المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌59 - بَدْءُ الخَلْقِ بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌1 - باب مَا - التوضيح لشرح الجامع الصحيح - جـ ١٩

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

‌59 - بَدْءُ الخَلْقِ

بسم الله الرحمن الرحيم

‌1 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَهُوَ الذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27]

قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ وَالْحَسَنُ: كُلٌّ عَلَيْهِ هَيِّنٌ. هَيْنٌ وَهَيِّنٌ مِثْلُ: لَيْنٍ وَلَيِّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ، وَضَيْقٍ وَضَيِّقٍ. {أَفَعَيِينَا} [ق: 15] أَفَأَعْيَا عَلَيْنَا حِينَ أَنْشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ خَلْقَكُمْ، اللُغُوبٌ:[فاطر:35] النَّصَبُ. {أَطْوَارًا} [نوح:14] طَوْرًا كَذَا، وَطَوْرًا كَذَا، عَدَا طَوْرَهُ أَيْ: قَدْرَهُ.

3190 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا بَنِي تَمِيمٍ، أَبْشِرُوا» . قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا. فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ، فَقَالَ:«يَا أَهْلَ اليَمَنِ، اقْبَلُوا البُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَبِلْنَا. فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ بَدْءَ الخَلْقِ وَالْعَرْشِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ،

ص: 9

رَاحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ، لَيْتَنِي لَمْ أَقُمْ. [3191، 4265، 4386، 7418 - فتح 6/ 286]

3191 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ:«اقْبَلُوا البُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا. مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ فَقَالَ:«اقْبَلُوا البُشْرَى يَا أَهْلَ اليَمَنِ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالُوا: جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ قَالَ: «كَانَ الله وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» . فَنَادَى مُنَادٍ: ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يَا ابْنَ الحُصَيْنِ. فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا هِيَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ، فَوَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا. [انظر: 3190 - فتح 6/ 286]

3192 -

وَرَوَى عِيسَى، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ. [فتح 6/ 286]

3193 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُرَاهُ: «يَقُولُ الله: شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي، وَتَكَذَّبَنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ، أَمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ: إِنَّ لِي وَلَدًا. وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ: لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي» . [4974، 4975 - فتح 6/ 287]

3194 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا قَضَى الله الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي» . [7404، 7422،7453، 7553،7554 - مسلم: 2751 - فتح 6/ 287]

ص: 10

الشرح:

هذا الكتاب وما بعده من ذكر الأنبياء والسير والتفسير إلى النكاح لم أره في كتاب ابن بطال رأسًا، وإنما عقب هذا بالعقيقة وما شاكلها.

وما أدري لم فعل ذلك وقد حذف نحو ربع الصحيح.

قال ابن الأعرابي: العرب تمدح بالهين اللين مخففًا، وتذم بهما مثقلًا. وفي معنى:{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] أقوال: أحسنها -وهو قول قتادة- أن معنى {أَهْوَنُ} هين، ومنه الله أكبر أي: كبير

(1)

.

وقال ابن عباس: {أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أي: على المخلوق؛ لأنه ابتدأ جعله نطفة ثم علقة ثم مضغة، والإعادة، يقول له: كن فيكون، فهو أهون على المخلوق

(2)

، وقال مجاهد وغيره: كل عليه هين، والإعادة أهون عليه

(3)

أي: أهون عندكم فيما تعرفون على التمثيل وبعده {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} في قراءة عبد الله: (وهو عليه هين)

(4)

.

وما ذكره في قوله: {أَفَعَيِينَا} اعترض ابن التين فقال: الذي قاله أهل اللغة والمفسرون {أَفَعَيِينَا} : عييت بالأمر إذا لم أعرف وجهه.

(1)

"تفسير الطبري" 10/ 180 (27944).

(2)

حكاه الفراء في "معاني القرآن" 2/ 324، وقال الحافظ في "الفتح" 6/ 287: لا يثبت عن ابن عباس، بل هو من تفسير الكلبي اهـ. وهي أوهى الطرق عن ابن عباس في "التفسير". والكلبي اتهم بالتشيع وترك حديثه جماعة.

انظر "الكامل" لابن عدي 7/ 273 (1626).

(3)

رواه الطبري عن مجاهد وعكرمة وقتادة 10/ 179 - 180 (27941 - 27944) وحكاه الفراء عن مجاهد 2/ 323.

(4)

"تفسير عبد الرزاق" 2/ 85 (2274) وذكره النحاس في "معاني القرآن" 5/ 256، ونسب ابن الجوزي هذِه القراءة إلى أبي بن كعب، وأبو عمران الجوني وجعفر بن محمد. "زاد المسير" 6/ 298.

ص: 11

وقال الزجاج: في هذِه الآية الكريمة غير قول -أعني الأولى- فمنها أن الهاء تعود على الخلق.

والمعنى: الإعادة والبعث أهون على الإنسان من إنشائه؛ لأنه يقاسي في النشئ ما لا يقاسي في البعث والإعادة.

وقال أبو عبيدة وكثير من أهل اللغة: إن معناه: وهو هين عليه. أي: كله هين عليه، قال:{أَهْوَنُ} هنا ليس على بابها، وإنما معناه هين، وهذا سلف.

قال: وأحسن منهما أنه خاطب عباده مما يعقلون، وأعلمهم أنه يجب عندهم أن يكون البعث أسهل وأهون من الابتداء والإنشاء، وجعله مثلًا لهم فقال:{وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [الروم: 27] أي: قوله {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} فضربه لهم مثلًا فيما يصعب ويسهل

(1)

.

وقوله: (اللغوب: النصب) هو: الإعياء

(2)

، وهذا كذب الله به اليهود لما قالوا: فرغ الله من الخلق يوم الجمعة واستراح يوم السبت، فأعلم الله أنه لم يمسه تعب

(3)

.

قال الداودي: و (اللُغُوب) بالنصب والضم.

قال ابن التين: وما رأيت من ذكر فيه نصب اللام، وإنما اللغوب الأحمق.

(1)

"زاد المسير" 6/ 297 - 298.

(2)

"تفسير الطبرى" 10/ 417 (29022)، وابن أبي حاتم 10/ 3184 (18002) عن ابن عباس.

(3)

"تفسير الطبري" 11/ 434 (31965) عن قتادة.

ص: 12

وقوله: ({أَطْوَارًا}: طورًا كذا، وطورًا كذا) قال ابن عباس: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، وقاله مجاهد

(1)

، وقيل: اختلاف المناظر والصحة والسقم من قولهم: جاز فلان طوره. أي خالف ما يجب أن يستعمله.

وقيل: أصنافا في ألوانكم ولغاتكم، وهو نحو الثاني، والأول أولى؛ لأن الطور في اللغة المرة، فالمعنى خلقكم مرارًا من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة

(2)

.

ثم ساق البخاري أحاديث أربعة:

أحدها:

حديث عِمْرَانَ بْنِ الحُصَيْنٍ قَالَ: جَاءَ نَفَر مِنْ بَنِي تَمِيمِ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"يَا بَنِي تَمِيمٍ، أَبْشِرُوا". فقَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنًا. فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَجَاءَهُ أَهْلُ اليَمَنِ، فَقَالَ:"يَا أَهْلَ اليَمَنِ، اقْبَلُوا البُشْرى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمِ". قَالُوا: قَبِلْنَا. فَأَخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحَدِّثُ عن بَدْءِ الخَلْقِ وَالْعَرْشِ، فَجَاءً رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ، رَاحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ. لَيْتَنِي لَمْ أَقُمْ.

ثم رواه من حديث عِمْرَانَ أيضًا وقال بعد قوله: "إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيم". قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالُوا: جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ هذا الأَمْرِ. قَالَ: "كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كلَّ شَيء، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ". فَنَادى مُنَادٍ: ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يَا ابن الحُصَيْنِ. فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا هِيَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ، فَوَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 251 (35012 - 35013) ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 255 عن قتادة.

(2)

ذكرها الماوردي في "تفسيره" 6/ 102، وابن الجوزي 8/ 371.

ص: 13

الشرح:

هذا الحديث يأتي في المغازي في (

)

(1)

وفي التوحيد

(2)

.

وقوله: ("أَبْشِرُوا") يريد ما يجازى به المسلمون وما تصير إليهم عاقبتهم.

وقوله: ("اقْبَلُوا البُشْرى") كذا روي عند الجماعة فيما حكاه عياض بباء موحدة ثم شين معجمة، إلا الأصيلي فإنه عنده بياء مثناة تحت ثم سين مهملة، والصواب الأول

(3)

. وجواب بني تميم يدل عليه. وكان قدوم بني تميم سنة تسع من الهجرة

(4)

.

والقائل: (فأعطنا) قيل: الأقرع بن حابس، كان فيه بعض أخلاق البادية.

وروي أنه حين رد النبي صلى الله عليه وسلم سبي هوازن قال الأقرع وعيينة: لا يطيب ذلك، وأنهما أخذا حظهما من ذلك، فوقع لأحدهما جمل أجرب، ويقال: إنه كان فيمن نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات.

وفي كتاب المغازي: قال أبو موسى: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه بلال، فأتاه أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟! فقال له: "أبشر" فقال: أكثرت عليَّ من البشرى [فأقبل]

(5)

عليَّ وعلى بلال كهيئة الغضبان، فقال:"رد البشرى، فاقبلاها" فقالا: قبلنا

(6)

.

(1)

كلمة غير واضحة بالأصل، والعبارة ساقطة من (ص 1).

(2)

يأتي برقم (4365)، وبرقم (7418).

(3)

"مشارق الأنوار" 1/ 102.

(4)

سمي هذا العام بعام الوفود. انظر "سيرة ابن هشام" 4/ 222.

(5)

زيادة ليست في الأصول: وأثبتناها من "الصحيح".

(6)

سيأتي برقم (4328) باب: غزوة الطائف.

ص: 14

وسبب غضبه لعله علم أولئك؛ لأنهم علقوا آمالهم بعاجل الدنيا دون الآخرة، نبه عليه ابن الجوزي.

والقائل (نسألك عن هذا الأمر): الأشعريون.

وقوله: (كان الله) إلى آخره، قال سعيد بن جبير: سألت ابن عباس على أي شيء كان الماء ولم يخلق سماء ولا أرضًا. فقال: على متن الريح

(1)

. وذلك أن الله أول ما خلق اللوح والقلم والدواة، فقال للقلم: اكتب ما يكون، فكتب ذلك في الذكر، وهو اللوح المحفوظ.

وقيل: أول ما خلق الله القلم. وقيل: الدواة، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم خلق نون وبسط الأرض عليه فمادت، فخلق الجبال

(2)

.

وقرأ ابن عباس: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)}

(3)

[القلم: 1] وكان خلق الأرض في يومين، ثم كان بين الدخان دخان، فخلق منه السماوات السبع في يومين، ثم دحى بعد ذلك الأرض وأنبت فيها أشجارها، وفجر أنهارها، وقدر معايشها، ووقت أقواتها فمادت. فقالت الملائكة: ما هي مستقرة لأهلها، فأصبحوا وقد أرست عليها الجبال، وكان ذلك كله في يومين، وذلك من قوله تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [يونس: 3] وقوله: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] وقوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)} الآية [النازعات: 30].

(1)

رواه عبد الرزاق 5/ 90 (9089)، وفي "تفسيره" 1/ 264 (1185)، ورواه الطبري في "التفسير" 7/ 6 (17998) والنحاس في "معاني القرآن" 3/ 332، والحاكم 2/ 337 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

(2)

رواه الطبري 12/ 175 (34528) والبغوي في "تفسيره" 8/ 185.

(3)

"مختصر شواذ القرآن" لابن خالويه ص 160، و"زاد المسير" 8/ 326، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 18/ 223.

ص: 15

وروى الطبري

(1)

في "تاريخه" عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعًا: "أول ما خلق الله تعالى القلم"

(2)

. وعن ابن إسحاق: أول ما خلق الله النور والظلمة، ثم ميز بينهما، فجعل الظلمة ليلاً أسود مظلمًا، وجعل النور نهارًا أبيض مبصرًا.

قال أبو جعفر: وأولى ذلك بالصواب عندي قول من قال: القلم، ثم خلق سحابًا رقيقًا

(3)

وهو الغمام، ثم العرش. وقيل: خلق الماء قبل العرش.

فصل:

عن المهلب: أن السؤل عن مبادئ الأشياء والبحث عنها جائز شرعًا، وللعالم أن يجيب عنها مما يعلم، فإن خشي من السائل اتهام شك أو تقصير فهم فلا يجبه، ولينهه عن ذلك ويزجره.

الحديث الثاني:

قال البخاري: وَرَوى عِيسَى، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِينَا مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ.

هكذا في النسخ كلها كما قال الجياني

(4)

.

وعيسى هذا هو ابن موسى البخاري غنجار لحمرة خديه، مات سنة

(1)

ورد في هامش الأصل: يعني محمد بن جعفر الطبري، والله أعلم.

(2)

"تاريخ الطبري" 1/ 29.

(3)

"تاريخ الطبري" 1/ 31.

(4)

"تقييد المهمل" 2/ 645.

ص: 16

ست أو سبع وثمانين ومائة

(1)

، سقط بينه وبين رقبة أبو حمزة السكري محمد بن ميمون عن رقبة بن مصقلة العبدي الكوفي أي: عبد الله، كذا بخط الدمياطي، وهو كما قال.

وقال أبو مسعود الدمشقي: إنما رواه عيسى -يعني: ابن موسى غنجار- يحدث عن أبي حمزة، عن رقبة بن مصقلة.

وفي "مستخرج أبي نعيم": حدثنا أبو إسحاق، حدثنا محمد بن المسيب، حدثنا النضر بن سلمة، ثنا أحمد بن أيوب الضبي، ثنا أبو حمزة، عن رقبة بلفظ: فأخبرنا بأهل الجنة وما يعملون، وبأهل النار وما يعملون.

تم قال: ذكره البخاري بلا رواية عن أبي حمزة ولأبي حمزة، عن رقبة (نسخة)

(2)

ولا يعرف لعيسى عن رقبة نفسه شيء، وقد روى إسحاق بن حمزة البخاري، عن غنجاز هذا عن أبي حمزة، عن رقبة بن مصقلة (نسخة)

(3)

.

وقال خلف: قال ابن الفلكي: ينبغي أن يكون بين عيسى ورقبة أبو حمزة.

وقال أبو العباس الطرقي: إنما يروي عيسى عن أبي حمزة، عن رقبة.

وفيه: أعلام نبوته وإخباره المغيبات.

(1)

انظر ترجمته في "الثقات" 8/ 492، "الجرح والتعديل" 6/ 285 (1586) و"تهذيب الكمال" 23/ 37 (4662).

(2)

في (ص 1): شيخه.

(3)

في (ص 1): شيخه.

ص: 17

الحديث الثالث:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُرَاهُ: "يَقُولُ اللهُ: يشتمني ابن آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي، ويكَذِّبَنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ، أَمَّا شَتْمُهُ إياي فَقَوْلُهُ: إِنَّ لِي وَلَدًا. وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ: لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي".

وهذا الحديث ذكره في تفسير سورة البقرة أيضًا

(1)

كما ستعلمه، وفي إسناده أبو أحمد واسمه محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأزدي، وقيل: الأسدي الزبيري نسبة إلى جده، مات بالأهواز في جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين

(2)

. عن سفيان بن سعيد، وهو الثوري.

الحديث الرابع:

عنه أيضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا قَضَى اللهُ الخَلْقَ كَتَبَ فِي كتَابِهِ، فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي".

وفيه: مغيرة بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن خالد بن حزام، كان عالمًا بالنسب (

)

(3)

وابنه عبد الرحمن من فقهاء المدينة، وعمه المغيرة بن عبد الله عامل ابن الزبير على اليمن.

قال الخطابي: يريد بقوله: "لَمَّا قَضَى اللهُ الخَلْقَ" لما خلقهم. قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] أي: خلقهن. وكل صنعة وقعت في شيء على سبيل إتقان وإحكام قضاء

(4)

.

(1)

سيأتي برقم (4974 - 4975) باب: قوله: {الله الصَّمَدُ (2)} .

(2)

انظر ترجمته في "طبقات ابن سعد" 6/ 402، "تاريخ البخاري الكبير" 1/ 133 (400)، "تهذيب الكمال" 5/ 476 (5343).

(3)

كلمتان غير واضحتين بالأصول.

(4)

"أعلام الحديث" 2/ 1471.

ص: 18

وقال ابن عرفة: قضاء الشيء: إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه، وبه سمي القاضي؛ لأنه إذا حكم فقد فرغ ما بين الخصمين.

وقوله: ("فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ") قيل: معناه دون العرش استعطافًا أن يكون شيء من المخلوقات فوق العرش. واحتج قائله بقوله تعالى: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] أي: فما دونها

(1)

.

والذي قاله المحققون في تأويل الآية قولان: أنه أراد بـ {مَا فَوْقَهَا} في الصغر؛ لأن المطلوب هنا والغرض الصغر أي أن فوق تزاد في الكلام وتلغى كقوله: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] وكقوله: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11].

وأجمعوا أن الاثنتين كافية في ذلك، فلم يك بحرف (فوق)

(2)

فيه أثر.

وهذا أيضًا لا يتوجه في معنى الحديث؛ لأنك إذا نزعت منه هذا الحرف وألغيته لم يصح معنى الكلام؛ لأنه لا يجوز أن تقول: فهو عنده العرش، كما لا يصلح أن يقال: فإن كن نساءً اثنتين.

والقول فيه -والله أعلم- أنه أراد بالكتاب أحد شيئين: إما اللفظ الذي قضاه وأوجبه كقوله: {كَتَبَ الله لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} المجادلة: 21] أي: قضى الله وأوجب. ويكون معنى قوله: "فَوْقَ العَرْشِ" أي: علم ذلك عند الله فوق العرش لا ينسخ ولا يبدل كقوله: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52] وإما أن يراد بالكتاب:

(1)

هذا قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 35 وانظر الأقوال في هذِه الآية في "زاد المسير" 1/ 55، وذكر ابن الأنباري أن (فوق) من الأضداد فهي بمعنى أعظم كقولك: هذا فوق فلان في العلم. وتأتي بمعنى دون كقولك: إن فلانًا لقصير وفوق القصير. انظر "الأضداد" ص 250 (153).

(2)

من (ص 1).

ص: 19

اللوح المحفوظ

(1)

الذي فيه ذكر أصناف الخلق والخليقة، وذكر آجالهم وأرزاقهم ومآل عواقب أمورهم، ويكون المعنى: فذكره عنده فوق العرش، ويضمر فيه الذكر أو العلم.

وكل ذلك جائز في الكلام على أن العرش مخلوق، ولا يستحيل أن يمسه كتاب مخلوق، فإن الملائكة حملة العرش روي أن العرش على كواهلهم، وليس بمستحيل أن يمسوه إذا حملوه، وإن كان حامل العرش وحامل حملته الرب جل جلاله. وليس معنى قولهم: الله على العرش أنه ماس له، ولا متحيز في جهة منه، وإنما هو خبر جاء به التوقيف فقلنا به ونفينا عنه التكييف، إذ ليس كمثله شيء، نبه على ذلك ابن التين، قال: وإنما اختص هذا بالذكر وإن كان القلم كتب كل شيء لما فيه من الرجاء، فمن علم أنه تقبل هداه دخل في هذا، ومن أبى عاقبه وختم على سمعه وقلبه.

(1)

اختار هذا القول البغوي في "تفسيره" 5/ 277، وابن الجوزي 5/ 292.

ص: 20

‌2 - باب مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِيَنَ

وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {الله الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} الآية [الطلاق: 12]{وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)} [الطور: 5]: السَّمَاءُ. {سَمْكَهَا} : بِنَاءَهَا، {الْحُبُكِ} [الذاريات: 7]: اسْتِوَاؤُهَا وَحُسْنُهَا {وَأَذِنَتْ} : سمِعَتْ وَأَطَاعَتْ. {وَأَلْقَتْ} [الانشقاق: 4]: أَخْرَجَتْ {مَا فِيهَا} [الانشقاق: 4]: مِنَ المَوْتَى، {وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق: 4]: عَنْهُمْ. {طَحَاهَا} [الشمس: 6]: دَحَاهَا.

{بِالسَّاهِرَةِ} وَجْهُ الأَرْضِ؛ كَانَ فِيهَا الحَيَوَانُ نَوْمُهُمْ وَسَهَرُهُمْ.

3195 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» . [انظر: 2453 - مسلم: 1612 - فتح 6/ 292]

3196 -

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ» . [انظر: 2454 - فتح 6/ 292]

3197 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» . [انظر: 67 - مسلم: 1679 - فتح 6/ 293]

3198 -

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّهُ خَاصَمَتْهُ أَرْوَى فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أَنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا

ص: 21

إِلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أَنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا؟! أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» . قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2452 - مسلم: 1610 - فتح 6/ 293]

الشرح:

قوله: ({وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}) قيل

(1)

: بين كل أرضين خمسمائة عام

(2)

، وهي سبع أرضين لا سبعة أقاليم، وكذلك بين كل سمائين.

وحديث الباب: "يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" قال الداودي: فيه دلالة على أن الأرضين بعضها على بعض ليس بينهما فرجة.

وقال مجاهد: {يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق: 12] بين السماوات السبع إلى الأرضين السبع

(3)

.

وقال الحسن: بين كل سماء خلق وأمر

(4)

(5)

.

(1)

بهامش الأصل: هو في الترمذي في تفسير الحديد، وفي الحديث:"هل تدرون ما تحتكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"إنها أرض أخرى ببنهما مسيرة خمسمائة سنة" حتى عد سبع أرضين مسيرة خمسمائة سنة. قال: ويروى عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة. انتهى.

(2)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 10/ 336 أو الحاكم في "المستدرك" 4/ 594. عن ابن عمر وقال: صحيح ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي فقال: الحديث منكر.

(3)

"تفسير مجاهد" 2/ 682، والطبري 12/ 146 (34381).

(4)

عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 364 لعبد بن حميد.

(5)

بهامش الأصل: حديث المزن الحديث المذكور في الأصيلي، رواه عنه سماك بن حرب، ورواه عن سماك الوليد بن أبي ثور وجماعة، ورواه أيضًا يحيى بن العلاء، وهو واه عن عمه شعيب بن خالد عن سماك، والله أعلم. الحديث في الترمذي وأبي داود وابن ماجه، أبو داود في السنة، والترمذي في التفسير، وابن ماجه في السنة. قال الترمذي: حسن غريب. وروى شريك بعض هذا الحديث عن سماك ووقفه. انتهى.

ص: 22

وروى البيهقي عن أبي الضحى مسلم، عن ابن عباس أنه قال:{الله الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] قال: سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى

(1)

.

ثم قال: إسناد هذا الحديث عن ابن عباس صحيح، وهو شاذ، لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعًا.

وفي سنن ابن ماجه

(2)

: أن ما بين السماء والأرض مسيرة ثلاثة وسبعين سنة أو نحوها، وكذا بين كل سماء وسماء

(3)

.

وقال الجورقاني: إنه حديث صحيح.

وهذا موافق لما دل عليه علم الهيئة بأن ما بين السماء والأرض ثمانين سنة، مسافة كل يوم منها ثلاثون ميلًا إذا صعدت على استواء.

وما يذكره الناس أن بينهما خمسمائة عام

(4)

لا دليل عليه.

(1)

"الأسماء والصفات"(799).

(2)

ورد بهامش الأصل: حديث ابن ماجه في سنده عبد الله بن عميرة وفيه جهالة، عن الأحنف بن قيس قال: ولا يعرف له سماع عن الأحنف أو عن أحدهما.

(3)

ابن ماجه (193) وما ساقه هنا هو المعنى وقد ضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(34).

(4)

ورد بهامش الأصل: قوله: (وما يذكره الناس

إلى آخره) فيه نظر ففي الترمذي في باب صفة جهنم أن بين سماء الدنيا والأرض خمسمائة عام في حديث الرصاصة وقال الترمذي: حسن. وفي تفسير سورة الحديد كذلك، وقال: غريب. قال: ويروى عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة، قال شيخنا العراقي: ورواه أبو الشيخ في كتاب "العظمة" من رواية أبي نضرة عن أبي ذر، ورجاله ثقات، إلا أنه لا يعرف لأبي نضرة سماع عن أبي ذر. اهـ. وفي "المستدرك" في تفسير سورة آل عمران، من حديث العباس مرفوعًا، قال: "بينهما خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى السماء التي تليها خمسمائة سنة، وكثف =

ص: 23

وقد بسطت الكلام على ذلك في "شرح العمدة" فراجعه منه في الكلام على الخطبة

(1)

.

و ({سَمْكَهَا}) بفتح السين كما فسره

(2)

.

و ({الْحُبُكِ}) قد فسره

(3)

. وقيل: ذات الطرائق، الواحدة: حبيكة، مثل طريقة وطرق، وقيل: الواحد: حباك كمثال ومثل

(4)

.

وقال مجاهد: ذات البنيان

(5)

. وقال الحسن: ذات النجوم

(6)

. والأقوال متقاربة؛ لأن ذلك كله من زينتها وحسنها.

وقيل: ({الْحُبُكِ}): الطرائق التي تكون في السماء من آثار الغيم.

ومعنى ({أَذِنَتْ}): سمعت وقبلت

(7)

، ومنه: "ما أذن الله لنبي كإذنه

= كل سماء خمسمائة سنة" قال الحاكم: صحيح، وتعقبه الذهبي بيحيى بن العلاء وقال: واهٍ. وقد ذكر المؤلف عدة أحاديث في أول القدر من هذا الشرح في كل واحد منها أنه بين السماء والأرض خمسمائة عام، وذكر الحديث الذي في ابن ماجه ولم يمل إليه ولا رجح شيئًا فاعلمه.

(1)

"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 96 - 97.

(2)

وهو تفسير ابن عباس كما رواه الطبري 12/ 436 (36283) وابن أبي حاتم 10/ 3398 (19123).

(3)

وهو تفسير ابن عباس كما رواه الطبري 11/ 445 (32041) وابن أبي حاتم 10/ 3311 (18650) وأيضا مروي عن سعيد بن جبير كما في "تفسير الطبري" بعد قول ابن عباس.

(4)

روى الطبري 11/ 446 (32055) نحوه عن الضحاك.

(5)

روى الطبري 11/ 446 (32054) عن مجاهد وانظر "تفسير مجاهد" 2/ 616.

(6)

رواه الطبري 11/ 446 (32044، 32046).

(7)

رواه الطبرى 12/ 504. 505 عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد وقتادة والضحاك. وانظر "تفسير مجاهد" 2/ 741، و"تفسير ابن أبي حاتم" 10/ 3411 (19191)

ص: 24

لنبي يتغنى بالقرآن"

(1)

.

وقوله: ({طَحَاهَا}): دحاها هو قول مجاهد

(2)

.

قال أبو عبيدة: أي: بسطها يمينًا وشمالًا من كل جانب

(3)

.

وما فسر به {بِالسَّاهِرَةِ} من كونها وجه الأرض هو قول مجاهد أي: كانوا في سفلاها فحملوا في أعلاها

(4)

.

وقيل: السَّاهِرَةِ: أرض القيامة.

وقال ابن عباس: إنها الأرض

(5)

.

ذكر البخاري في الباب أربعة أحاديث:

أحدها: حديث أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَاس خُصومَةٌ فِي أَرْضٍ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ، قَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ، اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ".

ثانيها: حديث سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَخَذَ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ".

(1)

سيأتي برقم (5023، 5024) كتاب: فضائل القرآن، باب: من لم يتغنَ بالقرآن، ومسلم (792) كتاب صلاة المسافرين، باب: استحباب تحسين الصوت بالقرآن. من حديث أبي هريرة.

(2)

رواه الطبري 12/ 601 (37375)، "وتفسير مجاهد" 2/ 763.

(3)

"مجاز القرآن" 2/ 300.

(4)

عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 512 إلى عبد بن حميد، وجاء في "تفسير مجاهد" {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)} قال: بالمكان المستوي 2/ 727.

ورواه الطبري 12/ 429 - 430 عن عكرمة، والحسن، والضحاك.

(5)

الطبري 12/ 429 (36233).

ص: 25

ثالثها: حديث أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاَثةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الذِي بَيْنَ جُمَادى وَشَعْبَانَ".

رابعها: حديث هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّهُ خَاصَمَتْهُ أَرْوى فِي حَق زَعَمَتْ أَنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا إِلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أَنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا؟! أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ". قَالَ ابن أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وحديث عائشة، وابن عمر، وسعيد بن زيد تقدموا في المظالم

(1)

، وحديث أبي بكرة سلف في العلم والحج ويأتي في التفسير أيضًا

(2)

، وسلف خطبته في الحج.

وقوله: ("وخُسِفَ بِهِ") أي: هوي به إلى أسفلها كما هوي بقارون.

وأما قول البخاري: (قال ابن أبي الزناد .. ) إلى آخره، ففائدته تصريح عروة بسماعه إياه من زيد.

(1)

سلفت الأحاديث على الترتيب (2453، 2454، 2452).

(2)

سلف برقم (67) و (1741) وسيأتي برقم (4662).

ص: 26

‌3 - باب فِي النُّجُومِ

وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5]: خَلَقَ هذِه النُّجُومَ لِثَلَاثٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدى بِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَخْطَأَ وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ:{هَشِيمًا} [الكهف: 45]: مُتَغَيِّرًا. وَالأَبُّ: مَا يَأْكُلُ الأَنْعَامُ، الأَنَامُ: الخَلْقُ {بَرْزَخٌ} [المؤمنون: 100]، حَاجِز. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{أَلْفَاَفًا} [النبأ: 16]،: مُلْتَفَّةً. وَالْغُلْبُ: المُلْتَفَّةُ {فِرَاشًا} [البقرة: 22]: مِهَادًا كَقَوْلِهِ: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} [البقرة: 36، الأعراف: 24]{نَكِدًا} [الأعراف: 58]: قَلِيلًا.

الشرح:

تعليق قتادة أخرجه عبد بن حميد في "تفسيره"، عن يونس، عن سفيان، عنه بلفظ: فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال رأيه

(1)

.

قال الداودي: وهو قول حسن إلا قوله: أخطأ وأضاع نصيبه. مقصر فيه، بل من قال فيها بالعصبية كافر.

وفي "ذم النجوم" للخطيب البغدادي من حديث إسماعيل بن عياش، عن البختري بن عبيد، عن أبيه، عن أبي ذر، عن عمر مرفوعًا:"لا تسألوا عن النجوم"

(2)

.

(1)

رواه الطبري 7/ 572 (21549) عن بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة. وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 328 إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير الطبري وابن المنذر وأبي الشيخ والخطيب في كتاب "النجوم".

(2)

ذكره الديلمي في "الفردوس" 5/ 64 (7470).

ص: 27

ومن حديث عبيد الله بن موسى، عن الربيع بن حبيب، عن نوفل بن عبد الملك، عن أبيه، عن علي:(نهى)

(1)

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم

(2)

.

وعن أبي هريرة

(3)

وعائشة وابن مسعود

(4)

وابن عباس

(5)

نحوه.

وعن الحسن أن قيصر سأل قس بن ساعدة الأيادي: هل نظرت في النجوم؟ قال: نعم نظرت فيما يراد به الهداية، ولم أنظر فيما يراد به الكهانة.

(1)

في (ص 1): نهاني.

(2)

رواه العقيلي 2/ 50 ترجمة (480)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 41 - 42 ترجمة (653) كلاهما عن عبيد الله بن موسى عن الربيع بن حبيب عن نوفل، عن أبيه، عن على

الحديث. الربيع بن حبيب قال أحمد: حدث عنه عبيد الله أحاديث مناكير. وعن البخاري قال: ربيع بن حبيب عن نوفل: منكر الحديث ومن حديثه ثم ذكر الحديث.

وقال النسائي: منكر الحديث. وقال ابن عدي بعد أن ساق عدة أحاديث له: ليست بالمحفوظة ولا تروى إلا عن هذا الطريق.

(3)

رواه العقيلي 3/ 353 وابن حبان في "المجروحين" 2/ 199 وقال في ترجمة عقبة بن عبد الله الأصم: كان ممن ينفرد بالمناكير عن الثقات المشاهير. والطبراني في "الأوسط" 8/ 131 (8182) والبيهقي في "شعب الإيمان" 4/ 306 (5198) وابن عساكر 41/ 280 وقال الهيثمي في "المجمع" 5/ 200: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه عقبة بن عبد الله الأصم، وهو ضعيف، وذكر عن أحمد أنه وثقه، وأنكر أبو حاتم عليه هذا الحديث.

(4)

رواه الطبراني 10/ 198 (15448) وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 180.

وصححه الألباني في "الصحيحة"(34) بشواهده ولفظه: "إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا".

وفي الباب عن سمرة بن جندب، وأبي مالك الأشعري وأبي أمامة.

(5)

رواه ابن حبان في "الثقات" 8/ 3 ترجمة (12021) وذكره ابن حجر في "لسان الميزان" 4/ 462 ترجمة قاسم بن عبد الرحمن الأنصاري وقال: قال يحيى: ضعيف جدًّا ولفظه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن النظر في النجوم.

ص: 28

وقد قلت في النجوم أبياتًا وهي:

علم النجوم على العقول وبال

وطلاب شيء لا ينال ضلال

ماذا طلابك علم شي غيبت

من دونه الخضر أليس ينال

هيهات ما أحد بغامض فطنة

يدري كم الأرزاق والآجال

إلا الذي من فوق عرش ربنا

فلوجهه الإكرام والإجلال

وفي كتاب "الأنواء" لأبي حنيفة: المنكر في الذم من النجوم نسبة الأمر إلى الكواكب، وأنها هي المؤثرة، فأما من نسب التأثير إلى خالقها وزعم أنه نصبها أعلامًا وضربها آثارًا على ما يحدثه فلا جناح عليه.

وقال المأمون: علمان نظرت فيهما وأنعمت فلم أرهما يصحان: النجوم والسحر.

وقال ابن دحية في "تنويره": قول أهل السنة والجماعة أن الشمس والقمر والدراري والبروج (والنجوم)

(1)

جارية في الفلك، وأن سماء الدنيا مختصة بذلك كله.

وروى أبو عثمان النهدي عن سلمان الفارسي أنه قال: النجوم كلها معلقة كالقناديل من السماء الدنيا في الهواء كتعليق القناديل في المساجد.

فإن قلت: (كيف)

(2)

قال: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 16] والقمر في إحداهن؟

فالجواب: أن معنى {فِيهِنَّ} : معهن. كما يقال زيد في القوم أي: معهم، وقيل: إنه إذا جعل النور في إحداهن فقد جعله فيهن، كما يقال: أعطيت الثياب المعلَّمة، وإنما أعلم منها ثوب، وكما يقال: في هذِه

(1)

من (ص 1).

(2)

من (ص 1).

ص: 29

الدور وليمة، وهي في واحدة، وكما يقال: قدم في شهر كذا، وإنما قدم في يوم منه.

فصل:

وتفسير ابن عباس (الهشيم) ذكره إسماعيل بن أبي زياد عنه في تفسيره، وتفسير مجاهد رواه ابن جرير عن محمد بن عمرو، ثنا أبو عاصم، ثنا عيسى، وحدثني الحارث، ثنا الحسن، ثنا ورقاء جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، فذكره

(1)

.

فصل:

و (الهشيم): ما خف من النبت أو تفتت، يقال: هشمته أي: كسرته

(2)

، وما ذكره في الأبِّ، هو قول ابن عباس ومجاهد

(3)

، وقال الحسن وقتادة: هو مرعى البهائم

(4)

، وقيل: الأب للبهائم بمنزلة الفاكهة للناس.

وقوله: (و {الْأَنَامِ}: الخلق)

(5)

، هو قول مجاهد، وقتادة: إنه الخلائق

(6)

. وقال ابن عباس: الأنام: الناس

(7)

، وقال الحسن: الجن

(1)

"تفسير الطبري" 12/ 401 (36035).

(2)

"مجمل اللغة" 2/ 905 مادة (هشم)، و"تهذيب اللغة" 4/ 3763 مادة:(هشم).

(3)

رواه الطبري 12/ 452 (36374، 36378) وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" 6/ 521.

(4)

رواه الطبري 12/ 452 - 36380، 36384).

(5)

هو تفسير ابن عباس وقتادة كما رواه الطبري عنهما 11/ 577، 578 (32891، 32895).

(6)

رواه الطبري 11/ 577 (32894).

(7)

عزاه ابن حجر في "الفتح" 6/ 296 إلى ابن أبي حاتم من طريق سماك، عن عكرمة، عنه.

ص: 30

والإنس

(1)

، ويقال لكل من دبَّ عليها.

و {أَلْفَافًا} : واحده لف، وقيل: لفيف، وحكى الكسائي أنه جمع الجمع، ولف مثل حمر، وجمع لف: ألفاف، ومعنى ملتفة أي: يلتف بعضها على بعض، وقال أبو جعفر الطبري: اختلف أهل العربية في واحد الألفاف، فقال بعض نحوي البصرة: لف. وقال بعض نحوي الكوفة؛ لف ولفيف. قال: وإن شئت كان الألفاف جمعًا، وواحده جمع أيضًا، تقول: جنة لفاء، وجنات لفَ، ثم جمع السلف: ألفاف، وقال آخر منهم: لم يسمع شجرة لف، ولكن واحدها لفاء، وجمعها وجمع لف: ألفاف، (فهو جمع الجمع، والصواب من القول في ذلك: أن الألفاف)

(2)

جمع لف أو لفيف، وذلك أن أهل التأويل مجمعون على أن معناها: ملتفة، واللفاء هي الغليظة، وليس الالتفاف من الغلظ في شيء إلا أن يوجه أنه غلظ بالالتفاف فيكون ذلك حينئذ وجها

(3)

.

وقوله: ({غُلْبًا}: ملتفة). قال ابن عباس: غلب: غلاظ

(4)

، وقيل: الغلب: الأعتاق، وهي النخل، وقيل: الغلب: الحسان.

وقوله: ({نَكِدًا}: قليلاً)

(5)

. زاد جماعة: عشرًا. قال مجاهد: هو تمثيل يعني: أن في بني آدم الطيب والخبيث

(6)

.

(1)

رواه الطبري 11/ 577 (32893).

(2)

من (ص 1).

(3)

رواه الطبري 12/ 401.

(4)

عزاه الحافظ في "الفتح" 6/ 296 لابن أبي حاتم.

(5)

رواه الطبري 5/ 520 (14798) وابن أبي حاتم 5/ 1504 (8620)، عن السدي.

(6)

رواه الطبري 5/ 519 (14795).

ص: 31

‌4 - باب صِفَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ

{بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5]

قَالَ مُجَاهِدٌ: كَحُسْبَانِ الرَّحَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: بِحِسَابٍ وَمَنَازِلَ لَا يَعْدُوَانِهَا. حُسْبَانٌ: جَمَاعَةُ حِسَابٍ مِثْلُ شِهَابٍ وَشُهْبَانٍ. {ضُحَاهَا} [الشمس: 1]: ضَوْءُهَا. {أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس: 40]: لَا يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ. {سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: 40] يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَينِ. {نَسْلَخُ} [يس: 37]: نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، وَنُجْرِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. {وَاهِيَةٌ} [الحاقة: 16] وَهْيُهَا: تَشَقُّقُهَا. {أَرْجَائِهَا} [الحاقة: 17] مَا لَمْ يَنْشَقَّ مِنْهَا فَهْو عَلَى حَافَتهِ، كَقَوْلِكَ: عَلَى أَرْجَاءِ البِئْرِ أَغْطَشَ وَ {جَنَّ} [الأنعام: 76] أَظْلَمَ، وَقَالَ الحَسَنُ {كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]: تُكَوَّرُ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْءُهَا، {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)} [الانشقاق: 17]: جَمَعَ مِنْ دَابَّةٍ {اتَّسَقَ} [الانشقاق: 18]: اسْتَوى. {بُرُوجًا} [الحجر: 16]: مَنَازِلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. {الْحَرُورُ} [فاطر: 21]: بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: الحَرُورُ بِاللَّيْلِ، وَالسَّمُومُ بالنَّهَارِ، يُقَالُ:{وَيُولِجُ} يُكَوِّرُ. {وَلِيجَةً} [التوبة: 16]: كُلُّ شَيء أَدْخَلْتُهُ فِي شيْءٍ.

3199 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: «تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟» . قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنَ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ

ص: 32

فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِى مِنْ حَيْثُ جِئْتِ. فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (3)} ». [يس: 38]. [4802، 4803، 7424، 7433 - مسلم: 159 - فتح 6/ 297]

3200 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ المُخْتَارِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ الدَّانَاجُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ» . [فتح 6/ 297]

3201 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا» . [انظر: 1042 - مسلم: 914 - فتح 6/ 297]

3202 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللهَ» . [انظر: 29 - مسلم: 907 - فتح 6/ 297]

3203 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ قَامَ فَكَبَّرَ وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:«سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ» وَقَامَ كَمَا هُوَ، فَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً وَهْيَ أَدْنَى مِنَ القِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْىَ أَدْنَى مِنَ الرَّكْعَةِ الأُولَى، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلاً، ثُمَّ فَعَلَ في الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ:«إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ» . [انظر: 1044 - مسلم: 901 - فتح 6/ 297]

ص: 33

3204 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا» . [انظر: 1041 - مسلم: 911 - فتح 6/ 297]

الشرح:

أثر مجاهد رواه عبد، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه، به

(1)

.

وعن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد: يدوران في مثل قطب الرحى

(2)

.

وقول غيره: بحساب، كأنه يشير إلى ما رواه عبد ثنا جعفر بن عون، ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)} [الرحمن: 5] قال: بحساب ومنازل

(3)

.

وقوله: ({ضُحَاهَا}: ضَوْءُهَا)، هو قول مجاهد

(4)

وعنه: إشراقها

(5)

.

(1)

"تفسير مجاهد" 2/ 639، ورواه الطبري 11/ 574 (32867).

(2)

عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 191 لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر.

(3)

رواه الطبري 11/ 573 (32861)، وبنحوه قال ابن عباس، ورواه عنه الطبري 11/ 573 (32859)، والحاكم 2/ 474 من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس، وصححه. ورواه أيضًا عبد بن حميد وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" 6/ 190.

(4)

"تفسير مجاهد" 2/ 762، ورواه الطبري 12/ 599 (37358). وبنحوه رواه الحاكم 2/ 524 عن مجاهد عن ابن عباس، وصححه.

(5)

رواه الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" 6/ 601.

ص: 34

وقال قتادة: نهارها

(1)

. قال الفراء: وكذلك {وَالضُّحَى (1)} [الضحى: 1] هو النهار كله

(2)

.

والمعروف في اللغة كما قاله ابن التين: أن الضحى إذا طلعت الشمس وبعد ذلك قليلاً، فإذا زاد قيل: الضحاء بالفتح والمد.

ومعنى (حثيثين): سريعين. وقال الضحاك: أي لا يزول الليل من قبل ضحى النهار

(3)

. وقال الداودي: أي: لا يأتي الليل في غير وقته، قال: ويحتمل قوله: {أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} أي: لا يكون ليلاً، وما ذكره في ({نَسْلَخُ}: نخرج)، هو كما قال، يقال: سلخت الشيء من الشيء: أزلته وخلصته حتى لم يبق منه شيء.

وما ذكره في ({وَاهِيَةٌ} متشققة) قاله القزاز. وقال ابن عباس: ضعيفة، وقيل: منحرفة. أي: ضعيفة جدًّا، من وهى يهي

(4)

. و ({أَرْجَائِهَا}: أطرافها)

(5)

. قاله ابن عباس و {جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} : غطى وأظلم كما ذكره.

وقول الحسن رواه ابن أبي حاتم، عن أبي سعيد الأشج، ثنا إسماعيل بن علية، عن أبي رجاء، عنه، به

(6)

.

ومعنى التكوير: لفها كلف العمامة، مثل كورت العمامة أكورها

(1)

رواه الطبري 12/ 599 (37357) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 601 لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.

(2)

"معاني القرآن" 3/ 266، 273.

(3)

رواه الطبري 10/ 443 - 29134.

(4)

السابق 12/ 214 (34777).

(5)

من تفسير مجاهد عند الطبري 12/ 215 (34779).

(6)

ذكره الحافظ في "الفتح" 6/ 298 وتعقبه بقوله: كأن هذا قبل أن يسمع حديث أبي هريرة في الباب.

ص: 35

كورا، وكورتها تكويرًا: إذا لففتها

(1)

. وقال النحاس: تكورت الشيء وكورته لففته. وقال الربيع بن خيثم: كورت أي: رمي بها

(2)

.

يقال: طعنه فكوره إذا ألقاه، وما ذكره في {وَسَقَ} قاله ابن عباس

(3)

، وخص الليل بذلك؛ لأنه مجمع الأشياء، والنهار ينتشر فيه، وقيل: معنى {وَسَقَ} هنا: علا؛ لأن الليل يعلو كل شيء ويجلله ولا يمتنع منه شيء. وما ذكره في {اتَّسَقَ} هو قول ابن عباس

(4)

.

وقال مجاهد: هو مأخوذ من وسق؛ لأن الأصل فيه أوتسق أي: يجمع ضوؤه، وذلك في الليالي البيض.

وقال ابن عرفة: {اتَّسَقَ} : تتابع ليالي حتى ينتهي منتهاه، يريد في الزيادة والنقصان، وما ذكره في تفسير البروج أحد الأقوال. وقال أبو صالح: هي النجوم العظام

(5)

. وقيل: هي قصور في السماء

(6)

.

(1)

بمثل هذا قال الطبري ورجحه مستدلًا بكلام العرب 12/ 457، وهو قول الخطابي أيضًا في شرحه للبخاري انظر: أعلام الحديث 2/ 1475.

(2)

رواه الطبري 12/ 457 (36409. 36410).

(3)

رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص 343، وابن أبي شيبة 2/ 44 (6271)، والطبري 12/ 511 (26756).

(4)

رواه الطبري 12/ 513 (36775)، ورواه عبد بن حميد، وابن أبي حاتم كما عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 549، وعن عكرمة بمثله، رواه الطبري 12/ 513 (36777).

(5)

رواه الطبري 9/ 404 (26446)، ورواه ابن أبي حاتم 8/ 2716 (15311).

(6)

هو قول عطية بن سعد العوفي، ويحيى بن رافع، رواه عنهما الطبري 9/ 404 (26442، 26443)، وابن أبي حاتم 8/ 2716 (15309، 15310). وهو القول الذي رجحه الطبري مستدلاًّ بأن ذلك يفسره القرآن، وكلام العرب كما في قوله {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} وفي قول الأخطل:

كأنها برج رومي يشيده

بانٍ بجص وآجُرٍّ وأحجار

ص: 36

وأثر ابن عباس ذكره ابن أبي زياد في "تفسير ابن عباس"(1).

وقوله أولاً ({الْحَرُورُ} بالنهار مع الشمس) هو قول أبي عبيدة

(2)

، وقيل: يعني به الضال والمهتدي. وقال الفراء: هو الحر الدائم ليلاً كان أو نهارًا، والسموم بالنهار خاصة

(3)

. وقال ابن عزير: الحرور: ريح حارة تهب بالليل، وقد تكون بالنهار، والسموم بالنهار، وقد تكون بالليل.

وما ذكره في {يُولِجُ} ظاهر، قيل: يولج ليل الصيف في نهاره، ويدخل نهار الشتاء في ليلة

(4)

.

ثم ذكر البخاري في الباب ستة أحاديث.

أحدها:

حديث أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: "تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟ ". قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنَ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ. فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)} [يس: 38].

الشرح:

قوله: ("تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟ ") أراد إعلامه.

(1 (قال الحافظ في "الفتح" 6/ 299: لم أره موصولاً عنه. وهو من قول رؤبة بن العجاج، ذكره أبو عبيدة في "المجاز" 2/ 154.

(2)

"مجاز القرآن" 2/ 154.

(3)

نقله عنه الطبري في "التفسير" 10/ 406.

(4)

هو قول أبي عبيدة كما ذكره الحافظ في "الفتح" 6/ 299.

ص: 37

وقوله: ("فَتَسْتَأْذِنَ") يدل على أنها تعقل، وكذلك قوله:"تَسْجُدَ".

وقوله: ("يُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا") يقول: لا يؤذن لها حتى تسجد.

وقوله: ("فتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا") يريد بالسير إلى مطلعها.

وقوله: ({وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا})، وفي الكهف:{تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86].

وقوله: (قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) أي: هل تذهب إلى تحت العرش؟ أو تكون هي الذاهبة؟

وقرأ ابن عباس: (لا مستقر لها)

(1)

أي: هي جارية لا تثبت، تطلع كل يوم في مطلع وتغرب في آخر لا تعود إليه إلا في مثل ذلك في العام، حتى يكون طلوعها من حيث غروبها.

وقيل: {تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} أي: إلى أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع فلا تجاوزه.

قال ابن الجوزي: ربما أشكل الأمر في هذا الحديث على من لم يتبحر في العلم فقال: نحن نراها تغيب في الأرض، وقد أخبر تعالى: أنها تغيب في عين حمئة، فإذا دارت تحت الأرض وصعدت فأين هي من العرش؟

فالجواب: أن الأرضين السبع في ضرب المثال كقطب رحى، والعرش لعظم ذاته كالرحى، فأينما سجدت الشمس سجدت تحت العرش وذلك مستقرها.

(1)

وهي أيضًا قراءة ابن مسعود انظر "شواذ القرآن" لابن خالويه ص 127، و"تفسير القرطبي" 15/ 28.

ص: 38

وقال ابن العربي: أنكر قوم من أهل الغفلة اقتداءً بأهل الإلحاد سجودها، وهو صحيح ممكن، وتأوله قوم على ما هي عليه من التسخير الدائم، وأنه يعني بالعرش الملك. يعني: المخلوقات، وعلى مذهب الملحدة أنه تحتها في التحت غيرها وفوقها من الفوق غيرها في جميع سيرها، فلا يصح أن تكون ساجدة تحت العرش، وعلى التأويل الأول يصح أن تخرج عن مجراها والقدرة تشهد له، وعلى الثاني يكون المعنى في وجه المجاز ساجدة أبدًا.

وقوله: "تَحْتَ العَرْشِ" يريد تحت الملك أي: القهر والسلطان، وهي تستأذن في السير فيؤذن لها حتى يقال لها: ارجعي. فتطلع من مغربها، وتذهب الهيئة المدبرة فيها، وبعد الرجوع يكون التكوير

(1)

.

وقوله: "تَحْتَ العَرْشِ" صحيح؛ لأن الكل من الأرض تحت العرش، بل العالم جميعه.

وقراءة الجماعة: {لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} أي: في حرج دائمة إن طلعت غربت أو سجدت سارت، وقراءة ابن عباس سلفت، وهي قراءة ابن مسعود وعكرمة وعلي بن الحسين والكسائي في رواية الدوري. وفي "ربيع الأبرار" قال طاوس: ورب هذا البيت إن هذا القمر يبكي من خشية الله تعالى ولا ذنب له. وسيأتي بزيادة في ذلك في التفسير في سورة الأنعام والحشر إن شاء الله تعالى.

الحديث الثاني:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ:"الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ". وهو من أفراده.

(1)

"عارضة الأحوذي" 9/ 30.

ص: 39

وفيه عبد الله الدَّاناج: وهو ابن فيروز -والداناه، وهو العالم بالفارسية- بصري، وليس له في البخاري غيره

(1)

أما عبد الله بن الديلمي فذاك آخر تابعي لم يخرج له في الصحيح، خرج له مسلم وأبو داود وابن ماجه

(2)

.

قال الخطابي: روي في هذا الحديث زيادة لم يذكرها أبو عبد الله، وهي ما حدثنا ابن الأعرابي، ثنا عباس الدوري، ثنا يونس بن محمد، ثنا عبد العزيز بن المختار، عن عبد الله الدَّاناج: شهدت أبا سلمة، ثنا أبو هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الشمس والقمر ثوران يكوران في النار يوم القيامة". قال الحسن: وما ذنبهما؟ قال أبو سلمة: أنا أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تقول: ما ذنبهما؟ فسكت الحسن

(3)

.

وروى أبو داود الطيالسي في "مسنده" عن يزيد الرقاشي، عن أنس مرفوعًا:"إن الشمس والقمر ثوران عقيران في النار"

(4)

وذكره أبو مسعود الدمشقي في بعض نسخ "أطرافه" موهمًا أن ذلك في الصحيح، وذكر ابن وهب في كتاب "الأموال" عن عطاء بن يسار أنه تلا هذِه الآية {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)} [القيامة:9] فقال: يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في النار فتكون نار الله الكبرى. وعن كعب الأحبار: يجاء بهما كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في النار.

(1)

انظر ترجمته في "الثقات" لابن حبان 5/ 39، و"تهذيب الكمال" 15/ 437 (3485).

(2)

انظر ترجمته في "الثقات" لابن حبان 5/ 33، و"تهذيب الكمال" 15/ 435 (3484).

(3)

"أعلام الحديث" 2/ 1475، وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 1/ 170 (183).

(4)

"مسند الطيالسي" 2/ 574 (2217).

ص: 40

وروى عكرمة عن ابن عباس فيما ذكره الطبري عن محمد بن منصور الأيلي، ثنا خلف بن واصل، ثنا أبو نعيم، عن مقاتل بن حيان، عنه تكذيب كعب في قوله.

وقال: هذِه يهودية يريد إدخالها في الإسلام، الله أكرم وأجل من أن يعذب على طاعته، ألم تر إلى قوله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [إبراهيم: 33] يعني: دوبهما في طاعته

(1)

، فكيف يعذب عبدين أثنى الله عليهما؟ ثم حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا فيه: أن الله لما أبرم خلقه فلم يبق من خلقه غير آدم، خلق الشمس من نور عرشه، فأما ما كان في سابق علمه أنه أبدعها شمسًا، فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارق الأرض ومغاربها، وأما ما كان في علمه أن يطمسها ويحولها قمرًا، فإنه دون الشمس في العظم، ولكن إنما يرى مغربها من شدة ارتفاع السماء، فلو نزَّل الله الشمس والقمر كما خلقهما لم يكن يعرف الليل ولا النهار من الليل، فأرسل جبريل فأمرَّ جناحه على وجه القمر -وهو يومئذ شمس- ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور

(2)

، فالسواد الذي ترونه في القمر شبه الخطوط فهو أثر المحو، ثم خلق الشمس عجلة من ضوء نور العرش، لها ثلاثمائة وستون عروة، ووكل بها ثلاثمائة وستين ملكًا، كل ملك معلق بعروة من تلك العرى، ووكل بالقمر وعجلته ثلاثمائة وستين ملكًا، كالشمس، وخلق له مشارق ومغارب في قطري الأرض وكنفي السماء، ثمانين ومائة عين في المغرب طينة سوداء، وثمانين ومائة عين في المشرق مثل ذلك طينة سوداء تفور غليًا كغلي القدر، فكل

(1)

"تفسير الطبري" 7/ 458 (20826).

(2)

انظر: "تفسير القرطبي" 10/ 199.

ص: 41

يوم وكل ليلة لها مطلع جديد ومغرب جديد، وخلق الله بحرًا دون السماء مقدار ثلاث فراسخ، وهو موج (مكفوف)

(1)

قائم في الهواء لا يقطر قطره، والبحار كلها ساكنة، وذلك البحر جار في سرعة السهم وانطلاقه في الهواء مستويًا كأنه جبل ممدود، تجري الشمس والقمر بحسبان في لجته، فذلك قوله:{كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] والفلك: دوران العجلة في لجة ذلك البحر، فلو بدت الشمس من ذلك البحر لأحرقت كل شيء، ولو بدا القمر لافتتن به أهل الأرض حتى يعبدوه. وفي آخره: يجاء بالقمر والشمس أسودين مكدرين ترعد فرائصهما، فإذا كانا حيال العرش سجدا وقالا: إلهنا قد علمت طاعتنا لك فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا، فيقول -جل وعز-: صدقتما وإني معيدكما إلى ما بدأتكما منه، وإني خلقتكما من نور عرشي، ارجعا إليه. فيرجعان ويختلطا بنور العرش، فذلك قوله:{يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [البروج: 13] وفي آخره أن كعبًا جاء إلى ابن عباس واعتذر إليه بأنه ذكر ذلك عن كتاب دارس، وأنت تذكر عن كتاب محفوظ جديد عن سيد الأنبياء، وسأله أن يحدثه الحديث ليحفظه، فأعاده له (قلما تخرم)

(2)

حرفًا.

وفيه: وإذا أراد الله أن يبتلي الشمس والقمر فيري العباد آية فيستعتبهم جرت الشمس من العجلة (فتقع في نجم)

(3)

ذلك البحر وهو الفلك، فإذا (أراد)

(4)

الله أن يعظم الآية ويشدد تخويف العباد،

(1)

في (ص 1): ملفوف.

(2)

في (ص 1): فما تحرف.

(3)

في (ص 1): قال: فتقع في عمق.

(4)

في (ص 1): أحب.

ص: 42

وقعت الشمس كلها. يعني: لا يبقى منها على العجلة، فذلك حين يظلم النهار وتبدو النجوم، وهو المنتهى من كسوفها، فإذا أراد أن يجعل الله آية دون آية، وقع منها النصف أو الثلث أو الثلثان في الماء، ويبقى سائر ذلك على العجلة، وهو كسوف دون كسوف، فأي ذلك كان صارت الملائكة الموكلون بالعجلة فرقتين فرقة منها يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة، والأخرى يقبلون على العجلة فيجرونها نحو الشعمس، فإذا أخرجوها كلها اجتمعت الملائكة كلهم، فاحتملوها حتى يضعوها على العجلة فيحمدون الله على ما قواهم، ويتعلقون بعرى العجلة، ويجرونها في الفلك بالتسبيح، فإذا بلغوا بها المغرب أدخلوها تلك العين، فيسقط من أفق السماء في العين، قال: فإذا غربت الشمس رفع بها من سماء إلى سماء في سرعة طيران الملائكة حتى بلغوا بها السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش، فتخر ساجدة ويسجد معها الموكلون بها، فإذا وصلت إلى هذِه السماء فذلك حين ينفجر الصبح، فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذلك حين يمضي النهار.

قال الطبري: في إسناده نظر.

وعن مجاهد: السواد الذي في القمر خلقه الله كذلك، وكذا روي عن قتادة. وليس بين قول ابن عباس وما أسلفنا عن غيره خلف، ويؤيد قول غيره قوله تعالى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} الآية [الأنبياء: 98] وأيضًا فليس تكويرهما في النار عذابًا لهما كما أجاب به الخطابي، ولكنه تبكيت لعبدتهما الذين عبدوهما في الدنيا؛ ليعلموا أن عبادتهم إياهما كانت باطلاً، وهذا

ص: 43

كما روي أن الذباب كله في النار

(1)

، ولا ذنب لها، والمعنى في ذلك: لتكون عقوبة لأهل النار يتأذون بها كما يتأذون بالحيات وشبهها

(2)

.

قال الإسماعيلي: وقد جعل الله في النار ملائكة وليست تتأذى بها ولا تعذب بها، وحجارة يعذب بها أهل النار، فيجوز أن يجعل الشمس والقمر عذابًا في النار لأهل النار، أو بآلة من آلات العذاب نعوذ بالله من النار.

وقيل: إنهما خلقا من النار فعادا إليها، حكاه ابن التين.

قال الخطابي: معنى التكوير في الشيء: البسط. أي: يلف بعضه على بعض كالثوب ونحوه، وعند المفسرين في قوله:{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)} [التكوير: 1] قالوا: يجمع ضوؤها ويلف كما تلف العمامة

(3)

، وقد أسلفناه.

وفي "الموضوعات" للنقاش عن ابن مسعود مرفوعًا: "تكلم ربنا بكلمتين سير أحدهما شمسًا والأخرى قمرًا، وكلاهما من النور، ويعودان يوم القيامة إلى الجنة".

الحديث الثالث:

حديث ابن عَبَّاسٍ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللهَ".

(1)

رواه البزار (3498)، والطبراني 12/ 389 (13436) عن ابن عمر. و 12/ 398 (13468) وفي "الأوسط" 2/ 160 (1575).

وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 41: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بأسانيد ورجال بعضها ثقات كلهم، ورواه البزار باختصار.

(2)

"أعلام الحديث" 2/ 1476 - 1477.

(3)

"أعلام الحديث" 2/ 1475.

ص: 44

الرابع: حديث اين عُمَرَ قبله.

الخامس: حديث عَائِشَةَ في الكسوف بطوله.

السادس: حديث ابن مَسْعُودٍ: "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ".

وحديث ابن عباس سلف في الصلاة

(1)

، والباقي في الكسوف.

(1)

سلف برقم (748).

ص: 45

‌5 - باب قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}

{قَاصِفًا} [الإسراء: 69] تَقْصِفُ كُلَّ شَيْءٍ. {لَوَاقِحَ} [الحجر: 22] مَلَاقِحَ مُلْقِحَةً. {إِعْصَارٌ} [البقرة: 266] رِيحٌ عَاصِفٌ، تَهُبُّ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَعَمُودٍ فِيهِ نَارٌ. {صِرٌّ} [آل عمران:117] بَرْدٌ. {بُشْرًا} مُتَفَرِّقَةً.

3205 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» . [انظر

1035 -

مسلم: 900 - فتح 6/ 300]

3206 -

حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَإِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ}» . [الأحقاف: 24] الآيَةَ. [4829 - مسلم: 899 - فتح 6/ 300]

الشرح:

معنى (تقصف كل شيء)

(1)

: تكسره. قال عبد الله بن عمر: الرياح ثمانية: أربع عذاب وأربع رحمة، فالرحمة: الناشرات، والذاريات، والمرسلات، والمبشرات.

وأما العذاب: فالعاصف، والقاصف، وهما في البحر، والصرصر، والعقيم وهما في البر

(2)

.

(1)

هو قول أبي عبيدة كما ذكره في "المجاز" 1/ 385، وبنحوه قال قتادة كما رواه عنه الطبري في "التفسير" 8/ 114 (22505).

(2)

رواه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو كما ذكره ابن كثير في "تفسيره" 3/ 481.

ص: 46

وقوله ({لَوَاقِحَ}: ملاقح) أي: جمع ملقحة وملقح، ثم حذفت منه الزوائد.

هذا قول أبي عبيدة وغيره

(1)

، وأنكره بعضهم وقال: هو بعيد جدًّا؛ لأن حذف الزوائد إنما يجوز من مثل هذا في الشعر، ولكنه جمع لاقحة ولاقح بلا خلاف، وهو على أحد معنيين لاقح في الثاني: ذات اللقاح.

وقال ابن السكيت: اللواقح: الحامل. وهذا المعنى الثاني، والعرب تقول للجنوب: لاقح وحامل، وللشمال: حافل وعقيم. قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا} [الأعراف: 57] فأقلت وحملت واحد، وقال ابن مسعود: لواقح: تحمل الريح الماء فتلقح السحاب، وتمر به فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر

(2)

.

قال ابن عباس: ثم تلقح الرياح الشجر والسحاب وتمرُّ به

(3)

.

وقال الأزهري: جعل الريح لاقحًا؛ لأنها فعل السحاب وتصرفه، ثم تمر به فتستدره

(4)

.

وقوله: ({إِعْصَارٌ}: ريح عاصف) إلى آخره. قال ابن عباس: هي الريح الشديدة

(5)

. وقال غيره: ريح عاصف: فيها سموم. قال بعضهم: هي التي يسميها الناس الزوبعة.

(1)

"مجاز القرآن" 1/ 348.

(2)

رواه الطبري 7/ 505 (21097).

(3)

السابق 7/ 506 (21107).

(4)

"تهذيب اللغة" 4/ 3285 مادة (لقح).

(5)

رواه الطبري 3/ 87 (6104) وابن أبي حاتم 2/ 524 (2779) والحاكم 2/ 283 وصححه.

ص: 47

وقوله: ("نُشُرًا": متفرقة)

(1)

. قال غيره: معنى {نُشُراً} أحيانًا بالسحاب التي فيها المطر الذي به الحياة، ونشرًا: جمع نشور، وروي عن عاصم:{بُشْرًا} كأنه جمع بشر. قال محمد اليماني: {بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57] أي: المطر. وقوله: {أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} [الفرقان: 48] أكثر القراء يقرءون ما كان للعذاب بالإفراد، وما كان للرحمة بالجمع

(2)

، وفي الحديث أنه عليه السلام كان إذا هبت الريح يقول:"اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحا"

(3)

.

وقيل: إنما كان هكذا؛ لأن ما يأتي للرحمة ثلاثة أرياح: الصبا، والشمال، والجنوب، والرابعة الدبور، ولا يكاد يأتين بمطر. فقيل لما يأتين بالرحمة: رياح؛ لهذا.

ثم ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ". وقد سلف في الاستسقاء.

(1)

هو تفسير أبي عبيدة كما في "المجاز" 1/ 216. وهي بضم النون والشين قرأها الحرميان (نافع وابن كثير) وأبو عمرو وحجتهم أنها جمع نشور، ونشور بمعنى ناشر وهو بمعنى محيي، فجعل الريح ناشرة للأرض. أي: محيية لها. وفيها قراءات أخرى، انظر توجيهها في "الكشف عن وجوه القراءات" لمكي القيسي 1/ 465، "الحجة في القراءات" 4/ 37، 38.

(2)

انظر القراءات فيها وتوجيهها في "الكشف عن وجوه القراءات" 1/ 270 - 271.

(3)

رواه الشافعي في "مسنده" بترتيب السندي 1/ 175 (502)، وأبو يعلى في "مسنده" 4/ 341 (2456) والطبراني في "المعجم الكبير" 11/ 213 (11533) من حديث الحسين بن قيس، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وقال الهيثمي في "المجمع" 10/ 135 (17126): فيه حسين بن قيس الملقب بحنش، وهو متروك، وبقية رجاله رجال الصحيح. وأنكره الطحاوي في "مشكل الآثار" 2/ 379 (138)، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4217).

ص: 48

وحديث عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه، فإذا أمطرت سري عنه فعرفته عائشة ذلك فقال:"وما أدري لعله كما قال قوم {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} ".

وذكره البخاري في موضع آخر عنهما بلفظ: "ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب"

(1)

وللنسائي: إذا رأى مخيلة يعني: الغيم

(2)

.

المَخِيلَةً: السحابة التي يخال بها المطر، وهي الخال أيضًا، يقال: رأيت خالًا في السماء، ومنه: تخيلت السماء: تهيأت للمطر.

وقال الداودي: المخيلة: سحاب وريح متغيرة على غير ما يعهد. وفعل ذلك خوفًا على أمته.

وقوله: (فَإِذَا أَمْطَرَت) قال الهروي: جاء في التفسير: أمطرنا في الرحمة، ومطرنا في العذاب. وأما في كلام العرب فسواء. وعند أبي ذر بإسقاط الألف.

ونقل عياض عن المفسرين أنهم وجدوه في القرآن في مواضع با لألف. والصحيح أنهما بمعنى، ألا تراهم. قالوا:{هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] وإنما ظنوه مطر رحمة فقيل لهم: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} [الأحقاف: 24].

ومعنى (سرِّي عنه): كشف ما (خامره) من الوجل، يقال: سروت الحبل عن الفرس: إذا نزعته عنه.

(1)

سيأتي برقم (4829) كتاب: التفسير، باب: قوله {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} .

(2)

"السنن الكبرى" 1/ 562.

ص: 49

وقوله: "ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب" قال ابن العربي: كيف تليتم هذا مع قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33].

والجواب: أن الآية قبل الحديث؛ لأنها كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ودرجة رفيعة لا تحط بعد أن وقعت، فإن الله لم يعذبهم لأسلافهم لكونه في أصلابهم، ولم يعذبهم لوجوده فيهم، ولم يعذبهم وهم يستغفرون بعد ذهابه.

واستنبطت الصوفية من ذلك أن الإيمان الذي في القلوب أيضًا يمنع من تعذيب أبدانهم كما كان وجوده فيهم مانعًا منه

(1)

.

فصل:

قوله: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا" هي القبول التي تهب من مطلع الشمس، سميت القبول؛ لأنها تقابل باب البيت.

و"الدَّبُورِ": الغربية التي تقابل الصبا، سميت بذلك؛ لأنها تأتي من دبر الكعبة.

وقال الداودي: الصبا هي الجنوب، وهي التي تأتي عن يمين مستقبل الشمس.

قال: وقوله: ("نُصِرْتُ بِالصَّبَا") إذا قابل العدو وكانت الريح من وراء ظهره، وسميت قبولاً؛ لأنها تأتي من جهة القيام الأول.

وقال ابن فارس؛ لأنها تقابل الدبور

(2)

.

(1)

"عارضة الأحوذي" 12/ 140.

(2)

"مقاييس اللغة" ص 842 مادة (قبل).

ص: 50

‌6 - باب ذِكْرِ المَلَائِكَةِ

وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلَائِكَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} : [الصافات: 165] الْمَلَائِكَةُ. [انظر: 3329]

3207 -

حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ.

وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَهِشَامٌ قَالَا: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا أَنَا عِنْدَ البَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ -وَذَكَرَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ- فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ البَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ دُونَ البَغْلِ وَفَوْقَ الحِمَارِ الْبُرَاقُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى، فَقَالَا: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ يُوسُفَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الخَامِسَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ:

ص: 51

مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى، فَسَلَّمْتُ [عَلَيْهِ] فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى. فَقِيلَ: مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، هَذَا الغُلَامُ الذِي بُعِثَ بَعْدِي يدخلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يدخلُ مِنْ أُمَّتِي. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ مَرْحَبًا بِهِ، وَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِيَ البَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: هَذَا البَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ، وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ المُنْتَهَى فَإِذَا نَبِقُهَا كَأَنَّهُ قِلَالُ هَجَرٍ، وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ، في أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً. قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ، عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ. فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُهُ، فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ ثُمَّ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عِشْرِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَجَعَلَهَا خَمْسًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا خَمْسًا، فَقَالَ: مِثْلَهُ، قُلْتُ: سَلَّمْتُ بِخَيْرٍ، فَنُودِىَ: إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَجْزِي الحَسَنَةَ عَشْرًا». وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«فِي البَيْتِ المَعْمُورِ» . [3393، 3430، 3887 - مسلم: 164 - فتح 6/ 302]

ص: 52

3208 -

حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ الله مَلَكًا، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» . [3332، 6514، 7454 - مسلم: 2643 - فتح 6/ 303]

3209 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَتَابَعَهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا أَحَبَّ الله العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأَرْضِ» . [6040، 7485 - مسلم: 2637 - فتح 6/ 303]

3210 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ فِي العَنَانِ - وَهْوَ السَّحَابُ - فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ، فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ» . [3288، 5762، 6213، 7561 - مسلم: 2228 - فتح 6/ 304]

3211 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ المَلَائِكَةُ، يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا

ص: 53

جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ». [انظر: 929 - مسلم: 850 - فتح 6/ 304]

3212 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: مَرَّ عُمَرُ فِي المَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ، فَقَالَ: كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ، أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ؟» . قَالَ: نَعَمْ. [انظر: 453 - مسلم: 2485 - فتح 6/ 304]

3213 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ البَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانَ: «اهْجُهُمْ -أَوْ هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» . [4123، 4124، 6153 - مسلم: 2486 - فتح 6/ 304]

3214 -

وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى غُبَارٍ سَاطِعٍ فِي سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ. زَادَ مُوسَى: مَوْكِبَ جِبْرِيلَ. [فتح 6/ 304]

3215 -

حَدَّثَنَا فَرْوَةُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ قَالَ:«كُلُّ ذَاكَ يَأْتِي المَلَكُ أَحْيَانًا فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَهْوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، وَيَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ أَحْيَانًا رَجُلاً، فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» . [انظر: 2 - مسلم: 2333 - فتح 6/ 304]

3216 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ دَعَتْهُ خَزَنَةُ الجَنَّةِ: أَيْ فُلُ، هَلُمَّ» . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذَاكَ الذِي لَا تَوَى عَلَيْهِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» . [انظر 1897 - مسلم: 1027 - فتح 6/ 304]

3217 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ

ص: 54

يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ». فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. تَرَى مَا لَا أَرَى. تُرِيدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. [3768، 6201، 6249، 6253 - مسلم: 2447 - فتح 6/ 305]

3218 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ ح. قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِجِبْرِيلَ: «أَلَا تَزُورُنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟» قَالَ: فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] الآيَةَ. [4731، 7455 - فتح 6/ 305]

3219 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» . [4991 - مسلم: 819 - فتح 6/ 305]

3220 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَفَاطِمَةُ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ القُرْآنَ. [انظر: 6 - مسلم: 2308 - فتح 6/ 305]

3221 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ أَخَّرَ العَصْرَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: أَمَا إِنَّ جِبْرِيلَ قَدْ نَزَلَ فَصَلَّى أَمَامَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ عُمَرُ: اعْلَمْ مَا تَقُولُ يَا عُرْوَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ» . يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ. [انظر: 521 - مسلم: 610 - فتح 6/ 305]

ص: 55

3222 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ لِي جِبْرِيلُ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، أَوْ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ، قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟! قَالَ:"وَإِنْ". [انظر: 1237 - مسلم: 94 - فتح 6/ 305]

3223 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ، مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ، فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ [عِبَادِي]؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ يُصَلُّونَ» . [انظر: 555 - مسلم: 632 - فتح 6/ 306]

(الْمَلَائِكَةِ) جمع ملك. قال ابن سيده: هو مخفف عن ملاك

(1)

.

وقال القزاز: هو مأخوذ من الألوك وهي الرسالة.

وقد زعم قوم أنه يجوز أن يكون من الملك؛ لأن الله قد جعل لكل تملك ملكًا، كملك الموت ملكه قبض الأرواح، وكإسرافيل ملكه الله الصور، وكذا سائرهم.

ويفسد هذا قولهم ملائكة بالهمز، ولا أصل له على هذا القول في الهمز. وقد جاء الملك جمعًا كما قال تعالى:{وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} [الحاقة: 17].

قال البخاري: وقال أنس: قال عبد الله بن سلام للنبي صلى الله عليه وسلم: إن جبريل عدو اليهود من الملائكة.

وقال ابن عباس: {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [الصافات: 165]: الملائكة.

ثم قال: حَدَّثنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ.

(1)

"المحكم" 7/ 47.

ص: 56

عن أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ ثم قال: وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"فِي البَيْتِ المَعْمُورِ".

وقال في موضع آخر: حدثنا ابن بشار، ثنا غندر، ثنا شعبة، عن قتادة. وقال لي خليفة: ثنا يزيد بن زريع، ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي العالية، ثنا ابن عباس فذكر حديث الإسراء.

أما تعليق أنس فقد أسنده بعد فيما يأتي قريبًا عن محمد بن سلام، عن مروان بن معاوية، عن حميد، عنه مطولًا

(1)

.

وهو معنى قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} الآية [البقرة: 97].

وأما أثر ابن عباس فرواه الطبري، عن محمد بن سعد، حدثني أبي: حدثني عمي: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس بزيادة: الملائكة صافون تسبح لله عز وجل

(2)

.

وروى نحوه مرفوعًا من حديث عبيد بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم قال: كان مسروق يروي عن عائشة بلفظ: "ما في السماء الدنيا موضع إلا عليه ملك ساجد أو قائم". فذلك قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)} [الصافات: 165]، ثم ساق عن عبد الله وعمر نحوه.

ورواه أيضًا عن مجاهد وقتادة والسدي وابن زيد

(3)

.

وحديث أنس بن مالك فيه هنا: "بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان".

(1)

سيأتي برقم (3329) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: خلق آدم وذريته.

(2)

"تفسير الطبري" 10/ 539 (29683).

(3)

"تفسير الطبري" 10/ 538، 541 (29678، 29689).

ص: 57

وفيه: رؤية عيسى ويحيى في السماء الثانية، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم.

وفي حديث أبي ذر أنه رأى إبراهيم في السادسة.

وأخرجه مرة من حديث شريك بن عبد الله بن أبي نمر، سمعت أنسًا يحدثنا عن ليلة الإسراء في مسجد الكعبة جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو قائم في المسجد الحرام، فلم يرهم حتى جاءوا ليلة أخرى فيما يرى النائم، والنبي نائمة عيناه ولا ينام قلبه. وكذلك الأنبياء. فتولاه جبريل ثم عرج به إلى السماء.

قال الإسماعيلي: جمع البخاري، أي: في حديث ابن عباس بين حديثي شعبة وسعيد على لفظ سعيد ولم يفصله.

وفي حديث سعيد زيادة ظاهرة على ما في حديث شعبة، ولفظه:"موسى رجل آدم طوال كأنه من رجال شنوءة". وقال: "عيسى جلد" وفي لفظ: "جعد مربوع".

فصل:

(مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ) جده وهب بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار. أخرج له مسلم أيضًا، وعنه أنس فقط

(1)

.

وفي الرواة ابن صعصعة اثنان آخران:

أحدهما: ابن أبيه زفر بن صعصعة بن مالك بن صعصعة بن مالك بن صعصعة أخي مالك وهو أخو مالك وأخوهما عبد الله روى له ولأبيه

(1)

انظر ترجمته في "ثقات ابن حبان" 3/ 377، "تهذيب الكمال" 27/ 147 (5744).

ص: 58

أبو داود، وهما ثقتان

(1)

.

الثاني: قيس بن صعصعة بن وهب شهد أحدًا، أنصاري نجاري. وقيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد الخزرجي المازني عقبي بدري أمير الساقة يوم بدر، وهو قيس بن صعصعة

(2)

.

روى حبان بن واسع عن أبيه قلت: يا رسول الله، وهذا أصح.

وفي "الموطأ" عن إسحاق بن عبد الله، عن زفر، عن أبيه، عن أبي هريرة، وعن أيوب بن عبد الرحمن بن عبد الله بن صعصعة وأخوه رفاعة.

فصل:

وهّى ابن حزم حديث شريك فقال: لم نجد للبخاري شيئًا لا يحتمل مخرجًا إلا حديث شريك هذا تم عليه في تخريجه الوهم مع إتقانه وحفظه وصحة معرفته.

وألفاظ هذا الحديث مقحمة منكرة، والآفة من شريك، من ذلك:

أولها: قوله: (إن ذلك قبل أن يوحى إليه)، وأنه حينئذٍ فرضت عليه الخمسون صلاة، وهذا بلا خلاف بين أهل العلم أن ذلك كان قبل الهجرة بسنة، وبعد أن أوحي إليه (باثنتي عشرة)

(3)

سنة، فكيف يكون ذلك قبل أن يوحى إليه؟ ولم يذكر مسلم في "صحيحه" هذِه الزيادة.

ومنها قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} وتبعه عبد الحق فقال: زاد شريك زيادة مجهولة، وأتى بألفاظ غير معروفة.

وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقنين كابن شهاب،

(1)

انظر ترجمته في "ثقات ابن حبان" 6/ 338، "تهذيب الكمال" 9/ 353 (1989).

(2)

انظر ترجمته في "ثقات ابن حبان" 3/ 342، "الجرح والتعديل" 7/ 100 (566).

(3)

في الأصول: باثني عشر. والمثبت هو الصواب.

ص: 59

وثابت البناني، وقتادة، عن أنس فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك.

وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث.

وقال ابن الجوزي: لا يخلو هذا الحديث من أمرين: إما أن يكون عليه السلام قد رأى في المنام ما جرى له مثله في اليقظة بعد سنين، أو يكون في الحديث تخليط من الرواة.

وقد انزعج لهذا الحديث الخطابي وقال: هذا الحديث منام، ثم هو حكاية يحكيها أنس ويخبر بها من تلقاء نفسه لم يعزها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يروها عنه.

قلت: وقد تأول قوله: (قبل أن يوحى إليه) أي: من أمر الإسراء، أو في أمر الصلاة؛ لأن فرضها ليلة الإسراء وهي المهم.

وقوله: (جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه) على ظاهره، ثم جاءوا إليه مرة أخرى، بعد البعث فيما يرى عليه، يوضحه قوله، فلم يرهم حتى جاءوا إليه ليلة أخرى فلا منافاة بين قوله:(قبل أن يوحى إليه) وبين فرض الصلاة، ودعواه الاتفاق أنه كان قبل الهجرة بسنة يرده قوله في موضع آخر عن ابن سعد أنه كان قبلها بثمانية عشر شهرًا لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان ليلة السبع

(1)

.

وقال الواقدي: ليلة سبعة عشر من ربيع الأول.

وقال الحربي: ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر.

وقال ابن قتيبة: بعد سنة ونصف من رجوعه من الطائف

(2)

.

وقال القاضي عياض: بعد البعثة بخمسة عشر شهرًا

(3)

.

(1)

"الطبقات الكبرى" 1/ 213.

(2)

"المعارف" ص 151.

(3)

"إكمال المعلم" 1/ 497.

ص: 60

وقال ابن فارس: فلما أتت عليه إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر أسري به.

وعن السدي: كان قبل الهجرة بستة أشهر، حكاه عنه ابن سالم في "ناسخه".

وقال ابن الجوزي في "الوفا": كان قبل الهجرة بثمانية أشهر. وقيل: كان في ليلة سبع وعشرين من رجب.

وعند ابن الأثير: قبل الهجرة بثلاث سنين

(1)

.

وعند أبي عمر: بعد المبعث بثمانية عشر شهرًا

(2)

.

وقال الزهري: بعد البعثة بثمان سنين

(3)

.

فصل:

لما ذكر الحاكم حديث شريك قال: وهم في مواضع أربعة: ذكر إدريس في السماء الثانية، والأخبار تواترت أنه في الرابعة.

وذكر هارون في الرابعة، والأخبار تواترت أنه في الخامسة.

وذكر إبراهيم في السادسة وموسى في السابعة، والأخبار تواترت على العكس.

قلت: ويجوز أن يحمل على تعدد الإسراء.

(1)

"الكامل في التاريخ" 2/ 51.

(2)

"التمهيد" 8/ 48.

(3)

انظر في ذلك: "السيرة النبوية" 1/ 396، و"الروض الأنف"، 2/ 148، و"دلائل النبوة" 2/ 354.

ص: 61

فصل:

جمع بعضهم فيما حكاه عياض

(1)

في حديث شريك ثلاثة أوهام: شق الصدر، وذكر النوم، ودنو الرب جل جلاله، إذ شق البطن في الأحاديث الصحيحة إنما كان في صغره، مع أن أنسًا قد بين من غير طريق أنه إنما رواه عن غيره، وأنه لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال مرة: عن مالك كما سلف، وفي مسلم: لعله عن مالك على الشك

(2)

، وقال مرة: كان أبو ذر يحدث

(3)

. نعم قال الحاكم في "إكليله": المعراج صح سنده بلا خلاف بين أئمة الحديث فيه. ومدار الروايات الصحيحة فيه على أنس، وقد سمع بعضه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمع تمامه، فسمع بعضه عن أبي ذر. وبعضه عن مالك، وبعضه عن أبي هريرة وأما شق الصدر فقد أخرجه فيما مضى من حديث قتادة عن أنس، عن مالك وأخرجه أيضًا وأخرجاه من حديث محمد بن

مسلم عن أنس، عن أبي ذر.

وفي "مغازي موسى بن عقبة" أنه عليه السلام أول ما رأى أن الله أراه رؤيا في المنام فشق ذلك عليه، فذكرها لخديجة، فعصمها الله من التكذيب، ثم خرج من عندها فأخبرنا أنه رأى بطنه شق ثم طهر وغسل، ثم أعيد كما كان، فقالت: هذا والله خير فأبشر، ثم استعلن له جبريل.

وذكره ابن إسحاق أيضًا في "المبتدأ"، وفي "الدلائل" لأبي نعيم الحافظ

(4)

.

(1)

"إكمال المعلم" 1/ 497 - 499.

(2)

مسلم (164).

(3)

مسلم (163).

(4)

"دلائل النبوة" لأبي نعيم ص 159 - 162 (97).

ص: 62

و"الأحاديث الصحيحة" للضياء

(1)

أنه عليه السلام قال: "شق صدري وأنا ابن عشر سنين"

(2)

وأشار أبو نعيم إلى غرابته

(3)

.

وأما ذكر النوم فقد ورد في الصحيح من غير حديثه فلا إنكار فيه، بل روى أبو نعيم من حديث أبان، عن إبراهيم، عن علقمة: أول ما يؤتى به الأنبياء في المنام حتى تهدأ قلوبهم، ثم يأتي الوحي بعد.

فيحتمل أن يكون رآه أولاً منامًا، ثم يقظة.

وروى سعيد بن المسيب مرفوعًا: "ما من شيء يجري لابن آدم إلا ويراه في منامه حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه" ذكره القيرواني في تعبيره المسمى بـ "البستان"، وذكر العرني في مولده: أن حليمة رأت شق صدره في المنام على الهيئة التي أخبرها بها في اليقظة فقصتها على زوجها. ولفظ الدنو جاء في الصحيح تفسيره بشيء سائغ لا إنكار فيه، أن عائشة لما سئلت عنه قالت: ذلك جبريل كان يأتيه في صورة الرجال، وأنه رآه في هذِه المرة في صورته التي هي صورته فسدَّ أفق السماء

(4)

، وكذا ذكره مسلم في "صحيحه" عن ابن مسعود

(5)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: هو الضياء المقدسي محمد بن عبد الواحد في "الأحاديث المختارة" عملها على هيئة "المستدرك" وقد سمعت منها جزأين بدمشق من بعض أصحاب أصحابه، وقد أخبرني بعض المحدثين أنها أحسن من "المستدرك" للحاكم.

(2)

"الأحاديث المختارة" 4/ 39.

(3)

"دلائل النبوة"(166).

(4)

مسلم (177).

(5)

مسلم (174).

ص: 63

فصل:

روى الزبير من حديث يونس عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلاة، وهذا رد على ابن حزم في قوله: لا خلاف أنها صلت معه بعد فرضها.

فصل:

(وَقَال هَمَّامٌ: عَنْ قَتَادَةَ .. إلى آخره)، هذا رواه أبو نعيم الحافظ عن عمرو بن حمدان أخبرنا الحسن بن سفيان، ثنا هدبة، ثنا همام به، أنه رأى البيت المعمور يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون فيه.

ولا يعترض بعدم سماع الحسن من أبي هريرة، فقد ثبت في عدة أحاديث سماعه منه ولله الحمد، وصرح به موسى بن هارون وقتادة وغيرهما.

فصل:

في "صحيح ابن حبّان": أن جبريل عليه السلام حمله عليه السلام على البراق رديفًا له، ثمّ رجعا ولم يصل فيه ولو صلى لكانت سنة

(1)

، وهو من أظرف ما يستدل به على الإرداف.

فصل:

أخرج البيهقي حديث الإسراء من حديث شداد بن أوس.

وفيه: أنه صلى تلك الليلة ببيت لحم.

ومن حديث عبد الرحمن بن هاشم، عن عتبة، عن أنس وحذيفة وأبي عمران الجواد الحوي عن أنس.

(1)

"صحيح ابن حبان" 1/ 234.

ص: 64

وروى أيضًا من حديث ابن مسعود، وأن سدرة المنتهى في السادسة

(1)

.

وأبي سعيد من حديث أبي هارون العبدي، ومن حديث أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة.

وفي "طبقات ابن سعد": بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم في بيته ظهرًا، أتاه

جريل وميكائيل فقالا: انطلق إلى ما سألت -فساق حديث الإسراء-

وقال بعضهم: فقد رسول الله تلك الليلة، فتفرقت بنو عبد المطلب

يطلبونه، ويلتمسونه، وخرج العباس حتى بلإذا طوى فجعل يصرخ:

يا محمد يا محمد، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لبيك" فقال: يا ابن

أخي، عنَّيت قومك منك الليلة، فأين كنت؟ قال: "أبيت ببيت

المقدس "قال: في ليلتك؟ قال: "نعم "قال: هل أصابك إلا خير؟

قال: "ما أصابني إلا خير". وقالت أم هانئ: ما أسري به إلا من

بيتنا؛ نام عندنا تلك الليلة

(2)

.

وفي " الشفا "رأى موسى في السابعة، بتفصيل كلامه حيث له، ثم على

فوق ذلك مما لا يعلمه إلا الله، فقال موسى: لم أظن أني لم يرفع عليَّ

أحد

(3)

.

فصل:

اختلف العلماء: هل كان الإسراء بروحه أو بجسده؟ على ثلاث

مقالات.

(1)

"شعب الإيمان"2/ 459.

(2)

"الطبقات الكبرى "1/ 213، 214.

(3)

" الشفا" 1/ 184.

ص: 65

فذهبت طائفة إلى الأول، وأنه رؤيا منام، مع اتفاقهم على أن رؤيا الأنبياء وحي وحق، وإلى هذا ذهب معاوية، وحكي عن الحسن، والمشهور عنه، خلافه، وإليه أشار ابن إسحاق، وحجتهم: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} الآية [الإسراء: 60].

وروى ابن مردويه من حديث الحسن بن علي: أنه عليه السلام قال: "رأيت في المنام كأنَّ بني أمية يتعاورون منبري هذا"، فأنزل الله هذِه الآية

(1)

، وذكره أيضًا من حديث علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، مرسلًا وما حكوا عن عائشة: ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

، وقوله:"بينا أنا نائم" وقول أنس: وهو نائم في المسجد الحرام، وذكر القصة، وقال في آخرها:"فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام".

وذهب معظم السلف إلى الثاني، وأنه إسراء بالجسد وفي اليقظة، وهذا هو الحق، وهو قول ابن عباس فيما صححه الحاكم، وعدد في "الشفا" عشرين نفسًا، قال بذلك من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وأنه دليل قول عائشة وقول الطبري

(3)

، وجماعة عظيمة، وهو قول أكثر المتأخرين من الفقهاء، والمحدثين، والمفسرين والمتكلمين

(4)

.

وقالت طائفة: كان الإسراء بالجسد يقظة، إلى بيت المقدس، وإلى السماء بالروح، واحتجوا بقوله تعالى:{سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] فلو كان زيارة في الجسد لذكره ليكون أبلغ للمدح.

ثم اختلف هؤلاء: هل صلى ببيت المقدس أم لا؟

(1)

ذكره ذلك السيوطي في "الدر" 4/ 346.

(2)

عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 227 إلى ابن إسحاق وابن جرير.

(3)

"تفسير الطبري" 8/ 103.

(4)

"الشفا" 1/ 187 - 188.

ص: 66

ففي حديث أنس وغيره: صلاته فيه، وأنكر ذلك حذيفة وقال: والله ما زال عن ظهر البراق حتى رجعا.

والصحيح والحق أنه إسراء بالجسد والروح في القصة كلها. وعليه تدل الآية وصحيح الأخبار والاعتبار، ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة، وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة، إذ لو كان منامًا،، لقال: بروح عبده، ولم يقل:{بِعَبْدِهِ} وقوله: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)} [النجم: 17] ولو كان منامًا لم يكن فيه معجزة ولا آية، ولما استبعده الكفار ولا كذبوه، ولا ارتدوا -أي: ضعفاء من أسلم- وافتتنوا به؛ إذ مثل هذا من المنامات لا ينكر، بل لم يكن ذلك منهم، إلا وقد علموا أن خبره إنما كان عن جسمه وحال يقظته، إلى ما ذكر في الحديث من صلاته بالأنبياء ببيت المقدس في رواية أنس، وفي السماء على ما روى غيره.

وذكر مجيء جبريل له بالبراق، وشبه ذلك من مراجعته مع موسى، ودخوله الجنة، قال ابن عباس: هي رؤيا عين رآها لا رؤيا منام

(1)

.

وعن الحسن فيه: "بينا أنا جالس في الحجر جاءني جبريل فهمزني بقدمه، فجلست فلم أر شيئًا، فعدت إلى مضجعي" ذكر ذلك ثلاثًا، قال في الثالثة:"فأخذ جبريل بعطفي فجرني إلى باب المسجد، فإذا بدابة".

وحديث أم هانئ بيَّن فيه أنه بجسمه، وكذا حديث الصديق والفاروق، ومن قال: إنها نوم احتج بالآية السالفة، فسماها رؤيا، وآية الإسراء ترده؛ لأنه لا يقال في النوم: أسرى

(2)

.

(1)

"الشفا" 1/ 189.

(2)

المصدر السابق.

ص: 67

وقوله: (فتنة) يؤيده على أنه قيل: إنها نزلت في قصة الحديبية، وما وقع في نفوس الناس من ذلك، وما سلف لا دلالة فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون أول وصول الملك إليه كان وهو نائم، ولعلَّ:"استيقظت" معناه: أصبحت أو من نوم آخر بعد وصوله بيته، يوضحه أن مسراه لم يكن طول ليلته، وإنما كان في بعضه، أو استيقظت وأنا في المسجد لما كان غمره من عجائب ما طالع من الملكوت فلم يستفق ويرجع إلى حالة البشرية إلا وهو بالمسجد الحرام.

أو يكون نومه واستفاقته حقيقة على مقتضى لفظه، ولكنه أُسري بجسده وقلبه حاضر، ورؤيا الأنبياء حق، وقد مال بعض أصحاب الإشارات إلى نحو هذا.

قال: يغمض عينيه؛ لئلَّا يشغله شيءٌ من المحسوسات عن الله، ولا يصح هذا أن يكون في وقت صلاته بالأنبياء، ولعله كانت له في الإسراء حالات.

أو يعبر بالنوم هنا عن هيئة النائم من الاضطجاع.

يوضحه قوله في رواية عبد بن حميد، عن همام:"بينا أنا نائم" وربما قال: "مضطجع"، وفي رواية هدبة:"مضطجع" وفي الرواية الأخرى: "بين النائم واليقظان" فيكون سمى هيئته بالنوم لما كانت هيئة النائم غالبًا

(1)

: وقول عائشة: ما فقدت جسده. فلم تحدث عن مشاهدة؛ لأنها لم تكن حينئذٍ زوجه، ولا في سن من يضبط، ولعلها لم تكن ولدت، فإذا لم تشاهد ذلك دل أنها حدثت بذلك عن غيرها فلم يرجح خبرها على خبر غيرها، وغيرها يقول خلافه مما وقع نصًّا

(1)

المصدر السابق 1/ 192 - 193.

ص: 68

في حديث أم هانئ وغيره، وأيضًا فليس حديث عائشة بالثابت عندنا. كذا قال عياض

(1)

، لكنه في مسلم، والأحاديث الآخر أثبت (إسنادًا يعني)

(2)

: حديث أم هانئ وما ذكرت فيه (صريحة)

(3)

، وأيضًا فقد روي في حديث عائشة: ما فقدت. ولم يدخل بها عليه السلام إلا بالمدينة، وكل هذا يوهيه، بل الذي يدل عليه صريح الأخبار قولها: إنه بجسده؛ لإنكارها أن تكون رؤياه لربه رؤيا عين، فلو كان عندها منامًا لم تنكره.

وأما قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)} [النجم: 11] فجعل ما رآه القلب وهو دالٌّ على أنه رؤيا نوم ووحي، لا مشاهدة عين وحس، يقابله قوله تعالى:{مَا زَاغَ الْبَصَرُ} [النجم: 17] فقد أضاف الأمر للبصر، وقد قال أهل التفسير في قوله تعالى:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ} [النجم: 11] أي: لم يوهم القلب العين غير الحقيقة بل صدق رؤيتها، وقيل: ما أنكر قلبه ما رأته عينه.

فائدة:

ذكر أبي خالد في كتاب: "الاحتفال في أسماء الخيل وصفاتها": أن البراق ليس بذكر ولا أنثى، ووجهه كوجه الإنسان، وجسده كجسد الفرس، وقوائمه كقوائم الثور، وذنبه كذنب الغزال.

وروى التيمي عن أنس مرفوعًا: "أتاني جبريل بالبراق"، فقال الصديق: قد رأيتها يا رسول الله، قال: هي بدنة، فقال:"صدقت فقد رأيتها يا أبا بكر"

(4)

.

(1)

المصدر السابق 1/ 194.

(2)

في "الشفاء" لسنا نعني.

(3)

في "الشفا" خديجة.

(4)

ذكر السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 288، وعزاه إلى ابن النجار في "تاريخه".

ص: 69

فصل:

في ألفاظ الحديث:

الطَسْت مؤنثة، وجمعها: طسوس، ولذلك قال ملأى على وزن سكرى، قاله ابن التين لكن بخط الدمياطي.

"مُلِئَ": بضم أوله قال: وفي باب: ذكر إدريس: "ممتلئ"

(1)

. قال ابن التين هناك: وصوابه ممتلئة؛ لأن الطست مؤنثة إلا أنه يجوز على ما تقرر في المؤنث الذي لا فرخ له أنه يجوز تذكيره.

والحِكْمَة: كل كلمة عدل لا خلل فيها، ومنه:"إن من الشعر لحكمًا"

(2)

أي: منه ما يدعو إلى الخير.

وقوله: ("فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ البَطْنِ") أي: أسفله المغابن وما يليها، وأصله: مرافق، فأدغمت القاف في القاف، وهي على وزن مفاعل، سميت بذلك؛ لأنها موضع رقة الجلد.

وقوله: ("أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ") ولم يقل: بيضاء؛ لأنه أعاده على المعنى، أي: بمركوب أو براق. وبكاء موسى عليه الصلاة والسلام لا يتأول على معنى المحاسدة له والمنافسة فيما أكرم به، فذلك لا يليق بصفات الأنبياء وأخلاق الأجلة من الأولياء، وإنما بكى لنفسه ولأمته حين بخس الحظ منهم، إذ قصر عددهم عن مبلغ عدد أمة محمد شفقًا على أمته، وتمنى الخير لهم، وقد يليق هذا بصفات الأولياء.

(1)

سيأتي برقم (3342) كتاب: أحاديث الأنبياء.

(2)

جزء من حديث "إن من البيان لسحر وأن من الشعر لحكمًا" رواه الطبراني في "الأوسط" 7/ 341، والحاكم في "المستدرك" 3/ 613 وسكت عنه، ولم يذكره الذهبي في "التلخيص".

ص: 70

والبكاء على ضروب: فقد يكون مرة حزنًا أو ألمًا، ومرة من إسكان أو عجيب، ومرة من سرور وطرب.

وفيه: كما قال الداودي: تمني الخير والتنافس فيه، وتمني المرء مثل ما لغيره له، وإنما قال: يدخل الجنة من أمته أكثر؛ لأن لكلِّ نبيّ أجر منْ اتبعه واهتدى به.

وأما قوله: ("هذا الغُلَامُ") فمعناه: على تعظيم المنة لله عليه فيما أناله من النعمة، وأحفه له من الكرامة من غير طول عمر بلغه في عبادته، وأفناه مجتهدًا في طاعته، وقد تسمي العرب الرجل المستجمع السن غلامًا ما دامت فيه بقية من قوة، وذلك مشهور في لغتهم، قال الداودي: يقال لمن لم يبلغ خمسين: غلام وكهل وفتى وشاب.

وقال ابن فارس: الغلام الطار الشارب

(1)

، وقال ابن التين في باب المعراج: المعروف أن من قارب الخمسين يسمى كهلًا لا غلامًا.

فصل:

وذكره إدريس في السماء الرابعة قيل: هو معنى قوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)} [مريم: 57] قاله أبو سعيد الخدري

(2)

، وقيل: رفعناه في المنزلة والرتبة، وقيل: إنه سأل ملك الموت أن يريه النار، فأراه إياها، ثم الجنة، فأدخله إياها، ثم قال له: اخرج، فقال: وكيف أخرج وقد قال الله: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48] وقيل: سأل إدريس ربه أن يذيقه الموت ثم يرد إليه روحه، ففعل ذلك، ثم سأله أن يدخله الجنة ففعل، فلما رآها قال له رضوان: اخرج، قال: إن الله قضى

(1)

"مجمل اللغة" 2/ 684 مادة (غلم).

(2)

رواه الطبري 8/ 353 (23774).

ص: 71

لمن دخلها ألَّا يخرج، وقد ذقت الموت المحتوم على العباد، فأمره الله بتركه.

(وروي عن كعب أنه قال لابن عباس: لم نزلت هذِه الآية؟ فقال كعب: كان إدريس صديق ملك فقال له: كلم لي ملك الموت في تأخير قبض روحي. فحمله الملك تحت طرف جناحه، فلما بلغ به السماء الرابعة لقي ملك الموت، فكلمه فقال: أين هو؟ فقال: ها هو ذا. فقال: من العجب أني أمرت أن أقبض روحه هنا، فقبضها)

(1)

.

وفيه: دليل على النسابة في قولهم: إن إدريس جد نوح؛ إذ لو كان كذلك لقال: مرحبًا بالابن الصالح كما قال إبراهيم وآدم، وإنما قال: الأخ الصالح، قال ابن عباس: وإدريس هو اليسع، فعلى هذا هو مرسل، ذكره ابن التين، وقوله في إبراهيم: إنه في السابعة، ذكر في أول البخاري أنه في السادسة، ويجمع بينهما بتعدد الإسراء، فإن كان واحدا فلعله وجده في السادسة، ثم ارتقى إبراهيم في السابعة.

واختلف في موسى: هل هو في السادسة أو السابعة، واحتج بأنه في السابعة بأنه أول من مر به فلذلك كلمه في نفس الصلاة، قاله ابن التين، قال: وما ذكره من رؤياه إياه فإنما رأى الأرواح إلا عيسى، فإنه لم يمت، قال ابن عقيل الحنبلي: أشكل أرواحهم على هيئة صور أجسامهم، قلت: الأنبياء أحياء، وهي مسلوبة الروح.

وقوله: ("فَإِذَا نَبقُهَا") يقال: يكسر الباء وسكونها، وهي: ثمر السدر

(2)

.

(1)

الرواية بالمخطوط بها سقط ولبس وهي في تفسير ابن كثير في تفسير قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)} [مريم: 57] 9/ 260 - 261 فليرجع إليه.

(2)

انظر "العين" 5/ 181، و"الصحاح" 4/ 1557 مادة (نبق).

ص: 72

وقوله: ("كقِلَال هَجَرٍ") قيل: في القلة مائتا رطل وخمسون رطلاً، بالرطل البغدادي. كذا قاله ابن التين، وهو الأصح في مذهبنا أنهما خمسمائة رطل.

قال الخطابي: القلال: الجرار، وهي معروفة عند المخاطبين معلومة القدر، وقد حدد بها الماء، والتحديد لا يقع بمجهول

(1)

، وعبارة ابن فارس: القلة: ما أقله الإنسان من جرة أو حب، قال: وليس في ذلك عند أهل اللغة حد محدود إلا أن يأتي في الحديث (تفسير)

(2)

فيجب أن نسلم

(3)

، وعبارة الهروي القلة: منها تأخذ مزادة من الماء، سميت بذلك؛ لأنها تقل أي: ترفع.

وهجر -بفتح الهاء والجيم- بلد

(4)

، لا تنصرف للتعريف والتأنيث.

فائدة:

قيل: إن علم الخلائق انتهى إلى سدرة المنتهى لم يجاوز ما وراءها.

وقوله: ("فَنُودِيَت: إني قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي") قال ابن التين: احتجّ به من قال: إن الله عز وجل كلم محمدًا ليلة الإسراء، وقد اختلف هل كان الإسراء يقظة أو منامًا؟ قلت: قد روي: أن ملكًا نادى بذلك، ولا خلاف في تكليمه، وإنما الخلف هل رآه؟

والمشهور: نعم، وفي رواية البخاري:"فنودي: إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي".

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1680.

(2)

من (ص 1).

(3)

"مجمل اللغة" 2/ 726 مادة: (قل).

(4)

انظر "معجم البلدان" للحموي 5/ 393.

ص: 73

فصل:

قوله "الأخ الصالح". إنما عبر بصالح لشموله سائر الخلال الحسنة.

وفيه: استحباب لقاء أهل الفضل بالبشر والدعاء والترحيب، وإن كانوا أفضل من الداعي.

وفيه: جواز مدح الإنسان في نفسه إذا أمن عليه أسباب الفتنة.

فصل:

ينعطف على ما مضى أول الباب، ذكر الزجاج في "المعاني": أن الرسل من الملائكة - صلوات الله عليهم وسلامه -: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت

(1)

.

وفي "ربيع الأبرار" للزمخشري عن سعيد بن المسيب قال: الملائكة ليسوا بذكور ولا إناث ولا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون.

وقال عبد الرحمن بن سابط: يدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل للريح والجنود وميكائيل للنبات والقطر، وملك الموت لقبض الأنفس، وإسرافيل ينزل إليهم بما يؤمرون.

وروى الكلاباذي في "أخباره" من حديث الفضل بن عيسى، عن عمه يزيد بن أبان، عن أنس مرفوعًا:"يقول الله عز وجل لملك الموت بعد فناء الخلق: من بقي؟ فيقول: جبريل وميكائيل، فيقول: خذ نفس ميكائيل فيقع في صورته التي خلقه الله عليها مثل الطود العظيم، ثمّ يقول: من بقي؟ فيقول: جبريل وملك الموت. فيقول: مت يا ملك الموت فيموت، ويبقى جبريل، فيأخذ الله روحه، فيقع على ميكائيل، وإنّ فضل خلقه على فضل ميكائيل كفضل الطود العظيم على الضرب من الضرار".

(1)

"معاني القرآن" 5/ 435.

ص: 74

قال محمود بن عمر

(1)

: ويروى: أنّ صنفًا من الملائكة لهم ستة أجنحة: فجناحان يكفان بهما أجسادهما، وجناحان يطيرون بهما في الأمر من أمور الله تعالى، وجناحان مرخيان على وجوههم حياءً من الله تعالى. وقال على يصف الملائكة: منهم الأمناء على وحيه، ومنهم الحفظة لعباده، ومنهم السدنة لأبواب جناته، ومنهم الثابتة في الأرض السفلى أقدامهم في الأرض، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم ولقوائم العرش أكتافهم.

وعن أبي العالية: الكروبيون: سادة الملائكة منهم: جبريل وإسرافيل، ويقال لجبريل: طاوس الملائكة.

قال الكلاباذي: سمعت بعض شيوخ المتكلمين تقول: إن جبريل يخلقه الله في وقت نزوله على محمد إنسانًا وبشرًا.

وهذا لا يستقيم؛ لأنه لو كان كما قالوا، لكان قول المشركين: إنما يعلمه بشر، صدقًا، والله تعالى يقول:{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)} [النجم: 5]{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)} [الشعراء: 193] فجبريل جبريل، وإن كانت الصورة صورة إنسان، إذن فالصورة ليست الملك، وإن كان الملك هي بدل الصورة.

روينا عن علي مرفوعًا: "إن في الجنة سوقًا ما فيها شراء ولا بيع إلا صور الرجال والنساء، من اشتهى صورة دخل فيها"

(2)

فأخبر أن الصورة غير التي يدخل فيها.

(1)

بهامش الأصل: هو الزمخشري.

(2)

رواه الترمذي (2550)، ورواه عبد الله بن أحمد في زوائد "المسند" 1/ 156 (1343) وأبو يعلى 7/ 232 (268) وقال الترمذي: حديث غريب، وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" 3/ 584 (1813).

ص: 75

فصل:

اختلف في البيت المعمور وفي مكانه، فقيل: البيت الذي بناه آدم أول ما نزل إلى الأرض، فرفع إلى السماء في أيام الطوفان، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، والملائكة تسميه: الضراح، بالضاد المعجمة؛ لأنه ضرح عن الأرض إلى السماء، أي: أُبعد، ومنه: نية ضرح وطرح: بعيدة.

وقال أبو الطفيل: سمعت عليًّا -وسئل عن البيت المعمور- قال: ذاك الضراح بيت الكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه حتى تقوم القيامة

(1)

.

قال محمود بن عمر: ويقال له الضريح أيضًا، ومن قال الضراح فهو اللحن الصراح

(2)

.

وعن ابن عباس والحسن: إنه البيت الذي بمكة معمور بمن يطوف به.

وعن محمد بن عباد بن جعفر: أنه كان يستقبل القبلة، ويقول: واحبذا بيت ربي ما أحسنه وأجمله، هذا والله البيت المعمور.

وقيل: البيت المعمور في السماء الدنيا، أو الرابعة، أو السادسة، أو السابعة، أقوال.

وعن جعفر بن محمد، عن آبائه: هو تحت العرش، وتقدم طرف منه في أول الصلاة.

(1)

رواه عبد الرزاق 5/ 29 (8875).

(2)

"الفائق" 2/ 336.

ص: 76

والحديث الثاني من أحاديث الباب:

حديث أَبِي الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ قَالَ: "إِنَّ خلق أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ"

الحديث. وقد سلف الكلام عليه في الطهارة، وسيأتي في خلق آدم والنذر والتوحيد، وأخرجه مسلم والأربعة أيضًا

(1)

.

قال الخطيب في كتابه: "الفصل للوصل": رواه ابن عيينة، وجماعات عددهم، عن الأعمش، ثنا زيد. فذكره مطولاً، وكذا رواه جماعات عن الأعمش عددهم.

ومن أول الحديث إلى قوله: ("شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ") كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما بعده كلام ابن مسعود، وقد رواه عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، عن الأعمش فاقتصر من المتن على المرفوع فحسب، ورواه بطوله سلمة بن كهيل، عن زيد بن وهب، بفصل كلام ابن مسعود من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بعد ذكر الشقاوة والسعادة: قال عبد الله: والذي نفسي بيده إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة الحديث، وذكر ابن مردويه في "مجالسه" من حديث يعقوب بن الطفيل، عن مجاهد، عن أبي الطفيل، قال: أتيت حذيفة بن أسيد الغفاري فذكرت له ما سمعته من ابن مسعود: الشقي من شقي في بطن أمه. فقال: وما تنكر من ذلك سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ خلق أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ خمسة وأَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ" الحديث.

(1)

مسلم برقم (2643) كتاب: القدر، باب: كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه

وأبو داود (4708)، والترمذي (2137)، وابن ماجه (76)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 366 (11246)

ص: 77

ولا التفات إلى ما حكي عن عمرو بن عبيد، وكان من زهاد القدرية من إنكاره هذا الحديث فهو أقل من هذا.

فصل:

معنى (الصَّادِقُ المصدوق): الصادق في قوله وفيما يأتيه من الوحي. والْمَصْدُوقُ أن الله صدقه في وعده.

وقوله: ("فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا") يريد: نطفة، قال بعض العلماء: وكذلك جعل على المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا؛ لأن الأربعة لاعتبار الخلقة، وعشرًا احتياطًا، ولغيره ثلاث حيض؛ لأن عليها رقيبًا، وأبيح لها أن تتزين وتغايظ زوجها، وجاء تفسيره عن ابن مسعود: إن النطفة إذا وقعت في الرحم، وأراد الله خلق بشر منها، طارت في بشر المرأة تحت كل ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين ليلة، ثم تنزل دمًا في الرحم

(1)

، فذلك جمعها. والذي في الحديث الذي يجمع خلقه أربعين يومًا. بخلاف تفسيره أنه يجمع بعد الأربعين.

والعَلَقَة: واحد العلق وهو الدم قبل أن ييبس.

والمُضْغَة: القطعة الصغيرة من اللحم قدر ما يمضغ كغرفة لمقدار ما يغرف.

وظاهر الحديث: أن أعمال الحسنات والسيئات أمارات وليس موجبات، وأن العاقبة في ذلك للسابقة.

فائدة:

روى ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي الدرداء مرفوعًا: "فرغ الله إلى كل عبد من خمس: من رزقه، وأجله، وعمله، وأثره،

(1)

روى هذا الأثر الخطابي في "أعلام الحديث" 2/ 1482 - 1483.

ص: 78

ومضجعه"

(1)

يعني: قبره فإنه مضجعه على الدوام، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34].

الحديث الثالث: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَحَبَّ اللهُ العَبْدَ نَادى جِبْرِيلَ: إِنَّ الله يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ الله يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ".

وهذا الحديث سبق بيانه واضحًا ويأتي في الأدب والتوحيد

(2)

.

أخرجه مسلم أيضًا. قال الطرقي: ذكر البخاري الحب في كتابه، ولم يذكر البغض، وهو في رواية غيره:"وإذا أبغض عبدًا نادى جبريل، ثم ينادي في السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضه- قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادى في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضوه، ثم يوضع البغض في الأرض"

(3)

وقد أسلفت ذلك من عند مسلم، ومعنى "يوضع له القبول في الأرض": عند أكثر من يعرفه من المؤمنين، ويبقي له ذكرًا صالحًا.

الحديث الرابع:

حديث ابن أَبِي جَعْفَرٍ -عبيد الله المصري مولى علي به، مات سنة خمس أو ست وثمانين- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ المَلَائِكَةَ

(1)

"صحيح ابن حبان" 14/ 18 (6150).

(2)

سيأتي برقم (6040) باب: المقة من الله تعالى، و (7485) باب: كلام الرب مع جبريل.

(3)

هذِه الزيادة رواها مسلم برقم (2637) كتاب: البر والصلة، باب: إذا أحب الله عبدًا حببه إلى عباده.

ص: 79

تَنْزِلُ فِي العَنَانِ -وَهْوَ السَّحَابُ- فَتَذكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ، فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ".

هذا الحديث من أفراده بهذا السند، وروي نحوه من كتاب الأدب من حديث يحيى بن عروة، عن أبيه، عن عائشة

(1)

، وكذا هو في مسلم

(2)

، وليس في الكتب الستة ليحيى، عن أبيه غير هذا وعلقه في صفة إبليس أيضًا فقال: وقال الليث: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال أنَّ أبا الأسود أخبره، عن عروة، عن عائشة يرفعه:"الملائكة تحدث في العنان" الحديث.

وفيه: "فيقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة، فيزيدون معها مائة كذبة" وهو موصول أيضًا من حديث خالد.

وصله أبو نعيم فقال: حدثنا سليمان، ثنا طالب بن شعيب، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا الليث، ثنا خالد فذكره. قال أبو نعيم: ذكره -يعني: البخاري- عن الليث بلا رواية، قال: ويقال: إنه سمعه من عبد الله بن صالح، عن الليث، فعدل عن ذكره وتسميته، وفي الصحيحين أيضًا عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: "ليس بشيء"، قالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانًا بشيء ويكون حقًّا، فقال عليه السلام:"تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة" وفي لفظ: "كقرقرة الدجاجة"

(3)

.

(1)

سيأتي برقم (6213) باب: قول الرجل للشيء: ليس بشيء وهو ينوي أنه ليس بحق.

(2)

مسلم (2228).

(3)

سيأتي في التوحيد برقم (7561) باب: قراءة الفاجر والمنافق.

ص: 80

إذا تقرر ذلك فالْعَنَانِ بفتح العين: السحاب جمع عنانة.

وقوله: "فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ" ظاهره أنهم الكهان، وقال الداودي: يحتمل أن يعني الكاهن أو الشيطان، وقوله في الرواية التي أوردناها:"ليس بشيء" أي: ليس قولهم بشيءٍ يعتمد عليه ولا حقيقة له، وأخذ من هذا جواز إطلاق هذا اللفظ على ما كان باطلاً.

والعرب تقول لمن عمل شيئًا لم يحكمه: ما عملت شيئًا.

وقوله فيها: "فيقرها" ضبطه ابن الجوزي بضم الياء

(1)

، والنووي بفتحها مع ضم القاف، وتشديد الراء

(2)

، وقر الدجاجة، أي: كصوتها إذا قطعته.

يقال: قرت الدجاجة تقرقرًا، فإن رددته قيل: قرقرت قرقرة، والقرقرة: ترديد كالكلام في أذن الأطروش حتى يفهم؛ كما يستخرج ما في القارورة شيئًا بعد شيء إذا أفرغت. وعند الإسماعيلي قر الزجاجة بالزاي، وكأنه اعتبره باللفظ الذي هو فيه كما تقر القارورة، ويكون قر الزجاجة، معناه: صوتها إذا فرغ ما فيها، قال الدارقطني: وهو تصحيف من الإسماعيلي

(3)

، والصواب بالدال.

وعن أبي سليمان: الكهنة: قوم لهم أذهان حادة، ونفوس شريرة، وطباع نارية، فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذِه الأمور، وساعدتهم بما في وسعها

(4)

.

وفي البخاري في كتاب الطب، باب: الكهانة، وذكر فيه حديث

(1)

"غريب الحديث" 2/ 232.

(2)

"صحيح مسلم بشرح النووي" 14/ 225.

(3)

"غريب الحديث" لابن الجوزي 2/ 232.

(4)

"أعلام الحديث" 3/ 2219.

ص: 81

المرأتين من هذيل، وقال فيه: عن ابن شهاب، عن ابن المسيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين

(1)

. مرسل رواه الإسماعيلي من حديث معن، عن مالك به مرسلًا. ثم قال: قد أسنده ابن أبي ذئب ويونس، وأرسله مالك

(2)

، وفليح.

وقال البخاري إثر حديث على: عن هشام، أنا معمر، عن الزهري، عن يحيى بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم ناس من الكهان، الحديث.

وقال علي: قال عبد الرزاق: مرسل

(3)

. وقال الإسماعيلي: بلغني أن عليًّا أسنده بعد.

ورواه أبو نعيم عن سليمان، عن إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، فذكره مسندًا.

واعلم أن الكهانة كانت في العرب على ثلاثة أضرب، ذكرها القاضي عياض:

أحدها: أن يكون للإنسان ولي من الجن يخبره مما يسترق من السمع، وهذا القسم بطل بمبعث نبينا.

ثانيها: أن يخبره بما يطرأ -ويكون في أقطار الأرض- وما خفي عليه مما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده، ونفت هذا كله المعتزلة وبعض المتكلمين، وأحالوهما، ولا استحالة في ذلك ولا بعد في وجوده، لكنهم يكذبون ويصدقون، والنهي عن تصديقهم والسماع منهم عام.

(1)

سيأتي برقم (5760).

(2)

"الموطأ" ص 533.

(3)

سيأتي برقم (5762).

ص: 82

ثالثها: المنجمون، وهذا الضرب يخلق الله فيه لبعض الناس قوة وشدة ما، والكذب فيه أغلب

(1)

، والكاهن لغة: الذي يضرب بالحصى، كما قاله في:"الجامع".

وفي "الموعب": كهن: صار منجمًا، وهو في كلامهم أيضًا كما قال الأزهري: القائم بأمر الشخص الساعي له في حوائجه

(2)

وفي "المحكم": هو القاضي بالغيب

(3)

.

قال في: "الجامع": وكان بعض العرب يسمي الكاهن طاغوتًا، ويسمي كل من أخبر بشيءٍ قبل حدوثه كاهنًا، والمرأة: كاهنة.

وقال صاحب "مجمع الغرائب": الكاهن: هو الذي يدعي معرفة الأشياء المغيبة، فتصديقه فيما يدعي من علم الغيب قرع باب الكفر نعوذ بالله منه.

قال القاضي عياض: ومن هذا الباب: العرافة وصاحبها عراف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات، يدعي معرفتها بها، وقد يعتضد بعض أهل هذا الفن (بالزجر)

(4)

، والطرق والنجوم وأسباب معتادة في ذلك، وهذا الفن هو العيافة، وكلها تطلق عليها اسم الكهانة

(5)

.

قال القرطبي: فإذا كان كذلك فسؤالهم -يعني: الكاهن والعراف والمنجم- عن غيب ليخبروا عنه حرام، وما يأخذون على ذلك حرام

(1)

"إكمال المعلم" 7/ 153.

(2)

"تهذيب اللغة" 4/ 3201 مادة (كهن).

(3)

"المحكم" 4/ 103 مادة (كهن).

(4)

من (ص 1).

(5)

"إكمال المعلم" 7/ 153.

ص: 83

بلا خلاف؛ لأنه كحلوان الكاهن المنهي عنه، قاله أبو عمر، والأمة مجمعة عليه، ويجب على المحتسب أن يقيمهم من الأسواق وينكر عليهم أشد الإنكار، وإن صدق بعضهم في بعض الأمر فليس ذلك بالذي يخرجهم عن الكهانة، فإن تلك الكلمة إما خطفة جني أو موافقة قدر؛ ليغتر به بعض الجهال

(1)

.

والكذبة: بفتح الكاف وكسرها وسكون الذال فيهما، وأنكر بعضهم كما قال عياض الكسر إلا إذا أراد الحالة أو الهيئة

(2)

.

فصل:

قال ابن الأثير في حديث: "إنما هو من إخوان الكهان": إنما ضرب المثل بالكهان؛ لأنهم (كانوا)

(3)

يروجون أقوالهم بالباطل، فأما إذا وضع السجع مواضعه فلا ذم

(4)

، قال: ففيه ذمهم وذم من يتشبه بهم، والقائل: كيف أغرم من لا نطق .. إلى آخره يستحق بهذا السجع الذي احتج به على الشارع بالباطل شدة العقوبة في الدنيا والآخرة، غير أنه صفح عن الجاهل وترك الانتقام لنفسه، كما في ذاك الذي قال: اعدل.

الحديث الخامس:

حديث ابن شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالأَغَرِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابِ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ مَلَائِكَةُ .. ".

الحديث سلف في بابها، والأغر: هو سلمان أبو عبد الله المديني،

(1)

"المفهم" 5/ 633.

(2)

"مشارق الأنوار" 1/ 337.

(3)

من (ص 1).

(4)

"النهاية" 4/ 215.

ص: 84

وأصله من أصبهان اتفقا عليه ووقع لأبي ذر من طريق الهيثم وحده بدله الأعرج، والصواب: الأول، والحديث به مشهور، وكذا هو في مسلم: أخبرني أبو عبد الله الأغر

(1)

قال ابن السكن: ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن الزهري، عن أبي سلمة وسعيد والأغر، فصحَّ بهذا كله أن الحديث حديث الأغر.

وحديث الأعرج المذكور أخرجه النسائي في موضعين

(2)

.

الحديث السادس:

حديث سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: مَرَّ عُمَرُ فِي المَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ. الحديث سلف في الصلاة

(3)

، وأخرجه مسلم أيضًا

(4)

(وروح القدس) فيه هو جبريل.

الحديث السابع:

حديث البَرَاءِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانَ: "اهْجُهُمْ -أَوْ هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ". ذكره لأجل لفظة جبريل. ويأتي في المغازي والأدب

(5)

وأخرجه مسلم أيضًا

(6)

.

الحديث الثامن:

حديث أنَسِ بْنِ مَالِكٍ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بياضٍ سَاطِعٍ فِي سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ.

(1)

مسلم (850).

(2)

النسائي 3/ 97 - 98.

(3)

سبق برقم (453).

(4)

مسلم (2485).

(5)

برقم (4123 - 4124) وبرقم (6153).

(6)

مسلم (2486).

ص: 85

زَادَ مُوسَى: مَوْكِبَ جِبْرِيلَ.

وهذا ذكره في المغازي أيضًا، وشيخ البخاري نسبه ابن السكن هنا ابن راهويه وبه صرح الإسماعيلي وأبو نعيم. (موكب) بالخفض، وقيل: يعرب بالرفع، أي: هو موكب، وقيل: بالنصب، بقوله: انظر موكب جبريل.

قال ابن التين: وأحسن منهما: خفضه على البدل من غبار، أي: غبار موكب. كقول الشاعر

بسجستان طلحة الطلحات

أراد أعظم طلحة بذلك، كذلك موكب ههنا.

الحديث التاسع:

حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟

الحديث تقدم في أول الإيمان

(1)

.

وقوله: ("فَيَفْصِمُ") هو: بفتح الياء، قال ابن فارس: الفصم: أن يصدع الشيء من غير أن يبين، قال: ويقال: أفصم الشيء: أقلع

(2)

.

الحديث العاشر:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ". تقدم في الجهاد

(3)

.

(1)

سبق برقم (2).

(2)

"مجمل اللغة" 2/ 722 مادة: (فصم).

(3)

برقم (2841) باب فضل النفقة في سبيل الله.

ص: 86

الحادي عشر:

حديث الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا:"يَا عَائِشَةُ، هذا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ". قَالَتْ: وَعَلَيهِ السَّلَامِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرى مَا لَا أَرى. تُرِيدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

ويأتي بعد في المغازي والأدب والاستئذان والرقاق

(1)

وأخرجه مسلم أيضًا

(2)

. وهذا الحديث لما رواه النسائي، عن نوح بن حبيب، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

قال: هذا خطأ.

(3)

يعني: أن الصواب حديث الزهري، عن أبي سلمة كما في البخاري.

ورواه الشعبي، عن أبي سلمة وليس للشعبي، عن أبي سلمة، عن عائشة في "الصحيح" غيره.

قال الترمذي: وفي الباب عن رجل من بني نمير، عن أبيه، عن جده

(4)

.

فصل:

فيه: أنه عليه السلام يرى الملك، ولا يراه من معه، وفيه: فضل عائشة.

وفي القرآن: دليلٌ (أن ذلك)

(5)

كان بأمر الله؛ لقوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] وفي رد عائشة أن إنهاء السلام إلى البركة وهي سنة. قاله ابن عباس، وكان ابن عمر يقول: في ابتداء السلام وفي رده سواء: السلام عليكم

(6)

.

(1)

سيأتي برقم (3768، 6201، 6249، 6253).

(2)

مسلم (2447).

(3)

النسائي 7/ 69 - 70.

(4)

الترمذي (2693).

(5)

من (ص 1).

(6)

رواه ابن أبي شيبة 5/ 245.

ص: 87

فصل:

روي: "يا عائش" مرخمًا، فيجوز في الشين فتحها وضمها

(1)

.

و"يَقْرَأُ عَلَيْكِ" ثلاثي، وفي رواية:"يقرئك" بضم الياء

(2)

.

وفيه: استحباب بعث السلام، ويجب على الرسول تبليغه، وبعث سلام الأجنبي إلى الأجنبية الصالحة إذا لم يخف ترتب مفسدة، وأن الذي يبلغه السلام يرد عليه.

فرع:

الرد واجب على الفور، ويستحب أن يقول في الردِّ: وعليك أو وعليكم السلام، فلو حذف الواو أجزأه على الصحيح، وكان تاركًا للأفضل، فإن قلت: هلَّا واجهها جبريل كما واجه مريم؟

قلت: عنه جوابان ذكرهما ابن الجوزي:

أحدهما: أنه لما قدر وجود عيسى صلى الله عليه وسلم لا من أب. بعث جبريل؛ ليعلمها بكونه قبل كونه، لتعلم أنه يكون بالقدرة، فتسكن في زمن العمل، ثم بعث إليها عند الولادة؛ لكونها في وحدة فقال:{أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم: 24] فكان خطاب الملك لها في الحالتين؛ ليسكن انزعاجها.

الثاني: أن مريم كانت خالية من زوج، فواجهها بالخطاب، وأم المؤمنين احترمت لمكان سيد الأمة، كما احترم الشارع قصر عمر الذي رآه في المنام خوفًا من المغيرة

(3)

، وهذا أبلغ في فضل عائشة؛

(1)

ستأتي برقم (3768).

(2)

التخريج السابق.

(3)

سيأتي الحديث الدال على ذلك برقم (5226) ورواه مسلم (2394).

ص: 88

لأنه إذا احترمها جبريل الذي لا شهوة له حفظًا لقلب زوجها سيد الأمة كانت عما قيل عنها في الإفك أبعد، أو يكون خاطب مريم لكونها نبية على قول، وعائشة لم يذكر عنها ذلك.

الحديث الثاني عشر:

حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم لِجِبْرِيلَ: "أَلَا تَزُورُنَا أَكْثَرَ مِمَّا ثَزُورُنَا؟ " قَالَ: فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} الآية [مريم: 64].

هذا الحديث يأتي إن شاء الله في التفسير والتوحيد

(1)

.

قال الداودي: وهو دال على أن الله تعالى إذا أراد أمرًا أمر ونهى بكلامه، وأنه لم يقل ذلك قبل الوقت الذي أمر به، وهذا الكلام شديد؛ لأنه سبحانه وتعالى لم يزل آمرًا ناهيًا في الأزل، وإنما يفهم المخلوقون ذلك فيعلمون وقت النزول متى يكون.

الثالث عشر:

حديثه أيضًا: أَنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَقْرَأَنِي جِبرْيل عَلَى حَرْفٍ، فَلَم أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ". وهذا ذكره في فضائل القرآن

(2)

وسلف ذكرها.

وفي رواية أخرى: أن جبريل قال له: اقرأه على حرف، وكان ميكائيل عن شماله فنظر عليه السلام إلى ميكائيل (كالمستشير)

(3)

، فلم يزل

(1)

سيأتي برقم (4731، 7455).

(2)

سيأتي برقم (4991).

(3)

في (ص 1): المستبشر.

ص: 89

يشير إليه يستزده حتى (قال)

(1)

سبعة أحرف كلها شاف كاف

(2)

؛ فلهذا قيل: إن المراء في القرآن كفر، وأنه لا ينبغي أن يقول أحد لبعض القراءة: ليس هي هكذا، ولا يقال: إن بعض القراءة خير من بعض.

الحديث الرابع عشر:

حديث ابن عَبَّاسٍ: (كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ). الحديث تقدم في الصوم

(3)

.

وروى أبو هريرة وفاطمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن جبريل كان يعارضه القرآن. الأول سلف في الوحي، والثاني يأتي في علامات النبوة وفضائل القرآن.

الحديث الخامس عشر:

حديث ابن شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ أَخَّرَ العَصْرَ شَيْئًا. الحديث تقدم في الصلاة

(4)

.

الحديث السادس عشر:

حديث أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ لِي جِبْرِيلُ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، أَوْ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ، قَالَ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؟! قَالَ: "وَإِنْ". وسلف أيضًا في الاستقراض

(5)

.

(1)

في (ص 1): قرأ.

(2)

رواه النسائي 2/ 154، وأحمد 5/ 114، 122 وابن حبان 3/ 11 (737). من حديث أبي بن كعب، ورواه أحمد 5/ 41، 51، وابن أبي شيبة 6/ 138 من حديث أبي بكرة. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(78).

(3)

برقم (1902).

(4)

برقم (521).

(5)

برقم (2388).

ص: 90

السابع عشر:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: "الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ فيكم .. " إلى آخره.

سلف في الصلاة

(1)

، وفي حديث أبي ذر إثبات دخول ونفي دخول، وكل (واحد)

(2)

منهم متميز عن الآخر بنعت ووقت، والمعنى: أن من مات على الإسلام من أهل هذِه الصفة فمصيره الجنة يخلد فيها، وإن ناله قبل ذلك من العقوبة ما ناله.

وأما قوله: ("ولَمْ يَدْخُلِ النَّارَ") فمعناه: دخول تخليد، ولا بد من هذا التأويل؛ لورود الآثار الكثيرة في الوعيد.

وقال الداودي: قوله: ("لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ") يحتمل أن يعصم جميعهم منها، ويحتمل أن يعصم بعضهم من النار التي أعدت للكافرين ويصيبه من غيرها، ثم يصير إلى الجنة.

وفي هذا بيان لقوله: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن" أنه لا يخرجه ذلك من (الإيمان)

(3)

؛ لقوله: "وإن".

ولأن العقوبات في السرقة والزنا مختلفة، وليس عقوبة من خرج من الإيمان إلى الكفر إلا القتل.

(1)

برقم (555).

(2)

من (ص 1).

(3)

في (ص 1): من النار.

ص: 91

‌7 - باب إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِيَن. وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ

3224 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ، أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: حَشَوْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وِسَادَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ كَأَنَّهَا نُمْرُقَةٌ، فَجَاءَ فَقَامَ بَيْنَ البَابَيْنِ وَجَعَلَ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ، فَقُلْتُ مَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ:«مَا بَالُ هَذِهِ الْوِسَادَةِ؟» . قَالَتْ: وِسَادَةٌ جَعَلْتُهَا لَكَ لِتَضْطَجِعَ عَلَيْهَا. قَالَ: «أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ المَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، وَأَنَّ مَنْ صَنَعَ الصُّورَةَ يُعَذَّبُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَقُولُ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» . [انظر: 2105 - مسلم: 2107 (96) - فتح 6/ 311]

3225 -

حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ» . [3226، 3322، 4002، 5949، 5958 - مسلم: 2106 - فتح 6/ 312]

3226 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ، أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الجُهَنِيَّ رضي الله عنه حَدَّثَهُ، وَمَعَ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عُبَيْدُ اللهِ الخَوْلَانِي الذِي كَانَ فِي حَجْرِ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمَا زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ» . قَالَ بُسْرٌ: فَمَرِضَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، فَعُدْنَاهُ فَإِذَا نَحْنُ في بَيْتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ الخَوْلَانِيِّ: أَلَمْ يُحَدِّثْنَا فِي التَّصَاوِيرِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ قَالَ: «إِلاَّ رَقْمٌ فِي ثَوْبٍ» . أَلَا سَمِعْتَهُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: بَلَى، قَدْ ذَكَرَهُ. [انظر: 3225 - مسلم: 2106 - فتح 6/ 312]

3227 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي

ص: 92

عُمَرُو

(1)

، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَعَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ. [5960 - فتح 6/ 312]

3228 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا قَالَ الإِمَامُ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . [انظر: 796 - مسلم: 409 - فتح 6/ 312]

3229 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ. مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ يُحْدِثْ» . [انظر: 176 - مسلم: 362، 649 - فتح 6/ 312]

3230 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَى المِنْبَرِ: ({وَنَادَوْا يَا مَالِكُ})[الزخرف: 77]. قَالَ سُفْيَانُ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ ({وَنَادَوْا يَا مَالِ})[الزخرف: 77]. [3366، 4819 - مسلم: 871 - فتح 6/ 312]

3231 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا

(1)

كذا في الأصول، وخطأ ابن حجر رواية (عمرو) وقال: والصواب عمر بغير واو. اهـ. "الفتح" 6/ 315.

ص: 93

بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ ذَلِكَ، فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». [7389 - مسلم: 1795 - فتح 6/ 312]

3232 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِي قَالَ: سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10،9]. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. [4856، 4857 - مسلم: 174 - فتح 6/ 313].

3233 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم: 18] قَالَ: رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ. [4858 - فتح 6/ 313]

3234 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَاريُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا القَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ، وَلَكِنْ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ في صُورَتِهِ، وَخَلْقُهُ سَادٌّ مَا بَيْنَ الأُفُقِ. [3235، 4612، 4855، 7380، 7531 - مسلم: 177 - فتح 6/ 313]

3235 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ الأَشْوَعِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها فَأَيْنَ قَوْلُهُ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم: 9،8] قَالَتْ: ذَاكَ جِبْرِيلُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، وَإِنَّهُ أَتَاهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ في صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ، فَسَدَّ الأُفُقَ. [انظر: 3234 - مسلم: 177 - فتح 6/ 313]

3236 -

حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي قَالَا: الذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ

ص: 94

النَّارِ، وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ». [انظر: 845 - مسلم: 2275 - فتح 6/ 313]

3237 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» . تَابَعَهُ شُعْبَةُ وَأَبُو حَمْزَةَ وَابْنُ دَاوُدَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. [5193، 5194 - مسلم: 1436 - فتح 6/ 314]

3238 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الوَحْيُ فَتْرَةً، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ فَإِذَا المَلَكُ الذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجُئِثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي". فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} إِلَى: {فَاهْجُرْ} [المدبر: 1 - 5]». قَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَالرِّجْزُ الأَوْثَانُ. [انظر: 4 - مسلم: 161 - فتح 6/ 314]

3239 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ.

وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ يَعْنِي: ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى رَجُلاً آدَمَ طُوَالاً جَعْدًا، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلاً مَرْبُوعًا مَرْبُوعَ الخَلْقِ إِلَى الحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبْطَ الرَّأْسِ، وَرَأَيْتُ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ» . وَالدَّجَّالَ فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ الله إِيَّاهُ، {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: 23]. [3396 - مسلم: 165 - فتح 6/ 314] قَالَ أَنَسٌ وَأَبُو بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «تَحْرُسُ المَلَائِكَةُ المَدِينَةَ مِنَ الدَّجَّالِ» .

ص: 95

ذكر فيه خمسة عشر حديثًا:

أحدها: حديث عَائِشَةَ في النمرقة. وقد سلف في البيوع

(1)

.

ورواه عن محمد وهو ابن سلام -كما نبه عليه أبو نعيم وأبو علي

(2)

- عن مخلد وهو ابن يزيد الحراني

(3)

.

ثانيها: حديث ابن عَبَّاسٍ عن أبي طلحة: "لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ".

هذا الحديث رواه أيضًا بعده من حديث: زيد بن خالد عن أبي طلحة.

وفيه: "إلا رقمٌ في ثوب"، ورواه مرة عن أحمد، ثنا ابن وهب. وأحمد هذا: هو ابن صالح المصري، قاله أبو نعيم، وقال غيره: هو ابن عيسى؛ وأخرجه مسلم

(4)

، والأربعة أيضًا

(5)

.

قال الدارقطني: وافق معمرًا -يعني: راويه هنا عن الزهري- جماعةٌ؛ وخالفهم الأوزاعي فرواه عن الزهري عن عبيد الله عن أبي طلحة، لم يذكر ابن عباس. والقول قول مَنْ ذكره. ورواه سالم أبو النضر، عن عبيد الله، نحو رواية الأوزاعي

(6)

.

(1)

سلف برقم (2105).

(2)

في هامش الأصل: حاشية: يعني: الجياني.

(3)

"تقييد المهمل" 3/ 1027 - 1028.

(4)

مسلم (2106) كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان ..

(5)

رواه أبو داود (4155)، والترمذي (2804)، والنسائي 8/ 212، وابن ماجه (3649).

(6)

"علل الدارقطني" 6/ 8 - 9.

ص: 96

وفي النسائي عن هقل، عن الأوزاعي، كرواية الجماعة، وقال:(هذا خطأ)

(1)

، ثم رواه من حديث الوليد، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن عبيد الله قال: حدثني أبو طلحة فذكره

(2)

.

وعند الترمذي مصححًا عن عبيد الله قال: دخلت على أبي طلحة أعوده، وعنده سهل بن حنيف، فدعا أبو طلحة إنسانًا ينزع نمطًا تحته، فقال له سهل: لم تنزعه؟ قال: لأن فيه تصاوير، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما علمت، قال سهل: أولم يقل: "إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ" قال: بلى، ولكنه أطيب لنفسي

(3)

.

وللنسائي: قال عبيد الله: خرجت أنا وعثمان بن حنيف نعود أبا طلحة، وفيه: فقال له عثمان: أما سمعت يا أبا طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى عن الصور يقول: "إِلَّا رَقْمًا" الحديث

(4)

.

قال الخطابي: أجل الرقم: الكتابة، رقمت الكتاب أرقمه رقمًا، وقال تعالى في:{كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)} [المطففين: 9] والصورة غير الرقم، ولعله أراد أن الصورة المنهي عنها ما كان له شخص ماثِلٌ دون ما كان منسوجًا في ثوب، وهذا قد ذهب إليه قوم، ولكن حديث القاسم، عن

(1)

كذا بالأصل، لكن لما نقل المزي في "التحفة" 3/ 251 قول النسائي هذا، ساق رواية هقل، ثم قال: قال -أي: النسائي- هذا هو الصواب، وحديث الوليد خطأ. اهـ.

[قلت: ورواية الوليد هي التالي ذكرها عند المصنف، كما أن ما في "التحفة" موافق لقول الدارقطني؛ وهو الصواب، فلعله وهم في النسخ. والله أعلم].

(2)

رواه النسائي في "الكبرى" 5/ 500، وليس فيه كلامه على الحديث، ولكن المزي ذكره في "التحفة" كما تقدم.

(3)

"سنن الترمذي"(1750)، وقال: حسن صحيح.

(4)

"السنن الكبرى" 5/ 499.

ص: 97

عائشة يفسد هذا التأويل

(1)

.

وحاصل ما في الصور أربعة أقوال:

(أولها)

(2)

: المنع مطلقًا رَقْمًا كان أو غيره قاله أبو طلحة.

ثانيها: منع ما كان له شَخْصٌ ماثِل.

ثالثها: منع ما فيه روح دون غيره، قاله ابن عباس.

رابعها: قاله أبو سلمة: كل ما يوطأ ويمتهن فلا بأس به، قال مالك: تركه أحب إليَّ.

ومن ترك ما فيه رخصة غير محرم له فلا بأس، قال: وما كان في الصورة في الطست والإبريق والأسرَّة والثياب فإن كانت خرطت فهي أشد.

قال الداودي: حديث عائشة ناسخ لكل ما جاء من الرخصة، وهو خبر والخبر لا ينسخ. وتعقبه ابن التين فقال: هذا غير ظاهر؛ لأن قوله: "إِلَّا ما كان رَقْمًا فِي ثَوْبٍ" خبر اتفاقًا فالعمل على الصحيح منها.

فصل:

قوله: (" لَا تدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ" قال ابن التين: يريد كلب دار، قال: وأراد بالملائكة غير الحفظة

(3)

، وكذا قال النووي: إن هؤلاء الملائكة هم الذين يطوفون بالرحمة والتبرك والاستغفار، بخلاف الحفظة

(4)

.

(1)

"أعلام الحديث" 2/ 1486 - 1487.

(2)

في الأصل: (أحدها)، والمثبت من صلى الله عليه وسلم.

(3)

نقله ابن بطال عن ابن وضاح، وقال: قاله الداودي أيضًا. انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 181.

(4)

"شرح مسلم" 14/ 84، 95.

ص: 98

قال الخطابي: إنما لم تدخل في بيت إذا كان فيه شيءٌ من هذِه مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، وأما ما ليس بحرام من كلب الصيد، أو الزرع والماشية والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما، فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه

(1)

.

وقال النووي: الأظهر أنه عام في كلّ كلب وكل صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث، فإن الجِروَ الذي لم يعلم به عليه السلام تحت السرير -المذكور عند مسلم

(2)

- كان العذر فيه ظاهرًا، ومع هذا فقد امتنع جبريل من دخول البيت وعللّ بالجرو، فلو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبريل

(3)

.

فصل:

قيل: سبب المنع من دخول الملائكة كونها معصية فاحشة، وكونها مضاهاة لخلق الله جلّ وعز، وفيها ما يعبد من دون الله، وامتناعهم من الدخول في بيت فيه كلب كثرة أكله النجاسات؛ ولأن بعضها يسمى شيطانًا، والملائكة ضد لهم؛ ولقبح رائحة الكلب، والملائكة تكره الرائحة الكريهة؛ ولأنها منهي عن اتخاذها، أي: مما لم يؤذن فيه، فعوقب متخذها بحرمانه زور الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له، وتبريكها عليه، ورفعها أذى الشيطان.

الحديث الثالث: حديث زَيْدٍ بنِ خَالِدٍ عن أبي طَلْحَةَ وقد سلف.

(1)

"معالم السنن" 1/ 65.

(2)

مسلم (2104) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم صورة الحيوان ..

(3)

"شرح مسلم" 14/ 84.

ص: 99

الرابع:

حديث سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: وَعَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ؛ فَقَالَ: "إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلا كَلْبٌ".

هذا الحديث راويه عن سالم عمرُو، وزعم أصحاب الأطراف أنه عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ولما رواه أبو نعيم قال فيه محمد بن عمر، وكشط الدمياطي الواو من عمرو في أصله، وقال: ما ذكرناه -في الحاشية- عن أصحاب الأطراف.

الحديث الخامس:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: "إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ". سلف في الصلاة

(1)

.

الحديث السادس:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ". وسلف أيضًا هناك

(2)

.

الحديث السابع

حديث صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَى المِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف: 77]. قَالَ سُفْيَانُ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ (وَنَادَوْا يَا مَالِ)[الزخرف: 77]. هذا الحديث ذكر في التفسير أيضًا وستعلمه

(3)

.

(1)

سلف برقم (796).

(2)

سلف برقم (445).

(3)

سيأتي برقم (4819).

ص: 100

الحديث الثامن:

حديث ابن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ، عن عَائِشَةَ قَالَتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ أَشَدَّ مِنْ أُحُدٍ؟ .. الحديث بطوله.

وفيه: عرضه نفسه على ابن عبد ياليل بن عبد كِلال "فلم يجبني" ويأتي في التوحيد

(1)

.

وأخرجه مسلم أيضا

(2)

.

وفي "مغازي موسى بن عقبة" عن ابن شهاب: لما مات أبو طالب عمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لثقيف بالطائف رجاء أن يئووه فوجد ثلاثة نفر وهم سادة ثقيف يومئذٍ، وهم أخوة عبد ياليل، وحبيب ومسعود بنو عمرو، فعرض إليهم نفسه وشكى إليهم ما انتهك منه قومه، فردوا عليه أقبح رد، وفي "الطبقات" خرج إلى الطائف في ليالٍ بقين من شوال سنة عشر من النبوة، فأقام به عشرة أيام لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه فلم يجيبوه، وخافوا على أحداثهم وقالوا: اخرج من بلدنا وأغروا به سفهاءهم

(3)

. وفي قرن الثعالب دعا عليه السلام دعاءه الطويل المشهور، فما استتمَّه حتى أتاه جبريل.

وقوله في البخاري: "ابن عبد ياليل" الذي رأيناه: (عبد ياليل) كما أسلفناه، وكذا ذكره أبو عبيدة وغيره، وفي "الجمهرة" للكلبي: عبد ياليل بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن عيرة بن عوف بن ثقيف.

(1)

سيأتي برقم (7389).

(2)

مسلم (1795) كتاب: الجهاد، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين.

(3)

"طبقات ابن سعد" 1/ 211 - 212.

ص: 101

وعند الزجاج في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)} [الزخرف: 31]، المعنى على رجل من رجلي القريتين عظيم، والرجلان: الوليد بن المغيرة المخزومي من أهل مكة، والآخر: عبد يا ليل بن عمرو بن عمير الثقفي من أهل الطائف.

و"قَرْن الثَّعَالِبِ": هو قرن المنازل، ميقات أهل نجد، على مرحلتين من مكة.

وأصل (القَرْنِ): كل جبل صغير منقطع من جبل كبير، وقيل: هو على يوم من مكة، وذكر القاضي عياض أنه يقال فيه: قَرْنٌ، غير مضاف، على يوم وليلة من مكة، قال: ورواه بعضهم بفتح الراء، وهو غَلَطٌ، وعن القابسي: من سكن الراء أراد الجبل المشرف على الموضع، ومن فتح أراد الطريق التي يتفرق منه، فإنه موضع فيه طرق متفرقة

(1)

.

فصل:

و (الأخشبان) بفتح الهمزة، ثم خاء معجمة ساكنة، ثم شين معجمة، ثم باء موحدة: جبلا مكة؛ أَبُو قُبيس والجبل الذي يقابله؛ وسميا أخشبين لصلابتهما، وغِلَظِ حجارتهما، وفي حديث آخر:"لا تزول مكة حتى يزول أخشباها"

(2)

.

(1)

"مشارق الأنوار" 2/ 198 - 199.

(2)

لم أقف عليه مرفوعا؛ وإنما رواه موقوفا في "أخبار مكة" 1/ 78، من قول ابن عباس، أنه وجد في حجر كتاب فيه:"أنا الله ذو بكة الحرام، وضعتها يوم صنعت الحرم .. " وفيه: لا تزول حتى يزول أخشباتها .. " ثم رواه عن مجاهد، وكذا عبد الرزاق في "مصنفه" 5/ 150 (9220) رواه عن مجاهد أيضا، وانظر: "سيرة ابن هشام" 1/ 212، حيث ذكره عن ابن إسحاق قال: حدثت أن قريشا وجدوا في الركن كتابا بالسريانية .. فذكره.

ص: 102

الحديث التاسع:

حديث أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ: سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)} [النجم: 9، 10]. قَالَ: حَدَّثنَا ابن مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.

قاب الشيء: قدره.

الحديث العاشر:

حديث عَلْقَمَةَ، عنه:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم: 18] قَالَ: رَأى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ.

يأتيان في سورة النجم من التفسير

(1)

.

والرفرف: يقال: هي ثياب خضر، واحدها: رفرفة، وفي التنزيل:{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ} [الرحمن: 76] قيل: رياض في الجنة، وقيل: الوسائد، وجاء في رواية: أنه رأى جبريل في حُلَّتَيْ رفرف، قد ملأ ما بين السماء والأرض

(2)

. ويحتمل -كما قال الخطابي- أن يكون أراد بالرفرف أجنحة بسطها كما تبسط الثياب

(3)

.

الحديث الحادي عشر:

حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الفرية، ولكن قَدْ رَأى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ، (وَخَلْقِهِ سَادًّا)

(4)

مَا بَيْنَ الأُفُقِ.

(1)

يأتيان (4856 - 4858).

(2)

رواه أبو يعلى 8/ 434 (5018).

(3)

"أعلام الحديث" 2/ 1491.

(4)

كذا بالأصل، وهي رواية أبي ذر، كما رمز لها في هامش "اليونينية" 4/ 115؛ وبرفعهما عند الباقين:(وَخَلْقُهُ سَادٌّ).

ص: 103

وعن ابن أشوع -وهو سعيد بن عمرو بن أشوع بالشين المعجمة، الهمداني الكوفي، مات في ولاية خالد بن عبد الله القسري- عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: فَأَيْنَ قَوْلُهُ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم: 8، 9] قَالَتْ: ذَاكَ جِبْرِيلُ، كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، وَإِنَّهُ أَتَاهُ هذِه المَرَّةَ فِي صُورَتِهِ التِي هِيَ صُورَتُهُ، فَسَدَّ الأُفُقَ.

وهو من أفراده، ويأتي في التفسير في سورة النجم مطولًا

(1)

.

و (محمد بن يوسف) في إسناد الأول هو البيكندي، نص عليه الجياني

(2)

.

وإنكار عائشة للرؤية لم تذكره رواية؛ إذ لو كان معها فيه رواية لذكرته، وإنما اعتمَدَتْ على الاستنباط من الآيات، وهو مشهور قول ابن مسعود، ونقل قولها عن أبي هريرة بخلف.

وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته -جل وعز- في الدنيا جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين.

وعن ابن عباس: أنه عليه السلام رآه بعينه

(3)

.

(1)

سيأتي برقم (4855).

(2)

"تقييد المهمل" 2/ 538.

(3)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 6/ 509 - 510: الذي ثبت عن ابن عباس أنه قال: رأى محمد ربه بفؤاده مرتين؛ وعائشة أنكرت الرؤية. فمن الناس من جمع بينهما؛ فقال: عائشة أنكرت رؤية العين وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد، والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هي مطلقة أو مقيدة بالفؤاد .. ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأنه رآه بعينه. وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل كما في "صحيح مسلم" عن أبي ذر قال: سألت رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: "نُورٌ أنَّى أَرَاهُ .. ". اهـ. ولمزيد بيان يراجع الموضوع من "مجموع الفتاوى".

ص: 104

وروى ابن مردويه في "تفسيره"، عن الضحاك وعكرمة في حديث طويل، وفيه:"فلما أكرمني ربي برؤيته بأن أثبت بصري في قلبي احتد بصري لرؤية نور العرش .. " الحديث، ورواه اللالكائي من حديث حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا:"رأيت ربي جلَّ وعزَّ"

(1)

، ومن حديث أبي هريرة قال:"رأيت ربي جلَّ وعزَّ .. " الحديث

(2)

، وروى عطاء، عن ابن عباس: رآه بقلبه

(3)

، وكذا رواه عكرمة عند الترمذي محسنًا

(4)

، وروى من حديث الحكم بن أبان، عن عكرمة عنه: رأى محمدٌ ربه، قال: فقلت: الله يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] الحديث، ثم قال: حسنٌ غريب

(5)

، وفي "صحيح مسلم" عن أبي العالية عنه: رآه بفؤاده مرتين

(6)

، وذكر ابن إسحاق: أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس يسأله: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقال: نعم

(7)

.

والأشهر عنه: أنه رآه بعينه، روي ذلك عنه من طرق، وقال: إن الله -جل وعز- اختص موسى بالكلام، وإبراهيم بالخُلة، ومحمدًا بالرؤية

(8)

.

(1)

"شرح أصول الاعتقاد" 3/ 567 (897).

(2)

السابق 3/ 575 (919)، ولفظه: رأيت ربي في منامي في أحسن صورة.

(3)

"صحيح مسلم"(176) في الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} .

(4)

"سنن الترمذي"(3281)، وانظر:"صحيح الترمذي"(2615).

(5)

السابق (3279).

(6)

"صحيح مسلم"(176/ 285).

(7)

رواه عبد الله بن أحمد في "السنة" 1/ 175، ورواه ابن أبي شيبة في "العرش" ص 69 (38).

(8)

رواه ابن أبي عاصم في "السنة" 1/ 311 (451)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 472، وابن خزيمة في "التوحيد"(272)، وصححه الحاكم 1/ 65، والألباني في "ظلال الجنة"(442).

ص: 105

وحجته: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ} [النجم: 11] الآية.

قال الماوردي: قيل إن الله قسم كلامه ورؤيته بين محمد وموسى، فرآه محمد مرتين، وكلمه موسى مرتين.

وحكى أبو الفتح الرازي وأبو الليث السمرقندي هذِه الحكاية عن كعب

(1)

، وروى عبد الله بن الحارث قال: اجتمع ابن عباس وكعب، فقال ابن عباس: أما نحن بنو هاشم فنقول: إن محمدًا قد رأى ربه مرتين فكبر كعب حتى جاوبته الجبال وقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى فكلمه موسى ورآه محمد بقلبه

(2)

، وروى شريك عن أبي ذر في تفسيره الآية، قال: رأى محمد ربه.

وحكى السمرقندي عن محمد بن كعب القرظي، والربيع بن أنس: أنه عليه السلام سئل: هل رأيت ربك؟ قال: "رأيته بفؤادي ولم أره بعيني"

(3)

.

وروى مالك بن يُخامِر عن معاذ: أنه عليه السلام قال: "رأيت ربي"، قال: وذكر كلمة

(4)

.

وحكى عبد الرزاق: أن الحسن كان يحلف بالله لقد رأى محمد ربه

(5)

، وكذا ذكر مقاتل، وحكى عبد بن حميد في "تفسيره" عن هوذة، عن عوف، عنه في قوله:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ} قال: رآه مرتين بقلبه، وذكر أيضًا عن أبي صالح، وعن محمد بن كعب قال: رآه بفؤاده مرتين.

(1)

"تفسير السمرقندي" 3/ 289.

(2)

رواه الترمذي (3278).

(3)

"تفسير السمرقندي" 3/ 289.

(4)

رواه الترمذي (3235)، بطولة بقصة، وقال: حسن صحيح؛ ثم نقل عن البخاري تصحيحه لهذا الحديث.

(5)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 402 (3033).

ص: 106

وعن إبراهيم التيمي: رآه بقلبه، ثم قال: حدثني أبي، عن أبي ذر: رآه بقلبه ولم يره بعينه.

وفي "تفسير ابن عباس" لابن أبي زياد الشامي: روى أبان، عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لما انتهيت إلى الحجاب نامت عيناي ونظرت بقلبي، وفؤادي يقظان لم ينم منذ يومئذٍ"، وحكاه أيضًا جويبر، عن الضحاك وعند الزجاج عن الإمام أحمد: رآه بقلبه.

وهو فضل خُصَّ به كما خص موسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة.

وحكاه (أبو عمر)

(1)

عنه، جبن عن القول برؤيته في الدنيا بالأبصار، ولكن حكى النقاش عنه أنه قال: أنا أقول بحديث ابن عباس بعينيه رآه رآه حتى انقطع نفس أحمد.

وحكى عبد الله بن أحمد، عن أبيه أنه قال: رآه.

وعند اللالكائي، عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه -يعني بقلبه

(2)

- وحكى أبو عمر الطلمنكي هذا عن عكرمة، وحكى بعض المتكلمين هذا المذهب عن ابن مسعود.

وحكى ابن إسحاق أن مروان سأل أبا هريرة: هل رأى محمد ربه؟ قال: نعم.

وحكى عن سعيد بن جبير: لا أقول: رآه، ولا لم يره.

(1)

قال العلامة الشُمُنِّيُّ في "مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء" 1/ 197: الظاهر أنه الطلمنكي.

[قلت: سيسميه المصنف بعدُ، والضمير في (عنه) يعود إلى الإمام أحمد. انظر: "الشفا" 1/ 197].

(2)

"شرح أصول الاعتقاد" 3/ 572.

ص: 107

وقد اختلف في تأويل الآية الكريمة عن ابن عباس وعكرمة والحسن وابن مسعود، فعن ابن عباس ومولاه: رآه بقلبه. وعن الحسن وابن مسعود: رأى جبريل

(1)

.

وعن ابن عطاء في قوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)} [الشرح: 1] قال: شرح صدره للرؤيا.

وقال الأشعري وجماعة من أصحابه أنه رآه ببصره وعيني رأسه، وقال: كل آية أوتيها نبي من الأنبياء، فقد أوتي مثلها نبينا، وخص من بينهم بتفضيل الرؤية.

ووقف بعض المشايخ في هذا فقال: ليس عليه دليلٌ واضح، ولكنه جائزٌ أن يكون، والحق -كما قال عياض-: أن رؤيته في الدنيا جائزة عقلاً، وليس في العقل ما يحيلها، وجهه سؤال موسى لها، ومحال أن يجهل نبي ما يجوز على الله وما لا يجوز، بل لم يسأل إلا جائزًا غير مستحيل، ولكن وقوعه ومشاهدته من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. وليس في الشرع دليل قاطع على استحالتها، ولا امتناعها؛ إذ كل موجود فرؤيته جائزة، غير مستحيلة

(2)

.

وروى هبة الله الطبري

(3)

، عن (عبد الرحمن)

(4)

بن عايش مرفوعًا: "رأيت ربي عز وجل"

(5)

، وروى (شعبة، عن)

(6)

قتادة، عن أنس أنه عليه السلام رأى ربه.

(1)

انظر: "تفسيرالطبري" 11/ 510 - 511.

(2)

"الشفا" 1/ 2001 - 201، "إكمال المعلم" 1/ 527.

(3)

هو اللالكائي.

(4)

في (ص 1): عبد الله.

(5)

رواه في "شرح أصول الاعتقاد" 3/ 568 (901).

(6)

من (ص 1).

ص: 108

ولا حجة لمن استدل على منعها بقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] لاختلاف التأويلات في الآية، إذ ليس يقتضي قول من قال: في الدنيا الاستحالة، وقد استدل بعضهم بهذِه الآية (نفسها)

(1)

، على جوازاها وعدم استحالتها على الجملة، وقد قيل: لا تدركه أبصار الكفار وقيل: لا تحيط به، وهو قول ابن عباس، وقيل: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وإنما يدركه المبصرون، وكل هذِه التأويلات لا تقتضي منع الرؤية ولا استحالتها، وكذلك لا حجة لهم بقوله:{لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] وقوله هنا: {تُبْتُ إِلَيْكَ} فلما قدمناه؛ ولأنها ليست على العموم؛ ولأن من قال: معناها: لن تراني في الدنيا، إنما هو تأويلٌ أيضًا، فليس فيه نص الامتناع، وإنما جاءت في حق موسى وحيث تتطرق التأويلات، وتتسلط الاحتمالات فليس للقطع إليه سبيل وتوبته من سؤال ما لم يقدر له.

وذكر القاضي أبو بكر

(2)

أن موسى رأى ربه -جلَّ وعزَّ-، فلذلك صعق، وأن الجبل رأى ربه، فصار دكًّا، استنبطه من قوله:{وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143] ثم قال: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143] وتجليه للجبل حتى رآه على هذا القول.

وقال جعفر بن محمد: شغله بالجبل حتى تجلى، ولولا ذلك لمات صعقًا بلا إفاقة، وقوله هذا يدل على أن موسى رآه، وقد وقع لبعض المفسرين في الجبل أنه رآه، وبرؤية الجبل له استدل من قال برؤية نبينا، إذ جعله دليلًا على الجواز، ولا مرية على الجواز؛ إذ ليس في

(1)

في (ص 1): (بعينها).

(2)

يعني الباقلاني. قاله عياض في "الشفا" 1/ 200.

ص: 109

الآيات نصٌّ بالمنع

(1)

.

الحديث الثاني عشر:

حديث أَبي رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ:"رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ .. " الحديث. سلف في الصلاة

(2)

.

وأبو رجاء اسمه: عمران بن ملحان، ويقال: ابن عبد الله، ويقال (ابن تيم)

(3)

العطاردي البصري، له إدراك، أسلم بعد الفتح، مات قبل الحسن عن ثلاثين ومائة سنة.

الحديث الثالث عشر:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ". تَابَعَهُ شُعْبَةُ وَأَبُو حَمْزَةَ وَابْنُ دَاوُدَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ أي: عن أبي حازم عن أبي هريرة، وسيأتي في النكاح

(4)

.

الحديث الرابع عشر: حديث جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الوَحْيُ فَتْرَةً" إلى آخره.

وقد سلف في الإيمان ويأتي في التفسير

(5)

.

وأخرجه مسلم أيضًا

(6)

.

(1)

انظر: "الشفا" 1/ 197 - 200، "إكمال المعلم" 1/ 527 - 528.

(2)

سلف برقم (845).

(3)

في (ص 1): (إبراهيم).

(4)

سيأتي برقم (5193).

(5)

سلف برقم (4)، وسيأتي برقم (4922) سورة المدثر.

(6)

"صحيح مسلم"(161) كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 110

وقوله: "فجئثت" أي: رعبت، وكذا معنى (جثثت) (ذكره ابن فارس

(1)

وغيره، وفي رواية أبي ذر جثثت)

(2)

لامُهُ وَاوٌ قُلِبَتْ يَاءً في بناء الفعل لمَا لم يُسمَّ فاعلُهُ، ومعناه: أنه برك على ركبتيه مثل: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية: 28].

ومعنى ("هويت"): سقطت.

وقوله: (وقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: الرِّجْزُ: الأَوْثَانُ) هو بكسر الراء وضمها، وقيل: بالكسر: العذاب ولا يضم.

الحديث الخامس عشر:

حديث أَبِي العَالِيَةِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى رَجُلًا آدَمَ طُوَالًا .. " الحديث، ويأتي في أحاديث الأنبياء

(3)

، وأخرجه مسلم أيضًا

(4)

.

وأبو العالية: اسمه رفيع بن مهران، أعتقته امرأة من بني رياح سائبة لوجه الله، وطافت به على حلق المسجد، يقال: أدرك الجاهلية.

ومعنى "آدم" أسمر، و"جعد" هو خلاف السبط.

وقال الداودي: ما أرى جعد المحفوظ؛ لأن الطوال لا يوصف بالجعودة، وهذا كلام غير صحيح؛ لأن الطوال لا ينافيها بل يكون الطويل جعدًا وسبطًا، قاله ابن التين. والسبط بإسكان الباء وقد تكسر.

(1)

"المجمل" 1/ 176، وانظر:"العين" 6/ 172، مادة: جأث، "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 246، "غريب الحديث" لابن الجوزي 1/ 133.

(2)

من (ص 1).

(3)

سيأتي برقم (3396).

(4)

"صحيح مسلم"(165) كتاب الإيمان.

ص: 111

وقوله: ("كَأنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ") أي: في طوله وسمرته. وشَنُوءَة قبيلةٌ من قحطان، مأخوذ من التقرز، وشنوءة على وزن فعُولة، ولا أدري ما أراد بتشبيهه بهم.

قال القزاز: اختلفت الرواية: هل هو جعد أو سبط؟ وهل هو ضرب نحيف أو جسيم؟

وقوله في عيسى: ("إِلَى الحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ") قال الداودي: ما أراه محفوظًا؛ لأنه قال في رواية مالك: "رجل آدم كأحسن ما أنت راءٍ"

(1)

.

وقوله: ("وَرَأَيْتُ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ، وَالدَّجَّالَ") في آيَاتٍ أراهُنَّ اللهُ إِيَّاهُ يريد ليلة الإسراء، وسلف الاختلاف في اشتقاق الدجال.

وقول البخاري: (قَالَ أَنَسٌ وَأَبُو بَكْرةَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "تَحْرُسُ المَلَائِكَةُ المَدِينَةَ مِنَ الدَّجَّالِ") قد سلفا في الحج مسندين

(2)

.

ثم اعلم أن البخاري رحمه الله إنما ساق هذِه الأحاديث؛ لأجل ذكر الملائكة فيها وموافقة أغراضهم، فغفران الذنب على الموافقة، ومن ذلك عدم دخولهم بيت التصاوير والبيت الذي فيه الكلب، وكذا قوله:{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف: 77] أي: لو فعلوا ما يوافق غرض الملائكة لنجوا منها وكذا لعنها عند الغضب عليها كذلك، وكذا سائر الباب.

(1)

سيأتي برقم (5902).

(2)

سلفا (1879، 1881).

ص: 112

‌8 - باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةُ

قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: {مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 20] مِنَ الحَيْضِ وَالْبَوْلِ وَالْبُزَاقِ. {كُلَّمَا رُزِقُوا} [البقرة: 20] أُتُوا بشَيْءٍ ثمَّ أُتُوا بِآخَرَ، {قَالُوا هَذَا الذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة: 20] أُتِينَا مِنْ قَبْلُ {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة: 20] يُشْبِهُ بَعْضهُ بَعْضا، وَيَخْتَلِفُ فِي الطعم {قُطُوفُهَا} [الحاقة: 23] يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا {دَانِيَةٌ} [الحاقة: 23] قَرِيبَةٌ. الأَرَائِكُ: السُّرُرُ. وَقَالَ الحَسَنُ: النَّضْرَةُ فِي (الْوُجُوهِ)

(1)

، وَالسُّرُورُ فِي القَلْبِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{سَلْسَبِيلًا} [الإنسان: 18] حَدِيدَةُ الجِرْيَةِ. {غَوْلٌ} [الصافات: 47]: وَجَعُ البَطْنِ {يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47]: لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {دِهَاقًا} [النبأ: 34] مُمْتَلِئًا {وَكَوَاعِبَ} [النبأ: 33]: نَوَاهِدَ. الرَّحِيقُ: الخَمْرُ. التَّسْنِيمُ: يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الجَنَّةِ {خِتَامُهُ} [المطففين: 26]: طِينُهُ {مِسْكٌ} [المطففين: 26]{نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن: 66] فَيَّاضَتَانِ. يُقَالُ: {مَوْضُونَةٍ} [الواقعة: 15]: مَنْسُوجَةٌ، مِنْهُ: وَضِينُ النَّاقَةِ. وَالْكُوبُ: مَا لَا أُذُنَ لَهُ وَلَا عُرْوَةَ. وَالأَبَارِيقُ: ذَوَاتُ الآذَانِ وَالْعُرَا. {عُرُبًا} [الواقعة: 37]: مُثَقَّلَةً، وَاحِدُهَا: عَرُوبٌ، مِثْلُ: صَبُورٍ وَصُبُرٍ، يُسَمّيهَا أَهْلُ مَكَّةَ: العَرِبَةَ، وَأَهْلُ المَدِينَةِ: الغَنِجَةَ، وَأَهْلُ العِرَاقِ: الشَّكِلَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رَوْحٌ} [الواقعة: 89]: جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ، وَالرَّيْحَانُ: الرِّزْقُ،

(1)

في الأصول: (الوجه)، وكذا هي في "اليونينية" عند جميع الرواة.

ص: 113

وَالْمَنْضُودُ: المَوْزُ، وَالْمَخْضُودُ: المُوقَرُ حَمْلاً، وُيقَالُ أَيْضًا: لَا شَوْكَ لَهُ، وَالْعُرُبُ: المُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ. {مَسْكُوبٍ} [الواقعة: 31] جَارٍ {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة: 34] بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. {لَغْوًا} [الواقعة: 25] بَاطِلًا. {تَأْثِيمًا} [الواقعة: 20]: كَذِبًا. {أَفْنَانٍ} [الرحمن: 48]: أَغْصَانٌ {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن: 54]: مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ. {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64]: سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ.

3240 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ» . [انظر: 1379 - مسلم: 2866 - فتح 6/ 317]

3241 -

حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اطَّلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» . [5198، 6449، 6546 - مسلم: 2738 - فتح 6/ 318]

3242 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا القَصْرُ فَقَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا» . فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللهِ؟!. [3680، 5227، 7023، 7025 - مسلم: 2395 - فتح 6/ 318]

3243 -

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ، طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلَاثُونَ مِيلاً، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا

ص: 114

لِلْمُؤْمِنِ أَهْلٌ لَا يَرَاهُمُ الآخَرُونَ». قَالَ أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ: "سِتُّونَ مِيلاً". [4879 - مسلم: 2838 - فتح 6/ 318]

3244 -

حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ الله: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِى الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنَ رَأَتْ، وَلَا أُذُنَ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17]. [4779، 4780، 7498 - مسلم: 2824 - فتح 6/ 318]

3245 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ، مِنَ الحُسْنِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا» . [3246، 3254، 3327 - مسلم: 2834 - فتحِ 6/ 318]

3246 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الحُسْنِ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، لَا يَسْقَمُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَبْصُقُونَ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الأُلُوَّةُ -قَالَ أَبُو اليَمَانِ: يَعْنِي العُودَ- وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ» . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الإِبْكَارُ: أَوَّلُ الفَجْرِ، وَالعَشِيُّ مَيْلُ الشَّمْسِ أَنْ تُرَاهُ تَغْرُبَ. [انظر: 3245 - مسلم: 2834 - فتح 6/ 318]

3247 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي

ص: 115

حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قال «لَيَدْخُلَنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا -أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ- لَا يدخلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وَجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ» . [6543، 6554 - مسلم: 219 - فتح 6/ 139]

3248 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقَالَ:«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا» . [انظر: 2615 - مسلم: 2469 - فتح 6/ 319]

3249 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهِ وَلِينِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا» . [3802، 5836، 6640 - مسلم: 2468 - فتح 6/ 139]

3250 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . [انظر: 2794 - مسلم: 1881 - فتح 6/ 319]

3251 -

حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا» . [فتح 6/ 319]

3252 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} [الوا قعة:30]» . [4881 - مسلم: 2826 - فتح 6/ 319]

3253 -

«وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ تَغْرُبُ» . [انظر: 2793 - مسلم: 1882 - فتح 6/ 320]

3254 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ هِلَال،

ص: 116

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لَا تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَحَاسُدَ، لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ العِينِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ العَظْمِ وَاللَّحْمِ» . [انظر: 3245 - مسلم: 2834 - فتح 6/ 320]

3255 -

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ أَخْبَرَنِي قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الجَنَّةِ» . [انظر: 1382 - فتح 6/ 320]

3256 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَيُونَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَيُونَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ:«بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ» . [6556 - مسلم: 2831 - فتح 6/ 320]

الشرح:

قوله: (أُتينا من قبل) صوابه كما قال ابن التين من آتيته: أعطيته، وليس هو من أتيته إذا جئته، وقيل: هو الذي وعدناه في الدنيا.

وما فسر به المتشابه يريد به: أنه يشبه ثمر الدنيا في التسمية ويختلف في المطعم.

قال ابن عباس: ليس في الدنيا شيءٌ مما في الجنة إلا الأسماء

(1)

، وقاله مجاهد وقتادة. وقال الحسن: متشابه أي: خيار لا رذل فيه

(2)

.

(1)

"تفسير الطبري" 1/ 210 (535).

(2)

السابق 1/ 208 (519).

ص: 117

واختاره ابن كيسان وأكثر أهل اللغة، قال ابن كيسان: كما تقول: تشابهت عليَّ هذِه الثياب فما أدري أيها أختار؟ واختار أبو إسحاق الأول.

وما ذكره في {الْأَرَائِكِ} . قال ابن فارس: الأريكة: الحجلة على السرير لا تكون إلا كذا، وقال عن ثعلب: الأريكة لا تكون إلا سريرًا منجدًا في قبة عليه سوار ومخدة

(1)

، وقال ابن عزير:(أرائك)

(2)

أسرَّةٌ في الحجال، واحدتها: أريكة، وكذلك قال غيره، وأثر مجاهد رواه الطبري في "تفسيره" ثنا ابن بشار، ثنا عبد الرحمن، ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح، عنه

(3)

.

وفي لفظ: (سلسلة الجِرْيَةِ) ومعنى قوله: (حَدِيدَةُ الجِرْيَةِ) سريع جريها، وأنكر بعضهم هذا اللفظ وقيل: اسم العين: سلسبيل، ورد هذا بأنه لو كان كذلك لم ينصرف.

وقال قتادة: سلسلة لهم يصرفونها كيف شاءوا

(4)

.

وقيل: سلسلة سائغة.

({غَوْلٌ}) قال: إنه وجع بطن، وقال غيره: صداع، وهو قول ابن عباس وقتادة، وقيل: لا تغتال عقولهم فنذهب بها.

وما ذكره في ({يُنْزَفُونَ}) قاله ابن عباس وغيره

(5)

.

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 92 - 93 مادة: أرك.

(2)

في الأصل: أريك، وكتب بهامشها: لعله: أرائك.

(3)

"تفسير الطبري" 12/ 368 (35843).

(4)

السابق (35842).

(5)

رواها عنهم الطبري 10/ 485 - 487 (29348، 29352، 29357 - 29361).

ص: 118

وقال سعيد بن جبير: لا تُنزف عقولهم وقرئ: (يُنْزِفُونَ) بكسر الزاي

(1)

. وفيه قولان:

أحدها: إنه من أنزف الرجل إذا نفد شرابه.

والثاني: يقال: أنزف إذا سكر، وأما نزف إذا ذهب عقله من السكر مشهور ومسموع.

وأثر ابن عباس في {دِهَاقًا} رواه الطبري عن أبي كريب، ثنا مروان، ثنا يحيى بن ميسرة، عن مسلم بن نسطاس، قال ابن عباس لغلامه: اسقني دهاقًا، قال: فجاء بها الغلام ملأى، فقال ابن عباس: هذا الدهاق.

وحدثني محمد بن عبيد المحاربي، ثنا موسى بن عمير، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله:({وَكَأْسًا دِهَاقًا (34)}) [النبأ: 34] قال: ملأى. قال ابن وهب: يريد الذي يتبع بعضه بعضًا

(2)

.

({وَكَوَاعِبَ}) نَوَاهِدَ كما قاله كأنهن اللائي خرج من ثديهن مثل الكعب.

وقوله: (الرَّحِيقُ: الخَمْرُ) هو قول ابن مسعود وابن عباس {يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 28] صرفًا، وتمزج لسائر أهل الجنة، وما ذكره في (ختامه) هو قول مجاهد.

وقال سعيد بن جبير والنخعي: (ختامه): آخر طعمه.

وقال قتادة: عاقبته

(3)

.

(1)

وهي قراءة حمزة والكسائي، انظر:"الكشف عن وجوه القراءات" 2/ 224.

(2)

"تفسير الطبري" 12/ 11 (36106، 36108).

(3)

رواها الطبري 12/ 496 - 498 (36668، 36669، 36679)، "زاد المسير" 9/ 59.

ص: 119

وما ذكره في قوله: ({نَضَّاخَتَانِ})[الرحمن: 66] قيل: بالخير

(1)

، والمعروف في اللغة أنه بالمعجمة أكثر من المهملة، ولم يسمع منه يفعل.

وما ذكره في {مَوْضُونَةٍ} [الواقعة: 15] مَنْسُوجَةٌ، أي: بالذهب، وقيل: بالجواهر واليواقيت، وقيل: في الكوب غير ما ذكره أنها المسنديرة لا عرى لها وجمع كوب: أكواب، وجمع أكواب: أكاويب.

(والعُرُب) المحبَّبات لأزواجهن -كما قال- وقال زيد بن أسلم: هن الحسان الكلام

(2)

، وأثر مجاهد في الروح رواه عبد بن حميد في "تفسيره"

(3)

. حدثنا شبابة، عن بن أبي نجيح، عنه:{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الواقعة: 89] قال: رزق. وحدثنا أبو نعيم، عن عبد السلام بن حرب، عن ليث، عن مجاهد قال:(الروح): الفرح، و (الريحان): الرزق، وقيل: روح طيب ونسيم، وقيل: الاستراحة، ومن قرأ بالضم أراد: الحياة التي لا موت معها؛ للترجمة. وقوله: (والريحان: الرزق)، قال الحسن: ريحاننا هذا، وقال الربيع بن خيثم {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} هذا عند الموت

(4)

، والجنة مخبوءة له إلى أن يبعث، وما ذكره في المنضود أنه الموز يريد ما وصف بأنه منضود، وهو الطلح، كذا قال أكثر المفسرين، وروي عن مجاهد: أنهم تعجبوا (من)

(5)

الطلح، وهو شجر العضاه، فأعلمهم الله أن في الجنة طلحًا، وعلى هذا أهل

اللغة ولم يبلغهم ما قاله الصحابة المفسرون: أنه الموز، ومعنى منضود: أن الورق والحمل عمِّد حتى لا يبرز له ساق.

(1)

رواه الطبري 11/ 613 (33164) عن ابن عباس.

(2)

"تفسير الطبري" 11/ 642 (33415).

(3)

وعزاه إليه صاحب "الدر المنثور" 6/ 239.

(4)

"تفسير الطبري" 11/ 666 (33585).

(5)

في الأصل: (في).

ص: 120

وأمّا (الْمَخْضُودُ)، فقيل -غير ما ذكره- أنه لا شوك فيه، فإنه خضد شوكه، أي: قطع، يعني: خلقته خلقة المخضود، قاله أبو الأحوص وعكرمة، والأول قول قتادة

(1)

.

وبخط الدمياطي: خضدت الشجر: قطعت شوكه، قال: والذي قاله أهل التفسير في المخضود، أي: منزوع الشوك أي: خلق كذلك.

وقوله: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)} [الواقعة: 34] قد فسره، وفي الترمذي، وقال: حسن غريب، وصححه ابن حبان من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذِه الآية قال:"ارتفاعها كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام"

(2)

، وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الخبر مما حكاه القرطبي: الفرش في الدرجات وما بين الدرجات كما بين السماء والأرض، وقيل: الفرش هنا: النساء المرتفعات الأقدار في حسنهن وجمالهن، والعرب تسمي المرأة فراشًا

على الاستعارة

(3)

، قال عليه السلام:"الولد للفراش"

(4)

.

وذكر ابن المبارك، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي فذكر حديثًا طويلًا فيه: "ويعطي ولي الله سريرًا طوله

(1)

السابق 11/ 634 - 635 (33335، 33340، 33338).

(2)

"سنن الترمذي"(2540، 3294)، "صحيح ابن حبان" 16/ 418 (7405)، من طريق دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، به.

قال الحافظ: دراج ضعفه أبو حاتم والدارقطني، ووثقه يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وغيرهما، وصحح حديثه عن أبي الهيثم الترمذي، واحتج به ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم. اهـ. "القول المسدد" ص 103 - 104.

والحديث ضعفه الألباني في "المشكاة"(5634).

(3)

"تفسير الطبري" 17/ 210.

(4)

سلف برقم (2053).

ص: 121

فرسخ في عرض مثل ذلك في غرفة من ياقوتة من أسفلها إلى أعلاها مائة ذراع، على ذلك السرير من الفرش كقدر خمسين غرفة بعضها فوق بعض "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وذلك قوله تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)} " وهي من نور وكذلك السرير.

وقوله: ({أَفْنَانٍ}: أَغْصَانٌ) كذا قاله عكرمة، أي: ظل الأغصان على الحيطان، وقال الضحاك: ذواتا ألوان من الفاكهة، والواحد -على قول عكرمة- فن أي: غصن، وعلي قول الضحاك: ذواتا فنون، مما تشتهيه الأنفس.

وما ذكره في تفسير {مُدْهَامَّتَانِ (64)} [الرحمن: 64] قول مجاهد، وقال أبو صالح: خضراوان، وقال عطية: كادتا يكونان سوداوين من شدة الري، وهما خضراوان

(1)

.

وفي بعض النسخ: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن: 54] قال عكرمة: ثمارها دانية لا يردهم عنها بعد ولا شوك.

ثم ذكر البخاري فيه ستة عشر حديثًا:

الأول.

حديث نَافِعٍ، عَنْ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّة يُعْرَضُ عَلَيهِ مَقعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، فَإِن كَانَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ فَمِن أَهلِ الجَنَّةِ، وَإِن كَانَ مِن أَهْلِ النَّارِ فَمِن أَهلِ النَّارِ". وهذا الحديث سلف في الجنائز

(2)

.

(1)

روى هذِه الأقوال الطبري في "تفسيره" 11/ 603 - 604 (33096، 33099)، 11/ 611 (33147، 33148، 33151).

(2)

سلف برقم (1379).

ص: 122

وفيه: "يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة" ويأتي في الرقاق

(1)

، وأخرجه مسلم أيضًا

(2)

، ورواية مالك:"إنما نسمة المؤمن طائر يعلق من شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه"

(3)

، ولأبي داود من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "لما خلق الله عز وجل الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها، ولما خلق (الله)

(4)

النار قال: اذهب فانظر إليها" الحديث

(5)

.

ولمسلم من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "اختصمت الجنة والنار، فقالت الجنة: يدخلني يا رب" الحديث

(6)

.

الحديث الثاني:

حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، ثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، ثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اطَّلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكثَرَ أَهْلِهَا الفقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْت أَكثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ".

هذا الحديث أخرجه في النكاح أيضًا عن عثمان (بن)

(7)

الهيثم، ثنا عوف، عن أبي رجاء ثم قال: تابعه أيوب عن أبي رجاء

(8)

، قال أبو مسعود الدمشقي: إنما رواه عن أيوب كذلك عبد الوارث وسائر

(1)

سيأتي برقم (6515).

(2)

مسلم (2866) كتاب الجنة ونعيمها.

(3)

"الموطأ" ص 164.

(4)

من (ص 1).

(5)

"سنن أبي داود"(4744).

(6)

مسلم (2847) بلفظ: احتجت.

(7)

في الأصل: (ثنا)، والصواب المثبت؛ لموافقته "اليونينية" 7/ 31 (5198)، وكما في "تحفة الأشراف" 8/ 197.

(8)

سيأتي برقم (5198).

ص: 123

أصحاب أيوب يقولون: أيوب، عن أبي رجاء، عن ابن عباس وقد رواه مسلم من حديث الثقفي عن أيوب، عن أبي رجاء، عن ابن عباس؛ ومن حديث أبي الأشهب، عن أبي رجاء؛ ومن حديث ابن أبي عروبة، عن أبي رجاء، عن ابن عباس

(1)

.

قال الترمذي: وكلا الإسنادين ليس فيهما مقال يحتمل أن يكون أبو رجاء سمع منهما جميعًا، وقد روى غيرُ عوفٍ أيضًا هذا الحديث عن أبي رجاء، عن عمران

(2)

.

ورواه أبو داود الطيالسي عن أبي الأشهب، وجرير بن حازم، وسَلْم، وحماد بن نجيح، وصخر بن جويرية، عن أبي رجاء، عن عمران وابن عباس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نظرت في الجنة" الحديث

(3)

.

قال الخطيب في كتابه: "الفصل للوصل": كذا رواه أبو داود، وخلط [في]

(4)

جمعه بين روايات هؤلاء الخمسة، وذلك أن أبا الأشهب وحمادًا وصخرًا عن أبي رجاء كانوا يروونه عن ابن جويرية، عن ابن عباس وحده؛ وسَلْم بن زُرَيْرٍ يرويه عن أبي رجاء، عن عمران وحده؛ وأما جرير فلا نعلم كيف كان يرويه؛ لأنه لم يقع لنا حديثه إلا من رواية أبي داود هذِه، والحديث عند أبي رجاء، عن ابن عباس وعمران جميعًا إلا أنَّا لا نعلم أحدًا اجتمعت له الروايتان عن أبي رجاء، إلا أيوب رواه، عن أبي رجاء، عن عمران، وعن

(1)

مسلم (2737) كتاب الرقائق.

(2)

"سنن الترمذي" بعد حديث رقم (2603).

(3)

"مسند الطيالسي" 2/ 171 (872)، 4/ 475 (2882).

(4)

زيادة يقتضيها السياق أُثْبتَتْ من "الفصل للوصل".

ص: 124

أبي رجاء، عن ابن عباس، ورواه ابن أبي عروبة وفطر عن أبي رجاء، عن ابن عباس، ورواه قتادة وعوف الأعرابي، عن أبي رجاء عن عمران

(1)

.

قُلتُ: ورواه النسائي من حديث يزيد بن عبد الله و (محمد)

(2)

بن عبد الله، وهو متابع لأبي رجاء عن عمران ولفظه:"أقل ساكني الجنة النساء"

(3)

، وفي لفظ:"عامة أهل النار النساء"

(4)

.

فصل:

عند البخاري حديث أسامة: "قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين و (أصحاب)

(5)

الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء"

(6)

.

وفي رواية: "محتَرسون" بدل "محبوسون" بفتح التاء والراء اسم مفعول من احترس، أي: موثق لا يستطيع الفرار.

قال الداودي: أرجو أن يكون هؤلاء أهل التفاخر؛ لأن أفاضل الصحابة كانت لهم أموال ووصفهم الله تعالى بأنهم سابقون.

(1)

"الفصل للوصل" 2/ 814 - 815.

(2)

كذا بالأصل، وما في مصادر التخريج: مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو الصواب، وبه يعرف الحديث.

(3)

"السنن الكبرى" 0/ 400 (9267) من حديث مطرف بن عبد الله، وهذِه المتابعة رواها مسلم (2738) أيضًا، والعزو إليه أولى.

(4)

"السنن الكبرى" 5/ 399 (9266)، من حديث يزيد بن عبد الله بن الشخير.

(5)

في (ص 1): (أصل).

(6)

سيأتي برقم (5196).

ص: 125

فصل:

في النسائي من حديث عمرو بن العاصي مرفوعًا: "لا يدخل النساء إلا كعدد هذا الغراب مع هذِه الغربان"

(1)

، وفي "الأخبار" للالكائي من حديث عبد الرحمن بن شبل مرفوعًا:"إن الفساق هم أهل النارِ" ثم فسرهم بالنساء، قالوا: يا رسول الله (ألسن)

(2)

أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا؟ قال: "بلى ولكن إذا أعطين لم يشكرن، وإذا ابتلين لم يصبرن"

(3)

.

فصل:

في كتاب "النكاح" للفريابي من حديث بقية، عن (بحير)

(4)

(عن)

(5)

معدان، عن (كثير بن مرة، عن أبي شجرة)

(6)

يرفعه: "إن النار خلقت للسفهاء، وإن النساء أسفه السفهاء إلا صاحبة الكساء".

قال بقية: هي التي تقوم على رأس زوجها وتوضئه

(7)

.

(1)

"السنن الكبرى" 5/ 400، وقال الحافظ العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (1488): إسناده صحيح. وكذا صححه الألباني في "الصحيحة"(1850).

(2)

في الأصل: (أليس).

(3)

رواه أحمد 3/ 428، وصححه الحاكم 4/ 604، وقال الهيثمي في "المجمع" 10/ 394: رجاله رجال الصحيح، غير أبي راشد الخبراني، وهو ثقة. اهـ وانظر:"الصحيحة"(3058).

(4)

في (ص 1): يحيى، والمثبت الصواب. انظر:"تهذيب الكمال" ترجمة بحير بن سعد.

(5)

من (ص 1).

(6)

كذا بالأصل، وهو خطأ؛ لأن كثير نفسه أبو شجرة، فهي له كنية. انظر:"تهذيب الكمال" 24/ 158 (4963).

(7)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 65/ 221 هكذا عن كثير بن مرة مرسلا، وأورده صاحب "الكنز" 16/ 397، وعزاه للحكيم الترمذي من هذا الطريق أيضا، بينما رواه عبد بن حميد كما في "المنتخب"(1528)، والطبراني في "الشاميين" 2/ 192 (1171) موصولا من طريق كثير عن عائشة مرفوعا.

ص: 126

ومن حديث علي بن زيد، عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعًا:"ألا إن النار خلقت للسفهاء ألا إن النساء هنَّ السفهاء" ثلاثًا

(1)

.

ومن حديث ابن لهيعة، ويحيى بن أيوب: أن ابن الهادي حدثهما عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر مرفوعًا:"يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار"

(2)

.

ومن حديث أبي هريرة مرفوعًا: "مائلات مميلات رؤسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام"

(3)

.

فصل:

قال المهلب: إنما استحق النساء النار؛ لكفرهن العشير، ألا ترى أنّ الشارع قد فسره بقوله:"لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله"

(4)

لجازت ذلك بالكفران، فغلب استيلاء الكفران على دهرها، فكأنها مصرة عليه، والإصرار من أكبر (أشرار)

(5)

النار، وذلك أن حق زوجها عظيم عليها، يجب عليها شكره والاعتراف بفضله لستره وصيانته لها، وقيامه بمؤنتها، وبذل نفسه في هذا، ومن أجله فضلت الرجال على النساء، وقد أمر الشارع من أسديت إليه نعمة أن يشكرها، فكيف نعم الزوج التي لا تنفك المرأة منها دهرها كله، وقد

(1)

رواه الطبراني 8/ 220 (7874)، وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 314: فيه علي بن زيد الألهاني، وهو متروك، وقد قيل فيه إنه صالح، وبقية رجاله ثقات. اهـ.

(2)

رواه مسلم (79) من طريق الليث، وبكر بن مضر؛ كلاهما عن ابن الهاد، به.

(3)

رواه مسلم (2128) كتاب الآداب، باب النساء الكاسيات العاريات.

(4)

سلف برقم (29).

(5)

كذا بالأصل، وفي المطبوع من ابن بطال: أسباب.

ص: 127

قال بعض العلماء: شكر المنعم فرض، محتجًّا بقوله تعالى:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] فقرن بشكره شكر الآباء، وكذلك شكر غيرهم واجب، وقد يكون شكر النعمة في نشرها، ويجزئ من ذلك الإقرار بالنعمة والمعرفة بقدر الحاجة

(1)

.

فصل:

ذكر الحكيم الترمذي وغيره: أن الإخبار يكون النساء أكثر أهل النار كان قبل الشفاعة فيهن، وإلا فليس في الجنة عزب ولكل رجل زوجتان.

فصل:

قال القرطبي عن علمائهم: إنما كان النساء أقل ساكني الجنة؛ لما يغلب عليهم من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا، لنقصان عقولهن فيضعفن عن عمل الآخرة، والتأهب لها لميلهنّ إلى الدنيا والتزين بها ولها، ثم هن مع ذلك أقوى الأسباب التي يصرف بها الرجال عن الأخرى؛ لما لهم فيهن من الهوى، وأكثرهن معرضات عن الآخرة بأنفسهن، صارفات عنها لغيرهن، سريعات الانخداع لداعيهنّ من المعرضين عن الدين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إلى الآخرة وأعمالها من المتقين.

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أيها الناس لا تعطوا النساء أمرًا، ولا تدعهن يدبرن أمر عشير، فإنهن إن تركن وما يردن أفسدن الملك وعصين المالك، وجدناهن لا دين لهن في خلواتهن، ولا ورع لهن عند شهواتهن، اللذة بهن يسيرة، والحيرة بهن كثيرة، فأما صوالحهن ففاجرات، وأما طوالحهن فعاهرات، وأما المعصومات فهن المعدومات،

(1)

"شرح ابن بطال" 7/ 319 - 320.

ص: 128

فيهن ثلاث خصال من يهود: يتظلمن وهن ظالمات، ويحلفن وهن كاذبات، ويتمنعن وهن راغبات، فاستعيذوا بالله من شرارهن، وكونوا على حذرٍ من خيارهن

(1)

.

فصل:

روى الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "يدخل فقراء المهاجرين الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام" ثم قال: حسن غريب

(2)

، وعن أبي هريرة -وقال صحيح-:"يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام نصف يوم"

(3)

.

وعن عمر مثله بزيادة: يا رسول الله ما نصف يوم؟ قال: "خمسمائة عام"، قيل: فكم السنة من شهر؟ قال: "خمسمائة شهر". قيل: فكم اليوم. قال: "خمسمائة مما تعدون" ذكره ابن قتيبة في "عيون الأخبار".

وعند الترمذي عن جابر: "يدخل فقراء المسلمين قبل الأغنياء بأربعين خريفا"

(4)

، وخرجه أيضًا عن أنس واستغربه

(5)

. ولمسلم: "يسبقون يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفًا"

(6)

، واختلاف هذِه الأحاديث يدل على أن الفقراء مختلفو الأحوال، وكذلك الأغنياء كما نبه عليه القرطبي

(7)

.

(1)

"التذكرة" ص 429.

(2)

"سنن الترمذي"(2351)، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(1916).

(3)

السابق (2353)، وانظر:"صحيح الترمذي"(1918).

(4)

"الترمذي"(2355)، وانظر:"صحيح الترمذي"(1919).

(5)

"سنن الترمذي"(2352).

(6)

مسلم (2979) كتاب الزهد والرقائق.

(7)

انظر: "المفهم" 7/ 134 - 135.

ص: 129

ووجه الجمع: أن سباق الفقراء المهاجرين يسبقون سباق الأغنياء منهم بأربعين خريفًا، وغير سباق الأغنياء بخمسمائة عام.

وقد قيل: إن حديث أبي هريرة وأبي الدرداء وجابر يعم جميع فقراء المسلمين، فيدخل الجنة سباق فقراء كل قرن قبل غير السباق من أغنيائهم بخمسمائة عام على حديث أبي هريرة وأبي الدرداء، يوضحه ما في "البعث والنشور" للبيهقي من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا:"سبق المهاجرون الناس بأربعين خريفًا يتنعمون فيها، والناس محبوسون بالحساب ثم تكون الزمرة الثانية مائة خريف"

(1)

.

وفي حديث سعيد بن عامر بن حزيم مرفوعًا: "يجمع الله الناس للحساب فيجيء فقراء المسلمين فيذفون كلما يذف الحمام، فيقال لهم: قفوا للحساب. فيقولون: والله ما عندنا من حساب، ولا تركنا شيئًا، فيقول لهم ربهم: صدقوا. فتفتح لهم أبواب الجنة، فيدخلونها قبل الناس بسبعين عامًا"

(2)

.

فصل:

لما كان الفقيرُ فاقدًا للمال الذي يتسبب به إلى المعاصي، ويحصل به البطر والشبع واللهو الذي يقرب إلى الثار، فاز بالسبق وحاز قصباته، ولما كان هذا الأغلب على النساء قربن من النار، فإن قلت: وقد ظهر فضل الفقراء، فلم استعاذ عليه السلام منه؟

(1)

"البعث والنشور"(456). قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 15: فيه عبد الرحمن بن مالك؛ ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

(2)

السابق (457)، قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 261: في إسناده يزيد بن أبي زياد، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجاله ثقات.

ص: 130

قلتُ: إنما استعاذ من شر فتنته كما استعاذ من شر فتنة الغنى، أو استعاذ من فقر النفس، ولا شك أن الفقر مصيبة من مصائب الدنيا، والغنى نعيم من نعيمها، كالمرض والعافية، فالمرض فيه ثواب ولا يمنع سؤال العافية، وما أحسن قول أبي علي الدقاق -فيما حكاه عنه في "الرسالة"- لما سئل: أي الموضعين أفضل: الغنى أو الفقر؟ الغنى لأنه وصف الحق، والفقر وصف الخَلْقِ.

قال أبو عبد الله: الغني المتعلق البال بالمال هو الفقير، وعادمه الذي يقول ليس لي رغبة فيه إنما هي ضرورة العيش، هو الغني.

قال عليه السلام: "ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس"

(1)

، والشارع سأل رتبة علياء وهو الكفاف، فقال:"اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا" وفي لفظ: "كفافًا" أخرجه مسلم

(2)

، ومعلوم أنه لا يسأل إلا أفضل الأحوال وأسنى المقامات والأعمال، وقد اتفق الجميع على أن ما أحوج من الفقر مكروه، وما أبطر من الغنى مذموم.

ولابن ماجه عن أنس مرفوعًا: "ما من غني ولا فقير إلا ودَّ يوم القيامة أنه أُوتى من الدنيا قوتًا"

(3)

؛ فالكفاف حالة وسطى، وخير الأمور أوساطها، وهي حالة سليمة من آفات الغنى المطمع، ومن آفات الفقر المدقع التي كان يتعوذ منهما.

(1)

سيأتي برقم (6446).

(2)

مسلم (1055) كتاب الزكاة، باب في الكفاف والقناعة، وبعد حديث (2969) كتاب الزهد والرقائق.

(3)

"سنن ابن ماجه"(4140) من طريق نفيع، عن أنس، مرفوعًا؛ قال ابن الجوزي في "الموضوعات"(1603)، والألباني في "سنن ابن ماجه" (904): ضعيف جدا.

ص: 131

الحديث الثالث:

حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بينما نَحْنُ عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ: "بَينَا أَنَا نَائِم رَأَئتُنِي فِي الجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأةٌ تتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرِ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هذا القَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فَذَكرْتُ غَيرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا". فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللهِ؟! وأخرجه أيضا في فضائل عمر

(1)

، وفي التعبير

(2)

، وأخرجه مسلم أيضًا

(3)

، (وعنده)

(4)

أيضًا عن بريدة: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فقال: "يا بلال بِمَ سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من العرب. قلت: أنا عربي، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من قريش. قلت: أنا قرشي، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من أمة محمد. فقلت: أنا محمد، لمن هذا؟ قالوا: لعمر"

(5)

.

وروي أيضًا من حديث أنس ومعاذ.

أخرج الأول الترمذيُّ صحيحًا قال صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لشاب من قريش. فظننت أني أنا هو، فقلت: من هو؟ قالوا: عمر"

(6)

.

(1)

سيأتي برقم (3680).

(2)

سيأتي برقم (7023).

(3)

مسلم (2395) كتاب فضائل الصحابة.

(4)

كذا في الأصل: (وعنده) وهو موهم أن الحديث في مسلم، وليس كذلك؛ بل هو في الترمذي. انظر:"تحفة الأشراف"(1966)، فلعله سقط من الناسخ أو نحو ذلك.

(5)

رواه الترمذي (3689)، وأحمد 5/ 354، وابن خزيمة 2/ 213 - 214 (1209)، وابن حبان في "صحيحه" 15/ 561 (7086)، والحاكم 1/ 313، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"(2912).

(6)

"سنن الترمذي"(3688).

ص: 132

قال أبو عيسى: معنى هذا: أني رأيت في المنام، هكذا روي في بعض الحديث.

ادعى المزي أنه من أفراد الترمذي، وليس كما ذكر، فقد أخرجه النسائي أيضًا في مناقب عمر

(1)

.

وأخرج الثاني أحمد من حديث مصعب بن سعد عن معاذ قال: إن كان عمر لمن أهل الجنة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ما رأى في نومه أو يقظته فهو حق، وإنه قال:"بينا أنا في الجنة إذ رأيت فيها دارًا، فقلت: لمن هذِه؟ فقيل: لعمر"

(2)

.

قال الخطابي: قوله: ("فَإِذَا أمْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ") إنما هو: امرأة شوهاء، وإنما أسقط الكاتب منه بعض حروفه، فصار (يتوضأ) لإلباس ذلك في الخط؛ لأنه لا عمل في الجنة، وضوء ولا غيره.

والشوهاء. قال أبو عبيدة: هي المرأة الحسناء، والشوهاء: الواسعة الفم، والصغيرة الفم.

وقال ابن الأعرابي: الشوهاء: القبيحة، وقال الجوهري: فرس شوهاء صفة محمودة فيها، وقيل: يراد بها سعة أشداقها

(3)

.

قال ابن التين: وذكر عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: هذا فيه أن الوضوء موصل إلى هذا القصر والنعيم.

وقال القرطبي: الرواية الصحيحة: "تتوضأ" وإنما ابن قتيبة قال بدله: شوهاء.

(1)

"السنن الكبرى" 5/ 41 (8127)، وانظر:"تحفة الأشراف"(1699).

(2)

"مسند أحمد" 5/ 245.

(3)

"الصحاح" 6/ 2238، وانظر:"غريب الحديث" لابن الجوزي 1/ 568.

ص: 133

قال ابن الأعرابي: وهي: الحسنة والقبيحة ضد، ووضوء هذِه إنما هو لتزداد حسنًا ونورًا لا أنها تزيل وسخًا ولا قذرًا؛ إذ الجنة منزهة عن ذلك

(1)

.

ويحتمل أن يراد به الوضوء اللغوي وهو غسل الوجه واليدين، وقد ترجم عليه البخاري في التعبير باب: الوضوء في المنام

(2)

، وهو خلاف ما ذكره الخطابي.

فصل:

فيه -كما قال ابن بطال-: الحكم لكل رجل مما يعلم من خلقه، ألا ترى أنه لم يدخل القصر لغيرة عمر مع علمه أنه لا يغار عليه؛ لأنه أبو المؤمنين، وكل ما نال بنوه المؤمنون من خير فبسببه وعلى يديه، لكنه أراد أن يأتي ما يعلم أنه يوافق عمر.

وقد قال ابن سيرين: من رأى أنه يدخل الجنة فإنه يدخلها؛ لأن ذلك بشارة لما قدم من خير أو يقدمه.

قال الكرماني: وأما نساؤها فهي الحور، وأعمال البر على قدر جمالهن.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه المعبر: من رأى أنه يتوضأ فإنه وسيلة إلى سلطان، وهو للخائف أمان

(3)

.

فصل:

وفيه فضل المغيرة، وبكاء عمر رضي الله عنه يحتمل أن يكون سرورًا، وأن يكون تشوفًا إلى ذلك.

(1)

"المفهم" 6/ 257 - 258.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

"شرح ابن بطال" 9/ 543 - 544.

ص: 134

الحديث الرابع:

حديث أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ، طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلَاُثونَ مِيلاً، وفِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا لِلْمُؤْمِنِ أَهْل لَا يَرَاهُمُ الآخَرُونَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ الصمَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ: "سِتُّونَ مِيلًا".

الشرح:

هذا الحديث يأتي أيضًا في التفسير

(1)

، وأخرجه مسلم أيضًا

(2)

، واسم أبي بكر هذا: عمرو بن عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار الأشعري، مات في ولاية خالد بن عبد الله، وكان أكبر من أخيه أبي بردة، وأبو عبد الصمد اسمه: عبد العزيز بن عبد الصمد العمي البصري، مات سنة سبع وثمانين ومائة، ومتابعته أخرجها البخاري في تفسيره لسورة الرحمن عن محمد بن مثنى عنه، وتعليق الحارث أخرجه مسلم عن سعيد بن منصور عنه.

فصل:

ثبت في مسلم وفي بعض طرق البخاري "ستون ميلًا" بدل ثلاثين، وكذا رواه الإسماعيلي من حديث علي بن أبي عاصم عن همَّام أيضًا.

وفي رواية أخرى لمسلم: "عرضها ستون ميلًا"

(3)

، ولا منافاة بينهما؛ لأن عرضها يريد مسافة أرضها وطولها ستون ميلًا في السماء لا في العلو، متساويان.

(1)

سيأتي برقم (4879).

(2)

مسلم (2838) كتاب الجنة ونعيمها.

(3)

"صحيح مسلم"(2838/ 24).

ص: 135

وقال ابن التين: قوله: "ثَلَاثُينَ مِيلًا" يريد قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} [الرحمن: 72].

فصل:

الْخَيْمَةُ: بيت مربع من بيوت الأعراب، وقد بينها وقسمها أبو زياد الكلابي في كتابه، وجاء في رواية:"من لؤلؤة ومجوفة" بالفاءٍ، كذا الرواية" وللسمرقندي بالباء الموحدة وهي: المثقوبة التي قطع داخلها، وروي عن ابن عباس: الخيمة: درة مجوفة فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب

(1)

، وفي "نوادر الترمذي" بلغنا في الرواية: أن سحابة مطرت من العرش فخلق منها الحور ثم ضرب على كل واحدة خيمة على شاطئ الأنهار، سعتها: أربعون ميلًا وليس لها باب، حتى إذا خلى ولي الله بالخيمة انصدعت عن باب؛ ليعلم الولي أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها.

وعند ابن المبارك: أنبأنا همَّام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، وعن أبي الدرداء: الخيمة: لؤلؤة واحدة لها سبعون بابًا كلها دُرٌّ

(2)

.

فصل:

من هذا الحديث يعلم أن نوع النساء المشتمل على الحور والآدميات في الجنة أكثر من نوع رجال بني آدم نبه عليه القرطبي

(3)

.

(1)

"تفسير الطبري" 11/ 616 (33197).

(2)

"الزهد"(249 - 250).

(3)

"المفهم" 7/ 181.

ص: 136

الحديث الخامس:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ تعالى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" اقرءوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17].

الشرح:

هذا الحديث ذكره في التفسير

(1)

، وأخرجه مسلم أيضًا

(2)

، وهو دال على وجود الجنة؛ لأن الإعداد غالبًا لا يكون إلا لشيء حاصل، ثم أعاد ذكره في تفسير السجدة بزيادة:"ذخرًا، بله ما أطلعتم عليه"

(3)

، ثم قال: قال أبو معاوية: عن الأعمش، عن أبي صالح: قرأ أبو هريرة رضي الله عنه: "قُرَّات أعين"

(4)

، وهو تعليق مسند في "صحيح مسلم"

(5)

.

لا جرم قال الداودي: قوله: (اقرءوا إن شئتم). هو من قول أبي هريرة، ونازعه ابن التين فقال: الظاهر خلافه، وأنه من قوله عليه السلام، والرب جل جلاله وعد عباده الصالحين من جنس ما يعرفونه من مطعم ومشرب ومنكح وشبهه، ثم زادهم من فضله ما لا يعرفونه، وهو قوله:"مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ولا أذن سمعت .. " إلى آخره.

وقوله: "ذخرًا" هو بذال معجمة مضمومة، أي: مدخرًا، وهو مصدر، يقال: ذَخَرْتُ الشيءَ أَذْخُرُه ذُخْرًا، واذَّخَرْتُهُ أَذْخَرُهُ اذِّخَارًا بالإدغام، ووقع في طريق القابسي: ذكرًا بالكاف، ولبعضهم: ذخر. بغير تنوين وليسا بشيءٍ.

(1)

سيأتي برقم (4779).

(2)

مسلم (2824) كتاب الجنة.

(3)

سيأتي برقم (4780).

(4)

سيأتي بعد حديث رقم (4779).

(5)

مسلم (2824/ 4).

ص: 137

وقوله: ("بَلِهَ") أي: سوى، وهي من أسماء الأفعال، المعنى: أن ما اطلعتم عليه محقر بالإضافة إلى ما لم تطلعوا عليه، وإنما ذكر ما يعرفونه لشيئين؛ لأنهم (لما)

(1)

يعرفون، ولأنه لو وعدهم ما يعرفون اشتاقوا إلى ما لم يعرفوا، ولطلبوا ما يعرفون فوعدهم بهما، وذهب بعض المتكلمين إلى انحصار الأجناس، وأنه لا موجود يخرج عما وجد في هذا العالم، وفيه نظر.

وقوله: "ما أخفي" ضبطه الدمياطي بإسكان الياء، وقال في الحاشية: إسكانها قراءة حمزة

(2)

.

الحديث السادس:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه -أيضًا-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، وأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ الأُوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ؛ مِنَ الحُسْنِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تباغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبُ رجل وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ الله بُكْرَةً وَعَشِيًّا".

الحديث السابع:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وفيه:"لَا يَسْقَمُونَ، وآنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، ووَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الألوَّةُ "قَالَ أَبُو اليَمَانِ: يَعْنِي: العُودَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الإِبْكَارُ: أَوَّلُ الفَجْرِ، وَالْعَشِيُّ: مَيْلُ الشَّمْسِ أَنْ تَغْرُبَ.

(1)

في الأصل: (بما).

(2)

ورد بهامش الأصل: وصدق الدمياطي فإن حمزة قرأ بإسكان الياء، والباقون بفتحها، وهما قراءتان في السبعة. [وانظر:"الحجة للقراء السبعة" 5/ 463].

ص: 138

وفي رواية: "إنما هو عرق يجري من أعراضهم مثل المسك"

(1)

، وفي رواية:"هم بعد ذلك منازل أخلاقهم على خلق رجلٍ على طول أبيهم آدم"

(2)

، وفي رواية:"على صورة أبيهم ستون ذراعًا في السماء"

(3)

، قال مسلم: ابن أبي شيبة يرويه بضم الخاء واللام

(4)

، وأبو كريب بفتح الخاء وسكون اللام

(5)

.

قلت: يرجح الضم قوله: ("لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تبَاغُضَ") ويرجح الفتح، قوله:"على صورة أبيهم" وعلي طوله.

فائدة:

أخرج حديث أبي هريرة الأول الترمذيُّ في صفة الجنة وصححه

(6)

، والثاني مسلمٌ

(7)

، والبخاري في الأدب

(8)

.

فصل:

روى الترمذي عن ابن مسعود: "إن المرأة من أهل الجنة ليُرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى منها، وذلك أن الله تعالى يقول:{كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)} [الرحمن: 58] قال: وقد روي موقوفًا

(9)

.

(1)

رواه أحمد 4/ 367.

(2)

"صحيح مسلم"(2834/ 16).

(3)

سيأتي برقم (3327).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة" 7/ 58 (33985).

(5)

"صحيح مسلم" بعد حديث رقم (2834).

(6)

"سنن الترمذي"(2537).

(7)

سبق تخريجه.

(8)

كذا ذكره المزي في "التحفة"(13762)، ولم أجده.

(9)

روى المرفوع برقم (2355)، والموقوف برقم (2534)؛ ثم قال في الموقوف: هذا أصح. اهـ. وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي"(456).

ص: 139

وفي حديث شهر بن حوشب، عن أبي هريرة:"أهل الجنة مردٌ جردٌ كُحْلٌ لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم" ثم قال: حسن غريب

(1)

، وعن معاذ:"يدخل أهل الجنة الجنة جردًا مردًا مكحلين أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين".

ثم قال: غريب، وروي عن قتادة مرسلًا

(2)

، وعن أبي سعيد:"من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاث وثلاثين في الجنة لا يزيدون عليها، وكذا أهل النار" ثم قال: غريب

(3)

.

وروى البيهقي هذا من حديث المقدام مرفوعًا: "ما من أحدٍ يموت سقطًا أو هرمًا ولا غيره إلا بعث ابن ثلاثين سنة، فإن كان من أهل الجنة كان على مسحة آدم وصورة يوسف وقلب أيوب"

(4)

، وعن أبي سعيد:"إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم، واثنان وسبعون زوجة". وقال الترمذي: غريب

(5)

؛ ومثله عن أبي أمامة في "مسند الدارمي"

(6)

، وعن المقدام بن معدي كرب:"ويزوج الشهيد ثنتين وسبعين زوجة من الحور"

(7)

.

وروى الطبراني في "أوسطه" من حديث أبي هريرة مرفوعًا وذكر أهل الجنة: "ومجامرهم اللؤلؤ وأزواجهم"

(8)

.

(1)

"سنن الترمذي"(2539)، وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(2062).

(2)

السابق (2545)؛ وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(2064).

(3)

السابق (2562)، وضعفه الألباني في "ضعيف سنن الترمذي"(467).

(4)

"البعث والنشور" ص 231 - 232 (466).

(5)

"سنن الترمذي"(2562).

(6)

هكذا عزاه القرطبي في "التذكرة" ص 562؛ ولم أقف عليه عند الدارمي.

(7)

"سنن الترمذي"(1663)، وقال: حسن صحيح غريب.

(8)

"المعجم الأوسط" 3/ 317 (3273)، بلفظ: مجامرهم الأُلُوَّةُ.

ص: 140

ومن حديثه أيضًا (مرفوعًا)

(1)

: "يدخل فقراء أمتي قبل أغنيائهم بنصف يوم خمسمائة عام، ويدخلون جميعًا على صورة آدم، وصورته: اثنا عشر ذراعًا طولًا في السماء، وستة عرضًا، والذراع كطول الرجل الطويل منكم"؛ قال: وتفرد به أسد بن موسى

(2)

.

ورواه البيهقي في: "بعثه" بلفظ: "على خلق آدم ثمانية عشر ذراعًا في سبعة" قال شمير -وبعضهم يقوله بالتاء- بن

(3)

نهار: وما ذاك الذراع؟ قال: كأطولكم رجلاً.

قال البيهقي: ورواية: "ستين ذراعًا" أصح

(4)

.

فصل:

الْحُور أصناف: صغار وكبار على ما اشتهته أنفس أهل الجنة.

قال القرطبي: روي أنه عليه السلام وصف حوراء رآها ليلة الإسراء: "كأن جبينها الهلال، طولها ألف وثلاثون ذراعًا، في رأسها مائة ضفيرة، ما بين الضفيرة والضفيرة سبعون ألف ذؤابة".

وفي رواية ابن عباس: "الحوراء تلبس (سبعين)

(5)

ألف حلة مثل شقائق النعمان، إذا أقبلت يرى كبدها من رقة ثيابها وجلدها، وفي رأسها سبعون ألف ذؤابة من المسك لكل ذؤابة وصيفة ترفع ذيلها" وروي: أن الآدميات مع هذا كله أفضل منهن بسبعين ألف ضعف

(6)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

"المعجم الأوسط" 8/ 357 (8865).

(3)

"البعث والنشور" ص 225 - 226 (450 - 451).

(4)

من (ص 1).

(5)

"التذكرة" ص 556، 560

(6)

أي: شتير.

ص: 141

فصل:

لَيْلَة البَدْرِ: هي ليلة أربع عشرة، وسميت بذاك؛ لأن القمر يبادر طلوعه غروب الشمس، وقيل: لامتلاء القمر وحسنه وكماله، ومنه قولهم: عين بدرة، إذا كانت ممتلئة جدًّا.

فصل:

عدم بصقهم وشبهه؛ لأن أغذيتهم في الجنة في غاية اللافة والاعتدال ليست بذي فضلة تستقذر، بل تستطاب وتستلذ.

وفي رواية أن ما في بطونهم يخرج رشحًا كرائحة المسك

(1)

.

فصل:

(المجامر): المباخر. (والألوة): العود غير مطر، فارسي معرب، بفتح الهمزة وضمها، حكاهما ابن التين، وقيل: بكسرها، وتخفف وتشدد، وعند الهروي قال بعضهم: لوه، وليه، وتجمع الألوة اللاوية، وقال الداودي: الألوة: اليد.

وفي رواية أخرى: "ووقود مجامرهم الألوة" كأنه أراد به الجمر الذي يطرح عليه، ويروى لأعرابي وقف على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثان وفاته، فقال: هلَّا دفنتم رسول الله في سقط من الألوة أحوى ملبس ذهبًا.

فصل:

فإن قلت: أي حاجة لهم في البخور والامتشاط؛ لعدم تلبد شعرهم وطيب ريحه؟ قلت: نعيم أهل الجنة، وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم، وكذا أكلهم ليس عن جوع ولا شربهم عن ظمأ، إنما هي

(1)

رواه مسلم (2835) بلفظ: (قالوا: فما بال الطعام؟ قال: "جشاء ورشح كرشح المسك".

ص: 142

لذات متوالية ونعم متتابعة قال تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118)} الآية [طه: 118]. والحكمة فيه أن الله تعالى نعمهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا، وزادهم عليه ما لا يعلمه إلا الله.

فصل:

مذهب أهل السنة، وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها، ويشربون يتنعمون بذلك وبغيره من ملاذها تنعمًا دائمًا لا نفاد له.

فصل:

قوله: ("زَوْجَتَانِ") كذا هو في الروايات بالتاء، وهو لغة متكررة في الأحاديث وكلام العرب، والأشهر حذفها، قال تعالى:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ} [البقرة: 35] وكان الأصمعي ينكر الأول فذكر له شعر ذي الرمة، وفيه إثباتها فقال: إن ذا الرمة طال ما أكل المحل في دكان البغاء، وأنشد له قول الفرزدق همام بن غالب، فلم يحر جوابًا.

قال أبو حاتم: وقد قرأنا عليه قبل هذا لأفصح العرب وهو أبو ذؤيب، فذكر شعره ولم ينكره، وأنشد أبو حاتم عليه أيضًا أشعارًا.

فصل:

قوله: ("ويُسَبِّحُونَ الله بُكْرَةً وَعَشِيًّا") أي: قدرهما، وهو ليس عن تكليف وإلزام؛ لأن الجنة ليست بمحل ذلك، وإنما هو إلهام كما هو في الرواية الأخرى:"يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس"

(1)

، وذلك أن تنفس الإنسان لابُدَّ له منه ولا كلفة عليه ولا مشقة في فعله، وسر ذلك أن قلوبهم تنورت بالمعرفة وأبصارهم بالرؤية، ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره.

(1)

رواه مسلم (2835) كتاب الجنة ونعيمها.

ص: 143

فصل:

قوله في الحديث الثاني: ("وَالَّذِينَ عَلَى (آثارِهِمْ)

(1)

كأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً") معناه أن أبدان أهل الجنة متفاوتة بحسب درجاتهم قاله القرطبي، وقال الداودي: يعني على ضياء الزهرة.

فصل:

تعليق مجاهد ذكره الطبري

(2)

: عن محمد بن عمرو ثنا أبو عاصم، ثنا عيسى، وأخبرنا بن مثنى، ثنا أبو حذيفة، (حدثنا شبل)

(3)

: قالا: ثنا ابن أبي نجيح عنه ..

قال الطبري: والإبكار مصدر من قول القائل أبكر فلان في حاجته يبكر إبكارًا، وكذلك إذا خرج فيها من بين مطلع الفجر إلى وقت الضحى فذلك إبكار يقال منه: قد أبكر فلان وبكر يبكر بكورًا، ويقال من ذلك: بكر النحل يبكر بكورًا، وأبكر يبكر إبكارًا، والباكورة من الفواكه: أولها إدراكًا.

والعشي من حين تزول الشمس إلى أن تغيب، كما قال الشاعر:

فلا الظل من برد الصبح تستطيعه

ولا الفيء من برد العشي تذوق.

فالفيء إنما يبدأ من الزوال وبتناهى بمغيبها

(4)

، وعند النحاس أن أبكر: إذا خرج من بين مطلع الشمس إلى وقت الضحى والعشي من الزوال إلى الصباح ذكره ابن فارس

(5)

، والمعروف: أنه من الزوال

(1)

في الأصل: أثرهم.

(2)

"تفسير الطبري" 3/ 261 (7019 - 7020).

(3)

من (ص 1).

(4)

السابق 3/ 261.

(5)

"مجمل اللغة" 2/ 668 - 669.

ص: 144

إلى الغروب، وقرئ (الأبكار) بفتح الهمزة على أنه جمع بُكْر، ويقال: بكر وبكر وبكَّر وابتكر: إذا جاء أول الوقت.

وقاله ابن فارس: بكرت: أسرعت أي وقت كان، وأبكرت إذا فعلت بكرة، قال: وقال قوم: كل من بادر إلى الشيء فقد أبكر إليه وبكر أي وقت كان

(1)

.

الحديث الثامن:

حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قَاَلَ "لَيَدْخُلَنَّ مِنْ أمّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا -أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ- لَا يدخلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وَجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ".

هذا الحديث من أفراده

(2)

، وعند الإسماعيلي:"وَجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ" وعنده أيضًا: "سَبْعُونَ أَلْفًا وسَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ بغير حساب" وعند الحميدي: "سَبْعُونَ أَلْفًا وسَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ سماطين آخذ بعضهم ببعض"

(3)

.

ورواية البخاري. "أَوْ" قال ابن التين: هو شكٌّ من الراوي، وفي رواية أخرى:"هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلي ربهم يتوكلون وهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب"

(4)

.

وعند مسلم: عن عمران بن الحصين مرفوعًا: "يدخل الجنة من أمتي

(1)

السابق 1/ 132.

(2)

كأن المصنف رحمه الله تبع في ذلك الحميدي في "الجمع بين الصحيحين"(926) حيث جعله من أفراد البخاري؛ والحديث عند مسلم في "صحيحه"(219) كتاب الإيمان من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد، به.

(3)

"الجمع بين الصحيحين"(926)؛ بلفظ: "سبعون ألفا أو .. ".

(4)

سيأتي برقم (5705).

ص: 145

سبعون ألفًا بغير حساب"، وفيه: فقال عكاشة: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: "أنت منهم" الحديث

(1)

. والأفصح في عكاشة: التشديد، قال ابن خالويه في كتاب "ليس": العامة تخففه وإنما هو مشدد قال: وذلك أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعله منهم في الجنة، فدعا له، فقام آخر، فسأله، فقال:"سبقك بها عُكَّاشة"(والمعروف ما أوردناه)

(2)

.

وفي الترمذي عن أبي أمامة مرفوعًا: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمقياسبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفًا، وثلاث حَثَيَات من حَثَيَات ربي -جلَّ وعزَّ-" ثم قال: غريب

(3)

.

وعند البزار من حديث أنس بلفظ: "مع كل واحد من السبعين ألفًا سبعون ألفًا"

(4)

.

وعند الترمذي الحكيم من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر مرفوعًا: "إن الله أعطاني سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب" فقال عمر: هلا استزدته؟ قال: "قد استزدته فأعطاني مع كل واحد من السبعين ألفًا سبعين ألفًا" قال عمر: يا رسول الله فهلا استزدته؟ قال: "قد استزدته فأعطاني هكذا" قال أبو وهب روايه عن هشام، وفتح يديه قال هشام: هذا من الله ما يدرى ما عدده

(5)

.

(1)

مسلم (218) كتاب الإيمان.

(2)

من (ص 1).

(3)

"سنن الترمذي"(2437)، وصححه الألباني في "ظلال الجنة"(588، 589).

(4)

رواه البزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار"(3547)؛ وبنحوه رواه ابن عدي في "الكامل" 5/ 160 ترجمة ضرار بن عمرو.

(5)

"نوادر الأصول" كما في "المختصر" المطبوع ص 83 - 84؛ كما رواه أحمد 1/ 197.

ص: 146

وعند البيهقي في "بعثه" من حديث عتبة بن عبد السلمي مرفوعًا: "إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا بغير حساب، ثم يشفع كل ألف لسبعين ألفًا، ثم يحثي له بكفه ثلاث حثيات" فكبر عمر وقال: إن السبعين الألف الأولين يشفعهم الله في آبائهم وأبنائهم وعشائرهم، وأرجو أن يجعلني الله في إحدى الحثيات الأواخر

(1)

.

وروينا في "الحلية" من حديث قتادة عن أنس مرفوعًا: "وعدني ربي أن يدخل من أمتي الجنة مائة ألف" فقال أبو بكر: يا رسول الله لو استزدته.

قال: "وهكذا" وأشار سليمان بن حرب بيده كذلك.

قالوا: يا رسول الله زدنا فقال عمر: إن الله قادر أن يدخل الخلق كلهم الجنة بحثية واحدة.

فقال عليه السلام: "صدق عمر" ثم قال: غريب من حديث قتادة؛ تفرد به عن قتادة أبو هلال محمد بن سليم الراسبي وهو ثقة

(2)

.

وفي كتاب "الشفاعة" للقاضي إسماعيل بإسناده من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن أنسٍ مرفوعًا:"إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف" فقال أبو بكر: زدنا، فقال:"وهكذا" فقال عمر: حسبك يا أبا بكر، فقال: دعني يا عمر، وما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا؟ قال عمر: إن شاء الله أدخل خلقه الجنة بحثية واحدة، فقال عليه السلام:"صدق عمر"

(3)

.

(1)

"البعث والنشور" ص 169 - 170 (300).

(2)

"حلية الأولياء"2/ 344 - 345.

(3)

رواه أحمد 3/ 165، وعبد الرزاق في "مصنفه" 11/ 286 (20556)؛ وحكم عليه الهيثمي بأن رجاله رجال الصحيح؛ "المجمع" 10/ 404.

ص: 147

ثم أسند من حديث قتادة عن أبي بكر بن عمير، عن أبيه مرفوعًا: " (إن الله وعدني)

(1)

أن يدخل الجنة من أمتي ثلثمائة ألف" قال عمير: يا رسول الله زدنا، قال: "وهكذا" بيده، فقال عمر بن الخطاب: حسبك يا عمير .. الحديث

(2)

.

قال: وحدثنا ابن مثنى، أنا معاذ -في كتابه- بإسناده إلى عمرو بن (عمير)

(3)

مرفوعًا: "وعدني الله أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفًا بغير حساب" قالوا: من هم يار سول الله؟ قال: "الذين لا يكتوون .. " إلى آخره "وإني سألته أن يزيدني"، قال:"وإن لك بكل رجل من السبعين ألفًا سبعين ألفًا فقلت: إذًا لا يكملوا ذلك فقال: أكملهم من الأعراب"

(4)

.

ثم ساق من حديث حميد، عن أنس مرفوعًا:"يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا" قالوا: يا رسول الله زدنا. قال: "لكل واحد سبعون ألفًا" قالوا: يا رسول الله زدنا. قال: "لكل واحد سبعون ألفًا" قالوا: يا رسول الله زدنا، فملأ كفيه من الرمل قال:"وعدد هذا" فقالوا: زدنا. فقال أبو بكر وعمر: أبعد الله من دخل النار بعد هذا

(5)

.

وعند الحكيم الترمذي من حديث (نافع)

(6)

أن أم قيس حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج آخذًا بيدها حتى انتهى بها إلى بقيع الغرقد فقال: "يبعث من هذِه سبعون ألفًا يوم القيامة في صورة القمر ليلة البدر،

(1)

في الأصل: "وعدني الله".

(2)

رواه الطبراني 17/ 64، وقال الهيثمي في "المجمع"10/ 405: أبو بكر بن عمير لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(3)

في الأصل: عمر؛ والمثبت من (ص 1) وهو الصواب.

(4)

أورده ابن سعد في "الطبقات" 7/ 74؛ وكذا ابن عبد البر في" الاستيعاب" 3/ 273؛ وقال: في إسناده اضطراب.

(5)

سلف قريبا.

(6)

في الأصل: (رافع).

ص: 148

يدخلون الجنة بغير حساب"، فقام رجل فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم قال: "أنت منهم" فقام آخر .. الحديث.

قال الترمذي: هذا من مقبرة واحدة، فما ظنك بجميع مقابر أمته

(1)

.

وذكر ابن خالويه في كتاب "ليس" أن سيدنا إبراهيم الخليل قال: يحشر من بانقيا سبعون ألف شهيد. وروينا في "تاريخ الرقة" للقشيري: حدثني الميموني، ثنا أبي، ثنا عمي، عن عمرو بن ميمون -وكان بالكوفة- بلغني أنه يحشر من ظهرها سبعون ألفًا يدخلون الجنة بلا حساب، فأحببت أن أموت بها، فمات ودفناه بها.

فصل:

وروى الكلاباذي من حديث عبد العزيز اليمامي، عن عائشة، قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فاتبعته فإذا هو في مشربة يصلي، فرأيت على رأسه ثلاثة أنوار، فلما قضى صلاته قال:"من هذِه" قلت: عائشة. فقال: "هل رأيت الأنوار" قلت: نعم. قال: "إنَّ آتٍ أتاني من ربي -جلَّ وعزَّ- فبشرني أن الله -جلَّ وعزَّ- يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا بغير حساب ولا عذاب، ثم أتاني في اليوم الثاني آتٍ من ربي فبشرني أن الله يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين ألفًا سبعين ألفًا بغير حساب ولا عذاب، ثم أتاني في اليوم الثالث آتٍ من ربي فبشرني أن الله يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين ألفًا المضاعفة سبعين ألفًا بغير حساب ولا عذاب، فقلت: يا رب، لا تبلغ هذا أمتي. قال: يُكمَّلون لك من الأعراب ممن لا يصوم ولا يصلي".

قال الكلاباذي: اختلف الناس في الأمة من هم؟ فقال قوم: أهل

(1)

في "نوادر الأصول" كما في المختصر المطبوع ص 84.

ص: 149

الملة، وقال آخرون: كل مبعوث إليه ولزمته الحجة بالدعوة، ويجوز أن تكون الأمة كل مبعوث إليه، ولكن تختلف أحوالهم، فمنهم من بعث إليه ودعي فلم يجب كأهل الأديان من أهل الكتاب وسائر المشركين، فهؤلاء لا يدخلون الجنة أبدًا، ومنهم من دعي أجاب ولم يتبع من جهة استعمال ما لزمه بالإجابة، فهو مؤمن بإجابته إلى ما دعي إليه من التوحيد والرسالة، وإن لم يستعمل ما أمر به تشاغلًا عنه وخلاعة وتجوزًا، فهؤلاء من أمة الدعوة والإجابة، وليسوا من أمة الاتباع، ومنهم من أجاب إلى ما دعي واستعمل ما أمر به، فهذا من أمة الدعوة والإجابة والاتباع، فيجوز أن يكون هؤلاء الأعراب من أمة محمد من طريق الإجابة له إيمانًا بالله ورسوله وبما جاء به ولم يستعملوا ما جاء به، فهؤلاء ليسوا من أمته على معنى الاتباع؛ لأنهم لم يتبعوه ولم يسلكوا طريقه.

فمعنى: "يكملون لك من الأعراب" أي: من آمن بك ولم يتبعك استعمالًا لما جئت به؛ لأن قوله: "لا تبلغ هذا أمتي" وقوله تعالى: "يكملون لك من الأعراب". يشير إلى أن هؤلاء الأعراب ليسوا من أمته، فيجوز أن يكون ذلك على معنى ما قلناه.

ومعنى قوله: "لا تبلغ هذا أمتي" يعني من اتبعني وآمن بي، فكأنه يقول: لا يبلغ هذا العدد من اتبعني استعمالًا لما جئت به، وهذا كالحديث الذي حدثناه، ثم ساقه من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة -أو عن أبي سعيد- شك الأعمش.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشهدوا ألا إنه إلا الله وأني رسول الله، من لقي الله بها غير شاك لم يحجب عن الجنة"

(1)

.

(1)

رواه مسلم (27) كتاب الإيمان.

ص: 150

وذكر الشيخ أبو العباس أحمد بن القسطلاني في كتاب جمع فيه أخبار مشايخ لقيهم: سمعت الشيخ أبا الربيع: كان الشيخ أبو الحكم يتكلم يومًا في قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105] واستطرد إلى حديث الشفاعة التي يقول فيها: "وأعطيت هكذا وهكذا يمينًا وشمالًا ووراءً"، وحثى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وشماله وورائه، فقال أبو بكر: يا رسول الله، يكفينا فقال عمر: يا أبا بكر، دع رسول الله يبشرنا ووراءه فقال أبو بكر: يا عمر لنا نحن حثية من حثيات ربنا قال: فكان أبو بكر أفقه الرجلين؛ لأنه علم أنه إحراج فخاف التطويل؛ فقال: يكفينا.

قال الشيخ أبو الحكم: وأقول أنا: ما استثناها إلا لعظيمة يقتضيها لم يطلع عليها اللوح ولا القلم، يعني: الاستثناء في الآية السالفة.

الحديث التاسع:

حديث أَنَسٍ رضي الله عنه: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقَالَ:"وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هذا".

الحديث العاشر:

حديث البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهِ وَلينِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَمَنَادِيلُ".

وقال: "أفضَلُ" بدل "أحسن" وأخرجه في المناقب واللباس والنذور

(1)

، وأخرجه مسلم أيضًا

(2)

، والسندس: هو رقيق الديباج، والإستبرق صفيقه.

(1)

سيأتي برقم (3802، 5836. 6640).

(2)

مسلم (2468) كتاب فضائل الصحابة.

ص: 151

والمنديل: مفعيل من ندلت الشيء إذا نقلته، فكأنه ينقل الندل، وهو الوسخ من الأيدي.

فائدة:

علق عن سعيد، عن قتادة، عن أنس أن أكيدر دومة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وأسند الإسماعيلي هذا التعليق.

وعلق عن سعيد، عن قتادة، عن أنس: أنه عليه السلام لبسها، وذلك قبل أن ينهى عن الحرير.

قال الإسماعيلي: وسعيد أثبت في قتادة وأضبط من شيبان، لا سيما إذا روى عنه الثقات، وذكروا عنه الخبر، وهو أشبه؛ لأنه لا ينهى عنه وهو يلبسه إلا أن يبين أنه مخصوص به، ثم ذكر سنده إلى ابن زريع، عن سعيد، ثنا قتادة، ثنا أنس: أن أكيدر أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس من قبل أن ينهى عن لبس الحرير فلبسها. الحديث.

وفي رواية: وذلك قبل أن يُحرَّمَ الحرير.

الحديث الحادي عشر:

حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ مرفوعًا: "مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا قِيهَا".

الحديث سلف في الجهاد

(2)

، وأخرجه مسلم أيضا

(3)

.

قال الداودي: يعني في حسنه وبهجته.

(1)

سلف برقم (2616).

(2)

سلف برقم (2794).

(3)

مسلم (1881) كتاب الإمارة.

ص: 152

وقال غيره: يعني أنه دائم لا يفنى فكان أفضل مما يفنى وإن كان الفاني أكبر حجمًا.

الحديث الثاني عشر:

حديث أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا".

الحديث الثالث عشر: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} [الواقعة: 30]. وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ تَغْرُبُ "وسلف في الجهاد

(1)

.

وذكر الطرقي أن هذا من زيادة ابن أبي عمرة يعني: الراوي عن أبي هريرة في الحديث.

وروى ابن المبارك من حديث ابن أبي خالد، عن زياد مولى بني مخزوم، سمع أبا هريرة يقول:"إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلِّها مائة عام"، فبلغ ذلك كعبًا فقال: صدق والذي أنزل الفرقان على لسان محمد، لو أن رجلاً ركب حقة أو جذعة، ثم سار في أصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرمًا، إن الله تعالى غرسها بيده، ونفخ فيها من روحه، وما في الجنة نهر إلا ويخرج من أصلها

(2)

.

وفي لفظ: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين" أو قال: "مائة سنة"، وهي: شجرة الخلد

(3)

.

(1)

سلف برقم (2793).

(2)

"الزهد"(267).

(3)

السابق (266).

ص: 153

وفي الترمذي عن أسماء سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذكر سدرة المنتهى قال: "يسير الراكب في ظل الفنن منها مائة سنة أو يستظل بظلها (مائة سنة راكب)

(1)

" شك يحيى؛ ثم قال: حسن صحيح.

ولابن عبد البر من حديث عتبة بن عبد السلمي مرفوعًا: "شجرة طوبى تشبه الجوزة" قال رجل: يا رسول الله ما عظم أصلها؟ قال: "لو رحلت جذعة ما أحطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرمًا"

(2)

، ولابن وهب من حديث شهر بن حوشب، عن أبي أمامة قال: "طوبى شجرة (في الجنة)

(3)

ليس فيها دار إلا وفيها غصن منها، ولا طير حسن ولا ثمرة إلا وهي فيها"

(4)

، وسيأتي في باب صفة الجنة والنار من الرقاق من حديث سهل بن سعد، وأبي سعيد

(5)

.

فصل:

المراد بظِلِّهَا: راحتها ونعيمها من قولهم: عز ظليل، وقيل معناه: ذُراها وناحيتها وكنفها كما يقال: أنا في ظلك، أي: في كنفك، وإنما أحوج إلى هذا التأويل؛ لأن الظل المتعارف عندنا إنما هو وقاية حر الشمس وأذاها وليس في الجنة شمس، وإنما هي أنوار متوالية، لا حر فيها ولا قر، بل لذات متوالية ونعم متتابعة.

فصل:

القاب: القَدْر. والقوس هو: العربي.

(1)

كذا بالأصل؛ وعند الترمذي (2541): مائة راكب.

(2)

"التمهيد" 3/ 320 - 321.

(3)

من (ص 1).

(4)

ذكره القرطبي في "التذكرة" ص 530.

(5)

سيأتي برقم (6552، 6553).

ص: 154

وقال مجاهد: قاب قوس: أي: قدره ذراع، وهو بلغة أزد شنوءة.

وقال الداودي: القاب: ما بين القوس والوتر.

الحديث الرابع عشر:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لَا تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَحَاسُدَ، لِكُلِّ آمْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الحُورِ العِينِ، يُرى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ".

والزمر: الجماعات في تفرقة والزمرة واحدتها.

الحديث الخامس عشر:

حديث البَرَاءِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ: "إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الجَنَّةِ".

سلف في الجنائز

(1)

، وذلك لأنه مات قبل أن يفصل عن أمه، ولعلَّ ولدان المؤمنين مثله، قاله ابن التين.

وروي أنه عليه السلام لما مات ابنه القاسم بكت خديجة فقال: "ما يبكيك؟ " قالت: در ثديي يا رسول الله. قال: "إن له مرضعًا في الجنة" قالت: لو علمت ذلك ما بكيت. قال: "إن شاء ربك ذلك" قالت: بل أصدق الله ورسوله

(2)

.

(1)

سلف برقم (1382).

(2)

لم أقف عليه والمشهور أن المرضع التي في الجنة قيلت في حق ابنه إبراهيم، كما تقدم برقم (1382)، والله أعلم.

ص: 155

الحديث السادس عشر:

حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءونَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كمَا تتراءون الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ:"بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا باللهِ وَصَدَّقُوا المُرسَلِينَ".

وفي رواية: "وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما"، وأخرجه مسلم أيضًا

(1)

، قال أبو عبد الله محمد بن يحيى: هذا حديث محفوظ غريب من رواية مالك، ورواه فليح، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة لجنه مرفوعًا

(2)

، لست أدفع حديث فليح أن يكون عطاء قد حفظه عنهما

(3)

.

وعند مسلم من حديث سهل بن سعد مثله

(4)

، زاد الحكيم الترمذي عن صالح بن محمد، حدثني سليمان بن عمرو، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد يرفعه في قوله عز وجل:{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} [الفرقان: 75]. (قال: "الغُرْفَةَ)

(5)

: من ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء، أو درة بيضاء، ليس فيها فصم ولا وصل، وإن أهل الجنة ليتراءون

" الحديث.

(1)

مسلم (2831) كتاب الجنة.

(2)

رواه الترمذي (2556)؛ وقال: حسن صحيح.

(3)

نقله عن أبي عبد الله محمد بن يحيى -وهو الذهلي- الدراقطنيُّ في "الغرائب" كما في "الفتح" 6/ 327.

(4)

مسلم (2830).

(5)

من (ص 1).

ص: 156

وفيه: "وإن أبا بكر وعمر منهم .. " الحديث

(1)

، ثم روى من حديث ابن مسعود مرفوعًا:"المتحابون في الله على عمود من ياقوتة حمراء، في رأس العمود سبعون ألف غرفة يضيء حسنهم لأهل الجنة، كما تضيء الشمس لأهل الدنيا"

(2)

.

وفي الترمذي من حديث على مرفوعًا: "إن في الجنة لغرفًا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها". فقال أعرابي: لمن هي يا رسول الله؟ فقال: "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام"

(3)

، وأخرجه صاحب "الحلية" أيضًا من حديث جابر

(4)

.

وفي "البعث والنشور" للبيهقي من حديث الحسن، عن عمران بن حصين وأبي هريرة رضي الله عنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله:{وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً} [التوبة: 72] قال: "قصر من لؤلؤة، في ذلك القصر سبعون دارًا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتًا من زمردة خضراء، وفي كل بيتٍ سريرٌ، على كل سرير سبعون فراشًا، على كل فراش زوجة من الحور، وفي كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لونًا من الطعام، في كل بيت سبعون وصيفة" الحديث

(5)

.

(1)

في "نوادر الأصول" كما في المختصر المطبوع ص 273، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(3925).

(2)

المراجع السابق ص 273، وقال العراقي: سنده ضعيف، "تخريج الإحياء" 2/ 158 (1775).

(3)

"سنن الترمذي"(2526)، وقال: غريب؛ وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي"(2051).

(4)

"حلية الأولياء" 2/ 356.

(5)

"البعث والنشور" ص 160 (281)، قال اين الجوزي في "الموضوعات" 3/ 578 =

ص: 157

وهو ظاهر في اختلاف الغرف في العلو والصفة، وذلك بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال.

فصل:

"الْغَابِرَ": يروى بالياء، اسم فاعل من غار، وروي:"الغارب" بتقديم الراء والمعنى واحد، وروي غالبًا بباء موحدة ومعناه: الذاهب أو الباقي؛ لأن غير من الأضداد، يريد أن الكوكب حالة طلوعه وغروبه يبعد عن الأبصار فيظهر صغيرًا لبعده، وقد بينه بقوله:"بين المَشْرِقِ أوالْمَغْرِبِ" وروي: العازب بعين مهملة وزاي ومعناه: البعيد، وروي:"الغاير" ذكره ابن الحذاء.

وقوله: ("فِي الأُفُقِ") كذا هنا، وعامة نسخ مسلم "من الأفق" كما قال النووي

(1)

، وقال القاضي

(2)

: "من" هنا لابتداء الغاية، وصوب بعضهم ما في البخاري، وقال القرطبي: إنها أوضح

(3)

.

وقوله: ("يتراءون") وفي أخرى: "يرون أهل عليين كما يرى الكوكب الدري في أفق السماء"

(4)

، ودري -بكسر الدال- فعيل، من درأت كأنه يدرأ الشياطين، ودري على مثال الدر، ومن قرأ (دريء)، فهو عند أكثر أهل العربية لحن؛ إذ ليس في كلام العرب فعيل،

= (1804): هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده: جسر، قال يحيى: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه. وقال أبو حاتم بن حبان: خرج عن حد العدالة.

(1)

"شرح مسلم" 1/ 169.

(2)

"إكمال المعلم" 8/ 362.

(3)

"المفهم" 7/ 176.

(4)

رواه أحمد 3/ 50.

ص: 158

والأكثر الضم بغير همز، قال الكسائي: شبه بالدر، وروي بضم الدال مهموز ممدود

(1)

.

قال ابن التين: وانظر قوله: ("الْغَابِرَ فِي الأفقِ مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ") وإنما تغور الطوالع من المغرب خاصة فكيف ذكر المشرق، والغابر: الذاهب في البعد، قاله الداودي.

و (الأفقِ): ناحية السماء واحد الآفاق، وشبه الكواكب بالدر؛ لكونه أرفع من باقي النجوم كما أن الدر أرفع الجواهر.

فصل:

قوله: ("بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ .. ") إلى آخره؛ يريد أنهم لم يبلغوا درجات الأنبياء، قيل: كذا ظاهره، وقال الداودي: يعني أنهم يبلغون هذِه المنازل التي وصف، وأن منازل الأنبياء فوق ذلك، فعلى ما عند أبي ذر "بل .. " إلى آخره الأمر بيِّن كما ذكره الداودي، وعلى ما عند الشيخ أبي الحسن "بَلَى" تكون كما تقدم أنهم يبلغون درجات الأنبياء.

وقال القرطبي: كذا وقع هذا الحرف (بلى) الذي أصلها حرف جواب وتصديق، وليس هذا موضعها؛ لأنهم لم يستفهموا وإنما أخبروا أن تلك المنازل للأنبياء لا لغيرهم، فجواب هذا يقتضي أن تكون (بل) التي هي للإضراب عن الأول، وإيجاب المعنى الثاني فكأنه تسومح فيها، فوضعت (بلى) موضع (بل).

و"رجال" مرفوع بالابتداء المحذوف، تقديره هم رجال، ورواية:"بل" فيها توسع أي: تلك المنازل منازل رجال آمنوا بالله، أي: حق

(1)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 322 - 232.

ص: 159

إيمانه، "وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ" أي: حق تصديقهم، وإلَّا فكل من يدخل الجنة آمن بالله، وصدق رسله

(1)

.

فائدة:

روى محمد بن الحسن بن زياد النقاش في "فضائل عاشوراء" من حديث ابن عباس مرفوعًا: "إن لله عز وجل ثماني جنات" الحديث.

(1)

"المفهم" 7/ 176.

ص: 160

‌9 - باب صِفَةِ أَبوَابِ الجَنَّةِ

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجَنَّةِ"، فيه عبادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

3257 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«في الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لَا يَدْخُلُهُ إِلاَّ الصَّائِمُونَ» . [انظر: 1896 - مسلم: 1152 - فتح 6/

328]

هذا التعليق سلف مسندًا عن أبي هريرة في الصيام

(1)

، وسيأتي في فضائل الصديق

(2)

.

قال فِيهِ: عُبَادَةُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. هذا الحديث رواه أبو القاسم في "معجمه" من حديث أبي سلام، عن أبي أمامة عنه، وهو عبادة بن الصامت ولفظه:"عليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة، يذهب الله به الهم والغم"

(3)

.

ثم ساق البخاري حديث سَهْلِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَاب، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ". وقد سلف في الصيام في باب الريان للصائمين

(4)

.

(1)

سلف برقم (1897).

(2)

سيأتي برقم (3666).

(3)

رواه أبو القاسم -يعني الطبراني- في "الكبير" كما في "تغليق التعليق" 3/ 507 لكن من حديث مكحول بدلا من أبي سلام، ورواه في "المعجم الأوسط" 8/ 181 (8334)، عن مكحول عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال .. فساقه دون ذكر عبادة. أما الإسناد الذي ذكره المصنف فقد رواه ابن أبي عاصم في "الجهاد"(7)، وصححه ابن حبان 11/ 193 (4855)؛ ولمزيد بيان. انظر:"الصحيحة"(1941).

(4)

سلف برقم (1896).

ص: 161

قال الداودي: وهذا الحديث من قوله تعالى: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73] لأن الواو إنما تأتي بعد سبعة.

وقال الكوفيون: الواو زائدة، وهو خطأ عند البصريين؛ لأن الواو تفيد معنى العطف، فلا يجوز أن تزاد.

وقال محمد بن يزيد: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73] سعدوا

(1)

. والريان: مشتق من الري، وهو الروي من الماء.

وقوله: ("لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ") يريد لما كان يصيبهم من العطش من صيامهم.

قال بعض الصحابة: لولا ثلاث لم أحب البقاء: الظمأ بالهواجر، ومكابدة الليل الطويل، ومجالس. نبتغي فيها أطايب الكلام، كما نبتغي أطايب الرطب

(2)

.

ونظير هذا في "مسند البزار": "للنار باب لا يدخله إلا رجل شفى غيظه بسخط الله"

(3)

.

(1)

"إعراب القرآن" للنحاس 2/ 830 - 831، وانظر:"معاني القرآن" له أيضًا 6/ 196 - 197.

(2)

"حلية الأولياء" 1/ 212، عن أبي الدرداء بمعناه.

(3)

رواه البزار كما في "المجمع" 8/ 70؛ قال الهيثمي: وفيه إسماعيل بن شيبة [الطائفي] وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ص: 162

‌10 - باب صِفَةِ النَّارِ وَأَنَّهَا مَخلُوقَةُ

({وَغَسَّاقًا})[النبأ: 25] يُقَالُ: غَسَقَتْ عَيْنُهُ وَغَسَق الجُرْحُ، وَكَأَنَّ الغَسَاقَ والغسيق وَاحِدٌ. {غِسْلِينٍ} [الحاقة: 36]: كُلُّ شئغَسَلْتَهُ فَخَرَجَ مِنْهُ شئ فَهْوَ غِسْلِينَ، فِعْلِينَ مِنَ الغَسْلِ مِنَ الجُرْح وَالدَّبَرِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ {حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]: حَطَبُ بِالْحَبَشِيَّةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ {حَاصِبًا} [الإسراء: 68]: الرِّيحُ العَاصِفُ، وَالْحَاصِبُ مَا تَرْمِي بِهِ الرّيحُ، وَمِنْهُ {حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] يُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ هُمْ حَصَبُهَا، وَيُقَالُ: حَصَبَ فِي الأَرْضِ: ذَهَبَ، وَالْحَصَبُ: مُشْتَقٌّ مِنْ حَصبَاءِ الحِجَارَةِ. {صَدِيدٍ} [إبراهيم: 16] قَيْحٌ وَدَمٌ. {خَبَتْ} [الإسراء: 97]: طَفِئَتْ. {تُورُونَ} [الواقعة: 71]: تَسْتَخْرِجُونَ، أَوْرَيْتُ: أَوْقَدْتُ. {لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة: 73]: لِلْمُسَافِرِينَ، وَالْقِيُّ: القَفْرُ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23]: سَوَاءُ الجَحِيمِ وَوَسطُ الجَحِيمِ، {لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات: 67]: يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالْحَمِيمِ. {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: 106]: صَوْتٌ شَدِيدٌ، وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ. {وِرْدًا} [مريم: 86] عِطَاشًا. {غَيًّا} [مريم: 59]: خُسْرَانًا، قَالَ مُجَاهِدٌ:{يُسْجَرُونَ} [غافر: 72]: تُوقَدُ بِهِم النَّارُ {وَنُحَاسٌ} [الرحمن: 35]: الصُّفْرُ، يُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ، يُقَالُ:{ذُوقُوا} [الحج: 22]: بَاشِرُوا وَجَرِّبُوا، وَلَيْسَ هذا مِنْ ذَوْقِ الفَمِ. مَارجٌ: خَالِصٌ مِنَ النَّارِ، مَرَجَ الأَمِيرُ رَعِيَّتَهُ: إِذَا خَلَّاهُمْ يَعْدُو بَعْضُهُمْ عَلَى

ص: 163

بَعْضٍ. {مَرِيجٍ} [ق: 5]: مُلْتَبِسٌ، مَرجَ أَمْرُ النَّاسِ: اخْتَلَطَ، {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [الرحمن: 19] مَرَجْتَ دَابَّتَكَ: تَرَكْتَهَا.

3258 -

حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي الحَسَنِ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَقَالَ: «أَبْرِدْ» . ثُمَّ قَالَ: «أَبْرِدْ» . حَتَّى فَاءَ الفَيْءُ، يَعْنِي لِلتُّلُولِ، ثُمَّ قَالَ:«أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» . [انظر: 535 - مسلم: 616 - فتح 6/ 329]

3259 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» . [انظر: 538 - فتح 6/ 330]

3260 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ فِي الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ» . [انظر: 537 - مسلم: 617 - فتح 6/ 330]

3261 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: كُنْتُ أُجَالِسُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ، فَأَخَذَتْنِي الحُمَّى، فَقَالَ: أَبْرِدْهَا عَنْكَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ» . أَوْ قَالَ: «بِمَاءِ زَمْزَمَ» . شَكَّ هَمَّامٌ. [فتح 6/ 330]

3262 -

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْحُمَّى مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ» . [5726 - مسلم: 2212 - فتح 6/ 330]

ص: 164

3263 -

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ» . [5725 - مسلم: 2210 - فتح 6/ 330]

3264 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ» . [5723 - مسلم: 2209 - فتح 6/ 330]

3265 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» . قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً. قَالَ:«فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا» . [مسلم: 2843 - فتح 6/ 330]

3266 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ عَطَاءً يُخْبِرُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَى المِنْبَرِ:" {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} "[الزخرف: 77].

3267 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ: لَوْ أَتَيْتَ فُلَانًا فَكَلَّمْتَهُ. قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ، إِنِّي أُكُلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلَا أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ شَيءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ، مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» . رَوَاهُ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. [7098 - مسلم: 2989 - فتح 6/ 331]

ص: 165

الشرح:

روى إسماعيل بن أبي زياد الشامي في "تفسيره"، عن ثور، عن خالد بن معدان، عن معاذ: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أين يجاء بجهنم؟ قال: "يجاء بها يوم القيامة من الأرض السابعة لها سبعون ألف زمام" الحديث.

قيل: الغساق: قيح غليظ، قاله عبد الله بن عمر

(1)

.

وقال ابن زيد: هو صديدهم تصهرهم النار، فيجمع صديدهم في حياض فيسقونه

(2)

.

وقيل: إنه النتن.

قال ابن فارس: ما يقطر من جلود أهل النار

(3)

.

وقال ابن عزير: وقيل: بارد يحرق كما تحرق النار، وقوله: غسقت عينه، أي: سالت، وقيل: أظلمت ودمعت، وقوله:{إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة: 36] وقال في موضع آخر: {إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6] وقيل: المعنى: ولا طعام ينتفع به. وقيل: الغسلين من الضريع.

وقول عكرمة أخرجه ابن أبي عاصم، عن أبي سعيد الأشج، ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الملك بن أبجر سمعت عكرمة به.

قال ابن عرفة: إن كان أراد بها حبشية الأصل سمعتها العرب فتكلمت بها، فصارت حينئذٍ عربية، وإلا فليس في القرآن غير العربية

(4)

.

(1)

"تفسير القرطبي" 15/ 222، وعزاه إلى عبد الله بن عمرو. بالواو.

(2)

"تفسير الطبري" 10/ 598 (29993).

(3)

"المجمل" 2/ 696 مادة: غسق.

(4)

"لسان العرب" 2/ 894 مادة: حصب.

ص: 166

وقال ابن عزير: إن كان أراد أن هذِه الكلمة حبشية وعربية بلفظ واحد فهو وجه.

قال الخليل: حصب ما هيئ للوقود من الحطب، فإن لم يهيأ لذلك فليس بحصب

(1)

.

وقرأ ابن كثير بإسكان الضَّاد معجمة، وعن ابن عباس بفتحها

(2)

، وروي عن عائشة:(حطب جهنم)

(3)

، وروي عن ابن عباس: لما نزلت هذِه الآية قالوا: أليس عُبد عزير والمسيح والملائكة، وأنت تقول: هم قوم صالحون، فنزلت:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ} [الأنبياء: 101] الآية

(4)

.

وقوله: في ({خَبَتْ}: طفئت)، قال الضحاك: سكنت

(5)

، وقال جماعة: سكن لهبها، وهي حية لم تبطل، وكذلك ناخت، فإن سكن لهبها وعلا الجمر رماد، قيل: كبت، فإن طفئ بعض الجمر وسكن اللهب قيل: خمدت، فإن طفئت كلها ولم يبق منها شيء قيل: همدت.

وقوله: (القي: القفر)، يقال: القوي وهو الموضع لا أحد فيه، وقيل: المقوي: من لا زاد معه، وقال مجاهد: المقوين: الناس أجمعون

(6)

، وقيل: الذي معه مال، وقيل: المقوى: الذي أصحابه وإبله أقوياء، وقيل: من معه دابة، وهذا ليس بتفسير.

(1)

"العين" 3/ 123 - 124، مادة: حصب.

(2)

انظر: "زاد المسير" 5/ 390.

(3)

"تفسير الطبري" 9/ 89 (24823).

(4)

السابق (24838).

(5)

السابق 8/ 153 (22731).

(6)

السابق 11/ 656 (33519).

ص: 167

وقوله في تفسير: {لَشَوْبًا} ويساط معناه: يخلط، والمعنى هنا: شرب الحميم، وما ذكره في {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: 106] قيل: الزفير: أول نهيق الحمار. والشهيق: من آخره، فالزفير من الصدر والشهيق من الحلق.

وقال الداودي: الشهيق: الذي يبقى بعد الصوت الشديد من الحمار.

وروي عن ابن مسعود إذا بقي في النار من خلد فيها جعلوا في توابيت من حديد فما يرى أحدهم أنه يعذب في النار أحد غيره، ثم قرأ:{لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)}

(1)

[الأنبياء: 100] وما ذكره عن ابن عباس في تفسير {صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23] رواه الطبراني من حديث علي عنه {سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [لصافات: 55] في وسط الجحيم، وعنه: واهدوهم: (وَجِّهُوهُمْ)

(2)

.

وقوله: ({وِرْدًا} [مريم: 86]) عطاشًا، قال أهل اللغة: هو مصدر وردت، والتقدير عندهم ذوي ورد، وقد حكوا أنه يقال للواردين الماء: ورد، فلما كانوا يردون على الماء كما يرد العطاش على الماء قيل لهم: ورد، فعلى هذا يوافق اللغة، وقيل: وردًا ورَّادًا، كقولك قوم زور أي: زوار.

وقوله: (غيًّا: خسرانًا)، قال ابن مسعود: غيًّا: وادٍ في جهنم

(3)

، والمعنى فسوف يلقون حر الغي، وقيل: يسمى الوادي: غيًّا؛ لأن الغاوين يصيرون إليه.

(1)

"تفسير القرطبي" 11/ 345.

(2)

في الأصل: (وجوههم)، والمثبت من "تفسير الطبري" 10/ 480 (29323).

(3)

رواه الطبراني 9/ 227 (9111)، وصححه الحاكم 2/ 374.

ص: 168

وتفسير مجاهد في: {يُسْجَرُونَ} رواه عبد، عن روح، عن شبل، عن أبي نجيح، عن مجاهد به

(1)

، وما ذكره في "تفسير النحاس" هو قول مجاهد

(2)

.

وقال سعيد بن جبير: هو الدخان، زاد ابن عباس: لا لهب فيه، وقال: النحاس: النار والدخان أشبهها.

وما ذكره في {مَرَجَ} قال ابن عباس: المارج: اللهب

(3)

، وقال أبو عبيدة: المارج: الخلط. وروي عن مجاهد: من لهب أحمر وأسود، وقال الفراء: المارج: نار دون الحجاب، ومنها هذِه الصواعق ويرى جلد السماء منها

(4)

. وقيل: هو اللهب المختلط بسواد النار.

وقوله: (مرج أمر الناس) هو بكسر الراءِ، ومنه: مرج الخاتم في يدي إذ تلف، ومنه: مرجت عهودهم، أي: اختلطت.

ومعنى (مريج): ملتبس أي: يقولون مرة: شا عر، ومرة: ساحر، ومرة: كاهن، ومرة: مجنون.

ثم ذكر البخاري في الباب عشرة أحاديث:

أحدها: حديث أبي ذر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فقال: "أبرد" ثم قال: "أبرد". حتى فاء الفيء -يعني التلول- ثم قال: "أبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم". وقد سلف في الصلاة

(5)

.

(1)

رواه عبد بن حميد في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" 7/ 306.

(2)

"معاني القرآن" 6/ 234.

(3)

"تفسير الطبري" 11/ 584 (32945).

(4)

"معاني القرآن" للفراء 3/ 115.

(5)

سلف برقم (535).

ص: 169

والإبراد: أن تفيء الأفياء، وينكسر وهج الحر، وسمي ذلك بردًا بالإضافة إلى حر الظهيرة.

و"فَيْحِ جَهَنَّمَ": سطوع حرها، قاله الليث، يقال: فاحت القدر تفيح إذا غلت، وفاحت الشجة نفحت بالدم، قال ابن فارس: وهو مصدر فاح وأصله الواو

(1)

، ويحتمل -كما قال الخطابي- أن يكون أراد به المثل، فشبهه بحرِّ جهنم، يحذرهم حره كما يحذرون فيح جهنم، فاحذروا حرَّ الظهيرة وأذاها

(2)

.

الحديث الثاني:

حديث أَبِي سَعِيدٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةِ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ". وسلف أيضًا في الصلاة

(3)

.

الحديث الثالث:

حديث أَبَا هُرَيْرَةَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا .. "، الحديث سلف في الصلاة أيضًا

(4)

، وهو دال على أنه يخلق فيها إدراكًا، وقيل: إن الجنة والنار أسمع المخلوقات، وإن الجنة إذا سألها عبد أمَّنت على دعائه، والنار إذا استجار منها أحد أمنت على دعائه، والنار ههنا هي جهنم، وليس المراد النار نفسها؛ لأنه ذكر أن فيها الزمهرير، وهو: البرد، والضدان لا يجتمعان، وجهنم تشتمل على النار والزمهرير، وغير ذلك من أنواع العذاب، أجارنا الله من ذلك بفضله ومنته.

(1)

"المجمل" 2/ 708، مادة:(فيح).

(2)

"أعلام الحديث" 2/ 1495.

(3)

سلف برقم (538).

(4)

سلف برقم (537).

ص: 170

الحديث الرابع:

حديث أَبِي جَمْرَةَ الضبَعِيِّ -بالجيم- قَالَ: كُنْتُ أُجَالِسُ ابن عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ، فَأَخَذَتْنِي الحُمَّى، فَقَالَ: أَبْرِدْهَا عَنْكَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ". أَوْ قَالَ: "بِمَاءِ زَمْزَمَ". وأخرجه النسائي في الطب

(1)

.

الحديث الخامس:

حديث رافع بن خديج سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الحمى من فَوْرِ جهنم فأبردوها عنكم بالماء" وأخرجه مسلم أيضًا وكذا ما بعده

(2)

.

الحديث السادس:

حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الحُمَّى مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَابْرِدُوهَا

(3)

بِالْمَاءِ".

الحديث السابع:

حديثِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما مرفوعًا بمثله.

وقد سلف جميع ذلك في الصلاة.

وقوله: ("فأبردوها بالماء") تقرأ

(4)

فابردوها بوصل الألف وضم الراء؛ لأنه ثلاثي من برد الماء حرارة جوفي مبردها، بخلاف قوله:"أبردوا بالصلاة" لأن معنى ذاك: ادخلوا في وقت الإبراد، مثل: أظلم دخل في الظلام، وأمسى دخل في المساء، وكذا ذكره ثعلب في "فصيحه" أن همزته همزة وصل، وذكر ابن (التياني)

(5)

أن في

(1)

"السنن الكبرى" 4/ 380 (7614).

(2)

مسلم (2210، 2212) كتاب: السلام.

(3)

بألف وصل هي رواية المصنف كما يأتي.

(4)

زاد في (ص 1) بعدها: بألف.

(5)

في (ص 1)(الشامي).

ص: 171

"مختصر الجمهرة": بردت الشيء برَّدته بالتشديد، وجاء في الشعر أبردته: صيرته باردًا.

وفي "الواعي" زعم بعض أهل العربية أنه يقول: بردت الماء من الإبراد وبردته من الإسخان، قال: وهو من الأضداد، وزعم ابن سيده في "المخصص" أن هذا القول قاله قطرب ورد عليه

(1)

.

وقال القاضي عياض: يقال أيضًا بهمزة قطع وراء مكسورة

(2)

.

وهي لغة رديئة، وقوله:"فأطفئوها" هو مهموز رباعي.

فصل:

قوله: "فَابْرِدوها بالماء" أو"بِمَاءِ زَمْزَمَ" شك همام.

ورواه أبو نعيم الأصبهاني في كتاب "الطب" من حديث عفان بن مسلم، ثنا همام .. فذكره من غير شك ولا تردد

(3)

، وكذا أخرجه ابن حبان في "صحيحه"

(4)

، وروى أبو نعيم أيضًا من حديث أبي عبيدة ابن حذيفة، عن عمته فاطمة، قالت: عدت رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقد حم)

(5)

، فأمر بسقاء يعلق على شجرة، ثم اضطجع بجنبه فجعل يقطر الماء على فؤاده، فقلت: ادع الله أن يكشف عنك، فقال:"إن أشد الناس بلاءًا لأنبياء تم الذين يلونهم"

(6)

.

وعن طارق بن شهاب، سمعت أسامة يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

"المخصص" 2/ 448.

(2)

"مشارف الأنوار" 1/ 83.

(3)

"الطب النَّبوي" 2/ 571 - 572 (599).

(4)

"صحيح ابن حبان" 13/ 431 - 432 (6068).

(5)

في (ص 1): (وهو حميم).

(6)

"الطب النبوي" 2/ 575 - 576 (604).

ص: 172

"ائتني في وجه الصبح بماءٍ أصبه عليَّ لعلي أجد خُفًّا فأخرج إلى الصلاة"

(1)

، قال نافع: وكان عبد الله يقول: اكشف عني الرجز

(2)

.

وفي حديث أسماء كان عليه السلام يأمرنا أن نبردها بالماء، وكانت إذا أتيت بالمرأة قد حمت أخذت الماء فصبته بينها وبين جنبها

(3)

، قال أبو عمر: من فعل هذا وكان معه يقين صادق رجوت له الشفاء

(4)

، وروينا

(5)

في (خبر)

(6)

الأنصاري من حديث إسماعيل بن الحسن المكي، عن الحسن، عن سمرة مرفوعًا:"الحمى قطعة من النار فأبردوها عنكم بالماء البارد". وكان عليه السلام إذا حُمَّ دعا بقربة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل، وصححه الحاكم

(7)

.

وروى ابن ماجه من حديث الحسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"الحمى كير من كير جهنم، فنحوها عنكم بالماء البارد"

(8)

، وروى الطحاوي من حديث أنس مرفوعًا:"إذا حُمَّ أحدكم فليشن عليه الماء البارد من السحر ثلاثًا" وصححه الحاكم

(9)

.

وروى قاسم بن أصبغ من حديث أم خالد بنت سعد: كان عليه السلام يأمرنا إذا حم الزبير أن نبرد الماء، ثم نصبه عليه.

(1)

السابق (606).

(2)

سيأتي بعد حديث رقم (5723).

(3)

رواه الطبراني 24/ 123.

(4)

"التمهيد" 22/ 227.

(5)

في هامش الأصل: يقوله شيخنا المؤلف.

(6)

في الأصل: (عزو)، والمثبت من (ص 1).

(7)

"المستدرك" 4/ 403 - 404.

(8)

"سنن ابن ماجه"(3475)، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(2799).

(9)

"شرح مشكل الآثار" 5/ 109 (1860)، "المستدرك" 4/ 403.

ص: 173

فصل:

اعترض بعض سخفاء الأطباء على الحديث بقوله: استعمال المحموم الاغتسال بالماء خطر يقرب من الهلاك؛ لأنه يجمع المثام ويحقن البخار ويعكس الحرارة لداخل الجسم، فيكون ذلك سببًا للتلف.

وجوابه: أن هذا صدر عن مرتاب في صدق نبينا.

فيقال له: تفهم مراده من هذا الكلام، فإنه لم ينص على كيفية تبريد الحمى بالماء، وإنما أرشد إلى تبريدها به مطلقًا، فإن أظهر الوجود أو صناعة الطب أن غمس المحموم في الماء أو صبه إياه على جميع بدنه يضره فليس هو الذي قصده عليه السلام، وإنما قصد استعمال الماء على وجه ينفع، فيبحث عن ذلك الوجه، وتجرب الوجوه التي لا ضرر فيها، فإنه سيظهر نفعه قطعًا، وقد ظهر هذا المعنى في أمره العائن بالغسل، فإنه وإن كان قد أمره أن يغتسل مطلقًا، فلم يكن مقصوده أن يغسل جميع جسده بل بعضه.

وإذا تقرر هذا: فلا يبعد أن مقصوده أن يرش على بعض جسد المحموم، أو يفعل كما ذكرنا عن أسماء، فيكون من باب النشرة الجائزة، ولئن سلمنا أنه أراد جميع جسد المحموم، فيجاب بأنه يحتمل أنه يريد بذلك (بعض)

(1)

قلاعها عنه، وفي وقت مخصوص وبعدد مخصوص، فيكون ذلك من باب: الخواص التي أطلع عليها، كما روي أن رجلاً شكى إليه الحمى، فقال:"اغتسل ثلاًثا قبيل طلوع الشمس، وقيل: بسم الله اذهبي يا أم ملدم، فإن لم تذهب فتغتسل سبعًا"

(2)

.

(1)

كذا في الأصول، ولعلها (بعد).

(2)

"التمهيد" 22/ 228.

ص: 174

وفي الترمذي من حديث ثوبان مرفوعًا: "إذا أصابَ أحدكم الحمى -وهي قطعة من النار- فليطفئها عنه بالماء يستنقع في نهر جار، وليستقبل جريته ويقول: بسم الله، اللهم اشف عبدك وصدق رسولك، بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، وليغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام، فإن لم يبرأ في ثلاث فخمس وإلا فسبع، فإنها لا تكاد تجاوز تسعًا بإذن الله".

قال: غريب

(1)

بسبب سعيد المذكور في إسناده، وهذا (أبو)

(2)

زرعة كما ذكره البخاري وابن حبان في "ثقاته"

(3)

وقد يكون ذلك من باب الطب، ومن الأطباء سلموا أن الحمى الصفراوية يدبر صاحبها بسقي الماء الشديد البرودة حتى يعالجوه وبسقي الثلج، وتغسل أطرافه بالماء البارد، فعلى هذا لا يبعد أن يكون هذا المقصود بالحديث؛ لأجل الحميات المتولدة من البلغم. نبه على ذلك القرطبي

(4)

.

وقال ابن العربي: إن قلت: فنحن نجد علماء الطب يمنعون من اغتسال المحموم ويقولون: لا يجوز مقابلة الأشياء إلا بضدها بغتة، والشارع لا يقول إلا حقًّا، وقد ذكر عن بعض من ينسب إلى العلم أنه حمَّ فاغتسل فاحتقنت الحرارة في بدنه فزاد مرضه، وأخرجه ذلك إلى التلف.

فيجاب: أنه عليه السلام لما خاطب بهذا قومًا كانوا يعتادون مثل هذا في تلك الأرض.

(1)

"سنن الترمذي"(2084) وضعفه الألباني في "ضعيف سنن الترمذي"(366).

(2)

كذا في الأصل، وفي مصادر التخريج:(ابن). انظر "تهذيب الكمال" 10/ 432.

(3)

"التاريخ الكبير" 3/ 466، 472 (1553)، (1574)، "ثقات بن حبان" 4/ 283.

(4)

"المفهم" 5/ 601.

ص: 175

قلت: وفيه تأويل آخر ذكر أبو سليمان أن ابن الأنباري كان يقول: معناه: تصدقوا بالماء عن المريض، يشفيه الله؛ لما روي أن أفضل الصدقة سقي الماء. وذهب ابن حبان إلى أن ذلك خاص بماء زمزم.

فائدة:

روى أبو بكر الواسطي في "فضائل القدس" من حديث عبادة بن الصامت أنه ربي يبكي عند سور بيت المقدس الشرقي، فقيل: ما يبكيك؟ فقال: من هنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتي بجهنم وفي لفظ: هذا وادي جهنم.

وفي لفظ: من هنا خبرنا أنه رأى ملكًا يقلب جمرًا كالثلعة

(1)

.

الحديث الثامن:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ناركم جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم ".

قيل: يا رسول الله، إن كانت لكافية. قال:"فضلت عليهن بتسعة وستين جزءًا كلهن مثل حرها".

الشرح:

هذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي أيضًا

(2)

، وروي من غير هذا الوجه، روى ابن ماجه من حديث أنس مرفوعًا:"ناركم هذِه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم، ولولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها، وإنها لتدعو الله عز وجل أن لا يعيدها فيها"

(3)

.

(1)

رواه ابن حبان في صحيحه 16/ 505، والحاكم في "المستدرك" 4/ 604.

(2)

"سنن الترمذي"(2589).

(3)

"سنن ابن ماجه"(4318).

ص: 176

وذكره ابن عيينة في "جامعه" من حديث أبي هريرة بنحوه، ولابن عبد البر من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:"هذِه النار قد ضرب بها البحر سبع مرات، ولولا ذلك ما انتفع بها أحد"

(1)

وعن ابن مسعود: "ضرب بها البحر عشر مرات".

وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن نار الدنيا مم خلقت؟ قال: من نار جهنم غير أنها طُفئت بالماء سبعين مرة، ولولا ذلك ما قربت؛ لأنها من نار جهنم.

وللترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "ناركم هذِه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم لكل جزء منها حرها"

(2)

.

فصل:

المعنى أنه لو جمع النار التي يوقدها الآدميون لكانت جزءًا من أجزاء جهنم المذكورة.

بيانه: أنه لو جمع حطب الدنيا، وأوقد كله حتى صار نارًا لكان الجزء الواحد من أجزاء نار جهنم الذي هو سبعون جزءًا أشد منه.

وقولهم: (وإن كانت لكافية) هي مخففة من الثقيلة عند البصريين، وهذِه اللام هي المفرقة بين (إن) النافية والمخففة من الثقيلة، وهي عند الكوفين بمعنى (ما) واللام بمعنى (إلا) تقديره عندهم: ما كانت إلا كافية، وعند البصريين: إنها كافية. فأجابهم بأنها كما فضلت عليها في المقدار والعدد بتسعة وستين جزءًا فضلت عليها في الحر بتسعة وستين (

)

(3)

.

(1)

"التمهيد" 18/ 163.

(2)

"سنن الترمذي"(2590).

(3)

كلمة غير واضحة بالأصل.

ص: 177

فصل:

روى ابن المبارك، عن معمر، عن ابن المنكدر قال: لما خلقت النار فزعت الملائكة وطارت أفئدتهم، فلما خلق آدم سكن ذلك عنهم وقال ميمون بن مهران: لما خلق الله جهنم أمرها زفرت زفرة فلم يبق في السموات السبع ملك إلاَّ خرَّ على وجهه، فقال لهم الربُّ: ارفعوا رءوسكم، أما علمتم أني خلقتكم للطاعة، وهذِه خلقتها لأهل المعصية؟ فقالوا: ربنا لا نأمنك حتى نرى أهلها، فذلك قوله تعالى:{وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}

(1)

[الأنبياء: 28].

وللترمذي عن عائشة رضي الله عنها صحيحًا: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] قلت: فأين الناس يومئذٍ؟ قال: "على جسر جهنم".

(2)

وعن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "إنَّ تحت البحر نارًا وتحت النار بحرًا"

(3)

حتى عدَّ سبعة أبحر، وسبعة أنيار. قال عبد الله: البحر طبق جهنم. ذكره ابن عبد البر وضعفه.

(4)

وفي "تفسير ابن النقيب" في قوله تعالى {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ} [إبراهيم: 48] تجعل الأرض جهنم، وتجعل السموات الجنة. وللترمذي:"أُوقِد على النارِ ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة"

(5)

زاد

(1)

في الأصل: "وهم من خشية ربهم مشفقون" وهذِه الآية في صفة المؤمنين ونصه {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)} [المؤمنون: 57]، والمثبت في صفة الملائكة.

(2)

"سنن الترمذي"(3241).

(3)

"سنن أبي داود"(2489).

(4)

"التمهيد" 1/ 240.

(5)

"سنن الترمذي"(2591).

ص: 178

ابن المبارك "وألف سنة حتى احمرت"

(1)

وعن سليمان: لا يفنى لهيبها ولا جمرها. ثم قرأ {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} وفي البيهقي في "بعثه" بإسناد فيه جهالة، وسماه أبو عاصم في روايته محمد بن حيي، عن صفوان بن يعلى، عن يعلى مرفوعًا:"البحر هو جهنم"، ومن حديث العرزمي عن أبي الزعراء

(2)

، قال عبد الله: الجنة في السماء السابعة، والنار في الأرض السابعة

(3)

.

الحديث التاسع:

حديث صفوان بن يعلى، عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف: 77] هذا الحديث سلف قريبًا، ويأتي في التفسير

(4)

.

الحديث العاشر:

حديث سفيان، هو ابن عيينة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن أسامة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجاءُ بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار .. " الحديث ثم قال: رواه غندر، عن شعبة، عن الأعمش، وهذا يأتي في الفتن مسندًا عن بشر بن خالد، عن غندر

(5)

، ورواه عن الأعمش أيضًا: أبو معاوية وجرير، وأخرجه مسلم في آخر كتابه عن يحيى بن يحيى وأبي بكر وابن نمير وإسحاق وأبي كريب جميعهم عن أبي معاوية وعن عثمان عن جرير كلاهما عن الأعمش به.

(1)

"كتاب الرقائق" رقم (309) عن أبي هريرة موقوفًا.

(2)

في "البعث والنشور" بعد العرزمي: أنبأ سلمة عن أبي الزعراء.

(3)

" البعث والنشور" ص 252، 253 (497)، (500).

(4)

سيأتي برقم (4819).

(5)

سيأتي برقم (7098)، باب: الفتنة التي تموج كموج البحر.

ص: 179

وقوله في أوله: (قيل لأسامة: لو أتيت فلانًا فكلمته) هو عثمان بن عفان كما نبه عليه المهلب، وأراد أن يكلمه في شأن أخيه لأمه الوليد بن عقبة لما شهد عليه مما شهد، فقيل لأسامة؛ ذلك لكونه كان من خواص عثمان، وفي نسخة: لا أكلمه إلا بسمعكم. وفي أخرى: إلا سمعكم. وبخط الدمياطي: إلا أسمعكم. وكله بمعنى أتظنون أني لا أكلمه إلا وأنتم تسمعون؟ فقال: قد كلمته فيما بيني وبينه.

وقوله: (إني لأكلمه في السر) يعني: أأجاهر بالإنكار على الأمراء في الملأ فيكون بابًا من القيام على أئمة المسلمين، فتفترق الكلمة وتتشتت الجماعة -كما كان بعد ذلك من تفريق الكلمة من مواجهة عثمان بالنكير.

وفيه: الأدب مع الأمراء واللطف بهم ووعظهم سرًّا، وتبليغهم قول الناس فيهم؛ ليكفوا عنه، وهذا كله إذا أمكن، فإن لم يمكن الوعظ سرًّا فليفعله علانية؛ لئلا يضيع الحق كما روى طارق بن شهاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جاثر"

(1)

وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد بإسناد حسن

(2)

. قال الطبري: معناه: إذا أمن على نفسه من قتل وشبهه، أوأن يلحقه من البلاء ما لا قبل له به.

روي ذلك عن ابن مسعود وحذيفة، وهو مذهب أسامة. وروي عن مطرف أنه قال: والله لم يكن لي دين حين أقوم إلى رجل معه ألف سيف فأنبذ إليه كلمة فيقتلني، إن ديني إذًا لضيق. وقال آخرون: الواجب على من رأى منكرًا من ذي سلطان أن ينكره علانية، وكيف أمكنه. روي ذلك

(1)

رواه النسائي (4209) وأحمد 4/ 315.

(2)

"سنن الترمذي"(2174).

ص: 180

عن عمر وأبي بن كعب، احتجا بقوله عليه السلام:"من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده .. " الحديث

(1)

، وبقوله:"إذا هابت أمتي أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُودَّع منهم" ذكره البزار من طريق منقطعة

(2)

.

وقال آخرون: الواجب أن ينكر بقلبه بحديث أم سلمة مرفوعًا: "يستعمل عليكم أمراء بعدي تعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع" قالو: يا رسول الله، أفلا يقاتلون؟ قال:"لا ما صلَّوا"

(3)

.

فصل:

معنى (تندلق أقتاب بطنه) أي: تنصب أمعاؤه من بطنه فتخرج من دبره، زاد القزاز: بسرعة واحدها: قتب بالكسر، وهي مؤنثة، ومنه: دلق السيف واندلق: إذا خرج من غير أن يسل، وتصغير القتب قتيبة، وبه سمي الرجل قتيبة. واندلق بالدال غير المعجمة. قال الهروي: القتب: ما يحوي البطن، يعني: استدار من الحوايا

(4)

.

فائدة:

ينبغي لمن أمر بمعروف أن يكون كامل الخير لا وصم فيه، وقد قال شعيب صلى الله عليه وسلم:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88] إلا أنه يجب عند الجماعة أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر من يفعل ذينك، حتى قال جماعة من الناس: يجب على متعاطي الكأس أن ينهي جماعة

(1)

رواه مسلم (49) كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان ..

(2)

رواه البزار كما في "كشف الأستار"(3302).

(3)

رواه مسلم برقم (1854) كتاب الإمارة، باب: وجوب الإنكار على الإمراء فيما يخالف الشرع.

(4)

"غريب الحديث" 1/ 226.

ص: 181

الجلاس. وذكر عن مطرف بن الشخير أنه قال: لا يعظ ولا يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر إلا كامل لا وصم فيه، وهذا ليس بجيد، وهو يؤدي إلى تضييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولعل المراد أنه لا ينتفع بوعظه إلا من هذِه صفته أو يتصدى لذلك.

فصل:

روى مسلم عن ابن مسعود مرفوعًا: "يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها"

(1)

. ولابن وهب، عن زيد بن أسلم، عن علي مرفوعًا:"فبينما هم يجرونها إذ شردت عليهم شردة، فلولا أنهم أدركوها لأحرقت من في الجمع"

(2)

. وفي كلام الغزالي: يؤتى بها تمشي على أربع قوائم تقاد بسبعين ألف زمام في كل زمام سبعون ألف حلقة، لو جمع حديد الدنيا ما عدل منها حلقة واحدة على كل حلقة سبعون ألف زباني، فإذا انفلتت لم يقدر أحد على إمساكها لعظم شأنها، فيجثو الناس على الركب، يقول كل واحد منهم: نفسي نفسي، فيقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله، فيأخذ بخطامها ويقول لها:"ارجعي مدحورة إلى خلقك حتى يأتيك أفواجك"، فتقول: خل سبيلي فإنك حرام عليّ، فينادي منادي: اسمعي وأطيعي له، ثم تجذب وتجعل شمال العرش فينجذب أهل الموقف بجذبتها (فيخف وجلهم)

(3)

، فذلك قوله:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء: 107]، وهناك ينصب الميزان.

(1)

مسلم (2842) كتاب الجنة، باب: في شدة حر نار جهنم

(2)

انظر: "التذكرة" للقرطبي، ص 450 - 451.

(3)

غير مقروءة في الأصل، والمثبت من "التذكرة".

ص: 182

وفي حديث إبراهيم بن هدبة، عن أنس مرفوعًا، فذكر حديثًا فيه:"يقول الله لها تكلمي، فتقول: وعزتك لأنقمن اليوم ممن أكل رزقك وعبد غيرك".

وفي حديث عبد الغني بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري:"أقبلت النار يركب بعضها بعضًا وخزنتها يكفونها، وهي تقول: وعزة ربي ليخلين بيني وبين أزواجي أو لأغشين الناس يقولون: من أزواجك فتقول: كل متكبر جبار"

(1)

.

وللترمذي وقال: غريب. عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "لجهنم سبعة أبواب، باب منها لمن سل سيفًا على أمتي"

(2)

وفي القرطبي: "بين الباب والباب خمسمائة عام، الأول جهنم، والثاني لظى، والثالث سقر، والرابع الحطمة، والخامس الجحيم، والسادس السعير، والسابع الهاوية، على كل باب سبعون ألف جبل، في كل جبل سبعون ألف شعب، في كل شعب سبعون ألف شق، في كل شق سبعون ألف واد، في كل واد سبعون ألف قصر، في كل قصر سبعون ألف عقرب، في كل عقرب سبعون ألف ذنب، لكل ذنب سبعون ألف منقار، لكل منقار سبعون ألف قلة من سمًّ فإذا كان يوم القيامة كشف عنها الغطاء، فيطير منها سرادق من عن يمين الثقلين وآخر عن شمالهم، وأمامهم وخلفهم، فإذا نظر الثقلان إلى ذلك جثوا على ركبهم"

(3)

.

(1)

انظر: "التذكرة" ص 454.

(2)

"سنن الترمذي"(3123)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(4661).

(3)

"التذكرة" ص 448: 450.

ص: 183

‌11 - باب صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ

قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَيَقْذِفُونَ} : يُرْمَوْنَ. {دُحُورًا} [الصافات: 9]: مَطْرُودِينَ. {وَاصِبٌ} [الصافات: 9]: دَائِمٌ.

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ {مَدْحُورًا} [الأعراف: 18]: مَطْرُودًا. يُقَالُ: {مَرِيدًا} [النساء: 117]: مُتَمَرِّدًا. بَتَّكَهُ: قَطَّعَهُ. {وَاسْتَفْزِزْ} [الإسراء: 64]: اسْتَخِفَّ. {بِخَيْلِكَ} [الإسراء: 64]: الفُرْسَانُ. وَالرَّجْلُ: الرَّجَّالَةُ، وَاحِدُهَا: رَاجِلٌ، مِثْلُ: صَاحِبٍ وَصَحْبٍ، وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ، {لَأَحْتَنِكَنَّ} [الإسراء: 62]: لأَسْتَأُصِلَنَّ. {قَرِينٌ} [الزخرف: 36]: شَيْطَانٌ.

3268 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَى هِشَامٌ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَوَعَاهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ:«أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟ أَتَانِي رَجُلَانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ: أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا وَجَعُ؟ الرَّجُلِ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ: فِي مَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ» . فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: «نَخْلُهَا كَأَنَّهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ» . فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: «لَا أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي الله، وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، ثُمَّ دُفِنَتِ البِئْرُ» . [انظر: 3175 - مسلم: 2189 - فتح 6/ 334]

3269 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ

ص: 184

مَكَانَهَا: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ. فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ». [انظر: 1142 - مسلم: 776 - فتح 6/ 335]

3270 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ:"ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ في أُذُنَيْهِ" -أَوْ قَالَ- "في أُذُنِهِ". [انظر: 1144 - مسلم: 774 - فتح 6/ 335]

3271 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا. فَرُزِقَا وَلَدًا، لَمْ يَضُرُّهُ الشَّيْطَانُ» . [انظر: 141 - مسلم: 1434 - فتح 6/ 335]

3272 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ» . [انظر: 583 - مسلم: 829 - فتح 6/ 335]

3273 -

«وَلَا تَحَيَّنُوا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَي شَيْطَانٍ» . أَوِ: "الشَّيْطَانِ". لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ. [انظر: 582 - مسلم: 828 - فتح 6/ 335]

3274 -

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةً

(1)

قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَىْ أَحَدِكُمْ شَيْءٌ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَمْنَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيَمْنَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» . [فتح 6/ 335]

(1)

في نسخة أبي ذر: أبي سعيد، وهي التي ذكرها المصنف في متنه كما سيأتي.

ص: 185

3275 -

وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الهَيْثَمِ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ الحَدِيثَ فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«صَدَقَكَ وَهْوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ» . [انظر: 2311 - فتح 6/ 335]

3276 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ، وَلْيَنْتَهِ» . [مسلم: 134 - فتح 6/ 336]

3277 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي أَنَسٍ -مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ- أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» . [انظر: 1898 - مسلم: 1079 - فتح 6/ 336]

3278 -

حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ مُوسَى قَالَ لِفَتَاهُ: {آتِنَا غَدَاءَنَا} [الكهف: 62]، {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف: 63] وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ المَكَانَ الذِي أَمَرَ الله بِهِ» . [انظر: 74 - مسلم: 2380 - فتح 6/ 336]

3279 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ فَقَالَ: «هَا إِنَّ الفِتْنَةَ هَا هُنَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» . [انظر: 3104 - مسلم: 2905 - فتح 6/ 336]

ص: 186

3280 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَاريُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا اسْتَجْنَحَ {اللَّيْلُ} -أَوْ كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ- فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ فَحُلُّوهُمْ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا» . [3304، 3316، 5623، 5624، 6295، 6296 - مسلم: 2012 - فتح 6/ 336]

3281 -

حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ حُيَيٍّ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ، فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي -وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ- فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» . فَقَالَا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا" أَوْ قَالَ: "شَيْئًا". [انظر: 2035 - مسلم: 2175 - فتح 6/ 336]

3282 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ. ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ» . فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ» . فَقَالَ: وَهَلْ بِي جُنُونٌ؟! [6048، 6115 - مسلم: 2610 - فتح 6/ 337]

3283 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: {اللَّهُمَّ} جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنِي. فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ

ص: 187

الشَّيْطَانُ، وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ». قَالَ: وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. [انظر: 141 - مسلم: 1434 - فتح 6/ 337]

3284 -

حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً فَقَالَ:«إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي، فَشَدَّ عَلَيَّ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ عَلَيَّ، فَأَمْكَنَنِي الله مِنْهُ» . فَذَكَرَهُ. [انظر: 461 - مسلم: 541 - فتح 6/ 337]

3285 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا نُودِىَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَقَلْبِهِ، فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا. حَتَّى لَا يَدْرِي أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا سَجَدَ سَجْدَتَىِ السَّهْوِ» . [انظر: 608 - مسلم: 389 - فتح 6/ 337]

3286 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإِصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ، غَيْرَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الحِجَابِ» . [3431، 4548 - مسلم: 2366 - فتح 6/ 337]

3287 -

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ المُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَدِمْتُ الشَّأْمَ [فَقُلْتُ: مَنْ هَا هُنَا؟] قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ قَالَ: أَفِيكُمُ الذِي أَجَارَهُ الله مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم؟

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ وَقَالَ: الذِي أَجَارَهُ الله عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم -يَعْنِي: عَمَّارًا. [3742، 3743، 3761، 4943، 4944، 6278 - مسلم فتح 6/ 337]

3288 -

قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَلَائِكَة

ص: 188

تَتَحَدَّثُ فِي العَنَانِ -وَالْعَنَانُ: الغَمَامُ- بِالأَمْرِ يَكُونُ فِي الأَرْضِ، فَتَسْمَعُ الشَّيَاطِينُ الكَلِمَةَ، فَتَقُرُّهَا فِي أُذُنِ الكَاهِنِ، كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ، فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذِبَةٍ». [انظر: 3210 - مسلم: 2228 - فتح 6/ 338]

3289 -

حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَا. ضَحِكَ الشَّيْطَانُ» . [6223، 6226 - مسلم: 2994 - فتح 6/ 338]

3290 -

حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: هِشَامٌ أَخْبَرَنَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللهِ، أُخْرَاكُمْ. فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ اليَمَانِ فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللهِ، أَبِي أَبِي. فَوَاللهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ الله لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ. [3824، 4065، 6668، 6883، 6890 - فتح 6/ 338]

3291 -

حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ التِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ. فَقَالَ: «هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ» . [انظر: 751 - فتح 6/ 338]

3292 -

حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ» . [5747، 6984، 6986، 6995، 6996، 7044،7005 - مسلم: 2261 - فتح 6/ 338]

ص: 189

3293 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» . [6403 - مسلم: 2691 - فتح 6/ 338]

3294 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَاهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ الله سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللاَّتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الحِجَابَ» . قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ. ثُمَّ قَالَ: أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! قُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» . [3683، 6085 - مسلم: 2396 - فتح 6/ 339]

3295 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا اسْتَيْقَظَ -أُرَاهُ- أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ» . [مسلم: 238 - فتح 6/ 339]

ص: 190

الشرح:

تفسير مجاهد رواه الطبري عن الحارث: حدثني الحسن: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه به

(1)

. قال الطبري: والدحور مصدر من قولك: دَحَرْتُهُ أَدْحَرُهُ دَحْرًا ودُحُورًا، والدَّحْرُ: الدفع والإبعاد، يقال منه: أدحر عنك الشيء، أي: أدفعه عنك وأبعده

(2)

.

وفي "تفسير عبد بن حميد": عن قتادة: ({دُحُورًا} [الصافات: 9] قذفًا في النار.

قوله: (بتَّكه: قطعه)، قال قتادة: يعني: البحيرة

(3)

، وهي: التي نتجت خمسة أبطن، فكان آخرها ذكرًا شقوا أذنها ولم ينتفعوا بها، والتقدير:(ولآمرنهم)

(4)

بتبتيك آذان الأنعام وليبتكنها.

وقوله: (استخف) يريد بالغناء والمزامير.

وقوله: {بِخَيْلِكَ} [الإسراء: 64]: الفرسان)، قال ابن عباس: كل خيل سارت في معصية، وكل رِجْل مَشَت فيها، وكل ما أصيب من حرام، وكل ولد غية، فهو للشيطان

(5)

. وقال غيره: مشاركته في الأموال: البحيرة والسائبة والأولاد، قولهم: عبد العزى وعبد الحارث.

وقوله: ({لَأَحْتَنِكَنَّ} [الإسراء:62]: لأستأصلن)، قيل: معنى أحتنك: مثل حنك الدابة، المعنى على هذا: لأسوقنهم حيث شئت. وقال الداودي: معناه: لأستنزلن.

(1)

"تفسير الطبري" 10/ 472 - 473 (29271).

(2)

السابق 10/ 472.

(3)

السابق 4/ 281 (10450).

(4)

في (ص 1): لآمرنهن.

(5)

"تفسير القرطبي" 10/ 289.

ص: 191

فصل يتعلق بإبليس لعنه الله:

قال ابن جرير: كان الله قد حسن خلقه وشرفه وكرمه وملكه على سماء الدنيا والأرض وجعله مع ذلك من خزان الجنة، فاستكبر على ربه، وادعى الربوبية، ودعا من كان تحت يده إلى عبادته، فمسخه الله شيطانًا رجيمًا، وشوه خلقه، وسلبه ما كان خوَّله، ولعنه وطرده عن سماواته في العاجل، ثم جعل مسكنه ومسكن شيعته وتبَّاعه في الآخرة نار جهنم.

ثم ساق من حديث حجاج، عن ابن جريج: قال ابن عباس: كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلةً، وكان خازنًا على الجنان، وكان له سلطان سماء الدنيا وسلطان الأرض

(1)

.

وعن ابن جريج، عن صالح -مولى التوأمة- وشريك عن ابن عباس قال: إن من الملائكة قبيلة من الجن، وكان إبليس منها

(2)

.

وعن ابن صالح، عن ابن عباس، ومرة عن عبد الله وغيرهما من الصحابة: إنما سمي قبيلة الجن؛ لأنهم خزان الجنة

(3)

.

وقال ابن جريج: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ} [الأنبياء: 29] لم يقل بهذا إلا إبليس وفيه نزلت هذِه الآية

(4)

.

وكذا قاله قتادة

(5)

.

(1)

"تفسير الطبري" 1/ 262 (689).

(2)

السابق 1/ 262 (690).

(3)

السابق 1/ 262 (688).

(4)

السابق 9/ 18 (24549).

(5)

السابق 9/ 18 (24550).

ص: 192

وعن ابن عباس قال: إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الحن

(1)

، خلقوا من نار السموم، وكان اسمه الحارث.

وخلقت الملائكة كلهم من النور، غير هذا الحي.

ومارج النار: هو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا لهبت. وأول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضًا، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة وهم هذا الحي الذين يقال لهم الحن

(2)

، فقتلهم إبليس ومن معه، حتى ألحقوهم بجزائر البحر وأطراف الجبال، فلما فعل ذلك اغتر في نفسه وقال: قد صنعت شيئًا لم يصنعه أحد. فأطلع الله على ذلك من قبله ولم يطلع عليه الملائكة الذين كانوا معه

(3)

. وقال الربيع بن أنس: إن الله تعالى خلق الملائكة يوم الأربعاء وخلق الجن يوم الخميس

(4)

. وذكر ابن مسعود وغيره أنه لما ملكه سماء الدنيا وقع في صدره كبر وقال: ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي على الملائكة

(5)

. وعن ابن عباس: كان اسمه عزازيل، وكان من أشد الملائكة اجتهادًا وأكثرهم علمًا فارتد

(6)

.

(1)

في (ص 1) بالجيم، وفي الأصل على الصواب بالحاء المهملة، وهم غير الجن بالجيم، وقد ميز بينهما بأن الحن بالحاء خلقوا من نار السموم، والجن بالجيم خلقوا من مارج من نار، ذكره العلامة محمود شاكر في تعليقه على "تفسير الطبري"، 1/ 455.

(2)

بالحاء المهملة كما تقدم.

(3)

رواه الطبري 1/ 238 - 240 (606).

(4)

السابق 1/ 243 (612).

(5)

السابق 1/ 240 (607).

(6)

السابق 1/ 262 (686).

ص: 193

وقال ابن خالويه في كتاب "ليس": إبليس يكنى أبا الفردوس. ويقال: أبو مرة، ومن أسمائه أيضًا العلب والسعة والحارث

(1)

.

وأبلس من رحمة الله أي: يَئِس، والإبلاس أيضًا: الانكسار والحزن. يقال: أبلس فلان إذا سكت عما قال، وقال الماوردي في "تفسيره": هو شخص روحاني، خلق من نار السموم، وهو أبو الشياطين

(2)

، وقد ركبت فيهم الشهوات، مشتق من الإبلاس: وهو الإياس من الخير

(3)

.

فائدة أخرى:

عن سعد بن مسعود قال: كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس وكان من الجن الذين طردتهم الملائكة، وكان صغيرًا فتعبد مع الملائكة، فلما أمروا بالسجود لآدم أبى هو من ذلك

(4)

.

قال الطبري: وقيل: إن سبب هلاكه كان من أجل أن الأرض كان فيها قبل آدم الجن، وبعث الله إبليس قاضيًا بينهم فلم يزل يقضي بينهم (بالحق)

(5)

ألف سنة حتى سمي حكمًا، فسماه الله به، وأوحى إليه أسمه، فعند ذلك دخله الكبر فتعظم وألقى بين الذين كان بعثه إليهم حكمًا البأسَ والعداوةَ، فاقتتلوا في الأرض ألفي سنة حتى إن خيولهم كانت تخوض في دمائهم وذلك قوله:{أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} [ق: 15] فبعث الله عند ذلك إليهم نارًا فأحرقتهم، فلما رأى اللعين ما نزل

(1)

ومن أسمائه الحارث والحكم؛ نبه عليه الحافظ في "الفتح" 6/ 339.

(2)

"النكت والعيون" 3/ 158.

(3)

السابق 1/ 102.

(4)

"تفسير الطبري" 1/ 263 (699).

(5)

من (ص 1).

ص: 194

بقومه عرج إلى السماء مجتهدًا في العبادة، حتى خلق آدم. وفي "تفسير الجوزي": قسم إبليس جنده فريقين، فبعث فريقًا منهم إلى الإنس، وفريقًا إلى الجن، فكلهم أعداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي "الديباج" للخُتَّلي عن مجاهد: كان إبليس على سلطان سماء الدنيا وسلطان الأرض، وكان مكتوب في الرفيع الأعلى أن الله عز وجل حيث سيجعل في الأرض خليفة، وأنه ستكون دماء وأحداثًا، فوجده إبليس فرآه دون الملائكة، فلما ذكر الله أمر آدم للملائكة أخبرهم إبليس مما رأى، وأسر في نفسه أنه لا يسجد له أبدًا، فقالت الملائكة:{أَتَجْعَلُ} الآية [البقرة: 30].

ثم ذكر البخاري في الباب ستة وعشرين حديثًا:

أحدها:

حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُحِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَام أَنَّهُ سَمِعَهُ وَوَعَاهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: سحر .. الحديث.

وقد سلف، ويأتي في الطب والدعوات.

وأخرجه مسلم أيضًا

(1)

.

وذكره هنا للعلم بأن السحر من تعليم الشياطين، وهو دال على أن له حقيقة خلافًا لمن نفاه.

وقوله: ("أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟ "). أي: أوحى إليَّ؛ لأن الفتيا هي إعلام حكم المسألة وبيانه.

(1)

سبق برقم (3175)، وسيأتي برقم (5763) كتاب الطب، باب السحر، وبرقم (6391) كتاب الدعوات، باب تكرير الدعاء. ورواه مسلم (2189).

ص: 195

و"مَطْبُوبٌ": معناه: مسحور، والطب: السحر. ولبيد بن الأعصم، قال الداودي: كان يهوديًّا، وأراه كان ذلك منه قبل أن تكون لهم ذمة، ثم آمن بلسانه ولم يؤمن قلبه، وكان منافقًا.

وقوله: ("في مُشطٍ وَمُشَاقَةٍ") المشاقة: ما يخرج من الكتان حين يمشق، والمشق: جذب الشيء ليمتد ويطول.

("وَجُفَّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ") قشرها يسمى الكفري، وهو وعاء الطلع، وهو الغشاء الذي على الوليع. قال ابن فارس: جف الطلعة: وعاؤها، ويقال: إنه شيء ينقر من جذوع النخل

(1)

. قال الهروي: ويروى: في مشط ومشاطة في جف طلعة. قال: والمشاط: الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند التسريح بالمشط

(2)

. قال: "وجف طلعة": أي: في جوفها

(3)

.

وقوله: ("ذَكَرٍ") الذكر من النخل: هو الذيَ يؤخذ طلعه طلعة فيجعل منه في طلع النخلة المثمرة فيصير بذلك ثمرًا، ولو لم يجعل فيه لكان شيصًا لا نوى فيه ولا يكاد يساغ.

و"ذروان" موضع.

وقوله: ("نَخْلُهَا كَأّنَّه رؤوش الشَّيَاطين") فيه قولان:

أحدهما: أنها مشققة كرؤوس الشياطين، وهي الحيات.

الآخر: أنها وحشة المنظر سمجة الأشكال كأنها كما يتصور استبشاعًا واستقباحًا لصورة الشياطين.

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 173. مادة: جف.

(2)

"النهاية في غريب الحديث" 4/ 334.

(3)

السابق 1/ 234؛ ولفظه: في داخلها.

ص: 196

فصل:

منع قوم من الكلام على هذا الحديث وقالوا: لو جاز أن يعمل في نبي الله السحر أو يكون له فيه تأثير لم يؤمن أن يؤثر ذلك فيما يوحى إليه من أمور الشريعة، فيكون في ذلك ضلال الأمة، وقد سلف جوابه وأنهم معصومون في أمر الدين الذي أرصدهم الله له وبعثهم به، وليس يؤثر السحر في أبدانهم بأكثر من الموت الذي يعتريهم، وهم بشر يجوز عليهم الأمراض والعلل.

فصل:

قوله: ("خشيت أن يثير ذلك على الناس شرًّا") يريد في إظهاره.

وقولها: (يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله). إنما كان ذلك خصوصًا في أمر النساء وفي إتيان أهله دون ما سواه من أمر النبوة، وهذا من جملة ما تضمنه قوله تعالى:{مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102] وقيل: إنما امتنع أن يُعَيَّنَ الساحر؛ لئلا تقوم أنفس المسلمين فيقع بينهم وبين قبيل الساحر فتنة.

الحديث الثاني:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ .. ". الحديث تقدم في الصلاة

(1)

.

والقافية: مؤخر الرأس، ومنه قافية الشِّعْرِ، هذا قول الأكثرين.

ومعنى يعقد: يتكلم عليه حتى يصير كالعقد.

الحديث الثالث:

حديث عَبْدِ اللهِ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ،

(1)

سبق برقم (1142).

ص: 197

الحديث تقدم فيه أيضًا.

الحديث الرابع:

حديث ابن عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَمَا إِن أَحَدَكمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللهِ". الحديث.

وسلف في الطهارة

(1)

، وكرره بعد

(2)

، وعبر فيه بـ (ما) عمن يعاقل فقال:"ما رزقتنا". وذلك (يصح)

(3)

إذا كان بمعنى شيء.

الحديث الخامس:

حديث ابن عُمَرَ: "إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ". الحديث سلف في الصلاة

(4)

، والبخاري رواه عن محمد وهو ابن سلام، كما قاله أبو نعيم وأبو علي

(5)

، وأخرجه مسلم والنسائي

(6)

.

الحديث السادس:

حديث أبي سعيد

(7)

في المرور وسلف في الصلاة أيضًا

(8)

.

(1)

سبق برقم (141).

(2)

سيأتي في الباب (2383)، وفي النكاح (5165) باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله، وفي الدعوات برقم (6388) باب ما يقول إذا أتى أهله، وفي التوحيد (7396) باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها.

(3)

من (ص 1).

(4)

سلف برقم (583).

(5)

"تقييد المهمل" 3/ 1020.

(6)

مسلم (829)، والنسائي 1/ 279.

(7)

ما أورده المصنف هو رواية أبي ذر الهروي، كما في "اليونينية" 4/ 123، وفي باقي الروايات (أبي هريرة).

(8)

سلف برقم (509) باب يرد المصلي من مرَّ بين يديه.

ص: 198

قال ابن فارس -في الحديث قبله-: حاجب الشمس: ناحيتها

(1)

. وقال الهروي: الحاجب في شعر الغَنَوي ضوؤُها. وظاهر الحديث: أنه ناحيتها، كما قاله ابن فارس.

وقوله: ("تطلع بين قرني شيطان") قال الداودي: له قرن على الحقيقة يظهر عند طلوعها وغروبها. وقيل: إنه ينتصب في محاذاة مطلعها حتى إذا طلعت كانت بين فَوْدَيْ رأسه. وهما قرناه، أي: جانبا رأسه، فتكون العبادة له إذا سجدت (له)

(2)

عبدة الشمس لها، وقال الحربي: هُوَ مَثَلٌ؛ يَقُولُ حِينَئِذٍ يتحركُ الشيطانُ ويتسلَّطُ. وقيل القرن: القوة، أي: تطلع حين قوة الشيطان واستحواذه على عبدة الشمس، وقيل: المراد: اقترانه بها.

ويرد على جميعهم بقوله: قرنيه لأنه تثنية قرن. فلا يصح المعنى بتثنيته إلا في قوله: بين فَوْدَيْهِ. فهو موافق له، وهو إن شاء الله أوجه الأقوال، كما قاله ابن التين.

الحديث السابع:

حديث أبي هُرَيْرَةَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، تقدم في الوكالة

(3)

.

الحديث الثامن:

حديثه أيضًا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ

خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ باللهِ، وَلْيَنْتَهِ".

(1)

" مجمل اللغة" 1/ 267.

(2)

مقحمة في السياق لا معنى لها.

(3)

سبق برقم (2311).

ص: 199

هذا الحديث خرجه مسلم أيضًا

(1)

، وأخرجه البخاري في الاعتصام

(2)

ومسلم في الإيمان عن أنس

(3)

، وعند مسلم: "لا يزال الناس يسألون، حتى يقولون

(4)

: هذا خلق الله، فمن خلق الله؟ ". وفي رواية "فليقل: آمنت بالله". ولأبي داود. "فإذا قالوا ذلك فقولوا: {الله أَحَدٌ (1) الله الصَّمَدُ} [الإخلاص: 1 - 2] الآية، ثم ليتفل عن يساره ثلاثًا وليستعذ بالله من الشيطان"

(5)

. وفي رواية محمد بن سيرين عنه -كما قال الخطابي- زيادة لم يذكرها أبو عبد الله، لا يستغنى عنها في بيان معنى الحديث، ثم ساقها بإسناده بلفظ:"لا يزال الناس يسألون حتى يقولوا: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ ". قال أبو هريرة: فقد سئلت عنها مرتين. وفي آخر: "لا يزال الناس يسألون عن العلم حتى يقولوا: هذا الله خلقنا، فمن خلق الله؟ ". فبينما أبو هريرة ذات يوم آخذ بيد رجل وهو يقول: صدق الله ورسوله، قال أبو هريرة: لقد سألني عنها رجلان وهذا الثالث

(6)

.

ووجه الحديث: ترك التفكير فيما يخطر في القلب من وساوس الشيطان، والامتناع عن قبولها، والكف عن مجاراته في ذلك، وحسم المادة في ذلك بالإعراض عنه والاستعاذة بذكر الله، ولو أذن في مراجعته والرد عليه لكان الرد على كل موحد سهلاً؛ وذلك أن

(1)

مسلم (134).

(2)

سيأتي برقم (7296) باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه.

(3)

في مسلم برقم (136) باب بيان الوسوسة في الإيمان، وما يقول من وجدها.

(4)

كذا في الأصل، وفوقها: كذا.

(5)

"سنن أبي داود"(4722).

(6)

"أعلام الحديث" 3/ 1510 - 1511.

ص: 200

جوابه متلقى من سؤاله، وذلك أنه إذا قال ما تقدم، فقد نقض بأول كلامه آخره؛ لأنه يلزم منه أن يقال: ومن خلق ذلك الشيء. وامتد القول في ذلك إلى ما لا يتناهى، والقول مما لا يتناهى فاسد فسقط السؤال من أصله، وأشد من هذا الجواب وأحسن في موضع المطالبة أن تقول: دلنا المُحْدَثِ على مُحْدِث أَحْدَثَه ومريد أراده على الصفة التي وقع عليها حيًّا قادرًا، فإذا ثبت من هذِه صفاته فلا بد أن يكون قديمًا أو محدثًا، فإن قلنا: محدث صار من القسم الأول، وتسلسل القول فيه ولزم القول بالقدم، فإذا ثبت قدمه لم يبق إلا أن يقال: هو طبيعة، فيسأل الطبائعيين عن هذِه الطبيعة، فإن قالوا: قديمة، فيسألهم هل يوجب أثرها عند وجودها؟ فإن قالوا: نعم. كان باطلاً عيانًا؛ لأن سائر المخلوقات تلزم أن توجد كلها قديمة عند وجودها؛ إذ وجودها جملة من وجودهم، ولا يتراخى منه شيء عن شيء، وهذا مردود عيانًا، وإن قالوا:(هي تريده. يفصل بأسباب)

(1)

؛ فقد سلموا أن القديم مريد قادر. وعاد الخلاف بيننا في تسمية القديم، وإن قالوا: محدثة، أقمنا دليل الحدث ودلت على محدث ويسئل عنه ويتسلسل القول في ذلك.

الحديث التاسع:

حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: " إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ .. " الحديث سلف في الصيام

(2)

.

(1)

كذا بالأصل.

(2)

سلف برقم (1898).

ص: 201

و (ابن أبي أنس) المذكور في إسناده هو أبو سهيل بن مالك.

الحديث العاشر:

حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه: "أنَّ مُوسَى قَالَ لِفَتَاهُ: {آتِنَا غَدَاءَنَا} "[الكهف: 62] الحديث سلف أيضًا في العلم

(1)

.

الحديث الحادي عشر:

حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُشِيرُ إِلَى المَشْرِقِ فَقَالَ: "هَا إِنَّ الفِتْنَةَ هَا هُنَا، إِنَّ الفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ". ويأتي في الطلاق

(2)

.

الحديث الثاني عشر:

حديث جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ -أَوْ كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ- فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَة مِنَ العِشَاءِ فَحُلُّوهُمْ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَاذْكرِ اسْمَ اللهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ، وَاذْكرِ اسْمَ اللهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ، وَاذْكرِ اسْمَ اللهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا".

هذا الحديث أخرجه مسلم والأربعة

(3)

، وسيأتي في البخاري، في حديث جابر:"فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا"

(4)

. وللترمذي: "فإن الشيطان لا يفتح غلقًا، ولا يحل وكاءً، ولا يكشف آنية، وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم". وفي حديث ابن عمر عند البخاري:

(1)

سلف برقم (74).

(2)

سيأتي برقم (5296) باب الإشارة في الطلاق والأمور.

(3)

مسلم (2012)، وأبو داود (3732)، والترمذي (1812)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 187 (10582)، وابن ماجه (3410).

(4)

سيأتي برقم (3304) باب خير مال المسلم غنم يبتع بها شعف الجبال.

ص: 202

"لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون"

(1)

، وهذا من القدرة التي لا يؤمن بها إلا من وحد الله؛ وذاك أن الشياطين يتصرفون في الأمور الغريبة ويتولجون في المسام الخفية، فيعجزه الذكر عن حل الغلق وشبهه، نبه عليه ابن العربي

(2)

، وفي رواية:"فإن النار عدوٌ لكم"

(3)

.

فصل:

جنح الليل. قال ابن سيدَهْ: جنح الليل يجنح جنوحًا: أقبل وَجْهه، وجُنْحُه: جَانِبُه قيل: قطعة منه نحو النصف

(4)

. وقال ابن التين: يريد إذا أقبلت ظلمته. وجنح الليل: بالكسر طائفة منه، ويقال بضمها، وقيل جنح الليل: أول ما يظلم، ويقال معنى جنح: مال، وتقدم في باب حسن مال المسلم

(5)

: أنه بكسر الجيم وضمها.

وقوله: (أو كان جنح الليل) لكافتهم

(6)

: (قال) بدل (كان)، وعند النسفي وأبي الهيثم والحموي:(كان).

وقوله: ("فَكُفّوا"). وفي رواية: "فاكفتوا". أي: ضموهم إليكم واقبضوهم، وكل شيء ضممته فقد كفته، ومعناه: امنعوهم من الخروج في ذلك الوقت.

وإنما خيف عليهم؛ لأن النجاسة التي يلوذ بها الشيطان موجودة معهم؛ ولأن الذكر الذي يستعصم به معدوم عندهم، والشياطين عند

(1)

"الأدب المفرد"(1224).

(2)

"عارضة الأحوذي" 8/ 3.

(3)

"الأدب المفرد"(1226).

(4)

"المحكم" 3/ 61.

(5)

سيأتي برقم (3304).

(6)

كلمة غير واضحة بالأصل.

ص: 203

انتشارهم يتعلقون مما يمكنهم التعلق به، فإذا ذهبت اشتغل كل منهم مما اكتسب، ومضى إلى ما قدر له التشاغل به، نبه عليه ابن الجوزي، وفي رواية:"لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس"

(1)

. والفواشي: كل شيء منتشر من المال، كالإبل والبقر وسائر البهائم وغيرها، جمع فاشية؛ لأنها تفشوا، أي: تنتشر، قال ابن الأعرابي: أفشى وأمشى وأوشى بمعنى واحد، إذا كثرت مواشيه

(2)

.

فصل:

الشياطين تستعين بالظلمة، وتكره النور، وتتشاءم به، كما نبه عليه ابن العربي؛ لأن الله أظلم قلوبها

(3)

، وفي رواية:"فإذا ذهب فحمة العشاء"

(4)

. بسكون الحاء المهملة وفتح الفاء، وهو شدة سوادها وظلمتها، وزعم بعضهم أنه أراد أول ظلامها، ويقال للظلمة التي بين المغرب والعشاء: فحمة، والتي بين العشاء والفجر: عسعسة.

وقوله: ("فَحُلُّوهُمْ"). يريد كما قال الداودي: إذا ذهب بعض الظلمة وامتدادها أبصر الصبي حيث يذهب ولم يقع على شيء يصيب به بعض الشياطين، فيكون ذلك سببًا، كما أصيب قاتل الحية.

فصل:

("أَغْلِقْ بَابَكَ"). رباعي، والباب مغلق لا مغلوق، وفي رواية:"أجيفوا"

(5)

وهو بمعنى الأول.

(1)

رواه مسلم (2013) كتاب الأشربة، باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء.

(2)

"تهذيب اللغة" 3/ 2789.

(3)

"عارضة الأحوذي" 8/ 3.

(4)

رواه مسلم (2013) كتاب الأشربة، باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء.

(5)

سيأتي برقم (3316) باب خمس من الدواب فواسق، يقتلن في الحرم.

ص: 204

فصل:

جاء في البخاري في باب: خمس من الدواب فواسق. قال: "الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت"

(1)

، وفي رواية:"تضرم"

(2)

. أي: تلهب وتحرق، يقال: ضَرِمت؛ بكسر الراء. وتضرَّمت وأَضْرَمَت وأضرَمْتُها أنا، وضرَّمتها: تشدد للمبالغة، وهو عام يدخل فيه نار السراج وغيره. فأما القناديل المعلقة فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء وإن أمن ذلك كما هو الغالب، فالظاهر أنه لا بأس بها؛ لانتفاء العلة. وسبب قوله هنا أنه عليه السلام صلى على خمرة فجرت الفتيلة الفأرة. فأحرقت من الخمرة قدر الدرهم؛ فقال عليه السلام ذلك، نبه عليه ابن العربي

(3)

.

فصل:

الإيكاء: الشَّد، والوِكَاء: اسم ما يشد به فم القربة، وهو ممدود مهموز، فلذلك يجب أن يكون رباعيًا.

فصل:

(تخمير الإِنَاء): تغطيته.

و ("تعرض"): بضم الراء وكسرها، يقال: عرضت الشيء أعرضه، بكسر الراء على قول الأكثرين، والأصمعيُّ يضمه وكذا يعقوب قال ابن التين: عامة أهل اللغة على الكسر إلا الأصمعي وابن فارس

(4)

فإنهما يضمانها في هذا خاصة.

(1)

السابق

(2)

رواه مسلم (2012) كتاب الأشربة، باب الأمر بتغطية الإناء ..

(3)

"عارضة الأحوذي" 8/ 4.

(4)

"مجمل اللغة" 2/ 659، مادة عرض.

ص: 205

وقوله: ("شَيْئًا"). في رواية: "عودًا"

(1)

. وذلك عند عدم ما يجد ما يغطيه به، وهو مطلق في الآنية التي فيها شراب أو طعام. روى الأعمش، عن أبي صالح وأبي سفيان؛ عن جابر قال: جاء أبو حميد بقدح لبن من النقيع، فقال عليه السلام:"ألا خمرته"

(2)

.

وللتخمير فوائد: صيانة من الشيطان والنجاسات والحشرات وغيرها ومن الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة. كما جاء في الحديث "إن في السنة ليلة -وفي رواية: يومًا- ينزل وباء فلا يمر بإناءٍ ليس عليه غطاء أو بسقاء ليس عليه وكاءٌ إلا نزل فيه ذلك الوباء"

(3)

، قال الليث بن سعد: والأعاجم يتقون ذلك في كانون الأول

(4)

. قال أبو حميد

(5)

: إنا أمرنا بالأسقية أن توكأ ليلاً وبالأبواب أن تغلق ليلاً

(6)

.

وهذا التخصيص ليس في لفظ الحديث ما يدل عليه كما قاله النووي، والمختار عند الأصوليين، وهو مذهب الشافعي أن تفسير الصحابي إذا كان خلاف ظاهر اللفظ ليس بحجة ولا يلزم غيره من المجتهدين موافقته على تفسيره، وأما إذا كان في ظاهر الحديث ما يخالفه فإن كان مجملًا رجع إلى تأويله ويجب الحمل عليه؛ لأنه إذا كان مجملًا لا يحل له حمله على شيء إلا بتوقيف، وكذا لا يجوز تخصيص العموم بمذهب الراوي عندنا، والأمر بتغطية الإناء عام فلا يقبل

(1)

سيأتي برقم (5605) كتاب الأشربة، باب شرب اللبن.

(2)

المصدر السابق.

(3)

رواه مسلم (2014) كتاب الأشربة، باب في شرب النبيذ وتخمير الإناء.

(4)

"المنتقى" 7/ 241.

(5)

ورد بهامش الأصل: كذا في مسلم.

(6)

رواه مسلم (2010) كتاب الأشربة، باب الأمر بتغطية الإناء ..

ص: 206

تخصيصه بمذهب الراوي بل يتمسك بالعموم

(1)

.

وقد يقال: أبو حميد قال: أمرنا، وهذا رواية لا تفسير، وهو مرفوع على المختار ولا تنافي بين رواية أبي حميد والرواية الأخرى "في يوم"، إذ ليس في أحدهما نفي للآخر فهما ثابتان.

فصل:

جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة الدنيوية كقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وليس على الإيجاب وغايته أن يكون من باب الندب، بل قد جعله كثير من الأصوليين قسمًا منفردًا بنفسه عن الوجوب والندب، وينبغي للمرء امتثال أمره، فمن امتثل سلم من الضرر بحول الله وقوته، ومتى -والعياذ بالله- خالف إن كان عنادًا خلد فاعله في النار وإن كان عن خطأ أو غلط فلا يحرم شرب ما في الإناء أو أكله. وهذا يحقق لك أن المقصود الإرشاد.

الحديث الثالث عشر:

حديث صَفِيَّةَ بنت حيي في اعتكافه. سلف في الصوم

(2)

.

الحديث الرابع عشر:

حديث سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَجُلَانِ

يَسْتَبَّانِ، أحدهما احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:

"إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ. ذهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ". قَالُوا لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَعَوَّذْ باللهِ

(1)

"شرح مسلم" 13/ 183.

(2)

سلف برقم (2035).

ص: 207

مِنَ الشَّيْطَانِ". فَقَالَ: وَهَلْ بِي جُنُونٌ؟! هذا الحديث يأتي في الأدب، وأخرجه مسلم أيضًا

(1)

.

والاستعاذة من الشيطان تذهب الغضب، وذلك أنه المزين له الغضب، وكل ما لا تحمد عاقبته فهي من أقوى السلاح على دفع كيده، وقد قال عليه السلام في حديث أبي ذر:"إذا غضب أحدكم وهو قائم فيلجلس فإن ذهب عنه وإلا فليضجع"

(2)

. وفي حديث عطية: "الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفئ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ"

(3)

. وعن أبي الدرداء: "أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب". وقال بكر بن عبد الله: أطفئوا نار الغضب بذكر نار جهنم. وفي بعض الكتب: قال الله تعالى: "ابنَ آدم اذكرني إذا غضبتَ أذكرك إذا غضبتُ"

(4)

.

وروى الجوزي في "ترغيبه": عن معاوية بن قرة قال: قال إبليس: أنا جمرة في جوف ابن آدم إذا غضب حميته، وإذا رضي منيته.

ولما قال عثمان بن أبي العاصي: يا رسول الله، أوصني قال:"لا تغضب" فأعاد عليه فقال: "لا تغضب". قال عثمان: فنظرت فإذا رأس كل شر الغضب

(5)

.

(1)

سيأتي برقم (6048)، ورواه مسلم (2610).

(2)

رواه أبو داود (4782).

(3)

السابق (4784).

(4)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" 8/ 144.

(5)

رواه أحمد 5/ 373، وعبد الرزاق 11/ 178 (20286)، والبيهقي 10/ 105 من طريق حميد بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه مالك مرسلا 2/ 905، عن حميد بن عبد الرحمن أن رجلا .. الحديث.

ص: 208

وقال الحسن: ابن آدم كلما غضبت وثبت أوشك أن تثب وثبة تقع منها في النار.

و (الأَوْدَاجُ): جمع ودج، وإنما هما ودجان، وهما العرقان اللذان يقطعهما الذابح، وذكرهما بلفظ الجمع كقوله تعالى:{وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] أو لأن كل قطعة من الودج تسمى ودجا كما جاء في الحديث: (أَزْج الحواجب).

وقول الرجل: أبي جنون؟ يحمل على أنه كان من جفاة العرب، أو ممن لم يتفقه في الدين أو من المنافقين. ذكره المنذري.

الحديث الخامس عشر:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً فَقَالَ:"إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي، فَشَدَّ عَلَيَّ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ عَلَيَّ، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ". فَذَكَرَهُ، وسلف في الصلاة

(1)

.

الحديث السادس عشر:

حديثه أيضًا: "إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ". الحديث وسلف فيه أيضًا

(2)

.

الحديث السابع عشر:

حديثه أيضًا من حديث الأَعْرَجِ، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإِصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ، غَيْرَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ، ذَهَبَ ليَطْعن فَطَعَنَ فِي الحِجَابِ".

هذا الحديث أخرجه في موضع آخر

(3)

، من حديث جلاس عنه:

(1)

سبق برقم (461).

(2)

سلف برقم (608).

(3)

وسيأتي برقم (3431).

ص: 209

"كل بني آدم قد طعن الشيطان فيه غير عيسى فإنه حين ولد جعل له دون طعنته حجابًا فأصاب الحجاب ولم يصبها". وفي موضع لفظ آخر: "ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها". ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} وأخرجه مسلم أيضًا

(1)

.

فصل:

"الْحِجَابِ" هنا: المشيمة، كما قاله ابن الجوزي.

وفيه: فضيلة ظاهرة لسيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: يشعر الشيطان بالتسليط والتمكن فمنعها الله منه؛ ببركة دعوة أمها حنة بنت فاقود امرأة عمران بن حاثان حين قالت: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ}

(2)

.

وروى عبد الرزاق في "تفسيره" عن المنذر بن النعمان الأفطس، سمع وهب بن منبه يقول: لما ولد عيسى أتت الشياطين إبليس فقالوا: أصبحت الأصنام منكسة. فقال: هذا حادث مكانكم. وطار حتى بلغ خافقي الأرض فلم يجد شيئًا، ثم جاء البحار فلم يقدر على شيء ثم طار فوجد عيسى قد ولد عند مزود حمار، وإذ الملائكة قد حفت به، فرجع إليهم؛ فقال: إن نبيا قد ولد البارحة ولا حملت أنثى ولا وضعت قط إلا وأنا بحضرتها إلا هذِه، فأيسوا من أن تعبد الأصنام بهذِه الليلة. وفي لفظ: بعد هذِه الليلة، ولكن ائتوا بني آدم بالخفة والعجلة

(3)

.

(1)

مسلم (2366).

(2)

"المفهم" 6/ 177.

(3)

"تفسير عبد الرزاق" 1/ 126 (392).

ص: 210

وقوله: (إلا هذِه) يخالف ما سلف في الصحيح إلا أن يؤول.

وروى عبد بن حميد في "تفسيره" عن إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لولا أنها قالت: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا} إذن لم يكن لها ذرية

(1)

.

فصل:

أشار القاضي إلى أن جميع الأنبياء يشاركون عيسى في ذلك صلى الله عليه وسلم

(2)

.

وقال القرطبي: إنه قول قتادة: لما أراد أن يطعن جعل بينهما حجاب فأصاب الطعنة الحجاب ولم يتعد لها منه شيء. قال علماؤنا: وإن لم يكن كذلك لبطلت الخصوصية ولا يلزم من نخسه إضلال الممسوس وإغواؤه، فإن ذلك ظن فاسد فلم يعرض الشيطان لخواص الأولياء بأنواع الإغواء والمفاسد ومع ذلك فقد عصمهم بقوله:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}

(3)

[الحجر: 42].

الحديث الثامن عشر:

حديث عَلْقَمَةَ: قَدِمْتُ الشَّامَ فقال: أَفِيكُمُ الذِي أَجَارَهُ اللهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ؟ يعني، عمارًا؛ يجوز أن يكون قاله لقوله عليه السلام:"يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"

(4)

أو يكونوا شهد له أن الله أجاره من الشيطان.

(1)

كما في "الدر المنثور" 2/ 35.

(2)

"إكمال المعلم" 7/ 337.

(3)

"المفهم" 6/ 178.

(4)

"صحيح ابن حبان" 15/ 553 - 554.

ص: 211

الحديث التاسع عشر: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ عن عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْمَلَائِكَةُ تَتَحَدَّثُ فِي العَنَانِ -وَالْعَنَانُ: الغَمَامُ- بِالأَمْرِ يَكُونُ فِي الأَرْضِ".

الحديث وقد ساقه في ذكر الملائكة كما مضى مسندًا عن ابن أبي مريم: أنا الليث به، وقد أسلفنا الكلام عليه هناك، قال ابن الأعرابي: قَرَرْتُ الكلام في أذن الأبكم إذا وضعتَ فاك على سماخه فنفثته فيه

(1)

.

وقال الهروي: إنه ترديدك الكلام في أذن الأبكم حتى يفهمه. قال: ومن رواه: كقَرِّ الدجاجة أراد صوتها إذا قطعته

(2)

.

وقوله: ("كما تقر القارورة"). يريد: تضييق رأس القارورة برأس الوعاء الذي يفرغ منه فيها.

وقوله: ("يقرها في أُذُنِ الكَاهِنِ"). قاله الداودي: يلقها كما يستقر الشيء في قراره.

وقال الشيخ أبو الحسن: ظاهره أن له حسًّا كحس القارورة عند تحريكها مع أخرى أي: على صفاه. كذا يفهم من قوله: كقر الدجاجة أي: كما يسمع صوتها.

(1)

تداخل كلام ابن الأعرابي في الجملة السابقة مع كلام شمر، كما في المصادر؛ فشمر يقول: قَرَرْتُ الكلامَ في أُذُنِه أَقُرُّه قَرًّا: وهو أَنْ تَضَع فاكَ على أُذُنِه فتَجْهَرَ بكَلامِكَ كما يُفْعَل بالأَصَمّ. وابن الأعرابي يقول -كما في المصادر: القَرُّ: تَرْدِيدُك الكَلامَ في أُذُنِ الأَبْكَمِ حَتَّى يَفْهَمَه.

(2)

كما في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 39.

ص: 212

ويقال بالزاي وهو ما يسمع من حسيس الزجاجة حين يحرك بها على شيء؛ وقال ابن فارس: القر: صب الكلام في الأذن، والاستقرار: التمكن

(1)

، وضبط: فيقُرها في رواية بضم القاف وهو الصحيح. كما قال ابن التين، كما تقرر من أن فَعَّل متعد يضعف بالضم إلا أحرف بينوها ليس هذا منها.

الحديث العشرون: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "التثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ".

وقد سلف في الصلاة

(2)

، والمعنى: فيه تحذير السبب الذي يتولد منه التثاؤب، وأضيف إلى الشيطان؛ لأنه الذي يعطي النفس شهوتها من الطعام ويزين له ذلك، فإذا قال:"ها" يعني إذا بلغ في التثاؤب ضحك الشيطان فرحًا بذلك.

وقال الداودي: إن فتح فاه ولم يصله بَسَقَ فيه، وإن قال:"ها" ضحِك منه.

الحادي والعشرون:

حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ المُشْرِكُونَ، فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أي عِبَادَ اللهِ، أُخْرَاكُمْ .. الحديث ذكره في المغازي ويأتي هناك وفي الديات والمناقب

(3)

.

ومعنى: (ما احتجزوا حتى قتلوه): ما تركوه، يقال لكل من ترك شيئًا: احتجز عنه.

وقوله: (غفر الله لكم). عذرهم حين قتلوا أباه وهم يظنونه كافرًا.

(1)

"مجمل اللغة" 2/ 727، مادة:(قر).

(2)

لم أقف عليه في الصلاة عند البخاري، ولعله سلف في شرح المصنف.

(3)

يأتي برقم (3824، 4065، 6890).

ص: 213

الحديث الثاني بعد العشرين:

حديث عَائِشَة رضي الله عنها في الالتفات. سلف في الصلاة

(1)

.

والبخاريُّ رواه عن شيخين: سليمان بن عبد الرحمن وأبي المغيرة، واسمه عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي، روى عنه البخاري هنا، وروي عن إسحاق -غير منسوب- عنه، ويقال: إنه إسحاق بن منصور الكوسج. وروى مسلم عن الكوسج، مات سنة اثنتي عشرة ومائتين.

وأما أبو بكر عبد القدوس بن محمد بن عبد الكبير بن شعيب بن الحبحابي البصري، روى عنه البخاري في الردة منفردًا به. ليس لهما ثالث في الصحيحين، قاله الدمياطي.

ومعنى: ("هو اختلاس يختلس الشيطان من صلاة أحدكم") يعني: كأنه خطف شيئًا وظفر به. وفي بعض الأثر: إذا التفت في صلاة قال الله: "أنا خير لك مما التفت إليه"

(2)

.

الحديث الثالث بعد العشرين: حديث أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ باللهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ".

هذا الحديث سيأتي في التعبير والطب

(3)

، وأخرجه مسلم بلفظ: " إذا رأى أحدكم ما يحب لا يحدث بها إلا من أحب، وإذا رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثًا وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها،

(1)

سبق برقم (751).

(2)

رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 2/ 255 (3263) عن يحيى بن أبي كثير، وابن أبي الدنيا في "التهجد وقيام الليل" ص 510 (506)؛ عن عطاء.

(3)

سيأتي برقم (6984، 5747).

ص: 214

ولا يحدث بها أحدًا؛ فإنها لا تضره"

(1)

. وللنسائي: "إذا رأى أحدكم الذي يعجبه فليعرضه على ذي رأي ناصح فليتأول خيرًا (أو ليقل خيرًا)

(2)

"

(3)

. وأخرجه البخاري أيضًا من حديث أبي سعيد بنحوه

(4)

، وأخرجه مسلم من حديث جابر بلفظ:"إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاًثا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه"

(5)

.

فصل:

قوله: ("الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ") يريد أنها بشارة منه؛ ليشكره عليها.

ويريد "بالْحُلُمُ": الرؤيا الكاذبة يريدها الشيطان؛ ليسيء ظنه ويحزنه ويقل حظه من شكر الله، ولذلك أمره بالبصق عن يساره. قال ابن الجوزي: والرؤيا والحلم بمعنى واحد؛ لأن الحلم ما يراه الإنسان في نومه، غير أن صاحب الشرع خص الخير باسم الرؤيا، والشر باسم الحلم، ولام الحلم ساكنة ومضمومة، وهو مصدر حلمت بفتحتين، وتجمع على أحلام في القلة، والكثير حلوم، وإنما جمع وإن كان مصدرًا لاختلاف أنواعه، وهو في الأصل عبارة عما يراه الرائي في منامه حسنًا كان أو مكروهًا، كما أسلفناه. وإضافته إلى الله إضافة اختصاص وإكرام؛ لسلامتها من التخليط وطهارتها عن حضور

(1)

مسلم (2261/ 4) كتاب الرؤيا.

(2)

من (ص 1).

(3)

"السنن الكبرى" 6/ 226 (10745).

(4)

سيأتي في التعبير (6985) باب الرؤيا من الله.

(5)

مسلم (2262) كتاب الرؤيا.

ص: 215

الشيطان؛ لكونها مكروهة. وقيل: لأنها لا توافق الشيطان ويستحسنها لما فيها من شغل بال المسلم لا أن الشيطان يفعل شيئًا، ولا خالق إلا الله.

وقوله: ("فَإِذَا حَلَمَ") هو بفتح اللام، قال ابن التين: وبضمها في المنام، وحلم عنه إذا عفا عنه بضمها. وحلم الأديم -بكسرها- إذا نتنت قبل أن تدبغ.

وقوله: ("فَلْيَبْصُقْ") يريد: زجر الشيطان بذلك كرمي الجمار، وكما يفعل عند الشيء القذر يراه؛ ولا (شيء)

(1)

أقذر من الشيطان. وذكر الشمال؛ لأن العرب عندها إتيان الشر كله من قبل الشمال، ولذلك سمتها الشؤمى، وكانوا يتشائمون مما جاء من قبلها من الطير. وأيضًا فليس فيها كبير عمل ولا بطش ولا أكل ولا شرب.

فائدة:

الرؤيا المكروهة هي التي تكون عن حديث النفس وشهواتها، وكذلك رؤيا التحزين والتهويل والتخويف يدخله الشيطان على الإنسان؛ ليهوش عليه في اليقظة.

وقد يجمع هذان الشيئان، أعني: هموم النفس وتحزين الشيطان، وهذا النوع هو المأمور بالاستعاذة منه؛ لأنه من تخيلاته، فإذا فعل المأمور به صادقًا أذهب الله عنه ما أصابه من ذلك، وتحوله إلى الجانب الآخر؛ ليكمل استيقاظه وينقطع عن ذلك المنام المكروه. وسيأتي له تكملة في الرؤيا

(2)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

يأتي برقم (6984) كتاب التعبير، باب الرؤيا من الله.

ص: 216

الحديث الرابع بعد العشرين:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: "مَنْ قَالَ: لَا إله إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابِ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأفضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا رجل عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ".

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا والترمذي

(1)

، زادا -والنسائي أيضًا

(2)

- "ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر". وجه إيراده للحرز من الشيطان بذلك.

الحديث الخامس بعد العشرين:

حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قال: استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن، فلما اسْتَأْذَنَ عُمَرُ. قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "عَجِبْتُ مِن هؤلاء اللاَّتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الحِجَابَ". قَالَ عُمَر: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ. ثُمَّ قَالَ: أي عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! قلْنَ نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظ مِنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيطَان قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيرَ فَجِّكَ".

وهذا الحديث رواه البخاري، عن علي بن عبد الله، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، أخبرني عبد الحميد بن

(1)

مسلم (2691)، والترمذي (3468).

(2)

"السنن الكبرى" 6/ 207.

ص: 217

عبد الرحمن بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، أخبرني عن أبيه: استأذن عمر.

وهذا إسناد اجتمع فيه أربعةٌ تابعيون بعضهم عن بعض صالح بن كيسان فمن بعده، ورواه النسائي بنزول جدًّا رواه عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب، عن الليث، عن أبيه، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح، به

(1)

.

وأخرجه أيضًا في الفضائل

(2)

. وأخرجه النسائي أيضًا في "يومه وليلته"

(3)

.

فصل:

معنى (يستكثرنه): يطلبن كثيرًا من كلامه وجوابه، ويحتمل أن يكون من العطاء، يؤيده أنه ورد في رواية أنهن يردن النفقة.

وقوله: (أَصْوَاتُهُنَّ) هو الصواب، وأصواتهم لا وجه له، وكذلك أصواتها.

وكذا قوله: ("التِي كُنَّ عِنْدِي"). إلا أنها قرينة بالذي يعبر بها عن الجميع مثل قوله: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69].

وعلو أصواتهن يحمل على أنه قبل النهي عن رفع الصوت، أو يحمل على أنهن لاجتماعهن حصل لغط من كلامهن أو يكون فيهن من هي جهيرة الصوت كنعيم النحام أو يحمل على أنهن لما علمن عفوه وصفحه تسمحن في رفع الصوت.

(1)

السابق 5/ 41 - 42 (8130).

(2)

سيأتي برقم (3683) كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب.

(3)

"السنن الكبرى" 6/ 60 (10035).

ص: 218

والفظاظة والغلظ: بمعنى واحد

(1)

، وهي عبارة عن شدة الخلق وخشونة الجانب، وأفظ وأغلظ ليسا للمفاضلة، بل بمعنى فظ غليظ. وقيل: يصح حملها على المفاضلة، وأن القدر الذي بينهما في رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما كان من إغلاظه على الكفار والمنافقين قال تعالى:{جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73].

وفيه: فضل لين الجانب والرفق.

ومعنى: (ابتدرن الحجاب): استبقن إليه، والفج: الطريق الواسع، وقيل: هو الطريق بين الجبلين. قال عياض: يحتمل أنه ضرب مثلًا لبعد الشيطان وأعوانه عن عمر، وأنه لا سبيل لهم عليه

(2)

، أي: أنك إذا سلكت في أمر بمعروف أو نهي عن منكر تنفذ فيه ولا تتركه، فيئس الشيطان من أن يوسوس فيه له بتركه ويسلك غيره، ليس المراد به الطريق على الحقيقة؛ لأن الله تعالى قال:{يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} فلا مخافة أذى يصيبه في فج؛ لأنه لا يراه.

الحديث السادس بعد العشرين:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْترْ ثَلَاثًا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ".

والخَيْشُوم: الأنف. وقال الداودي: هما المنخران.

وقوله: ("فَلْيَسْتَنْثِرْ"): يدخل فيه فليستنشق؛ لأن الاستنثار لا يكون إلا بعده.

(1)

ورد بهامش الأصل: قوله: (بمعنى واحد). فيه نظر فقد قال في "الكشاف" في تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ} [آل عمران: 159] ما نصه فظًّا أي جافيًا، غليظ القلب: قاسيه. انتهى بدعوى تراد فيهما ليس ظاهر. ا. هـ

(2)

"إكمال المعلم" 7/ 402.

ص: 219

‌12 - باب ذِكْرِ الجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ

لِقَوْلِهِ عز وجل: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} إلى قَوْلِهِ: {عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 130 - 132]. {بَخْسًا} [الجن: 13]: نَقْصًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158] قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: المَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ، وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الجِنِّ. قَالَ اللهُ:{وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 158]: ستُحْضَرُ لِلْحِسَابِ. {جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} [يس: 70]: عِنْدَ الحِسَابِ.

3296 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ لَهُ:«إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ وَبَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 609 - فتح 6/ 343]

الشرح:

قرأ الأعرج وابن أبي إسحاق: {يَأْتِكُم} بالتاء، (والباقون: بالياء)

(1)

.

واختُلف في الجن هل أرسل إليهم رسول أم لا؟ فقال عبيد بن سليمان: سئل الضحاك عن الجن هل كان فيهم مؤمن قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألم تسمع قول الله عز وجل: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ

(1)

من (ص 1).

ص: 220

يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] يعني: رسلًا من الإنس ورسلًا من الجن

(1)

.

وفي "تفسير الضحاك الكبير": أرسل إلى الجن نبي اسمه يوسف.

وروى البزار في مسنده: قال عليه السلام: "النبي يبعث إلى قومه، وأنا بعثت إلى الجن والإنس"

(2)

. وقال الكلبي: كانت الرسل قبل مبعث رسول الله يبعثون إلى الجن والإنس جميعًا

(3)

. وقال مجاهد: الرسل من الإنس والنذر من الجن. ثم قرأ: {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}

(4)

.

يعني أن الجن يستمعون دينهم من الرسل ويبلغونه إلى سائر الجن وهم النذر، كالذين استمعوا القرآن فتلقوه قومهم فهم رسل إلى قومهم. وقال أهل المعاني: لم يكن من الجن رسول وإنما هم من الإنس خاصة. وهذا كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)} [الرحمن: 22] وإنما يخرج من الملح دون العذب، ذكره الثعلبي، وذكر علي بن حمزة

(5)

في كتاب "التنبيهات": أن المرجان يخرج أيضًا من العذب.

(1)

"تفسير الطبري" 5/ 130 (13899).

(2)

رواه البزار كما في "كشف الأستار"(2441).

قال البزار: لا نعلم قوله: "بعثت إلى الجن والانس"؛ إلا في هذا الحديث، بهذا الإسناد.

قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 258: وفيه من لم أعرفهم.

(3)

"تفسير البغوي" 3/ 190، "تفسير القرطبي" 7/ 86.

(4)

"تفسير البغوي" 3/ 190، "تفسير القرطبي" 7/ 86.

(5)

هو علي بن حمزة أبو نعيم البصري كما ثم البغدادي الأديب اللغوي المتوفى سنة 375 هـ، له من التصنيف "التنبيهات على أغاليط الرواة" في مجلد، وهو الكتاب الذي عزا إليه المصنف، وأيضا:"الرد على ابن ولاد النحوي في المقصور والممدود".

"الرد على أبي زياد الكلابي". "الرد على أبي عبيد القاسم بن سلام". "الرد على =

ص: 221

وقال إسماعيل الجُوزي في "تفسيره" قال قوم: في الجن رسل. مستدلين بالآية الكريمة. وقال أكثر أهل العلم: الرسل من الإنس ومن أولئك النذر وقد سلف، وقيل: إن من الجن شياطين ومن الإنس شياطين، فإذا عيي شيطان الجن من المؤمن استعان بشيطان الإنس عليه. يؤيده ما رواه أبو ذر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شيطان الانس والجن؟ ". قلت: وهل للإنس شيطان؟ قال: "نعم، وهي شر من شياطين الجن"

(1)

.

وقال الزجاج: قوله: {رُسُلٌ مِنْكُمْ} ؛ لأن الجماعة تعقل وتخاطب، فالرسل هم بعض من يعقل.

واختلف في مؤمنيهم: هل يدخل الجنة أم لا؟

فالشافعي وغيره يقولون: نعم، استدلالًا بقوله تعالى:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: 132] بعد ذكره الجن والإنس، وبقوله تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} [الرحمن: 46] وبقوله: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56] قالوا: فلو لم يدخلوا الجنة لما قال هذا.

وأما أبو حنيفة: فعنه روايتان: الأولى: التردد. وقال: لا أدري مصيرهم. الثانية: قال: يصيرون يوم القيامة ترابًا؛ لقوله: {وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31].

= أبي علي الشيباني في نوادره". "الرد على إصلاح المنطق لابن السكيت". "الرد على ثعلب في الفصيح". "الرد على كتاب الحيوان للجاحظ". "الرد على كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري". "كتاب الآباء والأمهات". "نوادر في النحو". انظر: "هدية العارفين" 1/ 364.

(1)

رواه النسائي 8/ 275، وأحمد 5/ 178.

ص: 222

ونقل القرطبي؛ عن عمر بن عبد العزيز والزهري والكلبي ومجاهد: مؤمنو الجن في ربض ورياض جانب الجنة وليسوا فيها

(1)

.

واختلف فيهم هل يأكلون حقيقة أم لا؟ فزعم بعضهم أنهم يأكلون ويغتذون بالشم. ويرده ما في الحديث يصير العظم كأوفر ما كان لحمًا والروث لدوابهم

(2)

. ولا يصير كذلك إلا للآكل حقيقة، وهو المرجح عند جماعة العلماء. ومنهم من قال: هم طائفتان: طائفة تشم، وطائفة تأكل. وقال ابن التين: قوله: {رُسُلٌ مِنْكُمْ} والرسل من الإنس خاصة، وعنه جوابان:

أحدهما: أنه روي عن ابن عباس: الجن الذين لقوا قومهم فبلغوهم يعني: الذين {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} فهم بمنزلة الرسل إلى قومهم؛ لأنهم بلغوهم

(3)

. وكذا قال مجاهد: الرسل في الإنس، والنذارة في الجن

(4)

.

ثانيهما: أنه لما كانت الجن والإنس مما يخاطب ويعقل قيل: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] وإن كانت الرسل من الإنس خاصة. قال: والأكثرون على أنهم يدخلون الجنة.

فصل:

أثر مجاهد أخرجه ابن جرير من حديث ابن أبي نجيج عنه بزيادة: فقال أبو بكر: من أمهاتهن، فقالوا: بنات سروات الجن، يحسبون أنهم خلقوا مما خلق منه إبليس

(5)

.

(1)

"تفسير القرطبي" 19/ 187.

(2)

رواه الطبراني 10/ 63، بلفظ مقارب.

(3)

"تفسير الطبري" 5/ 345 (13900)، "تفسير القرطبي" 7/ 86.

(4)

سبق تخريجه.

(5)

"تفسير الطبري" 10/ 535 (29654).

ص: 223

وفي "تفسير عبد بن حميد" عنه: الجنة بطن من بطون الملائكة. وروى ابن جرير، عن قتادة: قالت اليهود لعنهم الله: إن الله عز وجل تزوج إلى الجن فخرج منها الملائكة

(1)

.

قوله: (سروات الجن): يعني خيرات نسائهم؛ لأنهن بنات ساداتهم؛ لأن سروات: جمع سراة، وسراة جمع سري، وهو نادر شاذ؛ لأن فعلات لا يجمع على فعلة.

فصل:

حديث أَبَي سعِيدٍ الخُدْرِيِّ. سلف في الأذان

(2)

.

ومالك رواه عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة

(3)

، كذا ذكره عنه هناك وهنا، وهو من أفراد البخاري، وكذا انفرد بأخيه محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج. وكذا انفرد بأبيهما عبد الله بن عبد الرحمن وقيس بن أبي صعصعة كان على الساقة يوم بدر، وإخوته: أبو كلاب وجابر والحارث بنو أبي صعصعة، شهدوا أحدًا، وقتل أبو كلاب وجابر يوم مؤتة مع جعفر بن أبي طالب، وقتل الحارث يوم اليمامة، وقتل ابن أخيهم الحارث بن سهم بن أبي صعصعة يوم الطائف شهيدًا، ومات شيخ مالك سنة تسع وثلاثين ومائة، وقولي: وقتل أبو كلاب وجابر يوم مؤتة هو ما ذكره الدمياطي هنا بخطه. وذكر في الأذان بخطه أن جابرًا قتل يوم اليمامة.

(1)

"تفسير الطبري" 10/ 535 (29655).

(2)

سبق برقم (609).

(3)

"الموطأ" ص 66.

ص: 224

‌13 - باب

(1)

قَوْلِ الله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} إِلَى قَوْلِهِ: {مُبِينٍ} [الأحقاف: 29: 32]

{مَصْرِفًا} [الكهف: 53]: مَعْدِلًا {صَرَّفْنَا} أَيْ: وَجَّهْنَا.

الشرح:

قال زر بن حبيش فيما نقله ابن التين: كانوا تسعة

(2)

.

و (النَفَر) في اللغة من الثلاثة إلى العشرة، وقيل: ما بين الثلاثة إلى العشرة. فكأنه اختلف في الثلاثة هل يقال فيهم نفر.

وقال السهيلي: يقال: هم جن نصيبين

(3)

.

ويروى: جن الجزيرة.

وروى ابن أبي الدنيا أنه عليه السلام قال في هذا الحديث، وذكر فيه جن نصيبين فقال:"رفعت إليَّ حتى رأيتها فدعوت الله أن يكثر مطرها وينضر شجرها ويعذب نهرها"

(4)

.

ويقال: كانوا سبعة وكانوا يهود فأسلموا.

(1)

قال ابن حجر في "الفتح" 6/ 347: لم يذكر المصنف في هذا الباب حديثًا، واللائق به حديث ابن عباس الذي تقدم في صفة الصلاة في توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ واستماع الجن لقراءته. اهـ.

(2)

"تفسير الطبري" 11/ 297 (31311).

(3)

"الروض الأنف" 1/ 236.

وجاء في هامش الأصل: نصيبين من الجزيرة.

(4)

"الهواتف" ص 59 (74) وانظر: "الروض الأنف" 2/ 180.

ص: 225

وكذلك قال: {أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} وهم: ماسر، ومامر، وميشا، وماشي، والأحقب

(1)

.

ذكر هؤلاء الخمسة ابن دريد.

ومنهم: عمرو بن جابر. ذكره ابن سلام في تفسيره عن ابن مسعود

(2)

.

ومنهم: زوبعة. ذكره ابن أبي الدنيا.

ومنهم: سرق.

وفي "تفسير عبد": كانوا من نينوى وافوه بنخلة وقيل: بشعب الحجون

(3)

.

(1)

جاء في هامش الأصل: الذي رأيته في نسختي من "الروض": شاصر، وماصر، ومنشى وماشي.

(2)

ذكره السهيلي في "الروض الأنف" 2/ 180؛ وعزاه لابن سلام.

(3)

انظر: "تفسير ابن كثير" 13/ 44.

ص: 226

‌14 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة: 164]

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: الثُّعْبَانُ: الحَيَّةُ، الحية الذَّكَرُ مِنْهَا، يُقَالُ: الحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الجَانُّ، وَالأَفَاعِي، وَالأَسَاوِدُ. {آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56]: فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، يُقَالُ:{صَافَّاتٍ} : بُسُطٌ أَجْنِحَتَهُنَّ. {وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 19]: يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ.

3297 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ:«اقْتُلُوا الحَيَّاتِ، وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ، وَيَسْتَسْقِطَانِ الحَبَلَ» . [3298، 3299، 3310، 3311، 3312، 3313، 4016، 4017 - مسلم: 2233 - فتح 6/ 347]

3298 -

قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً لأَقْتُلَهَا، فَنَادَانِي أَبُو لُبَابَةَ: لَا تَقْتُلْهَا.

فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الحَيَّاتِ. قَالَ: إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ البُيُوتِ، وَهْيَ العَوَامِرُ. [انظر: 3297 - مسلم: 2233 - فتح 6/ 347]

3299 -

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: فَرَآنِي أَبُو لُبَابَةَ أَوْ زَيْدُ بْنُ الخَطَّابِ.

وَتَابَعَهُ يُونُسُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَإِسْحَاقُ الكَلْبِيُّ، وَالزُّبَيْدِيُّ.

وَقَالَ صَالِحٌ وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ وَابْنُ مُجَمِّعٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: رَآنِي أَبُو لُبَابَةَ وَزَيْدُ بْنُ الخَطَّابِ. [3297 - مسلم: 2233 - فتح 6/ 347]

ذكر فيه حديث هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، أنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يخْطُبُ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ:"اقْتُلُوا الحَيَّاتِ، وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ البَصَرَ، وَيَسْتَسْقِطَانِ الحَبَلَ".

ص: 227

قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً لأَقْتُلَهَا، فَنَادَانِي أَبُو لُبَابةَ: لَا تَقْتُلْهَا.

فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَد أَمَرَ بِقَتْلِ الحَيَّاتِ. قَالَ: إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ البُيُوتِ. وَهْيَ العَوَامِرُ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعمَرٍ: فَرَآنِي أَبُو لبَابَةَ أَوْ زَيْدُ بْنُ الخَطَّابِ. وَتَابَعَهُ يُونُسُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَإِسْحَاقُ الكَلْبِيُّ، وَالزُّبَيْدِيُّ.

وَقَالَ صالِحٌ وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ وابْنُ مُجَمِّعٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ، عَنِ ابن عُمَرَ: رَآنِي أبو لُبَابَةَ وَزَيْدُ بْنُ الخَطَّابِ.

الشرح:

(الدَابَّة): ما كانت له نفس، يقال: في البحر ستمائة أمة وفي البر أربعمائة، وأول ما يهلك منها الجراد. وذكر أن عمر بن الخطاب أبطأ عليه الجراد سنة من السنين فخاف الساعة، فأرسل البرد في الآفاق حتى أتى بشيء منه فسكن جأشه.

وأثر ابن عباس أخرجه ابن جرير في "تفسيره" من حديث شهر بن حوشب عنه في قوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} . يقول مبين: له خلق حية

(1)

.

و (الْحَيَّاتُ): جمع حية يقع على الذكر والأنثى، وإنما دخلته الهاء؛ لأنه واحد كدجاجة.

وقد روي عن العرب: رأيت حيًّا على حية. أي: ذكرًا على أنثى

(2)

.

وقول البخاري: (يقال: الحَيات أَجْنَاسٌ .. ) إلى آخره قال ابن خالويه: ليس في كلام العرب أسماء الحيات وصفاتها، إلا ما أذكره،

(1)

"تفسير الطبري" 9/ 440.

(2)

"الصحاح" 6/ 2324، مادة: حيا.

ص: 228

وعدد لها نحو سبعين اسمًا منها: الشجاع، الأرقم، الأسود، الأفعى، الأبتر، الأعيرج، الأصلة، الأصل، الجاث، والجنان، والجأن -بالهمز- والأصم، والجرارة، والرملا. وذكر الجاحظ أيضًا أنواعها، وبينها منها: المكللة الرأس طولها شبران أو ثلاثة، إن حاذى جُحْرها طائر سقط، ولا يحس بها حيوان إلا هرب، فإن قرب منه حذر ولم يتحرك، وتقتل بصفيرها، ومن وقع عليه نظرها مات، ومن نهشته ذاب في الحال، ومات كل من قرب من ذلك الميت من الحيوان، فإن مسها بعصا هلك بواسطة العصا، ولهذا قيل إن رجلاً طعنها برمح فمات هو ودابته في ساعة واحدة. قال: وهذا الجنس كثير ببلاد الترك وإنما تقتل من بعد ثم تنفصل من عينها في الهواء.

وحديث ابن عمر قول عبد الرزاق فيه أخرجه مسلم من حديث عبد بن حميد عنه، ومتابعه يونس فمن بعده أخرجه مسلم أيضًا، وكذا من بعده من قول صالح فمن بعده أخرجه أيضًا

(1)

.

و (الزبيدي): هو محمد بن الوليد أبو الهذيل.

و (ابن أبي حفصة)، اسمه محمد بن أبي حفصة ميسرة.

و (ابن مجمع): هو إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن يزيد بن جارية -بالجيم- بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بن جارية.

و (إسحاق الكلبي): هو ابن يحيى الحمصي، وعند الترمذي:"يلتمسان البصر ويسقطان الحبل"

(2)

.

(1)

مسلم (2233).

(2)

هكذا بالأصل، وعند الترمذي (1483)(الحبلى).

ص: 229

وقال ابن المبارك: إنما يكره من قتل الحيات الحية التي تكون دقيقة كأنها فضة ولا تلتوي في مشيها

(1)

. وفي أبي داود من حديث عائشة: "اقتلوا الجنان كلهن، فمن تركهن خيفة ثأرهن فليس مني"

(2)

. وعن أبي هريرة: "ما سالمناهن منذ حاربناهن"

(3)

.

فصل:

وزيد بن الخطاب المذكور فيه هو أخو عمر بن الخطاب لأبيه، وله في الصحيح هذا الحديث، استشهد باليمامة.

فصل:

وأبو لبابة هو بشير بن عبد المنذر بن رفاعة بن زنبر بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، رده رسول الله من الروحاء حين خرج إلى بدر، واستعمله على المدينة. وضرب له بسهمه وأجره، وتوفي بعد قتل عثمان، وله عقب، وأخوه مبشر بن عبد المنذر، شهد بدرًا وقتل بها، وأخوهما رفاعة بن عبد المنذر، شهد العقبة وبدرًا وقتل بأحد، وليس له عقب، ذكره أجمع ابن سعد في "طبقاته"

(4)

.

فصل:

ذو الطفيتين ضرب من الحيات في ظهره خيطان أبيضان، وبهما عبر عنه بذي الطفيتين. والطفية:(بضم الطاء)

(5)

، أصلها: خوص المقل،

(1)

الترمذي (1483).

(2)

أبو داود (5249)، من حديث ابن مسعود، أما حديث عائشة فرواه أحمد 6/ 157.

(3)

أبو داود (5248)، وأحمد 2/ 247، 520.

(4)

"الطبقات" 3/ 457، وانظر:"الاستيعاب" 1/ 53، 1/ 148، "أسد الغابة" 1/ 123.

(5)

من (ص 1).

ص: 230

فشبه الخيط الذي على ظهر هذِه الحية به، وربما قيل لهذِه الحية طفية على معنى ذات طفية؛ وقد يسمى الشيء باسم ما يجاوره، وقيل: هما نقطتان، حكاه القاضي؛ قال الخليل: وهي حية خبيثة

(1)

، وغلط؛ إنما الطفي: خوص المقل. كما أسلفناه ثم شبه الخط الذي على ظهرها.

فصل:

"والأَبْتَرَ" الناقص، ومنه خطبة زياد البتراء لنقص الحمد والصلاة. قيل: واسم الله. وهو من الدواب: من لا ذنب له. وقيل: هي حية قصيرة الذنب. والبتر: شرار الحيات.

قال النضر بن شميل: وهي صنف أزرق مقطوع الذنب، ولا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها. وقيل: إنه الأفعى يفر من كل أحد، ولا يراه أحد إلا مات. فيما ذكره أبو الفرج، وقال الداودي: هي الأفعى التي تكون قدر الشبر أو أكثر شيئًا، وقلما يكون في البيوت. وذكر البخاري في الباب بعد من حديث ابن عمر "لا تقتلوا الجنان إلا كل أبتر ذي طفيتين".

وظاهره أن الأبتر هو ذو الطفيتين والذي في أكثر الأحيان أنه غيره. والجنان -بكسر الجيم وتشديد النون-: جمع جان: الحيات الطوال البيض.

وقلما يضر، فلذلك أمسك عن قتلها. وقال ابن فارس: حية بيضاء

(2)

. وقال ابن عرفة: صغيرة. قال: وقوله تعالى في العصا: {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [الأعراف: 107].

(1)

"العين" 7/ 457.

(2)

"المجمل" 1/ 175، مادة: جن.

ص: 231

وقال مرة: {كَأَنَّهَا جَانٌّ} [النمل: 10] المعنى أنها في خلق الثعبان العظيم، وخفة الحية الصغيرة.

واختلف في البيوت: فقال مالك: يريد: بيوت المدينة. وقيل: يريد كل بيت في المدائن.

فصل:

وإنما أمر بقتلها؛ لأن الجن لا تتمثل بهما، ولهذا أدخل البخاري حديث ابن عمر في الباب. ونهي عن قتل ذوات البيوت؛ لأن الجن تتمثل بها، قاله الداودي.

"ويطمسان البصر": أي: يخطفانه، ويروى:"يلتمعان ويخطفان".

و"يسقطان الحبل". هو بفتح الباء: الجنين. وظاهره أن هذين النوعين لهما من الخاصية ما ذكره؛ فلا شك فيه؛ فلا ينطق عن الهوى، وأمر أن ينادى ثلاثًا، قال الداودي: يعني ثلاثة أيام. وقال غيره: ثلاث مرات. فحيات البيوت تنذر بخلاف النوعين السالفين.

وفي مسلم من حديث أبي سعيد: "إن هذِه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئًا فحرجوا عليه ثلاثًا، فإن ذهب وإلا فاقتلوه؛ فإنه كافر"

(1)

.

والمراد بالْعَوَامِرُ: الجن، يقال للجن عوامر البيوت وعمار، والمراد: طول لبثهن في البيوت، مأخوذ من العمر، وهو طول البقاء. والمراد بالتحريج: أن تقول لها: أنت في حرج. أي: ضيق إن عدت إلينا. فأما في الصحاري والأودية فيقتل من غير إنذار؛ لعموم قوله: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم"

(2)

، وذكر منهن الحية.

(1)

رواه مسلم (2236).

(2)

رواه مسلم (1198)، والنسائي (2881)، وابن ماجه (3087).

ص: 232

وفي لفظ: "من تركهن مخافة شرهن فليس منا"

(1)

.

فصل:

الأمر بقتلها من باب الإرشاد إلى دفع المضرة المخوفة من الحيات، فما كان منها متحقق الضرر وجبت المبادرة إلى قتله، كما أرشد إليه فيما مضى بقوله:"اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر" عمّ ثم خصّ منبهًا على سبب عظم ضررهما، وقد بين ابن عباس سبب العداوة بيننا وبين الحية فيما ذكره الطبري من حديث أبي صالح، وليث عن طاوس؛ عنه أن عدو الله إبليس عرض نفسه على دواب الأرض أيها يحمله حتى (يدخل)

(2)

الجنة فكل الدواب أباه، حتى كلم الحية فقال لها: أمنعك من بني آدم وأنت في ذمتي، إن أنت أدخلتني الجنة. فأدخلته. قال ابن عباس: اقتلوها حيث وجدتموها، اخفروا ذمة عدو الله

(3)

.

(1)

رواه أبو داود (5250)، وأحمد 1/ 230، 348، والطبراني 11/ 301 (11801).

(2)

في الأصل: دخل. والمثبت من "تفسير الطبري".

(3)

"تفسير الطبري" 1/ 275.

ص: 233

‌15 - باب خَيْرُ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ

3300 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الرَّجُلِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ» . [انظر: 19 - فتح 6/ 350]

3301 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«رَأْسُ الكُفْرِ نَحْوَ المَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الخَيْلِ وَالإِبِلِ، وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الغَنَمِ» . [3499، 4388، 4389، 4390 - مسلم: 52: (85) - فتح 6/ 350]

3302 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: أَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ نَحْوَ اليَمَنِ فَقَالَ: «الإِيمَانُ يَمَانٍ هَا هُنَا، أَلَا إِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ، حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ» . [5303،4387،3498 - مسلم: 51 - فتح 6/ 35]

3303 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا» . [مسلم: 2729 - فتح 6/ 350]

3304 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ -أَوْ أَمْسَيْتُمْ- فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا» .

ص: 234

قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ نَحْوَ مَا أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ:«وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ» . [انظر: 3280 - مسلم: 2012 - فتح 6/ 350]

3305 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ، وَإِنِّي لَا أُرَاهَا إِلاَّ الْفَارَ إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ» .

فَحَدَّثْتُ كَعْبًا، فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ لِي مِرَارًا. فَقُلْتُ: أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟! [مسلم: 2997 - فتح 6/ 350]

3306 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْوَزَغِ:"الْفُوَيْسِقُ". وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ. [مسلم: 2238] وَزَعَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِهِ. [انظر: 1831 - مسلم: 2239 - فتح 6/ 351]

3307 -

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ. [3359 - مسلم: 2237 - فتح 6/ 351]

3308 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَلْتَمِسُ البَصَرَ، وَيُصِيبُ الحَبَلَ» . [3309، مسلم: 2232 - فتح 6/ 351]

3309 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الأَبْتَرِ وَقَالَ: «إِنَّهُ يُصِيبُ البَصَرَ، وَيُذْهِبُ الحَبَلَ» . [انظر: 3308 - مسلم: 2232 - فتح 6/ 351]

3310 -

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ أَبِي يُونُسَ الْقُشَيْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْتُلُ الحَيَّاتِ ثُمَّ نَهَى، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم هَدَمَ حَائِطًا لَهُ، فَوَجَدَ فِيهِ سِلْخَ حَيَّةٍ فَقَالَ:«انْظُرُوا أَيْنَ هُوَ» . فَنَظَرُوا، فَقَالَ:«اقْتُلُوهُ» .

ص: 235

فَكُنْتُ أَقْتُلُهَا لِذَلِكَ. [انظر: 3397، مسلم: 2233 - فتح 6/ 351]

3311 -

فَلَقِيتُ أَبَا لُبَابَةَ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقْتُلُوا الْجِنَّانَ، إِلاَّ كُلَّ أَبْتَرَ ذِي طُفْيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْوَلَدَ، وَيُذْهِبُ البَصَرَ، فَاقْتُلُوهُ» . [انظر: 3297 - مسلم:2233 - فتح 6/ 351]

3312 -

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ الحَيَّاتِ.

3313 -

فَحَدَّثَهُ أَبُو لُبَابَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ البُيُوتِ، فَأَمْسَكَ عَنْهَا. [انظر: 3397 - مسلم: 2233 - فتح 6/ 351]

ذكر فيه عشرة أحاديث:

أحدها:

حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ مرفوعًا: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المسلم .. ". الحديث، وسلف في الإيمان

(1)

.

و ("يُوشِكُ"): يسرع. و ("شعف الجِبَالِ"): أعلاها التي تنبت الكلأ.

و ("يفر بدينه من الفتن") يعني: موت عثمان الذي قال حذيفة فيه: تموج كموج البحر، فحذر عليه السلام من التبس عليه الأمر أن يدخل في ذلك، وكان ممن اعتزل سعد وسعيد ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد.

الحديث الثاني:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَن رَسُولَ اللهِ عليه السلام -قَالَ: "رَأْسُ الكُفْرِ نحوَ المَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الخَيْلِ وَالابِلِ، وَالْفَدَّادِينَ فِي أَهْلِ الوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الغَنَمِ". ويأتي في المغازي، وأخرجه مسلم أيضًا

(2)

.

(1)

سلف برقم (19).

(2)

سيأتي برقم (4388، 4389، 4390)، ومسلم (52).

ص: 236

الحديث الثالث:

حديث أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو: أَشَارَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ نَحْوَ اليَمَنِ فَقَالَ: "الإِيمَانُ يَمَانٍ هَا هُنَا، أَلَا إِنَّ (الْقَسْوَةَ)

(1)

وَغِلَظَ القُلُوبِ فِي الفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ، حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ". ويأتي في المغازي والطلاق وأخرجه مسلم أيضًا

(2)

.

يريد أن رأس الكفر كان في عهده (حين)

(3)

قال ذلك. وأن خروج الدجال من المشرق أيضًا.

فصل:

وخروجه من قرية تسمى رستقاباد فيما ذكره الطبراني

(4)

، وهو (هنا)

(5)

من ذلك منشأ الفتن العظيمة.

والفخر: الافتخار وعد المآثر القديمة؛ تعظيمًا.

والخيلاء: الكبر والإعجاب بالنفس، واحتقار الناس؛ قال تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18]

والوبر: وإن كان من الإبل (دون الخيل)

(6)

فلا يمتنع أن يكون وصفهم به؛ لكونهم جامعين بينهما، وكأنه إخبار عن أكثر حال أهل الغنم وأهل الإبل.

(1)

في الأصل: (القسية)، والمثبت من "اليونينية".

(2)

سيأتي برقم (4387، 5303)، ومسلم (51).

(3)

ليست في الأصل، والمثبت من (ص 1).

(4)

"المعجم الكبير" 24/ 386.

(5)

رسمت هكذا في الأصل، وكتب فوقها: كذا.

(6)

من (ص 1).

ص: 237

فصل:

الفدَّادون: بتشديد الدال، جمع فداد، وهو من بلغت إبله مائتين فأكثر إلى ألف، قاله القزاز. وقال أبو عبيد نحوه: هم المكثرون من الإبل، وهم جفاة وأهل خيلاء

(1)

. وقال أبو العباس: هم الجمالون والرعيان والبقارون (والحمالون)

(2)

.

وقال الأصمعي: هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم وأموالهم ومواشيهم. قال: والفديد: الصوت الشديد.

وقال أبو عمرو الشيباني: هو بالتخفيف جمع فدَّاد بالتشديد، وهو عبارة عن البقر التي يحرث عليها، وأهلها أهل جفاء؛ لبعدهم عن الأمصار، حكاه أبو عبيد وأنكر عليه

(3)

، وعلي هذا المراد بذلك أصحابها، بحذف مضاف، قال القرطبي: أما الحديث فليس فيه إلا رواية التشديد وهو الصحيح على ما قاله الأصمعي وغيره

(4)

، وفي ابن فارس: في الحديث الجفاء والقسوة في الفدادين. قال: يريد: أصحاب الحروث والمواشي. قال: وفديدهم: أصواتهم وجلبتهم. قال:

أنبئت أخوالي بني يزيد

ظلمًا علينا لهم فديد

(5)

قال الخطابي: هو جمع الفداد؛ وهو الشديد الصوت، وذلك من دأب من يعالج الإبل من أصحابها. قال: وهذا إذا رويته بالتشديد،

(1)

"غريب الحديث" 1/ 126.

(2)

علم عليها سبط بـ (كذا). وكتب في الهامش: لعله الحمارون، وذلك لأن ابن الأثير في "نهايته"[3/ 419] حكاه كذلك لكن لم يعزه.

[قلت: ما ذكره سبط يقصد به التحريف، لعلها أن تكون (والخيالون)؛ إذ إن الناسخ لم يضع علامة الإهمال للحاء، والتصحيف أقل شأنا من التحريف].

(3)

"غريب الحديث" 1/ 125 - 126 (فدَّ).

(4)

"المفهم" 1/ 238.

(5)

"مجمل اللغة" 3/ 701 مادة: فدّ.

ص: 238

من قد يفد، إذا رفع صوته، فإن رويته بالتخفيف فهو جمع الفدان، وهو آلة الحرث السّكّة وأعواده. قال: وإنما ذم ذلك وكرهه؛ لأنه يشغل عن أمر الدين ويلهي عن الآخرة فيكون معها قساوة القلب

(1)

.

فصل:

السكينة: السكون والطمأنينة والوقار والتواضع بخلاف ما ذكره في الفدادين، قال ابن خالويه: وهو مصدر سكن سكينة، وليس في المصادر له شبيه. إلا قولهم: عليه ضريبة.

قلت: قال أبو علي الفارسي في "الحجة" وذكر قوله: شبيه هذا كثير جدًّا مثل النكير والنذير وغدير الحي، ولا اعتداد بالهاء.

فصل:

قوله: ("الإِيمَانُ يَمَانٍ") أثنى على أهل اليمن؛ لإسراعهم إلى الإيمان وحسن قبولهم إياه. وقد قبلوا البشرى حين لم يقبلها بنو تميم، وجعله يمانيًّا؛ لظهوره من اليمن، ولذلك قيل الركن اليماني، يراد: الركن الذي يلي اليمن، مثل قوله:

وسهيل إذا استقل يماني

(2)

.

وفي رواية أخرى: "أتاكم أهل اليمن ألين قلوبًا وأرق أفئدة"

(3)

يريد بلين القلوب: سرعة خلوص الإيمان في قلوبهم. ويقال: الفؤاد غشاء

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1521 - 1522.

(2)

عجز بيت صدره: هي شامية إذا استقلت. انظره في "الأغاني" 1/ 132، 233، "خزانة الأدب" للحموي 2/ 249، "صبح الأعشى" 1/ 412.

(3)

سيأتي برقم (4390) كتاب المغازي، باب: قدوم الأشعريين وأهل اليمن، ورواه (52) كتاب الإيمان.

ص: 239

القلب، حبته وسويداؤه فإذا رق الغشاء أسرع نفوذ الشيء إلى ما وراءه. وقال بعض العلماء: كان عليه السلام حين قال: "الإيمان يمان" بأرض تبوك. وكانت المدينة ومكة والحجاز كله من جهة اليمين فقال ذلك في المدينة وما والاها إلى أرض اليمن.

يؤيده قوله في حديث جابر: "والإيمان في أهل الحجاز"

(1)

. فعلى هذا يكون المراد بأهل اليمن أهل المدينة، ومن عند يَلَمْلَم إلى أوائل اليمن. وقيل: كان بالمدينة؛ لأن كونها هو الغالب عليه، وعلى هذا فتكون الإشارة إلى سباق أهل اليمن وإلى القبائل اليمنية الذين وفدوا على الصديق بفتح الشام وأوائل العراق، وإليه الإشارة بقوله:"إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن"

(2)

. وقيل: أراد مكة والمدينة.

قال النووي: فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريدهما ونسبهما إلى اليمن؛ لكونهما من ناحيته

(3)

.

وقال أبو عبيد: إنما بدأ الإيمان من مكة لأنها مولده ومبعثه ثم هاجر إلى المدينة. ويقال: إن مكة من أرض تهامة، وتهامة من أرض اليمن، ولهذا تسمى مكة وما وليها من أرض اليمن التهائم. فمكة على هذا يمانية، وقيل: أراد بهذا القول الأنصار؛ لأنهم يمانون، وهم نصروا المؤمنين وآووهم، فنسب الإيمان إليهم. قاله أبو عبيد

(4)

. وأغرب منه قول الحكيم الترمذي أنه إشارة إلى أويس.

(1)

رواه مسلم (53)، وأحمد 3/ 332، 335.

(2)

رواه أحمد 2/ 541، والطبراني في "الأوسط" 5/ 57 - 58 (4661)، وفي "مسند الشاميين" 2/ 150 (1083).

(3)

"شرح مسلم" 2/ 32.

(4)

"غريب الحديث" 1/ 294 - 295

ص: 240

قال ابن الصلاح: ولو جمع أبو عبيد ومن سلك سبيله طرق الحديث كما جمعها مسلم وغيره وتأملوها لصاروا إلى غير ما ذكروه، ولما تركوا الظاهر، ولقضوا بأن المراد اليمن وأهله وما هو مفهوم من إطلاق ذلك، إذ من ألفاظه:"أتاكم أهل اليمن" والأنصار من جملة المخاطبين بذلك. فهم إذًا غيرهم، وكذا قوله:"جاء أهل اليمن". وإنما جاء حينئذٍ غير الأنصار، ثم إنه وصفهم بما يقتضي بكمال إيمانهم ورتب عليه الإيمان" فكان ذلك إشارة للإيمان إلى من أتاه من أهل اليمن لا إلى مكة والمدينة، ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره، وحمله على أهل اليمن حقيقة؛ لأن من اتصف بشيء، وقوي إيمانه به، وتأكد اضطلاعه، نسب ذلك الشيء إليه؛ إشعارًا بتميزه به فكذا (حال)

(1)

أهل اليمن حينئذٍ في الإيمان وحال الوافدين منه في حياته وفي أعقابه كأويس القرني وأبي مسلم الخولاني وشبههما، ممن سلم قلبه وقوي إيمانه، فكانت نسبة الإيمان إليهم كذلك؛ إشعارًا بكمال إيمانهم من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم؛ فلا منافاة بينه وبين قوله:"الإيمان في أهل الحجاز". ثم المراد بذلك الموجودون منهم حينئذٍ لا كل أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه. وهذا هو الحق في ذلك

(2)

.

فائدة:

قوله: ("الإِيمَانُ يَمَانٍ"). أصله: يماني، فخففوا ياء النسبة، كما قالوا: تهامون، وأشعرون، وسعدون. وكذلك يقال: سيف يمان.

(1)

من (ص 1).

(2)

"شرح مسلم" للنووي 2/ 32 - 33.

ص: 241

فصل:

قوله: ("الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ القُلُوبِ"). زعم السهيلي أنهما لمسمى واحد كقوله: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ} [يوسف: 86] والبث: هو الحزن، ويحتمل -كما قال القرطبي- أن يقال: القسوة: يراد بها أن تلك القلوب لا تلين ولا تخشع لموعظة، وغلظها؛ لعدم فهمها

(1)

.

وقوله: ("عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ"). أي: إنهم يبعدون عن الأمصار فيجهلون معالم دينهم، ذكره الداودي.

وقوله: ("في رَبِيعَةَ وَمُضَرَ") هو بدل من ("الفدادين") أي: القسوة في ربيعة ومضر الفدادين، يعني: من بالعراق منهما، فمن مضر: العراق وبنو تميم وربيعة، وهم أهل بدو بنواحي البصرة. قال الأحنف لعمر أول ما قدم عليه وفد العراق: إنا نزلنا سبخة هشاشة طرف لنا (بالفلاة)

(2)

، وطرف لنا بالماء الأجاج فيأتينا ما يأتي في مريء النعامة، وإن من إخواننا من أهل الأمصار نزلوا في مثل حدقة البعير من المياه العذب فتأتيهم فواكههم لم تخضد، فإن أنت لم ترفع خسيسنا وتجبر وكيسنا بعطاء تفضلنا به على سائر الأمصار نهلك

(3)

.

فصل:

قرنا الشيطان: جانبا رأسه، وقيل: هما جمعاه اللذان يغويهما الناس. وقيل: شيعتاه من الكفار. والمراد بذلك: اختصاص المشرق بمزيد تسلط الشيطان ومن الكفر. قال الخطابي: ضرب المثل بقرن

(1)

"المفهم" 1/ 237.

(2)

في الأصل: القلادة، والصواب ما أثبتناه كما في "تاريخ الطبري".

(3)

"تاريخ الطبري" 2/ 495.

ص: 242

الشيطان فيما لا يحمد من الأمور

(1)

. وقيل: المراد به ما ظهر من العراق من الفتن كوقعة الجمل وصفين والخوارج، فإن أصل ذلك ومنبعه بالعراق ومشرق نجد، وهي مساكن ربيعة ومضر، إذ ذاك

(2)

.

الحديث الرابع: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْألوا الله مِنْ فَضْلِهِ، فَإنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ رَأى شَيْطَانًا".

وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا

(3)

.

و"الدِّيَكَة": جمع ديك -بكسر الدال وفتح الياء- على وزن قردة، جمع قرد وهو ذكر الدجاج، كما قاله ابن سيده، وقوله:

وزقته الديك بصوت أزقًا

(4)

.

إنما أنث على إرادة الدجاجة؛ لأن الديك دجاجة أيضًا، والجمع القليل: أدياك، والكثير: ديوك وديكة. وأرض مداكة: كثيرة الديكة

(5)

، وعن الداودي: وقد يسمى الديك دجاجة؛ والدجاجة تقع على الذكر والأنثى.

فصل:

فيه دلالة أن الله جعل للديك إدراكًا، كما جعله للحمير، وأن كل نوع من الملائكة والشياطين موجودان، وهذا معلوم في الشرع قطعًا، والمنكر لشيء منها كافر، كما نبه عليه القرطبي قال: وكأنه إنما أمر

(1)

"غريب الحديث" 2/ 295.

(2)

"المفهم" 1/ 238 - 239.

(3)

مسلم (2729).

(4)

هو قول غيلان الربعي في أرجوزة طويلة؛ وجاء بالمحكم: وزقت الديك بصوت زقّاء.

(5)

"المحكم" 7/ 80.

ص: 243

بالدعاء عند صراخ الديكة؛ لتؤمن الملائكة على ذلك؛ ولتستغفر له وتشهد له بالتضرع والإخلاص فتتوافق الدعوتان، فتقع الإجابة

(1)

. ومنه يؤخذ استحباب الدعاء عند حضور الصالحين.

وأما التعوذ بعد نهيق الحمار؛ فلأن الشيطان إذا حضر يخاف شره فيتعوذ منه. وفي "صحيح ابن حبان" من حديث زيد بن أرقم مرفوعًا: "لا تسبوا الديك؛ فإنه يدعو إلى الصلاة"

(2)

.

وعند البزار: صرخ الديك قريبًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: اللهم

العنه. فقال عليه السلام: "مه، كلا إنه يدعو إلى الصلاة"

(3)

.

وعند أبي موسى الأصبهاني في "ترغيبه" من حديث مُعمَّر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع: حدثني أبي، عن أبيه أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينهق الحمار حتى يرى شيطانًا أو يتمثل له شيطان، فإذا كان كذلك فاذكروا الله تعالى، وصلوا (عليَّ)

(4)

".

فائدة:

ينبغي أن يتعلم من الديك خمسة -نبه عليها الداودي-: حسن الصوت، والقيام بالسحر، والسخاء، والغيرة، وكثرة النكاح.

الحديث الخامس:

حديث جَابِرٍ رضي الله عنه: "إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ -أَوْ أَمْسَيْتُمْ- فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ" الحديث، وقد سلف حكمه قريبًا في باب: صفة إبليس وجنوده، وفي

(1)

"المفهم" 7/ 57 - 58.

(2)

"صحيح ابن حبان" 13/ 37 - 38 (5731).

(3)

"مسند البزار" 5/ 168 (1763).

(4)

في (ص 1): على محمد.

ص: 244

رواية لم يذكر التسمية، وأغفله المزي في "أطرافه" تبعًا لخلف، واقتصرا على عزوه إلى صفة إبليس، وزعما أن البخاري رواه في الأشربة عن إسحاق بن منصور، عن روح

(1)

، ورواه هنا عن إسحاق غير منسوب، ونسبه أبو نعيم هنا في رواية: ابن إبراهيم. وقال الجياني: (قال البخاري)

(2)

في باب: ذكر الجن وتفسير سورة البقرة والرقاق: ثنا إسحاق: حدثنا روح. ولم أجد إسحاق هذا منسوبًا عند أحد من شيوخنا في شيء من هذِه المواضع. وقد حدث البخاري في تفسير سورة الأحزاب وسورة {ص} عن إسحاق بن إبراهيم، عن روح، وحدث في الصلاة في موضعين، وفي الأشربة في غير موضع. عن إسحاق بن منصور عن روح. كذا قال

(3)

.

الحديث السادس:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يُدْرى مَا فَعَلَتْ، وَإِنِّي لَا أُرَاهَا إِلَّا الفَارَ، إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ".

فَحَدَّثْتُ بها كَعْبًا، فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ لِي مِرَارًا. فَقُلْتُ أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟!

الشرح:

عند مسلم "الفأرة مسخ، وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه". الحديث، والظاهر أنه قال هذا أولاً ثم أعلم بعد مما رواه مسلم من حديث ابن مسعود، وذكر عنده عليه السلام القردة والخنازير أهنَّ

(1)

"تحفة الأشراف" 2/ 232 (2446).

(2)

من (ص 1).

(3)

"تقييد المهمل" 3/ 973.

ص: 245

مسخ؟ فقال: "إن الله لم يجعل لمسخ نسلًا ولا عقبًا"

(1)

، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك. وقال ابن قتيبة: أنا أظن أن القردة والخنازير هي المسوخ بأعيانها توالدت، إلا أن يصح هذا الحديث.

قلت: قد صح. وقال ابن التين: قوله في الفأرة على ما ذكره من الظن لا يقطع فيه بشيء.

فصل:

سبب امتناع المسخ من شرب لبن الإبل؛ لأن شحومها وألبانها حرمت علي بني إسرائيل دون الغنم.

فصل:

قوله: (أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟!). وفي نسخة: أقرأ التوراة وهذا بهمزة استفهام، وهو استفهام إنكار معناه: ما لي علم ولا عندي شيء إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أنقل من التوراة.

الحديث السابع: حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها في قتل الأوزاغ.

سلف في الحج

(2)

، وحديث أُمِّ شَرِيكٍ مثله، وهو الحديث الثامن ويأتي في أحاديث الأنبياء

(3)

وأخرجه مسلم أيضًا

(4)

.

وقول أم شريك لا يضاد قول عائشة: لم أسمع عليه السلام أمر بقتله؛ لأنها لم تسمع جميع مقالته، والزيادة من الثقة مقبولة.

والأوزاغ: جمع وزغ، ووزغ: جمع وزغة.

(1)

مسلم (2663).

(2)

سلف برقم (1831).

(3)

يأتي برقم (3359).

(4)

مسلم (2237، 2239).

ص: 246

الحديث التاسع والعاشر:

حديث عَائِشَةَ من طريقيه وكذا ابن عمر من طريقيه في قتل ذي الطفيتين. سلف قريبًا الكلام عليه في الباب قبله، وقوله أنه عليه السلام هَدَمَ حَائِطًا لَهُ، فَوَجَدَ فِيهِ سِلْخَ حَيَّةٍ، فَقَالَ:"انْظُرُوا أَيْنَ هُوَ". فَنَظَرُوا، فَقَالَ:"اقْتُلُوهُ".

(سَلْخ): بنصب السين

(1)

، وكسرها أولى؛ لأنه اسم كما قاله ابن التين.

و"جِنَّان": بكسر الجيم وتشديد النون الأولى، وهو جمع جان كما سلف.

وقوله: (نَهَى عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ البُيُوتِ). قال مالك: أراد بيوت المدينة، وقيل: أراد المدينة وغيرها. واستحسن مالك ذلك في غير المدينة، وقال فيما وجد في الصحراء: يقتل ولا يتقدم إليها. وقد سلف ذلك أيضًا.

(1)

في هامش الأصل: ينبغي أن يقول بفتح.

ص: 247

‌16 - باب خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ

3314 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْحُدَيَّا، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . [انظر: 1829 - مسلم: 1198 - فتح 6/ 355]

3315 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهْوَ مُحْرِمٌ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ: العَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ» . [انظر: 1826 - مسلم: 1199 - فتح 6/ 355]

3316 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ كَثِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما رَفَعَهُ قَالَ:«خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا المَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ البَيْتِ» . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَبِيبٌ، عَنْ عَطَاءٍ:"فَإِنَّ لِلشَّيَاطِينِ". [انظر: 328 - مسلم:

2012 -

فتح 6/ 355]

3317 -

حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ فَنَزَلَتْ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)} [المرسلات: 1] فَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، إِذْ خَرَجَتْ حَيَّةٌ مِنْ جُحْرِهَا فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا، فَسَبَقَتْنَا فَدَخَلَتْ جُحْرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا» . وَعَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ مِثْلَهُ، قَالَ: وَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ رَطْبَةً. وَتَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ. وَقَالَ حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. [انظر: 1830 - مسلم: 2234 - فتح 6/ 355]

ص: 248

3318 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خِشَاشِ الأَرْضِ» . [انظر: 2365 - مسلم: 2242 - فتح 6/ 356]

قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. [مسلم: 2243]

3319 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ، فَأَوْحَى الله إِلَيْهِ فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً» . [انظر: 3019 - مسلم: 2241 - فتح 6/ 356]

ذكر فيه حديث عَائِشَةَ وابن عمر رضي الله عنه، في ذلك وسلفا في الحج. وحديث جَابِرٍ رضي الله عنه:"خَمِّرُوا الآنِيَةَ".

وقد سلف في الباب قبله وغيره، حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الحية سلف في الحج

(1)

، وزاد البخاري هنا تعليقًا عن حفص أسنده البخاري عن ولده عمر في الحج عنه، وتعليقًا عن أبي معاوية، أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى وغيره، عنه. قال ابن مسعود: نزلت {وَالْمُرْسَلَاتِ} على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، ونحن معه نسير حتى أوينا إلى غار بمنى، فنزلت

(2)

.

وقوله: (فَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا رَطْبَةً مِنْ فِيهِ). أي: مستطابة سهلة كالثمرة الرطبة السهلة الجَنْيِ.

(1)

برقم (1830).

(2)

مسلم (2234).

ص: 249

وقيل معنى (لَنَتَلَقَّاهَا): لنسمعها منه لأول نزولها كالشيء الرطب في أول أحواله. وبه جزم ابن التين، والأول أوقع تشبيهًا، ويدل عليه قوله عليه السلام في الخوارج:"يقرؤون القرآن رطبًا لا يجاوز حناجرهم"

(1)

. أي: يستطيبون تلاوته ولا يفهمون معانيه.

وقوله: ("وُقِيَتْ شَرَّكُمْ") أي: قتلكم إياها؛ فإنه شر بالنسبة إليها، وإن كان خيرًا بالنسبة إلينا.

وفيه: دلالة على صحة قول من قال باستصحاب الحال في أصل الضرر في أنواع الحيات.

وفيه: دلالة على قتل الحية في الحرم. والجحر: الكهف.

فصل:

في حديث جابر رضي الله عنه: "أَوْكوا الأَسْقِيَةَ " أي: شدوها بالوكاء: وهو الخيط. "وأَجِيفُوا الأَبْوَابَ" أي: أغلقوها، يقال: جفأت الباب: أغلقته، ذكره القزاز، وهذا خلاف رواية البخاري؛ لأن أجيفوا لامه فاء، وجفأت لامه همزة. قال ابن التين: وما رأيت أحدًا من أهل اللغة ذكر هذِه الكلمة غير القزاز.

وقوله: ("واكفتوا صِبْيَانَكُمْ") أي: ضموهم، ومنه:{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25)} [المرسلات: 25] أي: يمشون على ظهرها أحياء، وإذا ماتوا ضمتهم إليها، وكل من ضم شيئًا فقد كفته، وهو بكسر الفاء وهو ما في ابن فارس

(2)

.

قال ابن التين: والأكثر بالضم، والفويسقة: الفأرة.

(1)

سيأتي برقم (3344)، ومسلم (1064).

(2)

"مجمل اللغة" 3/ 788 (كفت).

ص: 250

فصل:

ذكر فيه أيضًا حديث ابن عُمَرَ وأبي هريرة رضي الله عنهما: "دَخَلَتِ امْرَأةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خِشَاشِ الأَرْضِ".

وقد سلف في الشرب من حديث ابن عمر

(1)

، وهو دليل على جواز اتخاذها ومنع تضييعها وأنه من الكبائر. ذكره الداودي.

وفيه: جواز رباطها إذا أطعمت.

والخشاش مثلث الخاء. وقال ابن التين: هو بالفتح: دوابها. وعند ابن (عيينة)

(2)

بكسرها، إلا الخشاش من صغار الطير، فهو وحده بالفتح.

فصل:

ساق البخاري هنا حديث الهرة من طريق ابن عمر وأبي هريرة، وسلف طريق أسماء في باب: ما يقرأ بعد التكبير

(3)

، وسلف طريق ابن عمر في الشرب كما أسلفناه.

وفي رواية للبخاري في حديث ابن عمر: "حتى ماتت جوعًا فدخلت فيها النار"

(4)

.

وانفرد به مسلم من حديث جابر، ذكره في الكسوف، ولفظه:"وعرضت على النار فرأيت امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها"

(5)

الحديث. وفي أخرى له: "رأيت في النار امرأة حميرية سوداء طويلة"

(6)

. ولم يقل: من بني إسرائيل.

(1)

سبق برقم (2365).

(2)

في هامش الأصل: لعل الصواب: قتيبة.

(3)

سبق برقم (745).

(4)

سبق برقم (2365).

(5)

مسلم (904).

(6)

مسلم (904).

ص: 251

وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" من حديث عبد الله بن عمرو وعقبة بن عامر

(1)

، (وأخرجه أحمد من حديث جابر)

(2)

(3)

.

فصل:

هذِه المرأة يجوز أن تكون كافرة، لكن ظاهر الحديث إسلامها، وعذبت على إصرارها على ذلك. وليس في الحديث تخليدها. نعم، روى الحافظ أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" أنها كانت كافرة، وكذا البيهقي في "البعث والنشور" عن عائشة

(4)

. فيكون من جملة استحقاقها النار حبس الهرة، وأبداه القاضي احتمالًا

(5)

، وأنكره النووي

(6)

فاستفده.

(فصل)

(7)

:

ذكر فيه أيضًا حديث أَبِي هُرَيْرَةَ في قتل النمل، وفيه:"فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيهِ: فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً". وقد سلف في أثناء الجهاد

(8)

.

وفيه: أنه لم يعب عليه قتل التي لدغته. وكره مالك قتله لمن آذاه، وقيل: إنما يقتلها من كان قاطنًا غير مسافر وعسر عليه الانتقال، ولم يجد ما يزيله به فيقتلها حينئذٍ بغير النار.

(1)

"صحيح ابن حبان"(2838، 5622).

(2)

من (ص 1).

(3)

أحمد 2/ 374.

(4)

"البعث والنشور" ص 53 (52).

(5)

"إكمال المعلم" 3/ 344.

(6)

"شرح مسلم" 6/ 207 - 208.

(7)

ليست في الأصل، والمثبت من الهامش، حيث علق الناسخ قائلاً: صحيح أن يقول هنا: فصل. وكأنه سقط من الصفحة الرئيسية.

(8)

سبق برقم (3019).

ص: 252

‌17 - باب إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إناء أَحَدِكُمْ، فَإِنَّ فِي أحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الآخَر شِفَاءً

3320 -

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً» . [5782 - فتح 6/ 359]

3321 -

حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«غُفِرَ لاِمْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، قَالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ المَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ» . [3467 - مسلم: 2245 - فتح 6/ 359]

3322 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ كَمَا أَنَّكَ هَا هُنَا، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنهم، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» . [3225 - مسلم: 2106 - فتح 6/ 359]

3323 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الكِلَابِ. [مسلم: 1570 - فتح 6/ 360]

3324 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا يَنْقُصْ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ، إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ» . [انظر: 2322 - مسلم: 1575 - فتح 6/ 360]

3325 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ الشَّنَئِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ

ص: 253

رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» . فَقَالَ السَّائِبُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إِيْ وَرَبِّ هَذِهِ القِبْلَةِ. [انظر: 2323 - مسلم: 1576 - فتح 6/ 360]

ترجم بنص الحديث الذي ساقه بعد من حديث عُبَيْدٍ بنِ حُنَيْنٍ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي أحد جَنَاحَيْهِ دَاءً وفي الآخَرِ شِفَاءً".

وهو من أفراده، ورواه الدارمي في "مسنده" من هذا الوجه، ثم رواه من حديث حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال غير حماد: عن ثمامة، عن أنس مكان أبي هريرة، وقوم يقولون: عن القعقاع، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وحديث عبيد بن حنين أصح

(1)

.

ولأبي داود وابن حبان في "صحيحه": وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء

(2)

. ولأبي نعيم في "الطب" من حديث أبي سعيد نحوه سواء، وأنه يقدم السم ويؤخر الشفاء

(3)

. وأخرجه أحمد

(4)

، وابن ماجه

(5)

وابن حبان

(6)

. وفي الدارقطني من حديث سعيد بن المسيب عن سلمان نحوه

(7)

. ومن حديث أنس بإسناد ضعيف

(8)

.

(1)

"مسند الدارمي" 2/ 1297 - 1298 (2081، 2082).

(2)

أبو داود (3844)، وابن حبان (1246، 5250).

(3)

"الطب النبوي" لأبي نعيم 2/ 640 - 641 (693).

(4)

أحمد 2/ 229، عن أبي هريرة، 3/ 24 عن أبي سعيد الخدري.

(5)

ابن ماجه (3504). عن أبي سعيد؛ و (3505) عن أبي هريرة.

(6)

ابن حبان (1247).

(7)

الدارقطني 1/ 37.

(8)

رواه البزار كما في "كشف الأستار"(2866).

ص: 254

ثم الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

الشراب هنا يدخل فيه كل المائعات قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ} [النحل: 69] والجناح حقيقة للطائر، ويقال للآدمي استعارة؛ قال تعالى:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24].

ثانيها:

قوله: ("وفي الآخَر شِفَاءً"). كذا هو ثابت في النسخ بإعادة حرف الجر، وجاء في رواية حذفها، وهو قال على من يجوز العطف على عاملين، وهو رأي الأخفش والكوفيين فيقرأ إذن بجر:"الآخر"؛ معلقًا على "أحد"، ونصب "شفاء"؛ عطفًا على "داء"، والعامل في "أحد" حرف الجر الذي هو "في"، والعامل في "داء" إن، فقد شركت الواو في العطف على العاملين الذين هما في "وإن". وسيبويه لا يجيز ذلك، يؤيده رواية "الكتاب" بإثبات حرف الجر، وقد أجازه في المثل: ما كل سوداء تمرةً ولا بيضاء شحمة

(1)

. فتمرة بالنصب على إعمال (ما)، ولا بيضاء شحمة: بالرفع فيهما على الاستئناف، فإن كان روي في الحديث:"والآخر شفاء". بالرفع فيهما، فهو على هذا الوجه، ويخرج به عن العطف على عاملين، ولكنه يحتاج إلى حذف مضاف في قوله:"وَالآخر شِفَاءً" أي: ذو شفاء. وأيضًا ففي اللفظ مجاز وهو كون الداء في أحد الجناحين.

ثالثها:

اختلف العلماء فيما لا نفس لها سائلة تقع في الماء القليل أو المائع كالذباب ونحوه، هل ينجسه؟

(1)

"الكتاب" 1/ 65.

ص: 255

وأظهر قولي الشافعي: المنع، ونقل ابن المنذر الإجماع عليه لهذا الحديث مع أن نفسه نجسة على الأصح خلافًا لأبي حنيفة. وفي روثها وجه بطهارته، والأصح النجاسة.

ثالثها: الأمر بالغمس إنما هو لمقابلة الداء بالدواء، كما أخبر به الشارع، فحينئذٍ في إلحاق غير الذباب به نظر وقد جاء التثليث في غمسها على وجه المبالغة، رواه الضياء في "الأحاديث المختارة" من طريق يحيى بن صاعد، ثنا محمد بن معمر، ثنا أبو عتاب سهل بن حماد، ثنا عبد الله بن المثنى، حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس قال: كنا عند أنس بن مالك فوقع ذباب في إناء، فقال أنس بأصبعه فغمسه في ذلك الماء ثلاثًا وقال: بسم الله. وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يفعلوا ذلك

(1)

.

وفيه: إباحة التداوي. ويحتمل أن يكون الداء: ما يعرض في نفس المترفهين من التكبر عن أكله، حتى ربما كان سببًا لترك ذلك الطعام وإتلافه.

والدواء: ما يحصل مع قمع النفس وحملها على التواضع، لكنه مجاز والحقيقة أنه يتعلق بالأمراض وبرئها.

وقد تعجب قوم من اجتماع داء ودواء في شيء واحد، وليس بعجب؛ فإن النحلة تعسل من أعلاها وتلقي السم من أسلفها؛ والحية القاتل سمها يدخل في لحمها في الترياق؛ والذباب يدخلونه في أدوية العين فيسحقونه مع الإثمد؛ ليقوي البصر، ويأمرون بستر وجه الذي يعضه الكلب من الذباب؟ ويقولون: إن وقع بصره عليه تعجل هلاكه. نبه عليه ابن الجوزي.

(1)

"الأحاديث المختارة" 5/ 206 - 207 (1835).

ص: 256

رابعها:

واحد الذُّبَابِ: ذبابة، كما قال ابن التين: قال (أبو المعاني)

(1)

في "المنتهى": الذب -بالضم-: الذباب، وجمع الذباب: ذبان، ولا تقل: ذبانة، والجمع القليل: أذبة، كغراب: أغربة وغربان. وقال أبو هلال العسكري: الذباب واحد، والجمع: ذبان، والعامة تقول: ذبانة للواحد. والذبان للجمع، وهو خطأ. وقال أبو حاتم السجستاني: تقول: هذا ذباب للواحد وذبابان في التثنية، ولا يقال: ذبانة ولا ذبابة.

وقال ابن سيدَهْ في "محكمه": لا يقال ذبابة، إلا أن أبا عبيدة رواه عن الأحمر، والصواب: ذباب واحد، وفي التنزيل:{وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا} فسروه بالواحد

(2)

. وحكى سيبويْهِ عن العرب: ذب في جمع ذباب. قال الجاحظ: عمر الذبان أربعون يومًا

(3)

وهو في النار، وليس تعذيبًا له وإنما ليعذب به أهل النار؛ لوقوعه عليهم؛ فإنه لا شيء أضر على المكلوم من وقوعه على كلمه.

وقال أبو محمد المالقي النباتي في "جامعه": ذباب الناس يتولد من الزبل، وإن أخذ الذباب الكثير فقطعت رءوسها، ويحك بجسدها الشعرة التي في الأجفان حكًّا شديدًا، فإنه يبرئه. وإن سحق الذباب بصفرة البيض سحقًا ناعمًا، وضمدت بها العين التي فيها اللحم الأحمر من داخل؛ فإنه يسكن من ساعته، وإدن حك بالذباب في موضع داء الثعلب حكًّا شديدًا فإنه يبرئه، وإن مسح لسعة الزنبور بالذباب سكن وجعه.

(1)

كذا بالأصل، وصوابها (أبو المعالي)، وتقدم التنبيه على ذلك غير مرة.

(2)

"المحكم" 11/ 53.

(3)

"الحيوان" 1/ 259.

ص: 257

قال الخطابي: قال بعض من لا خلاق له: كيف يجتمع الداء والشفاء في جناحيه؟ وكيف تعلم ذلك من نفسها حتى تقدم الداء وتؤخر الدواء؟ وما أداها إلى ذلك؟ وهو سؤال جاهل أو متجاهل؛ وذلك أن عامة الحيوان جمع فيها بين الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة (هي)

(1)

أشياء متضادة، إذا تلاقت تفاسدت، لولا تأليف الله لها، ويقال لهذا الجاهل: إن الذي ألهم النحلة -وشبهها من الدواب- إلى بناء البيوت وادخار القوت، هو الملهم للذباب ما تراه في الكتاب

(2)

.

ثم ذكر البخاري في الباب خمسة أحاديث:

أحدها:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "غُفِرَ لاِمْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ قَد كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ المَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ".

هذا الحديث سلف في الشرب من حديث أبي هريرة أن رجلاً فعل ذلك

(3)

، وكذا ذكره في الطهارة في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان

(4)

، فلعلهما قصتان، والمومسة: المرأة الفاجرة، ويأتي في ذكر بني إسرائيل، وأخرجه مسلم أيضًا

(5)

، والركي: البئر.

(1)

في الأصل: (في)، والمثبت من مصدر التخريج.

(2)

"معالم السنن" 4/ 239.

(3)

سبق برقم (2363) باب فضل سقي الماء.

(4)

سبق برقم (173) باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا، وهذا التبويب سقط من إحدى نسخ البخاري، ولعلها التي وقف عليها المصنف، وما أورده المصنف هو التالي لهذا الباب.

(5)

مسلم (2244).

ص: 258

وفيه: دلالة على قبول عمل المرتكب الكبائر من المسلمين، وأن الله يتجاوز عن الكبيرة بالعمل اليسير من الخير؛ تفضلًا منه.

الحديث الثاني:

حديث أَبِي طَلْحَةَ: "لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ". وقد سلف قريبًا في باب إذا قال أحدكم آمين.

الحديث الثالث:

حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الكِلَابِ. وأخرجه مسلم أيضًا

(1)

.

الرابع:

حديث أَبَي هُرَيْرَةَ عليه السلام: "مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا نقص مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ، إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ".

وحديث سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ الشنوي أَنَّهُ سَمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَومٍ قِيرَاط".

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه وسفيان سلفا في أثناء المزارعة

(2)

، قال ابن التين: وما ذكره في الكلاب من الأحاديث هو في كلاب الدور. قال: وفيه دليل أن قاتلها مأجور لا قيمة عليه.

قلت: وذكره لها في هذا الباب لما يأتي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره أنهم من الجن، والترجمة قريبة من ذكر الجن.

وحديث نافع عن ابن عمر هنا مطلق، وحديث عبد الله بن دينار عنه:"إلا كلب صيد وكلب غنم أو ماشية" ردها للأول، فإن القصة واحدة والراوي واحد، وما كان كذلك وجب فيه ذلك بالإجماع.

(1)

مسلم (1570).

(2)

سلفا برقم (2322، 2323).

ص: 259

فصل:

وإلى الأخذ بهذا الحديث ذهب مالك وأصحابه وكثير من العلماء فقالوا: تقتل الكلاب إلا ما استثني منها ولم يروا الأمر بقتل ما عدا المستثنى منسوخًا بل محكمًا، وقام الإجماع على قتل العقور منها.

واختلفوا في قتل ما لاضرر فيه؛ فقال إمام الحرمين: أمر الشارع أولاً بقتلها كلها ثم نسخ ذلك ونهى عن قتلها، إلا الأسود البهيم، ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميعها إلا الأسود من حديث ابن مغفل.

ومعنى: (البهيم شيطان) بعيد عن المنافع، قريب من المضرة، وهذِه أمور لا تدرك بنظر ولا يتوصل إليها بقياس، وإنما ينتهى إلى ما جاء عن الشارع، كما نبه عليه ابن عبد البر قال: وقد روي عن ابن عباس أن الكلاب من الجن، وهي (بقعة)

(1)

الجن، فإذا غشيتكم عند طعامكم فألقوا إليها الشيء فإن لها أنفسًا. يعني: أعينَا

(2)

. وفي لفظ السود منها جن والبقع منها جن. قال صاحب "العين": الحن: حي من الجن منهم الكلاب البهم

(3)

. وفي "الباهر": الحن -بالكسر-: ضرب من الجن. قال ابن الأعرابي: هم سفلة الجن وضعفاؤهم. وأنشد:

*مختلف نجواهم حن وجن*

قال ابن عديس يقال كلب حني. وروى عن الحسن وإبراهيم أنهما يكرهان صيد الكلب الأسود البهيم، وإليه ذهب أحمد وبعض أصحابنا لا يحل الصيد إذا قتله، وقال الشافعي ومالك والجمهور بحله كغيره.

(1)

في الأصول: ضعيفة، والمثبت من مصدر التخريج.

(2)

"التمهيد" 14/ 229.

(3)

"العين" 3/ 29.

ص: 260

وليس المراد بالحديث إخراج الأسود عن جنس الكلاب، ولهذا لو ولغ في الإناء وجب غسله كغيره من الأبيض. قال ابن عبد البر: والذي نختاره: ألا يقتل منها شيء إذا لم يضر؛ لنهيه أن يتخذ شيء فيه روح غرضًا

(1)

؛ ولحديث الذي سقى الكلب؛ ولقوله: "في كل كبد حرى أجر"

(2)

، وترك قتلها في كل الأمصار وفيها العلماء، ومن لا يتسامح في شيء من المنكر والمعاصي الظاهرة. وما علمت فقيها من فقهاء المسلمين جعل اتخاذ الكلاب جرحة، ولا رد قاض شهادة متخذها. ومذهب الشافعي تحريم اقتناء الكلب بغير حاجة.

فصل:

قال أبو عمر: في الأمر بقتل الكلاب دلالة على عدم أكلها ألا ترى إلى الذي جاء عن عمر وعثمان في ذبح الحمام وقتل الكلاب

(3)

.

وفيه: دلالة على افتراق حكم ما يؤكل وما لا يؤكل؛ لأنه ما جاز ذبحه وأكله لم يجز الأمر بقتله، ومن ذهب إلى قتل الأسود منها، بأنه شيطان، فلا حجة فيه؛ فلأن الله قد سمى من غلب عليه الشر من الإنس شيطانًا ولم يجب بذلك قتله.

وقد جاء مرفوعًا في الحمام "شيطان يتبع شيطانة"

(4)

، وليس في ذلك ما يدل على أنه مسخ من الجن، ولا أن الحمامة مسخت من الجن، ولا أن ذلك واجب قتله.

(1)

"التمهيد" 14/ 233.

(2)

سبق برقم (2363) بلفظ: "في كل كبد رطبة".

(3)

"التمهيد" 14/ 224.

(4)

رواه أبو داود (4940)، وابن ماجه (3765)، وأحمد 2/ 345.

ص: 261

فصل:

لما ذكر ابن العربي حديث الذي سقى الكلب قال: يحتمل أن يكون قبل النهي عن قتلها، ويحتمل أن يكون بعد، فإن كان الأول فليس بناسخ له؛ لأنه لما أمر بقتل الكلاب لم يأمر إلا بقتل كلاب المدينة لا بقتل كلاب البوادي، وهو الذي نسخ. وكلاب البوادي لم يرد فيها قتل ولا نسخ؛ وظاهر الحديث يدل عليه؛ ولأنه لو وجب قتله لما وجب سقيه؛ ولا يجمع عليه حر العطش والموت كما يفعل بالكافر العاصي، فكيف بالكلب الذي لم يعص؟!

وفي الحديث الصحيح أنه عليه السلام لما أمر بقتل يهود شكوا العطش فقال: "لا تجمعوا عليهم حر السيف والعطش". فسقوا ثم قتلوا

(1)

.

فصل:

والجمع بين رواية الكتاب: "ينقص من أجره قيراط". وبين الرواية الأخرى: "قيراطان". يحتمل أنه لما ذكر القيراط لم ينتبه الناس. فزاد في التغليظ، أو يكون راجعًا إلى كثرة الأذى من الكلب وقلته، أو يحمل على اختلاف المواضع فالقيراطان بالمدينة خاصة؛ لزيادة فضلها، والقيراط في غيرها، كما قاله أبو عمر قال: أو يكون القيراطان في المدن والقيراط بالوادي.

وجاء في رواية أنه: "نقص من أجره قيراطين"

(2)

. وهو صحيح؛ لأن "نقص" جاء لازمًا ومتعديًا. وقال الروياني: اختلفوا في المراد بما ينقص منه فقيل: ينقص بما مضى من عمله. وقيل: من مستقبله. واختلفوا في

(1)

"عارضة الأحوذي" 6/ 285 - 286.

(2)

ستأتي برقم (5480).

ص: 262

محل نقصانهما فقيل: قيراط من عمل النهار وقيراط من عمل الليل وقيراط من النفل. وقال القرطبي: أقرب ما قيل في ذلك قولان:

أحدهما: أن جميع ما عمله من عمل ينقص لمن اتخذ ما نهي عنه من الكلاب بإزاء كل يوم يمسكه جزءان من أجر ذلك اليوم الذي يمسكه فيه.

الثاني: أن يحط من عمله عملان أو من عمل يوم إمساكه عقوبة له على ما اقتحم من النهي.

والقِيرَاط: (أصل)

(1)

لمقدار معلوم عند الله تعالى لكن جرى العرف في بلاد يعرف فيها القيراط؛ لأنه جزء من أربعة وعشرين جزءًا ولم يكن هذا العرف عند العرب غالبًا

(2)

.

(1)

كذا بالأصل، وجاء في "المفهم"(مثل).

(2)

"المفهم" 4/ 451 - 452.

ص: 263

60

[كتاب الأنبياء]

ص: 265

[60 - كِتَابُ الأَنْبِيَاءِ]

‌1 - باب خَلْقِ آدَمَ صلى الله عليه وسلم وَذُرِّيَّتِهِ

(1)

{صَلْصَالٍ} [الحجر: 26]: طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الفَخَّارُ، وَيُقَالُ: مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ بِهِ: صَلَّ، كَمَا تقَول: صَرَّ البَابُ وَصَرْصَرَ عِنْدَ الإِغْلَاقِ، مِثْلُ: كَبْكَبْتُهُ يَعْنِي: كَبَبْتُهُ. {فَمَرَّتْ بِهِ} [الأعراف: 189]: اسْتَمَرَّ بِهَا الحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ. {أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] أَنْ تَسْجُدَ.

الشرح:

حقيقة الصلصال: الطين اليابس المصوت، واختلف العلماء في اسم آدم، فقال أبو جعفر النحاس في "اشتقاقه": قيل: إنه اسم سرياني. وقيل: هو أفعل من الأدمة. وقيل: أخذ من لفظ الأديم؛ لأنه خلق من أديم الأرض، قاله ابن عباس

(2)

. قال قطرب: لو كان

(1)

ورد بهامش الأصل: في نسخة كتاب الأنبياء.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 1/ 251 (640) من طريق جعفر بن أبي المغيرة، =

ص: 267

من أديم الأرض لكان على وزن فاعل وكانت الهمزة أصلية ولم يكن يمنعه من الصرف مانع، وإنما هو على وزن أفعل من الأدمة، وكذلك أنه غير مُجرى وهذا القول ليس بشيء؛ لأنه لا يمتنع أن يكون من الأديم ويكون على وزن أفعل، تدخل الهمزة الزائدة على الأصلية؛ كما تدخل على همزة الأدمة، فإن الأدمة همزة أصلية وكذلك أول الأديم همزة أصلية، فلا يمتنع أن يبنى منه أفعل فيكون غير مُجرى، كما يقال: رجل أعين.

وعند ابن الأنباري: يجوز أن يكون أفعل من أدمت بين الشيئين إذا خلطت بينهما وإن كان ماء وطينًا. فخلطا جميعًا. قال ابن جرير: وأولى الأشياء فيه أن يكون فعلًا ماضيًا. وقال النضر بن شميل: سمي بذلك لبياضه.

وقال ابن بري في "حواشي المقرب": آدم: اسم عربي؛ لقول ابن عباس: خلق من أديم الأرض. ولولا ذلك لاحتمل أن يكون مثل آزر أعجميًّا، وبكون وزنه أفعل أو فاعل مثل: فالج. ويكون امتناع صرفه للعجمة والتعريف إذا جعل وزنه فاعل، وهو بالعبراني: آدام بتفخيم الألف على وزن خاتام.

فصل:

قال ابن دريد في "وشاحه": خلق آدم مختونًا كنبينا وشيث وإدريس

= والحاكم 2/ 380 - 381 من طريق الحسن بن مسلم، كلاهما عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، وإسناد الطبري صححه الشيخ أحمد شاكر، انظر "تفسير الطبري"[ط. شاكر] 1/ 480 (640). ورواه أيضًا ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 85 (370) من طريق الأعمش، عن أبي الضحى، عن ابن عباس.

ص: 268

ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وسليمان وشعيب ويحيى وهود وصالح. زاد ابن الجوزي في "منتظمه": وزكريا وبني أهل الزبير.

فصل:

في "تاريخ الطبري": من حديث أبي روق عن الضحاك، عن ابن عباس: أمر الرب تعالى بتربة آدم فرفعت، فخلق آدم من طين لازب، ثم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين كانوا في السموات اسجدوا لآدم، فسجدوا إلا إبليس

(1)

.

وفي حديث سعيد بن جبير عنه: بعث رب العزة تعالى إلى إبليس فأخذ من أديم الأرض من عذبها وملحها فخلق منه آدم، ومن ثم سمي آدم؛ لأنه خلق من أديم الأرض، ومن ثم قال إبليس: أأسجد لمن خلقت طينًا؟! أي: هذِه الطينة أنا جئتُ بها

(2)

.

زاد الخُتّلي في "ديباجه" فقال له الله: ألم (تعوذ)

(3)

بي منكم الأرض؟ قال: بلى. قال: لأخلقن خلقًا يسوؤك منها

(4)

.

وروى ابن عساكر في "تاريخه" مرفوعًا: "أهل الجنة ليس لهم كنى إلا آدم، فإنه يكنى أبا محمد"

(5)

.

وعن كعب: ليس أحد في الجنة له لحية إلا هو

(6)

. وقيل: موسى. ذكره الطبري،

(7)

وقيل: هارون.

(1)

"تاريخ الطبري" 1/ 64 - 65.

(2)

"تاريخ الطبري" 1/ 63. وقد تقدم تخريجه.

(3)

هكذا في الأصل، ولعل الجادة: تعذْ.

(4)

"الديباج" ص.

(5)

"تاريخ دمشق" 7/ 388 من حديث علي بن أبي طالب.

(6)

"تاريخ دمشق" 7/ 389.

(7)

انظر "تاريخ الطبري" الموضع السابق.

ص: 269

وفي "تاريخ الطبري" من حديث أسباط، عن السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس. وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود. وعن أناس من الصحابة قالوا: أرسل الله جبريل؛ ليأتيه بطين منها فعاذت بالله أن ينقصها، فرجع. وكذا قال لميكائيل بعده فأرسل ملك الموت، فلما عاذت قال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره. فأخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد. وفي حديث (حبَّة)

(1)

عن علي رضي الله عنه: خلق آدم من أديم الأرض.

ومن حديث عوف الأعرابي، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى مرفوعًا:"إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض"

(2)

.

وعن سلمان: خمر الله طينة آدم أربعين يومًا ثم جمعه بيده

(3)

.

وعن ابن إسحاق: خلق الله آدم ثم وضعه ينظر إليه أربعين عامًا قبل أن ينفخ فيه الروح

(4)

.

(1)

هكذا في الأصل و (ص 1)، وفي "تاريخ الطبري" و"التفسير" 1/ 251 (641) من حديث عمرو بن ثابت عن أبيه، عن جده. وجده: هرمز الكوفي.

(2)

رواه أيضًا أبو داود (4693)، والترمذي (2955)، وأحمد 4/ 400، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(3)

رواه أيضًا أبو نعيم في "الحلية" 8/ 263 - 264، وابن سعد في "الطبقات" 1/ 27، من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان موقوفًا، وعند ابن سعد: عن سلمان عن ابن مسعود موقوفًا.

وعزاه العراقي في "تخريج الإحياء" 2/ 1129 (4088) لأبي منصور الديلمي في "مسند الفردوس" من حديث ابن مسعود وسلمان الفارسي، وقال: بإسناد ضعيف جدًّا، وهو باطل. اهـ.

وذكر الفتني في "تذكرة الموضوعات" ص 13 وقال: ضعيف.

(4)

"تاريخ الطبري" 1/ 62 - 64.

ص: 270

فصل:

قال ابن فورك: كان خلقه على الصورة التي كان عليها من غير أن كان ذلك حادثًا أو شيئًا منه عن توليد عنصر أو تأثير طبع أو فلك أو ليل أو نهار إبطالًا لقول الطبائعيين: إن بعض ما كان عليه آدم من صورته وهيئته لم يخلقه الله، وإنما كان ذلك من فعل الطبع أو تأثير الفلك فنبه بقوله: إن الله خلق آدم على صورته على ما كان فيه لم يشاركه في خلقه أحد. وخص آدم بالذكر من باب التنبيه على الأدنى

(1)

.

فصل:

روى ابن منده من حديث جويبر عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله خلق آدم من طين بيده، وخلق الطين من الزبدة، والزبدة من الموج، والموج من البحر، والبحر من الظلمة، والظلمة من النور، والنور من الحر، والحر من الآية، والآية من الصورة، والصورة من الياقوتة، والياقوتة من الكن، والكن من لا شيء.

ومن حديث أبي صالح، عن ابن عباس ومرة، عن عبد الله: خلق الله آدم بيده؛ لكي لا يتكبر إبليس عنه، فجعله بشرًا أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة ففزعوا منه، وكان أشدهم منه فزعًا إبليس، ويقول: لأمرٍ ما خلقت، لئن سلطت عليه لأهلكنه.

قال ابن منده: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وفي لفظ عن ابن عباس: أربعين سنة طينًا، وأربعين صلصالاً، وأربعين من حمأ مسنون، فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة. وقال ابن مسعود: بعد مائة وستين سنة. وعن ابن عباس: مكث أربعين ليلة جسدًا علقًا. وعن ابن سلام: خلق آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة على عجل.

(1)

"مشكل الحديث" ص 52 - 53 بتصرف يسير.

ص: 271

-‌

‌ باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}

قَالَ ابن عَبَّاس: {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4]: إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ {فِي كَبَدٍ} [البلد: 4] فِي شِدَّةِ خَلْقٍ. ({وَرِيشًا})[الأعراف: 26]: المَالُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ، وَهْوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ. {تُمْنُونَ} [الواقعة: 58]: النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)} [الطارق: 8]: النُّطْفَةُ فِي الإِحْلِيلِ. كُلُّ شيءٍ خَلَقَهُ فَهْوَ شَفْعٌ، السَّمَاءُ شَفْعٌ، وَالْوَتْرُ: اللهُ. {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]: فِي أَحْسَنِ خَلقٍ {أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: 5]: إِلاَّ مَنْ آمَنَ {خُسْرٍ} [العصر: 2]: ضَلَالٌ، ثُمَّ اسْتَثْنَى إِلَّا مَنْ آمَنَ {لَازِبٍ} [الصافات: 11]: لَازِمٌ. {وَنُنْشِئَكُمْ} [الواقعة: 61]: فِي أي خَلْقٍ نَشَاءُ. {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} [البقرة: 35]: نُعَظِّمُكَ. وَقَالَ أَبُو العَالِيَةِ {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37]: هْوَ قَوْلهُ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23]{فَأَزَلَّهُمَا} [البقرة: 36]: فَاسْتَزَلَّهُمَا. وَ {يَتَسَنَّهْ} [البقرة: 259]: يَتَغَيَّرْ، آسِنٌ: مُتَغَيّر، وَالْمَسْنُونُ: المُتَغَيِّرُ {حَمَإٍ} [الحجر: 26]: جَمْاعة حَمْأَةٍ، وَهْوَ: الطِّينُ المُتَغَيِّرُ. {يَخْصِفَانِ} [الأعراف: 22]: أَخْذُ الخِصَافِ {مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 22]: يُؤَلِّفَانِ وَيَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ {سَوْآتُهُمَا} [الأعراف: 22]: كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجِهِمَا {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأعراف: 24]: هَا هُنَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، الحِينُ عِنْدَ العَرَبِ مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لَا يُحْصى عَدَدُهُ. {وَقَبِيلُهُ} [الأعراف: 27]: جِيلُهُ الذِي هُوَ مِنْهُمْ.

ص: 272

3326 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ. فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ. فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ» . [6227 - مسلم: 2841 - فتح 6/ 362]

3327 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتْفِلُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ الأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ، وَأَزْوَاجُهُمُ الحُورُ العِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ» . [انظر: 3245 - مسلم: 2834 - فتح 6/ 362]

3328 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى المَرْأَةِ الغُسْلُ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ:«نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ المَاءَ» . فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: تَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَبِمَا يُشْبِهُ الوَلَدُ» . [انظر: 130 - مسلم: 313 - فتح 6/ 362]

3329 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا الفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَلَغَ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَامٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ، {قَالَ: مَا} أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيءٍ يَنْزِعُ الوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ» . قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلَائِكَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِق

ص: 273

إِلَى المَغْرِبِ. وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ. وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ المَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا». قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ.

ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اليَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، إِنْ عَلِمُوا بِإِسْلَامِى قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، وَدَخَلَ عَبْدُ اللهِ البَيْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ؟» . قَالُوا: أَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ» . قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ. فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا. وَوَقَعُوا فِيهِ. [3911، 3938، 4480 - فتح 6/ 363]

3335 -

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ -يَعْنِي-:«لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا» . [3399 - مسلم: 1470 - فتح 6/ 363]

3331 -

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَمُوسَى بْنُ حِزَامٍ قَالَا: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» . [5184، 5186 - مسلم: 1468 - فتح 6/ 363]

3332 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُكْتَبُ: عَمَلُهُ، وَأَجَلُهُ، وَرِزْقُهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ

ص: 274

بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ». [انظر: 3308 - مسلم: 3643 - فتح 6/ 363]

3333 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللهَ وَكَّلَ فِي الرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهَا قَالَ: يَا رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ يَا رَبِّ أُنْثَى يَا رَبِّ، شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ» . [انظر: 318 - مسلم: 3646 - فتح 6/ 363]

3334 -

حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِي، عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ:«أَنَّ اللهَ يَقُولُ لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيءٍ كُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي. فَأَبَيْتَ إِلاَّ الشِّرْكَ» . [6538، 6557 - مسلم: 2805 - فتح 6/ 363]

3335 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ» . [6867، 7321 - مسلم: 1677 - فتح 6/ 364]

الشرح:

{خَلِيفَةً} : هو آدم، واختلف: لم سمي آدم خليفة؟! فقيل: لأنه يخلفه من بعده، وقيل: لأنه يخلف من قبله. والوجهان سائغان في اللغة، أو يكون فعيلًا بمعنى فاعل وبمعنى مفعول. وقول ابن عباس أخرجه ابن جرير عن محمد بن سعد: حدثني أبي، حدثني عمي، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله عز وجل: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا

ص: 275

حَافِظٌ (4)} [الطارق: 4] قال: كل نفس لما عليها حافظ: حفظة يحفظون عملك ورزقك أو أجلك إذا توفيته يا ابن آدم قبضت إلى ربك عز وجل

(1)

.

وفي تفسير ابن عباس: جمع ابن أبي زياد {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} : يداه ورجلاه وملكاه اللذان يحفظان عليه عمله.

واختلف القراء في تشديد {لَمَّا} وتخفيفه، فثقَّل حمزة وكذا الحسن يقول:(إلا عليها حافظ) وكذا كل شيء في القرآن بالتشديد. وخفف أبو عمرو ونافع بمعنى: إن كل نفس لعليها حافظ. وعلى أن اللام جواب إن، و (ما) التي بعدها صلة

(2)

، وإذا كان كذلك لم يكن مشددًا، وهو المختار، وأنكر الأول، غير أن الفراء نقلها عن هذيل، وقال أبو زكريا يحيى بن زياد في "معانيه": قراءة العوام بالتشديد وخفف بعضهم

(3)

.

والكَبَد: الشدة والمشقة أو تكابد أمور الدنيا والآخرة أي: تعالجها.

وفي الريش قول آخر: أنه الجمال والهيئة، وقيل: المعاش.

وتفسير مجاهد أخرجه ابن جرير من حديث ابن أبي نجيح، عن عبد الله ابن أبي بكر، عنه. وفي لفظ: الماء بدل النطفة، وعن الضحاك: إن شئت رددته كما خلقته من الماء. وفي رواية إن شئت

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 534 (36959) عن ابن عباس بلفظ: كل نفس عليها حفظة من الملائكة، ورواه بلفظ المصنف برقم (36910) عن قتادة.

(2)

انظر "حجة القراءات" لابن زنجلة ص 758، "الحجة" للفارسي 6/ 397، "الكشف" لمكي 2/ 369، و"زاد المسير" 9/ 81.

(3)

"معاني القرآن" 3/ 254.

ص: 276

رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الصبي إلى (النطفة)

(1)

، وقال ابن زيد: إنه على حبس ذلك الماء لقادر. وعن قتادة: معناه أن الله قادر على بعثه وإعادته.

قال ابن جرير: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: معناه أن الله تعالى على رد الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حيًّا كهيئته قبل مماته لقادر

(2)

.

وفي "تفسير عبد بن حميد" عن علي قال: أن يرده نطفة في صلب أبيه

(3)

.

وتفسير أبي العالية من رواية خصيف عنه

(4)

.

وقوله: ({فَأَزَلَّهُمَا}): فاستزلهما أي: دعاهما إلى الذلة. وقرئ (فأزالهما)

(5)

، وأنكره أبو حاتم وقال: إنه لا يقدر على أكثر من الوسوسة.

ثم ذكر البخاري في الباب عشرة أحاديث:

أحدها: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، تمَّ قَالَ اذْهَبْ فَسَلَمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ المَلَائِكَةِ،

(1)

في الأصول: (القطيعة)، وعليها في الأصل علامة الحاشية، ولم يظهر شيء في الهامش، والمثبت من "تفسير الطبري".

(2)

"تفسير الطبري" 12/ 536 - 537.

(3)

رواه عبد بن حميد عن ابن أبزى كما في "الدر المنثور" 6/ 561.

(4)

يقصد تفسيره في قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} رواه الطبري في "تفسيره" 1/ 281 (779) من طريق الربيع، عن أبي العالية.

(5)

قرأها هكذا حمزة، وقرأ باقي السبعة {فَأَزَلَّهُمَا} . انظر "السبعة في القراءات" لابن مجاهد ص 154، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص 94، "الكشف" لمكي 1/ 235.

ص: 277

فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ. فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ. فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ".

الشرح:

هذا الحديث أخرجه في الاستئذان أيضًا، وقد أسلفنا صفة الذراع في صفة الجنة، وقال ابن التين: قيل المراد: بذراعنا؛ لأن ذراع كل أحد مثل ربعه، ولو كانت بذراعه لكانت يده قصيرة في جنب طول جسده كالإصبع والظفر. وقيل: هي ستون بذراعه. وقيل: إنه كان يقارب أعلاه السماء، وإن الملائكة كانت تتأذى بنفسه فخفضه الله إلى ستين ذراعًا.

وظاهر الحديث خلافه، فإنه خلق وطوله ستون ذراعًا، نعم روى ابن جرير من حديث (جرير)

(1)

خَتن عطاء، عن عطاء بن أبي رباح قال: لما أهبط الله آدم من الجنة كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم ويأنس إليهم، فهابته الملائكة حتى شكت إلى الله ذلك في دعائها فخفضه الله إلى الأرض. وقاله قتادة وأبو صالح عن ابن عباس وأبو يحيى القتات عن مجاهد، عن ابن عباس

(2)

.

وأخرجه ابن أبي شيبة في كتاب "العرش" من حديث طلحة بن عمرو الحضرمي عن ابن عباس

(3)

.

(1)

هكذا في الأصول، وفي "تاريخ الطبري"، و"التفسير" 1/ 596 (2043)، و"تاريخ دمشق" 7/ 421: سوار، وهو سوار بن أبي حكيم، انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" للبخاري 4/ 168 (2357)، و"الجرح والتعديل" 4/ 273 (1178)، و"الثقات" لابن حبان 6/ 422. وأما جرير ختن عطاء فلم أجد له ترجمة.

(2)

"تاريخ الطبري" 1/ 80 - 82.

(3)

"العرش" ص 70 (39) من طريق طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس.

ص: 278

وقال الثوري: خلق الله آدم في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الأرض، وتوفي عنها وهي ستون ذراعًا، ولم ينتقل أطوارًا كذريته، وكانت صورته في الجنة هي صورته في الأرض لم تتغير.

وقال القرطبي: إن الله يعيد أهل الجنة إلى خلقة أصلهم الذي هو آدم، وعلى صفته وطوله الذي خلقه الله عليه في الجنة، وكان طوله فيها ستين ذراعًا في الارتفاع من ذراع نفسه.

قال: ويحتمل أن يكون هذا الذراع مقدرًا بأذرعتنا المتعارفة عندنا

(1)

.

وقال ابن فورك قبلهما: صورة آدم كهذه الصورة (إبطالًا لمن)

(2)

زعم أنها كانت على هيئة أخرى كما في بعض الروايات من ذكر طوله، وذلك مما لا يوثق به؛ إذ ليس في ذلك خبر صحيح، وإنما المعول في مثله على كعب أو وهب من حديث التوراة ولا يعتد بشيء من ذلك، ولم يثبت من جهة أخرى أنه كان على خلاف هذِه الخلقة

(3)

.

فصل:

قوله: ("اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ"). هو أول مشروعية السلام، وهو دال على تأكده، وإفشاؤه سبب للمحبة الدينية ودخول الجنة العلية، وقد قيل بوجوبه فيما حكاه القرطبي

(4)

.

ويؤخذ منه: أن الوارد على جلوس يسلم عليهم، والأفضل تعريفه، وإن نَكَّرهُ جاز

(1)

"المفهم" 7/ 182 - 183.

(2)

في الأصول: (أيضًا لأن من) ويبدو أنه تصحيف. والمثبت من "مشكل الحديث".

(3)

"مشكل الحديث" ص 53 - 54.

(4)

"المفهم" 7/ 185.

ص: 279

وفيه: الزيادة في الرد على الابتداء وأنه لا يشترط في الرد بالإتيان بالواو. وقد سلف، وسيأتي له زيادة في الاستئذان.

فصل:

قوله: ("فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ") يريد كما يزيد (الإنسان)

(1)

شيئًا فشيئًا، ولا يتبين ذلك فيما بين الساعتين ولا اليومين المتواليين، فإذا كثرت الأيام تبين ما زاد.

الحديث الثاني:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ .. ". سلف في وصف الجنة، وزاد هنا:"عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ" وزاد هنا بعد: "وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ""الأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ"، وسقط في بعض النسخ ذلك، وأخرجه مسلم أيضًا. وفي رواية أبي ذر: الأَلَنْجوج.

(2)

ويقال: اليلنجوج.

قال الداودي: الألوة: الند

(3)

، والألنجوج: عود من الطيب. ونص الحديث مع قول أهل اللغة أن الألوة: العود، وهو الألنجوج.

الحديث الثالث:

حديث أم سليم تقدم في الطهارة

(4)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر هامش اليونينية 4/ 132 حيث ذكر اليونيني رمز أبي ذر في الحاشية عليها.

(3)

قال الجوهري: النَّدُّ من الطيب ليس بعربي "الصحاح" 2/ 543 مادة (ندد).

(4)

سلف برقم (282) كتاب: الغسل، باب: إذا احتلمت المرأة.

ص: 280

الحديث الرابع:

حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَام أنه بلغه مَقْدَمُ النبي صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فَأَتَاهُ، فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيءٍ يَنْرعُ الوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟ فأجابه بأن أول أشراطها أن يحشر الناس من المشرق إلى المغرب. والطعام زيادة كبد الحوت، والشبه بالسبق. فأسلم .. الحديث بطوله.

وهو من أفراده وأخرجه مطولًا في الهجرة

(1)

، وفي "دلائل النبوة" للبيهقي: سأله عن السواد الذي في القمر، بدل أشراط الساعة. وفي آخره: لما قالت اليهود ما قالوا في ابن سلام ثانيًا بعد أول فقال عليه السلام: "أجزنا الشهادة الأولى، وأما هذِه فلا"

(2)

.

ولمسلم: أن يهوديًّا قال: يا رسول الله أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال عليه السلام: "في الظلمة دون الجسر" قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: "فقراء المهاجرين". ثم سأله عدة مسائل

(3)

.

وللبيهقي من حديث أبي ظبيان عن أصحابه من الصحابة: "أما نطفة الرجل فبيضاء غليظة، منها العظام والعصب، وأما نطفة المرأة فحمراء رقيقة منها اللحم والدم" فقال: أشهد أنك رسول الله

(4)

.

(1)

سيأتي برقم (3911) كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

"دلاتل النبوة" 6/ 261 - 262 عن سعيد المقبري مرسلا.

(3)

مسلم (315) كتاب: الحيض، باب بيان صفة مني الرجل والمرأة، من حديث ثوبان.

(4)

"دلائل النبوة" 6/ 264 - 265.

ص: 281

وللبخاري من حديث أبي سعيد نحو ما سلف

(1)

. وعن أبي هريرة: رضي الله عنه "يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير، ويحشر بقيتهم النار" الحديث

(2)

.

وهذا هو الحشر الثاني كما قاله قتادة، وهو قبل الساعة، وهو آخر أشراطها كما صرح به في مسلم

(3)

، يؤيده قوله:"تقيل معهم حيث قالوا". وفي رواية: "إذا سمعتم بها فاخرجوا إلى الشام"

(4)

.

وأما الحليمي في "منهاجه" فحمل حديث أبي هريرة: "يحشر الناس على ثلاث طرائق" على الآخرة وأنها: الأبرار، والمخلصون، والكفار. فالأبرار على النجائب، والمخلصون على الأبعرة، والكفار تبعث إليهم ملائكة تقيض لهم نارًا يسوقونهم.

قال: وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي: "يحشر الناس على ثلاثة أصناف: صنف مشاة، وصنف ركبان، وصنف على وجوههم". وفيه: "أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك"

(5)

.

وعند الغزالي: قيل: يا رسول الله كيف يحشر الناس؟ قال: "اثنان على بعير وخمسة على بعير وعشرة على بعير"

(6)

.

(1)

لعله يقصد حديث أبي سعيد الآتي برقم (6520) في الرقاق، باب: يقبض الله الأرض يوم القيامة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تكون الأرض يوم القيامة خبزة .. ".

(2)

سيأتي برقم (6522) كتاب: الرقاق، باب: كيف الحشر.

(3)

رواه مسلم (2901) كتاب: الفتن، باب: في الآيات التي تكون قبل الساعة، من حديث حذيفة بن أُسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات" حتى قال: "وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم".

(4)

رواها ابن أبي شيبة 7/ 484 (37407) من طريق عبيد الله بن عمر عن كعب، قوله.

(5)

الترمذي (3142) وقال: هذا حديث حسن.

(6)

رواه بنحوه النسائي 4/ 115 - 116 من حديث أبي هريرة.

ص: 282

وللنسائي عن أبي ذر: "يحشرون ثلاثة أفواج: فوج راكبين طاعمين كاسين، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وفوج يمشون ويسعون"

(1)

.

ولابن الجوزي من حديث الضحاك عن ابن عباس: "إذا اجتمع أهل الجنة تحت شجرة طوبى، أرسل الله إليهم الحوت الذي قرار الأرض عليه، والثور الذي تحت الأرضين، فينطح الثور الحوت بقرنيه فيزكيه لأهل الجنة، فيأكلون فيجدون فيه ريح كل طيب، وطعم كل ثمرة".

وقال: "ثم يقول الله لأهل الجنة: إن لكل ضيف جزورًا وإني أجزركم اليوم .. " الحديث. قال: فكأنهم أعلموا أن الدنيا ذهبت وذهب ما كان يحملها، فلا رجوع إليها، وهذِه الدار هي دار الإقامة. وسيأتي لهذا تتمة في الرقاق.

فائدة:

أشراط الساعة: علاماتها، واحدها: شرط، يقال: أشرط للأمر إذا جعل نفسه علمًا فيه، وبه سمي أصحاب الشرط، للبسهم لباسًا يكون علامة لهم.

وقوله: "آنفًا" أي: الساعة، أي: في أقرب الأوقات إلى قوله.

وقوله: (اليهود قوم بهت) أي: كذابون ممارون ولا يرجعون إلى الحق.

الحديث الخامس:

حديث همام بن منبه، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ -يَعْنِي-:"لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُن أُنْثَى زَوْجَهَا".

(1)

النسائي 4/ 116 - 117.

ص: 283

ويأتي في أحاديث الأنبياء، وذكر الطرقي أنه أخرجه في التفسير.

ولم يذكر أبو مسعود أن مسلمًا أخرجه، وذكره خلف، قال الحميدي في حديث همام عن أبي هريرة: جعله أبو مسعود من أفراد البخاري وهمًا منه؛ لأن مسلمًا أخرجه في النكاح من حديث همام، عن أبي هريرة، وهو في مسلم عن محمد بن رافع، عن أبي هريرة، وأخرجه مسلم أيضًا من حديث أبي يونس -مولى أبي هريرة- عن أبي هريرة يرفعه:"لولا حواء لم تخن أنثى زوجها"

(1)

.

الشرح:

يقال: خِنز اللحم -بالكسر- يخنَز -بفتحها- خنَزًا: أنتن، وخزن يخزن على القلب مثل جبذ وجذب. قال ابن سيده: خنز اللحم والتمر والجوز، خنوزًا، فهو خَنِز وخَنَز: فسد، الفتح عن يعقوب

(2)

، وادعى القرطبي

(3)

أن خنَز بفتح النون في الماضي، وقد تكسر

(4)

.

فصل:

روى أبو نعيم في "الحلية" عن وهب بن منبه قال: وجدت في بعض الكتب عن الله تعالى: لولا أني كتبت الفناء على الميت لحبسه أهله في بيوتهم، ولولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنته الأغنياء عن الفقراء

(5)

.

(1)

"الجمع بين الصحيحين" 3/ 207 - 208.

(2)

"المحكم" 5/ 62.

(3)

ورد بهامش الأصل: ما ادعاه القرطبي رأيته في "أفعال ابن القطاع" وقدم بالفتح بضبط القلم على الكسر، كلاهما بالقلم، كذا رأيته في نسخة عندي في غاية الصحة.

(4)

"المفهم" 4/ 223.

(5)

"حلية الأولياء" 4/ 37 - 38.

ص: 284

فصل:

كان المَنُّ والسلوى يسقط علي بني إسرائيل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كسقوط الثلج، فيؤخذ منه بقدر ما يغني ذلك اليوم إلا يوم الجمعة، فإنهم يأخذون له وللسبت فإن قعدوا به (إلى)

(1)

أكثر من ذلك فسد ما ادخروا فكان ادخارهم فسادًا للأطعمة عليهم وعلى غيرهم، قاله قتادة، وقال بعضهم: لما نزلت المائدة عليهم أُمروا ألا يدخروا فادخروا. وقيل: يحتمل أن يكون من اعتدائهم في السبت.

فصل:

حواء بالمد سميت بذلك؛ لأنها أم كل حي، أو لأنها خلقت من ضلع آدم. القصيري الأيسر، وهو حي قبل دخوله الجنة وقيل: فيها. ومعنى خلقلت: أخرجت كما تخرج النخلة من النواة. ويحتمل كما قال القاضي: أن يكون قصد بهذا المثل. أي: (فهي)

(2)

كالضلع، يوضحه قوله في حديث أبي هريرة:"لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت وفيها عوج، فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها"

(3)

.

والعَوج: بالفتح في الأجسام المحسوسة، وبالكسر في المعاني، وقال ثعلب: هو عند العرب بكسر العين في كل ما لا يحاط به، وبفتحها في كل ما يتحصل، فيقال في الأرض عِوج، وفي الدين عِوج؛ لأن هؤلاء لا يتسعان ولا يدركان، وفي العصا عَوج، وفي السن عَوج؛ لأنهما يحاط بهما ويبلغ بكليهما.

(1)

من (ص 1).

(2)

في الأصل فهو. والمثبت من (ص 1).

(3)

رواه مسلم (1468/ 59) كتاب: الرضاع، باب: الوصية بالنساء.

ص: 285

فصل:

قوله: ("وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُتْثَى زَوْجَهَا") يريد أنها دعت آدم إلى الأكل من تلك (الشجرة)

(1)

وذكر الماوردي: إنها البر، وقيل: التين، وقيل: الكافور، وقيل: الكرم. وقيل: العلم، وهو علم كل شيء، وقيل: ما لم يعلم، وقيل: شجرة الخلد، التي كانت تأكل منها الملائكة.

الحديث السادس:

حديثه أيضًا: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَع، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ" ..

وأخرجه مسلم أيضًا. وقوله: "استوصوا": يحتمل أن يكون معناه: أوصوا بهن، وقد جاء استفعل بمعنى أفعل؛ قال تعالى:{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} [البقرة: 186]، وقال:{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا} [الشورى: 26] قال الشاعر:

فلم يستجبه عند ذاك مجيب.

ويحتمل أن يكون استفعل على أصله، وهو طلب الفعل، فيكون معناه: أطلبوا الوصية من المريض بالنساء؛ لأن عائد المريض يستحب له أن يحث المريض على الوصية. ذكرهما ابن الجوزي.

وخص النساء بالذكر؛ لضعفهن واحتياجهن إلى من يقوم بأمرهن، يعني: اقبلوا وصيتي فيهن، واعملوا بها واصبروا عليهن وارفقوا بهن وأحسنوا إليهن.

(1)

من هامش الأصل وعليها: لعله سقط.

ص: 286

قال الداودي: يريد بقوله: "وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه" يريد اللسان؛ لأنه في أعلاها، وهو غريب.

قال: وقوله: "إن ذهبت تقيمه كسرته" يعني: الطلاق. وأنكر ذلك عليه. كما قال ابن التين؛ فإن الحديث إنما ذكر فيه الضلع ولم يذكر النساء إلا بالتمثيل بالضلع.

والضلع الذي خلقت منه هي ضلع آدم اليسرى، والالتواء الذي في أخلاق النساء من ذلك؛ لأن الضلع عوجاء. قال: وقوله: "أعلاه" صوابه: أعلاها.

وكذا قوله: "لم يزل أعوج" صوابه: عوجاء؛ وذلك أن الضلع مؤنثة إلا أن ذلك يجوز على ما ذكر في المؤنث ليس بقدح، وقد يحتمل أن يعود "لم يزل أعوج" على أعلى الضلع. والضلع: بكسر الضاد وفتح

(1)

اللام، وقد تسكن أيضًا.

الحديث السابع:

حديث ابن مسعود: "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا .. " الحديث، وسلف قريبًا في باب ذكر الملائكة.

الحديث الثامن:

حديث أنس مثله، سلف في الطهارة في باب مخلقة وغير مخلقة.

الحديث التاسع:

حديثه أيضًا يرفعه: "أَنَّ الله يَقُولُ لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَدْ سَألتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هذا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي، فَأَبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ".

(1)

في الأصل: (وكسر)، وهو خطأ.

ص: 287

هذا الحديث سلف حكمه في الإيمان، وذكر خلف والمزي أن البخاري أخرجه في صفة النار، ومسلم في التوبة.

الحديث العاشر: حديث عبد الله: "لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابن آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا؛ لأّنهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ" ..

هذا الحديث يأتي في الديات والاعتصام، وأخرجه مسلم أيضًا. الكِفْل: بكسر الكاف وإسكان الفاء النصيب والجزء، وقال الخليل: الكفل من الأجر، والإثم: هو الضِعف

(1)

.

وفي التنزيل: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} [النساء: 85] وأما قوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد: 28] فلعله من تغليب الخير

(2)

.

وقوله: ("أول من سن القتل") جاز في الخير والشر كما في الصحيح: "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"

(3)

وهذا والله أعلم ما لم يتب ذلك الفاعل الأول من تلك المعصية؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له

(4)

.

(1)

"العين" 5/ 373.

(2)

في هامش (ص 1): كلاهما من جنس واحد فلا تغليب، تأمل.

(3)

رواه مسلم (1017) كتاب: الزكاة، باب: الحث على الصدقة، من حديث جرير بن عبد الله.

(4)

قوله: "التاتب من الذنب كمن لا ذنب له" رواه ابن ماجه (4250) من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه مرفوعًا، وقال السخاوي في "المقاصد" (313): رجاله ثقات، بل حسنه شيخنا يعني لشواهده، وإلا فأبو عبيدة جزم غير واحد بأنه لم يسمع من أبيه. وانظر "كشف الخفاء" 1/ 296 (944).

ص: 288

فصل:

ابن آدم المذكور هنا هو قابيل إذ قتل أخاه هابيل لما تنازعا في تزويج إقليما، وقصتهما مشهورة.

قال الطبري: وأهل العلم يختلفون في اسم القاتل فبعضهم يقول: هو قين بن آدم. وبعضهم يقول: هو قاين بن آدم، وبعضهم يقول: هو قابيل

(1)

.

واختلفوا أيضًا في سبب قتله هابيل: فقال عبد الله بن عمرو: إن الله أمر ابني آدم أدن يقربا قربانًا، وأن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه، وصاحب الحرث قرب شر حرثه، فتقبل الله قربان الأول.

وقال ابن عباس: كان من شأنهما أنه لم يكن مسكين يتصدق، وإنما كان القربان يقربه الرجل، فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا: لو قربنا قربانًا. فتقبل من أحدهما.

وقال الحسن: لم يكن الرجلان اللذان قال الله فيهما: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ} [المائدة: 27] كانا من بني إسرائيل ولم يكونا ابني آدم لصلبه، وإنما كان القربان في بني إسرائيل، وكان آدم أول من مات.

قال ابن جرير: وذكر لي أن في التوراةِ أن هابيل قتل وله عشرون سنة، وأن أخاه الذي قتله كان ابن خمس وعشرين سنة

(2)

.

وقال معاوية بن عمار فيما حكاه الثعلبي: سألت الصادق أكان آدم يزوج ابنته من ابنه فقال: معاذ الله، وإنما هو لما هبط إلى الأرض ولدت حواء بنتًا فسماها عناقا. وهي أول من بغى على وجه الأرض فسلط الله

(1)

"تاريخ الطبري" 1/ 88.

(2)

"تاريخ الطبري" 1/ 90 - 91.

ص: 289

عليها من قتلها فولد على أثرها قابيل فلما أدرك أظهر الله له جنية يقال لها: جمانة. وأوحى الله إليه: زوجها منه. فلما أدرك هابيل أهبط الله إليه من الجنة حوراء اسمها: بذلة وأوحى الله إليه أن زوجها منه، فعتب قابيل على أبيه وقال: أنا أسن منه وكنت أحق بها. قال: يا بني إن الله أوحى إلى بذلك، فقربا قربانًا. قال ابن عباس: فقبله عند نود، قال مرة: عند عقبة الجزاء، وقيل: عند المسجد الأعظم بالبصرة، وقال ابن عباس: من قال إن آدم قال شعرًا، فقد كذب على الله وعلى رسوله، إن الأنبياء كلهم في النهي سواء نبينا فمن قبله.

فائدة:

تفسير هابيل: هبة الله، كما قاله السهيلي، فلما قتل وولد شيث سماه بذلك، ومعناه: عطية الله بدلاً من الهبة.

وفي "تاريخ ابن واصل" الذي على السنن: ذكر بعض المؤرخين أن المقتول قابيل بن آدم، واشتق اسمه من قبول قربانه.

ص: 290

‌2 - باب الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ

3336 -

قَالَ: قَالَ اللَّيْثُ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا. [مسلم: 2638 - فتح 6/ 369]

وقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الأَرْوَاحُ جُنُود مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ". وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى ابْنُ سَعِيدٍ بهذا.

هذا التعليق: رواه الإسماعيلي عن عبد الله بن صالح، ثنا محمد بن إسماعيل -وليس بالبخاري- ثنا عبد الله بن صالح، ثنا الليث به.

ثم ساق حديث يحيى بن أيوب من حديث سعيد بن الحكم بن أبي مريم، قال: ثنا يحيى فذكره قال: كانت بمكة امرأة مزاحة فنزلت على امرأة مثلها فبلغ ذلك عائشة فقالت: صدق حبيبي؛ سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: "الأرواح جنود مجندة .. " الحديث.

وفي "اعتلال القلوب" أن المزاحة كانت بمكة وأنها لما قدمت المدينة نزلت على امرأة مثلها مزاحة، فذكرت ذلك عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"سبحان الله، الأرواح جنود مجندة .. " الحديث.

قال الإسماعيلي: ابن صالح ليس من شرط الكتاب. وكذا يحيى بن أيوب المصري هو عنده ممن لا يخرجه في هذا الكتاب في الرواية إلا استشهادًا. ثم جاء بهذا الحديث وهما روياه مرسلًا بلا خبر صار أقوى منه لو ذكرهما.

ص: 291

وبنحوه ذكره أبو نعيم. ثم قال: كلتا الروايتين ذكرهما مرسلًا بلا رواية. وأراه كان عنده عن أبي صالح عن الليث فكف عن ذكره.

ورواه مسلم في "صحيحه" من حديث سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا.

وقال ابن منده في "كتاب الأرواح": رواه إسماعيل الفروي عن علي الميهني، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة بزيادات.

ورواه أبو هلال المصري عن ابن وهب، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. ورواه أيضًا من حديث كثير بن هشام عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الاسم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ورواه جماعة عن جعفر منهم: المعافي عمر بن أيوب.

ومن حديث الحكم بن أبان عن عكرمة، عن ابن عباس.

ومن حديث عبد الأعلى بن أبي المساور عن عكرمة، عن الحارث بن عميرة، عن سلمان.

ومن حديث محمد بن أبي المهاجر عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود.

ومن حديث أبي هاشم الرماني عن زاذان، عن ابن عمر.

ومن حديث عبد الرحمن بن مغراء عن أزهر بن عبد الله الأزدي، عن ابن عجلان، عن سالم، عن أبيه، عن علي. ومن حديث دراج عن عيسى بن مالك، عن ابن عمر.

وقال الخطابي: هذا يتأول على وجهين:

أحدهما: أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير أو الشر والصلاح أو الفساد، فإن كل أحد يحن إلى شكله، ويؤيده ما أسلفناه.

ص: 292

الثاني: أنه إخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما روي في الأخبار: إن الله خلق الأرواح قبل الأجسام فكانت تلتقي فتشام كما تشام الخيل، فلما التبست بالأجسام تعارفت بالذكر الأول وصار كل منهما إنما يعرف وينكر ما سبق له من العهد القديم

(1)

.

وقال بعضهم: "جنود مجندة" أي: أجناس مجنسة، وقيل: جموع مجمعة، وهذا التعارف لأمر جعله الله عز وجل فيها وجبلها عليه، وأشبه ما فيه أن يكون تعارفها موافقة صفاتها التي هي خلقت عليها وتشابهها (في شيمها)

(2)

التي خلقت بها.

وقيل: لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها فمن وافق قسيمه ألفه، وما باعده نافره.

وفي هذا دليل على أن الأرواح ليست بأعراض، فإنها كانت موجودة قبل الأجسام، وأنها تبقى بعد فناء الأجسام، يؤيده أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر

(3)

.

فصل:

يستفاد من هذا الحديث -كما نبه عليه القرطبي- أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح يفتش على الموجب لها، فإنه ينكشف له فيتعين عليه أن يسعى في إزالة ذلك حتى يتخلص من ذلك الوصف المذموم وكذلك القول فيما إذا وجد من نفسه ميلًا لمن فيه شر وشبهة

(4)

.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1530 - 1531.

(2)

من (ص 1).

(3)

رواه مسلم (1887) كتاب: الإمارة، باب: بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، من حديث عبد الله بن مسعود.

(4)

"المفهم" 6/ 645 - 646.

ص: 293

وشاع في كلام الناس قولهم: المناسبة تؤلف بين الأشخاص والشكل يألف شكله، ولما نزل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الكوفة قال: يا أهل الكوفة قد علمنا خيركم من شريركم فقالوا: لم ذاك؟ قال: كان معنا ناس من الأخيار فنزلوا عند ناس فعلمنا أنهم من الأخيار، وكان معنا ناس من الأشرار فنزلوا عند ناس فعلمنا أنهم من الأشرار. وكان كما قال:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقارن يقتدي

فالأرواح إنما تتعارف بمن أبت طباعها، والإنسان يعرف بقرينه وتغيير حاله بالند وصحبه وقيل: لما خلق الله آدم أمر جبريل فأخذ من وجه الأرض جميعًا فكانت منه طينة آدم منها السهل والوعر والطيب والخبيث، وكل ذلك يرى في ولده في ألوانهم وأفعالهم وصفاتهم كما في الأرض ومنه سمي آدم؛ لأنه أخذ ترابه من أديم الأرض، فيؤالف كل أحد جنسه على حسب ما أخذ منه. وقد سلف هذا أيضًا.

ص: 294

‌3 - باب قَوْلِ الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [هود: 25]

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27]: مَا ظَهَرَ لَنَا {أَقْلِعِي} [هود: 44]: أَمْسِكِي. {وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود: 40]: نَبَعَ المَاءُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَجْهُ الأَرْضِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْجُودِيِّ} [هود: 44]: جَبَلٌ بالْجَزِيرَةِ. {دَأْبِ} [غافر: 31]: حَالٌ.

الشرح:

قال غير ابن عباس في (بادئ الرأي) معناه: اتبعوك في ظاهر الأمر وباطنهم على خلاف ذلك وقيل: ولم يفكروا في باطنه وعاقبته.

وأثر ابن عباس فيه: أخرجه ابن أبي حاتم عن العباس بن الوليد بن مزيد، أخبرني محمد بن شعيب: أخبرني عثمان بن عطاء عن أبيه به

(1)

.

وما ذكره في {أَقْلِعِي} ، رواه أيضًا عن أبيه ثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عنه

(2)

. ومعنى أمسكي: لا تمطري.

وقول عكرمة قاله ابن عباس قال: وكانت علامة بين نوح وربه [قيل له]

(3)

إذا رأيت الماء قد فار على وجه الأرض فاركب أنت وأصحابك السفينة

(4)

.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 2022 (10815).

(2)

المرجع السابق 6/ 2036 (10910) بلفظ: اسكني.

(3)

في الأصل، (ص 1):(إني)، والمثبت من مصادر التخريج.

(4)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 38 (18158)، وابن أبي حاتم 6/ 2029 (10858).

ص: 295

وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: وطلع الفجر

(1)

. كأنه يذهب إلى تنور الصبح. وكان مجاهد يقول: هو تنور الحائر.

وما ذكره عن مجاهد في {الْجُودِيِّ} رواه أيضًا من حديث ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه بزيادة: تشامخت الجبال يوم الغرق وتطاولت وتواضع هو لله، فلم يغرق فأرست عليه سفينة نوح

(2)

.

وسيأتي مطولًا في التفسير، وقال الضحاك: هو جبل بالموصل

(3)

. وقيل: هو جبل بناحية آمد.

فصل:

في اسم نوح -وهو: ابن لمك بن متوشلخ بن خنوخ -وهو إدريس- ابن يرد بن مهلائيل بن قينن -وهو الذي بني أنطاكية- بن آنش بن شيث بن آدم- قولان:

أحدهما: عبد الغفار، ذكره السهيلي: وسمي نوحًا؛ لكثرة نوحه

(4)

، ويقال: إن الله أوحى إليه كم تنوح؟ لكثرة بكائه فسمي نوحًا.

ثانيهما: يشكر، ورد في حديث ذكره أبو الفرج الأموي في "تاريخه": وكان بينه وبين إدريس ألف سنة، ذكره الطبري في "تاريخه" عن ابن عباس

(5)

.

وعن الحكم: كان بين نوح وآدم ثمانمائة سنة.

(1)

رواه الطبري 7/ 39 (18165).

(2)

"تفسير مجاهد" 1/ 304، ورواه أيضًا الطبري 7/ 48 (18212)، وابن أبي حاتم 6/ 2037 (10915).

(3)

رواه الطبري 7/ 48 (18218)، وابن أبي حاتم 6/ 2037 (10918).

(4)

"الروض الأنف" 1/ 13.

(5)

"تاريخ الطبري" 1/ 105.

ص: 296

قال الثعلبي: أرسله الله إلى ولد قابيل ومن تبعهم من ولد شيث وله خمسون سنة، ولما أمر باتخاذ السفينة قيل له: أغرس الساج فغرسه حتى أتي عليه أربعون سنة فلما أدرك صنع السفينة ثمانين ذراعًا وعرضها خمسين وسمكها في السماء ثلاثون. والذراع إلى المنكب.

وعن ابن عباس: طولها ستمائة ذراع وستون ذراعًا، وعرضها ثلاثمائة وثلاثون ذراعًا، وسمكها ثلاثة وثلاثون ذراعًا.

وعن وهب: كان نجارًا، إلى الأدمة ما هو، رقيق الوجه، في رأسه طول، عظيم العينين، غليظ المنصوص، دقيق الساقين، طويل اللحية، وأرسل الطوفان على قومه في سنة ثمانمائة من عمره ولبث في السفينة مائة وخمسين يومًا.

وفي "الوشاح " أسماء كنائن

(1)

نوح عليه السلام: اسم امرأة سام: محلث مريوا، وامرأة حام: أرنث منشا، وامرأة (رايث)

(2)

: زدقث نتث.

وفي الترمذي من حديث سمرة، وقال حسن مرفوعًا:"سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم"

(3)

.

(1)

الكَنَّةُ: امرأة الابن، وجمعها: كنائن "مختار الصحاح" ص 242 مادة (كنن).

(2)

في حاشية الأصل: الظاهر أو البت: يافث.

(3)

الترمذي (3231)، (3931) من طريق قتادة، عن الحسن، عن سمرة، وقال: هذا حديث حسن.

ص: 297

-‌

‌ باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1)} [نوح: 1] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي} إِلَى قَولِهِ: {مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 71 - 72]

3337 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَالِمٌ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِ النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ:«إِنِّي لأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» . [انظر: 3057 - مسلم: 169 - فتح 6/ 370]

3338 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً عَنِ الدَّجَّالِ مَا حَدَّثَ بِهِ نَبِيٌّ قَوْمَهُ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ بِمِثَالِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَالَّتِى يَقُولُ: إِنَّهَا الجَنَّةُ. هِيَ النَّارُ، وَإِنِّي أُنْذِرُكُمْ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ» . [مسلم: 2936 - فتح 6/ 370]

3339 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ فَيَقُولُ الله تَعَالَى: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ. فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ. فَيَقُولُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتُهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَهْوَ قَوْلُهُ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] وَالْوَسَطُ: العَدْلُ» . [7349،4487 - فتح 6/ 371]

ص: 298

3340 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي دَعْوَةٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً وَقَالَ:«أَنَا سَيِّدُ القَوْمِ يَوْمَ القِيَامَةِ، هَلْ تَدْرُونَ بِمَنْ يَجْمَعُ الله الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِى، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَلَا تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ؟ إِلَى مَا بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَبُوكُمْ آدَمُ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الجَنَّةَ، أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَسَمَّاكَ الله عَبْدًا شَكُورًا، أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا؟ أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِي نَفْسِي، ائْتُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَيَأْتُونِي، فَأَسْجُدُ تَحْتَ العَرْشِ فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ: لَا أَحْفَظُ سَائِرَهُ. [3361، 4712 - مسلم: 194 - فتح 6/ 371]

3341 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ:({فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ})[القمر: 15]: مِثْلَ قِرَاءَةِ العَامَّةِ. [3345، 3376، 4869، 4871،4870، 4872،

4873، 4874 - مسلم: 823 - فتح 6/ 371]

ص: 299

ثم ذكر فيه خمسة أحاديث:

أحدها:

الزُّهْرِيِّ، قَال سَالِمٌ: وَقَال ابن عُمَرَ: قَامَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم (في الحديث)

(1)

، ذكر الدَّجَّالِ.

وأخرجه مسلم أيضًا، وسلف حديث سالم عن ابن عمر في قصة ابن صياد بطولها في أثناء الجنائز

(2)

.

وذكر بعده: حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الدجال أيضًا، في الأول:"لقد أنذر نوح قومه" وفي الثاني: "وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه".

الحديث الثالث:

حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ. فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ. فيَقُولُ لِنُوحِ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: محَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتُهُ. فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَهْوَ قَوْلُهُ عز وجل:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] وَالْوَسَطُ: العَدْلُ.

الشرح:

قولهم: ("ما جاءنا من نبي") وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} [يس: 65] فهي مواطن ينطقون مرة ويسكتون أخرى، وذكر غيره باقي الحديث قال: فيقولون: كيف تشهد علينا أمة محمد ونحن أول الأمم، وهم آخرهم؟ فيقولون: نشهد أن الله بعث إلينا رسولاً

(1)

من (ص 1).

(2)

سلف برقم (1354) باب: إذا أسلم الصبي فمات.

ص: 300

وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل إلينا خبركم

(1)

.

الحديث الرابع: حديث أبي حيان -بالمثناة تحت- يحيى بن سعيد بن حيان عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، هرم بن عمرو بن جرير عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي دَعْوَةٍ، فَرُفِعَت إِلَيْهِ الذِّرَاعُ -وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ- فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً وَقَالَ:"أَنَا سَيِّدُ الناس يَوْمَ القِيَامَةِ، هَلْ تَدْرُونَ .. " الحديث بطوله، ويأتي في التفسير أيضًا.

والكلام عليه من وجوه:

أحدها:

قوله: (فرفعت). كذا في الأصول

(2)

، وذكره ابن التين بلفظ: فرفع، ثم قال: والصواب رفعت إلا أنه جائز على ما تقدم في المؤنث الذي لا فرج له أنه يجوز تذكيره.

والذراع: مؤنثة، ولذلك قال: وكانت تعجبه قال: وهذا على ما في بعض النسخ بضم الذراع، وأما بنصبها فهو بين، ويكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رافعها، وتقرأ: فرفع بنصب الراء وهذا لا يحتاج إليه؛ أما أولاً: فلأن الذي في أصولنا: فرفعت. وأما ثانيًا: فقد أسلفنا أن اللغويين جميعهم على تأنيث الذراع وتذكيره إلا سيبويه، فإنه لا يرى فيه إلا التأنيث.

ثانيها:

قوله: (وكانت تعجبه) إعجابه بها، ومحبته لها؛ لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها وبعدها عن مواضع الأذى.

(1)

رواه بنحوه البيهقي في "الشعب" 1/ 248 (265).

(2)

رواية المصنف للصحيح هنا (فَرُفِعَتْ) وهي رواية أبي الوقت والذي في اليونينية: (فَرُفِعَ) وهي الذي ذكر المصنف أن ابن التين ذكرها ولم يشر اليونيني رحمه الله إلى أي خلاف فيها.

ص: 301

وفي الترمذي: عن عائشة رضي الله عنها، ما كان الذراع أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كان لا يجد اللحم إلا غبًا. فكانت تعجل إليه؛ لأنها أسرعها نضجًا

(1)

.

ثالثها:

قوله: (فنهس). أكثر الرواة على إهمالها، وفي رواية ابن ماهان وأبي ذر: بالإعجام.

(2)

وكلاهما صحيح، فمعنى المهملة: الأخذ بأطراف الأسنان، والمعجمة: بالأضراس. قال القزاز: النهس: أخذ اللحم بالأسنان، وقيل: هو القبض على اللحم ونثره عند أكله. قال الأصمعي: هما واحد، وهو أخذ اللحم بالفم. وخالفه أبو زيد فقال ما أسلفناه، وقال الداودي: نهس منه نهسة: أخذ منها بفيه.

رابعها:

قوله: ("أنا سيد الناس يوم القيامة") أي: الذي يفوق قومه ويفزع إليه في الشدائد، وخص يوم القيامة؛ لارتفاع سؤدده فيه وتسليم جميعهم له، وليكون آدم وجميع ولده تحت لوائه، ذكره عياض

(3)

.

وقد أسلفنا الجمع بين هذا وبين قوله: "لا تخيروا بين الأنبياء". وقوله: "لا تفضلوني على يونس". بأوجه:

ومنها: أنه كان قبل إعلامه بسيادة ولد آدم والفضائل لا تنسخ إجماعًا فتعينت القبلية وبه جزم ابن التين هنا.

وزعم بعضهم أن النهي عن تفضيله على يونس أن التفضيل لشخص يقتضي تنقيص الآخر، كأنه قال: قولوا ما قيل لكم ولا تفضلوا برأيكم،

(1)

الترمذي (1838) وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

(2)

راجع هامش اليونينية الموضع السابق.

(3)

"إكمال المعلم" 1/ 582.

ص: 302

وليس المراد أنكم لا تعتقدوا تفضيل شخص على شخص، فقد قال تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253].

ومنها: أن تفضيله عليه في صبره ومعاناة قومه، فإن نبينا فضل الأنبياء بموهبة من الله.

ومنها: أنه من باب التواضع، أو يقال أن السيادة: المتقدم، فكأنه أشار بتقدمه في القيامة بالشفاعة على الخلق ولم يتعرض لذكر فضل.

ومنها: أن المنع في ذات النبوة والرسالة، فإن الأنبياء فيها على حد واحد؛ إذ هي شيء واحد لا يتفاضل، وإنما التفاضل في زيادة الأحوال والكرامات والرتب والألطاف.

وقال بعضهم: التفضيل المراد لهم هنا في الدنيا، وذلك بثلاثة أحوال: أن تكون آياته ومعجزاته أبهر وأشهر، أو تكون أمته أزكى وأطهر، أو يكون في ذاته أفضل وأظهر.

وفي أبي داود من حديث عبد الله بن جعفر: "ما ينبغي لنبي أن يقول: أنا خير من يونس بن متى"

(1)

.

والضمير في أنا، هل هو عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى القائل؟ أي: لا يقول ذلك بعض الجاهلين من المتعبدين في عبادة أو علم، فإنه لو بلغ من الفضائل ما بلغ، لم يبلغ درجة من درجات النبوة.

خامسها:

قوله: ("فيبصرهم الناظر"). كذا هنا، وجاء:"فينفذهم البصر"

(2)

: بفتح الياء وبذال معجمة على الأكثر، وروي بضم الياء قال أبو عبيدة:

(1)

أبو داود (4670) بلفظ: "إني خير".

(2)

سيأتي برقم (3361) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب:{يَزِفُّونَ} .

ص: 303

معناه: ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم.

قلت: هو كناية عن استيعابهم بالعلم، والله تعالى لا يخفى عليه شيء والصواب قول من قال: بصر الناظر من الخلق. وعن أبي حاتم: إنما هو بدال مهملة أي: يبلغ أولهم وآخرهم. قاله ابن الأثير

(1)

. والصحيح فتح الياء مع الإعجام.

والصعيد: وجه الأرض، وهي يومئذٍ مستوية لا عوج فيها ولا أمتا، ويجعل الله في أبصارهم ما ينفذون به أبصارهم، وفي أصواتهم ما يسمعون جميعهم.

قوله: "إلى ما بلغنا" الصحيح فتح غينه؛ لأنه تقدم: "ما بلغكم". ولو كان بسكونها لقال: بلغهم. وضبطه بعض المتأخرين بالسكون، وله وجه.

سادسها:

فيه: بعث آدم إلى نوح، ونوح إلى نبينا، قال محمد بن عبيد: لا أحفظ سائره. قال ابن التين: وقول نوح "ائتوا النبي" وهم، إنما دلهم على إبراهيم، وإبراهيم على موسى، وموسى على عيسى، وعيسى على نبينا.

وجاء أن إبراهيم ذكر ثلاث كذبات وفي مسلم رابعا وهو: قوله للكوكب

(2)

. ولم يعدها من أولئك؛ لأنه قالها حين الطفولية، وضعفه القرطبي؛ لأن الله خص الأنبياء بسلامة الفطرة والحماية عن الجهل بالله من أول نشأتهم وإلى تناهي أمرهم.

(1)

"النهاية في غريب الحديث" 5/ 91.

(2)

مسلم (194/ 328) كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة.

ص: 304

وقيل: إنه قال ذلك لقوله على جهة الاستفهام الذي يقصد به التوبيخ لهم والإنكار عليهم. وحذفت همزة الاستفهام اتساعًا.

وقيل: إنه قال ذلك على طريق الاحتجاج على قومه تنبيهًا على أن ما يتغير لا يصلح للربوبية

(1)

.

ومعنى الحديث كما قال ابن الأنباري: قلت قولًا يشبه الكذب في ظاهر القول وهو صدق عند البحث؛ وذلك أنه لا يجوز ذلك على الأنبياء بحال، واستعير هنا ذكر الكذب؛ لأنه بصورته، فسماه كذبًا مجازًا.

وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]. أي: سأسقم، كقولك: إِنَّكَ مَيِّتٌ أي: ستموت، أو سقيم بما قدر عليه من الموت.

ويحتمل -كما قال القرطبي- أنه يريد سقيم الحجة عن الخروج معكم؛ إذ لا يصح على ذلك حجة على جوازه

(2)

.

فاعتذر عما دعوه إليه حتى يخلوا بالأصنام فيكسرها.

وقيل: كانت تأخذه الحمى في ذلك الوقت ولو كان الذي قاله لا تورية فيه لكان جائزًا في دفع الظالم، وقد اتفق العلماء على أنه لو جاء ظالم يطلب إنسانًا مختفيًا ليقتله، أو يطلب وديعة لإنسان ليأخذها غصبًا وسأل عن ذلك، وجب على من علم ذلك إخفاؤه وهو كذب جائز بل واجب.

وفي حديث آخر عند البخاري: "اثنتين في ذات الله، وواحدة في شأن سارة"

(3)

وهو أيضًا في ذات الله كما قال بعضهم؛ لأنها سبب دفع كافر

(1)

"المفهم" 1/ 431 - 432.

(2)

"المفهم" 1/ 433.

(3)

هذا لفظ رواية مسلم (2371) كتاب: الفضائل، باب: من فضائل إبراهيم عليه السلام، وسيأتي بنحوه برقم (3358).

ص: 305

عن مواقعة فاحشة وصيانة لقرابته.

وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ} [الأنبياء: 63] قال الكسائي: يقف عند قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}

(1)

.

قال ابن قتيبة: معناه إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم

(2)

.

وقوله للجبار المجوسي: (أختي) لأن مذهبهم أن الأخت إذا كانت زوجة، كان أخوها الذي هو زوجها أحق بها من غيره، وقيل: كان من مذهب الجبار أن من له زوجة لا يجوز أن تتزوج إلا أن يقتل الزوج فاتقاه إبراهيم بهذا القول، وقد أسلفنا الكلام في ذلك وذكرناه هنا للبعد عنه.

سابعها:

قوله لنوح: ("أنت أول الرسل إلى أهل الأرض") قال الداودي: هذا هو الصحيح، قال: وروي أن آدم نبي مرسل، وروي في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

، وقيل: هو نبي وليس برسول، وقيل: رسول وليس بنبي.

قلت: ولا يصح؛ لأن من لازم الرسالة النبوة، وذكر أن شيث رسول الله.

قال: والصحيح ما ههنا، والنساب يقولون: إن إدريس جد نوح

(1)

هكذا هنا، وقال النووي في "شرح مسلم" 15/ 125: وقال الكسائي: يوقف عند قوله {بَلْ فَعَلَهُ} أي فعله فاعله، فأضمر، ثم يبتدئ فيقول {كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ} عن ذلك الفاعل. وانظر "الفتح" 6/ 392.

(2)

"تأويل مشكل القرآن" ص 268.

(3)

رواه ابن حبان في "صحيحه" 2/ 76 - 77 (361) من حديث طويل لأبي ذر، وفيه: قلتُ يا رسول الله من كان أولهم؟ قال: "آدم"، قلتُ: يا رسول الله أنبي مرسل؟ قال: "نعم .. ".

ص: 306

أبو أبيه، وعن عبد الله بن مسعود وابن عباس رضي الله عنه: إن إلياس هو إدريس.

وفي حديث الإسراء أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح

(1)

، فلو كان جد نوح لقال: مرحبًا بالولد الصالح. كقول آدم وإبراهيم.

وقال ابن جرير في "تاريخه": من زعم أن الله تعالى ابتعث إدريس إلى جميع أهل الأرض في زمانه، وجمع له علم الماضين، وأن الله تعالى زاده مع ذلك ثلاثين صحيفة، وذلك قول الله:{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} قال: يعني بالصحف الأولى، الصحف التي أنزلت على ابن آدم شيث، وإدريس

(2)

.

وذكر ابن عباس -فيما حكاه عياض-: إذا دخل أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة فيبقى آخر زمرة من الجنة وآخر زمرة من النار، فتقول زمرة النار لزمرة الجنة: ما نفعكم إيمانكم، فيدعون ربهم ويضجون، فيسمعهم أهل الجنة، فيسألون آدم وغيره بعده في الشفاعة لهم، فكل يعتذر حتى يأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فيشفع لهم، فذلك المقام المحمود، ونحوه أيضًا عن ابن مسعود ومجاهد، وذكره علي بن الحسين [عن]

(3)

رسول الله صلى الله عليه وسلم

(4)

.

وذكر الغزالي أن من إتيانهم من آدم إلى نوح ألف سنة، وكذا بين كل نبي حتى يأتوا نبينا، قال: والرسل يوم القيامة على منابر، والعلماء العاملون على كراسي، وهؤلاء هم الذين يطلبون من آدم فمن بعده الشفاعة.

(1)

سيأتي قريبًا برقم (3342) من حديث أبي ذر.

(2)

"تاريخ الطبري" 1/ 107.

(3)

ساقطة من الأصل.

(4)

"الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم" 1/ 218 - 219.

ص: 307

وقال ابن برجان

(1)

في "إرشاده": يليهم رؤساء أهل المحشر طلب من يشفع لهم وهم العلماء وهم رؤساء أتباع الرسل.

وأما حديث أبي الزعراء عن ابن مسعود: ويشفع نبيكم رابع أربعة جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم

(2)

فقال البخاري: أبو الزعراء لا يتابع عليه، والمشهور والمعروف أن نبينا أول شافع

(3)

.

فائدة:

قوله: ("إن ربي غضب غضبًا") ليس على الحقيقة وإنما هو عبارة عن المخاوف التي تحضر إليه وبرغبون بها

(4)

.

الحديث الخامس:

حديث أبي أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم، عن سفيان، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ:{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} مثل قراءة العامة، ويأتي في أحاديث الأنبياء أيضأوالتفسير، وهذا قد بينه أبو داود فقال: بضم الميم وفتح الدال وكسر الكاف

(5)

.

وقال الفراء في "معانيه" المعنى: مذتكر هاذا قلت مفتعل فيما أوله ذال صارت الذال وتاء الافتعال دالاً مشددة. قال: وبعض بني أسد

(1)

هو أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن اللخمي الإشبيلي. انظر: "سير الأعلام" 22/ 334، "كشف الظنون" 1/ 69.

(2)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 7/ 510 - 512 (37626) من طريق سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله بن مسعود.

(3)

"التاربخ الكبير" 5/ 221 (720).

(4)

سيأتي الكلام عن إثبات صفة الغضب في كتاب التوحيد.

(5)

أبو داود (3994).

ص: 308

يقولون: مذّكر. (يقلبون الدال)

(1)

فتصير ذالًا مشددة. وحدثني الكسائي عن إسرائيل، والعزرمي، عن أبي إسحاق، عن الأسود قال: قلت لعبد الله: فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ أو مدكر؟ فقال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم {مُدَّكِرٍ} بالدال

(2)

.

وقال الداودي: أدغمت التاء في الدال. واعترضه ابن التين فقال: ليس كما ذكر، وإنما أصله مذَّكر بذال معجمة، فاجتمع حرفان متقاربان في المخرج والأول ساكن وألفينا الثاني حرفًا مهموسًا، فأبدلناه بحرف مجهور يقاربه في المخرج وهو الدال غير معجمة، ثم قلبت الذال دالًا وأدغمت في الدال التي هي غير معجمة.

(1)

في "معاني القرآن": فيُغَلبُون الذال.

(2)

"معاني القرآن" 3/ 107.

ص: 309

‌4 - باب {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124)} إلى قوله {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)} [الصافات: 123 - 129]

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: يُذْكَرُ بِخَيْرٍ ({سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)}) [الصافات: 130 - 132]. يُذكَرُ عَنِ ابن مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَن إِلْيَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ.

الشرح:

قال ابن إسحاق: هو إلياس بن تسبي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.

وقال بعض أهل العلم: بعثه الله إلى بني إسرائيل بعد مهلك حزقيل. وقال وهب: إن الله لما قبض حزقيل، وعظم في بني إسرائيل الأحداث، ونسوا ما كان من عهد الله إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها فبعث الله إليهم إلياس رسولاً.

وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل من بعد موسى يبعثون بتجديد ما نسوا من التوراة، فكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل اسمه أحاب، وله امرأة اسمها إزبل، وكان يسمع منه ويصدقه، وكان بنو إسرائيل قد اتخذوا صنمًا يقال له بعل.

قال ابن إسحاق: وسمعت بعض أهل العلم يقول: ما كان بعل إلا امرأة يعبدونها من دون الله، فجعل إلياس يدعوهم إلى الله، وهم لا يسمعون منه شيئًا إلا ما كان من ذلك الملك، ثم أنه قال يومًا

ص: 310

لإلياس: والله ما أدري ما تدعو إليه إلا باطلاً، والله ما أدري فلانًا وفلانًا -فعدد ملوكًا مثله من ملوك بني إسرائيل متفرقين بالشام يعبدون الأوثان- إلا على مثل ما نحن عليه يأكلون ويشربون، ملوكًا ما نقص دنياهم.

فيزعمون أن إلياس استرجع ثم رفضه وخرج عنه، وفعل ذلك الملك فعل أصحابه من عبادة الأوثان، فقال إلياس: اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر، فُذكِرَ لي أنه أوحي إليه أنا جعلنا أمر أرزاقهم بيدك حتى تكون أنت الذي تأذن لهم في ذلك، فقال إلياس: اللهم أمسك عنهم المطر، فحبس عنهم ثلاث سنين حتى هلكت المواشي والهوام والشجر، ولما دعا عليهم استخفى شفقًا على نفسه منهم فكان حيثما كان وُضِع له رزق، فكانوا إذا وجدوا ريح الخبز في مكان قالوا: لقد دخل إلياس هذا المكان (فيطلبوه)

(1)

، ويلقى أهل ذلك المنزل منهم شرًا، ثم أنه استأذن الله في الدعاء لهم فأذن له، فجاءهم وقال: إن كنتم تجيبون، إن الذي أدعوكم إليه هو الحق وإنكم على باطل فأخرجوا أوثانكم وما تعبدون واجأروا إليهم فإن استجابوا لكم فهي كما تقولون، وإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم ما أنتم عليه، ودعوت الله يفرج عنكم ما أنتم فيه، قالوا: أنصفت، فخرجوا بأوثانهم فدعوها فلم تستجب لهم فعرفوا ما هم عليه من الضلالة، ثم سألوا إلياس الدعاء فدعا ربه، قال: فمطروا لساعتهم فحيت بلادهم فلم ينزعوا ولم يرجعوا وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه، فدعى الله

أن يقبضه فكساه الريش وألبسه النور، وقطع عليه لذة المطعم والمشرب، فكان إنسيًا ملكًا أرضيًا سمائيًا يطير مع الملائكة.

(1)

في الأصل عليها: (كذا)، وفي الحاشية: الجادة: فيطلبونه.

ص: 311

وذكر الحاكم حديثًا صحح إسناده عن أنس أنه اجتمع مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض السفرات

(1)

، وخالفه ابن الجوزي في تصحيحه

(2)

.

فصل:

ما ذكره عن ابن مسعود وابن عباس روى الأول عبد بن حميد في "تفسيره" من حديث أبي إسحاق عن عبيدة بن ربيعة عنه به، والثاني: ذكره جويبر عن الضحاك عنه.

فصل:

قال أبو جعفر: اختلف القراء في {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)} فعامة قراء مكة والبصرة والكوفة (إلياسين) بكسر الألف

(3)

، وكان بعضهم يقول: هو اسم إلياس ويقول: إنه كان يسمى باسمين إلياس وإلياسين مثل: إبراهيم إبراهام. ويستشهدون بأن جميع ما في السورة من قوله {سَلَامٌ} إنما هو سلام على النبي الذي ذكر دون آله، فكذلك إلياسين إنما هو سلام على إلياس دون آله.

(1)

"المستدرك" 2/ 617 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: بل موضوع، قبح اللهُ من وضعه، ما كنت أحسب ولا أجوز أن الجهل يبلغ بالحاكم إلى أن يصحح هذا، وإسناده: حدثنا أحمد بن سعيد المعداني، ثنا عبد الله بن محمود، ثنا عبدان بن سيار، ثنا أحمد بن عبد الله البرقي، ثنا يزيد البلوي، فإما هذا افتراه، وإما ابن سيار. ا. هـ كلام الذهبي.

(2)

"الموضوعات" 1/ 318 - 319 (408) من طريق آخر غير طريق الحاكم، وقال: هذا حديث موضوع، لا أصل له.

(3)

قوله: {إِلْ يَاسِينَ} قرأه نافع وابن عمر بالمد في (إل) وفتح الهمزة وكسر اللام، وقرأ الباقون بغير مد، وإسكان اللام، وكسر الهمزة. انظر:"الحجة" 6/ 59، "الكشف عن وجوه القراءات" 2/ 227.

ص: 312

وكان بعض أهل العربية يقول: إلياس اسم عبراني والألف واللام منه، ويقول: لو جعلته عربيًا من [الإلسى]

(1)

فتجعله إفعالًا [مثل]

(2)

الإخراج والإدخال، ويقول: قد: سلم على إلياسين، فجعله بالنون، والعجمي من الأسماء قد يفعل به العرب هذا، وهي في بني أسد تقول: هذا إسمعين قد جاء وسائر العرب باللام، وإن شئت ذهبت بإلياسين إلى أن تجعله جميعًا فتجعل أصحابه داخلين في اسمه كما تقول لقوم رئيسهم المهلب: جاءتكم المهالبة والمهلبون، فيكون بمنزلة قولهم الأشعرين بالتخفيف.

وعامة قراء المدينة (آل ياسين) بقطع آل من ياسين، وعن بعضهم أنه كان يقرأ:(الياس) بترك الهمز في ألف إلياس ويجعل الألف واللام داخلين على ياس للتعريف، ويقولون إنما كان اسمه ياس أدخلت عليه ألف ولام. وقال السدي:{سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)} .

وفي قراءة عبد الله: (إدراسين)؛ لأن عبد الله كان يقول: إلياس هو إدريس. دلالة واضحة على خطأ من قال: عني بذلك سلام على آل محمد، وفساد قراءة من قرأ:(وإن الياس) بوصل النون من إن بإلياس

(3)

.

(1)

في الأصول: الألسن، والمثبت من "تفسير الطبري".

(2)

في الأصول: من، والمثبت من "تفسير الطبري".

(3)

"تفسير الطبري" 10/ 523 - 524.

ص: 313

‌5 - باب ذِكْرِ إِدْرِيسَ عليه السلام: وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)} [مريم: 57]

3342 -

قَالَ عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ح.

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِى، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ. قَالَ: مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: مَعِيَ مُحَمَّدٌ. قَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَافْتَحْ. فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ إِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ، حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ. فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ» . قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ إِدْرِيسَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُثْبِتْ لِي كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ. وَقَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِإِدْرِيسَ. قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عِيسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ:

ص: 314

هَذَا إِبْرَاهِيمُ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَيَّةَ

(1)

الأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولَانِ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوَى أَسْمَعُ صَرِيفَ الأَقْلَامِ» . قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنهما: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَفَرَضَ الله عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: مَا الذِي فُرِضَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ: فَرَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. فَرَجَعْتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهْيَ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى السِّدْرَةَ المُنْتَهَى، فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ {الجَنَّةَ} فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ» . [انظر: 349 - مسلم: 163 - فتح 6/ 374]

ثم ساق حديث ابن شِهَاب قَالَ: قَالَ أَنَس رضي الله عنه: كَانَ أَبُو ذَر رضي الله عنه يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ" .. الحديث بطوله، هذا الحديث سلف في كتاب الصلاة واضحًا، وسلف الكلام على الإسراء قريبًا، وذكر هنا أن إبراهيم في السادسة، وسلف قبل هذا أنه في السابعة من حديث أنس عن مالك بن صعصعة.

وقوله: "ثم مررت بموسى ثم بعيسى" المشهور أن عيسى في الثانية وكذا يحيى كما سلف في الحديث المشار إليه وقد سلف تفسير (ورفعناه مكانًا عليًا)، وروى ابن وهب أنه كان يعمل مثل عمل جميع

(1)

في هامش "اليونينية": حَبَّة. قال القسطلاني: وهو الصواب.

ص: 315

(أهل)

(1)

الأرض يعني يومئذٍ، وقد أسلفنا الكلام على إدريس في كتاب الصلاة.

قال وهب فيما حكاه ابن قتيبة: كان طوالاً، ضخم البطن والصدر، قليل شعر الجسد، كثير شعر الرأس، وكانت إحدى أذنيه أكبر من الأخرى، وكانت في جسده نكتة بيضاء من غير برص، وكان رقيق الصوت والمنطق، قريب الخطو، واستجاب له (ألفا)

(2)

إنسان ممن كان يدعوهم فلما رفعه الله اختلفوا بعده، وأحدثوا الأحداث، ورفع وهو ابن ثلاثمائة سنة وخمس وستين سنة

(3)

.

وقد أسلفنا هذا أيضًا هناك.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما فيما حكاه الطبري في "تاريخه": كان بينه وبين نوح ألف سنة

(4)

.

وخط بالقلم بعد آدم وتنبأ وقد مضى من عمر آدم ستمائة سنة واثنتان وعشرون سنة، وأنزلت عليه ثلاثون صحيفة.

وهو أول من سبى من ولد قابيل واسترق منهم، ودعا خنوخ قومه وأمرهم بطاعة الله فلم يقبلوا منه.

وحديث أبي ذر مرفوعًا: "أربعة من المرسلين سريانيون: آدم وشيث وخَنوَخ وهو أول من خط بالقلم"

(5)

. وسلف هناك.

(1)

من (ص 1).

(2)

هكذا في الأصل، (ص 1)، وفي "المعارف": ألف.

(3)

"المعارف" ص 20 - 21.

(4)

"تاريخ الطبري" 1/ 111.

(5)

"تاريخ الطبري" 1/ 106 - 107، وحديث أبي ذر رواه أيضًا ابن حبان في "صحيحه"(361)، وقد تقدم تخريجه.

ص: 316

وروى ابن أبي شيبة عن عكرمة قال: سألت كعبًا عن رفع إدريس فقال: كان عبدًا تقيًا يرفع له من العمل الصالح ما يرفع لأهل الأرض في زمانه، فعجب الملك الذي كان يصعد بعمله، فقال: رب ائذن لي أزوره، فلما جاءه قال: يا إدريس أبشر فإنه يرفع لك من العمل الصالح ما يرفع لأهل الأرض، فسأله أن يشفع له عند ملك الموت في تأخير أجله ليزداد عبادة، فقال الملك: إن الله لا يؤخر نفسًا إذا جاء أجلها، قال: قد علمت ولكنه أطيب لنفسي، فصعد به الملك وسأل ملك الموت في أمره، فنظر في كتاب معه فقال: والله ما بقي من أجل إدريس شيء، فمات مكانه وهو في السماء الرابعة

(1)

.

ولا يلزم من هذا كون غيره أرفع مكانًا منه؛ لأنه لم يذكر أنه أعلى من كل أحد. وادعى بعضهم أنه لم يرفع إلى السماء من هو حي غيره وينتقض بعيسى.

(1)

"مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 344 (31874)، وفيه: عن عكرمة عن ابن عباس ..

ص: 317

‌6 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] وَقَوْلِه: {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف: 21 - 25]

فِيهِ: عَنْ عَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

يريد بحديث عطاء ما قدمه عنه مسندًا في كتاب بدء الخلق

(1)

، وبحديث سليمان بن يسار ما ذكره في سورة الأحقاف مسندًا ويأتي

(2)

.

قال ابن عرفة: كانت منازل قوم عاد في الرمال وهي: الأحقاف، ويقال للرمل إذا عظم واستدار: حقف. وقال الأزهري: هي رمال مستطيلة بناحية شحر

(3)

، قال غيره: والحقف عند أهل اللغة: الرمل المنحني، وجمعه: أحقاف.

فائدة:

قال ابن هشام: هود اسمه عابر ويقال: عيبر بن أرفخشذ، ويقال: النخشد، ويقال: الفخشد بن سام بن نوح. وقال قتادة فيما ذكره عبد بن حميد: كانت عاد أحياء باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشحر.

وقال ابن قتيبة: هود هو (ابن)

(4)

عبد الله بن رياح بن محارب ابن

(1)

سلف برقم (3206) باب: ما جاء في قوله {وَهُوَ الذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا} .

(2)

سيأتي برقم (4829) باب: قوله {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا} .

(3)

انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 875 مادة [حقف].

(4)

من (ص 1).

ص: 318

عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وكان أشبه ولد (آدم بآدم)

(1)

خلا يوسف. وكانت عاد ثلاثة عشر قبيلة، ينزلون الرمل، وبلادهم أخصب بلاد وديارهم بالدو والدهناء وعالج وَيبرين ووَبار وعمان إلى حضرموت إلى اليمن، فلما سخط الله عليهم جعلها مفاوز وغيطانًا، فلما هلكوا ألحق هود بمكة حتى توفي بها

(2)

.

(1)

هكذا في الأصول، وفي "المعارف": إرم بإرم.

(2)

"المعارف" ص 28.

ص: 319

-‌

‌ باب قَوْلِ الله تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} [الحاقة: 6]

شَدِيدَةٍ {عَاتِيَةٍ} [الحاقة: 6]. قَالَ ابن عُيَيْنَةَ: عَتَتْ عَلَى الخُزَّانِ. {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7]: مُتَتَابِعَةً {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] أُصُولُهَا {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)} [الحاقة: 8]: بَقِيَّةٍ.

3343 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» . [انظر: 1035 - مسلم: 900 - فتح 6/ 376]

3344 -

قَالَ: وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ رضي الله عنه إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ ثُمَّ المُجَاشِعِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ، وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ، قَالُوا يُعْطِى صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا! قَالَ:«إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ» .

فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ «مَنْ يُطِعِ اللهَ إِذَا عَصَيْتُ، أَيَأْمَنُنِي الله عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلَا تَأْمَنُونِي؟!» . فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ -أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ- فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ:«إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا -أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا- قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» . [3610، 4351، 4667، 5058، 6163، 6931، 7432، 7432 - مسلم: 1064 - فتح 6/ 376]

3345 -

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ

ص: 320

قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأ: ({فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ})[القمر: 15]. [انظر: 3341 - مسلم: 823 - فتح 6/ 379]

ذكر فيه حديث ابن عباس: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ".

وَقَالَ ابن كَثِيرٍ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أرْبَعَةِ: الأَقْرَعِ .. الحديث. وفي آخره: "لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لأقتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ".

وحديث عبد الله: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} .

الشرح:

تفسير ابن عيينة ذكره في تفسيره بإسناده، وحديث ابن مسعود سلف (قريبًا، وحديث ابن عباس سلف)

(1)

في الاستسقاء وغيره، وقوله:(وقال ابن كثير) إلى آخره: ادعى أصحاب الأطراف أن البخاري رواه هنا، وفي سورة براءة عن محمد بن كثير

(2)

.

وكذا ذكره أبو نعيم في "مستخرجه"، ورواه البخاري أيضًا في موضع آخر، عن قبيصة، عن الثوري

(3)

.

وفي آخر عن قتيبة، عن عبد الواحد بن زياد، عن عمارة بن القعقاع، عن عبد الرحمن بن أبي نعم

(4)

.

وأخرجه مسلم أيضًا.

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر "تحفة الأشراف" للمزي 3/ 389. وسيأتي برقم (4667) باب: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}.

(3)

سيأتي برقم (7432) كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} .

(4)

سيأتي برقم (4351) كتاب: المغازي، باب: بعث علي بن أبي طالب ..

ص: 321

وفي "الأوسط" من حديث عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص: "يخرج قوم من أمتي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية فيقتلهم علي بن أبي طالب"

(1)

.

إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من وجوه:

أحدها:

أنث (ذهيبة) على نية القطعة من الذهب، وقد يؤنث الذهب في بعض اللغات، والمؤنث الثلاثي إذا صغر ألحق في تصغيره الهاء كفويسقة وشميسة وقيل: هو تصغير على اللفظ حكاه ابن الأثير

(2)

. وفي رواية: بذهبة. بفتح الذال.

ثانيها:

قوله: (فسأله رجل قتله -أحسبه خالد بن الوليد). كذا جاء هنا على الحسبان، وجاء في الصحيح أنه خالد من غير حسبان، وفي أخرى عمر

(3)

، وكأنهما سألا ذلك.

ثالثها:

(الأقرع بن حابس) اسمه فراس، فيما ذكره ابن دريد، وبخط منصور بن عثمان الخابوري الصواب: حصين

(4)

.

وقال أبو يوسف في كتاب "لطائف المعارف": كان أصم مع قرعه وعوره.

(1)

"المعجم "الأوسط" 4/ 69 - 70 (3634).

(2)

"النهاية في غريب الحديث" 2/ 173.

(3)

رواية أنه خالد ستأتي برقم (4351)، ورواية أنه عمر ستأتي برقم (3610) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.

(4)

"الاشتقاق" ص 239.

ص: 322

وفي "الكامل" كان في صدر الإسلام سيد خندف، وكان محله فيها محل عيينة بن حصن في قيس

(1)

.

وقال (المرزبان)

(2)

: هو أول من حرم القمار وكان يحكم في كل موسم. ولما ذكره الكلبي في كتاب "أئمة العرب" قال: كان آخر من قضى من تميم وعليه قام الإسلام.

وقال الجاحظ في كتاب "العرجان": إنه من أشرافهم وأحد الفرسان الأشراف، ساير رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من فتح مكة.

وقال أبو عبيدة: هو أول من جلد في الجاهلية؛ لأنه نَفَّرَ

(3)

جريرًا على الفرافصة حين وجده أقرب إلى مضر، وكان سنوطًا

(4)

أعرج الرجل اليسرى، قتل باليرموك سنة ثلاثة عشرة مع عشرة من بنيه.

وذكر أبو عبيد في كتابه "أنساب العجم" أن المكعبر الضبي أدخل جماعة في المجوسية منهم الأقرع.

وقال ابن دريد: استعمله عبد الله بن عامر بن كريز على جيش أنفذه إلى خراسان فأصيب بالجوزجان

(5)

.

(1)

"الكامل في اللغة والأدب" للمبرد 1/ 188.

(2)

في الأصل عليها (كذا)، وفي الحاشية: الظاهر اسمه المرزباني. اهـ.

والمرزباني هو أبو عبيد الله محمد بن عمران البغدادي الكاتب، الأخباري، صاحب التصانيف. انظر ترجمته في "تاريخ بغداد" 3/ 135، "سير أعلام النبلاء" 16/ 447 - 449.

(3)

قال الجوهري في "الصحاح" 2/ 834: نَفَّرَه عليه تنفيرًا: أي قضى له عليه بالغلبة.

(4)

السنوط: الذي لا لحية له أصلاً، "الصحاح" 3/ 1135 مادة [سنط].

(5)

"الاشتقاق" ص 239، وشهد رضي الله عنه فتح مكة وحنينًا والطائف وانظر ترجمته في "ثقات ابن حبان" 3/ 18، و"الإصابة" 1/ 58 ترجمة (231) و (أسد الغابة) 1/ 128.

ص: 323

رابعها:

(عيينة): اسمه حذيفة بن حصن بن حذيفة بن بدر، ولقب عيينة؛ لأنه طعن في عينه فشترت، وكنيته أبو مالك، أسلم قبل الفتح، وارتد مع طليحة بن خويلد، وقاتل معه، وكان من الجرارين، يقود عشرة آلاف، وتزوج عثمان بابنته، وهو عريق في الرئاسة ابنه وابن ابنه، وهو وأبوه وجده وجد أبيه: كلهم جرار ربع، وهو المقول فيه الأحمق المطاع.

(1)

و (علقمة بن علاثة): هو ابن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، كان من أشراف قومه، حليمًا عاقلًا، ولم يكن فيه ذاك الكرم، فتنافر هو وعامر (بن)

(2)

الطفيل فنفر عليه عامر.

وفيه يقول الأعشى:

علقم ما أنت إلى عامر

الناقض الأوتار والواتر

وهو من الشعر الذي نهي عن روايته، ارتد لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، ثم أسلم أيام الصديق وحسن إسلامه، واستعمله عمر رضي الله عنه على حوارن فمات بها.

(3)

خامسها:

(زيد الخير) بهذا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يعرف يزيد الخيل؛ لأنه لم يكن في العرب أكثر من خيله. قال أبو عُبيدٍ البكري في "فصل

(1)

وانظر ترجمته في "الاستيعاب" 3/ 316 (2078)، و"أسد الغابة" 4/ 331 (4160) و"الإصابة" 3/ 54 (6151).

(2)

من (ص 1)، وفي هامش الأصل: لعله (بن).

(3)

وانظر ترجمته في: "ثقات ابن حبان" 3/ 315، و"الإصابة" 2/ 503 (5675).

ص: 324

المقال": كانت له ستة أفراس، يكنى أبا مكنف، وكان له شعر وخطابة وشجاعة وكرم ولين، وكان بينه وبين كعب بن زهير مهاجرة.

توفي لما انصرف من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحُمَّى. وقيل: توفي في آخر خلافة عمر. يدل على ذلك ما ذكره الواقدي من ثلاثة في بني حنيفة هو وعدي بن حاتم، وفي "الردة" لوثيمة: أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعدي ابن حاتم على صدقات بني أسد وطيء.

وفي كتاب أبي الفرج: قال أبو عمرو: كانت لثعلب رئيس يقال له الجرار امتنع من الإسلام، يقال: أنه صلى الله عليه وسلم بعث إليه زيدًا فقتله زيد، وذكر أيضًا أنه لما احتضر قال: والله لا أقاتل مسلمًا حتى ألقى الله.

وتوفي بماء لجَرْم يقال له فَرْدَة. ولما جيء براحلته إلى زوجته وفيها كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت على الشرك، أضرمتها بالنار فيقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك قال: "بؤسًا لبني نبهان".

وكان زيد لما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم طرح له متكأ فأعظم أن يتكئ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده فأعاده عليه ثلاثًا، وعلمه دعوات كان يدعو بها فيعرف بها الإجابة ويستسقي فيسقى، وقال: يا رسول الله، أعطني مائة فارس أعبر بهم على الروم. فلم يلبث بعد انصرافه إلا قليلاً حتى حُمَّ ومات

(1)

.

وكان في الجاهلية أسر عامر بن الطفيل وجز ناصيته ثم أعتقه، وفي "الوشاح" لابن دريد: كان من الخطاطة، وكذا أبو زبيد الطائي، وعدي بن حاتم، ومالك الأشتر، وعامر بن الطفيل، وعيينة بن حصن،

(1)

وانظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 7/ 405، "ثقات ابن حبان" 3/ 443، "تهذيب الكمال" 32/ 145، و"الإصابة" 3/ 656 (9265).

ص: 325

وقيس بن سلمة بن شراحيل، وقيس بن سعد بن عبادة.

وكان زيد لا يدخل مكة إلا معتمًا من خيفة النساء عليه، وكذا قيس بن سلمة بن شراحيل، وامرؤ القيس بن حجر، وذو الكلاع، وجرير بن عبد الله، وسبيع، والطهوي، وأعيفر اليربوعي، وحنظلة بن فاتك الأسدي، وقيس بن حسان بن مرثد، والزبيرقان بن بدر.

سادسها:

الصناديد: الرؤساء، واحدهم: صنديد، و (غائر العينين) أي: غارت عيناه فدخلتا، وهو ضد الجاحظ، و (مشرف الوجنتين) أي: ليس بسهل الخد، وقد أشرفت وجنتاه أي: علتا، وأصله من الشرف، وهو العلو.

والوجنتان: العظمان المشرفان على الخدين، وقيل: لحم الخد، وكل واحدة وجنة، فإذا عظمتا فهو موجن، والوجنة مثلثة الواو، حسماها يعقوب وبالألف بدل الواو. فهذِه أربع لغات.

قال ابن جني: أرى الرابعة على البدل. وفي الجيم لغتان: فتحها وكسرها، حكاهما في "الباهر" عن كراع، والإسكان هو الشائع، فصار ثلاث لغات في الجيم، وقال ثابت: هما فوق الخدين والمَدْمَعِ، إذا وضعت يدك وجدت حجم العظم تحتها وحجمه نتوءه، وقال أبو حاتم: هو ما نتأ من لحم الخدين بين الصدغين وكنفي الأنف.

ومعنى (ناتئ الجبين): مرتفع على ما حوله، و (كث اللحية): كثير شعرها غير مسبلة.

وقوله: (محلوق) كانوا يفرقون رؤوسهم ولا يحلقون، والضئضئ هنا: النسل والعقب. وحكي إهمالهما عن بعض رواة مسلم فيما

ص: 326

حكاه القاضي

(1)

، وهو سائغ في اللغة قال ابن سيده في "محكمه" في المعجمة الضئضئ، والضؤضؤ: الأصل والمعدن. وقيل: هو كثرة النسل

(2)

.

وقال في المهملة: الصئصى والسئصئ كلاهما: الأصل. عن يعقوب، قال: والهمز أعرف

(3)

.

وحكى بعضهم: صئصين بوزن قنديل. حكاه ابن الأثير

(4)

.

سابعها:

هذا الرجل من بني تميم يقال له: ذو الخويصرة، واسمه: حرقوص بن زهير.

وفي "كامل المبرد": رجل مضطرب الخلق أسود، وفيه:"إنه يكون لهذا وأصحابه نبأ"

(5)

.

وفي الحديث: أنه لا يدخل النار من شهد بدرًا والحديبية، حاشا رجلاً معروفًا منهم

(6)

.

(1)

"مشارق الأنوار" 2/ 37.

(2)

"المحكم" 8/ 147.

(3)

"المحكم" 8/ 230، وفيه:(الصئيصئ والصيصئ)، وفي "اللسان" 4/ 2384:(الصئصئ والصيصئ).

(4)

"النهاية في غريب الحديث" 3/ 69 وفيه: (ضئضئ).

(5)

"الكامل" 2/ 161.

(6)

قوله: لا يدخل النار من شهد بدرًا والحديبية، رواه ابن ماجه (4281)، وأحمد 6/ 285 من طريق الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أم مبشر، عن حفصة مرفوعًا بلفظ "إني لأرجو ألا يدخل النار -إن شاء الله- أحدٌ شهد بدرًا والحديبية". ورواه أحمد 6/ 362، وابن حبان 11/ 125 (4820) أيضًا من طريق الأعمش بلفظ "لا يدخل النار أحد شهد بدرًا والحديبية".

ص: 327

قيل: هو حرقوص بن زهير السعدي. ذكره شيخنا اليعمري، وفي الثعلبي: إنه أصول الخوارج. أعني: ذا الخويصرة قيل: ولقبه ذو الثدية، وسماه أبو داود: نافعًا

(1)

.

قال السهيلي: هو أصح

(2)

.

ثامنها:

اختلف في هذا الإعطاء على أقوال:

أحدها: أنه من خمس الخمس وَرُدَّ بأنه ملكه.

ثانيها: من رأس الغنيمة وأنه خاص به؛ لقوله: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] وَرُدَّ بأن الآية منسوخة.

واحتج له بأن الأنصار انهزموا يوم حنين فأيد الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأمده بالملائكة، فلم يرجعوا حتى كان الفتح، رد الله الغنائم إلى رسوله؛ من أجل ذلك، فلم يعطهم منها شيئًا، وطيب نفوسهم بقوله:"وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم"

(3)

بعد ما فعل ما أمر به.

ثالثها: وهو مختار أبي عبيد أنه كان من الخمس لا من خمس الخمس ولا من رأس الغنيمة. وأنه جائز للإمام أن يضرب للأصناف المذكورة في آية الخمس حيث يرى أن فيه مصلحة للمسلمين، لكن ينبغي أن يعلم أولاً أن هذا الذهب ليس من غنيمة حنين ولا خيبر ولا من الخمس؛ وقد فرقها كلها.

(1)

"سنن أبي داود"(4770) ذكره عن أبي مريم.

(2)

"الروض الأنف" 4/ 168.

(3)

سلف برقم (3147) كتاب: فرض الخمس، باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم، ورواه مسلم (1059) كتاب: الزكاة، باب: إعطاء المؤلفة قلوبهم. من حديث أنس.

ص: 328

تاسعها:

قوله: ("لا يجاوز حناجرهم"). أي: لا يرفع في الأعمال الصالحة. قاله ابن التين، وقال عياض: يعني: لا تفقه قلوبهم ولا ينتفعون بما يتلون منه، ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم. قال: وقيل معناه: لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا يتقبل. والحنجرة: (رأس)

(1)

الغلصمة حيث تراه بائنًا من خارج الحلق، والجمع: الحناجر.

وقوله: ("يمرقون من الدين") وفي رواية: "من الإسلام"

(2)

أي: يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ من الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق بالسهم من دمه شيء، وبهذا سميت طائفة الخوارج: المراق.

و"الدين" هنا: الطاعة، يريد أنهم يخرجون من طاعة الأئمة كخروج السهم من الرمية.

وهذا صفات الخوارج الذين لا يدينون الأئمة ويخرجون للناس يستعرضونهم بالسيف

(3)

. وقال الداودي: "لا يجاوز حناجرهم" يعني: أسفل الحلق، وهو المنحر، وليس في الصدر منه شيء، لا يعتبر معناه بقلبه إنما يتلوه بلسانه، والرمية: الصيد المرمي، فعيلة بمعنى مفعول.

وقوله: ("يقتلون أهل الإسلام") كذلك فعلت الخوارج وهم على ذلك.

(1)

من (ص 1).

(2)

سيأتي برقم (7432) كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} .

(3)

قال الجوهري: ويقال للخارجي: إنه يستعرض الناس، أي: يقتلهم ولا يسأل عن مسلمٍ ولا غيره. "الصحاح" 3/ 1090 مادة (عرض).

ص: 329

وقوله: ("ويدعون أهل الأوثان") قيل لما خرج إليهم عبد الله بن خباب رسولاً من عند علي جعل يعظهم، فمر أحدهم بتمرة لمعاهد فوضعها في فيه، فقال له بعض أصحابه: تمرة معاهد استحللتها؟ قال لهم عبد الله بن خباب: أنا أدلكم على ما هو أعظم منها حرمةً، رجل مسلم، يعني: نفسه، فقتلوه، فأرسل إليهم علي أن (أقيدونا) به قالوا: وكيف (نقيدك)

(1)

به وكلنا قتله؟ فقاتلهم، فقتل أكثرهم. قيل: كانوا خمسة آلاف. وقيل: كانوا عشرة آلاف.

ولما مات معاوية خرجوا فلم يزالوا على ذلك إلى أن قُتِل ابن الزبير، وأجمع الناس على عبد الملك، خرج إليهم المهلب بن أبي صفرة فشرَّد بهم وقتلهم، إلا أنهم كلما كانت فترة وثبوا إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز فخرجوا فأرسل إليهم عنبسة بن سعيد فقال لهم: كنتم تقاتلون الناس حتى يعملوا بعمل هذا الرجل، فلم خرجتم عليه؟

قالوا: لم يبرنا من عدونا. يعنون من ولي قبله. قال: وكيف يبركم؟ قالوا: لم يلعنهم. قال: فما عهدكم بلعن فرعون وهامان وقارون؟ قالوا: ما لنا بذلك من عهد. قال: أفتلومون من لم يلعن من هو على الإسلام وأنتم لا عهد لكم بلعن فرعون وهامان وقارون. فرجعوا.

واختلف العلماء في تكفير الخوارج كما قال المازري، قال القرطبي: حكم بتكفيرهم جماعة من أئمتنا وتوقف في تكفيرهم كثير من العلماء

(2)

.

(1)

في (ص 1): افتدونا، نفديك.

(2)

"المفهم" 3/ 110.

ص: 330

فإن قلت: أليس قال: "لئن أنا أدركتهم" وكيف لم يدع خالدًا أن يقتله وقد أدركه؟

قيل: إنما أراد إدراك زمن خروجهم إذا كثروا وامتنعوا بالسلاح واعترضوا الناس بالسيف، ولم تكن هذِه المعاني مجتمعة إذ ذاك، فيوجد به الشرط الذي علق به الحكم، وإنما أقدر أن يكون ذلك في الزمان المستقبل وقد كان كما نبه عليه الخطابي

(1)

.

وقوله: ("قتل عاد") وفي رواية: "ثمود"

(2)

يحتمل التعدد بحسب المجالس أو المجلس؛ إذ من شأنه التأكيد والتكرار، يريد: قتلهم قتلًا عامًا بحيث لا يبقى منهم أحد في وقت واحد كما فعل بهذين القبيلتين، حيث أهلك كل واحد منهم في وقت واحد.

واستدل على كفرهم بهذا؛ لأن عادًا قُتلوا على الكفر. وسيأتي له مزيد إيضاح في قتل المرتدين إن شاء الله تعالى.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1534.

(2)

ستأتي برقم (4351) كتاب: المغازي، باب: بعث علي بن أبي طالب ..

ص: 331

‌7 - باب قِصَّةِ يَأجُوجَ وَمَأْجُوجَ

وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [الكهف: 94] وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)} الآيات

(سببًا): طريقًا {زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96] وَاحِدُهَا زُبْرَةٌ وَهْيَ: القِطَعُ {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96] يُقَالُ عَنِ ابن عَبَّاسٍ: الجَبَلَيْنِ، وَالسُّدَّيْنِ: الجَبَلَيْنِ {خَرْجًا} [الكهف: 94]: أَجْرًا {أُفْرِغْ} [الكهف: 96] أَصْبُّ. {قِطْرًا} رَصَاصًا، وَيُقَالُ: الحَدِيدُ. وَيُقَالُ: الصُّفْرُ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: النُّحَاسُ. {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97]: يَعْلُوهُ، اسْتَطَاعَ: اسْتَفْعَلَ مِنْ (أَطَعْتُ)

(1)

لَهُ، فَلِذَلِكَ فُتِحَ أَسْطَاعَ يَسْطِيعُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْتَطَاعَ يَسْتَطِيعُ {جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف: 98] أَلْزَقَهُ بِالأَرْضِ، وَنَاقَةٌ دَكَّاءُ لَا سَنَامَ لَهَا، وَالدَّكْدَاكُ مِنَ الأَرْضِ: مِثْلُهُ حَتَّى صَلُبَ أوَ تَلَبَّدَ. {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)} [الأنبياء: 96] قَالَ قَتَادَةُ {حَدَبٍ} : أَكَمَةٍ. وقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: رَأَيْتُ السَّدَّ مِثْلَ البُرْدِ المُحَبَّرِ. فَقَالَ: "رَأَيْتَهُ".

3346 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ رضي الله عنهن أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلاَّ

(1)

في (س): طعت.

ص: 332

الله، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ». وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِى تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ:«نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخُبْثُ» . [3598، 5293 (معلقًا)، 7059، 7135 - مسلم: 2880 - فتح 6/ 381]

3347 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فَتَحَ الله مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذَا» . وَعَقَدَ بِيَدِهِ تِسْعِينَ. [7136 - مسلم: 2881 - فتح 6/ 382]

3348 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَقُولُ الله تَعَالَى: يَا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الوَاحِدُ؟ قَالَ:«أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلٌ، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ» . ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ» . فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: «أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ» . فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: «أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ» . فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: «مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلاَّ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ» . [4741، 6530، 7483 - مسلم: 222 - فتح 6/ 382]

الشرح:

اختلف في ذي القرنين لم سمي بذلك؟

(1)

(1)

ورد بهامش (ص 1) قال ابن العماد: وقيل: سمي ذا القرنين؛ لأنه حاز الكمال من نسب الأبوين. وقيل: لأنه دخل في الظلمة والنور. وقيل: لأنه وارى قرنين من الناس وهو حي يرزق. انتهى. زاد الزمخشري: وقيل: لأنه ملك الروم والترك. وقيل: كان على رأسه ما يشبه القرنين. وروي عن وهب: أنه كانت صفحتا رأسه =

ص: 333

فقال علي: لما دعا قومه ضربوه على قرنه الأيمن فمات ثم بعث ثم دعاهم فضربوه على الأيسر فمات ثم بعث، وفيكم مثله

(1)

.

نرى أنه عني نفسه وذلك أنه ضرب على رأسه يوم الخندق ثم ابن ملجم.

وقيل: لأنه بلغ قطري الأرض المشرق والمغرب. وقيل: ملكهما. وقيل: لأنه ملك فارس والروم. وقيل: كان ذا ضفيرتين من شعر، والعرب تسمي الخصلة من الشعر قرنًا. وقيل: كان له ذؤابتان. وقال ابن وهب: كان له قرنان صغيران تواريهما العمامة

(2)

. وقيل: كان لتاجه قرنان.

واختلف فيه هل كان عبدًا أو ملكًا أو نبيًا على أقوال:

أحدها: وهو قول علي: كان عبدًا صالحًا أحب الله فأحبه ونصح الله فنصحه، ضرب على قرنه الأيمن، وذكر ما سلف، ذكره ابن مردويه من حديث عبيد الله بن موسى بن بسام الصيرفي عن أبي الطفيل قال: سأل ابن الكواء عليا. فذكره

(3)

، وذكره أيضًا من حديث على مرفوعًا:"هو عبد ناصَحَ الله فنصحه"

(4)

.

= من نحاس، ويجوز أن يلقب بذلك لشجاعته كما سمي الشجاع كبشًا كأنه ينطح أقرانه. انتهى.

(1)

رواه بنحوه الطبري في "التفسير" 8/ 271 (23278).

(2)

أورده السيوطي في "الدر" 4/ 436 عن وهب بن منبه، وعزاه إلى أبي الشيخ.

(3)

أورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 435 وزاد عزوه إلى ابن عبد الحكم في "فتوح مصر"، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في "المصاحف".

(4)

أورده السيوطي في "الدر" 4/ 435 وعزاه لابن مردويه عن سالم بن أبي الجعد، عن علي مرفوعًا.

ص: 334

ثانيها: أنه ملك، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"هو ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب"

(1)

.

ثالثها: أنه كان مَلَكًا. قاله عمر، وذلك أنه سمع رجلاً يقول: يا ذا القرنين، فقال عمر: اللهم غفرًا، أما رضيتم أن تتسموا بالنبيين حتى أسميتوهم بالملائكة

(2)

.

رابعها: أنه نبي، رواه جابر عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: كان نبيًا. وفي "صحيح الحاكم" من حديث أبي هريرة يرفعه: "ما أدري ذا القرنين كان نبيًا أم لا؟ " ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة

(3)

.

وقد وقع الخُلف في نبوة الخضر ولقمان وعزير ومريم وأم موسى هل كانوا أنبياء أو عبادًا صالحين، ذكره ابن التين وغيره، ومن قال بنبوته احتج بقوله تعالى:{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ} [الكهف: 84].

وروى ابن مردويه من حديث سفيان، عن الفضل بن عطية، عن (عبد الرحمن)

(4)

بن عبيد بن عمير أن ذا القرنين حج ماشيًا فسمع به إبراهيم الخليل فتلقاه.

وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه": قيل لعلي: كيف بلغ ذو القرنين المشرق والمغرب؟

(1)

أورده السيوطي في "الدر" 4/ 436، وعزاه للشيرازي في "الألقاب" عن جبير بن نفير.

(2)

أورده السيوطي في "الدر" 4/ 435 - 436 وعزاه إلى ابن عبد الحكم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب "الأضداد" وأبي الشيخ.

(3)

"المستدرك" 1/ 36.

(4)

هكذا في الأصول، ولم أجده، ولعل صوابه: عبد الله بن عبيد بن عمير.

ص: 335

قال: سخر له السحاب وبسط له النور ومد له الأسباب

(1)

.

واختلف في اسمه على قولين:

أحدهما: عبد الله بن الضحاك بن معد رواه ابن مردويه من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره.

ثانيهما: الصعب بن ذي مراثد قاله عبد الملك بن هشام في "تيجانه" من حديث أبي إدريس عن وهب، عن ابن عباس أنه سئل: ممن كان ذو القرنين؟ فقال: من حمير، وهو الصعب بن ذي مراثد، وهو الذي مكن الله تعالى له، وآتاه من كل شيء سببًا، وبنى السد على يأجوج ومأجوج، قيل: فالإسكندر الرومي، قال: كان رجلاً صالحًا.

وفي "المحبر" في ذكر ملوك الحيرة أنه الصعب بن قرين

(2)

. وفي "الوشاح" لابن دريد: (ابن)

(3)

الهمال. فتحصلنا في أبيه على هذا القول على ثلاثة أقوال، وقال كعب الأحبار: الصحيح عندنا من علوم أحبارنا وأسلافنا أنه من حمير وأنه الصعيب بن ذي مراثد.

والإسكندر رجل من بني ثوبان من ولد عيصو بن إسحاق، ورجاله أدركوا المسيح منهم: أرسطاطاليس ودانيال. وفي رواية وهب عن ابن عباس: أنشدني نافع بن الأزرق لأبي كرب أسعد فذكر بيت الله، وجده الصعب ذا القرنين:

بيت له يوفي الحجيج نذورهم

و (يودعون)

(4)

طوافه للموعد

(1)

"مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 349 (31906).

(2)

"المحبر" ص 365، ولكن ذكره في ملوك حمير.

(3)

من (ص 1).

(4)

في الأصل: (يودعدون)، والمثبت من (ص 1).

ص: 336

إلى أن قال:

فلقد أذل الصعب صعب زمانه

وأناط عنوًا عزة بالفرقد

وفي أبيات ذكرها وذكره أيضًا امرؤ القيس وقس بن ساعدة في شعرهما وسمياه الصعب، وذكره أيضًا الربيع بن ضبيع الفزاري المعمر في عدة أبيات له، وكذا طرفة بن العبد وأوس بن حجر السعدي.

وفيه قول ثالث: أن اسمه مرزبان بن مردبه. ذكره ابن إسحاق، وقيل اسمه هرمس، وقيل هرديس، وقيل أفريدون بن أقفيان، وقيل قيصرة ذكره مقاتل في "تفسيره". وفي "غرر التبيان": اسمه الإسكندرنس، وهو من بني عيصو.

وعند الطبري: الاسكندر وهو اسكندروس بن المقدس. وعند المسعودي: فيليش وكانت أمه زنجية أهديت لدارا الأكبر فوجد منها نكهة استثقلها فُولجت ببقلة يقال لها: أندروس فحملت منه بدارا الأصغر فلما وضعت ردها فتزوجها فيليش فحملت منه الإسكندر اشتق اسمه من تلك البقلة. قال ابن هشام: لما ولي الصعب ذو القرنين تحبر تحبرًا عظيمًا حتى أنه لم يكن في السابعة أشد تحبرًا منه، ولا أعظم سلطانًا، ولا أشد سطوة، وكان له عرش من ذهب مصمت، مرصع بالدر والياقوت، وكان عظيم الحجاب، فبينما هو ذات ليلة رأى رؤيا عظيمة وقومًا تخطفهم النيران، فسأل فقال: هؤلاء الجبارون ثم رأى الجنة وما أعد الله فيها لأوليائه.

وقيل له: يا صعب اخلع عنك رداء الكبر وتواضع، فلما أصبح تواضع وبرز للناس وأمر بالعرش فهتك ونهب. ثم رأى في الليلة الثانية كأنه نصب له سلم إلى السماء فرقى إلى السماء ومعه سيف

ص: 337

صلت فعلقه بالثريا ثم أخذ القمر بيده اليسرى والشمس بيده اليمني ثم سار وتبعه الدراري والنجوم ونزل بهما إلى الأرض فلم يزل يمشي بهما والنجوم تتبعه.

فلما كان في الليلة الثالثة: رأى كأنه جاع جوعًا شديدًا، فصارت له الأرض غذاءً، فأقبل عليها، يأكلها جبلًا جبلاً، وأرضًا أرضًا حتى أتى عليها كلها، ثم عطش عطشًا شديدًا، فأقبل على البحار، فشربها بحرًا بحرًا، حتى أتى على السبعة الأبحر، ثم أقبل على البحر المحيط يشربه، فلما أمعن فيه رأى طينًا وحمأة سوداء فلم يسغ له فتركه.

ثم رأى في الليلة الرابعة كأن الإنس والجن أتوه من الأرض كلها، وكذلك البهائم والأنعام، وأقبلت الرياح فاستدارت فوقه، فأرسل أممًا من الجن والإنس مع ريح الصبا إلى المغرب، وأممًا منها مع الدثور إلى يمين الأرض، وأمر البهائم والأنعام فذهبت بهم الرياح في كل وجه، ثم أمر الهوام فذهبت في سبيل من مضى، فلما أصبح أرسل إلى أهل مشورته فقص عليهم ما رأى، فقالوا: أجمع العلماء بهذا الأمر فجمعهم، فقالوا: لم تدرك عقولنا هذِه الرؤيا فقال له شيخ منهم: ليس على وجه الأرض من يفسر (تأويل)

(1)

رؤياك إلا نبي ببيت المقدس، فأمر بالجنود فجمعت وجعل على مقدمته ألف ألف فارس، فلما انتهى إلى البيت الحرام طاف به حافيًا راجلاً، ثم سار إلى القدس يسأل عن النبي الذي وصف له، فلما رآه سأله عن اسمه فقال: الخضَر بن خضرون بن عموم بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق، فقال له الصعب: أيوحى إليك؟ قال: نعم يا ذا القرنين. فقال: وما هذا الذي دعوتني به؟ قال: أنت صاحب قرني الشمس.

(1)

من (ص 1).

ص: 338

فكان أول من سماه بذلك وأخبره بمنامه فقال: تملك الأرض ومن عليها والبحر المحيط تبلغ به غاية، حتى يأتيك شيء لا تستطيعه فترجع، والإنس والجن تنقلهم من مكان إلى مكان، والأنعام والبهائم تسخرُ لك، والرياح كذلك تصرف ضرها عن أي بلد شئت، وتصرفها إلى أي بلد شئت، وتجاوز مغرب الشمس فانهض بأمر الله؛ فإنه يعينك.

وسار معه الخضر فطاف الأرض كلها، وعمل السد، وعرضه خمسة آلاف ذراع، وطوله ألف ذراع، وبنى جسر أدونة إلى أرمينية مسيرة سبعة أشهر.

وعن وهب: لما نزل الصعب حِنْوقراقر من أرض العراق مرض ثمانية أيام، فلما مات غاب الخضر فلم يظهر بعده إلا لموسى ورآه الأعشى وغيره.

قال ابن هشام: فلما مات بعد تعميره ألفي سنة فيما ذكر قس بن ساعدة ولي مكانه ابنه أبرهة الوضاح. وكان سماه باسم إبراهيم الخليل.

وهذِه فوائد متعلقة به:

روى أبو العباس في "مقامات التنزيل" من حديث السدي، عن مجاهد، عن أبي مالك، عن ابن عباس، أن اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عن نبي لم يذكره الله في التوراة إلا في مكان واحد. قال: "ومن هو؟ " قالوا: ذو القرنين، الحديث.

وفي "فضائل القدس" لأبي بكر الواسطي الخطيب: كان ذو القرنين أوسع أهل الأرض عدلاً، وكان آخر الملوك الخيرين، ومات ببيت المقدس.

ص: 339

وزعم أهل العلم أنه بدومة الجندل، رجع إليها من القدس، ولم يكن له بالقدس كثير عمر، وكان عدد ما سار في البلاد منذ يوم بعثه الله إلى يوم قبض خمسمائة عام.

وذكر حديثًا مرفوعًا من حديث إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه، عن جده: كان الفيلسوف من أهل الملك تزوج امرأة من غسان، وكانت على دين الروم، فولدت ذا القرنين فسماه أبوه الاسكندر، وإنما نسب إلى الروم؛ لأن أباه خلفه صغيرًا في حجر أمه يتيمًا، فلذلك جهل أبوه ونسبوه إلى أمه.

وروي من طريق عقبة بن عامر الجهني بإسناد فيه جهالة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لطائفة جاءوه من اليهود: "جئتم تسألوني عن ذي القرنين، وكيف كان أول شأنه؟ وسأخبركم بما تجدونه في كتابكم: إنه كان غلامًا من الروم فأتى ساحلًا من سواحل مصر، فبنى بها مدينة تسمى الإسكندرية".

وفيه: "وأتى السد، وهما جبلان زلقان، ينزل عنهما كل شيء، فبناهما .. "

(1)

الحديث.

فصل:

قوله: {سَبَبًا} : طريقًا. وقال ابن عباس: علمًا يسير به في أقطار الأرض

(2)

. وقال مجاهد: منزلًا بين المشرق والمغرب

(3)

.

وقوله: {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} أي: ذات حمأة. ومن قرأ (حامية)

(4)

،

(1)

رواه بنحوه البيهقي في "دلائل النبوة" 6/ 295 - 296.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 272 (23281).

(3)

"تفسير مجاهد" 1/ 380، ورواه أيضًا الطبري 8/ 273 (23288).

(4)

قرأها هكذا ابن عامر وحمزة والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر. انظر "الحجة" للفارسي 5/ 169، "الكشف" لمكي 2/ 73، "زاد المسير" 5/ 185.

ص: 340

فقيل: معناه مثله، وقيل: حارة، ويجوز أن تكون حارة وهي ذات حمأة.

وتفسير ابن عباس الأول والثاني في النحاس ذكرهما جويبر عن الضحاك عنه.

وأصل {اسْطَاعُوا} : استطاعوا؛ فاجتمعت التاء والطاء وحقهما إدغام التاء في الطاء، إلا أنهم لو فعلوا ذلك لجمعوا بين الساكنين السين والتاء إذ لا سبيل إلى فتح سين الاستقبال.

وقرأ حمزة: ({فَمَا اسْطَاعُوا})

(1)

جمع بين الساكنين فرأوا أن حذف التاء أولى، ومن أجاز (أسطاع) بفتح الهمزة قال: هو أطاع وإنما عوضت السين في الحركة الساقطة من عينه. يريد: الواو.

والزبر: القطع الكبار من الحديد.

وقوله: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} أي: ليس لهم بنيان ولا قمص قال الحسن: إذا طلعت الشمس نزلوا (الماء)

(2)

حتى تغرب

(3)

.

و {السَّدَّيْنِ} بالفتح والضم

(4)

بمعنى، قاله الكسائي، وقال أبو عمرو وغيره: ما كان من صنع الله فبالضم، وما كان من صنع الآدمي فبالفتح، وقيل بالفتح ما رأيته، وبالضم ما استتر عن عينك

(5)

.

(1)

انظر "الحجة" للفارسي 5/ 178، "الكشف" لمكي 2/ 80.

(2)

في الأصل: الشمس، والمثبت من (ص 1).

(3)

رواه الطبري في "التفسير" 8/ 276 (23314)، وذكره السيوطي في "الدر" 4/ 448 وعزاه للطيالسي، والبزار في "أماليه"، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.

(4)

قرأها بفتح السين ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم، وقرأ باقي السبعة بالضم. انظر "الحجة" 5/ 170 - 171، "الكشف" 2/ 75.

(5)

انظر "معاني القرآن" للنحاس 4/ 292.

ص: 341

وقوله: ({اسْتَطَاعُوا} استفعل من طعت له، فلذلك فُتح) يريد فتح الفاء في مستقبله؛ لأنه لو قال كما قال بعض أهل اللغة: أسطاع بفتح الهمزة لكان مستقبله (يستطيع)

(1)

بضم الفاء.

والحديث المعلق في رؤية السد أسنده ابن مردويه في "تفسيره" عن سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن محمد بن يحيى، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن رجلين، عن أبي بكرة الثقفي، أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد رأيته -يعني: السد- فقال: "كيف هو؟ " قال: كالبرد المحبر، قال:"قد رأيته". قال: وثنا قتادة أنه قال: طريقة حمراء من نحاس وطريقة سوداء من حديد.

وقال نعيم بن حماد في "كتاب الفتن": حدثنا مسلمة بن علي، ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة: قال رجل: يا رسول الله قد رأيت الردم وإن الناس يكذبونني فقال: "كيف رأيته"؟ قال: رأيته كالبرد المحبر. قال: "صدقت والذي نفسي بيده لقد رأيته ليلة الإسراء لبنة من ذهب ولبنة من رصاص"

(2)

.

وقوله: (كالبرد المحبر) أي: حسن الصنعة فيه رقم. وقال الحوفي في "تفسيره": بُعد ما بين الجبلين مائة فرسخ، فلما أخذ ذو القرنين في عمله حفر له أُسَّا، حتى بلغ الماء، وجعل عرضه خمسين فرسخًا، وجعل حشوه الصخور، وطينة النحاس المذاب، فبقي كأنه عرق من جبل تحت الأرض، ثم علاه وشرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب، وجعل خلاله عرقًا من نحاس، فصار كأنه برد محبر.

ومعنى ({حَدَبٍ}: أكمة) أي: موضع مرتفع.

(1)

من (ص 1).

(2)

"الفتن" 2/ 584 (1632) قال: حدثنا ابن وهب، عن مسلمة بن علي، به.

ص: 342

فصل:

ذكر البخاري في الباب ثلاثة أحاديث:

أحدها:

حديث عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ ابنةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ زينَبَ بنت جَحْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ:"لَا إله إِلَّا اللهُ، وَيْل لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هذِه". وَحَلَّقَ بِإِصْبَعيِهِ الإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زْينَبُ بنت جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفنهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ:"نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخُبْتُ" ..

وهذا الحديث يأتي في علامات النبوة وفي الفتن. وأخرجه مسلم من حديث ابن عيينة عن الزهري به ولكنه قال: عن زينب، عن حبيبة بنت أم حبيبة، عن أمها أم حبيبة، عن زينب بنت جحش. بزيادة حبيبة بنت أم حبيبة، قال الحميدي عن سفيان: حفظت من الزهري في هذا الإسناد أربع نسوة

(1)

.

قال الترمذي: جوده سفيان

(2)

. قال الدارقطني: وكذا رواه عن سفيان جماعة، فعدده أحد عشر.

قال: وأما مسدد وسعيد بن نصر وعمرو فأسقطوا حبيبة في روايتهم عن سفيان، قال: وأظنه ربما أسقطها وربما ذكرها، يعني: ابن عيينة. وأما الجراح بن منهال، فإنه رواه عن الزهري، عن عروة، عن زينب .. الحديث.

وروى ابن مردويه من حديث يزيد بن الأصم، عن ميمونة، عن زينب

(1)

"مسند الحميدي" 1/ 315 (310).

(2)

"سنن الترمذي" 4/ 480 (2187).

ص: 343

بنت جحش قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من نومه فزعًا فقال: "ويل للعرب من شر قد اقترب -ثلاث مرار- فرج الليلة من ردم يأجوج ومأجوج فرجة" قال: قلت يا رسول الله أيعذبنا وفينا الصالحون؟! قال: "نعم إذا ظهر الخبث".

وروى نعيم بن حماد في كتابه، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن زينب بنت جحش، وفيه: وعقد ثنتي عشرة

(1)

.

الحديث الثاني:

حديث ابن طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "فَتَحَ اللهُ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هذا". وَعَقَدَ بِيَدهِ تِسْعِينَ.

وهذا الحديث أخرجه مسلم من حديث سفيان عن ابن شهاب، قال: وعقد سفيان عشرة

(2)

.

وفيه أيضًا أن وهيبًا عقد تسعين

(3)

ويأتي في "الفتن".

قال عياض: لعل حديث أبي هريرة متقدم فزاد قدر الفتح بعده أو يكون المراد تقريب التمثيل لا حقيقة التحديد

(4)

.

قال ابن العربي: وهذا يدل على أن السد منذ بني لم يفتح منه شيء إلى يوم إخباره بمثل ثقب عشرة من العدد، وفقهه: أنه لم يقصد به العدد فيعارض قوله: "إنا أمة أمية". وإنما جاء لبيان صورة خاصة معينة

(5)

.

وهذِه الإشارة مدرجة ليست من قوله عليه السلام، وإنما ذكر إشارة عبر

(1)

"الفتن" 2/ 519 (1644) وفيه: عن زينب ابنة أبي سلمة، عن أم حبيبة، عن زينب ابنة جحش. وفيه: وعقد سفيان عشرًا.

(2)

مسلم (2880) كتاب: الفتن، باب: اقتراب الفتن.

(3)

مسلم (2881).

(4)

"إكمال المعلم" 8/ 412.

(5)

"عارضة الأحوذي" 9/ 35 - 36.

ص: 344

عنها الراوي الذي لم يشاهد تلك الإشارة.

الحديث الثالث:

حديث أبي سعيد الخدري عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرى النَّاسَ سُكَارى، وَمَا هُمْ بِسُكَارى، ولكن عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الوَاحِدُ؟ قَالَ:"أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا". ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ". فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ:"أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ". فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ:"أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ". فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: "مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ (أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ)

(1)

أَسْوَدَ".

هذا الحديث يأتي في تفسير سورة الحج، وقوله في الحديث الأول (حلق بالإبهام والتي تليها). وفي الثاني:(وعقد بيده تسعين) وليس عقد التسعين في الحساب مثل التحليق كما نبه عليه ابن التين.

ومعنى (دخل عليها فزعًا) خشي أن يدركه وقتهم لما فيه من الهرج والهلاك للدين.

وقوله: ("ويل للعرب من شر قد اقترب"). يحتمل أن يريد ما وقعوا فيه من قتل عثمان. وقيل: أراد يأجوج ومأجوج، وذلك أنهم يحفرون في كل يوم، حتى لا يبقى بينهم وبين أن يخرقوا النقب إلا يسيرًا فيقولون: غدًا نأتي فنفرغ منه فيأتون بعد الصباح فيجدونه عاد كهيئته

(1)

ساقط من الأصل.

ص: 345

فإذا جاء الوقت قالوا عند المساء غدًا إن شاء الله نأتي فنفرغ منه فينقبونه ويخرجون. أخرجه ابن مردويه في "تفسيره" من حديث أبي هريرة

(1)

وحذيفة. وفي "تفسير مقاتل": "يغدون إليه في كل يوم فيعالجونه، حتى يولد فيهم رجل مسلم، فإذا غدوا عليه قال لهم المسلم: قولوا بسم الله فيفاتحوه حتى يتركوه رقيقًا كقشر البيض، ويرى ضوء الشمس، فيقول المسلم: قولوا بسم الله غدًا نرجع إن شاء الله فنفتحه" .. الحديث.

ففي هذا ثلاث آيات: منعهم موالات الحفر ليلاً ونهارًا، وأن يحاولوا الرقي عليه بآلة، أو سلم، ولا ألهمهم ذلك ولا علمهم إياه، وصدهم عن قول: إن شاء الله، فإذا خرجوا فيشرب أولهم دجلة والفرات، حتى يمر أحدهم فيقول: قد كان ههنا مرة ماءً، وينادي بهم أهل الأرض، ويدعو عليهم عيسى فيهلكون.

وقيل أول زمرة منهم تأتي على بحيرة طبرية فتشرب ماءها، ثم تأتي أخرى فتلحس حمأها، ثم تأتي الأخرى فتقول: قد كان يقال أن ههنا ماء، ثم يموتون، وقيل: إنه لا يموت أحدهم حتى يولد له ألف ولد، وقيل: إنهم نحاف الأجسام يحمل العجيف منهم تسعة منهم فلا (ينقلونه)

(2)

؛ وقيل إنهم عظام الأجسام.

وقولها: (أنهلك وفينا الصالحون) موتهم بآجالهم لا بذنوبهم. كما نبه عليه أبو الفرج، قال ابن العربي: ويحشر كل واحد على نيته

(3)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: حاشية حديث أبي هريرة بنحو ما في الأصل في ابن ماجه (4080) والترمذي (3153)، الأول في الفتن، والثاني في تفسير سورة الكهف.

(2)

في الأصل: ينقلوه، والمثبت من (ص 1).

(3)

"عارضة الأحوذي" 9/ 36.

ص: 346

و (الخَبث) بفتح الخاء والباء فُسِرَ بالفجور والفسوق. وقيل: الربا خاصة. وقيل: أولاد الزنا ومطلق المعاصي.

قال القرطبي: ويروى الخَبْث بسكون الباء، وهو مصدر

(1)

.

وقول آدم ("لبيك") على ما تقدم في تلبية الحاج.

و ("سعديك"): أي: السعادة بيدك.

وقوله: ("والخير في يديك") أي: ليس لأحد معك فيه شرك.

وقوله: ("أخرج بعث النار") أي: حزبه، وهو إخبار أن ذلك العدد من ولده يصيرون إلى النار.

وقوله: ("ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء")، يعني: هذِه الأمة. وفي حديث آخر: ("كالرقمة في جلد ثور")

(2)

. إما أن يكون أحدهما وهمًا، أو تكون هذِه الأمة كالشعرة، أو بين سائر المسلمين من الأمم السالفة كالرقمة، قاله ابن التين.

وسيأتي أن هذِه الأمة ثلثا أهل الجنة وأكثر فتأمل ذلك، وتكثيرهم للسرور بما ذكره لهم، وإنما ذكر الربع أولاً ثم النصف؛ لأنه أوقع في النفس وأبلغ في الإكرام، فإن تكرار الإعطاء والتدريج دال على الملاحظة والاعتناء، ويجوز أن يكون أخبر أولاً بالربع ثم بالنصف ثم بأكثر وقوله:("من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين") هو من العدد الذي تسامح فيه العرب عادة.

(1)

"المفهم" 7/ 208.

(2)

سيأتي برقم (6530) كتاب: الرقاف، باب: قوله عز وجل {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} ، ورواه أيضًا مسلم (222) كتاب: الإيمان، باب: قوله: "يقول الله لآدم: أخرج بعث النار .. ". كلاهما بلفظ: "كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو الرقمة في ذراع الحمار".

ص: 347

‌ذكر يأجوج ومأجوج

يأجوج رجل ومأجوج كذلك ابنا يافث بن نوح، كما ذكره عياض مشتقان من تأجج النار، وهي حرارتها، سموا بذلك لكثرتهم وشدتهم. وهذا على قراءة من همز. وقيل: من الأجاج: وهو الماء الشديد الملوحة. وقيل: هما اسمان أعجميان غير مشتقين.

وفي "المنتهى": من همزهما جعل وزن يأجوج يفعولًا من تأجج النار أو الظليم أو غيره، ومأجوج مفعولاً، ومن لم يهمزهما جعلهما أعجميين، قال الأخفش: من همزهما جعل الهمزة أصلية ومن لا يهمز جعل الألفين زائدتين يجعل يأجوج فاعولًا من يججت، ومأجوج فاعولًا من مججت الشيء في فمي، والأول أشبه بالواجب، لاختلاف أصواتهم فشبهوا تأجيج النار وهما غير منصرفين؛ لأنهما اسمان لقبيلتين.

وفي كتاب "الفتن": أنا نعيم، عن كعب أن التنين إذا أذى هل الأرض نقله الله إلى يأجوج ومأجوج فجعله رزقًا لهم يجتزرونها كما تجتزرون الإبل والبقر

(1)

.

قال نعيم: وحدثنا يحيى بن سعيد، حدثني سليمان بن عيسى قال: بلغني أنهم عشرون أمة: يأجوج ومأجوج وتأجيج وأجيج والغيلانيين والقشبين والقرانين والقوطين وهو الذي يلتحف أذنه والزرشتين والكنعانين والدفرانين والخاخونين والأنطارنين واليغاسنين وهم رؤوس الكلاب

(2)

.

قلت: وما يحكى من أن آدم احتلم فاختلط ماؤه بالتراب فخلقوا من

(1)

"الفتن" 2/ 585 (1635).

(2)

"الفتن" 2/ 588 (1639) وفيه اختلاف يسير.

ص: 348

ذلك فلا أصل له، فالأشهر امتناع الاحتلام عليهم

(1)

.

وروى ابن مردويه في "تفسيره" عن أحمد بن كامل، ثنا محمد بن سعيد العوفي، ثنا أبي، ثنا عمي، ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، عن أبي سعيد الخدري، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر يأجوج ومأجوج:"لا يموت رجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل".

ومن حديث محمد بن مرثد: ثنا مجالد، عن أبي الوضيء، عن أبي سعيد مرفوعًا: "يخرج يأجوج ومأجوج فيقتلون الناس ويهلكونهم، إلا بقية يلحقون بالجبال، ثم يبعث الله عليهم النغف

(2)

فيخرج في كواهلهم فيموتون أجمعون، وتأكل مواشي الناس جيفهم، كما تأكل الحشيش أو الخضر".

وبإسناده الجيد عن حذيفة مرفوعًا: "يأجوج أمة، ومأجوج أمة، كل أمة أربعمائة ألف أمة، لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل من صلبه، كلهم قد حملوا السلاح". قلت: يا رسول الله صفهم لنا قال: "هم ثلاثة أصناف، لا يمرون على فيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير ولا إنسان إلا أكلوه، ويأكلون من مات منهم، تكون مقدمتهم بالشام، وساقتهم موضع كذا وكذا -يعني: المشرق- فيشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية".

ومن حديث مقاتل بن حيان، عن عكرمة مرفوعًا: "بعثني الله ليلة أسري بي إلى يأجوج ومأجوج، فدعوتهم إلى دين الله فأبوا أن يجيبوا،

(1)

ورد في هامش (ص 1): أقول: لقائل أن يقول: الاحتلام كما ينشأ من الشهوة ينشأ من البرد أيضًا، فلعل قائل هذا القول يقول بهذا، فتأمل.

(2)

في هامش (ص 1): النغف دود يسقط من أنوف الغنم والإبل كذا في "ديوان العرب".

ص: 349

فهم في النار، مع من عصى من ولد آدم وولد إبليس"

(1)

(2)

.

ومن حديث النعمان بن سالم، عن ابن عمر. وابن أوس، عن جده مرفوعًا:"إن يأجوج ومأجوج لهم نساء، يجامعون ما شاءوا، وشجر يلقحون ما شاءوا، ولا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفًا فصاعدا".

وعن عبد الله بن عمرو بإسناد جيد: "الإنس عشرة أجزاء: تسعة أجزاء يأجوج ومأجوج، وسائر الناس جزء واحد"

(3)

.

وروى نعيم بن حماد في كتاب "الفتن"، عن ابن وهب، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن يأجوج ومأجوج حين يخرجون يمر أولهم ببحيرة طبرية فيشربونها، ثم يأتي آخرهم عليها، فيقولون: كأنه كان هنا ماء"

(4)

.

وعن ابن عباس فيما ذكره ابن بطال: الأرض ستة أجزاء خمسة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزء لسائر الخلق

(5)

. وحكاه علي بن معبد، عن الأوزاعي، عن ابن عباس.

وقال ابن هشام في "تيجانه": في كلام الخضر مع ذي القرنين:

(1)

رواه أبو نعيم في "الفتن" 2/ 593 (1653) من طريق مقاتل بن حيان، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا.

(2)

في هامش (ص 1): نقل السهيلي في "تفسيره" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على أهل جابوس وجابلق ليلة الإسراء فدعاهم فأجابوه، ودعا الأمم الآخرين فلم يجيبوه. انتهى.

(3)

رواه الحاكم 4/ 490، وصحح إسناده.

(4)

"الفتن" 2/ 583 (1631).

(5)

"شرح ابن بطال" 10/ 71 عن الأوزاعي، عن ابن عباس، وفي "الفتن" 2/ 582 (1630) من طريق الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن ابن عباس وفيه: الأرض سبعة أجزاء، فستة أجزاء منها يأجوج ومأجوج ..

ص: 350

وستلقى قومًا يرون أن أهل الأرض عبيد لهم، وأنهم شركاء الله في خلقه، وهم يأجوج ومأجوج، يقال لهم: الأحرار، وهم سود الوجوه، زرق العيون، طوال الوجوه والآنف، وجوههم كالخنازير، يختفون بالنهار من حر الشمس، ويظهرون في الليل.

فدعاهم ذو القرنين إلى الله فآمنوا، ثم لجج في أرضهم فأنابت منهم أمة يقال لهم: بنو عجلان بن يافث إلى الله فتركهم في جزيرة أرمينية إلى ناحية جابرص فسموا الترك؛ لأن ذا القرنين تركهم، ثم بلغ جزائر الأرض الزوراء التي تزاور عنها الشمس، فوجد عندها قومًا، صغار الأعين، صغار الوجوه، مسفرة وجوههم كوجوه القرود، ولا يظهرون في النهار.

وعن معاذ وواثلة بن الأسقع مرفوعًا، فيما رواه الضحاك:"يأجوج ومأجوج ثلاثة أصناف: صنف كالنخل طولاً، وصنف طول كل واحد منهم أربعة أذرع في عرض أربعة أذرع، يفترش إحدى أذنيه ويتجلل بالأخرى، وصنف في غاية القصر، لهم أرزاق غير أرزاقكم، ومعايش غير معايشكم، بمنزلة البهائم يتسافدون فيما بينهم خلق لا حاجة لله فيهم".

وروى ابن أبي شيبة عن عمرو بن العاص: منهم من طوله شبر، ومنهم من طوله شبران وثلاثة.

وعن (حسان بن عطية)

(1)

: هم أمتان، في كل أمة أربعمائة ألف أمة، ليس منها أمة تشبه الأخرى

(2)

.

وعند القرطبي مرفوعًا: "يأجوج أمة لها أربعمائة أمير، وكذلك مأجوج، صنف منهم طوله مائة وعشرون ذراعًا".

(1)

في الأصل: عطية بن حسان، والمثبت هو الصواب.

(2)

رواه أبو عمرو الداني في "الفتن"(673).

ص: 351

قال: ويروى أنهم يأكلون جميع حشرات الأرض من الحيات والعقارب، وكل ذي روح من الطير وغيره، وليس لله خلق ينمي نماءهم في العام الواحد، يتداعون تداعي الحمام، ويعوون عواء الكلاب، ومنهم من له قرن وذنب وأنياب بارزة، يأكلون اللحوم نيئة

(1)

.

وقال ابن عبد البر في كتاب "القصد والأمم": هم أمة لا يقدر أحد على استقصاء ذكرهم؛ لكثرتهم.

ومقدار الربع العامر من الأرض مائة وعشرون سنة، وأن تسعين منها ليأجوج ومأجوج، وهم أربعون أمة مختلفو الخلق والقدود، في كل أمة ملك ولغة، ومنهم من مشيه وثب، وبعضهم يغير على بعض، ومنهم من لا يتكلم إلا تمتمة، ومنهم مشوهون، وفيهم شدة وبأس وأكثر طعامهم الصيد، وربما أكل بعضهم بعضًا.

وذكر الباجي عن عبد الرحمن بن ثابت قال: الأرض خمسمائة عام منها ثلاثمائة بحور ومائة وتسعون ليأجوج ومأجوج وسبع للحبشة، وثلاث لسائر الناس.

(فصل)

(2)

:

خروج يأجوج ومأجوج بعد خروج عيسى، جاء ذلك في حديث موثر بن عفارة

(3)

عن ابن مسعود قال: لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى فتذاكروا أمر الساعة، فردوا الساعة إلى عيسى، فذكر خروج الدجال قال: فأهبط فأقتله ويرجع الناس

(1)

"التذكرة" لأبي عبد الله القرطبي ص 782.

(2)

في (ص 1) باب.

(3)

ورد بهامش الأصل: حديث موثر بن عفارة، عن ابن مسعود في "سنن ابن ماجه" تفرد به من بينهم.

ص: 352

إلى بلادهم، فيستقبلهم يأجوج ومأجوج فيجأر إلى الناس، فأدعو الله فيرسل السماء فتلقي أجسامهم في البحر. رواه الحاكم وصحح إسناده

(1)

.

وروى أبو محمد الهيثم بن خلف الدوري في كتابه "ذم اللواط" عن وهب بن منبه أنه سئل عن قوله فيهم {مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [الكهف: 94] ما كان ذلك الفساد؟ قال: كانوا يلاوطون الناس. قال: ورأى ابن عباس صبيانًا ينزو بعضهم على بعض يلعبون، فقال: هكذا تخرج يأجوج ومأجوج.

فصل:

سلف من حديث أبي سعيد: ("من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين")، وفي حديث أبي هريرة:"من كل مائة تسعة وتسعين"

(2)

، وفي الترمذي مثله عن عمران وصححه، وعن أنس كذلك رواه ابن حبان في "صحيحه"

(3)

، وقال الحاكم فيهما: صحيحا الإسناد

(4)

، وأكثر أئمة البصرة على أن الحسن سمع من عمران.

وعن أبي موسى نحوه، رواه ابن مردويه من حديث الأشعث، عن الحسن عنه، وعن جابر نحوه رواه أبو العباس في "مقامات التنزيل". وفي حديث عمران:"إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة" ثم قال: "أرجو أن تكونوا أكثر أهل الجنة".

(1)

"المستدرك" 4/ 488، 545. ورواه أيضًا ابن ماجه (4081).

(2)

سيأتي برقم (6529) كتاب: الرقاق، باب: كيف الحشر.

(3)

حديث عمران عند الترمذي (3168)، (3169)، وحديث أنس عند ابن حبان 26/ 351 (7354) كلاهما بلفظ:(من كل ألف تسعمائة).

(4)

"المستدرك" 4/ 566 - 567.

ص: 353

فصل:

في حديث عبد الله بن عمرو: "أخرجوا بعث النار"

(1)

. خلاف ما في حديث أبي سعيد في الكتاب "يقول الله: يا آدم أخرج بعث النار".

يحتمل أن آدم لما أمر أولاً بالإخراج أمر هو الملائكة أن يخرجوا ويميزوا أهل الجنة من النار. وروى ابن مردويه من حديث الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره في غزوة بني المصطلق إذ نزل عليه {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ} [الحج: 1] فوقف على دابته ورفع بها صوته وقال: "أتعلمون أي يوم ذاك؟ " قالوا الله ورسوله أعلم، قال "ذاك يوم يقول الله: يا آدم قم فأبعث بعث النار .. " الحديث. وفيه: "إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة"

(2)

.

ومن حديث هلال بن خباب، عن عكرمة عنه بلفظ: "هل ترون أي يوم ذاك (يوم)

(3)

يقول الله لآدم .. " الحديث، وفيه: "إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، إنما أنتم في الناس أو الأمم كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة، وإنما أمتي جزء من ألف جزء من سائر الناس"

(4)

.

ولما ذكره الطبري في "تهذيبه" قال: قد يجب أن يكون هذا على مذهب الآخرين سقيمًا غير صحيح لعلتين:

(1)

رواه مسلم (2940) كتاب: الفتن، باب: في خروج الدجال.

(2)

أورده السيوطي في "الدر" 4/ 618 وعزاه لابن مردويه من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس.

(3)

من هامش الأصل، وعليها: لعله سقط.

(4)

رواه الحاكم في "المستدرك" 4/ 568 من طريق عباد بن العوام، عن هلال بن خباب، به. وصححه.

ص: 354

إحداهما: أنه خبر لا يعرف له مخرج عن عكرمة إلا من هذا الوجه.

الثانية: أنه من نقل عكرمة، وفي نقل عكرمة عندهم نظر يجب التثبت فيه

(1)

.

وعند الطبري من حديث الحسن: لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة العسرة قرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ} .. الحديث.

وفيه: "لم يكن رسولان إلا بينهما فترة من الجاهلية فهم أهل النار وإنكم بين ظهراني خليقتين لا يعادّهما أحد من أهل الأرض إلا كثروهم يأجوج ومأجوج، وهم أهل النار وتكمل العدة من المنافقين"

(2)

.

فصل:

روى الترمذي وقال: حسن من حديث بريدة، وابن أبي شيبة من حديث ابن مسعود رفعاه:"أهل الجنة يوم القيامة عشرون ومائة صف أنتم منهم ثمانون صفًا"

(3)

.

وفي "عيون الأخبار" للقتبي: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تكون الخلائق يوم القيامة عشرون ومائة صف طول كل صف مسيرة أربعين ألف سنة، وعرض كل صف

(4)

ألف سنة" قيل: يا رسول الله، كم المؤمنون؟ قال: "ثلاثة صفوف والمشركون مائة وسبعة عشر صفًا". قال القرطبي: هذا غريب جدًا مخالف لصفوف المؤمنين الواردة في الأحاديث

(5)

.

(1)

"تهذيب الآثار" مسند عبد الله بن عباس 1/ 397.

(2)

"تهذيب الآثار" مسند عبد الله بن عباس 1/ 402 (710).

(3)

"سنن الترمذي"(2546)، "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 319 (31706).

(4)

ورد بهامش الأصل: سقط عشرون، كذا رأيته في نسخة من "التذكرة".

(5)

"التذكرة" ص 438.

ص: 355

قلت: قد يحمل هذا على حالة الموقف، والأول على حالة الانفصال ودخول الجنة.

فصل:

اختلف العلماء في وقت كون الزلزلة، كما قاله الطبري، فقال عطاء وعامر وعلقمة: هي كائنة في الدنيا قبل القيامة، وروي مرفوعًا نحوه بإسناد فيه نظر، ثم ساقه من حديث أبي هريرة وفيه مجهولان، قال: والصواب في ذلك ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر حديث أبي سعيد وأشباهه

(1)

.

وحكى الخلاف أيضًا الزجاج فقال: قيل هذِه الزلزلة في الدنيا وأنه يكون بعدها طلوع الشمس من مغربها، وقيل: إنها الزلزلة التي تكون معها الساعة.

فصل:

ذكر البخاري في كتاب التفسير: وقال جرير وعيسى بن يونس وأبو معاوية يعني عن الأعمش: {سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج: 2]

(2)

وتعليق أبي معاوية وجرير أخرجهما ابن مردويه من حديثهما، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد به.

ورواية المسيب بن شريك والنخعي عن الأعمش: (سَكْرى وَمَا هُمْ بِسَكْرى). قال الأعمش: وهي قراءتنا، وبها قرأ حمزة والكسائي

(3)

.

(1)

"تفسير الطبري" 9/ 104 - 106.

(2)

سيأتي في "تفسير سورة الحج، باب: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} وفيه أنهم قرأوا (سَكرى وما هم بسَكرى) ".

(3)

انظر: "السبعة في القراءات" لابن مجاهد ص 434، "الحجة" للفارسي 5/ 266، "الكشف" لمكي 2/ 116.

ص: 356

وأخرج الطبري رواية أبي معاوية، عن الأعمش

(1)

، وكذا تعليق عيسى بن يونس، عن الأعمش أخرجه أيضًا

(2)

، وقال الفراء: أجمعت القراء على: {سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} ، وقرأ ابن مسعود:(سكرى وما هم بسكرى) وهو وجه جيد في العربية؛ لأنه بمنزلة الهلكى والجرحى، وليس هو بمذهب النشوان والنشاوى، فاختير سكرى بطرح الألف من هول ذلك اليوم وفزعه، كما قيل موتى، ولو قيل: سكرى على أن الجمع يقع عليه التأنيث فيكون كالواحدة كان وجهًا كما قال: الأسماء الحسنى. وقد ذكر أن بعض القراء قرأ: (ويُرى الناس) وهو وجه جيد

(3)

.

وعند الزجاج: (تذهل) ويجوز: تُذهل. ووجه لم يقرأ به: (ويرى الناس سكرى) المعنى: يرى الإنسان الناس، وتقرأ:(ويرى الناس سكرى وما هم بسكارى). ويجوز: (وَيَرى النَّاسَ سُكَارى وَمَا هُمْ بِسُكَارى) والقراءة الكثيرة: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} قال ثعلب: امرأة حامل إذا أردت حُبلى، فإذا أردت أنها تحمل شيئًا ظاهرًا قلت: حاملة، وحمل النخلة والشجرة يفتح ويكسر

(4)

، فإن قلت: فهل تبقى حامل يوم القيامة؟ قلت: لو حضرت حامل يومئذٍ

(1)

"تفسير الطبري" 9/ 106 (24908).

(2)

عزاه الحافظ في "الفتح" 8/ 442 لإسحاق بن راهويه.

(3)

"معاني القرآن" 2/ 214 - 215.

(4)

في هامش (ص 1): قال البغوي عند تفسير قوله {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} : وهذا يدل على أن هذِه الزلزلة تكون في الدنيا؛ لأن بعد البعث لا يكون حبل، ومن قال: تكون في القيامة، قال هذا على وجه تعظيم الأمر لا حقيقته؛ لقولنا: أصابنا أمر يشيب الصغير. انتهى فتأمل مع قول (

). وانظر "تفسير البغوي" 5/ 364.

ص: 357

لوضعت ولو حضر مولود يعقل أهوال يوم القيامة لشاب قال تعالى: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} [المزمل: 17] نبه عليه ابن الجوزي.

ص: 358

‌8 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]

وَقَوْلِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} [النحل: 120] وَقَوْلِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114]. وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ.

3349 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً -ثُمَّ قَرَأَ - {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ: أَصْحَابِي أَصْحَابِي. فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ {الْحَكِيمُ} " [المائدة: 117 - 118]. [3447، 4625، 4626، 4740، 6524، 6525، 6526 - مسلم: 2860 - فتح 6/ 386]

3350 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي عَبْدُ الحَمِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ. فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْىٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ فَيَقُولُ الله تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ» . [4768، 4761 - فتح 6/ 387]

3351 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:

ص: 359

دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم البَيْتَ فَوَجَدَ فِيهِ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَصُورَةَ مَرْيَمَ فَقَالَ: «أَمَا لَهُمْ، فَقَدْ سَمِعُوا أَنَّ المَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، هَذَا إِبْرَاهِيمُ مُصَوَّرٌ فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ» . [انظر: 398 - فتح 6/ 387]

3352 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي البَيْتِ لَمْ يَدْخُلْ، حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عليهما السلام بِأَيْدِيهِمَا الأَزْلَامُ فَقَالَ:«قَاتَلَهُمُ الله، وَاللهِ إِنِ اسْتَقْسَمَا بِالأَزْلَامِ قَطُّ» . [انظر: 398 - فتح 6/ 387]

3353 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ:«أَتْقَاهُمْ» . فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: «فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ ابْنُ نَبِيِّ اللهِ ابْنِ نَبِيِّ اللهِ ابْنِ خَلِيلِ اللهِ» . قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ تَسْأَلُونَ؟ خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا» . قَالَ أَبُو أُسَامَةَ وَمُعْتَمِرٌ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [3383،3374، 3490، 4689 - مسلم: 2378 - فتح 6/ 387]

3354 -

حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ طَوِيلٍ، لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً، وَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم» . [انظر: 845 - مسلم: 2275 - فتح 6/

387]

3355 -

حَدَّثَنِي بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَذَكَرُوا لَهُ الدَّجَّالَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ أَوْ ك ف ر. قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ وَلَكِنَّهُ قَالَ: «أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ، وَأَمَّا مُوسَى فَجَعْدٌ آدَمُ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ انْحَدَرَ فِي الوَادِي» . [انظر: 1555 - فتح 6/ 388]

ص: 360

3356 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وَهْوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُّومِ» . [6298 - مسلم: 2370 - فتح 6/ 388]

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ «بِالْقَدُومِ» . مُخَفَّفَةً. تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. تَابَعَهُ عَجْلَانُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.

3357 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ الرُّعَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلاَّ ثَلَاثًا» . [انظر: 2217 - مسلم: 2371 - فتح 6/ 388]

3358 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام إِلاَّ ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ: ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللهِ عز وجل: قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء:63] وَقَالَ: بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الجَبَابِرَةِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَا هُنَا رَجُلاً مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَنْهَا. فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: أُخْتِي، فَأَتَى سَارَةَ قَالَ: يَا سَارَةُ، لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ، وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي فَلَا تُكَذِّبِينِي. فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ، فَأُخِذَ فَقَالَ: ادْعِي اللهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ. فَدَعَتِ اللهَ فَأُطْلِقَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ، فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ فَقَالَ: ادْعِي اللهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ. فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ. فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ، إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ. فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ فَأَتَتْهُ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: مَهْيَا؟ قَالَتْ: رَدَّ الله كَيْدَ الكَافِرِ -أَوِ الْفَاجِرِ- فِي نَحْرِهِ، وَأَخْدَمَ هَاجَرَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ. [انظر: 2217 - مسلم: 2371 - فتح 6/ 388]

3359 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى -أَوِ ابْنُ سَلَامٍ عَنْهُ- أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ

ص: 361

اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ وَقَالَ: «كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام» . [انظر: 3307 - مسلم: 2237 - فتح 6/ 389]

3360 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: «لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] بِشِرْكٍ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لاِبْنِهِ:{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ؟ " [لقمان: 13]. [انظر: 32 - مسلم: 124 - فتح 6/ 389]

(وقال أبو ميسرة: الرحيم بلسان الحبشة). وهذا رواه ابن المنذر من حديث إبراهيم بن سعد عنه، يعني: الأواه، وقيل: الأواه: الدعّاء، وقيل: هو الكثير التأوه، أي: التوجع شفقًا وفرقا. وقيل: هو البكاء. وقيل: هو الموقن قاله ابن عباس

(1)

. وقال (ابن)

(2)

مجاهد: هو الفقيه

(3)

.

وقال كعب: كان إذا ذكر البأس تأوه

(4)

. وحكى ابن فارس عن

(1)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 256 (1138)، والطبري 6/ 496 (17404)، وفي الأصل (الموفق) والمثبت من الطبري وعبد الرزاق.

(2)

في الأصل فوقها: كذا.

(3)

في "تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1896 (10066) من طريق إسرائيل، عن أبي مجا هد، ورواه الطبري في "تفسيره" 6/ 498 (17429) من طريق ابن جريج، عن مجاهد. وأورده السيوطي في "الدر" 3/ 510 عن مجاهد، وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(4)

رواه أحمد في "الزهد" ص 100، والطبري 6/ 498 (17427)، وأورده السيوطي في "الدر" 3/ 509 وأضاف عزوه لابن المنذر، ابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، والبيهقي في "الشعب" كلهم بلفظ: إذا ذكر النار.

ص: 362

قومٍ: أنه المؤمن بلغة الحبشة

(1)

.

وقوله: ({كَانَ أُمَّةً}) قال ابن مسعود: هو الذي يعلم الناس الخير

(2)

. وقال مجاهد: كان مؤمنًا وحده والناس كلهم كفار

(3)

.

ويقوي هذا حديث: "كان زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده"

(4)

.

والقانت: المطيع، قاله ابن مسعود

(5)

، والحنيف: المسلم وقيل: المختون والناسك، وسمي إبراهيم حنيفًا؛ لأنه حنف عما كان يعبد أبوه وقومه، أي: مال عنه إلى الإسلام. وأصل الحنف ميل من إبهام القدمين كل واحدة على صاحبتها.

وقال ابن فارس: ويقال هو الذي يمشي على ظهور قدميه

(6)

.

وقال الداودي، هو المعوج الساقين.

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 107 مادة (أوه).

(2)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 311 (1514)، والطبري 7/ 660 (21973)، والطبراني 10/ 59 (9945)، والحاكم 2/ 358 كلهم من طريق الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود.

وصححه الحاكم. وأورده السيوطي في "الدر" 4/ 253 وأضاف عزوه للفريابي، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.

(3)

أورده السيوطي في "الدر" 4/ 253 وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.

(4)

رواه أحمد 1/ 189 - 190 من حديث سعيد بن زيد، وقال الهيثمي في "المجمع" 9/ 417: وفيه المسعودي وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات. ورواه النسائي في "الكبرى" 5/ 54 - 55 (8187 - 8188) من حديث أسماء بنت أبي بكر، وزيد بن حارثة. وقال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 237 (917): بإسنادين جيدين. ورواه الحاكم 3/ 216 - 217 من حديث زيد بن حارثة، وصححه على شرط مسلم. وللحديث طرق أخرى انظر "مجمع الزوائد" 9/ 417.

(5)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 311، وانظر تخريج قول ابن مسعود السابق.

(6)

"مجمل اللغة" 1/ 254 مادة (حنف).

ص: 363

فائدة:

أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني الوادعي الكوفي، سمع ابن مسعود، وعنه أبو وائل شقيق بن سلمة، مات قبل أبي جحيفة في ولاية عبيد الله بن زياد، وقد أسلفنا الكلام على إبراهيم صلى الله عليه وسلم في أول كتاب الصلاة.

قال محمد بن أسعد الجواني: روي عن ابن عباس وعن علماء الإسلام وأهل الكتاب أن النسب فيما بين آدم وإسماعيل صحيح -على ما سنورده -وهو: إبراهيم بن تارح -وهو آزر- بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالغ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن برد بن مهليل بن قتين بن يانش بن شيث بن آدم. قال: لا خلاف في هذا بينهم، ولا خلاف إلا في أسماء الآباء؛ لأجل ثقل الألسنة، وإنما الخلاف فيما بين إسماعيل وعدنان.

قلت: فيما ذكره نظر، قال ابن حبان في "سيره": اختلفوا فيما فوق إبراهيم، فمنهم من قال: آزر بن الناحر بن سارع بن الراح بن القاسم -الذي قسم الأرض- بن بعبر بن السائخ بن الرافد بن البالخ -وهو سام- ومنهم من قال: آزر بن صاروخ بن أرغو بن فالخ بن أرفخشذ، ومنهم من ذكر شيخا بين عيبر وأرفخشد، ثم اختلفوا فيما تقدم نوح: فمنهم من قال: نوح بن ملكان بن متوشلخ بن إدريس بن الرافد بن مهليل بن قينان بن الطاهر بن شيث، ومنهم من قال: نوح بن لامك بن متوشلح بن خنوخ

(1)

.

(1)

"سيرة ابن حبان" ص 42 - 43.

ص: 364

فائدة: قال ابن الجواليقي: هو إبراهيم إبراهِم إبراهَم وإبراهام. وقال الزجاج في "تفسيره": أب راحم لرحمته الأطفال، وكذلك جعل هو وسارة كافلين لأطفال المؤمنين الذين يموتون إلى يوم القيامة.

وسيأتي في الحديث الثاني من الباب عن ابن دريد ما يتعلق بذلك.

ثم ذكر البخاري في الباب اثني عشر حديثًا:

أولها:

حديث عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا .. " الحديث. وفيه: "وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ".

هذا الحديث ذكره البخاري في مواضع أخر في أحاديث الأنبياء في باب: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16]. وفي التفسير في آخر المائدة، وفي آخر الأنبياء، وفي الرقاق. وفي بعض المواضع وقال "مشاة" وفيه قال سفيان: هذا مما نعد أن ابن عباس سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

، زاد البيهقي في "بعثه" وصححه الترمذي، فقالت زوجة ابن عباس: أينظر بعضنا إلى عورة بعض؟ فقال: يا فلانة، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)} [عبس: 37]

(2)

.

وللبخاري أيضًا عن عائشة: "تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلًا" فقلت: يا رسول الله، الرجال مع النساء؟ فقال:"يا عائشة الأمر يومئذ أشد من ذلك"

(3)

.

(1)

سيأتي برقم (6524) كتاب: الرقاق، باب: كيف الحشر.

(2)

الترمذي (3332). وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(3)

سيأتي برقم (6527) كتاب: الرقاق، باب: كيف الحشر، ورواه مسلم (2859) كتاب: الجنة، باب: فناء الدنيا ..

ص: 365

وللبيهقي عن سودة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبعث الناس حفاة عراة غرلًا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان". قلت: يا رسول الله: واسوأتاه، ينظر بعضنا إلى بعض قال:"شغل الناس عن ذلك".

وللترمذي من حديث معاوية بن حيدة: "تحشرون ركبانًا وتحشرون على وجوهكم يوم القيامة على أفواهكم الفدام"

(1)

.

ولأبي داود من حديث أبي سعيد وصححه ابن حبان أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها"

(2)

.

وجمع البيهقي بينهما بأنهم يكونون -أو بعضهم- عراة إلى موقف الحساب أو قبله، ثم يكسى إبراهيم ثم الأنبياء ثم الأولياء، فيكسون كسوة، كل إنسان من جنس ما يموت فيه حتى إذا دخلوا الجنة ألبسوا من ثيابها، ويبعثون من قبورهم في ثيابهم التي يموتون فيها ثم عند الحشر تتناثر عنهم ثيابهم فيحشرون -أو بعضهم- إلى موقف الحساب عراة، ثم يكسون من ثياب الجنة.

وحمله بعض أهل العلم على العمل أي: في أعماله التي يموت فيها من خير أو شر قال تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] وقال: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4] يقول: عملك أخلصه.

قال: وفي مسلم عن جابر مرفوعًا: "يبعث كل عبد على ما مات

(1)

الترمذي (2424) بلفظ: "إنكم محشورون رجالًا وركبانًا وتجرون على وجوهكم"، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أحمد 4/ 447 بلفظ: "تأتون يوم القيامة وعلى أفواهكم الفدام

".

(2)

أبو داود (3114)، وابن حبان 16/ 307 (7316).

ص: 366

عليه"

(1)

. قال: وروينا عن فضالة بن عبيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من مات على مرتبة من هذِه المراتب بعث عليها يوم القيامة"

(2)

. قال: وهذان الخبران يؤكدان قول من حمل الخبر الأول على العمل. وقال ابن عبد البر: يحشر العبد غرًّا وله من الأعضاء ما كان له يوم ولد، فمن قطع منه عضو يرد في القيامة، حتى الختان. وقد احتج بحديث أبي سعيد من قال: إن الموتى يبعثون على هيئاتهم وحمله الأكثر من العلماء على الشهيد الذي أمر أن يزمل في ثيابه ويدفن بها ولا يغير شيء من حاله بدليل حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما. قالوا: ويحتمل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث في الشهيد فتأوله على العموم

(3)

.

قلت: ومما يدل على قول الأكثرين مما يوافق حديث عائشة وابن عباس قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 94] وقوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} . والملابس يومئذ لا غناء فيها إلا ما كان من لباس الجنة.

وأما الغزالي فذهب إلى حديث أبي سعيد وقوله عليه السلام: "بالغوا في أكفان موتاكم؛ فإن أمتي تحشر في أكفانها، وسائر الأمم عراة". رواه أبو سفيان مسندًا، وإن صح فيكون معناه، فيحمل على أمتي الشهداء. وحديث أبي الزبير عن جابر مرفوعًا:"أحسنوا أكفان موتاكم؛ فإنهم يتباهون بها، ويتزاورون في قبورهم"

(4)

. أخرجه

(1)

مسلم (2878) كتاب: الجنة وصفة نعيمها، باب: الأمر بحسن الظن.

(2)

رواه أحمد 6/ 19، والطبراني 18/ 305.

(3)

انظر "التمهيد" 19/ 14 - 15.

(4)

أورده العجلوني في "كشف الخفاء" 1/ 97 (266) وعزاه للسجزي، وقال الشوكاني في "الفوائد" ص 269 (199): قيل لا يصح، ونقل عن السيوطي قوله في "اللآلئ": بل هو حسن صحيح، له طرق وشواهد كثيرة.

ص: 367

أبو نصر الوايلي في "الإبانة" فمحمول على أن ذلك يكون في البرزخ كما في نفس الحديث، فإذا قاموا خرجوا كما في حديث ابن عباس إلا الشهداء.

فصل:

قوله: ("حفاة") أي: لا نعل في أرجلهم، ولا خف يقال منه: حفي يحفي حفية وحفاية، فأما من حفي من كثرة المشي فهو حف بين الحفأ مقصور.

فصل:

("عراة") سلف ما فيه. و ("غُرلًا") بضم الغين المعجمة جمع أغرل وهو الأقلف، والأغرل والأغلف والأقلف، والأعرم -بالمهملة- كل واحد، والغرلة: ما يقطع الخاتن من ذكر الصبي، وهو القلفة وبطولها تعرف نجابة الصبي، وقال أبو هلال العسكري: لا تلتقي الراء مع اللام في العربية إلا في أربع كلمات: أرل اسم جبل، وورل دابة، وجرل وهو ضرب من الحجارة - والغرلة

(1)

.

قلت: أهمل أربع كلمات أخر برل الديك، وهو الذي يستدير بعنقه، عيش أغرل واسع، قاله أبو نصر، ورجل غرل: مسترخي الخلق، والهرل: ولد الزوجة، قاله القالي.

فائدة:

لذة جماع الأقلف تزيد على لذة جماع المختون، كما نبه عليه ابن الجوزي.

(1)

"جمهرة الأمثال" 1/ 396.

ص: 368

قال ابن عقيل: بشرة حشفة الأقلف موقاة بالقلفة، فتكون بشرتها أرق، وموضع الحس كلما رق كان الحس أصدق كراحة الكف إذا كانت مرفهة من الأعمال صلحت للحس، وإذا كانت يد قصار أو نجار خفي فيها الحس، فلما أبانوا في الدنيا تلك البضعة لأجله، أعادها الله ليذيقها من لذة حلاوة فضله، قال: والسر في الختان مع أن القلفة معفو عما تحتها من النجس أنه سنة إبراهيم صلى الله عليه وسلم حيث بلي بالترويع بذبح ولده، فأحب أن يجعل لكل واحد ترويعًا بقطع عضو وإراقة دم، وتبتلى أولادهم بالصبر على إيلام الآباء لهم، فتكون هذِه الحالة مظهرة للصبر والتسليم من الآباء والأولاد تأسيًا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم.

فصل:

وقوله: ("أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم") فيه منقبة ظاهرة له وفضيلة وخصوصية كما خص موسى بأنه يجده متعلقًا بساق العرش، مع أن سيد الأمة أول من تنشق عنه الأرض، ولا يلزم من هذا أن يكونا أفضل منه، بل هو أفضل من وافى القيامة. وروى ابن المبارك في رقائقه من حديث عبد الله بن الحارث، عن علي: أول من يكسى خليل الله قبطيتين ثم يكسى (محمد)

(1)

صلى الله عليه وسلم حلة حبرة عن يمين العرش

(2)

. وفي "منهاج الحليمي" من حديث عباد بن كثير: عن الزبير، عن جابر رضي الله عنه: أول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم ثم محمد ثم النبيون، ثم قال: إذا أتى محمد أي: بحلة لا يقوم لها البشر لتحير الناظر بنفاسة الكسوة، فيكون كأنه كسي مع إبراهيم.

(1)

من (ص 1).

(2)

"الزهد" برواية نعيم بن حماد ص 105 - 106 (364).

ص: 369

وعند أبي نعيم، عن ابن مسعود قال: جاء ابنا مليكة

(1)

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثًا: "فيكون أول من يكسى إبراهيم يقول ربنا -جل وعز-: اكسوا خليلي فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما ثم يقعد مستقبل العرش ثم أُوتى بكسوتي فألبسها فأقوم عن يمينه مقامًا يغبطني فيه الأولون والآخرون"

(2)

. وفي "الأسماء والصفات" للبيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "أول من يكسى إبراهيم حلة من الجنة ويؤتى بكرسيّ فيطرح على يمين العرش ويؤتى بي فأكسى حلة لا يقوم لها البشر". والحكمة في ذلك ما ذكره العلماء أنه لم يكن في الأولين والآخرين عبد أخوف لله منه

(3)

فتعجل له كسوته أمانًا ليطمئن قلبه. ويحتمل أن يكون ذلك كما جاء في بعض الأحاديث أنه أول من أمر بلبس السراويل إذا صلى

(4)

؛ مبالغة في الستر وحفظًا للفرج من مس المصلى. فلما فعل ما أمر به جوزي أن يكون أول من يستر يوم القيامة. ويحتمل أن يكون الذين ألقوه في النار جردوه من ثيابه كما يفعل بمن يراد قتله، وكان ذلك في ذات الله، فلما صبر وتوكل على الله دفع عنه شر النار وجزاه بذلك التجريد أنه أول من يدفع عنه العري يوم القيامة على رءوس الأشهاد.

(1)

ورد في هامش الأصل: ابنا مليكة الجعفيان صحابيان اسم أحدهما سلمة. والله أعلم.

(2)

"حلية الأولياء" 4/ 238، ورواه أيضًا أحمد 1/ 398 - 399 كلاهما من طريق عثمان بن عمير، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود. وضعفه الهيثمي في "المجمع" 10/ 362 لأجل عثمان بن عمير.

(3)

ورد بهامش (ص 1) تعليق نص: أقول: أي في زمانه كما لا يخفى، إذ هو على الإطلاق يشمل المصطفى، فهو مشكل.

(4)

ذكره الديلمي في "مسند الفردوس" 1/ 28 عن نبيط بن شريط بلفظ: "أول من لبس السروال إبراهيم عليه السلام".

ص: 370

فصل:

قوله: ("وإن ناسًا من أمتي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقال: إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم")، ظاهره الخروج عن الملة، وذهب الخطابي إلى أن الارتداد هنا التأخير عن الحقوق اللازمة والتقصير فيها

(1)

. وهو مردود؛ فإن ظاهر الارتداد يقتضي الكفر؛ لقوله تعالى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] أي: رجعتم إلى الكفر، والشارع قال:"بُعْدًا لهم وسحقًا"

(2)

، وهذا لا يقال للمسلمين، فإن شفاعته للمذنبين، فإن قلت: كيف خفي

عليه حالهم مع إخباره بعرض أمته عليه، قلت: ليسوا من أمته كما قلناه وإنما يعرض عليه أعمال الموحدين لا المرتدين والمنافقين، وقال ابن التين: يحتمل أن يكونوا منافقين أو مرتكبي الكبائر من أمته قال: ولم يرتد بحمد الله أحد من أمته ولذلك قال: {عَلَى أَعْقَابِكُمْ} ؛ لأن الذي يعقل من قوله "مرتدين": الكفر إذا أطلق من غير تقييد. وقيل: هم قوم من جفاة العرب دخلوا في الإسلام أيام حياته رغبة ورهبة كعيينة بن حصن جاء به أبو بكر أسيرًا والأشعث بن قيس فلم يقتلهما ولم يسترقهما فعاودا

(3)

الإسلام.

وقال النووي: المراد به المنافقون والمرتدون فيناديهم للسيما التي عليهم من غرة وتحجيل يقال: ليس هؤلاء ممن وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك أي: أنهم لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم. قلت: لكن

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1536.

(2)

سيأتي برقم (6584) كتاب: الرقاق، باب: في الحوض. من حديث أبي سعيد بلفظ: "سُحقًا سُحقًا".

(3)

في (ص 1): فعادوا.

ص: 371

السيما إنما تكون للمؤمنين، والمنافق وإن كان مؤمنًا في الظاهر فليس في الحقيقة مؤمنًا والمرتد لا سيما له؛ إذ عمله محبط، وقيل: المراد من كان في زمنه مسلمًا ثم ارتد بعده فيناديه لما كان يعرفه في حال حياته من إسلامهم فيقال: ارتدوا بعدك، ويشكل عليه عرض الأعمال، ويجاب بما سلف، ودعوى أنهم أهل الكبائر الذين ماتوا على التوحيد أو أصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام. فيه نظر؛ لأنه لا يدعي عليهم. قال صاحب هذِه المقالة: وعلى هذا لا يقطع لهؤلاء المذادين بالنار بل يجوز أن يذادوا عقوبة لهم ثم يرحموا ويدخلون الجنة

(1)

.

قال أبو عمر ابن عبد البر: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج (والروافض)

(2)

وسائر أصحاب الأهواء وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق والمعلنون بالكبائر

(3)

.

فصل:

قوله: ("أصحابي أصحابي") صيغة دالة على قلة عددهم.

الحديث الثاني:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلمْ أقلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ. فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ،

(1)

"صحيح مسلم بشرح النووي" 3/ 136 - 137.

(2)

من (ص 1).

(3)

"التمهيد" 20/ 262.

ص: 372

إنَّكَ وَعَدْتَني أَنْ لَا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ فيَقُولُ اللهُ عز وجل: إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ. ثُمَّ يُقَالُ لإبْرَاهِيمُ: مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ" .. هذا الحديث يأتي في سورة الشعراء.

ومعنى (القترة): الظلمة، وفسرها ابن التين بالغبرة

(1)

، على هذا قوله: "قترة (و)

(2)

غبرة" مترادف، ثم قال: وقيل القترة: ما يغشى الوجه من كرب، وقيل: القترة: الغبرة معها سواد كالدخان. قاله الزجاج، وعن مقاتل: سواد وكآبة. والذيخ: بذال معجمة مكسورة وخاء معجمة قبلها مثناة تحت، وهو ذكر الضباع، قال ابن سيده: وا لجمع: أذياخ وذيوخ وذيخة، والأنثى: ذيخة، والجمع: ذيخات، ولا يكسر

(3)

.

وأراد بالمتلطخ (أي: متطلخ)

(4)

بالرجيع أو بالطين، وحملت بإبراهيم الرأفة على أن يشفع فيه فرئي له على خلاف منظره؛ ليتبرأ منه، وفي رواية أخرى أنه يأخذ بحجزة إبراهيم فينزع منه إبراهيم.

وقال ابن دريد في "وشاحه": أمه بوثا بنت كربنا بن بركوثا بن أرفخشذ بن سام. والنهر الذي يعرف بنهر كوثا حفره أبو أم إبراهيم قبل ولادة إبراهيم، وكان أهل إبراهيم بمنازلهم جيران فأصابهم السنة فجاءوا إلى كوثا فولد إبراهيم بقرية بها يقال لها: هرمز جرد قريبًا من حصل وبها أحرق وسمي إبراهيم؛ لأن أمه وضعته على نهر كوثا

(1)

ورد بهامش الأصل: هو في بعض الطرق مفسر في نفس الحديث، الغبرة: القترة.

(2)

من (ص 1).

(3)

"المحكم" 5/ 154.

(4)

من (ص 1).

ص: 373

فسمي إبرا يعني: النهر، وهم يعني: الماء، فلما نجا من النار عبر الفرات.

وكلامه السريانية فبعث نمروذ فقالوا: ردوا كل من تكلم بها فأدركوه وقد أقلب الله لسانه إلى العبرانية، وإنما سمي عبراني؛ لأنه عبر الفرات، فذهب إلى عمه تيويل بن ناحور فزوجه سارة، وسيأتي تمامها.

فائدة:

ذكر ابن عساكر في "تاريخه": إن سيدنا إبراهيم ولد بغوطة دمشق، بقرية يقال لها برزة في قاسيون، والصحيح ولادته بكوثا من إقليم بابل بالعراق

(1)

.

الحديث الثالث:

حديث كُرَيْبٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم البَيْتَ، فوَجَدَ فِيهِ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَصُورَةَ مَرْيَمَ فَقَالَ:"أَمَا لَهُمْ فَقَدْ سَمِعُوا أَنَّ المَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، هذا إِبْرَاهِيمُ مُصَوَّرٌ فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ".

ثم ذكره من حديث عكرمة عنه وهو الرابع.

وقد سلف من هذا الوجه في الحج في باب: من كبر في نواحي الكعبة، ويأتي في المغازي

(2)

.

وإنكاره استقسام إبراهيم وإسماعيل؛ لأن الأزلام إنما كانت في أيام الجاهلية بعد عيسى فأنى حين ذاك هما.

(1)

"تاريخ دمشق" 6/ 164.

(2)

سلف برقم (1601)، وسيأتي برقم (4288) باب: أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح.

ص: 374

الحديث الخامس:

حديث يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ:"أَتْقَاهُمْ". فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذا نَسْأَلُكَ. قَالَ: "فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ ابن نَبِيِّ اللهِ ابن نَبِيِّ اللهِ ابن خَلِيلِ اللهِ". قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذا نَسْأَلُكَ. قَالَ: "فَعَنْ مَعَادِنِ (الْعَرَبِ)

(1)

تَسْأَلُونَي؟ خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الاسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا". قَالَ أَبُو أُسَامَةَ وَمُعْتَمِرٌ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ..

وهذا التعليق أسنده في موضع آخر: عن عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة حماد بن أسامة

(2)

. وقال في موضع آخر: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عبيد الله فذكره

(3)

، وتابعهما أيضًا عبيد بن إسماعيل

(4)

وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر

(5)

والحسن بن عياش قال الدارقطني: والقول قول يحيى بن سعيد

(6)

.

(1)

ساقطة من الأصل.

(2)

سيأتي برقم (3383) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} .

(3)

سيأتي برقم (3374) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب:{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} .

(4)

هكذا في الأصول، وعبيد بن إسماعيل لا يروي عن عبيد الله بن عمر العُمري، انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 19/ 186 (3703)، وانظر "علل الدارقطني" 8/ 135.

(5)

رواه النسائي في "الكبرى" 6/ 367 (11250).

(6)

"العلل" 8/ 135.

ص: 375

إذا تقرر ذلك فالكرم معناه هنا: الشرف؛ وذلك أن من اتقى ربه جل وعز شرف؛ لأن التقى يحمله على أسباب العز؛ لأنها تبعده عن الطمع في كثير من المباح فضلاً عن غيره من المآثم، وما ذاك إلا من أسره هواه.

وادعى القرطبي أنه يخرج من هذا الحديث أن إخوة يوسف ليسوا أنبياء، إذ لو كانوا كذلك لشاركوه في هذِه المنقبة

(1)

. وفيه نظر: فإنه ذكر؛ لكونه أفضلهم، لا سيما على من ادعى رسالته.

الحديث السادس:

حديث سَمُرَة: "أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، فَأتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ طَوِيلٍ، لَا أَكَادُ أَرى رَأْسَهُ طُولاً، وَهو إِبْرَاهِيمُ".

هذا الحديث سلف مطولًا في أواخر الجنائز

(2)

.

الحديث السابع:

حديث مُجَاهِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَذكر لَهُ الدَّجَّالَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِر -أَوْ ك ف ر- قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ وَلَكِنَّهُ قَالَ: "أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ، وَأَمَّا مُوسَى فَجَعْدٌ آدَمُ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ، كَأَنيَّ أَنْظُرُ إِلَيْهِ انْحَدَرَ فِي الوَادِي".

هذا الحديث سلف في الحج في باب التلبية إذا انحدر في الوادي. والخلبة: الليف، قاله ابن فارس

(3)

، وقدم عليه ابن التين أنها الخصلة من الليف، وجمعها: خلب.

(1)

"المفهم" 6/ 227.

(2)

سلف برقم (1386).

(3)

"مجمل اللغة" 2/ 299 مادة (خلب).

ص: 376

الحديث الثامن:

حديث مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وَهْوَ ابن ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُّومِ".

حدثنا أبو اليمان، أنا شعيب، عن أبي الزناد "بالقَدُوم" مخففة. تابعه عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد، وتابعه عجلان، عن أبي هريرة، ورواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، وفي غير نسخة من رواية أبي الوقت وغيره: تابعه عبد الرحمن إلى آخره تقدم على قوله: (حدثنا أبو اليمان) إلى قوله: (مخففة) ويأتي في الاستئذان وأخرجه مسلم.

قال ابن التين: روي "بالقدوم" بضم القاف وتشديد الدال.

وروي بفتح القاف مع التشديد، ومعناه ختن بمكان اسمه القدوم، ومن رواه بتخفيف الدال أراد الآلة القدوم الذي ينجر به الخشب، واسم المكان قدوم بغير ألف، وقيل: القدوم مقيل لإبراهيم. وقيل: هي قرية بالشام، وعكس ذلك الداودي فقال: من رواه بالتخفيف أراد الموضع، ومن رواه بالتشديد يريد الفأس الصغير.

وقال النووي: رواة مسلم متفقون على التخفيف

(1)

. قال القاضي عياض: هو بالتخفيف وفتح القاف وهي قرية بالشام، وقيل: هي آلة النجار المعروفة وهي مخففة لا غير. وحكى الباجي التشديد، وقال: هو موضع. وقال ابن دريد: ثنية بالسراة

(2)

. وضبطه القابسي،

(1)

"صحيح مسلم بشرح النووي" 15/ 122.

(2)

"جمهرة اللغة" 2/ 676.

ص: 377

والأصيلي في حديث قتيبة عن مغيرة بالتشديد. قال الأصيلي: وكذا قرأه علينا أبو زيد المروزي، وأنكر يعقوب بن شيبة التشديد، وحكى البخاري عن شعيب -كما مضى- التخفيف

(1)

.

وقال القرطبي: الذي عليه أكثر الرواة التخفيف -يعني به: الآلة- وهو قول أكثر أهل اللغة في الآلة. وقال أبو جعفر: المكان مشدد

(2)

لا يدخله الألف واللام. قال يعقوب: والآلة لا تشدد. قال القرطبي: وهو اسم لموضع مخفف.

قال: ويحصل من أقوالهم أنه (إن)

(3)

أريد به الآلة فهو مخفف، وإذا أريد به الموضع ففيه التشديد والتخفيف، ويحتمل أن يريد بالذي في الحديث الآلة والموضع

(4)

.

قال الحازمي: المخفف قرية كانت عند حلب. وقيل: هو اسم مجلس إبراهيم بحلب. وفسر في الحديث بأنه الموضع، والقدوم: جبل بالحجاز. والمشدد الدال قال ثعلب: هو اسم موضع.

قال الحازمي: إن أراد ثعلب أحد هذين الموضعين فلا يتابع عليه؛ لاتفاق أئمة النقل على خلاف ذلك، وإن أراد موضعًا ثالثًا صح ما قاله.

وقال الجوهري

(5)

: القدوم الذي ينحت به مخفف، ولا تقول: قدوم بالتشديد. قاله ابن السكيت، والجمع قُدُم

(6)

.

(1)

"إكمال المعلم" 7/ 341.

(2)

في (ص 1): المشدد.

(3)

من (ص 1).

(4)

"المفهم" 6/ 182 - 183.

(5)

في هامش الأصل: قاله في "الصحاح" وهو الصواب.

(6)

"الصحاح" 5/ 2008.

ص: 378

فائدة:

فأما قوله: (فذكاه بقدوم) فهي الآلة ولا خلاف

(1)

في تخفيفها، وكذلك في قوله: حتى كان بطرف القدوم. روي بفتح القاف وضمها وتخفيف الدال وتشديدها، وبالفتح مع التشديد أكثر.

وقوله: (تدلى علينا من قدوم ضأن .. ) الحديث السالف

(2)

، بالتخفيف مع الفتح، وضم القاف بعضهم والفتح أكثر وهو موضع، وتأوله بعضهم قدوم ضأن، أي: المتقدم منه وهي رءوسها. وهو وهم بين، ثم أعاد عياض ذكرها في أسماء المواضع فقال في حديث إبراهيم: لم يختلف في فتح قافه، واختلف في شد داله. وأكثر الرواة على تشديدها، حكاه الباجي. وأنكر يعقوب أن تشد. وقال البكري: هو قول أكثر أهل اللغة

(3)

. وهو رواية شعيب في البخاري، وأما طرف القدوم بفتح القاف، وتشديد الدال في قول الأكثر، ومنهم من خفف الدال، ورواه أحمد الصدفي، ورواه "الموطأ" بالضم والتشديد

(4)

، قال ابن وضاح: هو جبل بالمدينة. وقال ابن دريد: قدوم بالفتح والتخفيف ثنية بالسراة، وكذا قال البكري، وقال: المحدثون يشددونه. وأما الذي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (قدوم ضأن) فبالفتح والتخفيف، وهي ثنية بجبل دوس. وضأن: اسم جبل، قاله الحربي وهو غير مهموز، وضبطه الأصيلي بالضم لا غير وبالفتح

(1)

ورد في هامش الأصل: قد حكى فيه الأزهري التشديد، وتقدم عن القرطبي أن أكثر أهل اللغة على أنه في الآلة.

(2)

سلف برقم (2827) كتاب: الجهاد والسير، باب: الكافر يقتل المسلم ..

(3)

"معجم ما استعجم" 3/ 1053.

(4)

"الموطأ" ص 365 (87).

ص: 379

حكاه الحربي، وهي رواية الكافة، وحكى البكري عن محمد بن جعفر اللغوي أن المكان مشدد لا يدخله الألف واللام. ومن رواه في حديث إبراهيم بالتخفيف فإنما عنى الآلة

(1)

، واختلف على أبي الزناد في ضبطه في البخاري فروى قتيبة عنه التشديد، ورواه غيره بالتخفيف

(2)

.

فصل:

قوله: "وهو ابن ثمانين" قال القاضي عياض: جاء هذا الحديث من رواية مالك والأوزاعي: وهو ابن مائة وعشرين سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة، إلا أن مالكًا ومن تبعه وقفوه على أبي هريرة

(3)

.

قال النووي: وهو متأول أو مردود

(4)

. قلت: قد أخرجه ابن حبان في "صحيحه" مرفوعًا، وكذا الحاكم في "مستدركه"

(5)

، وحكى الماوردي أنه اختتن وهو ابن سبعين سنة، وقال ابن عقبة

(6)

: عاش مائة وسبعين سنة.

فصل:

كان إبراهيم أول من اختتن فصار سنة معمولًا بها في ذريته، وهو حكم التوراة علي بني إسرائيل كلهم، ولم يزالوا يختتنون إلى زمن

(1)

"معجم ما استعجم" 3/ 1052 - 1053.

(2)

"مشارق الأنوار" 2/ 198.

(3)

"إكمال المعلم" 7/ 341 - 342.

(4)

"شرح صحيح مسلم" 15/ 122.

(5)

"صحيح ابن حبان" 14/ 84 - 86 (6204، 6205)، ورواه الحاكم في "المستدرك" 2/ 551 موقوفًا على أبي هريرة.

(6)

في (ص 1): ابن قتيبة، ونقل ابن قتيبة في "المعارف" ص 33 عن وهب: أنه عليه السلام عاش مائة وخمسًا وسبعين سنة.

ص: 380

عيسى، غيرت طائفة من النصارى ما جاء في التوراة من ذلك وقالوا: المقصود: قلفة القلب لا قلفة الذكر، فتركوا المشروع من الختان بضرب من الهذيان.

وهو عند الشافعي واجب وعند أكثر العلماء سنة، وإنما يجب بعد البلوغ، ويستحب في السابع ومحل بسطه الفروع، وقد سلف قريبًا السرُّ في مشروعيته فراجعه.

الحديث التاسع:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاًثا".

وحديثه بعده وهو: العاشر:

"لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ: ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللهِ" إلى آخره. وقد سلف تأويله قريبًا، وأنها معاريض أو {إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} فكبيرهم فعله على التقديم والتأخير، وقصة سارة مع الكافر سلفت أيضًا، وذكره أيضًا في النكاح في موضعين والهبة

(1)

.

قول أبي هريرة: (تلك أمكم يا بني ماء السماء). يريد: هاجر، والخطاب للعرب، قال الخطابي: سموا بذلك؛ لانتجاعهم المطر وماء السماء للرعي. ويقال: إنه أراد زمزم أنبطها الله لهاجر فعاشوا به فكأنهم أولادها

(2)

. وقال غيره: سموا بذلك لخلوص نسبهم وصفائه كماء السماء. قال عياض: والأظهر عندي أنه أراد بذلك الأنصار، نسبهم إلى جدهم عامر، وكان يعرف بماء السماء، والأنصار كلهم

(1)

سلف في الهبة برقم (2635) باب: إذا قال: أخدمتُك هذِه الجارية، وسيأتي في النكاح برقم (5084) باب: اتخاذ السراري.

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1538.

ص: 381

من ولده، وهو ابن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوعشرين نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قطحان

(1)

. وما ذكره إنما يأتي على الشاذ؛ لأن العرب جميعها من ولد إسماعيل إلا قبائل استثنيت. أما الأنصار فليسوا من ولد إسماعيل ابن هاجر، ولا يعلم لها ولد غيره.

الحديث الحادي عشر:

حديث أم شريك في الأوزاغ. سلف قريبًا، وفي الحج أيضًا

(2)

.

الحديث الثاني عشر:

حديث عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ عز وجل قَالَ: لمَّا نَزَلَتِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} .. الحديث.

سلف في الإيمان في باب: ظلم دون ظلم فراجعه وسياقته هنا أطول، واعترض الإسماعيلي فقال: لا أعلم في هذا الحديث شيئًا من قصة إبراهيم، إذ هو مذكور في الباب المترجم بإبراهيم.

ولك أن تقول: له وجه بيِّن، وذلك أن هذِه الآية المذكورة في سورة الأنعام كلها فيه، وكذا ما بعدها لما حاجه قومه فقال:{أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ} إلى أن قال: {وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: 80 - 83]، ولهذا إن عليًّا روى عنه الحاكم أنه قرأ هذِه الآية:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قال: هذِه في إبراهيم وأصحابه، ليس في هذِه الأمة. ثم قال صحيح الإسناد

(3)

.

(1)

"إكمال المعلم" 7/ 347، ولم يذكر في نسب عامر بن حارثة ما بعد (الأزد).

(2)

سلف في الحج برقم (1831) باب: ما يقتل المحرم من الدواب، من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للوزغ "فويسق" .. الحديث.

(3)

"المستدرك" 2/ 316.

ص: 382

وقال الثعلبي في قَوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} قال: هم الذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ.

قال الخطابي: إنما شق على الصحابة؛ لأن ظاهر الظلم ظلم النفس من ارتكاب المعاصي، وأخذ أموال الناس، ظن الصحابة أنه يراد بها ظاهرها. وأصل الظلم: وضع الشيء في غير موضعه

(1)

.

(1)

"أعلام الحديث" 1/ 162 - 163

ص: 383

‌9 - باب {يَزِفُّونَ} [الصافات: 194]: النَّسَلَانُ فِي المَشْي

3361 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بِلَحْمٍ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ يَجْمَعُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيُنْفِدُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ -فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ- "فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنَ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. فَيَقُولُ -فَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ-: نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى". تَابَعَهُ أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3340 - مسلم: 194 - فتح 6/ 395]

3362 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَرْحَمُ الله أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْلَا أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا» . [انظر: 2368 - فتح 6/ 395]

3363 -

قَالَ الأَنْصَاريُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَمَّا كَثِيرُ بْنُ كَثِيرٍ فَحَدَّثَنِي قَالَ: إِنِّي وَعُثْمَانَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ جُلُوسٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: مَا هَكَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ عليهم السلام وَهْيَ تُرْضِعُهُ، مَعَهَا شَنَّةٌ -لَمْ يَرْفَعْهُ- ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ. [انظر: 2368 - فتح 6/ 396]

3364 -

وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِي، وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ المُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ المِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّىَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهْيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ البَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ، فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى المَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ

ص: 384

تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي الذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ: آللهُ الذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا. ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ البَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} حتَّى بَلَغَ: {يَشْكُرُونَ} . وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى -أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ- فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ، الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ المَجْهُودِ، حَتَّى جَاوَزَتِ الوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ المَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ -قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَذَلِكَ سَعْي النَّاسِ بَيْنَهُمَا» . - فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى المَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صَهٍ. تُرِيدَ نَفْسَهَا، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ، إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ. فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ، عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ -أَوْ قَالَ: بِجَنَاحِهِ- حَتَّى ظَهَرَ المَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ المَاءِ في سِقَائِهَا، وَهْوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ -قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُ الله أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ -أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ المَاءِ- لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا» . -قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا المَلَكُ: لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللهِ، يَبْنِي هَذَا الْغُلَامُ، وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ. وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ، تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ، حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ -أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ- مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا. فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ، لَعَهْدُنَا بِهَذَا الوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ، فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا -أَوْ جَرِيَّيْنِ- فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ،

ص: 385

فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ، فَأَقْبَلُوا، قَالَ: وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ، فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ في الْمَاءِ. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، وَهْيَ تُحِبُّ الإِنْسَ» فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ، فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الغُلَامُ، وَتَعَلَّمَ العَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ، بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ. فَشَكَتْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عليه السلام، وَقُولِي لَهُ: يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ. فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا، فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ. قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ. فَطَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ الله ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ، فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَسَأَلَهَا عَنْهُ. فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ، وَهَيْئَتِهِمْ. فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ. وَأَثْنَتْ عَلَى اللهِ. فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتِ: اللَّحْمُ. قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ: المَاءُ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ» . قَالَ: فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلاَّ لَمْ يُوَافِقَاهُ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِى عليه السلام، وَمُرِيهِ: يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ -وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ- فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ، أَنَّا بِخَيْرٍ. قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَأَنْتِ العَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ. ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ الله، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلاً لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ، فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا

ص: 386

إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ. قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ. قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ. قَالَ: فَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِي هَا هُنَا بَيْتًا. وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا. قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا القَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ البِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهْوَ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} . قَالَ: فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ البَيْتِ، وَهُمَا يَقُولَانِ:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]. [انظر: 2368 - فتح 6/ 396]

3365 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كَانَ، خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ، وَمَعَهُمْ شَنَّةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ فَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، حَتَّى لَمَّا بَلَغُوا كَدَاءً نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ: يَا إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا؟ قَالَ: إِلَى اللهِ. قَالَتْ: رَضِيتُ بِاللهِ. قَالَ: فَرَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا، حَتَّى لَمَّا فَنِي المَاءُ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا. قَالَ: فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ هَلْ تُحِسُّ أَحَدًا فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا، فَلَمَّا بَلَغَتِ الوَادِيَ سَعَتْ وَأَتَتِ المَرْوَةَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أَشْوَاطًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ -تَعْنِي الصَّبِيَّ- فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، فَإِذَا هُوَ عَلَى حَالِهِ كَأَنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ، فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا، فَقَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا، فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا، حَتَّى أَتَمَّتْ سَبْعًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ، فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ فَقَالَتْ: أَغِثْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ. فَإِذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: فَقَالَ بِعَقِبِهِ هَكَذَا، وَغَمَزَ عَقِبَهُ عَلَى الأَرْضِ، قَالَ: فَانْبَثَقَ الْمَاءُ، فَدَهَشَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَعَلَتْ تَحْفِزُ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ تَرَكَتْهُ كَانَ المَاءُ ظَاهِرًا» . قَالَ: فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ المَاءِ، وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا -قَالَ: فَمَرَّ نَاسٌ مِنْ جُرْهُمَ بِبَطْنِ الوَادِي، فَإِذَا هُمْ بِطَيْرٍ،

ص: 387

كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَاكَ، وَقَالُوا: مَا يَكُونُ الطَّيْرُ إِلاَّ عَلَى مَاءٍ. فَبَعَثُوا رَسُولَهُمْ، فَنَظَرَ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَتَوْا إِلَيْهَا، فَقَالُوا: يَا أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَكِ أَوْ نَسْكُنَ مَعَكِ؟ فَبَلَغَ ابْنُهَا فَنَكَحَ فِيهِمُ امْرَأَةً، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي. قَالَ: فَجَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: ذَهَبَ يَصِيدُ. قَالَ: قُولِى لَهُ إِذَا جَاءَ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ. فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ قَالَ: أَنْتِ ذَاكِ فَاذْهَبِي إِلَى أَهْلِكِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي. قَالَ: فَجَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: ذَهَبَ يَصِيدُ، فَقَالَتْ: أَلَا تَنْزِلُ فَتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ؟ فَقَالَ: وَمَا طَعَامُكُمْ؟ وَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: طَعَامُنَا اللَّحْمُ، وَشَرَابُنَا المَاءُ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ» . قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي. فَجَاءَ فَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ، يُصْلِحُ نَبْلاً لَهُ، فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِي لَهُ بَيْتًا. قَالَ: أَطِعْ رَبَّكَ. قَالَ: إِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ. قَالَ: إِذًا أَفْعَلَ. أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقَامَا فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الحِجَارَةَ، وَيَقُولَانِ:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قَالَ: حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ وَضَعُفَ الشَّيْخُ عَلَى نَقْلِ الحِجَارَةِ، فَقَامَ عَلَى حَجَرِ المَقَامِ، فَجَعَلَ يُنَاوِلُهُ الحِجَارَةَ، وَيَقُولَانِ:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} . [البقرة: 127]. [انظر: 2368 - فتح 6/ 398]

ص: 388

‌10 - باب

3366 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ:«الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» . قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الأَقْصَى» . قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ» . [3425 - مسلم: 520 - فتح 7/ 406]

3367 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى المُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ:«هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا» . رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر:371 - مسلم: 1365 - فتح 6/ 407]

3368 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهم زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَلَمْ تَرَىْ أَنَّ قَوْمَكِ بَنَوُا الكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟» . فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟. فَقَالَ:«لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ» . فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الحِجْرَ؛ إِلاَّ أَنَّ البَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. [126 - مسلم: 1333 - فتح 6/ 407] وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ.

3369 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» . [6360 - مسلم: 407 - فتح 6/ 407]

ص: 389

3370 -

حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ مُسْلِمُ بْنُ سَالِمٍ الهَمْدَانِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عِيسَى، سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي. فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَإِنَّ اللهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ. قَالَ: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» . [4797، 6357 - مسلم: 406 - 6/ 408]

3371 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ المِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ» . [فتح 6/ 408]

معنى يزفون: يسرعون.

ذكر في الباب ثمانية أحاديث:

أولها:

حديث أَبِي حَيَّانَ -بالمثناة تحت- يحيى بن سعيد بن حيان التميمي، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ هرم بن عمرو بن جرير، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بِلَحْمٍ فَقَالَ: "إِنَّ الله يَجْمَعُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ .. " الحديث. وفيه: فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ، وذكر إبراهيم "فيقولون اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى". وقد سلف، ثم قال: تَابَعَهُ أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

قلت: أخرجها هو من حديث قتادة عنه، وروي أيضًا من حديث ابن عمر عند البخاري، ومن حديث أبي سعيد الخدري أخرجه الترمذي

ص: 390

محسنًا، ومن حديث ابن عباس، أخرجه أبو داود الطيالسي من حديث علي بن زيد، عن أبي نضرة، عنه

(1)

.

الحديث الثاني:

حديث أحمد بن سعيد أبي عبد الله شيخ البخاري المروزي المعروف بالرباطي، مات سنة ست أو ثلاث وأربعين ومائتين، ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْلَا أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَت زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا".

وقَالَ الأَنْصَارِيُّ. أي: محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس، مات سنة أربع عشرة أو خمس عشرة ومائتين، ثَنَا ابن جُرَيْجٍ قال: أما كَثِيرُ بْنُ كَثِيرٍ فَحَدَّثَنِي قَالَ: إِنِّي وَعُثْمَانَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ جُلُوسٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: مَا هَكَذَا حَدَّثَنِي ابن عَبَّاسٍ، ولكنه قَالَ: أَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ وَهْيَ تُرْضِعُهُ، مَعَهَا شَنَّةٌ. لَمْ يَرْفَعْه.

وهذا التعليق رواه أبو نعيم الحافظ عن فاروق بن عبد الكبير: حدثنا أبو خالد عبد العزيز بن معاوية القرشي عنه به، وقال: ذكره البخاري عنه بلا رواية" وعثمان هذا هو ابن سليمان بن محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف. وفيهم من نسبه إلى أبي سليمان جبير بن مطعم.

(1)

حديث أنس سيأتي برقم (4476) كتاب التفسير، باب {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}. وحديث ابن عمر سيأتي برقم (4718) كتاب: التفسير، باب:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} ، وحديث أبي سعيد عند الترمذي برقم (3148)، (3615) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وحديث ابن عباس عند أبي داود الطيالسي في "مسنده" 4/ 430 (2834).

ص: 391

ثم قال البخاري: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ المُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ ابن عَبَّاسٍ: أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ المِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهْيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ البَيْتِ.

فذكر قصة زمزم بطولها وبناء البيت.

ثم ساقه أيضًا من حديث إبراهيم بن نافع، عن كثير بن كثير، عن سعيد، عن ابن عباس مطولًا.

وأخرجه النسائي عن أحمد بن سعيد شيخ البخاري، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب.

ورواه أيضًا عن أبي داود سليمان بن سعيد، عن علي بن المديني، عن وهب به، وفيه: قلت لأبي: حماد لا يذكر أبي بن كعب، ولا يرفعه، قال: أنا أحفظه كذا، كذا حدثني به أيوب، قال وهب: وثنا حماد بن زيد، عن أيولب، عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن ابن عباس نحوه، ولم يذكر أبيًّا، ولم يرفعه.

قال وهب: فأتيت سلام بن أبي مطيع فحدثني بهذا الحديث، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عبد الله بن سعيد فرد ذلك ردًّا شديدًا، ثم قال لي: فأبوك ما يقول؟ قلت: أبي يقول: أيوب عن سعيد، فقال: العجب، والله ما يزال الرجل من أصحابنا الحافظ قد غلط، إنما هو أيوب، عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير

(1)

. وقال

(1)

"السنن الكبرى" 5/ 99 (8376 - 8378).

ص: 392

أبو مسعود: رأيت جماعة اختلفوا على وهب بن جرير في هذا الإسناد.

قال الجياني: لم يذكر أبو مسعود إلا هذا، وأنا أذكر ما انتهى إليَّ من الخلاف على وهب وعلى غيره في هذا الإسناد: قد رواه عن حجاج، عن وهب

(1)

به بزيادة أبي بن كعب، ثم رواه من طريق البخاري بإسقاطه، ورواه علي بن المديني عنه بإثباته.

ورواه حماد بن زيد عن أيوب فلم يذكره ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن علية عن أيوب فقال: نبئت عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:[أول]

(2)

من سعى بين الصفا والمروة .. الحديث بطوله نحوًا مما رواه معمر، عن أيوب، عن سعيد، وفيه قصة زمزم، ورواه سلام بن أبي مطيع، عن أيوب، عن عكرمة بن خالد، لم يذكر ابن جبير

(3)

.

قال أبو علي: فكيف يصح هذا، وفيه من الخلاف ما عرفت، فنقول: إذا ميزه الناظر ميز منه ما ميزه البخاري، وحكم بصحته، وعلم أن الخلاف الظاهر فيه إنما يعود إلى وفاق، وأنه لا يدفع بعضه بعضًا، فأما من أوقفه فقليل، والذين أسندوه أئمة حفاظ، وكذلك من أسقط من سنده أُبيًّا لا يوهنه. والحديث إذا اتصل إلى ابن عباس، وكان محفوظًا، فلا نبالي من رواه عنه ابن عباس، ولا يعد مرسلاً، وأما من أسقط عبد الله بن سعيد فليس بشيء، قد صح أن أيوب رواه عنه، عن أبيه، وقد أتى به في الإسناد حماد بن زيد، وجرير بن حازم، قال ابن علية، عن أيوب: نبئت عن سعيد. فهذا يصح أن أيوب إنما أخذه من عبد الله بن سعيد عن أبيه، وإنما كان يسقط

(1)

في الأصل (ابن وهب)، والمثبت من (ص 1) وهو الصواب.

(2)

ليست في الأصول، وأثبتناها من "تقييد المهمل" 2/ 650.

(3)

"تقييد المهمل" 2/ 648 - 650.

ص: 393

وهب في بعض الأحايين، ويسوقه معنعنًا على سبيل التخفيف وتقريب الإسناد، وكان أحمد بن سعيد يحدث به على الوجهين بسقوطه وإثباته، وأما إنكار سلام أن يكون مخرج الحديث عن سعيد رواية عن عكرمة فلا يلتفت إليه؛ لأنه ليس من جِمال (المحامِل)

(1)

(2)

.

إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من وجوه:

أحدها:

(شنة): القربة البالية.

ومعنى: (تعفي أثرها): تسحب (طرف)

(3)

الثوب على التراب وذلك أن سارة أبطأها الولد، فوهبت هاجر لإبراهيم، فلما ولدت إسماعيل قالت: لا تساكني في بلد، فكانت هاجر أول من خفضت من النساء، كما أن زوجها أول من اختتن من الرجال وأول امرأة جرت ذيلها وأول امرأة ثقبت أذناها، وذلك أن سارة غضبت عليها، فحلفت أن تقطع ثلاثة أعضاء من أعضائها، فأمرها إبراهيم أن تبر قسمها بثقب أذنيها وخفاضها.

قال ابن أبي زيد في "نوادره": فصارت سنة في النساء، فلما خفضت، ورأت الدم سترته بذيلها، فمن ثم أرخى النساء ذيولهن.

والجراب: الأفصح كسر جيمه كما سلف، والدوحة: الشجرة العظيمة، والسقاء: إهاب فيه ماء، والقربة التي يستقى فيها، وفي رواية:(شنة) أي: حلقة.

(1)

في الأصول: المحابر، والمثبت من "التقييد".

(2)

"تقييد المهمل" 2/ 653 - 657.

(3)

من (ص 1).

ص: 394

ومعنى (قفى إبراهيم): ولَّى، ذكره الهروي في تفسير قوله عليه السلام:"أنا المقفي "

(1)

أي: المولي

(2)

، ومعنى:(نفد ما في السقاء): فرغ، و (عطشت): بكسر الطاء، وكذا (عطش ابنها)، ومعنى (يتلوى): يتمرغ ويتقلب. وقال ابن التين: يتقلب ظهرًا لبطن، واللوى: وجع في البطن، ومعنى:(يتلبط) -بالباء الموحدة قبل الطاء-: ينصرع، وقيل: تحير.

وقال الداودي: هو أن يحرك شفتيه ولسانه كأنه يموت. قال الخليل: لبط فلان بفلان الأرض إذا صرعه صرعًا عنيفًا

(3)

. وقال ابن دريد: اللبط باليد والخبط بالرجل

(4)

. وقوله: (يتلوى أو قال: يتلبط) هو شك من الراوي في أيهما وقع. قال الدارقطني: والتبلط أكثر.

وقال القزاز: معناهما واحد أي: يتضرب، (يتلوى)

(5)

في الأرض.

(فهبطت) بفتح الباء. وفيه أصل مشروعية السعي بين الصفا والمروة كما نطق به الشارع.

و (صَه): -بفتح الصاد وسكون الهاء: من أسماء السكوت، (تريد نفسها) لتسمع ما فيه فَرَج.

و (الغواث) بضم الغين، كذا ضبطه الدمياطي، وضبطه ابن التين بفتحها، قال: قيل: وليس من الأصوات ما يقال بفتح الفاء غيره،

(1)

رواه ابن حبان في "صحيحه" 16/ 118 - 120 (7162)، والطبراني 18/ 46 - 47 (83) من حديث عوف بن مالك الأشجعى.

(2)

انظر "النهاية في غريب الحديث" 4/ 94.

(3)

"العين" 7/ 431.

(4)

"جمهرة اللغة" 1/ 360.

(5)

في الأصل (يلتوى)، والمثبت من (ص 1).

ص: 395

قال: ويجوز ضمه. وقال ابن الجوزي: قال لنا ابن الخشاب بالفتح، والغياث: بالكسر من الإغاثة

(1)

. قال ابن الأثير: وروي غواث بالضم والكسر وهما أكثر ما يجيء في الأصوات كالنباح والنداء، والفتح فيهما شاذ

(2)

. وقال القاضي: الفتح للأصيلي والضم لأبي ذر

(3)

. والبحث: طلب الشيء في التراب، وكأنه حفر بطرف رجله.

وقوله: (فبحث بعقبه أو قال: بجناحه) الظاهر أنه شك من الراوي وذكر في الحديث الآخر: (فانبثق الماء) أي: نبع وخرج. و (تحوضه): تجعله حوضًا؛ لئلا يذهب الماء. و (يفور): ينبع، مثل قوله تعالى:{وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود: 40] ولا شك أن إجراء زمزم كان إنعامًا محضًا لم يشبه كسب البشر، فلما دخل الحرص وقفت تلك النعمة ووكلت إلى تدبيرها.

وأفاد الزمخشري في "ربيعه"

(4)

أنها أنبطت قبل لآدم، حتى انقطعت زمن الطوفان أيضًا، ثم لإسماعيل.

وقوله: ("يرحم الله أم إسماعيل"). إنما يبتدأ بالدعاء للمذكور أو المخاطب؛ إكرامًا له؛ لقوله: {عَفَا الله عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43].

وقوله: ("لو تركته لكان عينا معينا") أي: يجري على وجه الأرض. وفيه جواز قول المرء: لو لم يكن كذا كان كذا، وسيأتي له باب

(5)

.

(1)

انظر "غريب الحديث" لابن الجوزي 2/ 165.

(2)

"النهاية في غريب الحديث" 3/ 392.

(3)

"مشارق الأنوار" 2/ 139 - 140.

(4)

تمام اسمه: "ربيع الأبرار ونصوص الأخبار" انظر "كشف الظنون" 1/ 832.

(5)

سيأتي في كتاب: التمني، باب ما يجوز من اللو.

ص: 396

و (الضيعة): الضياع، والرابية: المكان المرتفع.

وقوله: (مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة) كذا ضبطه الدمياطي خطأ بالضم، وصرح به ابن الجوزي حيث قال: الفتح والمد: أعلى مكة، والضم والكسر: أسفلها

(1)

، وهو المراد هنا؛ لأنه قال:(فنزلوا أسفل مكة) وهو موضع يخرج منه من مكة إلى اليمن.

الوجه الثاني:

(جرهم): هو ابن قحطان بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح، والطير العائف -بالعين المهملة-: هو الذي يتردد ويحوم حول الماء ولا يبرح، قاله الخليل

(2)

، ورجل عائف: يتكهن، والعائف: الذي يعرف مواضع الماء من الأرض.

وقوله: (فأرسلوا جريا أو جريين). يريد: الرسول والوكيل، وقيل: الأجير. وقوله: (وأنفسهم) هو بفتح الفاء، مثل قوله عقبه:(وأعجبهم).

فائدة:

سارة هي ابنة عمه توبيل بن ناحور، وقيل: هي بنت هاران الأكبر بن ناحور، وقول ابن قتيبة وغيره أن سارة هي بنت هارن بن تارح

(3)

فغير جيد؛ لأن الله تعالى حرم نكاح بنت الأخ على لسان نوح، وكان إسماعيل مرسلًا أرسل إلى أخواله من جرهم، وإلى العماليق الذين كانوا بأرض الحجاز، فآمن بعض وكفر آخرون. قال ابن قتيبة: عاش مائة وسبعة وثلاثين سنة، ودفن مع أمه بالحجر

(4)

.

(1)

"غريب الحديث" لابن الجوزي 2/ 283.

(2)

"العين" 2/ 260 مادة (عيف).

(3)

في "المعارف" ص 31: هاران بن تارخ.

(4)

"المعارف" ص 34.

ص: 397

الثالث:

قال السهيلي: التي أمره أبوه بطلاقها اسمها جداء بنت سعد، والتي أمره بإمساكها اسمها السيدة، وقيل: عاتكة، وقيل سامة بنت مهلهل

(1)

. وعند ابن سعد: أم ولد إسماعيل رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي

(2)

.

وعند الكلبي: رعلة بنت يعرب بن يشجب بن لوذان بن جرهم. وعند الجواني: هالة بنت الحارث بن مضاض، ويقال: سلمى، ويقال (الحنفاء)

(3)

.

الرابع:

أول من نطق بالعربية إسماعيل، أخرجه الحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح الإسناد

(4)

. وذكر ابن إسحاق، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي ذر مرفوعًا: أنه أول من كتب بالعربية.

قال أبو عمر: هو أصح من رواية من روى أنه أول من تكلم بها.

وفي "أدب الكاتب" للنحاس من حديث على بإسناده مرفوعًا: "أول من أنطق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن أربع عشرة سنة". وأثنى أبو عبيدة على إسناده، وذكر أبو عمر له متابعًا في كتاب "القصد والأمم".

وقال ابن سعد: أخبرنا الأسلمي، عن غير واحد من أهل العلم أن إسماعيل ألهم من يوم ولد لسان العرب

(5)

.

(1)

"الروض الأنف" 1/ 17.

(2)

"طبقات ابن سعد" 1/ 51.

(3)

في الأصل: (الخيفاء) والمثبت من (ص 1)، وهو ما جاء في "الفتح" 6/ 405.

(4)

"المستدرك" 2/ 552 - 553 عن ابن عباس موقوفًا.

(5)

"طبقات ابن سعد" 1/ 50 - 51.

ص: 398

وقال هشام بن محمد: قال الشرقي: عربية إسماعيل أفصح من عربية يعرب بن قحطان. وقال النحاس: عربية إسماعيل هي التي نزل بها القرآن. وأما عربية حمير وبقايا جرهم فغير هذِه العربية المبينة وليست فصيحة. وعن أبي عمرو بن العلاء قال: أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل، قال أبو عمر: لا يصح غير هذا. وفي "الوشاح" لابن دريد: أول من تكلم بالعربية القديمة يعرب بن قحطان ثم إسماعيل.

الخامس:

العتبة -بفتح الباء-: أسكفة الباب، قاله ابن التين.

وقوله: (فلما جاء إسماعيل) كأنه آنس شيئًا، أي: أحس، مثل:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6]. أي: علمتم.

وقوله: (في ضيق وشدة). وقال ابن التين فأخبرته: أنا في جهد قال: والجهد: بضم الجيم عند الشعبي؛ لأنه من الفتنة، وعند غيره هو بالفتح.

وقوله: (كأنه ينشغ للموت) هو بنون ثم بشين معجمة، والنشغ -بإسكان الشين المعجمة وبالغين المعجمة-: الشهيق، وعلو النفَس الصُّعَداء حتى يكاد يبلغ به الغشي.

قال ابن فارس: هو مثل الشهيق عند الشوق من شدة ما يرد عليه منه

(1)

. وقيل: معناه: يمتص بفيه. من نشغت الصبي دواء انتشغه.

وقال ابن التين: هو مثل الشهيق عند الموت، ويقال: الناشغ: الذي يحفى بعد جهد. وقيل: هو الشهيق من ناحية الصدر حتى يبلغ الغشي.

(1)

"مجمل اللغة" 3/ 867 مادة [نشغ].

ص: 399

وروى أبو أيوب عن الأصمعي: نشغه بالغين وبالعين، إذا أوجر الصبي.

وعند ابن فارس: هو بالعين غير والمعجمة)

(1)

إذا أوجره. وفي الحديث: "لا تعجلوا بتغطية وجه الميت حتى ينشع"

(2)

. قال الأصمعي: النشغات عند الموت فوقات خفيات.

السادس:

قوله: (فقال: يا إسماعيل إن ربك أمرني أن أبني له بيتًا. قال: أطع ربك. قال: إنه أمرني أن تعينني عليه قال: إذًا أفعل أو كما قال). وقال في الحديث قبله: (يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك به ربك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك).

لا مخالفة بين هذا وبين الأول، وقال ابن التين: انظر هل يحتمل أن يقال: أمره الله أن يعينه بعد ذلك، فيكون هذا الحديث الآخر متأخر بعد الأول؟ قلت: يجوز أن يكون طلب منه الإعانة أولاً فأجاب، ثم أخبره ثانيًا أن الله أمره بها.

خاتمة:

أول من بني البيت آدم أو شيث أو الملائكة، وقال ابن هشام في "تيجانه": معناه: نصب؛ لأن عليه نصبت الدنيا، ثم بناه إبراهيم، ثم قريش، ثم ابن الزبير، ثم الحجاج، وقيل: إن جرهمًا بنته مرة أو مرتين. وقيل: إنه لم يكن بناءً وإنما كان إصلاحًا.

(1)

وفي (ص 1): بالغين المعجمة. وهو في "مجمل اللغة" 3/ 867 بالعين المهملة: النشوع: الوجور.

(2)

ذكره ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" 5/ 58 نقلاً عن الهروي في "الغريبين".

ص: 400

الحديث الثالث:

حديث أبي ذر قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ:"الْمَسْجِدُ الحَرَامُ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الأقْصَى". قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ بَعْدُ الصَّلَاةُ فَصَلِّهْ، فَإِن الفَضْلَ فِيهِ" ..

هذا الحديث يأتي قريبًا في باب: ووهبنا لداود سليمان، وأخرجه مسلم أيضًا، قال الخطابي: يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع، بناه بعض أولياء الله قبل داود وسليمان ثم بنياه وزادا فيه وسعاه فأضيف لهما بناؤه؛ لأن المسجد الحرام بناه إبراهيم، وبينه وبين داود وسليمان عدة من الأنبياء: ابنه إسحاق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، ومدة أعمارهم أضعاف أربعين سنة، فوجه الحديث ما قلناه. وقد ينسب هذا المسجد إلى إيليا، فيحتمل أن يكون هو بانيه أو غيره، ولست أحقق لم أضيف إليه

(1)

.

قال ابن حبان في "صحيحه" لما أخرجه: هذا فيه دحض لقول من زعم أن بين إسماعيل وداود ألف سنة

(2)

. واعترضه الضياء الحافظ فقال: وجه هذا الحديث أن هذين المسجدين وضعا قريبًا ثم خربا ثم بنت. وقال القرطبي: يرتفع الإشكال بأن يقال: إن الآية الكريمة والحديث لا يدلان على أن إبراهيم وسليمان ابتدءا وضعهما، بل كان تجديدًا لما أسسه غيرهما

(3)

.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1542 - 1543.

(2)

"صحيح ابن حبان" 14/ 120.

(3)

ورد في هامش الأصل: قد استشكل جماعة هذا الحديث فيقولون: معلوم أن سليمان بن داود هو الذي بنى المسجد الأقصى، وبينه وبين إبراهيم أكثر من ألف =

ص: 401

وقد روي أن أول من بني البيت آدم، وعلى هذا فيجوز أن يكون غيره من ولده رفع بيت المقدس بعده بأربعين عامًا

(1)

، وبنحوه ذكره ابن الجوزي وغيره، ويوضحه ما ذكر ابن هشام في "تيجانه" أن آدم لما بنى البيت أمره جبريل بالمسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه.

ويؤيده أيضًا ما رواه خالد بن عرعرة قال: سأل رجل عليًّا رضي الله عنه عن {أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} الآية [آل عمران: 96] أهو أول بيت بني في الأرض؟ قال: لا كان نوح قبله، وكان في البيوت، وكان إبراهيم قبله وكان في البيوت، ولكنه أول بيت وضع فيه البركة والهدى، ومن دخله كان آمنًا

(2)

. وظاهره أن الوضع غير البناء.

فصل:

في "تاريخ بيت المقدس" للكنجي عن أبي عمرو الشيباني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كانت الأرض ماء فبعث الله ريحًا فمسحت الأرض مسحًا فظهرت على الأرض زبدة، فقسمها الله أربع قطع، فخلق من قطعة مكة ومن الثانية المدينة ومن الثالثة بيت المقدس .. الحديث.

وفي "فضائله" أيضًا للواسطي من حديث ابن لهيعة عن يزيد، عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها أن مكة خلقها الله تعالى وحفها

= عام، وجوابه: إنما كان لسليمان من الأقصى تجديده لا تأسيسه، والذي أسسه هو يعقوب بن إسحاق صلى الله عليهما وسلم بعد بناء إبراهيم بهذا المقدار، كذا رأيته في كلام ابن قيم الجوزية في "الهدي" وكذا سمعت من جماعة من مشايخي في القاهرة. والله أعلم.

(1)

"المفهم" 1/ 115.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 354 (7421)، وابن أبي حاتم 3/ 708 (3829).

ص: 402

بالملائكة قبل أن يخلق شيئًا من الأرض كلها بألف عام، ووصلها بالمدينة، ووصل المدينة ببيت المقدس، ثم خلق الأرض كلها بعد بألف عام، فعلى هذا تكون الأيام التي خلقت فيها السموات والموجودات كل يوم منها ألف سنة، على ما رجحه واحتج له ابن حزم، فيكون بين خلق البيت وخلق المسجد الأقصى هذا المقدار من سني الدنيا.

وقد يخدش فيه قول أبي ذر: (أي مسجد وضع في الأرض أول) وقد يراد موضع يوضع، وقول صاحب "التاريخ": روي عن كعب الحبر أن سليمان بني بيت المقدس على أساس قديم كان أسسه سام بن نوح لا يدفع ذلك.

فصل:

في النسائي بإسناد حسن عن عبد الله بن عمر مرفوعًا أن سليمان لما بني بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالًا ثلاثة: حكمًا يصادف حكمه فأوتيه، وملكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، فلما فرغ من بنائه سأل الله ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطئيته كيوم ولدته أمه

(1)

.

فصل:

وذكر أبو بكر محمد بن أحمد الواسطي في "تاريخ بيت المقدس" أن سليمان اشترى أرضه بسبعة قناطير ذهبًا.

فصل:

قيل له: الأقصى؛ لبعد المسافة بينه وبين الكعبة، وقيل: لأنه لم

(1)

"سنن النسائي" 2/ 34.

ص: 403

يكن وراءه موضع عبادة، وقيل: لبعده عن الأقذار والخبائث فإنه مقدس أي: مطهر.

فصل:

قوله: (أي مسجد وضع أول) أي: للصلاة، وهو من خصائص هذِه الأمة؛ لأن من كان قبلها كانوا لا يصلون إلا في موضع تيقنوا طهارته، ونحن خصصنا بجوازها في كل الأرض إلا ما تيقنا نجاسته وباشرناها.

الحديث الرابع:

حديث أنس رضي الله عنه في أحد وتحريم مكة والمدينة.

سلف في الجهاد

(1)

وغيره، ورواه عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، تقدم أيضًا في البيوع

(2)

.

الحديث الخامس:

حديث عائشة رضي الله عنها في رد الكعبة على القواعد. سلف في الحج

(3)

، وفيه:(ابن أبي بكر) وهو عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخو القاسم، قتل بالحرة. وقوله: آخره (وقال إسماعيل: عبد الله بن محمد بن أبي بكر)، وهذا أخرجه في التفسير عن إسماعيل بن أبي أويس متصلًا

(4)

.

(1)

سلف برقم (2889) باب: الخدمة في الغزو.

(2)

سلف برقم (2129) باب: بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

سلف برقم (1583) باب: فضل مكة وبنيانها.

(4)

سيأتي برقم (4484) باب: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} .

ص: 404

الحديث السادس والسابع:

حديث أبي حميد وكعب بن عجرة. سلفا في الصلاة

(1)

.

وأبو حميد: اسمه عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج ابن عم سهل بن سعد بن مالك، وأبو أسيد مالك بن ربيعة بن بدر

(2)

بن عمر وقيل: عامر بن عوف بن حارثة، مات أبو حميد في آخر خلافة معاوية قاله الواقدي.

الحديث الثامن:

حديث جَرِير، عَنْ مَنْصورٍ، عَنِ المِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: "إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ".

هذا الحديث رواه الأربعة: أبو داود في السنة، والترمذي وابن ماجه في الطب.

(1)

قال الحافظ في "الفتح" 6/ 410: ووهم المزي في "الأطراف" 8/ 299 فعزا رواية كعب بن عجرة هذِه إلى الصلاة

واغتر بذلك شيخنا ابن الملقن فإنه لما وصل إلى شرح هذا الحديث هنا أحال بشرحه على الصلاة، وقال: تقدم في الصلاة، وكأنه تبع شيخه مغلطاي في ذلك فإنه كذلك صنع، ولم يتقدم هذا الحديث عند البخاري في كتاب الصلاة أصلاً، والله الهادي إلى الصواب. اهـ.

(2)

عليها في الأصل: كذا وتجاهها في الهامش: إنما هو البدن وقال بعضهم البدي تصحيف؛ لأنه لم يذكر هنا أبا أسيد.

ص: 405

وقال الترمذي: حسن صحيح، والنسائي في النعوت و"اليوم والليلة"

(1)

.

رواه النسائي من حديث جرير (عن منصور)

(2)

عن سليمان فقال: عن المنهال عن عبد الله بن الحارث مرسل

(3)

، ورواه محمد بن فضيل عن الأعمش فقال: عن المنهال، عن محمد بن علي بن أبي طالب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم مرسل

(4)

، ورواه الإسماعيلي من حديث الأعمش ومنصور، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فصل:

(كلماته التامة) كلامه مطلقًا، وقال الهروي: القرآن. وقال ابن التين: التام فضلها وبركتها؛ لأنها تمضي وتستمر، لا يردها شيء، ولا يحقق معها طلبه، وقيل: أقضيته وعذابه يتضمنها كلامه كقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى} [الأعراف: 137](وهي)

(5)

: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ} [القصص: 5] وقيل: الكاملة أي: أنه لا يدخلها نقص ولا عيب كما يدخل كلام الناس، وقيل: النافعة الكافية الشافية مما يتعوذ به. قال الخطابي: كان أحمد يستدل بقوله: "كلمات الله التامة" على أن القرآن غير مخلوق ويقول: إنه عليه السلام لا يستعيذ بمخلوق

(6)

.

(1)

أبو داود (4737)، والترمذي (2060)، وابن ماجه (3525)، والنسائي في "الكبرى" 4/ 411 (7726)، وفي "عمل اليوم والليلة"(1014، 1015).

(2)

هكذا في الأصول، وهو عند النسائي عن جرير، عن سليمان الأعمش، وكذلك ذكره المزي في "التحفة" 4/ 451.

(3)

"عمل اليوم والليلة"(1016).

(4)

انظر "تحفة الأشراف" 4/ 451.

(5)

من (ص 1).

(6)

"معالم السنن" 4/ 305 - 306.

ص: 406

وقوله: "من كل شيطان وهامة" وقال الداودي يعني: شياطين الإنس والجن. قال: والهامة: كل ذي نفس. وقال الخطابي: الهامة من الهوام ذوات السموم

(1)

. وقال ابن فارس: الهوام حشرات الأرض

(2)

. وقال الهروي: الهوام: الحيات، وكل ذي سم يقتل، فأما ما لا يقتل وسم فهي السوام مثل: العقرب والزنبور، ومنها القيام مثل القنافذ والخنافس والفأر واليرابيع، قال: وقد تقع الهامة على ما يدب من الحيوان، ومنه قوله لكعب بن عجرة "أيؤذيك هوام رأسك؟ "

(3)

. أراد: القمل، سماها (هوامًا)

(4)

؛ لأنها تهم في الرأس وتدب، وقيل الهامة: كل نسمة تهم بسوء. و (العين اللامة) قال أبو عبيد: أصلها من ألممت إلمامًا بالشيء نزلت به، ولم يقل: ملمة؛ كأنه أراد أنها ذات لمم

(5)

. وقال ابن الأنباري: اللامة: الملمة، وهي الآتية في الوقت بعد الوقت. وإنما قال:"لامة" وقياسها: ملمة؛ ليوافق لفظ هامة فيكون ذلك أخف على اللسان، وقال الخطابي: اللامة: ذات اللمم، وهي كل داء وآفة تلم بالإنسان من جنون وخبل ونحوه

(6)

.

والعين اللامة ذات لمم بإصابتها وضرها، وقال الداودي: هي كل عين تصيب الإنسان إذا حلت به. وقاله ابن فارس أيضًا

(7)

.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1544.

(2)

"مجمل اللغة" 3/ 892 مادة [همم].

(3)

سيأتي برقم (4190) كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، ورواه مسلم (1201) كتاب: الحج، باب: جواز حلق الرأس للمحرم ..

(4)

فوقها في الأصل: كذا وتجاهها في الهامش: العبادة: هوام. قلت: وهو الصحيح لأنها غير مصروفة، على وزن فواعل.

(5)

"غريب الحديث" 1/ 436.

(6)

"أعلام الحديث" 3/ 1544.

(7)

"مجمل اللغة" 3/ 790 مادة [لمم].

ص: 407

‌11 - باب: قوله عز وجل: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ} : لا تخف، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}

3372 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«نَحْنُ أَحَقُّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِى الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260] وَيَرْحَمُ الله لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ» . [3375، 3387، 4537، 4694، 6992 - مسلم: 151 - فتح 6/ 410]

ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أَحْمَد بْن صَالِحٍ، ثَنَا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"نَحْنُ أَحَقُّ بالشك مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] وَيَرْحَمُ اللهُ لُوطًا، لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ" .. ويأتي في تفسير سورة البقرة أيضًا.

الشرح:

ذكر الإسماعيلي أن في "الجامع" ذكر باب آخر عند قوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} ، وهو ظاهر؛ لأنه لم يذكر في الأول حديثا، لكن الذي في الأصول حذفه ومعنى:("نحن أحق") .. إلى آخره، قيل: معناه نحن أشد اشتياقا لرؤية ذلك من إبراهيم، وقد اختلف العلماء في

ص: 408

تفسير هذِه الآية فقال جلتهم ابن عباس والحسن وغيرهما: المعنى: ليطمئن قلبي للمشاهدة كأن نفسه طالبته برؤية ذلك، فإذا رآه اطمأن، وقد يعلم (الإنسان)

(1)

الشيء من جهة ثم يطلب أن يعلمه من غيرها. قال الحسن: وليس الخبر عند ابن آدم كالعيان.

وقيل المعنى: ولكن ليطمئن قلبي بأني إذا سألتك أجبتني. قال سعيد بن جبير: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} أي: توقن بالخلة

(2)

. و {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} ليزداد

(3)

.

قال قتادة فيما ذكره الطبري: ذكر لنا أن إبراهيم أتى على دِابة توزعتها الدواب والسباع فقال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260]؛ لأزداد يقينًا

(4)

، وعن ابن جريج: هي جيفة حمار

(5)

. وقال ابن زيد: مر بحوت نصفه في البر ونصفه في البحر، الذي في البحر تأكله دواب البحر، والذي في البر تأكله دواب البر، فقال (إبليس)

(6)

الخبيث: يا إبراهيم متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء؟ فقال إبراهيم: يا رب أرني كيف تحيي الموتى لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي؛ ليسكن ويهدى باليقين الذي يستيقنه

(7)

.

وقال ابن إسحاق: لما جرى بين إبراهيم وقومه ما جرى مما قصه الله في سورة الأنبياء: قال نمروذ له: أرأيت إلهك الذي تعبده ما هو؟ قال

(1)

في (ص 1): (المرء).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 53 (5988)، وابن أبي حاتم 2/ 508 - 509 (2692).

(3)

رواه الطبري 3/ 52 (5985)، وابن أبي حاتم 2/ 510 (2698).

(4)

"تفسير الطبري" 3/ 49 (5963).

(5)

"تفسير الطبري" 3/ 49 (5965).

(6)

من (ص 1).

(7)

"تفسير الطبري" 3/ 49 (5966).

ص: 409

إبراهيم: ربي الذي يحي ويميت فقال الكافر: (أنا أحيي وأميت)

(1)

هل عاينت هذا القول الذي تقوله: فلم يقدر أن يقول نعم قد رأيته ثم قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} ؛ عن غير شك في الله ولا في قدرته؛ ولكنه أحب أن يعلم ذلك (ليخبر)

(2)

عن مشاهدة

(3)

.

وقال السدي: لما اتخذه الله خليلاً استأذن ملك الموت في أن يبشره فلما مضى من عنده قام إبراهيم يدعو: رَبِّ أَرِنيِ كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى، حتى أعلم أني خليلك. قال: أولم تؤمن بأني خليلك؟! -أي: تصدق- قال: بلى

(4)

. وقاله أيضًا سعيد بن جبير، زاد الواحدي عن ابن عباس وابن جبير والسدي: فقال إبراهيم: وما علامة ذلك قال له ملك الموت أن يجيب الله دعاءك ويحيى الموتى بسؤالك

(5)

. وعن ابن عباس: أرجى آية لهذِه الأمة قوله {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}

(6)

. قال عطاء: وكان ذلك ببحيرة طبرية فقال: يا رب قد علمت لتجمعها فأرنيه معاينة. ذكره الحسن وغيره

(7)

.

وقال ابن الحصار في "شرح العقيدة": إنما سأل الله أن يحيي الموتى على يديه، يدل على ذلك قوله:{فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:

(1)

من الأصل وعليها (لا .. إلى).

(2)

كذا في الأصل وفي (ص 1): ليحيى.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 50 (5967) عن ابن حميد، عن سلمة، عن ابن إسحاق من قوله.

(4)

رواه الطبري 3/ 50 (5968)، وابن أبي حاتم 2/ 507 - 508 (2689) كلاهما من طريق أسباط عن السدي.

(5)

"أسباب النزول" ص 88 - 89 (169).

(6)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 116 (332)، ومن طريقه الطبري 3/ 51 (5970).

(7)

ذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص 87 (165).

ص: 410

260] فأجابه على نحو ما سأل وعلم أن أحدًا لا يقترح على الله مثل هذا فيجيبه بعين مطلوبه إلا عن رضا واصطفاء، فقوله:{أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} بأنا اصطفيناك واتخذناك خليلاً؟ وقال: {بَلَى} .

وقال القرطبي: النفوس متشوفة إلى المعاينة، يصدقه الحديث الصحيح:"ليس الخبر كالمعاينة"

(1)

. وقال ابن عطية: السؤال بـ (كيف) إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسئول، نحو قولك: كيف علم زيد؟ ونحوه فـ (كيف) هنا: استفهام عن هيئة الإحياء وهو متقرر

(2)

.

قال القرطبي: إنما سأل أن يشاهد كيفية [جمع]

(3)

أجزاء الموتى بعد تفريقها وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها، فأراد أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين

(4)

. وقيل: إنه لما احتج على المشركين بأن ربه يحيي ويميت، طلب ذلك من ربه؛ ليصح احتجاجه عيانًا. وقال بعضهم: هو سؤال على طريق الأدب، المراد: أقدرني على إحياء الموتى. وقوله: {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} عن هذِه الأمنية.

وذكر البخاري في التفسير عن ابن عباس: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} : قطعهن

(5)

.

وأسنده أبو حاتم في "تفسيره" من حديث مجاهد عنه ثم قال: وروي

(1)

"تفسيرالقرطبي" 3/ 297 - 298. وحديث "ليس الخبركالمعاينة" حديث صحيح، تقدم تخريجه في شرح حديث رقم (1658).

(2)

"المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" لابن عطية 2/ 418 - 419.

(3)

ساقطة من الأصول، وأثبتناها من "تفسير القرطبي".

(4)

"تفسير القرطبي" 3/ 299.

(5)

سيأتي برقم (4538) كتاب: التفسير، باب:{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} .

ص: 411

عن سعيد ووهب وعكرمة والحسن والسدي نحوه

(1)

. وقراءة حمزة بكسر الصاد والباقون بالضم

(2)

. قال الفراء: بكسر الصاد التقطيع خاصة وبضمها يحتمل التقطيع والإماتة. وعن قتادة: أي: مزقهن، أمر أن يخلط الدم بالدم والريش بالريش، وجعل على كل جبل جزءًا

(3)

؛ ليكون أعجب، وأمسك رءوس الطير في يده. قال ابن إسحاق: وهي: الديك والطاوس والحمام والغراب

(4)

. وذكر ابن عباس مكان الغراب الكركي

(5)

. وفي رواية: مكان الحمام النسر. ثم قال: تعالين بإذن الله. فتطايرت تلك الأجزاء حتى التأمت، وبقيت بلا رءوس ثم كرر النداء فجاءته سعيًا، أي: عدوًا.

قال النحاس: يقال للطائر: سعى إذا طار، على التمثيل

(6)

. والفائدة في أمر الله بأن يدعوها إليه؛ ليتأملها ويعرف أشكالها وهيأتها؛ لئلا تلتبس عليه بعد الإحياء.

فصل:

روى مسلم حديث الباب في "صحيحه" فقال: حدثني -إن شاء الله- عبد الله بن أسماء، عن جويرية، عن مالك، عن الزهري. وأُنكر عليه في

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 511 (2706)، (2708).

(2)

انظر "الحجة للقراء السبعة" للفارسي 2/ 389، "الكشف" لمكي 1/ 313.

(3)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 116 (335) ومن طريقه الطبري 3/ 56 (6005)، وابن أبي حاتم 2/ 512 (2714).

(4)

رواه الطبري 3/ 53 (5990) عن ابن إسحاق قال: عن بعض أهل العلم، عن أهل الكتاب الأول.

(5)

رواه ابن أبي حاتم 2/ 511 (2705) بلفظ (الغرنوق)، وفسره بأنه الكركي.

(6)

في "معاني القرآن" للنحاس 1/ 288: {سَعْيًا} أي عدوًا على أرجلهن، ولا يقال للطائر إذا طار: سعى.

ص: 412

إدخاله "صحيحه" شيئًا شك فيه، ولا شك، إنما ذكره متابعًا.

فصل:

أحسن ما قيل في الحديث "نحن أحق بالشك"، وأصح ما ذكره الشافعي وغيره أن الشك مستحيل في حق إبراهيم، فكأنه قال: الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقًا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به من إبراهيم، وقد علمتم أني لم أشك، وإنما رجح إبراهيم على نفسه من باب التواضع والأدب، أو قاله قبل إعلامه، فإذا لم أشك أنا ولم أَرْتَبْ في القدرة على الإحياء فإبراهيم أولى بذلك.

ونقل صاحب "التجريد" عن جماعة من العلماء أنه لما نزل قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} قالت طائفة: شك إبراهيم ولم يشك نبينا قال عليه السلام: "نحن أحق بالشك منه" وقال النووي: وقع لي فيه معنيان:

أحدهما: أنه يخرج مخرج العادة في الخطاب؛ فإن من (أراد)

(1)

المدافعة عن إنسان قال للمتكلم: ما كنت قائلًا لفلان أو فاعلًا معه من مكروه، فقله (لي)

(2)

وافعله معي ومقصوده: لا تقل ذاك فيه.

الثاني: هذا الذي تظنونه شك أنا أولى به فإنه ليس بشك، وإنما هو يطلب لمزيد اليقين

(3)

. وقال عياض: يحتمل أنه أراد منه الذين يجوز عليهم الشك، أو أنه قاله؛ تواضعًا مع إبراهيم

(4)

.

وقال ابن الجوزي: أي: أنا أولى أن أسأل مثل هذا الأمر العظيم الذي يسأل السائل في إجابة ربه فيه، وإنما صار أحق لما عانى من تكذيب قومه وردهم عليه وتعجبهم من ذكر البعث، فقال: أنا أحق أن أسأل ما سأل إبراهيم؛ لعظم ما جرى على قومي؛ ولمعرفتي بتفضيل

(1)

من (ص 1).

(2)

من (ص 1).

(3)

"صحيح مسلم بشرح النووي" 2/ 183.

(4)

"الشفا" 2/ 99.

ص: 413

الله إياي على الأنبياء، ولكني لا أسأل، وقال ابن التين في التفسير في سورة البقرة: قوله: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" قيل: لو شك، لكن لم يشك، قال بعض أهل العلم: كان قلبه مولعًا إلى ذلك، حتى أخذ بقلبه الشوق إليه، فسأل أن يرى ذلك ليسكن ما بنفسه، وقيل لما دعا خشي ألا يكون أجيب دعاؤه؛ لتذهب شدة الخوف ذكره الداودي، وليس ببين. قال: وقيل أراد بقوله: {قَلْبِي} رجلاً كان مصاحبًا له أي: ليطمئن صاحبي، وإلا فإبراهيم كان موقنًا بذلك، وقيل: أراد أن يريه العيان بذلك؛ لأن فيها زيادة على ما ثبت بالاستدلال، وذكر عن أبي الطيب أن معناه ليطمئن قلبي بإجابته سؤالي إلى ذلك، وهو الصحيح إن شاء الله.

فصل:

قوله في لوط: ("لقد كان يأوي إلى ركن شديد"). هو إشارة إلى الآية قال مجاهد: يعني: العشيرة. ولعله يريد: لو أراد لأوى إليها، ولكنه أوى إلى الله، فبهذا يكون ذكر ذلك؛ تعظيمًا للوط، وإلا فلو كان يأوي إلى عشيرته لم يكن قدحًا، وإنما خرج الحديث كله على وجه تواضعه في نفسه وإعظامه لهؤلاء الذين ذكرهم.

فائدة: لوط هو ابن أخي إبراهيم هاران.

فصل:

وقوله في يوسف وصف بالصبر؛ وذلك أنه لبث في السجن سبع سنين ثم جاءه الرسول فقال: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: 50]. وأراد به التواضع والأدب مع إخوته.

ص: 414

‌12 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54]

3373 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ» . قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ» . فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟! قَالَ:«ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ» . [انظر: 2899، 3353 - فتح 6/ 413]

ذكر فيه حديث سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا .. " الحديث، وقد سلف في الجهاد، قيل في قوله:{صَادِقَ الْوَعْدِ} أنه واعد رجلاً مكانه، فأقام به يومه إلى الغد ينتظره. روي عن ابن عباس أنه الذبيح

(1)

، وروي عنه أنه إسحاق

(2)

، وإسماعيل رسول ابن رسول، أخو نبي، عم نبي، وكان أكثر الأنبياء من ولادة يعقوب.

(1)

رواه الطبري 10/ 512.

(2)

رواه الطبري 10/ 510.

ص: 415

‌13 - باب قِصَّةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبرَاهِيمَ النبي صلى الله عليه وسلم

-

فِيهِ: ابن عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

كذا علقهما، وقال ابن التين: لم يقف البخاري على سنده فأرسله؛ لئلا يترك

(1)

. وذكر إسحاق لثبوته في القرآن. قاله أبو جعفر.

(1)

ورد في هامش (ص 1): ليس كما قال ابن التين، بل قصد البخاري بهذا الحديث حديثهما: أن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. وقد قال في المناقب في باب: من انتسب إلى آبائه في الإسلام: وقال ابن عمر وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .. فذكر هذا الحديث.

ص: 416

‌14 - باب: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ} إلى قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133]

3374

- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ المُعْتَمِرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ» . قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ:«فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ ابْنُ نَبِيِّ اللهِ ابْنِ نَبِيِّ اللهِ ابْنِ خَلِيلِ اللهِ» . قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ تَسْأَلُونِي؟» . قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «فَخِيَارُكُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا» . [انظر: 3353 - مسلم: 2378 - فتح 6/ 414]

ذكر فيه حديث أبي هريرة قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ .. الحديث سلف قريبًا ويأتي في التفسير

(1)

، ويريد أكرم الناس أصلاً؛ لأنهم أربعة أنبياء.

وهو رسول وإبراهيم رسول وهما صديقان وإبراهيم خليل، وكان يوسف وإخوته اثني عشر نبيًّا، وإبراهيم نبي، وجدهم وأخو جدهم نبيان، وأبو جدهم نبي رسول صديق خليل، وحزن يعقوب على يوسف حزن (سبعين)

(2)

ثكلى في غير حرج ولا شكوى إلى العباد، وأعطي أجر مائة شهيد فيهم ستة عشر نبيًّا.

وقوله: ("فعن معادن العرب تسألوني؟ ") يخبر أن أصحابه أطيب أصلاً في الجاهلية.

ص: 417

وقوله ("إذا فقهوا") يقول: من كان على فقه فاعلموا أن له أصلاً في الجاهلية.

فصل:

قال الطبري: (إذ) هذِه مكررة إبدالًا من (إذ)

(1)

الأولى، و {مُسْلِمُونَ}: خاضعون له بالعبودية والطاعة ويحتمل أن يكون بمعنى الحال كأنهم قالوا: نعبد إلهك مسلمين له بطاعتنا وعبادتنا إياه، ويحتمل أن يكون خبرًا مستأنفًا، فيكون بمعنى: نعبد إلهك بعدك، ونحن له الآن وفي كل حال مسلمون. قال: والأحسن أن يكون بمعنى الحال. وقدم ذكر إسماعيل على إسحاق؛ لأنه كان أسن

(2)

.

قال السهيلي: سمي يعقوب إسرائيل؛ لأنه أسرى ذات ليلة حين هاجر إلى الله أي: أسرى إلى الله

(3)

، فيكون بعض الاسم عبرانيًّا وبعضه موافقًا للعرب، وكثيرًا ما يقع الاتفاق بين السرياني والعربي، أو يقاربه في اللفظ، وفي "المعرب" إسرائيل وإسرال كميكال وإسرائين.

(1)

في الأصول: إذا.

(2)

"تفسير الطبري" 1/ 613.

(3)

انظر "الروض الأنف" 2/ 294.

ص: 418

‌15 - باب: قول الله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} إلى قوله: {الْمُنْذَرِينَ} [النمل: 54 - 58]

3375 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَغْفِرُ الله لِلُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» . [انظر: 3372 - مسلم: 151 - فتح 6/ 415]

ذكر فيه حديث: "يَغْفِرُ اللهُ لِلُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ". ويأتي في التفسير

(1)

، وقد سلف، و {الْفَاحِشَةَ}: هي اللواط، وقوله:{وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} أي: تعلمون أنها فاحشة، فذلك أعظم لذنبهم، وقيل: يرى ذلك بعضهم من بعض ولا يكتمه منه، وقال مجاهد في قوله:{أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} عن أدبار النساء والرجال عن الاستهزاء بهم

(2)

، وقال قتادة: عابوهم بغير علم، فإنهم يتطهرون من أعمال السوء

(3)

.

وقوله: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} [الأعراف: 84] قال الداودي: أينما كان المطر في كتاب الله فهو (العذاب)

(4)

، والمذكور في التفسير أنه يقال: أمطر في العذاب ومطرت في الرحمة، وأهل اللغة يقولون: مطرف السماء وأمطرت.

(1)

سيأتي برقم (4694) باب: (فلما جاء الرسول).

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 474، ورواه أيضًا الطبري 10/ 3 (27057، 27058).

(3)

رواه الطبري 10/ 3 (27059) بلفظ: عابوهم بغير عيب ..

(4)

في (ص 1): العقاب.

ص: 419

‌16 - باب {فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62)} [الحجر: 62]

فَأَنْكَرَهُمْ وَنَكِرَهم وَاسْتَنْكَرَهمْ وَاحِدٌ {يُهْرَعُونَ} [هود: 78]: يُسْرِعُونَ، {دَابِرَ} [الحجر: 66]: آخِرٌ. {صَيْحَةً} [يس: 29]: هَلَكَةٌ {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75]: لِلنَّاظِرِينَ. {لَبِسَبِيلٍ} [الحجر: 76]: لَبِطَرِيقٍ. [فتح 6/ 416]

3376 -

حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} "[القمر: 15]. [انظر: 3341 - مسلم: 823 - فتح 6/ 416]

ثم ذكر حديث عبد الله رضي الله عنه قرأ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ({فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}).

وقد سلف، وفي إسناده أبو إسحاق، واسمه: عمرو بن عبد الله السبيعي وشيخ شيخ البخاري فيه أبو أحمد، وهو محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم، وفي نسخة بعد قوله {مُنْكَرُونَ}:({بِرُكْنِهِ}: بمن معه؛ لأنهم قوته، {تَرْكَنُوا}: تميلوا). وصحح عليها الدمياطي وقال: هذا التفسير لأبي إسحاق وحده. قال مجاهد: أنكرهم لوط

(1)

. وقيل: إبراهيم، لما لم يأكلوا من طعامه.

قال ثعلب في {يُهْرَعُونَ} : يثتحثون. وقال غيره: يسرعون إليه في فزع، مثل قوله:{فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)} [الصافات: 70] وقيل: كأنهم يزعجون من الإسراع.

وقيل: إذا أسرع يرعد.

(1)

"تفسير مجاهد" 1/ 342، ورواه أيضًا الطبري 7/ 524 (21217).

ص: 420

وقوله: ({دَابِرُ} آخر) أي: آخرهم مستأصل. وقال الفراء: الدابر: الأصل

(1)

. وما ذكره في المتوسمين هو قول الضحاك

(2)

، وقال مجاهد: معناه للمتفرسين

(3)

، وحقيقة توسمت الشيء نظرت نظر متثبت، والسبيل: الطريق، كما ذكر، يؤنثان ويذكران، والضمير في {إِنَّهَا}

يعود على مدينة لوط، وقيل: على الآيات.

(1)

"معاني القرآن" 2/ 90.

(2)

رواه الطبري 7/ 528 (21246)، ورواه أيضًا عن ابن عباس برقم (21245).

(3)

"تفسير مجاهد" 1/ 342، ورواه أيضًا الطبري 7/ 528 (21242).

ص: 421

‌17 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [هود: 61]

{كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ} [الحجر: 80]: مَوْضِعُ ثَمُودَ، وَأَمَّا {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} [الأنعام: 138]: حَرَامٌ، وَكُلُّ مَمْنُوعٍ فَهْوَ حِجْر مَحْجُورٌ، وَالْحِجْرُ: كُلُّ بِنَاءٍ بَنَيْتَهُ، وَمَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ مِنَ الأَرْضِ فَهْوَ حِجْرٌ محجور، وَمِنْهُ سُمِّيَ حَطِيمُ البَيْتِ حِجْرًا، كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مَحْطُومٍ، مِثْلُ: قَتِيلٍ مِنْ مَقْتُولٍ، وُيقَالُ لِلأُنْثَى مِنَ الخَيْلِ: حِجْرٌ. وُيقَالُ لِلْعَقْلِ: حِجْرٌ وَحِجًى. وَأَمَّا حَجْرُ اليَمَامَةِ فَهْوَ مَنْزِلٌ.

3377 -

حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنَ زَمْعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -وَذَكَرَ الذِي عَقَرَ النَّاقَةَ- قَالَ: «انْتَدَبَ لَهَا رَجُلٌ ذُو عِزٍّ وَمَنَعَةٍ فِي قُوَّةٍ كَأَبِى زَمْعَةَ» . [4942، 5204، 6042 - مسلم: 2855 - فتح 6/ 378]

3378 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو الحَسَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ بْنِ حَيَّانَ أَبُو زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ الحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا، وَلَا يَسْتَقُوا مِنْهَا فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا، وَاسْتَقَيْنَا. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ العَجِينَ وَيُهَرِيقُوا ذَلِكَ المَاءَ. [3379 - مسلم:2981 - فتح 6/ 378]

وَيُرْوَى عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ وَأَبِي الشُّمُوسِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِلْقَاءِ الطَّعَامِ. وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:«مَنِ اعْتَجَنَ بِمَائِهِ» .

وَيُرْوى عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ وَأَبِي الشَّمُوسِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِلْقَاءِ الطَّعَامِ. وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيَّ طلالمجه:"مَنِ اعْتَجَنَ بِمَائِهِ".

3379 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم -

ص: 422

أَرْضَ ثَمُودَ الحِجْرَ، فَاسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا، وَاعْتَجَنُوا بِهِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا، وَأَنْ يَعْلِفُوا الإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ البِئْرِ الَّتِي كَانَ تَرِدُهَا النَّاقَةُ. تَابَعَهُ أُسَامَةُ عَنْ نَافِعٍ. [انظر: 3378 - مسلم: 2981 - فتح 6/ 378]

3380 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ:«لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ» . ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ، وَهْوَ عَلَى الرَّحْلِ». [انظر: 433 - مسلم: 2980 - فتح 6/ 378]

3381 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ؛ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ» . [انظر: 433 - مسلم: 2980 - فتح 6/ 371]

الشرح:

قال قتادة: الحجر: الوادي

(1)

، يذهب إلى أنه اسم له، وقال بعض المفسرين: الحجر على ستة أوجه: حجر حرام، قال تعالى:{وَحَرْثٌ حِجْرٌ} ، وديار ثمود، والعقل، وحجر الكعبة، والأنثى من الخيل، وقد ذكر البخاري ذلك.

وحَجْر القميص وحِجْره والفتح أفصح، زاد ابن فارس: حجر الإنسان. قال: وفيه لغتان. وزاد: الحجر القرابة

(2)

. وضبط (حُجر اليمامة) بالضم عند أبي الحسن، وبالفتح عند أبي ذر، قيل: وهو الصواب، وهو كذلك في ضبط كتاب ابن فارس قال: حجر: نصب باليمامة

(3)

.

(1)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 302 (1455)، والطبري 7/ 531 (21274).

(2)

"مجمل اللغة" 1/ 264 - 265.

(3)

"مجمل اللغة" 1/ 264 وفيه: حجر: قصبة اليمامة.

ص: 423

فائدة:

صالح

(1)

: هو ابن عبيد بن جاثر بن ثمود بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. وفي "غرر التبيان" إسقاط جاثر وقال ابن عبيد بن عوص ابن عاد ابن إرم، عاش مائتين وثمانين سنة، وبينه وبين هود مائة سنة

(2)

.

قال وهب: أرسله الله إلى قومه حين راهق الحلم، وكان رجلاً أحمر إلى البياض، سبط الشعر، يمشي حافيًا كما كان يمشي المسيح، ولا يتخذ مسكنًا ولا بيتًا، ولما سأله قومه آية أتى بهم هضبة، فلما رأته تمخضت كما تمخض الحامل وانشقت عن الناقة، ولما عقر قدار بن سالف ومصدع بن مهرج -ويقال: ابن دهر، ويقال: ابن جهم- الناقة يوم الأربعاء صعد فصيلها جبلًا ورغا

(3)

، فأتاهم العذاب يوم السبت

(4)

.

وذكر السهيلي أن قدار كان ولد زنا وهو أحمر ثمود الذي يضرب به المثل في الشؤم، وكان أحمر أشقر أزرق سباطًا قصيرًا.

وأما الذين مالوا معه فهم فيما ذكر في "الوشاح" لابن دريد: مصدع بن مهرج، وهويل بن عتر وغرام بن رُبى ومهرب بن زهير، وعرس بن بحد ودعم بن غنم، وكان الذي تولى عقرها قدار والذي رماها مصدع، فلما هلكوا قال صالح لمن معه: يا قوم إن هذِه الدار مسخوط على أهلها فالحقوا بحرم الله. فأهلوا من ساعتهم بالحج فلم

(1)

في هامش الأصل: قال الذهبي: صالح بن عبيد بن أسيف بن ماشج بن عبيد بن جادر بن ثمود بن عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح.

(2)

"غرر التبيان" ص 260 (331).

(3)

قال الجوهري: وقد رغا البعير يرغو رُغاءً، إذا ضج. "الصحاح" 6/ 2359 مادة (رغا).

(4)

انظر "المعارف" ص 29.

ص: 424

يزالوا بها حتى ماتوا. وقال قتادة فيما حكاه الطبري: لم يعقرها حتى (تابعهم)

(1)

صغيرهم وكبيرهم على عقرها

(2)

.

ثم ذكر البخاري في الباب سبعة أحاديث:

أحدها:

حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ الذِي عَقَرَ النَّاقَةَ- فقَالَ: "انْتَدَبَ لَهَا رَجُلٌ ذُو عِزٍّ وَمَنَعَةٍ فِي قَوْمِهِ كَأَبِي زَمْعَةَ".

الشرح:

راويه عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب الأسدي، ابن أخت أم سلمة، أحد الأشراف، كان يأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنه عروة وأبو بكر بن عبد الرحمن.

وقولى: ("كأبي زمعة") هو الأسود بن أسد بن عبد العزى بن قصي، جد عبد الله بن زمعة هذا، وقتل زمعة يوم بدر كافرًا وكان من المستهزئين أعماه الله لما رماه جبريل بورقة خضراء، وكان من المطعمين، وكان من كبار قريش وأشرافها.

وهذا الحديث ذكره البخاري هنا عن الحميدي، ثنا سفيان، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن زمعة وذكره في التفسير قال: وقال أبو معاوية: ثنا هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن زمعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. "مثل أبي زمعة، عم الزبير بن العوام".

وادعى القرطبي أن أبا زمعة هذا يحتمل أن يكون البلوي، وهو ممن بايع تحت الشجرة وتوفي بأفريقية مع معاوية بن حُدَيج، فإن كان أباه فإنه

(1)

هكذا في الأصول، وفي "التفسير": بايعه.

(2)

"تفسير الطبري" 12/ 606 (37407).

ص: 425

شبهه بالعاقر في عزة قومه

(1)

. وسبقه إليه ابن العربي

(2)

وغيره، وقد أسلفناه صريحًا.

الحديث الثاني والثالث والرابع:

حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّه لَما نَزَلَ الحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا، وَلَا يَسْتَقُوا مِنْهَا، فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ العَجِينَ، وَيُهَرِيقُوا ذَلِكَ المَاءَ.

وُيرْوى عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ وَأَبِي الشَّمُوسِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِلْقَاءِ الطَّعَامِ.

وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:"مَنِ اعْتَجَنَ بِمَائِهِ".

الشرح:

سلف حديث ابن عمر في الصلاة. وكأنه يريد بحديث سبرة ما روى أبو داود بعضه من حديث سليمان بن داود المهري، عن ابن وهب قال: حدثني سبرة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني، عن أبيه، عن جده به

(3)

. كنية (سبرة)

(4)

أبو ثرية -بضم الثاء وقيل بفتحها- والصواب الأول، كما قاله أبو عمر

(5)

.

وأما حديث أبي الشموس وهو البلوي الصحابي شهد غزوة تبوك، فأخرجه الطبراني من حديث سليم بن مطير، عن أبيه، عن أبي الشموس رضي الله عنه أنه عليه السلام نهى أصحابه يوم الحجر عن بئرهم، فألقى ذو العجين عجينه

(1)

"المفهم" 7/ 429.

(2)

"عارضة الأحوذي" 12/ 244.

(3)

أبو داود (3068).

(4)

في الأصول: (أبي سبرة)، والصواب ما أثبتناه.

(5)

"الاستيعاب" 2/ 146.

ص: 426

وذو الحيس حيسه

(1)

. وذكره البخاري في "تاريخه"، وزياد بن نُصَير هذا من أهل الوادي مولى حسن من أهل وادي القرى.

وأبو ذر اسمه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفاربن مليل بن ضمرة بن بكر.

فائدة:

أمرهم ألا يشربوا من مائها، خوفًا أن يورثهم قسوة أو شيئًا يضرهم.

وقوله: (عجنا منها) هو بفتح الجيم، قال ابن التين: وضبط في بعض النسخ بالكسر قال: ومستقبله بضم الجيم وقيل: بكسرها.

الحديث الخامس والسادس والسابع:

حديث عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْضَ ثَمُودَ الحِجْرَ، فَاسْتَقَوْا مِنْ بِيْارِهَا .. الحديث. وأخرجه مسلم أيضًا، ثم قال: تابعه أسامة عن نافع.

حَدَّثَنِا مُحَمَّدٌ، أَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ:"لَا تَدْخُلُوا مَسَاكنَ الذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ؛ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ". ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهْوَ عَلَى الرَّحْلِ. ويأتي في المغازي ومحمد هذا هو ابن مقاتل، كما صرح به أبو نعيم.

وعبد الله: هو ابن المبارك.

ثم قال: حدثنا عبد الله -هو المسندي- ثنا وهب، ثنا أبي، سمعت يونس، عن الزهري، عن سالم أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال

(1)

"المعجم الكبير" 22/ 328 - 329 (826).

ص: 427

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم". وأخرجه مسلم أيضًا.

الشرح:

قوله: "لا تدخلوا" إلى آخره، هو مثل قوله:{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الروم: 9] فأمرهم الشارع بالاعتبار.

وفي حديث آخر أشبه قال لهم: "لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهمِ، فعقروها، فأخذتهم الصاعقة فأهمدهم الله من تحت السماء، إلا رجلاً واحداً كان في حرم الله، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه"

(1)

.

وقوله: ("باكين") كتب عند أبي الحسن بياءين وليس بصحيح، كما قاله ابن التين؛ لأن الياء الأولى مكسورة في الأصل فاستثقلت الكسرة وحذفت إحدى الياءين؛ لالتقاء الساكنين.

وقوله: ("أن يصيبكم") هو مثل {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176]، ومثله الحديث:"لا يدعون أحدكم على ولده أن يوافق من الله إجابة"

(2)

المعنى عند الكسائي وأبي عبيد: لئلا يصيبكم مثل

(1)

رواه أحمد 3/ 296، وابن حبان في "صحيحه" 14/ 77 (6197)، والحاكم 2/ 340 - 341 من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر. وصحح الحاكم إسناده.

(2)

روى مسلم (3009) كتاب: الزهد، باب: حديث جابر الطويل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم .. لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم".

ص: 428

ما أصابهم. وهذا عند البصريين خطأ، لا يجوز إضمار (لا)، والمعنى عندهم: كراهية أن يصيبكم (حذرًا)

(1)

أو خشية. وفي الآية قول ثالث يبين الله لكم الضلال، وقد منع مالك نبش قبور المشركين، فقيل: خشية أن تصادف قبر نبي أو صالح، وقيل: لئلا ينبشه غير معتبر فيكون (مرتعا؛ لما في)

(2)

هذا الحديث من النهي عن ذلك.

(1)

في الأصل: وحذرًا. والمثبت من (ص 1).

(2)

في (ص 1): مرتكبًا لباقي.

ص: 429

‌18 - باب {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} [البقرة: 133]

3382

- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«الكَرِيمُ ابْنُ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ ابْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عليهم السلام» . [3390، 4688 - فتح 6/ 417]

هذا ثابت في بعض النسخ وقد سلف.

ثم قال: (حدثنا إسحاق بن منصور) وهو ابن بهرام الكوسج المروزي الحافظ أبو يعقوب، سكن نيسابور، ومات سنة إحدى وخمسين ومائتين، عنه الكل إلا أبا داود، ولهم إسحاق بن منصور السلولي الكوفي، روى له الكل، وعنه عباس الدوري، مات سنة خمس ومائتين. ولهم ثالث: إسحاق بن منصور بن حيان الأسدي الكوفي، عنه محمد بن عبد الله بن نمير. (أنا عبد الصمد) هو ابن عبد الوارث أبو سهل التنوري الحافظ الحجة، مات سنة سبع ومائتين، روى له الجماعة، وليس في الصحيحين غيره، ولهم اثنان آخران: عبد الصمد بن حبيب العوذي، أخرج له أبو داود، وقال البخاري: لين، وعبد الصمد بن سليمان البلخي الحافظ عنه الترمذي وابن خزيمة، حدث في سنة ست وأربعين ومائتين. (ثنا عبد الرحمن بن عبد الله) هو ابن دينار، انفرد به البخاري، وقال أبو حاتم وغيره: فيه لين، وأخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.

وفي البخاري عبد الرحمن بن عبد الله ثلاثة: أحدهم معلق عن أبيه: هو مولى ابن عمر، تابعي، أخرجوا له، مات سنة سبع وعشرين ومائة،

ص: 430

وليس في الصحيحين عبد الله بن دينار غيره. وفي ابن ماجه آخر: حمصي، ليس بالقوي.

عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْكَرِيمُ ابن الكَرِيمِ ابن الكَرِيمِ ابن الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ". وادعى ابن التين أنه أسقط واحدًا من هؤلاء.

وذكره في التفسير، والذي في الأصول هنا إثباته كما سقته لك، لكن ذكر منهم أن إبراهيم نبي رسول صديق خليل. ويوسف نبي رسول صديق، وإسحاق ويعقوب نبيان، ويوسف ابن ابن أخي رسول، وأخو أحد عشر نبيًّا، فهم ست عشر نبيًّا من بيت واحد.

ص: 431

‌19 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)} [يوسف: 7]

3383 -

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ» . قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: «فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ ابْنُ نَبِيِّ اللهِ ابْنِ نَبِيِّ اللهِ ابْنِ خَلِيلِ اللهِ» . قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ تَسْأَلُونِي؟، النَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا» .

حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا. [انظر: 3353 - مسلم: 2378 - فتح 6/ 417]

3384 -

حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ المُحَبَّرِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا:«مُرِى أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ» . قَالَتْ: إِنَّهُ رَجُلٌ أَسِيفٌ، مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ رَقَّ. فَعَادَ فَعَادَتْ، قَالَ شُعْبَةُ فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ «إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ» . [انظر: 198 - مسلم: 418 - فتح 6/ 417]

3385 -

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ يَحْيَى البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» . فَقَالَتْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ. فَقَالَ، مِثْلَهُ فَقَالَتْ مِثْلَهُ. فَقَالَ:«مُرُوهُ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» . فَأَمَّ أَبُو بَكْرٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ: رَجُلٌ رَقِيقٌ. [انظر: 678 - مسلم: 420 - فتح 6/ 417]

3386 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِن

ص: 432

الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ». 4/ 1830 [انظر: 804 - مسلم: 675 - فتح 6/ 418]

3387 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ ابْنِ أَخِي جُوَيْرِيَةَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيْدٍ أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُ الله لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ ثُمَّ أَتَانِي الدَّاعِى لأَجَبْتُهُ» . [انظر: 3372 - مسلم: 151 - فمَح 6/ 418]

3388 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ رُومَانَ -وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ- عَمَّا قِيلَ فِيهَا مَا قِيلَ، قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ عَائِشَةَ جَالِسَتَانِ، إِذْ وَلَجَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهْيَ تَقُولُ: فَعَلَ الله بِفُلَانٍ وَفَعَلَ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ فما ذِكْرَ الحَدِيثِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَيُّ حَدِيثٍ؟ فَأَخْبَرَتْهَا. قَالَتْ: فَسَمِعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَمَا أَفَاقَتْ إِلاَّ وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«مَا لِهَذِهِ؟» . قُلْتُ: حُمَّى أَخَذَتْهَا مِنْ أَجْلِ حَدِيثٍ تُحُدِّثَ بِهِ، فَقَعَدَتْ فَقَالَتْ: وَاللهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لَا تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَذَرْتُ لَا تَعْذِرُونِي، فَمَثَلِى وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ يَعْقُوبَ وَبَنِيهِ، فَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ. فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ الله مَا أَنْزَلَ، فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ: بِحَمْدِ اللهِ لَا بِحَمْدِ أَحَدٍ. [4143، 4691، 4751 - فتح 6/ 418]

3389 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْتِ قَوْلَهُ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110] أَوْ: {كُذِبُوا} [يوسف: 110]. قَالَتْ: بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، وَمَا هُوَ بِالظَّنِّ. فَقَالَتْ: يَا عُرَيَّةُ، لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ. قُلْتُ: فَلَعَلَّهَا أَوْ {كُذِبُوا} . قَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ، لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا، وَأَمَّا هَذِهِ الآيَةُ قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ، وَطَالَ عَلَيْهِمُ البَلَاءُ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ، حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَتْ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ

ص: 433

قَوْمِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللهِ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {اسْتَيْأَسُوا} [يوسف: 80] افْتَعَلُوا مِنْ يَئِسْتُ. {مِنْهُ} [يوسف: 80] مِنْ يُوسُفَ. {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ} [يوسف: 87] مَعْنَاهُ الرَّجَاءُ. [4535، 4695، 4696 - فتح 6/ 418]

3390 -

أَخْبَرَنِي عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْكَرِيمُ ابْنُ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عليهم السلام» . [انظر: 3382 - فتح 6/ 419]

ذكر فيه تسعة أحاديث:

أحدها:

حدثنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ الحديث وقد سلف قريبًا

(1)

.

ثانيها:

حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ ثنا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا.

وسعيد بن أبي سعيد لعله المقبري كيسان. وبخط الدمياطي قبالة سعيد

(2)

اسمه عبد الله ولقبه أبو محمد القرشي الهباري الكوفي، مات

(1)

سلف برقم (3374) باب رقم: (14).

(2)

ورد بهامش الأصل: إنما كتبه الدمياطي قبالة عبيد بن إسماعيل وقد نقل نحو هذِه الحاشية بعض من اعتنى بحواشي الدمياطي سماه: عبيد بن إسماعيل، وهو في عبد بن إسماعيل صحيح وما قاله شيخنا هنا خطأ محض فكأنه اشتبهت عليه الإشارة إلى الحاشية. والله أعلم. وهذا لا يقوله الدمياطي ولا غيره ممن له أدنى تمييز في هذا الفن.

ص: 434

سنة خمسين ومائتين فليتأمل.

ومحمد هو ابن سلام بن الفرج أبو عبد الله السلمي مولاهم البيكندي، مات سنة خمس وعشرين ومائتين انفرد به البخاري، قال: وعبدة اسمه عبد الرحمن بن سليمان أبو حي الكلابي من أنفسهم ولقبه عبدة مات سنة سبع، وقيل تسع، وقيل ثمان وثمانين ومائة. قال أحمد: ثقة وزيادة مع صلاحه وشدة فقر.

ورواه أبو نعيم، عن أبي أحمد، ثنا عمران بن موسى، عن عثمان، عن عبدة، ثم قال: رواه -يعني: البخاري- عن عثمان (عن)

(1)

عبدة كذا قال، والموجود خلافه كما قدمته، حدثنا محمد، ثنا عبدة، ورواه الإسماعيلي، عن الحسن، عن سفيان، ثنا إسحاق بن عبد الله، ثنا عبدة بن سليمان ومحمد بن بشر، عن عبيد الله.

الحديث الثالث:

حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: "مُرِي أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ".

الحديث سلف في الصلاة

(2)

.

وقولها: (إنه رجل أسيف) وفي رواية زائدة بعدها: رقيق، أي: رقيق القلب سريع البكاء والحزن كذا فسره أبو عبيد في اللغة

(3)

، الأسيف في اللغة: الذي لا يكاد يسمن.

وشيخ البخاري فيه بدل بن المحبر من أفراده قال البخاري: بصري. وقال مسلم: واسطي، مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين.

(1)

كذا في الأصل، وفي (ص 1):(بن).

(2)

سلف برقم (664) كتاب: الأذان، باب: حدِّ المريض أن يشهد الجماعة.

(3)

"غريب الحديث" 1/ 100.

ص: 435

الحديث الرابع:

حديث أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ بمثله، وفيه:(رَجُلٌ رَقِيقٌ). وقد سلف في الصلاة أيضًا

(1)

. وشيخه فيه الربيع بن يحيى الأشناني من أفراده ثقة ثبت، مات سنة أربع وعشرين ومائتين.

الحديث الخامس:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ". تقدم في الصلاة

(2)

. والوطأة: البأس والعقوبة. وقال الداودي: هي الأرض.

الحديث السادس:

حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ (مُحَمَّدِ)

(3)

بْنِ أَسْمَاءَ ابن أَخِي جُوَيْرِيَةَ بن أسماء، ثنا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيْدٍ أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وإنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُ اللهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ".

الحديث وقد سلف ويأتي في التفسير

(4)

.

وعبد الله شيخ البخاري أخرج له أبو داود، والنسائي، ومسلم، مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين.

قال أحمد الدورقي: لم أر بالبصرة أفضل منه.

وعمه جويرية بن أسماء بن عبيد بن مخراق أبو أسماء، وقيل: أبو مخراق، مات سنة ثلاث وسبعين. وأبو عبيد هذا هو سعد بن

(1)

سلف برقم (687) كتاب: الأذان، باب: أهل العلم والفضل أحق بالإمامة.

(2)

سلف برقم (804) كتاب: الأذان، باب: يهوي بالتكبير حين يسجد.

(3)

في الأصل: أحمد، والمثبت من (ص 1) وهو الصواب.

(4)

سلف برقم (3372) باب: قوله {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}

، وسيأتي في التفسير برقم (4537) باب:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} .

ص: 436

عبيد مولى ابن أزهر الزهري.

الحديث السابع:

حديث مَسْرُوقٍ: سَأَلْتُ أُمَّ رُومَانَ وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ رضي الله عنهما عَمَّا قِيلَ فِيهَا مَا قِيلَ، قَالَتْ: بينا أَنَا وعَائِشَةَ .. أخذتها الحمى، فذكر قطعة من حديث الإفك.

ويأتي في التفسير في سورة يوسف والنور وهذا الحديث اختلف في سنده من حيث إن أم رومان سعد، ويقال: زينب بنت عمير بن عامر، وقيل بنت عامر بن عويمر الكنانية بفتح الراء منها وتضم. قال ابن سعد وأبو حسان الزيادي

(1)

: إنها ماتت في حياة رسول الله سنة ست ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها

(2)

. زاد الزبير: في ذي الحجة.

وقال أبو عمر: سنة أربع، وقيل: سنة خمس

(3)

، فعلى هذا لا يتجه سماع مسروق منها ويكون حديثه منقطعًا. وأما على قول أبي إسحاق الحربي في "تاريخه" و"علله": سأل مسروق أم رومان وله خمس عشرة سنة ومات وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وهي أقدم من حدث عنها مسروق وقد صلى خلف أبي بكر وعمر. وقول أبي نعيم

(1)

هو الإمام الحافظ، مؤرخ العصر، قاضي بغداد، الحسن بن عثمان بن حماد البغدادي، سمع من هشيم بن بشير ويحيى بن زائدة والوليد بن مسلم ومحمد بن عمر الواقدي، وغيرهم. قال الخطيب البغدادي: كان أحد العلماء الأفاضل، ومن أهل المعرفة، والثقة، والأمانة، وقال ابن العماد: كان إمامًا، ثقة، أخباريًّا، مصنفًا، كثير الاطلاع اهـ. توفي في رجب سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وكان من كبار أصحاب الواقدي. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 7/ 356 - 361 (3877)، "سير أعلام النبلاء" 11/ 496 (134)، "شذرات الذهب" 2/ 100.

(2)

"الطبقات الكبرى" 8/ 276.

(3)

"الاستيعاب" 4/ 490.

ص: 437

الحافظ: بقيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دهرًا طويلاً، فهو متصل.

وأباه الخطيب وقال: العجب من الحربي كيف خفي عليه سؤال مسروق لها مع علو قدره في العلم.

وأحسب العلة التي دخلت عليهما اتصال السند وثقة رجاله فلم يفكر فيما وراء ذلك فهي العلة التي دخلت على البخاري حتى خرجه.

وأما مسلم فلم يخرجه ورجاله على شرطه وأحسبه فطن لاستحالته فتركه. وقول الحربي سألها وله خمس عشرة سنة.

فعلى هذا كان له وقت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة سنة، فما الذي منعه أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: لكن البخاري لما ذكر رواية علي بن زيد بن جدعان، عن القاسم: ماتت أم رومان زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فيه نظر -أي: لضعف علي وانقطاع حديث القاسم- وحديث مسروق أسند

(1)

.

قال الخطيب: لم يزل حديث مسروق هذا يختلج في صدري وأستنكره سنين فلا أعرف له علة لثقته واتصال سنده حتى رأيت في رواية لحصين، عن مسروق، عن أم رومان فجوزت أن يكون مسروق أرسل الرواية عنها، وقد ذكر أن حصينًا اختلط في آخر عمره، فلعله روى الحديث في حال اختلاطه. وفي روايةٍ عن مسروق: سُئلت أم رومان. وهذا أشبه بالصحة؛ لأن من الناس من يكتب الهمزة ألفًا في جميع أحوالها: الرفع والنصب والخفض ولعل بعض النقلة كتب سُئلت بالألف فقرأه الراوي سَأَلتُ ودوَّن عليه ورواه. ووقع في كتابه:

(1)

"التاريخ الصغير" 1/ 38، وانظر لزامًا "تهذيب التهذيب" 4/ 696.

ص: 438

ورواه مسروق عن ابن مسعود عنها. قال: وهو الأشبه

(1)

.

وقال ابن ناصر السلامي

(2)

: يكون كأنه روى عن ابن مسعود عنها. والذي قاله غير واحد أن الأولى مرسلة.

قال أبو عمر: رواية مسروق، عن أم رومان مرسلة

(3)

.

وقال الحميدي: كان بعض من لقينا من البغداديين الحفاظ يقول: الإرسال في هذا الحديث بَيِّن

(4)

.

وقال ابن العربي: العنعنة في رواته، إنه أصح.

وقال السهيلي: قيل: إنه وهم في الحديث

(5)

.

قال الداودي: رواه وائل عن أم رومان.

وفيه من الوهم أن أم مسطح من قريش وقالت: (ولجت علينا امرأة من الأنصار).

وفيه: (فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا). خلاف قول عائشة: فما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه ولا خرج من البيت حتى نزلت براءتها

(6)

.

وقال ابن التين: هو أصح من هذا؛ لأنه رواه الزهري عن ابن المسيب وعروة وعبيد الله وعلقمة بن وقاص عنها.

(1)

انظر: "تحفة الأشراف"(18318).

(2)

هو الإمام المحدث الحافظ، مفيد العراق، أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر السلامي البغدادي، توفي سنة خمسين وخمسمائة. انظر:"سير أعلام النبلاء" 20/ 265 - 271.

(3)

"الاستيعاب" 4/ 491.

(4)

"الجمع بين الصحيحين" 4/ 358.

(5)

"الروض الأنف" 4/ 21.

(6)

سيأتي برقم (4141) كتاب: المغازي، باب: حديث الإفك.

ص: 439

وإنما ذكره هنا لذكر يوسف حيث قالت: (فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه).

وفي أبي داود من حديث حميد الأعرج، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم لما كشف وجهه حين جاءه جبريل قال: "أعوذ بالله السميع من الشيطان الرجيم {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} ثم قال: هذا حديث منكر، وقد روى هذا الحديث عن الزهري غير واحد، لم يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح، وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة فيه من كلام حميد

(1)

.

الحديث الثامن:

حديث عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتِ قَوْلَهُ تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110] أَوْ: {كُذِبُوا} [يوسف: 110]. قَالَتْ: بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ. فَقُلْتُ: والله لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، وَمَا هُوَ بِالظَّنِّ. فَقَالَتْ: يَا عُرَيَّةُ، لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ. قُلْتُ: فَلَعَلَّهَا أَوْ {كُذِبُوا} . قَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ، لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا، وَأَمَّا هذِه الآيَةُ. قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ .. الحديث.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {اسْتَيْأَسُوا} [يوسف: 80]: (استفعَلُوا)

(2)

مِنْ يَئِسْتُ. وسيأتي في التفسير سورة البقرة ويوسف.

واخُتلف في معنى هذِه الآية فقيل: استيئسوا أن يأتي قومهم العذاب. وقيل: يئسوا من إيمان قومهم.

(1)

أبو داود (785).

(2)

كذا في الأصل، وهي رواية الأصيلي كما في هامش "اليونينية" 4/ 151.

ص: 440

قال ابن التين: ليس وزنه كما ذكر البخاري افتعلوا ولكن استفعلوا. وكذلك هو في بعض الروايات، وقد أسلفناه أولاً.

وقول عائشة رضي الله عنها: (والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم وما هو بالظن) هذا قول قتادة، وهو معروف في اللغة أنّ الظنّ بمعنى اليقين ومنه قوله تعالى:{وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة: 118].

وفي الآية قول آخر على قراءة التشديد أن الظن على بابه، ويتأول على عائشة هنا: طال على المؤمنين البلاء واستأخر عنهم النصر فظن الرسل أن أتباعهم كذبوهم، قيل وهو أحسن.

وقول ابن مسعود وابن عباس [كُذِبُوا] بضم الكاف والتخفيف.

واختلف قول ابن عباس في تأويله فقال: إنهم ضعفوا، وقال: إنهم كسروا

(1)

.

والثاني: ظن قومهم أن الرسل كُذِبوا، فالضمير في (كذبوا) يعود على القوم على هذا. وقرأ مجاهد (كَذِبوا) بفتح الكاف والتخفيف، وفسره: وظن قومهم. أي: كذبوهم

(2)

، وهو كالذي قبله في المعنى. وقال ابن عرفة: الكذب الانصراف عن الحق، يقال: حمل فما كذب. أي: ما انصرف عن القتال، فمعنى (كذبوا) أي: تكذيبًا لا تصديق بعده.

وقولها: (يا عرية) هو تصغير عروة وأصله عريوة إلا أنه اجتمع حرفا علة وسبق الأول بالسكون جعلوهما ياءين وأدغموا الأولى في الثانية.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 320 - 321 (20024)(20025)(20029)، وانظر "الدر المنثور" 4/ 77.

(2)

"تفسير مجاهد" 1/ 322.

ص: 441

وقوله،:{وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ} ، معناه الرجاء أي لرحمته، تعالى.

الحديث التاسع:

حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: "الْكَرِيمُ ابن الكَرِيمِ" إلى آخره.

سلف قريبًا

(1)

، والبخاري رواه ثَمَّ عن إسحاق بن منصور، أنا عبد الصمد، وهنا رواه عن عبدة، ثنا عبد الصمد، ورواه في التفسير عن عبد الله بن محمد، ثنا عبد الصمد

(2)

.

وعبدة هذا هو ابن عبد الله بن عبدة أبو سهل الصفار الخزاعي البصري مات بالأهواز سنة ثمان وخمسين ومائتين، انفرد به البخاري، وعنه الأربعة أيضًا. وفي الستة عبدة بن سليمان الكلابي سلف قريبًا.

وعبدة بن أبي لبابة لم يرو له أبو داود، وفي أبي داود عبدة بن سليمان المروزي. وفي النسائي عبدة بن عبد الرحيم المروزي، مات بدمشق سنة أربع وأربعين ومائتين.

ص: 442

‌20 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} [الأنبياء: 83]

{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42]: اضرِبْ. {يَرْكُضُونَ} [الأنبياء: 12]: يَعْدُونَ.

3391 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِى فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَى رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ» . [انظر: 279 - فتح 6/ 420]

ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة أيوب، وقد سلفت في الغسل من الطهارة

(1)

.

قيل: كانت خرجت من جسده خراجات كالحلم فإذا طفئت واحدة عادت أخرى.

وكان من صبره أنه كان تسقط منه الدودة فيردها من حيث سقطت فلبث سبعًا كذلك، زاد الحسن: وستة أشهر. وقال وهب: ثلاث سنين لم تزد يومًا واحدًا

(2)

.

وسنذكر حدث حديثًا: "ثماني عشرة سنة".

(1)

سلف في الطهارة برقم (279)، باب: من اغتسل عريانا وحده في الخلوة.

(2)

رواهما الطبري في "التفسير" 9/ 64 (24720)، (24721).

ص: 443

قال ابن إسحاق في "المبتدأ": وكان رجلاً من بني إسرائيل ولم يرفع لنا في نسبه فوق أبيه شيئًا، وهو أيوب بن بازخ بن أموص زاد مقاتل: بن اليفور بن العيص بن إسحاق

(1)

.

وأسقط ابن دريد في "وشاحه" بازخ وذكر بعد أموص رازح. زاد صاحب "التاريخ الغريب"(بعد)

(2)

أموص رعويل. قبره مشهور (بحوران)

(3)

بقرية بقرب نوى. وكان ينزل البثنية من الشام. وروى أحمد بن وهب عن عمه عبد الله، أنا نافع بن يزيد، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس مرفوعًا:"إن أيوب لبث في بلائه ثماني عشرة سنة"

(4)

وعن خالد بن دريك: أصابه البلاء على رأس ثمانين سنة من عمره. وعن ابن عباس: مكث في البلاء سبع سنين، وكان أصابه بعد السبعين من عمره

(5)

.

وفي "التاريخ الغريب" زوج ليَّا بنت يعقوب وأم ابنه لوط، وعاش مائتي سنة وست عشرة سنة قال: وقبره بمصر، وقيل: بالشام.

(1)

كذا في الأصول، وفي "تاريخ الطبري" 1/ 322: أيوب بن موص بن رازح بن عيص بن إسحاق.

وقيل: أيوب بن موص بن رغويل بن العيص بن إسحاق. وقال بعضهم: رعويل.

(2)

في الأصل: (بن).

(3)

في (ص 1): (بحران).

(4)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 589 - 590 (29948) عن عبد الله بن وهب به. ورواه ابن حبان في "صحيحه" 7/ 157 - 159 (2898) من طريق حرملة بن يحيى، عن ابن وهب به. ورواه أبو يعلى 6/ 299 (3617)، والحاكم 2/ 581 - 582 كلاهما من طريق سعيد بن أبي مريم، عن نافع بن يزيد به. ولفظ الحاكم:"خمسة عشر سنة"، وصححه على شرط الشيخين. وزاد الهيثمي في "المجمع" 8/ 208 عزوه إلى البزار، وقال: ورجال البزار رجال الصحيح.

(5)

رواه الحاكم 2/ 581.

ص: 444

وقال ابن خالويه في "ليس": كنيته أبو عبد الله وامرأته أم زيد. وما ذكره عنه القُصّاص من تسلط إبليس عليه غير صحيح كما نبه عليه ابن العربي في "سراجه"؛ لأنه لا يتسلط على المخلَصين، فكيف من كبارهم؟!

واخْتُلف لم حلف ليضربن زوجته، فقال ابن عباس: لما أخذه البلاء أخذ إبليس تابوتًا وقعد على الطريق يداوي فجاءته امرأة أيوب فقالت: أتداوي رجلاً به علة كذا وكذا فقال: نعم بشرط أني إذا شفيته قال: أَنْتَ شفيتني، لا أطلب منه جزاءً غير هذا. فجاءت إلى أيوب فأخبرته فقال لها: ذاك الشيطان، والله لئن برئت لأضربنك مائة

(1)

.

وقيل: إنها قالت له: لقد طال بك هذا لو كان لك عند ربك مكان لكشف ما بك، فحلف ليضرَبنّها مائة جلدة، فلما كشف ضره وقد ذهب عنها، نودي أن ارْكُض برجلك فاغتسل فذهب ما به فعاد خلقه أحسن ما كان، فأتاها فقالت: لعلك رأيت نبي الله أيوب، وإنه أشبه الناس بك قبل أن يبتلى فأخبرها أنه هو فأنزل الله:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} ، قال مجاهد ومالك وغيرهما: هذا خاص له. وقال عطاء: هو لجميع الناس

(2)

.

وقالت فرقة: أمران يضربها بقدر احتمالها فمن لم يحتمل إلا ذلك فُعل به كذلك.

قال ابن التين: والأبين قول مالك؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَحْنَثْ} فأسقط عنه الحنث فدل أنه خاص. ولا نُسلّم له.

(1)

ذكرها ابن العربي في "أحكام القرآن" 4/ 1651.

(2)

الذي في "أحكام القرآن" لابن العربي 4/ 1652: روي عن مجاهد أنها للناس عامة، وروي عن عطاء أنها لأيوب خاصة. وكذلك روى ابن زيد عن ابن القاسم عن مالك: من حلف ليضربن عبده مائة فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبرّ.

ص: 445

فصل:

وقوله: ("خَرّ عليه رِجل جراد") يقال: هذا رِجل من جراد أي جماعة منهم، كما يقال: سرب من الظباء، وعانة من الحمير، وخيط من النعام، وذلك من أسماء الجماعات التي لا واحد لها من لفظها.

قال الخطابي: وفيه دلالة على أن من نُثِر عليه دراهم أو نحوها في إملاك ونحوه أنه أحق بما نثر عليه

(1)

.

وتعقبه ابن التين فقال: ليس كما ذكره؛ لأنه شيء خَصّ الله به نبيه أيوب، وذلك شيء من فعل الآدمي فيكره فعله؛ لأنه من السرف. وينازع في كونه خاصًّا، وبأنه جاء عن الشارع فلا سرف فيه.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1549.

ص: 446

‌21 - باب قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)} [مريم: 51 - 52]

كَلَّمَهُ. {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)} [مريم: 51 - 53] يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَللاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ: نَجِيٌّ، وَيُقَالُ:{خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف: 80]: اعْتَزَلُوا نَجِيًّا، وَالْجَمِيعُ أَنْجِيَةٌ يَتَنَاجَوْنَ

(1)

.

3392 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، سَمِعْتُ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَرَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ رَجُلاً تَنَصَّرَ يَقْرَأُ الإِنْجِيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ. فَقَالَ وَرَقَةُ: مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الذِي أَنْزَلَ الله عَلَى مُوسَى، وَإِنْ أَدْرَكَنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. النَّامُوسُ: صَاحِبُ السِّرِّ الذِي يُطْلِعُهُ بِمَا يَسْتُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ. [انظر: 3 - مسلم: 160 - فتح 6/ 422]

ذكر فيه حديث عروة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خديجة ترجف بوادره). وقد سلف أول الكتاب

(2)

.

و {مُخْلَصًا} قرئ بفتح اللام. أي: أخلصناه مختارًا خالصًا من الدنس، وبكسر اللام أي وَحَّدَ الله بطاعته وأَخْلَص نفسه من الدنس.

ومعنى {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} قال ابن عباس: أدنيناه حتى سمع صريف الأقلام

(3)

.

(1)

كذا بالأصل هذا الباب، ووقع في رواية أبي ذَرٍّ بعدها: باب {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} إلى قوله: {مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}

(2)

سلف برقم (3) كتاب: بدء الوحي، باب:3.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 351 (23760).

ص: 447

وقوله: (النجي .. ) إلى آخره، كذا قال ابن عرفة. وقال غيره: نَجِيّ جمع أنجية. وقيل: نَجِيّ جمع ناجٍ مثل غاز وغزي.

والناموس صاحب سر الرجل. وقال أبو عبيد: هو جبريل عليه السلام وسمي بذلك؛ لأن الله خصه بالوحي والغيب الذي لا يطلع عليه غيرُهُ، وأصله من نمس ينمس نمسًا، ونامسته منامسة إذا سررته

(1)

.

(1)

"غريب الحديث" 1/ 315 - 316.

ص: 448

‌22 - باب قَوْلِ الله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} إِلَى قَوْلِهِ: {طُوًى} [طه: 9 - 12]

{آنَسْتُ} [طه: 10]: أَبْصَرْتُ {نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} [طه: 10] الآيَةَ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {الْمُقَدَّسِ} [طه: 12]: المُبَارَكُ. {طُوَى} [طه: 12]: اسْمُ الوَادِي {سِيرَتَهَا} [طه: 21]: حَالَتَهَا وَ {النُّهَى} [طه: 54]: التُّقَى {بِمَلْكِنَا} [طه: 87]: بِأَمْرِنَا. {هَوَى} [طه: 81]: شَقِيَ. {فَارِغًا} [القصص: 10]: إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسى. {رِدْءًا} [القصص: 34]: كَي يُصَدِّقَنِي، وَيُقَالُ: مُغِيثًا أَوْ مُعِينًا. يَبْطُشُ وَيَبْطِشُ. {يَأْتَمِرُونَ} [القصص: 20]: يَتَشَاوَرُونَ. وَالْجِذْوَةُ: قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الخَشَبِ لَيْسَ فِيهَا لَهَبٌ. {سَنَشُدُّ} [القصص: 35]: سَنُعِينُكَ، كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيْئًا فَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ عَضُدًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلَّمَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ أَوْ فِيهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ فَأْفَأَةٌ فَهْيَ عُقْدَةٌ {أَزْرِي} [طه: 31]: ظَهْرِي {فَيُسْحِتَكُمْ} [طه: 61]: فَيُهْلِكَكُمْ. {الْمُثْلَى} [طه: 63]: تَأْنِيثُ الأَمْثَلِ، يَقُولُ: بِدِينِكُمْ، يُقَالُ: خُذِ المُثْلَى: خُذِ الأَمْثَلَ. {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} [طه: 64] يُقَالُ: هَلْ أَتَيْتَ الصَّفَّ اليَوْمَ؟ يَعْنِي: المُصَلَّى الذِي يُصَلَّى فِيهِ. {فَأَوْجَسَ} [طه: 67]: أَضْمَرَ خَوْفًا، فَذَهَبَتِ الوَاوُ مِنْ {خِيفَةً} [طه: 67]: لِكَسْرَةِ

الخَاءِ. {في جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]: عَلَى جُذُوعِ {خَطْبُكَ} [طه: 95]: بَالُكَ. {مِسَاسَ} [طه: 97]: مَصْدَرُ

ص: 449

مَاسَّهُ مِسَاسًا. {لَنَنْسِفَنَّهُ} [طه: 97]: لَنُذْرِيَنَّهُ. الضَّحَاءُ: الحَرُّ. {قُصِّيهِ} [القصص:11]: اتَّبِعِي أَثَرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ أَنْ تَقُصَّ الكَلَامَ {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} [الكهف: 13]. {عَنْ جُنُبٍ} [القصص: 11]: عَنْ بُعْدٍ، وَعَنْ جَنَابَةٍ وَعَنِ اجْتِنَابٍ وَاحَدٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ:{عَلَى قَدَرٍ} [طه:40]: مَوْعِدٌ {وَلَا تَنِيَا} [طه: 42]: لَا تَضْعُفَا {يَبَسًا} [طه: 77]: يَابِسًا {مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} [طه: 87]: الحُلِيِّ الذِي اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ {فَقَذَفْنَاهَا} أَلْقَيْتُهَا. {أَلْقَى} [طه: 87]: صَنَعَ. {فَنَسِيَ} [طه: 88] مُوسَى، هُمْ يَقُولُونَهُ: أَخْطَأَ الرَّبَّ {أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} [طه: 89]: فِي العِجْلِ.

3393 -

حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِىَ بِهِ:"حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الخَامِسَةَ، فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ". تَابَعَهُ ثَابِتٌ وَعَبَّادُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3207 - مسلم: 164 - فتح 6/ 423]

ذكر فيه حديث أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة أنه صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به "حتى أتى السماء الخامسة فإذا هارون، قال: هذا هارون سَلِّم عليه فسلمت عليه فرد، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح" هذا الحديث سلف مطولاً غير مرة

(1)

، ثم قال: تابعه ثابت وعباد بن أبي علي، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

سلف برقم (3207) كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة.

ص: 450

متابعة ثابت أخرجها مسلم عن شيبان، عن حماد بن سلمة عنه

(1)

.

ومالك بن صعصعة أخوه قيس بن صعصعة بن وهب بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار شهد أحدًا.

وفي الصحابة قيس بن صعصعة، روى حبان بن واسع عن أبيه [عنه] قلت: يا رسول الله

(2)

. وقيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد الخزرجي المازني عقبي بدري، أمير الساقة يوم بدر وهو الذي قبله وهذا أصح

(3)

.

وعباد بن أبي علي روى عنه هشام الدستوائي وحماد بن زيد وخليد بن حسان لم يذكروه.

ومعنى {آنَسْتُ نَارًا} : وجدتها وعلمت مكانها. والقبس: ما أخذ من صوف أو قصب أو فتيلة. وقال ابن فارس: القبس: قبس النار وهو الشعلة، يقال: أقبست الرجل علمًا وقبسته نارًا

(4)

.

(1)

"صحيح مسلم"(162) كتاب: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات.

(2)

رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 62 (2008)، والطبراني 18/ 344 (877) كلاهما من طريق ابن لهيعة، عن حبان بن واسع، عن أبيه، عن قيس بن أبي صعصعة قال: يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال: "في خمس عشرة .. " الحديث.

(3)

فرق بينهما ابن عبد البر في "الاستيعاب" 3/ 353 وذكر الحديث السابق في ترجمة قيس بن صعصعة، وقال ابن الأثير في "أسد الغابة" 4/ 430: ولا شك أنه وهم فيه، ولعله ظنهما اثنين وهما واحد، وهذا هو الصواب اهـ. وذكر ابن حجر قيس بن صعصعة في "الإصابة" 3/ 283 (7355) في القسم الرابع، وقال: وهذا هو قيس بن أبي صعصعة، وجزم ابن الأثير بأنهما واحد، وهو كما قال.

(4)

"مجمل اللغة" 3/ 740، مادة (قبس).

ص: 451

وقال ابن دريد: قبست من فلان نارًا واقتبست منه علمًا

(1)

. وقيل: القبس الجذوة وهي النار التي تأخذها في طرف عود.

ومعنى ({سِيرَتَهَا} حالتها) أي: سنعيدها عصًى كما كانت.

("النُّهى": التُّقى)، أو الورع، أو العقول، أو الرأي، وجزم البخاري بالأول وكلها متقاربة؛ لأنه مأخوذ من النهى وواحدها نهية.

وقوله: ({بِمَلْكِنَا}): أي (بأمرنا). والملك ما حوته اليد، وبالفتح المصدر، والمعنى واحد. وقال قتادة: بطاقتنا

(2)

وتقرأ بمُلكنا بالضم، أي: بسلطاننا، وأُنكرت؛ لأنهم لم يكن لهم سلطان إنما كانوا مستضعفين تُذبَّح أبناؤهم وتُستحْيَى نساؤهم.

{رِدْءًا} ، {يُصَدِّقُنِي} (ويقال: معينًا ومغيثًا). (والجذوة: قطعة -بالتثليث- غليظة من الخشب ليس فيها لهب).

والعقدة التي كانت في لسان موسى؛ لأنه أخذ جمرة فجعلها في فيه غرًّا من امرأة فرعون لتدرأ عنه عقوبة فرعون؛ لأنه أخذ بلحيته فقال: هذا عدو لي، فقالت له: إنه لا يعقل.

و (كلما لم ينطق بحرف أو فيه تمتمة أو فأفأة عقدة).

و ("وأزري": ظهري) قاله ابن عباس

(3)

. وقيل له أزر؛ لأنه محل الإزار وهو تمثيل؛ لأن القوة في الظهر، أي: أشد قوتي به.

والصف: المصلى. قال البخاري: (يقال هل أتيت الصف اليوم، يعني: المصلى الذي يصلى فيه). وقال أبو عبيد: مصلى العيد.

(1)

"جمهرة اللغة" 1/ 339.

(2)

"تفسير الطبري" 8/ 444 (24254).

(3)

"تفسير الطبري" 8/ 411 (24113).

ص: 452

وقال أبو إسحاق: يجوز أن يكون المعنى: والناس مصطفون مجتمعون لهم؛ ليكون أعظم لأمركم وأشد لهيبتكم.

قال البخاري: ({مِسَاسَ}

(1)

مصدر ماسه مساسًا) ومعنى {ولَا مِسَاسَ} أي: عقوبتك في الحياة الدنيا أن لا تخالط ولا تكلم. {فَنسَيَ} أي: لم يذكر لكم أنه إلاهه، قاله ابن عباس. وقال الضحاك: ضل عنه تركه ومضى. وقيل: المعنى فنسي السامري الإيمان أي فتركه وأنه لما عبر البحر نافق. وقوله: {أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} يروى أنه لما جاز مرة واحدة ولم يعاود الجواز. وفي بعض النسخ سوى ما سلف.

({هوى}: شقي، قال ابن عباس: {المقدس}: المبارك). قلت: والأرض المقدسة: الطور وما حوله، وقيل: أريحا، وقيل: دمشق، وقيل: فلسطين والأردن.

({طوى}: اسم الوادي {فَارِغًا} إلا من ذكر موسى. يبطُش ويبطِش. {يَأتَمِرُونَ}: يتشاورون. {سَنشُدُّ}: سنعينك كلما عززت شيئًا فقد جعلت له عضدا. {فَيُسْحِتَكُمْ}: فيهلككم. {المثلى} تأنيث الأمثل يقول: بدينكم، يقال: خُذِ المُثْلى، خذ الأمثل).

وقوله: ({فَأَوْجَسَ} : أضمر خوفًا، فذهبت الواو من {خِيفَةً} بكسر الخاء {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}: على جذوع. {خَطْبُكْ} : بالك {لَنَنْسِفَنَّهُ} : لنذرينه. الضحى: الحر. {قُصِّيهِ} : اتبعي أثره، وقد يكون أن تقص الكلام {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ}. {عَنْ جُنُبٍ}: عن بعد وعن جنابةٍ وعن اجتناب واحد. وقال مجاهد: {عَلَى قَدَرٍ} : موعد.

(1)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 453

{وَلَا تَنِيَا} : لا تضعفا. {مَكَانًا سُوَى} : منصف بينهم {يَبَسًا} : يابسًا. {زِينَةِ الْقَوْمِ} : الحلي الذي استعاروا من آل فرعون. {فَقَذَفْتَهَا} : ألقيتها. {أَلْقَى} : صنع. {فَنَسِيَ} موسى. هم يقولون: أخطأ الرب {أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} العجل). وستأتي جملة من ذلك في تفسير سورة طه.

ص: 454

‌23 - باب {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا} الآية [غافر: 28]. [فتح 6/ 428]

في اسم هذا الرجل ستة أقوال:

أحدها: شمعان، قال الدارقطني: لا يعرف شمعان بالشين المعجمة إلا مؤمن آل فرعون

(1)

.

قال السهيلي: وهو أصح ما قيل فيه

(2)

.

ثانيها وثالثها: قال الطبري: اسمه جبر، وقيل: جابوت، وهو الذي التقطه إذ كان في التابوت.

رابعها: حبيب ابن عم فرعون، قاله عبد بن حميد في "تفسيره" عن ابن إسحاق.

خامسها: خربيل بن بوحابيل، قاله ابن عباس وأبو القاسم الجوزي في "تفسيره".

سادسها: يوشع قاله ابن التين.

قال: وهو أحد الرجلين اللذين أنعم الله عليهما ونبئ بعد ذلك فأرسل، وهو الذي قال للشمس: إنك مأمورة (وأنا مأمور)

(3)

فأمسكت عند الغروب حتى فتح عليه.

(1)

"المؤتلف والمختلف" 3/ 1326.

(2)

انظر كلام السهيلي في "تفسير مبهمات القرآن" للبلنسي 2/ 449.

(3)

من (ص 1).

ص: 455

قال مقاتل: وكان قبطيًا يكتم إيمانه مائة سنة من فرعون، وكان له الملك بعد فرعون. وقال ابن خالويه في كتاب "ليس": لم يؤمن من أهل مصر إلا أربعة: آسية، وخربيل مؤمن آل فرعون، ومريم بنت لابوس الملك التي دلت على عظام يوسف

(1)

، وقبة الماشطة.

(1)

ورد بهامش الأصل: الأنبياء أحياء لا تبلى أجسامهم.

ص: 456

‌24 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)} [طه: 9]{وَكَلَّمَ الله مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]

3394

- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ: «رَأَيْتُ مُوسَى، وَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ رَجِلٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم بِهِ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ: فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ، وَفِي الآخَرِ خَمْرٌ، فَقَالَ: اشْرَبْ أَيَّهُمَا شِئْتَ. فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ فَقِيلَ: أَخَذْتَ الفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ» . [3437، 4709، 5576، 5603 - مسلم: 168 - فتح 6/ 428]

3395 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ -يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ. [3413، 4630، 7531 - مسلم: 2377 - فتح 6/ 428]

3396 -

وَذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ فَقَالَ: «مُوسَى آدَمُ طُوَالٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ» . وَقَالَ «عِيسَى جَعْدٌ مَرْبُوعٌ» . وَذَكَرَ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ، وَذَكَرَ الدَّجَّالَ. [انظر: 3239 - مسلم: 165 - فتح 6/ 429]

3397 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنِ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا -يَعْنِي عَاشُورَاءَ- فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهْوَ يَوْمٌ نَجَّى الله فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ. فَقَالَ:«أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ» . فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. [انظر: 2004 - مسلم: 1130 - فتح 6/ 429]

ص: 457

الكلام صفة للرب جل جلاله، ومن أنكر كلامه لموسى فهو كافر.

ثم ساق في الباب ثلاثة أحاديث:

أحدها:

حديث سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: "رَأَيْتُ مُوسَى، وَإِذَا رَجُل ضَرْب رَجِل كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ" الحديث.

وقد سلف، ويأتي في أحاديث الأنبياء

(1)

. وأخرجه مسلم في الإيمان والترمذي في التفسير

(2)

. ومعنى (ضرب): نحيف، وهو مدح. والرَّجِلُ: الدهين الشعر المسترسلة المسرحة.

وقوله: "من رجال شثوءة" قال الداودي: يعني: في الطول. وقال القزاز: ما أَدْرى البخاري بذلك، على أنه روى في صفته بعد هذا خلاف هذا فقال:، "وأما موسى فآدم جسيم كأنه من رجال الزط"

(3)

.

وقوله في عيسى: "كأنما خرج من ديماس" قيل: هو السرب، وقيل: الحمام، وأراد إشراق لونه ونضارته. وقيل: لم يكن لهم يومئذ ديماس وإنما هو من علامات نبوته.

الحديث الثاني:

حديث أبي العالية عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى" الحديث.

(1)

ورد بهامش الأصل: أخرجه البخاري في موضعين من كتاب الأنبياء، هذا أحدهما.

(2)

الترمذي (3130).

(3)

سيأتي برقم (3438) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} .

ص: 458

ويأتي في تفسير سورة النساء والأنعام

(1)

، وقد سلف تأويله.

وفي لفظ: "من قال: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب"

(2)

، أي: غيري.

وقيل: خص يونس؛ لأن الله تعالى لم يذكره في جملة أولى العزم من الرسل، وقال:{وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم: 48] وقال: {إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} [الأنبياء: 87] فخفض عن مراتب أولى العزم من الرسل، فالمعنى إذا لم آذن لكم أن تفضلوني على يونس فلا يجوز أن تفضلوني على غيره من جملة الأنبياء وليس بمخالف؟ لقوله:"أنا سيد ولد آدم"

(3)

لأنه قال شكرًا لا فخرًا، وأراد بالسيادة ما يكرم به في القيامة من الشفاعة.

فائدة:

اسم أبي العالية: رفيع بن مهران الرياحي، أعتقته امرأة من بني رياح حي من تميم، يقال لها: أمية وقيل: أمينة، سائبة لوجه الله، وطافت به على حلق المسجد.

قيل: إنه أدرك الجاهلية وأسلم بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، كان ابن عباس يجلسه معه على السرير، وقريش تحته.

(1)

سيأتي برقم (4630) كتاب: التفسير، باب: قوله {وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} .

(2)

سيأتي برقم (4604) كتاب: التفسير، باب: قوله {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} من حديث أبي هريرة.

(3)

رواه مسلم (2278) كتاب: الفضائل، باب: تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق من حديث أبي هريرة.

ص: 459

الحديث الثالث:

حديث أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنِ ابن بسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ .. الحديث.

وقد سلف حكمه في الصوم، وأخرجه مسلم والنسائي وأيضا ابن ماجه

(1)

وأسقط ابن سعيد. وقال: عن سعيد. و (ابن سعيد) هو عبد الله، أسدي والبي مولاهم أخو عبد الملك، رويا عن أبيهما، قال أبو حاتم: لا بأس به.

(1)

مسلم (1130)، النسائي في "الكبرى" 2/ 156 (2834)، ابن ماجه (1734).

ص: 460

‌25 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 142، 143]

يُقَالُ: دَكَّهُ زَلْزَلَهُ. {فَدُكَّتَا} [الحاقة: 14]: فَدُكِكْنَ، جَعَلَ الجِبَالَ كَالْوَاحِدَةِ كَمَا قَالَ {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} [الأنبياء: 30] وَلَمْ يَقُلْ: كُنَّ رَتْقًا: مُلْتَصِقَتَيْنِ {وَأُشْرِبُوا} [البقرة: 93] ثَوْبٌ مُشَرَّبٌ: مَصْبُوغٌ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {انْبَجَسَتْ} [الأعراف: 160]: انْفَجَرَتْ {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} [الأعراف: 171]: رَفَعْنَا.

3398 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ» . [انظر: 2412 - مسلم: 2374 - فتح 6/ 430]

3399 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ» . [انظر:3330 - مسلم: 1470 - فتح 6/ 430]

الشرح:

قال مجاهد: الثلاثون ذو القعدة وأتممناها بعشر ذي الحجة

(1)

، والفائدة في قوله:{فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} أن العشر ليال لا ساعات. وقيل: تأكيد.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 48 (15072).

ص: 461

وقوله: {جَعَلَهُ دَكًّا} قال قتادة: دَكَّ بَعْضَهُ على بعض. وقيل: جعله مستويًا مع وجه الأرض، مثل ناقة دكاء لا سنام لها. وقال عكرمة: لما نظر الله إلى الجبل صار صحراء ترابًا. وقرئ (جعله دكاء) أي: صار أرضًا دكاء وهي الناتئة التي لا تبلغ أن تكون جبلًا.

وقوله: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} قال قتادة: مغشيًا عليه. وقيل: ميتًا

(1)

.

وقوله: {تُبْتُ إِلَيْكَ} قال مجاهد: أي من أن أسألك الرؤية

(2)

. وقوله: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} أي: أول من آمن أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات؛ لأن سؤاله كان في الدنيا {وَأُشْرِبُوا} قال قتادة: أي حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم.

ثم ذكر حديث أبي هريرة: "لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم"، الحديث وقد سلف، وأخرجه مسلم

(3)

أيضًا.

وحديث أبي سعيد: "الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور" وسلف في الإشخاص، ويأتي في سورة الأعراف

(4)

.

(1)

قوله: ميتا، رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 53 (15091)، وأما قوله: مغشيًا عليه، فقد رواه الطبري أيضًا 6/ 53 (15088)، (15090) عن ابن عباس، وعبد الرحمن بن زيد.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 56 (15106)(15107).

(3)

سلف برقم (3330) باب: خلق آدم وذريته. ورواه مسلم (1470) كتاب: الرضاع، باب: لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر.

(4)

سلف برقم (2412) كتاب: الخصومات، باب: ما يذكر في الإشخاص والملازمة. وسيأتي برقم (4638) كتاب: التفسير، باب:{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا} .

ص: 462

وقال في رواية أخرى: "يصعق الناس فأكون أول من تنشق عنه الأرض" وهذا هو الصحيح

(1)

؛ لأن الإفاقة غير الانشقاق، والصعقة حين ينفخ في الصور النفخة الأولى، ألا ترى أنه قال هنا:"فأكون أول من يفيق". ثم قال: "لا أدري أفاق قبلي".

وكذا قال الداودي مرة قوله: "فأكون أول من يفيق" ليس بمحفوظ واضطربت الرواية في هذا الحديث، وقيل من يسلم معه منهم من الوهم.

والصحيح: "فأكون أول من تنشق عنه" والانشقاق غير الإفاقة.

وقال القاضي عياض: الصعق والصعقة والصاعقة: الموت والهلاك والغشي أيضًا. قال: فيجوز أن تكون الصعقة صعقة فزع بعد النشر حين تنشق السموات والأرض جميعًا

قال: وأما قوله: "فلا أدري أفاق قبلي" فيحتمل أن يكون قبل أن يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض، إن حملنا اللفظ على ظاهره وانفراده وتخصيصه، وإن حمل على أنه من الزمرة الذين هم أول من تنشق عنهم الأرض لا سيما على رواية من روى:"أو في أول من يبعث" فيكون موسى أيضًا من تلك الزمرة، وهي زمرة الأنبياء عليهم السلام

(2)

.

(1)

سلف برقم (2412).

(2)

"إكمال المعلم" 7/ 356 - 357.

ص: 463

‌26 - باب طُوفَانٍ مِنَ السَّيْلِ

ويُقَالُ لِلْمَوْتِ الكَثِيرِ: طُوفَانٌ. القُمَّلُ: الحُمْنَانُ يُشْبِهُ صِغَارَ الحَلَمِ. {حَقِيقٌ} [الأعراف: 105]: حَقٌّ. {سُقِطَ} [الأعراف: 149]: كُلُّ مَنْ نَدِمَ فَقَدْ سُقِطَ فِي يَدِهِ. [فتح 6/ 431]

الشرح:

الطوفان في اللغة: ما كان هلكًا من موت أو سيل، أي ما يطيف بهم فيهلكهم.

وقوله: {وَالْقُمَّلَ} إلى آخره. (الحمنان): هو الحلم بفتح الحاء والسلام، والحلم في اللغة: صغار القردان. وعبارة الدمياطي: ضرب من القردان يشبه الحلمة.

وقال مجاهد: القمل الدبا

(1)

قال: أرسل الله عليهم الجراد فأكل مسامير أبوابهم وثيابهم، وأرسل عليهم القمل وهو الدَّبَا فكان يدخل في ثيابهم وفرشهم. وقال حبيب بن أبي ثابت: القمل: الجعلان. وقيل: هي دواب صغار من جنس القردان، إلا أنها أصغر منها واحدها قملة. وقيل: هي صغار الدبا قاله ابن فارس

(2)

. وقيل: هي كبار القردان ذكره الهروي.

وقيل: هي دواب أصغر من القمل.

{وَالضَّفَادِعَ} واحدها ضفدع بكسر الضاد وفتح الدال وكسرها {وَالدَّمَ} قال مجاهد: كانوا يجدونه في ثيابهم وشرابهم وطعامهم.

(1)

ورد في هامش الأصل: الدبأ -بفتح الدال المهملة، ثم موحدة، ثم ألف مهموزة- الجراد قبل أن يطير، الواحدة: دباة.

(2)

"مجمل اللغة" 3/ 734.

ص: 464

{مُفَصَّلَاتٍ} بعضها منفصل من بعض، فقيل: كان بين الآية والآية ثمانية أيام. وقيل: أربعون ليلة. وكان الإسرائيلي يشرب مع الفرعوني في قدح فيكون للأول ماء وللثاني دم.

وقوله: {حَقِيقٌ} حق، أي: وجب، وهذا على قراءة من شد الياء {عَلَيَّ} ، ومن خفف قال أبو عبيدة: أي: حريص

(1)

.

وقيل: معناه أنا حقيق بالصدق.

وقوله: (كل من ندم قيل: سقط) ويقال: أُسقِطَ وقرئ سقط، ومعناه: سقط الدم من أيديهم.

(1)

"مجاز القرآن" 1/ 224.

ص: 465

‌27 - باب حَدِيث الخَضِرِ مَعَ مُوسَى عليهما السلام

-

3400 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ خَضِرٌ، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ: لَا. فَأَوْحَى الله إِلَى مُوسَى: بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ. فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ، فَجُعِلَ لَهُ الحُوتُ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ. فَكَانَ يَتْبَعُ الحُوتَ فِي البَحْرِ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)} [الكهف: 63] فَقَالَ مُوسَى {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الذِي قَصَّ الله فِي كِتَابِهِ» . [انظر: 74 - مسلم: 2380 - فتح 6/ 431]

3401 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِىَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ. فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا. فَعَتَبَ الله عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ: بَلَى، لِي عَبْدٌ بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: أَيْ رَبِّ وَمَنْ لِي بِهِ؟ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: أَيْ رَبِّ وَكَيْفَ لِي بِهِ؟ - قَالَ: تَأْخُذُ حُوتًا، فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ، حَيْثُمَا فَقَدْتَ الحُوتَ فَهْوَ ثَمَّ -وَرُبَّمَا قَالَ: فَهْوَ ثَمَّهْ- وَأَخَذَ حُوتًا، فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، حَتَّى أَتَيَا

ص: 466

الصَّخْرَةَ، وَضَعَا رُءُوسَهُمَا، فَرَقَدَ مُوسَى، وَاضْطَرَبَ الحُوتُ فَخَرَجَ فَسَقَطَ فِي البَحْرِ، {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} [الكهف: 61]، فَأَمْسَكَ الله عَنِ الحُوتِ جِرْيَةَ المَاءِ، فَصَارَ مِثْلَ الطَّاقِ، فَقَالَ هَكَذَا مِثْلُ الطَّاقِ. فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الغَدِ {قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62]. وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ أَمَرَهُ الله. قَالَ لَهُ فَتَاهُ {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} [الكهف: 63]، فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلَهُمَا عَجَبًا. قَالَ لَهُ مُوسَى:{ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا على آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64]، رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَرَدَّ عَلَيْهِ. فَقَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ؟. قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا. قَالَ: يَا مُوسَى إِنِّي على عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ، عَلَّمَنِيهِ الله لَا تَعْلَمُهُ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ عَلَّمَكَهُ الله لَا أَعْلَمُهُ. قَالَ: هَلْ أَتَّبِعُكَ؟ قَالَ: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)} إِلَى قَوْلِهِ: {إِمْرًا} [الكهف: 67 - 71] فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ، كَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا الخَضِرَ، فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ فِي البَحْرِ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ، قَالَ لَهُ الخَضِرُ: يَا مُوسَى، مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلاَّ مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا العُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ البَحْرِ. إِذْ أَخَذَ الْفَأْسَ فَنَزَعَ لَوْحًا، قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى إِلاَّ وَقَدْ قَلَعَ لَوْحًا بِالْقَدُّومِ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: مَا صَنَعْتَ؟ قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا! {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} قَالَ:{أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)} . قَالَ: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)} [الكهف: 72 - 73]، فَكَانَتِ الأُولَى

ص: 467

مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا. فَلَمَّا خَرَجَا مِنَ البَحْرِ مَرُّوا بِغُلَامٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَأَخَذَ الخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَلَعَهُ بِيَدِهِ هَكَذَا -وَأَوْمَأَ سُفْيَانُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ يَقْطِفُ شَيْئًا- فَقَالَ لَهُ مُوسَى:{أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} . {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 74 - 77] مَائِلاً -أَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ سُفْيَانُ كَأَنَّهُ يَمْسَحُ شَيْئًا إِلَى فَوْقُ، فَلَمْ أَسْمَعْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ: مَائِلاً إِلاَّ مَرَّةً- قَالَ: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا عَمَدْتَ إِلَى حَائِطِهِمْ {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)} [الكهف: 77 - 78]. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ، فَقَصَّ الله عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا» . قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُ الله مُوسَى، لَوْ كَانَ صَبَرَ يُقَصُّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا» . وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79]، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ. ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ. قِيلَ لِسُفْيَانَ: حَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو؟، أَوْ: تَحَفَّظْتَهُ مِنْ إِنْسَانٍ؟ فَقَالَ: مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ؟ وَرَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ عَمْرٍو غَيْرِي؟ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ. [انظر: 74 - مسلم: 2380 - فتح 6/ 431]

3402 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّمَا سُمِّيَ الخَضِرُ؛ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ» . [فتح 6/ 433]

ذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما من طريقين في قصة موسى والخضر مطولًا.

وقد سلف في العلم أوائل "الصحيح" في عدة مواضع

(1)

.

(1)

سلف برقم (74) باب: ما ذكر في ذهاب موسى عليه السلام في البحر ..

ص: 468

والبخاري رواه هنا عن (عمرو بن محمد) هو الناقد الرقي، و (علي بن عبد الله). و (نوف) هو بفتح النون (البكالي) بكسر الموحدة، ومنهم من فتحها وشدد الكاف، وهو من بكال بن دعمي بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة بن سبأ، وأوضحناه هناك.

وموسى عليه السلام سلف ذكره هناك. وكان هارون أطول منه، وأكثر لحمًا، وأبيض جسمًا، وأغلظ ألواحًا، وأسن من موسى بثلاث سنين، وكان في جبهته شامة، وفي أرنبة أنف موسى شامة، وعلى طرف لسانه شامة وهي العقدة التي ذكرها الله، ولا يعرف قبله ولا بعده على لسانه شامة غيره.

قال وهب: وفرعون موسى هو فرعون يوسف، واسمه: الوليد بن مصعب. قال ابن قتيبة: قال غيره: الأمر بخلافه وأن فرعون موسى ليس فرعون يوسف

(1)

.

قال ابن خالويه في كتاب "ليس": كان فرعون موسى على مصر خمسين سنة. والمساكين الذين كانوا يعملون في البحر كانوا سبعة بكل واحد منهم زمانة ليست بالآخر. وقيل: كانوا عشرة، خمسة زمنى وخمسة يعملون عليها، وكانت تساوي ألف دينار كما أفاده في "الغرر"

(2)

.

والملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبًا اسمه -فيما ضبطه عن أبي زيد المروزي عن البخاري-: جيسون، وفي غير هذِه الرواية بالحاء المهملة، وفيه رواية ثالثة -كما قال السهيلي-: حبنون

(3)

.

(1)

"المعارف" ص 43.

(2)

"غرر التبيان" ص 322.

(3)

انظر "تفسير مبهمات القرآن" للبلنسي 2/ 172.

ص: 469

وفيه

(1)

أقوال أخر

(2)

:

جلن"، قال ابن عسكر: وكان بقرطبة من جزيرة الأندلس

(3)

. أو هدد بن بدد، أو منولة بن الجلندي بن سعيد الأزدي، وسماه الرضي الشاطبي فلع بن سارق بن ظالم بن عمرو بن شهاب بن مرة بن الهلقام بن الجلندي بن المستكير بن الجلندي.

قال ابن خالويه: ليس أحد يقول بالثاني -أعني هدد بن بدد- إلا ابن مجاهد. وقال ابن دربد: هدد بن العمال ملك من ملوك حمير، زعم علماء اليمن أن سليمان زَوَّجه بلقيس.

وقوله: ("بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: لا") قال الداودي: أرى هذا المحفوظ؟ وليس فيه أنه عتب عليه.

ورواية سعيد بن جبير إثر هذا: (فسُئل: أي الناس أعلم؟ قال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه) وهذا موضع العتاب.

وقد سلف الكلام عليه في كتاب العلم.

والسرب: المسلك والمذهب. ويقصان آثارهما: يتبعان ويجوز بالسين ومعناه: رجعا من الطريق الذي سلكاه.

(1)

ورد بهامش الأصل: هذا في الغلام لا في الملك، فاعلمه.

(2)

ورد بهامش الأصل: قوله: وفيه أقوال أخر ظاهر هذا أن في اسم الغلام أقوالًا وليس كذلك (

) في اسم الملك، والغلام أيضًا فيه أقوال أيضًا، ولم تستوعبها أسماء المؤلف، يعني: (

) وذكر فيه جبسور، حبسور، جيشور، حنتبور، وهو خلاف رواية الحميدي، وفيه قولٌ آخر: خربوذ.

(3)

"التكملة والإتمام" لابن عسكر ص 124.

ص: 470

والنَول بفتح النون وسكون الواو: العطاء والأجر. {إِمْرًا} : منكرًا قاله مجاهد

(1)

.

وقد أخرجه ابن المنذر من حديث ابن جريج عنه.

وقال الكسائي: شديدًا من قولك: أمِرَ القوم، إذا كثروا واشتد أمرهم.

وقيل: الإمر: العجب، وقيل: الداهية.

وقوله: (وأومأ سفيان بأطراف أصابعه)، كذا في الأصل بالهمز.

وقال ابن التين: كتب بالياء وصوابه الهمز.

وقوله: (أقتلت نفسا زاكية) هي قراءة أهل الكوفة. قال الفراء والكسائي وأبو حاتم: زاكية وزكية بمعنى، مثل عالم عليم.

وفرق أبو عمرو بينهما فاختار زاكية، وزعم أن الزاكية التي لا ذنب لها والذي قتله الخضر كان طفلًا. وأنكر هذِه التفرقة أهل اللغة، وقال أبو عمرو: الصواب {زَكِيَّةً} في الحال و (زاكية) في غد.

وقيل {زَكِيَّةً} زنته فيعلة مثل ميتة، فاجتمع حرفا علة سبق أولهما بالسكون فقلبت ياء، وأدغمت الياء في الياء، ونقلت حركة الأولى إلى الكاف. وهذا غير صحيح؛ لأن {زَكِيَّةً} ليس وزنه فيعلة، وإنما وزنه فعيلة

(2)

.

وقوله: ("ووددنا أن موسى صبر حتى يقص علينا من خبرهما") استدل به بعضهم على وفاة الخضر، إذ لو كان حيًّا لمضى إليه واطلع على علمه. ولا يلزم.

(1)

"تفسير مجاهد" 1/ 379، ورواه أيضًا الطبري 8/ 257 (23218).

(2)

انظر: "الكشف عن وجوه القراءات السبع" لمكي 2/ 68.

ص: 471

والخضر لم يمت على المختار

(1)

.

وقوله: (ثم قال لي سفيان: سمعته مثله مرتين وحفظته منه. قيل لسفيان: أحفظته قبل أن تسمعه من عمرو أو تحفظته من إنسان؟ فقال: ممن أتحفظه؟ ورواه أحد عن عمرو غيري؟ سمعته منه مرتين أو ثلاثًا وحفظته منه).

وهذا رواه أبو ذر الهروي ثنا أبو إسحاق المستملي، ثنا الفربري، ثنا علي بن خشرم، عن سفيان فذكره.

فصل:

ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:("إِنَّمَا سُمِّيَ الخَضِرُ؛ لأَّنهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ") وقد سلف الكلام عليه في العلم.

(1)

يرده قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34] وانظر تفصيل هذِه المسألة في "البداية والنهاية" 1/ 367 - 375.

ص: 472

‌28 - باب

3403 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ادْخُلُوا البَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا: حِطَّةٌ. فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ» . [4479، 4641 - مسلم: 3015 - فتح 6/ 436]

3404 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ وَخِلَاسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا، لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ، اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ، إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ وَإِمَّا آفَةٌ. وَإِنَّ اللهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى، فَخَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ الله، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الحَجَرُ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاللهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا (69)} [الأحزاب: 69]. [انظر: 278 - مسلم: 339 - فتح: 6/

439]

3405 -

حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ:«يَرْحَمُ الله مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» . [انظر: 3150 - مسلم: 1062 - فتح 6/ 436]

ص: 473

ذكر فيه ثلاثة أحاديث.

أحدها:

حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قِيلَ لِبَني إِسْرَائِيلَ: ادْخُلُوا البَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا: حِطَّة. فَبَدَّلُوا، فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ".

هذا الحديث رواه البخاري في التفسير في تفسير سورة البقرة عن محمد، ثنا ابن مهدي

(1)

.

قال أبو علي: نسبه ابن السكن وحده ابن سلام، قال الجياني: والأشبه أن يكون ابن بشار أو ابن مثنى.

وقد ذكر (أبو أحمد)

(2)

أن ابن بشار وابن مثنى من جملة من خرج عنهما البخاري في "الصحيح" عن ابن مهدي، ولم يذكر ابن سلام

(3)

.

وأخرجه في تفسير سورة الأعراف عن إسحاق، عن عبد الرزاق.

وأخرجه مسلم آخر الكتاب وصححه الترمذي وللنسائي: "فدخلوا يزحفون على أوراكهم"

(4)

أي منحرفين. ولا خلاف كما قال ابن العربي: أن القرية في الآية بيت المقدس

(5)

. وقال السهيلي: هي أريحا، وقيل: مصر، وقيل: البلقاء، وقيل: الرملة.

(1)

سيأتي برقم (4479) باب: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} .

(2)

هكذا في الأصول، وفي "تقييد المهمل": أبو نصر.

(3)

"تقييد المهمل" 3/ 1026.

(4)

سيأتي برقم (4641) باب: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} ، ورواه مسلم (3015) كتاب: التفسير، الترمذي (2956) بلفظ:"دخلوا متزحفين على أوراكهم". والنسائي في "الكبرى" 6/ 286 بلفظ "يزحفون على أستاههم".

(5)

"عارضة الأحوذي" 11/ 77.

ص: 474

وفي "تفسير الجوزي": هي قرية الجبارين والباب الذي أمروا بدخوله هو باب المسجد الثامن وهو من جهة القبلة. وعن الضحاك يقال له: باب حطة. وقال مجاهد: من باب إيلياء باب بيت المقدس

(1)

.

وكذا قال مقاتل: إيلياء. وحكى القرطبي قولًا أنه باب القرية، وآخر أنه باب قرية فيها موسى

(2)

.

وقوله: (سجدًا) قال ابن عباس: منحنين ركوعًا

(3)

، وقيل: خضوعًا وشكرًا لتيسير الدخول.

وقوله: (حطة): أي مغفرة قاله ابن عباس، أو لا إله إلا الله قاله عكرمة، أو حط عنا ذنوبنا قاله الحسن، أو أخطأنا فاعترفنا.

وقال ابن الجوزي: فقالوا: حطا (سمعانًا)

(4)

: أي حنطة حمراء استخفافًا بأمر الله. قال الكلبي: تعبدوا بقولها. وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي مسألتنا وأمرنا حطة. وقال صاحب "المطالع": حطة بدل من حنطة.

قال ابن العربي: أخبرني بعض الأحبار أنهم قالوا بلغتهم: (سقنا)

(5)

أزه هذبًا. تفسيره حبة مقلوة في شعرة مربوطة

(6)

.

(1)

"تفسير مجاهد" 76/ 1، ورواه أيضًا الطبرى 1/ 339 (1004).

(2)

"المفهم" 7/ 315.

(3)

رواه الطبري 1/ 339 (1008) بلفظ: ركعًا من باب صغير.

(4)

كذا بالأصل، وفي هامشه:(لعله سمقاثًا).

والذي في "القاموس المحيط" ص 662: (سمقأثا)، وفي "الكشاف" 1/ 134، و"تفسير البغوي" 1/ 99:(سمقاثا).

(5)

في "العارضة": سقمانًا، وفي "أحكام القرآن":(سقماثاه).

(6)

"عارضة الأحوذي" 11/ 78، "أحكام القرآن" 1/ 21.

ص: 475

وقوله: "حبَّة في شعرة" روي عن ابن مسعود أنهم قالوا: حبة حمراء

(1)

، وهي معنى {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [البقرة: 59]. وروى المروزي: شعيرة.

فلما عصوا عاقبهم الله بالرجز وهو الطاعون، والظلمة، هلك منهم سبعون ألفًا في ساعة واحدة. وانظر الفرقان بين هذِه الأمة وتلك الأمة، أولئك أذنبوا ودلوا على طريق التوبة تلاعبوا، وهذِه الأمة تتدارك جهدها ولله الحمد.

الحديث الثاني:

حديث عوف، عن الحسن ومحمد وخلاس، عن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة موسى واغتساله.

وقد سلف في الطهارة

(2)

قال الترمذي: الحسن لم يسمع من أبي هريرة، ولا من علي

(3)

. والأدرة: بضم الهمزة وسكون الدال وبفتحها حكاه ابن فارس

(4)

.

وقوله: ("لندبا") هو بفتح النون والدال الأثر، أو أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد. وفي آخره فنزلت:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} الآية.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 1/ 344 (1030)، والحاكم 2/ 321.

(2)

سلف برقم (278) كتاب: الغسل، باب: من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة.

(3)

قال الترمذي في "السنن" 4/ 551: الحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئًا، هكذا روي عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد. اهـ. وقال المزي في "التهذيب" 6/ 97: رأى علي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله وعائشة ولم يصح له سماع من أحد منهم.

(4)

"مجمل اللغة" 1/ 90 مادة [أدر].

ص: 476

وروى علي بن أبي طالب قال: صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون فقالذينو إسرائيل: أنت قتلته كان ألين لنا منك وأشد حبًا فأوذي من ذلك فأمر الله ملائكة فحملته فمروا به على مجالس بني إسرائيل فتكلمت الملائكة بموته حتى علمت بنو إسرائيل أنه قد مات فدفنوه فلم يعلم موضع قبره إلا الرخم، فإن الله جعله أصم أبكم

(1)

.

وقوله: {وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا} كلمه تكليمًا، وقرئ شاذًا: عبدًا بالباء.

وروي أن قارون قال لامرأة وضيئة من بني إسرائيل: هل لك أن أمولك وأخلطك بأهلي وتأتيني إذا جلس عندي الملأ من بني إسرائيل فتقولي: اكفني موسى فإنه أرادني على نفسي، فلما جلس وعنده الملأ أتته فقلب الله قلبها، فقالت: أيها الملأ إن قارون قال لي: كذا وكذا، فنكس رأسه وعلم أنه هالك، وبلغ الخبر موسى وكان شديد الغضب فجعل يصلي ويبكي ويقول: يا رب أراد فضيحتي فأوحى الله إليه، أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت، فأقبل إلى قارون فلما رآه قال: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيهم، فخسف به وبمن معه وبداره الأرض إلى الكعبين، قال: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيهم فخسف به وبمن معه وبداره إلى الحقوين، قال: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيهم فخسف به وبمن معه وبداره فهو يتجلجل إلى يوم القيامة. وكان قارون ابن عم موسى وذلك قوله: {كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} [القصص: 76].

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 338 (28676).

ص: 477

الحديث الثالث:

حديث عَبْدِ اللهِ: "يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذا فَصَبَرَ".

وقد سلف قريبًا في الغنائم ويأتي في المغازي في موضعين وفي الأدب والاستئذان والدعوات، وأخرجه مسلم في الزكاة

(1)

.

(1)

سلف برقم (3150) كتاب: فرض الخمس، باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، وسيأتي في المغازي برقم (4335)، (4336) باب: غزوة الطائف، وفي الأدب برقم (6059) باب: من أخبر صاحبه بما يقال فيه، وفي الاستئذان برقم (6291) باب: إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة، وفي الدعوات برقم (6336) باب: قول الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} . ورواه مسلم (1062) باب: إعطاء المؤلفة قلوبهم ..

ص: 478

‌29 - باب: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138]

{مُتَبَّرٌ} [الأعراف: 139]: خُسْرَانٌ {وَلِيُتَبِّرُوا} [الإسراء: 7]: يُدَمِّرُوا {مَا عَلَوْا} [الإسراء: 7]: غَلَبُوا.

3406 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَجْنِي الكَبَاثَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ» . قَالُوا: أَكُنْتَ تَرْعَى الغَنَمَ قَالَ: «وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ رَعَاهَا؟» . [5453 - مسلم: 2050 - فتح: 6/ 438]

ثم ساق حديث جابر: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَجْنِي الكَبَاثَ، وإنه عليه السلام -قَالَ:"عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ". قَالُوا: أَكُنْتَ تَرْعَى الغَنَمَ قَالَ: "وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا؟ ".

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في الأطعمة، والنسائي في الوليمة

(1)

، وهذِه الكينونة كانت بمر الظهران. كذا جاء في بعض الروايات.

وذكر البيهقي في "دلائله" معناه من حديث عتبة بن عبد السلمي

(2)

.

و (الكباث): بكاف مفتوحة ثم باء موحدة مخففة ثم ألف ثم ثاء مثلثة: ثمر الأراك، وقيل: إذا نضج، والبرير ما لم ينضج، وقيل: الكباث الغض الطريُّ، والبرير اسم للجمع. قال الهروي: هو النضيج من ثمر الأراك، وقيل: الغض منه، والنضيج يقال له: المرد، وعكس ذلك واسمه كله البرير، وإذا رعته الظباء اسودت شفاهها. والأراك:

(1)

النسائي في "الكبرى" 4/ 168 (6734).

(2)

"الدلائل" 5/ 29 من طريق عبيد بن شريك، عن يحيى بن بكير به.

ص: 479

هو الخمط. قال أبو زياد: يشبه التين يأكله الناس والإبل والغنم، وفيه حرارة. وقال أبو عمرو:(الكباث)

(1)

حر مالح كأن فيه ملحًا. وقال أبو عبيدة: هو ثمر الأراك إذا يبس، وليس له عجمة.

وفي "المحكم" قيل له: ثمر الأراك إذا كان متفرقًا، واحده كباثة. وقال أبو حنيفة في كتابه: هو فوق حب الكزبرة، وعنقوده يملأ كفي الرجل، وإذا التقمه البعير فضل على لقمته

(2)

.

ونقل النووي عن أهل اللغة: أنه النضيج منه

(3)

. وقال القزاز: هو الغض منه، والنضيج يقال له: المرد.

وقال صاحب "المطالع": هو حِصرمه. وقال ابن خالويه في كتاب "ليس": ليس في كلام العرب من أسماء الكمأة إلا الذي أعرفك. فذكر (ثلاثة عشر)

(4)

اسمًا وأهمل البدأة، ذكره كراع في "منضده"، والعرجون ذكره القزاز.

والفطر ذكره ابن سيده

(5)

. وقال عبد اللطيف البغدادي: روي (أن)

(6)

الكمأة جدري الأرض

(7)

وتسمى أيضًا: بنات الرعد؛ لأنها

(1)

من (ص 1).

(2)

"المحكم" 6/ 498 مادة [كبث].

(3)

"شرح صحيح مسلم" 14/ 6.

(4)

مكررة في الأصل.

(5)

"المحكم" 9/ 127 مادة [فطر].

(6)

من (ص 1).

(7)

رواه الترمذي (2068)، وابن ماجه (3455)، وأحمد 2/ 511 عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم يذكرون الكمأة، وبعضهم يقول: جدري الأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن

" الحديث. وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

ص: 480

تكثر بكثرته وتنفطر عنها الأرض. ومعنى الحديث: أن الله لم يضع النبوة في الملوك وأبناء الدنيا المترفين، وإنما جعلها في رعاء الشاء وأهل التواضع من أصحاب الحرف، كما روي أن أيوب كان خياطًا، وزكريا نجارًا، وقد قص الله من نبإ موسى وشعيب واستئجاره إياه في رعي الغنم، والله أعلم حيث يجعل ورسالاته. والحكمة في رعايتهم: التدريج إلى سياسة العالم إذ الرعي يقتضي مصلحة الغنم، ويقوم بكلفتها، ومن تدرب على هذا وأحكمه تمكن من سياسة الخلق ورحمتهم والرفق بهم، وخصت بالغنم لما فيها من السكينة وطلب العافية والتواضع، وهي صفات الأنبياء. قال صلى الله عليه وسلم:"السكينة في أهل الغنم"

(1)

.

فصل:

كان جناؤهم للكباث أول الأمر عند تعذر الأقوات، فإذا أغنى الله عباده فلا حاجة بهم إليه.

فصل:

إن قلت: ما وجه مناسبة الحديث في الباب؟ فقد قال بعض شيوخنا: لا مناسبة. قلت: مناسبته ظاهرة لدخول موسى فيمن رعى الغنم.

فصل:

معنى {يَعْكُفُونَ} يقيمون {مُتَبَّرٌ} مهلك أو مفسد.

(1)

سلف برقم (3301) كتاب: بدء الخلق، باب: خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ورواه مسلم (52) كتاب: الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان فيه، ورجحان أهل اليمن فيه.

ص: 481

‌30 - باب {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} الآية [البقرة: 67]

قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: العَوَانُ: النَّصَفُ بَيْنَ البِكْرِ وَالْهَرِمَةِ. {فَاقِعٌ} [البقرة: 69]: صَافٍ. {لَا ذَلُولٌ} [البقرة: 71]: لَمْ يُذِلَّهَا العَمَلُ، {تُثِيرُ الْأَرْضَ} [البقرة: 71] لَيْسَتْ بِذَلُولٍ تُثِيرُ الأَرْضَ، وَلَا تَعْمَلُ فِي الحَرْثِ {مُسَلَّمَةٌ} [البقرة: 71]: مِنَ العُيُوبِ. {لَا شِيَةَ} [البقرة: 71]: بَيَاضٌ. {صَفْرَاءُ} [البقرة: 69]: إِنْ شِئْتَ سَوْدَاءُ، وَيُقَالُ: صَفْرَاءُ، كَقَوْلِهِ:{جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات: 33]. {فَادَّارَأْتُمْ} [البقرة: 72]: اخْتَلَفْتُمْ. [فتح: 6/ 439]

الشرح:

تفسير أبي العالية رواه الطبري عن سلمة، عن أبي إسحاق، عن الزهري عنه

(1)

. وقاله ابن عباس أيضًا

(2)

؛ لأن الفارض (الكبيرة)

(3)

والبكر: الصغيرة. وقال مجاهد: ({العوان}) التي قد ولدت بطنا أو بطنين

(4)

. قيل: وهو المعروف عند العرب. وما ذكره في ({فَاقِعٌ}) قاله قتادة

(5)

. وقال الكسائي: فقع يفقع إذا خلصت صفرته. وقوله: ({تُثِيرُ الْأَرْضَ}) قال مجاهد: لم تذلل بالعمل فتثير

(1)

رواه الطبري 1/ 385 (1215) من طريق الربيع، عن أبي العالية.

(2)

رواه الطبري في "التفسير" 1/ 385 (1214).

(3)

في الأصول: (البكرة).

(4)

رواه الطبري 1/ 385 (1209).

(5)

رواه الطبري 1/ 388 (1229).

ص: 482

الأرض

(1)

.

وقيل: المعنى ليست ذلولًا وهي تثير الأرض. فجعل تثير مستأنفًا، ورجح الأول؛ لأن قوله:{وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ} لا بد أن يكون معطوفًا على نفي، والمعنى: لا تثير ولا تسقي. وما ذكره في {مُسَلَّمَةٌ} هو قول قتادة. وقال غيره: من العمل. وقال مجاهد: من الشية لا بياض فيه ولا سواد، وقيل: في {لَا شِيَةَ} : لا لون فيها يخالف للونها، وما ذكره في {صَفْرَاءُ} أنكره بعض أهل النظر، وقال: لأنه لا يجوز: سوداء فاقع، إنما يقال أصفر فاقع وأسود حالك وأحمر قانئ، ونحو ذلك، وقال سعيد بن جبير: صفراء القرن والظلف.

وقوله: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} قال محمد بن كعب: لغلاء ثمنها.

وقال وهب بن منبه: لخوف الفضيحة في القاتل. قال أبو عبيدة: اشتروها بملء جلدها دنانير. وقال عكرمة: ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير. وقال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إنما أمر القوم بأدنى بقرة ولكن لما شددوا على أنفسهم شدد عليهم، والذي نفسي بيده لو لم يستثنوا ما بينت لهم"

(2)

.

وقوله: {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} جمالة: جمع جمل وجمع الجمع جمالات، و {صُفْرٌ} عند مجاهد سود. وقيل: إنما قيل للجمل الأسود: أصفر؛ لأنه لا يوجد جمل أسود إلا وهو مشوب بصفرة.

(1)

رواه الطبري بنحوه 1/ 394 (1256)، وأورده السيوطي في "الدر" 1/ 152 وأضاف عزوه إلى عبد بن حميد.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 1/ 390 (1248).

ص: 483

‌31 - باب وَفَاةِ مُوسَى، وَذِكْرِهِ بَعْدُ

3407 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أُرْسِلَ مَلَكُ المَوْتِ إِلَى مُوسَى عليهما السلام فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ. قَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعَرَةٍ سَنَةٌ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا قَالَ ثُمَّ الْمَوْتُ. قَالَ: فَالآنَ. قَالَ: فَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ» .

قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. [انظر:

1339 -

مسلم: 2372 - فتح: 6/ 440]

3408 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ. فَقَالَ المُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَلَى الْعَالَمِينَ -فِي قَسَمٍ يُقْسِمُ بِهِ- فَقَالَ اليَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى العَالَمِينَ. فَرَفَعَ المُسْلِمُ عِنْدَ ذَلِكَ يَدَهُ، فَلَطَمَ اليَهُودِيَّ، فَذَهَبَ اليَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ الذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ المُسْلِمِ فَقَالَ:«لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ العَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى الله» . [انظر: 2411 - مسلم: 2373 - فتح: 6/ 441]

3409 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الجَنَّةِ. فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الذِي اصْطَفَاكَ الله بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ!» . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» مَرَّتَيْنِ.

ص: 484

[4736، 4738، 6614، 7515 - مسلم: 2652 - فتح: 6/ 441]

3410 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ هَذَا مُوسَى فِي قَوْمِهِ» . [5705، 5752، 6472، 6541 - مسلم: 220 - فتح 6/ 441]

ذكر فيه أربعة أحاديث:

أحدها:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أُرْسِلَ مَلَكُ المَوْتِ إِلَى مُوسَى .. الحديث.

وقد سلف في الجنائز في باب: من أحب الدفن في الأرض المقدسة.

والمتن: بفتح الميم وإسكان التاء مكتنف الصلب من العصب واللحم. و (الكثيب): كثيب الرمل. ولما رواه أولاً من طريق عبد الرزاق، أنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: وأنا معمر، عن همام، ثنا أبو هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه.

الحديث الثاني:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه ..

"فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ العَرْشِ .. " الحديث. وقد سلف، ويأتي في التفسير والتوحيد والرقاق وأحاديث الأنبياء

(1)

.

(1)

سيأتي برقم (4813) في كتاب التفسير، باب قوله {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} وبرقم (7428) في كتاب التوحيد، باب:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ، وبرقم (6517) في كتاب الرَّقاق، باب: نفخ الصور، وبرقم (3414) في كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} .

ص: 485

وأخرجه مسلم وأبو داود، والترمذي، والنسائي

(1)

أيضًا ومعنى باطش: آخذ.

الحديث الثالث:

حديث أبي هريرة أيضًا .. "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى" وقد سلف أيضًا، ويأتي في التفسير في مواضع والنذور والقدر، وأخرجه مسلم أيضًا والأربعة

(2)

، ومعناه: تحاجا، إما أن تكون أرواحهما تحاجت، أو يكون ذلك يوم القيامة، والأول أظهر. قال عياض: ويحتمل أن يحمل على ظاهره وأنهما اجتمعا بأشخاصهما، وقد ثبت في حديث الإسراء: أنه صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء في السموات وفي بيت المقدس وصلى بهم، ولا يبعد أن الله تعالى أحياهم كما أحيا الشهداء، ويحتمل أن ذلك جرى في حياة موسى

(3)

. وفيه استقصاؤه لعلم موسى يقول: إذ جعلك الله بالصفة التي أنت بها من الاصطفاء بالرسالة وبالكلام فكيف يسعك لومي على القدر وهو لا مدفع له؟

ومعنى ("فحج آدم موسى"): غلبه بالحجة.

قال الخطابي: إنما حاجه آدم في ذم اللوم، إذ ليس لآدمي أن يلوم أحدًا، وقد جاء في الحديث: "انظروا إلى الناس (كأنكم) عبيد ولا تنظروا إليهم (كأنكم)

(4)

أرباب"

(5)

.

(1)

أبو داود (4671)، الترمذي (3245)، النسائي في "الكبرى" 4/ 418 (7758).

(2)

رواه أبو داود (4701)، والترمذي (2134)، وابن ماجه (80)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 284 (10985).

(3)

"إكمال المعلم" 8/ 137.

(4)

في الأصول: (كأنهم) في الموضعين، والمثبت من "معالم السنن".

(5)

روى مالك في "الموطأ" ص 610 (8) أنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول: ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد.

ص: 486

فأما الحكم الذي تنازعاه فهم في ذلك على السواء لا يقدر أحد أن يسقط الأصل الذي هو القدر، ولا أن يبطل الكسب الذي هو السبب، ومن فعل واحدًا منهما خرج عن القصد إلى أحد الطرفين من مذهب القدرية والجبرية.

وحقيقة غلبة آدم موسى أنه دفع حجة موسى التي ألزمه بها اللوم. وذلك أن الأبتداء بالمسألة والاعتراض إنما كان من موسى، ولم يكن من آدم إنكار لما اقترفه من الذنب إنما عارضه بأمر كان فيه دفع اللوم، فكان أصوب الناس ما ذهب إليه آدم. قال: وقد كنا أولناه على وجه آخر في شرح "معالم السنن"، وهذا أولى الوجهين

(1)

.

وقال الداودي: حاجه موسى في إخراجه الناس من الجنة، فاحتج آدم بما سبق في علم الله أنه خلقه ليكون خليفة، ولم يحتج لما عصى. وقيل: أنكر عليه أن يلومه على أمر تاب الله عليه منه. وأما غيره من الناس فيحتج عليه ويلام إذ لا ندري هل ينجو منه؟ وبوب عليه في "الموطأ": النهي عن القول بالقدر

(2)

. وقيل: اللوم إلى الله لا إلى موسى

(3)

.

الحديث الرابع:

حديث حصين بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حُصيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فقَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ،

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1555 - 1556، "معالم السنن" 4/ 297 - 298.

(2)

"الموطأ" ص 560.

(3)

انظر تفصيل هذِه المسألة في "شفاء العليل" لابن القيم 1/ 83 - 97.

ص: 487

فَقِيلَ: هذا مُوسَى فِي قَوْمِهِ".

هذا حديث اختصره هنا وطوله في الصيد وفي الرقاق بزيادة

(1)

، وهذا صريح في كثرة أمة موسى.

قال ابن التين: والذي تدل عليه الأحاديث أن أمة موسى أكثر الأمم بعد أمة نبينا - عليهما أفضل الصلاة والسلام -.

فائدة:

(حصين) الأول من أفراد البخاري، والثاني أخرجوا له، وفيه وفي "مسلم": حصين بن عبد الرحمن السالمي، وفي "السنن": حصين جماعة.

فائدة:

ذكر الثعلبي عن وهب بن منبه أن موسى خرج لبعض حاجته، فمر برهط من الملائكة يحفرون قبرًا لم ير أحسن منه، فقال: ملائكة الله لمن هذا؟ قالوا: لعبدٍ كريمٍ على الله، أتحب أن يكون لك؟ قال: وددت. (قال)

(2)

: فأنزل فاضطجع فيه وتوجه إلى ربك، فلما فعل قبض.

وقيل: إن ملك الموت أتاه، فقال: يا موسى أشربت شيئًا؟ قال: لا. قال: فاستنكهه فقبض روحه. وقيل: بل أتاه بتفاحة من الجنة فشمها فمات. وكان عمره مائة وعشرين سنة.

وعن ابن مسعود وغيره من الصحابة أن موسى ويوشع عليهما السلام بينا هما يمشيان إذ أقبلت ريح سوداء، فلما رآها يوشع ظن أنها الساعة فالتزم موسى، فانسل موسى وترك القميص في يده، فقالت بنو إسرائيل:

(1)

لم نجده في كتاب الصيد، وسيأتي في الرقاق برقم (6541) باب: يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب.

(2)

هكذا في الأصول، ولعل الصواب:(قالوا).

ص: 488

قتلت موسى فأرادوا قتله، فدعا يوشع، فأتي كل رجل ممن كان يحرسه في المنام، فأخبر أن موسى رفعناه إلينا

(1)

.

وذكر ابن إسحاق أن يوشع لما تمنى في حياته، كَرِه الحياة وأحب الموت.

(1)

انظر "الكامل في التاريخ" لابن الأثير 1/ 198.

ص: 489

‌32 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَضَرَبَ الله مَثَلًا .. } إِلَى قَوْلِهِ: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 11 - 12]

3411 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ الهَمْدَانِي، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» . [3433، 3769، 5418 - مسلم: 2431 - فتح: 6/ 449]

ثم ساق حديث أبي موسى رضي الله عنه: "كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ".

الشرح:

هذا الحديث يأتي قريبًا. وأخرجه أيضًا في فضل عائشة رضي الله عنها في موضعين، وفي الأطعمة

(1)

، وأخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه

(2)

.

وقوله: ({وَضَرَبَ الله مَثَلًا}) أي: وصف المؤمنين بما وصف به امرأة فرعون، وذلك أنها اختارت القتل على ذهاب دينها ورفضت الملك،

(1)

سيأتي قريبًا برقم (3433)، وفي "فضائل الصحابة" باب: فضل عائشة رضي الله عنها برقم (3769)، ومن حديث أنس برقم (3770)، وفي الأطعمة برقم (5418) باب: الثريد.

(2)

مسلم (2431) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: فضل خديجة رضي الله عنها، والترمذي (1834)، وابن ماجه (3280)، والنسائي في "الكبرى" 5/ 93 (8353)، (8356).

ص: 490

وكانت لها فراسة حين قالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القصص: 9]. و (آسية): في ابنة مزاحم ابنة عمة فرعون. وقيل: إنها من العماليق. وقيل: من بني إسرائيل من سبط موسى. قال السهيلي: وقيل هي عمة موسى.

وأما (مريم)، فكل مولود يطعن الشيطان في جنبه إلا هي وابنها؛ لقول أمها:{وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36]، وقوله:{فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12]. قال قتادة: نفخنا في جيبها

(1)

. قال الفراء: كل خرق في درع أو غيره فهو فرج

(2)

. ورد بأن العرب إنما تقول: أحصنت فرجها من الفرج بعينه.

ومعنى {فَنَفَخْنَا فِيهِ} جعلنا فيه الروح التي لنا، على أن أبا صالح قال: جاءها الملك فنفخ في جيبها فدخل الفرج فحملت بعيسى

(3)

.

وما ذكر في عائشة رضي الله عنها يحتمل أن يريد نساء عصرها أو سائرهن أو أمهات المؤمنين. وقال صلى الله عليه وسلم: "خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة"

(4)

والعرب تعم الخصوص وتخص العموم. والله أعلم أي ذلك أراد أنهن أفضل.

(1)

"تفسير الطبري" 12/ 163 (34475).

(2)

"معاني القرآن" 3/ 169.

(3)

رواه عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، كما ذكر السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 480.

(4)

سيأتي قريبًا برقم (3432) باب: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ} ، ورواه مسلم (2430) كتاب:"فضائل الصحابة" باب: فضائل خديجة أم المؤمنين - رضي الله تعالى عنها -.

ص: 491

‌33 - بابُ: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} الآية [القصص: 76]

{لَتَنُوءُ} [القصص: 76]: لَتَثْقِلُ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص: 76] لَا يَرْفَعُهَا العُصْبَةُ مِنَ الرِّجَالِ، يُقَالُ:{الْفَرِحِينَ} [القصص: 76]: المَرِحِينَ {وَيْكَأَنَّ اللهَ} [القصص: 82] مثل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الروم: 37]، يُوَسِّعُ عَلَيْهِ وَيُضَيِّقُ. [فتح: 6/ 448]

الشرح:

معنى كان من قومه: ابن عمه، كما سلف قريبًا بحكاية خسف الأرض به، وقد صرح به النخعي.

واسم أبيه صافر بن قاهث بن يصهر بن عازر بن لاوي بن يعقوب. وكان سكنه تنيس، وما والاها من أسفل الأرض. ولما سكن عبد العزيز بن الجروي تنيس عثر على بعض ماله، فحصل منه ما لا يعلمه إلا الله تعالى بحيث أنه لما توفي تورع ابنه الحسن شيخ البخاري عن أخذ إرثه منه؛ لأنه لم يستطبه، فقال أخوه على لما ملك تنيس: يا أخي إني قد استطبت لك من مال أبيك مائة ألف دينار فخذها، فقال: أنا تركت الكثير من ماله، فكيف آخذ القليل؟ ذكره صاحب "تاريخه"".

ومعنى ({فَبَغَى عَلَيْهِمْ}) تجاوز في معاندة موسى والتكذيب به.

وقوله: ({مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ}) قال خيثمة: كانت من جلودٍ -أي الإبل، كما قاله مجاهد- وكل مفتاح فيها على قدر الإصبع يحملها ستون بغلًا

ص: 492

إذا ركب

(1)

.

وقال ابن صالح: أربعون بغلًا

(2)

. وقال الضحاك: أربعون رجلاً

(3)

.

قال ابن عيينة: العصبة أربعون. وقال مجاهد: من العشرة إلى خمسة عشر

(4)

.

وقال ابن فارس: العصبة من الرجال نحو العشرة

(5)

. وقيل: هم من العشرة إلى الأربعين. وقوله: ({لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ}) تأويله: إن العصبة لتنوء بها أي: تثقل، قاله أبو عبيدة

(6)

، وغلط فيه وصحح قول ابن زيد أنه يقال: ناوأت بالحمل إذا نهضت به على ثقل.

وقوله: ({الْفَرِحِينَ}: المرحين) أي: البطرين الذين لا يشكرون الله فيما أولاهم.

وقوله: ({وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}) قيل: العمل بطاعة الله.

وقيل: أمسك القوت وقدم ما فضل. وقال قتادة: ابتغ الحلال

(7)

.

وقيل: ولا تنس شكر نصيبك.

وقوله: {عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} ) قيل: كان من قراء بني إسرائيل التوراة،

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 101 (27576)، (27578).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 102 (27584) عن أبي صالح قال: أربعون رجلاً.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 102 (27586).

(4)

"تفسير مجاهد" 2/ 489، ورواه الطبري في "تفسيره" 10/ 102 (27591).

(5)

"مجمل اللغة" 3/ 671 - 672 مادة [عصب].

(6)

"مجاز القرآن" 2/ 110.

(7)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 106 (27615).

ص: 493

والمعنى: إنما أوتيته على علم فيها. ومن قال: هي الكيمياء فباطل. وكذا من قال: كان يوقف الرصاص.

وقيل: على علم بالوجوه التي تكتسب بها الأموال. وقال أبو زيد: لولا رضاه عني ومعرفته بي ما أعطاني هذا وهذا.

وقوله: ({فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ}) قال قتادة: خرجوا على أربعة آلاف دابة، عليها ثياب حمر، منها ألف بغل بيض، عليها قطف حمر

(1)

.

وقيل: خرج هو وأصحابه على أربعمائة بغلة شهباء عليها سروج الأرجوان، وعلى الرجال ثياب حمر.

وقال مجاهد: خرجوا على براذن بيض عليها سروج أرجوان، وعليهم المعصفر

(2)

. وقال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} وما قال كقول سليمان: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} [النمل: 40].

وقوله: ({وَيْكَأَنَّ اللهَ} مثل {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ} هو قول المفسرين. قال قتادة: معناها أو لا يعلم

(3)

. وكتبت في المصحف متصلة، كأنه لما كثر استعمالها جعلوها مع ما بعدها بمنزلة شيءٍ واحد.

وقال سيبويه: سالت الخليل عنها وعن {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص: 82] فزعم أنها وي مفصولة كأن

(4)

.

وقال الكسائي: وهي هنا صلة، وفيه معنى التعجب.

وقيل: (ويك) بمعنى ويلك، و (أن): منصوبة بإضمار اعلم.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 109 (27633).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 108 (27626).

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 113 (27649).

(4)

"الكتاب" 2/ 154.

ص: 494

وأنكر هذا بأنه لم يخاطب في التلاوة أحدًا.

وقال قطرب: (وي) كلمة تفجع، و (كأن) حرف تشبيه. وذكر الهروي عن الخليل:(ويك) كلمة و (أن) كلمة. وقال الفراء: سقط ابن الأعرابي في ركيةٍ فسأل عنه أعرابيًا فقال: ويكأنه ما أخطأ الركية. فجعلها كلمة موصولة.

ص: 495

‌34 - باب: قول الله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [هود: 84]

وإِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ؛ لأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ، وَمِثْلُهُ:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]: وَاسْأَلِ {وَالْعِيرَ} [يوسف: 82]: يَعْنِي: أَهْلَ القَرْيَةِ وَأَهْلَ العِيرِ {وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} [هود: 92]: لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، يُقَالُ إِذَا لَمْ يَقْضِ حَاجَتَهُ: ظَهَرْتُ بحَاجَتِي وَجَعَلَتْنِي ظِهْرِيًّا، قَالَ الظِّهْرِيُّ: أَنْ تَاخُذَ مَعَكَ دَابَّةً أَوْ وِعَاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ، مَكَانَتُهُمْ وَمَكَانُهُمْ وَاحِدٌ {يَغْنَوْا} [الأعراف: 92]: يَعِيشُوا {يَيْأَسُ} [يوسف: 87]: يَحْزَنُ {آسَى} [الأعراف: 93] أَحْزَنُ. وَقَالَ الحَسَنُ: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ} [هود: 87]: يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْأَيْكَةِ} [الشعراء: 176]: الأَيْكَةُ {يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء: 189]: إِظْلَالُ العَذَابَ عَلَيْهِمْ. [فتح: 6/ 449]

الشرح: قال غير الحسن: معناه: لأنت الحليم الرشيد عند نفسك. قاله الضحاك.

الأيكة: الغيضة ذات الشجر، وكذلك هو في اللغة. ويقال للشجرة: أيكة، وجمعها: أيك. وقال: ليكة: القرية التي كانوا فيها، والأيكة: البلاد كلها، وأنكر ذلك.

{الظُّلَّةِ} قال ابن عباس: أصابهم حر شديد فدخلوا البيوت فأخذتهم فخرجوا إلى البرية لا يسترهم شيء، فأرسل الله إليهم سحابة، فهربوا إليها يستظلون تحتها ونادى بعضهم بعضًا، فلما اجتمعوا تحتها أهلكهم الله

(1)

.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 2814 - 2815 (15926).

ص: 496

وقال مجاهد: لما اجتمعوا تحتها صيح بهم فهلكوا.

قال الجوهري: وقولهم ظهر فلان بحاجتي إذا استخف بها

(1)

. وما ذكره في قوله: {وَإِلَى مَدْيَنَ} : أهل مدين إلى آخره، فيه نظر. فقد ذكر أهل التاريخ: أن مدين المذكور في الآية هو: ابن إبراهيم وشعيب: هو ابن صيفون.

ويقال ابن ملكا بن تويت بن مدين بن إبراهيم، وهو ظاهر التلاوة.

فإن قلت: أصحاب الأيكة هم مدين، وهم الذين أصابهم العذاب يوم الظلة، وقد قال تعالى:{إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} [الشعراء: 177] ولم يقل أخوهم. قلت: لما عرفهم بالنسب وهو جدهم فيه قال أخوهم، ولما عرفهم بالأيكة التي أصابتهم فيها النقمة لم يقل أخوهم، وأخرجه عنهم تنويهًا له وتعظيمًا. وذكر ابن قتيبة أن إبراهيم أبو جد شعيب.

وذكر وهب أن شعيبًا كان من ولد وهي آمنوا لإبراهيم يوم أحرق، وهاجروا إلى الشام، فكل نبي قبل بني إسرائيل وبعد فمن ولد أولئك الرهط. وجدة شعيب بنت لوط بن هاران.

وعاش ستمائة واثنتين وخمسين سنة فيما ذكر أبو المفاخر إسحاق بن جبريل في "تاريخه". وقيل: كان شعيب خطيب الأنبياء.

قال عبد الملك بن مروان حدثني عن الحسن. قال: والله ما رئي قط تاركًا لشيء يأمر به، ولا فاعلًا لشيء كان ينهى عنه. قال عبد الملك: والله ما زاد على هذا لو كان العبد الصالح -يعني: شعيبًا- حيث يقول: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88].

(1)

"الصحاح" 2/ 731 مادة [ظهر].

ص: 497

‌35 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ مُلِيمٌ}

قال مجاهد: مذنب. {الْمَشْحُونِ} : الموقر. {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} الآية. {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} : بوجه الأرض. {وَهُوَ سَقِيمٌ} . {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} : من غير ذات أصل: الدباء ونحوه. {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ} {إِلَى حِينٍ} {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم: 48] كَظِيمٌ: وَهْوَ مَغْمُومٌ.

3412 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ.

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ» . زَادَ مُسَدَّدٌ «يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . [4603، 4804 - فتح: 6/ 450]

3413 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ. [انظر: 3395 - مسلم: 2377 - فتح: 6/ 450]

3414 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الفَضْلِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَتَهُ أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ. فَقَالَ: لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَامَ، فَلَطَمَ وَجْهَهُ، وَقَالَ: تَقُولُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى البَشَرِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَذَهَبَ إِلَيْهِ، فَقَالَ أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّ لِي ذِمَّةً وَعَهْدًا، فَمَا بَالُ فُلَانٍ لَطَمَ وَجْهِي؟. فَقَالَ:«لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟» . فَذَكَرَهُ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ، فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَيَصْعَقُ مَنْ

ص: 498

فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، إِلاَّ مَنْ شَاءَ الله، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ أَمْ بُعِثَ قَبْلِي». [انظر: 2411 - مسلم: 2373 - فتح: 6/ 450]

3415 -

«وَلَا أَقُولُ: إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . [3416، 4604، 4631، 4805 - مسلم: 2373، 2376 - فتح: 6/ 451]

3416 -

حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . [انظر: 3415 - مسلم: 2373، 2376 - فتح: 6/ 451]

الشرح:

قوله: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)} قال ابن عيينة: من المقمورين. وقال مجاهد: من المسهومين

(1)

. قال طاوس: لما ركب السفينة ركدت، فقالوا: فيها مشئوم فقارعوا، فوقعت على يونس ثلاث مرات فالتقمه الحوت. وقيل: لما وقعت القرعة عليه ثلاثًا بادر بنفسه فالتقمه الحوت

(2)

.

قيل: والتقمه آخر إلى سبعة فأوحى الله إلى الحوت: إني لم أجعله لك غذاء، وأمره أن يؤديه كما دخل، {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} . بصوت ضعيف، فقالت الملائكة: يا رب من أين هذا الصوت الضعيف؟ قال: صوت يونس. قالوا: الذي كنا لا نزال نرفع له عملًا صالحًا؟ قال: نعم. قالوا: فنسألك يا رب إلا ما رحمته. فأمر الحوت فألقاه بالعراء، وهو وجه الأرض. قاله

(1)

"تفسير الطبري" 10/ 527 (29594).

(2)

انظر "معاني القرآن" للنحاس 6/ 56 - 57.

ص: 499

أبو عبيدة

(1)

. وقال الفراء: هو المكان الخالي. وما ذكره في الشجرة هو قول مجاهد. قال: القرع والحنظل والبطيخ وكل ما لم يكن على ساق

(2)

. وقال ابن مسعود: هو القرع

(3)

. وقوله: {أَوْ يَزِيدُونَ} في [أو]

(4)

أربعة أقوال: بمعنى: بل. قاله أبو عبيدة والفراء

(5)

، أو بمعنى: الواو. قاله القتبي، أو للإباحة، أو على بابها. قاله محمد بن يزيد.

والمعنى: أرسلناه إلى جماعة لو رأيتموهم؛ لقلتم: مائة ألف أو أكثر.

روي عن ابن عباس قال: أُرْسل إلى مائة ألف وثلاثين ألفًا

(6)

.

قال أبو مالك: أقام في بطن الحوت أربعين يومًا

(7)

. قال ابن طاوس: أنبت الله عليه شجرة من يقطين، فكانت تظله من الشمس ويأكل منها، فلما سقطت بكى عليها، فأوحى الله إليه أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف أو يزيدون (تابوا)

(8)

فلم أهلكهم

(9)

؟

قال سعيد بن جبير: أرسل الله على الشجرة الأرضة فقطعت أصولها، فحزن عليها

(10)

.

(1)

"مجاز القرآن" 2/ 266.

(2)

"تفسير الطبري" 10/ 530 (29625).

(3)

"تفسير الطبري" 10/ 530 (29622).

(4)

في الأصول: (الواو)، والصواب ما أثبتناه.

(5)

"معاني القرآن" للفراء 2/ 393.

(6)

"تفسير الطبري" 10/ 531 (29633).

(7)

"تفسير الطبري" 10/ 529 (29615).

(8)

في الأصل: ماتوا.

(9)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 127 عن ابن طاوس، عن أبيه بنحوه.

(10)

"تفسير الطبري" 10/ 31 (29632).

ص: 500

قال مجاهد: كانت الرسالة قبل أن يلتقمه الحوت

(1)

. وقال ابن عباس: بعدها. وتلا هذِه الآية: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)}

(2)

.

وقيل: لما لم يؤمن قومه به أوعدهم بالعذاب وخرج مغاضبًا لهم، فلما أقبل إليهم خرجوا ففرقوا بين الأمهات وأولادها من النساء والبهائم، وجعلوا يتضرعون إلى الله تعالى قبل أن يغشاهم العذاب، فصرفه الله عنهم. ولم تقبل توبة أمة حين عاينوا العذاب غير قوم يونس.

ثم ذكر البخاري في الباب أربعة أحاديث.

أحدها:

حديث عبد الله "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى". ويأتي في التفسير.

ثانيها:

حديث أبي العالية رفيع بن مهران الرياحي عَنِ ابن عَبَّاسٍ "مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى".

ثالثها:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه "لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ" الحديث وفي آخره: "ولا أقول إن أحدًا أفضل من يونس بن متى".

وأخرجه في أحاديث الأنبياء.

رابعها:

حديث أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه: "لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى".

(1)

"تفسير مجاهد" 2/ 546.

(2)

"تفسير الطبري" 10/ 532 (29639).

ص: 501

ويأتي في التفسير وأخرجه مسلم أيضًا.

وقد أسلفنا الجواب عنها. ومنها: "لا تخيروا بين الأنبياء المرسلين"

(1)

قال الداودي: وقوله: "فإنه ينفخ في الصور" إلى قوله: "ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من بعث" فيه بعض البيان لما في بعض الروايات من الوهم أن قوله: "ينفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث" فإنما يصعق يومئذ الأحياء ثم يبعث الموتى جميعًا.

قال: وسقط في بعض الروايات قوله: "ينفخ في الصور"، وقال:"يصعق الناس يوم القيامة" فأَوَّلَ بعضهم أنها غشية تأخذهم في الموقف.

وهذا غلط، وبَيَّنَ ذلك قوله:"فأكون أول من تنشق عنه الأرض"

(2)

فبين أن الانشقاق بعد الصعقة.

وتقدم قول الداودي: "أكان ممن استثنى الله؟ " أي: جعله ثانيًا لي في البعث. وهو غير بين.

فائدة: في حديث أبي هريرة الأول (عبد العزيز بن أبي سلمة) وهو أبو عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون. و (عبد الله بن الفضل) وهو ابن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.

وروى الثاني عن أبي الوليد، وهو هشام بن عبد الملك الطيالسي.

(1)

سلف برقم (2412) كتاب: الخصومات، باب: ما يذكر في الإشخاص، ورواه مسلم (2374/ 163) كتاب: الفضائل، باب: من فضائل موسى، كلاهما من حديث أبي سعيد بلفظ:"لا تخيروا بين الأنبياء".

(2)

التخريج السابق.

ص: 502

‌36 - باب {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} [الأعراف: 163]

يَتَعَدَّوْنَ: يُجَاوِزُونَ {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} : شَوَارعَ. إلى قَوْلِهِ: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} : شديد {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} إلى قوله: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: 163 - 166].

الشرح: هو سؤال توبيخ ليقررهم بما يعرفون من عصيان آبائهم، ويخبرهم بما لا يعرف إلا من كتاب أو وحي. واختلف في القرية هل هي إيليا أو طبرية؟ والأول قول ابن عباس

(1)

، والثاني قول ابن شهاب

(2)

.

الشُّرَّع: الظاهرة واحدها شارع. وكان اعتداؤهم في السبت زمن داود. قال مجاهد: كانت الحيتان تأتيهم يوم السبت من غير أن يطلبوها اختبارًا لهم من الله تعالى، فجعلوا للحيتان شيئًا تدخل فيه يوم السبت فإذا جاز اليوم صادوها. ويسبتون بفتح الياء أي: يبطلون يوم السبت تعظيمًا له. وقرأ الحسن بضمها أي يدخلون في السبت.

وقوله: ({وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا}) قال ابن عباس: ما أدري ما فعل بهذِه القرية التي لم تأمر ولم تنه

(3)

؟ وقال غيره: نجت؛ لأنها لم تشارك من عصى. وكان ابن عباس يبكي لما يقرأ هذِه الآية.

(1)

"تفسير الطبري" 6/ 92 (15266)، "تفسير ابن أبي حاتم" 5/ 1597 (8440) بلفظ: أيلة.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 5/ 1597 (8442).

(3)

"تفسير الطبري" 6/ 95 (15280) وفيه: قال عكرمة: فلم أزل به حتى عرَّفته أنهم قد نجوا، فكساني حلة.

ص: 503

‌37 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163]

الزُّبُرُ: الكُتُبُ، وَاحِدُهَا زَبُورٌ، زَبَرْتُ: كَتَبْتُ. {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10]، قَالَ مُجَاهِدٌ: سبِّحِي مَعَهُ. {وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: 10، 11]: الدُّرُوعَ، {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ}: المَسَامِيرِ وَالْحَلَقِ، لَا يُدِقَّ المِسْمَارَ فَيَتَسَلْسَلَ، وَلَا يُعَظِمْ فَيَفْصِمَ.

3417 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ عليه السلام القُرْآنُ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ فَتُسْرَجُ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ دَوَابُّهُ، وَلَا يَأْكُلُ إِلاَّ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ".

رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2073 - فتح: 6/ 453]

3418 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَقُولُ: وَاللهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنْتَ الذِي تَقُولُ: وَاللهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ؟ " قُلْتُ قَدْ قُلْتُهُ. قَالَ: "إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ". فَقُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ". قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، وَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ، وَهْوَ عَدْلُ الصِّيَامِ". قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ». [انظر: 1131 - مسلم: 1159 - فتح: 6/ 453]

3411 -

حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ

ص: 504

أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ؟ ". فَقُلْتُ نَعَمْ. فَقَالَ: "فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتِ العَيْنُ وَنَفِهَتِ النَّفْسُ، صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ" أَوْ: "كَصَوْمِ الدَّهْرِ". قُلْتُ إِنِّي أَجِدُ بِي -قَالَ مِسْعَرٌ يَعْنِي: قُوَّةً- قَالَ: "فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ عليه السلام، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى". [انظر: 1131 - مسلم: 1159 - فتح: 6/ 454]

الشرح:

داود: هو ابن إيشى بن عازر بن باعر بن سلمان بن بخشان بن عتيدات بن رام بن حصرون بن تارص بن يهوذا بن يعقوب.

كان بعد أشمويل، وكان أصغر إخوته السبعة، وكان لقمان في زمانه، وعاش مائة وسبعين سنة، وقبره بالقدس. ولم يصحح العلماء ما يذكره القصاص من أمر أوريا

(1)

.

وروى ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: الزبور ثناء الله ودعاؤه

(1)

قصة أوريا رواها عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 132 - 133 عن الحسن، والطبري في "تفسيره" 10/ 571 - 573 عن السدي، والحسن، ووهب بن منبه، ورواها أيضًا 10/ 574 (29859) من طريق يزيد الرقاشي، عن أنس مرفوعًا. وقال ابن عطية في "تفسيره" 12/ 439: وفي كتب بني إسرائيل في هذِه القصة صور لا تليق، وقد حدَّث بها قصاص في صدر هذِه الآية، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من حدّث بما قال هؤلاء القصاص جلدته حدَّين؛ لما ارتكب في حرمة من رفع الله محله. اهـ، وقال ابن كثير في "تفسيره" 12/ 81 - 82: قد ذكر المفسرون ههنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثًا لا يصح إسناده. اهـ، وقال الشنقيطي في "أضواء البيان" 7/ 24: واعلم أن ما يذكره كثير من المفسرين في تفسير هذِه الآية الكريمة مما لا يليق بمنصب داود عليه السلام وكله راجع إلى الإسرائيليات فلا ثقة به ولا معول عليه، وما جاء منه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح منه شيء.

ص: 505

وتسبيحه

(1)

، وقال قتادة: كنا نتحدث أنه دعاء عُلِّمَهُ وتحميد وتمجيد لله ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود

(2)

، وهو مائة وخمسون سورة.

وكان حمزة يضم (الزاي)

(3)

وغيره من القراء يفتحها. قال الكسائي: من قرأ بالفتح فهو عنده واحد. وقيل: هو فعول بمعنى مفعول مثل حلوب أي: زبرته فهو مزبور أي: مكتوب. ومن ضم فهو عنده جمع زَبْر

(4)

. وهو بمعنى العطاء لداود كتبًا. وقيل: أراد به العقل والسداد، وقيل: خص داود بالذكر؛ لأنه كان ملكًا، فلم يذكره ما أتاه من الملك، وذكر ما أعطاه من الكتاب تنبيهًا على فضله. وقيل: كان في الزبور: محمد خاتم الأنبياء وإن أمته ترث الأرض. كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} الآية [الأنبياء: 105]. وولده سليمان ملك أربعين سنة، عشرين قبل الفتنة، وعشرين بعدها. وهو الأكثر. وقيل: أربعًا وعشرين. وعاش ثنتين وخمسين سنة، وقبره عند بحيرة طبرية.

قال ابن قتيبة: لم يزل الملك والنبوة في ولده وولد ولده إلى الأعرج.

وأثر مجاهد في {أَوِّبِي} روي عنه

(5)

.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1118 (6281).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 94 (22372)، وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" 4/ 341.

(3)

في الأصول وقعت: (الراء).

(4)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" للفارسي 3/ 193 - 194، "الكشف" لمكي 1/ 402 - 403.

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 350 (28723).

ص: 506

وعن قتادة والضحاك: سيري. وقيل: سبحي بلسان الحبشة

(1)

وقيل: معناه سيري نهارًا. وقيل: سبحي نهارك كله كتأويب السائر نهاره كله. وحكى ابن فارس عن قوم أنهم يقولون: أبت إلى بني فلان إذا أتيتهم ليلاً وتأوبتهم كذلك

(2)

.

وقوله: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} قال قتادة: ألان الله له الحديد فكان يعمل فيه بغير نار

(3)

. قال الأعمش: ألين له حتى صار مثل الخيوط.

وقوله: {سَابِغَاتٍ} أي: توامّ. يقال: سبع الثوب إذا غطى ما هو عليه وفضل. واقتصر قتادة في السرد على المسامير، وأبو زيد على الحلق.

ثم ذكر في الباب ثلاثة. أحاديث:

أحدها:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "خفف على داود القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده". يأتي في سورة سبحان

(4)

، ويريد بالقرآن قراءته في الزبور.

ثم قال: (رواه موسى بن عقبة، عن صفوان، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا التعليق أسنده الإسماعيلي من حديث إبراهيم بن طهمان، عن موسى به.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 350 (28722).

(2)

"مجمل اللغة" 1/ 106 مادة [أوب].

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 351 (28729).

(4)

سيأتي برقم (4713) كتاب التفسير، باب: قوله {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} .

ص: 507

الحديث الثاني:

حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار .. سلف في الصوم

(1)

.

الحديث الثالث:

حديث أبي العباس عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أنبأ أنك تقوم الليل .. " الحديث وسلف في الصوم أيضًا

(2)

. وأبو العباس: هو السائب بن فروخ المكي الأعمى الشاعر مولى كنانة والد العلاء بن أبي العباس.

ومعنى ("هجمت العين"): غارت. ("نفهت النفس"): أعيت وكلت.

(1)

سلف برقم (1974) باب: حق الضيف في الصوم.

(2)

سلف برقم (1977) باب: حق الأهل في الصوم.

ص: 508

‌38 - باب أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ

كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا. قَالَ عَلِيٌّ وَهْوَ قَوْلُ عَائِشَةَ: مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلاَّ نَائِمًا. [1133]

3420 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» . [انظر: 1159 - فتح: 6/ 455]

ثم قَالَ: (عَلِيٌّ: وَهْوَ قَوْلُ عَائِشَةَ: مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِى إِلاَّ نَائِمًا.).

ثم ساق حديث عبد الله بن عمرو، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أحب الصيام إلى الله" فذكره سواء. وقد سلف واضحًا.

ص: 509

‌39 - باب: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 17 - 20]

قَالَ مُجَاهِدٌ: الفَهْمُ فِي القَضَاءِ. {وَلَا تُشْطِطْ} [ص: 22] لَا تُسْرِف {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص: 22، 23] يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: نَعْجَة، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا: شَاةٌ، {وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} [ص: 23] مِثْلُ {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37]: ضَمَّهَا. {وَعَزَّنِي} [ص: 23]: غَلَبَنِي، صَارَ أَعَزَّ مِنِّي، أَعْزَزْتُهُ: جَعَلْتُهُ عَزِيزًا. {فِي الْخِطَابِ} [ص: 23]، يُقَالُ: المُحَاوَرَةُ. {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ} [ص: 24]: الشُّرَكَاءِ {لَيَبْغِي} [ص: 24] إلى قَوْلِهِ: {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} [ص: 24]. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: اخْتَبَرْنَاهُ. وَقَرَأَ عُمَرُ رضي الله عنه: {فَتَنَّاهُ} بِتَشْدِيدِ التَّاءِ.

3421 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: سَمِعْتُ العَوَّامَ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ أَسْجُدُ فِى {ص} فَقَرَأَ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} حَتَّى أَتَى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 84 - 90] فَقَالَ: نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِىَ بِهِمْ. [4632، 4806، 4807 - فتح: 6/ 455]

3422 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَيْسَ {ص} مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِيهَا. [انظر: 1069 - فتح: 6/ 455]

ثم ذكر عن مجاهد قال: قلت لابن عباس: أنسجد في {ص} فقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} حتى أتى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فقال ابن عباس: نبيكم صلى الله عليه وسلم ممن أُمر أن يقتدي بهم.

ص: 510

ثم ساق عن ابن عباس رضي الله عنهما: ليس {ص} من عزائم السجود.

وهذا سلف في سجود التلاوة.

الشرح:

{الْأَيْدِ} : القوة ومن قولهم: أيده الله. والأواب: المطيع، قاله قتادة

(1)

أو الراجع عن الذنوب قاله مجاهد

(2)

. وأواب على التكثير.

وإشراق الشمس: ضوؤها وصفاؤها. وقوله: {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} [ص: 19] يجوز أن يكون المعنى في (كل) الجبال والطير، أي يرجع مع داود التسبيح، ويجوز أن يعني بقوله:{كُلٌّ لَهُ} : داود والجبال والطير ذكره ابن التين.

وقوله: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} قال مجاهد: لم يكن في الأرض سلطان أعز من سلطانه. قال السدي: كان يحرسه كل ليلة أربعة آلاف

(3)

.

وقال ابن عباس: شددنا ملكه بأن الوحي كان يأتيه.

وروي عن ابن عباس اختصم رجلان إلى داود فقال: هذا غصبني بقرًا فجحده الآخر، فأوحى الله إلى داود أن يقتل الرجل الذي استعدى عليه، فأرسل داود إلى الرجل: إن الله أوحى إلى أن أقتلك، فقال الرجل: أتقتلني بغير بينة، فقال: لا نرد أمر الله فيك فلما عرف الرجل أنه قاتله قال: والله ما أخذت بهذا الذنب، ولكني كنت أغلب والد هذا، فقتلته فأمر به داود فقتل، فاشتدت هيبة بني إسرائيل عند

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 561 (29798).

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 548، ورواه الطبري في "تفسيره" 10/ 561 (29796).

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 563 (29810).

ص: 511

ذلك، فهو قوله:{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ}

(1)

، وقوله:{وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} قيل: هي المعرفة بكتاب الله. وقال السدي: النبوة

(2)

وقال مجاهد: عدله. وقول مجاهد: {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} : الفهم في القضاء

(3)

. وقال قتادة: فصل القضاء

(4)

، وقال الشعبي: الشهود والأيمان

(5)

.

ورواه الحكم عن مجاهد، وروي عن الشعبي أيضًا: هو أما بعد

(6)

.

وقوله: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} أي: علوا. والمحراب كل مكان مرتفع، وقوله:{بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} أي: على جهة المسألة، كما تقول: رجل يقول لامرأته: كذا، ما يجب عليه؟

{وَلَا تُشْطِطْ} : لا تسرف كما ذكره، وقال غيره: لا تجر، وشط يشط ثلاثي إذا بَعُد وقرئ به.

{سَوَاءِ الصِّرَاطِ} : قصد السبيل. وأصح ما روي في قوله: {أَكْفِلْنِيهَا} قول عبد الله بن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: ما زاد داود على أن قال: انزل لي عنها وضمها إلي

(7)

.

والمعنى -على ما يروى- أن داود سأل أوريا أن يطلق له امرأته كسؤال الرجل بيع جاريته، فعاتبه الله على ذلك لما كان نبيًا، وكان له تسع وتسعون أنكر عليه أن يتشاغل بالدنيا.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 563 (29811).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 564 (29812).

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 564 (29810).

(4)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 132 (2084).

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 560 (29824).

(6)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 560 (29826).

(7)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 133 (2089)، (2090)، والطبري في "تفسيره" 1/ 568 (29838)، (29839).

ص: 512

{وَعَزَّنِي} غلبني كما في البخاري، وعبارة غيره: قهرني، قاله الحسن وقتادة

(1)

أي: قهره في المحاروة: ومنه: من عزّ بزّ.

وقوله: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ} (أي: سؤاله نعجتك)

(2)

وقوله: {وَظَنَّ دَاوُودُ} أي: أيقن. وقراءة (فتناه) بتخفيف النون يعني: الملكين.

وقوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا} أي: ساجدًا، قال مجاهد: سجد أربعين ليلة من غير أن يسأل ربه شيئًا

(3)

.

وقال سفيان: يروى أنه أقام أربعين يومًا لا يرفع رأسه إلا لصلاة أو حاجة لا بد له منها. قال قتادة: {وَأَنَابَ} أي: تاب

(4)

.

{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} احتج به من يرى أنا مخاطبون بشرائع من قبلنا من الأنبياء، وقيل: المراد به التوحيد. والسجود في {ص} عندنا سجدة شكر خلافًا لمالك ويدل عليه قوله: إنها ليس من عزائم السجود، وهو صريح في الرد عليه.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 568 (29842)، 10/ 572 (29855).

(2)

من (ص 1).

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 574 (29808).

(4)

انظر "معاني القرآن" للنحاس 6/ 94 - 104.

ص: 513

‌40 - باب قَولُ الله تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30]:

الرَّاجِعُ المُنِيبُ، وَقَوْلُهُ:{وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]، وَقَوْلُهُ {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} [البقرة: 102] {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} : أذبْنَا لهُ عَيْنَ الحَدِيدِ {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} إلى قَوْلِهِ: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} [سبأ: 2 - 13]، قَالَ مُجَاهِدٌ: بُنْيَانٌ مَا دُونَ القُصُورِ {وَتَمَاثِيلَ} : من نحاس

(1)

. {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} كَحِيَاضِ الإِبِلِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: كَالْجَوْبَةِ مِنَ الأَرْضِ {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} إلى قَوْلِهِ: {إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ} [سبأ: 13 - 14] الأَرَضَةُ {تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} [سبأ: 14]: عَصَاهُ {فَلَمَّا خَرَّ} إلى: {الْمُهِينِ} [سبأ: 14]{حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} [ص: 32]، {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص: 33]: يَمْسَحُ أَعْرَافَ الخَيْلِ وَعَرَاقِيبَهَا {الْأَصْفَادِ} [ص: 38]: الوَثَاقُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: {الصَّافِنَاتُ} [ص: 31] صَفَنَ الفَرَسُ: رَفَعَ إِحْدى رِجْلَيْهِ حَتَّى تَكُونَ عَلَى طَرَفِ الحَافِرِ. {الْجِيَادُ} [ص: 31] السِّرَاعُ. {جَسَدًا} [ص: 36] شَيْطَانًا. {رُخَاءً} [ص: 36]: طَيِّبَةً، {حَيْثُ أَصَابَ} [ص: 36]: حَيْثُ شَاءَ. {فَامْنُنْ} [ص:

(1)

ورد بهامش الأصل تعليق عليها: كذا مخرج في الهامش: (من نحاس صح)، وعليه تصحيح وهو مشار إليه من بعد (تماثيل) ولم أجده أنا هنا، ولم أره في صحيحه عندي

ص: 514

39]: أَعْطِ. {بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص: 39]: بِغَيْرِ حَرَجٍ.

3423 -

حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ البَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، فَأَخَذْتُهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ: رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِى لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي. فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا» . {عِفْرِيتٌ} [النمل: 39]: مُتَمَرِّدٌ مِنْ إِنْسٍ أَوْ جَانٍّ، مِثْلُ زِبْنِيَةٍ جَمَاعَتُهَا: الزَّبَانِيَةُ.

3424 -

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللهُ. فَلَمْ يَقُلْ، وَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا إِلاَّ وَاحِدًا سَاقِطًا إِحْدَى شِقَّيْهِ» . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ قَالَهَا لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ» . [2819، 5242، 6639، 6720، 7469 - مسلم: 1654 - فتح: 6/ 458]

قَالَ شُعَيْبٌ وَابْنُ أَبِى الزِّنَادِ: «تِسْعِينَ» . وَهْوَ أَصَحُّ.

3425 -

حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ. أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الحَرَامُ» . قُلْتُ: ثُمَّ أَي؟ قَالَ: «ثُمَّ المَسْجِدُ الأَقْصَى» . قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ» . ثُمَّ قَالَ: «حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، وَالأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ» . [انظر: 3366 - مسلم: 520 - فتح: 6/ 458]

3426 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ تَقَعُ فِي النَّارِ» . [6483 - مسلم: 2284 - فتح: 6/ 455]

3427 -

وَقَالَ «كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ

ص: 515

إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. وَقَالَتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا. فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللهُ، هُوَ ابْنُهَا. فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ، وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلاَّ الْمُدْيَةُ. [6769 - مسلم: 1720 - فتح: 6/ 458]

الشرح:

سليمان قد أسلفنا ترجمته عند ذكر والده في باب قوله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} ، وفي الأواب أقوال أخر:

أحدها: الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب، قاله ابن المسيب.

ثانيها: المسبح، قاله سعيد بن جبير.

ثالثها: المطيع قاله قتادة.

رابعها: الذي يذكر ذنبه في الخلاء فيستغفر الله، قاله عبيد بن عمير.

خامسها: الراحم.

سادسها: التائب. وقال أهل اللغة: الرجَّاع الذي يرجع إلى التوبة

(1)

. وقوله: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} أي: أعطني فضيلة مثل قول إبراهيم {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260]

وقال قتادة: هب لي ملكًا لا أُسلَبُه كما سُلبتُه

(2)

.

قال ابن جرير: وكان بعض أهل العربية يوجه معنى {لَا يَنْبَغِي} لا يكون لأحد من بعدي

(3)

.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 8/ 64 - 65، "معاني القرآن" للنحاس 6/ 107 - 108.

(2)

رواه الطبري في "التفسير" 10/ 582 (29904).

(3)

"تفسير الطبري" 10/ 582.

ص: 516

وقال ابن عباس: هب لي الشياطين حتى أملكهم وكذا الجن والريح، فوهب الله له ما لا يهبه لأحد حتى تقوم القيامة.

وقوله: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ} : سخرها الله له فكان يركب ظهرها بجنوده ومن معه وتغدو به من الشام إلى اصطخر وتروح فترجع إلى مكانها فتسير به مسيرة شهرين في يوم.

قال الحسن فيما رواه عبد، عن روح، عن عوف عنه: قال صلى الله عليه وسلم: "إن سليمان لما أشغلته الخيل حتى فاتته صلاة العصر، غضب الله فعقر الخيل، فأبدله الله مكانها خيرًا منها وأسرع: الريح التي تجري به كيف يشاء".

وقوله في {عَيْنَ الْقِطْرِ} وقال قتادة: عين من نحاس باليمن وإنما يصنع الناس ما أخرج له، وكان يستعملها فيما يريد

(1)

.

وعبارة النحاس: أسلنا: أذبنا. قال الأعمش: سيلت له كما يسيل الماء. وقيل: لم يذب النحاس لأحد قبله و {مَحَارِيبَ} قال قتادة؛ والضحاك: مساجد

(2)

. وقول مجاهد فيه ذكره البخاري.

قال: {وَتَمَاثِيلَ} من رخام وشَبه، قال مجاهد: من نحاس

(3)

.

وقول ابن عباس في تفسير الجوابي الجوبة: كالغائط من الأرض. وقيل: هي الحفير المستدير في الأرض. {وَتَمَاثِيلَ} ثابتات لا يزلن عن مكانهن، ترى بأرض اليمن. قاله قتادة

(4)

.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 353 (28745).

(2)

"معاني القرآن" 5/ 398 - 399، وأثر قتادة والضحاك رواهما الطبري 10/ 354 (28751)، (28753).

(3)

"تفسير مجاهد" 2/ 524، وراه الطبري 10/ 355 (28754).

(4)

رواه الطبري 10/ 356 (28765).

ص: 517

(وقال مجاهد: عظام

(1)

، وقال الداودي: هي التي تجعل علي بناءٍ. ولها)

(2)

خواءٌ من أسفلها يوقد عليها منه ليس لها أثاف لعظمها.

وأثر مجاهد في {مَحَارِيبَ} و {الصَّافِنَاتُ} رواه عبد بن حميد، عن روح، عن شبل، عن ابن أبي نجيح عنه.

وقوله: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} قال مجاهد: لما ذكر الله هذا قال داود لسليمان: إن الله ذكر الشكر، فاكفني صلاة النهار أكفك صلاة الليل. قال: لا أقدر. قال: فاكفني صلاة الظهر. قال: نعم، فكفاه. وقال عطاء: صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فتلا الآية، فقال:"ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي داود: العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية". وقال الزهري: قولوا: الحمد لله، قال ابنِ عباس: شكرًا على ما أنعم الله به عليكم. وقوله: {تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} قال ابن مسعود: أقام حولًا حتى أكلت الأُرَض

(3)

عصاه فسقط

(4)

.

وقيل للعصا: منسأة؛ لأنه يؤخذ بها الشيء ويساق، فهي مفعلة من نسأت إذا زجرت الإبل. وقيل: إذا ضربتها بالمنسأة.

وقوله: {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ} . قال ابن عباس: كان إذا صلى رأى شجرة يابسة بين يديه، فيسألها: ما اسمك؛ فإن كان لغرس غرست، وإن كانت لدواء كتبت، فبينا هو يصلي ذات يوم إذا شجرة يابسة بين

(1)

"تفسير مجاهد 2/ 524، ورواه الطبري 10/ 356 (28764).

(2)

من (ص)

(3)

هكذا في الأصول، وفي "معاني القرآن": الأرضة. والأُرض: جمع الأرضة، وهي دويبة تأكل الخشب، انظر "الصحاح" 3/ 1064 مادة (أرض).

(4)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 5/ 401 - 402.

ص: 518

يديه، فقال لها: ما اسمك؟ فقالت: الخروب. فقال: لأي شيء؟ فقالت: لخراب هذا البيت. فقال: عَمِّ عن الجن موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنحتها عصا فتوكأ عليها حولًا " يعلمون فسقطت، فعلمت الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنظروا مقدار ذلك فوجدوه (سنة)

(1)

فشكرت الجن الأرضة

(2)

.

فالمعنى تبين أمر الجن. وفي مصحف ابن مسعود: (تبينت (الإنس)

(3)

أن لو كان (الجن)

(4)

يعلمون الغيب)، ومن قرأ:(تُبُيِّنَتِ الجن) أراد: تبينت الإنس الجن

(5)

.

وقوله: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} يريد: اليهود. قال عطاء: كانت الشياطين تسترق السمع، وتلحق بذلك حديثًا كثيرًا. وقيل: صنعوا سحرًا ودفنوه تحت قوائم سريره، فلما مات سليمان أظهروه، قالوا: إنما نال الملك بالسحر، فأكذبهم الله بقوله:{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} .

وقال ابن عباس: كان آصف كاتب سليمان، وكان يعلم الاسم، فكان يكتب على كل شيء يأمر به سليمان، ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين، فكتبوا بين كل سطرين سحرًا وكفرًا وكذبًا، وقالوا: هذا الذي كان يعمل به سليمان. فأكفره الجهال وسبوه ووقف العلماء، فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل الله الآية على نبيه

(6)

.

(1)

وقعت كلمة: (سنة) في الأصل قبل: (فنظروا).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 358 (28777).

(3)

في الأصل: (الإنس والجن)، وفي (ص 1):(الجن والإنس)، والمثبت من (معاني القرآن" للنحاس و"المحتسب" 2/ 188.

(4)

من (ص 1).

(5)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 5/ 404 - 405.

(6)

رواه النسائي في "الكبرى" 6/ 288 (10994).

ص: 519

فصل:

قوله {حُبَّ الْخَيْرِ} قال الفراء: الخيل -في كلام العرب- والخير بمعنى. {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} قال قتادة: عن صلاة العصر

(1)

. وما ذكره في {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} هو قول ابن عباس

(2)

.

وقيل: قطع أسوقها وأعناقها، فأبدله الله مكانها خيرًا منها وسخَّر له الريح، ويحمل على أن (ذلك)

(3)

ذكاة لها، وأبيح له فعل ذلك.

وما ذكره في {الْأَصْفَادِ} قال قتادة: هي الأغلال

(4)

. وما ذكره عن مجاهد في (صفن) روي عنه: الذي يرفع إحدى رجليه ويقف على ثلاثٍ

(5)

.

وقيل: الذي يقف (على ثلاث)

(6)

ويثني سنبك الرابعة، أي: طرف الحافر.

وقال الفراء: الصافن: القائم. والجياد جمع جواد، يقال: رجل جيد من قوم أجواد، وفرس جواد من خيل جياد. وقد فسره بالسراع.

وقوله: ({جَسَدًا} شيطانًا)، قيل: غلب شيطان على ملكه أيامًا، وقيل: قتلت الشياطين ابنه بعده خوفًا أن يملكهم وألقته على كرسيه. والجسد: الصورة التي لا روح فيها، وهي الحية، وقال الخليل: لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض

(7)

.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 578 (29882).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 579 (29892).

(3)

من (ص 1).

(4)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 585 (29926).

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 577 (29871).

(6)

من (ص 1)

(7)

"العين" 6/ 47.

ص: 520

وقوله: ({رُخَاءً}: طيبة). قال قتادة: هي اللينة. وقال ابن عباس: مطيعة. وقال الحسن: ليست بعاصفة ولا هيئة بين ذلك.

وقوله: ({حَيْثُ أَصَابَ} حيث شاء)، حكى الأصمعي أصاب الصواب فأخطأ الجواب أي أراد الصواب.

وقوله: ({بِغَيْرِ حِسَابٍ} بغير حرج) هو قول مجاهد، قال الحسن: ليس أحد ينعم عليه إلا ويحاسب (على النعمة)

(1)

إلا سليمان، ثم قرأ هذِه الآية

(2)

.

ثم ذكر في الباب أربعة أحاديث:

أحدها:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه "إن عفريتًا من الجن تفلت عليّ" الحديث تقدم في الصلاة في باب: ما يجوز في العمل فيها

(3)

.

ثم قال: عفريت متمرد من إنس أو جان مثل زِبْنِيَة جمع زبانية.

قلت: زِبْنِيَة على مثال عفرية. والزبانية -عند العرب- الشرط، وسمي بذلك بعض الملائكة لدفعهم أهل النار إليها.

وأصل الزبن الدفع، قال الأخفش: قال بعضهم: واحدها زباني، وقال بعضهم: زابن، قال: والعرب لا تكاد تعرف هذا، وتجعله من الجمع الذي لا واحد له مثل أبابيل وعباديد.

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 10/ 583 - 584، "معاني القرآن" للنحاس 6/ 114.

(3)

سلف برقم (1210) كتاب: العمل في الصلاة.

ص: 521

الحديث الثاني:

حديث أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه في قول سليمان بن داود: لأطوفن على سبعين امرأة .. إلى آخره. وقال شعيب وابن أبي الزناد: تسعين. وهو أصح.

وقد سلف في الجهاد.

الحديث الثالث:

حديث أبي ذر رضي الله عنه قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مسجدٍ وضع أول؟ سلف قريبًا.

الحديث الرابع:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارًا فجعل الفراش وهذِه الدواب تقع في النار". وقال: كانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فتحاكمتا إلى داود .. الحديث.

وفيه: "ائتوني بالسكين أشقه بينكما". قال أبو هريرة: والله إن سمعت بالسكين إلا يومئذ وما كنا نقول إلا المدينة. وهما حديثان جمع بينهما، وقد أخرج الثاني في الفرائض، والحديث الأول مختصر، وتمامه: "فجعل يزعهن

(1)

ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها"

(2)

. لا جرم قال ابن التين: فيه اختصار. ومعناه أنه حذرهم فجعلوا يتهافتون فيما يوضعهم في النار كما فعلت هذِه إلا من عصم الله.

(1)

جاء في هامش الأصل: كذا في أصله: يزعهن. ومعناه يكفهن.

(2)

سيأتى برقم (6483) وفي: فجعل ينزعهن

ص: 522

ولمسلم عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا: "مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي"

(1)

. وأخرج مسلم حديث المرأتين في القضاء

(2)

.

فصل:

الفراش: بفتح الفاء. قال الخليل: يطير كالبعوض. وقيل: هو كصغار البق. وقال الفراء: هو غوغاء الجراد الذي ينفرش ويتراكب ويتهافت في النار. واستوقد: أوقد. والسين والتاء زائدتان.

وهذا مثل لاجتهاده وحرصه على تخليصنا من الهلاك وغلبة شهواتنا وظفر عدونا اللعين بنا صرنا أحقر من الفراش.

والجنادب: الجراد. واحدها جندب مثلث الدال. والتقحم: الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت.

والحجز: جمع حجزة، وهو معقد الإزار والسروايل و (آخِذ): بكسر الخاء وتنوين الدال على المشهور على أنه اسم فاعل، وروي بضم الخاء بغير تنوين على أنه فعل مضارع. وادعى ابن العربي أن الخلق لا يأتون ذلك على قصد الهلكة، وإنما يأتونه بقصد النجاة والمنفعة. كالفراش الذي يقتحم الضياء ليس مرداه الهلاك ولكنها لتأنس به، وهي لا تبصر بحال حتى قال بعضهم: إنها في ظلمة فتعتقد أن الضياء كوة يستطير فيها النور فتقصدها لأجل ذلك، فتحرق وهي لا تشعر، وذلك هو الغالب من أحوال الخلق أو كله

(3)

.

(1)

مسلم (2285) كتاب: الفضائل، باب: شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته.

(2)

مسلم (1720) كتاب: الأقضية، باب: بيان اختلاف المجتهدين.

(3)

انظر "عارضة الأحوذي" 10/ 325.

ص: 523

فصل:

حديث المرأتين أشكل على كثير من الشراح حتى قال بعضهم: إن هذا لم يكن من داود حكمًا وإنما كان فتيا. قال الدوادي: الذي كان من قصة داود وسليمان إنما هو كالتشاور. وليس كما ظن فإنه نص على الحكم، وفتيا النبي كحكمه إذ يجب تنفيذه. وادعى بعضهم أن ذلك من شرع داود أن يحكم به للكبرى أي من حيث هي كبرى.

وهو غلط؛ لأن اللفظ ليس نصًّا فيه؛ ولا الكبر والصغر طرد محض عند الدعاوى كالطول والقصر، والسواد والبياض، فلا يوجب شيء من ذلك ترجيحًا لأحد من المتداعيين حتى يحكم له أو عليه، والذي ينبغي أن يقال -كما نبه عليه القرطبي-: أنه إنما حكم به للكبرى لمرجح عنده لم يذكره هنا، فيمكن أن يقال: إن الولد كان في يدها وعلم عجز الأخرى عن بينة فقضى به لها. وهو حسن.

وفعل سليمان ليس نقضًا لحكم والده وإنما ظهر له من القرينة في الصغرى دون الكبرى، أو لعله كان ممن يسوغ له أن يحكم بعلمه، ولعلها اعترفت عند ذلك، وهو من باب تبدل الأحكام لسبب تبدل الأسباب

(1)

، وذكر النووي أنه فعل ذلك تحيلًا على إظهار الحق، فلما أقرت به الصغرى عمل بإقرارها، وإن كان الحكم قد نفذ كما لو اعترف المحكوم له بعد الحكم أن الحق لخصمه

(2)

.

قال ابن الجوزي: وإنما حكما بالاجتهاد إذ لو كان بنص لما ساغ خلافه

(3)

، وهو قال على أن الفطنة والفهم موهبة، ولا التفات -كما قال

(1)

"المفهم" 5/ 175 - 176.

(2)

"شرح مسلم" 12/ 18.

(3)

"زاد المسير" 5/ 372

ص: 524

القرطبي- لقول من يقول: إن الاجتهاد إنما يسوغ عند فقد النص، والأنبياء لا يفقدون النص، فإنهم متمكنون من استطلاع الوحي وانتظاره. والفرق بينهم وبين غيرهم قيام العصمة بهم عن الخطأ. وعن التقصير في الاجتهاد بخلاف غيرهم.

فصل:

فيه من الفقه استعمال الحكام الحيل التي تستخرج بها الحقوق، وذلك يكون عن قوة الذكاء والفطنة وممارسة أحوال الخلق، وقد يكون في أهل التقوى فراسة دينية، وتوسمات نورية.

فصل:

قولها: (لا تفعل يرحمك الله) جاء في رواية: (لا، يرحمك الله)

(1)

وينبغي أن يقف على (لا) دقيقة حتى يتبين للسامع أن ما بعده كلام مستأنف؛ لأنه إذا وصل ما بعد (لا) توهم السامع أنه دعاء عليه كما قال الصديق لرجل قال له: لا يرحمك الله: لقد علمتم لو علمتم قل: لا، ويرحمك الله.

فصل:

فيه حجة لمن يقول باستلحاق الأم، وهو خلاف مشهور مذهب مالك، ولا يلحق عنده بأحدهما إلا ببينة

(2)

.

فائدة: المدية مثلثة الميم، سميت بذلك لأنها تقطع مدى الحياة.

والسكين يذكر ويؤنث، ويقال سكينة؛ لأنها تسكن حركة الجيوان.

(1)

ورد في هامش الأصل: هي في مسلم.

(2)

"المفهم" 5/ 176 - 177.

ص: 525

‌41 - باب قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَخُورٍ} [لقمان: 12 - 18]

{تُصَعِّرْ} [لقمان: 18]: الإِعْرَاضُ بِالْوَجْهِ.

3428 -

حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَنَزَلَتْ: {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} . [لقمان: 13][انظر: 32 - مسلم: 124 - فتح: 6/ 465]

3429 -

حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهْوَ يَعِظُهُ:{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .

ثم ذكر حديث عبد الله رضي الله عنه لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} الحديث من طريقين، وقد سلف قريبًا

(1)

، وأنه سلف في الإيمان.

وشيخه في الثاني: (إسحاق) هوابن إبراهيم كما صرح به أصحاب الأطراف.

و (لقمان) قيل: هوابن باعور بن ناحر بن تارح وهو آزر أبو إبراهيم.

(1)

سلف برقم (3360) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى {وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} .

ص: 526

وقيل: ابن عنقا ابن سرون ذكره السهيلي

(1)

، عاش ألف سنة، وأدرك داود وأخذ عنه العلم، وكان يفتي قبل مبعث داود، فلما بعث داود قطعها، وكان من أهل أيلة، وقيل: كان تلمذ ألف نبي.

واختلف في نبوته فقال ابن المسيب: كان من سودان مصر ذو مشافر وكان نبيًّا، وعنه: أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة، وعنه: أنه كان خياطًا، وعن عكرمة -فيما ذكره الحوفي-: كان نبيًّا، وقيل: كان عبدًا صالحًا مملوكًا لبني الحسحاس من الأزد.

وعن ابن أبي حاتم عن مجاهد: كان عبدًا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين.

وقال ابن عباس: كان عبدًا حبشيًا نجارًا.

وفي "المعاني" للزجاج: نجادًا. بالدال المهملة، وقيل: كان راعيًا ووقف عليه إنسان وهو في مجلسه، فقال له: ألست الذي كنت ترعى في مكان كذا وكذا؟ قال: بلى قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث، والصمت عما لا يعنيني

(2)

.

(1)

انظر كلام السهيلي في "تفسير مبهمات القرآن" للبلنسي 2/ 328.

(2)

ورد بهامش (ص 1): قال القسطلاني: روي أنه كان نائمًا فنودي: هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض فتحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب: (

) وقال: إن خيرني ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء، وإن عزم علي فسمعًا وطاعة، فإني أعلم أنه إن فعل بي ذلك أعانني، فقالت الملائكة: (

) قال: لأن الحاكم راشد المنازل وأكثرها يغشاه الظلم من كل مكان، ومن يكن في الدنيا ذليلًا خيرٌ من أن يكون شريفاً، فتعجبت الملائكة فنام نومة، فأعطي الحكمة، فانتبه وهو يتكلم بها، والحكمة كما في "الأنوار" استكمال النفس الإنسانية في اقتباس العلوم النظرية، واكتساب الملكة الباقية على الأفعال الفاضلة على قدر فضلها. انتهى، يختص برحمته من يشاء.

ص: 527

وقال جابر بن عبد الله: كان قصيرًا أفطس من النُّوبة، وقيل: كان نوبيًّا لرجل من بني إسرائيل فأعتقه

(1)

.

وقال ابن قتيبة: لم يكن نبيًّا في قول أكثر الناس، أي بل كان عبدًا صالحًا. وقال الواقدي: كان يحكم ويقضي في بني إسرائيل، وزمنه ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وقال وهب: كان ابن أخت أيوب، وقال مقاتل: زعموا أنه ابن خالته، وكان في زمن داود، ومر يومًا وداود يصنع درعًا، وكانت للدروع قبل ذلك صفائح، فلم يدر لقمان ما يصنع فوقف حتى أتم داود الدرع ولبسها، عرف لقمان ما يراد به فقال له: الصمت حكمة، وقليل فاعله.

وقالوا له: ما بلغ ما نرى؟ يريدون الفضل، قال: صدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني. وقال وهب: قرأت من حكمته أرجح من عشرة آلاف باب. وقال مجاهد: الحكمة التي أوتيها العقل والفقه والصواب من الكلام من غير نبوة.

ويذكر أنه قال لابنه، واسم ابنه داران: يا بني إذا نزل بك ما تحب أو تكره فليكن المضمر من نفسك أن الذي نزل خير. فكان ابنه يقول له: قد ينزل كذا؟ فيقول: هو ما أقول لك. فسافر مرة مع قوم، فلما كانوا بفلاةٍ من الأرض فني زاد لقمان وعطب ظهره وانكسرت رجل ابنه وذهب القوم وتركوه، فجعل لقمان ينكر على ابنه، فقال: يا أبة ألم تكن تقول: لا ينزل بك من الأمر ما تحب أو تكره إلا كان المضمر من نفسك أن الذي نزل خير؟ قال: نعم هو كذلك. قال: ألا ترى ما نحن فيه؟ فنودي لقمان، وابنه يسمع: يا لقمان إن الله إنما فعل بك هذا؛ لأنه

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 10/ 208 - 209، و"تفسير ابن كثير" 11/ 49 - 51.

ص: 528

يريد عذاب القوم الذين أردتهم فأراد نجاتك. أو نحو هذا، قال: أسمعت يا بني؟ قال: بلى. قال: وأيقنت؟ قال: بلى.

وقوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه، قاله الأصمعي وغيره، قال غيره: المشرك ينسب نعمة الله إلى غيره، وقيل: هو ظالم لنفسه.

وقوله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ} الآية فيها تقديم وتأخير، والمعنى ووصينا الإنسان أن اشكر لي ولوالديك. ثم قال:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ} قيل: نزلت في سعد بن أبي وقاص.

وقوله: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} هذا على التمثيل كما قال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} [الزلزلة: 7]، قال سفيان: بلغني أنها الصخرة التي عليها الأرضون.

ويروى أن لقمان سأله عن حبة وقعت في مغاص البحر فأجابه بذلك.

قال مالك {يَأْتِ بِهَا الله} : يعلمها فإنه لطيف خبير.

قال أبو العالية: لطيف باستخراجها خبير بمكانها.

وقوله: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} هي قراءة الجحدري أي: لا تكسر أو تشدق.

قال أبو الجوزاء: يقول بوجهه هكذا ازدراءً بالناس وأصله من الصعر وهو داء يأخذ الإبل تلوي منه أعناقها

(1)

.

(1)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 5/ 283 - 288.

ص: 529

‌42 - باب: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا}

قَالَ مُجَاهِدٌ: شدَّدْنَا. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {طَائِرُكُمْ} [يس: 19]: مَصَائِبُكُمْ.

القرية -فيما ذكره عكرمة وغيره- أنطاكية، قال السهيلي: نسبت إلى أنطنفس وهو اسم الذي بناها غُيِّرَ لما عُرِّب

(1)

. وقد اختلف أهل العلم في هؤلاء الرسل فعن قتادة أرسلهم عيسى اثنين من الحواريين فكذبوهما فعززنا بثالث، وكذا ذكره ابن عباس ومقاتل.

وقال وهب: كان بأنطاكية فرعون من الفراعنة يقال له: أنطبجنين يعبد الأصنام فبعث الله إليه ثلاثة: صادق وصدوق وسلوم حكاه ابن جرير

(2)

.

وقال غيره: اثنين ثم بثالث، قال ابن التين: وهو قول الجماعة، وقال مقاتل: هم تومان وبولس والآتي ثالثًا شمعون وكان من الحواريين ووصي عيسى صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عباس: فجعلهم الله بعد عيسى أنبياء، وذكر السهيلي فيهم: يوحنا

(3)

.

(1)

انظر: "تفسير مبهمات القرآن" للبلنسي 2/ 393، وفيه أن أسمه:(أنطيخس).

وانظر: "معجم البلدان" 1/ 266.

(2)

"تفسير الطبري" 10/ 431 (29084).

(3)

إنما ذكره ابن عساكر في "التكملة" ص 161.

ص: 530

ومعنى {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا} : اذكر، وذكر ابن التين عن الفراء أن الثالث أرسل قبل الاثنين فيه

(1)

، وفي التلاوة كأنه أرسل بعدهما قال: ومعنى {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} فعززنا بتعليم الثالث، وفي قراءة ابن مسعود:(فعززنا بالثالث)، وقرأ عاصم (فعززنا) خفيفة. قال: وهذا مثل شدَّدنا وشَدَدنا، قال ابن التين: والمعروف في اللغة أن عززنا: قهرنا وغلبنا والمستقبل يعز بالضم.

قال الطبري: القراءة عندنا التشديد؛ لإجماع الحجة من القَرَأَةِ عليه ومعناه إذا شدد: فقوينا، وإذا خفف: فغلبنا وليس لغلبنا في هذا الموضع كبير معنى

(2)

.

وقوله: ({طَائِرُكُمْ}: مصائبكم)، وقال ابن عباس: الأرزاق والأقدار تتبعكم.

وأثر مجاهد أخرجه الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه، وفي رواية عنه: زدنا.

وأثر ابن عباس أخرجه الطبري أيضًا من حديث ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس، وعن كعب ووهب {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أي: أعمالكم

(3)

.

وورى الضحاك عن جويبر، عن ابن عباس يعني: شؤمكم معكم.

(1)

"معاني القرآن" للفراء 2/ 373.

(2)

"تفسير الطبري" 10/ 431.

(3)

"تفسير الطبري" 10/ 433 (29091).

ص: 531

‌43 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّاءَ (2)} إِلَى قَوْلِهِ: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 2 - 7]

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِثْلاً. يُقَالُ: {رَضِيًّا} : مَرْضِيًّا. {عِتِيًّا} : عَصِيًّا عتا يَعْتُو. {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَامٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {عِتِيًّا} قَوْلِهِ: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 8 - 10] يُقَالُ: صَحِيحًا، {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ} [مريم: 11]: فَأَشَارَ. إِلَى قَوْلِهِ: {يُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 12 - 15]{حَفِيًّا} [مريم: 47]: لَطِيفًا، {عَاقِرًا} [مريم: 8] الذَّكَرُ وَالأُنْثَى سَوَاءٌ.

3430 -

حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ:«ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا خَالَةٍ. قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا. فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّا ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ» . [انظر: 3207 - مسلم: 164 - فتح: 6/ 467]

ثم ذكر قطعة من حديث الإسراء من حديث أنس عن مالك بن صعصعة، فيه ذكر عيسى ويحيى في السماء الثانية وهما ابنا خالة، وقد سلف. وأثر ابن عباس رواه ابن اسحاق، عن يوسف بن مهران عنه.

وزكريا هو ابن آوي بن برخيا بن مسلم بن صدوق بن بخشان بن داود بن سليمان بن مسلم بن صديقة بن برخيا بن صفاينا بن ناحور بن

ص: 532

شلوم بن نهشافاط بن أسا بن رجيعم بن سليمان بن داود.

قال ابن إسحاق: كان زكريا وابنه آخر من بعث في بني إسرائيل من أنبيائهم، قال ابن إسحاق: عدت بنو إسرإئيل عليه ليقتلوه، فمر بشجرة، فانفلقت له، فدخل فيها، فاصطكت عليه، فأدركه الشيطان، فأخذ بهدبة ثوبه، فبرزت من ساق الشجرة، فلما جاءوا أراهم إبليس إياها، فوضعوا المنشار على الشجرة فنشروه حتى قطعوه من وسطه في جوفها.

قال: وبعض أهل العلم يقول: إن زكريا مات موتًا والذي فُعِلَ به ما ذكرنا هو أشعيا الذي كان قبل زكريا.

وأما يحيي فذكر عبد الله بن الزبير أن قتله كان بأمر بغي اسمها أزيل بنت إحاب، وكان ملكًا في بني إسرائيل أرادت أن يتزوجها أبوها، قال ابن إسحاق: وكان قتله قبل رفع عيسى وقبل قتل أبيه، وقتل بختنصر على دمه سبعين ألفًا، فلم يسكن حتى جاء الذي قتله، فقال: أنا قتلته، فقتله عليه فسكن.

فصل:

قال يونس: كان الحسن يرى أن يدعو الإمام في القنوت، ويؤمن من خلفه من غير رفع صوت، وتلا يونس:{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)} [مريم: 3].

وقوله: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} قال أبو صالح: الكلالة، وقال مجاهد: العصبة

(1)

، وقال أبو عبيدة: يعني: بني العم. قال: وقوله: {مِنْ وَرَائِي} أي: من قدامي

(2)

، وقال أهل التفسير: من بعدي.

(1)

رواهما الطبري في "تفسيره" 8/ 307 (23487)، (23488).

(2)

"مجاز القرآن" 2/ 1.

ص: 533

وقال سعيد بن العاصي: أملى على عثمان بن عفان (خفَّت الموالي) بتشديد الفاء وكسر التاء، وقال: معناه: قلَّت

(1)

.

وقوله: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} أي: لا تلد كأن بها عقرًا يمنعها من الولادة، وقوله:{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} قال أبو صالح: يكون نبيًّا كما كانوا أنبياء، قال مجاهد: كانت وراثته علمًا، وكان زكريا من آل يعقوب

(2)

.

وقال الحسن {يَرِثُنِي} أي: يرث مالي {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} النبوة، أنكره [أبو]

(3)

إسحاق وقال: يبعد أن يكون نبي يشفق أن يورث ماله لحديث: "إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا"

(4)

وما ذكره عن ابن عباس في قوله: {سَمِيًّا} : (مِثْلًا) روي عنه أيضًا: لم نُسَمِّ أحدًا قبله بيحيى.

وقوله: (عتا يعتو)، قال مجاهد: هو نحول العظم

(5)

، ويروى أن ابن مسعود قرأ (عتيا)، وقال: عتا يعتو، وعسا يعسو إذا بلغ النهاية -

(6)

في الشدة والكبر، قال قتادة: كان ابن بضع وسبعين سنه.

وأصل عتا يعتو بالواو فجعل بالياء؛ لاعتدال رءوس الآي، وقال

(1)

رواه أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" 4/ 467.

(2)

رواهما الطبري في "تفسيره" 8/ 308 (23490)، (23496).

(3)

في الأصل: ابن، والمثبت هو الصواب، وهو أبو إسحاق الزجاج، انظر "معاني القرآن" للنحاس 4/ 312.

(4)

سلف برقم (3093) كتاب: فرض الخمس، باب: فرض الخمس، ورواه مسلم برقم (1709) كتاب: الجهاد والسير، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا نورث .. ".

(5)

"تفسير مجاهد" 2/ 384.

(6)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 6 (1738)، ومن طريقه الطبري 8/ 311 (23518).

ص: 534

الجوهري: لما توالت ضمتان كسرت الثانية وانقلبت الواو ياء

(1)

.

وقوله: {سَوِيًّا} يقال: صحيحًا، قال عكرمة وقتادة والضحاك: أي من غير خرس

(2)

.

والمحراب قال أهل التفسير: كان موضعًا مرتفعًا وما ذكره في أوحى قاله قتادة

(3)

، وروي عن الضحاك قال: كتب لهم بذلك الوحي. ومعنى {سَبِّحُوا} : صلوا. {بِقُوَّةٍ} : بجد (وعون)

(4)

من الله.

وقوله: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} قال معمر: بلغنا أن الصبيان قالوا ليحيي وهو صبي: تعال نلعب فقال: ما للعب خلقنا

(5)

.

قال عكرمة: {الْحُكْمَ} : اللب، قال قتادة: كان ابن سنتين أو ثلاث.

{وَحَنَانًا} قال عكرمة: الرحمة

(6)

وأصله عند أهل اللغة من حنين الناقة {وَزَكَاةً} قال قتادة: العقل الزاكي الصالح

(7)

، وقال قتادة: الصدقة

(8)

.

وقوله: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} قال الحسن: لما لقي يحيى عيسى قال له

(1)

"الصحاح" 6/ 2418 مادة (عتا).

(2)

"تفسير عبد الرزاق" 2/ 6 (1740)، "تفسير الطبري" 8/ 312 (23528).

(3)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 6 (1743)، ومن طريقه الطبري 8/ 314 (23538).

(4)

من (ص).

(5)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 6 (1743)، والطبري في "تفسيره" 8/ 315 (23548).

(6)

رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 315 (23550).

(7)

رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 317 (23561) بلفظ: العمل الصالح.

(8)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 7 (1748).

ص: 535

يحيى: أنت خير مني قال له عيسى: بل أنت خير مني سلام الله عليك وسلمت على نفسي

(1)

.

وقيل: أم عيسى إذا لقيت أم يحيى وهما حاملتان بهما يسجد يحيى لعيسى في البطن.

ويقال: إن يحيي سأل عيسى أن يريه إبليس في الصورة التي خلقه الله فيها، فأراه إياه وقد غشي إبرته من رأسه إلى قدمه فقال: ما هذِه؟ قال: التي أصيب بها الناس، قال له: بالذي جعل عليك اللعنة هل أصبتني بشيء منها؟ فأومأ إليه إلى شيء عند ظفر من أصابع رجليه، قال: ما هذا؟ قال: أنت تصوم فإذا أفطرت حببتُ إليك الطعام فتثقل عن الصلاة، قال: والذي جعل عليك اللعنة لا أطعم شيئًا مما تعمل أيدي الناس فكان يأكل بقل البرية

(2)

.

ويقال: إنه يلقى الله بغير ذنب وفيه حديث

(3)

.

(1)

رواه عبد الرزاق في "تفسير" 2/ 6 (1742)، وأحمد في "الزهد" ص 96 - 97، والطبري 8/ 318 (23569)، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 473 وزاد عزوه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.

(2)

رواه أحمد في "الزهد" ص 96، والبيهقي في "الشعب" 5/ 41 (5700) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 64/ 203، عن ثابت البناني بنحوه

(3)

رواه أحمد 1/ 254، والحاكم 2/ 591 من حديث ابن عباس مرفوعًا: "ما من أحد من ولد آدم إلا قد أخطأ أو هم بخطيئة ليس يحيى بن زكريا

" وسكت عنه الحاكم، وقال الذهبي: إسناده جيد.

وقال الهيثمي في "المجمع" 8/ 209: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني وفيه: علي بن زيد، وضعفه الجمهور، وقد وثق، ورجال أحمد رجال الصحيح. اهـ. وروى الحاكم 2/ 373 من حديث عمرو بن العاص مرفوعًا:"كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا" وقال: صحيح على شرط =

ص: 536

وقوله: ({حَفِيًّا}: لطيفًا)، زاد غيره بارًّا أي: كان يجيبني إذا دعوته. وقيل: حفيت به: بالغت في إكرامي إياه والمعنى واحد.

= مسلم. وزاد السيوطي في "الدر" 4/ 473 عزوه إلى ابن إسحاق، وابن أبي حاتم.

وقد روي عن الحسن وابن المسيب مرسلاً، انظر "تفسير عبد الرزاق" 2/ 7، و"تفسير الطبري" 8/ 318، و"الدر المنثور" 4/ 473.

ص: 537

‌44 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)} [مريم: 16]

{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ} [آل عمران: 45]. وقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} إِلَى قَوْلِهِ {بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 33 - 37]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَآلُ عِمْرَانَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَآلِ يَاسِينَ، وَآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [آل عمران: 68] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَيُقَالُ: آلُ يَعْقُوبَ، أَهْلُ يَعْقُوبَ. فَإِذَا صَغَّرُوا آلَ ثُمَّ رَدُّوهُ إِلَى الأَصْلِ فقَالُوا: أُهَيْلٌ.

3431 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلاَّ يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ، غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا» . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ {وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36][انظر: 3286 - مسلم: 2366 - فتح: 6/ 469]

ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه السالف: "مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلاَّ يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا". الحديث.

ومريم هي بنت عمران بن ناشي بن أموز بن ينشي بن حزقيا بن أحرى بن عوزنا بن أمضيا بن ياوش بن يارم بن نهياشاط بن أسا بن رجيعم بن سليمان.

ص: 538

واختلف في نبوتها كما سلف وهي صديقة بنص القرآن، قال الحسن: ليس من الجن نبي ولا من النساء نبية، وقال ابن وهب وجماعة: إنها نبية.

ومعنى: {اصْطَفَى آدَمَ} آخره: اختارهم وهذا تمثيل؛ لأن الشيء الصافي هو النقي من الكدر وصفوة الله الأنقياء من الدنس {عَلَى الْعَالَمِينَ} أي: عالمي زمانهم، قاله المفسرون.

{مُحَرَّرًا} : خالصًا لله لا يشوبه شيء من أمر الدنيا، قاله مجاهد

(1)

وعكرمة، وقيل: معتقًا من خدمة أبويه بخدمة بيت الله.

(وآل إبراهيم): إبراهيم و (آل عمران): مريم وأختها أم يحيى وعيسي ويحيي، و (آل يعقوب) هو إسرائيل- بنو إسرائيل جميعًا. وقوله:{وَضَعْتُهَا أُنْثَى} قال ابن عباس: إنما قالت هذا لأنه لم يقبل في النذر إلا الذكور فقبل لله مريم.

{وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} في الكلام تقديم وتأخير حقيقته إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثي، قال الله:{وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} .

ومن ضم تاء (وضعتُ)

(2)

فالكلام عنده متسق لا تقديم فيه ولا تأخير

(3)

.

وقول البخاري: (وآل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد) ظاهره أن آل ياسين غير آل محمد، وقال ابن عُزير: من قرأ: (سلام

(1)

رواه الطبري 3/ 235 (6862)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 636 (3422).

(2)

قرأ بالضم عاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر، وقرأ باقي السبعة بالإسكان. انظر "الكوكب السري" ص 400، و"الحجة للقراء السبعة" 3/ 32، و"الكشف" لمكي 1/ 340.

(3)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 1/ 385 - 387.

ص: 539

على آل ياسين) أي: على آل محمد، ومن قرأ (إلياسين) قيل: هو إلياس وأهل دينه، وقيل: إلياس وإلياسين واحد مثل ميكال وميكائيل.

وقوله: (تصغيره أهيل) قال النحاس: ولذلك إذا كنيت لم تقل إلا أهله، وأنكر ذلك من قال: يجوز آله وأهله.

والرزق: فاكهة الشتاء في الصيف وعكسه.

وقوله: {أَنَّى لَكِ هَذَا} . قال أبو عبيدة: المعنى من أين لك، وأنكر ذلك عليه؛ لأن أين سؤال عن موضع، وأنى سؤال عن المذاهب والجهات، والمعنى: من أي الجهات والمذاهب لك هذا

(1)

.

(1)

"مجاز القرآن" 1/ 91، وانظر "معاني القرآن" للنحاس 1/ 389.

ص: 540

‌45 - باب: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ} إلى قوله {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 43 - 44]

يُقَالُ {يَكْفُلُ} يَضُمُّ، {وَكَفَّلَهَا} [آل عمران: 37]: ضَمَّهَا، مُخَفَّفَةً لَيْسَ مِنْ كَفَالَةِ الدُّيُونِ وَشِبْهِهَا.

3432 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ» . [3815 - مسلم: 2430 - فتح: 6/ 470]

معنى {وَطَهَّرَكِ} أي: من الدنس أو من الحيض {عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} قيل: أي عالمي زمانها وعلى جميع النساء بعيسي، فلم تلد من غير ذكر غيرها {اقْنُتِي}: هو القيام أو الطاعة {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} كان من شريعتهم كذلك، أو الواو لا ترتيب فيها.

{وَكَفَّلَهَا} معناه: قبلها وتحملها، وقال أبو عبيدة وأبو منصور {وَكَفَّلَهَا} مخففًا: ضمن المقام بها

(1)

، وهذا خلاف ما ذكره البخاري.

وقال ابن فارس نحو قوله في كفل به: إذا ضمه، وكفله إذا أعانه

(2)

.

وقال أبو منصور: {وَكَفَّلَهَا} مشددًا أي: كفل الله زكريا إياها.

(1)

"مجاز القرآن" 1/ 91، و"معاني القرآن" للنحاس 1/ 388

(2)

"مجمل اللغة" 3/ 787 مادة (كفل).

ص: 541

‌46 - باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ} [آل عمران: 45]

{يُبَشِّرُكِ} وَ (يَبْشُرُكِ) وَاحِدٌ.

{وَجِيهًا} [آل عمران: 40] شَرِيفًا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {الْمَسِيحُ} [آل عمران: 40]: الصِّدِّيقُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الكَهْلُ: الحَلِيمُ، وَالأَكْمَهُ: مَنْ يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ وَلَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَنْ يُولَدُ أَعْمَى.

3433 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ، كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» . [انظر: 4311 - مسلم: 2431 - فتح: 6/ 471]

3434 -

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ، أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ» . يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ: وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ. تَابَعَهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. [5082، 5365 - مسلم: 2527 - فتح: 6/ 472]

وأصل بشر: أظهرت في وجهه السرور، وفيه التشديد والتخفيف كما ذكره.

وفي تسمية عيسى بالكلمة أقوال:

أحدها: أنه لما قال الله: كن فكان، سماه بالكلمة فالمعنى قد كلمه الله، وقيل: سمي بها، كما يقال: عبد الله وألقاها على اللفظ.

ص: 542

وقيل: لما كانت الأنبياء بشرت به وأعلمت أنه يكون من غير فحل، وبشر الله به مريم في قوله:{لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم: 9]، فلما ولدته على تلك الصفة قال الله: هذِه كلمتي. كما تخبر بالشيء، فإذا كان قيل: هذا قولي. وقيل: سمي كلمة؛ لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بالكلمة.

وقوله: {وَجِيهًا} : شريفًا (الكهل) هو: الحليم، قاله مجاهد

(1)

كما نقله عنه البخاري، وأسنده عبد بن حميد من حديث ابن أبي نجيح عنه، زاد غيره وهو الذي تجاوز ثلاثين سنة، وقيل: أربعين سنة، وقيل: ابن ثلاث وثلاثين سنة.

وقال يزيد بن أبي حبيب: الكهل: منتهى الحلم

(2)

، والفائدة في قوله:{وَكَهْلًا} أنه أعلمها أنه يعيش إلى حينئذ، وقال ابن عباس: إذا أنزله الله أنزله ابن ثلاث وثلاثين سنة فيقول: إني عبد الله كما قال في المهد، وقال ابن فارس: الكهل: الرجل وَخَطَه الشيب

(3)

.

وقد أسلفنا في تسمية المسيح أقوالاً: الصدِّيق كما ذكره البخاري، عن إبراهيم، أو لحسنه، أو لأنه كان يقطع الأرض ويمسحها لسياحته في الأرض فتارة كان بالشام وتارة بمصر، (والمهامي)

(4)

والقفار، مفعل وعلى الأول فعيل، أو لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن، أو لأن زكريا مسحه، أو أنه اسم خصه الله به، أو لأنه كان لا أخمص

(1)

رواه الطبري في "التفسير" 3/ 271 (7070)، وابن أبي حاتم في "التفسير" 2/ 652 (3525)، ورواه أيضًا عبد بن حميد، وابن المنذر كما في "الدر المنثور" 2/ 46.

(2)

رواه ابن أبي حاتم 2/ 653 (3526).

(3)

"مجمل اللغة" 3/ 773 مادة (كهل).

(4)

في هامش الأصل: لعله: المهامة جمع: مهمة: المفازة أو الأرض البعيدة.

ص: 543

برجله، أو لأنه لا يمسح ذا عاهة إلا برئ، أو لأنه كان يلبس المسوح قاله الداودي، أو لأنه مسح بالبركة حين ولد، قال تعالى:{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31]، أو لأن الله تعالى مسح الذنوب عنه.

(والأكمه: من يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل) قاله مجاهد

(1)

، (وقال غيره: من يولد أعمى) ذكره البخاري

(2)

. وزاد الهروي: من عمي بعد الولادة. وقال الضحاك وابن فارس: إنه الأعمى

(3)

.

ذكر البخاري في الباب الأول (أحد عشر)

(4)

حديثًا وحديثين في الباب الثاني. أما الحديث الذي في الباب الأول فأخرجه من حديث النضر عن هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر، عن علي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة" وسيأتي في فضائل خديجة وأخرجه مسلم والترمذي وقال: حسن صحيح والنسائي

(5)

.

قال الدارقطني: رواه ابن جريج وابن إسحاق عن هشام، عن أبيه فقالا: عن عبد الله بن الزبير، عن عبد الله بن جعفر، عن علي،

(1)

رواه الطبري 3/ 275 (275)، (7083)، (7084)، وابن أبي حاتم 2/ 655 (3544).

(2)

في هامش الأصل: كذا قال شيخنا وإنما الذي ذكره البخاري عن من يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل وهذا هو الأعشى، وما ذكره البخاري، هو من أفراده فيما أعلم.

(3)

"مجمل اللغة" 3/ 770 مادة [كمه].

(4)

هكذا في الأصول، والباب الأول وهو باب:{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ} ذكر فيه البخاري حديثًا واحدًا، أما الباب الذي ذكر فيه أحد عشر حديثًا فهو باب:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} ، كما سيأتي.

(5)

مسلم (2430) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل خديجة رضي الله عنها، والترمذي (3877)، والنسائي في "الكبرى" 5/ 93 (8354).

ص: 544

والصواب حذفه

(1)

، وذكر ابن عبد البر أن ابن جريج رواه أيضًا بإسقاطه كالجماعة، قال الدارقطني: ورواه أيضًا (عبيد الله)

(2)

ومحمد ابنا المنذر بن عبيد الله بن المنذر بن الزبير، عن هشام، عن أبيه، عن ابن جعفر، وأغربا بحديث آخر بهذا السند لم يتابعهما غيرهما وهو أنه صلى الله عليه وسلم بشر خديجة ببيت من قصب اللؤلؤ. وقال حماد بن سلمة، عن هشام، عن أبيه أنه صلى الله عليه وسلم قال:"خير نسائها" فذكره مرسلًا

(3)

.

قلت: وله شواهد، فللنسائي من حديث علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:"أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية"

(4)

ولابن عبد البر من حديث موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:"سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم خديجة وفاطمة وآسية" وللترمذي من حديث معمر عن قتادة، عن أنس مرفوعًا:"حسبك من نساء العالمين مريم وخديجة وفاطمة وآسية"

(5)

وهذا الضمير عائد إلى غير مذكور، لكنه يفسره الحال والمشاهدة يعني به الدنيا، نبه عليه القرطبي. وفي رواية: وأشار وكيع إلى السماء والأرض، يريد الدنيا. كأنه يفسر ذلك الضمير، وهذا نحو حديث ابن عباس:"خير نساء العالمين مريم"

(6)

(1)

"علل الدارقطني" 3/ 116.

(2)

هكذا في الأصول، وفي "العلل": عبد الله.

(3)

"علل الدارقطني" 3/ 116 - 117.

(4)

رواه النسائي في "الكبرى" 5/ 93 (8355).

(5)

الترمذي (3878) وقال: هذا حديث صحيح.

(6)

حديث ابن عباس تقدم تخريجه بلفظ: "أفضل نساء أهل الجنة .. " ورواه أيضًا أحمد 1/ 293، والحاكم 3/ 185 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة.

ص: 545

ويشهد له قوله تعالى عن الملائكة: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ} الآية، وظاهره يقتضي أنها خير نساء العالمين من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة، قال: ويعتضد هذا الظاهر بأنها صديقة ونبية وهو أولى من قول من قال: إنها غير نبية، وإذا ثبت ذلك -ولم يسمع في الصحيح أن في النساء نبية غيرها- فهي أفضل من كل النساء الأولين والآخرين إذ النبي أفضل من الولي بالإجماع

(1)

.

قلت: كذا ادعى، وروى الحاكم في "مستدركه" من حديث ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن زر، عن حذيفة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك استأذن الله أن يسلم عليه لم ينزل قبلها قال: "فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة" ثم قال: تابعه

(2)

أبو مري

(3)

الأنصاري عن المنهال فذكره. ثم قال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه

(4)

.

ورَوى في فضائلها بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال على رضي الله عنه: لقد علمتم أني أخو النبي صلى الله عليه وسلم ووزيره، وأني أولكم إيمانًا، وأبو ولديه، وزوج ابنته سيدة ولده وسيدة نساء أهل الجنة. قال جعفر بن محمد: وكانت تسمى الصديقة.

والحديث الأول من الباب الثاني وهو حديث أبي موسى رضي الله عنه: "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام سلف قريبًا في باب {وَضَرَبَ الله مَثَلًا}

(1)

"المفهم" 6/ 314 - 315.

(2)

ورد بهامش الأصل: الحسن بن الحسين العرني، ثنا أبو مري الأنصاري كذا في "تلخيص المستدرك" للذهبي وأقره على تصحيحه.

(3)

ورد أعلى كلمة (مري): لعله في الأصل: (موسى)، وفي هامشه: لعله مري.

(4)

"المستدرك" 3/ 151.

ص: 546

والحديث الثاني ذكره معلقًا فقال: وقال ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نساء قريش خير نساء ركبن الإبل، أحناه على طفل وأرعاه على زوج في ذات يده" يقول أبو هريرة رضي الله عنه على إثر ذلك: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرًا قط. وهذا التعليق أسنده مسلم عن حرملة بن يحيي، عن ابن وهب

(1)

، ثم قال البخاري: تابعه ابن أخي الزهري، وإسحاق الكلبي عن الزهري.

زاد الإسماعيلي: وتابعه أيضًا معمر وصفوان بن عمرو.

وحديث معمر عند مسلم بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله قد كبرت ولي عيال فقال: "خير نساء"

(2)

.

وفي رواية عند عبد الرحمن بن مقرب التجيبي في كتابه "مناقب قريش": "أحناه على يتيم". وأخرجه البخاري في النفقات في موضعين والنكاح

(3)

.

واسم (ابن أخي الزهري) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، قتله غلمانه بأمر ابنه -وكان سفيها شاطرًا- للميراث في آخر خلافة أبي جعفر، ثم وثب الغلمان عليه بعد سنين فقتلوه.

وقال ابن أبي حاتم: إسحاق بن يحيى الكلبي الحمصي روى عن الزهري، وعنه يحيى بن صالح الوحاظي، سمعت أبي وأبا زرعة

(1)

مسلم (2527/ 201) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: من فضائل نساء قريش.

(2)

مسلم بعد حديث (2527/ 201).

(3)

سيأتي في النفقات في موضع واحد فقط برقم (5365) باب: حفظ المرأة زوجها فيَ ذات يده، وفي النكاح برقم (5082) باب: إلى من ينكح.

ص: 547

يقولان ذلك. زاد أبو زرعة يعد في الحمصيين

(1)

.

ومعنى: "أحناه على طفل": أشفقه، يقال: حنا عليه يحنو، وأحنى يحني وحنى يحني: إذا أشفق عليه وعطف، ومنه: حنت المرأة على ولدها تحنو إذا لم تتزوج بعد أبيهم. وفي بعض الكتب: (أحنَّاة) بتشديد النون والتنوين.

قال ابن التين: ولعله مأخوذ من الحنان وهي الرحمة، ومنه حنين المرأة: نزاعها إلا ولدها وإن لم يكن لها عند ذلك صوت، وقد يكون حنينها صوتها على ما جاء في الحديث من حنين الجذع

(2)

، والأصل فيه ترجيع الناقة صوتها على إثر ولدها.

فصل:

يؤخذ من قول أبي هريرة: (لم تركب مريم بعيرًا قط) ومن ذكر البخاري له في قصة مريم تفضيلها على خديجة وفاطمة؛ لأنهما من العرب المخصوصين بركوب الإبل، وقد سلف.

والحنو: الشفقة كما سبق. والرعاء: الحفظ، وإنما يأتي ذلك من الصلاح والخير.

(1)

"الجرح والتعديل" 2/ 237 (837).

(2)

حديث حنين الجذع سيأتي برقم (3583) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة، من حديث ابن عمر، وسلف برقم (2095) كتاب: البيوع، باب: النجار، من حديث جابر بن عبد الله.

ص: 548

‌47 - باب قَوْل الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} إلى: {وَكِيلاً} [النساء: 171]

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ {وَكَلِمَتُهُ} : كُنْ فَكَانَ، وَقَالَ غَيْرُهُ:{وَرُوحٌ مِنْهُ} : أَحْيَاهُ فَجَعَلَهُ رُوحًا {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ} .

3435 -

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ، عَنْ عُبَادَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ، أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ» . قَالَ الوَلِيدُ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، عَنْ عُمَيْرٍ عَنْ جُنَادَةَ وَزَادَ:«مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، أَيَّهَا شَاءَ» . [مسلم: 28 - فتح: 6/ 474]

ثم ساق حديث عَنْ عُبَادة رضي الله عنه، عَنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَاْلَ:"مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلله إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ، أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوخ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كانَ مِنَ العَمَلِ". قَالَ الوَلِيدُ: وَحَدَّثَنِي ابن جَابِرٍ، عَنْ عُمَيْرٍ عَنْ جنادة وَزَادَ:"مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، أَيُّهَا شَاءَ". مسلم في الإيمان. وهذا أسنده النسائي في التفسير

(1)

، وأخرجه الترمذي مختصرًا وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه

(2)

، وأخرجه النسائي في "اليوم والليلة"

(3)

.

(1)

"السنن الكبرى" 6/ 331 (11132).

(2)

الترمذي (2638)

(3)

"السنن الكبرى" 6/ 277 (10969)

ص: 549

و (ابن جابر) هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، أخو يزيد بن يزيد، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة.

قال الترمذي: روي عن الزهري أنه قال: كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض، قال: ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة وإن عذبوا بذنوبهم، فإنهم لا يخلدون في النار، وقد روي عن ابن مسعود وأبي ذر وعمران بن حصين وجابر وأبي سعيد وأنس مرفوعًا:"سيخرج من النار أهل التوحيد ويدخلون الجنة" وكذا روي عن سعيد بن جبير والنخعي وغير واحد من التابعين في تفسير هذِه الآية: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)} [الحجر: 2]، قالوا: إذا أخرج أهل التوحيد من النار وأدخلوا الجنة يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين

(1)

.

وذكر ابن العربي أن معناه أن يكون كافرًا فيؤمن ويموت قبل أن يذنب، أو يكون مذنبًا فيتوب، أو يقتل في سبيل الله تعالى، أو يقول إذا عُدَّت لاإله إلا الله في الوزن فلا يرجحها شيء -كما في حديث البطاقة

(2)

- قال: وليست توزن لكل أحد، وإنما توزن لمخصوص، أو يقول كما قال وهب: لا إلله إلا الله مفتاح له أسنان، إن جئت بمفتاح وأسنانه فتح لك وإلا فلا

(3)

، قال: وقول ابن شهاب لا وجه له وقول وهب صحيح

(4)

.

(1)

"سنن الترمذي" 5/ 24.

(2)

حديث البطاقة رواه الترمذي (2639)، وابن ماجه (4300)، وأحمد 2/ 213 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

(3)

سلف معلقًا أول كتاب الجنائز، باب: في الجنائز، ووصله البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 95، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 66.

(4)

"عارضة الأحوذي" 10/ 104 - 105.

ص: 550

قلت: تخصيصه بما ذكر ينازع فيه، وقول الزهري جميل منه.

فصل:

مقصود الحديث التنبيه على ما وقع للنصارى في عيسى وأمه، ويستفاد منه أيضًا ما يلقنه النصراني إذا أسلم، ولأصحابنا فيه تفصيل محله كتب الفروع، ولم يذكر في الحديث الإقرار بكتاب الله وملائكته وسائر أنبيائه، واكتفى بقوله:"وأن محمدًا عبده ورسوله". فإذا أقر برسالة محمد فقد أقر بجميع ما جاء به، وهو يشتمل على ذلك كله.

قال الداودي: ويعارضه: "وأن عيسى عبد الله ورسوله" إلى آخره، فذلك أيضًا يشتمل على الإقرار بمحمد ورسالته.

فصل:

قوله: ("من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء"). وفي الحديث السالف: "من كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان"

(1)

.

فأهل الإسلام جميعًا من أهل تلك الأعمال، فمن ترك شيئًا منها لم يدع من باب ذلك الشيء.

(1)

سلف برقم (1897) كتاب: الصوم، باب: الريان للصائمين. من حديث أبي هريرة.

ص: 551

‌48 - باب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [مريم: 16]

نَبَذْنَاهُ: -أَلْقَيْنَاهُ-: اعْتَزَلَتْ. {شَرْقِيًّا} [مريم: 16] مِمَّا يَلِي المشرق {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} : أَفْعَلْتُ مِنْ جِئْتُ، وَيُقَالُ: أَلْجَأَهَا: اضْطَرَّهَا. {تُسَاقِطْ} : تَسْقُطْ {قَصِيًّا} : قَاصِيًا {فَرِيًّا} : عَظِيمًا. وقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {نَسْيًا} لَمْ أَكُنْ شَيْئًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: النِّسْيُ: الحَقِيرُ. وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ: عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ حِينَ قَالَتْ: {إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} .

قَالَ وكيع: عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ:{سَرِيًّا} [مريم: 24]: نَهَرٌ صَغِيرٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ.

3436 -

حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيمَ، حَدثنا جَرِيرُ بْن حَازِم، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي المَهْدِ إِلّا ثَلَاثَة عِيسَى، وَكانَ فِي بَني إِسْرَائِيلَ رَجُل يُقَالُ لَهُ: جُرَيْجٌ، كانَ يُصَلِّي، جَاءتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ المُومِسَاتِ. وَكانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأة، وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأتتْ رَاعِيًا، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ. فَأَتَوْه فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ، وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى الغُلَامَ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ، قَالَ: الرَّاعِي. قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبِ. قَالَ: لَا، إِلَّا مِنْ طِينٍ. وَكانَتِ امْرَأة تُرْضِعُ ابنا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابني مِثْلَهُ. فَتَرَكَ ثَدْيَهَا، وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ اللَهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ -قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَمَصُّ إِصْبَعَهُ- ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابني مِثْلَ هذِه. فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ

ص: 552

اجْعَلْنِى مِثْلَهَا. فَقَالَتْ: لِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الجَبَابِرَةِ، وَهَذِهِ الأَمَةُ يَقُولُونَ: سَرَقْتِ زَنَيْتِ. وَلَمْ تَفْعَلْ». [انظر: 1206 - مسلم: 2550 - فتح: 6/ 476]

3437 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ.

حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: "لَقِيتُ مُوسَى -قَالَ فَنَعَتَهُ- فَإِذَا رَجُلٌ -حَسِبْتُهُ قَالَ:- مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ - قَالَ:- وَلَقِيتُ عِيسَى -فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:- رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ -يَعْنِي: الحَمَّامَ - وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ -قَالَ:- وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ، فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ. فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ الفِطْرَةَ -أَوْ أَصَبْتَ الفِطْرَةَ- أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ». [انظر: 3394 - مسلم: 168 - فتح: 6/ 476]

3438 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ

(1)

رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ عِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ، فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ، وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ» . [فتح: 6/ 477]

3439 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بَيْنَ ظَهْرَيِ النَّاسِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا إِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ» . [انظر: 3057 - مسلم: 169 - فتح: 6/ 477]

(1)

في هامش السلطانية: قوله عن مجاهد عن ابن عمر. هو هكذا عند كل من روى عن الفربري، قال أبو ذر: والصواب: ابن عباس بدل ابن عمر. انظر القسطلاني.

ص: 553

3440 -

"وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةِ فِي المَنَامِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعَرِ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وَهْوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلاً وَرَاءَهُ جَعْدًا قَطَطًا، أَعْوَرَ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: المَسِيحُ الدَّجَّالُ». تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ. [3441، 5902، 6999، 7026، 7128 - مسلم: 169 - فتح: 6/ 477]

3441 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَكِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَا وَاللهِ مَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعِيسَى: أَحْمَرُ، وَلَكِنْ قَالَ:«بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ، يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً -أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً- فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ عَيْنِهِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ. وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ» . قَالَ الزُّهْرِيُّ: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الجَاهِلِيَّةِ. [انظر: 3440 - مسلم: 169 - فتح: 6/ 477]

3442 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ -وَالأَنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلاَّتٍ- لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ» . [3443 - مسلم: 2365 - فتح: 6/ 477]

3443 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى عَمْرَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ» . [انظر: 3442 - مسلم: 2365 - فتح: 6/ 478]

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ: عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

ص: 554

3444 -

وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلاً يَسْرِقُ، فَقَالَ: لَهُ أَسَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلاَّ وَاللهِ الَّذِى لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ. فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي» . [مسلم: 2368 - فتح: 6/ 478]

3445 -

حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعَ عُمَرَ - رضى الله عنه - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» . [انظر: 2462 - مسلم: 1691 - فتح: 6/ 478]

3446 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ حَيٍّ، أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ قَالَ لِلشَّعْبِيِّ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَخْبَرَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَدَّبَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، كَانَ لَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا آمَنَ بِعِيسَى ثُمَّ آمَنَ بِي، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَالْعَبْدُ إِذَا اتَّقَى رَبَّهُ وَأَطَاعَ مَوَالِيَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ» . [انظر: 97 - مسلم: 154 - فتح: 6/ 478]

3447 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً -ثُمَّ قَرَأَ:- {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ: كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} إِلَى قَوْلِهِ {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 117 - 118]. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ: هُمُ الْمُرْتَدُّونَ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أَبِى بَكْرٍ، فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه. [انظر: 3349 - مسلم: 2860 - فتح: 6/ 478]

ص: 555

الشرح:

قول ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه ابن أبي زياد في "تفسيره" عنه. وما ذكره عن البراء أسقطه أبو مسعود والطرقي، وعزاه خلف والمزي إلى البخاري في التفسير عن يحيى، عن وكيع، عن إسرائيل بلفظ: نهر جدول من ماء

(1)

.

ورواه الحاكم في "مستدركه" عن المحبوبي حدثنا أحمد بن سيار، ثنا محمد بن كثير، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق بلفظ: الجدول: النهر الصغير. ثم قال: صحيح على شرط الشيخين

(2)

، وأخرجه ابن مردويه من حديث معاوية بن يحيى، عن أبي سنان عن أبي إسحاق، عن البراء، عن النبي في أنه قال:"السري: النهر" ثم ساقه من حديث آدم، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: السري: الجدول، وهو النهر الصغير. ثم ذكره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:"السري الذي قال الله عز وجل فيه: نهر أخرجه الله تعالى لها لتشرب منه"

(3)

.

وأخرج أيضًا من حديث الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب: بعث الله روح عيسى إلا مريم فحملته، قال: حملت بالذي ناطقها ودخل في فيها وهو روح عيسى

(4)

.

(1)

"تحفة الأشراف" 2/ 40 (1813).

(2)

"المستدرك" 2/ 373

(3)

انظر: "الدر المنثور" 4/ 483.

(4)

رواه الحاكم في "المستدرك"2/ 373، وقال: صحيح الإسناد. وأورده السيوطي في "الدر" 4/ 480 وعزاه لابن أبي حاتم، والحاكم، والبيهقي في "الأسماء والصفات".

ص: 556

ومن حديث المعتمر عن أبيه، عن الربيع بلفظ: لما أخذ العهد على الأرواح كان روح عيسى في تلك الأرواح، فأرسل الله ذلك الروح إلى مريم قال تعالى:{فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} قال: فحملت الذي خاطبها وهو روح عيسى، فدخل في فيها. ومن حديث محمد بن سابق، عن أبي جعفر عيسى بن ماهان، عن الربيع.

فصل:

يقال جلس نبذةً من الناس، ونبذة أي ناحية وهو إذا جلس قريبًا منك بحيث لو نبذت إليه شيئًا لوصل إليه. قيل: إنما قصدت مطلع الشمس لتغتسل من الحيض، وقيل: لتخلو من الناس بالعبادة.

وقوله في {فَأَجَاءَهَا} (أفعلت) بخط الدمياطي بفتح الهمزة وضم التاء، وقال ابن التين: ضبط بضم الهمزة وكسر العين، كأنه حكى أنها جيء بها، وبفتح الهمزة والعين وسكون التاء، وهو غير بين؛ لأنها لم تفعل وإنما فعل بها، ومثال (أجاءها) على التحقيق أفعلها.

وقوله: (يقال: ألجأها) هو قاله ابن عباس ومجاهد

(1)

، والأول هو قول الكسائي ومعناهما واحد؛ لأنه إذا ألجأها إلى الذهاب إلى جذع النخلة فقد جاء بها. وقرأ عاصم

(2)

(فاجأها) من المفاجأة.

وقوله: ({فَرِيًّا}: عظيمًا) هو قول مجاهد

(3)

.

وقال أبو عبيدة: عجيبًا

(4)

.

(1)

"تفسير مجاهد 1/ 380، ورواهما الطبري 8/ 323 (23099) عن مجاهد، (23600) عن ابن عباس، وانظر "الدر المنثور" 4/ 481.

(2)

في هامش الأصل: خارج السبعة.

(3)

"تفسير مجاهد" 1/ 386، ورواه الطبري في "تفسيره" 8/ 335 (23682).

(4)

"مجاز القرآن" 2/ 7.

ص: 557

وقال قطرب: بديع جديد لم يسبق إليه.

وقال سعيد بن مسعدة: أي مختلقًا.

وقوله: (النسي: الشيء الحقير)، وقيل: هو ما طال مكثه فنسي، وقال مجاهد وعكرمة: حيضة ملقاة

(1)

، وحكي عن العرب أنهم إذا أرادوا الرحيل عن منزل قالوا: احفظوا أنساءكم إلا نسيًا، جمع نسي، وهو الشيء الحقير، وقيل: هو ما سقط في منازل المرتحلين من رذال أمتعتهم.

وما ذكره عن أبي وائل، قال أبو إسحاق:{إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} فيسقط تعوذي بالله منك، وقيل:(إن) بمعنى (ما) أي ما كنت تقيًّا، وقيل: كان رجلاً مشهورًا بالفساد فاستعاذت بالرحمن منه.

وقول البراء أنه بالسريانية. أنكر قوم أن يكون في القرآن من السريانية أو غيرها إلا أن يريد أنه وافق لغة العرب. وقيل: السري: النهر، وهو عند العرب النهر الصغير، وحكى الدوادي عن الحسن أنه كان يقول: والله سريًّا يعني: عيسى، ثم رجع إلى أنه النهر.

وقوله: ({فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا}) قال ابن عباس: هو جبريل ولم يتكلم عيسى حتى أتت قومها

(2)

، وعنه فيما حكاه ابن أبي شيبة: ما تكلم عيسى إلا بالآيات التي تكلم بها حتى بلغ مبلغ الصبيان

(3)

.

(1)

أوردهما السيوطي في "الدر" 4/ 481، وعزا قول عكرمة لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وقول مجاهد لعبد بن حميد، وابن المنذر.

(2)

رواه الطبري 8/ 327 (23625)، وعزاه السيوطي في "الدر" 4/ 482 لابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 342 (31863).

ص: 558

ثم ذكر البخاري في الباب أحاديث

أحدها:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له: جريج" فذكر قصته بطولها، وقد سلف في المظالم إلا أنه أخصر من هذا

(1)

.

ولم يذكر هنا صاحب يوسف

(2)

، وذكره مرة أخرى.

والمومسات: الفواجر.

وقال بعض أهل الحديث: من استهلك شيئًا فعليه مثله وإن لم يكن يكال أو يوزن؛ لحديث جريج هذا لقوله: "لا، إلا من طين"، ولحديث الصحفة

(3)

، وهذان لا دليل فيهما؛ لأنه لم يذكر أن أحد الخصمين امتنع من هذا فجبر على هذا، وهو مذهب الأربعة.

والمشهور عن مالك القيمة، ودليله:"من أعتق شركًا له في عبد قُوِّم عليه قيمة عدل" الحديث

(4)

.

وسلف ذلك.

(1)

سلف برقم (2482) كتاب: المظالم، باب: إذا هدم حائطًا فليبن مثله.

(2)

ورد في هامش الأصل ما نصه: لعله صغير صاحبة الأخدود وهو في مسلم من حديث صهيب. وأما قوله: (صاحب يوسف) فصاحبه لا أعرفه إلا من قول ابن عباس فيما نقله القرطبي عنه. وقيل: كان ذا لحية. وقيل شاهده قميصه. وقوله: (مرة أخرى) أي الحديث المذكور في الأصل، لا قصة صاحب يوسف، والله أعلم.

(3)

سلف برقم (2481) كتاب: المظالم، باب: إذا كسر قصعة أو شيئًا لغيره، من حديث أنس.

(4)

سلف برقم (2522) كتاب: العتق، باب: إذا أعتق عبدًا بين اثنين، ورواه مسلم (1501) كتاب: العتق، من حديث ابن عمر.

ص: 559

وقوله: ("فمر بها رجل راكب ذو شارة")، أي: ذو حسن، كذا قال ابن خالويه، وقال: ذو ملبس وهيئة.

الحديث الثاني:

حديثه أيضًا: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به "لقيت موسى -قال: فنعته- فإذا رجل -حسبته قال:- مضطرب رجل الرأس .. " الحديث.

وقد سلف في الإسراء

(1)

. ومعنى "مضطرب" ضرب وهو النحيف الجسم، وهو يضاد قوله في إثر هذا:"جسيم" في حديث ابن عمر بعده، فليؤوَّل. وقوله فيه:"ربعة" هو بسكون الباء وفتحها: رجل بين رجلين.

الحديث الثالث:

حديث مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت عيسى وموسى وإبراهيم، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر، وأما موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجال الزط".

قال أبو مسعود الحافظ: أخطأ البخاري في قوله: (مجاهد عن ابن عمر)، وإنما رواه محمد بن كثير وإسحاق بن منصور السلولي وابن أبي زائدة ويحيى بن آدم وغيرهم عن إسرائيل عن عثمان، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد نبه أبو ذر في نسخته على ذلك، قاله أبو علي

(2)

. قال أبو ذر: ورواه أيضًا عثمان الدارمي عن ابن كثير، وتابعه نصر بن علي، عن أبي أحمد الزبيري عن (إسرائيل)

(3)

وكذلك

(1)

سلف برقم (3394) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} وسيأتي برقم (4709) كتاب: التفسير، باب: قوله تعالى {سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}

(2)

"تقييد المهمل" 2/ 658.

(3)

في الأصول: (إسماعيل)، وما أثبتناه هو الصواب.

ص: 560

رواه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن إسرائيل، عن عثمان، عن مجاهد، عن ابن عباس، وقد ذكر البخاري في الحج وقريبًا في قصة إبراهيم حديث مجاهد، عن ابن عباس في قصة موسى

(1)

، وذكره أبو نعيم من حديث عثمان، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ورواه أبو أحمد الزبيري عن إسرائيل عن عثمان، عن مجاهد، عن ابن عمر أن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وذكره الإسماعيلي من هذا الوجه بإسقاط ابن عمر.

فصل:

الزط: جنس من السودان طوال، قاله عياض

(2)

.

وقوله في صفة عيسى: "أحمر" وقال في الحديث الذي بعده: "آدم" والآدم: الأسمر. قال الدوادي: أثبته قول ابن عمر يعني الحديث الثاني والخامس أيضًا فإن (كلاهما)

(3)

من رواية ابن عمر يريد أنه آدم كما صوبه، وأنكر كونه أحمر.

الحديث الرابع:

حديث موسى بن (عقبة)

(4)

، عن نافع، قال عبد الله: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يومًا بين ظهراني الناس المسيح الدجال، فذكره. تابعه عبيد الله عن نافع.

(1)

سلف في الحج برقم (1555) باب: التلبية إذا انحدر في الوادي، وفي أحاديث الأنبياء، برقم (3355) باب: قول الله تعالى {وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} .

(2)

"مشارق الأنوار" 1/ 310.

(3)

عليها في الأصل: كذا، وفي الهامش: الجادة كليهما.

(4)

في الأصل: (موسى بن عبيد)، وهو خطأ، وإنما هو (موسى بن عقبة)، انظر "تحفة الأشراف" 6/ 237 (8464).

ص: 561

وأخرجه مسلم في الإيمان والقدر

(1)

.

الحديث الخامس:

حديث سالم عن أبيه قال: لا والله ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى: أحمر ولكن قال: "بينا أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر يهادى بين رجلين، فقلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم" الحديث.

وفيه ذكر الدجال وأقرب الناس به شبهًا ابن قطن، قال (الزهري)

(2)

: رجل من خزاعة هلك في الجاهلية.

الشرح:

شيخ البخاري في الحديث الثاني (أحمد بن محمد المكي) قال أبو نعيم: أراه الأزرقي. والمسيح عيسى عليه السلام أصله بسكون السين وفتح الياء على وزن مفعل فسكنت الياء ونقلت حركتها إلى السين وكسرت لاستثقالهم الكسرة على الياء كما نبه عليه ابن دحية. سمي مسيحًا؛ لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ، ولا ميتًا إلا حيي، فهو من أبنية أسماء الفاعلين مسيح بمعنى ماسح، أو الصديق كما قاله إبراهيم النخعي.

وقال أبو عبيد: أظن هذِه الكلمة مشيحا بالشين المعجمة فعربت، وكذا ينطق بها اليهود، وعن ابن عباس سمي مسيحًا؛ لأنه كان أمسح الرجل ليس لرجله أخمص، وقيل: لأنه خرج من بطن أمه كأنه ممسوخ بالدهن.

(1)

رواه مسلم (169) كتاب: الإيمان، باب: في ذكر المسيح ابن مريم .. ، وبعد حديث (2932) كتاب: الفتن، باب: ذكر الدجال ..

(2)

في الأصول: (زهير).

ص: 562

وقد سلف قريبًا بأكثر من هذا في باب قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} ومنها أنه لحسن وجهه، إذ المسيح في اللغة الجميل الوجه، وفي اللغة أيضًا: قطع الفضة وكذا كان أبيض مشربًا حمرة.

وأما المسيح الملعون فبالحاء على المشهور، وقيل: بالخاء المعجمة، قال القابسي: سمي بذلك؛ لأن عينه مسحت قال: ومن الناس من يكسر ميمه، ويثقل السين ليفرق بينه وبين عيسى، وحكى الأزهري: أنه مِسِّيح على فِعِّيل

(1)

فرقًا بينه وبين عيسى، وعن أبي عمر: منهم من قاله بالخاء المعجمة، قال: وذلك كله عند أهل العلم خطأ لا فرق بينهما

(2)

، كذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نطق به ونقله الصحابة المبلغون عنه وقالته العرب.

وفيه أقوال أخر، لأنه لا عين له ولا حاجب، أو لكذبه، أو خبثه وتمرده، أو لقبحه، أو لمسحه الأرض؛ لأن عيسى صلى الله عليه وسلم اختص بقطع بعض الأرض، وهذا يمسح جميع البلاد في أربعين يومًا إلا ما استثني، وقيل: لأن أحد شقي وجهه ممسوح، وهي أشوه الحالات.

فصل:

قال الهروي: في الحديث: "أما مسيح الضلالة فرجل"

(3)

قال: دل هذا الحديث على أن عيسى مسيح الهدى، والدجال مسيح الضلالة.

(1)

"تهذيب اللغة" 4/ 3389 مادة [مسح].

(2)

"التمهيد" 14/ 188.

(3)

رواه أحمد 2/ 291 من حديث أبي هريرة وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 346: رواه أحمد وفيه: المسعودي، وقد اختلط اهـ. وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في "المسند" 15/ 28 (7892)[ط شاكر]. =

ص: 563

فصل:

قوله: "تضرب لمته بين منكبيه" اللمة بكسر اللام الشعر إذا جاوز شحم الأذنين، سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين فإذا بلغت المنكبين فهي جمة، فإذا بلغت شحمة الأذنين فهي وفرة، قاله ابن فارس

(1)

. والسبط بسكون الباء وكسرها خلاف الجعد.

والقطط بفتح الطاء خلاف السبط، وهو الذي كان شعره كالزبيب كشعر السودان قاله الداودي، قال الهروي: والجعد في صفة الرجال يكون مدحًا وذمًّا فإذا كان مدحًا فله معنيان: أن يكون الخلق شديد الأسر، وأن يكون شعره جعدًا غير سبط لأن السبوطة في شعر العجم، والمذموم له معنيان القصير المتردد والبخيل.

و ("ينطف رأسه") قال الداودي: أي يقطر، قال: ومنه النطفة والذي عند اللغويين أن النطفة هو الماء الصافي.

فصل:

ابن قطن -بالقاف- هو عبد العزم ابن قطن بن عمرو بن حبيب بن سعيد بن عائذ بن مالك بن جذيمة -وهو المصطلق- بن سعيد بن عمرو بن لحي -وهو ربيعة- بن حارثة بن عمرو مزيقيا، أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد، وكانت عند الربيع بن عبد العزم ابن عبد شمس فولدت له أبا العاصي، ثم خلف عليها بعده أخوه ربيعة بن

= ورواه البزار كما في "كشف الأستار"(3384)، والطبراني 18/ 334 - 335 (857) من حديث الفلتان بن عاصم، وعزاه الهيثمي 7/ 348 للبزار، وقال: ورجاله ثقات اهـ. وعزاه الحافظ في الإصابة" 3/ 209 للبغوي، وابن السكن، وابن شاهين.

(1)

"مجمل اللغة" 3/ 790 مادة (لم).

ص: 564

عبد العزى، ثم خلف على هالة وهب بن عبيد بن جابر بن عتاب بن مالك بن حطيط بن جشم بن ثقيف فولدت له أولادًا منهم

(1)

قطن بن وهب، ثم خلف على هالة قطن بن عمرو بن حبيب بن سعيد بن عائذ بن مالك بن المصطلق فولدت له عبد العزى بن قطن.

وأم الربيع وربيعة ابني عبد العزى (بن عبد شمس أم المطاع بنت أسد بن عبد العزى)

(2)

بن قصي.

وكذلك أكثم بن أبي الجون الخزاعي قال له صلى الله عليه وسلم: "رفع لي الدجال فإذا هو رجل آدم جعد وأشبه من رأيت به أكثم بن أبي الجون"، فقال أكثم: يا رسول الله هل يضرني شبهي إياه؟ قال: "لا، أنت مسلم وهو كافر"

(3)

.

وقال ابن سعد: أكثم بن أبي الجون بن عبد العزى بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية بن كعب بن عمرو بن لحي

(4)

، وقال ابن منده في أكثم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شبهه بعمرو بن لحي لا بالدجال.

(1)

في الأصل، (ص 1):(منهن). وفي الأصل كتب فوقها: كذا، ثم علق في هامشه بقوله: صوابه: منهم.

(2)

من (ص 1).

(3)

أورده الحافظ في "الإصابة" 1/ 61 وعزاه لابن هشام الكلبي في "جمهرة الأنساب"، وقال: وظاهره يخالف ما تقدم اهـ. أي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شبهه بعمرو بن لحي.

وذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" 1/ 228 وقال: وهذا لا يصح في ذكره الدجال ههنا في قصة أكثم بن أبي الجون، وإنما يصح في ذلك ما قاله في عمرو بن لحي على ما تقدم لا في الدجال.

(4)

"الطبقات الكبرى" 4/ 292.

ص: 565

فصل:

قوله ("كأن عينه عنبة طافية")، أي: بارزة والعنبة الطافية: التي خرجت عن نظائرها في العنقود، وهو غير مهموز؛ لأنه من طفا يطفو إذا علا ولم يرسب، وقيل: طافئة انخسفت وذهب إطلاقها، فتكون من طفت النار، وهو على هذا مهموز.

الحديث السادس:

حديث الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:("أنا أولى الناس بعيسى بن مريم والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي").

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا.

الحديث السابع:

حدثنا محمد بن سنان، ثنا فليح بن سليمان، ثنا هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة الأنبياء أخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد".

وقال إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الشرح:

محمد بن سنان هو أبو بكر الباهلي البصري الأعمى، عرف بالعوقي لنزوله فيهم -وهو عوق بن الديل أخي أنمار ابني عمرو بن وديعة بن لكيز- مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين.

وفليح بن سليمان اسمه عبد الملك، وفليح لقب، مات سنة ثمان

ص: 566

وستين ومائة

(1)

.

وهلال بن علي بن أسامة بن ميمونة مات في آخر خلافة هشام.

وابن أبي (عمرة)

(2)

اسمه بشير بن عمرو

(3)

بن محصن بن عتيك بن عمرو بن مبذول بن عامر بن مالك بن النجار، قُتل بشير مع علي أيام صفين، له صحبة.

وإبراهيم بن طهمان مات (بمكة)

(4)

سنة ثلاث وستين ومائة على الأصح، كان من أئمة الإسلام، فيه إرجاء.

وتعليقه أخرجه الإسماعيلي عن أحمد بن حفص، والنسائي عن أحمد بن حفص، عن أبيه عنه

(5)

، وعبارة أبي نعيم ذكره عن إبراهيم مرسلاً، وهذا لا يسمى مرسلًا في الاصطلاح.

روى نعيم بن حماد في كتاب "الفتن" من حديث قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة:"وإن أولاهم بي عيسى وإنه نازل فيكم فاعرفوه رجل مربوع الخلق إلى البياض والحمرة"

(6)

.

فصل:

معنى أول بي: أخص وأقرب كقوله: "فلأولى عصبة"

(7)

أي أحق

(1)

في متن الأصل: مائتين. وكتب في هامشه: صوابه ومائة، وهذا حتما هو الغلط.

(2)

في الأصل: عمر. وبهامشه: صوابه ابن أبي عمرة، وهو عبد الرحمن بن أبي عمرة.

(3)

في الأصل: عمر، والمثبت من (ص 1) وهو الصواب، وانظر ترجمته في "الاستيعاب" 1/ 254 (201)، و"أسد الغابة" 1/ 234 (466).

(4)

من (ص 1).

(5)

النسائي 8/ 249، والمقصود به قوله في صلى الله عليه وسلم:"رأى عيسى ابن مريم رجلاً يسرق .. ".

(6)

"الفتن" 2/ 575 (1608) من طريق معمر، عن قتادة، عن أبي هريرة، مطولًا.

(7)

سيأتي برقم (6732) كتاب: الفرائض، باب: ميراث الولد، من حديث ابن عباس مرفوعًا بلفظ:"لأولى رجل ذكر".

ص: 567

وأقرب ولما لم يكن بينهما نبي كانا كأنهما في زمن واحد.

وأولاد العلات بفتح العين المهملة وتشديد اللام هم أولاد الرجل من نسوة شتى، سموا بذلك؛ لأنهم أولاد ضرائر والعلات الضرائر، وقيل: لأن التي تزوجها على الأولى كانت قبلها ثم عل من هذِه، والعلل الشرب الثاني يقال: علل بعد نهل.

وفي "التهذيب" هما أخوان من عَلَّة، وهما ابنا علة، وبنو علة وهم من علات، والعلة الرابة

(1)

.

قال في "المحكم": وجمع العَلَّة العلائل

(2)

، زاد في "التهذيب" الأخياف عكسهم، الأم واحدة والآباء مختلفون، وبنو الأعيان إخوة لأب وأم واحدة.

ومراد الحديث أن أصل دينهم واحد، وان كانت شرائعهم مختلفة وأزمانهم أيضًا، فهم أولاد علات من حيث إنهم لم يجمعهم زمن واحد كما لم يجمع أولاد العلات بطن واحد.

فإن قلت: قد ذُكر بعد عيسى أنبياء؟

قلتُ: لم يصح، وهذا الحديث أصح فالاعتماد عليه، وإن جوزنا وجود نبي بعد عيسى فهو كالتبع له والداعي إلى دينه لا ينقص شيئًا مما قرره، فليس هو بنبي ذي شرع متجدد.

وقوله: ("دينهم واحد") أي: التوحيد دون الفروع للاختلاف فيها، قال تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].

(1)

"تهذيب اللغة" 3/ 2552.

(2)

"المحكم" 1/ 46 مادة (علَّ).

ص: 568

الحديث الثامن:

حديث أبي هريرة أيضًا من طريق عطاء بن يسار، عنه ومن طريق همام عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"رأى عيسى ابن مريم رجلاً يسرق، فقال له: سرقت، قال: كلا والذي لا إله إلا هو. فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني".

هذا الحديث أخرجه مسلم بلفظ: "وكذبت نفسي" قال أبو نعيم: والأول مرسل. وهذا من المبالغة في تصديق الحالف، وليس كذبت عينُه حقيقةً ولم يهم. وقيل: أراد أنه صدقه في الحكم؛ لأنه لم يحكم بعلمه وفاقًا لمالك، وخلافًا للشافعي وعبد الملك وسحنون.

فإن قلت: أعلى اليقين المشاهدة، فكيف يقدم عليها قول زاعم؟

قلتُ: الناظر إلى الشيء (قد)

(1)

لا يثبت نظره، ولا يحصل له اليقين، أو يكون من المعاريض، وتقديره: كذبت عيني في غير هذا، لكن ظاهر قوله:(سرقت) خبر عما فعل من السرقة وأنه حقق السرقة عليه؛ لأنه رآه أخذ مالاً لغيره من حرز في خفية، ويحتمل أن يكون مستفهمًا له عن تحقيق ذلك فحذف همزة الاستفهام.

وقول الرجل لعيسى: ("كلا") أي: لا، نفى ذلك، ثم أكده بيمين.

وقول عيسى: ("آمنت بالله"): أي صدقت من حلف بالله وكذبت ما ظهر من ظاهر السرقة، فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ما له فيه حق، أو يكون صاحبه أذن له فيه، أو يحتمل أن يكون أخذه ليقلبه وينظر إليه. ويستفاد من هذا درء الحدود بالشبهات.

(1)

من (ص 1).

ص: 569

الحديث التاسع:

حديث ابن عباس عن عمر رضي الله عنه مرفوعًا: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله".

أخرجه الترمذي أيضًا في "شمائله"

(1)

.

والإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه. قال الخطابي: هو المدح بالباطل، وذلك أنهم دعوه ولدًا لله -تعالى الله عما يشركون- واتخذوه إلهًا، وذلك من إفراطهم في مدحه

(2)

.

وقال ابن فارس: أطريت فلانًا: مدحته بأحسن ما فيه

(3)

.

وهذا من هضمه نفسه، كقوله:"لا تفضلوني على يونس" وقد سلف ما فيه

(4)

.

الحديث العاشر:

حدثنا محمد بن مقاتل، أنا عبد الله، أنا صالح بن حي أن رجلاً من أهل خراسان قال للشعبي، فقال الشعبي أخبرني أبو بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله في صلى الله عليه وسلم: "إذا أدب الرجل أمته فأحسن تأديبها" الحديث.

سلف في العتق أيضًا من حديث صالح عن الشعبي أيضًا، وكذا في العلم والجهاد، ويأتي في النكاح

(5)

، وصالح بن صالح بن مسلم بن

(1)

" الشمائل المحمدية" ص 149 (331).

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1561.

(3)

"مجمل اللغة" 2/ 596 مادة (طري).

(4)

سلف في باب: قول الله تعالى {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} .

(5)

سلف في العتق برقم (2547) باب: العبد إذا أحسن عبادة ربه، وفي العلم برقم (97) باب: تعليم الرجل أمته، وفي الجهاد برقم (3011) باب: فضل من أسلم من أهل الكتابين، وسيأتي في النكاح برقم (5083) باب: اتخاذ السراري.

ص: 570

حيان يعرف بابن حيِّ الهمداني الثوري، والد علي والحسن ابني صالح، و (الشعبي) عامر بن شراحيل، و (أبو بردة) عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس بن سليم.

الحديث الحادي عشر:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحشرون حفاة غرلًا .. " الحديث.

سلف قريبًا في باب قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} ويأتي في التفسير

(1)

.

قال محمد بن يوسف الفربري: ذكر عن أبي عبد الله -يعني: البخاري- عن قبيصة قال: هم المرتدون الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه، وهذا التعليق أسنده الإسماعيلي، عن إبراهيم بن موسى الجرجاني، ثنا إسحاق، ثنا قبيصة بن عقبة، ثنا سفيان، ثنا المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس .. الحديث.

ص: 571

‌49 - باب نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه الصلاة والسلام

-

3448 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)} [النساء: 159]. [انظر: 2222 - مسلم: 155 - فتح: 6/ 490]

3449 -

حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ نَافِعٍ -مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ- أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ» . تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالأَوْزَاعِيُّ. [انظر: 2222 - مسلم: 155 - فتح: 6/ 491]

ذكر فيه حديث سعيد بن المسيب عن أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)} [النساء: 159].

وحديث نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ» . تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالأَوْزَاعِيُّ.

ص: 572

الشرح:

الحديث الثاني أخرجه مسلم

(1)

، وليس لنافع في البخاري ومسلم غيره.

الأول ذكره في البيوع إلى قوله: "لا يقبله أحد"، وكذا في أبواب الغصب

(2)

، وأخرجه مسلم في الإيمان عن حسن الحلواني وعبد بن حميد بن يعقوب، عن أبيه، عن صالح، عن الزهري، عن ابن المسيب به.

والبخاري رواه هنا عن إسحاق، عن يعقوب وهو

(3)

ابن إبراهيم، وكذا ذكره الجياني أن ابن السكن نسبه كذلك

(4)

.

وكذا رواه أبو نعيم عن أبي أحمد، ثنا عبد الله بن محمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم فذكره.

ومتابعة الأوزاعي رواها مسلم عن زهير بن حرب، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، ثنا الزهري، عن نافع به

(5)

.

وفي لفظ: "إمامًا مقسطًا"

(6)

، وفي لفظ:"حكمًا مقسطًا"

(7)

، وفي لفظ:"عادلًا، وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها أحد، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد"

(8)

، وفي لفظ: (فأَمَّكم

(1)

مسلم (155) كتاب: الإيمان، باب: نزول عيسى ابن مريم

(2)

سلف برقم (2476) كتاب: المظالم، باب: كسر الصليب وقتل الخنزير.

(3)

في هامش الأصل: حاشية: يعني إسحاق.

(4)

"تقييد المهمل" 3/ 963.

(5)

مسلم (155/ 246) كتاب: الإيمان، باب: نزول عيسى

(6)

مسلم (155/ 242) كتاب: الإيمان، باب: نزول عيسى

(7)

سلف برقم (2222)، (2476)، مسلم (155/ 242).

(8)

مسلم (155/ 243).

ص: 573

منكم)

(1)

، قال ابن أبي ذئب: يعني: يأمكم بكتاب الله ربكم، وسنة نبيكم

(2)

. وفي لفظ: "يقول له الإمام: صل بنا فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء"

(3)

. وفي رواية للطبراني في أوسط معاجمه، زيادة:"يقتل الخنزير والقرد"، ثم قال: لم يروه عن روح يعني، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا إلا محمد بن سميع

(4)

.

وفي لفظ لنعيم بن حماد في كتاب "الفتن" من حديث ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد:"يوشك أن ينزل فيهم"

(5)

. وفيه عن كعب: يحاصر الدجال المؤمنين ببيت المقدس، فيصيبهم جوع شديد حتى يأكلوا أوتار قسيهم فبينا هم على ذلك إذ سمعوا صوتًا في الغلس فينظرون فإذا عيسى، وتقام الصلاة، فيرجع إمام المسلمين، فيقول عيسى: تقدم فلك أقيمت الصلاة، فيصلي بهم ذلك الرجل تلك الصلاة ثم يكون عيسى الإمام بعد

(6)

.

وفي لفظ: ينزل عند القنطرة البيضاء على باب دمشق الشرقي تحمله غمامة واضعًا يديه على منكبي ملكين عليه ريطتان إذا أكب رأسه قطر منه كالجمان فيأتيه اليهود فيقولون: نحن أصحابك فيقول: كذبتم - والنصارى كذلك- إنما أصحابي المهاجرون بقية أصحاب الملحمة،

(1)

في الأصل: (وإمامكم منكم).

(2)

مسلم (155/ 246).

(3)

رواه أحمد 3/ 384، وابن أبي شيبة 7/ 491 (37467)، والطبراني في "الكبير" 9/ 60 (8392)، والحاكم 4/ 478.

(4)

"الأوسط" 2/ 89 (1342).

(5)

"الفتن" 2/ 576 (1611).

(6)

"الفتن" 2/ 577 (1613).

ص: 574

فيجد خليفتهم يصلي بهم فيتأخر فيقول له: صل فقد رضي الله عنك فإني إنما بعثت وزيرًا ولم أبعث أميرًا

(1)

. قال: وبخروجه تنقطع الإمارة

(2)

.

وفيه من حديث أبي أمامة مرفوعًا: "وإمام المسلمين يومئذ رجل صالح فيقال له: صل الصبح فإذا كبر ودخل فيها نزل عيسى فإذا رآه ذلك الرجل عرفه فرجع يمشي القهقرى فيضع عيسى يده بين كتفيه ويقول: صل ويصلي وراءه"

(3)

.

ومن حديث أبي هريرة: "وتضع الحرب أوزارها وينزل بين أذانين"

(4)

وعن ابن عمرو مرفوعًا: "المحاصرون ببيت المقدس إذ ذاك مائة ألف امرأة واثنان وعشرون ألف مقاتل إذ غشيتهم ضبابة من غمام إذ تكشفت عنهم مع الصبح فإذا عيسى بين ظهرانيهم". وفيه: "وتبتز قريشًا الإمارة وتكون الأرض كفاثورة الفضة"

(5)

.

قال (نعيم)

(6)

حدثنا أبو حيوة وأبو أيوب، عن أرطأة، عن عبد الرحمن بن جبير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليدركن ابن مريم رجال من أمتي هم مثلكم أو خيرهم مثلكم"

(7)

وحدثنا أبو عمر

(8)

عن ابن لهيعة، عن عبد الوهاب بن حسين، عن محمد بن ثابت، عن أبيه، عن الحارث، عن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغ الدجال عقبة

(1)

"الفتن" 2/ 567 - 568 (1590).

(2)

"الفتن"2/ 569 (1592).

(3)

"الفتن" 2/ 566 (1589).

(4)

"الفتن" 2/ 569 (1594).

(5)

"الفتن" 2/ 570 (1595) وفيه "ثمانية آلاف امرأة واثنا عشر ألف مقاتل".

(6)

في الأصول: (أبو نعيم)، والصواب ما أثبتناه، وهو نعيم بن حماد صاحب "الفتن".

(7)

"الفتن" 2/ 571 (1597).

(8)

في الأصل: ابن أبي عمر، والمثبت من (ص 1)، وكتاب "الفتن".

ص: 575

أفيق وقع ظله. على المسلمين فيوترون قسيهم لقتاله فيسمعون نداءً: أتاكم الغوث ثلاثًا وتشرق الأرض بنور ربها فيقولون عيسى ورب الكعبة، فيوافقدنه وقد نزل على باب لد فإذا نظر الدجال إلى عيسى قال: يا نبي الله قد أقيمت الصلاة فيقول عيسى: يا عدو الله أقيمت لك فتقدم فصل فإذا تقدم يصلي قال: يا عدو الله زعمت أنك رب العالمين فلم تصلي؟ ويضربه بمقرعة معه فيقتله"

(1)

.

ومن حديث صفوان عمن حدثه، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"جيئة عيسى هذِه الأخيرة ليست كجيئته الأول تلقى عليه مهابة الموت يمسح وجوه رجال ويبشرهم بدرجات الجنة"

(2)

ومن حديث رجل من الأنصار، عن بعض الصحابة مرفوعًا:"يحاصرهم الدجال في جبل من جبال الشام إذ أخذتهم ظلمة شديدة لا يبصر امرؤ فيها كفه فينزل ابن مريم فيحسر عن أبصارهم فإذا بين أظهرهم رجل عليه لأمته فيقولون: من أنت يا عبد الله فيقول: أنا عبد الله ورسوله وروحه وكلمته عيسى ابن مريم اختاروا واحدة من ثلاث أن يبعث الله تعالى على الدجال وجنوده عذابًا من السماء، أو يخسف بهم الأرض، أو يسلط عليهم سلاحكم ويكف سلاحهم عنكم، فقالوا: يا رسول الله هذا أشفى لنفوسنا" الحديث

(3)

.

وعن كعب: يقيم عيسى أربعًا وعشرين سنة، منها عشر حجج يبشر المؤمنين بدرجاتهم في الجنة

(4)

وفي لفظ: يقيم أربعين سنة

(5)

.

(1)

"الفتن" 2/ 572 (1601).

(2)

"الفتن" 2/ 569 (1593).

(3)

"الفتن" 2/ 573 - 574 (1602).

(4)

"الفتن" 2/ 578 (1615).

(5)

"الفتن" 2/ 580 (1624).

ص: 576

وعن ابن عباس: يتزوج إلا قوم شعيب وهو ختن موسى وهم جذام فيولد له فيهم ويقيم تسعة عشر سنة، لا يكون أمير ولا شرطي ولا ملك

(1)

.

وعن يزيد بن أبي حبيب: يتزوج امرأة من الأزد ليعلم الناسُ أنه ليس بإله. قال نعيم: حدثنا عيسى بن يونس، عن هشام، عن صاحب لأبي هريرة، عنه رضي الله عنه مرفوعًا: "ينزل عيسى فيمكث في الأرض أربعين سنة

(2)

ثم رواه عنه موقوفاً كذلك: لو قال للبطحاء سيلي عسلًا (لسالت)

(3)

عسلًا

(4)

ورفعه الطيالسي في "مسنده" من حديث هشام، عن قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عنه

(5)

.

وعن أرطأة: يمكث عيسى بعد الدجال ثلاثين سنة كل سنة منها يأتي مكة فيصلي فيها

(6)

.

وفي "البعث" للبيهقي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "يمكث عيسى فيهم أربعين" لا أدري أربعين يومًا أو شهرًا أو عامًا.

وللطبراني مرفوعًا: "ألا من أدرك منكم عيسى فليقرأ عليه السلام". قال أبو هريرة: إني لأرجو (أن أكون)

(7)

أول من أقرأه السلام من أبي القاسم وآكل من جفنته

(8)

.

(1)

"الفتن" 578/ 2 (1616) عن سليمان بن عيسى بلاغًا.

(2)

"الفتن" 2/ 580 (1622).

(3)

في الأصل: سالت، وفي (ص 1): فسالت، والمثبت من كتاب "الفتن".

(4)

"الفتن" 2/ 580 (1623).

(5)

"مسند الطيالسي" 4/ 273 - 274 (2664).

(6)

"الفتن" 2/ 581 (1625).

(7)

من (ص 1).

(8)

رواه الطبراني في "الأوسط" 5/ 141 - 142 (4898).

ص: 577

وللقرطبي

(1)

مرفوعًا: "ينزل عيسى بثلاثمائة رجل وأربعمائة امرأة كصلحاء من مضى، ويتزوج ويولد له، ويمكث خمسة وأربعين سنة، ويدفن معي في قبري"

(2)

. وأغرب من قال: يدفن بالأرض المقدسة.

وفي حديث عبد الله بن عمرو: "يمكث في الأرض سبعًا ويولد له ولدان محمد وموسى".

فصل:

وليس في أيامه إمام ولا قاض ولا مفت، قد قبض الله العلم وخلا الناس عنه، فينزل وقد علم بأمر الله في السماء ما يحتاج إليه من علم هذِه الشريعة؛ للحكم بين الناس أو (العمل)

(3)

فيه في نفسه، فيجتمع المؤمنون ويحكمونه على أنفسهم إذ لا يصلح لذلك غيره.

وقد ذهب قوم إلى أن بنزوله يرتفع التكليف؛ لئلا يكون رسولاً إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم وينهاهم، وهو مردود -كما قال القرطبي

(4)

- لأنه لا ينزل بشريعة متجددة غير شريعة نبينا إنما يكون من أتباعه

(5)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "لو كان موسى" وفي لفظ: "عيسى حيين ما وسعهما إلا اتباعي"

(6)

؛ ولما أسلفناه من قول عيسى عن نفسه.

(1)

هو أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المالكي صاحب التفسير، توفي سنة إحدى وسبعين وستمائة، انظر "شذرات الذهب" 5/ 335.

(2)

"التذكرة" ص 762 عن أبي هريرة مرفوعًا.

(3)

من (ص 1).

(4)

هو أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي المتوفي سنة ستة وخمسين وستمائة. انظر "شذرات الذهب" 5/ 273 - 274.

(5)

"المفهم" 1/ 371.

(6)

رواه أحمد 3/ 338، والدارمي 1/ 403 (449)، وأبو يعلى 4/ 102 (2135)، من حديث جابر بن عبد الله، وليس فيه ذكر عيسى.

ص: 578

فصل:

حكمة نزوله دون سائر الأنبياء من أوجه:

أحدها: تكذيب اليهود في دعواهم قتله وإلاهيته، فيتزوج ويموت.

ثانيها: لدنو أجله إذ الترابي لا يدفن إلا فيها؛ عملًا بقوله: {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55].

ثالثها: لإظهار معجزة نبينا حيث أخبر بنزوله عن الله.

رابعها: لما وجد في الإنجيل صفة (أمة)

(1)

محمد حسب ما قال تعالى: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} [الفتح: 29] دعا ربه أن يجعله منهم، فأجاب دعاءه ورفعه وأنزله آخر الزمان مجددًا؛ لما درس من دينه، وقتله للدجال من إقامة هذِه الشريعة في إظهار الجهاد.

فصل:

معنى ("يوشكن") يقربن.

وفيه: حلف الصادق؛ ليؤكد قوله.

وقوله: ("ويقتل الخنزير") ظاهره فعل ذلك، وقال ابن التين: أي يحرم اقتناءه وأكله، وفيه دلالة على نجاسة عينه وأن سؤره محرم إذ الطاهر المنتفع به لا يؤمر بقتله وإتلافه. نبه عليه الخطابي

(2)

والبيهقي، وترجم عليه في "سننه": الدليل على أنه أسوأ حالاً من الكلب

(3)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1562.

(3)

"السنن الكبرى" 1/ 244.

ص: 579

ومعنى: ("يضع الجزية") أي لا يقبل من أهل الكتاب إلا الإسلام، فيصير الدين واحدًا، ولا يقبل من ذمي جزية استغناء عنها، وقيل: يقتل أهل الذمة جميعًا، فلا يبقى من يؤدي جزية، وهو نحو الأول، وفي بعض الروايات:"ويضع الحرب" وهو راجع إلا هذا، فتصير الأديان واحدًا، ومعنى فيض المال أن مصرف الجزية يكون إليه فتوضع استغناء عنها، وقد جاء:"يفيض المال حتى لا يقبله أحد".

فصل:

قوله: ("حتى تكون السجدة"

(1)

) إلى آخره. كأنه يشير إلى صلاح الناس، وإقبالهم على الخير، فهم كذلك يؤثرون الركعة على الدنيا، ولذلك قرأ أبو هريرة ما قرأ. قاله ابن الجوزي.

وقال القرطبي: معناه أن الصلاة حينئذ تكون أفضل من الصدقة، لعدم الانتفاع بالمال يوم ذاك وأهل الحجاز يسمون الركعة: سجدة

(2)

.

وقوله: ("وإمامكم منكم")، يريد أن محمدًا خاتم النبيين، وشريعته متصلة إلى يوم القيامة حصل في كل قرن منهم طائفة من أهل العلم.

فصل:

قال ابن الجوزي: ولو تقدم عيسى صلى الله عليه وسلم وصلى لوقع في النفوس إشكال، ولقالت: أتراه قدم نبيًّا أو مبتدئًا شرعًا؟! فصلى مأمومًا؛ لئلا يتدنس بغبار الشهوة وجهُ قوله: "لا نبي بعدي"

(3)

.

(1)

في الأصل: الواحدة. وعلم عليها (لا. إلى).

(2)

"المفهم" 1/ 371.

(3)

سيأتي برقم (4416) كتاب: المغازي، باب: غزوة تبوك، ورواه مسلم (2404) كتاب:"فضائل الصحابة" باب: من فضائل علي

، من حديث سعد بن أبي وقاص.

ص: 580

فصل:

قول أبي هريرة رضي الله عنه: واقرأوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} يفهم منه أن من أهل الكتاب من يؤمن بعيسى قبل موته بعد نزوله إلى الأرض، وقد بينه أبو هريرة رضي الله عنه في غير هذا الموضع، فقال: قبل موت عيسى

(1)

.

وقيل: إلا ليؤمنن بمحمد قبل موت محمد

(2)

، ورجح الأول بأن محمدًا لم يجر له ذكر فتصرف الهاء إليه، وإنما ذلك في سياق ذكر عيسى.

(1)

رواه أحمد 2/ 290.

(2)

ورد في هامش الأصل ما نصه: وهما قولان للناس. والله أعلم.

ص: 581

بسم الله الرحمن الرحيم

‌50 - باب مَا ذُكِرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ

3450 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو لِحُذَيْفَةَ: أَلَا تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ مَعَ الدَّجَّالِ إِذَا خَرَجَ مَاءً وَنَارًا، فَأَمَّا الَّذِى يَرَى النَّاسُ أَنَّهَا النَّارُ فَمَاءٌ بَارِدٌ، وَأَمَّا الذِي يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ فَنَارٌ تُحْرِقُ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَى أَنَّهَا نَارٌ، فَإِنَّهُ عَذْبٌ بَارِدٌ» . [7130 - مسلم: 2934 - فتح: 6/ 494]

3451 -

قَالَ حُذَيْفَةُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ رَجُلاً كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَتَاهُ الْمَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ، قِيلَ لَهُ: انْظُرْ. قَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئًا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا وَأُجَازِيهِمْ، فَأُنْظِرُ المُوسِرَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ المُعْسِرِ. فَأَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ» . [انظر: 2077 - مسلم: 1560 - فتح: 6/ 494]

3452 -

فَقَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ المَوْتُ، فَلَمَّا يَئِسَ مِنَ الحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ إِذَا أَنَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا وَأَوْقِدُوا فِيهِ نَارًا حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي، وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي، فَامْتَحَشْتُ، فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا، ثُمَّ انْظُرُوا يَوْمًا رَاحًا فَاذْرُوهُ فِي اليَمِّ. فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ فَقَالَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ مِنْ خَشْيَتِكَ. فَغَفَرَ اللهُ لَهُ» .

قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو: وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَاكَ، وَكَانَ نَبَّاشًا. [3479، 6480 - مسلم: 6480 - فتح: 6/ 494]

3453، 3454 - حَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عَائِشَةَ وَابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ

ص: 582

وَهْوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» . يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. [انظر: 435، 436 - مسلم: 531 - فتح: 6/ 494]

3455 -

حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ" قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ». [مسلم: 1842 - فتح: 6/ 495]

3456 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ» . قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ:«فَمَنْ؟!» . [7320 - مسلم: 2669 - فتح: 6/ 495]

3457 -

حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ. [انظر: 630 - مسلم: 378 - فتح: 6/ 495]

3458 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ وَتَقُولُ: إِنَّ اليَهُودَ تَفْعَلُهُ. تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ. [فتح: 6/ 495]

3459 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلَا مِنَ الأُمَمِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ العَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ اليَهُودُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ

ص: 583

النَّصَارَى مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ العَصْرِ، عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِى مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ؟ أَلَا فَأَنْتُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، أَلَا لَكُمُ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ، فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ عَطَاءً، قَالَ اللهُ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا لَا. قَالَ: فَإِنَّهُ فَضْلِي أُعْطِيهِ مَنْ شِئْتُ». [انظر: 557 - فتح: 6/ 495]

3460 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ - رضى الله عنه - يَقُولُ: قَاتَلَ اللهُ فُلَانًا، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا؟» .

تَابَعَهُ جَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2223 - مسلم: 1582 - فتح: 6/ 496]

3461 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» . [فتح: 6/ 496]

3462 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ» . [5899 - مسلم: 2103 - فتح: 6/ 496]

3463 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِي هَذَا المَسْجِدِ، وَمَا نَسِينَا مُنْذُ حَدَّثَنَا، وَمَا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ جُنْدُبٌ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ» . [انظر: 1364 - مسلم: 113 - فتح: 6/ 496]

ص: 584

ذكر فيه ستة عشر حديثًا:

أحدها: وهو يجمع ثلاثة أحاديث:

أخرجه من حديث أبي عوانة عن عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ رِبْعِيِّ قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو لِحُذَيْفَةَ: أَلَا تُحَدِّثنا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: "إِنَّ مَعَ الدَّجَّالِ إِذَا خَرَجَ مَاءً وَنَارًا، فَأَمّا الذِي يَرى النَّاسُ أَنَّهَا النَّارُ فَمَاءٌ بَارِدٌ، وَأَمَّا الذِي يَرى النَّاسُ أَنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ فَنَار تُحْرِقُ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الذِي يَرى أَنَّهَا النَار، فَإِنَّهُ عَذْبٌ بَارِدٌ".

قَالَ حُذَيْفَةُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَتَاهُ المَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ؟ .. فذكره، وفيه: "وَأتَجَاوَزُ عَنِ المُعْسِرِ".

فَقَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ المَوْتُ .. " الحديث.

وفيه: "فَاذْرُوهُ فِي اليَمِّ"، وفي آخره: قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو: وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلكَ، وَكَانَ نَبَّاشًا.

إذا علمت ذلك فالكلام عليها من وجوه:

أحدها:

قول عقبة: (وأنا سمعته) ينبغي أن يعود على الأحاديث الثلاثة، وقد صرح بذلك البخاري في الاستقراض

(1)

في الحديث الثاني، وفي كتاب الفتن

(2)

في الثالث، ويأتي الثالث في الغار

(3)

والرقاق

(4)

.

(1)

سلف برقم (2391) باب حسن التقاضي.

(2)

سيأتي برقم (7130) باب ذكر الدجال. والذي ذكره المصنف في الفتن الحديث الأول وليس الثالث.

(3)

سيأتي برقم (3479).

(4)

سيأتي برقم (6480) باب الخوف من الله.

ص: 585

وخرّج البخاري الأخير من حديث أبي سعيد وأبي هريرة

(1)

رضي الله عنهما وفي رواية: "لعلي أضلُّ الله"

(2)

.

ثانيها:

اعترض بعضهم فقال: "مدخل لهذِه الأحاديث في الترجمة، فأخطأ، فإن الثاني والثالث ظاهر فيه.

واعلم أن البخاري رواه عن موسى بن إسماعيل، عن أبي عوانة، وهو الصواب كما قال أبو ذر، لا كما وقع في بعض نسخه: حدثنا مسدد

(3)

. ووقع في كلام الجياني: أنه ساقه أولاً بكماله عن مسدد ثم ساق الخلاف في لفظة من المتن عن موسى

(4)

، والذي رأيناه في الأصول ما ذكرناه سياقة واحدة لا كما قاله، فتنبه له.

ثالثها:

الرجل في الحديث الثالث لم يكن منكرًا للبعث وإنما هو جاهل وظن أن هذا ينفعه. يدل عليه قوله آخره: "من خشيتك فغفر الله له"، وقيل: إنه كان في زمن الفترة حكاه الخطابي

(5)

، وذكر ابن قتيبة في كتابه "مختلف الحديث" أن بعضهم قال: إن هذا الحديث يبطله القرآن لأن هذا الرجل كافر والله لا يغفر لكافر، ونحن نقول: إن قوله: "أضل الله" بمعنى أفوت الله، قال تعالى {لَا يَضِلُّ رَبِّي

(1)

حديث أبي سعيد سيأتي برقم (3478) أما حديث أبي هريرة سيأتي برقم (3481).

(2)

رواها أحمد 4/ 447 عن أبي قزعة عن حكيم بن معاوية عن أبيه. قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 320: رجال أحمد ثقات.

(3)

انظر هامش اليونينية 4/ 176 رقم (3479) ط دار طوق النجاه.

(4)

"تقييد المهمل وتمييز المشكل" 2/ 659 - 660.

(5)

"أعلام الحديث" 3/ 1565.

ص: 586

وَلَا يَنسَى} أي: لا يفوت ربي، وهذا رجل مؤمن بالله مقر به خائف منه، إلا أنه جهل صفة من صفاته فغفر الله له بمعرفته ومخافته من عذابه، وقد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين ولا يحكم عليهم بالنار

(1)

.

وقال ابن الجوزي: جهله صفة من صفات الله كفر إلا أنه كان يغتفر في ذلك الزمان، إلى أن نزل قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} ، أو يحمل على أنه من شدة جزعه وخوفه قال هذا كما قال ذلك الرجل:"اللهم أنت عبدي وأنا ربك"

(2)

.

قلت: جاء في رواية

(3)

: "إن قدر"

(4)

بمعنى: ضيق قال تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أي: ضيق وهو موضح لما تقدم.

قال ابن الجوزي: أو يكون (قدر) بمعنا: قدر -مشددة- في سابق علمه أن يعذبني ليعذبني، ذلك أو يحمل على أنه مثبت للصانع لم تبلغه دعوة الأنبياء فلا يؤاخذ بذلك، وأجاب ابن عقيل من الحنابلة -بعد أن أبدى سؤالًا-: أن هذا إخبار عما سيجري له في القيامة.

رابعها:

وقع هنا أنه يخرج معه الماء والنار، وفي حديث آخر الجنة بدل الماء

(5)

، فيجوز -والله أعلم- أن يكون عبر عنها به، ويجوز أن يكونا معه، يؤيده ما في "صحيح مسلم" من حديث حذيفة: "أنا أعلم بما

(1)

"تأويل مختلف الحديث" ص 186.

(2)

لم أقف على كلام ابن الجوزي، والحديث رواه مسلم (2747) من حديث أنس بن مالك. كتاب التوبة، باب: في الحض على التوبة والفرح بها.

(3)

ورد في هامش الأصل: لعله: في اللغة، أو في لغة.

(4)

رواها أبو يعلى 9/ 42 (5105).

(5)

سلف برقم (3338) باب قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} .

ص: 587

مع الدجال منه، معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض والآخر رأي العين نار تأجج"

(1)

، وفي رواية أن معه جنتين أيضًا، ويجوز أن يقال فيهما جنة ونار.

والمحدثون أجروه على ظاهره، وقيل: هو تمثيل وقد قطع الله معذرة من يتبعه بأن كتب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغيره. والعذب: الماء الطيب.

فصل:

في البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه أعور العين اليمنى

(2)

، وفي مسلم حديث حذيفة أنه أعور العين اليسرى وأنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة، وفيه أنه جفال الشعر

(3)

.

ولابن أبي شيبة: أنه أجلى الجبهة ممسوح اليسرى عريض النحر فيه اندفاع

(4)

، وفي لفظ: أعور جعد هجان

(5)

أقمر، كأن رأسه غضة شجرة

(6)

.

وروى أبو عمر من حديث سمرة بن جندب مرفوعًا: "الدجال أعور عين الشمال وأنه يبرئ الاكمه والأبرص ويحيي الموتى"

(7)

وفي "البعث" للبيهقي عن ابن عباس مرفوعًا: "الدجال هجان أزهر كأن رأسه أصلة"

(1)

"صحيح مسلم"(2934) كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته.

(2)

سلف برقم (3439) باب قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} .

(3)

مسلم برقم (2934).

(4)

"المصنف" 7/ 488 (37447)، وعنده: فيه دمامة.

(5)

ورد في هامش الأصل: الهجان: الأبيض.

(6)

المصدر السابق 7/ 490 (37459).

(7)

"التمهيد" 14/ 193.

ص: 588

يعني: الأفعى وعن مجاهد قال: الدجال كنيته: أبو يوسف، ولأبي داود الطيالسي من حديث أبي بن كعب:"إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء"

(1)

، وفي كتاب نعيم بن حماد، عن شريح بن عبيد: أنه مطموسة عينه ليست بناتئة ولا حجراء

(2)

.

وعن رجل له صحبة قال: إن رأسه من ورائه حبكا

(3)

.

وعن عبادة مرفوعًا: "وقصير أفحج جعد أعور".

وعن أنس: أعور العين الشمال

(4)

. وعن ابن عمر: إحدى عينيه مطموسة والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة

(5)

.

وقال عبد الله بن عمرو: هو إزب الذراعين، قصير البنان، ممسوح القفا

(6)

.

وقال جبير بن نفير وشريح بن عبيد والمقدام وعمرو بن الأسود وكثير بن مرة: الدجال ليس هو بإنسان إنما هو شيطان في بعض جزائر اليمن موثق بسبعين حلقة لا يعلم من أوثقه، سليمان أو غيره؟ فإذا كان أول ظهوره فك الله عنه في كل عام حلقة، فإذا برز أتته أتان عرض ما بين أذنيها أربعون ذراعًا بذراع الجبار، وذلك فرسخ للراكب المحث، فيضع على ظهرها منبرًا من نحاس، ويقعد عليه فتبايعه قبائل

(1)

"مسند الطيالسي" 1/ 439 (546).

(2)

كذا بالأصل وفي كتاب "الفتن" لنعيم بن حماد: حجرا.

(3)

ورد في هامش الأصل ما نصه: الحبك أي: شعر رأسه متكسر من الجعودة، وفي رواية: محبك، وهو بمعناه.

(4)

"الفتن" 2/ 518.

(5)

هذا الأحاديث رواها نعيم بن حماد في "الفتن" 2/ 518 - 519 (1448، 1449، 1454، 1455).

(6)

المصدر السابق 2/ 539 (1519).

ص: 589

الجن، ويخرجون له كنوز الأرض

(1)

.

وفي "صحيح ابن حبان" من حديث سمرة: "كأن عينه عين أبي تحيي

(2)

، شيخ من الأنصار بينه وبين حجرة عائشة خشبة، وإنه متى يخرج يزعم أنه الله، من آمن به وصدقه فليس ينفعه عمل صالح من عمل سلف، وإنه سيظهر على الأرض كلها إلا على الحرم وبيت المقدس، وإنه يسوق الناس إلى بيت المقدس فيحاصرون حصارًا شديدًا"

(3)

.

فصل:

في كتاب "العجائب" لابن وصيف يقال: إن الدجال من ولد شق الكاهن، ويقال: بل هو الدجال بعينه أنظره الله وهو محبوس في بعض الجزائر، ويقال: كانت أم شق جنيّة، عشقت أباه فأولدها الدجال وكان مشوها مبذولاً، واسمه: حوس، وكان إبليس يعمل له العجائب، فلما كان سليمان دعاه فلم يجبه فحبسه في جزيرة في البحر وأنه ملك ديار، وكان بلد الجن، وكان مجلسه في قبة بوادي برهوت، وكان يحجون إليه.

وقيل: إنه لم يتزوج وكانوا يرون فوقا قبته نارًا مضيئة.

وقال كعب -فيما ذكره نعيم-: إنه بشر ولدته امرأة بقوص (من أرض مصر)

(4)

، يكون بين مولده ومخرجه ثلاثون سنة.

(1)

المصدر السابق 2/ 541 (1525).

(2)

قال ابن حجر في "الإصابة" 4/ 26: بكسر المثناة وسكون الحاء المهملة وفتح التحتانية.

(3)

"صحيح ابن حبان" 7/ 102.

(4)

ساقطة من الأصل.

ص: 590

ولم ينزل شأنه في التوراة ولا في الإنجيل، ولكن ذكر في كتب الأنبياء: فيتوجه نحو المشرق فينزل عند باب دمشق الشرقي، ثم يلتمس فلا يقدر عليه، تم يرى عند المنارة التي عند نهر الكسوة، ثم يطلب فلا يدرى أين سلك؟ فينسى ذكره، ثم يأتي المشرق فيظهر ويعدل، ثم يعطى الخلافة فيستخلف -وذلك عند خروج المسيح عليه السلام ويبرئ الأكمه والأبرص، ثم يظهر السحر ويدعي النبوة، فيتفرق الناس عنه ويفارقه أهل الشام، فيأتي الأمم يستمدهم على أهل الشام، وينزل نهر أبي فطرس فيأمره أن يسيل إليه فيسيل، ثم يأمره أن يرجع فيرجع إلى مكانه، ثم يأمره أن ييبس فييبس، ويأمر جبل نور وجبل زيتا أن ينتطحا فينتطحا، ويأمر الريح أن تثير سحابًا من البحر فيمطر الأرض وينبت، ويأمر إبليس جنوده بأن يظهروا له الكنوز، ومعه قبيل من الجن يشبهون أنفسهم بموتى الناس، ويخوض البحر في اليوم ثلاث خوضات فلا يبلغ حقويه، ويأتيه ملكان فيقول: أنا الرب فيقول أحدهما: كذبت ويقول الآخر لصاحبه: صدقت.

وصفة اللعين: أفحج، أصهب، مختلف الحلق، مطموس العين اليمنى، إحدى يديه أطول من الآخرى، يغمس الطويلة منهما في البحر فيبلغ قعره فيخرج من الحيتان ما يشاء، يسير أقصى الأرض وأدناها في يوم، بين خطويه مد بصره، تسخر له الجبال والأنهار والسحاب، يقول للجبل بيده: تنح عن الطريق فيتنحى، ويدرك زرعه في يومه، معه جنة خضراء ونار حمراء وجبل من خبز ويظهر عند عالية مرة، وعند باب دمشق مرة، وعند نهر أبي فطرس مرة

(1)

.

(1)

هذا الكلام ذكره نعيم بن حماد في "الفتن" 2/ 541 - 542 (1526).

ص: 591

فصل:

روى نعيم أيضًا من حديث ابن لهيعة، عن عبد الوهاب بن حسين، عن محمد بن ثابت، (عن أبيه، عن الحارث)

(1)

عن عبد الله مرفوعًا: "بين أذني حماره أربعون ذراعًا".

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: أذن حماره تظل (سبعين)

(2)

ألفًا

(3)

وفي لفظ: (أذن الدجال) بدل ذلك. "وخطوة حماره مسيرة ثلاثة أيام، يخوض البحر على حماره كما يخوض أحدكم الساقية يقول: أنا رب العالمين وهذِه الشمس تجري بإذني أفتريدون أن أحبسها لكم؟ فيحبسها حتى يجعل اليوم كالشهر والجمعة، ثم يقول: أتريدون أن أسيرها لكم؟ فيجعل اليوم كالساعة، وتأتيه المرأة فتقول: يا رب أحي لي أبي وأخي وزوجي حتى إنها لتعانق الشيطان وينكحها وبيوتهم مملوءة شياطين، ومعه جبل من مرق وعراق اللحم حار لا يبرد، واليسع ينذر الناس، ويقول: هذا المسيح الكذاب لعنه الله، فاحذروه، ويعطيه الله من السرعة والخفة ما لا يلحقه الدجال، فإذا قال: أنا رب العالمين قال له إلياس: كذبت، ويقول (اليسع)

(4)

: صدق إلياس، ويرسل الله ميكال إلى مكة وجبريل إلى المدينة يمنعانه منها، فإذا رآهما ولى هاربًا، فيصيح صيحة فيخرج إليه من المدينة كل منافق ومنافقة"

(5)

.

فصل:

صح كما سيأتي أيضًا: أنه لا يدخل مكة والمدينة.

(1)

ليست في الأصل.

(2)

في "الفتن" لنعيم بن حماد: سبعين 2/ 548.

(3)

المصدر السابق 2/ 548 (1540).

(4)

في الأصل: إلياس اليسع.

(5)

"الفتن" لنعيم بن حماد 2/ 543 (1527).

ص: 592

وفي "تاريخ حران" لأبي الثناء حماد، عن كعب قال: في الكتب المنزلة، أن حران لا يقدر عليها الدجال إنما يشرف عليها من جبل جسمي ويرسل عسكره إليها فترتفع في الهواء قبل مصيرهم إليها.

وللطبري من حديث عبد الله بن عمرو: أن الدجال لا يدخل بيت المقدس، وعثد الطحاوي: ومسجد الطور

(1)

فإن الملائكة تطرده عن هذِه المواضع

(2)

.

فصل:

صح من حديث النواس بن سمعان: "لبثه في الأرض أربعون يومًا، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم"، قلنا يا رسول الله ذلك اليوم (الذي)

(3)

كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "اقدروا له قدره وإسراعه في الأرض كالغيث استدبرته الريح"

(4)

.

فصل:

روى الترمذي وقال: حسن غريب من حديث أبي عبيدة بن الجراح مرفوعًا: "لعل الدجال يدركه بعض من رآني أو سمع كلامي"،

(1)

"تحفة الأخيار بترتب مشكل الآثار" 9/ 406.

(2)

ورد في هامش الأصل ما نصه: في "مسند أحمد" من حديث جنادة بن أبي أمية، عن رجل من الأنصار: أنه لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة ومسجد الرسول والمسجد الأقصى والطور. ثم رأيته فيه بإسناد آخر؛ عن جنادة قال: ذهبت أنا ورجل من الأنصار إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثًا عن الدجال، وفيه: أنه لا يقرب أربعة مساجد، فذكرها. ثم ذكر لإسناده إلا جنادة نحوه، بإسناد .. آخر.

(3)

ساقطة من الأصل.

(4)

رواه مسلم (2937) كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه.

ص: 593

قالوا: يا رسول الله، كيف قلوبنا يومئذ؟ قال:"مثلها -يعني: اليوم- أو خير"

(1)

.

وروى أيضًا وقال: حسن غريب من حديث الصديق رضي الله عنه: حدثنا

(2)

رسول الله: "إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها: خراسان يتبعه قوم كأن وجوههم المجان المطرقة"

(3)

. وروى الطبراني في أكبر معاجمه من حديث تميم الداري مرفوعًا: "يخرج الدجال من أصبهان من قرية يقال لها: رستقاباذ"

(4)

.

ورواه أيضًا في "الأوسط" من حديث أبي الأشهب، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، وقال: لم يروه عن أبي الأشهب إلا سيف بن مسكين، تفرد به أبو عبيدة عبد الوارث بن إبراهيم شيخنا

(5)

. وعند ابن ماجه: "يخرج من قرية يقال لها: اليهودية، وهو عظيم الخلقة، طويل القامة، جسيم، عينه اليمنى كأنها لم تخلق والأخرى ممزوجة بالدم"

(6)

.

(1)

الترمذي رقم (2234) كتاب الفتن، باب ما جاء في الدجال. والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي"(389).

(2)

في الأصل: نا. والمثبت من مصادر التخريج.

(3)

الترمذي (2237) والحديث صححه الألباني في "صحيح الجامع"(3404).

(4)

"المعجم الكبير" 2/ 54 (1270). قال الهيثمي في "المجمع" 7/ 339: فيه: سيف بن مسكين، وهو ضعيف جدًا.

(5)

"المعجم "الأوسط" 5/ 124 - 126 (4859). قال الهيثمي في "المجمع" 7/ 339: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" في حديثها الطويل، وفيه: سيف بن سكين وهو ضعيف جدًّا.

(6)

لم أجد سياق هذا الحديث في "سنن ابن ماجه".

ص: 594

وفي كتاب نعيم بن حماد عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعًا: "يخرج الدجال من خلة بين الشام والعراق"

(1)

وقال أبو هريرة: يخرج من قرية بالعراق

(2)

، وقال الصديق: يخرج من مرو بين يهود تيماء

(3)

.

وقال يحيى بن سعيد العطار، عن سليمان بن عيسى: بلغني أنه يخرج من جزيرة أصبهان في البحر يقال لها: ماطولة

(4)

.

وقال عبد الله بن عمرو: يخرج من كوشا

(5)

، ونقله التاريخي

(6)

عن ابن مسعود أيضًا

(7)

.

وقال أبو سعيد الخدري: مع الدجال امرأة تسمى طيبة لا يؤم قرية إلا سبقته إليها تقول: هذا الدجال داخل عليكم فاحذوره

(8)

.

وهذا الاختلاف في موضع خروجه يحمل على ما أسلفناه أنه يخرج مرة بعد أخرى، وأما مرو وأصبهان وشبههما فشيء واحد؛ لأنه تارة عبر بالإقليم وتارة بالبلد وتارة بالمكان، فلا اختلاف.

فصل:

روى أبو القاسم البغوي من حديث محمد بن عبد الوهاب، عن حشرج بن نباتة، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة يرفعه: "الدجال

(1)

"الفتن" 2/ 530 (1491).

(2)

المصدر السابق 2/ 530 (1494).

(3)

المصدر السابق 2/ 530 (1495) وفيه: من يهوديتها.

(4)

المصدر السابق 2/ 533 (1509).

(5)

المصدر السابق 2/ 532. كذا في النسخ: كوشا وفي مصدر التخريج: كوثى.

(6)

لعله أبو بكر محمد بن عبد الملك التاريخي السراج. ولقب بالتاريخي؛ لأنه كان يهتم بجمع التواريخ. انظر "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي 2/ 348.

(7)

المصدر السابق 2/ 531 (1500).

(8)

المصدر السابق 2/ 520 (1457).

ص: 595

أعور العين اليسرى وبعينه اليمنى ظفرة غليظة معه ملكان يشبهان نبيين، لو شئت لسميتهما بأسمائهما وأسماء آبائهما"

(1)

قلت: قد سلف أن جبريل وميكائيل يمنعانه من مكة والمدينة، وقال ابن برجان في "إرشاده": الذي يغلب على ظني أن أحدهما المسيح والآخر نبينا، وفي الحديث:"أن أمه تلده وهي منبوذة في قبرها"

(2)

.

فصل:

قد أسلفنا اختلاف الناس أنه هل هوابن صياد أم لا، وفي "المشكل" للطحاوي لما قال عمر: يا رسول الله دعني أقتله: "إن يكن إياه فلمست بصاحبه إنما صاحبه عيسى وإلا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلاً من أهل العهد"

(3)

. وهو صريح في أنه كان من أهل العهد فلا يحتاج أن يذكر احتمالًا.

وعن ظاهر هذا الشك جوابان:

أحدهما: حمله على أن ذلك كان قبل إعلامه أنه هو.

الثاني: أن هذِه العبارة تستعمل في اليقين والقطع وكلامه لعمر خرج مخرج الشك ليصرفه عن قتله.

(1)

"معجم الصحاح" 3/ 254. قال ابن كثير في "النهاية في الفتن" 1/ 138 - 139: إسناده لا بأس به ولكن في متنه غرابة ونكارة.

(2)

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" 5/ 214 من طريق عثمان بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة وقال: لم يرو هذا الحديث عن ابن طاوس إلا عثمان بن عبد الرحمن الجمحي.

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/ 2: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه عثمان بن عبد الرحمن الجمحي قال البخاري: مجهول.

(3)

"تحفة الأخيار بترتيب مشكل الآثار" 9/ 400 (6756).

ص: 596

وإن وقع الشك في أمره أنه الدجال الذي يقتله ابن مريم فلم يقع شك أنه أحد الدجالين الذين أنذر بهم الشارع، وكذلك لم ينكر على عمر رضي الله عنه يمينه أن ابن صياد الدجال، نبه عليه المهلب.

فصل:

سيأتي عند البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه "يأتي الدجال وهو مُحرَّم عليه أن يدخل أنقاب المدينة فيخرج إليه يومئذ (رجل)

(1)

هو خير الناس -أو من خيرهم- فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه" وفيه: أنه يقتله ثم يحييه، وأخرجه مسلم أيضًا، وفي آخره: "فيقذف به في النار وإنما ألقي في الجنة".

قال صلى الله عليه وسلم: "هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين". قال أبو إسحاق السبيعي

(2)

: يقال إن هذا الرجل هو الخضر

(3)

.

وأخذ ابن القطان من قوله: "أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه" أن حدثنا ليست صريحة في الاتصال

(4)

؛ لأن هذا الرجل لم ير النبي ولا سمع منه بحال، وأغفل أنه الخضر وإذا كان هو فيرد ما ذكره.

(1)

ساقطة من الأصل.

(2)

ورد في هامش الأصل: قال النووي: إن أبا إسحاق هذا هو إبراهيم بن محمد بن سفيان راوي مسلم، وما قاله شيخنا قاله أيضًا القرطبي في "تذكرته"، وكأن شيخي قلده في ذلك فيحرر هل قاله بهذا أو هذا؟ .. بالأهواز .. والله أعلم.

(3)

البخاري (1882) أبواب فضائل المدينة، باب: "يدخل الدجال المدينة ومسلم (2938) كتاب الفتن، باب: ذكر الدجال.

(4)

"الوهم والإيهام" 2/ 379 - 380.

ص: 597

فصل:

سلف في الحج: أنه لا يدخل المدينة رعب الدجال

(1)

ويجمع بينه وبين قوله: (ترجف المدينة ثلاث رجفات) بأن رجفاتها ليست من رعبه ولا خوفه وإنما ترجف لمن يتشوف إليه من المنافقين فيخرجهم أهل المدينة إذ ذاك.

فصل:

لا يقال الذي قتل الرجل وإحيائه أن الآية وقلب الأعيان تعطى لأكذب الخلق وأعظمهم فتنة؛ لأن هذا من أعيان الفتنة لمن عاينه، والإخبار لمن أبصره إذ هو مشوه الخدق لا يقدر على إصلاح نفسه فكيف غيره؟ ولهذا إن ذلك لم يستمر له في قتل غيره وحياته.

فصل:

مذهب أهل السنة والجماعة: الإيمان بالدجال وأن خروجه حق خلافًا لمن أنكر أمره من الخوارج وبعض المعتزلة، ووافق السُنّيين على إتيانه بعض الجهمية، وغيرهم لكن زعموا أن ما عنده مخاريق وحيل قال: إذ لو كانت صحيحة لكان ذلك إلباسًا للكاذب بالصادق وحينئذ لا يكون فرق بين النبي والمتنبي ورده القرطبي وقال: إنه هذيان لا يلتفت إليه

(2)

.

فإن هذا إنما كان يلزم أن لو كان الدجال يدعي النبوة وليس كذلك، فإنه إنما ادعى الإلهية، وقد أسلفنا خلاف هذا وأنه ادعى النبوة.

وقد قال ابن صياد: -إن كان إياه-: أتشهد أني رسول الله؟

(1)

سلف برقم (1879) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه

(2)

"المفهم" 7/ 267.

ص: 598

وسيأتي في البخاري عن المغيرة قلت: يا رسول الله يقولون: إن معه جبل خبز ونهر ماء؟! قال: "هو أهون على الله من ذلك"

(1)

، وفي بعض الروايات:"فيخيل إليهم". وقد أسلفنا من طريق مسلم عن حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أعلم بما مع الدجال، معه نهران يجريان"

(2)

فالشارع علم حقيقة ذلك بخلافه هو فإنه قد لُبّس عليه وهو ما رجحه البيهقي. وقد أسلفنا ما روي أنه كان ساحرًا. وقد قيل: إن السحر من باب التخييل لا الحقيقة.

وقد قال تعال: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} وذكر عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: لقيت ابن صياد وإذا عينه قد طفت وهي خارجة فقلت: أنشدك بالله متى طفيت عينك؟ قال: لا أدري والرحمن، فقلت: كذبت لا تدري وهي في رأسك؟! قال: فمسحها ونخر ثلاثًا

(3)

. والفرق بين النبي والمتنبي: أن المعجزة لا تظهر على يد المتنبي بخلاف النبي إذ لو كان كذلك للزم منه انقلاب دليل الصدق مع دليل الكذب وهو محال

(4)

.

فصل:

تأول بعضهم قوله فيما مضى: "مكتوب بين عينيه كافر" فقال: معناه ما ثبت من سمته وشواهد عجزه وظهور نقصه.

ولو كان على ظاهره وحقيقته لاستوى في إدراك ذلك المؤمن والكافر، وهو عدول وتحريف عن حقيقة الحديث من غير موجب

(1)

البخاري (7122) كتاب الفتن، باب: ذكر الدجال.

(2)

مسلم رقم (2934) كتاب الفتن، باب ذكر الدجال وصفته.

(3)

"المصنف" 11/ 396 (20832).

(4)

انظر "المفهم" 7/ 269.

ص: 599

لذلك كما نبه عليه القرطبي، وما ذكره من لزوم المساواة بين المؤمن والكافر من إدراكه؛ لأن نفس الحديث يبينه وهو قوله:"كل مؤمن" فكأنه قال: وأما الكافر فلا يقرؤه ويصرف عن قراءة سطور كفره ورمزه، وذلك أنه انصرف عن إدراك عوره وشواهد عجزه من كونه جسيمًا وراكبًا على حمار؛ فلأن يقصره عن قراءة ما بين عينيه بطريق الأولى

(1)

.

فصل:

أُشكل على جماعة اختلاف رواية عماه هل هو في اليمنى أو في اليسرى، فقال ابن عبد البر: حديث مالك اليمنى أصح من اليسرى من جهة الإسناد

(2)

، وأباه ابن دحية فقال: كلها صحيحة، وجمع القاضي عياض: بأن كل واحدة من عينيه عوارء من وجهٍ ما، إذ العور في كل شيء العيب، والكلمة العوراء: هي المعيبة، فالواحدة العوراء بالحقيقة وهي التي وصفت في الحديث بأنها ليست بحجراء ولا ناتئة وممسوحة ومطموسة وطافئة على رواية الهمز، والأخرى عوراء لعيبها اللازم لها لكونها جاحظة، أو كأنها كوكب دري، أو كونها عنبة طافية بغير همز، فكل واحدة منهما يصح فيها الوصف بالعور بحقيقة العرف والاستعمال بمعنى، أو بمعنى العور الأصلي

(3)

.

وحاصله -كما قال القرطبي- أن كل واحدة من عيني الدجال عوراء إحداهما بما أصابها حتى ذهب إدراكها، والثانية عوراء بأصل خلقها معيبة.

(1)

"المفهم" 7/ 268 - 269.

(2)

"التمهيد" 11/ 193.

(3)

"إكمال المعلم" 8/ 478.

ص: 600

ولكن يبعد هذا التأويل أن كل واحدة من العينين قد جاء وصفها في الرواية بمثل ما وصفت به الأخرى من العور

(1)

.

وقال أبو عبد الله: ما تأوله القاضي صحيح وأن العور في العينين مختلف -كما بين في الروايات- فإن قوله: كأنها لم تخلق هو بمعنى الرواية الأخرى مطموس ممسوخ العين ليست بناتئة ولا جحراء، ووصف الآخرى بالمزج بالدم وذلك عيب لاسيما مع وصفها بالظفرة الغليظة التي عليها وهي جلدة غليظة تغشى البصر، وعلى هذا فقد يكون العور في العينين سواء؛ لأن الظفرة مع غلظها تمنع من الإدراك فلا تبصر شيئًا فيكون الدجال على هذا أو قريبًا منه إلا أنه جاء ذكر الظفرة في اليمنى في حديث سفينة

(2)

، وفي اليسرى في حديث سمرة

(3)

وهو يحتمل أن تكون كل عين عليها ظفرة، وفي حديث حذيفة "ممسوخ العين عليها ظفرة"

(4)

، وإذا كانت الممسوخة المطموسة عليها ظفرة فالتي ليست كذلك أولى، فتتفق الأحاديث.

(1)

"المفهم" 7/ 275.

(2)

رواه أحمد 5/ 221 - 222، والطبراني 7/ 98 (6445) وأبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" 3/ 254. قال ابن كثير في "النهاية في الفتن" 1/ 138 - 139: إسناده لا بأس به ولكن في متنه غرابة ونكارة. وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 340: رجاله ثقات، وفي بعضهم كلامًا لا يضر.

(3)

رواه أحمد 5/ 13 والطبراني في "الكبير" 7/ 220 (6918)(6919) من طرق عن قتادة، عن الحسن البصري، عن سمرة بن جندب قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 336: رواه الطبراني وأحمد ورجاله رجال الصحيح.

وقال الألباني في "قصة المسيح الدجال" ص 97: إسناده صحيح لولا عنعنة الحسن البصري.

(4)

سبق تخريجه.

ص: 601

والظفرة. قيل فيها: إنها لحمة تنبت عند المآقي كالعلقة وقيدت في بعض الروايات بضم الظاء وسكون الفاء وليس بشيء، كما قال ابن دحية.

ويجوز أن يراد باليمنى واليسرى بالنسبة إلى الرائي لا إلى الدجال، فهذا جمع آخر.

فصل:

فتنة الدجال من نحو فتنة أهل المحشر بالصورة الهائلة التي يأتيهم فيقول: أنا ربكم فيقول المؤمنون: نعوذ بالله منك، ذكره القرطبي

(1)

.

فصل:

روى علي بن معبد، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا خرج الدجال فالناس ثلاث فرق فرقة تقاتله، وفرقة تفر منه، وفرقة تشافعه، فمن تحرز منه في رأس جبل أربعين ليلة أتاه رزقه، وأكثر من يشافعه أصحاب العيال يقولون: إنا لنعرف ضلالته ولكن لا نستطيع أن نترك عيالنا فمن فعل ذلك كان منه

(2)

. وروى الطبري عن أبي أمامة مرفوعًا: "إنه يخرج فيقول إنه نبي، ثم يثني فيقول: أنا ربكم، فمن ابتلي به فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف وليتفل في وجهه فإنه لا يعدو ذلك"

(3)

.

(1)

انظر "التذكرة" لأبي عبد الله القرطبي ص 750 - 751.

(2)

لم أقف عليه بهذا السند والمتن ولكن وجدته عند نعيم بن حماد في "الفتن" 2/ 535 عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود بلفظ مقارب. وهو في "السنن الواردة في الفتن" لأبي عمرو الداني ص 304 - 305: عن أبي مجلز. اهـ.

(3)

لم أهتد إليه عند الطبري لكن رواه ابن ماجه (4077)، والطبراني في "الكبير" 8/ 146 من حديث طويل اختصره المصنف في هذا الموضع. قال الألباني "قصة المسيح الدجال" ص 56 - 59 ص 47 - 49، هذا إسناد ضعيف لكن الحديث غالبه صحيح فقد جاء مفرقا في أحاديث إلا قليلاً منه. اهـ. بتصرف.

ص: 602

ومن حديث شهر عن أسماء قلت: يا رسول الله ما يكفي المؤمن من الطعام عند خروجه؟ قال: "يكفيه بما يكفي أهل السماء التسبيح والتقديس"

(1)

.

فصل:

في (العلامات)

(2)

قبل خروجه ذكر نعيم من حديث أبي أمامة مرفوعًا: "بين الملحمة وفتح القسطنطينية ست سنين، ويخرج الدجال في السنة السابعة"

(3)

.

وعن أبي هريرة: "يكون قبل خروج الدجال سنون خداعة يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، ويتكلم فيها الرويبضة الوضيع من الناس"

(4)

.

وعن معاذ: "الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر"

(5)

.

(1)

رواه أحمد 6/ 455 - 456. وذكره الهيثمي في "المجمع" 7/ 345 وقال: فيه شهر بن حوشب وفيه ضعف وقد وثق. وقال الألباني في "المشكاة" 3/ 1516 (5491): فيه شهر بن حوشب وهو ضعيف.

(2)

في الأصل: الغيلانيات.

(3)

"الفتن" 2/ 522 (1462) عن عبد الله بن بسر ولم أجده عن أبي أمامة. قال الألباني في "المشكاة" 3/ 1494 عقب حديث عبد الله بن بسر: إسناده ضعيف.

(4)

"الفتن" 2/ 523 (1470) ورواه ابن ماجه (4042) وأحمد 2/ 291 والحديث صححه الألباني في "الصحيحة"(1887).

(5)

"الفتن" 2/ 524 (1474) ورواه أبو داود (4295) والترمذي (2238)، وابن ماجه (4092) من طريق الوليد بن سفيان بن أبي مريم عن يزيد بن قطيب السكوني عن أبي بحرية -أو عبد الله بن قيس- عن معاذ بن جبل قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

قال الألباني في "المشكاة" 3/ 1494 (5425): إسناده ضعيف.

ص: 603

وعن عمير بن هانئ

(1)

مرفوعًا: "إذا صار الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا هما اجتمعا فانتظر الدجال اليوم أو غدًا"

(2)

.

وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: "تكون غزوة في البحر، من غزاها استغنى ثم يستصعب البحر بعد الغزو ست سنين كما كان، ثم يستصعب ستًّا فذلك ثمان عشرة سنة، ثم يخرج الدجال"

(3)

.

وعن تبيع: "بين يدي الدجال ثلاث علامات، ثلاث سنين جوع، وتغيض الأنهار، ويصفرُّ الريحان، وتنزف العيون، وتنتقل مذحج وهمدان من العراق حتى ينزلوا قنسرين وحلب، فعدوا الدجال غاديًا في دركم أو رائحًا"

(4)

.

(1)

في الأصل: عبيد بن هانئ. ولعل الصواب ما أثبتناه. وعمير بن هانئ العنسي -بسكون النون ومهملتين- أبو الوليد الدمشقي. ثقة، من كبار الطبقة الرابعة. أدرك ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قتل سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل قبل ذلك. انظر "التاريخ الكبير" 6/ 535، "تهذيب الكمال" 22/ 388.

(2)

"الفتن" 2/ 526 (1483). والحديث رواه أبو داود (4242) وأحمد 2/ 133 والحاكم 4/ 466 - 467 وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 158 من طريق أبي المغيرة، ثنا عبد الله بن سالم، عن العلاء بن عتبة عن عمير بن هانئ عن عبد الله بن عمر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قعودا نذكر الفتن .. الحديث قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وقال أبو نعيم: غريب من حديث عمير والعلاء، لم نكتبه مرفوعا إلا من حديث عبد الله بن سالم وذكره الألباني في "الصحيحة" (974) وقال: وهذا إسناد صحيح. وقال أبو حاتم فيما نقله عنه ابنه في "العلل" 2/ 416: روى هذا الحديث ابن جابر عن عمير بن هانئ، عن النبي مرسلا. والحديث عندي ليس بصحيح كأنه موضوع. اهـ.

(3)

"الفتن" 2/ 524 (1471).

(4)

"الفتن" 2/ 524 (1473).

ص: 604

وعن كعب قال: "يخرج الدجال في سنة ثمانين"

(1)

.

وعن أرطأة قال: "تفتح القسطنطينية ثم يأتيهم الخبر بخروج الدجال، فيكون باطلاً، ثم يقيمون ثلث سُبع سابوع، فتمسك السماء في تلك السنة ثلث قطرها، وفي الثانية ثلثيها، وفي الثالثة تمسك قطرها أجمع، فلا يبقى ذو ظفر ولا ناب إلا هلك، ويقع الموت حتى لا يبقى من كل سبعين عشرة، ويهرب الناس إلى جبال الجوف إلى أنطاكية، وتهب ريح شرقية لا باردة ولا حارة تهدم صنم إسكندرية وتقلع زيتون المغرب والشام من أصولها، وتيبس الفرات والعيون والأنهار، وتنسى مواقيت الأيام والشهور والأهلة

(2)

.

وعن أبي الدرداء نحوه

(3)

، وإمساك القطر في كل سنة الثلث روي مرفوعًا من حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية

(4)

.

وعن إبراهيم بن أبي (حبلة)

(5)

: كان يقال: بين يدي خروج الدجال يولد ببيسان من سبط لاوي بن يعقوب في جسده تمثال السلاح؛ السيف والترس والنيزك والسكين

(6)

.

(1)

المصدر السابق 2/ 525 (1479).

(2)

المصدر السابق 2/ 527 (1485).

(3)

المصدر السابق 2/ 528 (1487).

(4)

المصدر السابق 2/ 526 (1481).

(5)

ورد في هامش الأصل: لعله: عبلة، فإني لا أعرف أحدًا يقال له إبراهيم بن أبي حبلة. والله أعلم.

[قلت: جاء في مطبوع "الفتن" 2/ 526 عبلة، وهو الصواب].

(6)

المصدر السابق 2/ 526 (1482).

ص: 605

فصل:

الدجال يطلق لغة على وجوه عشرة جمعها ابن دحية:

أحدها: الكذاب، وجمعه: دجالون ودجاجلة في التكسير.

ثانيها: من الدجل وهو طلبي البعير بالقطران، سمي بذلك؛ لأنه يغطي الخلق بكذبه وسحره كما يغطي الرجل جرب بعيره بالدجالة وهي القطران يهبأ به البعير، واسمه إذا فعل به ذلك الدجل، قاله الأصمعي.

ثالثها: لضربه نواحي الأرض وقطعها، يقال: دجل الرجل إذا فعل ذلك.

رابعها: التغطية، قال ابن دريد: كل شبيء غطيته فقد دجلته، ومنه سميت دجلة لانتشارها على الأرض وتغطية ما فاضت عليه

(1)

، قلت: هذا عين الثاني.

الخامس: لقطعه الأرض إذ يطأ جميعها إلا المستثنى، والدجالة: الرفقة العظيمة، قلت: هذا هو الثالث.

السادس: لأنه يغر الناس بشره كما يقال: لطخني فلان بشره، وهو يرجع إلى الثاني.

السابع: المخرق.

الثامن: المموه، قاله ثعلب، يقال: سيف مموه إذا طلبي بالذهب، ويرجع إلى السادس.

التاسع: الدجال: ماء الذهب الذي يطلى به الشيء فيحسن وباطنه خزف أو عود، سمي الدجال بذلك؛ لأنه يحسن الباطل، وهو يرجع لما قبله.

(1)

"جمهرة اللغة" 1/ 449.

ص: 606

العاشر: الدجال فرند السيف، يريد جوهره

(1)

.

فصل:

ذكر البخاري آخر كتاب الفتن: فيه أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنه

(2)

وكأنه يريد بحديث أبي هريرة ما أخرجه أبو داود الطيالسي

(3)

، وبحديث ابن عباس ما أخرجه ابن أبي شيبة

(4)

.

وقد أطلنا الكلام على الدجال وأغنى عن إعادته إن شاء الله فيما يأتي بعد.

فصل:

وأما حديث حذيفة الثاني فقوله فيه: "كنت أبايع الناس وأجازيهم"، قيل: معناه: أعاوضهم، آخذ منهم وأعطيهم.

قال ابن التين: وليس كذلك وإنما معناه: وأتجازاهم وأتقاضاهم، تقول العرب: تجازيت ديني عليه. أي: تقاضيته. وأما المجازاة فقال ابن فارس: قال بعضهم جازيته جزاء إذا قابلته على فعله القبيح بمثله بكسر الجيم

(5)

.

وعند الخطابي المجازي: المتقاضي

(6)

، وغيره قال: المتجازي: المتقاضي

(7)

، وبخط الدمياطي وأجازيهم صوابه أتجازاهم: أتقاضاهم.

(1)

هذا الكلام ذكره القرطبي في "التذكرة" ص 744 - 745.

(2)

بعد حديث (7131) باب ذكر الدجال.

(3)

"مسند الطيالسي" 4/ 86 - 87 (2445).

(4)

"المصنف" 7/ 489 (37455).

(5)

"مقاييس اللغة" 1/ 454.

(6)

"أعلام الحديث" 3/ 1565، وعنده: المتجازي.

(7)

قاله أبو عبيد القاسم بن سلام في "غريب الحديث" 1/ 43.

ص: 607

فصل:

وأما حديثه الثالث فقوله: "فامتحشت" روي بضم التاء وفتحها أي: احترقت ذكره الخطابي

(1)

. وقال ابن فارس: المحش: إحراق النار الجلد. قال: وامتحش الجلد: احترق

(2)

. وذكر ابن السكيت أمحشه الحر وامتحش غضبًا إذا احترق

(3)

.

وقوله: ("يومًا راحًا")، أي: ذا ريح كقولك: رجل مال، أي: ذو مال، وقيل: الكثير الريح، ويقال للموضع الذي تخترقه الرياح: مروحة.

وقوله: ("فاذروه في اليم") اليم: البحر، قال ابن قتيبة: بالسريانية

(4)

. وقال الهروي: هو البحر الذي يقال له: إساف، وفيه غرق فرعون.

وقوله: "فاذروه" قال ابن التين: هو بوصل الألف يقال: ذرا الشيء: سقط، وذريته: طيرته وأذهبته. قال: وأما أذروه: ارموه فهو بقطع الألف رباعي، يقال: أذريت الرجل عن مرتبته أي: رميته وأذرت العين دمعها، والأول أبين في معنى الحديث؛ لأن التطيير والإذهاب أشبه بمعنى الحديث من الإلقاء؛ لأن فيه معونة لنسف الريح إياه.

الحديث الرابع والخامس:

حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلَى وَجْهِهِ ..

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1565.

(2)

"مجمل اللغة" 4/ 824

(3)

"إصلاح المنطق" ص 279 - 280.

(4)

"غريب الحديث" 2/ 342.

ص: 608

الحديث سلف في الصلاة في باب الصلاة في البيعة

(1)

، ومعنى طلق: ظل، والخميصة: كساء أسود معلم فإن لم يكن معلمًا فليس بخميصة ويكون من خز أو صوف، وقد سلف.

الحديث السادس:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنبِيَاءُ، كلَّمَا هَلَكَ نَبِي خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ". قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ".

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا

(2)

والسياسة: القيام على الشيء والتعهد له بما يصلحه، وقوله:("فوا")، وهو من وفى يفي، ويقال: أوفى يوفي بمعناه.

وقوله: ("أعطوهم حقهم") يعني: السمع والطاعة والنصيحة والذب عنهم نفسًا وعرضًا وشبهها، وفيه: جواز قول: هلك، تبعًا للقرآن، وذلك أن بني إسرائيل كانوا إذا ظهر فيهم فساد وشبهه بعث الله لهم نبيًّا يقيم لهم أمرهم ويزيل ما غيروه وبدلوه من أحكام التوراة، فلم يزل أمرهم كذلك إلى أن قتلوا يحيى وزكريا، فقطع الله ملكهم وبدد شملهم إلى زمن عيسى ونبينا، فكذبوهما فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين، وهو في الدنيا ضرب الجزية ولزوم الصغار والذلة ولعذاب الآخرة أشق، ولما كان نبينا آخر الأنبياء بعثًا وكتابه لا يقبل التغيير؛ لأن الله تولى كلامه جعل علماء

(1)

سلف برقم (345، 436).

(2)

مسلم (1842) كتاب: الإمارة، باب: وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول.

ص: 609

أمته قائمين ببيان مشكله وحفظ أحكامه وحدوده كما روي: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"

(1)

فاكتفى بعلمائها عما كان من توالي الأنبياء عندهم.

وقوله: ("لا نبي بعدي")، هو عام في الأنبياء والرسل؛ لأن الرسالة من لازمها النبوة، تؤيده رواية الترمذي:"لا نبي بعدي ولا رسول"

(2)

.

وقوله: ("وسيكون بعدي خلفاء")، قال ابن خالويه في كتاب "ليس": الخليفة من استخلفته، فإن لم تستخلفه وجلس في مكانك بعدك فهو خالفة، فمن هذا يقال لأبي بكر رضي الله عنه: خالفة رسول الله ولا يقال: خليفة. قال: وقد قال له رجل: يا خليفة رسول الله، فقال: لست (خليفته)

(3)

إنما أنا خالفة، وهو غريب منه لا يسلم له.

وقوله: ("فيكثرون")، هو بالمثلثة وصحفه بعضهم بالباء الموحدة كأنه من إكبار قبيح فعلهم، وفيه: معجزة ظاهرة بإخباره عن الغيب، فقد بويع لابن الزبير بالخلافة، وبويع لعبد الملك بالشام، وبويع لشبيب وقطري في زمن واحد، وبعدهم بنو العباس بالعراق، وبنو مروان بالأندلس، وبنو عبيد بمصر، وبنو عبد المؤمن بالمغرب.

(1)

ذكره السخاوي في "المقاصد الحسنة"(702) والسيوطي في "الدرر المنتثرة"(294) والعجلوني في "كشف الخفاء"(1744) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" ص 286 (47) والألباني في "الضعيفة"(466) واتفقوا على أنه لا أصل له. اهـ.

(2)

الترمذي (2272) بلفظ: "لا رسول بعدي ولا نبي" وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(1631).

(3)

في الأصل: خليفة.

ص: 610

وقوله: ("فوا بييعة الأول")، معناه إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها، سواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أو جاهلين، وسواء كانا في بلدين أو بلد، وأحدهما في بلد الإمام المتفضل والآخر في غيره، هذا هو الصواب. وقيل: لمن عقدت له في بلد الإمام، وقيل: يقرع بينهما، وهما فاسدان، ولم يبين في هذِه الرواية حكم الثاني، وهو مبين في

رواية أخرجا: "فاضربوا عنقه"

(1)

وفي أخرجا: "فاضربوه بالسيف كائنًا من كان"

(2)

وهذا مجمع عليه عند تعاقب الأقطار كما أفاده القرطبي

(3)

.

الحديث السابع:

حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -سعد بن مالك بن سنان- أنه عليه السلام قال: "لَتَتَّبعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، اليَهُودَ وَالنَّصَارى؟ قَالَ:"فَمَنْ؟! ".

هذا من الأحاديث المقطوعة في مسلم

(4)

؛ لأنه قال في كتاب (القدر)

(5)

: وحدثني عدة من أصحابنا عن سعيد بن أبي مريم، الذي أخرجه البخاري عنه به، ووصله عنه راوي كتابه إبراهيم بن سفيان،

(1)

رواها مسلم (1844) كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول.

(2)

مسلم برقم (1852) كتاب الامارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع.

(3)

"المفهم" 4/ 49.

(4)

مسلم (2669) كتاب: العلم، باب: اتباع سنن اليهود والنصارى.

(5)

لم أجده في كتاب: القدر، وإنما، في كتاب العلم برقم (2669).

ص: 611

فقال: حدثنا محمد بن يحيى

(1)

، ثنا ابن أبي مريم به.

والسنن -بفتح السين-: السبيل والمنهاج، والضب قال الخليل في كتاب "العين": كنيته أبو حسل، وهو دويبة تشبه الورل تأكله الأعراب، والأنثى شبة، وتقول العرب: هو قاضي الطير والبهائم يقولون: اجتمعت إليه أول ما خلق الإنسان فوصفوه له فقال الضب: تصفون خلقًا ينزل الطير من السماء ويخرج الحوت من الماء، فمن كان له جناح فليطر ومن كان ذا مخلب فليحتفر

(2)

.

الحديث الثامن:

حديث أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه: ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارى، فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ. وقد سلف

(3)

.

وهو حجة لمشهور مذهب مالك أن الإقامة كلها وتر خلافًا للشافعي

(4)

، ويجاب بأن المراد الغالب.

الحديث التاسع:

حديث الأعمش، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح العطار، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ، وَتَقُولُ: إِنَّ اليَهُودَ تَفْعَلُهُ. تَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ.

(1)

ورد في هامش الأصل: محمد بن يحيى هو الذهلي، كذا نسبه الرشيد العطار في "غررة" ثم قال: ولعل البخاري أحد العدة الذي سمع منهم مسلم هذا الحديث ولم يسمهم والله أعلم.

(2)

"العين" 3/ 139.

(3)

سلف برقم (603) كتاب الأذان، باب: بدء الأذان.

(4)

انظر "الاستذكار" 4/ 13، "روضة الطالبين" 1/ 198 - 199.

ص: 612

وقد سلف حكمه في الصلاة، وهو أيضًا فعل الجبابرة، ويقال: هو استراحة أهل النار.

الحديث العاشر:

حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلَا مِنَ الأُمَمِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ العَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ .. " الحديث تقدم في الصلاة

(1)

.

الحديث الحادي عشر وتالياه:

حديث ابن عباس قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَاتَلَ اللهُ فُلَانًا، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمِ الشُّحُومُ، فَجَملُوهَا فَبَاعُوهَا؟ ".

تَابَعَهُ جَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

(تقدمت هذِه الثلاثة في البيع)

(2)

(3)

ومعنى "جملوها": أذابوها ويقال: أجملوها بمعنى واحد

(4)

.

وفيه دليل أن ما حرم أكله حرم بيعه، وقال ابن وهب: يجوز بيع زيت الفأر إذا بيَّن وهو عنده حرام أكله.

(1)

سلف برقم (557) كتاب مواقيت الصلاة، باب: من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب.

(2)

سلف حديث ابن عباس برقم (2223) كتاب البيوع باب: لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه، وكذلك حديث أبي هريرة سلف برقم (2224) أما حديث جابر فسلف برقم (2236) باب: بيع الميتة والأصنام.

(3)

من (ص 1).

(4)

قالة الجوهري في "الصحاح" 4/ 1662 مادة جمل.

ص: 613

الحديث الرابع عشر:

حديث حسان بن عطية عَنْ أَبِي كَبْشَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَلِّغُوا عَنِّي وَلَو آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدهُ مِنَ النَّارِ".

هذا الحديث أعني حديث: "ومن كذب على متعمدًا .. " إلى آخره سلف في كتاب العلم من طرق

(1)

. ولما ذكر الطرقي الحديث المذكور قال: وفي الباب عن علي والزبير وسعيد بن زيد وأبي هريرة وأنس والمغيرة وسمرة وابن مسعود وأبي سعيد، وكأنه أراد ما ذكرناه، وأخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ:"لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"

(2)

.

فصل:

وأبو كبشة هذا سلولي تابعي ثقة، قال أبو حاتم: لا أعلم له مسما

(3)

، وذكره البخاري ومسلم وغير واحد فيمن لا يعرف اسمه

(4)

، وادعى الحاكم في "مدخله" أنه البراء بن قيس وتولى رده عبد الغني

(5)

.

(1)

سلف برقم (106 - 110) من حديث على والزبير وأنس ومسلمة بن الأكوع وأبي هريرة، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

مسلم (3004) كتاب: الزهد، باب: التثبت في الحديث.

(3)

"الجرح والتعديل" 9/ 430 (2133).

(4)

ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 9/ 65 (591)، ومسلم في "المنفردات والوحدان" ص 103 (124).

(5)

"الأوهام التي في مدخل أبي عبد الله الحاكم" ص 133 قال الحافظ عبد الغني: هذا وهم.

ص: 614

والبراء كنيته أبو كيسة بالمثناة تحت، قال ابن ماكولا في باب كبشة بالموحدة: أبو كبشة البراء بن قيس تابعي ومن قال غير ذلك فقد صحف

(1)

.

قلت: لكن ذكره بالمثناة تحت النسائي والدولابي

(2)

، ومسلم فرق بينهما فذكر السلولي في الشاميين والبراء في الكوفيين

(3)

.

فصل:

هذا الحديث أخرجه أحمد أيضًا

(4)

والترمذي وصححه

(5)

، وليس له عنده غيره، وأخرج له أبو داود

(6)

والنسائي حديثًا في حنين

(7)

وليس له عند النسائي غيره.

فصل:

اختلف في معناه، فقيل: حدثوا عنهم بما جاء في القرآن أو الحديث الصحيح، وقال مالك: لم أسمع به من ثبت، فأما ما كان من كلام حسن فلا بأس به.

وقال الأبهري: ما علم في الغالب أنه كذب فلا يجوز الحديث به، وهو معنا قوله:"ولا حرج" أي: لا تحدثوا بما يحرج الإنسان، وقيل: معناه لا ضيق عليكم في الحديث عنهم، والأول أصح، وقيل: معناه أنه يجوز أن يتحدث عنهم على البلاغ ثبت أم لا لبعد المسافة بيننا وبينهم،

(1)

"الإكمال" 7/ 157.

(2)

"الكنى والأسماء" 2/ 178.

(3)

"الكنى والأسماء"(2843، 2844).

(4)

"المسند" 2/ 159.

(5)

"سنن الترمذي"(2669).

(6)

"سنن أبي داود"(2501).

(7)

"السنن الكبرى" 5/ 273 (8870).

ص: 615

بخلاف الحديث عن نبينا فلا يجوز أن يحدث به عن بلاغ، ولا يجوز إلا عن الثقة (ولا)

(1)

يلزمنا العمل به، ومسافة الزمان متصلة. وذكر ابن الجوزي أن وجهه أنه كان تقدم عنه ما يشبه النهي من قوله لعمر إذ جاء ومعه كلمات من التوراة:"أمطها عنك" فخشي صلى الله عليه وسلم أن يتوهم النهي عن ذكرهم جملة، فأجاز الحديث عنهم، أو يكون معناه ولا يضيق صدر السامع من عجائب ما جرى لهم، فقد كانت فيهم أعاجيب، أو لأنه لما قال:"حدثوا" وهي لفظة أمر بين أنه ليس على الوجوب بقوله: "ولا حرج" أي: إن لم تحدثوا. أو يكون لما كانت أفعالهم قد يقع فيها ما يتحرز عن ذكره المؤمن أباح التحدث بذلك كقولهم: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} و {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا} وموسى آدر

(2)

، وشبهها، أو يكون المراد ببني إسرائيل أولاد يعقوب وما فعلوا بيوسف.

الحديث الخامس عشر:

حديث جندب رضي الله عنه: "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ .. " الحديث سلف في الجنائز

(3)

، قال ابن التين: يحتمل أن يكون هذا الرجل كافرًا فحرمت عليه الجنة.

الحديث السادس عشر:

وهو الذي قبله حديث أبي هريرة: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَار لَا يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ".

(1)

في (ص 1): لأنا.

(2)

سلف برقم (1364) باب: ما جاء في قاتل النفس.

(3)

سلف ذلك في حديث أبي هريرة مرفوعًا برقم (278) وفيه أن بني إسرائيل قالتك "والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر .. " الحديث، والأدرة: نفخة في الخصية. "النهاية" 1/ 31 مادة: (أدر).

ص: 616

وأخرجه النسائي في الزينة

(1)

، يريد: صبغ الشعر، وهو مندوب إليه، وقد اختلف هل كان صلى الله عليه وسلم يصبغ فقال ابن عمر في "الموطأ": أما الصفرة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، وأنا أحب أن أصبغ بها

(2)

.

وقيل: كان يصفر لحيته، وقيل: أراد بالصفرة في حديث اين عمر صفرة الثياب، وقيل: صبغ مرة. قال مالك: لم يصبغ صلى الله عليه وسلم ولا علي ولا أبي بن كعب ولا ابن المسيب ولا السائب بن يزيد ولا ابن شهاب.

قال مالك: والصبغ بالسواد ما سمعت فيه شيئًا، وغيره من الصبغ أحب إليَّ، والصبغ بالحناء والكتم واسع، قال: والدليل أنه صلى الله عليه وسلم لم يصبغ أن عائشة قالت: كان أبو بكر يصبغ. فلو كان صبغ لبدأت به

(3)

.

وقيل: إنما تركه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصبغ هذِه من هذِه" يعني: لحيته من جبهته. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تغيير الشيب

(4)

. قيل: أراد بالتغيير ههنا نتفه ولم يثبت.

وسئل مالك عن نتفه فقال: ما أعلمه حرامًا وتركه أحب إليَّ وذكر مالك أن بعض ولاة المدينة قال له: لم لا تختضب يا أبا عبد الله؟ فقال: لم يبق من ذلك إلا أن أختضب أنا، كان عليٌّ لا يختضب، وذكر أيضًا عن عمر أنه لم يختضب، وخضب أبو بكر وعثمان

(5)

.

(1)

النسائي 7/ 137.

(2)

"الموطأ" ص 220 (31).

(3)

"الموطأ" ص 589 (8).

(4)

رواه أبو داود (4222) والنسائي 8/ 141 من طريق المعتمر عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن عبد الرحمن بن حرملة عن ابن مسعود قال: كان نبي الله يكره عشر خصال

تغيير الشيب .. الحديث.

قال الألباني في "المشكاة"(4397) إسناده ضعيف.

(5)

"الإستذكار" 8/ 440.

ص: 617

‌51 - [باب] حَدِيثُ أَبْرَصَ وَأَعْمَى وَأَقْرَعَ [فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ]

3464 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ. فَقَالَ: أَيُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ. -قَالَ:- فَمَسَحَهُ، فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا. فَقَالَ: أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ -أَوْ قَالَ: الْبَقَرُ. هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ، إِنَّ الأَبْرَصَ وَالأَقْرَعَ، قَالَ أَحَدُهُمَا: الإِبِلُ، وَقَالَ الآخَرُ: الْبَقَرُ -فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ. فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ. -قَالَ:- فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ، وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا. قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ -قَالَ: البَقَرُ. قَالَ:- فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلاً، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ يَرُدُّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ -قَالَ:- فَمَسَحَهُ، فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ. قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الغَنَمُ. فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ، وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ. ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ، تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ اليَوْمَ إِلاَّ بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِى أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ وَالْجِلْدَ الحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي. فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الحُقُوقَ كَثِيرَةٌ. فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ

ص: 618

لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ. فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ. وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللهِ، ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي. فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللهِ لَا أَجْهَدُكَ اليَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ. فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ - رَضِيَ اللهُ عَنْكَ - وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ». [6653 - مسلم: 2964 - فتح: 6/ 500]

ذكره من طريقين إلى عبد الرحمن بن أبي عمرة أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أقرع وأَبْرَصَ وَأَعْمَى بَدَا لله أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ .. " فساق الحديث بطوله.

ورواه في أحد طريقيه عن محمد. قال الجياني: لعله الذهلي

(1)

. وكذا ساقه أبو نعيم من حديث محمد بن يحيى، وعلقه البخاري في الأيمان والنذور فقال: وقال عمرو بن عاصم: ثنا همام به

(2)

.

وأبو عمرة بشير بن عمرو بن محصن بن عتيك بن عمرو بن مبذول بن مالك بن النجار، له صحبة، قتل بصفين مع عليٍّ

(3)

كما سبق.

ومعنى "بدا لله": سبق في علم الله، فأراد فعله وإظهاره في الخارج. وقيل: معناه: قضى الله أن يبتليهم. وفي مسلم: "أراد الله"

(4)

. وقيل:

(1)

"تقييد المهمل" 3/ 1045.

(2)

سيأتي برقم (6653) باب: لا يقول ما شاء الله وشئت.

(3)

"الاستيعاب" 4/ 284 (3138)، "أسد الغابة" 6/ 230 (6129)، "الإصابة" 4/ 141، (814).

(4)

"صحيح مسلم"(2964) كتاب الزهد والرقائق.

ص: 619

صوابه بدأ الله. قال الخطابي: ومن قال فيه: (بدا لله) غلط؛ لأن البداء على الله غير جائز

(1)

؛ لأنه لغة موضوع تغير الأمر عما كان عليه، تقول: بدا لي في هذا الأمر، أي: تغير رأيي عما كان عليه، فليس هو على ظاهره، بل المراد أظهر الله ذلك وأوقعه ولم يزل ذلك في مكنون غيبه مرادًا.

وقوله: ("يبتليهم")، وروي أيضًا "يبليهم" بإسقاط التاء المثناة فوق يريد الاختبار

وقوله: ("قَذِرني الناس") هو بكسر الذال المعجمة أي: كرهوني، والأقرع: الذي ذهب شعر رأسه. والناقة العشراء: هي التي أتى على حملها تمام عشرة أشهر من يوم أرسل عليها الفحل وزال عنها اسم المخاض، وقيل: إلى أن تلد وبعدما تضع، وهي من أنفس الإبل.

وقوله: ("أعطاه شاة والدًا") أي: ذات ولد.

وقوله: ("فأنتج هذان")، كذا وقع وهي لغة قليلة، والفصيح عند أهل اللغة: نتجت الناقة -بضم النون- ونتجها أهلها والمعنى أصغر ما تلد عند ولادته، وقال بعضهم: أنتجت الفرس: حملت، فهي نتوج، ولا يقال: منتج

(2)

.

وقوله: ("تقطعت بي الحبال") هو بالحاء المهملة. أي: العهود والوسائل فكأنه قال: تقطعت بي الأسباب التي كنت أرجو التوصل بها، ويروى بالجيم

(3)

، ويروى الحيل جمع حيلة وهو صحيح. وقال ابن

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1569.

(2)

انظز: "تهذيب اللغة" 4/ 3502 مادة نتج.

(3)

انظر هامش اليونينية 8/ 133 رقم (6653) ط. طوق النجاة

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 6/ 502: ولبعض رواة البخاري الجبال بالجيم والموحدة وهو تصحيف.

ص: 620

التين: أراد أنك كنت كذا، كقوله:{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} الآية، وهذا من المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب وضرب الأمثال للمخاطب ليتعظ.

وقوله: ("فلا بلاغ") أي: لا وصول إلى ما أريد.

وقوله: ("لقد ورثت كابرًا عن كابر") وفي رواية "لكابر"

(1)

أي: كبيرًا عن كبير في الشرف والعز، حمله بخله على نسيان نعمة الله عليه وعلى الكذب.

وقوله: ("فوالله لا أحمدك اليوم بشيء أخذته لله") أي: لا أحمدك اليوم على ترك شيء أو إبقائه لطيب نفسي بما تأخذه.

وفي مسلم: "لا أجهدك"

(2)

أي: لا أشق عليك بالرد والمنة، يقال: جهدته وأجهدته أي: بلغت مشقته، وقد يكون هنا من الجهد الذي يعيش به المقلُّ، أي: أقلل لك فيما تأخذه، من قوله تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} كذا رواه الجمهور بجيم وهاء، وعند ابن ماهان بالحاء والميم، ووقع في البخاري بالوجهين، لكن الذي في الأصول ما قدمته، والمشهور في مسلم بالجيم، وهنا بالحاء، وكأن لفظة الترك محذوفة مرادة كما أسلفناه. وفي الحديث ذكر الرجل بما فيه من العيوب وأنه ليس غيبة، وأن النعم إنما تثبت بالشكر وردها إلى المنعم.

وفيه: أن الصدقة تطفئ غضب الرب -جل وعلا-، وفيه: إكرام الضعفاء والحث على ذلك، والحذر من كسر قلوبهم واحتقارهم.

(1)

انظر "صحيح البخاري" 4/ 172 ط. طوق النجاة.

(2)

"صحيح مسلم" رقم (2964) كتاب الزهد والرقائق.

ص: 621

‌52 - باب {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} [الكهف: 9]

الكَهْفُ: الفَتْحُ فِي الجَبَلِ، وَالرَّقِيمُ: الكِتَابُ. {مَرْقُومٌ} [المطففين: 9]: مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْم {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} [الكهف: 14]: أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا. {شَطَطًا} [الكهف: 14]: إِفْرَاطًا، الوَصِيدُ: الفِنَاءُ وَجَمْعُهُ: وَصَائِدُ وَوُصُدٌ، وَيُقَالُ: الوَصِيدُ: البَابُ {مُؤْصَدَةٌ} [البلد: 20]: مُطْبَقَةٌ، آصَدَ البَابَ وَأَوْصَدَه {بَعَثْنَاهُمْ} [الكهف: 19]: أَحْيَيْنَاهُمْ {أَزْكَى} [الكهف: 19]: أَكْثَرُ رَيْعًا. فَضَرَبَ اللهُ عَلَى آذَانِهِمْ: فَنَامُوا {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} [الكهف: 22]: لَمْ يَسْتَبِنْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَقْرِضُهُمْ} [الكهف: 17]: تَتْرُكُهُمْ. [فتح: 6/ 305]

الشرح:

قول مجاهد أخرجه ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه

(1)

.

وما ذكره في الكهف هو أحد الأقوال فيه وقيل: الغار، وقيل: الجبل، وفي "غرر التبيان" أنه قرب مدينة طرسوس، وكانت قبل تسمى أقسوس. وقيل: بين أيلة وفلسطين، وكان بابه إلى الشمال

(2)

.

وما ذكره في الرقيم مرقوم: مكتوب، يريد مثل قتيل بمعنى مقتول، وقيل: مرقوم بنيت حروفه بعلاماتها من النقط.

وقال أبو عبيدة وقتادة: هو الوادي الذي فيه الكهف

(3)

. وقال أنس:

(1)

"تفسير القرآن العظيم" 7/ 2352.

(2)

"غرر التبيان" ص 316.

(3)

انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 394. أما قول قتادة فرواه الطبري في "تفسيره" 8/ 181 (22894).

ص: 622

هو الكلب

(1)

. وقال كعب: هو اسم القرية التي خرجوا منها

(2)

. وقال عكرمة: الدواة. وقال السدي: الصخرة

(3)

. وقال الفراء: اللوح من رصاص كتبت فيه أسماؤهم وأنسابهم ودينهم وممن هربوا

(4)

.

وعن ابن عباس: كل القرآن أعلم إلا أربعة إلا {غِسْلِينٍ} {وَحَنَانًا} و {الأواه} {وَالرَّقِيمِ}

(5)

وقوله في: {شَطَطًا} : إفراطًا، خالف قتادة فقال: كذبًا

(6)

، وقيل: جورًا، وقيل: هو التجاوز فيه

(7)

. وما ذكره في (الوصيد) هو قول ابن عباس وغيره وقيل: العتبة، وقيل: هو فناء الكهف عند عتبته، وقيل: الوصيد: عتبة الباب

(8)

. وما ذكره في {أَزْكَى} أحد الأقوال، وقيل: أرخص، وقيل:(أحلا)

(9)

. وما ذكره في {رَجْمًا} لم يستبن. أي: قذفًا بالظن. وقال ابن عباس في {تَقْرِضُهُمْ} لو أن الشمس تطلع عليهم وتغرب لاحترقوا، ولولا أنهم يقلبون لأكلتهم الأرض. وقال القتيبي: كان باب الكهف حذاء بنات نعش فكانت الشمس تزاور عنهم إذا طلعت وتتركهم إذا غربت، وأنكره أبو إسحاق قال: وإنما جعلهم الله آية، ألا ترى أنه قال:{ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ} وقيل: تقرضهم: تجاوزهم.

(1)

رواه ابن حاتم في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" 5/ 362.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 180 - 181 (22895،22891).

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 7/ 2346 (12714).

(4)

"معاني القرآن" 2/ 134.

(5)

أخرجه ابن جرير الطبري 8/ 182 (22904) بلفظ: كل القرآن أعلمه إلا حنانا، والأواه، والرقيم.

(6)

المصدر السابق 8/ 189 (22921).

(7)

قاله أبو جعفر النحاس في "معاني القرآن" 4/ 222.

(8)

انظر: "تفسير الطبري" 8/ 195.

(9)

ورد في هامش الأصل: لعله: أحل. أي: أحل ذبيحهْ؛ لأن .. مجوسًا.

ص: 623

فائدة:

ذكر ابن مردويه في "تفسيره" من حديث حجاج بن أرطأة عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعًا:"أصحاب الكهف أعوان المهدي"

(1)

.

وروى الضحاك عن ابن عباس {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} قال: ستة أشهر على كل جنب

(2)

.

وقال مقاتل في "تفسيره": اسم الكهف بانجلوس، والرقيم كنية رجلين قاضيين صالحين أحدهما مانوس والآخر أسطوس، كانا يكتمان إيمانهما من دقينوس الجبار، وهو الملك الذي فر منه الفتية فكتبا أمرهما في لوح من رصاص وجعلاه في تابوت من نحاس ثم صيراه في البناء الذي سدوا به باب الكهف

(3)

.

وقال ابن إسحاق في "المبتدأ": كانت الروم تعبد الأصنام وتذبح للطواغيت قبل تنصرهم وكان فيهم دقينوس، وكان يقتل من خالفه ممن تبع عيسى، فلما نزل أقسوس وهي مدينة أصحاب الكهف (فهربوا فتبعهم يخيرهم بين دينه والقتل، فلما رأى ذلك الفتية)

(4)

وكانوا أحرارًا أخدانًا عبادًا من أبناء الأشراف عظم عليهم وحزنوا حزنًا شديدًا، وكانوا ثمانية: مكسلمينا وهو أكبرهم ومخسلمينا وتمليخا ومرطوس وكسطوس وبيروس ودنيموس وبرطليس والصالحان اللذان كتبا اسماهما اسم الواحد بيدروس والآخر روناس، وذكر أن

(1)

قال ابن حجر في "الفتح" 6/ 503: سنده ضعيف.

(2)

انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" 7/ 2352 (12738).

(3)

"تفسير مقاتل" 2/ 284.

(4)

من (ص 1).

ص: 624

مانوس وأسطوس هما اللذان (أدرك)

(1)

حياتهما ودخلا عليهما مع تُبَّاع عيسى. وفي "تفسير ابن عباس" اسم الكلب: كيميل، ويقال: دين، ويقال: قطمير

(2)

. وقيل: زيان، وقيل: صهبا، وقيل: تور. وكان أنس، وقيل: أصفر، وفي كتاب "ليس": اسمه قطمور، وقيل: حمران، فهذِه ثمانية أقوال، وفي لونه قولان.

(1)

كذا بالأصل، ولعلها:(أدركا) والله أعلم.

(2)

روى الحافظ ابن عساكر في "تاريخه" كما في "تفسير ابن كثير" 9/ 116 - 117 من طريق صدقة بن عمر عن عباد المنقري عن الحسن البصري قال: اسم كلب أصحاب الكهف قطمير.

ص: 625

‌53 - [باب] حَدِيثُ الغَارِ

3465 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ، فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللهِ يَا هَؤُلَاءِ لَا يُنْجِيكُمْ إِلاَّ الصِّدْقُ، فَلْيَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ. فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ، فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ، وَأَنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ، فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا، وَأَنَّهُ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ فَقُلْتُ: اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ. فَسُقْهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ. فَقُلْتُ لَهُ: اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ. فَسَاقَهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا. فَانْسَاحَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ. فَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ آتِيهِمَا كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي، فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِمَا لَيْلَةً فَجِئْتُ وَقَدْ رَقَدَا وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ مِنَ الجُوعِ، فَكُنْتُ لَا أَسْقِيهِمْ حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَايَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا، فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا، فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا. فَانْسَاحَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ، حَتَّى نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ. فَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ إِلاَّ أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ، فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا، فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، فَقَالَتِ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ. فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ المِائَةَ دِينَارٍ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا. فَفَرَّجَ اللهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا» . [انظر: 2215 - مسلم: 2743 - فتح: 6/ 505]

ص: 626

ذكره من حديث ابن عمر وقد سلف في البيوع

(1)

بفوائده.

وذكر ابن مردويه في "تفسيره" حديثا عن النعمان بن بشير

(2)

بإسناد لا يقوى أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن أصحاب الرقيم: أن ثلاثة نفر دخلوا إلى كهف فوقع عليهم فقال قائل منهم: تذكروا أيكم عمل حسنة، فذكر مثله.

وقوله: ("فأووا إلى غار") ويقال: أوى بنفسه مقصور، وآويته أنا بالمد. والفرق: ثلاثة آصع -بفتح الراء وسكونها والفتح أشهر- مكيال معلوم. والأرز

(3)

بضم الراء وإسكانها حكاهما ابن فارس وغيره

(4)

، وقال القتبي: هو بالضم، وهو ستة عشر رطلاً، يريد أنه ثلاثة آصع؛ لأن الصالح خمسة أرطال وثلث.

وقوله: ("فَانْسَاحَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ")، هو بالحاء المهملة، انساح باله إذا اتسع، قال ابن التين: هكذا روي بالخاء المعجمة، وقال الخطابي: صوابه بالمهملة وأصله انصاحت، أي: انشقت، يقال: انصاح الثوب انصياحًا إذا انشق من قبل نفسه، قال: والصاد أخت السين

(5)

. قوله: ("يتضاغون من الجوع"): أي: يصيحون، وأصله من ضغاء الثعلب والسنور يضغو ضغوَا وضغاءً إذا صاح، وكذلك صوت كل ذليل مقهور، وعلى الأخير اقتصر ابن التين.

(1)

سلف برقم (2215) باب: إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضي.

(2)

ورد في هامش الأصل: حديث النعمان بن بشير هو في "مسند أحمد".

[قلت: انظر "المسند" 4/ 274.]

(3)

ورد في هامش الأصل: الأرز فيه لغات أخرى.

(4)

"مجمل اللغة" 1/ 91، "مقاييس اللغة" 1/ 78.

(5)

"أعلام الحديث" 3/ 1570.

ص: 627

وقوله: ("فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا، فَيَسْتَكِنَّا") هو من المسكنة. وقوله: ("بشربتهما") روي بالباء واللام، أي: لعدم شربتهما وفقدها، فيصيران مسكينين عن ذلك؛ لأن المسكين الذي لا شيء له.

ص: 628

‌54 - باب

3466 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«بَيْنَمَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ وَهْيَ تُرْضِعُهُ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتِ ابْنِى حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. ثُمَّ رَجَعَ فِي الثَّدْيِ، وَمُرَّ بِامْرَأَةٍ تُجَرَّرُ وَيُلْعَبُ بِهَا، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا. فَقَالَ: أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ، وَأَمَّا المَرْأَةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا: تَزْنِي. وَتَقُولُ: حَسْبِي اللهُ. وَيَقُولُونَ: تَسْرِقُ. وَتَقُولُ حَسْبِي اللهُ» . [انظر: 1260 - مسلم: 2550 - فتح: 6/ 511]

3467 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ» . [انظر: 3321 - مسلم: 2245 - فتح: 6/ 511]

3468 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ، عَامَ حَجَّ عَلَى المِنْبَرِ، فَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ -وَكَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيِّ- فَقَالَ: يَا أَهْلَ المَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ، وَيَقُولُ:«إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ» . [3488، 5932، 5938 - مسلم: 2127 - فتح: 6/ 512]

3469 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» . [3689 - فتح: 6/ 512]

3470 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ،

ص: 629

عَنْ أَبِى الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لَا. فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا. فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي. وَأَوْحَى اللهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي. وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا. فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبُ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ» . [مسلم: 2766 - فتح: 6/ 512]

3471 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ:«بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ» . فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ. فَقَالَ: «فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -وَمَا هُمَا ثَمَّ- وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ، فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: هَذَا، اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي، فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ. قَالَ: «فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» . وَمَا هُمَا ثَمَّ. [انظر: 2324 - مسلم: 2388 - فتح: 6/ 512]

وَحَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.

3472 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِى اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِى اشْتَرَى العَقَارَ؛ خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ، وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ. وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأَرْضُ إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ

ص: 630

الَّذِى تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِى غُلَامٌ. وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ. قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ، وَتَصَدَّقَا». [مسلم: 1721 - فتح: 6/ 512]

3473 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ- عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ -أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ- فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» . قَالَ أَبُو النَّضْرِ: «لَا يُخْرِجُكُمْ إِلاَّ فِرَارًا مِنْهُ» . [5728، 6974 - مسلم: 2218 - فتح: 6/ 513]

3474 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الفُرَاتِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ:"عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ". [5734، 6619 - فتح: 6/ 513]

3475 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالَ: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟» . ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ:«إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» . [انظر: 2648 - مسلم: 1688 - فتح: 6/ 513]

ص: 631

3476 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ الْهِلَالِيَّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً قَرَأَ، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ خِلَافَهَا، فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، وَقَالَ:«كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا» . [انظر: 2410 - فتح: 6/ 513]

3477 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» . [6929 - مسلم: 1792 - فتح: 6/ 514]

3478 -

حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَنَّ رَجُلاً كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللهُ مَالاً، فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أَىَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ. قَالَ: فَإِنِّى لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ. فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللهُ عز وجل، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ. فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ» .

وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الغَافِرِ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [6481، 7508 - مسلم: 2757 - فتح: 6/ 514]

3479 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ لِحُذَيْفَةَ: أَلَا تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ المَوْتُ، لَمَّا أَيِسَ مِنَ الحَيَاةِ، أَوْصَى أَهْلَهُ: إِذَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِى حَطَبًا كَثِيرًا، ثُمَّ أَوْرُوا نَارًا حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي، وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا، فَذَرُّونِي فِي اليَمِّ فِي يَوْمٍ حَارٍّ -أَوْ رَاحٍ- فَجَمَعَهُ اللهُ، فَقَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: خَشْيَتَكَ. فَغَفَرَ لَهُ» . قَالَ عُقْبَةُ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ. [انظر: 3452 - فتح: 6/ 514]

حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ:«فِي يَوْمٍ رَاحٍ» .

ص: 632

3480 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كَانَ الرَّجُلُ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ؛ لَعَلَّ اللهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا". قَالَ: "فَلَقِيَ اللهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ". [انظر: 2078 - مسلم: 1562 - فتح: 6/ 514]

3481 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اطْحَنُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا. فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللهُ الأَرْضَ، فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ. فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، خَشْيَتُكَ. فَغَفَرَ لَهُ» . وَقَالَ غَيْرُهُ «مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ» . [7506 - مسلم: 2756 - فتح: 6/ 514]

3482 -

حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» . [انظر: 2365 - مسلم: 2242 - فتح: 6/ 515]

3483 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِى فَافْعَلْ مَا شِئْتَ» . [3484، 6120 - فتح: 6/ 515]

3484 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» . [انظر: 3483 - فتح: 6/ 515]

ص: 633

3485 -

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ، فَهْوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» . تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. [5790 - فتح: 6/ 515]

3486 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ كُلُّ أُمَّةٍ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا اليَوْمُ الَّذِى اخْتَلَفُوا، فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى» . [انظر: 238 - مسلم: 855 - فتح: 6/ 515]

3487 -

«عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ» . [انظر: 897 - مسلم: 849 - فتح: 6/ 515]

3488 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ المَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا، فَخَطَبَنَا، فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ اليَهُودِ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهُ الزُّورَ يَعْنِي: الوِصَالَ فِي الشَّعَرِ. تَابَعَهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. [انظر: 3468 - مسلم: 2127 - فتح: 6/ 515]

ذكر فيه فوق العشرين حديثًا:

أحدها:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "بَينَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابنهَا إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكبٌ وَهِيَ تُرْضِعُهُ .. " الحديث وقد سلف في أحاديث الأنبياء وهو أحد من تكلم في صغره كما أسلفناه

(1)

.

ص: 634

وقوله: ("وأما المَرْأَةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا: تَزْنِي. وَتَقُولُ: حَسْبِي اللهُ")، أي: هي تزني، ولو خاطبها لقال: تزنين وتسرقين، وقوله:"فتقول: حسبي الله" يريد إذا سمعت بذلك.

الحديث الثاني:

حديثه أيضًا: "بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِن بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا"

وسلف أيضًا في بدء الخلق

(1)

، والركية: البئر والجمع ركى وركايا مطوية وغير مطوية، فإذا لم تطو فهي جب وقليب، فإن طويت فهي بئر. وذكر القزاز أن الركي البئر قبل أن تطوى، فإذا طويت فهي الطوي.

والموق الذي يلبس فوق الخف فارسي معرب. قال ابن فارس: البغايا: الإماء، الواحدة بغي، والبغي أيضًا: الفاجرة

(2)

، وهو المراد بهذا الحديث.

ومعنى يطيف بركية: يدور، يقال: أطاف بالشيء واستطاف.

الحديث الثالث:

حديث حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما عَامَ حَجَّ عَلَى المِنْبَرِ، فَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ -وَكَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ - فَقَالَ: يَا أَهْلَ المَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هذِه وَيَقُولُ:"إِنَّمَا هَلَكَت بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ".

وهذا الحديث ذكره آخر الباب من حديث آدم، عن شعبة عن عمرو بن مرة، وهو الجُمَلي الضرير مات سنة ست عشرة، وقيل: سنة

(1)

سلف برقم (3321) باب: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه.

(2)

"مجمل اللغة" 1/ 130.

ص: 635

ثماني عشرة ومائة- سمعت سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما المدينة آخر قدمة قدمها فخطبنا، فأخرج كبة من شعر فقال: ما كنت أرى أن أحدًا يفعل هذا غير اليهود، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه الزور، يعني: الوص الذي الشعر، ثم قال: تابعه غندر عن شعبة.

ويأتي في اللباس

(1)

، وأخرجه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حسن صحيح

(2)

. والقصة -بضم القاف ثم صاد مهملة مشددة- شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة، وقال ابن فارس: القصة: الناصية

(3)

. وسلف كبة من شعر.

وقوله: (أين علماؤكم؟) هو سؤال إنكار عليهم بإهمالهم إنكار هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره فأراد تذكيرهم لا أن يعلمهم، ويحتمل كما قال القرطبي: أن يكون ذلك منه؛ لأن عوام أهل المدينة أحدثت الزور كما في الرواية الآخرى إنكم قد أحدثتم زي سوء

(4)

. وفي رواية: ما كنت أرى أن أحدًا يفعله إلا اليهود، وأنه صلى الله عليه وسلم بلغه فسماه الزور

(5)

، ونادى أهل العلم لأجل الموافقة على ما رواه فينزجر من أحدث ذلك من العوام

(6)

.

(1)

سيأتي برقم (5932) باب: الوصل في الشعر.

(2)

أخرجه أبو داود (4167) والترمذي (2781) والنسائي 8/ 186.

(3)

"مقاييس اللغة" 5/ 11.

(4)

"صحيح مسلم" رقم (2127/ 124) كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة ..

(5)

ستأتي برقم (3488).

(6)

"المفهم" 5/ 448.

ص: 636

ثم النهي عن ذلك إشارة إلا وصل الشعر، وعن قتادة: الزور أكثر ما يكثر به النساء أشعارهن من الخرق

(1)

، والتزوير: التمويه بما ليس بصحيح. وهذا التفسير حجة على إبطال قول من قصر التحريم على وصل الشعر، وفيه: تنبيه إلى الرجوع إلى أهل المدينة وترشيح لمذهب مالك أن إجماع أهل المدينة حجة.

وقوله: "إنما هلكت نساء بني إسرائيل حين اتخذها نساؤهم" ظاهره التحريم، فارتكبن الحرام وأقروا عليه فاستوجب الكل العقوبة بذلك لما آرتكبوه من العظائم، وفيه: معاقبة العامة بظهور المنكر، وطهارة شعر الآدمي، وتناول الشيء الخطيب في الخطبة ليرى الناس إذا كان من أمر الدين.

الحديث الرابع:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هذِه مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ".

هذا الحديث ذكره في فضائل عمر بن الخطاب

(2)

بلفظ: "من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء" وإيراده هنا أمس؛ لأنه مناسب للباب.

وأخرجه مسلم من حديث حرملة، عن ابن وهب، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها مثله

(3)

.

(1)

"صحيح مسلم" رقم (2127/ 124).

(2)

سيأتي برقم (3689) كتاب فضائل الصحابة.

(3)

مسلم (2398) كتاب: فضائل الصحابة.

ص: 637

وقال الترمذي: أخبرني بعض أصحاب ابن عيينة قال "محدثون": يعني: مفهمون

(1)

. وقال أبو (مسعود)

(2)

: حديث ابن عجلان مشهور بقوله عن عائشة، ولا أعلم أحدًا تابع ابن وهب عن إبراهيم بن سعد في قوله: عن عائشة.

وقال الحميدي: أما حديث ابن وهب عن إبراهيم بن سعد فعندي أنه خطأ

(3)

.

وذكر الدارقطني أن الحكم بن أسلم رواه عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، وأن يزيد بن هارون وإسحاق الأزرق روياه عن زكريا بن أبي زائدة، عن سعد، عن أبي سلمة مرسلًا

(4)

.

واختلف في قوله: "محدثون" فقال ابن وهب: ملهمون، وقال ابن قتيبة: يصيبون إذا ظنوا وحدسوا

(5)

، وقال ابن التين: يعني: متفرسون، ويستدلون على بعض هدي الرجل. وقال القابسي: تكلمهم الملائكة، واحتج بقوله:(مكلمون)

(6)

، وقال البخاري فيما حكاه النووي: يجري الصواب على ألسنتهم

(7)

، وهي متقاربة، وفي حديث آخر:"في كل أمة محدثون" يعني: قومًا يصيبون إذا ظنوا، فكأنهم حدثوا بشيء فقالوه.

(1)

"سنن الترمذي"(3693).

(2)

ليست في الأصل.

(3)

"الجمع بين الصحيحين" 4/ 209 - 210 بتصرف. والله أعلم.

(4)

انظر: "العلل" 9/ 313 - 315 (1789)، "الإلزامات والتتبع" ص 341.

(5)

"غريب الحديث" 1/ 312.

(6)

في (ص 1): متكلمون.

(7)

"صحيح مسلم بشرح النووي" 15/ 166.

ص: 638

قال ابن عمر رضي الله عنهما (ما سمعت عمر)

(1)

يقول: ما أظن هذا إلا هكذا فلا يخطئ

(2)

.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ضرب بالحق على قلب عمر وعلى لسانه"

(3)

وهذا غالب، وقد بعث عمر جيشًا وأمر عليهم سارية فبينا عمر رضي الله عنه يخطب فجعل يصيح: يا سارية الجبل فقدم رسول الجيش فقال: هَزَمَنَا عدُّونا، فصيح بنا: يا سارية الجبل فهزمهم الله

(4)

. فهذا كان غالب حاله، وربما لم يصب كما في مناظرته الصديق في قتال أهل الردة إلى أن قال: فعرفت أنه الحق

(5)

.

وأتي عمر بامرأة حملت من زنا فأمر برجمها، فقال له معاذ: هذا لك عليها فمالك في بطنها؟ فقال عمر: أعيت النساء أن تأتي بمثل معاذ،

(1)

وردت في هامش الأصل وسبقها: لعله سقط.

(2)

البخاري (3866) كتاب: مناقب الأنصار. باب: إسلام عمر.

(3)

رواه أحمد 5/ 145 من طريق عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث عن أبي ذر بتمامه.

ورواه الترمذي (3682)، وأحمد 2/ 53، وابن حبان (6895) من حديث ابن عمر. قال الترمذي: هذا حديث حسن ووافقه الألباني في "المشكاة"(6033) وقال: وهو كما قال أو أعلى.

(4)

رواها ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 20/ 24. قال في "المقاصد" ص 553 (1333): أخرج القصة الواقدي، وسيف مطولة، وهي عند البيهقي في "الدلائل" واللالكائي في "شرح السنة" والدير عاقولي في "فؤائده" وابن الأعرابي، وذكره حرملة في جمعه لحديث ابن وهب، وهو كما قال شيخنا: إسناد حسن اهـ مختصرًا.

(5)

سلف برقمي (1399، 1400) كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، وكذا رواه مسلم (20) كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله. من حديث أبي هريرة.

ص: 639

هلك عمر. وأتي عمر بمجنونة زنت فأمر برجمها، فقال علي: مالك ولهذه؟ فتذكر وقال: لا شيء وأرسلها.

وقال ابن العربي: قد بينا فساد قول من ذهب إلا أن ذلك من صفاء القلب مما يتجلى فيه من اللوح المحفوظ، وأرى ذلك دعوى، ولو كان بالتجلي عند المقابلة بين الصافي الصقيل واللوح المحفوظ؛ لكان مطلعًا على جميع المعارف بمقابلة لحظة أو على جملة عظيمة لا مطلعًا على كلها، وإنما طريق ذلك أن الله يخلق في القلب الصافي (أو بواسطة)

(1)

إلقاء الملك إليه الكلمة كما يلقي الشيطان إلى الكاهن، وقد ينتهي الحال إلى أن يسمع الصوت، وقال بعضهم: يرى الملك، ولم أعرف ذلك الآن.

وقول عمر: (يا سارية الجبل)، منزلة عظيمة وكرامة ظاهرة، وهي في جميع الصالحين مطردة إلى يوم الدين

(2)

.

قال: وقوله: ("إن كان في أمتي هذِه منهم")، يشعر بقلة وقوع ذلك وندارته، وليس المراد بالمحدثين من يصيب فيما يظن؛ لأن هذا كثير في العلماء والأئمة والفضلاء، بل وفي عوام الخلق كثير ممن يقوى حدسه.

فتصح إصابته فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر بذلك. ومعنى هذا الخبر قد تحقق ووجد في عمر قطعًا، وإن كان صلى الله عليه وسلم لم يجزم فيه بالوقوع ولا صرح فيه بالإخبار؛ لأنه إنما ذكره بصيغة الاشتراط، وقد دل على وقوع ذلك لعمر حكايات كثيرة.

(1)

في (ص 1): وبوساطة.

(2)

"عارضة الأحوذي" 7/ 149 - 150.

ص: 640

الحديث الخامس:

حديث أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ -بكر بن قيس، وقيل: ابن عمرو- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُل قَتَلَ تِسْعَةً وَتسْعِينَ رجلاً .. " الحديث وأخرجه مسلم في التوبة

(1)

وابن ماجه في الديات

(2)

وفي آخره: "فَوُجِدَ إِلَى هذِه أَقْرَبُ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ" .. وقتله الراهب الأول كان لقلة علمه وتجرئه على الفتيا بقوله: "لا توبة لك"، وهذا جهل منه، وأعان على نفسه إذ أيأس القاتل من التوبة، فلما ساقه الله إلى هذا العالم دله على الخير، وعلى مفارقة الأرض التي أصاب فيها الذنوب، والإخوان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم، وأن يستبدل بهم صحبة الأخيار، وبهذا يظهر فضل العالم على العابد الذي لا علم عنده؛ لأنه اغتر فأفتى بغير علم فهلك في نفسه، وكاد أن يهلك غيره.

ومذهب أهل السنة أن التوبة تكفر القتل كسائر الذنوب كما قاله القاضي، وما روي عن بعضهم من تشديد في الزجر وتورية في القول فإنما ذلك لئلا يجترئ الناس على الدماء

(3)

. وهذا الحديث ظاهر فيه، وهو أنه كان شرعًا لمن قبلنا، وفي الاحتجاج خلاف، فليس هذا موضع خلاف، وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته، فإن ورد كان شرعًا لنا بلا شك، وهذا فقد ورد شرعنا به، وهو قوله تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ} إلى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ} . وقال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا

(1)

مسلم برقم (2766) باب: قبول توبة القاتل.

(2)

"سنن ابن ماجه" رقم (2622) باب: هل لقاتل مؤمن توبة.

(3)

قاله القاضي عياض في "إكمال المعلم" 8/ 269.

ص: 641

يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فكل ما دون الشرك يجوز أن يغفره الله. وفي حديث عبادة: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عما عنه، وإن شاء عذبه"

(1)

فهذِه حجج صريحة تبين فساد مذهب المكفر بشيء من ذلك.

وأما قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} فالصواب في معناه: جزاؤه إن جازاه. وقد لا يجازي بل يعفو عنه، فإن استحل قتله بغير حق ولا تأويل فهو كافر مخلد في النار إجماعًا، وإن لم يستحل وأقدم على ذلك فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة جزاؤها جهنم خالدًا فيها لكن تفضل الله فأخبر أنه لا يخلد من مات موحدًا فيها، فلا يخلد هذا، وقد يعفو عنه فلا يدخلها أصلاً، وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر عصاة الموحدين ثم يخرج منها إلى الجنة. وقيل: الخلود طول المدة والإقامة لا التأبيد، وقيل: المراد بالآية رجل بعينه قتل رجلاً له عليه دم بعد أخذ الدية منه ثم ارتد

(2)

. ويحتمل أن قتله الراهب متأولًا إذ قال بغير علم.

وفيه: اختصام الملائكة واطلاع ملائكة الرحمة على ما في قلبه من صحة توبته، وأن ذلك خفي على ملائكة العذاب حتى قالت:"إنه لم يعمل خيرًا قط"، ولو اطلعت على ما في قلبه من توبته لما صح لها قول ذلك ولا تنازع ملائكة الرحمة، لكن شهادة ملائكة الرحمة على

(1)

رواه البخاري (18) كتاب الإيمان، ومسلم (1709) كتاب الحدود باب: الحدود كفارات لأهلها.

(2)

حكاها ابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 1037 - 1038.

ص: 642

إثبات، وأولئك على نفي، والمثبت مقدم، فلا جرم أنهما لما تنازعا خرجا عن الشهادة إلى الدعوى بعث الله إليهما ملكًا حاكمًا يفصل بينهما في صورة آدمي، وأخفى ذلك عنهم؛ ليعلموا أن في بني آدم من يصلح للفصل بين الملائكة إذا تنازعوا.

وقوله: ("فَنَاء بِصَدْرِهِ") أي: مال ونهض مع ثقل ما أصابه من الموت، وقال ابن التين: تباعد نحوها، يقال: نأى ينأى نأيًا، وذلك دليل على صحة توبته، لاجتهاده في القرب من أهل الخير فأعين على اجتهاده.

وفيه: أن الندم توبة، وفيه حديث

(1)

.

وفيه: دلالة على التحكيم، وهو مذهب مالك

(2)

والشافعي

(3)

خلافًا لمن قال أن الشافعي خالفه.

وقوله: ("وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا. فَوُجِدَ إِلَى هذِه أَقْرَبُ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ")، وفي رواية:"قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له"

(4)

فيه دلالة أن الحاكم إذا تعارضت عنده الأقوال وتعددت الشهادات، وأمكنه أن يستدل بالقرائن على ترجيح بعض الدعاوى نفذ الحكم بذلك.

(1)

رواه ابن ماجه (4252)، وأحمد 1/ 376، 423 والحاكم 4/ 243، وأبو يعلى (4969) والحميدي في "مسنده" 1/ 105 كلهم من طريق -عبد الكريم الجزري، عن زياد بن أبي مريم، عن عبد الله بن معقل، عن ابن مسعود مرفوعًا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه البوصيري في "مصباح الزجاجة" 4/ 248 (1251) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" 2/ 418 (3429) وانظر "صحيح الجامع" رقم (6802).

(2)

انظر: "المفهم" 7/ 92.

(3)

انظر: "روضة الطالبين" 11/ 121.

(4)

رواها مسلم برقم (2766) كتاب التوبة، باب: قبول توبة القاتل وإن كثر قتله.

ص: 643

ووحي الله تعالى إلى هذِه بالقرب وإلى هذِه بالبعد من لطفه به وعنايته.

وفيه: أن الذنوب وإن عظمت تصغُر عند عفو الله، وهو حديث عظيم لرجاء أصحاب العظائم.

الحديث السادس:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "بَيْنَما رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إذْ رَكبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لهذا .. " الحديث. ثم ساقه من طريق آخر إليه. وقد سلف في المزارعة

(1)

.

وفيه: أن الله لا يعذب عباده إلا بعد الإعذار إليهم.

الحديث السابع:

حديث أبي هريرة أيضًا في الذي اشترى العقار فوجد فيه جرة فيها ذهب وتنازعا فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الذِي تَحَاكمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلَامٌ. وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ. قَالَ: أنكح الغُلَامَ الجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ، وَتَصَدَّقَا.

وأخرجه مسلم في القضاء

(2)

.

الشرح:

العقار أصل المال. وقيل: المنزل، وقيل: الضياع. وعليه اقتصر ابن التين فقال: العقار ضيعة الرجل. وعبارة القرطبي: أنه أصل المال من الأرض وما يتصل بها، وعقر الشيء: أصله، ومنه عقر الأرض بفتح العين وضمها

(3)

. والجرة من الفخار ما يصنع من المدر.

(1)

سلف برقم (2324) باب: استعمال البقر للحراثة.

(2)

مسلم (1721) باب: استحباب إصلاح الحاكم بين الخصمين.

(3)

"المفهم" 5/ 178.

ص: 644

وفيه: التحكيم، وقد سلف في الحديث قبله. وقال أبو حنيفة: إن وافق رأيه رأي قاضي البلد نفذ وإلا فلا

(1)

. وقال شريح: إنه كالقسامة فلا يلزمه حكمه

(2)

، ثم إن هذا الرجل لم يحكم على واحد منهما إنما أصلح بينهما، وذلك أن هذا المال ضائع إذ دم يدعه أحدهما، ولعلهم لم يكن لهم في زمانهم بيت مال، فظهر لهذا المحكَّم أنهما أحق به؛ لزهدهما وورعهما وحسن حالهما، ولما ارتجى من طيب نسلهما وصلاح ذريتهما.

وحكى المازري خلافًا عندهم فيما إذا ابتاع أرضًا فوجد فيها شيئًا مدفونًا هل يكون ذلك للبائع أو للمشتري

(3)

؟ وحمله القرطبي على ما يكون من أنواع الأرض كالحجارة والعُمُد والرخام، وأما ما كان كالذهب والفضة فإن كان من دفين الجاهلية فهو ركاز، وان كان من دفين المسلمين فهو لقطة، وإن جهل ذلك كان مالاً ضائعًا، فإن كان هناك بيت مال حفظ فيه وإلا صرف في الفقراء والمساكين، وفيما يستعان به على أمور الدين، وفيما أمكن من مصالح المسلمين

(4)

.

قال ابن التين: وإنما أخبر الشارع بذلك ليعتبر به ويزهد في الدنيا. قال ابن شهاب: الزاهد من لا يغلب الحرامُ صبره ولا الحلال شكره

(5)

، وهذا لعله كان شرعًا لهم، ولو ترك عنده ثلاثًا لنظر المال، فإن كان من دفين الإسلام فهو لقطة، وإن كان من دفين الجاهلية فقال مالك: هو

(1)

انظر: "المبسوط" للسرخسي 24/ 355.

(2)

انظر: "المفهم" 5/ 179.

(3)

"المعلم" 2/ 115.

(4)

"المفهم" 5/ 179 - 180.

(5)

رواه أبو نعيم في "الحلية" 3/ 371.

ص: 645

للبائع. وخالفه ابن القاسم، فقال: إن ما في داخلها بمنزلة ما في خارجها.

وقول مالك أحسن؛ لأن من ملك أرضًا باختطاطٍ ملكَ ما في باطنها، وليس جهله به حين البيع يسقط ملكه عنه.

الحديث الثامن:

حديث مالك عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ عن جابر وَعَنْ أَبِي النَّضرِ (م. الأربعة) -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ الله- عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم في الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ -أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ- فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ". قَالَ أَبُو النَّضرِ: -أي: واسمه سالم- "لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ". وأخرجه أيضًا في ترك الحيل

(1)

كما سيأتي، وأخرجه مسلم في الطب

(2)

، والترمذي في الجنائز

(3)

، والنسائي في الطب

(4)

، وأهمله ابن عساكر.

الحديث التاسع:

حديث عائشة رضي الله عنها أَنَّهُ: "عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ من عباده، وَأَنَّ الله جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَده صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كتَبَ اللهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ" ..

(1)

سيأتي برقم (6973) باب: ما يكره من الاحتيال.

(2)

"صحيح مسلم" برقم (2218) كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة.

(3)

"سنن الترمذي" رقم (1065).

(4)

"السنن الكبرى" 4/ 362 (7523).

ص: 646

وحديث عائشة هذا أخرجه في كتاب القدر

(1)

وفي كتاب الطب

(2)

والتفسير

(3)

أيضًا كما سيأتي وقال: "مثل أجر الشهيد" وحديث أسامة أخرجه مسلم بألفاظ

(4)

، ثم قال: وعن سعد بن أبي وقاص وخزيمة بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث

(5)

.

ولم يخرجه البخاري عنهما، وقال في بعض طرقه:"عذب به بعض الأمم، ثم بقي منه بقية فيذهب المرة ويأتي الأخرى"

(6)

وسيأتي عنده حديث عبد الرحمن بن عوف: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها لا تخرجوا فرارًا"

(7)

والرجس: العذاب.

وهو رحمة لهذِه الأمة كما صرح به في الحديث، وقد سلف في الجهاد في باب: الشهادة سبع سوى القتل

(8)

.

وقول أبي النضر: ("لا يخرجكم")، مراده أن الخروج الذي منع منه الشارع هو الذي لا يخرجه إلا الفرار منه، فأما إن خرج لتجارة وغيرها غير فار فلا نهي عليه.

وقيل: إنما منع من الخروج فرارًا مثله ظنًّا أن الفرار ينجيه من القدر.

(1)

سيأتي برقم (6619) باب {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ الله} .

(2)

سيأتي برقم (5734) باب: أجر الصابر في الطاعون.

(3)

لم أجده.

(4)

مسلم (2218) كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها.

(5)

هذا الكلام ليس من كلام مسلم ولكنه من كلام الترمذي قاله بعد حديث أسامة.

انظر "السنن" رقم (1065) كتاب الجنائز، باب: ما جاء في كراهية الفرار من الطاعون.

(6)

"صحيح مسلم" رقم (2218/ 96).

(7)

المصدر السابق رقم (2219).

(8)

سلف برقم (2830).

ص: 647

وقوله: " لا تقدموا عليه يريد: لأن مقامكم بالموضع الذي لا طاعون فيه أسكن لقلوبكم، وفيه المرأة والدار يعرفان بالشؤم فيوافق قدرًا من مكروه فيقع في الأنفس أن ذلك من سببهما. وسئل مالك عن البلد يقع فيه الموت وأمراض هل يكره الخروج إليه؟

قال: ما أرى بأسًا خرج أو أقام، قيل: فهذا شبه ما جاء به الحديث من الطاعون؟ قال: نعم

(1)

.

وحديث عائشة رضي الله عنها المراد به ما لم يمت منه كما قاله الداودي، أما من مات منه فهو شهيد جزمًا.

وذكر ابن جرير الخلاف عن السلف في الفرار من الوباء، وذكر عن أبي موسى الأشعري أنه كان يبعث بنيه إلى الأعراب من الطاعون، وعن الأسود بن هلال ومسروق أنه كان يفر منه.

وعن عمرو بن العاصي أنه قال: (تفرقوا)

(2)

في هذا الرجز في الشعاب والأودية ورءوس الجبال، فبلغ معاذًا فأنكره وقال: بل هو شهادة ورحمة ودعوة نبيكم

(3)

.

(1)

انظر "المفهم" للقرطبي 5/ 614.

(2)

في هامش الأصل: (تفروا) عليها (خ) تعني: من نسخة أخرى، والله أعلم.

(3)

رواه أحمد 5/ 248، والبزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار" 3/ 397 (3042) في قصة طويلة وفيه قول معاذ بن جبل وشرحبيل بن حسنة: ليس بالطاعون ولا الرجز ولكنها رحمة ربكم ودعوة نبيكم .. الحديث. وأخرجه مطولا بنحو حديث البزار: ابن أبي شيبة 6/ 161 وليس فيه كلام شرحبيل ابن حسنة. وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 306 وابن حبان (2951) وليس فيهما كلام معاذ بن جبل.

قلت: فلعل كلام معاذ وشرحبيل تناقله غير واحد من الصحابة وذلك لتخفيف وقع هذِه المصيبة على المسلمين.

ص: 648

وكان بالكوفة طاعون فخرج المغيرة منها

(1)

، فيما ذكره المدائني فلما كان في حصاص

(2)

ابن عوف طعن فمات. وأما عمر فرجع من سرغ ولم يقدم عليه

(3)

، وذلك لدفع الأوهام المشوشة لنفس الإنسان، وندم على رجوعه.

وتأول من فر أنه لم ينه عن الدخول والخروج مخافة أن يصيبه غير المقدور، لكن مخافة الفتنة أن يظنوا أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه، وسلامة الفار إنما كانت بفراره. وهذا من نحو النهي عن الطيرة. وعن ابن مسعود: هو فتنة على المقيم الفار فيقول: فررت فنجوت، وأما المقيم فيقول: أقصت فمت، وإنما فر من لم يأت أجله، وأقام من حضر أجله.

وقالت عائشة رضي الله عنها: الفرار منه كالفرار من الزحف.

ويقال: قلما فر أحد من الوباء فسلم، ويكفي من ذلك موعظة قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} الآية.

قال الحسن: خرجوا حذرًا من الطاعون فأماتهم الله في ساعة واحدة، وهم أربعون ألفًا

(4)

وقد ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 312 وقال: رواه البزار وروى أحمد بعضه وفي إسناد البزار شهر بن حوشب وفيه كلام وقد وثقه غير واحد.

وقال في موضع آخر 2/ 314: رواه أحمد وأبو قلابة لم يدرك معاذ بن جبل.

(1)

ذكر هذا الكلام ابن حجر في "بذل الماعون في فضل الطاعون" ص 223.

(2)

هو موضع بالحجاز، انظر:"معجم ما استعجم" 1/ 451.

(3)

رواه البخاري (5729) كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون ومسلم، (2219) كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها.

(4)

رواه بنحوه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 110 (302).

ص: 649

غريبة:

وقع في كتاب أبي الفرج الأصبهاني: كانت العرب تقول: إذا دخل بلدًا وفيها وباء فإنه ينهق نهيق الحمار قبل دخولها، فإنه إذا فعل ذلك أمن من الوباء.

فصل:

إن قلت: عدم القدوم عليه تأديب وتعليم، وعدم الخروج إثبات التوكل والتسليم وهما ضدان، فأمره بالحذر عنه؟! قلت: أجاب ابن الجوزي أنه لما لم يؤمن على القادم عليه أن يظن أنه إذا أصابه أن ذلك على سبيل العدوى التي لا صنع (للمقدور)

(1)

فيها نهى عن ذلك، فكلا الأمرين يراد لإثبات القدر، وترك التعرض لما يزلزل الباطن.

وقال بعضهم: إنه إنما نهي عن الخروج لأنه إذا خرج الأصحاء وهلك المرضى فلا يبقى من يقوم بأمرهم فخروج هؤلاء لا يقطع بنجاتهم، وهو قاطع بهلاك الباقين، والمسلمون كما جاء في الحديث "كالبنيان يشد بعضه بعضًا".

وقال ابن العربي: الذي عندي أن الله أذن أن لا يتعرض أحد للحتوف - ولكن هو من باب الحذر الذي أذن فيه؛ لأن الله صانك أن لا تشرك به فتقول: لو لم أدخل لم أمرض

(2)

.

فصل:

قول أبي النضر السالف: ("لا يخرجكم)

(3)

إلا فرارًا منه") كذا هو

(1)

في (ص 1)(للقدر).

(2)

"عارضة الأحوذي" 4/ 286.

(3)

في الأصل: (يخرجنكم)، والمثبت من اليونينية 4/ 175.

ص: 650

بالنصب، ويجوز رفعه، واستشكلهما القرطبي؛ لأنه لا يفيد بحكم، ظاهره أنه لا يجوز لأحد أن يخرج من الوباء إلا من أجل الفرار وهذا محال، وهو نقيض المقصود من الحديث، لا جرم قيده بعض رواة "الموطأ": الإفرار منه بهمزة مكسورة ثم فاء ساكنة يوهم أنه مصدر، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه لا يقال: أفرَّ رباعيًا، وإنما: يقال: فر، ومصدره فرار ومفر، قال تعالى:{أَيْنَ الْمَفَرُّ} قال جماعة من العلماء: إدخال (إلا) فيه غلط، قال بعضهم: إنها زائدة كما تزاد (لا) في مثل قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} أي: أن تسجد، وقال بعض النحويين:(إلا) هنا للإيجاب؛ لأنها تعوض ما نفاه من الجملة، ونهاه عن الخروج، فكأنه قال: لا تخرجوا منها إذا لم يكن خروجكم إلا فرارًا، فأباح الخروج لغرض آخر. والأقرب أن تكون زائدة، والصحيح إسقاطها كما قد صح في الروايات الأخر

(1)

.

وقال القاضي عياض: خرج بعض محققي العربية لرواية النصب وجهًا فقال: منصوب على الحال، قال: فلفظة (إلا) هنا للإيجاب لا للاستثناء، قال: وتقديره لا تخرجوا (إذا)

(2)

لم يكن خروجكم إلا فرارًا منه

(3)

.

فائدة:

الطاعون وزنه فاعول من الطعن غير أنه عدل عن أصله، ووضع دالًّا على الموت العام بالوباء، وهي قروح تخرج في الجسد فتكون في المراق أو الآباط أو الأيدي أو الأصابع وسائر البدن، ويكون معه

(1)

"المفهم" 5/ 614 - 615.

(2)

في الأصل: (إلا) والمثبت من (إكمال المعلم).

(3)

"إكمال المعلم" 7/ 131.

ص: 651

ورم وألم شديد وتخرج تلك القروح مع لهب، ويسود ما حوله أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة، ويحصل معه خفقان القلب والقيء. وقال الخليل: الوباء هو الطاعون

(1)

، وقيل: هو كل مرض عام يقع بكثير من الناس نوعًا واحدًا، بخلاف سائر الأوقات فإن أمراضهم فيها مختلفة، فقالوا: كل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونًا، وجمعه طواعين.

ونقل ابن التين عن الداودي أنه حبة تخرج في الأرفاغ، وفي كل طي في الإنسان ثم قال: والصحيح أنه كالوباء.

الحديث العاشر:

حديث عائشة رضي الله عنها: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ التِي سَرَقَتْ، (فَقَالُوا)

(2)

: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله؟! " .. الحديث ويأتي في موضعه بعد

(3)

. وايمن جمع يمين، ثم كثر في كلامهم فحذفوا النون كما حذفوا من لم يكن، فقالوا: لم يك.

وقيل: هي إيم الله بكسر الهمزة، واختلف في ألف ايمن هل هي ألف وصل أو ألف قطع. واسم هذِه المرأة فاطمة بنت الأسود ابن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، وكان ذلك في غزوة الفتح وقتل أبوها كافرًا يوم بدر، وكان حلف ليكسرن

(1)

"العين" 8/ 418.

(2)

كذا في الأصل وفي هامشها: (فقال) وعليها علامة تشير إلى أنها نسخة.

(3)

سيأتي برقم (3733) كتاب "فضائل الصحابة" باب: ذكر أسامة بن زيد رضي الله عنه وبرقم (6787) كتاب الحدود، باب: إقامة الحدود على الشريف والوضيع ومواضع أخرى انظر رقم (2648).

ص: 652

حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتل حتى وصل إليه، فأدركه حمزة وهو يكسره، فقتله، فاختلط دمه بالماء

(1)

.

الحديث الحادي عشر:

حديث ابن مسعود رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَجُلًا قَرَأَ، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ خِلَافَهَا، فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ، وَقَالَ:"كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ، لَا تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا". وقد سلف في الإشخاص والملازمة

(2)

، وفيه النهي عن الاختلاف في القراءات، وأن لا يقول أحد لشيء قرئ: ليس هو كذا.

الحديث الثاني عشر:

حديث شقيق قال: قَالَ عَبْدُ الله: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبيَاءِ ضرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ". ويأتي في استتابة المرتدين

(3)

، وأخرجه مسلم

(4)

، وابن ماجه

(5)

.

وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحاكي والمحكي عنه، وكأنه أوحي إليه بذلك قبل وقوع قصته يوم أحد، ولم يعين له ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلما وقع له ذلك تعين أنه (هو)

(6)

المعنيُّ بذلك، نبه عليه القرطبي

(7)

.

(1)

انظر "سيرة ابن هشام" 2/ 264 - 265.

(2)

سلف برقم (2410) كتاب الخصومات.

(3)

سيأتي برقم (6929) باب: إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

مسلم (1792) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة أحد.

(5)

"سنن ابن ماجه"(4025) كتاب: الفتن، باب: الصبر على النبلاء.

(6)

ليست في الأصل.

(7)

"المفهم" 3/ 651.

ص: 653

قال ابن التين: وفيه أنه كان يرجو إنابتهم كاستغفار إبراهيم لأبيه، ودعاء نوح قومه، فلما تبين لابنه أن أباه لا يؤمن تبرأ منه، ولما أخبر الله نوحًا أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن قال:{رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش حين عتوا وسمى قومًا قتلوا يوم بدر

(1)

.

وقال: "كيف يفلح قوم دمَّوا وجه نبيهم" فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]،

(2)

فعلم أن منهم من يؤمن.

وقال: {عَسَى الله أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الممتحنة: 7] قال ابن عباس: وذلك تزويجه صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة بنت أبي سفيان

(3)

.

الحديث الثالث عشر:

حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبلَكُمْ رَغَسَهُ اللهُ مَالاً، فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أَيَّ أَبِ كنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ. قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مُتُّ فأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثَمَّ فَرُّونِي فِي يَوْمِ عَاصِفٍ. فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ الله عز وجل، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ. فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ".

وَقَالَ مُعَاذٌ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادةَ قال سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الغَافِرِ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقد سلف الكلام عليه قريبًا في ثاني حديث في هذا الباب، أعني

(1)

رواه البخاري رقم (240) كتاب الوضوء، باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته.

(2)

مسلم (1791) كتاب: الجهاد، باب: غزوة أحد.

(3)

مسلم (2501) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: من فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه. وانظر "أسباب النزول" للواحدي ص 443.

ص: 654

باب ما ذكر عن بني إسرائيل

(1)

، ويأتي في الرقاق

(2)

والتوحيد

(3)

، وأخرجه مسلم

(4)

.

و ("رغسه") براءمهملة مفتوحة ثم غين معجمة ثم سين مهملة ثم هاء أي: كثر ماله، فالرغس البركة والنماء والخير، ورجل مرغوس: كثير الخير، ورغسه الله: أكثر ماله وبارك له، وتقول: كانوا قليلاً فرغسهم الله أي: كثرهم، وروي (راسه الله) وهو غلط كما قاله ابن التين، فإن صح فهو بشين معجمة، والريش والرياش: المال.

وقيل: رغس كل شيء أصله، فكأنه جعل له أصلاً من كل مال.

وقوله: ("في يوم عاصف") أي: عاصف ريحه.

وقوله: ("فتلقاه") هو بالقاف عند أبي ذر، قال ابن التين: ولا أعلم للفاء وجهًا إلا أن يكون أصله من تلففته رحمته، أي: كفرته وغشيته فلما اجتمع ثلاث فاءات أبدلت الآخرة (ألفًا)

(5)

.

ثم ذكر البخاري بعده حديث حذيفة وعقبة مثله وسلفا.

وفيه ("ثم أوروا نارًا") أي: اقدحوا وأشعلوا، وفيه:("فذروني في اليم في يوم حار أو راح") كذا للمروزي والأصيلي وأبي ذر (حاز) بتشديد الزاي المعجمة يحز بحره وبرده، وعند أبي الهيثم (حار)

(6)

بالراء، وأشار بعضهم إلى تفسيره بالشدة أي: بشدة ريحه.

(1)

سلف برقم (3451 - 3452) من حديث حذيفة بن اليمان.

(2)

سيأتي برقم (6481)، باب: الخوف من الله.

(3)

سيأتي برقم (7508) باب: قوله تعالى {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللهِ} .

(4)

مسلم رقم (2757) كتاب التوبة، باب: في سعة رحمة الله تعالى.

(5)

في الأصل: فاء وهو تصحيف.

(6)

ليست في الأصل.

ص: 655

وجاء في بعض الروايات "في يوم حان" بالنون، وللنسفي (حار أو راح) على الشك قاله عياض، ورواه البخاري بعده عن عبد الملك، وقال ("في يوم راح") واقتصر ابن التين على رواية (حان) بالنون، ثم نقل عن ابن فارس:(الحنون)

(1)

: ريح [تحن]

(2)

كحنين الإبل

(3)

، قال: فعلى هذا يقرأ "في يوم حان" بتشديد النون يريد حان ريحه، وتبعه بعض شيوخنا فاقتصر عليه في شرحه وأهمل ما ذكرناه.

ثم ذكر البخاري بعده حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "كانَ رجل يُدَايِنُ النَّاسَ .. " الحديث من طريقين عنه، وقد سلف قريبًا تأويله، وفي البيوع أيضًا

(4)

.

ثم ذكر حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "عُذِّبَتِ امْرَأة فِي هِرَّةٍ .. " وقد سلف أيضًا

(5)

.

وحديث أبي مسعود رضي الله عنه: "إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فاصنع مَا شِئْتَ". أخرجه عن آدم ثنا شعبة، عن منصور سمعت ربعيًا يحدث عن أبي مسعود فذكره، وهذا هو المحفوظ، ورواه ابن سعد عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة

(6)

.

(1)

في الأصل: الحون والمثبت هو الصحيح من "مجمل اللغة".

(2)

زيادة من "مجمل اللغة".

(3)

"مجمل اللغة" 1/ 219 مادة [حنن].

(4)

سلف برقم (2078) كتاب البيوع، باب: من انظر معسرًا.

(5)

سلف برقم (2365) كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء. ورقم (3318) كتاب بدء الخلق، باب: خمس من الدواب فواسق، يقتلن في الحرم.

(6)

ذكره ابن حجر في "الفتح" 6/ 523 فقال: رواه إبراهيم بن سعد، عن منصور .. الحديث، وعزاه إلى الدارقطني، ورواه أبو نعيم في "الحلية" 4/ 370 - 371 من طريق إبراهيم بن طهمان عن الثوري عن منصور عن ربعي عن حذيفة .. الحديث.

ص: 656

قال الدارقطني: وكذا رواه أبو مالك الأشجعي عن ربعي، وروي عن ربعي، عن حذيفة قوله

(1)

.

وذكر الطرقي أن عبد الله بن مسلمة لم يسمع من شعبة غير هذا الحديث

(2)

وسيأتي أيضًا في الأدب

(3)

.

ومعنى الحديث: أن الحياء أمره ثابت منذ زمان النبوة الأولى، فإنه ما من نبي إلا وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه، ولم يُبَدَّل فيما بُدِّل منها.

وذلك أنه أمر قد علم صوابه، وبان فضله، ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم.

وقوله: ("فاصنع ما شئت") هو أمر معناه الخبر -يقال: استحى يستحي، واستحيا يستحيي- لأن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي، وإن لم تكن له بقية.

وحكوا فيه أوجهًا:

أحدها: إذا لم تستحي من العتب وتخشى العار، فافعل ما تحدثك به نفسك قبيحًا كان أو حسنًا، لفظه أمر، ومعناه التوبيخ.

الثاني: أن يحمل (على)

(4)

الأمر على بابه، تقول: إذا كنت آمنًا في فعلك أن تستحي منه بجريك على الصواب، وليس من الأفعال التي يستحى منها فاصنع ما شئت، وعبارة ابن التين: إذا لم ترتكب ما تستحي منه مما ينهى عنه فاصنع ما شئت.

(1)

"العلل" 6/ 180.

(2)

قال المزي في "تهذيب الكمال" 16/ 137: عبد الله بن مسلمة روى عن شعبة بن الحجاج حديثًا واحدًا. قلت: هذا الحديث رواه أبو داود برقم (4797).

(3)

سيأتي برقم (6120) باب: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.

(4)

كذا في الأصل، ولعها زائدة

ص: 657

ثالثها: معناه الوعيد أي: أفعل ما شئت تجازى به لقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} .

رابعًا: لا يمنعك الحياء من فعل الخير،

خامسها: أنه على طريق المبالغة في الذم، أي: تركك الحياء أعظم مما تفعله.

ثم ذكر بعده حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "بَيْنَمَا رَجُل يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ، فَهْوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ". تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ. يعني: تابع يونس، عن الزهري، عن سالم، عنه، وأخرجه النسائي في الزينة

(1)

، وأخرجه هو والنسائي من طريق أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا

(2)

ووقع في ابن عساكر من أن النسائي أخرجه من طريق سالم، عن ابن عمر، عن أبي هريرة، والذي وجد فيه عن سالم عن أبي هريرة.

والخيلاء: التبختر والإعجاب، وهو كقوله:"لا ينظر الله إلى من جر إزاره"

(3)

فإن اختال مع قصر ثيابه دخل في هذا الوعيد، لا أن جر الإزار هو الموجب للوعيد.

ومعنى يتجلجل: يتحرك في الأرض، والجلجلة حركة مع صوت، أي: يسوخ فيها حين يخسف به، قاله النضر بن شميل، وقال ابن دريد: كل شيء خلطت بعضه ببعض فقد جلجلته

(4)

، وقال ابن فارس: جلجلت

(1)

"سنن النسائي" 8/ 206. باب التغليظ في جر الإزار.

(2)

سيأتي برقم (5789) كتاب اللباس، باب من جر ثوبه من الخيلاء، وفي "السنن الكبرى" 5/ 483.

(3)

سيأتي برقم (5788) ورواه مسلم (2087) في اللباس والزينة، باب: تحريم جر الثوب خيلاء، وبيان حد ما يجوز إرخاؤه إليه .. من حديث أبي هريرة.

(4)

"جمهرة اللغة" 1/ 184 مادة (جلجل).

ص: 658

الشيء إذا حركته بيدك

(1)

، وقيل: يتجلجل يهوي، وقيل: التجلجل أن يسيخ في الأرض مع اضطراب شديد وتدافع من شق إلا شق

(2)

، وزعم بعضهم أن هذا الرجل قارون.

فائدة:

عبد الرحمن بن خالد هذا هو أبو خالد الفهمي مولى الليث بن سعد من فوق، روى عنه الليث، وكان واليًا لهشام على مصر سنة ثماني عشرة وعزل سنة تسع عشرة، وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة

(3)

.

وشيخ البخاري بشر بن محمد: هو أبو محمد المروزي، مات سنة أربع وعشرين ومائتين.

ثم ذكر بعده حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد كل أمة أوتوا الكتاب .. " الحديث سلف في الصلاة

(4)

.

ومعناه نحن آخر الأنبياء، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول من يدخل الجنة. وبعض أصحابه أول خصمين يوم القيامة، قال على: أنا أول من يجثو للخصام يوم القيامة، يعني: أنه يأتي هو وحمزة وعبيدة بن الحارث وشيبة وعتبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة وهم الذين تبارزوا يوم بدر يوم الفرقان، وفيهم أنزلت {هَذَانِ خَصْمَانِ}

(5)

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 174.

(2)

قاله الخطابي في "أعلام الحديث" 3/ 1575.

(3)

انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" للبخارى 5/ 277 (900)، و"الجرح والتعديل" 5/ 229 (1083)، "تهذيب الكمال" 17/ 76.

(4)

سلف برقم (238) باب: البول في الماء الدائم.

(5)

سيأتي برقم (3966) كتاب المغازي، باب: قتل أبي جهل، ومسلم برقم (3033) كتاب: التفسير، باب: قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}

ص: 659

الآية [الحج: 19] ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أبا دجانة يتبختر بين الصفين في قتال العدو فقال: "إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموضع"

(1)

ومعنى ("بيد"): غير، يقال: هو كثير المال بيد أنه بخيل، وبمعنى إلا، وبمعنى لكن.

فائدة:

في إسناده وهيب وهوابن خالد بن عجلان أبو بكر مات سنة خمس وستين ومائة، ثم ذكر فيه حديث معاوية الذي في الباب، وهو الحديث الثالث منه، فراجعه.

(1)

رواه الطبراني 7/ 104 (6508) من طريق محمد بن طلحة، عن خالد بن سليمان، عن سماك بن خرشة عن أبيه عن جده به، ومن طريقه رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 3/ 1437 وذكره الهيثمي في "المجمع" 6/ 109 وقال: وفيه من لم أعرفه.

ص: 660