب مالك أن نهيه عن التلقي إنما يريد به نفع أهل السوق لا نفع
رب السلعة كما سلف
(2)
، وعلى ذلك يدل مذهب الكوفيين والأوزاعي، وقال الأبهري: معناه: لئلا يستبد الأغنياء وأصحاب الأموال بالشراء دون أهل الضعف، فيؤدي ذلك إلى الضرر بهم في معايشهم.
ولهذا المعنى قال مالك: إنه يشرك بينهم إذا تلقوا السلع؛ ليشترك فيها من أرادها من أهل الضعف ولا ينفرد بها الأغنياء
(3)
.
ومذهب الشافعي: إنما أريد به نفع رب السلعة وقد سلف، وهذا أشبه بمعنى الحديث، فإن تلقاها فصاحبه بالخيار فجعل الخيار للبائع؛ لأنه المعذور فثبت أن المراد بذلك نفع رب السلعة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا كان التلقي في أرض لا يضر بأهلها فلا بأس به، وإن كان يضرهم فهو مكروه
(4)
.
واحتج الكوفيون بحديث ابن عمر قال: كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى يبلغ به سوق الطعام
(5)
.
(1)
رواه مسلم (1519/ 17).
(2)
انظر: "المنتقى" 5/ 102.
(3)
المصدر السابق.
(4)
"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 63 - 64.
(5)
سيأتي برقم (2166).
وقال الطحاوي: في هذا الحديث إباحة التلقي، وفي الأحاديث الأُوَل النهي عنه، فأولى بنا أن نجعل ذلك على غير التضاد، فيكون ما نهى عنه من التلقي لما في ذلك من الضرر على غير المتلقين المقيمين في السوق، وما أبيح من التلقي هو ما لا ضرر فيه عليهم. وتأويل هذا الحديث يأتي في الباب الآتي على الأثر، قال الطحاوي: والحجة في إجازة الشراء مع التلقي المنهي عنه حديث أبي هريرة: "لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فهو بالخيار"
(1)
إذا أتى السوق ففيه جعل الخيار مع النهي، وهو دال على الصحة إذ لا يكون الخيار إلا فيه، إذ لو كان فاسدًا لأجبر بائعه ومشتريه على فسخه
(2)
.
(1)
رواه مسلم (1519).
(2)
"شرح معاني الآثار" 4/ 8 بتصرف يسير.
72 - باب مُنْتَهَى التَّلَقِّي
2166 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمُ الطَّعَامَ، فَنَهَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى يُبْلَغَ بِهِ سُوقُ الطَّعَامِ. [انظر: 2123 - مسلم: 1527 - فتح: 4/ 375] قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَذَا فِي أَعْلَى السُّوقِ، يُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللهِ.
2167 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِمْ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ. [انظر: 2123 - مسلم: 1517، 1527 - فتح: 4/ 375]
ذكر فيه حديث نافع عن عبد الله قَالَ: كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمُ الطَّعَامَ، فَنَهَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى يُبْلَغَ بِهِ سُوقُ الطَّعَامِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هذا فِي أَعْلَى السُّوقِ، ويُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللهِ.
ثم ساقه من حديثه عن نافع عن عبد الله
(1)
قَالَ: كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ فَيَبِيعُونَهُ فِي مكانهم، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ.
هذان الحديثان أخرجهما مسلم بنحوه
(2)
.
وقوله: (هذا في أعلى السوق) يريد أنهم كانوا يتلقونه في أعلى السوق وذلك جائز، وبينه ابن عمر بقوله: كانوا يتبايعونه في أعلاه
(1)
ورد بهامش الأصل: قوله: قال أبو عبد الله إلى قوله: عبيد الله، هو في نسختي مؤخر عن الحديث الثاني.
(2)
مسلم (1527) كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض، و (1517) كتاب: البيوع، باب: تحريم تلقي الركبان.
وإن ما كان خارجًا عن السوق في الحاضرة أو قريبًا منها بحيث يجد من يسأله عن سعرها أنه لا يجوز الشراء هنالك؛ لأنه داخل في معنى التلقي، وأما الموضع البعيد الذي لا يقدر فيه على ذلك فيجوز فيه البيع وليس بتلقٍ، قال مالك: وأكره أن يشتري في نواحي العصر حتى يهبط السوق
(1)
، وهذا أسلفناه في الباب الماضي.
قال ابن المنذر: وبلغني هذا القول عن أحمد وإسحاق أنهما نهيا عن التلقي خارج السوق ورخصا في ذلك في أعلاه، واحتجا بحديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أنه عليه السلام نهى عن تلقي السلع حتى يهبط بها الأسواق
(2)
.
ومذاهب العلماء في حد التلقي متقاربة، روي عن يحيى بن سعيد أنه قال: في مقدار الميل من المدينة أو آخر منازلها، هو من تلقي البيوع المنهي عنه.
وروى ابن القاسم عن مالك أن الميل من المدينة تلقٍ، قيل له: فإن كان على ستة أميال؟ قال: لا بأس بالشرى وليس بتلقٍ. وروى أشهب عنه في (الصحانين)
(3)
الذين يخرجون إلى الأجنة فيشترون الفاكهة قال: ذلك تلقٍ، وقال أشهب: لا بأس به، وليس ذلك بتلقٍ؛ لأنهم يشترون في مواضعه من غير جالب. وقال ابن حبيب: لا يجوز ذلك في الحضر أن يشتري ما مرَّ به من السلع، وإن كان على بابه إذا كان لها مواقف في السوق تباع فيها، وهو متلقٍّ إن فعل ذلك، وما لم يكن
(1)
"النوادر والزيادات" 6/ 445.
(2)
انظر قول الإمام أحمد في "المغني" 6/ 315.
(3)
كذا بالأصل، ولم أقف لها على معنى، ولعلها كانت تطلق على تجار الفاكهة آنذاك!
لها موقف وإنما يطاف بها فأدخلت أزقة الحاضرة فلا بأس أن يشتري وإن لم تبلغ السوق
(1)
. وقال الليث: من كان على بابه أو في طريقه فمرت به سلعة فاشتراها، فلا بأس بذلك، والتلقي عنده الخارج القاصد إليه، قال ابن حبيب: ومن كان موضعه غير الحاضرة قريبًا منها أو بعيدًا، لا بأس أن يشترى ما مرَّ به للأكل خاصة لا للبيع، رواه أشهب عن مالك.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 6/ 443 - 445.
73 - باب إِذَا اشْتَرَطَ فِي البَيْعِ شُرُوطًا لَا تَحِلُّ
2168 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ. فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا [ذَلِكَ] عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الوَلَاءُ لَهُمْ. فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ. مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ؟! مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". [انظر: 456 - مسلم: 1504 - فتح: 4/ 376]
2169 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". [انظر: 2156 - مسلم: 1504 - فتح: 6/ 376]
ثم ساق حديث عائشة في قصة بريرة.
وقوله عليه السلام: "مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ؟! مَا كانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَاب اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".
ثم ذكر بعده عنها حديثًا آخر بنحوه، وهو حديث صحيح حفيل له طرق، وقد أفرد بالتأليف
(1)
، وقام الإجماع على أن من اشترط في البيع شرطًا لا يحل أنه لا يجوز شيء منها؛ عملًا بهذا الحديث واختلفوا في غيرها من الشروط على مذاهب مختلفة، فذهبت طائفة إلى أن البيع جائز، والشرط باطل على نص حديث بريرة، وهو قول ابن أبي ليلى والحسن البصري والشعبي والنخعي والحكم وابن جرير، وبه قال أبو ثور، قالوا: ودلَّ هذا الحديث أن الشروط كلها في البيع تبطل وتثبت البيوع
(2)
.
وذهبت أخرى إلى جوازهما، واحتجوا بحديث جابر في بيعه واستثنائه حمله إلى المدينة، روى ذلك عن حماد وابن شبرمة وبعض التابعين وذهبت ثالثة إلى بطلانها، واحتجوا بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط
(3)
، وهو قول عمر وولده وابن مسعود والكوفيين والشافعي
(4)
، فحملوا هذِه الأحاديث التي نزعوا بها على العموم، ولكل واحد منهما موضع لا يتعداه، ولها عند مالك أحكام مختلفة، وقد يجوز عنده البيع والشرط في مواضع، فإما إجازتهما فمثل أن يشترط المشتري على
(1)
قال المصنف رحمه الله هذا حديث عظيم كثير الأحكام والقواعد والفوائد والفرائد، وقد اعتنى الأئمة بتعدد فوائده وآدابه وعنوانه ونكته وبلغوها عددًا جمًّا، كابن جرير الطبري وابن خزيمة إمام الأئمة. اهـ "الإعلام" 7/ 225.
وليراجع أيضًا شرح حديث (456).
(2)
"المغني" 6/ 325.
(3)
هذا الحديث سيرويه المصنف رحمه الله عما قليل بإسناده مطولًا، وهناك يأتي تخريجه والكلام عليه.
(4)
انظر: "المبسوط" 13/ 13 - 15.
البائع شيئًا ما في ملك البائع ما لم يدخل في صفقة البيع، وذلك مثل أن يشتري منه زرعًا ويشترط على البائع حصده، أو دارًا ويشترط سكناها مدة يسيرة، أو يشترط ركوب الدابة يومًا أو يومين، وقد روي أنه لا بأس أن يشترط سكنى الدار الأشهر والسنة
(1)
؛ ووجه إجازته لذلك أن البيع وقع على الشيئين معًا، وعلى الزرع والحصاد، والحصاد إجارة، وهي بيع منفعة، وكذا وقع البيع على الدار غير سكنى المدة وعلى الدابة غير الركوب.
وأبو حنيفة والشافعي لا يجيزان هذا البيع كله؛ لأنه عندهم بيع وإجارة ولا يجوز؛ لأن الإجارة عندهم بيع منافع طارئة في ملك البائع لم تخلق بعد، وهو من باب بيعتين في بيعة.
ومما أجاز مالك فيه البيع والشرط: شراء العبد بشرط عتقه، إتباعًا للسنة في بريرة، وهو قول الليث، وبه قال الشافعي في رواية الربيع، ولم يقس عليه غيره من أجل نهيه عليه السلام عن بيع وشرط، وأجاز ابن أبي ليلى هذا البيع وأبطل الشرط، وبه قال أبو ثور، وأبطل أبو حنيفة البيع والشرط، وأخذ بعموم نهيه عن بيع وشرط؛ لأن أبا حنيفة يقول: إن المبتاع يقول: إذا أعتقه كان مضمونًا عليه بالثمن، وهذا خلاف أصوله؛ لأنه كان ينبغي أن يكون مضمونًا عليه بالقيمة، كما قال وقلنا في البيع الفاسد
(2)
.
ومضى أبو يوسف ومحمد على القياس فقالا: لا يكون مضمونًا بالقيمة، قال ابن المنذر: وما قالوه خطأ؛ لأن البيع إن كان غير جائز
(1)
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 546 - 547 (23001 - 23003).
(2)
سبق بيان ذلك.
فالعبد في ملك البائع لم يُزل ملكه عنه، وعتق المشتري له باطل؛ لأنه أعتق ما لم يملك، ومما أجاز مالك فيه البيع وأبطل الشرط، وذلك شراء العبد على أن يكون الولاء للبائع، وهذا البيع أجمعت الأمة على جوازه وإبطال الشرط فيه لمخالفته السنة في أن:"الولاء لمن أعتق" فإنه عليه السلام أجاز هذا البيع وأبطل الشرط، وكذلك من باع سلعة وشرط أنه لم ينقد المشتري إلى ثلاثة أيام أو نحوها مما يرى أنه لا يريد تحويل الأسواق والمخاطرة، فالبيع جائز والشرط باطل عند مالك، وأجاز ابن الماجشون البيع والشرط، وحمله محمل بيع الخيار إلى وقت مسمى، فإذا أجاز الوقت فلا خيار له، وممن أجاز هذا البيع والشرط: الثوري، ومحمد بن الحسن، وأحمد، وإسحاق، ولم يفرقوا بين ثلاثة أيام وأكثر منها، وأجاز أبو حنيفة البيع والشرط إلى ثلاثة أيام، وإن قال: إلى أربعة أيام، بطل البيع؛ لأن الخيار لا يجوز
عنده اشتراطه أكثر من ثلاثة أيام، وبه قال أبو ثور.
ومما يبطل فيه عند مالك البيع والشرط، وذلك مثل أن يبيعه جارية على أن لا يبيعها ولا يهبها، وعلى أن يتخذها أم ولد، فالبيع عنده فاسد، وهو قول أبي حنيفة والشافعي.
واعتلوا في فساد البيع بفساد الشرط فيه، وذلك عدم تصرف المشتري في المبيع وكما لا يجوز عند الجميع أن يشترط المبتاع على البائع عدم التصرف فيما اشتراه وهذا عندهم معنى نهيه عن بيع وشرط.
وأجازت طائفة هذا البيع وأبطلت الشرط، هذا قول النخعي والشعبي والحسن وابن أبي ليلى، وبه قال أبو ثور، وقال حماد الكوفي: البيع جائز والشرط لازم.
قال ابن المنذر: وقد أبطل الشارع ما اشترطه أهل بريرة من الولاء
وأثبت البيع، فمثال هذا أن كل من اشترط في البيع شرطًا خلاف كتاب الله وسنة رسوله أن الشرط باطل والبيع ثابت؛ استدلالًا بحديث بريرة، واشتراط البائع على المشتري أن لا يبيع ولا يهب شروطًا ينبغي إبطالها وإثبات البيع؛ لأن الله تعالى أحل وطء ما ملكت اليمين، وأحل للناس أن يبيعوا أملاكهم ويهبوها فإذا اشترط البائع شيئًا من هذِه فقد اشترط خلاف كتاب الله، وهو مثل اشتراط موالي بريرة ولاءها لهم، فأجاز عليه السلام البيع وأبطل الشرط، فكذلك ما كان مثله، ومما يبطل فيه عند مالك والشافعي والكوفيين البيع والشرط بيع الأمة والناقة واستثناء ما في بطنها، وهو عندهم من بيوع الغرر؛ لأنه لا يعلم مقدار ما يصلح أن يحط من ثمنها قيمة الجنين، وقد أجاز هذا البيع والشرط النخعي والحسن، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور؛ واحتجوا بأن ابن عمر أعتق جارية واستثنى ما في بطنها.
قال ابن المنذر: وهذا البيع معلوم ولا يضرهما أن يجهلا ما لم يدخل في البيع، ولا أعلمهم يختلفون أنه يجوز بيع جارية قد أعتق ما في بطنها، ولا فرق بين ذلك؛ لأن المبيع في المسألتين جميعًا الجارية دون الولد.
وما أحسن الحكاية المشهورة في ذلك أنبأنا بها غير واحد عن الدمياطي الحافظ، منهم المعمر ناصر الدين محمد بن علي الحراوي
(1)
، أنا أبو القاسم بن أبي السعود، أنا أبو الرضا محمد بن
(1)
هو محمد بن علي بن يوسف بن إدريس بن داود بن أحمد الدمياطي الحراوي، أبو عبد الله ناصر الدين الطبردار الكردي.
ولد بثغر دمياط في شهر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين وستمائة، سمع من الكثير من شيوخه وحدث، فسمع منه الفضلاء، وكان من أهل الخير والدين والصلاح، توفي =
بدر بن عبد الله السنجي
(1)
، أنا أبو الحسن على بن محمد العلاف
(2)
، أنا أبو الحسن على بن أحمد بن عمر الحمَّامي
(3)
، ثنا جعفر بن محمد بن
= في يوم الخميس حادي عشر رجب سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.
انظر تمام ترجمته في: "ذيل التقييد" 1/ 193 (360)، و"درر العقود الفريدة" 3/ 192 (1099)، و"الدرر الكامنة" 4/ 99 (262)، و"شذرات الذهب" 6/ 272.
(1)
هو الشيخ الإمام الحافظ الخطيب، محدث مرو وخطيبها وعالمها، أبو طاهر محمد بن أبي بكر محمد بن عبد الله بن أبي سهل بن أبي طلحة، المروزي السنجي الشافعي.
ولد بقرية سنج العظمى في سنة ثلاث وستين وأربعمائة، أو قبلها. قال أبو سعد السمعاني: كان إمامًا ورعًا متهجدًا متواضعًا سريع الدمعة، وله معرفة بالحديث، وهو ثقة دين، كثير التلاوة، توفي في التاسع والعشرين من شوال سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
انظر تمام ترجمته في: "الأنساب" 7/ 166، و"تاريخ الإسلام" 37/ 330 (467)، و"سير أعلام النبلاء" 20/ 284 (192)، و"تذكرة الحفاظ" (1088) ووقع فيه: المروزي السبحي -بالباء والحاء- مولده بقرية سبح الكبيرة. وهو تصحيف عجيب غريب؛ فلم أجد قرية أو مكانًا بهذا الاسم!!
ولم أجد في ترجمته من كناه بأبي الرضا، ولا من ذكر في اسمه ابن بدر، كما ذكره المصنف هنا، والله أعلم.
(2)
هو المولى الجليل الحاجب الثقة، مسند العراق، أبو الحسن على بن المقرئ أبي طاهر محمد بن علي بن محمد بن يوسف بن يعقوب البغدادي، ابن العلاف.
من بيت الحديث والقراءة، عَمَّر حتى رحل إليه الناس وكان ذا طريقة جميلة
وخصال حميدة، وهو آخر من روى عن الحمامي انظر تمام ترجمته في "تاريخ الإسلام" 35/ 108 (113)، و"سير أعلام النبلاء" 19/ 242 (150)، و"شذرات الذهب" 4/ 10.
(3)
هو الإمام المحدث مقرئ العراق، ولد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
قال الخطيب: كان صدوقًا دينًا فاضلًا، تفرد بأسانيد القراءات وعلوها في وقته، مات في شعبان سنة سبع عشرة وأربعمائة.
انظر تمام ترجمته في "تاريخ بغداد" 11/ 329، و"الإكمال" 3/ 289، و"المنتظم" =
الحجاج
(1)
، ثنا عبد الله بن أيوب بن زاذان الضرير
(2)
، ثنا محمد بن سليمان الذُهلي
(3)
، ثنا عبد الوارث بن سعيد
(4)
قال: قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة، فسألت أبا حنيفة فقلت: ما تقول في رجل باع بيعًا وشرط شرطًا؟ فقال: البيع باطل والشرط باطل. ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته فقال: البيع جائز والشرط باطل. ثم أتيت ابن شبرمة فسألته فقال: البيع جائز والشرط جائز.
= 8/ 28 (52)، و"تاريخ الإسلام" 28/ 426 (300)، و"سير أعلام النبلاء" 17/ 402 (265).
(1)
هو الشيخ الإمام القدوة المحدث، شيخ الصوفية، أبو محمد جعفر بن محمد بن نصر بن قاسم البغدادي. الخلدي الخواص، كان المرجع إليه في علم الصوفية وتصانيفهم وحكاياتهم، وثقة الخطيب، توفي سنة ثمان وأربعين وثلثمائة.
قلت: وليس في اسمه الحجاج، كما ذكر المصنف!
وانظر تمام ترجمته في: "طبقات الصوفية" ص 434 - 439، و"تاريخ بغداد" 7/ 226، و"الأنساب" 5/ 161، و"تاريخ الإسلام" 25/ 396 (658)، و"سير أعلام النبلاء" 15/ 558 (333).
(2)
هو أبو محمد البصري القربي الضرير، نزل بغداد، حدث عن أبي الوليد الطيالسي، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، ومحمد بن سليمان الذهلي.
قال الدارقطني: متروك. توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين. انظر تمام ترجمته في: "تاريخ بغداد" 9/ 413، و"تاريخ الإسلام" 22/ 176 (240).
(3)
لم أقف له على ترجمة.
(4)
هو ابن ذكوان، الإمام المثبت الحافظ، أبو عبيدة العنبري، مولاهم البصري التنوري، المقرئ. كان عالمًا مجودًا، من فصحاء أهل زمانه، ومن أهل الدين والورع، إلا أنه قدري مبتدع.
انظر تمام ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 118، و"تهذيب الكمال" 18/ 478 (3595)، و"تاريخ الإسلام" 11/ 253 (194)، و"سير الإعلام" 8/ 300 (80). =
فقلت: سبحان الله، ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا على مسألة واحدة، فأتيت أبا حنيفة فأخبرته فقال: ما أدرى ما قالا؟ حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط، البيع باطل والشرط باطل.
ثم أتيت ابن أبي ليلى فأخبرته فقال: ما أدري ما قالا؟ حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة فأعتقها، البيع جائز والشرط باطل.
ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا؟ حدثني مسعر بن كدام، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد الله قال: بعت من النبي صلى الله عليه وسلم ناقة واشترط لي حملانها إلى المدينة، البيع جائز والشرط جائز
(1)
.
(1)
هذا الحديث رواه الطبراني في "الأوسط" 4/ 335 (4361)، والخطابي في "معالم السنن" 3/ 124، والحاكم في "معرفة علوم الحديث" ص 128، وابن حزم في "المحلى" 8/ 415 - 416، وابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 185 - 186 من طريق عبد الله بن أيوب بن زاذان الضرير [ووقع في "المعالم": عبد الله بن فيروز الديلي] عن محمد بن سليمان الذهلي عن عبد الوارث بن سعيد، به.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة، إلا عبد الوارث.
والحديث صححه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام" 3/ 277! وقد تفرد بتصحيحه -فيما علمت- فتعقبه ابن القطان في "البيان" 3/ 527 (1301) فأعله بأبي حنيفة.
وقال ابن قدامة في "المغني" 6/ 165 - 166: لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط. وقال النووي في "المجموع" 9/ 453: حديث غريب.
وقال شيخ الإسلام -قدس الله روحه- في "مجموع الفتاوى" 18/ 63: هذا حديث باطل ليس في شيء من كتب المسلمين، وإنما يروى في حكايته منقطعة.
وقال الذي موضع آخر 29/ 132: حديث لا يوجد في شيء من دواوين الحديث، وقد أنكره أحمد وغيره من العلماء، وذكروا أنه لا يعرف، وأن الأحاديث الصحيحة تعارضه. =
قال الحافظ أبو الفتح بن أبي الفوارس
(1)
: هذا حديث غريب من حديث ابن شبرمة، عن مسعر وهذا الحديث تفرد به عبد الوارث بن سعيد
(2)
.
قال المهلب: وحديث بريرة أصل في العقوبة بالأموال؛ لأن مواليها أبوا الوقوف عند حكم الله وحكم السنة، فلما عرفت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبائهم واستمرارهم على خلاف الحق باشتراطهم ما لا يجوز، قال لها:"اشترطي لهم ذلك" فإن ذلك غير نافعهم ولا ناقض لبيعهم،
فعاقبهم في المال بعشر ما وضعوا من الثمن، من أجل اشتراط الولاء واستبقائه لهم ولم يعطهم قيمة عقوبة.
= وقال في "منهاج السنة" 7/ 430: أهل العلم بالحديث متفقون على أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوع، وكذلك أهل العلم من الفقهاء. اهـ بتصرف.
وقال العلامة ابن القيم -قدس الله روحه- في "إعلام الموقعين" 2/ 346: حديث لا يعلم له إسناد يصح، مع مخالفته للسنة الصحيحة والقياس، ولانعقاد الإجماع على خلافه. وقال الحافظ في "الفتح" 5/ 315: في إسناده مقال.
وقال الذي "بلوغ المرام" ص 169: حديث غريب. وقال العظيم آبادي في "عون المعبود" 9/ 413: حديث فيه مقال. وبيض له الألباني في "الضعيفة"(491) وقال: ضعيف جدًا.
(1)
هو الإمام الحافظ المحقق الرحال، أبو الفتح، محمد بن أحمد بن محمد بن فارس ابن أبي الفوارس، البغدادي.
قال الخطيب: كان ذا حفظ ومعرفة وأمانة، مشهورًا بالصلاح، انتخب على المشايخ. انظر تمام ترجمته في:"تاريخ بغداد" 1/ 352، "المنتظم" 8/ 5، "تاريخ الإسلام" 28/ 302 (54)، "سير أعلام النبلاء" 17/ 223 (133)، "الوافي بالوفيات" 2/ 60.
(2)
نقله أيضًا المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 6/ 499 وعزاه للجزء الثالث من الأعيان الجياد من مشيخة بغداد، تخريج الحافظ شرف الدين الدمياطي.
قال أبو عبد الله: فلو وقع اليوم مثل هذا وباع رجل جارية على أن يتخذها المشتري أم ولد وعلى أن لا يبيعها ولا يهبها، ثبت البيع ورجع البائع بقيمة ما وضع.
ولنذكر نبذة من فوائده وألفاظه:
ففيه: جواز كتابة الأمة، وكرهها القاضي في "معونته"
(1)
لما روي عن عثمان أنه قال: لا تكلفوا الأمة الكسب فتكتسب بفرجها
(2)
وفيه: تنجيم الكتابة خلافًا للمالكية
(3)
، والإعانة عليها، ويدل على أن الخير في الآية الصلاح والعفة لا المال.
وفيه: جواز السؤال للضرورة. لقولها: أعينيني.
وفيه: أخذ المكاتب للزكاة: وهو المعني بقوله {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] خلافًا لمالك.
وفيه: جواز بيع المكاتب، وقد يقال: إنها عجزت نفسها، وأجازه مالك، ومنعه أبو حنيفة والشافعي
(4)
.
وفي تعجيز المكاتب ثلاثة أقوال عند المالكية: ثالثها: ما في "المدونة": نعم، إلا أن يكون له مال ظاهر
(5)
.
(1)
"المعونة" 2/ 382.
(2)
رواه مالك في "الموطأ" 2/ 981، ومن طريقه البيهقي في "السنن" 8/ 8 - 9، وفي "المعرفة" 11/ 309 (15628)، وفي "الشعب" 6/ 379 (8591) من طريقه عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه أنه سمع عثمان بن عفان، به.
قال البيهقي في "السنن" 8/ 9: رفعه بعضهم عن عثمان، من حديث الثوري، ورفعه ضعيف. وكذال قال المصنف رحمه الله في "خلاصة البدر" 2/ 260.
(3)
"المدونة" 3/ 3، 4.
(4)
انظر: "بدائع الصنائع" 4/ 151، و"الأم" 3/ 17، و"المدونة" 3/ 413.
(5)
"المدونة" 3/ 11.
وقوله: ("واشترطي لهم الولاء") قد أسلفنا أنه أعل بتفرد مالك به عن هشام، وأنه لم يتابع، وقال يحيى بن أكثم: هذا لا يجوز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتوهم أنه يأمر بغرور أحد
(1)
. وليس كما قال، فقد تابعه عليه أبو أسامة
(2)
وجرير
(3)
، وقد سلف تأويله وأن (لهم) بمعنى عليهم
(4)
، أو أنه من باب:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] على التهكم، أو أنه لم يعبأ بقولهم، ولا رآه قادحًا في البيع، أو أن هشامًا نقله على المعنى، أو أنه قد يخرج الحكم بخاص يتعلق به، ثم يرتفع السبب ويرتفع الحكم، فإن الجاهلية كانت تعتقد ذلك، فأراد عليه السلام أن يمنعهم منه وينهاهم عنه، فأمرهم بفعله، ثم منعه ليكون أبلغ في منعه، قاله الشافعي
(5)
. أو معنى "اشترطي لهم الولاء" أي: لا يلزمك، ويدل له رواية البخاري في بعض طرقه "اشتريها وأعتقيها، ودعيهم يشترطون ما شاءوا"
(6)
، وروي "أشرطي"
(7)
رباعي أي: بيني،
(1)
رواه عنه الخطابي في "معالم السنن" 4/ 61.
وانظر كلام الخطابي بعده ففيه مهمات.
(2)
سيأتي برقم (2563)، ورواه مسلم (1504/ 8).
(3)
رواه النسائي 6/ 164، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" 2/ 244 - 245 (746)، والنسائي في "الكبرى" 3/ 194 - 195 (5015) و 3/ 365 (5644)، وابن حبان 10/ 93 - 94 (4272)، والدارقطني 3/ 22، والبيهقي 7/ 132. وجرير هو ابن عبد الحميد.
(4)
راجع شرح حديث (456).
وقد تكلم في هذا التأويل، انظر ذلك في "الفتح" 5/ 191.
(5)
"الأم" 3/ 17.
(6)
سيأتي برقم (2565) كتاب: المكاتب، باب: إذا قال المكاتب اشترني وأعتقني.
(7)
قال ابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 180: أما قول هشام بن عروة في حديثه هذا: "خذيها واشترطي لهم الولاء". فكذلك رواه جمهور الرواة عن مالك: واشترطي =
أو خصت به عائشة، أو لم يكن الشرط في العقد، فهذِه تأويلات، وخطبته عليه السلام علي رءوس الأشهاد أبلغ في النكير وأوكد في التنفير.
وقوله: "قضاء الله أحق" وفي لفظ: "شرط الله أحق"
(1)
يعني قوله تعالى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] وقوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] فأثبت الولاء للمعتق.
وفيه: الابتداء بالحمد عند الموعظة.
وفيه: دليل على ابن عباس القائل بأن المكاتب حر بنفس الكتابة، لانتقال الولاء إلى عائشة، وعندنا وعند مالك: أنه عبد ما بقي عليه درهم
(2)
، وعند ابن مسعود: يعتق بأداء نصف كتابته.
وفيه: أن المسئول لا يجب عليه أن يعطي سائله إذا لم يخف عليه هلكة من موت أو أسر.
وفيه: أن العدة لا تلزم؛ لأنه عليه السلام لم يلزمها ما شرطت لهم، ورد ذلك عليهم.
= الولاء. ورواه الشافعي عن مالك عن هشام: إلا أنه قال: "أشرطي لهم الولاء".
وقال الحافظ في "الفتح" 5/ 191: زعم الطحاوي أن المزني حدثه به عن الشافعي بلفظ: "وأشرطي" بهمزة قطع بغير تاء مثناة.
(1)
سلف برقم (2155)، وسيأتي برقم (2561)، ورواه مسلم 1504/ 6.
(2)
انظر: "روضة الطالبين" 7/ 311، و"المدونة" 3/ 44.
74 - باب بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ
2170 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، سَمِعَ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"البُرُّ بِالبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ". [انظر: 3134 - مسلم: 1586 - فتح: 4/ 377]
ذكر فيه حديث عمر، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"البُرُّ بِالبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ".
هذا الحديث سلف في باب: ما يذكر في بيع الطعام والحكرة
(1)
؛ ولفظ الحديث والترجمة: "التمر بالتمر"
(2)
بالتاء المثناة، وكذا هو بضبط الحفَّاظ، وتقدم الكلام على (هاء وهاء) واللغات في ذلك.
قال ابن بطال هنا: وهي في كلام العرب خذ وأعط، المعنى: لا يجوز بيع التمر بجنسه إلا يدًا بيد.
قال مالك: الأمر المجمع عليه عندنا أنه لا تباع الحنطة بالحنطة، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الحنطة بالتمر، ولا شيء من الطعام كله بعضه ببعض، إلا يدًا بيد، فإن دخل الأجل شيئًا من ذلك
فلا يصلح وكان حرامًا، قال: وكذلك حكم الإدام كله
(3)
، وعلى هذا عامة علماء الأمة بالحجاز والعراق، أن الطعام بالطعام من صنف واحد كانا أو من صنفين، فإنه لا يجوز فيه النسيئة، فهو بمنزلة
(1)
برقم (2134).
(2)
ورد في هامش الأصل: من خط الشيخ: عن أبي عمر أن الرواية: التمر، الأول بالمثلثة، والثاني بالمثناة.
(3)
"المنتقى" 5/ 3.
الذهب والورق، وكذلك حكم كل ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب، حكم ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من البر والشعير والتمر في ذلك.
قال مالك: إذا اختلف ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب فلا بأس فيه أن يؤخذ صاع من تمر بصاعين من حنطة، وصاع من تمر بصاعين من زبيب، وصاع من حنطة بصاعين من تمر، فإن دخل ذلك الأجل فلا يحل، قال: ولا تباع صبرة الحنطة بصبرة الحنطة، ولا بأس بصبرة الحنطة بصبرة التمر يدًا بيد
(1)
.
قال مالك: وكل ما اختلف من الطعام أو الإدام فبان اختلافه فلا بأس أن يشتري بعضه ببعض جزافًا، يدًا بيد، وشراء بعض ذلك جزافًا كشراء بعض الذهب بالذهب والورق جزافًا، واتفق أهل الحجاز والعراق على أن التفاضل جائز في كل ما اختلف أجناسه من الطعام؛ لأنه إذا اختلفت أجناسه اختلفت أغراض الناس فيه؛ لاختلاف منافعه، فلذلك جاز بيعه متفاضلًا، وكل ما جاز فيه التفاضل جاز بيع بعضه ببعض جزافًا معلومًا بمجهول، ومجهولًا بمجهول، وما لا يجوز فيه التفاضل فلا يجوز بيعه جزافًا، ولا يباع معلوم بمجهول، إلا أن مالكًا يجعل البر والشعير والسلت صنفًا واحدًا، لا يجوز فيه التفاضل أحدهما بصاحبه، وهو قول الليث والأوزاعي. وعند الكوفيين والثوري والشافعي يجوز بيع الشعير بالبر متفاضلًا، وهما جنسان عندهم، وهو قول إسحاق وأبي ثور
(2)
(3)
.
(1)
"المنتقى" 5/ 7.
(2)
انتهى من "شرح ابن بطال" 6/ 298 - 299. الباب بتمامه سطرًا بسطر.
(3)
"الأم" 3/ 15، و"المغني" 6/ 79 - 80.
75 - باب بَيْعِ الزَّبِيبِ بِالزَّبِيبِ وَالطَّعَامِ بِالطَّعَامِ
2171 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ، وَالمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالكَرْمِ كَيْلًا. [2172، 2185، 2205 - مسلم: 1542 - فتح: 4/ 377]
2172 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ، قَالَ: وَالمُزَابَنَةُ: أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَ بِكَيْلٍ، إِنْ زَادَ فَلِي، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ. [انظر: 2171 - مسلم: 1542 - فتح: 4/ 377]
2173 -
قَالَ: وَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي العَرَايَا بِخَرْصِهَا. [2184، 2188، 2192، 2380 - مسلم: 1539 - فتح: 4/ 377]
ذكر فيه حديث ابن عمر: نهى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ المُزَابَنَةِ، وَالمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالكَرْمِ كَيْلًا.
وعنه: نهى رسول صلى الله عليه وسلم عَنِ المُزَابَنَةِ، قَالَ: وَالمُزَابَنَةُ: أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَ بِكَيْلِ، إِنْ زَادَ فَلِي، وإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي بيع العَرَايَا بِخَرْصِهَا.
هَذان الحديثان أخرجهما مسلم
(1)
.
قوله: (قال: وحدثني زيد) يعني: ابن عمر هو القائل، وسيأتي للمزابنة باب فلنؤخر الكلام عليها إليه
(2)
، واعترض الإسماعيلي فقال: ليس في الحديث الذي ذكره البخاري من جهة النص بيع
(1)
مسلم (1539، 1542) كتاب: البيوع، باب: تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا.
(2)
النظر شرح الأحاديث الآتية (2183 - 2188).
الزبيب بالزبيب، ولا الطعام بالطعام إلا جهة المعنى، قال: والبخاري ينحو نحو أصحاب الظاهر، فلو حقق الحديث ببيع الثمر في رءوس الشجر بمثله من جنسه يابسًا أو صحح الكلام على قدر ما ورد به لفظ الخبر كان أولى، وصح أنه صلى الله عليه وسلم، سئل عن شراء التمر بالرطب فقال:"أينقص الرطب إذا يبس؟ " قالوا: نعم، قال "فلا إذن" أخرجه مالك وأصحاب السنن الأربعة من حديث سعد بن أبي وقاص، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم
(1)
.
(1)
"الموطأ" 2/ 624، "سنن أبي داود"(3359)، "سنن الترمذي"(1225)، "سنن النسائي الكبرى" 3/ 496 (6034) و 4/ 22 (6137)، "سنن ابن ماجه"(2264)، "صحيح ابن حبان" 11/ 172 (4997) و 11/ 378 (5003)، "المستدرك" 2/ 38 - 39.
من طريق عبد الله بن يزيد أن زيدًا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص
…
الحديث.
وعزاه المصنف رحمه الله هنا لابن خزيمة. وقال في "البدر المنير" 6/ 478: وعزاه غير واحد إلى "صحيح ابن خزيمة"!
وكذا أطلق عزوه لابن خزيمة في "خلاصة البدر" 2/ 55، دون النص على "صحيحه" وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 385: وصححه ابن خزيمة. وعزاه لابن خزيمة في "تلخيص الحبير" 3/ 9. وكذا عزاه أيضًا الشوكاني في "النيل" 3/ 599.
وأقول: الحديث لم يروه ابن خزيمة في "صحيحه"؛ فالحديث ليس فيه، وأدل لذلك أن الحديث أورده الحافظ في "إتحاف المهرة" 5/ 146 - 148 (5095) وعزاه لمالك وابن الجارود والطحاوي وابن حبان والدارقطني والحاكم، ولم يعزه لابن خزيمة. وإنما رواه ابن خزيمة في "مختصر المختصر"، كذا عزاه النووي -قدس الله روحه- في "المجموع " 10/ 290.
والحديث رواه أيضًا الشافعي في "مسنده" 2/ 159 (551)، وفي "الرسالة" ص 331 - 332، وأحمد 1/ 175، والطحاوي في "شرح المعاني" 4/ 6، وفي "شرح المشكل" 4/ 255 - 257 (2580 - 2586) من نفس الطريق المذكور سالفًا.
ووهم ابن حزم في إعلاله
(1)
.
(1)
قال في "المحلى" 8/ 462: حديث لا يصح؛ لأنه من رواية زيد بن أبي عياش وهو مجهول. وضعفه في موضع آخر 8/ 466.
وقال في "الإحكام" 7/ 473: هذا خبر لا يصح؛ لأن زيدًا أبا عياش مجهول، فارتفع الكلام فيه.
وضعفه أيضًا في الرسالة التي له في إبطال القياس فقال: حديث لا يصح؛ لجهالة أبي عياش. كذا حكاه عنه المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 6/ 482.
قلت: لم ينفرد ابن حزم بإعلاله، فأعله الطحاوي في "شرح المعاني" 4/ 6 - 7، وفي "شرح المشكل" 4/ 259 - 260، وعبد الحق الإشبيلي في "أحكامه" 3/ 257. وقال المرغيناني في "الهداية" 3/ 70: مداره على زيد بن عياش وهو ضعيف عند النقلة.
وأما الحديث فأطبق الأئمة على تصحيحه: فصححه الخطابي في "المعالم" 3/ 67 ورد على من أعله بزيد. وقال ابن عبد البر في "التمهيد" 19/ 171: حديث محفوظ. وأشار لصحته في موضع آخر 19/ 173.
وصححه المنذري في "المختصر" 5/ 34. وأطال النووي النفس في الكلام على هذا الحديث في "المجموع" 10/ 290 - 295 قائلًا بصحته. وصححه ابن الأثير في "الشافي" 4/ 103. وذكره الحافظ ابن كثير -طيب الله ثراه- في "إرشاد الفقيه" 2/ 19، وفي "تحفة الطالب" (310) وذكر تصحيح بعض الأئمة له، وسكت، فكأنما أقر بتصحيحه. وصححه المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 6/ 478. وقال في "الخلاصة" 2/ 55: وأعله بعضهم بما لو سكت عنه كان أولى به. وقال الحافظ في "بلوغ المرام"(866): صححه ابن المديني. وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"(1515): إسناده صحيح.
وصححه الألباني في "الإرواء"(1352).
76 - باب بَيْعِ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ
2174 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ التَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ فَتَرَاوَضْنَا، حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي، فَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنَ الغَابَةِ، وَعُمَرُ يَسْمَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاللهِ لَا تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ". [انظر: 2134 - مسلم: 1586 - فتح: 4/ 377]
ذكر فيه حديث عمر، وقد سلف الكلام عليه في آخر بيع الطعام قبل أن يقبض
(1)
.
وقوله: (فتراوضنا) أي: زدت أنا ونقص هو.
وفيه: المراوضة في الصرف.
وقوله: (حتى يجيء خازني من الغابة).
فيه: أن العقوبة لا تلحق من لا يعلم.
وقول عمر: (والله لا تفارقه حتى تأخذ منه). ظاهره أن التراخي في المجلس لا يضر في الصرف، وهو قول الشافعي خلافًا لمالك عملًا بقوله "إلا هاءً وهاءً ويدًا بيد"
(2)
.
وقوله: (والله لا تفارقه حتى تأخذ منه). وفي الترمذي: والله لتعطينه وَرِقَه أو لتؤدين إليه ذهبه
(3)
.
(1)
في شرح حديث (2135 - 2136).
(2)
انظر: "الأم" 3/ 25 - 26، و"المدونة" 3/ 89 - 90، و"المنتقى" 4/ 271 - 272.
(3)
الترمذي (1243).
فيه: حلف الإمام من غير استحلاف والتأكيد باليمين؛ لأنه أبلغ، وسمي الذهب بالورق وسائر ما ذكر ربًا، وكان الربا في الجاهلية الزيادة في الدين عند حلوله، وألحق به كل حرام.
77 - باب بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ
2175 -
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالفِضَّةَ بِالفِضَّةِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالفِضَّةِ وَالفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْتُمْ". [2182 - مسلم: 1590 - فتح: 4/ 379]
ذكر فيه حديث يحيى بن أبي إسحاق -واسمه يزيد بن الحارث
الحضرمي- عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عن أبيه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالفِضَّةَ بِالفِضَّةِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالفِضَّةِ وَالفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كيْفَ شِئْتُمْ".
هذا الحديث أخرجه مسلم بزيادة: فسأله رجل فقال: يدًا بيد، فقال: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
واسم أبي بكرة: نفيع بن الحارث.
وولده عبد الرحمن أول مولود ولد في الإسلام بالبصرة سنة أربع عشرة، ومات سنة ست وسبعين.
ومات والده أيضًا بالبصرة في ولاية أخيه زياد سنة تسع وأربعين.
وقيل سنة إحدى.
وقيل: سنة اثنتين وخمسين.
(1)
مسلم (1590) كتاب: المساقاة، باب: النهي عن بيع الورق بالذهب دينًا.
وكانت ولاية زياد المِصْرَين: البصرة والكوفة خمس سنين، أولها سنة ثماني وأربعين إلى أن مات بالكوفة في رمضان سنة ثلاث وخمسين.
وسلف هناك ضبط "سواء بسواء" أعني: أخر باب: بيع الطعام قبل أن يقبض
(1)
، وكرر قوله:"وبيعوا الذهب بالفضة" وعكسه لئلا يشكل فيقال: لا يجوز بيعه ويجوز شراؤه.
(1)
راجع شرح حديثي (2135 - 2136).
78 - باب بَيْعِ الفِضَّةِ بِالفِضَّةِ
2176 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَهُ مِثْلَ ذَلِكَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فِي الصَّرْفِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالوَرِقُ بِالوَرِقِ مِثْلًا بِمِثْلٍ". [2177، 2178 - مسلم: 1584 و 1596 - فتح: 4/ 379]
2177 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الوَرِقَ بِالوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ"[انظر: 2176 - مسلم: 1584 و 1596 - فتح: 4/ 379]
ذكر فيه حديث ابن عمر: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخدري حَدَّثَهُ مِثْلَ ذَلِكَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَقِيَهُ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا هذا الذِي تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فِي الصَّرْفِ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالوَرِقُ بِالوَرِقِ مِثْلًا بِمِثْلٍ".
وحديث نافع عن أبي سعيد الخدري أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ" وذكر مثله في الفضة "ولا تبيعوا منها غائبًا ابن بناجزٍ".
حديث أبي سعيد أخرجه مسلم وفي رواية له: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق إلا وزنًا بوزن مثلًا بمثل سواءً بسواء"
(1)
.
(1)
مسلم (1584) كتاب: المساقاة، باب: الربا.
وفي السند الأول: حدثنا عبيد الله بن سعد، ثنا عمر بن يعقوب بن إبراهيم، ثنا ابن أخي الزهري، عن عمه.
وابن أخي الزهري هو: محمد بن عبد الله بن مسلم، قتله غلمانه بأمر ابنه، وكان سفيهًا شاطرًا، قتله للميراث في آخر خلافة أبي جعفر، ثم وثب غلمانه عليه بعد سنين فقتلوه أيضًا
(1)
.
وقد أسلفنا في ذلك الباب معنى "ولا تُشفوا" والمراد هنا: الزيادة،
وهذا يرد على ابن عباس أنه كان يجيز الدرهم بالدرهمين يدًا بيد، ويقول: إنما الربا في النسيئة
(2)
، وقد سلف ما فيه هناك، والإجماع
على خلافه سلف عن خلف، وبذلك كتب الصديق إلى عماله
(3)
، وروي مثله عن علي
(4)
، وروى مجاهد عن ثمانية عشر من الصحابة مثله
(5)
.
والشارع حرم الربا؛ حراسة للأموال وحفظًا لها، فلا يجوز واحد باثنين من جنسه؛ لاتفاق الأغراض بخلاف غير الجنس؛ لاختلاف الأغراض والمنافع، ولذلك قال: "وبيعوا الذهب بالفضة -وعكسه-
كيف شئتم كان يدًا بيد".
(1)
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 9/ 255، "الكامل" لابن عدي 3/ 54، "تهذيب الكمال" 25/ 558.
(2)
انظر ما سيأتي قريبًا (2178 - 2179)، ورواه مسلم (1596).
(3)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 70.
ومن وجه آخر رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 4/ 84 بنحوه.
(4)
رواه عنه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 124 (14570 - 14571)، وابن أبي شيبة 4/ 500 (22489).
(5)
روى ابن أبي شيبة 4/ 500 (22490) عن مجاهد قال: أربعة عشر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: الذهب بالذهب والفضة بالفضة، وأربوا الفضل، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وطلحة والزبير.
و (الناجز): الحاضر، يقال: نجز المال إذا حضر، ومنه قوله: وما نجز فلان وعدًا، وفي إطلاق عدم الشف ما يقتضي تحريم قليل الزيادة وكثيرها أي: لا تبيعوا إحداهما زائدًا على الأخرى، تقول العرب: قد أشف فلان بعض بنيه على بعض: إذا فضل بعضهم على بعض. ويقال: ما أقرب شف ما بينهما -أي: فضل ما بينهما وفلان حريص على الشف، يعني: الربح.
79 - باب بَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّينَارِ نَسْاءً
2178، 2179 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ أَبَا صَالِحٍ الزَّيَّاتَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه يَقُولُ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ.
فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَقُولُهُ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لَا أَقُولُ، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي، وَلَكِنَّنِي أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا رِبًا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ". [انظر: 2176 - مسلم: 1584 و 1596 - فتح: 4/ 381]
ذكر فيه حديث أبي صالح الزيات عن أبي سعيد قالَ: الدِّينَارُ بِالدِّينَا رِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ.
فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ ابن عَبَّاس لَا يَقُولُهُ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَاب اللهِ؟ قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لَا أَقُولُ، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي، ولكن أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بن زيد أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا رِبًا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ".
هذا الحديث سلف في آخر باب: الطعام قبل أن يقبض، واضحًا مع الجواب عنه، فراجعه
(1)
، وأخرجه مسلم والنسائي أيضًا وابن ماجه في: التجارات
(2)
.
وقال ابن بطال: اختلف العلماء في تأويله، فروي عن قوم من السلف أنهم أجازوا بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة يدًا بيد
(1)
راجع شرح حديث (2135).
(2)
مسلم (1596) كتاب: المساقاة، باب: بيع الطعام مثلًا بمثل، والنسائي 7/ 278، وابن ماجه (2256).
متفاضلة، رواه سعيد بن جبير، عن ابن عباس. قال: ما كان ربا قط في هات وهات. ورواية عن (ابن عمر)
(1)
وهو قول عكرمة وشريح. واحتجوا بظاهر حديث أسامة، فدل أن ما كان نقدًا فلا بأس بالتفاضل فيه، وخالف جماعة العلماء بعدهم هذا التأويل، وقالوا: قد عارض ذلك حديث أبي سعيد الخدري، وحديث أبي بكرة
(2)
، وقد أنكره أبو سعيد عليه كما سلف، فهذِه السنن الثابتة لا تأويل لأحد معها، فلا معنى لما خالفها، وقد تأول بعض العلماء:"لا ربا إلا في النسيئة" أنه خرج على جواب سائل سأل عن الربا في الذهب بالورق والبر بالتمر أو نحو ذلك مما هو جنسان، فقال عليه السلام "لا ربا إلا في النسيئة" فسمع أسامة كلامه ولم يسمع السؤال فنقل ما سمع.
وقال الطبري: المراد به الخصوص، ومعناه: لا ربًا إلا في النسيئة إذا اختلفت أنواع المبيع، فأما إذا اتفقت فلا يصلح بيع شيء منه من نوعه إلا مثلًا بمثل، والفضل فيه يدًا بيد ربًا، وقد قامت الحجة ببيانه عليه السلام في الذهب والفضة وعكسه، والحنطة بالتمر نَسَاءً أنه لا يجوز متفاضلًا
ولا مثلًا بمثل فعلمنا أن قوله "لا ربا إلا في النسيئة" هو فيما اختلفت أنواعه دون ما اتفقت.
وفيه: مناظرة العالم للعالم وتوقيفه على معنى قوله، ورده من الاختلاف إلى الإجماع، وإقرار الصغير للكبير بفضل المتقدم؛ لقول ابن عباس لأبي سعيد: أنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني.
(1)
في الأصل: (عكرمة)، والمثبت من "شرح ابن بطال" 6/ 302.
(2)
سلف قريبًا برقم (2175).
والنساء: التأجيل: يقال: باع منه بنسيئةِ ونظرةٍ وأخرةٍ ودينٍ، كله بمعنى واحد، ومنه قوله تعالى:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37]} يعني: تأخير الأشهر الحرم التي كانت العرب في الجاهلية تفعلها من تأخير المحرم إلى صفر، ومنه انتسأ فلان على فلان تباعد عنه
(1)
.
(1)
انتهى من "شرح ابن بطال" 6/ 302 - 304 بتصرف يسير.
80 - باب بَيْعِ الوَرِقِ بِالذَّهَبِ نَسِيئَةً
2180 و 2181 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا المِنْهَالِ قَالَ: سَأَلْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رضي الله عنهم عَنِ الصَّرْفِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ هَذَا خَيْرٌ مِنِّي. فَكِلَاهُمَا يَقُولُ نَهَى: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالوَرِقِ دَيْنًا. [انظر: 2060، 2061 - مسلم: 1589 - فتح: 4/ 382]
ذكر حديث أبي المنهال قَالَ: سَأَلْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنِ الصَّرْفِ، فَكُل وَاحِدِ مِنْهُمَا يَقُولُ: هذا خَيْرٌ مِنِّي. فَكِلَاهُمَا يَقُولُ: نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالوَرِقِ دَيْنًا.
81 - باب بَيْعِ الذَّهَبِ بِالوَرِقِ يَدًا بِيَدٍ
2182 -
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ العَوَّامِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الفِضَّةِ بِالفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَبْتَاعَ الذَّهَبَ بِالفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا، وَالفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا. [انظر: 2175 - مسلم: 1590 - فتح: 4/ 383]
ذكر حديث أبي بكرة السالف قريبًا في باب: بيع الذهب بالذهب
(1)
.
وحديث أبي المنهال السالف في باب: التجارة في البر، ولفظه: نهى عن بيع الورق بالذهب دينًا
(2)
، وأسلفنا هناك أن مسلمًا أخرجه أيضًا
(3)
.
وأبو المنهال هو: عبد الرحمن بن مطعم البصري كما سلف أيضًا هناك. وقد قام الإجماع على أنه لا تجوز النسيئة، وهي: التأخير في بيع الذهب بالورق ولا عكسه، كما لا يجوز في بيع كل منهما بمثله، وهو الربا المحرم في القرآن، وفي هذا الحديث حجة للشافعي في قوله: من كان له على رجل دراهم ولذلك الرجل دنانير، فلا يجوز أن يقاض أحدهما ماله بما عليه، وإن كان قد حل أجلهما جميعًا؛ لأنه يدخل في معنى النهي عن بيع الذهب بالورق دينًا؛ لأنه غائب بغائب، وإذا لم يجز غائب بناجز، فأحرى أن لا يجوز غائب بغائب
(4)
. وأجاز ذلك مالك إذا كانا قد حلا جميعًا، فإن كانا إلى
(1)
سلف برقم (2175).
(2)
سلف برقم (2060 - 2061).
(3)
مسلم (1589) كتاب: المساقاة، باب: النهي عن بيع الورق بالذهب دينًا.
(4)
انظر: "الأم" 3/ 28.
أجل لم يجز؛ لأنه يكون ذهبًا بفضة متأخرًا
(1)
. وقال أبو حنيفة: يجوز في الحال وغير الحال، حجة من فصل أنه إذا حل الدين واجتمع المتضاربان فإن الذمم تبرأ كالعين إذا لم يفترقا إلا وقد تفاضلا في صرفهما، والغائب لا يحل بيعه بناجز ولا بغائب مثله، وحجته حديث ابن عمر: كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير وآخذ الدراهم أو بالعكس، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:"لا بأس به إذا كان بسعر يومكما ما لم تفترقا وبينكما شيء"
(2)
وحجة من جوزه مطلقًا أنه عليه السلام لم يسأله عن الدين أحالي هو أو مؤجل؟ دل ذلك على استواء الحكم فيهما.
(1)
"المنتقى" 5/ 65.
(2)
رواه أبو داود (3354 - 3355)، والترمذي (1242)، والنسائي 7/ 281 - 282، وابن ماجه (2262)، وأحمد 2/ 83 - 84، و 2/ 139، وابن حبان 11/ 287 (4920)، والحاكم 2/ 43 - 44، والبيهقي 5/ 284، وابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 292 و 16/ 13 من طريق سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، به.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 292: حديث ثابت صحيح.
وقال الحافظ الذهبي في "السير" 17/ 636: حديث حسن غريب.
وقال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"(5555، 5559، 6239): إسناده صحيح.
قلت: والحديث انفرد سماك برفعه، فروي من غير طريقه موقوفًا.
قال الترمذي: حديث لا نعرفه مرفوعًا، إلا من حديث سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، وروى داود بن أبي هند هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عمر موقوفًا.
وضعفه أيضًا ابن حزم في "المحلى" 8/ 504. وقال البيهقي: الحديث يتفرد برفعه سماك عن سعيد من بين أصحاب ابن عمر. وإلى نحو هذا أشار عبد الحق في "أحكامه" 3/ 255. =
ولو كان بينهما فرق لوقفه عليه.
وأما تقاضي الدنانير من الدراهم وعكسه من غير أن يكون على
الآخر فأجازه عمر بن الخطاب وابنه
(1)
، وروي عن عطاء والحسن
(2)
وطاوس
(3)
والقاسم، وبه قال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور
(4)
، وقال كثير منهم: إذا كان بسعر يومه، ورخص فيه أبو حنيفة بسعر ذلك وبأغلى وبأرخص، وكره ذلك ابن
= وقال الحافظ في "الدراية" 2/ 155: الحديث روي موقوفًا وهو أرجح.
وضعفه مرفوعًا أيضًا الألباني في "الإرواء"(1326).
وليس هذا هو منتهى القول في هذا الحديث، فقال النووي -قدس الله روحه- في "المجموع" 9/ 329 - 330: حديث صحيح، روي بأسانيد صحيحة، قال الترمذي: لم يرفعه غير سماك، وذكر البيهقي أن أكثر الرواة وقفوه على ابن عمر.
قلت: وهذا لا يقدح في رفعه، وقد قدمنا مرات أن الحديث إذا رواه بعضهم مرسلًا وبعضهم متصلًا، وبعضهم موقوفًا وبعضهم مرفوعًا كان محكومًا بوصله ورفعه على المذهب الصحيح الذي قاله الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين من المتقدمين والمتأخرين. اهـ بتصرف.
وقال الذي موضع آخر 10/ 74: الحديث مشهور مما انفرد به سماك.
ووجدت المصنف رحمه الله قد نحا منحى النووي؛ فقال في "خلاصة البدر" 2/ 71: هو من باب تعارض الوصل والوقف، والأصح تقديم الوصل.
(1)
رواه عن عمر، عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 127 (14584).
ورواه عن ابنه، النسائي 7/ 282، وفي "الكبرى" 4/ 33 (6176) من طريق أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن ابن عمر.
قال الألباني في "الإرواء" 5/ 175: إسناد حسن.
ورواه أيضًا عبد الرزاق 8/ 126 (14577) بإسناد آخر بنحوه.
(2)
رواه عنه عبد الرزاق 8/ 128 (14587)
(3)
رواه عنه عبد الرزاق 8/ 126 (14580)
(4)
انظر: "المغني" 6/ 107 - 108.
عباس وأبو سلمة
(1)
وابن شبرمة، وهو قول الليث، وروي عن طاوس قول ثالث أنه كرهه في البيع، وأجازه في القرض
(2)
.
قال ابن المنذر: والقول الأول أولى لحديث ابن عمر. قلت: ولا يدخل هذا في نهيه عليه السلام عن بيع الذهب بالورق ربًا، لأن الذي يقتضي الدراهم من الدنانير لم يقصد تأخيرًا في الصرف ولا نواه
ولا عمل عليه فهذا الفرق بينهما.
(1)
رواه عنه عبد الرزاق 8/ 127 (14581)، وابن أبي شيبة 4/ 381 (21213 - 21214).
وروى ابن أبي شيبة 4/ 381 (21211) عن ابن عباس أنه كره أن يعطى الذهب من الورق، والورق من الذهب.
(2)
رواه عنه عبد الرزاق 8/ 128 (14588).
82 - باب بَيْعِ المُزَابَنَةِ
وَهْيَ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالكَرْمِ، وَبَيْعُ العَرَايَا. (و)
(1)
قَالَ أَنَسٌ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ المُزَابَنَةِ وَالمُحَاقَلَةِ.
2183 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَلَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ". [انظر: 1786 - مسلم: 1534 - فتح: 4/ 383]
2184 -
قَالَ سَالِمٌ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ العَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ. [انظر: 2173 - مسلم: 1539 - فتح: 4/ 383]
2185 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ. وَالمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الكَرْمِ بِالزَّبِيبِ 3/ 99 كَيْلًا. [انظر: 2171 - مسلم: 1542 - فتح: 4/ 384]
2186 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ -مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ وَالمُحَاقَلَةِ. وَالمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ. [مسلم: 1546 - فتح: 4/ 384]
2187 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ المُحَاقَلَةِ وَالمُزَابَنَةِ. [فتح: 4/ 384]
2188 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ لِصَاحِبِ العَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا. [انظر: 2173 - مسلم: 1539 - فتح: 4/ 384]
(1)
علم فوقها في الأصل أنها نسخة.
ذكر فيه حديث سالم، عَنْ ابن عُمَرَ:"لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَلَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ".
قَالَ سَالِمٌ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَخَصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ العَريَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ.
وحديث نافع عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ. وَالمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا.
وحديث أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، عن أبي سعيد الخدري أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ وَالمُحَاقَلَةِ. وَالمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ.
وحديث ابن عباسٍ نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنِ المُحَاقَلَةِ وَالمُزَابَنَةِ.
وحديث نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ لِصَاحِبِ العَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا.
83 - باب بَيْعِ الثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ
2189 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا ابن جُرَيْجِ، عَنْ عَطَاءٍ وَأبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ، وَلَا يُبَاعُ شَيْء مِنْهُ إِلَّا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إِلَّا العَرَايَا. [انظر: 1487 - مسلم: 1536 (81) - فتح: 4/ 387]
2190 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، وَسَأَلَهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الرَّبِيعِ: أَحَدَّثَكَ دَاوُدُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي بَيْعِ العَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. [2382 - مسلم: 1541 - فتح: 4/ 387]
2191 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ بُشَيْرًا قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي العَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً أُخْرَى: إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي العَرِيَّةِ يَبِيعُهَا أَهْلُهَا بِخَرْصِهَا، يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا. قَالَ هُوَ سَوَاءٌ. قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِيَحْيَى وَأَنَا غُلَامٌ: إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي بَيْعِ العَرَايَا. فَقَالَ: وَمَا يُدْرِي أَهْلَ مَكَّةَ؟ قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَرْوُونَهُ عَنْ جَابِرٍ. فَسَكَتَ. قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ جَابِرًا مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ. قِيلَ لِسُفْيَانَ: وَلَيْسَ فِيهِ: نَهْى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ؟ قَالَ: لَا. [2384 - مسلم: 1540 - فتح: 4/ 387]
ذكر فيه حديث عطاء وأبي الزبير، عن جابر نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ، وَلَا يُبَاعُ مِنْهُ شيء إِلَّا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إِلَّا العَرَايَا.
وحديث أبي سفيان عن أبي هريرة:
أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَخصَ فِي بَيْعِ العَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثنا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ بُشَيْرًا عن سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي العَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً أُخْرى: إِلَّا أَنهُ رَخَّصَ فِي العَرِيَّةِ يَبِيعُهَا أَهْلُهَا بِخَرْصِهَا، يَأكُلُونَهَا رُطَبًا. قَالَ هُوَ سَوَاءٌ. قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ ليَحْيَى وَأَنَا غُلَامٌ: إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي بَيْعِ العَرَايَا. فَقَالَ: وَمَا يُدْرِي أَهْلَ مَكةَ؟ قُلْتُ: إنَّهُمْ يَرْوُونَهُ عَنْ جَابِرٍ. فَسَكَتَ. قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ جَابِرًا مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ. قِيلَ لِسُفْيَانَ: وَلَيْسَ فِيهِ: نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ؟ قَالَ: لَا.
84 - باب تَفْسِيرِ العَرَايَا
وَقَالَ مَالِكٌ: العَرِيَّةُ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ، ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ، فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ. وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: العَرِيَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالكَيْلِ مِنَ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، لَا يَكُونُ بِالجِزَافِ. وَمِمَّا يُقَوِّيهِ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: بِالأَوْسُقِ المُوَسَّقَةِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: كَانَتِ العَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ. وَقَالَ يَزِيدُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ: العَرَايَا النَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا، رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنَ التَّمْرِ.
2192 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي العَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَالعَرَايَا: نَخَلَاتٌ مَعْلُومَاتٌ تَأْتِيهَا فَتَشْتَرِيهَا.
[انظر: 2173 - مسلم: 1539 - فتح: 4/ 390]
ثم ساق حديث موسى بن عقبة عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي العَرَايَا أنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: اَلْعَرَايَا: نَخَلَاتٌ مَعْلُومَاتٌ تَأْتِيهَا فَتَشْتَرِيهَا.
الشرح:
أما حديث أنس المعلق فقد سلف، ويأتي مسندًا في باب: بيع المخاضرة
(1)
، وهو من أفراده، وأما حديث ابن عمر، فأخرجه
(1)
هو التعليق المذكور في باب: بيع المزابنة، وسيأتي برقم (2207).
مسلم
(1)
، وكذا حديث زيد بن ثابت
(2)
وابن عمر في المزابنة سلف
(3)
. وحديث أبي سعيد أخرجه مسلم
(4)
.
وأبو سفيان
(5)
مولى ابن أبي أحمد اسمه وهب، وقال مالك: قزمان مولى ابن أبي أحمد بن جحش الشاعر، ويقال: كان له انقطاع إلى ابن جحش فنسب إلى ولائهم، وقيل: هو مولى بني عبد الأشهل
(6)
.
وحديث ابن عباس من أفراده، وحديث جابر أخرجه مسلم
(7)
، وكذا حديث أبي هريرة
(8)
، ومن تراجم البخاري عليه فيما سيأتي: باب: الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل
(9)
.
وحديث سهل أخرجه مسلم أيضًا
(10)
، وحثمة بالثاء المثلثة، واسم أبي حثمة: عبد الله، وقيل: عامر وكان دليله عليه السلام إلى أحد، وكان بعثه إلى خيبر هو وأبو بكر وعمر وعثمان للخرص
(11)
، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
مسلم (1534) كتاب: البيوع، باب: النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها.
(2)
مسلم (1539) باب: تحريم بيع الرطب بالتمر لا في العرايا.
(3)
سلف برقم (2171) باب: بيع الزبيب بالزبيب والطعام بالطعام.
(4)
مسلم (1546) كتاب: البيوع، باب: كراء الأرض.
(5)
ورد بهامش الأصل: ذكر القولين الدمياطي في حاشية نسخته للبخاري، وذكر الكلام وهو من قوله: أبو سفيان. إلى: الأشهل.
(6)
انظر ترجمته في "طبقات ابن سعد" 5/ 307، "تهذيب الكمال" 33/ 364 (7403).
(7)
مسلم (1536) كتاب: البيوع، باب: النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها.
(8)
مسلم (1541) باب: تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا.
(9)
سيأتي برقم (2382) كتاب: المساقاة.
(10)
مسلم (1540).
(11)
انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" 5/ 2866 (3168)، و"الاستيعاب" 2/ 340 (1336) و 3/ 195 (2940)، و"أسد الغابة" 3/ 123 (2693) و 3/ 253 (2959) و 6/ 68 (5795)، و"الإصابة" 4/ 42 (255).
ولولده سهل ثماني سنين وقد حفظ عنه
(1)
.
وبُشير بضم الموحدة. والوسق: ستون صاعًا. والصاع: أربعة أمداد والمد: رطل وثلث.
وقوله: (وقال ابن إدريس
…
إلى آخره) هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي، كما نبه عليه الحافظ المزي، وأن له هذا الموضع وموضعًا آخر سلف في الزكاة
(2)
.
وقال ابن التين فيهما: قيل هو الشافعي، وقيل -وهو الأكثر-: هو عبد الله بن إدريس الأودي الفقيه الكوفي. وقوله: (ومما يقويه): ذكر ابن بطال أنه من قول البخاري
(3)
، وكذا ابن التين فقال: احتجاج البخاري له بقول سهل لا دليل فيه، لأنها تكون مؤجلة، وإنما يشهد له قول سفيان بن حسين المذكور بعد، وصرح من سلف أنه من تتمة كلام الشافعي، قال ابن بطال: وهو إجماع، مستغن عن تقوية، ولم يأت ذكر الأوساق الموسقة إلا في حديث مالك، عن داود بن الحصين. وفي حديث جابر من رواية ابن إسحاق، لا في رواية ابن أبي حثمة، وإنما يُروى عن سهل من قوله، من رواية الليث عن جعفر بن أبي ربيعة عن
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: قال الذهبي في "تجريده": ولد سنة ثلاث، ولا يصح، بل المجزوم به أن تاريخ مولده غلط، فإنه شهد أحدًا والحديبية، وهذا يرد على الواقدي أنه ولد سنة ثلاث.
وانظر ترجمته في: "الثقات" لابن حبان 1/ 180، "الاستيعاب" 2/ 661، "تهذيب الكمال" 12/ 177 (2607).
(2)
سلف في أول باب: في الركاز الخمس قبل حديث (1499).
وانظر: ترجمة الإمام العلم في "ثقات ابن حبان"، و"السير" 10/ 5، "تهذيب الكمال" 24/ 380.
(3)
"شرح ابن بطال" 6/ 312.
الأعرج عن سهل: لا يباع التمر في رءوس النخل بالأوساق الموسقة إلا أوسق ثلاثة أو أربعة أو خمسة يأكلها الناس. وهي المزابنة ففي قول سهل حجة لمالك في مشهور قوله أنه يجوز العرايا في خمسة أوسق. وقد يجوز أن يكون الشك في دون خمسة أوسق، واليقين في خمسة؛ إذ الواو لا تعطي رتبة
(1)
.
وقوله: (وقال يزيد) هو ابن هارون أبو خالد السلمي
(2)
، وسفيان بن حسين سلمي أيضًا أبو محمد، وقيل: أبو المؤمل، روى له الجماعة إلا البخاري فاستشهد به، وروى له مسلم في مقدمة كتابه
(3)
. وشيخ شيخ البخاري في الحديث الأخير عبد الله هو: ابن المبارك الإمام، وشيخ البخاري محمد هو: ابن مقاتل أبو الحسن المروزي، مات سنة ست وعشرين ومائتين
(4)
.
إذا عرفت ذلك: فالمزابنة مفاعلة لا تكون إلا بين اثنين، من الزبن،
وهو الدفع الشديد، ومنه الزبانية، وقيل من الحظر، أي: التحريم، وهو بيع الرطب على رءوس النخل بتمر على وجه الأرض، ومثله بيع العنب في الكرم بالزبيب؛ لأن الغبن فيها يكثر؛ لبنائها على التخمين، فيريد المغبون دفعه والغابن إمضاءه فيتدافعان. ووجه البطلان أنه بيع مال الربا بجنسه من غير تحقيق المساواة في المعيار الشرعي، وهو الكيل، وذلك إجماع.
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 312.
(2)
انظر ترجمته في "طبقات ابن سعد" 7/ 314، "ثقات ابن شاهين" ترجمة (1554)، "تهذيب الكمال" 32/ 261 (7061).
(3)
انظر ترجمته في "طبقات ابن سعد" 7/ 302، "ثقات ابن حبان" 1/ 165، "تهذيب الكمال" 11/ 139 (2399).
(4)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في الثامن بعد الأربعين. كتبه مؤلفه غفر الله له.
قال الداودي: كانوا قد كثر فيهم المدافعة بالخصام، فسمي مزابنة، ولما كان كل واحد من المتبايعين يدفع الآخر في هذِه المبايعة عن حقه سُميت بذلك، وفي "الجامع" للقزاز: المزابنة: كل بيع فيه غرر، وهو بيع كل جزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده، وأصله أن المغبون يريد أن يفسخ البيع، ويريد الغابن أن لا يفسخه فيتزابنان عليه، أي: يتدافعان.
وعند الشافعي: هو بيع مجهول بمجهول، أو معلوم من جنس يحرم الربا في نقده، وخالفه مالك في هذا القيد فقال: سواء كان مما يحرم الربا في نقده أو لا، مطعومًا كان أو غير مطعوم
(1)
. وعبارة ابن الجلاب: إنها بيع معلوم بمجهول من جنسه. زاد القاضي في "معونته": أو مجهول بمجهول
(2)
، وذكر ابن جرير اختلاف العلماء في معناها، فقال قوم: هي بيع ما في رءوس النخل بالتمر وكذا ذكر ابن فارس
(3)
وهو ما في البخاري، وقال آخرون: هو بيع السنبل القائم بالحنطة. وقيل: هي بيع التمر قبل بدو صلاحه. وقال قوم: هي المزارعة.
وقام الإجماع على المنع من بيع ما على رءوس النخل بثمر، لأنه مزابنة وقد نهي عنه. واختلفوا في بيع رطب ذلك مقطوعًا وأمكن فيه المماثلة، فالجمهور على المنع أيضًا بجنسه لا مماثلة ولا متفاضلًا، وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: يجوز بيع الحنطة الرطبة باليابسة، والتمر بالرطب مثلًا بمثل، ولا نجيزه متفاضلًا.
(1)
انظر "الأم" 3/ 55، و"المنتقى" 4/ 244.
(2)
"المعونة" 2/ 10.
(3)
"المجمل" ص 448.
قال ابن المنذر: وأظن أبا ثور وافقه، ولا خلاف بين العلماء أن تفسير المزابنة في هذا الحديث من قول ابن عمر، أو مرفوعًا كما قال ابن عمر، وأقل ذلك أن يكون من قوله، وهو راويه، كيف ولا مخالف فيه؟ قال: وقام الإجماع على تحريم بيع العنب بالزبيب، وعلى تحريم بيع الحنطة في سنبلها بصافية، وهو المحاقلة وسواء عند الجمهور كان الرطب والعنب على الشجر أو مقطوعًا.
فرع: عندنا حكم الرطب على الأرض والتمر على رءوس النخل كعكسه، ولو باع الرطب على رءوس النخل بالبسر أو البلح على الأرض فهو كبيعه بالرطب، ولو باعه بالطلع ففيه ثلاثة أوجه في
الماوردي: ثالثها: يجوز بطلع الذكر دون طلع الإناث
(1)
.
وأما العرايا فهي مستثناة من المزابنة، وهو جمع عرية، وهي ما يفردها صاحبها للأكل، فعيلة: بمعنى فاعلة؛ لأنها عريت عن حكم ما في البستان، وقيل: بمعنى مفعولة؛ لأن صاحبها يعروها، أي: يأتيها، قاله الجوهري
(2)
.
والعرية أيضًا: النخلة المعراة، وهي التي وهبت ثمرة عامها، والعرية أيضًا: التي تعزل عن المساومة عند بيع النخل. وقيل: هي النخلة التي أكل ما عليها، واستعرى الناس في كل وجه أكلوا الرطب من ذلك، وأنت معرٍ؛ وأدخلت فيها الهاء؛ لأنها أفردت فصارت في عداد الأسماء كالأكيلة والنطيحة، وعراه يعروه إذا أتاه يطلب منه عرية، وأعراه أعطاه إياها، وهي اسم للنخلة المعطى ثمرها، كما
(1)
"الحاوي الكبير" 5/ 135.
(2)
"الصحاح" 6/ 2424.
قالوا: المنيحة للشاة تعطي للبن، وفسرها مالك
(1)
وأحمد
(2)
وإسحاق والأوزاعي
(3)
بأنها إعطاء الرجل من جملة حائطه نخلة أو نخلتين عامًا على ما اقتضاه أهل اللغة، غير أنهم اختلفوا في شروط لها وأحكام، وحاصل مذهب مالك أنها عطية تمر نخلة أو نخلات من حائط، فيجوز لمن أعطيها أن يبيعها إذا بدا صلاحها من كل أحد بالعين والعروض ومن معطيها خاصة بخرصها تمرًا، وذلك بشرط أن يكون أقل من خمسة أوسق، وفي الخمسة أوسق خلاف، وأن يكون خرصها من نوعها ويابسها نخلًا وعنبًا، وفي غيرهما مما يوسق ويدخر للقوت، خلاف، وأن يقوم بالخرص عند الجداد، وأن يشتري
كلها لا بعضها، وأن يكون بيعها عند طيبها، فلو باعها من المعرى قبله على شرط القطع لم يجز؛ لتعدي محل الرخصة.
وأما أبو حنيفة: فإنه فسرها بما إذا وهب رجل تمر نخلة أو نخلات ولم يقبضها الموهوب له، فأراد الواهب أن يعطي الموهوب له تمرًا، أو يتمسك بالثمرة جاز له ذلك؛ إذ ليس من باب البيع، وإنما هو من باب الرجوع في الهبة التي لم تجب بناءً على أصله أن الهبة لا تجب إلا بالقبض، وهذا المذهب إبطال لحديث العرية من أصله، وذلك أنه تضمن أنه نفع مرخص فيه في مقدار مخصوص.
وقال الطحاوي
(4)
: معناها عند أبي حنيفة أن يعري الرجلُ الرجلَ ثمرة نخلة من نخله فلم يسلم ذلك إليه حتى يبدو له، فرخص له أن يحبس ذلك، ويعطيه مكانه خرصه تمرًا، وهذا التأويل كأنه أشبه؛
(1)
"التمهيد" 12/ 46 - 47.
(2)
"المغني" 4/ 178.
(3)
"المحلى" 8/ 462.
(4)
"شرح معاني الآثار" 4/ 31.
لأن العرية إنما هي (العطية)
(1)
، ألا ترى إلى مدح الأنصار إذا مدحهم إذ يقول -يعني سويد بن أبي الصلت- فيما ذكره القرطبي
(2)
-أو حسان بن ثابت فيما ذكره ابن التين-:
ليست بسنهاء ولا رجبيةٍ
…
ولكن عرايا في السنين الجوائح
أي: كأنهم يعرونها في السنين الجوائح، فلو كانت العرية كما ذهب إليه مالك، لم يكونوا ممدوحين بها إذ كانوا يُعطون كما يُعطون، ولكن العرية بخلاف ذلك، فإن قلت: فقد ذكر في حديث زيد بن ثابت: نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في العرايا
(3)
، فصارت في الحديث بيع ثمر بتمر.
فالجواب: أنه ليس في الحديث من ذلك شيء، إنما فيه ذكر الرخصة في العرايا، مع ذكر النهي عن بيع الثمر بالتمر، وقد يقرن الشيء بالشيء وحكمهما مختلف.
فإن قلت: قد ذكر التوقيف في حديث أبي هريرة على خمسة أوسق،
(1)
في الأصل: الحنطة، والمثبت من "شرح معاني الآثار" 4/ 31.
(2)
"المفهم" 4/ 392.
وفيه أن القائل: سويد بن الصامت، وهو الصواب؛ فلم أجد من يسمى بسويد بن أبي الصلت -كما ذكر المصنف رحمه الله شاعرًا كان أو غيره. وهذا البيت ذكره ابن المطرز المطرزي في كتابه "المغرب في ترتيب المعرب" 2/ 58 ونسبه لسويد ابن الصامت، كما ذكره القرطبي وأيضًا قد وجدت ابن عبد البر ترجم له في "الاستيعاب" 2/ 235 (1121) على اختلاف في إسلامه، وقال: أنا شاك في إسلام سويد بن الصامت، كما شك فيه غيري ممن ألف في هذا الشأن قبلي، وكان شاعرًا محسنًا كثير الحكم في شعره اهـ.
وانظر أيضًا: "أسد الغابة" 2/ 489 (2347).
(3)
ينظر ما رواه مسلم (1539).
وفي ذكر ذلك ما ينفي أن يكون حكم ما هو أكثر من ذلك كحكمه.
فالجواب: أنه ليس فيه ما ينفي شيئًا مما ذكرت، وإنما يكون ذلك كذلك لو قال: لا تكون العرية إلا في خمسة، وأما إذا كان الحديث إنما فيه: رخص في العرايا في خمسة أوسق أو فيما دون خمسة أوسق، فذلك أنه صلى الله عليه وسلم رخص فيه لقوم في عرية لهم هذا مقدارها. فنقل أبو هريرة ذلك
وأخبر بالرخصة فيما كانت
(1)
.
وفي "الاستذكار" لابن عبد البر: عن محمود بن لبيد بطريق فيها
انقطاع أنه قال لرجل من الصحابة، إما زيد بن ثابت وإما غيره: ما عراياكم هذِه؟ قال: فسمى رجالًا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا بيدنا ما نبتاعه به؛ فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي بيدهم يأكلونها رطبًا
(2)
.
(1)
انتهى من "شرح معاني الآثار" 4/ 31.
(2)
"الاستذكار" 19/ 125.
وذكره أيضًا في "التمهيد" 2/ 330 وقال: إسناده منقطع ورواه الشافعي في "الأم" 3/ 47 معلقًا عن محمود بن لبيد، ومن طريقه البيهقي في "المعرفة" 8/ 100 (11273).
والحديث تكلم فيه غير ابن عبد البر، قال ابن حزم: حديث لا يدري أحد منشأه ولا مبدأه ولا طريقه، ذكره الشافعي بغير إسناد، فبطل أن يكون فيه حجة. اهـ "المحلى" 8/ 463 بتصرف.
وأعله أيضًا بالانقطاع ابن رشد الحفيد في "بداية المجتهد" 3/ 1327.
وأفاد الماوردي فقال في "الحاوي" 5/ 215: ولم يسنده الشافعي؛ لأنه رواه من السير وجعله مع ما أسنده شاهدًا لصحة مذهبه. اهـ.
والحديث مع ما فيه من ضعف، إلا أن ابن قدامة احتج به في "المغني" 6/ 122 - 123 أو 127. ووجه ذلك أنه توهم صحة الحديث؛ فذكره في "الكافي" 3/ 94 وقال: متفق عليه!
قال الطحاوي: ولا ينفي ذلك أن تكون تلك الرخصة جارية فيما هو أكثر من ذلك، فإن قلت: ففي حديث جابر وابن عمر إلا أنه أرخص في العرايا، فصار ذلك مستثنى من بيع الثمر بالتمر. فثبت بذلك أنه بيع ثمر بتمر.
فالجواب: أنه قد يجوز أن يكون قصد بذلك إلى المعرى، ورخص له أن يأخذ ثمرًا بدلًا من تمرٍ في رءوس النخل؛ لأنه يكون بذلك في معنى البائع وذلك له حلال، فيكون الاستئناء لهذِه العلة، وفي حديث سهل: إلا أنه أرخص في بيع العرية بخرصها تمرًا يأكلها أهلها رطبًا، فقد ذكر للعرية أهلًا وجعلهم يأكلونها رطبًا، ولا يكون ذلك إلا وملكها الذين عادت إليهم بالبدل الذي أخذ منهم، وبذلك ثبت قول أبي حنيفة.
ثم ساق حديث ابن عمر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم البائع والمبتاع عن المزابنة، قال: قال زيد بن ثابت: رخص في العرايا في النخلة والنخلتين توهبان للرجل فيبيعها بخرصها تمرًا
(1)
. فهذا زيد بن ثابت، وهو أحد من روى الرخصة في العرية، فقد أجراها مجرى الهبة. وعن
وتبعه بهاء الدين المقدسي في "العدة" ص 313 - 314، وكذا البهوتي في "كشاف القناع" 3/ 258 وهو وهم تتابعوا عليه.
نبه على ذلك غير واحد: الزيلعي في "نصب الراية" 4/ 14 فقال: ووهم في ذلك؛ فإن هذا ليس في الصحيحين، ولا في السنن بل ولا في شيء من الكتب المشهورة، ولم أجد له سندًا بعد الفحص البالغ.
وكذا المصنف في "البدر المنير" 6/ 588، والحافظ في "التلخيص" 3/ 30، وابن الصمام في "شرح فتح القدير" 6/ 416.
(1)
وروى الشطر الثاني هذا أيضًا الطبراني 5/ 112 (4770) قال النووي -طيب الله ثراه- في "المجموع" 10/ 337: سنده صحيح.
مكحول: أنه عليه السلام قال: "خففوا الصدقات فإن في المال العرية والوصية"
(1)
فدل على أن العرية ما يملكه أرباب الأموال يومًا في حياتهم كما يملكون الوصايا بعد مماتهم
(2)
.
قال ابن رشد: وإلى كونها هبة مال مالك
(3)
.
وقال ابن التين: دعوى أن العرية من الإعارة غير جيد؛ لأن الإعارة فعل معتل العين، والإعراء معتل اللام، ثم لو كانت الإعطاء لما نهي عن بيعها؛ لأن الإعطاء لا يباع وإنما يباع المعطى، ثم حقيقة الاستثناء الاتصال، لا كما قالوه، ثم الرجوع في الهبة لا يحتاج إلى خرص ولا إلى أوسق.
وأما الشافعي فالعرية عنده: بيع الرطب على رءوس النخل بتمر معجل على وجه الأرض لحديث سهل السالف. أو العنب في الشجر بزبيب بجامع أنه زكوي يمكن خرصه: ويدخر يابسه، وكان
كالرطب
(4)
.
(1)
رواه أبو داود في "المراسيل"(118)، وأبو عبيد في "الأموال"(1453)، وابن أبي شيبة 2/ 415 (10562)، والطحاوي 4/ 33 - 34 من طريق جرير بن حازم عن قيس بن سعد عن مكحول، به. قال العيني رحمه الله في "العمدة" 9/ 399: إسناده صحيح وهو مرسل، والمرسل حجة عندنا. اهـ.
ورواه البيهقي 4/ 124 من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، عن عمر بن الخطاب، قوله بنحوه.
والحديث ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 472 عن جابر مرفوعًا.
قال البيهقي 4/ 124: إسناده غير قوي.
(2)
انتهى من "شرح معاني الآثار" 4/ 31 - 34 بتصرف.
(3)
"بداية المجتهد" 3/ 1323 وما بعدها.
(4)
انظر: "الأم" 3/ 49.
قال القرطبي: لم يعرج الشافعي على اللغة المعروفة فيها، وكأنه اعتمد على تفسير يحيى بن سعيد راوي الحديث، فإنه قال: العرية أن يشتري الرجل ثمر النخلات لطعام أهله رطبًا بخرصها تمرًا. قال: وهذا لا ينبغي أن يعول عليه؛ لأنه ليس صحابيًّا فيقال: فهم عن الشارع، ولا رفعه إليه ولاثبت فيه عرف غالب بشرع حتى نرجحه على اللغة، وغايته أن يكون رأيًا ليحيى لا رواية له، ثم يعارضه تفسير ابن إسحاق، فإنه قال: العرايا أن يهب الرجل الرجل النخلات فيشق عليه أن يقوم عليها، فيبيعها بمثل خرصها، ثم هو عين المزابنة المنهي عنها، ووضع رخصه في موضع لا ترهق إليها حاجة أكيدة، ولا يندفع بها مفسدة، فإن المشتري لها بالتمر يمكن من بيع تمره بعين أو عروض، ويشتري بذلك رطبًا، لا يقال: قد يتعذر هذا فأخذ بيع الرطب بالتمر إذا كان الرطب لا على رءوس النخل، إذ قد يتعذر بيع التمر على من هو عنده ممن يريد أن يشتري الرطب به، ولا يجوز ذلك
(1)
.
قلت: التفسير ملحق في آخر الحديث، فيجوز أن يكون من راويه وهو أعرف، وما ذكره البخاري عن مالك في تفسيرها، ذكر أبو عمر ابن عبد البر، عن ابن وهب عنه أنه قال: العرية أن يعري الرجل الرجل النخلة أو النخلتين أو أكثر من ذلك، سنة أو سنتين أو ما عاش، فإذا طاب التمر وأرطب، قال صاحب النخل: أنا أكفيكم سنيها وضمانها ولكم خرصها تمرًا عند الجداد، فكان ذلك منه معروفًا كله عند الجداد ولا أحب أن يتجاوز ذلك خمسة أوسق. قال: وتجوز العرية في كل
(1)
انتهى من "المفهم" 4/ 393 - 394.
ما يبس ويدخر نحو (التين)
(1)
والزيتون، ولا أرى لصاحب العرية أن يبيعها إلا بتمرٍ في الحائط ممن له تمر يخرصه. وقال ابن القاسم عنه: لا يجوز بيع العرية بخرصها حتى يحل بيعها، ولا يجوز بعدما حل بيعها أن يبيعها بخرصها تمرًا إلا في الجداد، وأما بالطعام فلا يصلح
(2)
.
وروى محمد بن شجاع الثلجي
(3)
، عن عبد الله بن نافع، عن مالك أن العرية النخلة والنخلتان للرجل في حائط بعينه، والعادة بالمدينة أنهم يخرجون بأهليهم في وقت الثمار إلى حوائطهم، فيكره صاحب النخل الكثير دخول الآخر عليه، فيقول: أنا أعطيك خرص نخلك تمرًا فأرخص لهما في ذلك. قال أبو عمر: هذِه الرواية مخالفة لأصل مالك في العرية. وروى ابن القاسم عنه وسئل عن نخلة في حائط رجل لآخر له أصلها، فأراد صاحب الحائط أن يشتريها منه بعدما أزهت بخرصها تمرًا يدفعه إليه عند الجداد، فقال: إن كان إنما يريد به الكفاية لصاحبه والرفق به فلا بأس، وإن كان إنما ذلك لدخوله
(1)
في "الاستذكار": الزبيب!
(2)
"المدونة الكبرى" بتصرف 3/ 278.
(3)
ورد بهامش الأصل: قال الذهبي: محمد بن شجاع الثلجي -يعني: بالمثلثة والجيم- صاحب التصانيف، مشهور، مبتدع. وقال في "المغني" قال ابن عربي: كان يضع الأحاديث في "التشبيه" ينسبها إلى أصحاب الحديث يسلبهم بذلك.
قلت (المحقق): وكذا جاء بالأصل: الثلجي، وفي "الاستذكار" 19/ 128 - وهو المصدر المنقول عنه -: البلخي!!
وقال ابن ماكولا: باب: البلخي والثلجي.
قال: أما البلخي نسبة إلى بلخ، فكبير، وأما الثلجي، أوله ثاء معجمة بثلاث، وبعد اللام جيم، فهو محمد بن شجاع الثلجي.
وانظر: "تهذيب الكمال" 25/ 362 (5286).
وخروجه، وحرز ذلك عليه فلا خير فيه. قال ابن القاسم: وليس هذا مثل العرية. قال أبو عمر هذِه الرواية تضارع رواية ابن نافع
(1)
.
وعبارة القاضي في "معونته" أنها على مذهب مالك أن يهب الرجل ثمر نخلة أو نخلات لرجل
(2)
.
قال ابن التين: وهذا إنما يصح على مذهب أشهب وابن حبيب، وأما مالك ففرق بين العرية والهبة، فقال: زكاة العرية وسقيها على المعري وزكاة الهبة وسقيها على الموهوب، ولا تشترى بخرصها.
وذكر (أبو عبد الله الأثرم)
(3)
في "سننه" عن أحمد: العرية أنا لا أول فيها بقول مالك، أقول: هي أن يعري الرجل الجار أو القرابة للحاجة والمسكنة، فإذا أعراه إياها فللمعرى أن يبيعها ممن شاء، ثم قال: نقول: يبيعها من الذي أعراها إياه، وليس هذا وجه الحديث عندي؛ بل يبيعها ممن شاء كذا فسره ابن عيينة وغيره. قلت: فإذا باعها، له أن يأخذ الثمن الساعة أو عند الجداد، قال: يأخذ الساعة. قلت: إن مالكًا يقول: ليس له أن يأخذ التمر الساعة حتى تجدَّ. قال: بلى يأخذه على ظاهر الحديث. قلت: كأنه إنما أرخص له من أجل الحاجة، فله أن يأخذه الساعة، قال: نعم من أجل (الحاجة)
(4)
يأكلها أهلها رطبًا، ثم قال: الذي يشتريها إنما له أن يأكلها رطبًا.
(1)
انتهى من "الاستذكار" 19/ 126 - 128 - 129.
(2)
"المعونة" 2/ 47 - 48.
(3)
كذا بالأصل، والأشهر بل المتواتر أن الأثرم هذا كنيته (أبو بكر)! انظر ترجمته في "تاريخ الإسلام" 20/ 42، و"سير أعلام النبلاء" 12/ 623 (247).
(4)
في الأصل: الساعة. ولعل المثبت هو الصواب.
حدثنا الحكم بن موسى، ثنا عيسى بن يونس، ثنا عثمان بن حكيم، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس أنه قال: لا يصلح أن يباع ما في رءوس النخل بمكيله من التمر، إذا كان بينهما فضل دينار أو عشرة دراهم.
قال الأثرم: فذكرت هذا لأبي عبد الله، فقال: هذا حديث منكر.
قال أبو عمر: ويجوز للرجل أن يعري الرجل حائطه ما شاء، ولكن البيع لا يكون إلا في خمسة أوسق فما دونها
(1)
. وفي "شرح الموطأ" لابن حبيب: العرية في الثمار بمنزلة العمرى في الدار، وبمنزلة
المنيحة في الماشية.
فرع:
لو باع رطبًا بمثله، فأوجهٌ: عندنا: أصحها المنع؛ لأنه ليس في معنى الرخصة.
وثانيها: الجواز؛ لأنه قد يشتري ما عند غيره.
ثالثها: إن اختلف النوع جاز وإلا فلا.
رابعها: إن كان أحدهما على الأرض جاز وإلا لم يجز، وإن كانا على النخل جرى فيه التفضيل، فإن اختلف النوع جاز وإلا فلا.
فرع:
الأصح عندنا أنه لا يجوز إلا فيما دون خمسة أوسق، ولا يجوز في سائر الثمار، ولا يختص بالفقراء، وذلك مبسوط في كتب الفروع وشروحنا.
(1)
"الاستذكار" 19/ 127.
تنبيهات:
أحدها: بيع الثمر على رءوس النخل إذا بدا صلاحه، بالذهب والفضة لا خلاف بين الأمة في جوازه، كما ترجم له البخاري، وكذا بيعها بالعروض قياسًا على النقدين.
ثانيها: قال ابن المنذر: ادعاء الكوفيين أن بيع العرايا منسوخ بنهيه عن بيع التمر بالتمر هو نفس المحال؛ لأن راوي المزابنة هو راوي الرخصة في العرايا، فأثبت الرخصة والنهي معًا على ما ثبت في حديث سهل وجابر.
ثالثها: كان مالك يقول
(1)
: العرايا تكون في الشجر كله من نخل وعنب وتين ورمان وزيتون والثمار كلها، وبه قال الأوزاعي إلا أن مالكًا قال: إذا أعراه الفاكهة مثل: الرمان والتفاح وشبهه لا يجوز أن يشتريها بخرصها؛ لأنه يقطع أخضر ويشتريها بعدما طابت مما يجوز به شراء التمرة بالعين والعرض نقدًا وإلى أجلٍ، وبالطعام نقدًا من غير صنفها إذا جدها مكيلة قبل أن يفترقا، وقد أسلفنا شروطه فيه، وكان الليث يقول: لا تكون العرايا إلا في النخل خاصة.
وقال الشافعي: في النخل والعنب، وفي غيرهما قولان: أصحهما: لا
(2)
.
وفي "صحيح البخاري" -كما سلف
(3)
- ومسلم
(4)
عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب
(1)
"التمهيد" 6/ 466.
(2)
انظر: "روضة الطالبين" 3/ 561.
(3)
برقم (2173) كتاب: البيوع، باب: بيع الزبيب بالزبيب.
(4)
مسلم (1539) كتاب: البيوع، باب: تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا.
أو التمر، ولم يرخص في غير ذلك. وعزاه ابن بطال إلى النسائي
(1)
إثر حديث عزاه إلى مسلم
(2)
، فأوهم أنه ليس فيه، وأغرب منه أنه في البخاري الذي يشرحه.
رابعها: قال أبو عبيد: في العرايا تفسير آخر غير ما فسره مالك، وهو أن العرايا يستثنيها الرجل من حائطه إذا باع ثمرته لا يدخلها في البيع، فيبقيها لنفسه وعياله، فتلك الثنيا لا تخرص عليهم؛ لأنه قد عفي لهم عما يأكلون. سميت عرايا؛ لأنها عريت من أن تباع أو تخرص في الصدقة، فأرخص عليه السلام لأهل الحاجة والمسكنة، الذين لا ورق لهم ولا ذهب، وهم يقدرون على التمر أن يبتاعوا بتمرهم من تمر هذِه العرايا بخرصها، رفقًا بأهل الفاقة الذين لا يقدرون على الرطب، ولم يرخص لهم أن يبتاعوا منه ما يكون لتجارة ولا ادخار، قال أبو عبيد: وهذا أصح في المعنى
(3)
.
خامسها: قد أسلفنا أن العرايا مستثناة من جملة نهيه عليه السلام عن بيع الثمر بالتمر وهي المزابنة، هذا قول عامة أهل العلم، ويجوز عند مالك أن يعري من حائطه ما شاء، غير أن البيع لا يكون إلا في خمسة أوسق فما دون في حق كل أحد ممن أعرى، كما سلف. وبالخلاف في الخمسة، وإنما تباع العرايا بخرصها من التمر في رءوس النخل إلى جدادها، ولا يجوز أن يبتاعها بخرصها نقدًا
وليست له مكيلة؛ لأنه أنزل بمنزلة التولية والإقالة والشركة، ولو كان
(1)
"سنن النسائي" 7/ 267 - 268.
(2)
"شرح ابن بطال": 6/ 310.
(3)
"غريب الحديث" 1/ 140، مادة (عري).
بمنزلة البيوع ما أشرك أحدٌ أحدًا في طعام حتى يستوفيه، ولا أقاله منه، ولا (ولاية)
(1)
حتى يقبضه المبتاع، قال: ولا يبيعها إلا من المعري خاصة، ولا يجوز من غيره إلا على سنة بيع الثمار في غير العرايا، ولا يشتريها بطعام إلى أجل، ولا بتمر نقدًا وإن جدها في الوقت، ذكره ابن بطال
(2)
، وأسلفنا بعضه.
ونقل عن ابن القصار موافقة مالك للشافعي في أنها بيع ما دون خمسة أوسق من التمر، وأنه مخصوص من المزابنة، قال الشافعي: ويجوز بيعها من المعري وغيره يدًا بيد، ومتى افترقا ولم ينفذه بطل العقد، وبه قال أحمد -وقد أسلفنا أن الأصح المنع في الخمسة: لأجل شك الراوي ودونه المحقق، فثبتت الرخصة فيه- واحتج أيضًا بحديث أبي سعيد الخدري: أنه عليه السلام قال: "لا صدقة في العرية" فلو كانت العرية في خمسة أوسق جائزة لوجبت فيها الصدقة، فعلم سقوطها عنها بما دون خمسة أوسق، واحتج الشافعي بما رواه محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حَبان، عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا في الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة
(3)
.
(1)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" 6/ 311 - وهو المصدر المنقول منه-:(ولاه).
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 310 - 311.
(3)
رواه ابن خزيمة 4/ 110، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 30، وابن حبان 11/ 381، والحاكم في "المستدرك" 1/ 417، والبيهقي 5/ 311.
وفي إسناده: عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن جابر، فأسقطه ابن بطال، وتبعه المصنف حين نقل عنه.
قال: فجاءت رواية جابر بغير شك، وثبتت رواية مالك، عن داود التي جاءت بالشك في الخمسة ودونها، ووجه قول مالك أنه لا يجوز بيعها إلا مع المعري خاصة. قوله عليه السلام في حديث سهل:"يأكلها أهلها رطبًا"، ولا أهل لها إلا الذي أعراها. فجاز أن يبيعها من المعري خاصة، لما يقطع من تطرق المعري على المعرى؛ لأنهم كانوا يسكنون بعيالهم في حوائطهم ويتضررون بدخول المعري ولم يكن قصدهم المعروف، فرخص لهم في ذلك، ولذلك قال مالك: لا يجوز بيعها يدًا بيدٍ؛ لأن المشتري لم يقصد بشرائها الفضل والمتجرة. وأما الكوفيون فإنهم أبطلوا سنة العرية، وقالوا: هي بيع الثمر بالتمر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
قال ابن المنذر: فبيع العرايا جائز على ما ثبتت به الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم، والذي رخص في بيع العرايا هو الذي روى النهي عن بيع الثمر بالتمر في لفظ واحد ووقت واحد من حديث جابر وسهل على ما سلف، وليس قبول أحد السُّنَّتين أولى من الأخرى، ولا فرق بين نهيه عليه السلام عن بيع ما ليس عندك، وبين إذنه في السلم، وهو بيع ما ليس عندك، وبين نهيه عن بيع الثمر بالتمر وإذنه في العرايا، ومن قَبِل إحدى السنتين وترك الأخرى فقد ناقض
(1)
.
سادسها: وقع في حديث أبي سعيد، وأنس وابن عباس: المحاقلة، وهي بيع الحنطة في سنبلها بصافيه، وذكر ابن التين فيها ثمانية أقوال:
= والحديث قال عنه الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
قال الألباني في "ثمره" 2/ 824: وليس كذلك؛ لأن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه، ثم إن مسلمًا لم يحتج به وإنما روى له مقرونًا أو متابعة.
(1)
انتهى من "شرح ابن بطال" 6/ 311 - 313 بتصرف.
منها قول مالك: إكراء الأرض بالحنطة وفسره بذلك في حديث أبي سعيد في "الموطأ"
(1)
. وقيل: المزارعة بالثلث والربع ونحوه.
قال ابن بطال: وهو الأشبه بها على طريق اللغة؛ لأن المحاقلة مأخوذة من الحقل والمفاعلة من اثنين في أمر واحد كالمزارعة، ويقال للأرض التي لم تزرع: المحاقل، كما يقال لها المزارع، عن الزجاجي
(2)
.
وفي حديث ابن عمر: نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه. وسيأتي له باب
(3)
.
سابعها: معنى: (رخص في بيع العرايا): أي: في بيع ثمرها، أو يسمى الثمر عرايًا، لما بينها وبين النخل التي هي محل العرايا من التعلق.
ثامنها: يجوز أن يكون اختصت بما دون الخمسة أوسق للرفق؛ لأنه عادة ما جرى بإعرائه، وما زاد عليه فنادر، وشك داود بن الحصين في الخمسة، لم يروه أحد من طريق صحيح غيره، وعليه عول الفقهاء، وفي الحديث دليل على أبي حنيفة؛ لأن العرية لو كانت رجوعًا عن هبة لما اختصت بمقدار.
تاسعها: قوله: (بخرصها) هو بكسر الخاء أي: المخروص، قال ابن التين، عن أبي الحسن: ما علمت أحدًا قرأه بالفتح ولا يذكره في المذاكرة. وقال ابن فارس: خرصت: حزرت ثمر النخل خرصًا، وكم
(1)
"الموطأ" ص 386.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 329 - 330.
(3)
هو الباب التالي، وحديث ابن عمر يأتي فيه برقم (2194).
خرص ذا بالكسر
(1)
. وفي "المطالع": الخرص بالكسر: اسم للشيء المقدر، وبالفتح اسم للفعل. وقال يعقوب: هما لغتان من الشيء المخروص، وأما المصدر بالفتح، والمستقبل بالضم، والكسر في الراء.
قال بعض أهل العلم: ذكر الخرص، دليل على أن ذلك لا يكون إلا بعد الطيب، إذ لو كان لها خرص قبل بدو صلاحها لخرص الثمر حينئذٍ على أهله لأكلهم له بلحًا.
قال الداودي: روي بإسناد فيه نظر: أنه عليه السلام رخص في بيع العرية قبل بدو صلاحها بخرصها من التمر. ولما ذكر ابن التين مقالة ابن إدريس وأنها يدًا بيد، قال: خالفه مالك، فقال: لا يجوز إلا إلى أجل، قال: وخالفه في تفسيرها.
فعند مالك: أنها الموهوب تمرها، وعند الشافعي اسم للبيع، وعند مالك أن جواز بيعها يختص بالمعري، وعنده يجوز من كل أحدٍ
(2)
.
(1)
"المجمل" 2/ 283 مادة (خرص).
(2)
تتمة: في وصل التعليقات المذكورة أول الباب: ذكر البخاري رضي الله عنه في أول هذا الباب خمس تعليقات، ولم يتعرض المصنف رحمه الله لذكر وصل واحدة منها، فأقول وبالله التوفيق: تعليق مالك الأول وصله أبو عوانة في "مستخرجه" 3/ 297 بنحوه. وتعليق ابن إدريس -وهو الشافعي- الثاني وصله البيهقي في "المعرفة" 8/ 102 - 103. كذا عزاه الحافظ في "التغليق" 3/ 258، وفي "الفتح" 4/ 391. وتعليق سهل بن أبي حثمة الثالث وصله الطبري كما في، "التغليق" 3/ 258، وفي "الفتح" 4/ 391. وتعليق ابن إسحاق الرابع وصله أبو داود (3366)، وعنه أبو عوانة، 3/ 297 (5049)، ومن طريقه -أعني أبا داود- البيهقي 5/ 310. قال الألباني في "صحيح أبي داود"(3366): صحيح الإسناد مقطوع. وتعليق يزيد عن سفيان الخامس وصله الذهلي في حديث الزهري، كما في "التغليق" 3/ 259.
وبنحوه وصله أحمد 5/ 192 عن محمد بن يزيد، عن سفيان.
85 - باب بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا
2193 -
وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الأَنْصَارِيِّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ، فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ قَالَ المُبْتَاعُ: إِنَّهُ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ، أَصَابَهُ مُرَاضٌ، أَصَابَهُ قُشَامٌ -عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ:"فَإِمَّا لَا، فَلَا تَتَبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرِ". كَالمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ. وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَرْضِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا، فَيَتَبَيَّنَ الأَصْفَرُ مِنَ الأَحْمَرِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ زَيْدٍ. [فتح: 4/ 393]
2194 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى البَائِعَ وَالمُبْتَاعَ. [انظر: 1486 - مسلم: 1534 - فتح: 4/ 394]
2195 -
حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: يَعْنِي: حَتَّى تَحْمَرَّ. [انظر: 1488 - مسلم: 1555 - فتح: 4/ 394]
2196 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَا قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشَقِّحَ. فَقِيلَ: مَا تُشَقِّحُ؟ قَالَ: تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ وَيُؤْكَلُ مِنْهَا. [انظر: 1487 - مسلم: 1536 (84) - فتح: 4/ 394]
وَقَالَ اللَّيْثُ -يعني: ابن سعد- عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الأَنْصَارِيِّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ أَنَّهُ حَدّثَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يبتاعُونَ الثِّمَارَ، فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ قَالَ المُبْتَاعُ: إِنَّهُ أَصَابَ الثمار الدُّمَانُ، أَصَابَهُ مُرَضٌ، أَصَابَهُ قُشَامٌ -عَاهَاتُ يَحْتَجُّونَ بِهَا- فَقَالَ صلى الله عليه وسلم "فَإِمَّا لَا، فَلَا يَتَبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرِ".
وحديث ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى البَائِعَ وَالمُبْتَاعَ.
وحديث أنسٍ: نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ يباع النَّخْلُ حَتَّى يَزْهُوَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: يَعْنِي: حَتَّى تَحْمَرَّ.
وعن جابرٍ
(1)
نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشَقِّحَ. فَقِيلَ: وَمَا تُشَقَحُ؟ قَالَ: تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ وُيؤْكَلُ مِنْهَا.
الشرح:
تعليق الليث من أفراده، وأخرجه أبو داود إلا ما في آخره عن أحمد بن صالح، عن عيينة بن خالد، عن يونس بن يزيد، عن أبي الزناد،
(2)
، وأخرجه البيهقي من طريق الحاكم وغيره عن الأصم، أنا ابن عبد الحكم، ثنا أبو زرعة وهب بن عبد الله بن راشد بن يونس، قال: قال أبو الزناد: كان عروة يحدث، فذكره
(3)
.
(1)
فوقها في الأصل: مسند متصل.
(2)
أبو داود (3372).
(3)
البيهقي 5/ 301.
وروينا من حديث عيينة بن سعيد، عن زكري ابن خالد، عن أبي الزناد، عن عروة بن الزبير، عن سهل بن أبي حثمة، عن زيد بن ثابت قال: كانوا يبتاعون الثمار قبل أن تطلع، ثم يختصمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكثر خصومتهم، فقال عليه السلام:"أما إذ فعلتم هذا فلا تبايعوه حتى يبدو صلاحه".
وحديث ابن عمر أخرجه مسلم
(1)
، وزاد البخاري في موضع آخر: وعن بيع الورق نس ابن اجز، وهذِه الزيادة موقوفة عنده على ابن عمر
(2)
، قال عبد الحق: وهو الصحيح، قال: وقد رويتها مسندة في رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحديث أنس أخرجه مسلم أيضًا
(3)
، وكذا حديث جابر أيضًا
(4)
، وفي الباب عن ابن عباس أخرجاه
(5)
، وأبي هريرة انفرد به مسلم
(6)
، وأنس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحب حتى يشتد، وبيع العنب حتى يسود، وعن بيع التمر حتى يحمر ويصفر. على شرط مسلم، كما قال الحاكم
(7)
.
(1)
مسلم (1534) كتاب: البيوع، باب: النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع.
(2)
سيأتي برقم (2247) كتاب: السلم، باب: السلم في النخل.
(3)
مسلم (1555) كتاب: المساقاة، باب: وضع الجوائح.
(4)
مسلم (1536) كتاب: البيوع، باب: النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها.
(5)
سيأتي برقم (2250) كتاب: السلم، باب: السلم في النخل، ورواه ومسلم (1537) كتاب: البيوع، باب: النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها.
(6)
مسلم (1538).
(7)
"المستدرك" 2/ 19.
إذا تقرر ذلك:
فقوله: (إذا جد الناس) أي: قطعوا ثمر نخلهم، ومنه الجداد بفتح الجيم وكسرها المبالغة في الأمر، وقوله: جد كذا في الرواية. وقال ابن التين: أكثر الروايات أجد أي: دخل زمنه، كأظلم: دخل في الظلام.
والدُّمان: بضم الدال وتخفيف الميم وهو أن تنشق النخلة أول ما يبدو قلبها عن عفن وسواد. وحكى صاحب "المطالع" فيه الفتح والكسر أيضًا، وبالفتح ذكره أبو عبيد، ومعناه: فساد الطلع وتعفينه.
وعند أبي داود من طريق ابن داسة: الدمار بالراء. وكأنه ذهب إلى
الفساد المهلك جميعه المذهب له، وقال القاضي: إنه تصحيف
(1)
، وقال الخطابي: لا معنى له، قال: وقال الأصمعي الدمال باللام -في آخره-: المتعفن
(2)
. وحكى أبو عبيد عن أبي الزناد: الأدمان بفتح الهمزة والدال، والصحيح الدمان
(3)
وقال أبو حنيفة: هو الذي قد عتق جدًّا وفسد، وأصله السماد.
وزعم بعضهم أنه فساد التمر وعفنه قبل إدراكه حتى يسود من الدمن وهو: السرقين، والضم ما في "غريب الخطابي"
(4)
، وهو القياس، لأن ما كان من الأدواء والعاهات، فالبضم كالسعال والزكام والصداع والمراض. قال ابن التين: وهو اسم لجميع الأدواء على وزن فُعال غالبًا، وضبط في أكثر الأمهات بالكسر، وقال في "المحكم": الدمن والدمان: عفن النخل وسوادها وقيل: هو أن تنسع النخلة عن عفن
(1)
"مشارق الأنوار" 1/ 258 (دمن).
(2)
"غريب الحديث" 1/ 306.
(3)
ورد في هامش الأصل: بضم الدال وفتحها كذا في "المطالع".
(4)
"غريب الحديث" 1/ 306.
وسواد
(1)
، وقال القزاز: هو فساد النخل قبل إدراكه، وإنما يكون ذلك في الطلع يخرج قلب النخلة أسود ومعفونًا.
والمراض: بضم الميم، وحُكي كسرها: داء يصيب النخل، قال الخطابي: هو اسم لجميع الأمراض على وزن فُعال غالبًا
(2)
، وضبط في الأمهات بكسر الميم.
والقشام: بضم القاف عن الأصمعي وغيره -انتفاض ثمر النخل قبل أن يصير بلحًا، فإذا كثر نفض النخلة وعظم ما بقي من قشرها قيل: جردت، وقيل: هو أكال يقع في التمر، وهو القشم وهو الأكل، حكاه ابن بطال
(3)
وابن التين. وذكر الطحاوي في حديث عروة عن سهل عن زيد: والقشام شيء يصيبه حتى لا يرطب
(4)
.
وقوله: (فإما لا فلا تتبايعوا)، قال سيبويه: كأنه يقول: افعل هذا إن كنت لا تفعل غيره
(5)
. وإنما هي لا أميلت في هذا الموضع؛ لأنها جعلت مع ما قبلها كالشيء الواحد، فصارت كأنها ألف رابعة فأميلت لذلك، وعلى الإمالة كتبت بالياء. وذكر الجواليقي: لأن العوام يفتحون الألف والسلام ويسكنون الياء، والصواب كسر الألف وبعدها لا، وأصله إلا يكون ذلك الأمر فافعل هذا، وما زائدة، وقال ابن الأنباري: دخلت ما صلة كقوله: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَدًا} [مريم: 26] فاكتفي بلا من الفعل. كما تقول العرب: من سلم عليك فسلم عليه
(1)
"المحكم" 10/ 70.
(2)
"أعلام الحديث" 2/ 1077.
(3)
"شرح ابن بطال" 6/ 318.
(4)
"شرح معاني الآثار" 4/ 28.
(5)
"الكتاب" 1/ 294 - 295.
ومن لا، أي: فلا، فالتفسير بلا من الفعل، وأجاز الفراء من أكرمني أكرمته، ومن لا. أي: لم أكرمه. قال ابن الأثير: أصلها (إن ما) أدغمت النون في الميم، و (ما) زائدة لفظًا لا حكم لها، وقد أمالت العرب لا إمالة خفيفة، والعوام يشبعون إمالتها، وتصير ألفها ياءً وهو خطأ، ومعناها: إن لم تفعل هذا فليكن هذا
(1)
.
وقوله: (كالمشورة يشير بها)، قال الهجري في "نوادره ": شوار بفتح الشين المشورة بإسكان الواو فعولة، وعند ابن سيده: هي مفعلة ولا تكون مفعولة؛ لأنها مصدر والمصادر لا تجيء على مثال مفعولة. وإن جاءت على مثال مفعول وكذلك المشورة
(2)
. وقال الفراء فيما حكاه في "الجامع": مشورة: قليلة، وبدأ بها صاحب "المنتهى" والجوهري قبل الضم
(3)
، وزعم صاحب "التثقيف" والحريري وغيرهما: أن إسكان الشين وفتح الواو مما تلحن فيه العامة، وليس بجيد، وهي مشتقة من شُرت العسل إذا جنيته، فكان المستشير يجتني الرأي من المشير، وقيل: بل أخذ، من قولك: شرف الدابة إذا أجريتها مقبلة ومدبرة؛ لتسير جريها وتخبر جوهرها
(4)
، فكأن المستشير يستخرج الرأي الذي عند المشير، وكلا الاشتقاقين متقارب، والمراد بهذِه المشورة أن لا يشتروا شيئًا حتى يتكامل صلاحه، لئلا تجري منازعة. قال الداودي: هذا تأويل من بعض نقلة الحديث، وإن يكن محفوظًا فقد يكون ذلك أول الأمر، ثم عزم بعدُ كما في حديث ابن عمر مُبَيِّنًا النهي، وكذا حديث أنس وغيرهما.
(1)
"النهاية" 1/ 72.
(2)
"المحكم" 8/ 82.
(3)
"الصحاح" 2/ 705.
(4)
انظر: "لسان العرب" 4/ 2356، 2358.
وقوله: (وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثريا فيتبين الأصفر من الأحمر)، يريد مع طلوع الفجر تكون طالعة من المشرق، وهو استقبال الصيف ووقت خروج السعاة، ومنه قولهم: إذا طلعت الثريا فهي للراعي كسيا، وعن مالك أنه لم يأخذ بقول زيد هذا، وذكر أن الحكم عنده: لا تباع ثمار حتى تزهو، ولعل زيدًا أيضًا لم يكن تطلع الثريا إلا وثماره قد زهت، فلذلك كان يبيعها.
قلت: ولعل زيدًا أخذ بحديث حتى تذهب العاهة، قيل: متى ذلك؟ قال: طلوع الثريا، ذكره الطحاوي من حديث ابن عمر
(1)
؛ لأن الثريا إذا طلعت آخر الليل بدا صلاح الثمار بالحجاز خاصة، لأنه أشد حرًّا من غيره.
وقوله: (يزهو قال أبو عبد الله: تحمر) هو كما قال، قال ابن فارس: الزهو: احمرار الثمر واصفراره
(2)
، وحكى بعضهم: زها وأزهى، وقال الأصمعي: ليس إلا زهى، وقال القزاز: يقال زها البسر يزهو زهوًا إذا احمر أو اصفر، ويقال: زهى النخل وأزهى إذا صار بسره كذلك، وقال ابن الأعرابي: زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته، وأزهى إذا احمر أو اصفر، وقال غيره: يزهو خطأ في النخل،
وإنما يقال: يزهي، وقد حكاهما أبو زيد الأنصاري. وفي "المحكم": الزهو يعني: بفتح الزاي وضمها: البسر إذا ظهرت فيه الحمرة، وقيل: إذا لون، واحدته زهوة، وأزهى النخل، وزهى تلون بحمرة
أو صفرة
(3)
. وقال الخطابي: الصواب في العربية تزهي.
(1)
"شرح معاني الآثار" 4/ 23.
(2)
"معجم مقاييس اللغة" ص 441.
(3)
"المحكم" 4/ 295.
والشقح: تغير لونها إلى العمرة والصفرة قاله القزاز، وأراد بقوله:(تحمار وتصفار) ظهور أوائلهما، وإنما يقال: تفعال في اللون غير المتمكن إذا كان يتلون مرة ومرة ألوانًا، وأنكره بعض أهل اللغة، وقال: لا فرق بين تحمر وتحمار. ومعنى يبدو: يظهر، وهو بلا همز، ووقع في كتب بعض المحدثين بألف بعد الواو وهو خطأ، والصواب حذفها في مثل هذا للناصب، وإنما اختلفوا في إثباتها إذا لم يكن ناصب، مثل: زَيْدٌ يبدو. والاختيار حذفها، ووقع في مثل: حتى تزهوا، وصوابه حذف الألف منه.
أما حكم الباب: فإن باع الثمرة بعد بدو صلاحها، جاز بشرط القطع، وبشرط الإبقاء وفاقًا لمالك وخلافًا لأبي حنيفة، حيث قال: يجب بشرط القطع والإطلاق يقتضي الإبقاء. وإن باعها قبل بدو الصلاح منفردة عن الشجر فلا يجوز إلا بشرط القطع، فإن شرط الإبقاء فلا خلاف في فساده، ذكره جماعة وحكى بعضهم عن يزيد بن أبي حبيب جوازه، والأخبار ترده، وإن أطلق فلا يجوز خلافًا لأبي
حنيفة. لنا أن النهي عام.
قال الطحاوي: ذهب قوم إلى هذِه الآثار فقالوا: لا يجوز بيع الثمرة في رءوس النخل حتى تحمر أو تصفر
(1)
، وعزاه غيره إلى الليث ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق.
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يجوز بيعها إذا ظهرت وإن لم يبدو صلاحها.
احتجوا بقوله في الحديث الآتي "من ابتاع نخلًا بعد أن تؤبر فثمرتها
(1)
"شرح معاني الآثار" 4/ 24.
للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع"
(1)
فأباح بيع ثمره في رءوس النخل قبل بدو صلاحها.
وقالوا: ما لم يدخل ما بعد الآبار في الصفقة إلا بالشرط جاز بيعها، فدل أن نهيه عن بيعها حتى يبدو صلاحها، المراد به غير هذا المعنى، وهو النهي عن السلم في الثمار في غير حينها وقبل أن تكون، فيكون بائعها بائعًا لما ليس عنده، وقد نهى عن ذلك في نهيه عن السنين كما روي من حديث جابر
(2)
، والحسن عن سمرة
(3)
، وفسره سفيان ببيع الثمار قبل بدو الصلاح، وأما بيعها بعدما ظهرت في أشجارها فجائز فيقال له: قد يدخل في عقد البيع أشياء لو أفردت بالبيع لم يجز بيعها مفردة، ويجوز في البيع تبعًا لغيرها، من ذلك أنه يجوز بيع الأَمة والناقة حاملتين، ولا يجوز عند أحد من الأئمة بيع العمل وحده؛ لنهيه عليه السلام عن بيع حبل الحبلة
(4)
، وإنما لم يجز إفراده بالبيع، لأنه غرر، ونظيره بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، مع أن حديث جابر وأنس في النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها يغنيان عن حجة سواهما؛ لأنه قد فسر فيهما أن المراد ببدو صلاحها أن تحمر أو تصفر، وذلك علامة صلاحها للأكل ألا ترى قوله في حديث جابر بعد ذكرهما:(ويؤكل منهما)، فلا تأويل لأحد مع تفسير الشارع فهو المقنع.
(1)
سيأتي برقم (2379) كتاب: المساقاة، باب: الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نحل.
(2)
رواه مسلم (1536).
(3)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 25، والطبراني 7/ 209 - 210 (6870). قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 104: رجاله موثقون.
(4)
سلف برقم (2143)، ورواه مسلم (1514).
وقال بعض الكوفيين: النهي عنه للتنزيه فقط والمشورة عليهم لكثرة ما كانوا يختصمون إليه فيه، واحتجوا بحديث زيد بن ثابت، وأئمة الفتوى على خلاف قولهم، والنهي عندهم محمول على التحريم، وكان محمد بن الحسن يذهب إلى أن النهي الذي ذكرناه هو بيع الثمرة على أن تترك في رءوس النخل حتى تتناهى وتجد، وقد وقع البيع عليه قبل التناهي، فيكون المشتري قد باع ثمرًا ظاهرًا. وأما تنميه على نخل البائع بعد ذلك إلى أن يجد فذلك باطل، فأما إذا وقع البيع بعدما تناهى عظمه وانقطعت زيادته فلا بأس بابتياعه، واشتراط تركه إلى أن يحصد ويجد، وإنما وقع النهي عن ذلك لاشتراط الترك
لمكان الزيادة.
قال: وفي ذلك دليل على أنه لا بأس بذلك الاشتراط في ابتياعه بعد عدم الزيادة. قال الطحاوي: وتأويل أبي حنيفة وأبي يوسف في هذا أحسن عندنا، والنظر يشهد له
(1)
. وتخصيصه عليه السلام البائع والمبتاع بالذكر يدل على تأكيد النهي في ذلك؛ لأن النهي إذا ورد عن الله ورسوله فحقيقته الزجر عما ورد فيه، قال تعالى {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ومعنى النهي عن ذلك عند عامة العلماء خوف الغرر؛ لكثرة الجوائح فيها، وقد بين ذلك بقوله:"أرأيت إن منع الله الثمرة" إلى آخره كما سيأتي، فنهى عن أكل المال بالباطل، فإذا بدا صلاحها واحمرت أمنت العاهة عليها في الأغلب وكثر الانتفاع بها؛ لأكلهم إياها رطبًا فلم يكن قصدهم بشرائها الغرر، وأما فعل زيد بن ثابت في مراعاته طلوع الثريا فقد روي عن عطاء، عن أبي هريرة،
(1)
"شرح معاني الآثار" 4/ 28.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا طلع النجم صباحًا رفعت العاهة عن أهل
البلد"
(1)
يعني: الحجاز، والنجم: الثريا. وطلوعها صباحًا لاثنتي عشرة تمضي من شهر مايُه.
وقال ابن القاسم، عن مالك: لا بأس أن تباع الحوائط وإن لم تُزهِ إذا زهى ما حوله من الحيطان، وكان الزمان قد أمنت العاهة فيه، ولا يجوز عندنا، واختلفوا في بيع جميع الحائط فيه أجناس التمر يطيب جنس واحد منه، فقال مالك: لا أرى أن يباع ذلك الصنف الواحد الذي طاب أوله دون غيره، وهو قول الشافعي. وقال الليث: لا بأس أن تباع الثمار كلها متفقة الأجناس أو مختلفة يطيب جنس
منها أو مخالف لها، واحتج بأنه عليه السلام: نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، فعم الثمار كلها فإذا بدا الصلاح في شيء منها، فقد بدا الصلاح في الثمار كلها؛ لأنه لم يخص، وعن أحمد روايتان فيما إذا بدا الصلاح في بعض الجنس هل يجوز بيع ذلك الجنس:
إحداهما: نعم.
وثانيتهما: لا إلا بيع ما قد بدا صلاحه.
فائدة: قال البخاري: آخر حديث زيد بن ثابت، رواه علي (د. ت) بن بحر
(2)
، ثنا حُكام، ثنا عيينة، عن زكريا عن أبي الزناد، عن عروة، عن
(1)
رواه أحمد 2/ 341 و 388، والبزار كما في "كشف الأستار"(1292)، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 192 - 193 من طريق عسل بن سفيان، عن عطاء، به.
ورواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 78، وفي "الصغير" 1/ 81 (104) من طريق أبي حنيفة، عن عطاء، به.
والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة"(397).
(2)
ورد في هامش الأصل: توفي علي سنة 234، وحكام: ثقة، توفي 110.
سهل. حكام: هو ابن سهل الرازي، وعيينة
(1)
(خت. ت. س) هو ابن سعيد بن الضريس. وزكرياء: هو ابن أبي زائدة. ومات علي بن بحر البغدادي سنة 234.
(1)
ورد بهامش الأصل: وعيينة قال المزي في "أطرفه": إن زكريا هو: ابن خالد وذكر في "تهذيبه" أنه روى عن أبي الزناد، وروى عنه قتيبة ابن سعيد، وعلم
…
ثم ذكره بعده ابن أبي زائدة وإن كان اسم أبي زائدة: خالدًا.
86 - باب بَيْعِ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا
2197 -
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا مُعَلًّى، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَعَنِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ. قِيلَ: وَمَا يَزْهُو؟ قَالَ: يَحْمَارُّ أَوْ يَصْفَارُّ. [انظر: 1488 - مسلم: 1555 - فتح: 4/ 397]
ذكر فيه حديث أنس أَنَّه صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا،
وَعَنِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ. قِيلَ: وَمَا يَزْهُو؟ قَالَ: يَحْمَارُّ أَوْ يَصْفَارُّ.
87 - باب إِذَا بَاعَ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا ثُمَّ أَصَابَتْهُ عَاهَةٌ فَهُوَ مِنَ البَائِعِ
2198 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ. فَقِيلَ لَهُ: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ ". [انظر: 1488 - مسلم: 1555 - فتح: 4/ 398]
2199 -
قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ ثَمَرًا قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، ثُمَّ أَصَابَتْهُ عَاهَةٌ، كَانَ مَا أَصَابَهُ عَلَى رَبِّهِ. أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَلَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ". [انظر: 1486 - مسلم: 1534 - فتح: 4/ 398]
ذكر فيه حديث أنس أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ. قال: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ. فَقَالَ: "أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ ".
وقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ ثَمَرًا قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، ثُمَّ أَصَابَتْهُ عَاهَةٌ، كَانَ مَا أَصَابَهُ عَلَى رَبِّهِ. أَخْبَرَنِي سَالِمُ عن أبيه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَبتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَلَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ".
الشرح:
حديث أنس أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
(1)
مسلم (1555) كتاب: المساقاة، باب: وضع الجوائح.
وقوله: (أرأيت) إلى آخره هو من قول أنس، وقد جاء صريحًا بعده في باب: بيع المخاضرة؛ فقلت لأنس: ما زهوها؟ قال: تحمر وتصفر، ثم قال: أرأيت إن منع الله الثمرة، بم تستحل مال أخيك
(1)
وقد بين ذلك الخطيب في كتاب "المدرج"
(2)
، والدارقطني في تتبعه روايات مالك، وقال عبد الحق: ليس بموصول عنه في كل طريق، ثم روى بعده عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن لم يثمرها الله، فبم يستحل أحدكم مال أخيه؟ ".
ومن أفراد مسلم من حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح
(3)
. وفي رواية له "لو بعت من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق"
(4)
وحديث ابن عمر سلف
(5)
، وتعليق الليث أسنده مسلم عن أبي الطاهر، وحرملة عن ابن وهب، عن يونس
(6)
، وذكر الخطيب في كتاب "المدرج" أن أبا الوليد رواه، عن شعبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر بزيادة: وكان إذا سئل عن صلاحها قال: حتى تذهب عاهتها. قال الخطيب: وهذِه الزيادة من قول ابن عمر، بيَّن ذلك مسلم بن إبراهيم وغندر في روايتهما هذا الحديث عن شعبة
(7)
.
(1)
سيأتي قريبًا برقم (2208).
(2)
"المدرج" 1/ 176.
(3)
مسلم (1554) كتاب: المساقاة، باب: وضع الجوائح.
(4)
مسلم (1554/ 14).
(5)
سلف برقم (1486) كتاب: الزكاة، باب: من باع ثماره أو نخله.
(6)
مسلم (1534) كتاب: البيوع، باب: النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها.
(7)
"المدرج" 1/ 168.
والحديث دليل على أبي حنيفة كما سلف، وأن حكم الثمار إذا بيعت بعد بدو صلاحها إذا لم يشترط فيها القطع التبقية، وأن على البائع تركها إلى أوان الجداد، وأن العرف فيه بمنزلة الشرط.
وفيه: دلالة على استحباب وضع الجائحة، وأكثر العلماء على أنه استحباب، وقال مالك: هو إيجاب.
قال ابن بطال: بيع الثمار قبل بدو صلاحها فاسد؛ لنهيه عليه السلام عنه ومصيبة الجائحة فيه من البائع؛ لفساد البيع، وأنه لم ينتقل ملك البائع عن الثمرة بالعقد، ولا قبضه المشتري؛ لأن القبض لا يكون فيما لم يتم، وإنما يلبث في ملك البائع ويده فلا شيء على المشتري، والأصل في وضع الجائحة حديث جابر الذي أسلفناه، واستدل جماعة من الفقهاء بقوله:(أرأيت إن منع الله الثمرة) على وضعها في التمر يشترى بعد بدو صلاحه شراءً فاسدًا، ويقبضه في رءوس النخل ثم تصبه جائحه.
وذهب مالك وأهل المدينة إلى أن الجائحة التي توضع عن المشتري الثلث فصاعدًا، ولا يكون ما دون ذلك جائحة. وقال أحمد، وأبو عبيد، وجماعة من أهل الحديث: الجائحة، موضوعة قليلها وكثيرها. وذهب الليث والكوفيون والشافعي إلى أن الجائحة في مال المشتري، ولا يرجع على البائع بشيء واحتجوا بأن قوله:"أرأيت" إلى آخره إنما ورد في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها مطلقًا من غير شرط القطع فتلفت بجائحة، أن مصيبتها من البائع؛ لأن البيع كان باطلًا، وإلى هذا المعنى ذهب البخاري في هذا الباب، والدليل عليه أنه وارد في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها قوله:"فبم يستحل أحدكم مال أخيه؟ "
وبعد بدو الصلاح يكون البيع صحيحًا، ولا يجوز أن يقال فيه ذلك؛ لأنه يستحله بالعقد.
وأجيب بأنه إن استحله بعقد البيع فإن تمام العقد لا يحصل عند المخالف إلا باجتناء الثمرة، وقبل ذلك المصيبة من البائع، وليس قبض كل ما يشترى كله على وجه واحد، ألا ترى أن الرجل يستأجر ظئرا شهرًا واحدًا؛ لإرضاع ولده، فهو في معنى اللبن الذي لا يستطيع قبضه في موضع واحد، فلو انقطع اللبن في نصف الشهر لرجع بما يصيبه، فكذلك الثمرة إذ العادة أن تؤخذ أولًا، فأولًا عند إدراكه وتناهيه، ولو اشتراه مقطوعًا لكانت مصيبته من المشتري؛ لأنه يقدر على أخذه كله حالًا، فإن قلت: فقولوا بالجائحة مطلقًا، كما قال به من سلف.
فالجواب: أنها في لسان العرب، إنما هي فيما كثر دون ما قل؛ لأنه لا يقال لمن ذهب درهم من ماله وهو يملك ألوفًا: إنه أُجيح
(1)
.
ومن جهة المعقول أن المشتري قد دخل على ذهاب اليسير من الثمرة؛ لأنه لا بد أن يسقط منها شيءٌ، وتلحقه الآفة، ويأكل الطير وغيره منها فلم يجب على البائع أن يضع عن المشتري ذلك المقدار الذي دخل عليه حتَّى يكون في حد الكثير، وأول حدِّ الكثير في الشيء ثلثه فصاعدًا بدليل قوله عليه السلام لسعد:"الثلث والثلث كثير"
(2)
فجعل ثلث ماله كثيرًا في ماله، ولهذا قال مالك: إنه يوضع الثلث فصاعدًا؛ ليكون قد أخذ بالخبر والنظر. وقال يحيى بن سعيد:
(1)
انتهى من "شرح ابن بطال" 6/ 319 - 320.
(2)
سلف برقم (1295) كتاب: الجنائز، باب: رَثى النبي سعد بن خولة.
لا جائحة فيما أصيب دون رأس المال، وذلك سنة المسلمين.
خاتمة: تحصلنا على أن النهي للتحريم عند الجمهور، وبالتنزيه قال أبو حنيفة، وإنه إن شرط القطع جاز؛ لانتفاء الضرر، وخالف ابن أبي ليلى والثوري، ولو شرط تمسكًا بعموم الأحاديث، وهو: خلاف
الإجماع كما نقله النوويُّ.
قال القرطبيُّ: ويجوز اشتراط البقاء عند الكافة، وكذلك له الإبقاء، وإن لم يصرِّح باشتراطه عند مالك، إذ لا يصلح اجتناء الثمرة دفعة واحدة؛ لأن تناهي طيبها ليس حاصلًا، وإنما يحصل في أوقات، وشذَّ ابن حبيب فقال: هي على الجدِّ حتى يشترط البقاء
(1)
، وإذا اشترط القطع ثم لم يقطع فالبيع صحيح، ويلزم البائع بالقطع، فإن تراضيا على إبقائه جاز، وإنما اشترط بدو الصلاح لأمور منها: أن ثمن الثمرة في تلك الحال قليل، فإذا تركها حتى تصلح زاد ثمنها، وفي تعجيله القليل نوع تضييع للمال. ومنها: أن يوقع أخاه المسلم في نوع غرر، ومنها: المخاطرة والتغرير بماله، ومنها: مخافة
التشاجر عند فساد الثمرة.
(1)
"المفهم" 4/ 389.
88 - باب شِرَاءِ الطَّعَامِ إِلَى أَجَلٍ
2200 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَفِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. [انظر: 2068 - مسلم: 1603 - فتح: 4/ 399]
ذكر فيه حديث الأَعْمَش قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَفِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ.
هذا الحديث سلف في أوائل البيع، وترجم عليه (هناك)
(1)
باب: شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة
(2)
، ولا خلاف فيه بين الأمة أن يشتري شيئًا بثمن معلوم إلى أجل معلوم.
(1)
ألحقت في الأصل بين السطرين.
(2)
سلف برقم (2068).
89 - باب إِذَا أَرَادَ بَيْعَ تَمْرٍ بِتَمْرٍ جنيب
2201، 2202 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ المَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ ". قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَفْعَلْ، بِعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا".
الحديث 2201 - [2302، 4244، 4246، 7350 - مسلم: 1593 - فتح: 4/ 399]
الحديث 2202 - [2303، 4245، 4247، 7351 - مسلم: 1593 - فتح: 4/ 399]
ذكر فيه حديث أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَييبٍ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:"أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ ". قَالَ: لَا والله يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَنَأخُذُ الصَّاعَ مِنْ هذا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَفْعَلْ، بِعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
قال ابن عبد البرِّ: ذكر (أبو)
(2)
هريرة في هذا الحديث لا يوجد من غير رواية عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن عن ابن المسيب عنهما رواه عنه مالك، وإنما يحفظ لأبي سعيد، كذا رواه قتادة عن سعيد من رواية حفاظ أصحاب قتادة، وروى الدراوردي عن عبد المجيد بن سهيل، عن أبي صالح السمان عنهما، ولا نعرفه بهذا الإسناد هكذا
(1)
مسلم (1593)، كتاب: المساقاة، باب: بيع الطعام مثلًا بمثل.
(2)
كذا في الأصل، والجادة أن يكتب أبي بالياء، ووجهه هنا الحكاية.
إلَّا من حديث الدراوردي، وكل من روى عن عبد المجيد بن سهيل هذا عنه بإسناده عن سعيد عنهما ذكره في آخره. وكذا الميزان، إلَّا مالكًا فإنه لم يذكره في حديثه
(1)
، وذكر البخاري، في المغازي، قال عبد العزيز الدراوردي: عن عبد المجيد، عن ابن المسيب عنهما أنهما حدثاه:
أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعث أخا عديٍّ من الأنصار إلى خيبر فأمَّره عليها. وعن عبد المجيد، عن أبي صالح عنهما مثله
(2)
.
قال أبو عمر: جل أصحاب مالك يقولون: عبد المجيد
(3)
، وفي رواية ابن نافع: عبد الحميد، وعند يحيى بن يحيى ويحيى بن بكير وابن عيينة القولان جميعًا، وعبد الحميد أصح
(4)
.
إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها: اسم هذا العامل: سواد بن غزية بن وهب البدري البلوي حليف الأنصار. وقيل: مالك بن صعصعة الخزرجي، ذكره الخطيب
(5)
، وجزم ابن بشكوال بالأوَّلِ
(6)
.
ثانيها: وقع في بعض الروايات بالثلاث بغير هاءٍ، وفي بعضها
(1)
"التمهيد" 20/ 56 - 57.
(2)
سيأتي برقم (4247) باب: استعمال النبي على أهل خيبر.
(3)
"التمهيد" 20/ 55.
(4)
ورد في هامش الأصل ما نصه: قال في "المطالع": وفي الشرح عن عبد الحميد بن سهيل، كذا لجميع رواة "الموطأ" وللقعنبي وابن القاسم في آخرين عبد المجيد وهو الأكثر، وعبد الحميد ذكره البخاري في "الصحيح" و"التاريخ" وقد اختلف فيه الرواة عن مسلم في باب: آخر ما نزل من القرآن الحلواني يقول: عبد المجيد، وابن ماهان يقول: عبد الحميد. انتهى، فقد صرح هذا بأن عبد المجيد أكثر.
(5)
"الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" ص 375 (183).
(6)
"غوامض الأسماء المبهمة" 1/ 164 - 165.
بإثباتها. والصاع يذكر ويؤنث
(1)
، والجنيب: أرفع التمر، والجمع رديء.
ثالثها: قال ابن عبد البرِّ: الميزان، وإن لم يذكره مالك فهو أمر مجمع عليه، لا خلاف بين أهل العلم فيه، كل يقوله على أصله إن ما داخله
(2)
في الجنس الواحد من جهة التفاضل والزيادة لم تجز فيه الزيادة والتفاضل لا في كيل ولا في وزن، والوزن والكيل عندهم في ذلك سواء، إلَّا ما كان أصله الكيل لا يباع إلَّا كيلًا، وما كان أصله الوزن لا يباع إلَّا وزنًا، وما كان أصله الكيل فبيع وزنًا فهو عندهم مماثلة وإن كرهوا ذلك، وما كان موزونًا فلا يجوز أن يباع كيلًا عند جميعهم؛ لأنَّ المماثلة لا تدرك بالكيل، إلَا فيما كان كيلًا ولا وزنًا اتباعًا للسنة.
وأجمعوا أنَّ الذهب والورق والنحاس وما أشبه لا يجوز شيء من هذا كله كيلًا بكيل بوجه من الوجوه، والتمر كله على اختلاف أنواعه جنس واحد لا يجوز فيه التفاضل في البيع والمعاوضة، وكذلك البر والزبيب، وكل طعام مكيل
(3)
، هذا حكم الطعام المقتات عند مالك، وعند الشافعي: الطعام كله مقتات، أو غير مقتات، وعند الكوفيين: الطعام المكيل والموزون دون غيره
(4)
.
رابعها: فيه: أن من لم يعلم بتحريم الشيء فلا حرج عليه حتَّى يعلمه، قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وقام الإجماع على أن البيع إذا وقع محرمًا فهو مفسوخ مردود؛
(1)
"تهذيب اللغة" 2/ 1961 مادة: (صاع).
(2)
في التمهيد: ما داخله الربا.
(3)
"التمهيد" 20/ 57 - 58.
(4)
"الاستذكار" 19/ 143 - 144.
لقوله: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ"
(1)
وفي "صحيح مسلم": "فردوه"
(2)
. وسيأتي حديث أبي سعيد الخدري قال: جاء بلال بتمر برني، فقال له عليه السلام:"من أين هذا؟ " فقال بلال: تمر كان عندنا رديء فبعته صاعين بصاع؛ لمطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عند ذلك:"أوه عين الربا لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به"
(3)
، وللبخاري:"أوه أوه عين الربا" مرتين
(4)
، ولم يعز ابن بطال هذا الحديث إلى البخاري الذي هو شارحه بل قال: وقد روي أنه عليه السلام أمر بردِّ هذا البيع من حديث بلال بن رباح، ومن حديث أبي سعيد الخدري، ثم ساق حديث بلال وفي آخره:"انطلق فرده على صاحبه، وخذ تمرك، وبعه، ثم اشتر التمر"، وقد زعم قوم أن بيع العامل الصالح بالصاعين كان قبل نزول آية الربا، وقبل أن يخبرهم الشارع بتحريم التفاضل في ذلك، ولذلك لم يأمر بفسخه وهذِه غفلة؛ لأنه عليه السلام قال في مغنم خيبر للسعدين:"أربيتما فرُدَّا"، وفتح خيبر مقدم على ما كان بعد ذلك مما وقع في تمرها، وقد احتج بحديث الباب من أجاز بيع الطعام من رجل نقدًا ويبتاع منه بذلك طعامًا قبل الافتراق وبعده؛ لأنه لم يخص فيه بائع الطعام ولا مبتاعه من غيره، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأبي ثور، ولا يجوز هذا عند مالك؛
(1)
سلف معلقًا كتاب: البيوع، باب: النجش، ومن قال: لا يجوز ذلك البيع.
ووصله مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها برقم (1718) كتاب: الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور.
(2)
مسلم (1594) كتاب: المساقاة، باب: بيع الطعام مثلًا بمثل.
(3)
بهذا اللفظ "أوَّه" مرة واحدة رواه في مسلم (1594) كتاب المساقاة، باب: بيع الطعام مثلًا بمثل.
(4)
يأتي برقم (2312) كتاب: الوكالة، باب: إذا باع الوكيل شيئًا فاسدًا فبيعه مردود.
لأنه عنده كأنه طعام بطعام، والدراهم ملغاة إلَّا أن يكون الطعام جنسًا واحدًا وكيلًا واحدًا فيجوز عنده
(1)
. وهذِه عندنا حيلة، وتسمَّى بيع العينة، ووافق مالكًا أحمد، وهو على قاعدة مالك في سد الذرائع فإن هذِه الصورة عندهم تؤدي إلى بيع التمر بالتمر متفاضلًا، ثم إنه ليس في الحديث أن الذي اشترى منه ثانيًا هو الأول، فهو مطلق صالح له بخلاف العموم فإنه ظاهر في الاستغراق.
قلت: وحديث العينة وإن أخرجه أبو داود
(2)
وغيره فهو متكلم فيه، ووافقنا ابن حزم، فقال: هو حلال ما لم يكن عن شرط، قال: ومنع منه قوم وقالوا: إنه باع منه دنانير بدنانير متفاضلًا، فقلنا: بل هما صفقتان، ثم أوضحه وقد أمر به عمر والأسود بن يزيد
(3)
.
وقد يحتج بالحديث من يرى أن الربا جائز بأصله دون وصفه، فيسقط الربا ويصحُّ البيع كما قاله أبو حنيفة، وفي التخيير له عليه السلام التمر الطيب وإقرارهم عليه دليلٌ على أنَّ النفس يرفق بها بحقها، وهو عكس ما يصنعه الجهال المتزهدون من حملهم على أنفسهم ما لا تطيق جهلًا منهم بالسنة، نبه عليه ابن الجوزي.
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 322 - 323.
(2)
"سنن أبي داود"(3462)، أحمد 2/ 28، الطبراني 12/ 432 - 433 (13583)، (13585)، البيهقي في "السنن الكبرى" 5/ 316 (10703)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"(11).
(3)
"المحلى" 8/ 512 - 513.
90 - باب مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً أَوْ بِإِجَارَةٍ
2203 -
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُخْبِرُ، عَنْ نَافِعٍ -مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ- أَنَّ أَيُّمَا نَخْلٍ بِيعَتْ قَدْ أُبِّرَتْ لَمْ يُذْكَرِ الثَّمَرُ، فَالثَّمَرُ لِلَّذِي أَبَّرَهَا، وَكَذَلِكَ العَبْدُ وَالحَرْثُ. سَمَّى لَهُ نَافِعٌ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَ. [2204، 2206، 2379، 2716 - مسلم: 1543 - فتح: 4/ 401]
2204 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ". [انظر: 2203 - مسلم: 1543 - فتح: 4/ 401]
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ: أنا هِشَامٌ، أنا ابن جُرَيْجٍ (قَالَ)
(1)
: سَمِعْتُ ابن أَبِي مُلَيكَةَ يُخْبِرُ، عَنْ نَافِع -مَوْلَى ابن عُمَرَ- أَنَّ أَيُّمَا نَخْلٍ بِيعَتْ قَدْ أُبِّرَتْ لَمْ يُذْكَرِ الثَّمَرُ، فَالثَّمَرُ للَّذي أَبَّرَهَا، وَكَذَلِكَ العَبْدُ وَالحَرْثُ. سمَّى لَهُ نَافِع هؤلاء الثَّلَاثَ.
ثم ساق حديث ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فثمرتها لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ".
الشرح:
إبراهيم هذا هو ابن أبي موسى بن يزيد بن زاذان التميمي الفراء الصغير، وهذا من باب المذاكرة كما أسلفناه. وحديث ابن عمر أخرجه مسلم
(2)
، قال الطرقي: الصحيح من رواية نافع ما اقتصر عليه
(1)
ليست في الأصل والمثبت من اليونينية.
(2)
مسلم (1543) كتاب: البيوع، باب: من باع نخلًا عليها ثمر.
من التأبير خاصة، وذكر العبد يعني:"ومن ابتاع عبدًا وله ماله فماله للذي باعه إلَّا أن يشترط المبتاع"
(1)
يذكر عن ابن عمر عن عمر قوله قال: وقد رواه عن نافع عبد ربه بن سعيد، وبكير بن الأشج فجمعا بين الحديثين، مثل رواية سالم وعكرمة بن خالد، فإنهما رويا الحديثين جميعًا عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا قال أبو عمر: اتفق نافع وسالم عن ابن عمر مرفوعًا في قصة النخل، واختلفا في قصة العبد، رفعها سالم، ووقفها نافع على عمر قوله، وهو أحد الأحاديث الأربعة، التي اختلف فيها نافع وسالم، ولمَّا روى النسائي حديث ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر مرفوعًا لحديث التأبير والعبد، قال: هذا خطأ، والصواب حديث عمر موقوفًا
(2)
. وقال الدارقطني: رواه سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمر مرفوعًا، وغيره لم يذكر فيه عمر، ورواه نافع فخالف سالمًا فجعله عن ابن عمر، عن عمر موقوفًا، ووهم أبو معاوية فرفعه، والصواب الأول وهو الصحيح
(3)
، ورواه ابن إسحاق وجماعات عددهم عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا بإسقاط عمر بالقصتين جميعًا، ووهموا على نافع، ورواه الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر مرفوعًا ولم
(1)
"التمهيد" 13/ 282.
(2)
"السنن الكبرى" 3/ 189 (4989) ولم أجد كلام النسائي بعد الحديث، وذكره المزي في "التحفة" 8/ 70 في مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولفظه: قال النسائي في حديث هلال بن العلاء: هذا خطأ والصواب حديث ليث بن سعد وعبيد الله وأيوب. اهـ يقصد المزي أن رواية هلال المرفوعة خطأ أما الثلاثة فروايتهم موقوفة.
(3)
"علل الدارقطني" 2/ 51 - 52 والصواب الذي يقصده المصنف طريق نافع عن ابن عمر، عن عمر قوله.
يتابع عن ابن دينار، وذكره البخاري أيضًا في باب: الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو نخل
(1)
.
إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها: أبرت النخل آبرُها
(2)
، بالكسر والضمِّ والتخفيف فهي مأبورة، كقومت الشيء تقويمًا فهو مقوم، وإبار كل تمر بحسبه، ومما جرت العادة فيه بما ينبت تمره ويعقده، وهو: شق طلع النخلة، هان
لم يحط فيه، وقد يعبر بالتأبير عن ظهور الثمرة وعن انعقادها وإن لم يفعل فيها شيء، ويقال: أبَّرته بتشديد الباء أيضًا أوبره تأبيرًا، وعلامته فيما عدا النخل سقوط النور الذي لا ينعقد.
وقال ابن بطال: أما معنى الإبار في سائر (النخل)
(3)
فقال ابن القاسم: يراعى ظهور الثمرة لا غيره، وقال ابن عبد الحكم: كل ما لا يؤبَّر من الثمار فاللقاح فيها بمنزلة الإبار في النخل
(4)
.
ثانيها: قال القزاز: من رواه يشترط بغير هاء أجاز اشتراط بعض الثمرة، ومن رواها بالهاءِ لا يجيز إلَّا اشتراط الكل، قال: وكذلك وقع في مال العبد بالهاء وبغير هاء.
ثالثها: قوله: ("فثمرتها لِلْبَائِعِ") يريد أنها بمطلق القيد تكون له، وبه قال جمهور الفقهاء، وخالف ابن أبي ليلى أنها للمشتري كالعهن والصوف على ظهر الغنم، والنص يرده، والثمرة نماء عن الأصل
(1)
سيأتي برقم (2379) كتاب: المساقاة، باب: الرجل يكون له ممر أو شرب في حائظ أو في نخل.
(2)
"تهذيب اللغة" 1/ 105 مادة: (أبر).
(3)
في "شرح ابن بطال": الأشجار. وهو الأنسب.
(4)
"شرح ابن بطال" 6/ 324.
بخلافهما، وأما قبل أن تؤبر فهي للمشتري عند مالك، والشافعي، وابن أبي ليلى، وقال أبو حنيفة: هي للبائع كالمأبورة
(1)
. ودليل الخطاب يرده، وأيضًا ما كان غير طاهر تبعًا لما نشأ عنه.
قال ابن بطال: أخذ بظاهر حديث الباب مالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق، فقالوا: من باع نخلًا قد أبرت ولم يشترط ثمرته المبتاع فالثمر للبائع، وهي في النخل متروكة إلى الجداد وعلى البائع السقي، وعلى المشتري تخليته وما يكفي من الماءِ، ولذلك إذا باع الثمرة دون الأصل فعلى البائع السقي.
وقال أبو حنيفة: سواء أبَّر أو لم يؤبِّر هو للبائع، وللمشتري مطالبته بقلعها عن النخل حالًا، ولا يلزمه أن يصبر عليه إلى الجداد، وإن اشترط البائع في البيع ترك الثمرة إلى الجداد فالبيع فاسد، واحتجوا بالإجماع على أن الثمرة لو لم تكن تؤبَّر حتى تناهت وصارت بلحًا وبسرًا وبِيعَ النخلُ، أن الثمرة لا تدخل فيه فعلمنا أن المعنى في ذكر الإبار ظهور الثمرة خاصة، إذ لا فائدة في ذكر الإبار غيره، ولم يفرقوا بين الإبار وغيره، قالوا: وقد تقرر أنَّ من باع دارًا له فيها متاع فللمشتري المطالبة بنقله عن الدار في الحال، ومن باع شيئًا فعليه تسليمه ورفع يده عنه، وبقاء الثمرة على النخل بعد البيع انتفاع بالنخل إلى وقت الجداد، فيكون في معنى من باع شيئًا واستثنى منفعته، وهذا لا يجوز، فخالفوا السنة إلى قياس، ولا قياس لأحد معها، ويقال لهم: من باع شيئًا مشغولًا يحق للبائع، فإنَّ البائع يلزمه نقله عن المبيع على ما جرت به العادة في نقل مثله، ألا ترى أنه لو باع دارًا
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 95 - 96.
هو فيها وعياله في نصف الليل وله فيها طعام كثير وآلة فلا خلاف أنه لا يلزمه نقله عنها نصف الليل، حتى يرتاد منزلًا يسكنه ولا يطرح ماله في الطريق، هذا عرف الناس.
وكذلك جرت العادة في أخذ الثمرة عند الجداد، وهو حين كمال بلوغها، ولمَّا ملَّك الشارع الثمرة بعد الإبار للبائع اقتضى استيفاء منفعته بها على كمالها، وأغنى ذلك عن استثناء البائع بقية الثمرة إلى الجداد، وأبو حنيفة يجيز أن يبيع السلعة أو الثمرة ويستثني نصفها وثلثيها، وما (يستثنى)
(1)
منها إذا كان المستثنى معلومًا، وكذلك قول أكثر العلماء إذا باع نخلًا وفيها ثمرة لم تؤبر فهي للمبتاع متابعة
لأصلها بغير شرط، استدلالًا بحديث ابن عمر.
وخالف ذلك أبو حنيفة فقال: هي للبائع بمنزلة لو كانت مؤبرة إلَّا أن يشترطها المبتاع، فيقال لهم: التمر له صفتان: مؤبر وغير مؤبر، ولما جعله الشارع إذا كان مؤبرًا للبائع بترك المشتري اشتراطها، أفادنا ذلك أن الثمرة للمشتري إذا لم تؤبر وكانت في أكمامها، وان لم يشترطها المشتري، ولو كان الحكم فيها غير مختلف حتى يكون الكلُّ للبائع، لكان يقول: من باع نخلًا فيها ثمرة فهي للبائع، فخالف الحديث من وجهين: نصه فيما إذا كانت مؤبرة، ودليله إذا كانت غير مؤبرة
(2)
.
رابعها: قول نافع: (وكذلك العبد)، يريد أن ماله لبائعه. وقوله:(والحرث) يريد: الأرض المحروثة. وروى ابن القاسم عن مالك: أن من اشترى أرضًا مزروعة ولم تسبل فالزرع للبائع، إلَّا أن يشترط
(1)
في "شرح ابن بطال": شاء.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 324 - 326.
المشتري، وإن وقع البيع والبذر لم تنبته فهو للمبتاع بغير شرط
(1)
. وروى ابن عبد الحكم عن مالك: إن كان الزرع لقح أكثره، ولقاحه: أن يتحتت ويسبل حتَّى لو يبس حينئذٍ لم يكن فسادًا فهو للبائع، إلَّا أن يشترط المشتري، وإن كان لم يلقح فهو للمبتاع
(2)
وذكر ابن عبد الحكم في موضع آخر من كتابه مثل رواية ابن القاسم.
فرع: روى ابن القاسم عن مالك: أنه لا يجوز استثناء نصف مال العبد إلَّا أن يكون ماله معلومًا ويكون غير العين
(3)
، يريد أنه إذ ابتاعه بالعين وهو حاضر يراه، وإنما الاستثناء في الجميع، وقاله سعيد بن حسان، وقال: لا يجوز أن يستثني مال أحدهما إذا اشتراهما، وأجازه أشهب في العبد أن يستثني بعض ماله.
واختلف بعض أصحاب مالك إذا استثنى بعض الثمرة، فأجازه بعضهم ومنعه بعضهم.
فرع: فإن وقع العقد على النخل، أو العبد خاصة ثم زاده شيئًا ليلحق الثمرة والمال بالربا.
لابن القاسم: إن كان بحضرة البائع وتقريب جاز وإلَّا فلا، وأجازه أشهب في ثمرة النخل، ومنعه في مال العبد، والمعنى بالقرب: أن لا يدخل المال زيادة ولا نقص، فإن دخله شيء من ذلك فقد بعد
وامتنع إلحاقه بالعقد.
(1)
"المدونة" 4/ 223.
(2)
"الاستذكار" 19/ 86.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 6/ 325 - 326، و"الاستذكار" 19/ 35 - 36.
91 - باب بَيْعِ الزَّرْعِ (بِالطَّعَامِ)
(1)
كَيْلًا
2205 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ المُزَابَنَةِ، أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، أَوْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. [انظر: 2171 - مسلم: 1542 - فتح: 4/ 403]
ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ المُزَابَنَةِ، أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، أَوْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ..
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، وقد سلف الكلام عليه
(3)
، وقام الإجماع على أنه لا يجوز بيع الزرع قبل أن يقطع بالطعام، ولا بيع العنب في كرمه بالزبيب، ولا بيع التمر في رءوس النخل بالتمر؛ لأنه مزابنة، وقد سلف النهي عنه، وذلك خطر وغرر؛ لأنه بيع مجهول بمعلوم من جنسه، وأما بيع رطب ذلك بيابسه إذا كان مقطوعًا وأمكن فيه المماثلة، فجمهور العلماء على المنع خلافًا لأبي حنيفة
(4)
، كما سلف، واحتج له الطحاوي فقال: لما أجمعوا أنه يجوز بيع الرطب بالرطب مثلًا بمثل، وإن كانت في أحدهما رطوبة ليست في الآخر، وكان ذلك ينقص إذا بقي نقصانًا مختلفًا، ولم
(1)
في الأصل: والطعام. والمثبت هو الصواب كما في "اليونينية" 3/ 78، و"شرح ابن بطال" 6/ 326، و"فتح الباري" 4/ 403، و"منحة الباري" 4/ 605.
(2)
مسلم (1542) كتاب: البيوع، باب: تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا.
(3)
سلف برقم (2171) باب: بيع الزبيب بالزبيب والطعام بالطعام.
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 36.
ينظروا إلى ذلك فيبطلوا به البيع، بل نظروا إلى حاله في وقت وقوع البيع، فالنظر أن يكون التمر بالرطب كذلك
(1)
. ولا يسلم الإجماع له ثم هو قياس فاسد، فقد يعفي عن اليسير لقلته، وقد جوز في الشرع يسير الغرر؛ لأنه لا يكاد يخلو منه، ونقصان الرطب بالتمر له مال وقيمة، فافترقا لذلك.
وحديث الباب حجة للجماعة، فإن التمر هو الرطب، وكأنه نهى عن بيع الرطب بالتمر على النخل، ومقطوعًا على عموم اللفظ، ويدل على ذلك الحديث السالف:"أينقص الرطب إذا يبس؟ " قالوا: نعم، قال:"فلا إذن"
(2)
فنهى عنه فصار كأنه نهى عن الرطب بالتمر، ولم يخف عنهم ذلك، وإنما سألهم على سبيل التقرير لهم، حتَّى إذا تقرر ذلك عندهم نهاهم عنه، فصار كأنه نهاهم، وعلله فقال: لا يجوز بيع التمر بالرطب؛ لأنه ينقص إذا يبس، فسواء كان الرطب في النخل أو في الأرض إذا بيع بتمر مجهول، فإنه يكون مزابنة، يقال للكوفيين: يلزمكم التناقض في منعكم بيع الحنطة بالدقيق وبيعها بالسويق، والمماثلة بينهما أقرب من المماثلة بين التمر والرطب؛ وأجاز مالك والليث الدقيق بالحنطة مثلًا بمثل، وقول الشافعي كقول الكوفي
(3)
.
(1)
"شرح معاني الآثار" 4/ 7.
(2)
رواه أبو داود (3359)، والترمذي (1225) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، وهو قول الشافعي وأصحابنا، والنسائي 7/ 269، وابن ماجه (2264)، ومالك في "الموطأ" ص 386، وصححه الألباني في "الإرواء" 5/ 199 (1352) وتقدم تخريجه.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 38 - 39، "شرح ابن بطال" 6/ 327 - 328.
92 - باب بَيْعِ النَّخْلِ بِأَصْلِهِ
2206 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَيُّمَا امْرِئٍ أَبَّرَ نَخْلًا ثُمَّ بَاعَ أَصْلَهَا، فَلِلَّذِي أَبَّرَ ثَمَرُ النَّخْلِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ المُبْتَاعُ". [انظر: 2203 - مسلم: 1543 - فتح: 4/ 403]
ذكر فيه حديث ابن عمر السالف في باب: من باع نخلًا قد أبرت
(1)
.
وقد سلف الكلام عليه، واختلف قول مالك فيمن اشترى أصول النخل وفيها ثمر قد أبر ولم يشرطها، فأجازوا لمشتري النخل وحده أن يشتري التمر قبل بُدُوِّ صلاحها في صفقة أخرى، كما كان له أن يشرطها في صفقته، هذِه رواية ابن القاسم. وكذلك مال العبد، وروى ابن وهب عن مالك: أن ذلك لا يجوز في الثمرة ولا في مال العبد له ولا لغيره، وهذا قول المغيرة وابن دينار وابن عبد الحكم، وهو
قول الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور
(2)
. وهذا القول أقوى لعموم نهيه عليه السلام عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وكذلك مال العبد فهو شراء مجهول، فهو من بيع الغرر
(3)
.
(1)
سلف قريبًا برقم (2204).
(2)
"الاستذكار" 19/ 84.
(3)
انظر "شرح ابن بطال" 6/ 329.
93 - باب بَيْعِ المُخَاضَرَةِ
2207 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُخَاضَرَةِ، وَالمُلَامَسَةِ، وَالمُنَابَذَةِ، وَالمُزَابَنَةِ. [فتح: 4/ 404]
2208 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ التَّمْرِ حَتَّى تَزْهُوَ. فَقُلْنَا لأَنَسٍ: مَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ، أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ؟ [انظر: 1488 - مسلم: 1555 - فتح: 4/ 404]
ذكر فيه حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُخَاضَرَةِ وَالمُنَابَذَةِ، وَالمُلَامَسَةِ، وَالمُزَابَنَةِ.
وحديث أنس في بيع الثمار حتى تزهو، وقد أسلفناه،
(1)
وكذا الأول، وأنه من أفراد البخاري، قال الإسماعيلي: وفي بعض الروايات: والمخاضرة: بيع الثمار قبل أن تطعم، وبيع الزرع قبل أن يشتد ويفرك منه، وقد أسلفنا الكلام على كلِّ ذلك.
والمخاضرة: بالخاءِ والضاد المعجمتين، وهي: بيع الثمار خضراء لم (يبدو)
(2)
صلاحها. مفاعلة؛ لأنهما باعا شيئًا أخضر، وقام الإجماع
(1)
سلف برقم (1488) كتاب: الزكاة، باب: من باع ثماره أو نخله.
(2)
كذا في الأصل، والجادة أن تكتب بدون واو، ويخرج ما في الأصل على وجهين:
أحدهما: أنها لغة لبعض العرب المجرين للفعل المعتل الآخر إجراء الفعل الصحيح. والآخر: أنها من باب الإشباع فتولدت الواو وليست هي لام الكلمة بل هي زائدة. انظر "الإنصاف في مسائل الخلاف" 1/ 23 - 30، و"سر صناعة الإعراب" 2/ 630، و"أوضح المسالك" 1/ 69 - 74.
على أنه لا يجوز بيع الثمار، والزروع، والبقول قبل بُدُوِّ صلاحها على شرط التبقية إلى وقت طيبها، ولا يجوز بيع الزرع الأخضر إلا القصيل لأكل الدواب، وكذلك أجمعوا أنه يجوز بيع البقول إذا قلعت من الأرض، وانتفع بها، وأحاط علمًا بها المشتري، ومن بيع المخاضرة: شراؤها مغيبة في الأرض كالفجل والكراث والبصل واللفت وشبهه، وأجاز شراءها مالك والأوزاعي.
قال مالك: وذلك إذا استقل ورقه وأمن، والأمان عنده أن يكون ما يقطع منه ليس بفساد
(1)
، وقال أبو حنيفة: بيع المغيب في الأرض جائز، وهو بالخيار إذا رآه
(2)
، قال الشافعي: لا يجوز بيع ما لا يرى
(3)
. وهو عنده من بيوع الغرر، وحجة من أجاز ذلك: أنه لو قلعها ثُمَّ باعها لأضرَّ ذلك به وبالناس؛ لأنهم إنما يأكلون ذلك أولًا أولًا كما يأكلون الرطب والتمر، ولا يقصدون بذلك الغرر، وإذا باعها على شيءٍ يراه، أو صفة توصف له جاز فمتى جاء بخلاف الصفة أو الرؤية كان له رد ذلك بحصته، وإنما يجوز بيع ذلك كلِّه على التبقية إذا طابت للأكل، كما يجوز بيع الثمرة على التبقية إذا
طابت للأكل.
واختلفوا في بيع القثاء والبطيخ، وما يأتي بطنًا بعد بطن، فقال مالك: يجوز بيعه إذا بدا صلاحه، ويكون للمشتري ما ينبت حتى ينقطع ثمره؛ لأنَّ وقته معروف عند الناس.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 191/ 6، "التمهيد" 6/ 191، "التمهيد" 13/ 305.
(2)
انظر: "الهداية" 3/ 37.
(3)
انظر: "الحاوي" 5/ 196 - 199، "المجموع" 9/ 350.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز بيع بطن منه إلا بعد طيبه كالبطن الأول، وهو عندهم من بيع ما لم يخلق
(1)
، وجعله مالك كالثمرة إذا بدا صلاح أولها جاز ما بدا صلاحه وما لم يبد؛ لحاجتهم إلى ذلك، ولو منعوا منه لأضرَّ بهم؛ لأن ما تدعو إليه الضرورة يجوز فيه بعض الغرر، ألا ترى أن الظئر تكرى لأجل لبنها الذي لم يخلق ولم يوجد إلا أوله، ولا يدرى كم يشرب الصبي منه، وكذلك لو اكترى عبدًا لخدمته لكانت المنفعة التي وقع عليها العقد لم تخلق، وإنما تجددت أولًا أولًا، ولو مات العبد لوقعت المحاسبة على ما حصل من المنفعة، فجوز ذلك لحاجة الناس إليه فبيع ما لم يخلق، وقد جرت العادة في الأغلب إذا كان الأصل سليمًا من الآفات أن تتتابع بطونه وتتلاحق، وعدم مشاهدته لا تدل على بطلان بيعه، بدليل بيع الجوز واللوز في قشريهما وفساده البين من خارج، ولو كان مقشورًا مغطى بشيء غير قشره لم يصح البيع.
(1)
انظر: "الاستذكار" 19/ 107 - 109.
94 - باب بَيْعِ الجُمَّارِ وَأَكْلِهِ
2209 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَأْكُلُ جُمَّارًا، فَقَالَ:"مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ كَالرَّجُلِ المُؤْمِنِ". فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ. فَإِذَا أَنَا أَحْدَثُهُمْ قَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ". [انظر: 61 - مسلم: 2811 - فتح: 4/ 405]
ذكر فيه حديث ابن عمر: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَأكُلُ جُمَّارًا فَقَالَ: "مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ كَالرَّجُلِ المُؤْمِنِ". فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: النَّخْلَةُ. فَإِذَا أَنَا أَحْدَثُهُمْ فقَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ".
هذا الحديث سلف في كتاب العلم، وتكرر فيه فراجعه
(1)
.
والجمار: قلب النخلة، وذكر البخاري الأكل فقط ولم يذكر البيع؛ لأنه نبه عليه بأكله؛ لأن كل ما جاز أكله جاز بيعه، وكذا قال ابن المنير، أنه أخذه من القياس على أكله، إذ يدل على أنه مباح، واستغرب الشارح -يعني: ابن بطال- ذكره لبيع الجمار بناء منه على أنه مجمع عليه، وأنه لا يتخيل أحد فيه المنع، حيث قال: بيع الجمار وأكله من المباحات التي لا اختلاف فيها بين العلماء، وكل ما انتفع به للأكل وغيره فجائز بيعه
(2)
. قال: وقد وقع في عصرنا لبعضهم إنكار على من جمر نخله ليأكله تحريجًا من أكل غيره مما لم يصف من الشبهة، وينسبه لإضاعة المال، وذهل عن كونه حفظ ماله بماله
(3)
.
(1)
برقم (61)، باب: قول المحدث: حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا، (62) باب: طرح الإمام المسألة على أصحابه، (72) باب: الفهم في العلم، (131) باب: الحياء في العلم.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 329.
(3)
"المتواري" ص 245.
وفيه من الفوائد: أكل الشارع بحضرة القوم تواضعًا، ولا عبرة بقول بعضهم: إنه يكره إظهاره، وإنه يخفي مدخله كما يخفي مخرجه، وهذا الحديث يرد عليه.
وقوله: ("كَالرَّجُلِ المُؤْمِنِ"). أخذه من قوله تعالى: {مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: 24] وقوله: (أحدثهم سنًا) أي: وفعل ذلك استحياء.
95 - باب مَنْ أَجْرَى أَمْرَ الأَمْصَارِ عَلَى مَا يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ فِي البُيُوعِ (وَالإِجَارَةِ)
(1)
وَالمِكْيَالِ وَالوَزْنِ، وَسُنَنِهِمْ عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمِ المَشْهُورَةِ
وَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْغَزَّالِينَ: سُنَّتُكُمْ بَيْنَكُمْ. وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَا بَأْسَ العَشَرَةُ بِأَحَدَ عَشَرَ، وَيَأْخُذُ لِلنَّفَقَةِ رِبْحًا. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ:"خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ". وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالمَعْرُوفِ} [النساء: 6]. وَاكْتَرَى الحَسَنُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مِرْدَاسٍ حِمَارًا، فَقَالَ: بِكَمْ؟ قَالَ: بِدَانَقَيْنِ. فَرَكِبَهُ، ثُمَّ جَاءَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: الحِمَارَ الحِمَارَ. فَرَكِبَهُ، وَلَمْ يُشَارِطْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ.
2210 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: حَجَمَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ. [انظر: 2102 - مسلم: 1577 - فتح: 4/ 405]
2211 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: قَالَتْ هِنْدٌ أُمُّ مُعَاوِيَةَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ سِرًّا قَالَ:"خُذِي أَنْتِ وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالمَعْرُوفِ". [2460، 3825، 5359، 5364، 5370، 6641، 7161، 7180 - مسلم: 1714 - فتح: 4/ 405]
2212 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ فَرْقَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ
(1)
في الأصل: (والآجال) والمثبت من مطبوع البخاري.
رضي الله عنها تَقُولُ: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالمَعْرُوفِ} [النساء: 6] أُنْزِلَتْ فِي وَالِي اليَتِيمِ الذِي يُقِيمُ عَلَيْهِ، وَيُصْلِحُ فِي مَالِهِ، إِنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ مِنْهُ بِالمَعْرُوفِ. [2765، 4575 - مسلم: 3019 - فتح: 4/ 406]
ثم ساق حديث أنس: حَجَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَبُو طَيْبَةَ
…
الحديث. وقد سلف
(1)
في ذكر الحجام بالسند سواء.
(2)
؟
وحديث عائشة في قصة هند.
وحديثها أيضًا من طريقين أما الآية السالفة: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالمَعْرُوفِ} [النساء: 6] أُنْزِلَتْ فِي وَالِي اليَتمِمِ الذِي يُقِيمُ عَلَيْهِ وَيُصْلِحُ فِي مَالِهِ، إِنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ مِنْهُ بِالمَعْرُوفِ.
وهما مسندان للتعليقين السالفين، والبخاري أخرج الأخير عن إسحاق، وهو: ابن منصور كما صرَّح به في التفسير
(3)
، ولما استخرجه أبو نعيم هناك من طريق إسحاق بن إبراهيم، قال: رواه -يعني البخاري- عن إسحاق بن منصور، ومقصود البخاري بالترجمة -كما قال ابن المنير- إثبات الاعتماد على العرف وأنه يقضى به على ظواهر الألفاظ، ويرد إلى ما خالف الظاهر من العرف؛ ولهذا ساق:
(لا بأس العشرة بأحد عشر)، أي: لا بأس أن يبيعه سلعة مرابحة للعشرة بأحد عشر، وظاهره: أن ربح العشرة أحد عشر، فتكون
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: إلا أنه هنا قال: ثنا حميد الطويل، وهناك لم يلقبه، وهنا: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي طيبة. وهنا أظهر فاعل أمر، وهناك أضمره.
(2)
سلف برقم (2102).
(3)
سيأتي برقم (4575) باب: {وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَغفِف} وليس منسوبًا في هذا الموضع. =
الجملة أحدًا وعشرين ولكن العرف فيه أن للعشرة واحدًا ربحًا، فيقضي العرف على اللفظ، فإذا صحَّ الاعتماد على العرف معارضًا بالظاهر، فالاعتماد عليه مطلقًا أولى. ووجه دخول حديث أبي طيبة في الترجمة أنه عليه السلام لم يشارطه اعتمادًا على العرف في مثله
(1)
.
وقوله: (وَيَأْخُذُ لِلنَّفَقَةِ رِبْحًا)، إن أراد نفقة نفسه فمذهب مالك أنها لا تحسب ولا يحسب له ربح
(2)
، وإن أراد نفقة الرقيق فتحسب عند مالك ولا يحسب لها ربح، فهو خلاف مالك على كل حال إلا أن يريد أنه بين ذلك، أو كانت عندهم عادة، فتحتاج إلى بيان هذِه النفقة؛ لأنه يحتمل أن تكون قليلة أو كثيرة، ونبه عليه ابن التين، قال: وفي أكثر ما في الباب دليل لما بوب عليه أن العادة تقوم عند
عدم الشرط مقامه وهو مذهب مالك وغيره.
وقال الشافعي: لا اعتبار بذلك.
وقال ابن بطال: العرف عند الفقهاء أمر معمول به، وهو كالشرط اللازم في البيوع وغيرها، ولو أن رجلًا وكَّل رجلًا على بيع سلعة فباعها بغير النقد الذي هو عرف الناس لم يجز ذلك، ولزمه النقد
= وقال الجياني في "تقييد المهمل" 3/ 969 وقال الذي الصلاة والبيوع وتفسير سورة النساء: حدثنا إسحاق نا عبد الله.
لم أجد إسحاق هذا منسوبًا في هذِه المواضع لأحد من الرواة ولا نسب أبو نصر إسحاق عن ابن نمير في كتابه.
وقال المزي في "الأطراف" 12/ 164: البخاري في البيوع، وفي التفسير عن إسحاق ابن منصور، نسبه في التفسير، ولم ينسبه في البيوع عن عبد الله بن نمير به ولعلها اختلاف نسخ.
(1)
"المتواري" ص 246.
(2)
انظر: "الاستذكار" 19/ 199 - 200.
البخاري، وكذلك لو باع طعامًا موزونًا أو مكيلًا بغير الوزن، أو الكيل المعهود لم يجز، ولزم الكيل المعهود المتعارف من ذلك.
قال: وقوله: (يأخذ للْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ)، يعني لكلِّ عشرة واحدًا من رأس المال دينار
(1)
. وقال ابن التين: يزيد في بيع المرابحة، يقول: كل عشرة أخرجتها يأخذ لها أحد عشر.
واختلف العلماء في ذلك، فأجازه قوم وكرهه آخرون، وممن كرهه ابن عباس وابن عمر ومسروق والحسن، وبه قال أحمد وإسحاق، قال أحمد: البيع مردود، وأجازه سعيد بن المسيب والنخعي، وهو قول مالك والثوري والكوفيين والأوزاعي
(2)
.
حجة الأول: أنه عنده بيع مجهول، إلا أن يعلم عدد العشرات، فيعلم عدد ربحها، ويكون الثمن كله معلومًا. وحجة الثاني: أن الثمن معلوم فكذا الربح، وأصل هذا الباب بيع الصبرة كل قفيز بدرهم،
ولا يعلم مقدار ما في الصبرة من الطعام، فأجازه قوم وأباه آخرون، ومنهم من قال: لا يلزمه إلا القفيز الواحد ومن بيع العشرة الواحد.
واختلفوا في النفقة: هل يأخذ لها ربحًا في بيع المرابحة؟ فقال مالك: لا، إلَّا فيما له تأثير في السلعة وعين قائمة كالصبغ، والخياطة، والكماد، فهذا كله يحسب في أصل المال، ويحسب له الربح؛ لأن تلك المنافع كلها سلعة ضمت إلى سلعة.
قال مالك: ولا يحسب في المرابحة أجر السمسار، ولا الشد والطي، ولا النفقة على الرقيق، ولا كراء البيت، وإنما يحسب هذا
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 333.
(2)
انظر: "المغني" 6/ 266 - 267.
في أصل المال وما يحسب له ربح
(1)
.
وأما كراء البر فيحسب له الربح؛ لأنه لا بد منه، ولا يمكنه حمله بيده من بلد إلى بلد، فإن أربحه المشتري على ما لا تأثير له جاز إذا رضي بذلك، فإن لم يبين البائع للمشتري ذلك وأجمل البيع كان للمشتري ردُّ ذلك كله إن شاء؛ لأن البائع قد غرَّه. وقال أبو حنيفة: يحسب في المرابحة أجر القصارة، وكراء البيت، وأجر السمسار، ونفقة الرقيق وكسوتهم، ويقول: قام عليَّ بكذا وكذا.
وأما أجرة الحجام فأكثر العلماء يجيزونها -كما سلف- هذا إذا كان الذي يعطاه فيما يرضى به، فإن أعطي ما لا يرضى فلا يلزم، ورد إلى العرف، ومما يدل على أن العرف عمل جارٍ حديث هند، فأطلق لها أن تأخذ من متاع زوجها ما تعلم أن نفسه تطيب لها بمثله، وكذلك أطلق الله تعالى لولي اليتيم أن يأكل من ماله بالمعروف
(2)
، واستدل بحديث هند على القضاء على الغائب وبالإفتاء؛ لأنَّ زوجها أبا سفيان كان متواريًا بها، بل ذكر السهيلي أنه كان حاضرًا سؤالها فقال لها: أنت في حلٍّ مما أخذت
(3)
، وبأن المرأة لا تأخذ من مال زوجها شيئًا بغير إذنه ولو قلَّ، ألا ترى أنه لما سألته قال لها:"لا"، ثم استثنى فقال:"لا، إلا بالمعروف"
(4)
.
(1)
انظر: "الاستذكار" 2/ 199 - 200.
(2)
المصدر السابق 6/ 333 - 334.
(3)
"الروض الأنف" 4/ 114.
(4)
سيأتي برقم (5359) كتاب: النفقات، باب: نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها، ونفقة الولد.
وقولها: (رَجُلٌ شَحِيحٌ)، كذا هنا وفي أخرى:(مسِّيك)
(1)
، بكسر الميم وتشديد السين، كما ضبطه أبو موسى المديني، ونقله صاحب "المطالع" عن (الأكثرين)
(2)
، قال: ورواية المتقنين بفتح الميم وتخفيف السين وكسرها، كذا عند المستملي وأبي بحر، وكذا رواه أهل اللغة؛ لأن أمسك لا يبنى منه فعيل، إنما يبنى من (الثلاثي)
(3)
، وتفسير عائشة للآية روي عن عمر نحوه
(4)
.
وقيل: إن الولي يستقرض من مال اليتيم إذا افتقر، وبه قال عبيدة، وعطاء، والشعبي، وأبو العالية
(5)
.
وقيل: {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] في مال نفسه؛ لئلا يحتاج إلى مال اليتيم.
وقال مجاهد: ليس عليه أن يأخذ قرضًا ولا غيره
(6)
وبه قال أبو يوسف، وذهب إلى أن الآية منسوخة نسخها {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ} [البقرة: 188].
(1)
ستأتي برقم (2460) كتاب: المظالم، باب: قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه.
(2)
في هامش (الأصل): في "المطالع": (أكثر المحدثين).
(3)
في هامش (الأصل): قال في "المطالع": وقد يقال: أمسكه لغة قليلة.
(4)
"مصنف عبد الرزاق" 6/ 100 (10128)، "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 463 (32904)، 6/ 354 (13011)"تفسير الطبري" 3/ 597 (8599).
(5)
عن عبيدة الطبري 3/ 597 (8601، 8603، 8604) وعن أبي العالية الطبرى 3/ 599 (8619) وعن الشعبي 3/ 598 (8613) وعن عطاء في "سنن البيهقي" 6/ 5: لا يقضيه والطبري 3/ 601 (8644).
(6)
"تفسير القرطبي" 5/ 42.
وقولها: (أُنْزِلَتْ فِي والِي اليَتِيمِ الذِي يُقِيمُ عَلَيْهِ)
(1)
، كذا وقع، وصوابه يقوم بالواو؛ لأن يقيم متعدٍ بغير حرف جرٍّ.
(2)
(1)
في هامش الأصل: وقولها: (أنزلت في ولي اليتيم) هذا مرفوع كذا قاله ابن الصلاح: جاء نظير هذا المكان.
(2)
في هامش (الأصل): آخر 7 من .. من تجزئة المصنف، وفي الجهة اليسرى: ثم بلغ في السابع بعد الخمسين، كتبه مؤلفه.
96 - باب بَيْعِ الشَّرِيكِ مِنْ شَرِيكِهِ
2213 -
حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ. [2214، 5722، 2495، 2496، 6976 - مسلم: 1608 - فتح: 4/ 407]
ذكر فيه حديث جابر: جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الشُفْعَةَ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ
(1)
.
هذا الحديث ذكره بعد، وترجم عليه باب بيع الأرض، والدور، والعروض مشاعًا غير مقسوم، ولفظه:(قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كلِّ ما لم يقسم) بمثله
(2)
.
وفي آخر في موضع آخر: (إنما جَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الشُّفْعَةَ) بمثله أيضًا
(3)
، وأخرجه مسلم
(4)
بألفاظ نحوها، وقال البخاري هنا:(في كلِّ ما لم يقسم) رواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري، تابعه هشام، عن معمر، وقال عبد الرزاق: في كلِّ مالٍ، فإن قلت: من أين يؤخذ ما بوب له؟ وهو بيع الشريك من شريكه.
(1)
ورد بهامش (م): (في الحديث فضيلة بر الوالدين والعفاف والسماحة وهو في الحقيقة أصول الأخلاق وأنها من الشمائل إذ رعاية الأصول من أصول الرعايات
…
).
(2)
برقم (2214).
(3)
برقم (6976) كتاب: الحيل، باب: في الهبة والشفعة.
(4)
مسلم (1608) كتاب: المساقاة، باب: الشفعة.
قلت: لأن أخذه من الشريك كأنه شراء، فإذا كان له الأخذ بالشراء فالشفعة أولى؛ لأنه إنما يأخذ بحقِّ الشركة المتقدمة، فيأخذ ما هو أولى أن يقع البيع منه.
إذا عرفت ذلك فبيع الشريك من الشريك في كلِّ شيءٍ مشاع جائز، وهو كبيعه من الأجنبي، فإن باعه من الأجنبي فللشريك الشفعة لعلة الإشاعة، وخوف دخول الضرر عليه.
وإن باعه من شريكه ارتفعت الشفعة وإذا كان للشريك الأخذ بالشفعة، فبالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى البائع إذا أحبَّ البيع أن لا يبيع من أجنبي حتَّى يستأذن شريكه، كما ثبت في الصحيح من حديث جابر.
وفي لفظ: "لا يحل أن يبيع حتى يؤذن شريكه"
(1)
وفي لفظ: "لا يصلح"
(2)
وبه صرَّح الإمام أحمد
(3)
.
وأمَّا بيع الجروض مشاعًا فأكثر العلماء أنه لا شفعة فيها، وإنما الشفعة في الدور والأرضين خاصة، وهو قول عطاء والحسن وربيعة والحكم وحماد
(4)
، وبه قال مالك، والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق. وروي عن عطاء أنه قال: الشفعة في كلِّ شيءٍ حتى في الثوب
(5)
، وإذا اختلف فيها قول عطاء فكأنه لم يأت عنه فيها
(1)
مسلم (1608).
(2)
مسلم (1608).
(3)
"الكافي" 3/ 544.
(4)
عن الحسن والحكم وحماد رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 458 (22062، 22064).
(5)
"المصنف" لابن أبي شيبة 4/ 458 (22066).
شيء، فهو كالإجماع أنه لا شفعة في العروض والحيوان، قاله ابن المنذر، وحكى مقالة عطاء بعض الشافعية عن مالك، وأنكره القاضي أبو محمد. وقول البخاري في باب بيع الأرض والدور رواه عبد الرحمن ابن إسحاق عن الزهري.
(1)
عبد الرحمن
(2)
هذا يعرف بعباد، مدني نزل البصرة.
وقول عبد الرزاق: كل مال. رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن عبد الرزاق: في كل مال يقسم
(3)
. ورواه إسحاق بن إبراهيم عنه فقال: في الأموال ما لم يقسم، فإذا قسمت الحدود عرف الناس حقوقهم فلا شفعة.
وفيه: جواز بيع المشاع.
وقوله: (فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ)، لفظ عام، ومراده: العقار كما سلف، ولا شفعة عندنا في البئر وفاقًا لمالك وخلافًا لأبي حنيفة، وقواه الخطابي لانتفاء قسمته. والحدود: هي التي تمسك الماء بين الأرضين، سميت بذلك لمنعها الماء.
وقوله: (وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ) يحتج به من يرى الشفعة واجبة في الطريق إذا كانت واحدة، وهو حكم الظاهر، وتأوله من لا يراه على أنه أراد به الطريق في المشاع دون المقسوم، وذلك أن الطريق المشاع مشاع بين الشركاء، فإذا قسم بينهم منع كلُّ واحد أن يطرق في حق صاحبه،
(1)
سيأتي قريبًا برقم (2214).
(2)
فوقها في الأصل: مسلم والأربعة، وفي هامشها قال أبو داود: قدري، وبه ضعفه بعضهم، وقال البخاري: ليس ممن يعتمد على حفظه. وفي "المغني" قال أحمد: صالح الحديث وكلام أبي داود وقال الدارقطني: ضعيف.
(3)
"المسند" 3/ 296.
وجمهور العلماء على أنه لا شفعة إلا في المشاع لحق ضرر الشركة، منهم الأربعة خلا أبا حنيفة، والأوزاعي، وإسحاق، وأبا ثور، وروي عن عمر، وعثمان، وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، وربيعة، وأبي الزناد، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ويحيى الأنصاري، والمغيرة بن عبد الرحمن.
وخالف بعض أهل العراق، فقال: تجب الشفعة بالجوار الملاصق، وهو قول الثوري وشريح، فيما حكاه ابن أبي شيبة وعمرو بن حريث
(1)
.
وقال إبراهيم: الشريك أحق، فإن لم يكن شريك فالجار
(2)
. ورواه الشعبي مرفوعًا مرسلًا
(3)
، وكذا عن الحسن
(4)
. وقال ابن أبي شيبة: حدثنا غندر، عن شعبة قال: سألت الحكم وحمادًا عن الشفعة فقالا: إن كانت الدار إلى جنب الدار ليس بينهما طريق ففيها شفعة
(5)
.
وروى الطحاوي عن عمر أنه كتب إلى شريح أن يقضي بالشفعة للجار الملاصق
(6)
.
واحتجوا بقوله عليه السلام: "الجار أحقُّ بسقبه"
(7)
وأباه أكثرهم وقالوا: معناه: أحقُّ بمواساته وما توجبه المجاورة. وحديث الباب حجة لهم:
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 520 (22716) عن شريح، (22720) عن عمرو بن حريث. وعن الثوري.
(2)
المصدر نفسه 4/ 520 (22718).
(3)
المصدر نفسه 4/ 520 (22714)(22715).
(4)
"شرح معاني الآثار" 4/ 123 رواه متصلًا برقم (5997) عن سمرة مرفوعًا، ورواه مرسلًا برقم (6000).
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 522 (22743).
(6)
"شرح معاني الآثار" 4/ 125 (6013).
(7)
سيأتي برقم (2258) كتاب: الشفعة، باب: عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع.
(إذا صرفت الطرق فلا شفعة) لأنه حينئذٍ يصير جارًا فلم يجعل له الشفعة بجواره، وحديث:"الجار أحق بسقبه ما كان" وإن حسنه الترمذي، ونقل عن البخاري تصحيحه من طريق الشريد بن سويد
(1)
قلت: يا رسول الله، أرض ليس لأحدٍ فيها شرك ولا قسم إلا الجوار، فقال عليه السلام
…
الحديث
(2)
. قال عبد الله الراوي، عن عمرو قلت لعمرو: ما سقبه؟ قال: الشفعة، فقلت: زعم الناس أنها الجوار، قال الناس يقولون ذلك
(3)
، فهذا راويه لا يرى الشفعة بالجوار، ولا يرى لفظ ما روى يقتضيه.
(1)
"سنن الترمذي" عقب حديث (1368).
(2)
أحمد 4/ 389.
(3)
"منتقى ابن الجارود"(غوث) 2/ 212 - 214 (645).
98 - باب إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا [لِغَيْرِهِ] بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَرَضِيَ
2215 -
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خَرَجَ ثَلَاثَةٌ يَمْشُونَ، فَأَصَابَهُمُ المَطَرُ، فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ. -قَالَ:- فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا اللهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ. فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى، ثُمَّ أَجِئُ فَأَحْلُبُ، فَأَجِيءُ بِالحِلَابِ فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي، فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً، فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ -قَالَ:- فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَالصِّبِيْةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا، حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. -قَالَ:- فَفُرِجَ عَنْهُمْ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ: لَا تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ. فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتِ: اتَّقِ اللهَ، وَلَا تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ. فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً، -قَالَ:- فَفَرَجَ عَنْهُمُ الثُّلُثَيْنِ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ، وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ، فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الفَرَقِ، فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، أَعْطِنِي حَقِّي. فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ البَقَرِ وَرَاعِيهَا، فَإِنَّهَا لَكَ. فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟. قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ وَلَكِنَّهَا لَكَ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا. فَكُشِفَ عَنْهُمْ". [2272، 2333، 3465، 5974 - مسلم: 2743 - فتح: 4/ 408]
ذكر فيه حديث ابن عمر في الثلاثة الذين سد عليهم الغار مطولًا.
وقد أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
وفيه: الإخبار عن متقدمي الأمم وذكر أعمالهم؛ لترغب أمته في
مثلها، ولم يكن يتكلم بشيءٍ إلَّا للفائدة، وإذا كان مزحه حقًّا فما ظنك بإخباره؟!
وفيه: سؤال الرب جل جلاله بإنجاز وعده قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)} [الطلاق: 2] وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4] وقوله: "آواهم" وفي رواية: "فأووا" هو: بقصر الهمزة، ويجوز مدها كما سلف إيضاحه في العلم
(2)
مع بيان الأشهر
فيه، أي: انضموا إلى الغار وجعلوه مأوى.
وفيه: التوسل بصالح الأعمال.
وفيه: إثبات كرامات الأولياء والصالحين.
وقوله: ("فَأَجِيءُ بِالحِلَابِ")، يعني: الإناء الذي يحلب فيه. وقيل: اللبن. وقوله في رواية أخرى: لا أغبق
(3)
: هو الغبوق، وهو: اسم للشراب المعد للعشي
(4)
.
وقوله أيضًا: ("دَأْبِي وَدَأْبهُمَا")، أي: شأني وشأنهما
(5)
.
قال الفراء: أصله من دأبت، إلا أن العرب حولت معناه إلى الشأن، يقال: دأب وداب، وقيل: الدأب الفعل، وهو: نحو الأول. وقوله
(1)
مسلم (2743) كتاب: الرقاق، باب: قصة أصحاب الغار الثلاثة.
(2)
برقم (66) باب: من قعد حيث ينتهي به المجلس
…
(3)
في هامش الأصل: الأشهر في الازم ......... في المتعدى إليه.
(4)
"المجمل" 2/ 691 مادة: (غبق)، "تهذيب اللغة" 3/ 2632.
(5)
"المجمل" 1/ 342 مادة: (دأب).
أيضًا: (فنأى بي طلب الشجر يومًا) من يجعل الهمزة قبل الألف، ومنهم من يجعلها بعده، وهما لغتان وقراءتان، وهو البعد أي: بعد بي طلب الشجر التي ترعاها الإبل.
وقوله أيضًا: (لم أرح)، هو من الرواح، وهو ما بعد الزوال.
وقوله هنا: (يَتَضَاغَوْنَ)، أي: يصيحون من الجوع ويبكون ويشكون، والضغاء: -ممدود مضموم الأول- صوت الذلة والفاقة.
و (فُرْجَةً): بضمِّ الفاء وفتحها، وفي الفم مثلثة، وقال ابن فارس وغيره: الفُرجة في الحائط كالشق، والفَرجة: انفراج الكروب
(1)
.
وقوله: (فَافْرُجْ)، قال ابن التين: هو بضمِّ الراء في أكثر الأمهات، وذكر الجوهري أنه بكسرها
(2)
(3)
.
وقوله: (حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ).
وذكر البخاري بعد هذا أنه دفع إليها عشرين ومائة.
وفيه: فضل الوالدين والصبر على المكروه.
ومعنى: لا تفض الخاتم، أي: لا تكسره، وقيل: الفضُّ: التفرق، والبكر أشبه بالخاتم من الثيب؛ لأن الخاتم عُذرتها.
ومعنى: "إِلَّا بِحَقِّهِ" بوجه شرعي، وهو: النكاح.
وفيه: قبول التوبة، وأن من أصلح فيما بقي غفر له، وأن من همَّ بسيئة فتركها؛ ابتغاء وجهه كتب له أجرها، {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} .
(1)
"المجمل" 2/ 719 مادة: (فرج).
(2)
تحتها في (الأصل): إنما تكسر إذا كانت من الفم. كذا في "الصحاح".
(3)
"الصحاح" 1/ 333 مادة: (فرج).
فصل:
و (الفَرَقِ)
(1)
: بفتح الراء، وسكونها وهو ثلاثة أصع، وقال هنا:"بفرق من ذرة"، وقال الذي المزارعة: بفرق أرز
(2)
.
وفيه: جواز الإجارة بالطعام المعلوم.
وقولى: "فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا": هو موضع الترجمة، وبه استدل الحنفية، وغيرهم ممن يجيز بيع مال الإنسان والتصرف فيه بغير إذنه إذا أجازه المالك بعد.
وموضع الدلالة قوله: "فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرًا"، وفي رواية:"فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال"
(3)
مع أنه شرع من قبلنا، وهل هو في شرعنا؟ لنا فيه خلاف مشتهر، ومشهور مذهب مالك أن له الخيار، واستدل به أحمد، كما قاله الخطابي على أن المستوح إذا اتَّجر في مال الوديعة، وربح أن الربح إنما يكون لرب المال، ولا دلالة فيه
(4)
؛ لأن صاحب الفرق إنما تبرع بفعله وتقرب به إلى الله، وقد
(1)
الفرق: مكيال معروف بالمدينة، وهو ستة عشر رجلًا وقد يحرك والجمع: فرقان.
"مختار الصحاح" ص: 209.
(2)
سيأتي برقم (2333) باب: إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم وكان من ذلك صلاح لهم.
(3)
ستأتي برقم (2272) كتاب: الإجارة، باب: من استأجر أجيرًا فترك أجره.
(4)
ورد في هامش الأصل: قوله: (ولا دلالة فيه) إلى آخره يؤيده ما رواه الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس وساق حديث الغار إلى قوله:"وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني استاجرت أجيرًا على عمل يعمله، فأتاني يطلب أجره، وأنا غضبان، فزجرته فانطلق، فترك أجره ذلك، فجمعته وثمرته حتى كان منه كل المال، فأتاني يطلب أجره، فدفعت إليه ذلك كله، ولو شئت لم أعطه إلا أجره الأول" .. الحديث. واعلم أنه لا يعم الاستدلال بالحديث إلا أن يقول: إن الفرق كان معينا، والله أعلم.
قال: إنه اشترى بقرًا، وهو تصرف منه في أمر لم يوكله به فلا يستحق عليه ربحًا. والأشبه بمعناه أنه قد تصدق بهذا المال على الأجير بعد أن اتَّجر فيه وأنماه.
والذي ذهب إليه أكثر الفقهاء في المستودع إذا اتَّجر بمال الوديعة،
والمضارب إذا خالف رب المال فربما أنه ليس لصاحب المال من الربح شيء
(1)
.
قال ابن التين: وقوله في المضارب غير بين؛ لأنه مال ماذون فيه، فربحه عند مالك لربه، بخلاف الوديعة، وعند أبي حنيفة المضارب ضامن لرأس المال، والربح له ويتصدق به، والوديعة عليه.
وقال الشافعي: إن كان اشترى السلعة بعين المال فالبيع باطل، وإن كان بغير عينه فالسلعة ملك المشتري، وهو ضامن للمال. ومذهب مالك: أن الربح للمودع كيفما اشترى إن اشترى لنفسه ولا دليل عليه من الحديث؛ لأنه اشتراه لرب الفرق.
وقال ابن بطال: أجمع الفقهاء أنه لا يلزم شراء الرجل لغيره بغير إذنه إلا حتى يعلمه ويرضى به، فيلزمه بعد الرضا به إذا أحاط علمًا به، واختلف ابن القاسم وأشهب فيما إذا أودع رجل رجلًا طعامًا فباعه المودع بثمن فرضي المودع، فقال ابن القاسم: له الخيار، إن شاء أخذ مثل طعامه من المودع، وإن شاء أخذ الثمن بالذي باعه به، وقال أشهب: إن رضي بذلك فلا يجوز؛ لأنه طعام بطعام فيه خيار.
وهذا الحديث دلَّ على صحة قول ابن القاسم؛ لأن فيه أن الذي كان ترك الأجير فرق ذرة، وأنه زرعه له الذي بقي عنده حتى صار منه ما ذكر،
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 1089 بتصرف.
فلو كان خيار صاحب الطعام يحرم عليه ما جاز له أخذ البقر وراعيها؛ لأن أصلها كان من ذلك الفرق المزروع له بغير علمه، وقد رضي عليه السلام ذلك، وأقره وأخبر أنَّ الذي انطبق عليه الغار توسل بذلك إلى ربه، ونجاه به.
فدلَّ هذا الحديث أنه لم يكن أخذ الأجير لذلك لازمًا إلا بعد رضاه بذلك لقوله: "أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ " وإنكاره ما بذل له عوضًا من الفرق؛ ولذلك عظمت المثوبة في هذِه القصة، وظهرت هذِه الآية من أجل تطوع الزارع للفرق بما بذل له، وأنه فعل أكثر مما كان يلزمه في تأدية ما عليه، فشكر الله له ذلك.
وقد اختلف العلماء في الطعام المغصوب يزرعه الغاصب، فذكر ابن المنذر أن قول مالك والكوفيين أن الزرع للغاصب، وعليه مثل الطعام الذي غصب؛ لأن كل من تعدى على كل ما لهُ مثل فليس عليه غير مثل الشيء المتعدى عليه، غير أن الكوفيين قالوا: إن زيادة الطعام حرام على الغاصب لا يحل له وعليه أن يتصدق به.
وقال أبو ثور: كل ما أخرجت الأرض من الحنطة فهي لصاحب الحنطة وسيأتي اختلافهم فيمن تعدى على نقد فَتَجَر به بغير إذن صاحبه في حديث ابن عمر هذا في الإجارة
(1)
حيث ذكره.
ولنذكر هنا نبذة منه، فقالت طائفة: يطيب له الربح إذا ردَّ رأس المال إلى صاحبه سواء كان غاصبًا للمال أو كان وديعة عنده، متعديًا فيه، هذا قول عطاء ومالك والليث والثوري والأوزاعي وأبي يوسف، واستحب مالك والثوري والأوزاعي تنزهه عنه، ويتصدق به.
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 336 - 337.
وقالت طائفة: يرد المال ويتصدق بالربح ولا يطيب له منه شيء.
هذا قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وزفر، وقالت طائفة: الربح لرب المال، وهو ضامن لما تعدى فيه، هذا قول ابن عمر وأبي قلابة
(1)
، وبه قال أحمد وإسحاق، ثم ادعى ابن بطال: أن أصح هذِه الأقوال أن الربح للغاصب والمتعدي
(2)
.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 358 (20962) عن أبي قلابة، 4/ 359 (20967) عن ابن عمر.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 397.
99 - باب الشِّرَاءِ وَالبَيْعِ مَعَ المُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الحَرْبِ
2216 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ -مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ- بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً؟ " -أَوْ قَالَ:- أَمْ هِبَةً؟ ". قَالَ لَا بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً. [2618، 5382 - مسلم: 2056 - فتح: 4/ 410]
ذكر فيه حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ جَاءَ رَجُل مُشْرِكٌ مُشْعَانٌ طَوِيل بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"بَيْعًا أَمْ عَطِية؟ " -أَوْ قَالَ:- أَمْ هِبَةً؟ ". قَالَ: بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرى مِنْهُ شَاةً.
هذا الحديث ذكره البخاري في موضع آخر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مائة وثلاثين رجلًا، فقال- عليه السلام:"هل مع أحد منكم طعام؟ " فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن، ثم جاء رجل. وفيه: فصنعت، وأمر بسواد البطن أن يشوى، وايم الله ما في الثلاثين والمائة إلَّا وقد حز له حزة من سواد بطنها، إن كان شاهدًا أعطاه إياه، وإن كان غائبًا خبأ له، وجعل منها قصعتين، فأكلوا أجمعون، وشبعنا، وفضل في القصعتين، فحملناه على البعير
(1)
.
قال أبو عبد الله: (مُشْعَانٌّ): طويل جدًّا فوق الطول. وقال الأصمعي- فيما حكاه في "الموعب": شعر مشعان -بتشديد النون- منتفش، واشعانَّ الرجل اشعنانا، وهو: الثائر المتفرق. وقال الأزهري أيضًا: هو الشعث المنتفش الرأس المغبر
(2)
.
(1)
سيأتي في الهبة برقم (2618)، باب: قبول الهدية من المشركين.
(2)
"تهذيب اللغة" 2/ 1892 مادة: (شعن).
وروى عمرو عن أبيه: أشعن الرجل إذا ناصى عدوه فاشعان شعره.
وقال ابن التين: هو شعث الشعر، ثائر الرأس في قول أكثرهم، ووزنه مُفعال.
وعبارة صاحب "العين": مشعان إذا كان منتفشًا، ورجل مشعان الرأس. وسواد البطن، قيل: هو الكبد خاصة، وقيل: حشوة البطن كلها، حكاهما صاحب "المطالع".
وحز: قطع، والحُزة- بضمِّ الحاء: القطعة
(1)
، وقال في باب قبول الهدية من المشركين.
ضبط حُزَة في الأمهات بالضم، وصوابه كما ضبط، لأن الحزة بالضم: القطعة، مثل الأكلة واللقمة، وأما بالفتح فتعود على الفعل.
وقد سلف -من قول أبي عبيد- أنَّ كلَّ شيءٍ يقال فيه: فعلت فعلة -بالفتح- إلا ثنتين: رأيت رؤية، وحججت حجة، يريد إلى الغزو. وقال الداودي: الحزة: القطعة، وهو كالأول.
أما فقه الباب: فالبيع والشراء من الكفار كلهم جائز إلا أن أهل الحرب لا يباع منهم ما يستعينون به على إهلاك المسلمين من العدة والسلاح، وما يقوون به عليهم.
قال ابن المنذر: اختلف العلماء في مبايعة من الغالب على ماله الحرام، وقبول هداياه وجوائزه، فرخصت طائفة في ذلك، كان الحسن البصري لا يرى بأسًا أن يأكل الرجل من طعام العقار والصراف والعامل، ويقول: قد أحل الله طعام اليهود والنصارى، وأكله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى في اليهود:
(1)
المصدر السابق 1/ 802.
{أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42].
وقال مكحول والزهري: إذا اختلط المال وكان فيه الحلال والحرام فلا بأس أن يؤكل منه، وإنما يكره من ذلك الشيء الذي يعرفه بعينه. وقال الحسن: لا بأس ما لم يعرفوا شيئًا منه
(1)
.
وقال الشافعي: لا تجب مبايعة مَنْ أكثرُ مالهِ ربا أو كسبه حرام، وإن بايعه لم أفسخ البيع؛ لأن هؤلاء قد يملكون حلالًا، ولا نحرم إلا حرامًا بينًا إلا أن يشتري حرامًا بينًا يعرفه، والمسلم والذمي والحربي في هذا سواء.
حجة من رخص في ذلك حديث الباب، وحديث رهنه درعه عند اليهودي
(2)
، وكان ابن عمر، وابن عباس يأخذان هدايا المختار
(3)
، وبعث عمر بن عبيد الله بن معمر إلى ابن عمر بألف دينار، وإلى القاسم بن محمد بألف دينار، فأخذها ابن عمر وقال: لقد جاءنا على حاجة، وأبى أن يقبلها القاسم، فقالت امرأته: إن لم تقبلها فأنا ابنة عمه كما هو ابن عمه، فأخذتها
(4)
.
وقال عطاء: بعث معاوية إلى عائشة بطوق من ذهب فيه جوهر قوم بمائة ألف، فقسمته بين أمهات المؤمنين
(5)
.
وكرهت طائفة الأخذ منهم، روي ذلك عن مسروق، وسعيد بن
(1)
انظر: "المغني" 6/ 374.
(2)
سلف برقم (2069) كتاب: البيوع، باب: شراء النبي بالنسيئة.
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 302 (20324)، "حلية الأولياء" 5/ 54.
(4)
"الطبقات الكبرى" 5/ 189.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 302 (25325، 20326)، و"الآحاد والمثاني" 1/ 376 (503) من طريق ابن أبي شيبة.
المسيب، والقاسم بن محمد، وبسر بن سعيد، وطاوس، وابن سيرين، والثوري، وابن المبارك، ومحمد بن واسع، وأحمد، وأخذ ابن المبارك قذاة من الأرض، فقال: من أخذ مثل هذِه فهو منهم
(1)
. وسلف هذا المعنى في الزكاة في باب: إعطاء المال من غير مسألة.
وقوله عليه السلام: " (بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً؟ -أو قال:- أَمْ هِبَةً؟ ") إنما قال ذلك على معنى أنه يثيبه لو كان هدية، لا أنه كان يقبلها منه دون إثابة عليها، كما فعل عليه السلام بكل من هاداه من المشركين، بل كان هذا دأبه. وسيأتي في الهبة حكم هبة المشرك إن شاء الله.
(2)
وحديث: "إنا لا نقبل زبد المشركين"
(3)
يعني عطاياهم، يشبه أن يكون منسوخًا كما قال الخطابي، فقد قبل هدية غير واحد منهم، أهدى له المقوقس مارية والبغلة
(4)
، وأكيدر دومة، إلا أن يفرق فارق بين هدية أهل الشرك وأهل الكتاب؛ لكن هذا الرجل كان مشركًا
(5)
، ويجوز أن يكون القبول من باب التألف.
وفيه: قصد الرؤساء والأكابر بالسلع لاستجزال الثمن.
(1)
عبد الرزاق 8/ 151 (14682) عن ابن سيرين، ابن أبي شيبة 4/ 302 (20332) عن مسروق 4/ 303 (20336) عن محمد بن سيرين.
(2)
سيأتي برقم (2618) باب: قبول الهدية من المشركين.
(3)
رواه أبو داود (3057)، الترمذي (1577) وقال: حسن صحيح وأحمد 4/ 162، والبخاري في "الأدب المفرد" ص 148 (428) عن عياض بن حمار المجاشعي.
وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(2505).
(4)
في هامش الأصل: وسيرين بعثها أيضًا وهي أخت مارية وجارية ومابورًا وممارًا وعلًا من بنها وقباطًا وذهبًا.
(5)
"أعلام الحديث" 2/ 1092 بتصرف.
وفيه: أن ابتياع الأشياء من مجهول الناس ومن لا يعلم حاله بعفاف أو غيره جائز، حتى يطلع على ما يلزم الورع عنه، أو يوجب ترك مبايعته بغصب أو سرقة أو غير ذلك. قال ابن المنذر: لأن من بيده الشيء فهو مالكه على الظاهر، ولا يلزم المشتري أن يعلم حقيقة ملكه له بحكم اليد.
وفيه: تأنيس الكافر لإثابته أكثر مما أخذ، إذ كان ذلك من شأنه.
فرع: اختلف في الذي يهدى إلى الأئمة، فروي عن علي رده إلى بيت المال، وإليه ذهب أبو حنيفة.
وقال أبو يوسف: هو له. وقيل: إنه عليه السلام في ذلك بخلاف غيره؛ لأن الله خصه في أموال الحرب بما لم يكن لغيره. قاله الخطابي
(1)
.
وفيه: ذكر بعض الخبر وحذف باقيه، إذ لم يذكر فيه قدر ما اشترى به.
وفيه: علم من أعلام نبوته، حيث أكل من سواد البطن ما ذكر.
وفيه: رأفته بالحاضرين، وتفقد الغائبين، وهو رد على جهلة الصوفية حيث يقولون: من غاب غاب نصيبه.
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 1093.
100 - باب شِرَاءِ المَمْلُوكِ مِنَ الحَرْبِيِّ وَهِبَتِهِ وَعِتْقِهِ
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِسَلْمَانَ: "كَاتِبْ". وَكَانَ حُرًّا فَظَلَمُوهُ وَبَاعُوهُ. وَسُبِيَ عَمَّارٌ وَصُهَيْبٌ وَبِلَالٌ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} ، إلى قوله:{يَجْحَدُونَ} [النحل: 71]
2217 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام بِسَارَةَ، فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ المُلُوكِ -أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الجَبَابِرَةِ- فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ، هِيَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، مَنْ هَذِهِ التِي مَعَكَ؟ قَالَ: أُخْتِي، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: لَا تُكَذِّبِي حَدِيثِي، فَإِنِّي أَخْبَرْتُهُمْ أَنَّكِ أُخْتِي، وَاللهِ إِنْ عَلَى الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ. فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الكَافِرَ. فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ". قَالَ الأَعْرَجُ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "قَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ يُقَالُ: هِيَ قَتَلَتْهُ. فَأُرْسِلَ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ تُصَلِّي، وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي، فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ هَذَا الكَافِرَ. فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ". قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ فَيُقَالُ: هِيَ قَتَلَتْهُ، فَأُرْسِلَ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ إِلَّا شَيْطَانًا، ارْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَعْطُوهَا آجَرَ. فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللهَ كَبَتَ الكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً". [2635، 3357، 3358، 5084، 6950 - مسلم: 2371 - فتح: 4/ 410]
2218 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّهَا قَالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ
سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ:"هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ". فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ. [انظر: 2053 - مسلم: 1457 - فتح: 4/ 411]
2219 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه لِصُهَيْبٍ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَدَّعِ إِلَى غَيْرِ أَبِيكَ. فَقَالَ صُهَيْبٌ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا، وَأَنِّي قُلْتُ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي سُرِقْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ. [فتح: 4/ 411]
2220 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ -أَوْ أَتَحَنَّتُ بِهَا- فِي الجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ حَكِيمٌ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ". [انظر: 1436 - مسلم: 123 - فتح: 4/ 411]
ثم ساق حديث أبي هريرة في إعطاء الكافر آجَرَ سارة زوجة إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
وحديث عائشة: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ
…
الحديث بطوله. وقد سلف
(1)
.
وحديث سعد عن أبيه: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِصُهَيْبٍ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَدَّعِ إِلَى غَيْرِ أَبِيكَ. فَقَالَ صُهَيْبٌ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا، وَأَنِّي قُلْتُ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي سُرِقْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ.
(1)
في البيوع برقم (2053) باب: تفسير المشبهات.
وحديث حكيم بن حزام: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ -أَوْ أَتَحَنَّتُ بِهَا- فِي الجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ حَكِيمٌ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أسلفت مِنْ خَيْرٍ".
الشرح:
التعليق الأول أسنده ابن حبان
(1)
والحاكم من حديث سماك بن حرب، عن زيد بن صوحان، فذكره، قال الحاكم: حديث صحيح عال في ذكر إسلام سلمان
(2)
.
وفيه: حتى لقيني ركب من كلب فسألتهم، فلما سمعوا كلامي حملوني حتى أتوا بلادهم فباعوني، فقال عليه السلام:"كَاتِبْ يا سَلْمَانَ" وأسنده البزار أيضًا من حديث محمود بن لبيد، عن ابن عباس،
فذكره مطوَّلًا
(3)
. وعند البخاري حدثنا الحسن، ثنا معتمر، ثنا أبو عثمان، عن سلمان أنه تداوله بضعة عشر من رب إلى رب، وسيأتي طرف منه في الفضائل
(4)
.
وقوله: (وسبي عمار وصهيب وبلال)، يعني: أنه كان في الجاهلية يسبي بعضهم بعضًا ويملكون بذلك، وروينا عن ابن سعد بإسناده عن حمزة بن صهيب، عن أبيه قال: إني رجل من العرب من النمر بن
قاسط، ولكن سبيت، سبتني الروم غلامًا صغيرًا بعد أن عقلت أهلي
(1)
رواه ابن حبان في "صحيحه" 16/ 64 من طريق عبد الله بن رجاء، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي قرة الكندي عن سلمان، ورواه في "الثقات" 1/ 249 من طريق عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن ابن عباس عن سلمان.
(2)
"المستدرك" 3/ 599 - 602.
(3)
"البحر الزخار" 6/ 462 - 468 (2499، 2500).
(4)
سيأتي برقم (3946) كتاب: مناقب الأنصار، باب: إسلام سلمان الفارسي.
وقومي، وعرفت نسبي
(1)
.
ومعنى الآية التي ساقها: أنَّ الله فضَّل الملَّاك على مماليكهم، فجعل المملوك لا يقوى على ملك مع مولاه، واعلم أن المالك لا يشرك مملوكه فيما عنده.
وهما من بني آدم، فكيف تجعلون بعض الرزق الذي رزقكم الله وبعضه لأصنامكم، فتشركون بين الله وبين الأصنام، وأنتم لا ترضون ذلك مع عبيدكم لأنفسكم؟! نبه عليه ابن التين.
وقال ابن بطَّال: إنما تضمنت التقريع للمشركين والتوبيخ لهم على تسويتهم عبادة الأصنام بعبادة الرب تعالى، فنبههم تعالى على أن مماليكهم غير مساوين لهم في أموالهم، فالله تعالى أولى بإفراد العبادة، وأن لا يشرك معه أحد من عبيده، إذ لا مالك على الحقيقة سواه، ولا يستحق الإلهية غيره
(2)
.
وقال الضحَّاك: هو مثل لله، ولعيسى بن مريم، أي: أنتم لا تفعلون هذا لغيركم، فكيف ترضون لي باتخاذ بشرًا ولدًا؟!
(3)
وقوله: {أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ} [النحل: 71] أي: فبأن أنعم الله عليهم جحدوا النعمة، وجعلوا ما رزقهم لغيره. وقيل: المعنى: فبأن أنعم الله عليهم بالبراهين جحدوا نعمه.
وغرض البخاري في هذا الباب: إثبات ملك الحربي والمشرك، وجواز تصرفه في ملكه بالبيع والهبة والعتق وجميع ضروب التصرف،
(1)
"الطبقات الكبرى" 3/ 227.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 342.
(3)
ذكره النحاس في "معاني القرآن" 4/ 87.
إذ أقر الشارع سلمان عند مالكه من الكفار، فلم يَزُل ملكه عنه، وأمره أن يكاتب، وقد كان حرًّا، وأنهم ظلموه وباعوه، ولم ينقض ذلك ملك مالكه، وكذلك كان أمر عمَّار وصهيمب وبلال، باعوهم مالكوهم الكفار من مسلمين، واستحقوا أثمانهم، وصاروا ملكًا لهم، ألا ترى أن إبراهيم قبل هبة الملك الكافر
(1)
، وأن عبد بن زمعة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:(هذا ابن أمة أبي، ولد على فراشه)، فأثبت لأبيه أمةً وملكًا عليها في الجاهلية، فلم ينكر ذلك.
وسماعه الخصام في ذلك دليل على تنفيذ عهد المشرك والحكم به أن يحتكم فيه للمسلمين، ولذلك جوز عليه السلام عتق حكيم بن حزام وصدقته في الجاهلية، ونبه على عتق القرابة بحكم الشارع في قضائه لأحدهما في قصة سعد، بناء على أن من ملك ذارحم محرم فهو حرٌّ.
فإن قلت: كيف جاز لليهودي ملك سلمان وهو مسلم، ولا يجوز للكافر ملك مسلم؟ قلت: أجاب عنه الطبري بأن حكم هذِه الشريعة: أن من غلب من أهل الحرب على نفس غيره أو ماله، ولم يكن المغلوب على ذلك ممن دخل في الإسلام، فهو لغالبه ملكًا، وكان سلمان حين غلب على نفسه لم يكن مؤمنًا، وإنما كان إيمانه إيمان تصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث مع إقامته على شريعة عيسى، فأقره عليه السلام مملوكًا لمن كان في يده، إذ كان حكمه عليه السلام: أن من أسلم من رقيق المشركين في دار الحرب ولم يخرج مراغمًا لسيده فهو لسيده، أو كان سيده من أهل صلح المسلمين فهو مملوك لمالكيه
(2)
.
(1)
في هامش الأصل: إنما وهبها لسارة.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 342 - 343.
وفيه من الفقه: إباحة المعاريض لقوله: ("إنها أُخْتِي")، وأنها مندوحة عن الكذب.
وفيه: أن أخوة الإسلام أخوة يجب أن ينتمى بها.
وفيه: الرخصة في الانقياد للظالم والغاصب، وقبول صلة السلطان الظالم، وقبول هدية المشرك، وقد ترجم عليه هناك بذلك، وإجابة الدعاء بإخلاص النية، وكفاية الرب جل جلاله لمن أخلصها بما يكون نوعًا من الآيات، وزيادة في الإيمان، ومعونة على التصديق والتسليم والتوكل.
وقوله: ("فَغُطَّ") أي: صوت في نومه، يقال منه: غط غطيطًا، ذكره ابن بطال عن "الأفعال"
(1)
. وقال ابن التين: غط، أي: خنق، وصرع: أصابه مس الشيطان. قال: وضبط في بعض الأمهات بفتح الغين، وصوابه: ضمها، وكذلك هو في بعض الكتب.
وقوله: ("رَكَضَ بِرِجْلِهِ") أي: ضرب بها.
ومعنى: "كَبَتَ الكَافِرَ" صرعه لوجهه، وكبت الله العدو -أيضًا- ردَّه خائبًا، وقيل: أذله وأخزاه، وقيل: أصله كبد أي: بلغ الهم كبده، فأبدل من الدال تاءً، وقيل: معناه: ضربه وأذله، والمعاني متقاربة.
يقال: إن الله كشف لإبراهيم حتى رأى ذلك معاينة، وأنه لم ينل منها شيئًا لما كان عليه من المغيرة.
وفيه: ابتلاء الصالحين: لرفع درجاتهم.
ومعنى: ("أَخْدَمَ") أعطى خادمًا.
(1)
"الأفعال" لابن القوطية ص 196، "شرح ابن بطال" 6/ 343.
تنبيهات:
أحدها: أسلم بلال وسيده كافر وهو بدار الحرب، فثبت ولاؤه عند مالك وابن القاسم للصديق، وقال أشهب: هو حرٌّ بنفس إسلامه، فلا ولاء لأبي بكر فيه. وعمار هو: ابن ياسر أبو اليقظان مولى بني مخزوم، قتل بصفين وهو ابن ثلاث وتسعين، وصهيب: هو ابن سنان أبو يحيى مولى ابن جدعان القرشي.
ثانيها: (آجَرَ) بهمزة ممدودة، وقلبت هاءً فصارت: هاجر، وأصل المادة: الترك، وكانت من حفن من كورة أنصنا. و (القرية) جمعها قرى، سميت بذلك لاجتماع الناس فيها، من قريت الماء في الحوض أي:
جمعته.
قال الداودي: يقع على المدن الصغار والكبار.
وقوله: "من هذِه؟ قال: أختي" يريد في الإسلام، وهي من المعاريض، وفر من زوجتي بذلك؛ لأن الزوج قد يدفع بالقتل بخلاف الأخ.
وقال الداودي: فعله خوفًا من تغلبه عليها. وسيأتي زيادة على ذلك.
وفيه: أنَّ من قال لزوجته: أختي، ولم ينو شيئًا لا يكون طلاقًا، وكذا لو قال: مثل أختي لا يكون ظهارًا، وفيه: هدية المشرك للمسلم.
وفيه: مستند لمن يقول: إن طلاق المكره لا يقع، وليس ببين.
وقولها: ("وَأَحْصَنْتُ") أي: عففت، وقال الداودي: أعففت، ولا يعرف هذا الفعل رباعيًّا، وإنما هو ثلاثي.
قولها: ("إِنْ يَمُتْ يُقَالُ: هِيَ قتَلَتْهُ") فيه خوف سارة أن ينسب إليها قتله.
وفيه: أخذ الحذر مع الإيمان بالقدر.
وقوله: ("مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ إِلَّا شَيْطَانًا") أي: لأجل الحيلولة التي وقعت بينهما حال دونها إخوانها من الشياطين، وجاء في بعض الروايات لما قبضت يده عنها قال لها:"ادعي لي"
(1)
فقال ذلك لئلَّا تحدث بما ظهر من كرامتها، فيعظم في نفوس الناس وتتبع، فلبس على السامع فذكر الشيطان.
وقول ابن عوف لصهيب: (اتق الله ولا تدّع إلى غير أبيك)، أراد عبد الرحمن أن يدعوه لأبيه إن عرفه، ولم ينسب إلى الروم: لقوله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] فذكر صهيب أنه لا يعرف أباه، وانتسب إلى مواليه.
وحديث حكيم سلف في الزكاة
(2)
.
وقوله هنا: (كُنْتُ أَتَحَنَّتُ -أَوْ أَتَحَنَّثُ- بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ) كذا في الأولى بالمثناة. قال عياض: وهو غلط من جهة المعنى، وأما الرواية فصحيحة، والوهم فيه من شيوخ البخاري بدليل (أو أتحنث) بعده على الشك، والذي رواه الكافة بالمثلثة، وكذا قال ابن التين: ضبط في الأول بالمثناة، وصوابه بالمثلثة كما في الثاني، أي: أتعبد، ولم يذكره أحد من أهل اللغة بالمثناة كما في حديث الوحي: كان يأتي حراء فيتحنث فيه. أي: يتعبد
(3)
، وقال أبو العباس: أي: يفعل فعلًا يخرج به من الحنث، كتأثم وتحرج، زاد القزاز: وتحوب أي: ألقى
(1)
ستأتي برقم (3358) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله عز وجل: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125].
(2)
برقم (1436) باب: من تصدق في الشرك ثم أسلم.
(3)
سلف برقم (3) كتاب: بدء الوحي.
الحوب، وهو: الإثم والذنب، ويحتمل على تقدير الصحة أن يكون أصلها من الحانوت أو الحانة.
قال ابن الأثير: كانت العرب تسمي بيوت الخمارين: الحوانيت، والحانة مثله
(1)
، فعلى هذا التقدير: أتحنث: أتجنب مواضع الخمارين والحانة.
وفيه: أنهم كانوا في الجاهلية على بقية من دين إبراهيم، وأنهم كانوا يصنعون شيئًا يريدون به وجه الله.
وأن ما أصابوا به من ذلك ثم أسلموا كتب لهم؛ لأنه لا يضيع عمل عامل كمن أحبط من ارتد بعد الإسلام.
رابعها: ذكر ابن قتيبة في "معارفه"، أن القرية: الأردن، والملك:(صاروق)
(2)
، وكانت هاجر لملك من ملوك القبط
(3)
. وعند الطبري: كانت امرأة ملك من ملوك مصر، فلما قتله أهل عين شمس احتملوها معهم، وزعم أن الملك الذي أراد سارة اسمه سنان بن علوان أخو الضحاك
(4)
.
وذكر السهيلي في "روضه" أن سارة هي: بنت توبيل بن ناحور. وقيل: بنت هاران بن ناحور، وقيل: بنت هاران بن تارخ، وهي: بنت أخيه على هذا، وأخت لوط، قاله القتبي في "المعارف"
(5)
،
(1)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 448 مادة: (حنت).
(2)
ورد في هامش الأصل: رأيت في نسختين من "الروض" للسهيلي عن ابن قتيبة: (صادوف).
(3)
"المعارف" ص 32 بتصرف.
(4)
"تاريخ الطبري" 1/ 148، 175 بتصرف.
(5)
"المعارف" ص: 31.
والنقاش في "تفسيره"، قال: وذلك أن نكاح بنت الأخ كان حلالًا؛ إذ ذاك ثم إن النقاش ناقض ذلك، وقال الذي تفسير قوله تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] أنه يدل على تحريم بنت الأخ على لسان نوح.
قال السهيلي: وهذا هو الحق، وإنما توهموا أنها بنت أخيه؛ لأنَّ هاران أخوه، وهو هاران الأصغر وكانت بنت هاران الأكبر وهو عمه
(1)
.
وذكر أبو محمد عبد الملك بن هشام في كتابه "التيجان": أنَّ إبراهيم عليه السلام خرج من مدين إلى مصر، وكان معه من المؤمنين ثلاثمائة وعشرون رجلًا ومصر ملكها عمرو بن امرئ القيس بن بابليون بن سبأ، وكان خال إبراهيم لشدة إعجابه به فوشى به حنَّاط كان إبراهيم يمتار منه، فأمر بإدخال إبراهيم وسارة عليه، ثم نحى إبراهيم وقام إلى سارة، فلما صار إبراهيم خارج القصر جعله الله له كالقارورة الصافية، فرأى الملك وسارة وسمع كلامهما، فهمَّ عمرو بسارة ومد يده إليها فيبست، فمد الأخرى فكذلك، فلما رأى ذلك كف عنها. قال: يا سارة هكذا نصيب الرجال معك؟ قالت: أنا ممنوعة من الخلق إلا من بعلي إبراهيم فأمر بدخوله، فقال: لا تحدث يا إبراهيم نفسك بشيءٍ، فقال: أيها الملك إنَّ الله عز وجل قال جعل قصرك لي كالقارورة فما خفي عليَّ شيءٌ مما فعلتَ فقال الملك: لكما شأن عظيم يا إبراهيم. قال ابن هشام: وكان الحناظ أخبر الملك بأنه رآها تطحن، فقال الملك: يا إبراهيم ما ينبغي لهذِه أن تخدم نفسها فأمر له بهاجر.
خامسها: وقد أسلفت الإشارة إليه.
(1)
"الروض الأنف" 1/ 16.
قال ابن الجوزي: على هذا الحديث إشكال ما زال يختلج في صدري، وهو أن يقال ما معنى توريته عليه السلام على الزوجة بالأخت، ومعلوم أن ذكرها بالزوجية أسلم لها؛ لأنه إذا قال: هذِه أختي، قال زوجنيها، وإذا قال: هذِه امرأتي سكت هذا إن كان الملك يعمل بالشرع، فأما إذا كان كما وصف من جوره فما يبالي أكانت زوجة أو أختًا إلى أن وقع لي أنَّ القوم كانوا على دين المجوس، وفي دينهم أنَّ الأخت إذا كانت زوجة كان أخوها الذي هو زوجها أحقَّ بها من غيره، فكأن إبراهيم أراد أن يستعصم من الجبار بذكر الشرع الذي يستعمله، فإذا هو جبار لا يراعي جانب دينه.
قال: واعترض على هذا بأن الذي جاء بمذهب المجوس زرادشت، وهو متأخر عن هذا الزمن.
والجواب: أن لمذهب القوم أصلًا قديمًا ادعاه زرادشت، وزاد عليه خرافات أخر، وقد كان نكاح الأخوات جائزًا من زمن آدم، ويقال: إن حرمته كانت على لسان موسى، قال: ويدل على أن دين المجوس له أصل ما رواه أبو داود أنه عليه السلام أخذ الجزية من مجوس هجر
(1)
(2)
، ومعلوم أن الجزية لا تؤخذ إلا ممن له كتاب أو شبهة كتاب، ثم سألت عن هذا بعض علماء أهل الكتاب فقال: كان من مذهب القوم: أن من له زوجة لا يجوز أن تتزوج إلى أن يهلك زوجها، فلما
(1)
أبو داود (3043) عن عبد الرحمن بن عوف.
وهو في البخاري برقم (3156، 3157) كتاب: الجزية والموادعة، باب: الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب.
(2)
ورد في هامش الأصل: أو في "صحيح البخاري". اهـ.
قلت: انظر الهامش السابق.
علم إبراهيم هذا قال: هي أختي كأنه قال: إن كان الملك عادلًا فخطبها مني أمكنني دفعه، وإن كان ظالمًا تخلصت من القتل، وقيل: إنَّ النفوس تأبى أن يتزوج الإنسان بامرأة وزوجها موجود، فعدل عن قوله: زوجتي؛ لأنه يؤدي إلى قتله، أو طرده عنها، أو تكلفه لفراقها.
وقيل: إن ذلك الجبار كان من سيرته أنه لا يغلب الأخ على أخته ولا يظلمه فيها، وكان يغلب الزوج على زوجته، وعلى هذا يدل مساق الحديث حكاه القرطبي، قال: وإلا فما الفرق بينهما في حقِّ جبار ظالم؟
(1)
وهذا من باب: المعاريض الجائزة، كما سلف والحيل من التخلص من الظلمة، بل نقول: إنه إذا لم يتخلص رجل من الظلمة إلا بالكذب الصراح جاز له أن يكذب، وقد يجب في بعض الصور بالاتفاق؛ لكونه ينجي نبيًّا أو وليًّا ممن يريد قتله، أو نجاة المسلمين من عدوهم.
سادسها: قوله: (قال الأعرج: قال أبو سلمة: قال أبو هريرة: فقالت:) إلى آخره، هو موقوف ظاهر، أو كذا ذكره أصحاب الأطراف، وكأن أبا الزناد روى القطعة الأولى مسندة، وهذِه موقوفة.
(1)
"المفهم" 6/ 185.
101 - باب جُلُودِ المَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ
2221 -
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابن شِهَابٍ، أَنَّ عُبَيدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةِ مَيِّتَةِ فَقَالَ:"هَلَا استَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ ". قَالُوا: إِنَّهَا مَيِّتَة. قَالَ: "إِنَّمَا حَرُمَ أكلُهَا". [انظر: 1492 - مسلم: 363 - فتح: 4/ 413]
ذكر حديث ابن عباس: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ: "هَلَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ ". فقَالُوا: إِنَّهَا مَيِّتَةٌ. قَالَ: "إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا".
هذا الحديث سلف في الزكاة في باب: الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
، وأوضحنا الكلام عليه، ويأتي في الذبائح أيضًا
(2)
.
وجمهور العلماء على جواز بيعها والانتفاع بها بعد الدباغ.
وأسلفنا هناك أن الخلاف في أنَّ الإهاب هل هو الجلد مطلقًا أو قبل الدباغ
(3)
، وهذا الاستمتاع محمول عند أكثر العلماء على ما بعد دباغه، إلا الزهري.
وفيه: دلالة قوية على تحريم أكله، وادعى ابن التين أنه لم يختلف فيه، وهو غريب، فالخلاف عندنا مشهور، بل الراجح عندنا إباحته.
(1)
برقم (1492).
(2)
برقم (5531) باب: جلود الميتة.
(3)
"المجمل" ص (105) مادة: (أهب).
فائدة:
جوَّز ابن وهب بيع زيت الفأرة إذا بُيِّنَ، وخالفه جميع أصحاب مالك، وجوَّزه أبو موسى الأشعري من غير مسلم
(1)
، وبقول ابن وهب قال أبو حنيفة، وانفرد أحمد فقال: في الجلد لا يستمتع به، وإن دبغ، والحديث حجة عليه
(2)
.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 127 (24385).
(2)
ورد بهامش الأصل: احتج بحديث عبد الله بن عكيم وفيه ما فيه.
102 - باب قَتْلِ الخِنْزِيرِ
وَقَالَ جَابِرٌ: حَرَّمَ النَّبِيُّ رسول الله بَيْعَ الخِنْزِيرِ.
2222 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ". [2476، 3448، 3449 - مسلم: 155 - فتح: 4/ 414]
ثم ساق حديث أبي هريرة قَالَ: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابن مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وتعليق جابر سيأتي بعد مسندًا بلفظ: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم عام الفتح بمكة يقول: "إنَّ الله ورسوله حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام"
(2)
.
ومعنى: "لَيُوشِكَنَّ": ليسرعن، يقال: أوشك فلان خروجًا من العجلة، وقال الداودي: ليكونن، قال: ويوشك يأتي بمعنى: يكون، وبمعنى: يقرب أن ينزل، أي: من السماء فإدنَّ الله رفعه إليها وهو: حي، "مُقْسِطًا" أي: عدلًا.
وقوله: ("فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ") أي: بعد قتل أهله.
"وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ" أي: يفنيه فلا يؤكل، وقيل: يحتمل أنه ليضعف
(1)
مسلم (155) كتاب: الإيمان، باب: نزول عيسى بن مريم حاكمًا بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
(2)
برقم (2236) في البيوع)، باب: بيع الميتة والأصنام.
أهل الكفر عندما يريد قتالهم، ويحتمل أن يقتله بعدما يغلبهم، وإنما كان ذلك؛ لأنه نازل بتقرير هذِه الشريعة.
ومعنى "يَضَعَ الجزْيَةَ" يحمل الناس كلهم على الإسلام، ولا حاجة لأحدٍ إذ ذاك إلى الجزية؛ لأنها إنما تؤخذ لتصرف في المصالح، ولا عدو إذ ذاك للدين والمال فاض فلا حاجة إليها.
وقوله: ("وَيَفِيضَ المَالُ") أي: يكثر ويتسع، وهو بالنصب عطفًا على ما قبله كما ضبطه الدمياطي. قال ابن التين: إعرابه بالضمِّ؛ لأنه مستأنفٌ غير معطوف؛ لأنه ليس من فعل عيسى، قال: ويصح أن
يعطف على ما عملت فيه أن فينصب، وظاهره قتل الخنزير مطلقًا، وإن لم تعد حكمته ما أسلفناه.
وقال ابن التين في موضع آخر: فيه: إبطال لقول من شذ من الشافعية إذ جوز تركه إذا لم يكن فيه ضراوة، ومذهب الجمهور: أنه إذا وجد الخنزير في دار الكفر وغيرها وتمكنا من قتله قتلناه. وقد قام الإجماع على أن بيعه وشراءه حرام، وعلى قتل كل ما يُسْتَضَرُ به ويؤذي مما لم يبلغ أذى الخنزير، كالفواسق التي أمر الشارع بقتلها في الحل والحرم للحلال والمحرم، فالخنزير أولى بذلك لشدة أذاه، ألا ترى أن عيسى صلى الله عليه وسلم يقتله عند نزوله، فقتله واجب كذا قال ابن بطال.
ثم قال: وفيه: دليلٌ على أن الخنزير حرام في شريعة عيسى، وقتله له تكذيب للنصارى أنه حلال في شريعتهم.
واختلف العلماء في الانتفاع بشعره فكرهه ابن سيرين والحكم، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. وقال الطحاوي عن أصحابه: لا ينتفع من الخنزير بشيء، ولا يجوز بيع شيءٍ منه، ويجوز للخرازين
أن (يبيعوا)
(1)
شعرة وشعرتين للخرازة، ورخّص فيه الحسن وطائفة. ذكر عن مالك: أنه لا بأس بالخرازة بشعره، فعليه أنه لا بأس ببيعه وشرائه.
وقال الأوزاعي: يجوز للخراز أن يشتريه، ولا يجوز له بيعه. قال المهلب: وظاهر الحديث: أن الناس كلهم يدخلون في الإسلام، ولا يبقى من يخالفه
(2)
، وهو كما قال. وقد استدل به البيهقي في "سننه" أن الخنزير أسوأ حالًا من الكلب؛ لأنه لم ينزل بقتله بخلافه
(3)
.
(1)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال": ينتفعوا. ولعله الأنسب.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 344 - 345.
(3)
"السنن الكبرى" 1/ 244.
103 - باب لَا يُذَابُ شَحْمُ المَيْتَةِ وَلَا يُبَاعُ وَدَكُهُ
رَوَاهُ جَابِرٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
2223 -
حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ فُلَانًا بَاعَ خَمْرًا، فَقَالَ: قَاتَلَ اللهُ فُلَانًا، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا؟ ". [3460 - مسلم: 1582 - فتح: 4/ 414]
2224 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"قَاتَلَ اللهُ يَهُودًا، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا". [قَالَ أَبُو عَبْد اللهِ: {قَاتَلَهُمُ الله} [التوبة: 30]: لَعَنَهُم {قُتِلَ} [الذاريات: 10]: لُعِنَ {اَلخَرَّاصُونَ} : الكَذابُونَ]. [مسلم: 1583 - فتح: 4/ 414]
ثم أسند حديث ابن عباس بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ فُلَانًا بَاعَ خَمْرًا، فَقَالَ: قَاتَلَ اللهُ فُلَانًا، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا؟ ".
وحديث أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَاتَلَ اللهُ اليهود، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا".
الشرح:
تعليق جابر أخرجاه، وهو المذكور قبله، ولفظه:"قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه"
(1)
.
(1)
البخاري برقم (2236) البيوع، باب: بيع الميتة والأصنام، ومسلم (1581) كتاب: المساقاة، باب: تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام.
وذكره ابن أبي حاتم في "علله" من حديث عبد الله بن عمرو، وتوقف فيه
(1)
.
وحديث ابن عباس أخرجه مسلم أيضًا، وسمى المبهم فقال: بلغ عمر أن سمرة باع خمرًا فقال: قاتل الله سمرة، ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها"
(2)
.
وقال المحب في "أحكامه" أنه جابر بن سمرة، وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم أيضًا
(3)
. وقال البخاري في أخبار بني إسرائيل، رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد هذا
(4)
.
وأخرج أبو داود حديث ابن عباس. وفيه: "إن الله إذا حرَّم أكل شيءٍ حرم عليهم ثمنه"
(5)
. وأجاب الخطابي عن فعل سمرة بن جندب نقلًا أنه لم يبعها بعينها، وإنما خللها متأولًا ثم باعها
(6)
. وإلا فلا يخفي عليه ذلك، وكان واليًا على البصرة، أو يحمل على أنه باع العصير ممن يتخذه خمرًا لكنه حرام، وجواب ثالث: وهو أنه كان يأخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية فيبيعها منهم ظنًّا منه جوازه. قاله ابن الجوزي نقلًا عن ابن ناصر، وكان ينبغي له أن يوليهم بيعها، وذكر الإسماعيلي والحافظ أبو بكر في "مدخله": أنه يجوز أن يكون لم
(1)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 382 (1140).
(2)
مسلم (1582).
(3)
مسلم (1583).
(4)
سيأتي برقم (3460) كتاب: أحاديث الأنبياء.
(5)
أبو داود (3488).
(6)
"أعلام الحديث" 2/ 1101.
يعلم تحريم بيعها، ولو لم يكن كذلك لما أقره عمر على عمله، ولعزله ولا رضي هذا.
وقام الإجماع على تحريم بيع الميتة لتحريم الله تعالى بقوله: {حُرمَت عَلَيكُمُ اَلمَيْتَةُ} [المائدة: 3] الآية.
فإن قلت: ما وجه قوله: ("فَبَاعُوهَا، فَأكَلُوا أَثْمَانَهَا") مع أشياء كثيرة حرم أكلها دون بيعها، كالحمر الأهلية، وسباع الطير كالبزاة والعقبان وأشباهها؟
قلت: وجهه: أن الشحوم لما كانت محرمة عليهم كان من حقهم اجتناب بيعها كالخمر وشبهه.
واختلف العلماء في جواز بيع العذرة والسرقين، فكره مالك والكوفيون بيع العذرة، وقالوا: لا خير في الانتفاع بها، وأجاز الكوفيون بيع السرقين، وزبل الدواب عند مالك نجس فينبغي أن يكون كالعذرة، وأما بعر الإبل وخثاء البقر فلا بأس ببيعه عند مالك.
وقال الشافعي: لا يجوز بيع العذرة ولا الروث ولا شيء من الأنجاس، وشرط المبيع أن يكون طاهرًا، وانتفاع الناس بالسرقين، وإن كان نجسًا في الزراعة لا بأس به، وكذا خلطهم إياه بالطين، والبناء للفخار ولوقود النيران، ولا يدل على الملكية ولا الضمان عند الاستهلاك، خلافًا لمن خالف.
وفي سماع ابن القاسم: أنه سئل عن قوم لهم خربة يرمي الناس فيها الزبل، فأرادوا ضربه طوبًا وبيعه؛ ليعمروا به تلك الأرض، قال: ذلك لهم، وهذا على قاعدتهم.
ومعنى: "جَمَلُوهَ" أذابوه، جملتُ الشيء، أجمله جملًا، وأجملته واجتملته: أذبته، والجميل: الودك.
قال الداودي: ومنه سمي الجمال؛ لأنه يكون عن الشحم، وليس ببين لأنه قد يكون مع الهزال، واستدل به أصحاب مالك على سد الذرائع؛ لأن اليهود توجه عليهم اللوم بتحريم أكل الثمن من جهة تحريم أكل الأصل، وأكل الثمن ليس هو أكل الأصل بعينه، لكنه لما كان سببًا إلى أكل الأصل بطريق المعنى استحقوا اللوم، ولهذا قال الخطابي: في هذا الحديث إبطال الحيل والوسائل التي يتوسل بها إلى المحظورات؛ ليعلم أن الشيء إذا حرم عينه حرم ثمنه
(1)
، وهو حجة على ابن وهب وأبي حنيفة فيما مضى من إجازتهما بيع الزيت النجس.
واعترض بعض الملاحدة على كون الشيء حرامًا ويحل بيعه بما إذا ورث أمة وطئها أبوه، فإنه يحرم على الابن وطؤها، ويحل بيعها إجماعًا وأكل ثمنها، وهذا تمويه؛ لأن الابن لا يحرم عليه منها غير الاستمتاع، وهي مباحة للغير بخلاف الشحم، فإن ما عدا الأكل تابع له بخلافها، وفي عموم تحريم الميتة بيع جثة الكافر.
وقد روى ابن هشام
(2)
وغيره: أن نوفل بن عبد الله المخزومي قتله المسلمون يوم الخندق فبذل الكفار في جسده لرسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف درهم، فلم يأخذها ودفعها إليهم وقال:"لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه"
(3)
.
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 1101.
(2)
في هامش (الأصل): له أصل في الترمذي من حديث ابن عباس و"الدلائل" وهو في "المسند" بغير سياق الترمذي من حديث ابن عباس أيضًا.
(3)
"سيرة ابن هشام" 3/ 273 - 274.
وقوله: (قاتل الله فلانًا) كلمة ليست على الحقيقة، وهي: كلمة تجري على ألسنتهم من غير قصد حقيقتها، وقالها زجرًا له، وعلم عمر أنه يكفيه ذلك فلم يأمره.
وفيه: إقالة ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود.
وقوله: ("قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ") فسره أبو عبد الله في رواية أبي ذر باللعنة
(1)
، وهو قول ابن عباس
(2)
، وقال الهروي: معناه: قتلهم الله
(3)
، وحكي عن بعضهم: عاداهم.
قال الداودي: صار عدو الله فوجب قتله وسبيل فَاَعلَ أن يكون من اثنين، ولا يكون من واحد مثل: سافرت و (طارقت)
(4)
.
(1)
انظر هامش "اليونينية" 3/ 82.
(2)
"تفسير الطبري" 6/ 353 (16643).
(3)
انظر: "اليونينية" 3/ 82 وهو أيضًا في رواية المستملي.
(4)
في هامش (الأصل): طارق بين نعليه إذا وضع إحداهما على الأخرى.
104 - باب بَيْعِ التَّصَاوِيرِ التِي لَيْسَ فِيهَا رُوحٌ وَمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ
2225 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الحَسَنِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، إِنِّي إِنْسَانٌ، إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ:"مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللهَ مُعَذِّبُهُ، حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا". فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ. فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ، فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ، كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنَ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ هَذَا الوَاحِدَ. [5963، 7042 - مسلم: 2110 - فتح: 4/ 416]
ذكر فيه حديث عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الحَسَنِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، إِنِّي إِنْسَانٌ، إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُهُ يَقُولُ:"مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللهَ مُعَذِّبُهُ، حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا". فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ. فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ، فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ، كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنَ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ هَذَا الوَاحِدَ.
الشرح:
هذِه الطريقة أعني: طريقة سعيد، أخرجها البخاري في كتاب اللباس عن عياش، عن عبد الأعلى، عن سعيد: سمعت النضر
يحدث قتادة قال: كنت عند ابن عباس فذكره
(1)
وروي عن هشام فيه، فأدخل بين سعيد والنضر قتادة.
قال الجياني: ليس بشيءٍ؛ لتصريح البخاري وغيره بسماع سعيد من النضر هذا الحديث وحده وعند مسلم أيضًا عن أبي غسان وأبي موسى، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن النضر مثله
(2)
.
وسعيد بن أبي الحسن هو أخو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري مات قبل الحسن، قال ابن سعد: مات سنة مائة
(3)
، ومات الحسن: بعده بعشرٍ. وقال ابن قانع: بتسع، وليس لسعيد هذا في الصحيحين غيره، ولا للنضر عن ابن عباس فيهما غيره.
وقد سلف في باب: آكل الربا حديث أبي جحيفة في لعن المصورين
(4)
، وفي مسلم:"كلُّ مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفسًا فتعذبه في جهنم"
(5)
.
إذا تقرر ذلك: فإنما كُره هذا؛ لأجل أن الصور التي فيها الأرواح كانت معبودة في الجاهلية، فكرهت كل صورة وإن كانت لا روح لها ولا جسم؛ قطعًا للذريعة، حتى إذا تقررت الشريعة وزالت الجاهلية
أرخص فيما كان رقمًا أو ما وضع موضع المهنة، وإذا نصب نصب العبادة كُره، قاله المهلب
(6)
.
(1)
سيأتي برقم (5963) باب: من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح.
(2)
مسلم (2110) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم تصوير صورة الحيوان.
(3)
في هامش الأصل: في "الكاشف" جزم بأنه توفي سنة مائة وفي "الوفيات" جزم بأنه توفي سنة تسع.
(4)
برقم (2086) كتاب: البيوع، باب: موكل الربا، وليس في آكل الربا.
(5)
مسلم (2110) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم تصوير صورة الحيوان.
(6)
"شرح ابن بطال" 6/ 347.
وقال النووي: كل ذلك حرام، وما لا روح فيه فليس بحرام، وإليه ذهب الثوري وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين.
وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل، ولا بأس بالصور التي لا ظلَّ لها، وهو مذهب باطل. وقال الزهري: النهي عن الصورة عامٌّ. وقال آخرون: يجوز منها ما كان رقمًا في ثوب، وهو مذهب
القاسم بن محمد.
(1)
قلت: وكأن البخاري فهم من قوله في الحديث: (إنما معيشتي من صنعة يدي)، وأجابه ابن عباس بإباحة صور الشجر وشبهه جواز البيع، فترجم عليه.
واغتفر بعض العلماء تصوير اللعب للبنات؛ لأجل تدريبهن. قال القاضي عياض: أجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره، إلا ما ورد في اللعب (النيات)
(2)
لصغار البنات، والرخصة في ذلك، وكره مالك شرى الرجل ذلك لابنته، وادعى بعضهم أن إباحة اللعب بهن للبنات منسوخ
(3)
، واستثنى بعض أصحاب مالك -كما حكاه القرطبي- من ذلك، ما لا يبقى كصور الفخار والشمع وما شاكل ذلك، وهو مطالب بدليل التخصيص
(4)
، وكانت الجاهلية تعمل أصنامًا من العجوة حتَّى إن بعضهم جاع فأكل صنمه.
(1)
"شرح مسلم" 14/ 81 - 82 بتصرف.
(2)
كذا بالأصل، وفي "إكمال المعلم"(بالبنات).
(3)
"إكمال المعلم" 6/ 634 - 636 بتصرف.
(4)
"المفهم" 5/ 432.
وقوله: ("ولَيْسَ بِنَافِخٍ") يؤخذ منه جواز التكليف بما لا يقدر عليه، وليس مقصود الحديث التكليف، وإنما القصد منه تعذيب المكلَّف، وإظهار عجزه عمَّا تعاطاه مبالغة في توبيخه وإظهار قبح فعله، كما نبه عليه القرطبي
(1)
.
قال القاضي عياض: ومذهب العلماء كافة في الشجر ونحوه لا يحرم، إلا ما روي عن مجاهد فإنه جعل الشجرة المثمرة من المكروه، ولم يقله غيره
(2)
.
قال الطحاوي: ولما أبيحت التماثيل بعد قطع رءوسها الذي لو قطع من ذي الروح لم يبق، دلَّ ذلك على إباحة تصوير ما لا روح فيه
(3)
، وعلمنا أن الثياب المستثناة هي المبسوطة لا ما سواها من الثياب المعلقة والملبوسة، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه
(4)
، وسيكون لنا عودة إلى ذلك في الصور في كتاب: الزينة إن شاء الله تعالى.
فائدة:
قوله: (فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً) أي: ذعر وامتلأ خوفًا: قاله صاحب "المطالع". وقال صاحب "العين": يقال: ربا الرجل أصابه نفس في جوفه
(5)
، وهو الربو والرَبوة والرِبوة أي: بفتح الراءِ وكسرها وهو نهيج ونفس متواتر. قال ابن التين: معناه انتفخ كأنه حجل من ذلك.
(1)
"المفهم" 5/ 433.
(2)
"إكمال المعلم" 6/ 638.
(3)
"شرح معاني الآثار" 4/ 287.
(4)
المصدر نفسه 4/ 288.
(5)
"العين" 8/ 283 مادة: [ربا].
فائدة أخرى:
صح أن أشدَّ الناس يوم القيامة عذابًا المصور، ومقتضاه: أن لا يكون في النارِ أحد يزيد عذابه على عذابه، وظاهره مخالفة قوله تعالى:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] وقوله عليه السلام: "أشد الناس عذابًا عالم لم ينفعه الله تعالى بعلمه"
(1)
وقوله: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة إمام ضلالة"
(2)
في إشباه لذلك ولا مخالفة؛ لأنَّ الناس الذين أضيف إليهم "أشد" لا يراد بهم كل نوع الناس، بل بعضهم المشاركون في ذلك المعنى المتوعد عليه بالعذاب، ففرعون أشد المدعين للإلهية عذابًا. ومن يقتدى به في ضلالة كفره، أشد ممن يقتدى به في ضلالة بدعة، ومن صور صورًا ذات أرواح أشد عذابًا ممن يصور ما ليس بذي روح، فيجوز أن يعني بالمصورين: الذين يصورون الأصنام للعبادة، كما كانت الجاهلية تفعل، وكما تفعل
(1)
رواه الطبراني في "الصغير" 1/ 305 (507) عن أبي هريرة بلفظ: عالم لم ينفعه علمه. وابن عدي في "الكامل" 6/ 269، البيهقي في "الشعب" 2/ 284 - 285 (1778) الثلاثة عن أبي هريرة.
قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 185: رواه الطبراني في "الصغير" وفيه عثمان البري قال الفلاس: صدوق، لكنه كثير الغلط، صاحب بدعة، ضعفه أحمد والنسائي والدارقطني.
وقال الألباني في "ضعيف الجامع"(868): ضعيف جدًا. رواه الطبراني في "الصغير"، وابن عدي، والبيهقي في "الشعب".
(2)
رواه أحمد 1/ 407 عن عبد الله، والبزار في "البحر" 5/ 138 - 139 (1728) وقال: وهذا الحديث لا نعلم أحدًا أسنده عن عاصم عن أبي وائل إلا أبان. قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 236 رواه البزار ورجاله ثقات، وكذلك رواه أحمد. وأورده الألباني في "الصحيحة"(281).
النصارى، فإن عذابهم يكون أشد ممن يصورها لا للعبادة.
ونبه على ذلك القرطبي
(1)
. وقد يقال: أشد عذابًا بالنسبة إلى هذِه الأمة لا إلى غيرها من الكفار، فإن صورها لتعبد أو لمضاهاة خلق الله فهو خارج عن الملة، فلذلك زيد في عذابه.
(1)
"المفهم" 5/ 431.
105 - باب تَحْرِيمِ التِّجَارَةِ فِي الخَمْرِ
وَقَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: حَرَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْعَ الخَمْرِ.
2226 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها؛ لَمَّا نَزَلَتْ آيَاتُ سُورَةِ البَقَرَةِ عَنْ آخِرِهَا، خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"حُرِّمَتِ التِّجَارَةُ فِي الخَمْرِ". [انظر: 459 - مسلم: 1580 - فتح: 4/ 417]
ثم ساق حديث عائشة: لَمَّا نَزَلَتْ آيَاتُ سُورَةِ البَقَرَةِ عَنْ آخِرِهَا، خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"حُرِّمَتِ التِّجَارَةُ فِي الخَمْرِ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا، وفي لفظ آخر: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقترأهن على الناس، ثم نهى عن التجارة في الخمر
(1)
. وسلف أيضًا في باب: المساجد
(2)
، وقام الإجماع على تحريم بيعها لتحريم شربها والانتفاع بها.
واختلف في تخليلها فعندنا لا يجوز، خلافًا لأبي حنيفة، فإن تخللت بنفسها طهرت، وعن مالك: لا يحل لمسلم أن يخللها ولكن يهريقها فإن صارت خلًّا بغير علاج فهي حلال.
قال ابن بطال: وهي قياس قول الشافعي
(3)
.
(1)
في مسلم (1580) باب: تحريم بيع الخمر.
(2)
برقم (459) كتاب: الصلاة، باب: تحريم تجارة الخمر في المسجد، وأثر جابر سيأتي موصولًا في البيوع أيضًا برقم (2236) باب: بيع الميتة والأصنام ووصله مسلم أيضًا (1581) كتاب: المساقاة، باب: تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام.
(3)
"شرح ابن بطال" 6/ 348.
قلت: بل هو مذهبه. وعن مالك أنه إن خللها جاز أكلها وبيعها وبئس ما صنع، وعنه: إن خللها النصارى فلا بأس بأكلها، وكذا إن خللها مسلم واستغفر، وهو قول الليث. وأجاز الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة -كما مرَّ- وأصحابه تخليلها، ولا بأس أن يطرح فيها السمك والملح فتصير مرُّيا إذا تحولت عن حالة الخمر.
حجة الشافعي قوله لأبي طلحة وقد قال: عندي خمر لأيتام أخللها؟ قال: "لا"
(1)
(2)
وروى الشافعي: أنه صبها حتى سال الوادي. وذكر الطحاوي احتمالات في النهي عن تخليلها وأمره بالإراقة أن يكون نهيًا عن تخليلها، ولا دلالة فيه بعد ذلك على حظر ذلك الخل الكائن منها، وأن يكون مراده: تحريم ذلك العين وإرادة التغليظ، وقطع العادة، لقرب عهدهم بشربها.
وحجة الكوفي: ما روى أبو إدريس الخولاني أن أبا الدرداء كان يأكل المري الذي جعل فيه الخمر، ويقول: دبغته الشمس والملح
(3)
-كما ستعلمه في موضعه- وكما لا يختلف حكم جلد الميتة في دبغه بعلاج آدمي وغيره كذلك استحالة الخمر خلًّا.
(4)
(1)
رواه أبو داود (3675)، وابن أبي شيبة في "الأشربة" 5/ 99 (24089).
وقال الألباني في "مشكاة المصابيح" 2/ 1083 (3649): إسناده صحيح.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: وحديث أنس في مسلم: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلًا، قال: لا.
قلت هو في مسلم برقم (1983) كتاب الأشربة باب: تحريم تخليل الخمر.
(3)
أبو عبيد في "الأموال" ص 116 (294)، الطحاوي "شرح مشكل الآثار" 8/ 396.
(4)
"شرح ابن بطال" 6/ 348 - 349.
106 - باب إِثْمِ مَنْ بَاعَ حُرًّا
2227 -
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"قَالَ اللهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ". [2270 - فتح: 4/ 417]
ذكر فيه حديث سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"قَالَ اللهُ تعالى: ثَلَاَثةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُل اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ".
هذا الحديث من أفراده، قال البيهقي: رواه النفيلي عن يحيى بن سليم فقال: (عن سعيد بن أبي سعيد)
(1)
، عن أبيه، عن أبي هريرة
(2)
.
وشيخ البخاري فيه بشر بن مرحوم، وهو بشر بن عُبَيْس بن مرحوم، فمرحوم جده مولى آل معاوية، مات سنة ثمان وثلاثين أو ثلاثين ومائتين، انفرد به البخاري عن الخمسة.
قال البيهقي في "المعرفة": روينا في الحديث الثابت عن المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا: "قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم، ومن كنت خصمه خصمته"
(3)
.
إذا عرفت ذلك فالرب تعالى خصم لجميع الظالمين إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء الثلاثة كما نبه عليه ابن التين، وقد ذكر في الغادر
(1)
كذا بالأصل، وهي ليست في "سنن البيهقي".
(2)
"السنن الكبرى" 6/ 14 (11054).
(3)
"معرفة السنن والآثار" 8/ 335 (12109).
أنه ينشر له لواء يوم القيامة
(1)
، والخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة بلفظ واحد، وكذا المذكر والمؤنث.
وقوله: ("بَاعَ حُرًّا") أي: عالمًا، فإن كان جاهلًا فلا يدخل في هذا.
ومعنى: ("أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ") يريد نقض عهدًا عاهده عليه، قاله ابن بطال
(2)
.
وقال ابن الجوزي: يعني: حلف بي؛ لأنه اجترأ على الله.
وقوله: ("وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا"
…
إلى آخره) هو داخل في معنى "بَاعَ حُرًّا" لأنه استخدمه بغير عوض، وهذا عين الظلم، وإثمه أعظم الإثم ممن باع حرًّا؛ لأن المسلمين أكفاء في الحرمة والذمة، وللمسلم على المسلم أن ينصره ولا يظلمه، وأن ينصحه ولا يسلمه، وليس في الظلم أعظم من أن يستعبده أو يعرضه إلى ذلك، ومن باع حرًّا فقد منعه التصرف فيما أباح الله تعالى له، وألزمه حال الذلة والصغار، فهو ذنب عظيم ينازع الله به في عباده.
قال ابن المنذر: وكل من لقيت من أهل العلم على أنه من باع حرًّا لا قطع عليه ويعاقب، ويروى عن ابن عباس قال: يرد البيع ويعاقبان. وروى خلاس، عن علي أنه قال: تقطع يده. والصواب قول
الجماعة؛ لأنه ليس بسارق، ولا يجوز قطع غير السارق
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (3187) (كتاب: الجزية والموادعة، باب: إثم الغادر للبر والفاجر عن أنس.
ورواه مسلم (1737) كتاب: الجهاد والسير، باب: تحريم الغدر.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 349.
(3)
حتى هذا الموضع من "شرح ابن بطال" 6/ 349 - 350 إلا قول ابن الجوزي.
وقال ابن حزم: لا يجوز بيع الحر، وفيه خلاف قديمٌ وحديثٌ، نورد منه -إن شاء الله- ما تيسر ليعلم مدعي الإجماع فيما هو أخفي من هذا أنه غير جيد، ثم ذكر عن عبد الله بن بريدة أن رجلًا باع نفسه، فقضى عمر بن الخطاب بأنه عبد كما أقر على نفسه، وجعل ثمنه في سبيل الله
(1)
.
وعند ابن أبي شيبة، عن شريك، عن الشعبي، عن علي قال: إذا أقرَّ على نفسه بالعبودية فهو عبد
(2)
. ومن طريق سعيد بن منصور، ثنا هشيم، أنا مغيرة بن مقسم، عن النخعي فيمن ساق إلى امرأته رجلًا (حرًا)
(3)
، فقال إبراهيم: هو رهن بما جعل فيه حتى يفتك نفسه
(4)
.
وعن زُرارة بن أوفى قاضي البصرة التابعي أنه باع حرًّا في دينٍ عليه، قال: وقد روينا هذا القول عن الشافعي، وهي قولة غريبة لا يعرفها من أصحابه إلا من تبحر في الآثار
(5)
.
قلت: قد أخرجتها وذكرتها في الشروح قال: وهذا قضاء عمر وعلي بحضرة الصحابة ولم يعترضْهم معترض.
قال: وقد جاء أثر في أن الحرَّ يباع في دينه في صدر الإسلام، إلى أن أنزل الله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}
(6)
[البقرة: 280] روى [ابن] دينار، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع حرًّا
(1)
"المحلى" 9/ 17.
(2)
"المصنف" 4/ 530 (22828).
(3)
ليست في الأصل وهي مثبتة من "المحلى".
(4)
"المحلى" 9/ 17.
(5)
"المحلى" 9/ 17.
(6)
"المحلى" 9/ 18.
أفلس
(1)
، ورواه الدارقطني من حديث حجاج، عن ابن جريج، فقال: عن أبي سعيد أو أبي سعد
(2)
، على الشك.
ورواه البزار من حديث مسلم بن خالد الزنجي، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن البيلماني، عن سُرّق أنه اشترى من أعرابي بعيرين فباعهما، فقال صلى الله عليه وسلم:"يا أعرابي، اذهب فبعه حتَّى تستوفي حقَّك" فأعتقه الأعرابي
(3)
.
ورواه ابن سعد عن أبي الوليد الأزرقي، عن مسلم
(4)
، وضعفه عبد الحق بأن قال: مسلم وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيفان
(5)
. وليس بجيد؛ لأن مسلمًا وثقه غير واحد، وصحح حديثه، وعبد الرحمن لا مدخل له في هذا، لا جرم أخرجه الحاكم من حديث بندار، ثنا
(1)
"السنن الكبرى" للبيهقي 6/ 50 (11272).
(2)
"سنن الدارقطني" 3/ 16 (51).
(3)
كما في "كشف الأستار" 2/ 101 - 102 (1303) وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 142: رواه البزار والطبراني، وفيه مسلم بن خالد وثقه ابن معين، وابن حبان، وضعفه جماعة.
(4)
"الطبقات الكبرى" 7/ 504 - 505 عن أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي عن هشام بن خالد وليس عن مسلم بن خالد، ولعله تحريف في مطبوع "الطبقات" لتشابه الكلمتين في المخطوط وعدم النقط وقرب الحروف من بعضها.
فهو عند ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 5/ 107 (2648) عن مسلم بن خالد، ورواه أيضًا الطبراني في "الكبير" 7/ 165 - 166 عن مسلم بن خالد.
وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 142: وفيه مسلم بن خالد الزنجي وثقه ابن معين وابن حبان وضعفه جماعة.
(5)
"الأحكام الوسطى" 3/ 287 قال: مسلم وعبد الرحمن لا يحتج بهما.
قلت: عبد الرحمن المذكور هو ابن البيلماني الذي روى عنه زيد بن أسلم هذا الحديث، وليس عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كما قال المصنف رحمه الله، ولعله سبق قلم.
عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، ثنا زيد بن أسلم ثم قال: على شرط البخاري
(1)
. قلت: قد يعارضه ما في "مراسيل أبي داود" عن الزهري: كان يكون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ديون على رجال، ما علمنا حرًّا بيع في دين
(2)
.
فائدة:
أسلفنا أن الخصم يقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، تقول: هو خصم، وهما خصم، وهم خصم، وهو قول ثعلب في "فصيحه"
(3)
. وقال الهروي: الخصم بالفتح: الجماعة من الخصوم، والخصم بكسر الخاء: الواحد.
وقال الخطابي: الخصم هو المولع بالخصومة الماهر فيها
(4)
، وعن يعقوب: يقال للخصم خصَم. وفي "الواعي": خصيم للمخاصم والمخاصَم.
وقال الفراءُ: كلام العرب الفصحاء أن لا يثنوا الاسم إذا كان مصدرًا ولا يجمعونه، ومنهم من يثنيه ويجمعه، فالفصحاء يقولون: هذا خصم في جميع الحالات، والآخرون يقولون: هذان خصمان، وهم خصوم، وخصماء، وكذا ما أشبهه.
(1)
"المستدرك" 2/ 54.
(2)
"مراسيل أبي داود" ص 162 (170).
(3)
"فصيح ثعلب" ص 41.
(4)
"أعلام الحديث" 2/ 1221 مادة: (خصم).
107 - [باب أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اليَهُودَ بِبَيْعِ أَرَضِيهِمْ (ودِمَنِهم)
(1)
حِينَ أَجْلَاهُمْ
فِيهِ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
(2)
[فتح: 4/ 418]
كذا في البخاري ها هنا من غير زيادة، وربما سقط في بعض النسخ
(3)
، والحديث الذي أشار إليه خرجه في آخر الجهاد، في باب: إخراج اليهود من حديث الليث، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة
(4)
، فذكره.
وفيه: "فإني أريد أن أجليكم من هذِه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئًا فليبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله".
ولابن إسحاق: فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن ما حملت الإبل من أموالهم إلا (الحلقة)
(5)
، فاحتملوا ذلك وخرجوا إلى خيبر وخلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت له خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها على المهاجرين، وهؤلاء اليهود الذين أجلاهم هم بنو النضير، وذلك أنهم أرادوا الغدر
(1)
مثبتة من هامش الأصل، على أنها سقط، وليست في المطبوع من البخاري ولا في "اليونينية" ولا هامشها، وقال الأنصاري في "منحة الباري" 4/ 629: وزاد في أخرى- يعني: نسخة، ودمنهم.
(2)
هذا الباب مثبت بهامش "اليونينية" 3/ 83، وأسقطه الكرماني في "شرحه" 10/ 77.
(3)
في هامش الأصل: أي التبويب والتعليق.
(4)
سيأتي برقم (3167).
(5)
في الأصل: (السلاح).
برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يلقوا عليه حجرًا، فأوحى الله تعالى إليه بذلك فأمر بإجلائهم، وأن يسيروا حيث شاءوا، فلما سمع المنافقون بذلك بعثوا إلى بني النضير: اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن خرجتم خرجنا معكم. فتربصوا لذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب؛ فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم
(1)
، فأجابهم بما أسلفناه.
فإن قلت: هذا معارض بحديث المقبري، عن أبي هريرة؛ لأنَّ فيه: أنه عليه السلام أمرهم ببيع أرضيهم. وفي حديث ابن إسحاق: أنهم تركوا أرضهم بغير عوض، وحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما وجه ذلك؟
فالجواب: أنه عليه السلام إنما أمر ببيع أرضيهم -والله أعلم- قبل أن يكونوا له حربًا، فكانوا مالكين أرضيهم، وكانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مسالمة وموافقة للجيرة، فكان يمسك عنهم لإمساكهم عنه، ولم يكن بينهم عهد، ثم أطلعه الله تعالى على ما يؤملون من الغدر به، وقد كان أمره لهم ببيع أرضيهم وإجلائهم قبل ذلك فلم يفعلوا؛ لأجل قول المنافقين لهم السالف:: اثبتوا، فإنا لن نسلمكم. فوثقوا بقولهم وثبتوا ولم يخرجوا، وعزموا على مقاتلته، فصاروا له حربًا، فحلت بذلك دماؤهم وأموالهم، فخرج إليهم عليه السلام وأصحابه في السلاح وحاصروهم.
فلمَّا يئسوا من عون المنافقين ألقى الله في قلوبهم الرعب، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان عرضه عليهم قبل ذلك، فلم يبح لهم بيع الأرض، وقاضاهم على أن يجليهم ويتحملوا بما استثقلت به الإبل،
(1)
انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 192 - 193 بتصرف.
على أن يكف عن دمائهم وأموالهم، فجلوا عن ديارهم، وكفى الله المؤمنين القتال، وكانت أرضوهم وأموالهم مما لم يوجف عليها بقتال مما انجلى عنها أهلها بالرعب، فصارت خالصة لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء.
قال ابن إسحاق: ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان أسلما على أموالهما فأحرزاها، قال: ونزلت في بني النضير سورة الحشر إلى قوله: {وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا}
(1)
[الحشر: 3] أي: بالقتل والسبي، ولهم مع ذلك في الآخرة عذاب النار. وقوله:{لِأَوَّلِ الحَشْرِ} [الحشر: 2] يعني: الشام الذي جلا أكثرهم إليه؛ لأنه روى في الحديث أنه تجيء نار تحشر الناس إلى الشام
(2)
، ولذلك قيل في الشام: إنها أرض المحشر
(3)
.
(1)
انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 194 وفيه أنها نزلت بأسرها.
(2)
رواه الترمذي (2217)، أحمد 2/ 8 وأبو يعلى في "مسنده" 9/ 405 (5551)، عن ابن عمر بلفظ:"تخرج نار من حضرموت فتسوق الناس" قلنا: يا رسول الله، ما تأمرنا؟ قال:"عليكم بالشام".
وقال الترمذي: حسن غريب صحيح.
وأورده الهيثمي في "المجمع" 10/ 6 أو قال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"(1805).
(3)
في هامش الأصل: ثم بلغ في الستين. كتبه مؤلفه.
108 - باب بَيْعِ العَبِيدِ وَالحَيَوَانِ بِالحَيَوَانِ نَسِيئَةً
وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ، يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ يَكُونُ البَعِيرُ خَيْرًا مِنَ البَعِيرَيْنِ. وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا وَقَالَ آتِيكَ بِالآخَرِ غَدًا رَهْوًا إِنْ شَاءَ اللهُ. وَقَالَ ابْنُ المُسَيَّبِ: لَا رِبَا فِي الحَيَوَانِ: البَعِيرُ [بِالبَعِيرَيْنِ]، وَالشَّاةُ بِالشَّاتَيْنِ إِلَى أَجَلٍ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ [وَدِرْهَم بِدِرْهَمٍ
(1)
] نَسِيئَةً.
2228 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 371 - مسلم: 1365 - فتح: 4/ 419]
ثم ساق حديث أنس: كَانَ فِي السَّبْي صَفِيَّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
الشرح: أثر ابن عمر أخرجه مالك في "الموطأ" عن نافع عنه، أنه اشترى، فذكره
(2)
. وأثر ابن عباس أخرجه الشافعي وهو في "مسنده": أخبرنا ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس أنه سئل
عن بعير ببعيرين، فقال: قد يكون إلى آخره
(3)
.
(1)
في هامش الأصل: بدرهمين عليها (خ)، يعني: نسخة.
(2)
رواه مالك في "الموطأ" ص 405. ومن طريقه أخرجه الشافعي في "مسنده" 2/ 161 [المسند بترتيب السندي] وقال الألباني في "إرواء الغليل" 5/ 215: سنده صحيح.
(3)
رواه الشافعي في "المسند" 2/ 160 [بترتيب السندي] ووقع في المطبوع بترتيب
والربذة
(1)
: اسم مكان، وأثر رافع ذكره عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر، عن بديل العقيلي، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير أن رافع بن خديج، فذكره
(2)
. وأثر ابن المسيب رواه الشافعي، عن مالك، عن ابن شهاب، عنه، قال لا ربا في الحيوان، قد نهى عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة
(3)
.
وقال عبد الرزاق في "مصنفه": أخبرنا معمر، عن الزهري، سئل سعيد، فذكره
(4)
. وتعليق ابن سيرين وقع لأبي زيد، (ودرهم أو درهمين) وعند أبي ذر ولأبي الهيثم والحموي:(ودرهم بدرهم)،
وهو خطأ.
ورواه سعيد بن منصور، ثنا هشيم، أنا يونس، عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأسًا بـ (الحيوان بالحيوان) يدًا بيد، والدراهم نسيئة، ويكره أن تكون الدراهم نقدًا، والحيوان نسيئة
(5)
.
ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: لا بأس بعير ببعيرين، ودرهم بدرهمين نسيئة، قال: فإن كان أحد
سنجر [دار غراس] 4/ 201 عن ابن عيينة عن ابن طاوس عن ابن عباس، ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في "سننه" 5/ 287.
(1)
قال ياقوت الحموي في "معجم البلدان" 3/ 24: والربذة: من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة.
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 22 (14141).
(3)
رواه الشافعي في "الأم" 3/ 31 عن مالك -كما في "الموطأ" 1/ 406 - عن ابن شهاب، عن ابن المسيب به. ومن طريقهما أخرجه البيهقي في "السنن" 5/ 287.
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 20 (14137).
(5)
لم أجده في المطبوع من "سنن سعيد بن منصور" ولعله في المفقود ولم أقف على الأثر من هذِه الطريق.
البعيرين نسيئة فهو مكروه
(1)
. واعترض ابن بطال، فقال: أما قول ابن سيرين، فذكره.
(ودرهم بدرهم نسيئة). وفي بعض النسخ: ودرهم بدرهمين نسيئة، وأن ذلك خطأ في النقل عن البخاري، والصحيح عن ابن سيرين ما رواه عبد الرازق، فذكره، لكن أسقط قتادة كما سقناه وساقه بلفظ: لا بأس بعير ببعيرين، ودرهم الدرهم نسيئة والباقي مثله، وهذا مذهب مالك، وقد ذكره في "الموطأ" في مثله: الجمل بالجمل وزيادة دراهم، قال: والذي يجوز من ذلك أن يكون الجملان نقدًا، ولا يبالي تأخرت الدراهم أو تعجلت، لأن الجمل بالجمل قد حصل يدًا بيد، فبطل أن يتوهم فيه السلف على أنه بيع؛ لأن الدراهم ها هنا تبع للجمل وليس هي المقصد، وأما إذا كان أحد الجملين نسيئة فلا يجوز؛ لأنه عنده من باب الزيادة في السلف، كأنه أسلف جملًا في مثله واستزاد عليه الدراهم، ولو كانت الدراهم والجمل جميعًا إلى أجل لم يجز؛ لأنه أقرضه الجمل على أن يرده إليه بصفته ومعه دراهم، فهو سلف جرَّ منفعة وزيادة على ما أخذ المتسلف، فلا يجوز
(2)
.
وحديث صفية لا تعلق له بما أورده، نعم رواه حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أنها وقعت في سهم دحية الكلبي، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس
(3)
.
(1)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 23 (14146)(تنبيه): وقع في المطبوع من "المصنف" اختلاف في السند على غير ما ذكر المصنف وابن بطال والعيني فقال: أخبرنا معمر، عن قتادة وعن أيوب، عن ابن سيرين قالا: وذكره. قلت: هكذا في المطبوع من "المصنف" ولعل قتادة سقط من بعض النسخ.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 355، و"الموطأ" ص 405.
(3)
رواه مسلم (1365)(87) كتاب: النكاح، باب: فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها.
وقال ابن التين: هو لا يشبه التبويب، لكنه أراد أنه عليه السلام أعطاه غيرها، فصار رقيقًا برقيق، ولا يكرهه أحد، نعم وقع الخلاف في واحد باثنين إلى أجل من جنس واحد
(1)
.
واختلف أصحاب مالك في واحد باثنين، أحدهما تقدم والآخر إلى أجل. وقول رافع:(آتيك غدًا رهوًا). أي: سهلًا عفوًا، لا باحتباس ولا تشدد.
قال صاحب "العين": الرهو: المشي في سكون
(2)
. وقال أبو عبيد: أي: آتيك عفوًا لا احتباس
(3)
فيه. قال الهروي: ويقال: سيرا رهوًا. أي: ساكنًا، وقيل: معناه: ارتفاع النهار.
وقال ابن عباس: الرهو: المنخفض من الأرض
(4)
، وقيل: المرتفع.
إذا تقرر ذلك، قال عبد الملك: الأبعرة صغار الإبل، فكأنه باع جملًا كبيرًا بأربعة أبعرة صغار إلى أجل، وجاز لاختلاف المنافع، وقيل: إن البعير يطلق على الحمار، حكاه ابن التين عن مجاهد،
(1)
قال ابن بطال: ووجه إدخاله حديث صفية في هذا الباب أن صفية صارت إلى دحية الكلبي بأمره عليه السلام فأخبر النبي أنها سيدة قريظة ولا تصلح إلا له، وذكر من جمالها فأمر النبي فأتى بها فلما رآها قال لدحية: دعها وخذ غيرها، فكان تركه لها عند النبي وأخذه جارية من النبي غير معينة، بيعًا لها بجارية نسيئة حتى يأخذها ويستحسنها، فحينئذ تتعين له، وليس ذلك يدًا بيد. اهـ "شرح ابن بطال" 6/ 354. وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 420: كذا أورده مختصرًا وأشار بذلك إلى ما وقع في
بعض طرقه مما يناسب ترجمته.
(2)
"العين" 4/ 83 باب الهاء والراء و (وايء) معهما.
(3)
لم أقف عليه في "غريبه" وذكره ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" 2/ 286.
(4)
"تفسير الطبري" 11/ 235 (31106).
قال: وأثر ابن سيرين لا ربا في كذا، هو الربا بعينه، وسلف جر منفعة، إذا كان الجمل من جنس الجملين.
وأما بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فقد اختلف العلماء فيه، فقالت طائفة: لا ربا فيه، وجائز بعضه ببعض نقدًا ونسيئة، اختلف أو لم يختلف، هذا مذهب علي وابن عمر وابن المسيب
(1)
، وهو قول الشافعي
(2)
وأبي ثور، وقال مالك: لا بأس بالبعير النجيب بالبعيرين من حاشية الإبل نسيئة، وإن كانت من نعم واحد إذا اختلفت وبان اختلافها، وإن أشبه بعضها بعضًا واتفقت أجناسها فلا يؤخذ منها اثنان بواحد إلى أجل، ويؤخذ يدًا بيد
(3)
، وهو قول سليمان بن يسار وربيعة ويحيى بن سعيد.
وقال الثوري والكوفيون وأحمد
(4)
: لا يجوز بيع الحيوان بالحيوان
نسيئة، اختلفت أجناسها أو لم تختلف، واحتجوا بحديث الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
(5)
.
صححه الترمذي وصحح سماع الحسن، سمرة كما قاله علي بن
(1)
هذِه الآثار رواها مالك في "الموطأ" ص 404، وعنه الشافعي في "الأم" 3/ 31، وقال النووي في "المجموع" 9/ 500: وأما أثر علي المذكور فروي بسند صحيح وفيه انقطاع.
(2)
"الأم" 3/ 31.
(3)
"الموطأ" ص 404 - 405.
(4)
وروي ذلك أيضًا عن عمار وابن عمر كما في "المغني" 6/ 65.
(5)
رواه أبو داود (3356)، والترمذي (1237)، والنسائي 7/ 293 وابن ماجه (2270) وقال الترمذي: حديث سمرة حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1841) و"المشكاة"(2822) التحقيق الثاني.
المديني
(1)
وغيره
(2)
، وقال في "علله": سألت محمدًا عنه فقال: روى داود العطار، عن معمر هذا، وقال: عن ابن عباس، وقال الناس: عن عكرمة مرسل، وهن محمد هذا الحديث
(3)
، ورواه إبراهيم بن طهمان، عن معمر، ذكره البيهقي
(4)
.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم
(5)
.
وقال الأثرم: عن أحمد أنه سئل عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، فقال: يعجبني أن يتوقاه. فقيل له: فيه شيء يصح؟ قال: فيه الحسن عن سمرة، ولا يصح سماعه منه
(6)
. وساقه عبد الله بن أحمد، عن والده، ثم قال في آخره: ثم نسي الحسن فقال: إذا اختلف الصنفان فلا بأس
(7)
.
(1)
"علل ابن المديني" 1/ 64.
(2)
واختار هذا القول الحاكم 1/ 215 وقال: ولا يتوهم أن الحسن لم يسمع من سمرة. قلت: قد بين هذا الأمر الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 89 وقال: في سماع الحسن من سمرة ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنه سمع مطلقًا وهو قول ابن المديني والترمذي والحاكم.
ثانيها: أنه لم يسمع منه شيئًا وهو قول ابن حبان.
ثالثها: سمع منه حديث العقيقة فقط، وإليه مال البيهقي كما في "المعرفة" 8/ 50. اهـ.
وعدم سماع الحسن من سمرة اختاره أحمد كما سيأتي.
(3)
"علل الترمذي" 1/ 489.
تنبيه: الحديث في "علل الترمذي" من حديث ابن عباس وليس من حديث سمرة.
(4)
أخرجه البيهقي في "سننه" 5/ 288 وقال: هذا وهم والصحيح أن الحديث مرسل عن عكرمة.
(5)
ذكره الترمذي بعد حديث (1237).
(6)
"المغني" 6/ 66.
(7)
"مسند أحمد" 5/ 19 والقول قول يحيى بن سعيد.
وأما حديث: نهي عن بيع الشاة باللحم، فأخرجه الحاكم من هذا الوجه أيضًا، ثم قال: صحيح الإسناد، ورواته عن آخرهم ثقات. وقد احتج البخاري بالحسن، عن سمرة
(1)
أي: في حديث العقيقة
(2)
، وله شاهد مرسل في "الموطأ" عن زيد، عن ابن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع (الحيوان)
(3)
(4)
بالحيوان، وفي "التمهيد" عن سهل بن سعد مرفوعًا مثله، ووهاه فقال: سنده موضوع
(5)
.
واحتجوا أيضًا بحديث عكرمة، عن ابن عباس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
(6)
.
قال الحاكم: صحيح الإسناد.
وروى أبو أحمد الزبيري، وعبد الملك بن عبد الرحمن الزيادي
(7)
،
(1)
"المستدرك" 2/ 35.
(2)
ذكره البخاري في "صحيحه" بعد حديث (5472) كتاب: العقيقة، باب: إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة.
(3)
رواه مالك في "لموطأ" ص 406، وقال أبو عمر في "التمهيد" 4/ 322: لا أعلم هذا الحديث يتصل من وجه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيب.
(4)
في هامش الأصل: لعل صوابه كذا، وحفظي:(اللحم).
(5)
"التمهيد" 4/ 322 - 323.
(6)
أخرجه عبد الرزاق 8/ 20 عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس به، رواه ابن الجارود (610)، والطبراني في "الكبير" 11/ 54، وفي "الأوسط" 5/ 188 من طريق داود بن العطار، عن معمر به ورواه البيهقي في "سننه" 5/ 288 من طريق إبراهيم بن طهمان عن معمر به. وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 105: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح.
وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" 11/ 401 (5028) من طريق أبي داود الحفري، عن سفيان عن معمر به.
(7)
كذا بالأصل والصواب الذماري كما في مصادر التخريج و"تهذيب الكمال".
عن الثوري، عن معمر كما سلف
(1)
. قال البيهقي: فيه وفي ابن طهمان والعطار وكل ذلك وهم، والصحيح: عن معمر، عن يحيى، عن عكرمة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل
(2)
. وذكره الإسماعيلي في حديث ابن أبي كثير أن ابن طهمان رواه عن يحيى مرسلًا.
وقال ابن خزيمة: الصحيح عند أهل المعرفة بالحديث إرساله
(3)
، وكذا ابن أبي حاتم لما سأل أباه عن حديث عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن معمر به مرفوعًا، قال: الصحيح عن عكرمة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل
(4)
.
وقال أحمد فيه فيما حكاه الأثرم: باطل ليس بشيء
(5)
، وإنما هو مرسل، كذا رواه ابن المبارك وفي كتب معمر مرسل عن عكرمة. ونقل المنذري عن البخاري أن الثقات رووه عنه موقوفًا، وعكرمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل
(6)
.
قلت: ذكره الإسماعيلي من حديث ابن عيينة، عن معمر، عن الزهري ويحيى بن أبي كثير، عن عكرمة فذكره. وأخرجه الطحاوي
(1)
رواية أبي أحمد الزبيري عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 60، والدارقطني أيضًا في "سننه" 3/ 70، والحاكم في "المستدرك" 2/ 75 كلاهما عن سفيان، عن معمر به.
(2)
"السنن الكبرى" 5/ 289، ورواه أيضًا مرسلًا ابن الجارود في "المنتقى"(609) من طريق عبد الرزاق عن معمر به. ورد ابن التركماني في "جوهره" 5/ 289 على كلام البيهقي وأيد وصل الحديث.
(3)
روى البيهقي في "سننه" 5/ 289 بسنده إلى ابن خزيمة كلامه.
(4)
"علل الحديث" لابن أبي حاتم 1/ 385.
(5)
"المغني" 6/ 66.
(6)
"مختصر سنن أبي داود" للمنذري 5/ 28.
من حديث أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرى بأسًا ببيع الحيوان بالحيوان اثنين بواحد، ويكرهه نسيئة
(1)
. وحسنه الترمذي من حديث حجاج بن أرطاة، عن أبي الزبير
(2)
. وقال الأثرم: قيل لأحمد: حجاج، عن أبي الزبير، عن جابر الحديث، فقال:
حجاج زاد فيه شيئًا، وليث بن سعد سمعه من أبي الزبير، لا يذكر فيه شيئًا، يقول: إنه عليه السلام باع عبدًا بعبدين، ثم قال: ليس فيه شيء يعتمد عليه، ويعجبني أن يتوقاه
(3)
.
وروى الترمذي في "علله" من حديث زياد بن جبير، عن ابن عمر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان نسيئة، ثم قال: سألت محمدًا عنه فقال: إنما يرويه عن زياد، عن رسول الله في صلى الله عليه وسلم، مرسلًا
(4)
.
ورواه الطحاوي من حديث مسلم بن إبراهيم، عن محمد بن دينار، عن يونس بن عبيد، عن زياد عنه مرفوعًا
(5)
.
وقال الأثرم: ورواه عن مسلم. قال أبو عبد الله محمد بن دينار: زعموا كان لا يحفظ منهم، كان يتحفظ لهم، فذكرت
(6)
له حديث ابن عمر في الحيوان قال: ليس فيه ابن عمر، إنما هو زياد بن جبير، موقوف
(7)
.
(1)
"شرح معاني الآثار" 4/ 60.
(2)
"سنن الترمذي"(1238).
(3)
"المغني" 6/ 66.
(4)
"علل الترمذي" 1/ 490 - 491.
(5)
"شرح معاني الآثار" 4/ 60، وقال العيني في "عمدة القاري" 10/ 30: إسناد جيد.
(6)
القائل: فذكرت. هو: أبو داود رحمه الله وانظر التخريج التالي.
(7)
"سؤالات أبي داود" 1/ 352 (547).
وقال ابن مسعود: السلف في كل شيء إلى أجل مسمى لا بأس به، ما خلا الحيوان
(1)
.
وقال سعيد بن جبير: كان يكره السلم في الحيوان نسيئة
(2)
، وقيل: هو مذهب ابن عباس
(3)
وعمار، وأجازوا التفاضل فيه يدًا بيد، ومعنى النهي عندهم في ذلك: عدم وجوده، وأنه غير موقوف عليه.
قال الطحاوي: وقد كان قبل نسخ الربا يجوز بيع الحيوان نسيئة.
(وروى ابن إسحاق، عن أبي سفيان، عن مسلم بن كثير، عن جبير، عن عمرو بن حريش)
(4)
قال: قلت لعبد الله بن عمرو: إنه ليس بأرضنا ذهب ولا فضة، وإنما نبيع البعير بالبعيرين، والبقرة بالبقرتين،
والشاة بالشاتين، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشًا، فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة، فجعل يأخذ البعير
(1)
رواه بهذا اللفظ البيهقي في "سننه" وروى نحوه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 23 - 24 وابن الجعد في "مسنده" 1/ 49 (200).
(2)
رواه البيهقي في "السنن" 6/ 22 وقال الشافعي فيما نقله عنه البيهقي في "سننه": وأما رواية سعيد بن جبير عن ابن مسعود فهي أيضًا منقطعة، سعيد بن جيبر لم يدرك ابن مسعود وقد قيل: عنه عن حذيفة.
(3)
روى الحاكم في "المستدرك" عن ابن عباس نهيه عن السلف في الحيوان 2/ 57 من طريق الثوري عن معمر عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة عنه به.
(4)
هكذا ذكر المصنف الإسناد نقلًا عن ابن بطال وبزيادة: عن جبير فيه وليس كما أورداه، وإنما صوابه عن ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مسلم بن جبير، عن أبي سفيان، عن عمرو بن حريش. فيتضح أن المصنف أسقط يزيد بن أبي حبيب وقدم أبا سفيان فجعل الراوي عنه ابن إسحاق ونسب مسلم بابن كثير وهو ابن جبير، ثم قال: عن جبير عن عمرو. والصواب كما ذكرنا آنفًا لما أسنده أبو داود (3357)، والطحاوي في "شرح المعاني" 4/ 60 والمزي في "تهذيب الكمال" في ترجمة عمرو بن حريش 21/ 584، مطولًا بالإسناد المذكور.
بالبعيرين إلى إبل الصدقة، ثم نسخ ذلك بأحاديث المنع
(1)
، وثبت أن القرض الذي هو بدل من مال لا يجب فيه حيوان في الذمم، وقد روي ذلك عن نفر من المتقدمين، ولما ذكر ابن أبي حاتم حديث ابن عمرو هذا قال: اختلف على ابن إسحاق في إسناده، والحديث مشهور
(2)
. ولما ذكره البيهقي قال: له شاهد صحيح عن ابن جريج أن عمرو بن شعيب أخبره، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشًا، الحديث
(3)
.
وفيه: البعير بالبعيرين وبالأبعرة. وسأل عثمان السجستاني يحيى بن معين عن سند هذا الحديث، فقال: سند صحيح مشهور
(4)
، وهذا المذهب أراده البخاري، ووجه إدخاله حديث صفية في هذا الباب أن صفية صارت إلى دحية الكلبي بأمره صلى الله عليه وسلم، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها سيدة قريظة، ولا تصلح إلَّا له، فأمر، فأتى بها، فلما راها قال له:"دعها وخذ غيرها" فكان تركه لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه جارية من السبي غير معينة بيعًا لها بجارية نسيئة، حتى يأخذها ويستحسنها، فحينئذ تتعين له، وليس ذلك يدًا بيد.
وحجة مالك: أن الحيوان إذا اختلفت منافعه، صار كجنسين من سائر الأشياء، يجوز فيه التفاضل والأجل؛ لاختلاف الأغراض فيه؛ لأن غرض الناس من الحيوان والعبيد المنافع، ولا ربا عندهم في
الحيوان والعروض إذا أحدث فيها النسيئة، إلَّا من باب الزيادة في السلف، وإذا كان التفاضل في الجهة الواحدة خرج أن يتوهم فيه
(1)
"شرح معاني الآثار" 4/ 60.
(2)
"الجرح والتعديل" 8/ 193، 9/ 383.
(3)
"السنن الكبرى" 5/ 287.
(4)
"تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي" 1/ 199.
الزيادة في السلف، وليس العبد الكاتب والصانع عندهم مثل العبد الذي هو مثله في الصورة، إذا لم يكن كاتبا ولا صانعًا، وأما إذا اتفقت منافعها، فلا يجوز عنده صنف منه بصنف مثله أكثر منه إلى أجل؛ لأن ذلك يدخل في معنى قرض جرَّ منفعة؛ لأنه أعطى شيئًا له منفعة بشيء أكثر منه مثل تلك المنفعة؛ لأنه إنما طلب زيادة الشيء؛ لاختلاف منافعه، فلم يجز ذلك
(1)
.
وتأول مالك فيما روى عن علي أنه باع جملًا له يدعى بعصيفير بعشرين بعيرًا إلى أجل
(2)
. وبما روي عن ابن عمر أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة، أن منافعها كانت مختلفة، وليس في الحديث عنهم أن منافعها كانت متفقة، فلا حجة للمخالف فيه. وروى وكيع بن الجراح في "مصنفه": حدثنا حسن بن صالح، عن عبد الأعلى، قال: شهدت شريحًا رد السلم في الحيوان، وحدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن
عبد الأعلى سمعت سويد بن غفلة يكره السلم في الحيوان، وحدثنا النضر بن أبي مريم أن الضحاك رخص فيه ثم رجع عنه
(3)
.
احتج الشافعي بحديث أبي هريرة الثابت في الصحيح
(4)
(5)
، ورواه الشافعي، عن الثقة، عن سفيان بن سعيد، عن سلمة بن كهيل، عن أبي هريرة: كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم سن من الإبل، فجاء يتقاضاه فقال:"أعطوه" فلم يجدوا إلا سنًا فوق سنه، فقال: "أعطوه،
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 354 - 355.
(2)
رواه الشافعي في "الأم" 3/ 103.
(3)
عنه ابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 424.
(4)
فوقها في الأصل: (خ. م).
(5)
سيأتي برقم (2305) كتاب: الوكالة، باب: وكالة الشاهد والغائب جائزة.
فإن خيركم أحسنكم قضاءً"
(1)
وللبخاري: "دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا"
(2)
وسيأتي.
وفي أفراد مسلم من حديث أبي رافع قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرًا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكرة، فرجع إليه أبو رافع، فقال: لم أجد فيها إلا خيارًا رباعيًّا، فقال:"أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء" وفي لفظ: "فإن خير عباد الله أحسنهم قضاء"
(3)
ولم يخرج البخاري عن أبي رافع في كتابه إلا حديثًا واحدًا في الشفعة، يأتي
(4)
.
قال الشافعي: هذا الحديث الثابت عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه عليه السلام ضمن بعيرًا بالصفة ما دل على أنه يجوز أن يضمن الحيوان كله بصفة في السلف وغيره، وفيه دليل أنه لا بأس أن يقضي أفضل مما عليه متطوعًا
(5)
.
قال البيهقي: واحتج الشافعي بأمر الدية، فقال: قد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية مائة من الإبل، ولم أعلم المسلمين اختلفوا بأسنان معروفة في مضي ثلاث سنين، وأنه افتدى كل من لم يطلب عنه نفسًا من سبي هوازن بإبل سماها ست أو خمس إلى أجل
(6)
.
(1)
"مسند الشافعي بترتيب السندي" 1/ 771 (596).
(2)
سيأتي برقم (2401) كتاب: الاستقراض، باب: لصاحب الحق مقال، ومسلم برقم (1601).
(3)
مسلم (1600) كتاب: المساقاة، باب: من استسلف شيئًا فقضى خيرًا منه وخيركم أحسنكم قضاء.
(4)
سيأتي برقم (2258) كتاب: الشفعة، باب: عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع.
(5)
"الأم" 3/ 103 "معرفة السنن والآثار" 8/ 192.
(6)
"معرفة السنن والآثار" 8/ 192.
قال البيهقي: هذا فيما رواه أهل المغازي، وفيما رواه عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده
(1)
، قال الشافعي: أخبرنا مالك، عن صالح بن كيسان، عن الحسن بن محمد بن على، عن علي بن أبي طالب، فذكر قصة العصيفير. وعن مالك، عن رافع، أن ابن عمر، فذكر أثره السالف أول الباب. وأخبرنا الثقة، عن الليث، عن أبي الزبير، عن جابر: جاء عبد فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة ولم يشعر -أو قال: لم يسمع بأنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال عليه السلام:"بعه" فاشتراه بعبدين أسودين
(2)
، وأخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عبد الكريم الجزري، أخبره أن زياد بن أبي مريم مولى عثمان بن عفان، أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مصدقًا فجاء بظهر مسنات، فلما رآه قال:"هلكت وأهلكت" فقال: يا رسول الله إني كنت أبيع البكرين والثلاث بالبعير المسن يدًا بيد، وعلمت من حاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الظهر فقال:"فذاك إذن" وفي رواية ابن عباس "بيع البعير بالبعيرين"
(3)
وروينا عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسًا بالسلف في الحيوان، وذكر أيضًا قول ابن شهاب في بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل لا بأس به. وأخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا ربا في الحيوان، وإنما نهي في الحيوان عن ثلاث: المضامين، والملاقيح، وحبل الحبلة.
قال: والمضامين: ما في بطون الإناث، والملاقيح: ما في ظهور الجمال، وحبل الحبلة: بيع لأهل الجاهلية.
(1)
المصدر السابق.
(2)
"الأم" 3/ 31.
(3)
"الأم" 3/ 103.
وأخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء أنه قال: وأبيع البعير بالبعيرين يدًا بيدٍ زيادة ورق، والورق نسيئة
(1)
، قال الشافعي: وبهذا كله أقول، وخالفنا بعض الناس فقال: لا يجوز أن يكون الحيوان نسيئة أبدًا، فناقضتهم بالدية والكتابة عن الوصفاء بصفة، وبإصداق العبيد والإبل بصفة، قال: وإنما كرهنا السلم في الحيوان؛ لأن ابن مسعود كرهه، قال الشافعي: هو منقطع عنه
(2)
. قال أحمد:
(3)
يرويه عنه إبراهيم النخعي
(4)
. قلت: رواه ابن أبي شيبة عن وكيع، ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب أن زيد بن ثابت أسلم إلى عتريس
(5)
بن عرقوب في قلائص، قال: فسألت ابن مسعود فكره السلم في الحيوان
(6)
.
قال الشافعي: ويزعم الشعبي الذي هو أكبر من الذي روى عنه كراهيته أنه إنما أسلف له في لقاح فحل إبل بعينه، وهذا مكروه عندنا، وعند كل أحد، هذا بيع الملاقيح والمضامين أو هما، وقلت لمحمد بن الحسن: أنت أخبرتني عن أبي يوسف، عن عطاء بن السائب، عن أبي البحتري: أن بني عم لعثمان بن عفان أتوا واديًا فصنعوا شيئًا في إبل رجل، قطعوا به لبن إبله، وقتلوا فصالها، فأتى عثمان وعنده ابن مسعود فرضي بحكم ابن مسعود، فحكم أن يعطي بواديه إبلًا مثل إبله، وفصالًا مثل فصاله، فأنفذ ذلك عثمان.
(1)
"الأم" 3/ 104.
(2)
"الأم" 3/ 106.
(3)
هو الإمام البيهقي رحمه الله وليس الإمام أحمد بن حنبل كما يتوهم لأول وهلة.
(4)
"شرح معاني الآثار" 8/ 195.
(5)
ورد بهامش الأصل: عتريس لا يصح له صحبة، قاله الذهبي في "تجريده".
(6)
"المصنف" 4/ 423 - 424 (21685).
ويروى عن ابن مسعود أنه قضى في حيوان مثله دينًا؛ لأنه إذا قضى به بالمدينة ويعطيه بواديه كان دينًا، نريد أن يروي عن عثمان أنه يقول بقوله، وأنتم تروون عن المسعودى، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: أُسلم لابن مسعود وصفاء أحدهم أبو زيادة أو أبو زائدة مولانا. وتروون عن ابن عباس أنه أجاز السلم في الحيوان، وعن رجل آخر من الصحابة
(1)
.
قال البيهقي: روى أبو حسان الأعرج قال: سألت ابن عمر وابن عباس عن السلم في الحيوان، فقالا: إذا سمى الأسنان والآجال فلا بأس. وقال أبو نضرة: سألت ابن عمر عن السلف في الوصفاء فقال: لا بأس به. قلت: أخرجه ابن أبي شيبة، حدثنا سهل بن يوسف، عن حميد، عن أبي نضرة قال: قلت لابن عمر: إن أمراءنا ينهوننا
(2)
عنه -يعني: السلم- في الحيوان وفي الوصفاء. قال: فأطع أمراءك إن كانوا ينهون
(3)
عنه. وأمراؤهم يومئذ مثل الحكم بن عمرو الغفاري، وعبد الرحمن بن سمرة،
(4)
قال: وروي عن عمر أنه كرهه، وكذلك عن حذيفة، والحديث عنهما منقطع، وعن ابن عباس وابن عمر موصول بقولنا: قال الشافعي في القديم: وقد يكون ابن مسعود كرهه تنزهًا عن التجارة فيه، لا على تحريمه
(5)
.
(1)
"الأم" 3/ 106 - 107.
(2)
فوقها في الأصل: كذا.
(3)
في الأصل: ينهوا، وعليها: كذا.
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 424 (21692).
(5)
"معرفة السنن والآثار" 8/ 196.
109 - باب بَيْعِ الرَّقِيقِ
2229 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ مُحَيْرِيزٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا، فَنُحِبُّ الأَثْمَانَ، فَكَيْفَ تَرَى فِي العَزْلِ؟ فَقَالَ:"أَوَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا هِىَ خَارِجَةٌ". [2542، 4138، 5210، 6603، 7409 - مسلم: 1438 - فتح: 4/ 420].
ذكر فيه حديث الزهرى أَخْبَرَنِي ابن مُحَيْرِيزٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ رجل: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا، فَنُحِبُّ الأَثْمَانَ، فَكَيْفَ تَرى فِي العَزْلِ؟ فَقَالَ:"أَوَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَة كَتَبَ اللهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا وهِيَ خَارِجَة".
هذا الحديث أخرجه البخاري في موضع آخر
(1)
وقال: ابن محيريز هو عبد الله بن محيريز أبو محيريز الجمحي. قلت: وجده جنادة بن وهب بن لُوذان بن سعد بن جمح، مات
(2)
بالشام في خلافة عمر بن عبد العزيز
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (6603) كتاب: القدر، باب:{وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} .
(2)
في هامش الأصل: قوله، يعني: عبد الله بن محيريز، قال الذهبي في "الكاشف": قبل المائة، وقال النووي في "التهذيب": قال البخاري عن ضمرة: توفي في خلافة الوليد بن عبد الملك، وقيل في خلافة بن العزيز. انتهى، واتفقوا على توثيقه، قاله النووي.
(3)
ذكره خليفة بن خياط في "طبقاته" 1/ 537 (2753) وانظر ترجمته في "طبقات ابن سعد" 7/ 447، و"طبقات خليفة" 1/ 537، "ثقات ابن حبان" 5/ 6 و"تهذيب الكمال" 16/ 106 (3555).
وللنسائي: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال: إن امرأتي ترضع وأنا أكره أن تحمل، فقال: ما قدر في الرحم سيكون
(1)
. وفي الباب عن جابر (د. ت)
(2)
وغيره، كما سيأتي في بابه. وروى حديث الباب موسى بن عقبة، عن ابن محيريز، عن أبي سعيد، فقال: أصبنا سبيًا من سبي هوازن، وذلك يوم حنين سنة ثمانٍ. ووهم ابن عقبة في ذلك
(3)
ورواه أبو إسحاق السبيعي، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد قال: لما أصبنا سبي حنين سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: "ليس من كل الماء يكون الولد"
(4)
ورواه مسلم من حديث علي بن أبي طلحة، عن أبي الوداك بلفظ: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل
(5)
. لم يذكر سبي حنين ولا غيره، وكذا ما ذكره أبو عمر
(6)
من رواية موسى بن عقبة، عن ابن محيريز ذكره مسلم
(7)
، ولم يذكر فيه سبي
(1)
سنن النسائي 6/ 108 وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"(1032).
(2)
سيأتي برقم (5207) كتاب: النكاح، باب: العزل.
(3)
قال أبو عمر في "الاستذكار" 18/ 197 - 198: وروى هذا الحديث موسى بن عقبة عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن أبي سعيد بالإسناد المذكور، إلا أنه قال الذي: أصبنا سبيًا من سبي أوطاس وإنهم أرادوا أن يستمتعوا منهن، ولا يحملن، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال:"ما عليكم ألا تفعلوا فإن الله كتب ما هو كائن إلى يوم القيامة" فجعل موسى بن عقبة هذا الحديث في سبى أوطاس. وسبي أوطاس هو سبي هوازن وذلك يوم حنين سنة ثمان من الهجرة فوهم موسى بن عقبة في ذلك.
(4)
أخرجه أحمد 3/ 49، وأبو يعلى 2/ 384 (1153)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 34.
(5)
"مسلم"(1438)(133) كتاب: النكاح، باب: حكم العزل.
(6)
"الاستذكار" 18/ 197 - 198.
(7)
مسلم 1438/ 126 كتاب: النكاح، باب: حكم العزل.
أوطاس ولا غيره، وإنما ذكر مسلم يوم أوطاس من حديث أبي علقمة، عن أبي سعيد في قصة تحرج أصحابه من وطء السبايا من أجل أزواجهن
(1)
، وهي قصة أخرى في زمن آخر غير زمان بني المصطلق التي في الخامسة، والصحيح في الأول رواية من روى بني المصطلق.
وقوله: "فَنُحِبُّ الأَثْمَانَ".
فيه: دلالة على عدم جواز بيع أمهات الأولاد؛ لأن العمل منهن يمنع الفداء والثمن، وهو حجة على داود وغيره ممن يجوز
(2)
بيعهن، وسيأتي بسطه في موضعه. وفي لفظ:(وأحببنا الفداء).
وقوله: ("أَوَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ ") على التعجب منه يقول: وقد فعلتم؟!
وقوله: ("لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا"). قال الداودي: هو أقرب إلى النهي. وقال المبرد: لا بأس عليكم أن تفعلوا، ومعنى (لا) الثانية: طرحها.
و (النَسَمَة): النفس وكل ذات روح، والنسم: الأرواح. أي: ليس ذو نسمة، ويراد بها الذكر والأنثى.
قال القزاز: كل إنسان نسمة، ونفسه نسمة.
وقوله: ("إِلَّا وهِيَ خَارِجَةٌ") أي: جف القلم بكل ما يكون.
وفيه: دلالة على أن الولد يكون مع العزل؛ ولهذا صحح أصحابنا أنه لو قال: وطئت وعزلت، لحقه على الأصح
(3)
.
(1)
مسلم (1456) كتاب: الرضاع، باب: جواز وطء المسبية بعد الاستبراء.
(2)
وممن أجاز ذلك من الأوائل علي بن أبي طالب، وابن عباس رضي الله عنهما
انظر، "الإشراف" 2/ 213.
(3)
"روضة الطالبين" 3/ 404 - 405.
وما ترجم له من بيع الرقيق ظاهر كبيع سائر المباحات، وهي داخلة في عموم قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ} [البقرة: 275].
تنبيهات:
أحدها: قد أسلفنا أن الحديث حجة على داود في إجازته بيع أمهات الأولاد، ووجهه أنه لولا أن الحمل يبطل الثمن لم يقرهم على هذا الاعتقاد، وتكلف الحيلة له، ولقال لهم: وأي حاجة إلى العزل، والبيع يجوز، وانفصل المحتج لداود بأنه قال: ظاهره أنهم كانوا يريدون الفداء، فإذا حملن تعذر ذلك حتى
(1)
يضعن، وإلا صار أولادهم في أيدي الكفار، ولعل العرب الذين كان ذلك السبي منهم
إذا حملن من المسلمين لا يفدونهم، أو يفدونهم بقليل الثمن، فعن هذا سألوا، لا على أن الإيلاد يمنع بيعهن.
ثانيها: وطء المسبية والالتذاذ بها موقوف على القسمة والاستبراء، فكيف أرادوا وطأهن؟ ولعلهم إنما سألوا ذلك؛ لاشتداد العزبة، وظنوا أن وطأهن دون الفرج مباح إذا اجتنبوا موضع الولد، فأعلم أن الماء ربما سبق إلى الفرج، فيكون منه الولد وإن عزل، ليبين لهم حكم العزل، وإذا حمل على ذلك لم يدل على منع بيعهن.
ثالثها: كان ذلك في غزوة بني المصطلق -كما مرَّ- وكانت سنة ست، أو خمس، أو أربع
(2)
، واختلف: هل كانوا أهل كتاب أم لا؟ على قولين، قال أبو محمد الأصيلي: كانوا عبدة أوثان، وإنما جاز
(1)
في الأصل بعدها: صاروا لا.
(2)
سيأتي ذلك في كتاب: المغازي، باب: غزوة بني المصطلق من خزاعة قبل حديث (4138).
وطؤهن قبل نزول {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وقال الداودي: كانوا أهل كتاب، فلم يحتج فيهن إلى ذكر الإسلام. قال ابن التين: والظاهر الأول؛ لقوله في بعض طرقه: فأصبنا سبيا من سبي العرب. ثم نقل عن الشيخ أبي محمد أنه كان أسر من بني المصطلق أكثر من سبعمائة، ومنهم جويرية بنت الحارث أعتقها وتزوجها. فلعله لما دخل بها سألته في الأسرى، فوهبهم لها.
رابعها: حكم العَزْلِ عندنا: إن كانت أمة جاز قطعًا على ما ادعاه الرافعي، وإن كان حكى في "البحر" وجها، وأما الزوجة فالأصح جوازه بكره
(1)
، ومنهم من جوزه عند إذنها، ومنعه عند عدمه. وذكر بعض العلماء أربعة أقوال فيه: الجواز كمذهبنا، والمنع، ومذهب مالك جوازه في التسري، وفي الحرة موقوف على إذنها، وسيد الأمة.
(خامسها)
(2)
: يجوز برضا الموطوءة كيف كانت، حكاها كذلك ابن التين.
حجة من أجاز حديث جابر: كنا نعزل والقرآن ينزل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينهنا.
وحجة من منع أنه عليه السلام لما سئل عنه قال: "ذلك الوأد الخفي"
(3)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: وقيل: يحرم به مطلقًا، وهو الأصح في كلام الشيخ، ومنهم من حرمه في الحرة.
(2)
جاء في الأصل و (م): (رابعها).
(3)
انظر: "الإشراق" لابن المنذر 1/ 137، و"المغني" 10/ 228 - 230 والحديث رواه مسلم في صحيحه (1442).
110 - باب بَيْعِ المُدَبَّرِ
2230 -
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: بَاعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المُدَبَّرَ. [انظر: 2141 - مسلم:
997 -
فتح: 4/ 420]
2231 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: بَاعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2141 - مسلم: 997 - فتح: 4/ 421]
2232 و 2233 - حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رضى الله عنهما أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ عَنِ الأَمَةِ تَزْنِي وَلَمْ تُحْصَنْ. قَالَ:"اجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا" بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ. [انظر: 2153 و 2154 - مسلم: 1704 - فتح: 4/ 421]
2234 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ [عَلَيْهَا]، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ". [انظر: 2152 - مسلم: 1703 - فتح: 4/ 421]
ذكر فيه حديثي جابر قال: بَاعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المُدَبَّرَ، وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد في بيع الأمة إذا زنت وقد سلف
(1)
.
ثم ساقه من حديث أبي هريرة وحده وقد سلف أيضًا في باب بيع العبد الزاني.
(1)
سلف برقم (2153، 2154) كتاب: البيوع.
واختلف العلماء في بيع المدبر، فذهب مالك والكوفيون إلى أنه لا يجوز بيعه، ولا يجوز تحويله عن موضعه الذي وضع فيه
(1)
، وقال الشافعي: بيعه جائز؛ استدلالًا بهذا الحديث
(2)
.
وسيأتي إيضاحه في بابه إن شاء الله تعالى، ولهذا أسقط هذا الباب ابن التين، وأدخله ابن بطال في الباب الذي قبله، وما فعله جيد؛ لأجل حديث أبي هريرة الآخر، فإنه لا معنى لإدخاله في بيع المدبر
(3)
.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 13/ 6.
(2)
"الأم" 7/ 226، وانظر تفصيل المسألة في:"الإشراف" لابن المنذر 2/ 205، و"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 183.
(3)
في هامش الأصل: نعم له معنى، وهو أن الأمة الزانية يجوز بيعها سواء كانت مدبرة أم لا؛ لإن الشارع لم يحد في ذلك.
111 - باب هَلْ يُسَافِرُ بِالجَارِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا
؟
وَلَمْ يَرَ الحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِذَا وُهِبَتِ الوَلِيدَةُ التِي تُوطَأُ أَوْ بِيعَتْ أَوْ عَتَقَتْ فَلْيُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِحَيْضَةٍ، وَلَا تُسْتَبْرَأُ العَذْرَاءُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ مِنْ جَارِيَتِهِ الحَامِلِ مَا دُونَ الفَرْجِ. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6].
2235 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَىِّ بْنِ أَخْطَبَ -وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا- فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ". فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى صَفِيَّةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى المَدِينَةِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ. [انظر: 371 - مسلم: 1365 - فتح: 4/ 424]
ثم ساق حديث أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفيةَ بِنْتِ حُيَى بْنِ أَخْطَبَ -وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا- فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا
…
الحديث.
الشرح:
التعليق الأول رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية قال: سئل يونس عن الرجل يشترى الأمة يستبرئها يصيب منها القبلة والمباشرة، فقال ابن
سيرين: يكره ذلك. ويذكر عن الحسن أنه كان لا يرى بالقبلة بأسًا، وعن عكرمة في الرجل يشتري الجارية الصغيرة، وهي أصغر من ذلك قال: لا بأس أن يمسها قبل أن يستبرئها. وقال إياس بن معاوية في رجل اشترى جارية صغيرة لا يجامع مثلها قال: لا بأس أن يطأها، ولا يستبرئها. وكره قتادة تقبيلها حتى يستبرئها
(1)
. وقال أيوب اللخمي: وقعت في سهم ابن عمر جارية يوم جلولاء، فما ملك نفسه
أن جعل يقبلها.
قال ابن بطال: ثبت هذا عنه
(2)
.
وأثر ابن عمر رواه أيضًا ابن أبي شيبة عن عبد الوهاب، عن سعيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: إن اشترى أمةً عذراء فلا يستبرئها
(3)
. قال ابن التين: وهذا خلاف ما يقوله مالك.
قلت: والشافعي، وقيل: تستبرأ استحبابًا.
وعَتَقَتْ، بفتح العين: هو الصحيح، وروي بضمها، وليس بشيء.
وعن ابن سيرين في الرجل يشتري الأمة العذراء قال: لا يقربن ما دون رحمها حتى يستبرئها.
وعن الحسن وإن كانت بكرًا، وكذا قاله عكرمة
(4)
. وقال عطاء في رجل اشترى جارية من أبويها عذراء: يستبرئها بحيضتين.
(1)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة في "المصنف" 3/ 508.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 359.
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 3/ 505 (16618). بإسناد يختلف عما ذكره المصنف ففي المطبوع، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن يونس، عن أيوب، عن ابن عمر به.
(4)
المصدر السابق.
ومذهب جماعة منهم ابن القاسم وسالم والليث وأبو يوسف
(1)
: لا استبراء إلا على البالغة، وكان أبو يوسف لا يرى استبراء العذراء وإن كانت بالغة، وذكره ابن الجوزي عنه. وأثر عطاء لا يحضرني، قال ابن التين إن أراد الحامل من سيدها فهو فاسد، وإن أراد غيره وهي مسبية أو زانية فسيأتي إذا لم يكن العمل من زوجها.
وفي "مصنف ابن أبي شيبة": سئل ابن عباس عن رجل اشترى جارية وهي حامل أيطؤها؟
قال: لا
(2)
، ونهى عنه أبو موسى الأشعري وناجية بن كعب، وسعيد بن المسيب، وفيه أحاديث تأتي في موضعها إن شاء الله تعالى، وحديث أنس يأتي أيضًا.
إذا تقرر ذلك: فالحديث دال على أن الاستبراء أمانة، يؤتمن المبتاع عليها بأن لا يطأها حتى تحيض حيضة إن لم تكن حاملًا، فإنه عليه السلام جعل رداءه على صفية، وأمرها أن تحتجب بالجعرانة
(3)
(4)
حين صارت في سهمه، ومعلوم أن من سنته أن الحائل لا توطأ حتى تحيض حيضة، خشية الحمل، وأن الحامل لا توطأ حتى تضع؛ لئلا يسقي ماؤه زرع غيره، فلما كان أمانة ارتفعت فيه الحكومة.
وفيه حجة لمن يوجب المواضعة على البائع، وهو قول جماعة فقهاء
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 5/ 11 - 12، "مختصرًا ختلاف العلماء" 3/ 172 - 173.
(2)
"المصنف" 4/ 29 (17450).
(3)
انظر: "معجم ما استعجم" 1/ 384، "معجم البلدان" 2/ 142.
(4)
ورد بهامش الأصل قوله الجعرانة غلط، وأين الجعرانة وخيبر؟ وطريقها إلى المدينة، فإن الجعرانة أحد حدة لحرم مكة بينها وبين مكة تسعة أميال فاعلمه.
الأمصار، غير ربيعة ومالك، فإنهما أوجبا المواضعة في الجواري المرتفعات المتخذات للوطء خاصة. قال مالك في "المدونة": أكره ترك المواضعة وائتمان المبتاع على الاستبراء، فإن فعلا أجزأهما، وهي من البائع حتى تدخل في أول دمها،
(1)
وإنما قال مالك بها خشية أن يتذرع المشتري إلى المواضعة قبل الاستبراء؛ حياطة على الفروج؛ وحفظًا للأنساب؛ ولقوله عليه السلام: "لا توطأ حائل حتى تحيضر"
(2)
.
واحتج من لم ير المواضعة بأن عطاء بن أبي رباح قال: ما سمعنا بها قط. وقال محمد بن عبد الحكم: أول من قال بها ربيعة.
وقال الطحاوي: الدليل على أنها غير واجبة أن العقد إنما يوجب تسليم البدلين، وقد وافقنا مالك على أن غير المرتفعات من الجواري لا يجب فيهن استبراء، فوجب أن يكون كذلك حكم المرتفعات
(3)
.
وأجمع الفقهاء على أن حيضة واحدة براءة في الرحم، إلا أن مالكًا والليث قالا: إن اشتراها في أول حيضها اعتدَّ بها، وإن كان في آخرها لم يعتد بها. وقال ابن المسيب: حيضتان
(4)
.
وقال ابن سيرين ثلاث
(5)
.
واختلف إذا أمن فيها العمل، فقال مالك: تستبرأ
(6)
.
(1)
"المدونة" 2/ 350.
(2)
سيأتي تخريجه.
(3)
"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 175.
(4)
رواه عبد الرزاق 7/ 222 (12876)، ابن أبي شيبة 4/ 151 (18762).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 149 (18734).
(6)
كما في "مواهب الجليل" 5/ 526.
وقال مطرف وابن الماجشون: لا
(1)
.
واختلفوا في قبلة الجارية ومباشرتها قبل الاستبراء، فأجاز ذلك الحسن البصري وعكرمة
(2)
، وبه قال أبو ثور، وقد أسلفنا فعل ابن عمر فيه، وكرهه ابن سيرين
(3)
، وهو قول مالك والليث وأبي حنيفة
والشافعي، ووجهه: قطعًا للذريعة وحفظًا للأنساب.
وحجة من أجاز الآية التي ذكرها البخاري وهي خرجت مخرج العموم أريد بها الخصوص، فقد يملك ذات محرم منه، أو يطلقها بائنًا، أو تكون محرمة، أو حائضًا.
وقوله عليه السلام: "إلا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض"
(4)
فدل هذا أن ما دون الوطء من المباشرة والقبلة في حيز المباح. وسفره عليه السلام بصفية قبل أن يستبرئها حجة في ذلك؛ لكونه لو لم يحل له من مباشرتها ما دون الجماع لم يسافر بها معه؛ لأنه لا بد أن يرفعها أو ينزلها، وكان عليه السلام لا يمس بيده امرأة لا تحل له، ومن هذا اختلافهم في مباشرة المظاهرة، وقبلته لامرأته التي ظاهر منها، فذهب
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 5/ 14 - 15.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 508 (16646، 16647).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 508 (16646).
(4)
روى أبو داود (2157)، وأحمد 3/ 62 (11596)، والدارمي 3/ 1474 (2341) والحاكم 2/ 195 عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاس:"لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض". قال الحافظ في "التلخيص" 1/ 172: إسناده حسن. وروى الدارقطني 3/ 257 عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ حامل حتى تضع، أو حائل حتى تحيض. قال الدارقطني: قال لنا ابن صاعد: وما قال لنا في هذا الإسناد أحد عن ابن عباس إلا العائذي.
الزهري والنخعي ومالك وأبو حنيفة والشافعي إلى أنه لا يقبل امرأته، ولا يتلذذ منها بشيء، وقال الحسن البصري: لا بأس أن ينال منها ما دون الجماع،
(1)
وهو قول الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وكذلك فسر عطاء وقتادة والزهري.
وقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] لعله عني بالمس: الجماع في هذِه الآية
(2)
.
واختلفوا في استبراء العذراء فقال ابن عمر: لا تستبرأ
(3)
-كما سبق- وبه قال أبو ثور، وقال سائر الفقهاء تستبرأ بحيضة إذا كانت ممن يحيض ويوطأ مثلها
(4)
. وقال ابن الماجشون: إن كانت صغيرة
أو ممن انقطع حيضها فلا تسبرأ.
تنبيهات:
أحدها: قال الداودي: قول الحسن السالف إن كان في المسبية فصواب؛ لأنه لم يبق فيها ملك لأحد، قال ابن التين: وهذا غير بين بل يمنع ذلك جملة: قال: كنا نمتع أي: يلتذ بأمته إذا زنت وحملت، وقول ابن عمر السالف. هو قول مالك وأصحابه إذا كانت ممن يوطأ ويحمل.
ثانيها: غزوة خيبر سنة ست
(5)
، وقيل: سبع، وقدمه ابن التين على
(1)
رواه عبد الرزاق 6/ 426 (11498).
(2)
رواه الطبري في "تفسيره" عن ابن عباس 12/ 10
(3)
ابن أبي شيبة 3/ 505 (16618) وسبق.
(4)
"شرح ابن بطال"(374).
(5)
انظر في ذلك "تاريخ خليفة" 1/ 10، "تاريخ الطبري" 2/ 135، "تاريخ الإسلام" 2/ 403.
الأول، فقال: كانت سنة سبع، وقال مالك: سنة ست. ومعنى اصطفاها: أي: أخذها صفيًّا، والصفي: سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المغنم، كان يأخذه من الأصل قبل القسمة، جاريةً أو سلاحًا. وقيل: إنما سميت صفية لذلك؛ لأنها كانت صفية من غنيمة خيبر، وزوجها المقتول هو كنانة بن أبي الحُقيق، فرأت في المنام قمرًا أقبل من يثرب، ووقع في حجرها، فقصت ذلك عليه، فلطم وجهها وقال: أنت تزعمين أن ملك يثرب يتزوجك
(1)
.
وفي لفظ: تحبين أن يكون هذا الملك الذي يأتي من المدينة زوجك.
وفي لفظ: رأيت كأني وهذ الملك الذي يزعم أن الله أرسله وملك يسترنا بجناحه.
والعَرُوس: نعت يستوي فيه المذكر والمؤنث ما داما في تعريسهما أيامًا، وأحسن ما في ذلك أن يقال: الرجل معرس. وعن الخليل
(2)
: رجل عروس، وامرأة عروس، وشاعر أنيس، ذكره ابن فارس
(3)
.
وقوله: (فخرجنا بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ حَلَّتْ) فيه دلالة لفقهاء الأمصار أن الاستبراء بحيضة، وليس في هذِه المدة ما تحيض فيه أكثر من حيضة.
والرَّوْحَاءِ: منزل بقرب المدينة
(4)
والحيس: أخلاط من تمر وسمن
(1)
رواه ابن هشام في "السيرة" 3/ 388 عن ابن إسحاق.
(2)
"العين" 1/ 328.
(3)
"مجمل اللغة" 3/ 658 مادة: (عرس).
(4)
وقال صاحب "معجم البلدان" سبب تسميتها بذلك لما رجع تبع من قتال أهل المدينة يريد مكة نزل بها فأقام وأراح فسماها الروحاء. اهـ. 3/ 76.
وأقط، وفي لفظ: التمر والسويق، وقيل: من تمر وسمن. ذكره الداودي.
وفيه: أن الوليمة بعد البناء.
والنطع: بكسر النون وفتح الطاء على الأفصح، وقال ابن التين: يقال: نطع -بسكون الطاء وفتحها- جلود تدبغ ويجمع بعضها على بعض وتفرش.
ومعنى: "آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ" أي: أعلمه؛ لإشهار النكاح.
وقوله: (يُحَوِّي). ضبطه بالتخفيف ثلاثيًّا في رواية أبي الحسن، وبالتشديد في رواية أبي ذر وهو أن يوطئ لها بالعباءة حول سنام البعير وهو عند أهل اللغة بالتشديد -كما عند أبي ذر، ذكره كله ابن التين. والعباءة ممدودة والعباء أيضًا: ضرب من الأكسية، وفي "سيرة ابن إسحاق" لما أتى بها بلال أمر عليه السلام فحيزت خلفه وغطى عليها ثوبه، فعرف الناس أنه قد اصطفاها لنفسه
(1)
.
ثالثها: قوله: (فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ) هو من
المعاشرة بالمعروف. وفي كتاب الواقدي: كانت تعظم أن تضع رجلها على ركبته، وكانت تضع ركبتها على ركبته، قال: وفحصت الأرض أفاحيص، وجيء بالأنطاع، فوضعت فيها، ثم جيء بالأقط والسمن فشبع الناس. وحيي والدها، قال الدارقطني: المحدثون يقولون بكسر الحاء المهملة، وأهل اللغة بضمها.
و (صَفِيَّةُ): من سبط هارون عليه السلام، كانت عند سلَّام بن مشكم، وكان خمارًا في الجاهلية، وسلام بتخفيف اللام، وفيه يقول أبو سفيان بن حرب:
(1)
رواها عنه ابن هشام في "السيرة" 3/ 388.
سقاني فرواني كمينًا مدامة
…
على ظمأ مني سلام بن مشكم.
وقيل بالتشديد وخفف ضرورة
(1)
، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق.
قال الجاحظ في كتاب "الموالي": وَلَدَ صَفيَّةِ مائةُ نبي ومائة ملك، ثم صيرها الله تعالى أمة لرسوله. وذكره القاضي أبو عمر محمد بن أحمد النوقاتي
(2)
في كتاب "المحنة" أنه عليه السلام لما أراد البناء بصفية استأذنته عائشة أن تكون في المنتقبات، فقال:"يا عائشة إنك إن رأيتها أقشعر جلدك من حسنها" فلما رأتها حصل لها ذلك.
وقال ابن سعد: الحصين التي كانت فيه اسمه القموص، سباها منه هي وابنة عم لها، فعرض عليها رسوله أن يعتقها إن اختارت الله ورسوله، فقالت: أختارهما، وأسلمت، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها مهرها، ورأى بوجهها أثر خضرة قريبًا من عينها، فقال:"ما هذا"؟ فذكرت المنام السالف، فلما صار إلى منزل يقال لي: ثبار على ستة أميال من خيبر، قال: يريد أن يعرس بها، فأبت عليه، فوجد في نفسه من ذلك، فقالت: خفت عليك قرب يهود. فلما كان
(1)
بهامش الأصل: قال ابن الصلاح وغيره: والذي رضيت فيه -أي سلام بن مشكم التشديد.
(2)
هو محمد بن أحمد بن سليمان بن أيوب أبو عمر النوقاتي نسبة إلى نوقات قرية من قرى سجستان حدث عن عبد المؤمن بن خلف النسفي وابن حبان وغيرهما وسمع الكثير من الشيوخ واشتغل بالتصنيف وله من التصانيف: "العلم والعلماء" و"آداب المسافرين" و"العتاب الإعتاب" و"الرياحين" و"المسلسلات" أو"منحة الظراف في أخبار العشاق" وغيرهما مات سنة 382 وانظر "سير أعلام النبلاء" 17/ 144 و"الوافي بالوفيات" 2/ 90.
بالصهباء على بريد من خيبر عرس بها
(1)
.
رابعها: كما رأت صفية في منامها سيد الأنام رآه غير واحدة من أزواجه، روى الحاكم في كتاب "الإكليل": أن جويرية رأت في المنام كما رأت صفية قبل تزوجها به، ولابن سعد: قالت أم حبيبة: رأيت في النوم كأن آتيًا يقول: يا أم المؤمنين. ففزعت وأولته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني
(2)
. وعن ابن عباس: رأت سودة في المنام كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يمشي حتى وطئ على عنقها، فقال زوجها: لئن صدقت رؤياك لتتزوجين. ثم رأت ليلة أخرى أن قمرًا انقض عليها من السماء وهي مضطجعة، فأخبرت زوجها السكران، فقال: لئن صدقت رؤياك لم ألبث إلا يسيرًا حتى أموت وتتزوجين بعدي، فاشتكى من يومه ذلك، ولم يلبث إلا قليلًا حتى مات
(3)
خامسها: حديث أصطفائه صفية يعارضه في الظاهر حديث أنس أنها صارت لدحية، فأخذها منه وأعطاه سبعة أرؤس، ويروى أنه أعطاه بنتي عمها عوضًا منها، ويروى أنه قال له:"خذ رأسًا آخر مكانها" ولا معارضة -كما نبه عليه السهيلي- فإنما أخذها من دحية قبل القسمة، وما عوضه فيها ليس على جهة البيع، ولكن على جهة النفل أو الهبة، غير أن بعض رواة الحديث في "الصحيح" يقولون فيه: إنه اشترى صفية من دحية
(4)
وبعضهم يزيد فيه بعد القسم، فالله تعالى أعلم أي ذلك كان
(5)
. وهذا
(1)
"الطبقات الكبرى" 8/ 121.
(2)
"الطبقات الكبرى" 8/ 97.
(3)
السابق 8/ 57.
(4)
مسلم (1365/ 87) كتاب: النكاح، باب: فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها.
(5)
"الروض الأنف" 4/ 60.
الآخر هو الذي أراد به البخاري في الباب الذي سلف: بيع العبد والحيوان به، وأورده فيه كان تركه لها عنده، وأخذه جارية من السبي غير معينة بيعًا لها بجارية نسيئة، حتى يأخذها ويستحسنها، فحينئذ
تتعين له، وليس يدًا بيدٍ.
سادسها: الإمام إذا نفل ما لم يعلم مقداره له استرجاعه والتعويض عنه، وليس له أن يأخذه بغير عوض، ذكره المنذري في "حواشيه"، قال: وإعطاء دحية كان برضاه، فيكون معاوضة جارية بجارية، فإن قلت: الواهب منهي عن شراء هبته؟ قلنا: لم يهبه من مال نفسه، إنما أعطاه من مال الله على جهة النظر، كما يعطي الإمام النفل لأحد أهل الجيش نظرًا، وقيل: إنما يكون قصد إعطاء جارية من حشو السبي، فلما أطلع أن هذِه من خياره، وأن ليس يمكن إعطاء مثلها لمثله، لأنه قد يؤدي ذلك إلى المفسدة، فلذلك ارتجعها؛ لأنه خلاف ما أراد أن يعطيه.
112 - باب بَيْعِ المَيْتَةِ وَالأَصْنَامِ
2236 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ:"إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ". فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ. فَقَالَ:"لَا، هُوَ حَرَامٌ". ثُمَّ قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: "قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ، إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ".
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الَحمِيدِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ: كَتَبَ إِلَيَّ عَطَاءٌ: سَمِعْتُ جَابِرًا رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [4296، 4633 - مسلم: 1581 - فتح: 4/ 424]
ذكر فيه حديث يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيب، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: "إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ". فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ فَإِنَّه يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ:"لَا، هُوَ حَرَامٌ". ثُمَّ قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: "قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ، إِنَّ الله لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا أجَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ".
وقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: ثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ، ثنَا يَزِيدُ قال: كَتَبَ إِلَيَّ عَطَاءٌ: سَمِعْتُ جَابِرًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عن بيع الخمر.
الشرح:
حديث جابر أخرجه مسلم
(1)
، وتعليق أبي عاصم أخرجه مسلم عن
(1)
مسلم (1581) كتاب: المساقاة، باب: تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام.
محمد بن مثنى، عن أبي عاصم به، وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل
(1)
.
و (عبد الحميد)
(2)
(م. الأربعة) هو ابن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم رافع بن سنان حليف الأنصار، مات وسنة ثلاث وخمسين ومائة بالمدينة، حدث هو وابنه (سعد)(د. ت. س. ق)، وأبوه (جعفر)(م. الأربعة)، وجده أبو الحكم (رافع)
(3)
(م. والأربعة) وله صحبة، وابن عمه عمر بن الحكم بن رافع بن سنان، وهو من ولد الفطيون من ولد مخرق بن عمرو مزيقيا، وقيل: الفطيون من اليهود، وليس من ولد مخرق كان يهوديًّا وولده فخذ على حدتهم يهود بالمدينة منفردون عن سائر بني مخرق، وقيل: إنه ليس من ولد الفطيون وقد طعن في نسبهم، إذا علمت ذلك فالإجماع قائم على أنه لا يجوز بيع الميتة والأصنام؛ لأنه لا يحل الانتفاع بها ووضع الثمن فيها إضاعة مال وقد نهي عن إضاعته.
قال ابن المنذر: فإذا أجمعوا على تحريم بيع الميتة فبيع الكافر من أهل الحرب كذلك، وقد سلف فيه حديث، فإن قلت: فما وجه الجواب المذكور لما سئل عن شحوم الميتة، فأجاب بما ذكره؟
فالجواب أن وجهه أنه كان عن مسألته عن بيع الشحوم لا عن دهن الجلود والسفن، وإنما سأله عن بيع ذلك إذ ظنه جائزًا. من أجل ما فيه
(1)
مسلم (1581)(71).
(2)
انظر: "تاريخ أسماء الثقات" لابن شاهين ترجمة (910)، "ثقات ابن حبان" 7/ 122، "تهذيب الكمال" 16/ 416.
(3)
ورد هامش الأصل: لرافع حديث في أبي داود من رواية ابنه في تخيير الصبي بين أبويه.
من المنافع كما جاز بيع الحمر الأهلية لما فيها من المنافع وإن حرم أكلها فظن أن شحوم الميتة مثل ذلك يحل بيعها وشراؤها، كمان حرم أكلها، فأخبره عليه السلام أن ذلك ليس كالذي ظن وأن بيعها حرام وثمنها حرام إذ كان نجسة نظيره الدم والخمر فيما يحرم من بيعها وأكل ثمنها، فأما الاستصباح ودهن السفن والجلود بها فهو بخلاف بيعها وأكل ثمنها إذا كان ما يدهن بها من ذلك يغسل بالماء غسل الشيء الذي أصابته النجاسة، فيظهره الماء هذا قول عطاء بن أبي رباح وجماعة من العلماء، وممن أجاز الاستصباح بما تقع فيه الفأرة علي وابن عباس وابن عمر كما سيأتي واضحًا في الذبائح في باب إذا وقعت الفأرة في سمن جامد أو ذائب، وقال القرطبي: اختلف في جواز بيع كل محرم نجس فيه منفعة كالذبل والعذرة، فمنع من ذلك الشافعي ومالك وأجازه الكوفيون والطبري، وذهب آخرون إلى إجازة ذلك من المشتري دون البائع، ورأوا أن المشتري أعذر من البائع؛ لأنه مضطر إلى ذلك، روي ذلك عن بعض أصحابنا
(1)
.
وقوله: ("إن الله ورسوله حرم") فيه جواز قوله ذلك، وقال بعض الناس: إنما يقال: إن الله ثم رسوله ولا ينسق عليه؛ لأن التقدير أن الله حرم ورسوله حرم كقوله: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف. وقال الداودي: إنما وجد.
وقوله: ("حرم") إنما قال: "حرم" ولم يقل: حرما يعني: أن الله حرم على لسان رسوله عليه السلام، فأخلص ذلك لله؛ لأنه إنما يقوله بأمره، وبيع الخمر حرام بالإجماع كما سلف، ولا شيء في إراقتها لذمي
(1)
"المفهم" 4/ 458.
عندنا خلافًا لمالك
(1)
، ووافقنا عبد الملك، والميتة تعم جميع ما احتوت عليه من قرن ولحم ودم وعظم وجلد، لا أن الجلد إذا دبغ ينتفع به كما سلف والخنزير قد سلف حكمه، وسلف حكم شعره، والأصنام لا يصح بيعها وإن كانت من جوهر نفيس، وقال ابن التين: بيعها ما دامت مصورة ممنوع، وإذا طمست صورها جاز بيعها كانت فضة أو نحاسًا أو حجرًا، والنهي في الشحوم منصب عند أكثر العلماء إلى البيع دون الانتفاع وأجاز أبو حنيفة بيع شحوم الميتة وخالف الحديث، ونحا إليه ابن وهب وسلف، واستدل الخطابي بجواز الانتفاع بإجماعهم أن من ماتت له دابة ساغ له إطعامها لكلابه، فكذلك الدهن
(2)
وظاهر كلام عبد الملك منعه وأَجمله: لغة في جمله كما سلف.
(1)
"النوادر والزيادات" 6/ 180.
(2)
"أعلام الحديث" 2/ 1107.
113 - باب ثَمَنِ الكَلْبِ
2237 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي، مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ. [2282، 5346، 5761 - مسلم: 1567 - فتح: 4/ 426]
2238 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى حَجَّامًا، [فَاَمَرَ بِمَحَاجمِهِ فَكُسِرَتْ]، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الكَلْبِ، وَكَسْبِ الأَمَةِ، وَلَعَنَ الوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ المُصَوِّرَ. [انظر: 2086 - فتح: 4/ 426]
ذكر فيه حديث أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ.
وحديث أَبِي جُحَيْفَةَ: أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الكَلْبِ، وَكَسْبِ الأَمَةِ، وَلَعَنَ الوَاشِمَةَ المتوشمة، وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ المُصَوِّرَ.
وهذا الحديث سبق في باب: موكل الربا.
(1)
.
وحديث أبي مسعود أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، وللبخاري وحده عن أبي هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الإماء، خرجه في كتاب الإجارة
(3)
وفي غيره كما ستعلمه.
وفي أفراد مسلم من حديث رافع بن خديج مرفوعًا: "شر الكسب مهر
(1)
سلف برقم (2086) كتاب: البيوع.
(2)
مسلم برقم (1567) كتاب: المساقاة، باب: تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ..
(3)
سيأتي برقم (2283) باب: كسب البغي والإماء.
البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجام"
(1)
وفي رواية له: "ثمن الكلب خبيث، وكسب الحجام خبيث"
(2)
وفي أفراده من حديث أبي الزبير: سألت جابر بن عبد الله عن ثمن الكلب والسنور، فقال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وما في حديث أبي جحيفة (عن ثمن الدم) أي: أجرة الحجامة، فهو مكروه؛ تنزهًا عن رذائل المكاسب، وكسب الإماء والربا محرمان بالكتاب، وموكله بالسنة، ففيه الجمع بين المختلفات.
والمراد عند مالك: الكلب الذي نهي عن اقتنائه، وينقص من أجره كل يوم قيراطان، كما سلف واضحًا.
"وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ": هو أجرته، والحلوان: العطاء، ووجه النهي عنه أنه من أكل المال بالباطل. يقال: حلوته كذا، أحلوه حلوا وحلوانًا، وقال بعضهم: أصله من الحلاوة، تشبه بالشيء الحلو، يقال: حلوت فلانًا: إذا أطعمته الحلوى، كما تقول: عسلته وتمرته.
"وَمَهْرِ البَغِيِّ" يأتي الكلام عليه في الإجارة، والمراد: ما كانوا في الجاهلية يفعلونه من إكراه فتياتهم على البغاء، فكان ما يؤخذ على ذلك مهرًا لها. قال ابن التين: وضبط (البغي) بكسر الغين وتشديد الياء، ثم نقل عن أبي الحسن أنه قال: الذي نقرؤه بإسكان الغين، والذي ذكره أهل اللغة أنه بكسر الغين وتشديد الياء: الفاجرة (والأمة)
(3)
.
وقوله: (وَكَسْبِ الأَمَةِ): هو مهر البغي أيضًا.
(1)
مسلم برقم (1568/ 40).
(2)
مسلم برقم (1567/ 41).
(3)
كذا في الأصل ولعلها زائدة.
35
كتاب السلم
بسم الله الرحمن الرحيم
35 - كتاب السلم
1 - باب السَّلَمِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ
2239 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلي الله عليه وسلم - المَدِينَةَ، وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ العَامَ وَالعَامَيْنِ -أَوْ قَالَ: عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. شَكَّ إِسْمَاعِيلُ- فَقَالَ: "مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ".
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ بِهَذَا:"فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ". [2240، 2241، 2253 - مسلم: 1604 - فتح: 4/ 428]
ذكر فيه حديث ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ العَامَ وَالعَامَيْنِ- أَوْ قَالَ: عَامَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً. شَكَّ إِسْمَاعِيلُ -يعني ابن علية- فَقَالَ: "مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي
كيْلٍ مَعْلُومِ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ".
هذا اَلحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وزاد: "إلى أجل معلوم
(2)
، وفي لفظ:"من أسلف"، وفي لفظ "من سلم". وفي رواية للبخاري:"من أسلف في شيء"
(3)
.
و (ابن أبي نجيح) اسمه عبد الله بن يسار مولى الأخنس، مكي، مات سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين ومائة
(4)
.
و (أَبو المِنْهَالِ) اسمه عبد الرحمن بن مطعم، بصري، نزل
(5)
مكة
(6)
.
وقول البخاري بعده: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، ثنا إِسْمَاعِيلُ)، محمد هو ابن سلام البيكندي، كذا بخط الدمياطي، وسبقه إليه أبو علي الجياني حيث قال: لم ينسبه أحد من الرواة، والذي عندي في هذا: أنه محمد بن سلام. وذكر أبو نصر: أن ابن سلام روى عن ابن علية
(7)
.
و (عَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيرٍ) هو أخو كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة الحارث بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهل السهمي المكي القاص، اتفقا عليهما، وليس هو بابن كثير القارئ، وليس له في البخاري غير هذا
(1)
في هامش الأصل: وذكره البخاري فيما سيأتي.
(2)
مسلم (1604) كتاب: المساقاة، باب: السلم.
(3)
الحديث الآتي يؤثم (2240) وبوب عليه: السلم في وزن معلوم.
(4)
انظر: "الثقات" لابن حبان 7/ 5، و"الثقات" لابن شاهين الترجمة 620، و"تهذيب الكمال" 16/ 215 ترجمة (3612).
(5)
انظر: الجرح والتعديل 5/ 284 ترجمة (1354)، "الثقات" لا ابن حبان 5/ 108، و"تهذيب الكمال" 17/ 406 ترجمة (3958).
(6)
في هامش الأصل: توفي سنة ست ومائة مشهور.
(7)
"تقييد المهمل" 3/ 1021 - 1022.
الحديث، وذكر له مسلم حديثًا آخر في الجنائز، رواه عنه ابن جريج
(1)
.
وأما ابن التين فقال نقلًا عن أبي الحسن القابسي وغيره: هو عبد الله بن كثير أحد القراء السبعة، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، وليس لأحد فيه رواية من القراء السبعة إلا هو وابن أبي النجود في المتابعة، قال: وقوله هذا غير صحيح، وإنما هو ما تقدم
(2)
، وهو أبو معبد القاري، ووقع في "المدونة": عبد الله بن أبي كثير
(3)
، وغلط فيه، وصوابه: حذف أبي.
إذا عرفت ذلك فالسلم والسلف بمعنى، سمي سلمًا لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفًا لتقدمه، ويطلق أيضًا على القرض كما قاله الأزهري
(4)
.
قال الماوردي: والسلم لغة حجازية، والسلف لغة عراقية
(5)
.
قلت: قد ثبتا في الحديث كما ذكرته لك. وفي "غريب الحديث" للخطابي أن ابن عمر كان يكره أن يقال: السلم بمعنى السلف، وكان يقول: الإسلام لله، ضَنَّ بالاسم الذي هو موضوع للطاعة أن يمتهن
في غيرها، وصيانة عن أن يبذل فيما سواها
(6)
.
(1)
"مسلم" 974/ 103 باب: ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، وانظر ترجمته في "الجرح والتعديل" 5/ 144 ترجمة (673)، "صحيح ابن حبان" 7/ 53، و"تهذيب الكمال" 15/ 464 ترجمه (3498).
(2)
قلت: قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 2/ 408: والذي قاله القابشي هو الذي عليه عمل الجمهور، والله أعلم. اهـ.
(3)
"المدونة" 3/ 122.
(4)
"تهذيب اللغة" 2/ 1743 مادة: (سلم).
(5)
"الحاوي" 5/ 388.
(6)
"غريب الحديث" 1/ 665.
وأخرجه البيهقي في "سننه" أيضًا موقوفًا على ابن عمر أنه كان يكره هذِه الكلمة: أُسلم في كذا وكذا، ويقول: لرب العالمين
(1)
.
والسلم هو المراد بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282].
قال ابن عباس: المراد به السلم
(2)
، ويحتمل كما قال الشافعي أن المراد بها: كل دين، فلا يدل على خصوصيته بالسلم
(3)
، وحقيقته في الشرع: إسلام شيءٍ حاضر في غائب بلفظه، وقام الإجماع على أنه لا يجوز السلم إلا في كيل معلوم أو وزن معلوم، فيما يكال أو يوزن، وأجمعوا أنه إذا كان السلم فيما لا يكال ولا يوزن أنه لا بد فيه من عدد معلوم، وأجمعوا أنه لا بد من صفة الشيءِ المسلم فيه.
ويدخل في قوله: "كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ"؛ إذ العلم بهما يستلزمه.
وقال ابن حزم: لا يجوز السلم إلا في مكيل أو موزون فقط، ولا يجوز في حيوان، ولا في مذروع أو معدود، ولا في شيء غير ما ذكر، قال: وكرهت طائفة السلم، روي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنه كان يكره السلم كله، قال: وأباح أبو حنيفة ومالك السلف في العدد والمذروع من الثياب بغير ذكر وزنه، ومنعا من السلف حالًّا، وجوزه الشافعي حالًّا؛ لأنه إذا جاز مؤجلًا فالحال أجوز
(4)
.
والحديث سيق لبيان العلم بالأجل، وأجاز السلم في كل شيء قياسًا على المكيل والموزون، قال: والأجل ساعة فما فوقها.
(1)
"السنن الكبرى" 6/ 28 (11142).
(2)
رواه الطبري في "التفسير" 3/ 16 (6314 - 6318).
(3)
"الأم" 3/ 80.
(4)
"الأم" 3/ 83.
وقال بعض الحنيفة: لا يكون أقل من نصف يوم. وقال بعضهم: لا يكون أقل من ثلاثة أيام
(1)
.
وقال المالكيون: يكره أقل من يومين
(2)
.
وقال الليث: خمسة عشر يومًا
(3)
. قلت: ورواية ابن القاسم عن مالك: ما تتغير فيه الأسواق
(4)
. ورواية ابن عبد الحكم عنه: أنه لا بد فيه من الأجل وإن كان أيامًا يسيرة.
واختلف في السلم في البيض، فلم يجزه أبو حنيفة، وأجازه مالك بالعدد
(5)
، وفي اللحم أجازه الشافعي ومالك، ومنعه أبو حنيفة، وكذلك السلم في الرؤوس والأكارع منعه أبو حنيفة، وأجازه مالك، واختلف فيه قول الشافعي؛ والسلم في الدر والفصوص أجازه مالك، ولم يتعرض في الحديث لموضع القبض، وليس بشرط عند مالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور، ولو كان شرطًا لبينه، وقال بعض الناس: لا يجوز حتى يسميه.
وقال القاضي في: "معونته": الأولى أن يسمي، فإن أطلق جاز ولزم الموضع الذي عقد فيه، وأجري لهم عرف في قبض سلمهم
(6)
.
(1)
"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 6 بلفظ: "لا يكون الأجل في السلم إلا ثلاثة أيام فصاعدًا"، "المحيط البرهاني" 10/ 278.
(2)
"النوادر والزيادات" 6/ 66 بنحوه.
(3)
"المحلى" 9/ 105 - 109 بتصرف.
(4)
"المنتقى" 4/ 297 بلفظ: قال إن القاسم في "المدونة" لا يجوز إلا إلى لأجل الذي تختلف في مثله الأسواق الخمسة عشر يومًا والعشرين يومًا.
(5)
"التاج والإكليل" 6/ 503، "المدونة الكبرى" 3/ 123.
(6)
"المعونة" 2/ 35.
ونقل ابن بطال عن مالك: أنه إن لم يذكر الموضع جاز السلم، ويقبضه في المكان الذي كان فيه السلم، فإن اختلفا في الموضع فالقول قول البائع.
وقال الثوري وأبو حنيفة: لا يجوز فيما له حمل ومؤنة إلَّا أن يشترط في تسليمه مكانًا معلومًا
(1)
. وعند الشافعية: أنه إذا أسلم بموضع لا يصلح للتسليم أو يصلح ولحمله مؤنة لا بد من اشتراط بيان محله وإلَّا فلا.
وقوله: (يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ العَامَ وَالعَامَيْنِ) فيه إجازة السلم فيه، وإن لم يكن ذلك الوقت موجودًا إذا وجد في وقتٍ يحل فيه السلم.
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 365.
2 - باب السَّلَمِ فِي وَزْنٍ مَعْلُومٍ
2240 -
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ:"مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ". [انظر: 2239 - مسلم: 1604 - فتح: 4/ 429]
حَدَّثَنَا عَليٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابن أَبِي نَجِيحٍ وَقَالَ: "فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إلى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ".
2241 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ". [انظر: 2239 - مسلم: 1604 - فتح: 4/ 429]
2242 -
2243 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي المُجَالِدِ. وَحَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي المُجَالِدِ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ، أَوْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي المُجَالِدِ قَالَ: اخْتَلَفَ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الهَادِ وَأَبُو بُرْدَةَ فِي السَّلَفِ، فَبَعَثُونِي إِلَى ابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه فَسَأَلْتُهُ: فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فِي الحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ.
- وَسَألتُ ابن أَبْزى، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ.
الحديث 2242 - [2244، 2255 - فتح: 4/ 429]
الحديث 2243 - [2245، 2254 - فتح: 4/ 429]
ذكر فيه حديث ابن عباس السالف
(1)
: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَهُمْ يُسْلِفُونَ
(1)
السالف في الباب السابق.
بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاثَ، فَقَالَ: "مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيءٍ (فليسلف في)
(1)
كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ".
وفي رواية غير الصحَيح وقال: "فليسلف في كل معلوم
…
" إلى آخره.
(وفي رواية)
(2)
: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "فِي كَيْلٍ مَعْلُومِ .. " إلى آخره.
وحديث محمد بن أبي المجالد وساق أيضًا: مُحَمَّد، أَوْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي المُجَالِدِ قَالَ: اخْتَلَفَ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَادِ بْنِ الهَادِ وَأَبُو بُرْدَةَ في السلم، فَبَعَثُونِي إِلَى ابن أَبِي أَوْفَى فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: إِنَّا كُنا نُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ.
وَسَاَلْتُ ابن أَبْزى، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ.
وهو من أفراده، وقول البخاري:(حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ)، هو: هشام بن عبد الملك الطيالسي، مات سنة سبع وعشرين ومائتين
(3)
(4)
.
وقوله: (حَدَّثَنَي يَحْيَى)، هو ابن موسى خت مات سنة تسع وثلاثين ومائتين
(5)
. وعبد الله بن شداد
(6)
قتل بدجيل سنة إحدى
(1)
في هامش الأصل: (ففي) وعليها: (خ).
(2)
تحتها في الأصل: ساقها من طريق آخر إلى أبي نجيح عنه.
(3)
في هامش الأصل: وله 94 سنة، كذا في "الكاشف" في ترجمة هشام، وأرخ بذلك سنة أربع فيه.
(4)
انظر "ثقات" ابن شاهين (1535)، و"الجرح والتعديل" 9/ 65 (253)، "تهذيب الكمال" 30/ 226 (6584).
(5)
انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" 9/ 188 (781) و"ثقات ابن حبان" 9/ 267، و"تهذيب الكمال" 6/ 32 (6930).
(6)
في هامش الأصل: ابن الهاد وهو لقبه واسمه أسامة بن عمرو بن عبد الله بن جابر، وقيل: هو أخي عمرو لقب به؛ لأنه كان يوقد النار لتهتدي إليه الأضياف.
وثمانين
(1)
، كناني ليثي، أمه: سلمى بنت عميس أخت أسماء بنت عميس، أخوات
(2)
ميمونة بنت الحارث.
وأبو بردة هو: عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس بن سليم، مات سنة ثلاث ومائة، وقيل: أربع، وقيل: قبيل موسى بن طلحة، ومات موسى سنة ست ومائة.
و (ابْنِ أَبِي أَوْفَى) هو: عبد الله بن أبي أوفى علقمة، وقيل: طعمة، آخر من مات بالكوفة من الصحابة
(3)
، أخو زيد بن أبي أوفى، صحابي أيضًا.
و (ابْنَ أَبْزى)، اسمه: عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي، مولاهم، له صحبة.
والقائل: (سَأَلْتُ ابن أَبْزى) هو محمد بن أبي المجالد الكوفي.
إذا تقرر ذلك فالوزن لا بد منه بالإجماع فيما يوزن كما أسلفناه، وفيه السلف فيما ذكره، وهو جائز بالإجماع.
فائدة:
شرط صحة السلم قبض رأس المال في المجلس عند الثوري والكوفيين والشافعي، وعند مالك إن تأخر قبل رأس المال يومين أو ثلاثة بغير شرط جاز، كما لو كان لرجل على رجل دين جاز أن يؤخر اليوم واليومين على وجه الرفق.
(1)
ورد في الأصل تحت هذِه الكلمة: في "الكاشف"، و"تهذيب النووي" سنه اثنتين، وفي "الوفيات" للذهبي كما قاله الشيخ.
(2)
ورد بهامش الأصل تحت هذِه الكلمة: وهن عشر أخوات لأم، وقيل: تسع.
(3)
في هامش الأصل: توفي سنة ست وثمانين، وأبوه صحابي، أتي النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته فصلى عليه، كما هو في البخاري ومسلم راجعه، روي له حديثان ضعفا بمرة أنهما في "مسند بقي بن مخلد".
3 - باب السَّلَمِ إِلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلٌ
2244 -
2245 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي المُجَالِدِ قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ وَأَبُو بُرْدَةَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما فَقَالَا: سَلْهُ: هَلْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُسْلِفُونَ فِي الحِنْطَةِ؟ قَالَ عَبْدُ اللهِ: كُنَّا نُسْلِفُ نَبِيطَ أَهْلِ الشَّأْمِ فِي الحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ، فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. قُلْتُ: إِلَى مَنْ كَانَ أَصْلُهُ عِنْدَهُ؟ قَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
ثُمَّ بَعَثَانِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبزى فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُسْلِفُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولَمْ نَسْأَلْهُمْ: ألَهُمْ حَرْثٌ أَمْ لا؟ [انظر: 2242، 2243 - فتح: 4/ 430]
حَدّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ بهذا وَقَالَ: فَنُسْلِفُهُمْ فِي الِحنْطَةِ وَالشَّعِيرِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ: حَدَّثَّنَا الشَّيْبَانِيُّ وَقَالَ وَالزَّيْتِ. حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الشَيْبَانِيٌّ وَقَالَ: فِي الِحنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ.
2246 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا البَخْتَرِيِّ الطَّائِيَّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ. قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ، حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ، وَحَتَّى يُوزَنَ. فَقَالَ الرَّجُلُ وَأَيُّ شَيْءٍ يُوزَنُ؟ قَالَ رَجُلٌ إِلَى جَانِبِهِ: حَتَّى يُحْرَزَ.
وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ أَبُو البَختَرِيِّ: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: نَهَى النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم. مِثْلَهُ. [2248، 2250 - مسلم: 1537 - فتح: 4/ 431]
ذكر فيه حديث محمد بن أبي المجالد السالف
(1)
وفيه: هَلْ كَانَ
(1)
السالف في الباب قبله.
أَصْحَابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي عَهْدِه يُسْلِفُونَ فِي الحِنْطَةِ؟ وقَالَ عَبْدُ اللهِ: كُنَّا نُسْلِفُ نَبِيطَ أَهْلِ الشَّأْمِ فِي الحِنْطَةِ وَالشَعِيرِ وَالزَّيْيب
(1)
، فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إلى أَجَلٍ مَعْلُومِ. قُلْتُ: إِلَى مَنْ كَانَ أَصْلُهُ عِنْدَهُ؟ قَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
وكذا قال ابن أَبْزى، وَلَمْ نَسْأَلْهُمْ: أَلَهُمْ حَرْث أَمْ لا؟ وفي رواية: وقال: "والزيت".
ورواه عن محمد هذا شعبة في الباب قبله.
وهنا الشيباني
(2)
وهو: سليمان -كما ذكره بعد في باب: السلم إلى أجل معلوم-. بن أبي سليمان: فيروز، وقيل: خاقان مولى شيبان بن ثعلبة، مات بعد الأربعين ومائة أو قبيلها.
وأبو عمرو الشيباني منسوب إلى ذهل بن شيبان بن ثعلبة، واسمه: سعد بن إياس. ورواه وكيع، عن شعبة، به، وفيه: لا ندري عند أصحابه منه شيء أم لا.
وقول البخاري: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ): هو ابن شاهين الواسطي، مات بعد الخمسين ومائتين.
وذكر فيه أيضًا عن ابن عباس أنه سئل عن السلم في النخل، فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يؤكل
(3)
منه وحتى يوزن، فقال رجل إلى جانبه: حتى يحزر.
(1)
كذا في الأصل، وكتب الناسخ عليها علامة التصحيح، وكتب في هامش الأصل (والزيت)، وأشار إلن أنها نسخة.
(2)
كتب ناسخ الأصل فوق هذِه الكلمة بالمعنى ساقه. اهـ. قلت (المحقق): يعني رواية الشيباني في الباب قبله.
(3)
في هامش الأصل: قاله الذهبي في "النبل".
وهو في مسلم أيضًا
(1)
، وقال: سألته عن بيع النخل واعترض ابن بطال، فقال: هذا الحديث ليس من هذا الباب، وإنما هو من الباب الذي بعده، وغلط فيه الناسخ
(2)
.
قلت: لم يغلط فيه، قال ابن المنير: التحقيق أنه من هذا الباب، وقلَّ من يفهم ذلك إلا مثل البخاري، ووجهه: أن ابن عباس لما سئل عن السلم إلى من له نخل في ذلك النخل، عدَّ ذلك من قبيل بيع الثمار قبل بدو صلاحها، فإذا كان السلم في النخيل لا يجوز، لم يبق في وجودها في ملك المسلَّم إليه فائدة متعلقة بالسلم، فيصير جواز السلم إلى من ليس عنده أصل، ولا يلزم سد باب السلم
(3)
، وإنما كره السلم إلى من ليس عنده أصل؛ لأنه جعله من باب الغرر. وأصل السلم أن يكون إلى من عنده مما يُسْلَم فيه أصل، إلا أنه لما وردت السنة في السلم بالصفة المعلومة والكيل والوزن والأجل المعلوم كان ذلك عامًّا فيمن عنده أصل، وفيمن ليس عنده، وجماعة الفقهاء يجيزونه إلى من ليس عنده أصل، وحجتهم حديث الباب، وهو نص فيه، وزعم أنه لا يجوز سلم من لا أصل له، وليس من شرطه عند مالك أن يكون المسلم فيه موجودًا- حال العقد خلافًا لأبي حنيفة وإنما من شرطه أن يكون موجودًا حال حلوله.
وفيه: من الفقه جواز السلم في العروض إلى من ليس عنده ما باع بالسلم، ولو كان عندما باع ما حلَّ البيع؛ لأنه بيع شيء معين لم يقبض إلى مدة طويلة، وهذا لا يجوز بإجماع كما قاله المهلب.
(1)
مسلم (1537) كتاب: البيوع، باب: النهي عن بيع الثمار.
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 367.
(3)
"المتواري" ص 251.
وفيه: مبايعة أهل الذمة والسلم إليهم، وإباحة السلم في السمن والشيرق، وما أشبه ذلك، إذ هو في معنى الزيت.
فائدة: قوله: (نبيط أهل الشام)، ويأتي:(أنباط من أنباط الشام) هم نصارى الشام الذين عمروها، قال الجوهري: نبط الماء ينبط نبوطًا
(1)
: نبع فهو نبيط للذي ينبط من قعر البئر إذا حفرت، وأنبط الحفار بلغ الماء. والاستنباط: الاستخراج والنبط والنبيط قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين، والجمع أنباط، يقال: رجل نبطي ونباطي ونباط، وحكى يعقوب: نباطي بالنون المضمومة، وقد استنبط الرجل.
فائدة ثانية: قوله: (ليحرز)، جعل الحزر وزنًا تمثيلًا له، فإن يخبر بالخرص عن مقدار، كأنه وزنه، وفائدة الخرص إذا اشتد وصلح للأكل وأمنه من العاهة أن يعلم كمية حقوق الفقراء قبل أن يأكل منه أربابه، ثم يخلى بينهم وبينه، ثم يؤخر العشر بالخرص. قال الخطابي: وقوله: (حتى يوزن) معناه: حتى يخرص
(2)
، وسماه وزنًا؛ لأن الخارص يحزرها ويقدرها، فيحل ذلك محل الوزن لها. والمعنى في النهي عن بيعها قبل الخرص شيئان:
أحدهما: تحصين الأموال، وذلك أنها في الغالب لا تأمن العاهة إلا بعد الإدراك، وهو أوان الخرص.
الثاني: أنه إذا باعها قبل بدوه على القطع سقط حقوق الفقراء؛ لأن الله سبحانه أوجب إخراجها وقت الحصاد.
(1)
"الصحاح" 3/ 1162 مادة: (نبط).
(2)
"أعلام الحديث" 2/ 1114.
4 - باب السَّلَمِ فِي النَّخْلِ
2247 -
2248 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ، فَقَالَ: نُهِيَ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ، وَعَنْ بَيْعِ الوَرِقِ نَسَاءً بِنَاجِزٍ. [انظر: 1486 - فتح: 4/ 432]
وَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ، فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ، أَوْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَحَتَّى يُوزَنَ. [انظر: 2246 - مسلم: 1537 - فتح: 4/ 432]
2249 -
2250 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ، فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَصْلُحَ، وَنَهَى عَنِ الوَرِقِ بِالذَّهَبِ نَسَاءً بِنَاجِزٍ.
وَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يُؤْكَلَ، مِنْهُ، وَحَتَّى يُوزَنَ. قُلْتُ: وما يوزن؟ قَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: حتَّى يُحرَزَ. [انظر: 2246 - مسلم: 1537 - فتح: 4/ 432]
ذكر فيه حديث عَمْرٍو، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابن عُمَرَ عَنِ السَّلَمِ في النَّخْلِ، فَقَالَ: نُهِيَ عَنْ بَيْعِ النَخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ، وَعَنْ بَيْعِ الوَرِقِ نَسَاءً بِنَاجِزٍ.
وَسَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ عَنِ السَّلَم فِي النَّخْلِ، فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ، أَوْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَحَتَّى يُوزَنَ.
وفي رواية: سألت ابن عمر عن السلم في النخل فقال: نهى عمر عن بيع التمر حتى يصلح، ونهى عن الورق بالذهب نساء بناجز، وسألت ابن عباس
(1)
قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يأكل
(1)
كتب ناسخ الأصل فوقها: ساقها من طريق آخر.
أو يؤكل، وحتى يوزن. قلت: ما يوزن؟ قال رجل عنده: حتى يحزر. حديث ابن عباس سلف
(1)
.
وعمرو هو: ابن مرة بن عبد الله المرادي الجملي الكوفي، مات سنة ست عشرة ومائة، وقيل: سنة ثماني عشرة، وكان أعمى
(2)
. وأبو البخترى: سعيد بن فيروز، أو ابن جبير أو سعد قتل في الجماجم سنة ثلاث وثمانين، وقال الهيثم: قتل يوم دحيل سنة إحدى وثمانين
(3)
.
إذا عرفت ذلك. فقد اختلف العلماء في هذا الباب فقال الكوفيون والثوري والأوزاعي: لا يجوز السلم إلا أن يكون المسلم فيه موجودًا في أيدي الناس من حين العقد إلى وقت حلول الأجل، فإن انقطع في شيء من ذلك لم يجز، وهو مذهب ابن عمر وابن عباس على ما ذكره البخاري في الباب.
وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور: يجوز السلم فيما هو معدوم من أيدي الناس، إذا كان مأمون الوجود عند حلول الأجل في الغالب، فإن كان حينئذ ينقطع لم يجز.
احتج الأولون بأنه عليه السلام نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها، وعن بيع ما لم يخلق، وقالوا: من مات فقد حل دينه، وإن لم يوجد كان غررًا، وهو فاسد، كما قال ابن القصار؛ لأنه قد يحل الأجل ويتعذر السلم بأن يموت المسلم إليه أو يفلس، ولو وجب أن يمنع السلم
(1)
سلف في الباب السابق (2246).
(2)
انظر ترجمته في "ثقات ابن حبان" 5/ 183، و"تهذيب الكمال" 22/ 232 ترجمة (4448).
(3)
انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 54 ترجمة (241)، و"تهذيب الكمال" 11/ 32 ترجمة (2342).
لجواز ما ذكروه لوجب أن لا يجوز بيع شيء نسيئة؛ لأنه قد يطرأ على المشتري الموت والفلس قبل محل الأجل، فلا يصل صاحب الحق إلى ماله، فيكون هذا غررًا، ولكنه جائز؛ لأن الناس يدخلون في وقت العقد على رجاء السلامة، ولم يكلفوا مراعاة ما يجوز أن يحدث ويجوز ألا يحدث.
ولو أسلم في شيء إلى شهر فإن وقت المطالبة بالمسلم فيه هو رأس الشهر، بدليل أن الشيء لو كان موجودًا قبل الشهر لم يكن له المطالبة ولا للمسلم إليه أن يجبره على مراعاة وجوده قبل المحل وحين العقد؛ لأن وجوده كعدمه، ولو كان المسلم فيه موجودًا طول السنة إلا يوم القبض فأسلم فيه إلى سنة، كان هذا السلم باطلًا بإجماع.
وإن كان موجودًا عند العقد وطول السنة؛ لأن حين المحل والقبض معدوم، فعلم بهذا الاعتبار بوجوده حين القبض لا حين العقد، والدليل على هذا أنهم كانوا يسلفون في عهده عليه السلام التمر في السنة والسنتين، ومعلوم أنه إذا أسلم في التمر سنة، فإنه يتخلل الأجل زمان ينقطع فيه التمر، وهو زمن الشتاء، ثم إنه عليه السلام أقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم السلف في سنة وأكثر، فثبت ما قلناه.
وأما نهيه عليه السلام عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، فهو محمول عندنا على أن بيع الثمرة عينًا لا يجوز إلا بعد بدو صلاحها، وفي السلم ليس عند العقد ثمرة موجودة عند البائع تستحق اسم البيع حقيقة، وحديث النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها مرتب على السلم، تقديره: أنه نهى عن بيعها حتى يبدو صلاحها، إلا أن يكون سلمًا: لحديث ابن عباس: أنهم كانوا يسلفون في التمر السنتين
والثلاث، وذلك بيع له قبل أن يبدو صلاحه وقبل أن يخلق، فإذا جاز
السلم في الثمرة فقد جاز في الرطب، والرطب لا يوجد في سائر السنة كما يوجد التمر، فلا معنى لقولهم.
وقال ابن التين: قول ابن عباس في السلم في النخل، وذكره، لنهي الشارع عن بيع النخل حتى يؤكل واضح، وهو الذي كان يفعله أهل المدينة أن يسلفوا في تمر نخلة بعينه، فأمرهم الشارع أن يسلفوا في كيل المعلوم، فإذا أسلم في ثمرة معينة فهو شراء، ولا يجوز إلا بعد الزهو، وجائز أن يتأخر خمسة عشر يومًا [ما]
(1)
لم ييبس؛ لضرورة الناس إلى أخذه شيئًا فشيئًا، والضرورة أباحته.
(1)
زيادة يقتضيها السياق.
5 - باب الكَفِيلِ فِي السَّلَمِ
2251 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ: اشْتَرَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ بِنَسِيئَةٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ. [انظر: 2068 - مسلم: 1603 - فتح: 4/ 433]
تقدم حديثه في باب: الشراء بالنسيئة
(1)
، وترجم عليه أيضًا.
(1)
سلف برقم (2068) كتاب: البيوع.
6 - باب الرَّهْنِ فِي السَّلَمِ
2252 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: تَذَاكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَفِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَارْتَهَنَ مِنْهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ. [انظر: 2068 - مسلم: 1603 - فتح: 4/ 433]
وقد أسلفنا هناك الكلام عليه واضحًا فراجعه منه.
7 - باب السَّلَمِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ
وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ وَالأَسْوَدُ وَالحَسَنُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا بَأْسَ فِي الطَّعَامِ المَوْصُوفِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، مَا لَمْ يَكُ ذَلِكَ فِي زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ.
2253 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ:"أَسْلِفُوا فِي الثِّمَارِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ".
وَقَالَ عبْدُ اللهِ بْنُ الوَليدِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابن أَبِي نَجِيحٍ، وَقَالَ:"فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ". [انظر: 2239 - مسلم: 1604 - فتح: 4/ 434]
2254، 2255 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبُو بُرْدَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى فَسَأَلْتُهُمَا عَنِ السَّلَفِ. فَقَالَا: كُنَّا نُصِيبُ المَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَأنَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّأْمِ فَنُسْلِفُهُمْ فِي الحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. قَالَ: قُلْتُ: أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ؟ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَرْعٌ؟ قَالَا: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ. [2242، 2243 - فتح: 4/ 434]
ثم ساق حديث ابن عباس السالف ولفظه: "أَسْلِفُوا فِي الثمَارِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ".
ثم ذكر حديث مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ، السالف وفي آخره: قُلْتُ: أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ؟ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَرْعٌ؟ قال: مَا كُنَا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
ورواية من سكت عن الوزن لا تعارض مَن صرح به؛ لأنها زيادة من ثبت، فقبلت.
وأثر ابن عباس أخرجه الشافعي، عن سفيان، عن أيوب، عن قتادة، عن أبي حسان مسلم الأعرج، عن ابن عباس قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى، أن الله أحله وأذن فيه وقرأ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ} [البقرة: 282] الآية، ورواه ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن هشام، ثنا قتادة
(1)
.
(1)
"مسند الشافعي" 2/ 171 (597)، "مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 483 (22312)، ورواه أيضًا عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 5 (14064)، والطبري في "تفسيره" 3/ 116 (6318)، والطبراني 12/ 205 (12903)، والحاكم 2/ 286، والبيهقي في "السنن" 6/ 18، 19، وفي "معرفة السنن والآثار" 8/ 183 - 184 (11568)، والحافظ في "تغليق التعليق" 3/ 276 - 277 من طرق عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال المصنف في "البدر المنير" 6/ 616: رواه البيهقي بإسناد الصحيح من حديث شعبة عن قتادة. ونقل الحافظ في "الفتح" 4/ 435 تصحيح الحاكم للحديث، وسكت عنه، والحديث صححه الألباني في "الإرواء"(1369).
وهذا الأثر سلف أن ذكره المصنف رحمه الله في شرح حديثي (2068 - 2069) فقال: قال ابن عباس: هو في كتاب الله وذكر: {إلَى أَجَل مُّسَمًى} . وهناك لم يعزه، ولم يشر أنه سيأتي معلقًا.
وأيضًا لما خرجه في "البدر المنير" 6/ 616 عزاه للبيهقي وغيره، ولم يعزه للبخاري، ولم يشر أن البخاري علقه.
وكذلك لما خرجه الألباني في "الإرواء"(1369) لم يشر أن البخاري ذكره معلقًا!
وتنبه لذلك الحافظ ابن كثير فقال في "تفسيره" 2/ 505: وقال قتادة، عن أبي حسان .. فذكره، وكأنما نقله عن الطبري، ثم قال: رواه البخاري. أما الحافظ الزيلعي فلما خرج الأثر في "نصب الراية" 4/ 44 - 45 وعزاه للحاكم والشافعي وغيرهما، وقال: ورأيت بعض مصنفي زماننا عزا هذا الحديث للبخاري، وهو غلط. اهـ. =
وأثر أبي سعيد أخرجه البيهقي من حديث نبيح العنزي عنه: السلم كما يقوم السعر ربا ولكن قيل معلوم إلى أجل معلوم
(1)
.
وأثر ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عنه
(2)
. وأخبرنا ابن أبي زائدة، عن حجاج، عن وبرة قال: قال ابن عمر: لا بأس بالسلم إذا كان في كيل معلوم إلى أجل معلوم
(3)
. ورواه ابن بكير، عن مالك، عن نافع، عن مولاه قال: يريد -والله أعلم- أن يسلفه في زرع بعينه أو ثمره بعينه، فلا يجوز؛ لأن بيع أعيان الثمار على رءوس الأشجار إنما يجوز إذا بدا فيها الصلاح.
واختلف العلماء في أجل السلم، فقال مالك والكوفيون وجمهور الفقهاء كما نقله ابن بطال عنهم أنه لا يجوز السلم الحال، ولا بد فيه من أجل معلوم
(4)
. وقد أسلفنا رواية ابن القاسم وابن عبد الحكم،
عن مالك.
= قلت: أظنه، يومئ إلى الحافظ ابن كثير. وأما الحافظ ابن حجر فلما خرجه في "تلخيص الحبير" 3/ 32 تبعًا للمصنف في "البدر المنير" وعزاه للشافعي والطبراني والحاكم والبيهقي، قال: وقد علقه البخاري.
وكذلك أورده السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 654 وعزاه للشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي. فذكر فيمن ذكر: البخاري.
(1)
"السنن الكبرى" 6/ 25 من طريق عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 7 (14072).
(2)
"المصنف" 4/ 482 (22305).
ورواه أيضًا مالك في "الموطأ" 2/ 644، وعبد الرزاق في "المصنف" 8/ 5 (14061)، والبيهقي 6/ 19 من طريق نافع به.
وفات المصنف ذكر وصل أثر الحسن وأبي الأسود- وهما في المصادر السابقة.
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 482 (22304).
(4)
"شرح ابن بطال" 6/ 372.
وقال الشافعي وأبو ثور: يجوز السلم بغير ذكر الأجل أصلًا.
وانتصر ابن بطال وقال: هذا خلاف الحديث؛ لأنه عليه السلام قال: "من أسلم" فأتى بلفظ العموم، وقد سلف جوابه، وأيضًا فإنه أحل الأجل محل الكيل والوزن، وقرنه بينهما، فلما لم يجز العقد إذا عدم صفة الكيل والوزن، فكذلك الأجل يجب اعتباره، كما لو قال: صلِّ على صفة كذا لم يجز العدول عنها
(1)
.
احتج الشافعي أن السلم بيع من البيوع، وهي تجوز بثمن معجل ومؤجل، فكذا هو، قيل: إنه ينتقض بجواز السلم في المعدوم، وهو يجوز مؤجلًا فقط، وإنما لم يجز ابن عمر السلم في زرع لم يبد صلاحه؛ لأنه سلم في عين، وحكم السلم أن لا يكون في عين معلومة، وإنما يكون في الذمة لا ينفسخ بموت أحد العاقدين في السلم، ولا بجائحة تنزل، وهذا مذهب أهل الحجاز، إلا أن مالكًا أجاز السلم في طعام بلد بعينه إذا كان الأغلب فيه أنه لا يخلف.
ولم يختلف العلماء أنه لا يجوز أن يكون السلم في قمح فدان بعينه؛ لأنه غرر، ولا يُدرى هل يتم زرعه أم لا، ويجوز عند جميعهم أن يكون السلم في زمن يكون فيه الزرع قد بدا صلاحه إذا لم يكن يعين زرعًا ما، فإن أسلم في ثمر حائط بعد طيبه أو في زرع بعدما أدرك، فعن ابن القاسم أنه كرهه، وإن مات لم يفسخ، وليس بالحرام البين، ولا يجوز عند سائر الفقهاء؛ لأنه كبيع عين اشترط فيها تأخير القبض، وهو لا يجوز؛ لأنه من شرط البيع تسليم المبيع.
وفي قوله: ("أسلموا فِي الثِّمَارِ") إجازة السلم في الثمار كلها؛
(1)
السابق.
لعموم لفظه، وهو قول ابن عمر: لا بأس بالسلم في الطعام بسعر معلوم، فإن العلماء اختلفوا في رأس مال السلم، فقال مالك: لو أسلم إليه عروضًا أو تبرًا أو فضة مكسورة جزافًا، صح السلم، ولا يجوز أن يسلم إليه دينارًا أو دراهم فرق بين التبر والدراهم والدنانير؛ لأن التبر بمنزلة الثوب والسلعة عنده.
وقال أبو حنيفة: لا يسلم إليه تبرٌ جزافًا، ولا شيء مما يكال أو يوزن جزافًا، وهو أحد قولي الشافعي. وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز أن يسلم إليه الدراهم والدنانير، وكل ما يكال أو يوزن جزافًا، وهو
الأظهر من قولي الشافعي، كثمن المبيع، ووجه مقابله أنه قد ينقطع، ويكون رأس المال تالفًا، فلا يدرى بم يرجع؟!
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 6/ 372 - 373 بتصرف يسير.
8 - باب السَّلَمِ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ
2256 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الجَزُورَ إِلَى حَبَلِ الحَبَلَةِ، فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ. فَسَّرَهُ نَافِعٌ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا. [انظر: 2143 - مسلم: 1514 - فتح: 4/ 435]
ذكر فيه حديث نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الجَزُورَ إِلَى حَبَلِ الحَبَلَةِ، فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ. فَسَّرَهُ نَافِعٌ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا في بَطْنِهَا.
وقد سلف تفسير ذلك. والإجماع قائم على بطلان هذا السلم؛ لأنه أجل مجهول، والشارع إنما أجازه إلى أجل معلوم.
واختلفوا فيمن باع إلى الحصاد، أو الجذاذ، أو إلى العطاء، أو إلى عيد النصارى:
فقالت طائفة البيع جائز، وكذا لو باع إلى رجوع الحاج. وأجاز ذلك كله أبو ثور، وقال مالك: من باع إلى الحصاد، أو إلى الجذاذ فهو جائز؛ لأنه معروف، وبه قال أحمد، قال: وكذلك إلى قدوم الغزاة. وروي عن ابن عمر أنه كان يشتري إلى العطاء، وعن القاسم بن محمد مثله، وقال الأوزاعي: إن باع إلى فصح النصارى أو صومهم فذلك جائز، وإن باع إلى الأندر والعصير فهو مكروه؛ لتفاوت ما بين أول الأندر وآخره. وقالت طائفة: لا يجوز السلم إلى العصير والحصاد والدراس، هذا قول ابن عباس، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، واحتجوا بأن الله جعل المواقيت بالأهلة قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} [البقرة: 189] وفيها قول رابع: أن البيع إلى العطاء جائز، والمال حلال، وهو قول ابن أبي ليلى، ومن باع إلى أجل غير معلوم فالبيع فاسد استدلالًا بحديث الباب.
وحجة مالك أن المقصود بالحصاد وجذاذ النخل: الأوقات، فهي أوقات معلومة عند أهل المعرفة بها، سواء تقدمت أفعال الناس لها أو تأخرت
(1)
(2)
.
(1)
نقله جميعه عن ابن بطال في "شرحه" 6/ 374 - 375 وعزاه ابن بطال فيه إلى ابن المنذر.
(2)
في هامش الأصل: آخر
…
من
…
من تجزئة المصنف.
وفي الحاشية اليسرى: ثم بلغ في الحادي والستين كتبه مؤلفه.