المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[مقدمة المصنف] بسم الله الرحمن الرحيم اللَّهُمَّ يَسِّرْ وأَعِنْ يا كريم {رَبَّنَا آتِنَا - التوضيح لشرح الجامع الصحيح - جـ ٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

[مقدمة المصنف]

بسم الله الرحمن الرحيم

اللَّهُمَّ يَسِّرْ وأَعِنْ يا كريم

{رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10]

أحمدُ الله على توالى إنعامه، وأشكره على ترادف أفضاله، بنفى الزيغ والتحريف عن كلام أشرف أصفيائه، ببقاء الجهابذه والنقاد إلى يوم لقائه.

وأشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له، شهاده دائمه بدوامه، وأنّ محمد عبده ورسوله، خاتمَ رسلِهِ ومِسْكَ ختامِهِ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه صلاةً مقرونه بسلامه.

وبعد، فهذِه نُبَذه مهمه، وجواهر جمّه، أرجو نفعها وذخرها، وجزيل ثوابها وأجرها، عَلَى صحيح الإمام أمير المؤمنين أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى، سقى الله ثراه، وجعل الجنه مأواه، الذى هو أصحُّ الكتب بعد القرآن، وأجلُّها، وأعظمها، وأعمُّها نفعًا بعد الفرقان.

ص: 9

وأَحْصُرُ مقصودَ الكلام في عشرة أقسام:

أحدها: في دقائق إسناده، ولطائفه.

ثانيها: في ضبط ما يشكل من رجاله، وألفاظِ متونِهِ ولغتِهِ، وغريبِهِ.

ثالثها: في بيان أسماء ذوي الكنى، وأسماء ذوي الآباء والأمهات.

رابعها: فيما يختلف منها ويأتلف.

خامسها: في التعريف بحال صحابته، وتابعيهم، وأتباعهم، وضبط أنسابهم، ومولدهم، ووفاتهم. وإن وقع في التابعين أو أتباعهم قدح يسير بينته، وأجبت عنه. كل ذَلِكَ عَلَى سبيل الاختصار، حذرًا من الملالة والإكثار.

سادسها: في إيضاحِ ما فيه من المرسل، والمنقطعِ، والمقطوعِ، والمُعْضل، والغريب، والمتواتر، والآحاد، والمدرج، والمعلل، والجواب عَمّن تكلمَ عَلَى أحاديثَ فيه بسبب الإرسال، أو الوقف، أو غير ذَلِكَ.

سابعها: في بيان غامض فقهِهِ، واستنباطه، وتراجم أبوابه؛ فإنّ فيه مواضع يتحيرُ الناظرُ فيها، كالإحالة عَلَى أَصْل الحديث ومخرجه، وغير ذَلِكَ مما ستراه.

ثامنها: في إسناد تعاليقه، ومرسلاته، ومقاطعه.

تاسعها: في بيان مبهماته، وأماكنه الواقعة فيه.

عاشرها: في الإشارة إلى بعض ما يستنبط منه من الأصول، والفروع، والآداب، والزهد، وغيرها، والجمع بين مختلفها، وبيان الناسخ والمنسوخ منها، والعام والخاص، والمجمل والمبين، وتبيين المذاهب الواقعة فيه. وأذكر إن شاء الله تعالى وجهها، وما يظهر منها

ص: 10

مما لا يظهر، وغير ذَلِكَ من الأقسام التي نسأل الله إفاضتها علينا.

ونذكر قبل الشروع في ذَلِكَ مقدمات مهمة منثورة في فصولٍ مشتملة عَلَى سبب تصنيفه، وكيفية تأليفه، وما سماه به، وعدد أحاديثه، ونبذة من فقه حال مصنفه، وبيان رجال إسناده إلينا، وما يتعلق بصحيحه، كطبقات رجاله، وحال تعاليقه، وبيان فائدة إعادته الحديث في الأبواب، والجواب عمن خرج حديثه في الصحيح وتُكلِّم فيه، وفي أحاديث استدركت عليهما، وفي أحاديث أُلْزما إخراجها، وفي بيان شرطهما، ومعرفة الاعتبار، والمتابعة، والشاهد، والوصل، والإرسال، والوقف، والانقطاع، وزيادة الثقات، والتدليس، والعنعنة، ورواية الحديث بالمعنى واخْتصاره، ومعرفة الصحابي، والتابعي، وضبط جملة من الأسماء المتكررة، وغير ذَلِكَ مما ستراه إن شاء الله تعالى.

وإذا تكرر الحديث شرحته في أول موضع، ثم أَحَلْتُ فيما بعدُ عليه، وكذا إِذَا تكررت اللفظة من اللغةِ بينتها واضحة في أول موضع، ثم أحيل بعدُ عليه، وكذا أفعل في الأسماء أيضًا.

وسميته "التوضيحُ لشَرْحِ الجامِعِ الصَّحيحِ" نسألك اللَّهُمَّ العونَ عَلَى إيضاح المشكلات، واللطفَ في الحركات والسكنات، والمحيا والممات، ونعوذ بك من علم لا يَنْفع، وعمل لا يُرْفع، وقول لا يُسْمع، وقلب لا يَخْشع، ونَفْس لا تَشْبع، ودعاء لا يُسْمع.

وعليك اللَّهُمَّ أعتضد فيما أَعْتمد، وأنت حسبي ونعم الوكيل، اللَّهُمَّ وَانْفَع به مؤلفه وكاتبه، وقارئه، والناظر فيه، وجميع المسلمين. آمين.

ص: 11

‌فصل أقدمه قبلَ الشروعِ في المقدماتِ

وهو: معرفة نسب النبي صلى الله عليه وسلم ومولده ووفاته مختصرًا؛ ليشرف الكتاب به، ولمعرفته فوائد أُخر لا تُحصى ومنها:

أن من نذكره في هذا الكتاب إِذَا التقى نسبُه نسبَه أقتصر عليه استغناء بمعرفة تمامه من نسبه صلى الله عليه وسلم.

هو: أبو القاسم وأبو الأرامل وأبو إبراهيم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مُضَرَ بن نِزَار بن مَعَد بن عدنان

(1)

ويأتي في

(1)

روى ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 1/ 55 - 56 قال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب بن بشر الكلبي قال: علمني أبي وأنا غلام نسب النبي صلى الله عليه وسلم

ثم ساقه.

وذكره ابن حبان في "السيرة النبوية" ص 45 إلى عدنان أيضًا، وكذا ابن حزم في "جامع السيرة" ص 2، وابن عبد البر في "الاستيعاب" 1/ 133، وابن الأثير في "أسد الغابة" 1/ 20، والمزي في "تهذيب الكمال" 1/ 174، والذهبي في "تاريخ الإسلام" 1/ 17، وابن كثير في "الفصول في سيرة الرسول" ص 18 - 19.

وروى الحاكم في "علوم الحديث" ص 170 - 171، والبيهقي في "دلائل النبوة" 1/ 136، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 3/ 48 من طريق مالك بن أنس، عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن رجالًا من كندة يزعمون أنه منهم، فقال: "إنما كان يقول ذلك العباس وأبو سفيان بن حرب إذا قدما اليمن =

ص: 12

باب

(1)

واسم عبد المطلب: شيبة الحمد عَلَى قول الجمهور، وقال ابن قتيبة: عامر

(2)

، وعاش مائة وأربعين سنة، سمي عبد المطلب؛ لأن عمه المطلب أردفه خلفه حين أتى به من المدينة صغيرًا، فكان يقال له: من هذا؟ فيقول: عبدي.

واسم هاشم: عمرو؛ لأنه هَشّم الثريد لقومه في المجاعة

(3)

.

= - وفي بعض الرويات المدينة -فيأمنا بذلك، وإنا لأن ننتفي من أبينا، نحن بنو النضر ابن كنانة" قال: وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أنا محمد بن عبد الله .. " ثم ساق النسب إلى نزار فقط، وفي آخره قال صلى الله عليه وسلم:"وخرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي فأنا خيركم نفسًا وخيركم أبًا".

قال البيهقي: تفرد به عبد الله بن محمد القدامي، وله عن مالك وغيره أفراد، ولم يتابع عليها. وأورد ابن كثير هذا الحديث في "البداية والنهاية" 2/ 657 من طريق البيهقى. وقال: الله أعلم بصحته، وهو حديث غريب جدًا من حديث مالك، تفرد به القدامي وهو ضعيف.

وقال المصنف في "البدر المنير" 7/ 637: ذكره ابن دحية من هذا الوجه، وأعله بعبد الله هذا. اهـ. وقال الحافظ في "التلخيص" 3/ 176: إسناده ضعيف، وقال الألباني في "الضعيفة" (2952): ضعيف جدًّا.

(1)

باب: مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب مناقب الأنصار.

(2)

"المعارف" ص 72، واعترض عليه ابن عبد البر في "الاستيعاب" 1/ 134 وقال: ولا يصح والله أعلم. اهـ.

وابن قُتيبة هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة المروزي الدينوري البغدادي، أحد الفحول في اللغة والأدب والنحو والغريب، وله معرفة بالتاريخ والسير والأخبار، ولد سنة (213 هـ)، وتوفي في بغداد سنة (276 هـ) من مصنفاته:"غريب القرآن"، و"مشكل القرآن"، و"غريب الحديث"، و"أدب الكاتب"، و"عيون الأخبار"، و"المعارف".

انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 10/ 170 (5309)، "المنتظم" 5/ 102 (232)، "وفيات الأعيان" 3/ 42 - 44 (328)، "تاريخ الإسلام" 20/ 228، "سير أعلام النبلاء" 13/ 296 - 302 (138).

(3)

رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 4.

ص: 13

وعبد مناف اسمه: المغيرة، وكان يقال له: قمر البطحان. وقصي لقب، واسمه: زيد، وهو تصغير قَصِي، أي: بعيد؛ لأنه بَعُدَ عن عشيرته في بلاد قضاعة حين احتملته أمه فاطمة

(1)

.

ولؤي، بالهمز عند الأكثرين، وقيل: بتركه.

والنضر هو: أبو قريش في قول الجمهور، فمن كان من ولده فقرشي، وإلا فلا، وقيل: أبوهم فهر، قاله مصعب الزبيري

(2)

، وابن الكلبي

(3)

، وغيرهما

(4)

، وقيل: إلياس، وقيل: هم ولد مضر. وإلياس:

(1)

انظر: "الروض الأنف" 1/ 8.

(2)

"نسب قريش" لمصعب الزبيري ص 12، وهو: مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أبو عبد الله الزبيرىِ المدني، عم الزبير بن بكار، سكن بغداد، قال الزبير بن بكار: أمه أمةُ الجبار بنت إبراهيم بن جعفر بن مصعب بن الزبير، قال أبو بكر بن أبي خيثمة: كتب عنه أبي، ويحيى بن معين. وقال أحمد بن حنبل: مصعب الزبيري مستثبت، وقال يحيى بن معين: ثقة. وكذلك قال الدارقطني. قال الزبير: وتوفي مصعب بن عبد الله ليومين خلوا من شوال سنة ست وثلاثين ومائتين، وهو ابن ثمانين سنة.

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 439، "الجرح والتعديل" 8/ 309 (1429)، "الثقات" 9/ 175، "تاريخ بغداد" 13/ 112، "تهذيب الكمال" 28/ 34 (5987).

(3)

هو هشام بن محمد بن السائب، أبو المنذر، المعروف، والده بالكلبي، الأخباري النسابة العلامة. قال أحمد بن حنبل: إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه. وقال الدارقطني وغيره: متروك، وقال ابن عساكر: رافضي، ليس بثقة. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: كان صاحب أنساب وسمر، وهو أحب إليَّ من أبيه. وقال ابن حبان: يروي عن أبيه العجائب والأخبار التي لا أصول لها، وكان غاليًا في التشيع، أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها. انظر ترجمته في:"الضعفاء الكبير" 4/ 339 (1945)، "الجرح والتعديل" 9/ 69 (263)، "المجروحين" 3/ 91، "ميزان الاعتدال" 5/ 429 - 430 (9237)، "لسان الميزان" 7/ 269 - 270 (9013).

(4)

نَصَرَ هذا القول أيضًا أبو محمد علي بن حزم في: "جمهرة أنساب العرب" ص 12.

ص: 14

بكسر الهمزة عند ابن الأنباري

(1)

وطائفة، قيل: إنها الهمزة المصاحبة للام التعريف تقع في الابتداء، وتسقط في غيره، وصححه المحققون.

وينشد السهيلي فيه أبياتا

(2)

، قيل: هو أول من أهدى البُدْن إلى البيت، وهو بالياء، وله أخ يقال له بالنون بدلها قَالَه ابن ماكولا

(3)

.

(1)

ابن الأنباري: هو أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن الأنباري، الإمام الحافظ اللغوي ذو الفنون المقرئ النحوي. قال أبو علي القالي: كان شيخنا أبو بكر يحفظ فيما قيل ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن، وقال محمد بن جعفر التميمي: ما رأينا أحدًا أحفظ من ابن الأنباري ولا أغزر من علمه وحدثوني عنه أنه قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقًا. من مصنفاته: "الزاهر"، "المذكر والمؤنث"، "الأضداد". انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 3/ 181، "تذكرة الحفاظ" 3/ 842، "سير أعلام النبلاء" 15/ 274 (122)، "شذرات الذهب" 2/ 315.

(2)

"الروض الأنف" للسهيلي 1/ 9 - 10، والسهيلي هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن إصبغ السهيلي المالكي، مؤرخ لغوي محدِّث، ولد بمالقة من بلاد الأندلس سنة (508 هـ)، وأخذ عن ابن العربي المالكي، ثم انتقل في آخر عمره إلى مراكش وبها توفي سنة (581 هـ)، وكان رحمه الله كفيفًا، من تصانيفه:"الروض الأنف شرح سيرة ابن هشام)، و"التعريف والإعلام فيما أُبْهم في القرآن من الأسماء والأعلام" وله كتاب "نتائج الفكر" ومسألة: "رؤية الله تعالى في المنام ورؤية النبي"، ومسألة: "السر في عور الدجال". انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 3/ 143 - 144 (371)، "تذكرة الحفاظ" 4/ 1348 - 1350 (1099)، "شذرات الذهب" 4/ 271 - 272.

(3)

"الإكمال" 7/ 424. وابن ماكولا هو: أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علي بن محمد بن الأمير دلف، المولى، الأمير الكبير، الحافظ، الناقد، النسابة، الحجة. قال الحميدي: ما راجعت الخطيب في شيء إلا وأحالني على الكتاب، وما راجعت ابن ماكولا في شيء إلا وأجابني حفظًا كأنه يقرأ من كتاب. من مصنفاته:"الإكمال"، "مستمر الأوهام".

انظر ترجمته في: "المنتظم" 9/ 5، 79، "وفيات الأعيان" 3/ 305، "فوات الوفيات" 3/ 110، "سير أعلام النبلاء" 18/ 569 (298)، "شذرات الذهب" 3/ 381.

ص: 15

وأما مُضر، فيقال له: مضر الحمراء، ويقال لأخيه: ربيعة الفَرسَ.

قيل: لأن أباهما أوصى لمضر بقُبة حمراء ولربيعة بفرس. وكان مُضر حسن الصوت، قيل: وهو أول من حدا، وفي حديث:"لا تسبوا ربيعة ولا مضر، فإنهما كانا مؤمنين"

(1)

.

ونِزار -بكسر النون- مشتق من النزر، وهو القليل سمي به؛ لأن أباه حين وُلِدَ له، ونظر إلى النور بين عينيه -وهو نور النبوة الذي كان ينتقل في الأصلاب

(2)

-فرح فرحا شديدا ونَحَر وأطعم، وقال: كل هذا نزر

(1)

رواه الحاكم في "تاريخه" كما في "لسان الميزان" 5/ 169 من حديث جابر مرفوعًا: "لا تسبوا ربيعة ومضر، فإنهما كانا مسلمين، ولا تسبوا ضبة من أولاد تميم بن مرة، ولا أسد بن خزيمة، فإنهم كانوا على دين إسماعيل". قال الحافظ: رواته ثقات إلا محمد بن زكريا الغلابي فهو آفته، ورواه أحمد في "فضائل الصحابة" (1524) عن عبد الله بن الحارث بن هشام المخزومي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا مضر فإنه كان على دين إبراهيم

" الحديث. وهذا حديث مرسل، قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" 3/ 22 (1519): عبد الله بن الحارث، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم يقال: إنه حديث مرسل، ولا صحبة له، والله أعلم، إلا أنه ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.

ورواه ابن سعد في "طبقاته" 1/ 58 عن عبد الله بن خالد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا مضر فإنه كان قد أسلم". قال الألباني في "الضعيفة"(4780): وهذا ضعيف معضل.

(2)

لعل المصنف يشير إلى ما روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)} [الشعراء: 219]، قال: من صلب نبي إلى نبي حتى أخرجه نبيًا، رواه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 24 من طريق شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 9/ 2828 (16028)، والبزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار"(2242)، والطبراني في "الكبير" 11/ 362. قال الهيثمي في "المجمع" 7/ 86: رواه البزار والطبراني ورجالهما رجال الصحيح غير شبيب ابن بشر وهو ثقة. اهـ، وقال في 8/ 214: رواه البزار ورجاله ثقات. اهـ. وقال ابن حجر في "مختصر زوائد مسند البزار" 2/ 97 - 98: إسناده حسن. اهـ.

ص: 16

في حق هذا المولود

(1)

.

وما ذكرته من النسب إلى عدنان هو إجماع الأمة. وفيما بعده إلى آدم خلاف واضطراب، والمحققون ينكرونه

(2)

ومن أشهره كما قاله النووي

(3)

في "إملائه": عدنان بن أُدد -هو مصروف. قَالَ ابن

(1)

انظر: ما سبق في "الروض الأنف" 1/ 9 - 10.

(2)

قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" 1/ 133: لم يختلف أهل العلم بالأنساب والأخبار وسائر العلماء بالأمصارأنه صلى الله عليه وآله وسلم: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. هذا ما لم يختلف فيه أحد من الناس، وقد روي من أخبار الآحاد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نسب نفسه كذلك إلى نزار بن معد بن عدنان، وما ذكرنا من إجماع أهل السير وأهل العلم بالأثر يغني عما سواه والحمد لله.

واختلفوا فيما بين عدنان وإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وفيما بين إبراهيم وسام بن نوح بما لم أَرَ لذكره هاهنا وجهًا؛ لكثرة الاضطراب فيه، وأنه لا يُوقف منه على شيء متتابع متفق عليه، وَهُم مع اختلافهم واضطرابهم مجمعون على أن نزارًا بأسرها، وهي ربيعة ومضر هي الصريح الصحيح من ولد إسماعيل. اهـ.

وقال المزي في "التهذيب" 1/ 174: إلى عدنان أجمع أهل النسب عليه، وما وراء ذلك ففيه اختلاف كبير جدًا. اهـ. وقال ابن كثير في "الفصول" ص 21: هذا النسب الذي سقناه إلى عدنان لا مرية فيه ولا نزاع، وهو ثابت بالتواتر والإجماع، وإنما الشأن فيما بعد ذلك. اهـ.

(3)

هو يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام أحد الأعلام، شيخ الإسلام، الفقيه، الحافظ، الزاهد، الشافعي محيي الدين أبو زكريا النووي بحذف الألف، ويجوز إثباتها، الدمشقي ولد بنوى سنة إحدى وثلاثين وستمائة، كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسًا على المشايخ شرحًا وتصحيحًا توفي سنة ست وسبعين وستمائة من مصنفاته:"المجموع"، "المنهاج في شرح مسلم"، "الخلاصة في الحديث"، "الإرشاد في علم الحديث"، "التبيان في آداب حملة القرآن""تهذيب الأسماء واللغات"، "شرح قطعة من البخاري"، "طبقات الفقهاء الملخصة من طبقات ابن الصلاح". =

ص: 17

السراج: هو من الود، وانصرف كثُقبٍ وليس معدولا كعمر

(1)

- بن مقوم ابن ناحور -بنون ثم حاء مهملة- بن تيرَح- بمثناة فوق، ثم تحت، ثم راء مفتوحة، ثم حاء مهملتين -بن يعرب بن يشجُب -بضم الجيم- بن نابت -بالنون- بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن بن تارَخ -بمثناة فوق، وفتح الراء، وهو: آزر، قيل معناه: الأعوج -بن ناحور بن ساروح -بمهملات- بن راعُو -بضم العين المهملة -بن فالَخ -بالفاء، وفتح اللام، وبالمعجمة، ومعناه: الرسول، أو الوكيل -بن عيبر -بمهملة، ثم مثناة تحت، ثم موحدة مفتوحة- بن شالَخ -بالمعجمتين، واللام مفتوحة- بن أرفخْشذ- براء، ثم فاء، ثم خاء معجمة ساكنة، ثم شين معجمة، ومعناه بالسريانية: مصباح مضيئ -بن سام بن نوح بن لامك -بفتح الميم، وكسرها -بن مَتُّوشَلَخ -بميم مفتوحة، ثم مثناة فوق مشددة مضمومة، ثم واو ساكنة، ثم شين معجمة، ثم لام مفتوحتين، ثم خاء معجمة -ويقال: متوشلخ بن حنُوخ- بحاء مهملة، وقيل: معجمة، ثم نون مضمومة، ثم واو، ثم معجمة.

قَالَ ابن إسحاق

(2)

والأكثرون:

= انظر ترجمته في: "طبقات علماء الحديث" 4/ 254، "البداية والنهاية" 13/ 322، "طبقات الشافعية" 2/ 153 - 157، "شذرات الذهب" 6/ 354.

(1)

"الروض الأنف" 1/ 11، وعُمر بوزن فُعل.

قال ابن قتيبة في "أدب الكاتب" ص 225: وما كان علي فُعَل فهو لا ينصرف في المعرفة، وينصرف في النكرة، وما لم يكن معدولًا انْصرف نحو: جُعل، وصُرد، وفرق ما بينهما أن المعدول لا تدخله الألف واللام، وغير المعدول تدخله الألف واللام. اهـ.

(2)

هو محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار المدني، أبو بكر، صاحب "السيرة النبوية"، رأى أنس بن مالك، وسالم بن عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيب. قال =

ص: 18

وهو إدريس

(1)

، وأنكره آخرون وقالوا: إنه ليس في عمود النسب، وإنما إدريس هو إلياس -واختاره ابن العربي

(2)

وصاحِبُه السهيلي لحديث الإسراء حيث قَالَ: "مرحبًا بالأخ"، ولم يقل: بالابن كما قَالَ آدم، وإبراهيم:"الابن الصالح"

(3)

-بن يَرْد- بمثناة تحت مفتوحة، ثم راء ساكنة، ثم دال، ومعناه: الضابط -بن مهليل -ويقال: مهلايل، ومعناه: الممدوح- بن قينن -ويقال: قينان بالقاف، ومعناه: المسوي-بن يانش -ويقال: آنش، ويقال: آنوش بالنون والشين

= ابن معين: ثقة، وكان حسن الحديث. وقال الزهري: كان ابن إسحاق أعلم الناس بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظر ترجمته في:"طبقات ابن سعد" 7/ 321، "تاريخ بغداد" 1/ 214، "تهذيب الكمال" 24/ 405 (5057)، "شذرات الذهب" 6/ 354.

(1)

"سيرة ابن إسحاق" ص 1، "سيرة ابن هشام" 1/ 2، "الطبقات الكبرى" 1/ 54.

(2)

ابن العربى: الإمام العلَّامة، أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الأندلسي، الأشبيلي، المالكي. ولد سنة (468 هـ)، وتوفي سنة (543 هـ). وقيل غير ذلك. من تصانيفه:"عارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي"، "العواصم من القواصم"، "أحكام القرآن"، "الإنصاف في مسائل الخلاف"، وكان -رحمه الله تعالى- قد بلغ مرتبة الاجتهاد.

انظر: "الصلة" لابن بشكوال 2/ 590 (1297)، "وفيات الأعيان" 4/ 296 (626)، "تاريخ الإسلام" 37/ 159 (171)، "سير أعلام النبلاء" 20/ 197 (128)، "الوافي بالوفيات" 3/ 1388، "شذرات الذهب" 4/ 141.

(3)

قال السهيلي في "الروض الأنف" 1/ 13 - 14 بعد أن حكاه عن ابن العربى: وهذا القول عندي أَنْبل والنفس إليه أميل لما عضده من هذا الدليل. اهـ.

وسيأتي هذا الحديث برقم (349) كتاب: الصلاة، باب: كيف فرضت الصلاة في الإسراء، و (3342) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ذكر إدريس عليه السلام، ورواه مسلم (163) كتاب: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات.

ص: 19

المعجمة، ومعناه: الصادق- بن شيث- وهو بالعبرانية، ويقال: شاث بالسريانية، ومعناه: عطية الله -بن آدم عليه السلام

(1)

.

وذكر أبو الحسن المسعودي

(2)

، وآخرون بين عدنان، وإبراهيم نحو أربعين أبا، وهذا أقرب كما قاله النووي؛ فإن المدة بينهما طويلة جدا، لكن في لفظها وضبطها اختلاف كبير منها:

أن عدنان من نسل قيدار بن إسماعيل، وأما الحديث المشهور عن

ابن عباس رفعه بعد عدنان: "كذب النسابون" فضعيف

(3)

. والأصح وقفه

(1)

انظر: "سيرة ابن إسحاق" ص 1 - 2، "سيرة ابن هشام" 1/ 1 - 2، "التاريخ الكبير" 1/ 5 - 6، "السيرة النبوية" لابن حبان ص 39 - 43، "الروض الأنف" 1/ 12 - 14.

(2)

علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن المسعودي المؤرخ، من ذرية عبد الله بن مسعود الصحابي رضي الله عنه. عداده في البغداديين، وأقام بمصر مدة، وكان أخباريًا علامة صاحب غرائب ومُلح ونوادر، مات سنة ست وأربعين وثلاثمائة. وله من التصانيف: كتاب "مروج الذهب ومعادن الجوهر في تحف الأشراف والملوك" وكتاب "ذخائر العلوم وما كان في سالف الدهور"، "الرسائل والاستذكار لما مر في سالف الأعصار"، "أخبار الخوارج" انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ" 3/ 857، "سير أعلام النبلاء" 15/ 569 (343)، "الوافي بالوفيات" 21/ 5، "شذرات الذهب" 2/ 371.

(3)

رواه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 56، وابن خياط في "الطبقات" ص 27، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" من طريق هشام بن محمد، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبه معد بن عدنان بن أدد ثم يمسك ويقول:"كذب النسابون. قال الله عزوجل: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} "[الفرقان: 38]. وابن خياط في "الطبقات" ص 27، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 3/ 52، 59.

وهشام بن محمد هو ابن السائب الكلبي، قال ابن معين: غير ثقة، وليس عن مثله يُروى الحديث. اهـ. وقال الدارقطني: متروك. اهـ. وقال ابن حبان: يروي عن أبيه =

ص: 20

عَلَى ابن مسعود

(1)

. وكره مالك رفع الأنساب إلى آدم. وقال: من أخبر بذلك؟

(2)

= العجائب والأخبار التي لا أصول لها. اهـ، وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة.

وأما أبوه فهو شر منه، وقال النسائي: متروك ساقط. اهـ. وقال أبو حاتم: الناس مجمعون على ترك حديثه. اهـ. وقال ابن عدي: وإذا روي عن أبي صالح، عن ابن عباس ففيه مناكير. اهـ.

والحديث أورده الألباني في "الضعيفة" 1/ 288 (111)، وقال: موضوع. انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 7/ 270 - 271، "المجروحين" 3/ 91، "الكامل في الضعفاء" 8/ 412، "تهذيب الكمال" 25/ 246 - 252، "المغني في الضعفاء" 2/ 711، "لسان الميزان" 6/ 196 - 197.

(1)

قاله السهيلي في "الروض الأنف" 1/ 11، وقد رواه عن ابن مسعود ابن سعد في "الطبقات" 1/ 56، والطبري في "تفسيره" 7/ 421 (20591 - 20593)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 7/ 2236 (12219).

(2)

حكاه عن مالك السهيلي في "الروض الأنف" 1/ 14، والبغوي في "تفسيره" 4/ 337، قال السهيلي: سئل مالك عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم؟ فكره ذلك، قيل له: فإلى إسماعيل؟ فأنكر ذلك أيضًا، وقال: ومن يخبره به؟! وكره أيضًا أن يرفع في نسب الأنبياء مثل أن يقال: إبراهيم بن فلان بن فلان، قال: ومن يخبره به؟!. اهـ.

وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: إنما ننتسب إلى عدنان وما فوق ذلك لا ندري ما هو.

وعن عروة بن الزبير أنه قال: ما وجدنا أحدًا يعرف ما بين عدنان وإسماعيل.

وعن ابن عباس أنه قال: بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبًا لا يعرفون.

قلت: وأثر ابن عباس فيه هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وأبوه، وهما من المتكلم فيهم كما سبق أن ذكرنا، قال ابن عبد البر: وليس هذا الإسناد مما يقطع بصحته، ولكنه عمن عِلْمُ الأنساب صَنْعَته. اهـ.

وقال ابن حبان: نسبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصح إلى عدنان وما وراء عدنان فليس عندي فيه شيء صحيح أعتمد عليه. اهـ. انظر: "السيرة النبوية" لابن حبان ص 39 - 40، "الاستيعاب" 1/ 133، "الروض الأنف" 1/ 14 - 15.

ص: 21

وذهب كثيرون إلى جوازه

(1)

، وهو الأظهر؛ لأنه يترتب عليه معرفة العرب من غيرهم، وقريش من غيرهم، ويبنى عليه أحكام كالإمامة، والكفاءة، والتقديم في قسمة الفيء، وغير ذَلِكَ. وفي الصحيح:"حدثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج"

(2)

.

واسم أمه صلى الله عليه وسلم: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة

(3)

.

ولد بمكة عام الفيل، وقيل: بعده بثلاثين سنة. وقيل: بأربعين.

واتفقوا عَلَى أنه ولد يوم الاثنين، وكان مولده صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول، قيل: لليلتين خلتا منه. وقيل: لثمان. وقيل: لعشر. وقيل: لثنتي عشرة وهو الأشهر، وتوفي يوم الاثنين ضحًى لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة، هذا هو الصحيح والمشهور. وقيل: لليلتين خلتا منه. وقيل: في أوله، وله حينئذ ثلاث وستون سنة. وقيل: خمس وستون. وقيل: ستون. وبعث يوم الاثنين وله أربعون سنة، وقيل: أربعون ويوم. وخرج من مكة يوم الاثنين، مهاجرًا إلى المدينة، وقدمها يوم الاثنين أيضًا ضحًى لثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول، فأقام بها عشر سنين بالإجماع.

(1)

منهم: ابن إسحاق والطبري والبخاري والزبيريَّان. انظر: "الروض الأنف" 1/ 14.

(2)

سيأتي برقم (3461) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل. من حديث عبد الله بن عمرو.

(3)

"نسب قريش" ص 20، "أنساب الأشراف" 1/ 79، "جمهرة أنساب العرب" ص 17، "التبيين في أنساب القريشيين" لابن قدامة ص 38.

ص: 22

‌فصل

صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري، متواتر عنه، وأشهر من رواه الفربري عنه، قَالَ أبو عبد الله الفربري: سمع "الصحيح" من أبي عبد الله تسعون ألف رجل فما بقي أحد يرويه غيري

(1)

.

قَالَ الذهبي

(2)

: وآخر من روى عنه صحيحه منصور بن محمد البزدوي

(3)

، وآخر من زعم أنه سمع منه أبو ظهير عبد الله بن فارس

(1)

رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 2/ 9، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 12/ 398، وقال في 15/ 12: ويروى: ولم يصح أن الفربري قال: سمع "الصحيح" من البخاري تسعون ألف رجل ما بقي أحد يرويه غيري. اهـ.

وقال الحافظ في "هدي الساري" ص 491: وأطلق ذلك بناء على ما في علمه، وقد تأخر بعده بتسع سنين أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البزدوي، وكانت وفاته سنة تسع وعشرين وثلثمائة. اهـ.

(2)

الحافظ الذهبي: هو الإمام الحافظ، محدِّث العصر، ومؤرخ الإسلام، وفرد الدهر، إمام الوجود حفظا، وذهبي العصر معنى ولفظًا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان التركماني الدمشقي، ولد سنة (673 هـ)، ومات سنة (748 هـ). من تصانيفه:"سير أعلام النبلاء"، "تذكرة الحفاظ"، "ميزان الاعتدال في نقد الرجال". انظر ترجمته في:"الوافي بالوفيات" 2/ 163 - 168 (523)، "البداية والنهاية" 14/ 649، 650، "الدرر الكامنة" 3/ 336 - 338 (894)، "معجم المؤلفين" 3/ 80، 81 (1158)، "الأعلام" 5/ 326.

(3)

هو الشيخ الكبير المُسنِد أبو طلحة منصور بن محمد بن علي بن مُزينة- وقيل: بن قرينة- بن سوية البزدي، ويقال: البزدوي النسفي، دهقان قرية بزدة. وسمع من =

ص: 23

(البلخي)

(1)

سنة ست وأربعين وثلاثمائة

(2)

وقال الخطيب

(3)

: آخر من حدث عن البخاري ببغداد: الحسين بن إسماعيل المحاملي

(4)

.

ورواه- أعني: "صحيحه"- عن الفربري خلائق منهم: أبو محمد الحموي، وأبو زيد المروزي

(5)

الفقيه الشافعي، وهو أجل من رواه

= أهل بلده وصارت إليه الرحلة في أيامه؛ مات سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. انظر ترجمته في: "الإكمال" 7/ 243، "الأنساب" 3/ 99، "سير أعلام النبلاء" 15/ 279 (123)، "لسان الميزان" 6/ 105.

(1)

في الأصل:: الثلجي، والصواب ما أثبتناه، كما في "طبقات الشافعية" 2/ 215، "تاريخ الإسلام" 19/ 241، "لسان الميزان" 3/ 325.

(2)

هو عبد الله بن فارس بن علي أبو ظهير، شيخ من أهل بلخ، توفي سنة ست وأربعين وثلاثمائة، ادعى السماع من أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.

قال ابن حجر: وما أعتقد صحة قوله في السماع من البخاري، فإن كان صادقًا فهو خاتمة أصحابه في الدنيا، وما كنت أعتقد أن أحدًا بقي بعد المحاملي ممن يروي عنه، فالله أعلم. انظر ترجمته في:"لسان الميزان" 3/ 325.

(3)

هو الإمام العلامة المفتي، الحافظ الناقد، محدِّث الوقت أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، صاحب التصانيف، ولد سنة (392 هـ)، ومات سنة (463 هـ). من تصانيفه:"تاريخ بغداد"، "الفقيه والمتفقه"، "الكفاية في علم الرواية"، وغيرها من الكتب والتصانيف المفيدة والنافعة.

انظر: "تاريخ الإسلام" 53/ 309 - 311 (934)، "تذكر ة الحفاظ" 4/ 1503، "مرآة الجنان" 4/ 291، "معجم المؤلفين" 3/ 673 - 674.

(4)

هو أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل البغدادي المحاملي، مولده في أول سنة خمسٍ وثلاثين ومائتين، وأول سماعه في سنة أربعة وأربعين ومائتين.

انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 8/ 19 - 23 و"سير أعلام النبلاء" 15/ 258، و"شذرات الذهب" 2/ 326.

(5)

هو الشيخ الإمام المفتي القدوة الزاهد، شيخ الشافعية أبو زيد محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد المروزي راوي "صحيح البخاري" عن الفربري ولد 371 هـ، قال =

ص: 24

عنه وأولهم، وأبو إسحاق المستملي

(1)

، وأبو الحسن علي بن أحمد الجرجاني

(2)

، وأبو الهيثم محمد بن مكي الكُشْمَيْهَني

(3)

، وأبو علي إسماعيل بن محمد الكشاني

(4)

، (ومحمد بن أحمد بن مَتّ)

(5)

-بفتح الميم وتشديد المثناة فوق- وآخرون.

ورواه عن كل واحد من هؤلاء جماعات، واشتهر الآن من طريق أبي الوقت، عن الداودي، عن الحموي، عن الفربري، عن البخاري.

= الحاكم: كان أحد أئمة المسلمين، ومن أحفظ الناس للمذهب. قال الخطيب: حدَّث أبو زيد ببغداد، ثم جاور بمكة، وحدَّث هناك بـ"الصحيح" وهو أجل من رواه. سئل أبو زيد: متى لقيت الفربري؟ قال: سنة ثماني عشرة وثلاثمائة. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 1/ 314، و"سير أعلام النبلاء" 16/ 313.

(1)

هو أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن داود البلخي المستملي راوي "صحيح البخاري" عن الفربري. مات سنة 376 هـ. انظر: "سير أعلام النبلاء" 16/ 492، و"شذرات الذهب" 3/ 86.

(2)

هو أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد العزيز الجرجاني المحتسب، مات 366 هـ.

انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 16/ 247، و"لسان الميزان" 4/ 717.

(3)

هو أبو الهيثم محمد بن مكي بن محمد بن زراع بن هارون المروزي الكُشْمِيْهَني، قال ابن العماد: كان ثقة، وله رسائل أنيقة، مات في يوم عرفة سنة 389 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء" 16/ 491، و"شذرات الذهب" 3/ 132.

(4)

هو أبو علي إسماعيل بن محمد بن حاجب الكشاني السمرقندي، آخر من روى "صحيح البخاري" عاليًا، سمعه من الفربري سنة 320 هـ. مات 391 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء" 16/ 481، و"شذرات الذهب" 3/ 139.

(5)

في الأصل: أحمد بن محمد والصواب ما أثبتناه، وهو محمد بن أحمد بن مَتّ، الفقيه الشافعي، السغدي الإشتيخني، نسبة إلى إشتيخن قرية كبيرة على سبعة فراسخ من سمرقند، مات بإشتيخن غرة رجب سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.

حدث بـ"صحيح البخاري" عن الفربري وسماعه كان في سنة تسع عشرة وثلائمائة.

انظر ترجمته في: "التقييد" لابن نقطة ص 49، "سير أعلام النبلاء" 16/ 521.

ص: 25

‌فصل

واسم صحيحه: "الجامعُ المسنَدُ الصحيحُ، المختصرُ من أمورِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وسننِهِ، وأيامِهِ" كذا سماه هو أوَّلَ كتابِه، وهو أولُ كتاب صنف في الحديث الصحيح المجرد، وهو أكثر فوائد من صحيح مسلم، وأصح عَلَى الصحيح عند الجمهور.

وقال النسائي: ما في هذِه الكتب أجود منه

(1)

. وقد قرر الإسماعيلي

(2)

ترجيح كتابه في "مدخله"، ومما يرجح به أنه لابد من

(1)

رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 2/ 9، والمزي في "تهذيب الكمال" 24/ 442 من طريق محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون قال: سئل أبو عبد الرحمن- يعني: النسائي- عن العلاء وسهيل، فقال: هما خير من فليح ومع هذا فما في هذِه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل البخاري.

وقال ابن حجر في "هدي الساري" ص 10 - 11: روينا بالإسناد الصحيح عن أبي عبد الرحمن النسائي، ثم ذكر مثل مقولته، ثم قال: ولا يعني بالجودة إلا جودة الأسانيد كما هو المتبادر إلى الفهم من اصْطلاح أهل الحديث، ومثل هذا من مثل النسائي غاية في الوصف مع شدة تحريه وتوقيه وتثبته في نقد الرجال، وتقدمه في ذلك على أهل عصره حتى قدمه قوم من الحذاق في معرفة ذلك على مسلم بن الحجاج، وقدمه الدارقطني وغيره في ذلك على إمام الأئمة ابن خزيمة. اهـ.

(2)

هو الإمام الحافظ الحجة الفقيه، شيخ الإسلام، أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيلي الشافعي، صاحب "المستخرج على صحيح البخاري" وهو من أشهر وأعظم المستخرجات على البخاري. انظر ترجمته في:"المنتظم" 7/ 108، "تذكرة الحفاظ" 3/ 947، "سير أعلام النبلاء" 16/ 292 (208)، "الوافي بالوفيات" 6/ 213، "شذرات الذهب" 3/ 72 - 75.

ص: 26

ثبوت اللقاء عنده، وخالفه مسلم واكْتفى بإمكانه.

وأجمعت الأمةُ عَلَى صحة كتابه وكتاب مسلم، ومعناه أنه يجب العملُ بأحاديثهما، وأنهما يفيدان الظنّ، إلا ما تواتر منها، فيفيد العلم، وقال قومٌ: إنها كلها تفيد العلم القطعي، وأنكره الجمهور والمحققون.

ص: 27

‌فصل فى سبب تصنيفه وكيفيه تأليفه

قَال إبراهيم بن معقل النسفي

(1)

: قَال لنا أبو عبد الله البخاري: كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال لنا بعض أصحابنا: لو جمعتم كتابًا مختصرًا في الصحيح لسنن رسول صلى الله عليه وسلم، فوقع ذَلِكَ في قلبي، فأخذت في جمع هذا الكتاب

(2)

.

وروي من جهات عنه قَالَ: صنفت كتاب الصحيح لست عشرة سنة، خرجته من ستمائة ألف حديث، وجعلته حجة بيني وبين الله عز وجل

(3)

.

(1)

هو إبراهيم بن معقل أبو إسحاق النسفي، الإمام الفقيه الحافظ، قاضي مدينة نسف، قال أبو يعلى الخليل: هو ثقة حافظ، مات في ذي الحجة سنة خمس وتسعين ومائتين، له "المسند الكبير"، "التفسير" وقد روى "الصحيح" عن البخاري.

انظر ترجمته في: "تذكرة الحفاظ" 2/ 686، "سير أعلام النبلاء" 13/ 493 (241)، "الوافي بالوفيات" 6/ 149، "شذرات الذهب" 2/ 218.

(2)

رواه الخطيب 2/ 8، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 52/ 72، والمزي في "تهذيب الكمال" 24/ 441 - 442، والذهبي في "السير" 12/ 401، والحافظ في "هدي الساري" 1/ 6 - 7، وفي "تغليق التعليق" 5/ 419.

(3)

رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 2/ 14، وفي "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/ 185 (1562)، وأبو يعلى الفراء في "طبقات الحنابلة" 2/ 255، والمزي 24/ 448 - 449.

ص: 28

وعنه أنه قَالَ: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأني واقف بين يديه، وبيدي مروحة أَذُبُّ عنه، فسألت بعض المعبرين فقال: أنت تذب الكذب؛ فهو الذي حملني عَلَى إخراج "الصحيح"

(1)

.

وعنه قَالَ: ما أدخلت في كتاب "الجامع" إلا ما صَحَّ، وتركت من الصحاح لحال الطول

(2)

. وفي رواية عنه حكاها الحازمي

(3)

في "شروط الأئمة الخمسة": لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحًا، وما تركته من الصحاح أكثر

(4)

، وهي بمعناها.

وقال الفربري: قَالَ لي البخاري: ما وضعت في كتاب "الصحيح" حديثًا إلا اغْتسلت قبل ذَلِكَ وصليت ركعتين

(5)

.

وقال عبد القدوس بن همام: سمعت عدة من المشايخ يقولون: حَوَّل البخاري تراجم جامعه بين قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومنبره، وكان يصلي

(1)

ذكره النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 74، والحافظ في "هدي الساري" ص 7، وقال: بإسناد ثابت. اهـ.

(2)

رواه ابن عدي في مقدمة "الكامل" 1/ 226، ومن طريقه الخليلي في "الإرشاد" 3/ 962، والخطيب 2/ 8 - 9، وأبو يعلى الفراء في "طبقات الحنابلة" 2/ 252 - 253، والمزي في "تهذيب الكمال" 24/ 442، والذهبي في "السير" 12/ 402

(3)

هو: الإمام الحافظ الحجة الناقد النسابة البارع أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان ابن حازم الحازمي الهمذاني ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.

برع في فن الحديث خصوصًا النسب، واستوطن بغداد، من كتبه:"الناسخ والمنسوخ"، "عجالة المبتدئ في النسب"، و"المؤتلف والمختلف في أسماء البلدان"، وأسند أحاديث "المهذب". توفي سنة أربع وثمانين وخمسمائة. انظر:"سير أعلام النبلاء" 21/ 167، و"شذرات الذهب" 4/ 282.

(4)

"شروط الأئمة الخمسة" ص 63.

(5)

رواه الخطيب 2/ 9، والفراء في "الطبقات" 2/ 249 - 250، والمزي 24/ 443، والذهبي في "السير" 12/ 452.

ص: 29

لكل ترجمة ركعتين

(1)

.

وقال أبو زيد المروزي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي:"إِلى متى تدرس الفقه، ولا تدرس كتابي؟ ". قُلْتُ: وما كتابك يا رسول الله؟ قَالَ: "جامع محمد بن إسماعيل البخاري"، أو كما قَالَ

(2)

.

وفي "تاريخ نيسابور" للحاكم

(3)

، عن أبي عمرو إسماعيل، ثنا أبو عبد الله محمد بن علي قَالَ: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أقمت بالبصرة خمس سنين معي كتبي أصنف وأحج في كل سنة، وأرجع من مكة إلى البصرة. قَالَ: وأنا أرجو أن الله تعالى يبارك للمسلمين في هذِه المصنفات. قَالَ أبو عمرو: قَالَ أبو عبد الله: فلقد بارك الله فيها

(4)

.

(1)

رواه الخطيب ابن عدي في "أسامي من روى عنهم البخاري من مشايخه" ص 51 - 52، ومن طريقه 2/ 9، والمزي 24/ 443.

(2)

رواه القزويني في "التدوين" 2/ 45 - 46، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 12/ 438، 16/ 314 - 315، وابن حجر في "هدي الساري" ص 489، وفي "تغليق التعليق" 5/ 422. وقال: إسناد هذِه الرواية صحيح، ورواتها ثقات أئمة، وأبو زيد من كبار الشافعية، له وجه في المذهب. اهـ.

(3)

هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم، أبو عبد الله بن البيع، صاحب "المستدرك على الصحيحين" ولد يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الأول، سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة بنيسابور، من مصنفاته:"معرفة علوم الحديث"، "تاريخ النيسابورين"، "المدخل إلى علم المصطلح"، "الإكليل" وغيرها.

انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 5/ 473، "المنتظم" 7/ 274، "وفيات الأعيان" 4/ 280، "تدكرة الحفاظ" 3/ 1039، "سير أعلام النبلاء" 17/ 162 (100)، "شذرات الذهب" 3/ 176.

(4)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 52/ 72.

ص: 30

وقال (ابن طاهر)

(1)

: صنف صحيحه ببخارى. وقيل: بمكة

(2)

. وقال ابن بجير

(3)

: سمعت البخاري يقول: صنَّفْتُه في المسجد الحرام، وما أدخلت فيه حديثًا إلا بعد ما اسْتخرت الله تعالى وصليت ركعتين، وتيقنت صحته

(4)

.

قَالَ ابن طاهر: والقول الأول عندي أصح

(5)

.

وجمع النووي بين ذَلِكَ بأنه كان يصنف فيه بمكة، والمدينة، والبصرة، وبخارى، فإنه مكث في تصنيفه ست عشرة سنة كما سلف

(6)

.

(1)

في الأصل: أبو طاهر، والصواب ما أثبتناه. وهو محمد بن طاهر بن علي بن أحمد أبو الفضل الحافظ الجوال الرحال المعروف بابن القيسراني، الظاهري الصوفي، صاحب كتاب "شروط الأئمة الستة" ولد ببيت المقدس في شوال سنة ثمان وأربعمائة، قال عن نفسه: بُلتُ الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، وأخرى بمكة، وكنت أمشي حافيًا في الحر، فلحقني ذلك، وما ركبت دابة قط في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألت في حال الطلب أحدًا، وكنت أعيش على ما يأتي. توفي سنة سبع وخمس مائة.

انظر ترجمته في: "المنتظم" 9/ 177، "وفيات الأعيان" 4/ 287، "تذكرة الحفاظ" 4/ 1242، "سير أعلام النبلاء" 19/ 361 (213)، "شذرات الذهب" 4/ 18.

(2)

نقله عنه النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 74.

(3)

هو الإمام الحافظ الثبت الجوال، مصنف "المسند" أبو حفص، عمر بن محمد بن بجير الهمداني السمرقندي، كان من أوعية العلم، وكان أبوه صاحب حديث، توفي سنة إحدى عشر وثلاثمائة. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ" 2/ 719، "سير أعلام النبلاء" 14/ 402 (219)، "شذرات الذهب" 2/ 262.

(4)

قال الحافظ في "التغليق" 5/ 421، و"هدي الساري" ص 489: قال أبو سعيد الإدريسي: أخبرنا سليمان بن داود الهروي، سمعت عبد الله بن محمد بن هاشم يقول: قال عمر بن بجير البجيري .. ثم ساقه.

(5)

هو في كتاب ابن طاهر المسمى "جواب المتعنت" فقد أشار إليه الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" ص 15.

(6)

"تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 74.

ص: 31

وبعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي

(1)

والي بخارى إليه: أن (احمل)

(2)

إليَّ كتاب "الجامع"، و"التاريخ"، وغيرهما؛ لأسمع منك.

فبعث إليه: أنا لا أَذِلُّ العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كان لك إلى شيء منه حاجة فاحضرني في مسجدي أو في داري

(3)

.

ويروى أنه بعث إليه أن يعقد مجلسًا لأولاده لا يحضره غيرهم، فامتنع وقال: لا يسعني أن أخص بالسماع قومًا دون قوم

(4)

.

(1)

هو الأمير أبو الهيثم الذهلي، صاحب ما وراء النهر، له آثار حميدة ببخارى أكرم بها المحدثين وأعطاهم، روى عن ابن راهويه، وروى عنه ابن أبي حاتم وابن عقدة، مات سنة سبعين ومائتين. انظر ترجمته في:"الجرح والتعديل" 3/ 322، "تاريخ بغداد" 8/ 314 - 316، "المنتظم" 5/ 68، "سير أعلام النبلاء" 13/ 137 (68).

(2)

في الأصل: (انحمل).

(3)

رواه الخطيب 2/ 33، والمزي 464/ 24 - 465، وغنجار في "تاريخه" كما في "السير" 12/ 464، والحافظ في "التغليق" 5/ 439.

(4)

رواه الخطيب 2/ 33، والمزي 24/ 465.

ص: 32

‌فصل في عددِ أحاديثِهِ

جملة ما فيه من الأحاديث المسندة سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثًا بالأحاديث المكررة. وبحذفها نحو أربعة آلاف

(1)

، قد ذكرها مفصلة الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي بإسناده عن الحموى

(2)

فقال: عدد

(3)

أحاديث "صحيح البخاري"رحمه الله:

(1)

قلت: هذا هو قول ابن الصلاح في "علوم الحديث" ص 20، وتبعه النووي في "التقريب" كما في "تدريب الراوي" 1/ 128، وكذا في "تهذيب الأسماء" 1/ 75، وتبعهما المصنف رحمه الله هنا وكذا في "المقنع" 1/ 64. قال الحافظ في "هدي الساري" ص 465: هكذا أطلق ابن الصلاح وتبعه النووي في "مختصره" وخالف في الشرح، فقيدها بالمسندة،. ولفظه: جملة ما في "صحيح البخاري" من الأحاديث المسندة بالمكرر، فذكر العدة سواء، فأخرج بقوله:(المسندة) الأحاديث المعلقة وما أورده في التراجم والمتابعة وبيان الاختلاف بغير إسناد موصل، فكل ذلك خرج بقوله:(المسندة) بخلاف إطلاق ابن الصلاح. اهـ.

(2)

نقل الحافظ في "هدي الساري" ص 465 عن النووي قال: وقد رأيت أن أذكر الأحاديث مفصلة ليكون كالفهرسة لأبواب الكتاب، ثم ساقها النووي ناقلًا لذلك من كتاب "جواب المتعنت" لأبي الفضل ابن طاهر بروايته من طريق الحموي. اهـ.

قلت: ثم نقل الحافظ عد هذِه الأحاديث، وتعقب هذا العدد كما سنورده تباعًا.

(3)

أضفنا أرقام الأحاديث أمام كل كتاب لتسهيل المنفعة بحسب ترقيم الأستاذ/ محمد فؤاد عبد الباقي، ولا يخفى أن ذلك قد يخالف عد المصنف -وعد ابن حجر أيضًا- وذلك يرجع إلى أمرين: الأول: اختلاف النسخ تقديمًا وتأخيرًا وتبويبًا.

الثاني: اختلاف طريقة العد، فربما اعتبر المصنف الحديثين والثلاثة حديثًا واحدًا.

ص: 33

بدء الوحي: خمسة أحاديث

(1)

. [1 - 7]

الإيمان: خمسون

(2)

. [7 - 58]

العلم: خمسة وسبعون. [59 - 134]

الوضوء: مائة وتسعة أحاديث

(3)

. [135 - 247]

غسل الجنابة: (ثلاثة)

(4)

وأربعون

(5)

. [248 - 293]

الحيض: سبعة وثلاثون. [294 - 333]

التيمم: خمسة عشر. [334 - 348]

فرض الصلاة: حديثان. [349 - 350]

الصلاة في الثياب: تسعة وثلاثون

(6)

. [351 - 390]

(1)

قال الحافظ: هي سبعة وكأنه لم يعد حديث الأعمال ولم يعد حديث جابر في أول ما نزل، وبيان كونها سبعة أن أول ما في الكتاب حديث عمر: الأعمال، والثاني: حديث عائشة في سؤال الحارث بن هشام، الثالث: حديثها أول ما بدئ به من الوحي، الرابع: حديث جابر وهو يحدث عن فترة الوحي وهو معطوف على إسناد حديث عائشة، وهما حديثان مختلفان لا ريب في ذلك. الخاص: حديث ابن عباس في نزول: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [القيامة: 16]. السادس: حديثه في معارضة جبريل في رمضان. السابع: حديثه عن أبي سفيان في قصة هرقل، وفي أثنائه حديث آخر موقوف، وهو حديث الزهري، عن ابن الناطور في شأن هرقل، وفيه من التعليق موضعان ومن المتابعات ستة مواضع. اهـ.

(2)

قال: بل هي أحد وخمسون وذلك أنه أورد حديث أنس: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده

" الحديث. من رواية قتادة، عن أنس، ومن رواية عبد العزيز بن صهيب، عن أنس إسنادين مختلفين فلكون المتن واحدًا لم يعده حديثين، ولا شك أن عده حديثين أولى من عد المكرر إسنادًا ومتنًا.

(3)

قال الحافظ: بل مائة وخمسة عشر حديثًا على التحرير.

(4)

في الأصل (ثلاث) والصواب ما أثبتناه.

(5)

قال الحافظ: بل سبعة وأربعون.

(6)

قال: بل إحدى وأربعون.

ص: 34

القبلة: ثلاثة عشر. [391 - 414]

المساجد: ستة وسبعون. [415 - 492]

سترة المصلي: ثلاثون

(1)

. [493 - 520]

مواقيت الصلاة: خمسة وسبعون

(2)

. [521 - 602]

الأذان: ثمانية وعشرون

(3)

. [603 - 634]

فضل صلاة الجماعة وإقامتها: أربعون

(4)

. [635 - 674]

الإمامة: أربعون. [675 - 716]

إقامة الصفوف: ثمانية عشر

(5)

. [717 - 731]

افتتاح الصلاة: ثمانية وعشرون. [732 - 754]

القراءة: ثلاثون. [755 - 782]

(6)

الركوع والسجود والتشهد: اثنان وخمسون. [783 - 835]

انقضاء الصلاة: سبعة عشر

(7)

. [836 - 852]

اجتناب أكل الثوم: خمسة أحاديث

(8)

[853 - 856]

صلاة النساء والصبيان: خمسة عشر

(9)

. [857 - 875]

الجمعة: خمسة وستون. [876 - 941]

(1)

قال:: اثنان. قلت: يعني: اثنين وثلاثين.

(2)

قال: الحافظ: بل ثمانون.

(3)

قال: بل ثلاثة وثلاثون.

(4)

قال: واثنان.

(5)

قال: بل أربعة عشر، وقد حررتها وكررت مراجعتها.

(6)

قال: الحافظ: بل سبعة وعشرون.

(7)

قال: بل أربعة عشر.

(8)

قال: الحافظ: بل أربعة فقط.

(9)

قال:: بل فيه أحد وعشرون حديثًا.

ص: 35

صلاة الخوف: ستة أحاديث. [942 - 947]

العيد: أربعون. [948 - 989]

الوتر: خمسة عشر. [990 - 1004]

الاستسقاء: خمسة وثلاثون

(1)

. [1005 - 1039]

الكسوف: خمسة وعشرون. [1040 - 1066]

سجود القرآن: أربعة عشر. [1067 - 1079]

القصر: ستة وثلاثون. [1080 - 1119]

الاستخارة: ثمانية. [انظر: 1163]

التحريض عَلَى قيام الليل: أحد وأربعون

(2)

[1120 - 1158]

النوافل: ثمانية عشر

(3)

[1159 - 1187]

الصلاة بمسجد مكة: تسعة. [1188 - 1197]

العمل في الصلاة: ستة وعشرون. [1198 - 1223]

السهو: أربعة عشر

(4)

. [1224 - 1236]

الجنائز: مائة وأربعة وخمسون. [1237 - 1394]

الزكاة: مائة وثلاثة عشر. [1395 - 1502]

صدقة الفطر: عشرة. [1503 - 1512]

الحج: مائتان وأربعون. [1513 - 1772]

(1)

قال: بل أحد وثلاثون.

(2)

قال: لم أر الاستخارة في هذا المكان، بل هنا باب التهجد، ثم إن مجموع ذلك أربعون حديثًا لا غير.

(3)

قال الحافظ: بل ستة وعشرون.

(4)

قال: بل خمسة عشر بحديث أم سلمة.

ص: 36

العمرة: اثنان وثلاثون

(1)

. [1773 - 1805]

الإحصار: أربعون

(2)

. [1806 - 1820]

جزاء الصيد: أربعون

(3)

. [1821 - 1866]

الصوم: ستة وستون

(4)

. [1891 - 2007]

ليلة القدر: عشرة. [2013 - 2024]

قيام رمضان: ستة. [2008 - 2013]

الاعتكاف: عشرون. [2025 - 2046]

البيوع: مائة وأحد وتسعون. [2047 - 2238]

السلم: تسعة عشر. [2239 - 2256]

الشفعة: ثلاثة أحاديث. [2257 - 2259]

الإجارة: أربعة وعشرون. [2260 - 2289]

الحوالة: ثلاثون

(5)

[2287 - 2289]

الكفالة: ثمانية أحاديث. [2290 - 2298]

الوكالة: سبعة عشر. [2299 - 2319]

(1)

كذا في الأصل، في "هدي الساري" ص 466: اثنان وأربعون.

(2)

قال: لا والله بل ستة عشر فقط.

(3)

قال الحافظ: بل ستة عشر ايضا. قلت: وقع في "هدي الساري" ص 466 بعد جزاء الصيد، الإحرام وتوابعه: اثنان وثلاثون، فضل المدينة: أربعة وعشرون، ثم بعد ذلك الصوم، وقد تابع المصنف على ذلك العيني في "عمدة القاري" 1/ 6.

(4)

قال الحافظ: لم يحرر الصوم ولم يتقنه، فإن جملة ما بعد قوله: كتاب الصيام إلى قوله: كتاب الحج من الأحاديث المسندة بالمكرر مائة وستة وخمسون حديثًا، ففاته من العدد أربعة وعشرون حديثًا، وهذا في غاية التفريط.

(5)

قال: كذا رأيت في غير ما نسخة، وهو غلط والصواب ثلاثة أحاديث.

ص: 37

المزارعة والشرب: تسعة وعشرون. [2320 - 2350]

الاستقراض وأداء الديون: خمسة وعشرون. [2385 - 2409]

الإشخاص: ثلاثة عشر. [2410 - 2423]

الملازمة: حديثان

(1)

. [2424 - 2425]

اللقطة: خمسة عشر. [2426 - 2439]

المظالم والغصب: أحد أربعون

(2)

. [2440 - 2482]

الشركة: اثنان وسبعون

(3)

. [2483 - 2507]

الرهن: تسعة أحاديث

(4)

[2508 - 2516]

العتق: أحد وعشرون

(5)

[2517 - 2559]

المكاتب: ستة

(6)

[2560 - 2565]

الهبة: تسعة وستون. [2566 - 2636]

الشهادات: ثمانية وخمسون

(7)

. [2637 - 2689]

الصلح: اثنان وعشرون

(8)

. [2690 - 2710]

(1)

قال: الاستقراض وأداء الديون والإشخاص والملازمة أربعون، فجمعهم ولم يفصل.

(2)

قال: بل خمسة وأربعون.

(3)

قلت: كذا بالأصل، وتابعه العيني في "عمدة القاري" 1/ 6، وفي "هدي الساري" ص 466: الشركة ثلاثة وعشرون.

(4)

قلت: كذا بالأصل وتابعه العيني في "عمدة القاري" 1/ 6، وفي "هدي الساري" الرهن: ثمانية.

(5)

قلت: كذا بالأصل، وفي "هدي الساري" العتق: أربعة وثلاثون.

(6)

قال: بل خمسة.

(7)

قال: بل ستة وخمسون.

(8)

قال: بل عشرون فقط.

ص: 38

الشروط: أربعة وعشرون. [2711 - 2737]

الوصايا: أحد وأربعون. [2738 - 2781]

الجهاد والسير: مائتان وخمسة وخمسون. [2782 - 3047]

بقية الجهاد أيضًا: اثنان وأربعون. [3048 - 3090]

فرض الخمس: ثمانية وخمسون

(1)

. [3091 - 3155]

الجزية والموادعة: ثلاثة وستون

(2)

. [3156 - 3189]

بدء الخلق: مائتان وحديثان. [3190 - 3325]

الأنبياء والمغازي: أربعمائة وثمانية وعشرون. [3327 - 3775]

جزء آخر بعد المغازي: مائة وثمانية وثلاثون

(3)

. [3776 - 4473]

(1)

قال الحافظ: من قوله: كتاب الجهاد، إلى قوله: فرض الخمس، عدة أحاديثه مائتان وأربعة وتسعون حديثًا، قلت: ومجموع ما ذكره المصنف من كتاب: الجهاد والسير وبقية الجهاد: مائتان وسبعة وتسعون. قال: وأما فرض الخمس فهو ثلاثة وستون حديثًا.

(2)

قال: بل ثمانية وعثرون حديثًا فقط.

(3)

كذا في الأصل وفي "هدي الساري" مائة وثمانية.

علق الحافظ قائلُا: لم يقع في هذا الفصل تحرير، فأما بدء الخلق، فإنما عدة أحاديثه على التحرير مائة وخمسة وأربعون حديثًا، وأحاديث الأنبياء وأوله باب قول الله جل وعلى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا} [هود: 25]، وآخره ما ذكر عن بني إسرائيل مائة وأحد عثر حديثًا. أخبار بني إسرائيل وما يليه ستة وأربعون حديثًا، المناقب وفيه علامات النبوة مائة وخمسون حديثًا. فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مائه وخمسة وستون حديثًا. بنيان الكعبة وما يليه من أخبار الجاهلية عثرون حديثًا. مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته إلى ابتداء الهجرة ستة وأربعون حديثًا. الهجرة إلى ابتداء المغازي خمسون حديثًا، والمغازي إلى آخر الوفاة أربعمائة حديث واثنا عشر حديثًا. فانظر إلى هذا التفاوت العظيم بين ما ذكر هذا الرجل واتبعوه عليه وبين ما حررته من الأصل. اهـ.

ص: 39

التفسير: خمسمائة وأربعون

(1)

. [4474 - 4977]

فضائل القرآن: أحد وثمانون. [4978 - 5062]

النكاح والطلاق: مائتان وأربعة وأربعون

(2)

[5063 - 5350]

النفقات: اثنان وعشرون. [5351 - 5372]

الأطعمة: سبعون

(3)

. [5373 - 5466]

العقيقة: أحد عشر

(4)

. [5467 - 5474]

الصيد والذبائح وغيره: تسعون

(5)

[5475 - 5544]

(الذبائح والأضاحي)

(6)

: ثلاثون. [5545 - 5574]

الأشربة: خمسة وستون. [5575 - 5639]

الطب: تسعة وسبعون. [5678 - 5682]

اللباس: مائة وعشرون. [5684 - 5969]

المرضى: أحد وأربعون. [5940 - 5677]

اللباس أيضًا: مائة

(7)

.

(1)

قال الحافظ: بل هو أربعمائة وخمسة وستون حديثًا من غير التعاليق والموقوفات.

(2)

قال: يحتاج هذا الفصل إلى تحرير، فأما النكاح وحده مائة وثلاثة وثمانون حديثًا، والطلاق ومعه الخلع والظهار واللعان والعدد ثلاثة وثمانون حديثًا.

(3)

قال: الصواب تسعون.

(4)

قال: بل تسعة أحاديث، وفيه غير ذلك من التعاليق والمتابعة.

(5)

قال: بل الجميع ستة وستون حديثًا.

(6)

كذا بالأصل، والصواب:(الأضاحي) كما جاء في "هدي الساري" ص 467، "عمدة القاري" 1/ 6.

(7)

قال الحافظ: هكذا رأيت في عدة نسخ، والذي في أصل "الصحيح" بعد الأشربة كتاب: المرضى، فذكر ما يتعلق بثواب المريض وأحوال المرضى وعدته أربعون حديثًا، ثم قال كتاب: الطب وعدته سبعة وتسعون حديثًا بتقديم السين على الباء في سبعة وبتقديم التاء على السين في التسعين. اهـ.

ص: 40

الأدب: مائتان وستة وخمسون [5970 - 6226]

الاستئذان: سبعة وسبعون. [6227 - 6303]

الدعوات: ستة وسبعون. [6304 - 6411]

ومن الدعوات: ثلاثون

(1)

.

الرقاق: مائة. [6412 - 6516]

الحوض: ستة عشر. [6575 - 6593]

الجنة والنار: سبعة وخمسون

(2)

. [6517 - 6574]

القدر: ثمانية وعشرون. [6594 - 6620]

الأيمان والنذور: أحد وثلاثون

(3)

. [6621 - 6707]

كفارة اليمين: خمسة عشر

(4)

. [6708 - 6722]

الفرائض: خمسة وأربعون

(5)

[6723 - 6771]

الحدود: ثلا ثون. [6772 - 6801]

(6)

المحاربون: اثنان وخمسون. [6802 - 6860]

الديات: (أربعة)

(7)

وخمسون. [6861 - 6917]

(1)

قال: هو مائة وستة أحاديث كما قال.

(2)

قال الحافظ: لكل من كتاب الرقاق، وأما صفة الجنة والنار، فقد تقدم ذكرهما في بدء الخلق، وعدة الرقاق على ما ذكر مائة وثلاثة وسبعون حديثًا، وقد حررته فزاد على ذلك أربعة أحاديث.

(3)

قال: كذا هو في عدة نسخ، وهو خطأ وإنما هو أحد وثمانون.

(4)

قال: بل ثمانية عشر حديثًا.

(5)

قال: ستة وأربعون.

(6)

قال: بل اثنان وثلاثون.

(7)

في الأصل: (أربع)، والصواب: ما أثبتناه كما في "هدي الساري" ص 467، "عمدة القاري" 1/ 7.

ص: 41

استتابة المرتدين: عشرون. [6918 - 6939]

الإكراه: ثلاثة عشر

(1)

. [6940 - 6952]

ترك الحيل: ثلاثة وعشرون

(2)

. [6953 - 6981]

التعبير: ستون

(3)

. [6982 - 7047]

الفتن: ثمانون. [7048 - 7136]

(4)

الأحكام: اثنان وثمانون. [7137 - 7225]

(الأماني)

(5)

: اثنان وعشرون

(6)

. [7226 - 7245]

إجازة خبر الواحد: تسعة عشر

(7)

. [7246 - 7267]

الاعتصام: ستة وتسعون

(8)

. [7268 - 7370]

التوحيد وعظمة الرب -سبحانة وتعالى- وغير ذلك إلى آخر الكتاب: (مائة وسبعون)

(9)

. [7371 - 7563]

وهذا فصل نفيس يغتبط به أهل العناية، فهو كالفهرست لأبواب الكتاب، فيسهل معرفة مظان أحاديثه عَلَى قاصديه

(10)

.

(1)

قال الحافظ: بل اثنا عشر حديثًا.

(2)

قال: بل ثمانية وعشرون.

(3)

قال: وثلاثة.

(4)

قال: وحديثان.

(5)

كذا في الأصل، وفي "اليونينية"، و"الفتح" التمني، والمذكور إحدى روايات الصحيح وهي رواية الجرجاني.

(6)

قال: بل عشرون من غير المعلق.

(7)

قال: بل اثنان وعشرون.

(8)

قال: بل ثمانية وتسعون حديثًا.

(9)

كذا بالأصل، وفي "هدي الساري":(مائة وتسعون).

(10)

قال الحافظ: وإنما أوردت هذا القدر ليتبين منه أن كثيرًا من المحدثين وغيرهم يستروحون بنقل كلام من يتقدمهم مقلدين له ويكون الأول ما أتقن ولا حرر بل =

ص: 42

وقال أبو حفص عمر بن عبد المجيد الميانشي

(1)

في "إيضاح ما لا يسع المحدث جهله": الذي اشتمل عليه كتاب البخاري من الأحاديث سبعة آلاف وستمائة ونيِّف.

قَالَ: واشتمل كتابه وكتاب مسلم عَلَى ألف حديث ومائتي حديث من الأحكام، فروت عائشة من جملة الكتابين مائتين ونيِّفًا وسبعين حديثًا، لم يخرج غير الأحكام منها إلا يسيرا.

قَالَ الحاكم: فحُمل عنها ربع الشريعة. ومن الغريب ما رأيته في كتاب "الجهر بالبسملة" لأبي سعيد إسماعيل بن أبي القاسم البوشنجي

(2)

نقل عن البخاري أنه صنف كتابًا أورد فيه مائة ألف حديث صحيح.

= يتبعونه تحسينًا للظن والإتقان بخلاف، فلا شيء أظهر من غلطه في هذا الباب في أول الكتاب فياعجباه لشخص يتصدى لعدّ أحاديث كتاب وله به عناية ورواية، ثم يذكر ذلك جملة وتفصيلًا فيقلد في ذلك لظهور عنايته به حتى يتداوله المصنفون، ويعتمده الأئمة الناقدون، ويتكلف نظمه ليستمر على استحضاره المذاكرون، أنشد أبو عبد الله الأندلسي في فوائده عن أبي الحسين الرعيني، عن أبي عبد الله بن عبد الحق لنفسه.

جميع أحاديث الصحيح الذي روى الـ

ـبخاري خمس ثم سبعون تعد

وسبعة آلاف تضاف وما مضى

إلى مائتين عد ذاك أولو الجد

ثم قال: فجميع أحاديثه بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات على ما حررته وأتقنته سبعة آلاف وثلاث مائة وسبعة وتسعون حديثًا، فقد زاد على ما ذكروه مائة حديث واثنان وعشرون حديثًا. اهـ. راجع "هدي الساري" ص 465 - 469 (الفصل العاشر). ومع هذا جميعه فيكون الذي قلده في ذلك لم يتقن ما تصدى له.

(1)

أبو حفص عمر بن عبد المجيد بن عمر القرشي الميانشي محدث مكة، وميانش من نواحي أفريقيا، لم أقف له على ترجمة مفردة، ولكن له ذكر في سياق تراجم أخرى كما في "تذكرة الحفاظ" 4/ 1336، "سير أعلام النبلاء" 21/ 157.

(2)

إسماعيل بن عبد الواحد بن إسماعيل بن محمد أبو سعيد البوشنجي، الفقيه =

ص: 43

‌فصل

قَالَ الحاكم أبو عبد الله في "المدخل إلى معرفة المستدرك": عدد من أخرج لهم البخاري في "الجامع الصحيح"، ولم يخرج لهم مسلم أربعمائةٍ وأربعةٌ وثلاثون شيخًا، وعدد من احتج به مسلم في "صحيحه"، ولم يحتج بهم البخاري في "جامعه" ستمائة وخمسة وعشرون شيخًا

(1)

.

= الشافعي نزيل هراة. سمع أبا صالح المؤدب، وأبا بكر بن خلف الشيرازي، وحمد ابن أحمد، وتفقه وبرع في المذهب ودرس وأفتى وصنف التصانيف. قال ابن السمعاني: كان كثير العبادة، خشن العيش، قانعًا باليسير منه. ولد سنة 461 هـ وتوفي سنة 536 هـ. وأبو القاسم هي كنية والد البوشنجي.

انظر ترجمته في: "المنتظم" 10/ 99 (128)، "تاريخ الإسلام" 36/ 408 - 409 (273)، "طبقات الشافعية الكبرى" 7/ 48 - 51 (727)، "شذرات الذهب" 4/ 112 - 113، "معجم المؤلفين" 1/ 370.

(1)

قال الحافظ: الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضع وثلاثون رجلًا، المتكلم فيه بالضعف منهم ثمانون رجلًا، والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري ستمائة وعشرون رجلًا، المتكلم فيه بالضعف منهم مائة وستون رجلًا، ولاشك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصلًا أولى من التخريج عمن تكلم فيه وإن لم يكن ذلك الكلام قادحًا. اهـ. "هدي الساري" ص 11.

ص: 44

‌فصل في نبذة من حال مصنفه مختصرة فإنها تحتمل تصنيفًا

هو أمير المؤمنين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المُغيرة -بضم الميم عَلَى المشهور، ويجوز كسرها في لغةٍ -بن يزْدِزبه-، بفتح أوله، وهو مثنى تحت، ثم زاي ساكنة، ثم دال مهملة مكسورة، ثم زاي، ثم باء موحدة، ثم هاء -ويقال: بردزبه -بموحدة في أوله بدل المثناة، ثم راء مهملة، والباقي مثله.

كذا ضبطه أولًا ابن خلكان

(1)

عن بعضهم، ثم نقل الثاني عن ابن ماكولا

(2)

قَالَ -أعني ابن ماكولا-:

(1)

ابن خلكان هو: أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان، ولد بإربل سنة ثمان وستمائة، سمع بها "صحيح البخاري"، وأجاز له المؤيد الطوسي، روى عنه المزي والبرزالي، وكان إمامًا فاضلًا بارعًا متقنًا عارفًا بالمذهب، حسن الفتاوى، توفي سنة إحدى وثمانين وستمائة. انظر ترجمته في:"تاريخ الإسلام" 51/ 65 (6)، "الوافي بالوفيات" 7/ 308، "شذرات الذهب" 5/ 371.

(2)

قلت: هذِه العبارة فيها نظر؛ لأن الثابت في "وفيات الأعيان" 4/ 188، 190 يزدبه، ثم نقل عن ابن ماكولا أن ضَبْطه يزدزبه، والذي في "الإكمال" لابن ماكولا 1/ 259: بردزبه، وهو المشهور كما في "هدي الساري" ص 477، وفي ضبطه أقوال أخر، منها: بزدزبه، ذكره الذهبي في "الكاشف" 2/ 156، وابن حجر في:"تغليق التعليق" 5/ 384، ومنها بذذبه، ذكره السبكي في "طبقاته" 2/ 212.

ص: 45

هو بالبخارية، ومعناه بالعربية: الزراع

(1)

.

وقال ابن دحية في كلامه عَلَى حديث "إنما الأعمال بالنيات"

(2)

: قَالَ لي أهل خراسان بعد أن لم يعرفوا معنى هذِه اللفظة: يقال للفلاحين بالفارسية برزكر-بباء موحدة، ثم راء ساكنة، ثم زاي مكسورة، ثم كاف غير صافية، ثمَّ راء ساكنة -وهو لقب لكل من سكن البادية زراعا كان أو غيره، وقيل: إنه المغيرة بن الأحنف الجعفي مولاهم ولاء الإسلام؛ لأن جده المغيرة أسلم عَلَى يد يمان البخاري الجعفي والي بخارى. ويمان هذا هو أبو جد عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان المسندي شيخ البخاري.

ولد بإجماع بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وأجمعوا عَلَى أنه توفي ليلة السبت، عند صلاة العشاء ليلة الفطر، ودفن يوم الفطر بعد الظهر سنة ست وخمسين ومائتين بخرتنك

(3)

-قرية عَلَى فرسخين من سمرقند- كتب رضي الله عنه بخراسان، والجبال، والعراق، والحجاز، والشام، ومصر، عن أبي نعيم، والفريابي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وخلق يزيدون عَلَى ألف.

وروى عنه: الترمذي، والنسائي فيما قيل

(4)

، ومسلم خارج "الصحيح" وإبراهيم الحربي، وأبو زرعة، ومحمد بن نصر المروزي،

(1)

"الإكمال" 1/ 259.

(2)

هو أول أحاديث البخاري.

(3)

قال ياقوت الحموي: خرتنك: بفتح أوله وتسكين ثانيه وفتح التاء، ونون ساكنة، وكاف، قرية بينها وبين سمرقند ثلاثة فراسخ، بها قبر إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاري. اهـ. "معجم البلدان" 2/ 356.

(4)

قال الذهبي في "الكاشف" 2/ 157، "سير أعلام النبلاء" 12/ 397: والصحيح أن النسائي ما سمع منه. اهـ. =

ص: 46

وصالح بن محمد بن جزرة -بفتح الجيم وكسرها- ومطين، وابن خزيمة.

وكان يحضر مجلسه أكثر من عشرين ألفًا يأخذون عنه

(1)

.

وصفته: أنه كان نحيف الجسم ليس بالطويل، ولا بالقصير

(2)

.

ومن كلامه: المادح والذام عندي سواء

(3)

، وأرجو أن ألقى الله ولا يطالبني أني اغتبت أحدًا

(4)

.

= وقال الصفدي في "الوافي بالوفيات" 2/ 590: والأصح أنه لم يرو عنه شيئًا. اهـ. وقال المزي في "تهذيب الكمال" 24/ 436 - 437: وروى النسائي في الصيام من "سننه" عن محمد بن إسماعيل، عن حفص بن عمر بن الحارث، عن حماد، عن معمر والنعمان بن راشد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعنة تذكر

الحديث. هكذا رواه أبو القاسم حمزة بن محمد الكنانى الحافظ، وأبو علي الحسن بن الخضر الأسيوطي، وأبو الحسن بن حبوية النيسابوري، عن النسائي، عن محمد بن إسماعيل حَسْب. وفي أصل الحافظ أبي عبد الله الصوري الذي كتبه بخطه، عن أبي محمد بن النحاس، عن حمزة، عن النسائي: حدثنا محمد بن إسماعيل وهو أبو بكر الطبراني.

وقال أبو بكر بن السني وحده عن النسائي: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، ولم نجد للنسائي عنه رواية سوى هذا الحديث إن كان ابن السني حفظه عن النسائي، ولم ينسبه من تلقاء نفسه معتقدًا أنه البخاري والله أعلم. وقد روى النسائي الكثير عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، وهو ابن علية وهو يشارك البخاري في بعض شيوخه كما سيأتي في ترجمته، وروى في كتاب "الكنى" عن عبد الله بن أحمد بن عبد السلام الخفاف، عن البخاري عدة أحاديث، فهذِه قرينة ظاهرة في أنه لم يلق البخاري ولم يسمعه منه، والله أعلم. اهـ.

(1)

رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 2/ 20، وفي "الجامع لأخلاق الراوي" 2/ 53، والسمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء" ص 17، والمزي 24/ 452.

(2)

رواه ابن عدي في "من روي عنهم البخاري في الصحيح" ص 49، والخطيب 2/ 6.

(3)

النووي في "تهذيب الأسماء" 1/ 68.

(4)

رواه الخطيب 2/ 13، والفراء في "طبقات الحنابلة" 2/ 255، والمزي 24/ 446، والحافظ في "التغليق" 5/ 398.

ص: 47

وقَالَ: ما اشتريت منذ ولدت من أحد بدرهم، ولا بعت أحدًا شيئًا.

فسئل عن الكاغد والحبر فقال: كنت آمر إنسانًا يشتري لي

(1)

.

وقال: ما أتيت شيئًا بغير علم

(2)

.

وقال: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح

(3)

. وأقوال الأئمة في تفضيله، وتعظيمه، وتفرده بهذا الشأن مشهورة، وقد ذكرت جملة منها في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"

(4)

.

فائدة يتعين عليك حفظها: قَدْ علمت أن البخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين، ومات مسلم بنيسابور سنة إحدى وستين ومائتين، ومات أبو داود بالبصرة سنة خمس وسبعين ومائتين، ومات الترمذي بها سنة تسع وسبعين ومائتين، ومات النسائي بمكة سنة ثلاث وثلاثمائة.

فائدة ثانية:

قَدْ أسلفت أن البخاري رحمه الله أمير المؤمنين في الحديث

(5)

،

(1)

رواه الخطيب 2/ 11، والفراء 2/ 254.

(2)

رواه الخطيب 2/ 14، والمزي 24/ 448.

(3)

رواه الخطيب 2/ 25، والفراء 2/ 252، والمزي 24/ 461.

(4)

"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 118 - 125.

(5)

أمير المؤمنين في الحديث هو: من تبحر في علمي الحديث رواية ودراية، وأحاط علمه بجميع الأحاديث ورواتها جرحًا وتعديلًا، وبلغ في حفظ كل ذلك الغاية، ووصل في فهمه النهاية، وجرب في كل ذلك فلم يأخذ عليه آخذ، وإنما حاز قصب السبق في كل ذلك، وفاق حفظًا وإتقانًا وتعمقًا في علم الحديث وعلله كل من سبقه حتى صار مرجعًا لمن يأتي بعده، فهو من أرفع ألقاب المحدثين وأعلاها، وهو أعلى مرتبة من الحاكم فليس فوقه مكان لمستزيد. قال السيوطي في "ألفيته" ص 158:

وبأمير المؤمنين لقبوا

أئمة الحديث قدمًا نسبوا

وإنما سمي بأمير المؤمنين في الحديث؛ لأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أداء السنن =

ص: 48

وقد شاركه في ذَلِكَ جماعة أفردهم الحافظ أبو علي الحسن بن محمد البكري

(1)

في كتابه "التبيين لذكر من يسمى بأمير المؤمنين" قَالَ: وأول من سمي بهذا الاسم -فيما أعلمه وشاهدته ورويته، وسمي بالإمام في أول الإسلام- أبو الزناد عبد الله بن ذكوان، وبعده إمام دار الهجرة: مالك بن أنس، ثم عد بعدهما: محمد بن إسحاق

= إلى المسلمين، وهو اصطلاح مأخوذ من حديث رواه الطبراني في "الأوسط" 6/ 77 (5846) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم ارحم خلفائى"، قلنا: يا رسول الله، وما خلفاؤك؟ قال:"الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي وسنتي". وهو حديث قال عنه الألباني في "الضعيفة"(854): باطل، وقال في "ضعيف الجامع" (1171): موضوع.

وقال الشنقيطي في "هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث":

وبأمير المؤمنين لقبوا

بعض أئمة لديهم جربوا

إذ هم لخير المرسلين خلفًا

لما رواه الطبراني ذو الوفا

ومن هذا الحديث أخذ أهل الحديث اصطلاحهم فلقبوا بعض أئمة الحديث منهم بأمير المؤمنين في الحديث، وهذا اللقب لم يظفر به إلا الأفذاذ النوادر الجهابذة، الذين هم أئمة هذا الشأن والمرجع إليهم فيه كشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والبخاري والدارقطني، ومن المتأخرين ابن حجر العسقلاني، وعند الإطلاق يقصد به الإمام البخاري وحده.

انظر: "أصول الحديث" لعجاج الخطيب ص 478، "معجم مصطلحات الحديث" للأعظمي ص 59، "السراج المنير في ألقاب المحدثين" لسعد فهمي ص 261 - 263.

(1)

هو الشيخ الإمام المحدث المفيد الرحال المسند جمال المشايخ صدر الدين، أبو علي الحسن بن محمد بن الشيخ، أبي الفتوح محمد بن محمد بن محمد بن عمروك ابن محمد بن عبد الله بن حسن بن القاسم، البكري النيسابوري، ثم الدمشقي الصوفي، ولد بدمشق في سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء" 23/ 326 (226)، "تذكرة الحفاظ" 4/ 1444، "الوافي بالوفيات" 12/ 251 (228)، "شذرات الذهب" 5/ 274.

ص: 49

صاحب المغازي، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، والبخاري، والواقدي، وإسحاق ابن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والدارقطني وذكر فيه أن أبا إسحاق الشيرازي أمير المؤمنين فيما بين الفقهاء نقلًا عن الموفق الحنفي إمام أصحاب (الرأي)

(1)

ببغداد.

هذا مجموع ما ذكره في تأليفه، وأغفل الإمام أبا عبد الله محمد بن يحيى الذهلي؛ فإن أبا بكر بن أبي داود قَالَ: ثنا محمد بن يحيى، وكان أمير المؤمنين في الحديث

(2)

. وأبا نعيم الفضل بن دكين الملائي الكوفي فإن الحاكم في "تاريخ نيسابور" قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور قَالَ: حَدَّثَنِي أبي ثنا محمد بن عبد الوهاب قَالَ: سمعت بالكوفة يقولون: أمير المؤمنين في الحديث. وإنما يعنون أبا نعيم الفضل بن دكين لعلمه بالحديث. وكذلك هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، فإن أبا داود الطيالسي قَالَ: كان أمير المؤمنين في الحديث

(3)

. ومسلم بن الحجاج جدير بأن يتلقب بذلك وإن لم أرهم نَصُّوا عليه.

(1)

في الأصل: (الري)، والصواب ما أثبتناه كما في "الإعلام" للمصنف 1/ 125.

(2)

رواه الخطيب في "تاريخه" 3/ 419.

(3)

رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 9/ 60.

ص: 50

‌فصل في بيان رجال "صحيح البخاري" منه إلينا

فأما الفربري راويه عنه: فهو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر، منسوب إلى فربر -قرية من قرى بخارى عَلَى طرف جيحون، بكسر الفاء وفتحها، وفتح الراء، وإسكان الباء الموحدة

(1)

- قَالَ الحازمي: والفتح أشهر، واقتصر عليه ابن ماكولا والسمعاني

(2)

، قَالَ الكلاباذي

(3)

: كان سماع الفربري من البخاري -يعني: "صحيحه"- مرتين: مرة بفربر سنة ثمان وأربعين ومائتين، ومرة ببخارى سنة ثنتين وخمسين ومائتين

(4)

.

(1)

انظر: "معجم البلدان" 4/ 245 - 246.

(2)

"الإكمال" لابن ماكولا 7/ 84، "الأنساب" للسمعاني 9/ 260 - 262.

(3)

ورد بهامش الأصل: كلاباذ: محلة بنيسابور.

والكلاباذي هو: الإمام، أبو نصر، أحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن بن علي ابن رستم، البخاري الكلاباذي. ولد في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وكانت وفاته في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. قال المستغفري: هو أحفظ من بما وراء النهر اليوم فيما أعلم. وقال الحاكم: أبو نصر الكلاباذي الكاتب من الحفاظ، حسن الفهم والمعرفة، عارف بـ "صحيح البخاري"، كتب بما وراء النهر وخراسان، وبالعراق وجدت شيخنا أبا الحسن الدارقطني قد رضي فهمه ومعرفته، وهو متقن ثبت. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 4/ 434، "سير أعلام النبلاء" 17/ 94 (58)، "شذرات الذهب" 3/ 151

(4)

انظر: "الأنساب" للسمعاني 9/ 260 - 261 وقال: سمع الفربري الصحيح من =

ص: 51

وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد الغنجار

(1)

في "تاريخ بخارى" عن أبي علي إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكشاني، سمعت محمد بن يوسف بن مطر يقول: سمعتُ "الجامع الصحيح" من محمد بن إسماعيل بفربر في ثلاث سنين في سنة ثلاث وخمسين.

ولد سنة إحدى وثلاثين ومائتين، ومات سنة عشرين وثلاثمائة سمع من قتيبة بن سعيد

(2)

فشارك البخاري في الرواية عنه. قَالَ أبو بكر السمعاني

(3)

في "أماليه": وكان ثقة ورعا

(4)

.

وأما الحمُّوي راويه عنه: فهو: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي -بفتح السين، والراء، وإسكان الخاء، وقيل: بكسر

= البخاري في ثلاث سنين في سنة ثلاث وأربع وخمسين ومائتين، و"سير أعلام النبلاء" 15/ 11. وقال الذهبي في ترجمته قال الفربري: سمعت "الجامع" سنة ثمانٍ وأربعين ومائتين، ومرة أخرى سنة اثنتين وخمسين ومائتين. اهـ.

(1)

هو: الإمام الحافظ محدث بخارى، وصاحب كتاب "تاريخ بخارى" أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل البخاريّ، ولقبه غُنْجار. توفي سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.

انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 17/ 304 (184)، "تذكرة الحفاظ" 3/ 1052، "الوافي بالوفيات" 2/ 60، "شذرات الذهب" 3/ 196.

(2)

قال الذهبي: وقد أخطأ من زَعَمَ أنه سمع من قتيبة، فما رآه، وقد ولد في سنة إحدى وثلاثين ومائتين، ومات قتيبة في بلدٍ آخر سنة أربعين. "السير" 15/ 11.

(3)

هو الإمام الأوحد، أبو بكر، محمد بن أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي السمعاني المروزي، والد الحافظ أبي سعد.

ولد سنة ستة وستين وأربعمائة، وتوفي سنة عشر وخمسمائة، من تصانيفه:"أدب الإملاء"، "آمالي مجالس في الحديث".

انظر ترجمته في: "تذكرة الحفاظ" 4/ 1266 - 1269، "هداية العارفين" ص 490.

(4)

انظر ترجمة الفربري في "وفيات الأعيان" 4/ 290، "الوافى بالوفيات" 5/ 245، "سير أعلام النبلاء" 15/ 10 - 13، "شذرات الذهب" 2/ 286.

ص: 52

السين، وقيل: بفتحها مع إسكان الراء، وفتح الخاء -نسبة إلى بلدة معروفة بخراسان

(1)

، الحموي -بفتح الحاء المهملة، وضم الميم المشددة- نسبة إلى جده نزيل بوشنج هراة. رحل إلى ما وراء النهر وكان سماعه "الصحيح" من الفربري بفربر سنة ست عشرة وثلاثمائة، وقيل: سنة خمس عشرة

(2)

.

قَالَ الحافظ أبو ذر: وكان الحموي ثقة صاحب أصول حسان، مات في ذي الحجة لليلتين بقيتا سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وكان مولده سنة ئلاث وتسعين ومائتين

(3)

.

وأما الداودي راويه عنه: فهو أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود بن أحمد بن معاذ بن سهل بن الحكم الداودي البوشنجي -وبُوشنْج بضم الباء الموحدة، وفتح الشين المعجمة، وإسكان النون ثمَّ جيم، ويقال أيضًا بالسين المهملة- قَالَ السمعاني: ويقال أيضًا فوشنج -بالفاء- قَالَ: ويقال لها أيضًا: بوشنك، بلدة بخراسان عَلَى سبعة فراسخ من هراة، خرج منها جماعة من العلماء الفضلاء في كل فن

(4)

.

كان سماعه لـ "الصحيح" من الحموي في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة

(5)

، وسمع أيضًا الحاكم وغيره. وعنه أبو الوقت وغيره، وكان

(1)

انظر: "معجم البلدان" 3/ 208 - 209.

(2)

ذكره الذهبي في "السير" 16/ 492.

(3)

انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 16/ 492 (363)، "تاريخ الإسلام" 27/ 33، "شذرات الذهب" 3/ 100.

(4)

"الأنساب" 2/ 332 - 333، 9/ 346.

(5)

روى الذهبي عن أبي الحسن عبد الغافر بن إسماعيل قال: سمعت "الصحيح" من أبي سهل الحفصي، وأجازه لي الداودي، وإجازة الداودي أحبُّ إلي من السماع =

ص: 53

ثقة إمامًا، وتفقه عَلَى أبي بكر القفال، والشيخ أبي حامد، والصعلوكي، وغيرهم، وكان حالَ التفقه يحمل ما يأكله من بلاده احتياطًا، وصحب الأستاذ أبا عليِّ الدقاق، وأبا عبد الرحمن السلمي.

قَالَ أبو سعد السمعاني: كان وجهَ مشايخ خراسان، وله قدم راسخ في التقوى

(1)

. قَالَ: وحكي أنه بقي أربعين سنة لا يأكل اللحم وقت نهب التركمان، وكان يأكل السمك، فحكي له أن بعض الأمراء أكل عَلَى حافة الموضع الذي يصاد له منه السمك ونفضت سفرته، وما فضل منه في النهر فما أكل السمك بعد ذَلِكَ.

ولد في شهر ربيع الآخر سنة أربع (وسبعين)

(2)

وثلاثمائة، ومات ببوشنج في شوال سنة سبع وستين وأربعمائة

(3)

.

وأما أبو الوقت راويه عنه: فهو عبد الأول بن عيسي بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق السجزي الهروي الصوفي، كان اسمه محمدًا، فسماه الإمامُ عبدُ الله الأنصاري عبدَ الأول، وكنَّاه بأبي الوقت. وقال: الصوفى ابن وَقْتِه ولد في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة بهراة، ومات في ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، ودفن ببغداد، وكان شيخًا صالحًا ثقة ألحق الصغار بالكبار، ومات وهو صحيح. وكان سماعه لـ"الصحيح" سنة خمس وستين وأربعمائة، مع والده وهو في

= من الحفصي. انظر: "سير أعلام النبلاء" 18/ 224.

(1)

"الأنساب" 5/ 263.

(2)

ورد في الأصل: وستين، وورد بهامش الأصل: سبعين، وهو الصواب كما في:"سير أعلام النبلاء" 18/ 223، "الأنساب" 5/ 264.

(3)

انظر ترجمة الداودي في: "المنتظم" 8/ 296، "سير أعلام النبلاء" 18/ 222، "فوات الوفيات" 2/ 295، "شذرات الذهب" 1/ 327.

ص: 54

السابعة من عمره

(1)

. وسمع منه الأئمة والحفاظ

(2)

.

فائدة: السجزي -بكسر السين- نسبة إلى سجزة

(3)

، وقال السمعاني سجستان، قَالَ ابن ماكولا وغيره: هي نسبة إلى غير القياس

(4)

.

والهروي نسبة إلى هراة، مدينة مشهورة بخراسان، خرج منها خلائق من الأئمة

(5)

. والصوفي نسبة إلى الصوفية، وهم الزهاد العباد، وسموا بذلك للبسهم الصوف غالبًا، وحكى السمعاني قولًا: أنهم نسبوا إلى بني صوفة جماعة من العرب كانوا يتزهدون، وأما من قَالَ: إنه مشتق من الصفاء أو صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصف ففاسد من حيث العربية. ومن أحسن حدود التصوف: أنه استعمال كل خلق سَنِيٍّ، وترك كل خلق دني.

وأما الزَبيدي راويه عنه: فهو بفتح الزاي نسبة إلى زبيد -بلدة معروفة باليمن

(6)

- وهو: أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر المبارك بن محمد بن يحيى، ورد دمشق سنة ثلاث وستمائة وأسمع بها "صحيح البخاري" وغيره، وألحق الأحفاد بالأجداد. مات في صفر سنة إحدى وثلاثين وستمائة ببغداد، وكان مولده سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وكان

(1)

ذكر ذلك الحافظ الذهبي في "السير" 20/ 304.

(2)

انظر ترجمته في: "المنتظم" 10/ 182، "وفيات الأعيان" 3/ 226، "سير أعلام النبلاء" 20/ 303 (206)، "تذكرة الحفاظ" 4/ 1315، "شذرات الذهب" 4/ 166.

(3)

انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 724، "معجم البلدان" 3/ 189، 190، وفيهما (سجز) دون التاء المربوطة.

(4)

"الإكمال" لابن ماكولا 4/ 549 - 550.

(5)

انظر: "معجم البلدان" 5/ 396 - 397.

(6)

انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 694، "معجم البلدان" 3/ 131 - 132.

ص: 55

ثقة، وكان سماعه "الصحيح" من أبي الوقت في اثني عشر مجلسًا آخرها ثالث صفر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة

(1)

، وسمعه منه جماعة منهم: الحافظ شرف الدين أبو الحسين علي بن أبي عبد الله محمد بن أبي الحسين اليُونيني

(2)

.

وقرأته أجمع عَلَى شيخنا المسند المعمر زين الدين أبي بكر بن قاسم الكناني الحنبلي بسماعه منه ومن غيره، وأخبرنيه عامةً أعلى من هذا بدرجة أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة الحجار

(3)

بسماعه من الزبيدي به، ومولد شيخنا زين الدين بالصالحية في ربيع الأول سنة ست وستين وستمائة، ومات في أواخر سنة تسع وأربعين وسبعمائة شهيدًا بالطاعون، وكان حبرًا صالحًا، ومولد الحجار سنة أربع وعشرين وستمائة أو قبلها، كما رأيته بخط الحافظ جمال الدين

(1)

قلت: أثبت سماعه للصحيح الذهبي وابن رجب الحنبلي وغيرهم كما في ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 22/ 357 (222)، "تاريخ الإسلام" 46/ 60 (20)، "ذيل طبقات الحنابلة" 3/ 405 - 411 (336)، "شذرات الذهب" 5/ 144.

(2)

هو الإمام العلامة الصالح العارف المحدث شرف الدين أبو الحسين علي ابن الشيخ الفقيه الرباني أبي عبد الله محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد اليُونيني البَعْلَبَكي الحنبلي، ولد في حادي عشر رجب سنة (621 هـ). وتوفي في يوم الجمعة ثاني عشر رمضان سنة (701 هـ).

انظر ترجمته في: "معجم شيوخ الذهبي" 2/ 40، "تذكرة الحفاظ" 4/ 1500، "الذيل على طبقات الحنابلة" 2/ 345، "النجوم الزاهرة" 8/ 198، "شذرات الذهب" 6/ 3.

(3)

هو: شهاب الدين أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الصالحي الحجار، من قرية من قرى وادي بردى بدمشق. مولده سنة 623، ومات سنة 730 هـ. انظر:"شذرات الذهب" 6/ 93.

ص: 56

المزي

(1)

قَالَ: وكان سماعه لـ"الصحيح" من ابن الزبيدي سنة ثلاثين وستمائة، ومات في خامس عشر من صفر من سنة ثلاثين وسبعمائة، ودفن بسفح جبل قاسيون، وهو آخر من روى عن ابن الزبيدي وابن اللتي.

(1)

هو الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن علي بن عبد الملك بن علي بن أبي الزهر الكلبي القضاعي المزى، ولد في ليلة العاشر من شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة، من أشهر مصنفاته كتاب:"تهذيب الكمال"، "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"، توفي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.

انظر ترجمته في: "تذكرة الحفاظ" 4/ 1498، "طبقات الشافعية الكبرى" 10/ 395، "طبقات الشافعية" 2/ 464.

ص: 57

‌فصل

إنما علا البخاري من هذا الوجه؛ لأن غالب رواته سمعوه في الصغر، فالسجزي سمعه في السابعة، وكذا الحجار، والزبيدي في الثامنة، والداودي دون العشرين، ونحوه الفربري والحموي، وعَمَّروا أيضًا، فالداودي والسجزي جاوزا التسعين، والباقون قاربوها، خلا الحجار فإنه جاوز المائة.

ص: 58

‌فصل

جملة من حدث عنه البخاري في "صحيحه" خمس طبقات كما نبه عليه ابن طاهر المقدسي

(1)

:

الأولى: لم يقع حديثهم إلا كما وقع من طريقه إليهم، منهم: محمد بن عبد الله الأنصاري حدث عنه، عن حميد عن أنس، ومنهم: مكي بن إبراهيم، وأبو عاصم النبيل حدث عنهما، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع، ومنهم: عبيد الله بن موسى حدث عنه، عن معروف، عن أبي الطفيل عن علي وحدث عنه، عن هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد وهما تابعيان، ومنهم: أبو نعيم حدث عنه، عن الأعمش، والأعمش تابعي، ومنهم علي بن عباس حدث عنه، عن جرير بن عثمان، عن عبد الله بن بسر الصحابي، هؤلاء وأشباههم الطبقة الأولى، وكان البخاري سمع مالكا والثوري وشعبة وغيرهم، فإنهم حدثوا عن هؤلاء وطبقتهم.

الطبقة الثانية: من مشايخه قومٌ حدثوا عن أئمة حدثوا عن التابعين، وهم شيوخه الذين روى عنهم، عن ابن جريج، ومالك، وابن أبي ذئب، وابن عيينة بالحجاز، وشعيب والأوزاعي وطبقتهما بالشام، والثوري وشعبة وحماد وأبي عوانة وهمام بالعراق، والليث ويعقوب بن

(1)

هو في كتاب "جواب المتعنت" لابن طاهر كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر في "هدى الساري" ص 15.

ص: 59

عبد الرحمن بمصر. وفي هذِه الطبقة كثرة.

الثالثة: قوم حدثوا عن قوم أدرك زمانهم، وأمكنه لقيهم، لكنه لم يسمع منهم كيزيد بن هارون وعبد الرزاق.

الرابعة: قوم في طبقته حدث عنهم عن مشايخه، كأبي حاتم محمد ابن إدريس الرازي حدث عنه في "صحيحه"، ولم ينسبه عن يحيى بن صالح.

الخامسة: قوم حدث عنهم وهم أصغر منه في الإسناد والسن والوفاة والمعرفة منهم: عبد الله بن حماد الآملي

(1)

، وحسين القباني

(2)

وغيرهما

(3)

. اهـ.

(1)

هو عبد الله بن حمَّاد بن أيوب الامام الحافظ البارع الثقة، أبو عبد الرحمن الآملي، سمع القعنبي، وأبا اليمان، وسليمان بن حرب، وسعيد بن أبي مريم، ويحيى الوحاظي، ويحيى بن معين، وأبا الجماهر الكفرسوسي، وعنه البخاري. مات في رجب سنة ثلاث وسبعين ومائتين. وقيل: بل مات سنة تسع وستين في ربيع الآخر. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 9/ 444، 445، "تهذيب الكمال" 14/ 429 - 431 (3332)، "سير أعلام النبلاء" 12/ 611 (235)، "التقريب"(3281).

(2)

القباني هو الإمام الحافظ، الثقة، شيخ المحدثين بخراسان، أبو علي الحسين بن محمد بن زياد النيسابوري، ولد سنة بضع عشرة وماثتين، سمع من إسحاق بن راهويه، وسهل بن عثمان، ومنصور بن أبي مزاحم، والحسين بن الضحاك، وسريج بن يونس وغيرهم حدث عنه محمد بن إسماعيل البخاري، وزكريا بن محمد بن بكار وأحمد بن محمد بن عبيدة وأبو حامد بن الشرقي وغيرهم. توفي سنة تسع وثمانين ومائتين.

انظر ترجمته في: "اللباب" 3/ 12، "تهذيب الكمال" 6/ 476 - 478 (1336)، "سير أعلام النبلاء" 13/ 499 - 502 (247)، "تذكرة الحفاظ" 2/ 680، 682، "شذرات الذهب" 2/ 201.

(3)

وهذا يسمى في مصطلح الحديث رواية الأكابر عن الأصاغر، وهو أن يروي الراوي عمن هو دونه في السن والطبقة، أو في العلم والحفظ أو الاثنين معًا، كما =

ص: 60

قَالَ: فهذا تفصيل طبقاتهم مختصرًا نبهت عليه؛ لئلا يظن من لا معرفة له إِذَا حدث البخاري، عن مكي، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة، ثم حدث في موضع آخر عن بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة، أن الإسناد الأول سقط منه شيء، وعلى هذا سائر الأحاديث.

وكان البخاري يحدث بالحديث في موضع نازلًا وفي موضع عاليًا، فقد حدث في مواضع كثيرة جدًا عن رجل عن مالك

(1)

، وحدث في موضع عن عبد الله بن محمد المسندي، عن معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري، عن مالك

(2)

، وحدث في مواضع عن رجل، عن شعبة، وحدث في مواضع عن ثلاثة عن شعبة، منها: حديثه عن حماد بن حميد عن عبد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة، وحدث في مواضع عن رجل عن الثوري، وحدث في موضع عن ثلاثة عنه، فحدث عن أحمد بن عمر، عن أبي النضر، عن عبيد الله الأشجعي، عن الثوري، وأعجب من هذا كله: أن عبد الله بن المبارك أصغر من مالك وسفيان وشعبة، ومتأخر الوفاة. وحدث البخاري عن جماعة من أصحابه عنه وتأخرت وفاتهم، ثم حدث عن سعيد بن مروان، عن محمد بن عبد العزيز أبي رزمة، عن أبي صالح سلمويه، عن عبد الله ابن المبارك. فقس عَلَى هذا أمثاله.

= هو الحال هنا، وكرواية الزهري ويحيى بن سعد الأنصاري عن مالك، وكرواية العبادلة عن كعب الأحبار. انظر:"علوم الحديث" ص 307 - 309، "المقنع" 2/ 518 - 520، "تدريب الراوي" 2/ 349 - 352.

(1)

كما في أحاديث (2، 19، 22).

(2)

سيأتي في حديث رقم (4234) كتاب: المغازي، باب: غزوة خيبر.

ص: 61

وقد حدث البخاري عن قوم خارج "الصحيح"، وحدث عن رجل عنهم في "الصحيح" منهم: أحمد بن منيع وداود بن رشيد، وحدث عن قوم في الصحيح، وحدث عن آخرين عنهم منهم: أبو نعيم وأبو عاصم والأنصاري وأحمد بن صالح وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وفيهم كثرة.

فإذا رأيت مثل هذا فَأَصْلُهُ ما ذكرنا، وقد روينا عنه أنه قَالَ: لا يكون المحدث محدثًا كاملًا حتَّى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه

(1)

، وروينا هذا الكلام أيضًا عن وكيع

(2)

.

(1)

ذكره الحافظ في "هدي الساري" ص 479.

(2)

رواه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" 2/ 216 (1654 - 1655)، والحافظ في "التغليق" 5/ 394.

ص: 62

‌فصل

وقد أكثر البخاري رحمه الله في "صحيحه" في تراجم أبوابه من ذكر أحاديث وأقوال الصحابة وغيرهم بغير إسناد، وحكم هذا (أن ما)

(1)

كان منه بصيغة جزم، كقال وروي وشبههما فهو حكم منه بصحته

(2)

، وما كان بصيغة تمريض كروي وشبهه فليس فيه حكم بصحته، ولكن ليس هو واهيًا إذ لو كان واهيًا لم يدخله في "صحيحه".

ودليل صحة الأول أن هذِه الصيغة موضوعة لـ "الصحيح"، فإذا استعملها هذا الإمام في مثل هذا المصنف الصحيح مع قوله السالف: ما أدخلت إلا ما صح. اقتضى ذَلِكَ صحته، ولا يقال: يَرُدُّ عَلَى هذا إدخاله ما هو بصيغة تمريض؛ لأنه قد نبه عَلَى ضعفه بإيراده إياه بصيغة التمريض. والمراد بقوله: ما أدخلت في "الجامع" إلا ما صح. أي: ما ذكرت فيه مسندًا إلا ما صح، كذا قرره النووي

(3)

، وأصله للشيخ تقي الدين ابن الصلاح

(4)

.

(1)

في "الأصل": أنما، والصواب ما أثبتناه.

(2)

قلت: ينبغي أن يقيد حكم الصحة بكونه صحيحًا إلى المضاف إليه، فإذا كان الذي عُلِّق الحديث عنه دون الصحابة، فالحكم بصحته متوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي. انظر:"المقنع" 1/ 72 - 73، "تدريب الراوي" 1/ 144 - 151، "فتح المغيث" 1/ 53 - 55.

(3)

"التقريب" للنووي مع "التدريب" 1/ 150.

(4)

"مقدمة ابن الصلاح" ص 25، وابن الصلاح: هو الإمام العلامة تقي الدين =

ص: 63

لكن وقع في "صحيح البخاري" ذكر التعليق مرة بغير صيغة جزم، ثم يسنده في موضع آخر؛ فقال في كتاب الصلاة: ويذكر عن أبي موسى قَالَ: كنا نتناوب النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء

(1)

. ثم أسنده في باب: فضل العشاء، فقال: ثنا محمد بن العلاء، ثنا أبو أسامة، عن بُرَيْد، عن أبي بردة، عن أبي موسى

(2)

، وقال في كتاب: الإشْخَاص: ويذكر عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام رد المتصدق عَلَى صدقته

(3)

ثمَّ أسنده في موضع آخر

(4)

.

وقال في كتاب الطب: ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقى بفاتحة الكتاب

(5)

، وأسنده مرة

(6)

.

وقال أبو العباس القرطبي

(7)

في كتابه في السماع: البخاري لا يعلق

= أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الكردي، الشهرزوري، الموصلي، الشافعي، ولد سنة (577 هـ)، ومات سنة:(643 هـ)، من تصانيفه:"علوم الحديث"، و"شرح صحيح مسلم"، "الفتاوى". انظر ترجمته في:"وفيات الأعيان" 2/ 243 - 245، "السير" 23/ 140 - 144.

(1)

يأتي معلقًا قبل حديث (564) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعًا.

(2)

يأتي مسندًا برقم (567).

(3)

يأتي معلقًا في كتاب: الخصومات، باب: من رد أمر السفيه.

(4)

يأتي مسندًا برقم (2141) كتاب: البيوع، باب: بيع المزايدة.

(5)

يأتي معلقًا قبل حديث (5736 ت) باب: الرقى بفاتحة الكتاب.

(6)

يأتي مسندًا بعده برقم (5737) باب: الشرط في الرقية بقطيع من الغنم.

(7)

هو أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر الأنصاري الأندلسي القرطبي المالكي، ضياء الدين أبو العباس، الإمام الفقيه المحدث المدرس الشاهد بالإسكندرية، ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة في قرطبة، من مصنفاته "المفهم في شرح ما أشكل من تلخيص كتاب مسلم"، "مختصر البخاري"، "شرح التلخيص"، توفي في ذي القعدة من سنة ستة وخمسين وستمائة. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ" 4/ 1438.

ص: 64

في كتابه إلا ما كان في نفسه صحيحًا مسندًا، لكنه لم يسنده؛ ليفرق بين ما كان عَلَى شرطه في أصل كتابه، وبين ما ليس كذلك. ولم يصب ابن حزم الظاهري

(1)

في رده تعليق حديث: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر"

(2)

إلى آخره، فإنه ليس منقطعًا بل معلقًا، وقد ثبت اتصاله في غيره كما سنوضحه إن شاء الله في موضعه

(3)

.

ثمَّ اعلم أن هذِه تسمى تعليقًا إِذَا كانت بصيغة جزم، كذا أسماها الحميدي الأندلسي

(4)

، وغيره من العلماء المتأخرين، وسبقهم بهذِه

(1)

ابن حزم: هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، وكنيته أبو محمد، عالم الأندلس في عصره، وأحد الأئمة في الإسلام، ولد بقرطبة يوم الأربعاء عام (384 هـ-994 م) حفظ القرآن، وتلقى العلوم على أكابر العلماء بقرطبة، نشأ رحمه الله شافعي المذهب، ثم أنتقل إلى مذهب أهل الظاهر، له مصنفات كثيرة بلغت أربعمائة منها:"الفصل في الملل والأهواء والنحل"، و"المحلى"، و"جمهرة الأنساب"، و"مراتب الإجماع"، و"الناسخ والمنسوخ" وغيرها.

توفى بقرية (منليشتم) من أعمال (لبله) من بلاد الأندلس أو آخر شعبان سنة (456 هـ-1064 م).

انظر: "الصلة" لابن بشكوال 2/ 415 - 417 (894)، "معجم الأدباء" 3/ 546 - 556 (542)، "وفيات الأعيان" 3/ 325 - 330 (448)،"تاريخ الإسلام" 30/ 403 - 417 (168)، "سير أعلام النبلاء" 18/ 184 - 212 (99)، "تذكرة الحفاظ" 3/ 1146 - 1155 (1016)، "مرآة الجنان" 3/ 79 - 81، "البداية والنهاية" 12/ 553.

(2)

يأتي برقم (5590) كتاب: الأشربة، باب: ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه.

(3)

سيأتي تخريجه مفصلًا إن شاء الله.

(4)

هو الإمام القدوة الأثري، المتقن الحافظ، شيخ المحدثين، أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن فتوح، بن حميد بن يصل، الأزدي، الحميدي، الأندلسي الفقيه، الظاهري صاحب ابن حزم وتلميذه، قال: مولدي قبل سنة عشرين وأربعمائة، من مصنفاته:"الجمع بين الصحيحين"، "جمل تاريخ =

ص: 65

التسمية الدارقطني

(1)

، وشبهوه بتعليق الجدار لقطع الاتصال، ثمَّ إنه يسمى تعليقًا إِذا انقطع من أول إسناده واحد فأكثر، ولا يسمى بذلك ما سقط وسط إسناده أو آخره، ولا ما كان بصيغة تمريض، كما نبه عليه ابن الصلاح

(2)

.

واعلم أن هذا التعليق إنما يفعله البخاري لما سيأتي أن مراده بهذا الكتاب الاحتجاج بمسائل الأبواب، فيؤثر الاختصار. وكثير من هذا التعليق أو أكثره مما ذكره في هذا الكتاب في باب آخر كما أسلفناه، وربما كان قريبًا

(3)

.

= الإسلام"، "الذهب المسبوك في وعظ الملوك"، "ذم النميمة"، "حفظ الجار"، توفي في سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 19/ 120 - 127، "الوافي بالوفيات" 4/ 317 - 318، "وفيات الأعيان" 4/ 282، "شذرات الذهب" 3/ 392.

(1)

هو الإمام الحافظ المجود، شيخ الإسلام، علم الجهابذة، أبو الحسن، علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله البغدادي، من أهل محلة دار القطن ببغداد، ولد سنة ست وثلاث مائة، وتوفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وكان من بحور العلم ومن أئمة الدنيا، وكان على مذهب الإمام الشافعي، من مصنفاته:"السنن"، "المختلف والمؤتلف". انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 12/ 34 - 40، "وفيات الأعيان" 3/ 297 - 299، "السير" 16/ 449 - 461، "تذكرة الحفاظ" 3/ 991 - 995،"شذرات الذهب" 3/ 116 - 117.

(2)

"علوم الحديث" ص 67 - 72.

(3)

قلت: للحافظ ابن حجر كلام نفيس حول تعليقات البخاري قلَّ أن تجد مثله، انظره في "هدي الساري" ص 17 - 19، وإنما لم نورده هنا خشية الإطالة، وبالله التوفيق.

ص: 66

‌فصل

لا يجوز العمل في الأحكام ولا يثبت إلا بالحديث الصحيح أو الحسن، ولا يجوز بالضعيف لكن يُعمل به فيما لا يتعلق بالعقائد والأحكام، كفضائل الأعمال والمواعظ وشبههما

(1)

.

(1)

اختلف العلماء في الأخذ بالحديث الضعيف على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: لا يعمل به مطلقًا لا في الفضائل ولا في الأحكام، حكاه ابن سيد الناس، عن ابن معين، وإليه ذهب أبو بكر بن العربى، والظاهر أنه مذهب البخاري ومسلم، لما عرفناه من شرطيهما، وهو مذهب ابن حزم.

المذهب الثاني: أنه يعمل بالحديث الضعيف، وعزي هذا إلن أبي داود والإمام أحمد رضي الله عنهما، وأنهما يريان ذلك أقوى من رأي الرجال.

المذهب الثالث: أنه يعمل به في الفضائل والمواعظ، إذا توفرت له بعض الشروط، وقد ذكر ابن حجر هذِه الشروط وهي:

1 -

أن يكون الضعف غير شديد، ونقل العلائي الاتفاق على هذا الشرط.

2 -

أن يندرج تحت أصل معمول به.

3 -

أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط.

وقال: هذان ذكرهما ابن عبد السلام وابن دقيق العيد.

وإلى المذهب الأول -وهو أن لا يعمل به مطلقًا- ذهب المصنف رحمه الله فقال في "المقنع" 1/ 104: في قول من قال بأنه تجوز روايته والعمل به في غير الأحكام. قال: فيه وقفة فإنه لم يثبت، فإسناد العمل إليه يوهم ثبوته، ويوقع من لا معرفة له في ذلك فيحتج به. اهـ.

وذهب إليه أيضًا شيخ الإسلام فقال: لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه =

ص: 67

وإذا كان الحديث ضعيفًا لا يورد بصيغة الجزم بل بصيغة التمريض؛ صيغة الجزم تقتضي صحته عن المضاف إليه فلا تطلق إلا فيما صح، وإلا فيكون في معنى الكاذب عليه، وقد اشتد إنكار البيهقي

(1)

الحافظ

= كذب، وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي، وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب، جاز أن يكون الثواب حقًّا، ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجبًا أو مستحبًا بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع.

ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وما كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذِه الأحاديث في الشريعة، ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن، فقد غلط عليه .. اهـ."مجموع الفتاوى" 1/ 250 - 251.

وذهب إليه أيضًا العلامة أحمد شاكر فقال: لا فرق بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حجة لأحد إلا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث صحيح أو حسن، وأما ما قاله أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن المبارك: إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا، فإنما يريدون به -فيما أرجح، والله أعلم- أن التساهل إنما هو في الأخذ بالحديث الحسن الذي لم يصل إلى درجة الصحة، فإن الاصطلاح في التفرقة بين الصحيح والحسن، لم يكن في عصرهم مستقرًّا واضحًا، بل كان أكثر المتقدمين لا يصف الحديث إلا بالصحة أو بالضعف فقط. اهـ. "الباعث الحثيث" ص 76.

وكذا الألباني فقال: إننا ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يَدَعُوا العمل بالأحاديث الضعيفة مطلقًا، وأن يوجهوا همتهم إلى العمل بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيها ما يغني عن الضعيف. اهـ. "صحيح الجامع" 1/ 56.

(1)

البيهقي: هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخراساني، الخسروجردي، الإمام الحافظ، العلامة، شيخ خراسان، من أكابر فقهاء الشافعية في عصره، ولد في (خسروجرد من قرى بيهق بخراسان)، في شعبان عام (384 هـ- 994 م)، نشأ في بيهق، ورحل إلى بغداد، ثم الكوفة، ومكة، وغيرها.

صنَّف زُهاء ألف جزء لم يُسبق إليها، من تصانيفه:"السنن الكبرى"، و"السنن =

ص: 68

عَلَى من خالف هذا من العلماء، وقد اعتنى البخاري بهذا التفصيل في "صحيحه" كما ستعلمه، فيذكر في الترجمة الواحدة ما يورد بعضه بجزم وبعضه بتمريض، ونِعْمَتِ الخصلة.

= الصغرى"، و"دلائل النبوة"، وغيرها.

توفي بنيسابور عاشر جمادى الأولى عام (458 هـ-1066 م)، ودفن بها، وقيل: نقل إلى بيهق. وترجمته في: "الأنساب" 2/ 381 - 383، "المنتظم" 8/ 242 (292)، "الكامل" 10/ 52، "وفيات الأعيان" 1/ 75، 76 (28)، "سير أعلام النبلاء" 18/ 163 - 170 (860)، "تذكرة الحفاظ" 3/ 1132 - 1135 (1014)، "طبقات السبكي" 8/ 4 - 16 (250)، "طبقات الإسنوى" 1/ 198 - 200 (198)، "البداية والنهاية" 12/ 556، "طبقات ابن قاضي شهبة" 1/ 220 - 222 (182)، "طبقات ابن هداية الله" 233، "شذرات الذهب" 3/ 304، 305.

ص: 69

‌فصل

قَدْ أكثر البخاري رحمه الله من إعادة الحديث في أبواب، وفائدتُه: إظهار دقائق الحديث، واستنباط لطائفه، وما اشتمل عليه من الأصول والفروع والزهد والآداب والأمثال، وغيرها من الفنون. وهذا هو مقصود البخاري بهذا الصحيح، وليس مقصوده الاقتصار عَلَى الحديث وتكثير المتون؛ فلهذا أخلى كثيرًا من الأبواب عن إسناد الحديث، واقتصر عَلَى قوله فيه: فلان الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو فيه: حديث فلان ونحو ذلك.

وقد يذكر متن الحديث بغير إسناد، وقد يحذف من أول الإسناد واحدًا فأكثر، وهذان النوعان يسميان تعليقًا كما سلف؛ وإنما يفعل هذا؛ لأنه أراد الاحتجاج للمسألة التي ترجم لها، واستغنى عن إسناد الحديث أو عن إسناده ومتنه وأشار إليه لكونه معلومًا، وقد يكون مما تقدم وربما تقدم قريبًا.

وذكر في تراجم الأبواب آيات كثيرة من القرآن العزيز، وربما اقتصر في بعض الأبواب عليها فلا يذكر معها شيئًا أصلًا. وذكر أيضًا في تراجم الأبواب أشياء كثيرة جدًا من فتاوى الصحابة والتابعين فمن بعدهم

(1)

.

(1)

قال الحافظ: أنواع التراجم في البخاري ظاهرة وخفية، أما الظاهرة فليس ذكرها من غرضنا هنا وهي أن تكون الترجمة دالة بالمطابقة لما يورد في مضمونها وإنما فائدتها الإعلام بما ورد في ذلك الباب من غير اعتبار لمقدار تلك الفائدة كأنه يقول =

ص: 70

قَالَ ابن طاهر: كان البخاري يذكر الحديث في موضع يستخرج منه -بحسن استنباط وغزارة فقه- معنى يقتضيه الباب، وقلما يورد حديثًا في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد، بل يورده ثانيًا من طريق صحابي آخر أو تابعي أو غيره ليقوي الحديث بكثرة طرقه، أو يختلف لفظه، أو تختلف الرواية في وصله، أو زيادة راوٍ في الإسناد أو نقصه، أو يكون في الإسناد الأول مدلس، أو غيره لم يذكر لفظ السماع فيعيده بطريق فيه التصريح بالسماع، أو غير ذَلِكَ

(1)

.

= هذا الباب الذي فيه كيت وكيت، أو باب ذكر الدليل على الحكم الفلاني مثلًا، وقد تكون الترجمة بلفظ المترجم له أو بعضه أو بمعناه إلى أن قال: وربما اكتفى أحيانًا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث لم يصح على شرطه، وأورد معها أثرًا أو آية، فكأنه يقول: لم يصح في الباب شيء على شرطي، وللغفلة عن هذِه المقاصد الدقيقة اعتقد من لم يمعن النظر أنه ترك الكتاب بلا تبييض، ومن تأمل ظفر، ومن جد وجد. اهـ. وانظر تمام كلام الحافظ في:"هدي الساري" ص 13 - 14.

(1)

نقله الحافظ في "هدي الساري" ص 15، وعزاه إلى جزء ابن طاهر "جواب المتعنت".

ص: 71

‌فصل

في "الصحيح" جماعة قليلة جرحهم بعض المتقدمين، وهو محمول عَلَى أنه لم يثبت جرحهم بشرطه، فإن الجرح لا يثبت إلا مفسرًا مبين السبب عند الجمهور؛ لئلا يجرح بما يتوهمه جارحًا وليس جارحًا، كذا قرره ابن الصلاح

(1)

وسبقه إليه الخطيب

(2)

، ومثَّله -أعني ابن الصلاح- بعكرمة، وإسماعيل بن أبي أويس، وعاصم بن علي، وعمرو بن مرزوق، وغيرهم، قَالَ: واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم قَالَ: وذلك دالٌّ عَلَى أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يقبل إلا إِذَا فُسِّر سببُه

(3)

. ولك أن تقول: قد فسر الجرح في هؤلاء

(4)

.

(1)

"علوم الحديث" لابن الصلاح ص 106 - 107.

(2)

"الكفاية" للخطيب البغدادي ص 108.

(3)

"علوم الحديث" ص 107.

(4)

قال الحافظ في "هدي الساري": ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خُرج عنه في الصحيح فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما هذا إذا خرج له في الأصول، فأما إن خرَّج له في المتابعات والشواهد والتعاليق، فلهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم، وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعنًا فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرًا بقادح يقدح في عدالة هذا =

ص: 72

أما عكرمة

(1)

، فقال ابن عمر لنافع: لا تكذب علي كما كذب عكرمة عَلَى ابن عباس

(2)

، وفي "الأنساب" لمصعب الزبيري: إن سبب ذَلِكَ في عكرمة: أنه عَزا رأي الإباضية إلى ابن عباس فقيل ذَلِكَ، قُلْتُ: وقد كذبه مجاهد وابن سيرين ومالك، وقال حماد بن زيد: قيل لأيوب: أكانوا يتهمون عكرمة؟ فقال: أما أنا فلم أكن أتهمه

(3)

.

= الراوي وفي ضبطه أو في ضبطه لخبر بعينه؛ لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها لا يقدح. ذكر كلامًا نفيسًا جدًّا ندر أن تجد مثله، ئم أورد أسماء هؤلاء المطعون فيهم مرتبًا لهم على حروف المعجم، رادًّا على أكثر هذِه الطعون. "هدي الساري" ص 384 - 456.

(1)

هو عكرمة القرشي الهاشمي أبو عبد الله، مولى ابن عباس، وستأتي ترجمته مفصلة في شرح حديث (75) كتاب: العلم، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم علمه الكتاب" فانظرها هناك.

(2)

رواه ابن عساكر في "تاريخه" 41/ 107 من طريق عبد الله بن عيسى أبي خلف، عن يحيى البكاء قال: سمعت ابن عمر،

ثم ذكره. وفيه أبو خلف الخزاز، قال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة.

وأما يحيى البكاء، فهو ضعيف. انظر:"الضعفاء والمتروكين" للنسائي ص 110، "الجرح والتعديل" 5/ 127، 9/ 189، "المجروحين" 3/ 110، "تهذيب الكمال" 15/ 416، 31/ 534 - 535، "تهذيب التهذيب" 2/ 401.

ورواه الباجي في "التعديل والتجريح" 3/ 1023، وابن عساكر في "تاريخه" 41/ 108 من طريق هارون بن معروف قال: حدثنا ضمرة، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: قال ابن عمر لنافع

وقال ابن عساكر: أيوب عن ابن عمر.

وقد روي أيضًا عن سعيد بن المسيب أنه قال ذلك لمولاه برد. رواه الباجي في "التعديل والتجريح" 3/ 1024، وابن عساكر في "تاريخه" 41/ 110 من طريق موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو هلال الراسبي، قال: حدثنا الحكم بن أبي إسحاق قال: كتبت عن سعيد، وثمَّ مولى له فقال: انظر لا تكذب عليَّ كما كذب

ثم ذكره.

(3)

رواه ابن سعد في "طبقاته" 5/ 289.

ص: 73

وقال أحمد: يرى رأي الخوارج الصفرية.

وقال ابن المديني: كان عكرمة يرى رأي نجدة.

وقال غيره: كان يرى السيف. وأمَّا الجمهور فوثَّقُوه واحتَّجوا به، ولعله لم يكن داعية

(1)

.

وأما إسماعيل بن أبي أويس فأقر عَلَى نفسه بالوضع، كما حكاه النسائي؛ عن سلمة بن (شبيب)

(2)

عنه

(3)

، وقال ابن معين: يساوي

(1)

تعقب جماعة من الأئمة ما قيل في عكرمة وصنفوا في الذب عنه، منهم: الطبري، ومحمد بن نصر المروزي، وابن منده وابن حبان، وابن عبد البر. انظر:"التمهيد" 2/ 27 - 34، "الثقات" لابن حبان 5/ 229، "تهذيب الكمال" 2/ 264 - 292، "ميزان الاعتدال" 4/ 13 - 17، "سير أعلام النبلاء" 5/ 22 - 36، "تهذيب التهذيب" 3/ 134 - 138، "هدي الساري" ص 425 - 430.

(2)

في الأصل: شعيب، والمثبت هو الصواب كما في مصادر التخريج.

(3)

قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 1/ 158: قرأت على عبد الله بن عمر، عن أبي بكر بن محمد أن عبد الرحمن بن مكي أخبرهم كتابة: أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني، أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب البرقاني، حدثنا أبو الحسن الدارقطني، قال: ذكر محمد ابن موسى الهاشمي -وهو أحد الأئمة وكان النسائي يخصه بما لم يخص به ولده فذكر عن أبي عبد الرحمن- قال، حكى لي سلمة بن شبيب، قال: بما توقف أبو عبد الرحمن؟ قال: فما زلت بعد ذلك أداريه أن يحكي لي الحكاية حتى قال: قال لي سلمة بن شبيب: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم. قال البرقاني: قلت للدارقطني: من حكى لك هذا عن محمد بن موسى؟ قال الوزير: كتبتها من كتابه وقرأتها عليه -يعني: بالوزير الحافظ الجليل جعفر بن حنزابة-. ثم قال الحافظ ابن حجر: وهذا هو الذي بان للنسائي منه حتى تجنب حديثه وأطلق القول فيه بأنه ليس بثقة، ولعل هذا كان من إسماعيل في شبيبته ثم انصلح، وأما الشيخان فلا يظن بهما أنهما أخرجا عنه إلا الصحيح من حديثه الذي شارك فيه الثقات وقد أوضحت ذلك في مقدمة شرحي على البخاري، والله أعلم. اهـ. وانظر:"هدي الساري" ص 391.

ص: 74

فلسين، وهو وأبوه يسرقان الحديث

(1)

. وقال النضر بن سلمة المروزي -فيما حكاه الدولابي عنه-: كذاب، كان يحدث عن مالك بمسائل ابن وهب

(2)

. وقال أبو حاتم: محله الصدق، مغفل

(3)

. وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح

(4)

.

وأما عاصم بن علي فقال ابن معين: لا شيء

(5)

. وقال غيره: كذاب ابن كذاب

(6)

، وقال مسلمة: كثير المناكير، وقال ابن سعد: ليس بالمعروف بالحديث، كثير الخطأ في حديثه

(7)

، وأما أحمد فصدقه وصدق أباه

(8)

.

(1)

رواه العقيلي في "الضعفاء" 1/ 87، وابن عدي في "الكامل" 1/ 525.

(2)

رواه ابن عدي في "الكامل" 1/ 525.

(3)

"الجرح والتعديل" 2/ 180.

(4)

هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي. قال ابن حجر في "هدي الساري" ص 391. أحتج به الشيخان إلا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه ولا أخرج له البخاري مما تفرد به سوى حديثين وأما مسلم فأخرج له أقل مما أخرج له البخاري وروى له الباقون سوى النسائي.

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 2/ 180 - 181 (613)، "تهذيب الكمال" 3/ 124 (459)، "ميزان الاعتدال" 1/ 90، "تهذيب التهذيب" 1/ 158.

(5)

رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" 6/ 407، والخطيب في "تاريخه" 2/ 249

(6)

رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" 6/ 407 عن يحيى بن معين أيضًا.

(7)

"الطبقات الكبرى" 7/ 316.

(8)

هو عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب الواسطي، أبو الحسين، ويقال: أبو الحسن القرشي التيمي، مولى قريبة. مات سنة إحدى وعشرين ومائتين. قال ابن حجر في "هدي الساري" ص 412: روى عنه البخاري قليلًا عن عاصم بن محمد بن زيد. وروى في كتاب الحدود عن رجل عنه عن ابن أبي ذئب حديثًا واحدًا. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 491 (3801)، "الجرح والتعديل" 6/ 348 (1920)، "تهذيب الكمال" 13/ 508 (3016).

ص: 75

وأما عمرو بن مرزوق

(1)

، فنسبه أبو الوليد الطيالسي إلى الكذب.

وكان يحيى القطان لا يرضاه

(2)

.

وقال الدارقطني: كثير الوهم. وأما أبو حاتم فوثقه

(3)

.

وقال سليمان بن حرب: جاء بما ليس عندهم فحسدوه

(4)

.

وأما سويد بن سعيد

(5)

فمعروف بالتلقين وقال ابن معين: كذاب ساقط، وقال أبو داود: سمعت يحيى يقول: هو حلال الدم

(6)

.

(1)

هو: عمرو بن مرزوق الباهلي أبو عثمان البصري. قال ابن سعد في "الطبقات" 7/ 305: كان ثقة كثير الحديث عن شعبة، مات بالبصرة في صفر سنة أربع وعشرين ومائتين. قال الحافظ في "هدي الساري" ص 432: لم يخرج عنه البخاري في "الصحيح" سوى حديثين. ثم قال: فوضح أنه لم يخرج له احتجاجًا.

وقال في "التقريب"(5110): ثقة فاضل له أوهام. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 373 (2677)، "الجرح والتعديل" 6/ 263 (1456)"تهذيب الكمال" 22/ 224 (4446).

(2)

"الجرح والتعديل" 6/ 264.

(3)

المرجع السابق.

(4)

رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 6/ 264.

(5)

هو سويد بن سعيد بن سهل بن شهريار الهروي. قال عبد الله بن أحمد: عرضت علي أبي أحاديث لسويد بن سعيد، عن ضمام بن إسماعيل، فقال لي: اكتبها كلها، أو قال: تتبعها فإنه صالح، أو قال: ثقة.

وقال أبو القاسم البغوي: كان من الحفاظ، وقال عبد الله بن علي بن المديني: سئل أبي عن سويد الأنباري فحرك رأسه وقال: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: كان صدوقًا وكان يدلس ويكثر ذلك، وقال البخاري: كان قد عمي فتلقن ما ليس من حديثه، وقال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون.

قال الحافظ في "التقريب"(2690): صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، فأفحش فيه ابن معين القول. انظر ترجمته في:"الجرح والتعديل" 4/ 240 (1026)، "المجروحين" لابن حبان 1/ 253، "تاريخ بغداد" 9/ 228، "تهذيب الكمال" 12/ 247 (2643).

(6)

رواه الخطيب في "تاريخه" 9/ 230.

ص: 76

‌فصل

استدرك الدارقطني في كتابه المسمى بـ "الاستدراكات والتتبع" عَلَى البخاري ومسلم أحاديث، وطعن في بعضها، وذلك في مائتي حديث مما في الكتابين

(1)

. ولأبي مسعود الدمشقي

(2)

عليهما استدراك

(3)

، وكذا لأبي علي الغساني

(4)

في "تقييده"

(5)

.

وقد أجبت عن ذَلِكَ كله أو أكثره، وسترى ما يخص البخاري من

(1)

مطبوع بتحقيق العلامة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي باسم "الإلزامات والتتبع" وسماه غير واحد من أهل العلم "الاستدراكات والتتبع" كالمصنف والنووي كما في "شرح مسلم" 1/ 27، وجملة ما في الكتاب مائتان وثمانية عشر حديثًا.

(2)

هو أبو مسعود، إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي، صنف كتاب "أطراف الصحيحين"، وكانت وفاته سنة إحدى وأربعمائة، وقيل: سنة أربعمائة. انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 17/ 227، "شذرات الذهب" 3/ 162.

(3)

وله أيضًا كتاب أجاب فيه عن انتقاد الدارقطني لمسلم في أحاديث أخرجها في "صحيحه" سماه كتاب "الأجوبة" وهو مطبوع.

(4)

هو أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الغساني الجياني، صاحب كتاب:"تقييد المهمل" ولد في سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وكانت وفاته في سنة ثمان وتسعين وأربعمائة وكان من جهابذة الحفاظ، قويَّ العربية، بارع اللغة، مقدمًا في الآداب والشعر والنسب، له تصانيف كثيرة في هذِه الفنون. انظر:"سير أعلام النبلاء" 19/ 148 (77)، "شذرات الذهب" 3/ 408، 409.

(5)

هو كتاب: "تقييد المهمل وتمييز المشكل" جمع فيه الأوهام التي تتعلق بـ "صحيح البخاري" و"صحيح مسلم" و"موطأ مالك" وهو مطبوع عدة طبعات وقد طبع جزء "صحيح مسلم" باسم "التنبيه على الأوهام الواقعة في صحيح الإمام مسلم".

ص: 77

ذَلِكَ في مواضعه إن شاء الله تعالى وقدر

(1)

.

وقال النووي: الطعن الذي ذكره فاسد مبني عَلَى قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جدًا مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول، ولقواعد الأدلة فلا يُغْترّ بذلك

(2)

.

(1)

وقد تصدى للرد على كثير من هذِه الانتقادات التي وجهت و"الصحيحين" جماعة من الأئمة منهم القاضي عياض في شرحه لمسلم وكذا النووي والحافظ ابن حجر في شرحه للبخاري.

(2)

قاله في مقدمة "شرح البخاري" كما في "هدي الساري" ص 346.

ص: 78

‌فصل

ألزم الدارقطني وغيره البخاري ومسلمًا إخراج أحاديث تركا إخراجها، مع أن أسانيدهما أسانيد قد أخرجا لرواتها في صحيحيهما.

وذكر الدارقطني أن جماعة من الصحابة رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورويت أحاديثهم من وجوه صحاح لا مطعن في ناقليها، ولم يخرجا من أحاديثهم شيئًا فلزمهما إخراجها عَلَى مذهبهما

(1)

. وذكر البيهقي أنهما اتفقا عَلَى أحاديث من صحيفة همام بن منبه، وأنَّ كل واحد منهما انفرد عن الآخر بأحاديث منها مع أن الإسناد واحد.

وصنف الدارقطني والهروي

(2)

في هذا النوع الذي ألزموهما. وهذا الإلزام ليس بلازم في الحقيقة، فإنهما لم يلزما استيعاب الصحيح بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه، وإنما قصدا جمع جمل

(1)

"الإلزامات والتتبع" ص 83.

(2)

هو الحافظ الإمام العلامة، شيخ الحرم، أبو ذر، عَبْد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير بن محمد، المعروف ببلده بابن السماك، الأنصاري الخراساني الهروي المالكي، راوى "الصحيح" عن المستملي، والحموي، والكشميهني، ولد سنة خمس أو ست وخمسين وثلاثمائة، من مصنفاته "مستدرك على الصحيحين"، "السنة"، "الجامع"، "الدعاء"، "فضائل القرآن"، "دلائل النبوة".

توفي سنة خمس وثلاثين وأربعمائة وقيل: في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة.

انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 11/ 141، "تذكرة الحفاظ" 3/ 1103 - 1108، "سير أعلام النبلاء" 17/ 554 - 563، "شذرات الذهب" 3/ 254.

ص: 79

من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله لا أنه يحصر جميع مسائله، لكنهما إِذَا كان الحديث الذي تركاه أو تركه أحدهما مع صحة إسناده في الظاهر أصلًا في بابه ولم يخرجا له نظيرًا ولا ما يقوم مقامه، فالظاهر من حالهما أنهما اطلعا فيه عَلَى علة إن كان روياه أو تركاه إيثارا لترك الإطالة، أو لأنهما رأيا أن غيره مما ذكراه يسد مسده أو لغير ذَلِكَ.

ص: 80

‌فصل

الذي استقر عليه الأمر وعليه الكثير أو الأكثر من العلماء أن المبتدع يحتج بحديثه إِذَا لم يكن داعية، ولا يحتج بحديثه إِذَا كان داعية.

وفي الصحيح كثير من أحاديثهم في الأصول والشواهد فليحمل عَلَى ما إِذَا لم يكن داعية، وإن كان وقع فيه الرواية عمن هو داعية، كعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني فإنه كان داعية إلى الإرجاء كما قاله أبو داود

(1)

، وكعمران بن حطان فإنه من دعاة الشراة

(2)

ولعله قليل في جنب الأول

(3)

.

(1)

هو: عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، أبو يحيى الكوفي، والد يحيى بن عبد الحميد الحماني وعبد الرحمن لقبه بَشْمين أصله خوارزمي، وحمان من تميم.

قال يحيى بن معين: يحيى بن عبد الحميد الحماني ثقة، وأبوه ثقة.

وقال النسائي: ثقة، وفي موضع آخر قال: ليس بالقوي.

روى له مسلم في مقدمة كتابه، والباقون، سوى النسائي، مات سنة اثنتين ومائتين.

قال الحافظ في "هدي الساري" ص 416: كان ثقة ولكنه ضعيف العقل، روى له البخاري حديثًا واحدًا في فضائل القرآن من روايته عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي موسى فى قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود" وقال فى "التقريب"(3771): صدوق يخطئ ورمي بالإرجاء. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 45 (1653)، "الجرح والتعديل" 6/ 16 (79)، "الكامل" لابن عدي 7/ 9 (1470)، "تهذيب الكمال" 16/ 452 (3725).

(2)

الشراة: الخوراج. انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1869، "لسان العرب" 4/ 2253.

(3)

هو عمران بن حطان بن ظبيان بن لوذان بن عمرو بن الحارث، وثقه العجلي، قال =

ص: 81

‌فصل

ادعى الحاكم في "مدخله إلى الإكليل" أن شرط البخاري ومسلم في صحيحيهما أن لا يذكرا إلا ما رواه صحابي مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم، له راويان ثقتان فأكثر، ثم يرويه عنه تابعي مشهور بالرواية عن الصحابة له أيضًا راويان ثقتان فأكثر، ثم يرويه عنه مِن أتباع الأتباع الحافظ المتقن المشهور عَلَى ذَلِكَ الشرط. ثم كذلك قَالَ: والأحاديث المروية بهذِه الشريطة لا يبلغ عدها عشرة آلاف حديث

(1)

.

وهذا الشرط الذي ذكره عملهما يخالفه، فقد أخرجا في "الصحيحين" حديث عمر بن الخطاب:"إنما الأعمال بالنيات" ولا يصح إلا فردا كما سيأتي

(2)

، وحديث المسيب بن حزن والد سعيد بن المسيب في وفاة أبي طالب ولم يرو عنه غير ابنه سعيد

(3)

،

= قتادة: كان عمران بن حطان لا يتهم في الحديث: قال الحافظ في "هدي الساري" ص 432: لم يخرج له البخاري سوى حديث واحد. وقال في "التقريب"(5152): صدوق إلا أنه كان على مذهب الخوراج، ويقال: رجع عن ذلك.

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 413 (2822)، "الجرح والتعديل" 6/ 296 (1643)، "تهذيب الكمال" 22/ 322 (4487)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 214.

(1)

"المدخل إلى الإكليل" ص 29.

(2)

سيأتي برقم (1).

(3)

سيأتي برقم (1360) كتاب: الجنائز، باب: إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله، ورواه مسلم (24) كتاب: الإيمان، باب: الدليل على صحة إسلام من حضره الموت

ص: 82

وأخرج مسلم حديث حميد بن هلال عن أبي رفاعة العدوي، ولم يرو عنه غير حميد

(1)

، قَالَ ابن الصلاح، وتبعه النووي: وأخرج البخاري حديث الحسن البصري، عن عمرو بن تغلب:"إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إليّ"

(2)

، ولم يرو عنه غير الحسن

(3)

. قُلْتُ: لا، فقد روى عنه أيضًا الحكم بن الأعرج، كما نص عليه ابن أبي حاتم

(4)

.

قالا: وأخرج أيضًا حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي

"يذهب الصالحون الأول فالأول"

(5)

. ولم يرو عنه غير قيس

(6)

.

قُلْتُ: لا، فقد روى عنه زياد بن علاقة أيضًا، كما ذكره ابن أبي حاتم أيضًا

(7)

.

(1)

مسلم (876) كتاب: الجمعة، باب: حديث التعليم في الخطبة.

(2)

سيأتي برقم (923) كتاب: الجمعة، باب: من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد.

(3)

"علوم الحديث" ص 320، "التقريب مع التدريب" 2/ 382.

(4)

"الجرح والتعديل" 6/ 222 في ترجمة عمرو بن تغلب (1235)، ونص عليه أيضًا ابن عبد البر في "الاستيعاب" 3/ 251 - 252 ترجمة عمرو (1920).

(5)

سيأتي برقم (6434) كتاب: الرقاق، باب: ذهاب الصالحين ويقال: الذهاب المطر.

(6)

"علوم الحديث" ص 320، "التقريب مع التدريب" 23/ 382.

(7)

قلت: هكذا ذكر المصنف هنا أن زياد بن علاقة يروي عن مرداس بن مالك الأسلمي، وذكره كذلك في "المقنع" 1/ 260، وهو ما ذكره أيضًا المزي في "تهذيب الكمال" 9/ 498 في ترجمة زياد بن علاقة (2061) فقال: روى عن مرداس الأسلمي، وكرره أيضًا في ترجمة مرداس الأسلمي من "التهذيب" 27/ 370 (5856) فقال: روى عنه: زياد بن علاقة وقيس بن أبي حازم، وذكره أيضًا الذهبي فقال في "الكاشف" 2/ 251 (5355): مرداس بن مالك الأسلمي، عنه قيس بن أبي حازم، وزياد بن علاقة، وكذا العيني في "عمدة القاري" 1/ 5 وهو وهم منهم جميعًا تتابعوا عليه. والصواب ما ذهب إليه ابن الصلاح والنووي من أن مرداس الأسلمي لم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم، أما مرداس الذي يروي عنه =

ص: 83

قالا: وأخرج مسلم حديث عبد الله بن الصامت عن رافع بن عمرو الغفاري

(1)

، ولم يرو عنه غير عبد الله

(2)

.

= زياد بن علاقة هو مرداس بن عروة، ومما يؤكد ذلك أن المصنف عزا قوله هنا لابن أبي حاتم، والذي عند ابن أبي حاتم يؤكد ما قلناه، ففي ترجمة زياد بن علاقة من "الجرح والتعديل" 3/ 540 (2437) أورد ابن أبي حاتم ترجمته ولم يذكر له رواية عن مرداس الأسلمي، وفي ترجمة مرداس الأسلمي 8/ 350 (1607) قال: روى عنه قيس بن أبي حازم سمعت أبي يقول ذلك، ثم أورد ترجمة مرداس بن عروة (1608) وقال: روى عنه زياد بن علاقة سمعت أبي يقول ذلك. وأيضًا قال مسلم في "المنفردات والوحدان" ص 75 - 77: أسامة بن شريك، ومرداس بن عروة لم يرو عنهما إلا زياد بن علاقة، وقال ابن حبان في "الثقات" 5/ 449: مرداس بن عروة روى عنه زياد بن علاقة، وقال أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2566 (2736): مرداس بن عروة يعد في الكوفيين، روى عنه زياد بن علاقة، وكذا قال ابن الأثير في "أسد الغابة" 5/ 140، وقال العراقي في "التقييد والإيضاح" ص 334 الصواب ما قاله ابن الصلاح، فإن الذي روى عنه زياد بن علاقة إنما هو مرداس بن عروة صحابي آخر، وقال الحافظ في "الفتح" 7/ 445: قال ابن السكن، زعم بعض أهل الحديث أن مرداس بن عروة الذي روى عنه زياد بن علاقة هو الأسلمي، قال: والصحيح أنهما اثنان. قلت: وفي هذا تعقب على المزي في قوله في ترجمة مرداس الأسلمي: روى عنه قيس بن أبي حازم وزياد بن علاقة، ووضح أن شيخ زياد غير مرداس الأسلمي. اهـ. وقال نحو هذا القول في "الفتح" 11/ 251 - 252، وقاله أيضًا في "التهذيب" 4/ 47، وكذا في "الإصابة" 3/ 401 ترجمة مرداس الأسلمي (7894)، ويؤكد ما قلناه أيضًا ما رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 7/ 435، وابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 117 - 118، والطبراني 20/ 299 (710)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2566 - 2567، البيهقي 8/ 43 من طريق محمد بن جابر والوليد بن أبي ثور كلاهما عن زياد بن علاقة، عن مرداس بن عروة: أن رجلًا رمى رجلًا بحجر فقتله، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأقاده منه.

(1)

مسلم (1067) كتاب: الزكاة، باب: الخوراج شر الخلق والخليقة.

(2)

"علوم الحديث" ص 320 - 321، "التقريب مع التدريب" 2/ 383.

ص: 84

قُلْتُ: لا، ففي "الغيلانيات" من حديث سليمان بن المغيرة ثنا ابن أبي الحكم الغفاري، (حدثتني جدتي)

(1)

، عن رافع بن عمرو، فذكر حديثًا

(2)

.

قالا: وأخرج حديث أبي بردة عن الأغر المزني: "إنه ليغان عَلَى قلبي"

(3)

ولم يرو عنه غير أبي بردة

(4)

.

قُلْتُ: لا، فقد ذكر العسكري أن ابن عمر روى عنه أيضًا

(5)

. قُلْتُ: ومعاولة بن قرة أيضًا

(6)

.

(1)

في الأصل: حدثني جدي، ولعل الصواب ما أثبتناه كما في "الغيلانيات" ص 273.

(2)

"الغيلانيات" ص 273 (769)، ورواه أيضًا أبو داود (2622)، وابن ماجه (2299) من طريق معتمر بن سليمان، عن ابن أبي الحكم الغفاري، عن جدته، عن عم أبيها رافع بن عمرو، والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(453) لجهالة ابن أبي الحكم، وجدته.

(3)

مسلم (2702) كتاب: الذكر والدعاء، باب: استحباب الاستغفار والاستكثار منه.

(4)

"علوم الحديث" ص 321، ولم يذكره النووي في "التقريب" وإنما نقله السيوطي في "التدريب" 2/ 383 عن ابن الصلاح.

(5)

روى البخاري في "الأدب المفرد"(984)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 357 (1128)، والطبراني 1/ 300 (879)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 332 (1045)، والبيهقي في "الشعب" 6/ 433 - 434 (8888)، والضياء في "المختارة" 4/ 315 - 316 (1495)، والمزي 17/ 228 عن ابن عمر، عن الأغرِّ المزني أنه كانت له أوسق من تمر على رجل من بني عمرو بن عوف

الحديث.

وحسنه الألباني في "الأدب المفرد"(984)، فثبت بهذا الحديث ما ذكره المصنف عن العسكري أن ابن عمر يروي عن الأغر.

(6)

وأما حديث معاوية بن قرة عن الأغر، فرواه البزار كما في "كشف الأستار"(844)، والطبراني 1/ 302 - 303 (891)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 333 (1048)، والضياء في "المختارة" 4/ 318 (1499) أن رجلًا أتى رسول الله =

ص: 85

وفي "معرفة الصحابة" لابن قانع

(1)

قَالَ: ثابت البناني: عن الأغر، أغر مزينة

(2)

. وأغرب من قول الحاكم هذا قول الميانشي في "إيضاح ما لا يسع المحدث جهله": شرطهما في صحيحيهما ألا يدخلا فيه إلا ما صح عندهما، وذلك ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان من الصحابة فصاعدًا، وما نقله عن كل واحد من الصحابة أربعة من التابعين فأكثر، وأن يكون عن كل واحد من التابعين أكثر من أربعة.

والظاهر أن شرطهما اتصال الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من مبتداه إلى منتهاه، من غير شذوذ ولا علة

(3)

.

= صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر، فقال: "إنما الوتر بالليل

" الحديث.

قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 246: رجاله موثقون، وإن كان في بعضهم كلام لا يضر، وحسنه الألباني في "الصحيحة"(1712).

(1)

هو الإمام الحافظ البارع القاضي أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق بن واثق الأموي مولاهم البغدادي، ولد سنة خمس وستين ومائتين، وكان واسع الرحلة كثير الحديث بصيرًا به، قال البرقاني: البغداديون يوثقونه، وهو عندي ضعيف، وقال الدارقطني: كان يحفظ، ولكنه يخطئ ويصر، توفي سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 4/ 14، "المنتظم" 7/ 14، "سير أعلام النبلاء" 15/ 526، "تذكرة الحفاظ" 3/ 883، "لسان الميزان" 3/ 383.

(2)

"معجم الصحابة" 1/ 50 - 51.

(3)

قلت: وهذا هو تعريف الحديث الصحيح كما هو مقرر في مصطلح الحديث، وهو: ما اتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة. انظر: "علوم الحديث" ص 11 - 12، "المقنع" 1/ 41، "التقييد والإيضاح" ص 24.

ص: 86

‌فصل في معرفة الاعتبار والمتابعة والشاهد

وقد أكثر البخاري من ذكر المتابعة، فإذا روى حماد مثلًا حديثًا عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نظرنا هل تابعه ثقة فرواه عن أيوب؟ فإن لم نجد فثقة غير أيوب عن ابن سيرين، وإلا فثقة غير ابن سيرين عن أبي هريرة، وإلا فصحابي غير أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأي ذَلِكَ وُجِدَ عُلِمَ أنَّ له أصلًا يرجع إليه وإلا فلا، فهذا النظر هو الاعتبار.

وأما المتابعة: فأن يرويه عن أيوب غير حماد، أو عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي هريرة. فكل نوع من هذِه يسمى متابعة. وأفضلها الأولى، وهي: متابعة حماد في الرواية عن أيوب، ثمَّ ما بعده عَلَى الترتيب، وسببه أنها تقويه، والمتأخر إلى التقوية أحوج.

وأما الشاهد: فأن يروى حديث آخر بمعناه. وتسمى المتابعة شاهدًا، ولا ينعكس، فإذا قالوا في مثل هذا: تفرد به أبو هريرة أو ابن سيرين أو أيوب أو حماد، كان مشعرًا بانتفاء وجوه المتابعات كلها فيه. ثمَّ إنه يدخل في المتابعة والاستشهاد رواية بعض الضعفاء. وفي "الصحيح" جماعة منهم ذكروا في المتابعات والشواهد، ولا يصلح

ص: 87

لذلك كل ضعيف. ولهذا يقول الدارقطني وغيره: فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به.

ولنذكر مثالًا للمتابع والشاهد ليتضح لك ذَلِكَ: فحديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به"

(1)

ورواه ابن جريج عن عمرو عن عطاء بدون الدباغ

(2)

. تابع عمرًا أسامة بن زيد فرواه عن عطاء عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ألا نزعتم جلدها فدبغتموه فانتفعتم به"

(3)

وشاهده حديث عبد الرحمن بن وَعْلَة عن ابن عباس رفعه: "أيما إهاب دبغ فقد طهر"

(4)

.

ثمَّ اعلم أن البخاري رحمه الله قد يأتي بالمتابعة ظاهرًا، كقوله في مثل هذا: تابعه مالك عن أيوب. أي: تابع مالك حمادًا فرواه عن أيوب كرواية حماد، فالضمير في (تابعه) يعود إلى حماد، وتارة يقول: تابعه مالك ولا يزيد، فنحتاج إذًا إلى معرفة طبقات الرواة ومراتبهم، فتنبه لذلك.

(1)

رواه مسلم (363) كتاب: الحيض، باب: تطهير جلود الميتة.

(2)

رواه أحمد 1/ 227، الدارقطني 1/ 44، والبيهقي 1/ 16.

(3)

رواه االطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 469، والدارقطني 1/ 44، والبيهقي 1/ 16.

(4)

رواه مسلم (366) كتاب: الحيض، باب: طهارة جلود الميتة بالدباغ، والترمذي (1728)، وابن الجارود (61، 874)، وأبو عوانة (561)، وابن حبان (1287 - 1288)، والبيهقي 1/ 16.

ص: 88

‌فصل في معرفة ألفاظ تتداول عَلَى الألسنة في هذا الفن

منها: المرفوع

(1)

، وهو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة قولًا، أو فعلًا أو تقريرًا، متصلًا كان أو منقطعًا أو مرسلًا. وقال الخطيب: هو ما أخبر به الصحابي عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قوله

(2)

. فخصَّصه بالصحابة فيخرج مرسل التابعي.

ومنها: الموقوف

(3)

: وهو ما أضيف إلى الصحابة كذلك، ويستعمل في غيرهم مقيدًا، فيقال: وقفه فلان عَلَى عطاء ونحوه.

ومنها: المقطوع

(4)

: وهو ما أضيف إلى تابعي أو من دونه كذلك.

ومنها: المنقطع

(5)

: وهو ما لم يتصل سنده عَلَى أي وجه كان انقطاعه، فإن سقط منه رجل فأكثر سمي أيضًا معضلًا بفتح الضاد.

(1)

انظر: "علوم الحديث" ص 45، "المقنع" 1/ 113، "تدريب الرواي" 1/ 226.

(2)

"الكفاية في علم الرواية" ص 58.

(3)

نظر: "علوم الحديث" ص 46، "المقنع" 1/ 114 - 115.

(4)

انظر: "علوم الحديث" ص 47 - 51، "المقنع" 1/ 116 - 128، "تدريب الراوي" 1/ 240.

(5)

انظر: "علوم الحديث" ص 56 - 58، "المقنع" 1/ 141 - 144، "تدريب الراوي" 1/ 260 - 263.

ص: 89

ومنها: المرسل

(1)

: فهو عند الفقهاء وجماعة من المحدثين أنه ما انقطع سنده كالمنقطع. وقال جماعة من المحدثين أو أكثرهم: لا يسمى مرسلًا إلا ما أخبر فيه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرط بعضهم أن يكون تابعيًّا كبيرًا. ثمَّ مذهب الشافعي والمحدثين: أن المرسل لا يحتج به، وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر الفقهاء: يحتج به

(2)

، ومذهب الشافعي: أنه إِذَا انضم إلى المرسل ما يعضده احتج به وبان بذلك صحته، وذلك بأن يروى مسندًا، وإن كان ضعيفًا أو مرسلًا من جهة أخرى، أو يعمل به بعض الصحابة أو أكثر العلماء أو عوام أهل العلم كما قاله الشافعي في "الرسالة"

(3)

، أو يكون معه قول صحابي أو قياس، أو ينتشر من غير دافع، أو يعمل به أهل العصر، أو لا يوجد دلالة سواه، كما قَالَه الشافعي في الجديد -كما قَالَ الماوردى

(4)

-، أو عرف أنه لا يرسل إلا عن عدل.

وسواء في هذا مرسل سعيد بن المسيب وغيره، وقال بعض الشافعية: مرسل سعيد حجة مطلقًا؛ لأنها فتشت فوجدت مسندة،

(1)

انظر: "علوم الحديث" ص 51 - 56، "المقنع" 1/ 129 - 140، "تدريب الراوي" 1/ 241 - 259.

(2)

انظر: "التمهيد" 1/ 2 - 5، "المجموع" 1/ 100 - 101، "جامع التحصيل" ص 33 - 49، "أصول مذهب الإمام أحمد" ص 327 - 343.

(3)

"الرسالة" ص 462 - 465.

(4)

"الحاوي" 5/ 158، والماوردي هو: الإمام العلامة، أقضى القضاة، أبو الحسن، علي بن محمد بن حبيب البصري، الماوردي الشافعي، صاحب التصانيف، منها:"الحاوي"، تفسير القرآن المسمى "النكت والعيون"، "أدب الدنيا والدين". انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 12/ 102، "طبقات المفسرين" للداودى 1/ 423، "سير أعلام النبلاء" 18/ 64 (29)، "شذرات الذهب" 3/ 285.

ص: 90

وليس كما قال

(1)

. هذا في مرسل غير الصحابي. أما مرسله -وهو روايته- ما لم يدركه أو يحضره كقول عائشة رضي الله عنها: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة

(2)

. فالجمهور عَلَى أنه حجة، وخالف فيه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني

(3)

فقال: إنه ليس بحجة إلا أن يقول: لا أروي إلا عن صحابي؛ لأنه قد يروي عن تابعي، والصواب الأول؛ لأن روايته غالبًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابي آخر، فإذا روى عن تابعي عَلَى الندور ينبه

(4)

.

وقد أفرد الخطيب جزءًا فيما رواه الصحابة عن التابعين، وزاد عددهم عَلَى العشرين.

(1)

انظر: "الكفاية في علم الرواية" ص 571 - 572، "المجموع" 1/ 100 - 101.

(2)

سيأتي برقم (3) كتاب: بدء الوحي، باب (3).

(3)

هو الإمام العلامة الأوحد، الأستاذ أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، الأصولي الشافعي، الملقب بركن الدين، أحد المجتهدين في عصره، وصاحب المصنفات الباهرة، بنيت له بنيسابور مدرسة مشهورة، توفي بنيسابور يوم عاشوراء من سنة ثماني عشرة وأربعمائة. انظر ترجمته في:"وفيات الأعيان" 1/ 28، "سير أعلام النبلاء" 17/ 353 (220)، "الوافي بالوفيات" 6/ 104، "شذرات الذهب" 3/ 209.

(4)

انظر: "المجموع" 1/ 103، "تدريب الراوي" 1/ 259.

ص: 91

‌فصل في قواعد يكثر الحاجة إليها

وهي خمس عشرة قاعدة

الأولى:

إِذَا روى بعض الثقات الحديث متصلًا وبعضهم مرسلًا، أو بعضهم مرفوعًا وبعضهم موقوفًا أو وصله هو أو رفعه في وقت، وأرسله أو وقفه في وقت، فالصحيح الذي عليه الفقهاء وأهل الأصول ومحققو المحدثين أنه يحكم بالوصل والرفع؛ لأنه زيادة ثقة. وصححه الخطيب. وقيل: يحكم بالإرسال والوقف، ونقله الخطيب عن أكثر المحدثين، وقيل: يؤخذ برواية الأحفظ، وقيل: الأكبر

(1)

.

القاعدة الثانية:

زيادة الثقة مقبولة عند الجمهور من الطوائف، وقيل: لا يقبل، وقيل: تقبل من غير من رواه ناقصًا ولا تقبل منه للتهمة. وأما إِذَا روى العدل الضابط المتقن حديثًا انفرد به فمقبول بلا خلاف. نقل الخطيب اتفاق العلماء عليه

(2)

.

(1)

"الكفاية" للخطيب للبغدادي ص 578 - 582، وانظر:"علوم الحديث" لابن الصلاح ص 85 - 88 النوع السادس عشر، "المقنع" 1/ 191 - 208، "تدريب الراوي" 1/ 310 - 315.

(2)

المصادر السابقة.

ص: 92

القاعدة الثالثة:

إِذَا قَالَ الصحابي: أمرنا بكذا، أو: نهينا عن كذا، أو: من السنة كذا، أو: أُمِر بلال أن يشفع الأذان

(1)

ونحو ذَلِكَ، فكله مرفوع عَلَى الصحيح الذي عليه الجمهور من الطوائف، سواء قَالَ ذَلِكَ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعده، وقيل: موقوف، والصواب الأول، وهو ما نصَّ عليه أيضًا الشافعي في "الأم"

(2)

حيث قَالَ في باب: ما عدد كفن الميت؟ بعد ذكر ابن عباس، والضحاك: وابن عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقولان السنة إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونقل ابن داود من أصحابنا في شرحه المختصر في كتاب الجنايات في أسنان الإبل عن الشافعي أنه كان يرى في القديم أن ذَلِكَ مرفوع من الصحابي أو التابعي، ثمَّ رجع عنه؛ لأنهم قد يطلقونه ويريدون به سنة البلد. أما إِذَا قَالَ التابعي: أمرنا بكذا. فقال الغزالي: يحتمل أن يريد: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر كل الأمة فيكون حجة. ويحتمل: أمر بعض الصحابة، لكن لا يليق بالعالم أن يطلق ذَلِكَ إلا وهو يريد من يجب طاعته

(3)

.

(1)

سيأتي برقم (605) كتاب: الأذان، باب: الأذان مثنى مثنى.

(2)

"الأم" 1/ 240.

(3)

"المستصفى من علم الأصول" 1/ 249.

والغزالي هو الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي، صاحب التصانيف، والذكاء المفرط من مصنفاته "الإحياء"، " الأربعين"، "القسطاس "، "محك النظر"، انظر ترجمته في:"المنتظم" 9/ 168، "وفيات الأعيان" 4/ 216، "سير أعلام النبلاء" 19/ 322 (204)، "الوافي بالوفيات" 1/ 274، "شذرات الذهب" 4/ 10.

ص: 93

فروع:

إِذَا قيل في الحديث عند ذكر الصحابي: يرفعه أو ينميه أو يبلغ به أو رواية فمرفوع بالاتفاق، وإذا قَالَ الراوي عن التابعي: يرفعه أو يبلغ به فمرفوع مرسل، وإذا قَالَ التابعي: من السنة كذا، فالصحيح أنه موقوف، وقيل: مرفوع مرسل، وإذا قَالَ الصحابي: كنا نقول أو نفعل كذا، أو كانوا يقولون أو يفعلون كذا، أو لا يرون بأسًا بكذا. إن لم يضفه إلى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عهده أو نحو ذَلِكَ فموقوف، وإن أضافه فقال: كنا أو كانوا يفعلون في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عهده أو وهو فينا أو بين أَظْهُرنا فمرفوع عَلَى الصحيح.

وقيل: موقوف، وقيل: إن كان أمرًا يظهر غالبًا فمرفوع وإلا فموقوف

(1)

.

وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي

(2)

.

وقيل: مرفوع مطلقًا وهو ظاهر كلام كثيرين من المحدثين والفقهاء.

قَالَ النووي: وهو قوي فإنه ظَاهِرُهُ

(3)

.

(1)

انظر: "الكفاية" ص 585، باب: التابعي عن الصحابي يرفع الحديث وينميه ويبلغ به، "علوم الحديث" لابن الصلاح ص 47 النوع الثامن، "المقنع" لابن الملقن 1/ 116.

(2)

هو الشيخ الإمام القدوة المجتهد شيخ الإسلام، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز أبادي، الشيرازي الشافعي، نزيل بغداد، قيل: لقبه جمال الدين، ولد في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، من مصنفاته:"المهذب"، "التنبيه"، "اللمع في أصول الفقه"، "الملخص في أصول الفقه". انظر ترجمته في:"الأنساب" 9/ 361، "المنتظم" 9/ 7، "وفيات الأعيان" 1/ 29، "سير أعلام النبلاء" 18/ 452 (237)، "شذرات الذهب" 3/ 349.

(3)

"مسلم بشرح النووي" 1/ 30.

ص: 94

وأغرب بعضهم فقال: إن كان الراوي الصديق، فمرفوع؛ لأنه لا يقول: أمرنا إلا وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره من الصحابة، فإنه يحتمل غيره، حكاه ابن الأثير.

وأما قول التابعي: كانوا يقولون أو يفعلون. فلا يدل عَلَى قول ولا عَلَى فعل جميع الأمة، فلا حجة فيه بلا خلاف، إلا أن يصرح بنقله عن أهل الإجماع. وفي ثبوت الإجماع بخبر الواحد خلاف، ذهب الأكثرون إلى أنه لا يثبت به.

القاعدة الرابعة:

إِذَا خلط الثقة لاختلال ضبطه بهرم أو ذهابِ بصر ونحوه، قُبِلَ حديث من أخذ عنه قبل الاختلاط، ولا يقبل من أخذ عنه بعد الاختلاط أو شككنا في وقت أخذه، وما كان في "الصحيحين" من هذا فمحمول عَلَى أنه علم أنه أخذ قبل الاختلاط

(1)

.

القاعدة الخامسة:

الإسناد المُعنعَن: وهو فلان عن فلان، قيل: إنه مرسل أو منقطع، والصحيح عند جمهور الفقهاء والأصوليين والمحدثين -وادعى جماعة الإجماع عليه- أنه متصل بشرط أن لا يكون المُعنعِن مدلسًا، وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا.

وفي اشتراط ثبوث اللقاء، قولان:

أحدهما: يشترط، وهو مذهب علي بن المديني وأبي بكر الصيرفي الشافعي والمحققين.

(1)

انظر: "علوم الحديث" لابن الصلاح ص 391 - 398 النوع الثاني والستون.

"المقنع" 2/ 662 - 667، "تدريب الراوي" 2/ 530 - 544.

ص: 95

قَالَ النووي في "شرح مسلم" وغيره: وهو الأصح

(1)

.

و (ثانيهما)

(2)

: لا، بل يكفي الإمكان وهو مذهب مسلم بن الحجاج، وادّعى في مقدمة "صحيحه" الإجماع عليه

(3)

.

وفي اشتراط طول صحبته له قولان وكذا في معرفته بالرواية عنه.

وباشتراط هذا قَالَ أبو عمرو المقري

(4)

.

وإذا قَال: ثنا الزهري أن ابن المسيب حدث بكذا. أو قَالَ ابن المسيب كذا ونحوه.

فقال الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة

(5)

والبرديجي

(6)

لا يلتحق ذَلِكَ

(1)

"مسلم بشرح النووي" 1/ 32.

(2)

في الأصل: (ثانيها).

(3)

"صحيح مسلم" 1/ 23 - 29.

(4)

هو الإمام الحافظ المجود المقرئ الحاذق، عالم الأندلس، أبو عمرو، عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي، القرطبي ثم الداني، ويعرف قديمًا بابن الصيرفي، صنف:"التيسير"، "جامع البيان"، ولد سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وتوفي يوم نصف شوال سنة أربع وأربعين وأربعمائة. انظر ترجمته في:"معجم الأدباء" 12/ 124، "سير أعلام النبلاء" 18/ 77 (36)، "تذكرة الحفاظ" 3/ 1120، "شذرات الذهب" 3/ 272.

(5)

هو يعقوب بن شيبة بن الصلت بن عصفور، الحافظ الكبير العلامة الثقة، أبو يوسف السدوسي البصري ثم البغدادي، صاحب "المسند الكبير" العديم النظير المعلل، الذي تمَّ من مسانيده نحو من ثلاثين مجلدًا، ولو كمل لجاء في مائة مجلد، ولد في حدود الثمانين ومائة. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 14/ 281، "سير أعلام النبلاء" 12/ 476 (174)، "تذكرة الحفاظ" 2/ 577، "شذرات الذهب" 2/ 146.

(6)

هو الإمام الحافظ الحجة، أبو بكر، أحمد بن هارون بن روح البرديجي البرذعي، نزيل بغداد، ولد بعد الثلاثين ومائتين، أو قبلها. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 5/ 194، "سير أعلام النبلاء" 14/ 122 (66)، "تذكرة الحفاظ" 2/ 746، "الوافي بالوفيات" 8/ 223.

ص: 96

بعن، بل هو منقطع حتَّى يتبين السماع

(1)

وقال الجمهور كما نقله عنهم ابن عبد البر: هو كعن فيحمل عَلَى السماع بالشرط السالف

(2)

.

القاعدة السادسة:

التدليس قسمان:

أحدهما: أن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهمًا سماعه قائلا: قَالَ فلان أو عن فلان ونحوه، وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره صغيرًا أو ضعيفًا تحسينا للحديث. وهذا القسم مذموم جدًّا، ذمَّه الجمهور، ولا يغتر بجلالة من تعاطاه من كبار العلماء، فقد كان لبعضهم فيه عذر، وهو أن الحديث قَدْ يكون عنده عمن يعتقد عدالته وضبطه، وهو عند الناس أو أكثرهم مجروح، فهو يعتقد صحة الحديث في نفس الأمر لكون الراوي ثقة عنده والناس يرونه ضعيفًا، فلو ترك التدليس وصرح باسم شيخه جعل الناس الحديث ضعيفًا وفاتت سنة عَلَى المسلمين، فعدل إلى التدليس لهذِه المصلحة مع أنه لم يكذب. فإن قُلْت: فعلى هذا ينبغي أن يحتج بعنعنة المدلس؛ لأنه إن كان فيه محذوف فهو ثقة. قُلْتُ: عنه جوابان للنووي رحمه الله:

أحدهما: أن هذا الاحتمال وإن كان ممكنًا فلسنا عَلَى قَطْع منه ولا ظَنّ.

ثانيهما: أنه وإن كان ثقة عنده فلا يحتج به حتَّى يسميه؛ لأنه قد يعتقده ثقة وهو مجروح للاختلاف في أسباب الجرح، ولهذا لو قَالَ:

(1)

انظر: "علوم الحديث" ص 62 - 63، "التقييد والإيضاح" ص 84 - 85، "تدريب الراوي" 1/ 270 - 272.

(2)

"التمهيد" 1/ 26.

ص: 97

أخبرني الثقة لم يحتج به عَلَى المذهب الصحيح، ثمَّ قَالَ قوم: من عرف بهذا التدليس صار مجروحًا ولا تقبل روايته وإنْ بَيَّنَ السماع. والصحيح الذي عليه الجمهور التفصيل فيما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع كعن وقال، فمرسل، وما بينه فيه كسمعت، وثنا، وأبنأ فمقبول محتج به.

وفي الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير جدًّا كقتادة والأعمش والسفيانين وهشيم وغيرهم. وهذا الحكم جارٍ فيمن ثبت أنه دلس مرة واحدة. وما كان في الصحيحين وشبههما من الكتب المعتمدة التي التزم مصنفوها المحققون الصحيح عن المدلسين (بعن) محمول عَلَى أنه ثبت سماع ذَلِكَ المدلس ذَلِكَ الحديث من ذَلِكَ الشخص من جهة أخرى.

القسم الثاني: أن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بخلاف ما يعرف به، فكراهته أخف من الأولى، وسببها توعير طريق معرفته، ورمي الوليد بن مسلم وَبقِيَّة بن الوليد بتدليس التسوية، وهو لا يختص بشيخ المدلس بل بشيخ شيخه، مثاله: أن يكون بين الأوزاعي ونافع مثلًا من ضُغف، مع أن الأوزاعي روى عن نافع فيسقط بَقِيَّةُ الضعيف، ويروي الحديث عن الأوزاعي عن نافع فتنبه لذلك

(1)

.

القاعدة السابعة:

إِذَا قَالَ الصحابي لنفسه قولًا ولم يخالفه غيره ولم ينتشر، فليس هو إجماعًا، وهل هو حجة؟ فيه خلاف للعلماء وهو قولان للشافعي: الجديد الصحيح: أنه ليس بحجة، والقديم: أنه حجة، فإن قلنا:

(1)

انظر: "الكفاية" ص 510، "علوم الحديث" ص 73 - 76، "المقنع" 1/ 154 - 194، "تدريب الراوي" 1/ 279 - 291.

ص: 98

حجة قدم عَلَى القياس. ولزم التابعي وغيره العمل به ولا يجوز مخالفته، وهل يخص به العموم؟ فيه وجهان، وإذا قلنا: ليس بحجة قدم القياس عليه وجاز للتابعي مخالفته

(1)

.

وأما إِذَا اختلفت الصحابة فعلى الجديد: لا يقلد بعضهم ويطلب الدليل، وعلى القديم: هما دليلان تعارضا فنرجح أحدهما بكثرة العدد، فإن استويا قدم بالأئمة، فإن كان مع أقلهما عددًا إمام دون أكثرهما فهما سواء، فإن استويا في العدد والأئمة لكن في أحدهما أحد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فهل يقدم أم يستويان؟ فيه وجهان لأصحابنا، هذا كله إِذَا لم ينتشر، فأما إِذَا انتشر فإن خولف فحكمه ما سبق، وإن لم يخالف ففيه خمسة أوجه لأصحابنا:

أصحها: أنه حجة وإجماع.

وثانيها: لا فيهما. واختاره الغزالي في "المستصفى"

(2)

.

وثالثها: حجة بلا إجماع.

ورابعها: إن كان حكم إمام أو حاكم فليس بحجة وإن كان فُتيا غيرهما فحجة.

وخامسها: عكسه؛ لأن الحكم غالبًا يكون بعد مشورة ومباحثة وينتشر انتشارًا ظاهرًا بخلاف الفتيا

(3)

.

(1)

انظر: "التلخيص" لإمام الحرمين 3/ 97، 450 - 451، "مسلم بشرح النووي" 1/ 31، "الإبهاج في شرح المنهاج" 3/ 192، "التمهيد" للإسنوي ص 499 - 500.

(2)

"المستصفى" 1/ 400.

(3)

انظر: "التلخيص" 3/ 451 - 456، "المستصفى" 1/ 400 - 404، "مسلم بشرح النووي" 1/ 31، "التمهيد" للإسنوى ص 499 - 500.

ص: 99

ولو قَالَ التابعي قولًا ولم ينتشر وخولف فليس بحجة قطعًا، فإن لم يخالف فالصحيح الذي عليه الجمهور أنه كالصحابي، فيكون عَلَى الأوجه الخمسة، وقيل: لا يكون هذا حجة. قَالَ ابن الصباغ: والصحيح أنه إجماع. قَالَ النووي: وهو كما صحح؛ لأن التابعي في هذا كالصحابي من حيث أنه انتشر وبلغ الباقين ولم يخالفوا فكانوا مجمعين، وإجماع التابعين كإجماع الصحابة

(1)

، وقال في "شرح مسلم": ما صححه صاحب "الشامل" هو الأفقه، فلا فرق في هذا بين الصحابي والتابعي

(2)

.

القاعدة الثامنة:

إِذَا أراد رواية الحديث بالمعنى فإن لم يكن خبيرًا بالألفاظ ومقاصدها عالمًا بما تختلف به دلالتها، لم يجز له الرواية بالمعنى بلا خلاف، بل عليه أداء اللفظ الذي سمعه فإن كان عالمًا بذلك فأقوال:

أحدها: أنه لا يجوز أيضًا، قاله طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول.

ثانيها: يجوز في غير حديث النبي صلى الله عليه وسلم دون حديثه.

ثالثها: يجوز في الجميع إِذَا قطع بأنه أدى المعنى، قاله الجمهور من الطوائف، وهو الصواب الذي تقتضيه أحوال الصحابة فمن بعدهم في نقلهم القضية الواحدة بألفاظ مختلفة، وهذا الخلاف في غير المصنفات، أما فيها: فلا يجوز تغييرها. وإن كان بالمعنى فإن من

(1)

"المجموع" 1/ 98.

(2)

"شرح مسلم للنووي" 1/ 31.

ص: 100

رخص ثَمَّ؛ إنما رخص لما في الجمود عَلَى الألفاظ من الحرج وهو منتفٍ فيها

(1)

.

فرع: لو كان في أصل الرواية أو الكتاب لفظة وقعت غلطًا،

فالصواب الذي عليه الجمهور أنه لا يغيره في الكتاب، بل يرويه عَلَى الصواب، وينبه عليه عَلَى حاشية الكتاب. وعند الرواية فيقول: كذا وقع والصواب كذا. وأحسن الإصلاح أن يكون ما جاء في رواية.

وعن الشيخ عزالدين بن عبد السلام أنه لا يجوز روايته بواحد منهما، أما الصواب؛ فلأنه لم يسمعه من الشيخ كذلك، وأما الخطأ؛ فلأنه صلى الله عليه وسلم لم يقله

(2)

.

القاعدة التاسعة:

إِذَا كان في سماعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يرويه ويقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عكسه، فالصحيح جوازه؛ لأنه لا يختلف به هنا معنى

(3)

.

القاعدة العاشرة:

ليس له أن يزيد في نسب غير شيخه أو صفته عَلَى ما سمع من شيخه؛ لأنه يكون كاذبًا عَلَى شيخه، إلا أن يميز فيقول: حَدَّثَنِي فلان: قَالَ: ثنا فلان هو: ابن فلان أو يعني: ابن فلان. أو هو: الفلاني. وما أشبه هذا، فهذا جائز حسن قَدْ استعمله الأئمة، وهذا مما ينبغي أن يحفظ فهو كثير الاستعمال، وقد استعمل في "الصحيح" من هذا أشياء لا تنحصر وستمر بك إن شاء الله.

(1)

انظر: "الكفاية" ص 328، "علوم الحديث" ص 213، "المقنع" 1/ 372.

(2)

انظر: "علوم الحديث" ص 225، "المقنع" 1/ 384.

(3)

قلت: وممن اختار جوازه: حماد بن سلمة، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر الخطيب، وقال أبو عمرو بن الصلاح: لا يجوز، انظر:"مسلم بشرح النووي" 1/ 38.

ص: 101

القاعدة الحادية عشر:

إِذَا قدم بعض المتن عَلَى بعض، فإن اختلفت الدلالة به لم يجز وإلا جاز عَلَى الصحيح؛ بناءً عَلَى جواز الرواية بالمعنى، ولو قدم المتن عَلَى الإسناد أو بعض الإسناد مع المتن، ثمَّ ذكر باقي الإسناد حتَّى اتصل بما بدأ به جاز وهو سماع متصل. فلو أراد من سمع هكذا أن يقدم جميع الإسناد فالصحيح جوازه، ومنعه بعضهم

(1)

.

القاعدة الثانية عشر:

اختصار الحديث والاقتصار عَلَى بعضه، الصحيح جوازه إِذَا كان ما فصله غير مرتبط الدلالة بالباقي، بحيث لا تختلف الدلالة، مفصلة كالحديثين المستقلين. ومنعه إن لم يكن كذلك. وأما تقطيع المصنف الحديث وتفريقه في أبواب فهو إلى الجواز أقرب ومن المنع أبعد، وقد فعله مالك والبخاري وغير واحد من أئمة الحديث.

القاعدة الثالثة عشر:

معرفة الصحابي والتابعي وبها يعرف الاتصال والإرسال، فالصحابي: كل مسلم (رأى)

(2)

النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة وإن لم يصحبه.

هذا هو الصحيح في حده كما أوضحته في "المقنع في علوم الحديث"

(3)

من ستة أقوال فيه، والتابعي: من (رأى)

(4)

الصحابي عَلَى الأصح

(5)

.

(1)

انظر: "الكفاية" ص 271.

(2)

في الأصل: رآه، والصواب ما أثبتناه.

(3)

"المقنع" 2/ 490 - 505.

(4)

في الأصل: رآه، والصواب ما أثبتناه.

(5)

انظر: "علوم الحديث" ص 291 - 306، "تدريب الراوي" 2/ 298 - 349.

ص: 102

القاعدة الرابعة عشر:

جرت العادة بحذف قَالَ ونحوه من رجال الإسناد خطًّا، ولابد للقارئ أن يتلفظ بها وإذا كان فيه: قرئ عَلَى فلان قَالَ: أخبرك فلان أو قرئ عَلَى فلان ثنا فلان، فليقل القارئ في الأول قيل له: أخبرك فلان وفي الثاني قَالَ: ثنا فلان، وإذا تكررت كلمة (قَالَ) كقوله في "صحيح البخاري":(ثنا صالح قَالَ: قَالَ الشعبي) فإنهم يحذفون أحدهما خطًّّا، وعلى القارئ أن يتلفظ بها، فإن لم يتلفظ بـ (قال) في هذا كله فقد أخطأ، والظاهر صحة السماع للعلم بالمحفوظ، ويكون هذا من الحذف لدلالة الحال عليه

(1)

.

القاعدة الخامسة عشر:

جرت العادة بالاقتصار عَلَى الرمز في حَدَّثَنَا وأخبرنا، واستمر الاصطلاح عليه من قديم الأعصار وهَلُمَّ جرَّا، بحيث لا يخفى فيكتبون من حَدَّثنَا (ثنا) وهو الثاء والنون والألف، وربما حذفوا الثاء.

ويكتبون من أخبرنا (أنا)، ولا يحسن زيادة الباء قبل النون، وإن فعله البيهقي وغيره، وقد يزاد في علامة (ثنا) دال في أوله، و (أثنا) ثاء بعد الألف، ووجدت الدال في خط الحاكم والبيهقي. وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد (ح) مهملة والمختار أنها مأخوذة من التحول لتحوله من إسناد إلى إسناد، وأنه يقول القارئ إِذَا انتهى إليها: ح، ويستمر في قراءة ما بعدها، وهذِه الحاء كثيرة في "صحيح مسلم" قليلة في "صحيح البخاري" فتنبه لحكمها.

(1)

انظر: "مسلم بشرح النووي" 1/ 36.

ص: 103

‌فصل مهم فى ضبط جمله من الأسماء المتكرره فيه وفي "صحيح مسلم" المشتبهة

فمن ذَلِكَ (أُبَيّ) كله بضم الهمزة وفتح الباء وتشديد الياء المثناة تحت، إلا آبي اللحم فإنه بهمزة ممدودة مفتوحة، ثمَّ باء مكسورة ثمَّ ياء مثناة تحت مخففة؛ لأنه كان لا يأكله، وقيل: لا يأكل ما ذبح للصنم

(1)

.

(البراء) كله بتخفيف الراء إلا أبا معشر البراء، وأبا العالية البراء فبالتشديد وكله ممدود، وقيل: إن المخفف يجوز قصره، حكاه النووي

(2)

. والبراء هو الذي يبري العود.

(يزيد) كله بالمثناة تحت والزاي إلا ثلاثة:

بُرَيْد بن عبد الله بن أبي بردة يروي غالبًا عن أبي بُردة بضم الباء الموحدة وبالراء.

والثاني: محمد بن عرعرة بن البِرِند بموحدة وراء مكسورتين، وقيل بفتحهما ثمَّ نون. والثالث: علي بن هاشم بن البِرِيد بموحدة مفتوحة ثمَّ راء مكسورة ثمَّ مثناة تحت

(1)

انظر: "مسلم بشرح النووي" 1/ 39.

(2)

"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي 1/ 132.

ص: 104

(يسار) كله بمثناة تحت ثم مهملة، إلا محمد بن بشار شيخهما فبموحدة ثمَّ معجمة، وفيهما سيار بن سلامة، وسيار بن أبي سيار بمهملة ثمَّ بمثناة.

(بشر) كله بموحدة ثمَّ شين معجمة، إلا أربعة فبالضم ثمَّ مهملة: عبد الله بن بسر الصحابي، وبسر بن سعيد، وبسر بن عبيد الله الحضرمي، وبسر بن محجن، وقيل: هذا بالمعجمة كالأول.

(بشير) كله بفتح الموحدة وكسر المعجمة إلا اثنين فبالضم وفتح الشين وهما: بُشَير بن كعب، وبُشَير بن يسار، وإلا ثالثا فبضم المثناة وفتح المهملة وهو: يُسَير بن عمرو، ويقال: أسير، ورابعًا: فبضم النون وفتح المهملة قطن بن نسير.

(حارثة) كله بالحاء المهملة والمثلثة، إلا: جارية بن قدامة، ويزيد ابن جارية فبالجيم والمثناة، قلت: كذا اقتصر عليهما ابن الصلاح.

وأهمل عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة والأسود بن العلاء بن جارية ذكرهما الجياني، وقَالَ: الأول حديثه مخرّج في "الصحيحين"، الثاني في مسلم

(1)

.

(جرير) كله بالجيم وراء مكررة، إلا حريز بن عثمان، وأبا حريز عبد الله بن الحسين الراوي عن عكرمة فبالحاء والزاي آخرا، ويقاربه حدير بالحاء والدال: والد عمران ووالد زياد وزيد

(حازم) كله بالحاء المهملة، إلا أبا معاوية محمد بن خازم فبالمعجمة، كذا اقتصر عليه ابن الصلاح وتبعه النووي

(2)

، وأهملا

(1)

"تقييدالمهمل" 1/ 169.

(2)

"مسلم بشرح النووي" 1/ 40.

ص: 105

بشير بن أبي خازم الإمام الواسطي أخرجا له، ومحمد بن بشير العبدي كنَّياه أبا حازم بالمهملة.

قَالَ أبو علي الجياني: والمحفوظ أنه بالمعجمة، كذا كناه أبو أسامة في روايته عنه، قاله الدارقطني

(1)

.

(حبيب) كله بفتح المهملة إلا خبيب بن عديّ، وخبيب بن عبد الرحمن، و (خبيبا)

(2)

غير منسوب عن حفص بن عاصم، وخبيبا كنية ابن الزبير فبضم المعجمة.

(حيان) كله بالفتح والمثناة، إلا حَبان بن منقذ والد واسعبن حبان وجدّ محمد بن يحيى بن حَبان وجدّ حَبان بن واسع بن حَبان، وإلا حَبان ابن هلال منسوبًا وغير منسوب عن شعبة ووهيب وهمام وغيرهم فبالموحدة وفتح الحاء، وإلا حبان بن العرقة وحبان بن عطية وحبان ابن موسى منسوبًا وغير منسوب عن عبد الله -هو: ابن المبارك- فبكسر الحاء وبالموحدة. قلت: وكذا أحمد بن سنان بن أسد بن حبان، روى لَهُ البخاري في الحج، ومسلم في الفضائل، كما نبه عليه الجياني

(3)

، وأغفله ابن الصلاح ثم النووي.

(خراش) كله بالخاء المعجمة، إلا والد ربعي فبالمهملة.

(حزام) بالزاي في قريش وبالراء في الأنصار، كذا اقتصر عليه -أعني: ابن الصلاح والنووي

(4)

- وفي "المختلف والمؤتلف" لابن

(1)

"المؤتلف والمختلف" 2/ 656، "تقييد المهمل" 1/ 205.

(2)

في الأصل: (هو خبيب)، والمعنى لا يستقيم، وما أثبتناه هو الصواب إن شاء الله كما في "مسلم بشرح النووي" 1/ 40.

(3)

"تقييد المهمل" 1/ 200 - 201.

(4)

"مسلم بشرح النووي" 1/ 40.

ص: 106

حبيب في جذام: حرام بن جذام، وفي تميم بن مُرّ: حرام بن كعب، وفي خزاعة: حرام بن حبشية وفي عذرة حرام بن رضنّة

(1)

.

وأما حزام بالزاي فجماعة في غير قريش منهم: حزام بن هشام الخزاعي، وحزام بن ربيعة شاعر، وعروة بن حزام الشاعر العدوي.

(حُصَين) كله بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، إلا أبا حَصِين عثمان بن عاصم فبالفتح وكسر الصاد، وإلا أبا ساسان حضين بن المنذر فبالضم وضاد معجمة.

(حَكِيم) كله بفتح الحاء وكسر الكاف إلا حُكَيم بن عبد الله، ورزيق ابن حُكَيم فبالضم وفتح الكاف.

(رباح) كله بالموحدة إلا زياد بن رياح عن أبي هريرة في أشراط الساعة فبالمثناة عند الأكثرين.

وقال البخاري: بالوجهين، بالمثناة وبالموحدة.

قُلْتُ: وفيهما أيضًا عَلَى ما ذكره أبو علي الجياني محمد بن أبي بكر ابن عوف بن رياح الثقفي سمع أنسًا وعنه مالك رويا له، ورياح بن عَبِيدة من ولد عمر بن عبد الوهاب الرياحي روى لَهُ مسلم، ورياح في نسب عمر بن الخطاب، وقيل: بالموحدة

(2)

.

(زُبيد) بضم الزاي: هو ابن الحارث ليس فيهما غيره. وأما زُييد بن الصلت فبعد الزاي ياء مثناة مكررة وهو في "الموطأ"

(3)

.

(الزُبير) بضم الزاي، إلا عبد الرحمن بن الزَبير -الذي تزوج امرأة

(1)

ذكره الدارقطني في "المؤتلف والمختلف" 2/ 574.

(2)

"تقييد المهمل" 1/ 262.

(3)

كما في ص 51، 55 من رواية يحيى.

ص: 107

رفاعة -فبالفتح وكسر الباء.

(زياد) كله بالياء، إلا أبا الزناد فبالنون.

(سالم) كله بالألف، ويقاربه سلم بن زَرير بفتح الزاي، وسلم بن قتيبة، وسلم بن أبي الذيال، وسلم بن عبد الرحمن بحذفها

(سُليم) كله بالضم، إلا ابن حبان فبالفتح

(شريح) كله بالمعجمة والحاء، إلا ابن يونس وابن نعمان وأحمد بن أبي سريج فبالمهملة والجيم.

(سلَمة) بفتح اللام، إلا عمر بن سلِمة إمام قومه، وبني سلِمة القبيلة من الأنصار فبكسرها، وفي عبد الخالق بن سلمة الوجهان.

(سليمان) كله بالياء، إلا سلمان الفارسي، وابن عامر، والأغر، وعبد الرحمن بن سالم فبفتحها، وأبي حازم الأشجعي وأبي رجاء مولى ابن قدامة كل منهما اسمه سلمان بغير ياء ولكن ذكرا بالكنية.

(سلّام) كله بالتشديد، إلا عبد الله بن سلام الصحابي، ومحمد بن سلام شيخ البخاري فبالتخفيف، وشدد جماعة شيخ البخاري. وادّعى صاحب "المطالع" أن الأكثر عليه وأخطأ، نعم المشدد محمد بن سلام بن السكن البيكندي الصغير وهو من أقرانه، وفي غير الصحيحين جماعة بالتخفيف أيضا.

(شيبان) كله بالشين المعجمة ثمَّ مثناة تحت ثمَّ موحدة، ويقاربه سنان بن أبي سنان، وابن ربيعة، وأحمد بن سنان، وسنان بن سلمة، وأم سنان، وأبو سنان ضرار بن مرة بالمهملة والنون.

(عَبّاد) كله بالفتح والتشديد، إلا قيس بن عُباد فبالضم والتخفيف.

(عُبادة) كله بالضم، إلا محمد بن عَبادة شيخ البخاري فبالفتح.

ص: 108

(عَبْدة) كله بإسكان الباء إلا عامر بن عبدة وبَجَالة بن عبدة ففيهما الفتح والإسكان، والفتح أشهر. وعند بعض رواة مسلم عامر بن عبد بلا هاء ولا يصح.

(عُبيد) كله بضم العين.

(عُبيدة) كله بالضم، إلا السلماني، وابن سفيان، وابن حميد، وعامر بن عَبيدة فبالفتح. قلت: وإلا عامر بن عَبيدة قاضي البصرة، ذكره البخاري في كتاب الأحكام كما نبه عليه الجياني

(1)

وأهمله ابن الصلاح ثم النووي.

(عَقيل) كله بالفتح، إلا عُقيل بن خالد الأيلي، ويأتي كثيرًا عن الزهري غير منسوب، وإلا يحيى بن عُقيل، وبني عُقيل للقبيلة فبالضم.

(عُمارة) كله بضم العين.

(واقد) كله بالقاف.

(يَسرة) بفتح المثناة تحت المهملة واحد، وهو يسرة بن صفوان شيخ البخاري، وأما بسرة بنت صفوان فليست في الصحيحين.

الأنساب:

(الأَيَلي) كله بفتح الهمزة والمثناة، ولا يرد شيبان بن فروخ الأُبلي بضم الهمزة والموحدة شيخ مسلم، لأنه لم يقع في "صحيح مسلم" منسوبًا، قلت: والأيلي نسبة إلى أيلة: قرية من قرى مصر

(2)

، والأبلي بالباء نسبة إلى قرية من قرى البصرة

(3)

.

(1)

"تقييد المهمل" 2/ 343.

(2)

انظر: "معجم ما استعجم" 1/ 98.

(3)

انظر: "معجم ما استعجم" 1/ 216.

ص: 109

(البصري) كله بالموحدة مفتوحة ومكسورة نسبة إلى البصرة مثلثة الباء، إلا مالك بن أوس بن الحدثان النصري، وعبد الواحد النصري، وسالمًا مولى النصريين فبالنون.

(البزاز) بزايين محمد بن الصباح وغيره، إلا خلف بن هشام البزار، والحسن بن الصباح فآخرهما راء.

قلت: وإلا يحيى بن محمد بن السكن بن حبيب، وبشر بن ثابت فبالراء أيضا، والأول حدّث عنه البخاري في صدقة الفطر والدعوات، والثانى استشهد به فى صلاة الجمعة نبه على ذلك الجياني

(1)

، وأهمله ابن الصلاح، ثم النووي.

(الثوري) كله بالمثلثة، إلا أبا يعلى محمد بن الصلت التوزي فبالمثناة فوق وتشديد الواو المفتوحة وبالزاي، ذكره البخاري في كتاب الردة

(2)

.

(الجُرَيري) بضم الجيم وفتح الراء، إلا يحيى بن بشر الحريري -شيخهما عَلَى ما ذكره ابن الصلاح، ولم يعلِّم له المزي إلا علامة مسلم فقط- فبالحاء المفتوحة

(3)

، وعدّ ابن الصلاح من الأول ثلاثة، ثمَّ قَالَ: وهذا ما فيهما بالجيم المضمومة، وأهمل رابعًا وهو عباس بن فروخ روى لَهُ مسلم في الاستسقاء، وخامسًا وهو أبان بن تغلب روى لَهُ مسلم أيضًا

(4)

.

(1)

"تقييد المهمل" 1/ 128 - 129.

(2)

سيأتي برقم (6803) كتاب: الحدود، باب: لم يحسم النبي صلى الله عليه وسلم المحاربين من أهل الردة حتى هلكوا.

(3)

"تهذيب الكمال" 31/ 242 - 243 (6794).

(4)

مسلم (91) كتاب: الإيمان، باب: تحريم الكبر وبيانه.

ص: 110

(الحارثي) كله بالحاء والمثلثة، ويقاربه سعد الجاريُّ بالجيم وبعد الراء ياء مشددة نسبة إلى الجار مرفأ السفن ساحل المدينة

(1)

.

(الحزامي) كله بالحاء والزاي، وقوله في "صحيح مسلم" في حديث أبي اليسر: كان لي عَلَى فلان الحرامي

(2)

، قيل: بالزاي وبالراء، وقيل: الجذامي بالجيم والذال المعجمة.

والحرامي بالحاء والراء المهملتين في الصحيحين جماعة منهم جابر ابن عبد الله.

(السلمي) في الأنصار بفتح اللام وحكي كسرها وفي بني سليم بضمها وفتح اللام.

(الهمْداني) كله بإسكان الميم ودال مهملة. كذا اقتصر عليه ابن الصلاح، ثم النووي، وقَالَ الجياني: أبو أحمد المرار بن حمويه الهمذاني -بفتح الميم وذال معجمة- يقال: إن البخاري حدّث عنه في الشروط

(3)

فهذِه ألفاظ وجيزه نافعة جدًّا في المؤتلف والمختلف.

وأما المفردات فلا تنحصر، وستمر بك -إن شاء الله تعالى- واضحة محققة.

(1)

انظر: "معجم ما استعجم" 1/ 355.

(2)

مسلم (3006) كتاب: الزهد والرقائق، باب: حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر.

(3)

"تقييد المهمل" 2/ 488.

ص: 111

‌فصل

عن أبي علي سعيد بن عثمان بن السكن البصري: كل ما في البخاري أنا محمد، أنا عبد الله فهو ابن مقاتل المروزي عن ابن المبارك، وما كان أنا محمد عن أهل العراق كأبي معاوية وعبدة ويزيد بن هارون والفزاري فهو ابن سلام البيكندي، وما كان فيه عبد الله غير منسوب فهو عبد الله بن محمد الجعفي المسندي مولى محمد بن إسماعيل البخاري، وما كان أنا يحيى غير منسوب فهو ابن موسى البلخي وإسحاق غير منسوب فهو ابن راهويه.

وهذا أخر ما يسره الله تعالى من هذِه الفصول، ونشرع الآن في المهم المقصود أعان الله على إكماله، ونفع به وهو حسبي ونعم الوكيل

(1)

.

(1)

آخر الجزء الأول من تجزئة المصنف.

ص: 112

1

كتاب بدء الوحى

ص: 113

بسم الله الرحمن الرحيم

‌1 - كتاب بدء الوحى

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]

قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله:

‌1 - باب

(1)

كيف كان بدء الوحى

إِلَى رَسُولِ اللِّه صلى الله عليه وسلم

-

وَقَوْلُ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ)} [النساء: 162]

الكلام على هذِه الترجمة من وجوه:

أحدها:

قوله: (باب) يجوز رفعه بلا تنوين على الإضافة، وهو خبر مبتدأ

(1)

ورد بهامش (ف): بلغ ثانيًا له مؤلفه.

ص: 115

محذوف، أي: هذا باب، ويجوز تنوينه، وهما جاريان في نظائره أيضًا، ووقع في بعض نسخ البخاري بغير ذكر باب

(1)

وهي سماع أبي العز الحراني.

ثانيها:

(بَدْءُ) يجوز فيه الهمز من الابتداء، وتركه من الظهور مع سكون الدال، والأول أرجح، وقال القاضي عياض: بدأ

(2)

بالهمز مع سكون الدال من الابتداء وبغير همز مع ضم الدال، وتشديد الواو من الظهور

(3)

.

قال أهل اللغة: بدأت الشيء بداءً: ابتدأت به، وبدا الشيء -بلا همز- بدوًّا -بتشديد الواو- كقعد قعودًا، أي: ظهر. فالمعنى على الأول: كيف كان ابتداؤه، وعلى الثاني: كيف كان ظهوره.

قال بعضهم فيما حكاه القاضي: الهمز أحسن؛ لأنه يجمع المعنيين، والأحاديث المذكورة في الباب تدل عليه؛ لأنه بيَّن فيه كيف يأتيه المَلَكُ ويظهر له، وكيف كان ابتداء أمره أول ما ابتدئ به

(4)

. وقيل: الظهور أحسن؛ لأنه أعم.

ثالثها:

قوله: (وَقَوْلُ اللهِ) هو مجرور ومرفوع معطوف على (كيف) قاله النووي في "تلخيصه"، وعبارة القاضي: يجوز الرفع على الابتداء، والكسر عطفًا على (كيف) وهي في موضع خفض، كأنه قال: باب

(1)

كما في نسختي ابن عساكر وأبي الوقت، انظر:"صحيح البخاري" 1/ 6 الطبعة السلطانية.

(2)

في (ف): دوي، والصواب ما أثبتناه كما في "مشارق الأنوار" 1/ 79 - 80.

(3)

"مشارق الأنوار" 1/ 80.

(4)

"مشارق الأنوار" 1/ 80.

ص: 116

كيف كذا، وباب معنى قول الله، أو الحجة بقول الله، قال: ولا يصح أن يحمل على الكيفية لقول الله تعالى، إذ لا يكيف كلام الله.

رابعها:

الوحي أصله الإعلام في خفاءٍ وسرعة ومنه: الوحاء الوحاء

(1)

وهي في عرف الشرع إعلام الله تعالى أنبياءه ما شاء من أحكامه، فكل ما دلت عليه من كتاب أو رسالة أو إشارة بشيء فهو وحي، ومن الوحي الرؤيا والإلهام، وأوحى أفصح من وحى، وبه جاء القرآن، والثانية أسدية كما قاله الفرَّاء، وقال القزاز في "جامعه": هو من الله إلهام، ومن الناس إشارة، وستعرف في أول الحديث الثاني إن شاء الله تعالى أقسامه.

والوحي بمعنى الأمر في قوله تعالى {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} [المائدة: 111]، وبمعنى الإلهام في قوله تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص: 7]، وبمعنى التسخير في قوله:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68]، وبمعنى الإشارة في قوله:{فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11].

خامسها:

قال أبو إسحاق الزجاج وغيره: هذِه الآية جواب لما تقدم من قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} [النساء: 153] الآية، فأَعْلم الله تعالى أن أمره كأمر النبيين من قبله يوحى إليه كما يوحى إليهم، وقيل: المعنى: أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم وحي رسالة كما أوحى إلى الأنبياء، لا وحي إلهام.

(1)

الوحاء: السرعة، ووَحَى يحي وَحاء إذا أسرع وعجل، والوحاء الوحاء: الإسراع. انظر: "الفائق" 2/ 299، "الصحاح" 6/ 2520، "تاج العروس" 1/ 8641 مادة:(وحى).

ص: 117

سادسها:

ذكر البخاري رحمه الله هذِه الآية في أول كتابه تبركًا ولمناسبتها لما ترجم له، وقد أسلفنا فيما مضى أنه يستدل للترجمة بما وقع له من قرآن وسنة مسندة وغيرهما، وأراد أن الوحى سنة الله تعالى في أنبيائه.

سابعها:

بدأ البخاري رحمه الله بالوحي، ومالك في "الموطأ" بوقوت الصلاة، ومنهم من بدأ بالإيمان، ومنهم من بدأ بالوضوء، ومنهم من بدأ بالطهارة، ومنهم من بدأ بالاستنجاء، ولكلٍّ وجه، والله الموفق.

ثامنها:

(نوح) أعجمي، والمشهور صرفه، ويجوز تركه.

1 -

حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى بْنُ سَعِيدِ الأنصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بن إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصِ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الِمنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ". [54، 2529، 3898، 5070، 6689، 6953 مسلم 1907 - فتح 1/ 9].

قال البخاري رحمه الله:

ثَنَا الحُمَيْدِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِى، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى المِنْبَرِ يقول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".

ص: 118

هذا حديث حفيل جليل، وقبل الخوض في الكلام عليه ننبه على خمسة أمور مهمة:

أولها: وجه تعلق هذا الحديث بالآية أن الله تعالى أوحى إلى نبينا وإلى جميع الأنبياء أن الأعمال بالنيات، والحجة لَهُ قوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، وقوله تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الشورى: 13]، والإخلاص: النية، قَالَ أبو العالية: وصاهم بالإخلاص في عبادته.

وقال مجاهد: أوصيناك به والأنبياء دينًا واحدًا

(1)

، والمعنى: شرع لكم من الدين دينَ نوح ومحمد ومَن بينهما من الأنبياء، ثمَّ فسر المشروع المشترك بينهم، فقال:{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13].

ثانيها: إن قُلْتَ: ما وجه تعلق هذا الحديث أيضًا بالترجمة والتبويب؟ قُلْتُ: عنه أوجه:

أحدها: أنه عليه السلام خطب بهذا الحديث لما قدم المدينة حين وصل إلى دار الهجرة، وذلك كان بدء ظهوره ونصره واستعلائه

(2)

، فالأول: مبدأ

(1)

رواه الطبري 11/ 134 - 135 (30633).

(2)

قال الحافظ في "الفتح" 1/ 10: وهذا وجه حسن إلا إنني لم أر ما ذكره من كونه

صلى الله عليه وسلم خطب به -أول ما هاجر- منقولا، وقد وقع في باب ترك الحيل بلفظ:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيها الناس، إنما الأعمال بالنية" الحديث، ففي

هذا إيماء إلى أنه كان في حال الخطبة، أما كونه كان في ابتداء قدومه إلى المدينة فلم أر ما يدل عليه، ولعل قائله استند إلى ما روي في قصة مهاجر أم قيس، قال ابن دقيق العيد: نقلوا أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة، وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس، فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ماينوى به، انتهى.

وهذا لو صح لم يستلزم البداءة بذكره أول الهجرة النبوية، وقصة مهاجر أم قيس =

ص: 119

النبوة والرسالة والاصطفاء وهو قوله: باب بدء الوحي، والثاني: بدء النصر والظهور، ويؤيده أن المشركين كانوا يؤذون المؤمنين بمكة، فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسألوه أن يغتالوا مَنْ مكَّنَهُم منهم ويغدروا به، فنزلت:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}

(1)

[الحج: 38]، فنهوا عن ذَلِكَ، وأمروا بالصبر إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] الآية فأباح الله قتالهم، فكان إباحة القتال مع الهجرة التي هي سبب النصر والغلبة وظهور الإسلام.

ثانيها: أنه لما كان الحديث مشتملًا عَلَى الهجرة وكانت مقدمة النبوة في حقه صلى الله عليه وسلم هجرته إلى الله تعالى، وإلى الخلو بمناجاته في غار حراء، فهجرته إليه كانت ابتداء فضله باصطفائه ونزول الوحي إليه مع التأييد الإلهي والتوفيق الرباني.

ثالثها: أنه إنما أتى به عَلَى قصد الخطبة والترجمة للكتاب -كما سيأتي-.

فإن قُلْتَ: لِمَ لَمْ يبتدئ في أول "صحيحه" بالحمد، وهو أمر مُهم،

= رواها سعيد بن منصور قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود قال: من هاجر يبتغي شيئا فإنما له ذلك، هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها: أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس، ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها: أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها، فكنا نسميه مهاجر أم قيس. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك، ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك. اهـ.

(1)

قراءة متواترة قرأ بها أبو عمرو ويعقوب وابن كثير. انظر: "حجة القراءات" ص 477، و"الكوكب الدري" ص 499.

ص: 120

لَهُ بال عظيم، وقد صحَّ من حديث أبي هريرة لكنه رضي الله عنه عبد الله أو عبد الرحمن بن صخر أمير المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم" رواه أبو داود والنسائي في "سننهما"

(1)

، كذلك وابن ماجه في "سننه" بلفظ:"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع"

(2)

.

ورواه الحافظ عبد القادر الرهاوي

(3)

فى "أربعينه" بلفظ: "بذكر الله وببسم الله الرحمن الرحيم"

(4)

.

(1)

أبو داود (4840)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 127 - 128 (10328)، من طريق الوليد عن الأوزاعي، عن قرة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا به، لكن في النسائي بلفظ: أقطع.

(2)

ابن ماجه (1894) من طريق عبيد الله بن موسى، عن الأوزاعي، عن قرة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا به. ومن هذا الطريق رواه أيضًا ابن الأعرابي في "معجمه"(362)، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (1) بزيادة:"فهو". أي: فهو أقطع.

(3)

هو الإمام أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي الحنبلي، ولد سنة 536 هـ بالرها، ونشأ بالموصل، وتوفي سنة 612 هـ. قال الذهبي: عمل "الأربعين المتباينة الإسناد والبلدان" فدل على حفظه ونبله، وله فيها أوهام. انظر في ترجمته:"معجم البلدان" 3/ 106، "البداية والنهاية" 13/ 82، "سير أعلام النبلاء"، 22/ 71 - 75، "تاريخ الإسلام" 44/ 108 - 110.

(4)

رواه من طريقه السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" 1/ 12 ولفظه: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع" وفيه أحمد بن محمد بن عمران، قال الخطيب: كان يضعف في روايته، ويطعن عليه في مذهبه، وسئل الأزهري عنه فقال: ليس بشيء. اهـ. وقال العتيقي: كان يرمى بالتشيع، وكانت له أصول حسان. اهـ. وقال الذهبي: شيعي. انظر: "تاريخ بغداد" 5/ 77، "سير أعلام النبلاء" 16/ 556، "ميزان الاعتدال" 1/ 147. والحديث ضعفه الألباني في "إرواء الغليل" 1/ 29 (1).

ص: 121

ورواه أبو عوانة وأبو حاتم ابن حبان في صحيحيهما

(1)

.

قَالَ ابن الصلاح: ورجاله رجال الصحيحين سوى قرة بن الرحمن، فإنه ممن انفرد مسلم عن البخاري بالتخريج له

(2)

. قَالَ: حديث حسن

(3)

.

قُلْتُ: بل صحيح كما أسلفناه عن ذينك الإمامين

(4)

، وقد تابع سعيدُ

(1)

أبو عوانة كما في "الإتحاف" 16/ 72 (20404)، وابن حبان (1) من طريق عبد الحميد بن أبي العشرين، عن الأوزاعي، عن قرة به، بلفظ:"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع".

قلت: ورواه أيضًا الخليلي في "الإرشاد" 1/ 448 (118) بسنده ومتنه، وأحمد 2/ 259 من طريق ابن المبارك عن الأوزاعي عن قرة به، بلفظ:"كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله، فهو أبتر" أو قال: "أقطع". والدارقطني 1/ 229 من طريق موسى بن أعين عن الأوزاعي، عن قرة به، بلفظ:"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله أقطع"، والبيهقي 3/ 208 - 209 من طريق أبي المغيرة، عن الأوزاعي عن قرة به، بلفظ:"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع".

والحديث مداره على قرة بن عبد الرحمن، وهو متكلم فيه، قال أحمد: منكر الحديث جدًّا، وقال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال أبو زرعة: الأحاديث التي يرويها مناكير. وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بقوي. انظر: "الجرح والتعديل" 7/ 131 - 132 (751)، "تهذيب الكمال" 23/ 581 - 583. وفيه علة أخرى وهي اضطرابه في متن الحديث، قال الألباني: فهو تارة يقول: "أقطع"، وتارة: "أبتر"، وتارة: "أجذم"، وتارة: يذكر الحمد، وأخرى يقول: "بذكر الله". اهـ. ومن ثمَّ فقد حكم عليه بالضعف. "إرواء الغليل" 1/ 31 - 32.

(2)

قال تاج الدين السبكي في "طبقاته" 1/ 9: وأنا أقول: لم يخرج له مسلم إلا في الشواهد مقرونًا بغيره، وليس لها حكم الأصول. اهـ.

(3)

وممن حكم عليه أيضًا بالحسن النووي في "شرح مسلم" 1/ 143، والمصنف في "البدر المنير" 7/ 528، والعجلوني في "كشف الخفاء" 2/ 119 (1964).

(4)

وممن حكم بصحة هذا الحديث مع الكلام على طرقه وألفاظه ومحاولة التوفيق بينها مستفيضًا تاج الدين السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" 1/ 5 - 24.

ص: 122

ابنُ عبد العزيز قرةَ، كما أخرجه النسائي

(1)

فلم ينفرد به إذًا، فلا يلتفت إلى تضعيف ابن الصباغ

(2)

-من أصحابنا- في "شامله" ولا إلى القاضي الحسين

(3)

؛ حيث نقل ذَلِكَ عن الأصحاب، ولا إلى كونه روي مرة

(1)

"السنن الكبرى" 6/ 127 (10329) مرفوعًا، وقال النووي في "شرح مسلم" 1/ 43: إسنادها جيد. اهـ.

قلت: وتابعه أيضًا يونس بن يزيد كما رواه الخليلي في "الإرشاد" 1/ 449 من طريق إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: "كل أمر لم يُبْدأ فيه بحمد الله، والصلاة على فهو أقطع، أبتر، ممحوق من كل بركه".

قال الخليلي: إسماعيل بن أبي زياد شيخ ضعيف. اهـ، وقال أيضًا: ولا يعتمد على رواية إسماعيل عن يونس. اهـ.

وقال الرهاوي كما في "فيض القدير" 5/ 19: غريب، تفرد بذكر الصلاة فيه إسماعيل بن أبي زياد وهو ضعيف جدًّا لا يعتبر بروايته ولا بزيادته. اهـ.

وقال السبكي في "طبقاته" 1/ 4: حديث غير ثابت. اهـ.

(2)

الإمام، العلامة، شيخ الشافعية، أبو نصر، عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر البغدادي الفقيه المعروف بابن الصباغ، مصنف كتاب "الشامل" وكتاب "الكامل" وكتاب "تذكرة العالم والطريق السالم"، ولد سنة 400 هـ، قال ابن خلكان كان تقيًّا صالحًا. توفي 477 هـ.

انظر ترجمته في: "المنتظم" 9/ 12 - 13، "الكامل" 3/ 141، "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 299 (570)، "وفيات الأعيان" 3/ 217، 218 (399)، "سير أعلام النبلاء" 18/ 464، 465 (238)، "شذرات الذهب" 3/ 355.

(3)

القاضي حسين بن محمد بن أحمد، العلامة شيخ الشافعية بخراسان، أبو علي المروزي ويقال أيضًا: المروروذي الشافعى حدث عن أبي نعيم سبط الحافظ أبي عوانة، وحدث عنه عبد الرزاق المنيعي، ومحيي السنة البغوي، وجماعة، له "التعليقة الكبرى"، و"الفتاوى" وغير ذلك وكان من أوعية العلم مات 462 هـ.

انظر ترجمته في: "تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 164، "وفيات الأعيان" 2/ 134، 135 (183)، "سير أعلام النبلاء" 18/ 260، 261، (131)، "كشف الظنون" 1/ 424، "شذارت الذهب" 3/ 310.

ص: 123

مرسلًا

(1)

؛ لأن الحكم للاتصال عند الجمهور؛ لأنها زيادة من ثقة فقبلت

(2)

.

قُلْتُ: عنه سبعة أجوبة:

أحدها: أن هذا الحديث ليس على شرطه في قرة السالف.

ثانيها: على تقدير تسليم صحته على شرطه أن المراد بالحمد الذكر لأمرين:

أحدهما: أنه قَدْ روي "بذِكْر الله" بدل "حمد الله" كما سلف.

ثانيهما: تعذر استعماله؛ لأن التحميد إنْ قُدّم عَلَى التسمية خولف فيه العادة، وإن ذكر بعدها لم يقع به البداءة، فثبت بهذين الأمرين أن المراد به الذكر، وقد بدأ به لإتيانه بالبسملة أولًا، فالحمد: الثناء عَلَى الله تعالى، وقد أثنى البخارى عليه بإتيانه بالتسمية أولًا، وهي من أبلغ الثناء، ولأنها أفضل آي القرآن -كما قَالَه الروياني

(3)

في

(1)

رواه مرسلًا النسائي في "السنن الكبرى" 6/ 127 (10330)، وقال أبو داود في "سننه" بعد حديث (4840): رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. ورجح الدارقطني إرساله كما في "سننه" 1/ 229، "العلل" 8/ 29 - 30. قال الألباني في "الإرواء" 1/ 31: وهو الصواب؛ لأن هؤلاء الذين أرسلوه أكثر وأوثق من قرة. اهـ.

(2)

قلت: بل ليس بثقة، انظر ما سبق من كلام الأئمة الحفاظ فيه، وزِدْ عليه: قال الآجري عن أبي داود: في حديثه نكارة. وقال أيضًا: سألت أبا داود عن عقيل وقرة فقال: عقيل أحلى منه. وقال يحيى بن معين: كان يتساهل في السماع وفي الحديث، وليس بكذاب. انظر:"تهذيب التهذيب" 3/ 438.

(3)

القاضي العلامة، فخر الإسلام، شيخ الشافعية، أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني، الطبري، الشافعي مولده في آخر سنة 410 هـ، وتفقه ببخارى مدة، ارتحل في طلب الحديث والفقه جميعًا، وبرع في الفقه، ومهر وناظر، وصنف التصانيف الباهرة منها "البحر" و"مناصيص الشافعي" =

ص: 124

"البحر"- وقد أسلفنا في رواية بالبسملة بدل الحمد؛ وأيضًا فكتابه العزيز مفتتح بها، وكُتُب رسوله عليه أفضل الصلوات والسلام مبتدأة بها؛ فلذلك تأسى البخاري بها.

ثالثها: وهو قريب مما قبله، أن بعض الذكر يقوم مقام البعض كما قاله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى:"مَنْ شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"

(1)

فكذلك التسمية هنا تقوم مقامه، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم:"أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قُلْتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إلة إلا الله وحده لا شريك له"

(2)

الحديث، قيل لسفيان: هذا ثناء وليس بدعاء فأنشد:

إِذَا أثنى عليك المرء يومًا

كفاه من تعرضه الثناء

= و"حلية المؤمن" و"الكافي" قتل سنة إحدى وخمسمائة بيد الإسماعيلية بجامع آمل.

انظر ترجمته في: "الأنساب" 6/ 189، 190، "المنتظم" 9/ 160، "معجم البلدان" 3/ 104، "الكامل في التاريخ" 10/ 473، "اللباب" 2/ 44، "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 277 (464)، "سير أعلام النبلاء" 19/ 260 (162).

(1)

رواه الترمذي (2926) من حديث أبي سعيد، وقال: هذا حديث حسن. ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد"(427)، والبيهقي في "الشعب" 1/ 413 (572) كلاهما عن ابن عمر.

قال ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 46 ليس يجيء هذا الحديث فيما علمت مرفوعًا إلا بهذا الإسناد، وصفوان بن أبي الصهباء وبكير بن عتيق رجلان صالحان وله طرق أخرى كثيرة كلها ضعيفة، والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة"(1335)، (4989).

(2)

رواه مالك ص 150 رواية يحيى، وعبد الرزاق في "المصنف" 4/ 378 (8125)، والفاكهي في "أخبار مكة" 5/ 25 (2765)، والمحاملي في "الدعاء"(65)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 4/ 284، وفي "فضائل الأوقات"(191)، والبغوي في "شرح السنة" 7/ 157 (1929) من حديث عبيد الله بن كريز مرسلًا، قال البيهقي: هذا مرسل حسن. وصححه الألباني في "الصحيحة"(1503).

ص: 125

رابعها: أن الذي اقتضاه لفظ الحمد أن يحمد لا أن يكتبه، والظاهر أنه حمد بلسانه.

خامسها: أن الأمر به محمول عَلَى ابتداءات الخطب دون غيرها، زجرًا عما كانت الجاهلية عليه من تقديم الشعر المنظوم والكلام المنثور، وإنما كان ذَلِكَ لثلاثة أمور:

أحدها: ما روي أن أعرابيًّا خطب فترك التحميد فقال صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال" إلى آخره

(1)

.

ثانيها: أن أول ما نزل من القرآن: {اقْرَأْ}

(2)

[العلق: 1] وقيل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)}

(3)

[المدثر: 1]. وليس في ابتدائهما حمد الله، فلم يجز أن يأمر الشارع بما كتابُ الله على خلافه

(4)

.

ثالثها: أن خبر الشارع لا يجوز أن يكون خلاف مخبره وقد قَالَ: "فهو أجذم" وروي "أبتر". و"صحيح البخاري" أصح المصنفات وأنفع المؤلفات، فعلم بهذِه الأمور أنه محمول عَلَى الخطب دون غيرها من المصنفات والكتب.

سادسها: أن هذا الحديث منسوخ بأنه صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشًا عام

(1)

قال العيني في "عمدة القاري" 1/ 13: وفيه نظر؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. اهـ.

(2)

سيأتي برقم (4922) كتاب: التفسير، ورواه مسلم (161) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(3)

سيأتي برقم (4954) كتاب: التفسير، باب: قوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)} [العلق: 3]، ورواه مسلم (160) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4)

قال العيني في "عمدة القاري" 1/ 13: وهذا ساقط جدًّا؛ لأن الاعتبار بحالة الترتيب العثماني لا بحالة النزول؛ إذ لو كان الأمر بالعكس، لكان ينبغي أن يترك التسمية أيضا. اهـ.

ص: 126

الحديبية كتب: "بسم الله الرحمن الرحيم، هدا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو"

(1)

فلولا نَسْخُه لما تركه، وهذا بعيد، وأي دليل دلنا عَلَى النسخ فقد يكون الترك لبيان الجواز.

سابعها: إنما تركه لأنه راعى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1]. فلم يقدم بين يدي الله ولا رسوله شيئًا، وابتدأ بكلام رسوله عوضًا عن كلام نفسه

(2)

، وانضم إلى ذَلِكَ ما سلف أنه صلى الله عليه وسلم خطب به عند قدومه المدينة، وخطب به عمر أيضًا، فجعله البخاري خطبة لكتابه

(3)

.

فإن قُلْتَ: فقد قدم الترجمة فالجواب: أنها وإن تقدمت لفظًا فهي كالمتأخرة تقديرًا؛ لتقدم الدليل على مدلوله وضعًا وفي حكم التبع، وبهذا يندفع سؤال آخر وهو: لم قدم السند عَلَى المتن؟

الأمر الثالث: إن قُلْتَ: لِمَ لَمْ يبتدئ البخاري رحمه الله بخطبة في أول "صحيحه" كما فعله مسلم رحمه الله؟ قُلْتُ: لأنه خطب بالحديث للتأسي كما سلف، ونعم السلف.

الرابع: سألني بعض الفضلاء في الدرس عن السر في ابتداء البخاري بهذا الحديث مختصرًا كما سلف عند إيراده، (ولِمَ لَمْ يذكره)

(4)

(1)

رواه مسلم (1784) كتاب: الجهاد والسير، باب: صلح الحديبية في الحديبية، من حديث أنس.

(2)

قال العيني في "عمدة القاري" 1/ 13: الآتي بالتحميد ليس بمقدم شيئا أجنبيًّا بين يدي الله ورسوله، وإنما هو ذكره بثنائه الجميل لأجل التعظيم على أنه مقدم بالترجمة وبسوق السند، وهو من كلام نفسه، فالعجب أن يكون بالتحميد الذي هو تعظيم الله تعالى مقدما ولا يكون بالكلام الأجنبي. اهـ.

(3)

ورد في هامش (ف): بلغ مقابلة بحمد الله وعونه.

(4)

في (ف): ولم لا ذكره، ولعل الصواب ما أثبتناه لمناسبة السياق.

ص: 127

مطولًا كما ذكره في غيره من الأبواب؟ فأجبته في الحال بأن عمر قاله عَلَى المنبر وخطب به، فأراد التأسي به، لكن البخاري ذكره أيضًا مطولًا في ترك الحيل

(1)

، وفيه: أنه خطب به أيضًا كما ستعلمه، وقد قَالَ بعضهم: إن في الحديث ما يقوم مقام الترجمة من إعلام الناظر في كتابه أنه إنما قصد تأليفه وجمعه وجه الله تعالى، وتوصيته لَهُ أن يحذو حذوه ويفرغ جهده في طلب الإخلاص فيه، يحصل الفوز والخلاص. وقد قَالَ ابن مهدي الحافظ: من أراد أن يصنف كتابًا فليبدأ بهذا الحديث

(2)

. وقال: لو صنفت كتابًا لبدأت في كل باب منه بهذا الحديث

(3)

، وقال الخطابي

(4)

نقلًا عن الأئمة: ينبغي لمن صنف كتابًا أن يبتدئ بهذا الحديث؛ تنبيهًا للطالب على تصحيح النية، ولعموم الحاجة إليه.

(1)

سيأتي برقم (6953).

(2)

رواه البيهقي في "السنن الصغرى" 1/ 20 (3).

(3)

ذكره ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" 1/ 61. ونقل الترمذي 4/ 180 عقب الرواية (1647) عن ابن مهدي قوله: ينبغي أن نضع هذا الحديث في كل باب.

(4)

هو أبو سليمان حمد -وقيل: أحمد- بن محمد بن إبراهيم الخطَّابي، نسبة إلى زيد بن الخطاب البُستي، ولد في مدينة (بُست) في شهر رجب سنة تسع عشرة وثلائمائة من الهجرة نشأ بها للعلم مجتهدًا في تحصيله من كل سبيل، وطوَّف من أجله في البلاد الإسلامية شرقًا وغربًا، تفقه على يد أبي بكر القفال الشاشي، وسمع الحديث بمكة المكرمة من أبي سعيد بن الأعرابي أحمد بن محمد بن زياد شيخ الحرم، وصنف فأبدع، ومن مصنفاته "أعلام الحديث"، "معالم السنن"، "غريب الحديث". توفي يوم السبت السادس عشر من ربيع الثاني سنة ست وثمانين وقيل: ثمان وثمانين وثلاثمائة من الهجرة المباركة بمدينة (بُست). انظر: "الأنساب" 2/ 210، "المنتظم" 6/ 397، "معجم البلدان" 1/ 415، "اللباب" 1/ 151، "وفيات الأعيان" 2/ 214 - 216 (207)، "سير أعلام النبلاء" 17/ 23 - 28 (12)، "شذرات الذهب" 3/ 127، 128.

ص: 128

الخامس: بدأ البخاري رحمه الله بإخلاص القصد وختمه بالتسبيح حيث أورد في آخره حديث: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن" إلى آخره

(1)

؛ لأن به تتعطر المجالس وهو كفارة لما قد يقع من الجالس، والله تعالى يهدينا إلى صراطه القويم، ويعيذنا من الشيطان الرجيم.

إِذَا تقررت هذِه الأمور فلنرجع إلى الكلام عَلَى الحديث، وهو من ثلاثة وأربعين وجهًا:

أولها: في تعداد المواضع التي خرجه البخاري فيها:

ونحن نسلك -إن شاء الله تعالى- هذا الأسلوب، نذكر في أول موضع ذُكِرَ فيه الحديث جميع طرقه إِذَا كان مكررًا؛ ليحال ما يقع بعد ذَلِكَ عليه. فنقول: ذكره البخاري هنا مختصرًا وهو مشهور بالطول، وساقه عنه الداودي بالسند المذكور مطولًا في أول "شرحه" ولم أرَ ذَلِكَ في نسخه، فتنبه لَهُ. قَالَ الخطابي: ولست أشك في أن ذَلِكَ لم يقع من جهة الحميدي، فقد رواه لنا الأثبات من طريقه مطولًا

(2)

، قُلْت: وقد ذكره في ستة مواضع أخرى من "صحيحه" عن ستة شيوخ أخرى أيضًا:

أولها: في الإيمان، في باب: ما جاء أن الأعمال بالنية، عن عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثنا مالك عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:

(1)

سيأتي برقم (7563) كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} .

(2)

"أعلام الحديث" 1/ 109.

ص: 129

"الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ أمْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"

(1)

.

وهذِه الزيادة وهي: "فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ" أنسب بهذا الموضع، وإن كان يقال: إنه استغنى عنها هنا بقوله: "فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ" كأنه يفهم أن كل من هاجر إلى شيء فهجرته إليه، من شأنه العدول إلى الاستدلال الخفي مع الإمكان بالظاهر الجلي.

ثانيها: في العتق، في باب: الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، ثنا يحيى بن سعيد، عن محمد، عن علقمة قَالَ: سمعت عمر يقول: عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلاِمْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ .. " الحديث بمثل اللفظ الذي قبله

(2)

.

ثالثها: في باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم عن مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن يحيى، عن محمد، عن علقمة: سمعت عمر قَالَ: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:"الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ أمْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ"

(3)

.

رابعها: في النكاح، في باب: من هاجر أو عمل خيرًا لتزويج امرأة فله ما نوى، عن يحيى بن قزعة، حَدَّثنَا مالك، عن يحيى، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن علقمة، عن عمر قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

سيأتي برقم (54).

(2)

سيأتي برقم (2529).

(3)

سيأتي برقم (3898).

ص: 130

"العمل بالنية، وإنما لامرئ ما نوى .. " الحديث بلفظه في الإيمان، إلا أنه قَالَ:"ينكحها" بدل "يتزوجها"

(1)

.

خامسها: في الأيمان والنذور، في باب: النية في الأيمان، عن قتيبة بن سعيد، ثنا عبد الوهاب: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني محمد بن إبراهيم أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ أمْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا (فَهِجْرَتُهُ)

(2)

إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"

(3)

.

سادسها: في ترك الحيل، في باب: في ترك الحيل وأن لكل امرئ ما نوى في الأيمان وغيره، عن أبي النعمان محمد بن الفضل، ثنا حماد بن زيد، عن يحيى، عن محمد، عن علقمة قَالَ: سمعت عمر يخطب قَالَ: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنَيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ هَاجَرَ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ أمْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"

(4)

.

وأخرجه مسلم في "صحيحه" في آخر كتاب الجهاد، عن عبد الله بن مسلمة، عن مالك بلفظ:"إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى"

(5)

(1)

سيأتي برقم (5070).

(2)

في (ف): هجرته، والصواب ما أثبتناه كلما في البخاري (6689).

(3)

سيأتي برقم (6689)، وورد بهامش (ف): ثم بلغ ثانيًا له مؤلفه.

(4)

سيأتي برقم (6953).

(5)

رواه برقم (1907) كتاب: الإمارة.

ص: 131

الحديث مطولًا.

وأخرجه أيضًا عن محمد بن رمح بن المهاجر، عن الليث، وعن أبي الربيع العتكي، عن حماد بن زيد، وعن محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب الثقفي، وعن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي خالد الأحمر، وعن ابن نمير، عن حفص بن عتاب، ويزيد بن هارون، وعن محمد بن العلاء، عن ابن المبارك، وعن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، كلهم عن يحيى بن سعيد، عن محمد، عن علقمة، عن عمر، وفي حديث سفيان: سمعت عمر عَلَى المنبر يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وأخرجه أبو داود في الطلاق عن محمد بن كثير، عن سفيان

(2)

.

والترمذي في الحدود عن ابن المثنى، عن الثقفي

(3)

.

والنسائي عن يحيى بن حبيب، عن حماد بن زيد، وعن سليمان بن منصور عن ابن المبارك، وعن إسحاق بن إبراهيم عن أبي خالد الأحمر، وعن عمرو بن منصور، عن القعنبي، وعن الحارث عن ابن القاسم جميعًا عن مالك ذكره في أربعة أبواب من "سننه"

(4)

: الأيمان

(5)

، والطهارة

(6)

، والرقاق، والطلاق

(7)

، ورواه ابن ماجه في الزهد من

(1)

(1907) كتاب: الإمارة.

(2)

"سنن أبي داود"(2201).

(3)

"سنن الترمذي"(1674).

(4)

الحديث في الطهارة، والأيمان، والطلاق من "المجتبى"، وفي الرقائق من "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" 8/ 92 - 93 عن سويد بن نصر عن ابن المبارك.

(5)

"سنن النسائي" 7/ 13. عن إسحاق بن إبراهيم.

(6)

"سنن النسائي" 1/ 58 - 60. عن يحيى بن حبيب، وعن سليمان بن منصور.

(7)

"سنن النسائي" 6/ 158 - 159، عن عمرو بن منصور، وعن الحارث بن مسكين.

ص: 132

"سننه" عن أبي بكر عن يزيد بن هارون، وعن ابن رمح، عن الليث، كل هؤلاء عن يحيى، عن محمد، عن علقمة، عن عمر به

(1)

.

ورواه مع هؤلاء الستة -أعني: البخاري، ومسلمًا، وأبا داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه -الإمام الشافعي في "مختصر البويطي" والإمام أحمد في "مسنده"

(2)

، والدارقطني

(3)

، والبيهقي

(4)

وأبو حاتم ابن حبان في "صحيحه" المسمى بـ "التقاسيم والأنواع"

(5)

، ولم يبق من أصحاب الكتب المعتمد عليها من لم يخرجه سوى الإمام مالك فإنه لم يخرجه في "موطَّئِه"

(6)

. نعم رواه (خارجه)

(7)

، كما علمته من طرق هؤلاء الأئمة، وقد أخرجه من حديثه الشيخان -كما سلف- ووهم ابن دحية الحافظ في "إملائه" فقال عَلَى هذا الحديث: أخرجه مالك في "الموطأ" ورواه الشافعي عنه، وهذا عجيب منه

(8)

.

(1)

"سنن ابن ماجه"(4227).

(2)

"مسند أحمد" 1/ 25 (168).

(3)

"سنن الدارقطني" 1/ 50.

(4)

"سنن البيهقي" 1/ 41.

(5)

"صحيح ابن حبان"(388).

(6)

بل خرجه فيه (982) برواية محمد بن الحسن الشيباني.

(7)

في (ف): خارجها، وما أثبتناه المناسب للسياق.

(8)

قلت: وكذا قال الحافظ أيضًا في "الفتح" 1/ 11، وهو عجيب منهما -أعني: المصنف والحافظ- فإن الحديث في "الموطأ" برواية محمد بن الحسن، وكأنهما لم يقفا عليه مع سعة اطلاعهما، والله أعلم.

قال السيوطي في "تنوير الحوالك" ص 10 في معرض حديثه عن رواة "الموطأ": ورواية محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة فيها أحاديث يسيرة زيادة على سائر الموطآت، منها حديث:"إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" وبذلك تبين صحة قول من عزا روايته إلى "الموطأ" ووهم من خطأه في ذلك. اهـ.

قلت: إلا أنه في كتابه "الأشباه والنظائر" ص 8 قد تابعهما على ما قالا، بل وتعجب من عدم إخراج مالك له!!

ص: 133

الوجه الثاني

(1)

:

تحصل لنا من هذِه الطرق أربعة ألفاظ واقعة في الحديث: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنَيّاتِ"، "الأعمال بالنية"، "العمل بالنية" وادعى النووي في "تلخيصه" قلتها، رابعها:"إنما الأعمال بالنية"، وأورده القضاعي في "الشهاب" بلفظ خامس وهو:"الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ"

(2)

بحذف (إنما) وجمع الأعمال والنيات، فقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني: لا يصح إسنادها. وأقره النووي على ذَلِكَ في "تلخيصه" وغيره، وهو غريب منهما، فهي رواية صحيحة أخرجها إمامان حافظان، وحكما بصحتها:

أحدهما: أبو حاتم ابن حبان، فإنه أورده في "صحيحه" عن على بن محمد القباني، ثنا عبد الله بن هاشم الطوسي، ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد، عن علقمة عن عمر قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ .. " الحديث بطوله

(3)

.

ثانيهما: شيخه الحاكم أبو عبد الله، فإنه أورده في كتابه "الأربعين في شعار أهل الحديث" عن أبي بكر ابن خزيمة، ثنا القعنبي، ثنا مالك، عن يحيى بن سعيد به سواء ثمَّ حكم بصحته، وأورده ابن الجارود في "المنتقى" بلفظ سادس عن ابن المقرئ، ثنا سفيان، عن يحيى:"إن الأعمال بالنية، وإن لكل آمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى ما هاجر إليه، ومن كانت هجرته إلى دنيا .. "

(4)

(1)

ورد بهامش (ف): بلغ الشيخ برهان الدين الحلبي قراءة على في الثاني و

الحاضري

وأبو الحسن

وابن بهرام

بهاء الدين محمد بن الصفدي وآخرون كالسلاوي.

(2)

"مسند الشهاب" 1/ 35 - 36 (1).

(3)

سبق تخريجه.

(4)

"المنتقى"(64).

ص: 134

الحديث، وأورده الرافعي في "شرحه الكبير" بلفظ آخر غريب وهو:"ليس للمرء من عمله إلا ما نواه"

(1)

. ولم أقف على من خرَّجه بهذا اللفظ بعد شدة البحث عنه

(2)

. وفي البيهقي من حديث أنس مرفوعًا: "إنه لا عمل لمن لا نية له"

(3)

وهو بمعناه، لكن في إسناده جهالة.

الوجه الثالث: في التعريف برواته:

أما راويه عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو أمير المؤمنين أبو حفص -والحفص في اللغة: الأسد

(4)

- وأول من كناه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما رواه ابن الجوزي عنه، عمر -وهو اسم معدول عن عامر ولا ينصرف للعدل والتعريف- بن الخَطَّاب -وهو فَعَّال من الخطبة بالضم والكسر- بن نفيل -بضم أوله- بن عبد العزى بن رِياح -براء مكسورة ثمَّ مثناة تحت، وأبعد من أبدلها بموحدة -بن عبد الله بن قرط -بضم القاف ثمَّ راء وطاء مهملتين -بن رزاح -بفتح الراء والزاي.

قَالَ شيخنا قطب الدين

(5)

في "شرحه": ومن عداه بكسر أوله، ولم

(1)

"الشرح الكبير" 1/ 185.

(2)

وقال الحافظ في "التلخيص" 1/ 150: هذا الحديث بهذا اللفظ لم أجده. اهـ.

(3)

رواه البيهقي 1/ 41.

(4)

جمع حفص: أَحْفاصٌ وحُفُوصٌ، والحَفْصُ: البيت الصغير، والحَفْصُ: الشِّبْل، قال الأزهري: ولد الأسد يُسمى حفصًا. وقال ابن الأعرابي: هو السَّبُعُ أيضا، وقال ابن بَرِّي: قال صاحب "العين": الأسد يكنَّى أبا حَفْصٍ، ويسمى شِبْلُهُ حفصًا. انظر:"تهذيب اللغة" 1/ 866، "لسان العرب" 2/ 928.

(5)

هو قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي ثم المصري. أحد من جرد العناية ورحل وتعب وحصل وكتب وأخذ عن أصحاب ابن طبرزذ ضمن بعدهم وصنف التصانيف وظهرت فضائله مع حسن السمت والتواضع والتدين وملازمة العلم، ولد سنة أربع وتسعين وستمائة، وتوفي في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة. =

ص: 135

أر من صنف في المؤتلف والمختلف ذكر ذَلِكَ بترجمته فاعلمه-. بن عدي -أخي مرة وهصيص- بن كعب بن لؤي -بالهمز وتركه- بن غالب الفهري العدوي القرشي، يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي الأب الثامن.

واتفقوا عَلَى تسميته بالفاروق؛ لفرقانه بين الحق والباطل بإسلامه وظهور ذَلِكَ؛ ولأن الشيطان يفرُّ منه، فقيل: سماه الله بذلك. روته عائشة، وإسناده ضعيف كما قَالَ ابن دحيه

(1)

.

وقال ابن شهاب: سماه بذلك أهل الكتاب. ذكره الطبري

(2)

، وقيل: رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذِه ثلاثة أقوال.

= خرج لنفسه التساعيات والمتباينات والبلدانيات، وجمع لمصر تاريخًا حافلًا لو كمل لبلغ عشرين مجلدة بيض منه المحمدين في أربعة، واختصر "الإلمام" فحرره، وشرح سيرة عبد الغني، وشرع في شرح البخاري وهو مطول أيضًا، بيض أوائله إلى قريب النصف. وكان حنفي المذهب يدرس بالجامع الحاكمي.

انظر ترجمته في: "تذكرة الحفاظ" 4/ 1502، "الدرر الكامنة" 2/ 398 - 399، "شذرات الذهب" 6/ 110 - 111.

(1)

الشيخ العلامة المحدَّث الرحال المتفنن مجد الدين أبو الخطاب عمر بن حسن بن علي بن الجميل، واسم الجميل محمد بن فرج بن خلف بن قومس بن مزلال بن ملال بن أحمد بن بدر بن دحية بن خليفة الكلبي الداني ثم السبتي، كان بصيرًا بالحديث معتنيًا بتقييده، مكبًّا على سماعه حسن الخط، معروفًا بالضبط، له حظ وافر من اللغة ومشاركة في العربية وغيرها. قال الذهبي: كان هذا الرجل صاحب فنون وتوسع ويد في اللغة، وفي الحديث على ضعف فيه. توفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقيل: سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 3/ 448 - 450 (497)، "سير أعلام النبلاء" 22/ 389 - 395 (248)، "لسان الميزان" 4/ 292، "شذرات الذهب" 5/ 160، 161.

(2)

الطبري في "تاريخه" 2/ 562.

ص: 136

وهو أول من سُمِّي أمير المؤمنين

(1)

عمومًا، وسمي به قبله خصوصًا عبد الله بن جحش على سرية في اثني عشر رجلًا، وقيل: ثمانية، وقد كان مسيلمة الكذاب يسمى بذلك أيضًا كما سيأتي في "الصحيح" في قصة قتله إن شاء الله

(2)

. وأمه حنتمة -بحاء مهملة مفتوحة ثمَّ نون ثمَّ مثناة فوق- بنت هاشم، يعرف بذي الرمحين -بن المغيرة بن عبد الله بن عمر، أخي عامر وعمران ابني مخزوم بن نقطة بن (مرة)

(3)

بن كعب المخزومي، قَالَ أبو عمرو: من قَالَ: حنتمة بنت (هشام)

(4)

فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام، وإنما هي ابنة عمهما

(5)

، وقد وقع في هذا الخطأ ابن قتيبة في "معارفه"

(6)

، وقبله ابن منده في "المعرفة" وقال: هي أخت أبي جهل، وهو وَهْمٌ.

قَالَ ابن عبد البر: الصحيح أنها بنت هاشم وقيل: بنت هشام، فمن قَالَ: هشام فهي أخت أبي جهل، ومن قَالَ: بنت هاشم فهي ابنة عم أبي جهل

(7)

وهاشم وهشام ومهشم والوليد وأبو أمية حذيفة والفاكه ونوفل وأبو ربيعة عمرو وعبد الله وتيم وعبد شمس، كل هؤلاء أولاد المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو -يعني: المغيرة- بيت بني مخزوم.

(1)

ورد بهامش الأصل: في سببه خلاف مشهور.

(2)

سيأتي برقم (4072) كتاب: المغازي، باب: قتل حمزة بن عبد المطلب، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري.

(3)

في الأصل: مري، والصواب ما أثبتناه كما في "تاريخ بغداد" 7/ 423 (3991).

(4)

في (ف): هاشم، والصواب ما أثبتناه من "الاستيعاب" 3/ 235.

(5)

"الاستيعاب" 3/ 235.

(6)

"المعارف" لابن قتيبة ص 180.

(7)

"الاستيعاب" 3/ 235.

ص: 137

ولد بتبالة بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وقال عن نفسه: ولدت قبل الفجار الأعظم بأربع سنين. وإليه كانت السفارة في الجاهلية، وأسلم بعد ست من النبوة، وقيل: خمس، بعد أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بعد أربعين رجلًا، وقيل: ثلاثة عشر وإحدى عشرة امرأة.

وقال ابن الجوزي: لا خلاف أنه أسلم سنة ست من النبوة بعد أربعين، قَالَ: ولما أسلم نزل جبريل عليه السلام فقال: استبشر أهل السماء بإسلامه

(1)

، وقيل: إنه أسلم بعد أربع من النبوة وهاجر فهو من المهاجرين الأولين. وكان إسلامه عزًّا ظهر به الإسلام بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في الصحيح إن شاء الله:"ما زلنا أعزة منذُ أسْلَمَ عُمر"

(2)

قَالَ ابن مسعود: كان إسلام عمر فتحًا، وهجرته نصرًا، وإمامته رحمة، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت، حتَّى أسلم عمر، فلما أسلم قاتلهم حتَّى تركونا فصلينا

(3)

، وشهد بدرًا والمشاهد كلَّها.

(1)

رواه ابن ماجه (103)، والطبراني 11/ 80 - 81 (11109)، وابن حبان (6883) من طريق عبد الله بن خراشي الحوشبي، عن العوام بن حوشب، عن مجاهد عن ابن عباس، ورواه أيضًا الحاكم في "المستدرك" 3/ 84، لكن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال: صحيح، وتعقبه الذهبي، وقال: عبد الله ضعفه الدارقطني. اهـ.

وقال البوصيري 1/ 17: هذا الإسناد ضعيف لاتفاقهم على ضعف عبد الله بن خراش، إلا ابن حبان فإنه ذكره في "الثقات". اهـ. والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة"(4340).

(2)

سيأتي برقم (3684، 3863).

(3)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 3/ 270، وأحمد في "فضائل الصحابة" 1/ 409، 410 (482)، والطبراني 9/ 162 (8806) قال الهيثمي في "المجمع" 9/ 63: رجاله رجال الصحيح إلا أن القاسم لم يدرك جده ابن مسعود. اهـ.

ص: 138

بويع لَهُ بالخلافة يوم موت الصديق، وهو يوم الثلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة بوصاية الصديق إليه، فسار بأحسن سيرة، وزين الإسلام بعَدْلِهِ، وفتح الله به الفتوح الكبيرة كبيت المقدس وجميع الشام، ودوَّن الدواوين في العطاء ورتَّب الناس فيه، وكان لا يخاف في الله لومة لائم، وهو أول من ضرب بالدرة وحملها، ومصَّر الأمصار، وكسر الأكاسرة، وقصر القياصرة، وأخَّر المقام إلى موضعه الآن، وكان ملصقًا بالبيت، ونوَّر المساجد لصلاة التراويح، وأول من أَرَّخ التاريخ من الهجرة، وأول قاضٍ في الإسلام، ولَّاه الصديق القضاء، وأول من جمع القرآن في المصحف، وآخى رسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين الصديق، حج بالناس عشر سنين متوالية، وحج في إحداهن بأمهات المؤمنين. وزهده ومناقبه جَمَّةٌ مَشْهورةٌ في "الصحيح" وغيره، وستقف على قطعة صالحة منها حيث ذكره البخاري -إن شاء الله- في كتاب المناقب

(1)

.

وكان طوالا جدًّا جسيمًا، كث اللحية، خفيف العارضين، أصلع شديد الصلع، أعسر يسر-أي: قوة يديه سواء- وكان يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ثمَّ يجمع جراميزه -أي: أطرافه- ويثبت، فكأنما خلق على ظهر فرسه، وكان يخضب بالحناء والكتم بحتًا، وكان شديد حمرة العينين. وكان أبيض يعلوه حمرة، وقيل: أبيض أمهق وقيل: آدم. ونقله ابن عبد البر عن الأكثرين

(2)

، وأنكره الواقدي والجمهور، وقالوا: إنما كان أبيض. قالوا: ولعله صار في لونه سمرة

(1)

سيأتي برقم (3679 - 3694) كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر بن الخطاب.

(2)

"الاستيعاب" 3/ 236.

ص: 139

عام الرمادة لتخشنه

(1)

، وكان من مُحَدِّثي هذِه الأمة

(2)

. وسيأتي أنه وافق ربَّه في عدة مواضع إن شاء الله، وفي "الصحيح" أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ له:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ"

(3)

.

وشهد لَهُ بالشهادة

(4)

، والجنة

(5)

وسماه سراج أهل الجنة

(6)

، وأخبر

أن الله جعل الحق على لسانه

(7)

.

روي لَهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على ستة وعشرين منها، وانفرد البخاري بأربعة وثلاثين، ومسلم بأحد وعشرين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة

(1)

ورده ابن عبد البر في "الاستيعاب" 3/ 236 حيث قال: وزعم الواقدي أن سمرة عمر وأدمته إنما جاءت من أكله الزيت عام الرمادة، وهذا منكر من القول، وأصح ما في الباب -والله أعلم- حديث سفيان الثوري عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال: رأيت عمر شديد الأدمة. اهـ.

وقد جود إسناد حديث زر بن حبيش الحافظ في "الإصابة" 2/ 518.

(2)

سيأتي برقم (3469) كتاب: حديث الأنبياء، باب: حديث الغار، وبرقم (3689) كتاب: المناقب، باب: مناقب عمر.

(3)

سيأتي برقم (3294) كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده.

(4)

سيأتي برقم (3675) كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر.

(5)

رواه أبو داود (4649).

(6)

رواه أحمد فى "فضائل الصحابة" 1/ 523 (677)، والبزار كما في "كشف الأستار" 3/ 174 (2502) من طريق عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمر الغفاري، وهو منكر الحديث، ورواه أبو نعيم في "الحلية" 6/ 333 من طريق الواقدي عن أبي هريرة، والواقدي كذاب. وقال الألباني في "الضعيفة" (3916): باطل.

(7)

رواه الترمذي (3682) كتاب: المناقب، وأحمد 2/ 53، وعبد بن حميد في "المنتخب"(756)، وابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 109 - 110 من حديث ابن عمر، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(1736)، وفي الباب عن الفضل بن عباس وأبي ذر وأبي هريرة.

ص: 140

وغيرهم. روى عنه نحو خمسين صحابيًّا منهم: عثمان وعلي وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف، وخلائق من التابعين.

ولي الخلافة عشر سنين وخمسة أشهر أو ستة أشهر قولان، واستشهد يوم الأربعاء لأربع أو لثلاث أو لسبع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وقال الفلاس وابن نمير: سنة أربع وهو ابن ثلاث وستين عَلَى الصحيح كسن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسن الصديق. وقيل: ابن ستين، قَالَ الواقدي: وهو أثبت الأقاويل عندنا، وقيل: ابن إحدى وستين، وقيل: ابن اثنتين وخمسين، وقيل: ابن أربع، وقيل: ابن خمس، وقيل: ست، وقيل: سبع وخمسين حكاهن الصُّرَيْفِيْنِيُّ، فهذِه ثمانية أقوال في سنه.

وغسله ابنه الزاهد أبو عبد الرحمن عبد الله الأكبر، أفضل أولاده الذكور العشرة، وعاصم -أمه جميلة بنت عاصم- وعبيد الله قتل بصفين مع معاوية، وعبد الله الأصغر وعبد الرحمن الأكبر وعبد الرحمن الأوسط وعياض، وزيد الأكبر -أمه أم كلثوم بنت علي- وزيد الأصغر والعقب من الثلاثة الأولى الذكور، وكان لَهُ من الإناث حفصة وزينب، وكفنه عبد الله أيضًا في ثوبين سحوليين، وصلى عليه صهيب بن سنان الرومي، ودفن في الحجرة النبوية، عَلَى ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

قتله أبو لؤلؤة غلام نصراني، وقيل: مجوسي للمغيرة بن شعبة، وهو في صلاة الصبح، طعنه ثلاث طعنات بسكين مسموم ذات طرفين فقال: قتلني -أو أكلني الكلب- وطعن معه ثلاثة عشر رجلًا، فمات منهم تسعة، وفي رواية سبعة، فلما رأى ذَلِكَ رجل من المسلمين طرح عليه برنسًا، فلما ظن أنه مأخوذ نحر نفسه، فصار إلى لعنة الله وغضبه، ثمَّ

ص: 141

حُمل عمر إلى منزله، وبقي ثلاثة أيام وقيل: سبعة، ومات- رضي الله عنه وعنَّا - به وكان وافر العلم.

قَالَ ابن مسعود حين توفي عمر: ذهب تسعة أعشار العلم

(1)

. ومن زهده وتواضعه أنه كان في قميصه أربع عشرة رقعة إحداها من أدم.

فائدة:

ليس في الصحابة من آسمه عمر بن الخطاب غيره، فهو من الأفراد

(2)

-أحد أنواع علوم الحديث- وفي الصحابة عمر ثلاثة وعشرون نفسًا على خلاف في بعضهم، وربما يلتبس بعمرو بزيادة واو في آخره، وهم خلق فوق المائتين بزيادة أربعة وعشرين على خلاف في بعضهم رضي الله عنهم.

فائدة ثانية:

في الرواة عمر بن الخطاب غير هذا الإمام ستة:

(أحدهم)

(3)

: كوفي

(4)

روى عن خالد بن عبد الله الواسطي.

ثانيهم: راسبي

(5)

روى (عن سويد أبي حاتم)

(6)

.

(1)

رواه الطبراني في "الكبير" 9/ 162، 163 (8808، 8809)، وقال الهيثمي 9/ 69: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال هذا رجال الصحيح غير أسد بن موسى ثقة.

(2)

انظر "علوم الحديث" لابن الصلاح ص 325 - 339، النوع التاسع والأربعون.

(3)

فى (ف): أحدها، وهو ما أثبتناه هو المناسب للسياق.

(4)

عمر بن الخطاب الكوفي، انظر:"إكمال تهذيب الكمال" 10/ 45 (3965).

(5)

عمر بن الخطاب بن زكريا الراسبي، أبو حفص البصري. انظر:"تهذيب الكمال" 21/ 315 (4224)، "تهذيب التهذيب" 3/ 221، "التقريب" ص 411 (4887).

(6)

فى (ف): (عنه سويد أبو حاتم)، والصواب ما أثبتناه كما في مصادر الترجمة.

ص: 142

ثالثهم: سكندري

(1)

روى عن ضمام بن إسماعيل.

رابعهم: عنبري

(2)

روى عن أبيه، عن يحيى بن سعيد الأنصاري.

خامسهم: سجستاني

(3)

روى عن محمد بن يوسف الفريابي.

سادسهم: سدوسي

(4)

بصري روى عن معتمر بن سليمان.

فائدة ثالثة:

عمر هذا ثاني العشرة، وهاك سرد وفاتهم على سبيل الاختصار لتستحضره فإنه مهم: الصديق مات سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وأبو عبيدة سنة ثمان عشرة، وعمر سنة ثلاث وعشرين كما سلف مع الخلاف فيه. وعثمان سنة خمس وثلاثين، وطلحة والزبير بعده بسنة، وابن عوف سنة اثنتين وثلاثين، وعلي سنة أربعين، وسعد بن أبي وقاص سنة خمس وخمسين على الأصح، وهو آخرهم موتا ( .... )

(5)

خمسين

(6)

.

(1)

عمر بن الخطاب بن حليلة -بمهملة ولامين، بوزن عظيمة- بن زياد بن أبي خالد الإسكندراني، مولى كندة، يكنى أبا الخطاب. انظر:"تهذيب الكمال" 13/ 312 في ترجمة ضمام بن إسماعيل، "إكمال التهذيب" 10/ 45 (3966)، "تهذيب التهذيب" 3/ 222 - 223.

(2)

عمر بن الخطاب العنبري الكوفي، يعرف بابن أبي خيرة. انظر:"إكمال التهذيب" 10/ 45 (3967). و"تهذيب التهذيب" 3/ 222.

(3)

عمر بن الخطاب السجستاني القشيري، نزيل الأهواز. انظر:"تهذيب الكمال" 21/ 326 (4226). و"تهذيب التهذيب" 3/ 222، و"تقريب التهذيب" ص 412 (4889).

(4)

عمر بن الخطاب شيخ بصري سدوسي انظر: "تهذيب التهذيب" 3/ 221.

(5)

بياض بالأصل.

(6)

هو تاريخ وفاة سعيد بن زيد، وهو عاشر العشرة. انظر:"الاستيعاب" 2/ 182.

ص: 143

وأما راويه عن عمر فهو أبو واقد -بالقاف- علقمة بن وقاص الليثي، نسبة إلى ليث بن بكر المدني العتواري، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره الواقدي.

وروى ابن منده أنه شهد الخندق، وكان في الوفد الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، روى عن عمر وعائشة ومعاوية وغيرهم، وعنه ابناه عمر وعبد الله والزهري ومحمد بن إبراهيم التيمي وغيرهم.

وروى له مع البخاري مسلم وباقي الستة، ذكره ابن منده وأبو عمر في الصحابة

(1)

والجمهور في التابعين، كما نبه عليه النووي في "إملائه" على هذا الحديث. وليس له في الصحيحين إلا هذا الحديث وحديث الإفك عن عائشة

(2)

، كما نبه عليه شيخنا قطب الدين في "شرحه".

مات بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان، قاله الواقدي

(3)

.

فائدة:

ليس في الكتب الستة من اسمه علقمة بن وقاص غيره.

وأما راويه عن علقمة فهو أبو عبد الله محمد (ع) بن إبراهيم بن الحارث، وكان -أعني: الحارث- من المها جرين الأولين، وهو

(1)

"الاستيعاب" 3/ 195 - 196.

(2)

سيأتي برقم (2637) كتاب: الشهادات، باب: إذا عدَّل رجل أحدًا.

(3)

علقمة بن وقاص بن محسن بن كلدة بن عبد ياليل بن طريف بن عتوارة بن عامر بن مالك بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الليثي العتواري المدني. قال ابن سعد: كان ثقة، قليل الحديث، وله دار بالمدينة في بني ليث وله به عقب، وثقه النسائي، وقال الحافظ ابن حجر: ثقة ثبت، أخطأ من قال: له صحبة. انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 60، "التاريخ الكبير" 7/ 40 (176)، "الجرح والتعديل" 6/ 405 (2259)، "الثقات" 5/ 209، "تهذيب الكمال" 2/ 313 - 314 (4021)، "تقريب التهذيب"(4685).

ص: 144

ابن عم الصديق ابن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي المدني التابعي.

سمع ابن عمر وأنسًا وغيرهما من الصحابة، وعنه ابنه موسى المحدث الفقيه والزهري وخلق.

ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل المدينة، وقال: أمه حفصة بنت أبي يحيى واسمه عمير، وكان من قدماء موالي بني تيم. قال: وكان ثقة، كثير الحديث

(1)

، وقال يحيى بن معين: ثقة، وكذا وثقه النسائي وأبو حاتم

(2)

وابن خراش، وأخرج له مسلم أيضًا في "صحيحه" مع باقي الستة.

وأما أحمد فقال فيما نقله العقيلي عن عبد الله بن أحمد عنه: في حديثه شيء، روى أحاديث مناكير

(3)

.

مات سنة عشرين ومائة، وقيل: سنة إحدى وعشرين، وقيل: سنة تسع عشرة، وهو ابن أربعٍ وسبعين

(4)

.

وأما راويه عن محمد فهو الإمام أبو سعيد يحيى (ع) بن سعيد بن قيس بن عمرو، وقيل: قهد بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن الخزرج الأكبر الأنصاري النجاري -بالنون والجيم- المدني قاضيها، وأقدمه

(1)

"الطبقات الكبرى" الجزء المتمم ص 99.

(2)

"الجرح والتعديل" 7/ 84.

(3)

"الضعفاء الكبير" للعقيلي 4/ 20.

(4)

انظر ترجمته في: "الثقات" 5/ 381، "تهذيب الكمال" 24/ 301 - 305 (5023)، "سير أعلام النبلاء" 5/ 294 - 296 (140)، "تقريب التهذيب"(5691)، "شذرات الذهب" 11/ 157.

ص: 145

المنصور العراق، وولاه القضاء بالهاشمية ومات بها، وقيل: إنه ولي قضاء بغداد ولم يصح. وهو تابعي صغير.

سمع أنسًا والسائب بن يزيد وغيرهما.

وعنه جماعة من التابعين منهم: هشام بن عروة وحميد الطويل وغيرهما.

واتفقوا على جلالته وعدالته وحفظه وإتقانه وورعه، وقال أحمد في حقه: إنه أثبت الناس. وقال أبو حاتم: هو يوازي الزهري

(1)

. وقال أيوب: ما تركت بالمدينة أفقه منه. وقال ابن حبان: كان خفيف الحال، فلما استقضاه أبو جعفر ارتفع شأنه ولم يتغير حاله، فقيل له في ذَلِكَ، فقال: من كانت نفسه واحدة لم يغيره المال

(2)

. مات سنة أربع، وقيل: ثلاث، وقيل: ست وأربعين ومائة. روى له الجماعة

(3)

.

فائدة:

في الرواة يحيى بن سعيد جماعة في "الصحيح"، لكن لا التباس لهم بهذا. يحيى (ع) بن سعيد بن أبان الأموي الحافظ

(4)

، يحيى (ع) بن سعيد بن حيان أبو حيان التيمي الإمام

(5)

، يحيى (حم) بن سعيد بن العاص الأموي تابعي

(6)

، يحيى (عم) بن سعيد بن فروخ

(1)

"الجرح والتعديل" 9/ 149.

(2)

"الثقات" 5/ 521 "تهذيب الكمال" 31/ 357.

(3)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 275، 276 (2980)، "معرفة الثقات" 2/ 352، 353 (1977)، "تهذيب الكمال" 31/ 346 (6836)، "تقريب التهذيب"(7559).

(4)

ستأتي ترجمته في حديث رقم (11).

(5)

ستأتي ترجمته في حديث رقم (50).

(6)

يحيى بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، أبو أيوب، ويقال: أبو الحارث المدني. =

ص: 146

القطان التميمي الحافظ أحد الأعلام

(1)

. ولهم يحيى بن سعيد العطار- براءٍ في آخره- واهٍ فاعلمه

(2)

. وجملة من اسمه يحيى بن سعيد في الحديث ستة عشر كما بينهم الخطيب في "المتفق والمفترق".

فائدة أخرى: النجار الذي سلف في نسب يحيى بن سعيد لقب، واسمه تيم اللات، سمي النجار؛ لأنه اختتن بالقدوم وقيل: ضرب وجه رجل به فنجره، أي: نحته.

وأما راويه

(3)

عن يحيى بن سعيد فهو الإمام العلامة أبو محمد سُفيان (ع) -بضم السين على المشهور، وحكي كسرها وفتحها أيضًا- ابن عيينة:- بضم العين، وحكى النووي في "إملائه" [

(4)

كسرها- ابن أبي عمران الهلالي أبو محمد الكوفي ثم المكي. واسم أبي عمران: ميمون، مولى محمد بن مزاحِم أخي الضحاك، وقال الواقدي: مولى بني عبد الله بن رؤيبة من بني هلال بن عامر، وكان بنو عيينة عشرة خزازين، حدَّث منهم خمسة: محمد وإبراهيم وسفيان وآدم وعمران، وأجلهم وأشهرهم سُفيان هذا، وهو من تابعي التابعين، سكن مكة، ومات بها.

= وثقه النسائي وابن حبان. انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 5/ 238، "التاريخ الكبير" 8/ 277 (2987)، "الجرح والتعديل" 9/ 149 (621)، "تهذيب الكمال" 31/ 325 - 329 (6833).

(1)

ستأتي ترجمته في حديث رقم (13).

(2)

يحيى بن سعيد العطار الأنصاري أبو زكريا الشامي الحمصي، ويقال: الدمشقي ضعفه الجمهور. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 81/ 277 (2985)، "الجرح والتعديل" 9/ 152 (628)، "تهذيب الكمال" 31/ 343 - 346 (6835).

(3)

أي: حديث النية.

(4)

بياض في (ف) بمقدار كلمة.

ص: 147

وسمع جماعات من التابعين منهم: الزهري.

وعنه: مسعر وخلق، وروى الثوري عن يحيى القطان عنه، وهو من الطُّرَف.

وكان من الحفاظ المتقنين وأهل الورع والدين، ومن العلماء بكلام رب العالمين وسند سيد المرسلين، قرأ القرآن وهو ابن أربع، وكتب الحديث وهو ابن سبع، ولما بلغ خمس عشرة قال له أبوه: يا بني، قد انقطعت عنك شرائع الصبى فاخْتَلِطْ بالخير تكن من أهله، واعلم أنه لن يسعد بالعلماء إلا من أطاعهم فأطعهم واخدمهم تقتبس من علمهم. قال: فجعلت لا أعدل عن وصية أبي

(1)

. وكان كثير التلاوة والحج، حج نيفًا وسبعين حجة كما قال ابن حبان

(2)

.

وقال الحسن بن عمران بن عيينة: إن سفيان قال له بجمعٍ آخر حجة حجها: قد وافيت هذا الموضع سبعين مرة أقول في كل مرة: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وقد استحييت من الله عز وجل من كثرة ما أساله. فرجع فتوفي في السنة الداخلة يوم السبت غرة رجب سنة ثمانٍ وتسعين ومائة

(3)

، ودفن بالحجون، وكان مولده سنة سبع ومائة

(4)

. روى له الجماعة.

ومناقبه جمة، ومنها ما حكاه أبو يوسف الغسُّولي، عنه قال: دخلت

(1)

رواه البيهقي في "الزهد الكبير" 2/ 111 - 112.

(2)

"الثقات" 6/ 404.

(3)

رواه الخطيب في "تاريخه" 9/ 183 - 184.

(4)

انظر: "طبقات ابن سعد" 5/ 498، "التاريخ الكبير" 4/ 94 (2082)، "معرفة الثقات" 1/ 417 (631)، "الجرح والتعديل" 4/ 225 - 227 (976)، "تاريخ بغداد" 9/ 154، "تهذيب الكمال" 11/ 177 - 197 (2413).

ص: 148

عليه وبين يديه قرصان من شعير فقال: يا أبا يوسف، إنهما طعامي منذ أربعين سنة

(1)

. وكان ينشد:

خَلتِ الدِّيارُ فَسُدتُ غير مُسوَّدِ

ومن الشَّقاءِ تَفَرُّدِي بالسُّؤددِ

(2)

قال الشافعي: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز

(3)

. وقال أبو حاتم هما أثبت أصحاب الزهري. وقال الشافعي أيضًا: ما رأيت أحدًا فيه آلة العلم ما في سفيان، وما رأيت أحدًا أحسن لتفسير الحديث منه ولا أكف عن الفتيا منه

(4)

.

وقال ابن وهب: ما رأيت أعلم بكتاب الله منه

(5)

. وروى الخطيب البغدادي بسنده إلى أحمد بن النضر الهلالي قال: سمعت أبي يقول: كنت في مجلس سفيان بن عيينة، فنظر إلى صبي دَخل المجلس، فكان أهل المجلس تهاونوا به لصغره، فقال سفيان:{كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء: 94].

ثم قال لي: يا نضر، لو رأيتني ولي عشر سنين، طولي خمسة أشبار، ووجهي كالدينار، وأنا كشعلة نار، ثيابي صغار، وأكمامي قصار، وذيلي بمقدار، ونعلي كآذان الفار، أختلف إلى علماء الأمصار،

(1)

رواه أبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" 3/ 180 (304)، وأبو نعيم في "الحلية" 7/ 272 - 273، وجاء فيهما أبو يوسف الفسوي. والله أعلم.

(2)

رواه أبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" 2/ 277 (173)، والخطيب في "تاريخه" 9/ 178، وأبو نعيم في "الحلية" 7/ 274، 290.

(3)

رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 1/ 12، 32، وأبو نعيم في "الحلية" 6/ 322، والخطيب في "تاريخه" 9/ 179، وابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 63.

(4)

رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 1/ 32 - 33، وأبو يعلى الخليلي في "الإرشاد" 1/ 368.

(5)

رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 1/ 33.

ص: 149

مثل: الزهري وعمرو بن دينار، أجلس بينهم كالمسمار، محبرتي كالجوزة، ومقلمتي كالموزة، وقلمي كاللوزة، فإذا دخلت المجلس قال: أوسعوا للشيخ الصغير. قال: ثم تبسم ابن عيينة وضحك

(1)

.

فائدة:

سفيان هذا أحد مشايخ الشافعي، ومن ينتهي إليه سلسلة أصحابنا في الفقه، ومنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا جاءه شيء من التفسير أو الفتيا التفت إلى الشافعي وقال: سلوا هذا

(2)

. وقيل عن الشافعي: إنه مات في غشية له. فقال: إن كان مات فقد مات أفضل أهل زمانه

(3)

.

وأما راويه عن سفيان فهو: الإمام أبو بكر عبد الله (ع) بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله بن الزبير بن عبيد الله بن حُميد -بضم الحاء- الحُميدي القرشي الأسدي المكي الثقة، رئيس أصحاب ابن عيينة وأثبتهم. جَاَلسَه عشرين سنة، ومن الفضلاء الآخذين عن الشافعي وأحد رفقائه في الرحلة.

وهو أول من حدَّث عنه البخاري في "صحيحه"، وروى مسلم في مقدمة "صحيحه" عن سلمة بن شبيب عنه

(4)

، وروى أبو داود والنسائي عن رجل عنه، والترمذي وابن ماجه في التفسير. مات بمكة سنة تسع عشرة ومائتين وقيل: سنة عشرين

(5)

.

(1)

رواه الخطيب في "الكفاية" ص 61، وذكره الذهبي في "السير" 8/ 459 وقال: وفي صحة هذا نظر، وإنما سمع -يعني: سفيان- من المذكورين -يعني: الزهري، وعمرو بن دينار -وهو ابن خمس عشرة سنة أو أكثر.

(2)

رواه أبو نعيم في "الحلية" 9/ 91 - 92.

(3)

رواه أبو نعيم في "الحلية" 9/ 95.

(4)

"صحيح مسلم" 1/ 16.

(5)

انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 5/ 502، "التاريخ الكبير" 5/ 96 - 97 =

ص: 150

فائدة:

في الكتب الستة عبد الله بن الزبير ثلاثة هذا أحدهم، وثانيهم الصحابي

(1)

، وثالثهم البصري

(2)

: روى له ابن ماجه والترمذي في "الشمائل".

وفي الصحابة أيضًا عبد الله بن الزبير بن [عبد]

(3)

المطلب بن هاشم

(4)

، وليس لهما ثالث في الصحابة.

= (276)، "الجرح والتعديل" 5/ 56، 57 (264)، "الثقات" 8/ 341، "تهذيب الكمال" 14/ 512 - 515 (3270).

(1)

عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي، يكنى أبا بكر، أبوه حواري الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وخالته عائشة أم المؤمنين، وعمته خديجة أم المؤمنين، وجدته صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول مولود يولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة، بايع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان، وكان فصيحًا، وذا شجاعة وقوة، وكان صوامًا قوَّامًا، بالحق قوالًا، وللرحم وصالًا شديدًا على الفجرة، ذليلًا للأتقياء البررة. بويع له بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية فكانت خلافته تسع سنين، قتله الحجاج بن يوسف في أيام عبد الملك بن مروان وصلبه بمكة يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين.

انظر ترجمته في: "معجم الصحابة" للبغوي 3/ 514، "معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 126 (589)، "معرفة الصحابة" 3/ 1647 (1637)، "الاستيعاب" 3/ 39 (1553)، "أسد الغابة" 3/ 242 (2947).

(2)

عبد الله بن الزبير بن معبد الباهلي أبو الزبير، ويقال: أبو معبد البصري، قال أبو حاتم: مجهول لا يُعرف. وقال عنه الحافظ ابن حجر: مقبول. "تهذيب الكمال" 14/ 516 (3271)، "الكاشف" 1/ 552 (2722)، "تقريب التهذيب"(3321).

(3)

ساقط من (ف)، ومثبت من مصادر الترجمة.

(4)

عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأمه عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن =

ص: 151

فائدة ثانية:

الحُمَيدي هذا -بضم الحاء وفتح الميم- قال السمعاني: وهي نسبة إلى حُميد بطن من أسد بن عبد العزى بن قصي، وقال النووي في "إملائه": هو نسبة إلى جده حميد المذكور وهو ما ذكر ابن طاهر في (

)

(1)

، وقال السمعاني: سمعت شيخي أبا القاسم إسماعيل بن محمد الحافظ يقول: هو منسوب إلى الحميدات وهي قبيلة.

فائدة ثالثة:

الحميدي هذا قد يشتبه بالحميدي المتأخر صاحب "الجمع بين الصحيحين" وهو العلامة أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد بن يصل -بمثناة تحت ثم صاد مهملة مكسورة ثم لام- الأندلسي، الإمام (ذو)

(2)

التصانيف في فنون، سمع الخطيب وطبقته، وبالأندلس ابن حزم وغيره، وعنه الخطيب وابن ماكولا وخلق، وكان ثقة صالحًا إمامًا حافظًا متقنًا، متفقًا على جلالته وإمامته، سكن ببغداد مدة، ومات بها سابع عشر ذي الحجة من سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، قال السمعانى: والحميدي هذا نسبة إلى جده حميد

(3)

.

= مخزوم، لا عقب له، وهو أخو ضباعة بنت الزبير، وكان الزبير أخا عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبيهما وأمهما. وشهد عبد الله قتال الروم في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقتل يوم أجنادين، ووجد حوله عصبة من الروم قتلهم، ثم أثخنته الجراح فمات. انظر ترجمته في:"معجم الصحابة" للبغوي 3/ 522، 523، "الاستيعاب" 3/ 38، 39 (1552)، "أسد الغابة" 3/ 241 (2946).

(1)

مقدار كلمة غير واضحة.

(2)

في (ف): ذوا.

(3)

انظر ترجمته في: "اللباب" 1/ 392، "تذكرة الحفاظ" 4/ 1218 - 1222 (1041)، "سير أعلام النبلاء" 19/ 120 (63)، "شذرات الذهب" 3/ 392.

ص: 152

فائدة رابعة:

الحُميدي -بالضم- يشتبه بالحَمِيدي -بالفتح وكسر الميم- نسبة لإسحاق بن تَكِيْنَك الحميدي، مولى الأمير الحميد الساماني، سمع من أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سلم وغيره، نبه عليه السمعاني

(1)

. قلت: وأبو بكر عتيق بن علي الصنهاجي الحَميدي -بالفتح أيضًا- ارتحل وسمع من نصر الله القزاز وتفقه، وله ديوان شعر، ثم ولي قضاء عدن، ومات باليمن، وذكر ابن ماكولا مع الحُميدي -بالضم- الجنيدي، وقال: يروي عنه ابن عَدِي ولا يُلبس، وما ذكرناه من الضم مع الفتح أولى، وكذا سُقْتُهُ في مختصري في المؤتلف والمختلف.

فائدة:

هذا الحديث على شرط مسلم أيضًا من هذا الوجه، فإنه أخرج لرجاله كلهم في "صحيحه" فتنبَّه له.

الوجه الرابع: في لطائف إسناده:

من لطائفه أن رجال إسناده ما بين مكي ومدني، فالأولان مكيان والباقون مدنيون.

ومن لطائفه رواية تابعي عن تابعي وهما يحيى ومحمد التيمي، وهذا كثير، وإن شئت قلت: فيه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض بزيادة علقمة، على قول الجمهور كما سلف أنه تابعي لا صحابي

(2)

.

(1)

انظر: "اللباب" 1/ 392.

(2)

قلت: هذا يسمى: المدبج أو رواية الأقران بعضهم عن بعض، كما هو مقرر في مصطلح الحديث. =

ص: 153

ومن لطائفه أيضًا: رواية صحابي عن صحابي على قول من عدّه صحابيًّا، ويقع أيضًا رواية أربعة من التابعين بعضهم عن بعض، ورواية أربعة من الصحابة بعضهم عن بعض أيضًا، وقد أفرد الحافظ أبو موسى الأصبهاني جزءًا لرباعي الصحابة وخماسيهم، وقد لخصته بحذف أسانيده، وسيأتي لك بعضه عند التوغل في هذا الشرح في أَمَسّ المواضع به إن شاء الله.

ومن الغريب العزيز رواية ستة من التابعين بعضهم عن بعض، وقد أفرده الخطيب البغدادي بجزء وجمع اختلاف طرقه، وهو حديث (منصور)

(1)

بن المعتمر، عن هلال بن يساف، عن الربيع بن خثيم، عن عمرو بن ميمون الأودي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن امرأة من الأنصار، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] تعدل ثلث القرآن

(2)

.

= فالمدبج هو أن يروي القرينان كل واحد منهما عن الآخر، والقرينان هما المتقاربان في السن والإسناد، المشتركان في الأخذ عن الشيوخ. فمثال المدبج في الصحابة: عائشة وأبو هريرة، روى كل واحد منهما عن الآخر، وفي التابعين: رواية الزهري عن عمر بن عبد العزيز، ورواية عمر، عن الزهري، وفي أتباع التابعين: رواية مالك عن الأوزاعي ورواية الأوزاعي عن مالك.

أما رواية الأقران: فهي أن يروي أحد القرينين عن الآخر فقط، مثاله: رواية سليمان التيمي عن مسعر بن كدام، فهما قرينان، ولا يعلم لمسعر رواية عن سليمان. انظر:"علوم الحديث" ص 309 - 310، "المقنع" 2/ 521 - 523، "تدريب الراوى" 2/ 353 - 356.

(1)

في (ف): المنصور، والصواب ما أثبتناه، كما في مصادر التخريج.

(2)

رواه الترمذي (2896)، والنسائي 2/ 172، وأحمد 5/ 418، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 223 (222)، والطبراني 4/ 167 (4028، 4029)، وابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 255 - 256. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال =

ص: 154

قال يعقوب بن شيبة: وهذا أطول إسناد روي. قال الخطيب: والأمر كما قال، قال: وقد روي هذا الحديث أيضًا من طريق سبعة من التابعين، ثم ساقه من حديث أبي إسحاق الشيباني، عن عمرو بن مرة، عن هلال، عن عمرو، عن الربيع، عن عبد الرحمن، فذكره.

الوجه الخامس: في بيان الأنساب الواقعة فيه:

وقع فيه الحميدي والأنصاري والليثي والتيمي، أما الأول: فقد سلف بيانه، وأما الثاني: فنسبته إلى الأنصار، واحدهم نصير كشريف وأشراف، وبه جزم النووي، وقيل: ناصر كصاحب وأصحاب وهم قبيلتان: الأوس، والخزرج ابنا حارثة -بالحاء المهملة- بن ثعلبة العنقاء بن عمرو بن مُزَيْقِيَاء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن قيس بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يَشْجُب بن يعرب بن قحطان بن عامر بن صالح بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام. وقحطان أصل العرب -أعني: عرب اليمن- واسم قحطان: يقطن وقيل: يَقطان؛ وسمي به لأنه كان أول من قحط أموال الناس من ملوك العرب. وقال ابن ماكولا اسمه: مهرّم

(1)

.

وأما عرب الحجاز وهم العرب المستعربة فمن ذرية إسماعيل، وأما

= شيخ الإسلام ابن تيمية: الأحاديث المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ، وأنها تعدل ثلث القرآن من أصح الأحاديث وأشهرها، حتى قال طائفة من الحفاظ كالدارقطني: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل سورة من القرآن أكثر مما صح عنه في فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} . "تفسير سورة الإخلاص" ص 26، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"(3978).

(1)

"الإكمال" 1/ 341، 2/ 566، 7/ 305.

ص: 155

العرب العاربة فهم: عاد وثمود وجرهم والعماليق وأمم سواهم، وقيل: إن جميع العرب ينسبون إلى إسماعيل، والمشهور ما ذكرناه. والخزرج أشرف من الأوس؛ لكون أخوال النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وهو وصفٌ لهم إسلامي، وقيل لهم ذَلِكَ؟ لنصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في "الصحيح" كما سيأتي إن شاء الله تعالى في موضعه، عن غيلان بن جرير قال: قلت لأنس بن مالك: أرأيتم اسم الأنصار أكنتم تسمون به أم سماكم الله به؟ قال: بل سمانا الله

(1)

. وتفرعوا بطونًا وأفخاذًا كثيرة.

وأما الليثي فنسبة إلى ليث بن بكر -كما أسلفناه- بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة، وقد ينسب في غير هذا إلى الجد دون القبيلة وإلى نزوله فيهم، ويشتبه الليث بأشياء ذكرتها في "المؤتلف".

وأما التيمي فنسبه إلى عدة قبائل اسمها تيم قريش، ومنها خلق كثير من الصحابة فمن بعدهم، منها: محمد بن إبراهيم السالف، ومنها تيم اللات بن ثعلبة، وتيم الرباب، وتيم ربيعة. ويشتبه التيمي بالتيَمي -بفتح الياء- بطن ابن غافق، منهم الماضي بن محمد سمع منه ابن وهب

(2)

.

الوجه السادس:

هذا الحديث أحد أركان الإسلام وقواعد الإيمان، ولا شك في صحته من حديث الإمام أبي سعيد يحيى بن سعيد الأنصاري، رواه عنه حفاظ الإسلام وأعلام الأئمة إمام دار الهجرة مالك (خ، م) بن

(1)

سيأتي برقم (3776) كتاب: مناقب الأنصار، باب: مناقب الأنصار.

(2)

هو أبو مسعود، الماضي بن محمد بن مسعود التمي الغافقي، روى "الموطأ" عن مالك، روى عنه ابن وهب، وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومئة.

انظر: "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 232 - 233.

ص: 156

أنس، وشعبة بن الحجاج، والحمادان: حماد (خ) بن زيد، وحماد بن سلمة، والسفيانان: سفيان الثوري وابن عيينة، والليث بن سعد، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن المبارك، وعبد الوهاب (خ)، وخلائق لا يحصون كثيرة. وقد ذكره البخاري من حديث سفيان ومالك وحماد بن زيد وعبد الوهاب كما سلف.

قال أبو سعيد محمد بن على الخشَّاب الحافظ

(1)

: روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد نحو مائتين وخمسين رجلًا.

قلت: وبلغهم ابن منده

(2)

في "مستخرجه" فوق الثلاثمائة.

ولولا خشية الملالة لعددتهم، وقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني: سمعت الحافظ أبا مسعود عبد الجليل (محمد)

(3)

يقول في المذاكرة:

(1)

هو الإمام المحدث المفيد الثقة، أبو سعيد محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حبيب النيسابوري، الخشاب، الصافر، ولد سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة.

قال عبد الغافر في سياق تاريخ نيسابور: كان محدثًا مفيدًا، من خواص خدم أبي عبد الرحمن السلمي، وكان صاحب كتب حتى صار بُندار كتب الحديث بنيسابور.

توفي في ذي القعدة سنة تسع وخمسين وأربعمائة.

انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 18/ 150 - 151، "شذرات الذهب" 3/ 301.

(2)

هو الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن الإمام أبي عبد الله محمد بن المحدث أبي يعقوب إسحاق بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يحيى بن منده، العبدي الأصبهاني، أبوه صاحب تصانيف منها "معرفة الصحابة". ولد سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وسمع أباه وأبا بكر بن مردويه وغيرهم، وكان كبير الشأن جليل القدر كثير السماع، سافر إلى الحجاز وبغداد وهمذان وخراسان، وكتابه المذكور هو "المستخرج من كلام الناس" قيد التحقيق بدار الفلاح.

انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 18/ 349، "شذرات الذهب" 3/ 337 - 338.

(3)

في (ف): أحمد، والمثبت هو الصواب.

وهو الشيخ الإمام الحافظ المتقن محدث أصبهان، أبو مسعود، عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد بن محمد الأصبهاني كُوتاه، ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة. =

ص: 157

قال الإمام عبد الله الأنصاري: كتبت هذا الحديث عن سبعمائة نفر من أصحاب يحيى بن سعيد، وقال الحافظان: أبو موسى المديني

(1)

، وشيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي: إنه رواه عن يحيى سبعمائة رجل

(2)

.

ثم تنبه بعد ذَلِكَ لقولين ساقطين:

الأول: ما رأيته في أول كتاب "تهذيب مستمر الأوهام" لابن ماكولا أنه يقال: إن يحيى بن سعيد لم يسمعه من التيمي.

الثانية: ذكرها هو أيضًا في موضع آخر أنه يقال: لم يسمعه التيمي من علقمة

(3)

. وبيان وهن هاتين المقالتين رواية البخاري السالفة أول "صحيحه" فإن فيها: عن يحيى بن سعيد، أخبرني محمد بن إبراهيم

= قال الحافظ أبو موسى: هو أوحد وقته في علمه مع حسن طريقته وتواضعه.

مات في شعبان سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة.

انظر ترجمته في: "المنتظم" 10/ 182، "سير أعلام النبلاء" 20/ 329 - 231، "شذرات الذهب" 4/ 167.

(1)

أبو موسى محمد بن أبى بكر عمر بن أبى عيسى أحمد بن عمر بن محمد بن أحمد بن أبى عيسى المديني الأصبهاني الشافعي صاحب التصانيف، إمام علامة، حافظ كبير، ثقة شيخ المحدثين، ولد سنة 511 هـ، ومات سنة 581 هـ.

انظر: "وفيات الأعيان" 4/ 286 (618)، "سير أعلام النبلاء" 21/ 152 - 159 (78)، "الوافي بالوفيات" 4/ 246، 247 (1784)، "شذرات الذهب" 4/ 373.

(2)

قال الحافظ في "الفتح" 1/ 11: وأنا أستبعد صحة هذا، فقد تتبعت طرقه من الروايات المشهورة والأجزاء المنثورة منذ طلبت الحديث إلى وقتي هذا فما قدرت على تكميل المائة. اهـ. وقال في "التلخيص الحبير" 1/ 55: تتبعته من الكتب والأجزاء حتى مررت على أكثر من ثلاثة آلاف جزء فما استطعت أن أكمل له سبعين طريقًا. اهـ.

(3)

"تهذيب مستمر الأوهام" ص 61 - 62 بتصرف.

ص: 158

التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص فذكره، وكذا صرح بذلك في كتاب: الأيمان والنذور كما سلف لك، وإنما ذكرت هاتين المقالتين لأُنَبِّه على وَهنهما وشذوذهما وأنهما لا يقدحان في الإجماع السالف على صحته، ومثلهما في الوهن قول ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار": إن هذا الحديث قد يكون عند بعضهم مردودًا؛ لأنه حديث فرد

(1)

.

الوجه السابع:

هذا الحديث قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير عمر، من الصحابة رضي الله عنهم، وإن كان الحافظ أبو بكر البزار قال: لا نعلم رُوِيَ هذا الحديث إلا عن عمر، عن رسول الله بهذا الإسناد

(2)

. وكذا ابن السكن في كتابه المسمى بـ "السنن الصحاح المأثورة" حيث قال: لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد غير عمر بن الخطاب، وكذلك الإمام أبو عبد الله محمد بن عتَّاب، حيث قال: لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير عمر. وذكره الحافظ أبو يعلى القزويني في كتابه "الإرشاد" من حديث عبد المجيد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"الأعمال بالنية"

(3)

. ثم قال: ورواه عنه نوح بن حبيب وإبراهيم بن عتيق، وهو حديث غير محفوظ عن زيد بن أسلم بوجه.

فهذا مما أخطا فيه الثقة عن الثقة، وإنما هو حديث آخر أُلصق بهذا، وهذا مما غلط فيه عبد المجيد

(4)

.

ورواه الدارقطني في "أحاديث مالك التي ليست في الموطأ" ولفظه:

(1)

"تهذيب الآثار" ص 786، مسند عمر بن الخطاب، السفر الثاني.

(2)

"البحر الزخار" 1/ 380 (257).

(3)

"الإرشاد" 1/ 233 (28).

(4)

"الإرشاد" 1/ 167.

ص: 159

"إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، ولكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوى" إلى آخره، ثم قال: تفرد به عبد المجيد، عن مالك، ولا نعلم حدث به عن عبد المجيد غير نوح بن حبيب وإبراهيم بن محمد العتيقي. قلت: وعبد المجيد هو ابن (عبد العزيز)

(1)

بن أبي رواد المكي، وهو من رجال مسلم مقرونًا، ووثَّقه يحيى وغيره. وقال أحمد: ثقة يغلو في الإرجاء. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي يكتب حديثه

(2)

. وقال الدارقطني: لا يحتج به

(3)

. وأما الخطابي فإنه أحال الغلط على الراوي عنه فقال: لا أعلم خلافًا بين أهل العلم أن هذا الحديث لا يصح مسندًا إلا من حديث عمر، وقد غلط فيه نوح بن حبيب

(4)

، ونوح هذا ثقة صاحب سنة، وأخرج له أبو داود والنسائي وقال: لا بأس به

(5)

، وقال الخطيب: هو ثقة، أمر أحمد بن حنبل أن يكتب حديثه

(6)

.

وقال ابن منده الحافظ: رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير عُمَرَ سعدُ بن أبي وقاص، وعلي بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وأنس، وابن عباس، ومعاوية، وأبو هريرة، وعبادة بن الصامت، وعتبة بن عبد السلمي (وهزال بن

(1)

في (ف): عبد الله، والصواب ما أثبتناه كما في مصادر الترجمة.

(2)

"الجرح والتعديل" 6/ 65.

(3)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 500، "التاريخ الكبير" 6/ 112 (1875)، "تهذيب الكمال" 18/ 271 - 276 (3510).

(4)

"أعلام الحديث" 1/ 111.

وتعقبه العراقي في "طرح التثريب" 2/ 4 - 5، فقال: وما قاله الخطابي ليس بجيد، فإنه لم ينفرد به نوح عنه بل رواه غيره عنه وإنما الذي تفرد به ابن أبي رواد كما قال الدارقطني وغيره. اهـ.

(5)

انظر: "تاريخ بغداد" 13/ 321.

(6)

"تاريخ بغداد" 13/ 320، 321.

ص: 160

سويد)

(1)

، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، وأبو ذر، وعتبة بن المنذر، وعقبة بن مسلم-رضي الله عنهم.

وسيأتي على الإثر عن الحفاظ أيضًا أنه لا يصح مسندًا إلا من حديث عمر.

الوجه الثامن: هذا الحديث فرد غريب باعتبار، مشهورٌ باعتبارٍ آخر، وليس بمتواتر بخلاف ما يظنه بعضهم، فإن مداره على يحيى بن سعيدكما سلف، قال الحفاظ: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من جهة عمر بن الخطاب، ولا عن عمر إلا من جهة علقمة، ولا عن علقمة إلا من جهة محمد بن إبراهيم التيمي، ولا عن محمد إلا من جهة يحيى بن سعيد الأنصاري، وعن يحيى اشتهر. فرواه جماعات لا يُحصون كما سلف وأكثرهم أئمة معروفون.

قلت: وقد توبع علقمة والتيمي ويحيى بن سعيد على روايتهم.

قال ابن منده الحافظ: هذا الحديث رواه عن عمر غير علقمة: ابنه عبد الله، وجابر، وأبو جحيفة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وذو الكلاع، وعطاء بن يسار، وناشرة بن سُمَى. (وواصل بن عمرو)

(2)

،

(1)

كذا في (ف): هَزّال بن سويد ولم أقف على من أسمه: هَزّال بن سويد، ولعل الصواب هزال بن يزيد الأسلمي، فقد أخرج الحاكم في "تاريخ نيسابور" كما في "تخريج أحاديث المختصر" 2/ 248 في ترجمة أبي بكر محمد بن أحمد بن بالويه من روايته عن محمد بن يونس، عن روح بن عبادة، عن شعبة، عن محمد بن المنكدر، عن ابن هزال، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: .. ثم ذكر حديث: "إنما الأَعْمَالُ بِالنياتِ" قال الحافظ: هزال هو ابن يزيد الأسلمي وهو صحابي معروف، واسم ابنه نعيم وهو مختلف في صحبته. اهـ.

(2)

كذا في (ف): واصل بن عمرو، ولم أقف له على ترجمة، وقد وقع في بعض المصادر واصل بن عمر كما في "نصب الراية" 1/ 242، "تخريج أحاديث =

ص: 161

الجُذامي ومحمد بن المنكدر.

ورواه عن علقمة غير التيمي: سعيد بن المسيب، ونافع مولى ابن عمر، وتابع يحيى بن سعيد على روايته عن التيمي (محمد)

(1)

بن علقمة أبو الحسن الليثي، وداود بن أبي الفرات، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطاة، وعبد الله بن قيس الأنصاري.

الوجه التاسع:

ادعى الخليلي أن الذي عليه الحفاظ أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ به ثقة أو غيره، فما كان عن غير ثقة فمردود وما كان عن ثقة توقف فيه، ولا يحتج به

(2)

. وقال الحاكم: إنه ما انفرد به ثقة وليس له أصل يتابع

(3)

.

وما ذكراه يشكل بما ينفرد به العدل الضابط كهذا الحديث؛ فإنه لا يصح إلا فردًا و (ليس له)

(4)

متابع أيضًا كما سلف، ومثل هذا الحديث النهي عن بيع الولاء وهبته الآتي في بابه تفرد به عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم

(5)

، وقد قال مسلم في "صحيحه": للزهري نحو من تسعين حديثًا يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيها أحد بأسانيد جياد

(6)

، وما أبدع حد الشافعي رحمه الله للشاذ، حيث

= المختصر" 2/ 248، ولم أقف له أيضا على ترجمة، والله أعلم.

(1)

في (ف) محمد بن محمد، والصواب ما أثبتناه كما في "تهذيب الكمال" 26/ 212.

(2)

"الإرشاد" للخليلي 1/ 176.

(3)

"معرفة علوم الحديث" للحاكم ص 119.

(4)

في (ف): وله، ولعل الصواب ما أثبتناه حتى يستقيم السياق والله أعلم.

(5)

سيأتي برقم (2535) كتاب: العتق، باب: بيع الولاء وهبته.

(6)

"صحيح مسلم" عقب الرواية (1647).

ص: 162

قال هو وأهل الحجاز: الشاذ هو أن يروي الثقة مخالفًا رواية الناس، لا أن يروي ما لا يروي الناس.

وهذا الحديث وأشباهه ليس فيه مخالفة، بل له شواهد من الكتاب والسنة؛ فمن الأول قوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24] {فليعمل عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]{كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ} [البقرة: 264]: 264 {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ} [البقرة: 266]{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ} [الشورى: 20].

أخبر تعالى أنه لا يكون في الآخرة نصيب إلا لمن قصدها بالعمل.

ومن الثاني: عدة أحاديث ستعلمها في موضعها منها: حديث:

"ولكن جهاد ونية"

(1)

، وحديث: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن

ينظر إلى قلوبكم"

(2)

، وحديث: "إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ على أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا

فَهُوَ لَهُ صَدَقَة"

(3)

، وحديث: "إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا

أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِىْ امْرَأَتِكَ"

(4)

، وحديث: "يقول الله

عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا يشرك فيه غيري فأنا

(1)

سيأتي برقم (1834) كتاب: جزاء الصيد، باب: لا يحل القتال بمكة، (3077) كتاب: الجهاد والسير، باب: لا هجرة بعد الفتح، (2783) كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل الجهاد والسير، (2825) كتاب: الجهاد والسير، باب: وجوب النفير، وما يجب من الجهاد والنية.

(2)

رواه مسلم (2564) كتاب: البر والصلة، باب: تحريم ظلم المسلم وخذله، وابن ماجه (4143)، وأحمد 2/ 285، 539 من حديث أبي هريرة.

(3)

سيأتي برقم (55) كتاب: الإيمان، باب: ما جاء أن الأعمال بالنية ولكل امرئٍ ما نوى، ورواه مسلم (1002) كتاب: الزكاة، باب: أي الصدقة أفضل.

(4)

سيأتي برقم (56) كتاب: الإيمان، باب: ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، (1295) كتاب: الجنائز، باب: رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة، (2742) كتاب: =

ص: 163

بريء منه، وهو للذي أشرك"

(1)

وفي رواية: "تركته وشركه"، وحديث:"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"

(2)

.

الوجه العاشر:

قول البخاري رحمه الله: (ثنا الحميدي)، وقول يحيى بن سعيد (أخبرني) يتعلق به مسائل:

الأولى: في كتابة: نا وأنا، وقد أسلفنا الكلام عليه في القاعدة الخامسة عشر في الفصل المعقود لها فرَاجِعْها منه.

الثانية: جرت العادة أنْ يقال فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ: حَدَّثَني، ومع غيره: ثنا، وفيما قرأ عليه بنفسه: أخبرني، وفيما قرأ عليه بحضوره: أنا، فإن شك هل كان وحده أو مع غيره؟ فيحتمل أن يقال: يقول: حَدَّثَني أو أخبرني؛ لأن عدم غيره هو الأصل، واختاره البيهقي، ولا يقول: ثنا، فإن كان حَدَّثَني أكمل مرتبة منها فيقتصر

= الوصايا، باب: أن يترك ورثته أغنياء، (3936) كتاب: مناقب الأنصار، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم"، (4409) كتاب: المغازي، باب: حجة الوداع، (5354) كتاب: النفقات، باب: فضل النفقة على الأهل. (5668) كتاب: المرض، باب: ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع، (6373) كتاب: الدعوات، باب: التعوذ من البخل، (6733) كتاب: الفرائض، باب: ميراث البنات. ورواه مسلم (1628) كتاب: الوصية: باب الوصية بالثلث.

(1)

رواه مسلم (2985) كتاب: الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله، وابن ماجه (4202)، وأحمد 2/ 301، وابن خزيمة 2/ 67 - 68 (938) كلهم من حديث أبي هريرة.

(2)

سيأتي برقم (7458) كتاب: التوحيد، باب: قوله تعالى: وقد {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا} ، ورواه مسلم (1904) كتاب: الاِمارة، باب: من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله، عن أبي موسى الأشعري.

ص: 164

على الناقص، وهو ما قاله الإمام يحيى القطان فيما إذا شك أن الشيخ قال: نا فلان أو حَدَّثَني، ثم إن هذا التفصيل من أصله مستحب، ويجوز في حَدَّثَني: نا، وفي أخبرني: أنا، وذلك سائغ في كلام العرب.

الثالثة: أرفع الأقسام عند الجماهير السماع من لفظ المُسْمِع، قال الخطيب: وأرفع العبارات: سمعت ثم نا، وحَدَّثَني، فإنه لا يكاد أحد يقول في الإجازة والكتابة: سمعت لأنه يدلس ما لم يسمعه، وكان بعضهم يستعمل ثنا في الإجازة

(1)

.

وقال ابن الصلاح: نا، وأنا أرفع من سمعت؛ إذ ليس في سمعت دلالة أن الشيخ خاطبه، بخلافهما كما وقع لأبي القاسم الآبندوني

(2)

، فإنه كان عسر الرواية، فكان البرقاني يجلس بحيث لا يراه أبو القاسم، ولا يعلم بحضوره فيسمع منه ما يحدث به، فكان يقول: سمعت، ولا يقول: نا ولا أنا؛ لأن قصده الرواية للداخل عليه

(3)

.

قلت: ولك أن تقول: نا أيضًا، قد استعملها بعضهم في الإجازة كما سلف، ولا شك في انحطاط رتبتها عن السماع.

الرابعة: في إطلاق نا، وأنا في القراءة على الشيخ ثلاث مذاهب: المنع، والجواز، والمنع في نا والجواز في أنا، والأول قول جماعة

(1)

انظر: "الكفاية" ص 412 - 413.

(2)

هو أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم بن يوسف الآبندوني الجرجاني، كان إمامًا حافظًا زاهدًا ثقة مأمونًا ورعًا مكثرًا من الحديث، وكان من أقران أبي بكر الإسماعيلي وأبي أحمد ابن عدي الحافظ، وروى عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر البرقاني الخوارزمي.

مات سنة ثمان أو سبع وستين وثلاثمائة.

انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 9/ 408، "الأنساب" للسمعاني 1/ 91 - 92.

(3)

"مقدمة ابن الصلاح" ص 135 - 136.

ص: 165

منهم: أحمد، وصححه الآمدي

(1)

، والغزالي

(2)

من الأصوليين، وهو مذهب المتكلمين.

والثاني: منسوب إلى معظم الحجازيين والكوفيين ومالك والبخاري أيضًا، وصححه ابن الحاجب

(3)

من الأصوليين، وعن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة

(4)

.

والثالث: نسب إلى الشافعي وأصحابه ومسلم بن الحجاج وجمهور أهل المشرق، ونقل عن أكثر المحدثين أيضًا ومنهم ابن وهب

(5)

، وقيل: إنه أول من أحدث هذا الفرق بمصر، وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث

(6)

، وقد أعاد أبو حاتم الهروي قراءة "صحيح البخاري" كله؛ لأنه قرأه على بعض الشيوخ عن الفربري، وكان يقول له في كل حديث: حدثكم الفربري، فلما فرغ من الكتاب سمع الشيخ يذكر له إنما سمع الكتاب من الفربري قراءة عليه، فأعاده وقال له في جميعه: أخبركم الفربري

(7)

.

وقد ذكر البخاري في باب: العلم كما ستعلمه: عن الحميدي عن

(1)

"الإحكام" 2/ 100.

(2)

"المستصفى" 1/ 310.

(3)

"منتهى الوصول" ص 83.

(4)

"معرفة علوم الحديث" ص 259 - 260.

(5)

"مقدمه ابن الصلاح" ص 132 - 137، "المقنع في علوم الحديث" ص 288 - 292.

(6)

انظر: "علوم الحديث" ص 140، ثم قال ابن الصلاح: وهذا يدفعه أن ذلك مروي عن ابن جريج والأوزاعي حكاه عنهما الخطيب، إلا أن يعني أنه أول من فعل ذلك بمصر، والله أعلم. اهـ.

(7)

أوردها الخطيب في "الكفاية" ص 436.

ص: 166

ابن عيينة أنه قال: نا وأنا وأنبأنا وسمعت واحد

(1)

، وقد أتى البخاري في هذا الحديث بألفاظ، فقال: نا الحميدي، نا سفيان، وفي بعض نسخه، وهي نسخة شيخنا قطب الدين عن سفيان، ثم قال: أخبرني محمد، ثم قال سمعت عمر، فكأنه يقول: هذِه الألفاظ كلها تفيد السماع والاتصال

(2)

.

الوجه الحادي عشر:

قام الإجماع على أن الإسناد المتصل بالصحابي لا فرق فيه بين أن يأتي بلفظ: سمعت، أو بلفظ: عن، أو بلفظ: أن، أو بلفظ: قال. وقد ذكر البخاري في هذا الحديث الألفاظ الأربعة، فذكره هنا وفي الهجرة

(3)

والنذور وترك الحيل بلفظ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي باب: العتق بلفظ: عن. وفي؛ باب: الإيمان بلفظ: أنَّ، وفي النكاح بلفظ: قال.

نعم. وقع الاختلاف فيمن دونه إذا قال: عن، فقيل: إنه من قبيل المرسل والمنقطع حَتَّى يتبين اتصاله بغيره، والصحيح أنه من قبيل المتصل بشرط أن لا يكون المُعَنعِنُ مدلسًا، وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا. وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالراوية عنه مذاهب:

(1)

سيأتي قبل الرواية (61) كتاب: العلم، باب: قول المحدث: حدثنا أو أخبرنا أو أنبانا.

(2)

ورد بهامش (ف) ما نصه: بلغ إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي قراءة على شيخنا حافظ الإسلام المصنف، وسمعه الأئمة شيخنا شمس الدين محمد الصفدي والبستاني الحاضري وأبو الحسن التيمي وابن بهرام وآخرون.

(3)

من كتاب: "المناقب" حديث رقم (3898).

ص: 167

أحدها: لا يشترط شيء من ذَلِكَ، ونقل مسلم في مقدمة "صحيحه" الإجماع عليه

(1)

.

وثانيها: يشترط ثبوت اللقاء وحده، وهو قول البخاري والمحققين.

وثالثها: يشترط طول الصحبة.

ورابعها: يشترط معرفته بالرواية عنه، وقد أسلفنا كل ذَلِكَ في القاعدة الخامسة السالفة أول الكتاب في المقدمات.

والحميدي مشهور بصحبة ابن عيينة، وهو أثبت الناس فيه، قال أبو حاتم: هو رئيس أصحابه ثقة إمام

(2)

. وقال ابن سعد: هو صاحبه وراويته

(3)

. والأصح أنَّ أنْ كعن بالشرط المتقدم. قلت: ولغة بني تميم إبدال العين من الهمزة، وقال أحمد وجماعة: يكون منقطعًا حَتَّى يتبين السماع.

الوجه الثاني عشر:

ذكر البخاري في بعض رواياته لهذا الحديث: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي بعضها: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم. كما قدمناه. وتتعلق بذلك مسألة مهمة وهي: هل يجوز تغيير قال النبي إلى قال الرسول أو عكسه؟ وقد سلفت أول الكتاب.

قال ابن الصلاح: والظاهر أنه لا يجوز، وإن جازت الرواية بالمعنى؛ لاختلاف معنى الرسالة والنبوة

(4)

. وسهل في ذَلِكَ الإمام أحمد وحماد بن سلمة والخطيب، وصوبه النووي، فإنه لا يختلف به

(1)

"صحيح مسلم" 1/ 32.

(2)

"الجرح والتعديل" 5/ 57.

(3)

"الطبقات الكبرى" 5/ 502.

(4)

"مقدمة ابن الصلاح" ص 233.

ص: 168

هنا معنى

(1)

، وهو كما قال. وبهذا يظهر ردُّ بحثِ مَن بحثَ، حيث قال: لو قيل: يجوز تغيير النبي إلى الرسول دون عكسه لما بعد؛ لأن في الرسول معنى زائدًا على النبي وهو الرسالة.

قلت: وهذِه المسألة من أصلها مبنية على أن الرسالة أخص من النبوة، وهو ما عليه الجمهور.

وأما من قال: إنهما بمعنى، فلا يأبى هذا، وقد أوضحت الكلام على ذَلِكَ في كتابنا المسمى بـ"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" في شرح الخطبة مع فوائد جمة متعلقة بذلك، وذكرت فيه أن من الغرائب ما قاله الحليمي

(2)

: إن الإيمان يحصل بقول الكافر: آمنت بمحمد النبي دون محمد الرسول، معللًا بأن النبي لا يكون إلا لله، والرسول قد يكون لغيره. وقلت فيه: كأنه أراد أن لفظ الرسول يستعمل عرفًا في غير الرسالة إلى الخلق، بخلاف النبوة فإنها لا تستعمل إلا في النبوة الشرعية دون اللغوية

(3)

.

ثم اعلم أنه يتأكد الاعتناء بالجمع بين الصلاة والتسليم عند ذكره

(1)

"مسلم بشرح النووي" 1/ 38.

(2)

الحليمي هو أبو عبد الله، الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري، الشافعي أحد الأذكياء الموصوفين، ومن أصحاب الوجوه في المذهب، كان متفننا، سيّال الذهن، مناظرًا، طويل الباع في الأدب والبيان. ولد في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وله مصنفات نفيسة، توفي في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعمائة.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 2/ 137، 138، "سير أعلام النبلاء" 17/ 231 - 234، "الوافي بالوفيات" 12/ 351، "طبقات السبكي" 4/ 333 - 343.

(3)

"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 108.

ص: 169

عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد نص العلماء على كراهة إفراد أحدهما

(1)

.

الوجه الثالث عشر:

اختلف النحاة في (سمعت) هل يتعدى إلى مفعولين؟ على قولين: أحدهما: نعم، وهو مذهب أبي علي الفارسي في "إيضاحه" قال: لكن لابد أن يكون الثاني مما يُسْمَع، كقولك: سمعت زيدًا يقول كذا، ولو قلت: سمعمت زيدًا أخاك لم يجز

(2)

، والصحيح أنه لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، والفعل الواقع بعد المفعول في موضع الحال، أي: سمعته حال قوله كذا.

الوجه الرابع عشر:

(الْمِنْبَرِ) -بكسر الميم- مشتق من النبر وهو الارتفاع، قاله أهل اللغة

(3)

، قال الجوهري: نبرت الشيء، أنْبُرُه نبرًا: رفعته. ومنه سمي المِنبر

(4)

.

الخامس عشر:

لفظة: "إنما" موضوعة للحصر، تثبت المذكور، وتنفى ما عداه، هذا مذهب الجمهور من أهل اللغة والأصول وغيرهما. وعلى هذا هل هو بالمنطوق أو بالمفهوم؟ فيه مذهبان حكاهما ابن الحاجب

(5)

،

(1)

انظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 190، "مسلم بشرح النووي" 1/ 44، "المقنع" 1/ 353.

(2)

"الإيضاح" 1/ 197.

(3)

"لسان العرب" 5/ 188، "تاج العروس" 1/ 3510، مادة:(نبر).

(4)

"الصحاح" 2/ 821، مادة:(نبر).

(5)

"المنتهى" لابن الحاجب ص 112.

ص: 170

ومقتضى كلام الإمام وأتباعه أنه بالمنطوق

(1)

، واختار الآمدي أنها لا تفيد الحصر بل تفيد تأكيد الإثبات

(2)

، وهو الصحيح عند النحويين

(3)

، وقيل: تفيده وضعًا لا عرفًا، حكاه بعض المتأخرين، ومحل بسط المسألة كتب الأصول والعربية فلا نطول به.

فائدتان: الأولى: (أنما) -بفتح الهمزة- كإنما قاله الزمحشري

(4)

في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء: 108].

وعُدَّ ذَلِكَ من أفراده

(5)

، ومنع بعض شيوخنا الحصر هنا لاقتضائه أنه لم يُوْحَ إليه غير التوحيد

(6)

. وفيما ذكره نظر، فإن الخطاب مع المشركين، فالمعنى: ما أُوحي إِلَيَّ في أمر الربوبية إلا التوحيد لا الإشراك

(7)

.

الثانية: للحصر أدواتٌ أُخَرُ منها: حصر المبتدأ في الخبر نحو: العالم زيد

(8)

، ومنها: تقديم المعمولات على ما قاله الزمخشري

(9)

وجماعة نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]، ومنها إلا، على اختلاف

(1)

"التمهيد" للإسنوي ص 218، "الإبهاج" 1/ 356.

(2)

"الإحكام" 3/ 106.

(3)

انظر: "مغني اللبيب" ص 406.

(4)

"الكشاف" 3/ 208.

(5)

قاله أبو حيان، انظر:"مغني اللبيب" ص 59، "القواعد والفوائد الأصولية" للبعلي ص 140.

(6)

وهو منقول أيضًا عن أبي حيان، انظر المصادر السابقة.

(7)

انظر: "مغني اللبيب" ص 59، "القواعد والفوائد الأصولية" ص 140.

(8)

قلت: المسألة خلافية، فقد ذهب الحنفية والقاضي أبو بكر وجماعة من المتكلمين إلى أنه لا يفيد الحصر، واختاره الآمدي، وذهب الغزالي والهراسي وجماعة من الفقهاء إلى أنه يدل على الحصر. انظر:"الإحكام" 3/ 106.

(9)

"الكشاف" 1/ 4، 7.

ص: 171

فيها، ومنها لام كي، كقوله تعالى:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]، قاله الباجي

(1)

، ومنها السبر والتقسيم

(2)

نحو: إن لم يكن زيد متحركًا فهو ساكن.

السادس عشر:

في الحديث مع "إنما" صيغة حَصْرٍ أخرى، وهي المبتدأ والخبر الواقع بعده، وقد أسلفنا عن البخاري أنه رواه مرة بإسقاط "إنما" فكل منهما إذا انفرد يفيد ما أفاده الآخر واجتماعهما آكد.

السابع عشر:

"الأَعْمَال" حركات البدن، ويتجوز بها عن حركات النفس، وعبَّر بها دون الأفعال؛ لئلا تتناول أفعال القلوب، ومنها النية ومعرفة الله تعالى، فكان يلزم أن لا يصحَّان إلا بنية، لكن النية فيهما محال؛ أما النية فلأنها لو توقفت على نية أخرى لتوقفت الأخرى على أخرى ولزم التسلسل أو الدور، وهما محالان. وأما معرفة الله تعالى؛ فلأنها لو توقفت على النية، -مع أن النية قصد المنوي بالقلب- لزم أن يكون عارفًا بالله قبل معرفته وهو محال. ولأن المعرفة وكذا الخوف والرجاء مميزة لله تعالى بصورتها- وكذا التسبيح وسائر الأذكار والتلاوة، لا يحتاج شيء منها إلى نية التقرب به بل إلى مجرد القصد له، ولهذا لما كان الركوع والسجود في الصلاة غير ملتبس بهما لم يجب فيهما ذكر،

(1)

"المنتقى" 3/ 132.

(2)

السبر والتقسيم: هو حصر الأوصاف في الأصل المقيس عليه وإبطال ما لا يصلح بدليل فيتعين أن يكون الباقي علة، والسبر لغة: الاختبار ومنه الميل الذي يختبر به الجرح، فإنه يقال له: المسبار، وسمي هذا به؛ لأن المناظر يقسم الصفات ويختبر كل واحدِ منها، هل تصلح للعلية أم لا؟ =

ص: 172

بخلاف القيام والقعود في التشهد فإن كلًّا منهما ملتبس بالعادة، فوجب في القيام القراءة وفي القعود التشهد ليتميزا عن العادة.

ثم اعلم أن الأعمال ثلاثة: بدني، وقلبي، ومُرَكَّب منهما:

فالأول: كل عمل لا يشترط فيه النية: كرد الغصوب، والعواري، والودائع، والنفقات، وكذا إزالة النجاسة على الصواب وغير ذَلِكَ.

والثاني: كالاعتقادات، والتوبة، والحب في الله، والبغض فيه، وما أشبه ذَلِكَ.

والثالث: كالوضوء، والصلاة، والحج، وكل عبادة بدنية، فيشترط فيها النية قولًا كانت أو فعلًا كما سيأتي. وبعض الخلافيين يخصص العمل بما لا يكون قولًا، وفيه نظرٌ؛ لأن القول عمل جارحي أيضًا، أما الأفعال فقد استعملت مقابلة للأقوال. ولا شك أن هذا الحديث يتناول الأقوال.

الوجه الثامن عشر:

"النِّيَّاتِ": جمع نية -بالتشديد والتخفيف-، فمن شدد -وهو المشهور- كانت من نوى ينوي إذا قصد وأصله نوية، قلبت الواو ياء ثم أدغمت في الياء بعدها لتقاربهما، ومن خفف كانت من ونى يني إذا أبطا وتأخر؛ لأن النية تحتاج في توجيهها وتصحيحها إلى إبطاء وتأخر

(1)

. ويقال: نويت فلانًا وأنويته بمعنًى.

= انظر: "المختصر في أصول الفقه" لابن اللحام ص 148، "المنخول" ص 350، "شرح الكوكب المنير" 4/ 142، "إرشاد الفحول" 2/ 892.

(1)

قال العيني في "عمدة القاري" 1/ 26: وهذا بعيد لأن مصدر ونى يني وَنْيًا، قال الجوهري: يقال: ونيت في الأمر أني ونًى ووَنيًا، أي: ضعفت فأنا وانٍ. اهـ.

وانظر: "الصحاح" 6/ 2531.

ص: 173

الوجه التاسع عشر: الباء في قوله: ("بِالنِّيَّاتِ")، يحتمل أن تكون باء السببية، ويحتمل أن تكون باء المصاحبة

(1)

، ويتخرج على ذَلِكَ أن النية جزءٌ من العبادة أم شرط، وستعلم ما فيه قريبًا.

الوجه العشرون:

وجه إفراد النية على رواية البخاري في الإيمان كونها مصدرًا، وجمعت هنا، لاختلاف أنواعها ومعانيها؛ لأن المصدر إذا اختلفت أنواعه جُمع، فمتى أُريد مطلق النية -من غير نظر لأنواعها- تعين الإفراد، ومتى أريد ذَلِكَ جُمعت.

الوجه الحادي بعد العشرين:

أفردت أيضًا وجمعت الأعمال؛ لأن المفرد المُعَرَّف عام، والمراد أن كل عمل على انفراده تعتبر فيه نية مفردة، ويحتمل أن العمل الواحد يحتاج إلى نيات إذا قُصِدَ كمال العمل، كمن قصد بالأكل دفع الجوع، وحفظ النفس، والتقوي على العبادة، وما أشبه ذَلِكَ، وبسبب تعدد النيات يتعدد الثواب.

الوجه الثاني بعد العشرين:

أصل النية: القصد، تقول العرب: نواك الله بحفظه، أي: قصدك الله بحفظه، كذا نقله عنهم جماعة من الفقهاء، واعترض ابن الصلاح

(1)

باء السببية هي التي يَصلح غالبًا في موضعها اللام وقد يصلح موضعها لفظ (بسبب) ومنه قوله تعالى {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} . أما باء المصاحبة فلها علامتان: إحداهما: أن يحسن في موضعها (مع)، والأخرى: أن يغني عنها وعن مصحوبها الحال. كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} أي مع الحق أو محقًا، وقوله:{قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ} أي: مع سلام أو مسلمًا عليك. ولصلاحية وقوع الحال موقعها سماها كثير من النحويين باء الحال.

ص: 174

فقال: هذِه عبارة منكرة؛ لأن المقصود مخصوص بالحادث، فلا يضاف إلى الله تعالى.

قال: وفي ثبوت ذَلِكَ عن العرب نظر؛ لأن الذي في "الصحاح": نواك الله، أي: صحبك في السفر وحفظك

(1)

، وقال الأزهري: يقال: نواه الله، أي: حفظه

(2)

، وهذا الذي أنكره عليهم غير منكر بل صحيح، وقد قال: هو في القطعة التي شرحها من أول

(3)

"صحيح مسلم"، وقد ورد عن العرب: نواك الله بحفظه. هذا كلامه، ومعلوم أن من أطلق القصد لم يرد القصد الذي هو من صفة الحادث بل أراد الإرادة، إذا تقرر هذا، فالمراد هنا قصد الشيء المأمور تقربًا إلى الله تعالى مقترنًا بقصده. فإن قصد وتراخى عنه فهو عزم. وجعل الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي

(4)

في "أربعينه" النيةَ، والإرادةَ، والقصد، والعزم بمعنًى، قال: وكذا أزمعت على الشيء وعمدت إليه، قال: وتطلق الإرادة على الله تعالى ولا يطلق عليه غيرها مما (ذكرنا)

(5)

.

(1)

"الصحاح" 6/ 2516.

(2)

"تهذيب اللغة" 4/ 3682 مادة: نوى.

(3)

هنا تبدأ النسخة: (ج).

(4)

هو علي بن المفضل بن علي بن مفرج بن حاتم بن حسن بن جعفر، الشيخ الإمام، المفتي، الحافظ، الكبير، المتقن، شرف الدين، أبو الحسن، ولد في سنة أربع وأربعين وخمسمائة، كان ذا دِيْنٍ وَوَرع وتصون وعدالة وأخلاق رضيّة، توفي في مستهل شعبان سنة إحدى عشرة وستمائة ودفن بسفح المقطم.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 3/ 290 - 292، "سير أعلام النبلاء" 22/ 66 - 69، "العبر" 5/ 38 - 39.

(5)

في (ج): ذكرناه. قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في "معجم المناهي اللفظية" ص 324: النية لا يجوز إطلاقها على الله، فلا يقال: ناوٍ، ولكن يقال يريد، طردًا لقاعدة التوقيف على ما ورد به النص. اهـ.

ص: 175

ثم اعلم بعد ذَلِكَ أن محلها القلب عند الجمهور لا اللسان؛ لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، والإخلاص إنما يكون بالقلب، وقال تعالى:{وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37]، وقال عليه أفضل الصلاة والسلام:"التقوى ها هنا" ويشير إلى صدره ثلاث مرات

(1)

.

إذا تقرر أن محلها القلب، فإن اقتصر عليه جاز

(2)

إلا في الصلاة على وجه شاذٍّ لأصحابنا لا يُعْبَأ به. وإن اقتصر على اللسان لم يجز

(3)

إلا في الزكاة على وجه شاذٍّ أيضا

(4)

، ومثله قول الأوزاعي: لا تجب النية في الزكاة

(5)

وإن جمع بينهما فهو آكد

(6)

. واشترطه

(1)

رواه مسلم (2564) كتاب: البر والصلة، باب: تحريم ظلم المسلم، وأبو داود (4882)، والترمذي (1927)، وابن ماجه (3933)، وأحمد 2/ 277، والبيهقي في "الشعب" 7/ 507، 508 (11151) كلهم من حديث أبي هريرة.

(2)

انظر: "المعونة" 1/ 91، "المهذب" 1/ 236، "العزيز" 1/ 470، "الكافي" لابن قدامة 1/ 275.

(3)

انظر: "الحاوي" 2/ 91، "التهذيب" 2/ 72، "البيان" 2/ 160.

(4)

انظر: "المجموع" 1/ 359، "فتاوى السبكي" 1/ 199.

(5)

انظر: "المجموع" 6/ 157، "المغني" 4/ 88.

(6)

وقال بعضهم: يستحب، وقال آخرون: إنه أكمل الأحوال انظر: "الحاوي" 2/ 91، "الوسيط" 1/ 209، "المغني" 2/ 132، والصواب أن التلفظ بالنية سرًّا بدعة، قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 22/ 233: الجهر بالنية في الصلاة من البدع السيئة، ليس من البدع الحسنة، وهذا متفق عليه بين المسلمين، لم يقل أحد منهم أن الجهر بالنية مستحب، ولا هو بدعة حسنة، فمن قال ذلك فقد خالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأئمة الأربعة، وغيرهم، وقائل هذا يستتاب فإن تاب وإلا عوقب بما يستحقه، وإنما تنازع الناس في نفس التلفظ بها سرًا هل يستحب أم لا؟ على قولين: والصواب أنه لا يستحب التلفظ بها فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يتلفظون بها لا سرًا ولا جهرًا، والعبادات التي شرعها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ليس =

ص: 176

أبو عبد الله الزبيري كما أشار إليه الماوردي

(1)

، وحكاه الروياني

(2)

أيضًا، واقتضى كلامه طرده في كل عبادة. ومشهور مذهب مالك أن الأفضل أن ينوي العبادة بقلبه من غير نطق بلسانه؛ إذ اللسان ليس محلًّا للنية على ما مر

(3)

.

تنبيهات:

أحدها: جميع النيات المعتبرة يشترط فيها المقارنة إلا الصوم

= لأحد تغييرها، ولا إحداث بدعة فيها. اهـ.

وقال في 22/ 219 - 220: والنية تتبع العلم فمن علم ما يريد أن يفعله فلابد أن ينويه، فإذا علم المسلم أن غدًا من رمضان، وهو ممن يصوم رمضان، فلابد أن ينوي الصيام، فإذا علم أن غدًا العيد لم ينو الصيام تلك الليلة. ثم قال: والنية تتبع العلم والاعتقاد اتباعًا ضروريًا، إذا كان يعلم ما يريد أن يفعله فلابد أن ينويه، فإذا كان يعلم أنه يريد أن يصلي الظهر، وقد علم أن تلك الصلاة صلاة الظهر، امتنع أن يقصد غيرها. اهـ.

وقال في "شرح العمدة" 2/ 591: لأن النية محض عمل القلب فلم يشرع إظهارها باللسان لقوله تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحجرات: 16]، وفاعل ذلك يُعلم الله بدينه الذي في قلبه. اهـ.

(1)

"الحاوي" 2/ 91 - 92.

(2)

هو القاضي العلامة، فخر الإسلم، شيخ الشافعية، أبو المحاسن عبد الواحد بن

إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني، الطبري، الشافعي، ولد في آخر سنة خمس

عشرة وأربعمائة، من مصنفاته:"البحر" في المذهب، طويل جدًّا، غزير الفوائد،

"مناصيص الشافعي"، "حلية المؤمن"، "الكافي". قتل بجامع آمل يوم الجمعة

حادي عشر سنة إحدى وخمسمائة، قتلته الإسماعيلية، ورويان بلدة من أعمال

طبرستان. انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 198/ 3 - 199، "سير أعلام

النبلاء" 19/ 260 - 262، "العبر" 4/ 4 - 5، "طبقات السبكي" 7/ 193 - 203.

(3)

انظر: "المعونة" 1/ 91، "التاج والإكليل" 2/ 207، "حاشية الدسوقي" 1/ 234.

ص: 177

للمشقة، وإلا الزكاة؛ فإنه يجوز تقديمها قبل وقت إعطائها، قيل: والكفارات؛ فإنه يجوز تقديمها قبل الفعل والشروع.

ثانيها: ينبغي لمن أراد شيئًا من الطاعات أن يستحضر النية، فينوي به وجه الله تعالى. وهل يشترط ذَلِكَ أول كل عمل وإن قَلَّ وتكرر فعله مقارنًا لأوله؟ فيه مذاهب: أحدها: نعم. وثائيها: يشترط ذَلِكَ في أوله ولا يشترط إذا تكرر، بل يكفيه أن ينوي أول كل عمل، ولا يشترط تكرارها فيما بعد ولا مقارنتها ولا الاتصال. وثالثها: يشترط المقارنة دون الاتصال. ورابعها: يشترط الاتصال وهو أخف من المقارنة.

وكأن هذِه المذاهب راجعة إلى أنَّ النية جزء من العبادة أو شرط لصحتها، والجمهور على الأول، ولأصحابنا وجه بالثاني، والشرط لا (يجب)

(1)

مقارنته ولا اتصاله ولا تكراره للمشروط، بل متى وجد ما يرفعه أو ينفيه وجب فعله، وقال الحارث بن أسد المحاسبي

(2)

: الراجح عند أكثر السلف الاكتفاء بنية عامة، ولا يحتاج إليها في كل جزء لما فيه من الحرج والمشقة.

الثالث: النية وسيلة للمقاصد، والأعمال قد تكون وسيلة وقد تكون مقصودة وقد يجتمعان.

(1)

خرق بمقدار كلمة في (ج).

(2)

هو الزاهد العارف، شيخ الصوفية، أبو عبد الله، الحارث بن أسد البغدادي، المحاسبي، صاحب التصانيف الزهدية، قال الخطيب: له كتب كثيرة في الزهد وأصول الديانة والرد على المعتزلة والرافضة، وقال الذهبي: المحاسبي كبير القدر، وقد دخل في شيء يسير من الكلام فنُقم عليه، وورد أن الإمام أحمد أثنى على حال المحاسبي من وجه وحذر منه، مات سنة 243.

وانظر ترجمته في: "حلية الأولياء" 10/ 73، 109، "تاريخ بغداد" 8/ 211، 216، "وفيات الأعيان" 2/ 57، 58، "سير أعلام النبلاء" 12/ 110 - 112.

ص: 178

الرابع: الغرض المهم من النِّيَّة تمييز العبادات عن العادات، وتمييز رتب العبادات بعضها عن بعض، فمن أمثلة الأول: الوضوء، والغسل، والإمساك عن المفطرات، ودفع المال إلى الغير. ومن أمثلة الثاني: الصلاة.

الخامس: قد أسلفنا أن معنى النِّيَّة القصد، وذلك لا يؤثر إلا إذا كان جازمًا بالمقصود بصفته الخاصة، وإلا لم يكن قصدًا، فلو كان شاكًّا في وجود شرط ذَلِكَ الفعل، أو علق النية على شرط لم يصح المنوي، نعم لو كان جازمًا بالوجوب ناسيًا صفته، كمن تحقق أن عليه صومًا ولم يَدْرِ أنه من قضاء رمضان أو نذر أو كفارة، فقد حكى صاحب "البيان" عن (الصيمري)

(1)

أنه يصح إذا نوى الصوم الواجب عليه، قياسًا على من نسي صلاة من الخَمس ولم يعرف عينها، فإنه يعذر في جزم النية للضرورة

(2)

. ولو علق كما إذا قال: أصوم غدًا إن شاء الله. فالأصح أنه إن قصد الشك أو التعليق لم يصح، وإن قصد التبرك أو تعليق الحياة على مشيئة الله تعالى وتمكينه صح

(3)

، ثم في عدم الجزم بالنية صورٌ محل الخوض فيها كتب الفروع.

(1)

في (ف): الصميري، وما أثبتناه من (جـ) وهو الصواب، والصيمري هو: شيخ الإسلام، القاضي أبو القاسم، عبد الواحد بن الحسين الصيمري، من أصحاب الوجوه.

من مصنفاته: "الإيضاح في المذهب"، "القياس والعلل"، "الكفاية". توفي الصيمري بعد سنة ست وثمانين وثلائمائة.

انظر ترجمته في: "معجم البلدان" 3/ 439، "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 265، "سير أعلام النبلاء" 17/ 14.

(2)

"البيان" 3/ 492.

(3)

انظر: "البيان" 3/ 492 - 493، "المجموع" 6/ 315.

ص: 179

الوجه الثالث بعد العشرين:

قوله صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ .. ") هو متعلق بالخبر المحذوف، ولا جائز أن نقدر وجودها لوجود العمل ولا نية، فتعين أن نقدر نفي الصحة أو نفي الكمال، وفيه مذهبان للأصوليين، والأظهر الأول؛ لأنه أقرب إلى حضوره بالذهن عند الإطلاق، فالحمل عليه أَوْلَى، وقد يقدرونه بالاعتبار، أي: اعتبار الأعمال بالنيات، وقرب ذَلِكَ بمثل قولهم: إنما الملك بالرجال -أي: قوامه ووجوده- وإنما الرجال بالمال، وإنما الرعية بالعدل، وكل ذَلِكَ يراد به أن قوام هذِه الأشياء بهذِه الأمور. وقدَّر بعض المحدثين القبول وهو راجع إلى ثواب الآخرة، وهو مرتب على الصحة والكمال، وقد تنفك الصحة عن القبول بالنسبة إلى أحكام الدنيا فقط. وعلى تقدير إضمار الصحة أو الكمال وقع اختلاف الفقهاء، فذهب الشافعي ومالك وأحمد وداود وجمهور أهل الحجاز إلى تقدير الصحة، أي: الأعمال مجزية أو معتبرة بالنيات، أو: إنما صحتها أو اعتبارها بالنيات. فيكون قد حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، فلا يصح وضوء ولا غسل ولا تيمم إلا بنية، وذهب أبو حنيفة ومن وافقه إلى تقدير الكمال، أي: كمال الأعمال بالنيات. فيصح الوضوء والغسل بغير نية ولا يصح التيمم إلا بنية، وذهبت طائفة ثالثة إلى أنه يصح الكل من غير نية، حكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وغيره

(1)

، ومحل الخوض في هذِه المسألة كتب الخلافيات، وقد أوضحتها في "شرح عمدة الأحكام"، فليراجع منه

(2)

.

(1)

"الأوسط" 1/ 369 - 370.

(2)

"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 183.

ص: 180

فإن قلت: الحديث المذكور عام مخصوص فإن أداء الدين، ورد الودائع، والأذان، والتلاوة، والأذكار، وهداية الطريق، وإماطة الأذى عبادات، وتصح بلا نية، فتضعف دلالته حينئذ، ويخص عدم اعتبارها في الوضوء أيضًا.

فالجواب: أن ما عُدَّ وادُّعِيَ فيه الصحة بلا نية إجماعًا ممنوع حَتَى يثبت الإجماع، ولن يقدر عليه، ثم نقول: النية تلازم هذِه الأعمال، فإنَّ مؤدي الديَّن قصد براءة الذمة وذلك عبادة، وكذا الوديعة، والأذكار، والتلاوة والأذان بصورتهن عبادة، ولا ينفك تعاطيهن عن القصد، وذلك نية. ومتى خَلَوْنَ عن القصد لم يعتد بهن عبادة، والهداية والإماطة مترددة بين القربة وغيرها، وتتميز بالقصد.

تتمات تتعلق بالنية:

الأولى: لو وطئ امرأة يظنها أجنبية، فإذا هي مباحة له أَثِمَ، ولو اعتقدها زوجته أو أمته فلا إثم

(1)

، وكذا لو شرب مباحًا يعتقده حرامًا أَثِمَ، وبالعكس لا يأثم، ومثله: ما إذا قَتل من يعتقده معصومًا، فبان أنه مستحق دمه، أو أتلف مالًا يظنه لغيره فكان ملكه.

قال الشيخ عز الدين في "قواعده": ويجري عليه حكم الفاسق لجرأته على ربه تعالى. وأما مفاسد الآخرة فلا يعذب (تعذيبَ)

(2)

زانٍ، ولا قاتلٍ ولا آكلٍ مالًا حرامًا؛ لأن عذاب الآخرة مرتب على رتب المفاسد في الغالب، كما أن ثوابها مرتب على رتب المصالح في الغالب، قال: والظاهر أنه لا يعذب تعذيبَ من ارتكب صغيرة

(1)

ورد بهامش (ف): قال الخضري: إن كانت زوجته حرة؛ فالولد حر، وإلا فرقيق.

(2)

فى (ج): عذاب.

ص: 181

لأجل جرأته وانتهاكه الحرمة، بل عذابًا متوسطًا بين الصغيرة والكبيرة

(1)

.

الثانية: لو قال لامرأته: أنت طالق. يظنها أجنبية (طلقت)

(2)

زوجته لمصادفة محله، وفي عكسه تردد لبعض العلماء مأخذه النظر إلى النية أو إلى فوات المحل، ولو قال لرقيقه: أنت حرٌّ. يظنه أجنبيًّا عتق، وفي عكسه التردد المذكور. وعلى هذا القياس في مسائل الشريعة والحقيقة والمعاملات الظاهرة والباطنة.

الثالثة: ذهب بعض العلماء إلى وقوع الطلاق بالنية المجردة ولزوم النذر بها؛ اعتمادًا على هذا الحديث ولا يرد على هذا حديث: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به"

(3)

لأن (المعفو)

(4)

عنه في هذا الحديث هو الخطرات والهمم الضعيفة، بخلاف ما (عقدت)

(5)

به العزائم، وهم إنما يوقعون الطلاق ونحوه بالنية إذا قويت وصارت عزيمة أكيدة.

الرابعة: إذا نذر اعتكاف مدة (متتابعة)

(6)

لزمه، وأصح الوجهين عند أصحابنا أنه لا يجب التتابع بلا شرط

(7)

.

(1)

"قواعد الأحكام" 1/ 26.

(2)

في (ج): خلفت.

(3)

سيأتي رقم (2528) كتاب: العتق، باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، و (5269) كتاب: الطلاق، باب: الطلاق في الإغلاق والكره، و (6664) كتاب: الأيمان والنذور، باب: إذا حنث ناسيًا في الأيمان، ومسلم (127) كتاب: الإيمان، باب: تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر.

(4)

في (ج): العفو.

(5)

في (ج): عقد.

(6)

في (ج): مستأنفة.

(7)

انظر: "روضة الطالبين" 2/ 339، "فتح الوهاب" 1/ 131، "مغني المحتاج" 1/ 455.

ص: 182

فعلى هذا لو نوى التتابع بقلبه ففي لزومه وجهان: أصحهما لا كما لو نذر أصل الاعتكاف بقلبه، كذا نقله الرافعي

(1)

عن تصحيح البغوي

(2)

وغيره. قال الروياني وهو ظاهر نقل المزني، قال: والصحيح عندي اللزوم؛ لأن النية إذا اقترنت باللفظ عملت كما لو قال: أنت طالق. ونوى ثلاثًا.

الخامسة: في اشتراط النية في الخطبة وجهان للشافعية كما في الأذان، قاله الروياني في "البحر" وفي الرافعي في الجمعة: أن القاضي حسين حكى اشتراط نية الخطبة وفرضيتها كما في الصلاة

(3)

، ونقله في "الشرح الصغير" عن بعضهم.

السادسة: عدة الوفاة من حين الموت حَتَّى لو بلغها موته بعد تقضيها حلت للأزواج عندنا، وبه قال مالك والكوفيون. ولو أعتق عبده عن غيره

(1)

"العزيز" 3/ 265 والرافعي هو شيخ الشافعية إمام الدين أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل الرافعي القزويني ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة من تصانيفه: "شرح مسند الشافعي"(طُبع بتحقيق دار الفلاح)، "الفتح العزيز في شرح الوجيز"، "التذنيب". توفي سنة 623.

انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 22/ 252 - 255.

(2)

"التهذيب" 3/ 226 وهو الشيخ الإمام، العلامة القدوة الحافظ، شيخ الإسلام، محي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي المفسر، صاحب التصانيف كـ "شرح السنة"، و"معالم التنزيل"، و"المصابيح"، و"التهذيب" وغيرها من التصانيف المفيدة النافعة.

كان يلقب بمحيي السنة، وبركن الدين، توفي بمرو الروذ في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 2/ 136 - 137، "سير أعلام النبلاء" 19/ 439 - 443، "الوافي بالوفيات" 13/ 26.

(3)

"العزيز" 2/ 293.

ص: 183

في كفارة الظهار بغير إذنه أجزأه عند ابن القاسم، وخالفه أشهب تبعًا للشافعي وأبي حنيفة

(1)

.

السابعة: إذا أخذ الخوارج الزكاة اعتد بها على الأصح عندنا.

ثالثها

(2)

: إن أخذت قهرًا فنعم، وإلا فلا، وبه قال مالك.

الثامنة: قال الشافعي في البويطي كما نقله الروياني، عن القاضي أبي الطيب عنه: قد قيل: إن من صرح بالطلاق، والظهار، والعتق ولم يكن له نية في ذَلِكَ لم يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى طلاق، ولا ظهار ولا عتق، ويلزم في الحكم. وحجته هذا الحديث و"رفع القلم عن ثلاثة"

(3)

. والإجماع على المجنون والنائم إذا تلفظا بصريح الطلاق لا يلزمهما. وقال: قال مالك: من طلق، أو أعتق، أو ظاهر بلا نية يلزمه ذَلِكَ في الحكم فيما بينه وبين الله تعالى. والحجة فيه لمن ذهب إليه ما ذكر الله من إتلاف المؤمن خطأ، وما أجمع عليه العلماء أن من أتلف مال آدمي خطأ فذلك عليه وإن لم ينو، وذلك من حقوق الآدميين، وللمرأة حق في منعها نفسها، وللعبد حق في حريته، وللمساكين حق في الظهار. ولم يتعرض البويطي لواحد (منهما)

(4)

. فالظاهر أنه قصد تخريجه على قولين.

(1)

انظر: "المنتقى" 4/ 42.

(2)

على اعتبار أن في مسألة أخذ الخوارج للزكاة ثلاثة أوجه.

(3)

رواه أبو داود (4398)، والنسائي 6/ 156، وابن ماجه (2041)، وأحمد 6/ 100 - 101، وأبو يعلى 7/ 336 (4400)، والطحاوي في "مشكل الآثار""تحفة" 1/ 582 (579)، والحاكم 2/ 59 وصححه على شرط مسلم، من حديث عائشة، والحديث صححه الألباني في "الإرواء"(297).

(4)

في (ج): منها.

ص: 184

التاسعة: روينا في "مسند أبي يعلى" من حديث (

)

(1)

أنه عليه السلام قال: "يقول الله تعالى للحفظة يوم القيامة: اكتبوا لعبدي كذا وكذا من الأجر، فيقولون: ربنا لم نحفظ ذَلِكَ عنه ولا هو في صحفنا فيقول: إنه نواه، إنه نواه"

(2)

. ولهذا المعنى ونحوه ورد الحديث الآخر: "نية المؤمن خير من عمله"

(3)

وللناس فيه تأويلات ذكرت منها في "شرح

(1)

بياض في (ج)، و (ف).

والحديث بهذا النص مروي عن أبي عمران الجوني من قوله، وروي مرفوعًا عن أبي عمران الجوني عن أنس، بلفظ مقارب لهذا النص.

أما قول أبي عمران فقد رواه ابن أبي الدنيا في "الإخلاص والنية" ص 75، وأبو نعيم في "الحلية" 2/ 313.

وأما حديث أنس فقد رواه الطبراني في "الأوسط" 3/ 97. وقال: لم يرو هذا الحديث عن أبي عمران إلا الحارث. اهـ. والبزار (3435) وقال: لا نعلمه يروى عن أنس إلا من هذا الوجه، والدارقطني في "السنن" 1/ 51، من طريق الحارث بن غسان، عن أبي عمران الجوني، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى يوم القيامة بصحف مختمة فتنصب بين يدي الله تبارك وتعالى، فيقول تبارك وتعالى: ألقوا هذا، واقبلوا هذا، فتقول الملائكة: وعزتك ما رأينا إلا خيرًا، فيقول الله عز وجل: إن هذا كان لغير وجهي، وإني لا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي".

قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 350: رواه الطبراني في "الأوسط" بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح، ورواه البزار. اهـ. والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة"(5154).

قلت: وقع عند الطبراني أن الحارث هو ابن عبيد وهو خطأ، بل الصواب ابن غسان كما عند البزار، والدارقطني والله أعلم.

(2)

رواه ابن أبي الدنيا في "الإخلاص والنية" ص 75، وأبو نعيم في "الحلية" 2/ 313.

(3)

رواه الطبراني في "الكبير" 6/ 185 (5942)، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 255 من طريقه، والخطيب في "تاريخ بغداد" 9/ 237، عن سهل بن سعد الساعدي، وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 61: رجاله موثقون إلا حاتم بن عباد بن دينار الجرشي لم أر من ذكر له ترجمة. اهـ، وقال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" 2/ =

ص: 185

عمدة الأحكام" تسعة على (تقدير)

(1)

صحته، منها: أن نيته خير من خيرات عمله.

ومنها: أن النية المجردة عن العمل خير من العمل المجرد عنها

(2)

.

الوجه الرابع بعد العشرين:

قوله عليه الصلاة السلام: "وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئِ مَا نَوى" يقال: امْرؤ وَمرء. قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]، (يقال)

(3)

هذا مرء، وهذان امرآن، ولا يجمع إلا قومًا ورجالًا، ومنهم من يقول: هذا مرآن، وأنثى امرئ امرأة، وأنثى مرء مرأة ومرة

= 1171: رواه الطبراني من حديث سهل بن سعد، ومن حديث النواس بن سمعان وكلاهما ضعيف. اهـ. والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة" (6045). ورواه القضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 119 (148) عن النواس بن سمعان. قال الحافظ في "الفتح" 4/ 219: والحديث ضعيف. اهـ. وقال العجلوني في "كشف الخفاء" 2/ 324: وللعسكري بسند ضعيف عن النواس بن سمعان: "نية المؤمن خير من عمله ونية الفاجر شر من عمله". اهـ. وقال الألباني في "الضعيفة"(2789): موضوع، فيه عثمان بن عبد الله الشامي كان يضع الحديث. اهـ ورواه القضاعي في "مسند الشهاب" 19/ 11 (147)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 5/ 343، عن أنس. قال البيهقي: وهذا إسناد ضعيف. اهـ. وقال الحافظ في "الفتح" 4/ 219: والحديث ضعيف. اهـ.، وقال العجلوني في "كشف الخفاء" 2/ 430 في إسناده يوسف بن عطية ضعيف. اهـ. ورواه ابن عبد البر في "التمهيد" 12/ 265 عن علي بن أبي طالب. ورواه الربيع بن حبيب! في "مسنده" ص 23 عن ابن عباس، والحديث ضعف إسناده الألباني في "الضعيفة" (2789) وقال: فيه مسلم بن أبي كريمة مجهول كما قال أبو حاتم والذهبي، والربيع بن حبيب إباضي مجهول، ومسنده هذا هو "صحيح الإباضية" وهو مليء بالأحاديث الواهية والمنكرة. اهـ.

(1)

في (ف): تقرير.

(2)

"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 193 - 194.

(3)

في (ف): تقول.

ص: 186

- بغير همز- و (ما) بمعنى: الذي، وصِلَتُه: نوى، والعائد محذوف، أي: نواه. فإن قدرت ما مصدرية لم تحتج إلى حذف؛ إذ ما المصدرية عند سيبويه حرف، والحروف لا تعود عليها الضمائر، والتقدير: لكل امرئ نيته.

الوجه الخامس بعد العشرين:

قوله: " (وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوى"). مقتضاه أن من نوى شيئًا يحصل له، وما لم يَنْوِه لا يحصل له؛ ولهذا عظموا هذا الحديث، وجعلوه ثلث العلم، والمراد بالحصول وعدمه بالنسبة إلى الشرع، وإلا فالعمل قد حصل لكنه غير معتد به، وسياق الحديث يدل عليه بقوله: " (فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا (يُصِيبُهَا)

(1)

.. ") إلى آخره، فإن قلت: فما فائدة ذكر هذا بعد الأول وهو يقتضي التعميم؟

قلت: له فوائد:

الأولى: اشتراط تعيين المنوي، فمن كانت عليه مقضية لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة، بل لابد أن ينوي كونها ظهرًا أو عصرًا أو غيرهما، ولولا اللفظ الثاني لاقتضى الأول صحة النية بلا تعيين، أو أوهم ذَلِكَ، قاله الخطابى

(2)

.

الثانية: منع الاستنابة في النية، فإن اللفظ إنما يقتضي اشتراط النية في كل عمل، وذلك لا يقتضي منع الاستنابة في النية، إذ لو نوى واحد عن غيره صدق عليه أنه عمل بنية وذلك ممتنع، فأفاد بالثاني مَنْعَ ذلك.

وقد استثني من هذا نية الولي عن الصبي في الحج، والمسلم عن زوجته

(1)

من (ج).

(2)

"أعلام الحديث" 1/ 113 - 114.

ص: 187

الذمية عند طُهْرِهَا من الحيض على القول بذلك، وحَجُّ الإنسان عن غيره، وكذا إذا وكَّل في تفرقة الزكاة، وفوض إليه النية ونوى الوكيل، فإنه يجزئه كما قاله الإمام والغزالي و"الحاوي الصغير".

الثالثة: أنه تأكيد لقوله: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" فنفى الحكم بالأول، وأكده بالثاني تنبيها على شرف الإخلاص (وتحذيرًا من الرياء المانع من (الإخلاص)

(1)

.

فائدة: إذا أشرك في العبادة غيرها من أمر دنيوي أو رياء، فاختار الغزالي اعتبار الباعث على العمل، فإن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر، وإن كان القصد الديني هو الأغلب كان له (أجر)

(2)

بقدره، وإن تساويا تساقطا.

واختار الشيخ عز الدين ابن عبد السلام أنه لا أجر فيه مطلقًا سواء تساوى القصدان أو اختلفا

(3)

.

وقال المحاسبي: إذا كان الباعث الديني أقوى بطل عمله وخالف في ذَلِكَ الجمهور.

وقال محمد بن جرير الطبري: إذا كان ابتداء العمل لله لم يضره ما عرض بعده في نفسه من عجب. هذا قول عامة السلف.

الوجه السادس بعد العشرين:

مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: "وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوى" أن من نوى شيئًا لم يحصل له غيره ومن لم ينوِ شيئًا لم يحصل، وهذِه قاعدة مطردة في جميع

(1)

من (ف) وفيها: الخلاص، والمثبت هو الصواب.

(2)

في (ف): الأجر.

(3)

"قواعد الأحكام" 1/ 124.

ص: 188

مسائل النية، نعم شدَّ عن ذَلِكَ مسائل يتأدى الفرض فيها بنية النفل، محل الخوض فيها كتب الفروع، وقد أوضحتها في كتاب "الأشباه والنظائر" فلتراجع منه

(1)

.

الوجه السابع بعد العشرين:

الهجرة في اللغة: الترك. والمراد بها هنا: ترك الوطن والانتقال إلى غيره، وهي في الشرع: مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام خوف الفتنة، وطلب إقامة الدين. وفي الحقيقة: مفارقة ما يكره الله إلى ما يحب.

ووقعت الهجرة في الإسلام على خمسة أوجه:

أحدها: إلى الحبشة عندما آذى الكفار الصحابة.

ثانيها: من مكة إلى المدينة بعد الهجرة.

الثالثة: هجرة القبائل إلى المدينة قبل الفتح للاقتباس والتعلم لقومهم عند الرجوع.

الرابعة: هجرة من أسلم من أهل مكة؛ ليأتى النبي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يرجع إليها. كفعل صفوان بن أمية ومهاجرة الفتح.

الخامسة: هجرة ما نهى الله عنه، وهي أهمها، وقد أوضحتها بفوائد (جمة)

(2)

في كتابنا "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" فلابد لك من مراجعته

(3)

. وأما حديث: "لا هجرة بعد الفتح"

(4)

فمؤول كما ستعلمه في موضعه حيث ذكره البخاري -إن شاء الله- فإن الهجرة باقية إلى يوم القيامة من دار الكفر -إِذَا لم يمكنه إظهار دينه- إلى دار الإسلام،

(1)

"الأشباه والنظائر" لابن الملقن 1/ 248 - 252.

(2)

في (ج): خمسة.

(3)

"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 198 - 201.

(4)

سبق تخريجه.

ص: 189

وينبغي أن تعدُّ سادسة

(1)

. ثمَّ اعلم أن معنى الحديث وحكمه يتناول الجميع غير أن الحديث ورد على سبب كما سيأتي، والعبرة بعموم اللفظ.

الوجه الثامن بعد العشرين:

قوله صلى الله عليه وسلم: ("فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا .. ") إلى آخره، هو تفصيل لما سبق في قوله:("إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّياتِ، وَإِئمَا لِكُلِّ آمْرِئٍ مَا نَوى")، وإنما فرض الكلام في الهجرة؛ لأنها السبب الباعث على هذا الحديث كما سيأتي.

الوجه التاسع بعد العشرين:

قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى في الإيمان: ("فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ .. "). إلى آخره لابد فيه من تقدير شيء؛ لأن القاعدة عند أهل الصناعة أن الشرط والجزاء والمبتدأ والخبر لابد من تغايرهما، وهنا وقع الاتحاد، (فالتقدير)

(2)

: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وعقدًا، فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا

(3)

.

الوجه الثلاثون:

قوله صلى الله عليه وسلم: ("فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا") الدنيا بضم الدال عَلَى

(1)

زاد الحافظ أبو زرعة العراقي في "طرح التثريب" 1/ 22: الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة فإنهم هاجروا إلى أرض الحبشة مرتين كما هو معروف في السير ولا يقال: كلاهما هجرة إلى الحبشة، فاكتفي بذكر الهجرة إليها مرة فإنه قد عدد الهجرة إلى المدينة في الأقسام لتعددها.

ثم قال: والهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن. اهـ.

(2)

في (ج): والتقديرين.

(3)

ورد تعليق بهامش (ف) نصه: وقد يقصد بالخبر المفرد بيان الشيء وعدم التغيير فيتحد بالمبتدأ لفظًا كقوله: أنا أبو النجم، وشعري شعري.

ص: 190

المشهور

(1)

، وحكى ابن قتيبة وغيره كسرها

(2)

، وجمعها دُنَا ككبرى وكُبَر وهي من دنوت لدنوها وسبقها الدار الآخرة، وينسب إليها دنيوي ودُنْييُّ، وقال الجوهري

(3)

وغيره: ودنياوي وقوله: "دُنْيَا" هو مقصور غير منون عَلَى المشهور، وهو الذي جاءت به الرواية، ويجوز في لغة غريبة تنوينها

(4)

.

الوجه الحادي بعد الثلاثين:

في حقيقة الدنيا قولان للمتكلمين:

أحدهما: ما عَلَى الأرض مع الجو والهواء، (وأظهرهما)

(5)

: كل المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة.

الوجه الثاني بعد الثلاثين:

المراد بالإصابة: الحصول، شَبَّهَ تحصيل الدنيا بإصابة العرض بالسهم بجامع حصول المقصود.

(1)

الدنيا انقلبت فيها الواو ياءً، لأن فُعْلَى إذا كانت اسمًا من ذوات الواو أبدلت واوها ياءً، كما أُبدلت الواو مكان الياء في فَعْلَى، فأدخلوها في فُعْلَى ليتكافآ في التغيير.

(2)

"أدب الكاتب" ص 328.

(3)

"الصحاح" 6/ 2341. مادة: (دنو).

(4)

قال الحافظ أبو زرعة العراقي في "طرح التثريب" 1/ 25: وحكى بعض المتأخرين من شراح البخاري أن فيها لغة قريبة بالتنوين وليس بجيد، فإنه لا يعرف في اللغة، وسبب الغلط أن بعض رواة البخاري رواه بالتنوين وهو أبو الهيتم الكشميهني، وأنكر ذلك عليه ولم يكن ممن يرجع إليه في ذلك فأخذ بعضهم يحكي ذلك لغة كما وقع لهم نحو ذلك في خلوف فم الصائم فحكوا فيه لغتين، وانما يعرف أهل اللغة الضم وأما الفتح فرواية مردودة لا لغة. اهـ.

(5)

في (ف): أظهرها.

ص: 191

الثالث بعد الثلاثين:

قوله صلى الله عليه وسلم: ("أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا") هو بمعنى: ينكحها كما جاء في الرواية الأخرى، وقد يستعمل بمعنى الاقتران بالشيء، ومنه قوله تعالى:{وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان: 54]، أي: قرناهم، قاله الأكثرون. وقال مجاهد والبخاري وطائفة: أنكحناهم

(1)

.

الرابع بعد الثلاثين:

إن قُلْتَ: كيف ذكرت المرأة مع الدنيا مع أنها داخلة فيها، فالجواب عنه من أوجه:

أحدها: أنه لا يلزم دخولها في هذِه الصيغة؛ لأن (لفظة)

(2)

دنيا نكرة وهي لا تعم في الإثبات. فلا يلزم دخول المرأة فيها.

الثاني: أن هذا الحديث ورد على سبب، وهو أنه لما أُمر بالهجرة من مكة إلى المدينة تخلف جماعة عنها فذمَّهم الله تعالى بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ)} الآية [النساء: 97]، ولم يهاجر جماعة لفقد استطاعتهم فَعَذَرهُم واسْتَثْنَاهُم بقوله:{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ} [النساء: 98]، الآية، وهاجر المخلصون إليه، فمدحهم في غير ما موضع من كتابه، وكالت في المهاجرين جماعة خالفت نيتهم نية المخلصين، منهم من كانت نيته تزوج امرأة كانت بالمدينة من المهاجرين يقال لها: أم قيس

(3)

، وادعى ابن دحية: أن اسمها قيلة،

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 248، 249 (31176).

(2)

في (ج): لفظ.

(3)

رواه الطبراني في "الكبير" 9/ 103 (8540) من طريق سعيد بن منصور، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله ومن طريقه المزي في "تهذيب الكمال" 16/ 126، والذهبي في "السير" 10/ 590، قال الهيثمي في "المجمع" 101/ 2 (2580): رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح. اهـ. =

ص: 192

فسمي مهاجر أم قيس، ولا يعرف اسمه بعد البحث عنه، ولعله للستر عليه، فكان قصده بالهجرة من مكة إلى المدينة (بنية)

(1)

التزوج بها لا لقصد فضيلة الهجرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ، وبين مراتب الأعمال بالنيات، فلهذا خص ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به الهجرة من أفراد الأغراض الدنيوية؛ لأجل تبيين السبب، وإن كانت أعظم أسباب فتنة الدنيا قَالَ صلى الله عليه وسلم:"ما تركت بعدي فتنة أضر عَلَى الرجال من النساء"

(2)

، وذكر الدنيا معها من باب زيادة النص عَلَى السبب، كما أنه لما سُئِلَ عن طهورية ماء البحر زاد:"حل ميتته"

(3)

ويحتمل أن يكون هاجر لمالها مع نكاحها، ويحتمل أنه هاجر لنكاحها وغيره لتحصيل دنيا من جهة ما، فعرض بها.

الثالث: أن ذكرها من باب التنبيه على زيادة التحذير منها كذكر الخاص بعد العام؛ تنبيهًا عَلَى مزيته، كما في ذكر جبريل وميكائيل بعد الملائكة وغير ذَلِكَ، وليس منه قوله تعالى:{وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]، بعد ذكر الفاكهة، وإن غلط فيه بعضهم؛ لأن فاكهة نكرة في سياق الإثبات فلا تعم، (لكن وردت في معرض الامتنان)

(4)

، وقد جاء أيضا في القرآن عكس هذا وهو ذكر العام بعد الخاص

= وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 10: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. اهـ.

(1)

ساقطة من: ج.

(2)

سيأتي برقم (5096) كتاب: النكاح، باب: ما يتقى من شؤم المرأة، ورواه مسلم (2740) كتاب: الرقاق، من حديث أسامة بن زيد.

(3)

رواه أبوداود (83) عن أبي هريرة أن رجلًا سأل .. ، والترمذي (69) عن أبي هريرة، وفي الباب عن جابر والفراسي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي 1/ 51 عن أبي هريرة سأل رجل .. ، وابن ماجه (387) عن الفراسي.

(4)

ساقط من: (ج). =

ص: 193

كقوله تعالى إخبارًا عن إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [إبراهيم: 41]، وقوله تعالى إخبارًا عن نوح عليه السلام:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} [نوح: 28]

الخامس بعد الثلاثين:

إن قُلْتَ لم ذم على طلب الدنيا وهو أمر مباح والمباح لا ذم فيه ولا مدح؟ قُلْتُ: إنما ذم لكونه لم يخرج في الظاهر لطلب الدنيا. وإنما خرج في صورة طالب فضيلة الهجرة فأبطن خلاف ما أظهر.

السادس بعد الثلاثين:

إنما لم يعد صلى الله عليه وسلم ما بعد الفاء الواقعة جوابًا للشرط بقوله: "فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ" ولم يعده باللفظ الأول في الرواية الأخرى: "فهجرته إلى الله ورسوله" للإعراض عن تكرير ذكر الدنيا والغض منها وعدم الاحتفال بأمرها؛ ولئلا يجمع بين ذكر الله ورسوله في الضمير (فقد نهى عنه)

(1)

في حديث الخطيب

(2)

.

السابع بعد الثلاثين:

هذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وقد اختلف في عدها على عشرة أقوال ذكرتها مجموعة في كتابنا "الإعلام بفوائد

= وما قاله المصنف فيه نظر؛ لأن النكرة في سياق الإثبات إن كانت للامتنان عمت كما قاله جماعة من الأصوليين.

انظر: "التمهيد" للإسنوي ص 325، "القواعد والفوائد الأصولية" ص 204.

وقال العيني في "عمدة القاري" 1/ 30: الفاكهة اسم لما يتفكه به: أي يتنعم به زيادة على المعتاد، وهذا المعنى موجود في النخل والرمان فحينئذ يكون ذكرهما بعد ذجر الفاكهة من قبيل عطف الخاص على العام. اهـ.

(1)

من (ج).

(2)

رواه مسلم (780) عن عدي بن حاتم أن رجلًا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 194

عمدة الأحكام"

(1)

فراجعه (منها)

(2)

فإنه من المهمات، نذكر منها هنا أربعة:

أحدها: أنها ثلاثة: هذا الحديث، وحديث:"حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"

(3)

، وحديث:"الحلال بيِّن والحرام بيِّن"

(4)

.

ثانيها: أنها أربعة بزيادة حديث: "ازهد في الدنيا يحبك الله"

(5)

، وقد نظمها بعضهم فقال:

(1)

"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 153 - 157.

(2)

في (ج): منه.

(3)

كذا في الأصول والحديث رواه الترمذي (2317)، وابن ماجه (3976)، وابن حبان (229) من حديث أبي هريرة، قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه. اهـ. والحديث صححه الألباني في "صحيح الجامع"(5911).

(4)

سيأتي برقم (52) كتاب: الإيمان، ورواه مسلم (1599) كتاب: المساقاة، باب: أخذ الحلال وترك الشبهات.

(5)

رواه ابن ماجه (4102)، والعقيلي في "الضعفاء" 2/ 11، والطبراني في "الكبير" 6/ 193 (5972)، والحاكم 4/ 313، وأبو نعيم 7/ 136، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 373، من طريق خالد بن عمرو القرشي، عن سفيان الثوري، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. اهـ. وتعقبه الذهبي ففال: خالد وضاع. اهـ. وقال العقيلي: ليس له من حديث الثوري أصل، وقد تابعه محمد بن كثير الصنعاني، ولعله أخذ عنه ودلسه؛ لأن المشهور به خالد هذا. اهـ. وقال البوصيري في "زوائد ابن ماجه" ص 531: إسناد حديث سهل بن سعد ضعيف، خالد بن عمرو متفق على ضعفه، واتهم بالوضع. اهـ. وخالد هذا قال عنه أحمد: منكر الحديث، وقال مرة: ليس بثقة يروي أحاديث بواطيل. اهـ. وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. اهـ. وقال مرة: كان كذابًا يكذب. اهـ. وقال أبو حاتم: متروك الحديث ضعيف. اهـ.

وأما متابعة محمد بن كثير فقد رواها ابن عدي في "الكامل" 3/ 458 - 459، والخليلي في "الإرشاد" 2/ 479، والبيهقي في "الشعب" 7/ 344. قال ابن عدي: =

ص: 195

عمدة الدين عندنا كلمات

أربع من كلام خير البرية

اتق الشبهات وازهد وع

ما ليس يعنيك واعملنَّ بنية

(1)

الثالث: أنها اثنان.

الرابع: أنها واحد وهو حديث: "الحلال بَيِّن".

= لا أدري ما أقول في رواية ابن كثير عن الثوري لهذا الحديث؛ فإن ابن كثير ثقة وهذا الحديث عن الثوري منكر. اهـ. وذكر ابن أبي حاتم في "العلل" 2/ 107: أنه سأل أباه عن حديث محمد بن كثير، عن سفيان فذكر هذا الحديث فقال: هذا حديث باطل يعني بهذا الإسناد. اهـ.

وقد روي هذا الحديث من وجه آخر مرسل خرجه ابن منده في "مسند إبراهيم بن أدهم" ص 29 - 30 من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا الحسن بن الربيع، ثنا المفضل بن يونس، عن إبراهيم، عن منصور بن المعتمر، عن مجاهد به. ورواه أبو نعيم في "الحلية" 8/ 41 من طريق أبي أحمد إبراهيم بن محمد بن أحمد الهمداني، ثنا أبو حفص عمر بن إبراهيم المستملي، ثنا أبو عبيدة بن أبي السفر، ثنا الحسين بن الربيع، ثنا المفضل بن يونس، ثنا إبراهيم بن أدهم، عن منصور، عن مجاهد، عن أنس به. فال أبو نعيم: ذكر أنس في هذا الحديث وهم من عمر أو أبي أحمد؛ فقد رواه الأثبات عن الحسن بن الربيع فلم يجاوز فيه مجاهدًا. اهـ.

وبالجملة فالحديث حسنه النووي في "أربعينه" كما في "جامع العلوم والحكم" 2/ 174 فقال: حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة. اهـ. وكذلك العراقي كما في "المقاصد الحسنة" ص 75، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" 4/ 74 - 75: رواه ابن ماجه، وقد حسن بعض مشايخنا إسناده، وفيه بُعد لأنه من رواية خالد بن عمرو القرشي الأموي السعيدي، عن سفيان الثوري، عن أبي حازم، عن سهل، وخالد هذا قد تُرك واتهم، ولم أر من وثقه، لكن على هذا الحديث لامعة من أنوار النبوة، ولا يمنع كون راويه ضعيفًا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وقد تابعه عليه محمد بن كثير الصنعاني، عن سفيان، ومحمد هذا قد وثق على ضعفه، وهو أصلح حالًا من خالد. اهـ. والحديث حسنه الألباني في "الصحيحه"(944).

(1)

انظر: "جامع العلوم والحكم" 1/ 63.

ص: 196

الثامن بعد الثلاثين:

هذا الحديث عظيم الموقع كثير الفائدة أصل من أصول الدين، قَالَ أبو داود: إنه نصف الفقه، وقال الشافعي فيما رواه البويطي عنه: يدخل في هذا الباب ثلث العلم

(1)

، وقال في رواية الربيع: هذا الحديث ثلث العلم؛ وسببه كما قَالَ البيهقي وغيره أن كسب العبد بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنية أحد أقسامها الثلاث وأرجحها؛ لأنها تكون عبادة بانفرادها بخلاف القسمين الآخرين؛ ولأن القول والعمل يدخلهما الفساد بالرياء ونحوه بخلاف النية

(2)

، فهذا الحديث يتضمن النية، وحديث:"من حسن إسلام المرء" يتضمن القول، وحديث:"الحلال بين"

(3)

يتضمن العمل فكمل بالمجموع الإسلام؛ لأنه قول وعمل ونية، وقال عبد الرحمن بن مهدي: يدخل هذا الحديث في ثلاثين بابًا من الإرادات والنيات.

وقال أبو عبيد: ليس شيء من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم حديث أجمع وأغنى وأكثر فائدة وأبلغ من هذا الحديث. وقال البخاري في "صحيحه" في أواخر الإيمان فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والصوم والأحكام. وقال ابن دحية: لم أجد فيما أرويه من الدينيات أنفع من قوله: ("إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ")، إذ مدار العلم عليه، وهو نور يسعى بين يديه.

(قُلْتُ:)

(4)

وقول إمامنا الشافعي السالف: إن هذا الحديث يدخل في سبعين بابًا من الفقه، مراده الأبواب الكلية كالطهارة بأنواعها

(1)

رواه البيهقي في "الكبرى" 2/ 14.

(2)

"السنن الصغرى" للبيهقي 1/ 20.

(3)

سبق تخريج الحديثين.

(4)

ساقطة من (ج).

ص: 197

والصلاة بأقسامها والزكاة والصيام والاعتكاف والحج والعمرة والأيمان والنذور والأضحية والهدي والكفارة والجهاد والطلاق والخلع والظهار والعتق والكتابة والتدبير والإبراء ونحوها والبيع والإجارة وسائر المعاملات والرجعة والوقف والهبة وكناية الطلاق وغيرها عند من يقول: كنايتها مع النية كالصريح وهو الصحيح، وكذلك إِذَا كان عليه ألفان بأحدهما رهن دون الآخر فأوفاه ألفا صرفه إلى ما نواه منهما وشَبَهِ ذَلِكَ.

وذكر القاضي حسين من أصحابنا في آخر حَدِّ الخمر أنه لابد للإمام في إقامة الحدود من النية حتَّى لو ضربه لمصادرة أو لمعنى آخر وعليه حدود لا تحسب عنه.

وأما المسائل الجزئية فلا تحصى، ثمَّ يحتمل أن يكون أراد بالسبعين التحديد. ويحتمل أن يكون أراد المبالغة في التكثير؛ لأن العرب تستعمل السبعين في ذَلِكَ، ومنه قوله تعالى:{إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80].

ومن المسائل الجزئية التي ينبغي استحضار النية فيها: الصدقات، وقضاء حوائج الناس، وعيادة المرضى، واتباع الجنائز، وابتداء السلام ورده، وتشميت العاطس وجوابه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإجابة الدعوة، وحضور مجلس العلم والأذكار، وزيارة الأخيار، والقبور، والنفقة عَلَى الأهل والضيفان، وإكرام أهل الود والفضل وذوي الأرحام، ومذاكرة العلم والمناظرة فيه وتكراره وتدريسه وتعلمه وتعليمه ومطالعته وكتابته وتصنيفه، والفتوى، والقضاء، وإماطة الأذى عن الطريق، والنصيحة، والإعانة عَلَى البر والتقوى، وقبول الأمانات وأدائها، وما أشبه ذَلِكَ، حتَّى ينبغي

ص: 198

استحضارها عند إرادة الأكل والشرب والنوم ويقصد بها التقوِّي عَلَى الطاعة، وإراحة البدن لينشط لها، وكذا إِذَا جامع موطوءته بقصد المعاشرة بالمعروف وإيصالها حقها، وتحصيل ولد صالح يعبد الله تعالى، وإعفاف الزوجة، وإعفاف نفسه وصيانتها، من التطلع إلى حرام أو الفكر فيه أو مكابدة المشاق بالصبر، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"وفي بضع أحدكم صدقة"

(1)

، وكذا ينبغي لمن عمل حرفة للمسلمين مما هو فرض كفاية أن يقصد إقامة فرض الكفاية ونفع المسلمين، كالزراعة وغيرها من الحرف التي هي قوام عيش المسلمين.

والضابط لحصول النية أنه متى قصد بالعمل امتثال أمر الشرع وبتركه الانتهاء بنهي الشرع كانت حاصلة مثابًا عليها وإلا فلا، وإن لم يقصد ذَلِكَ كان عملًا بهيميًّا، ولهذا قَالَ السلف: الأعمال البهيمية ما عملت بغير نية

(2)

.

الوجه التاسع بعد الثلاثين:

هذا الحديث من أجل أعمال القلوب والطاعة المتعلقة بها وعليه مدارها، وهو قاعدتها، فهو قاعدة الدين لتضمنه حكم النيات التي محلها القلب بخلاف الذكر الذي محله اللسان، ولهذا لو نوى الصلاة بلسانه دون قلبه لم يصح، ولو قرأ الفاتحة بقلبه دون لسانه لم

(1)

رواه مسلم (1006) كتاب: الزكاة، باب: بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، والبخاري في "الأدب المفرد"، (227)، والترمذي (1956)، وابن حبان (529)، كلهم عن أبي ذر.

(2)

قلت: ومصداق هذا ما قاله بعض العلماء من أن الله لو كلفنا عملًا بلا نية لكلفنا ما لا يطاق، والله أعلم.

ص: 199

يصح، فهو أصل في وجوب النية في سائر العبادات كما (سلف)

(1)

عن الجمهور.

الوجه الأربعون:

هذا الحديث أصل في الإخلاص أيضًا، فهو إرادة تمثيل الفعل إلى وجه الله تعالى وحده خالصًا، والنية هي القصد المتعلق بتمثيل الفعل إلى وجه الله تعالى، وللإخلاص مرجع إلى الكتاب والسنة، أما الكتاب فكل آية تضمنت مدح الإخلاص وذم الرياء، وقد ذكرت جملة منها في الوجه التاسع، وكذا من السنة أيضًا.

الوجه (الحادي بعد الأربعين)

(2)

:

استنبط من الحديث أنه لا يجوز الإقدام عَلَى الفعل قبل معرفة حكمه، ووجهه أنه لابد للمكلَّف من الإتيان بما أمر به على وجهه، وقد نفى أن يكون العلم منتفعًا به إلا بالنية أي: بنية التقرب لما طلبه الله من العبد ولا يتصور ذَلِكَ إلا بعد معرفة المطلوب.

الوجه (الثاني بعد الأربعين)

(3)

:

قد يستدل به بَعْدَ العبادات في أحكام المعاملات كالإكراه عَلَى الطلاق والعتاق، وفي باب الأيمان حتَّى لو حلف: والله ما رأيت زيدًا، وهو ينوي أنه لم يصب رئته، وما كلمت محمدًا يريد ما جرحته، كان عَلَى ما نوى. وكذلك يدل عَلَى أن من باع واشترى بغش وخلابة أو ربا بحيلة، فإنه محظور في حق الدين. فأما طلاق

(1)

في: (ف): سلفت.

(2)

في (ج): الحادي والأربعون.

(3)

في (ج): الثاني والأربعين.

ص: 200

السكران فلا يدخل فيه؛ لأن صريح الطلاق لا يحتاج إلى النية إلا أن يكون ذَلِكَ بلفظ كناية.

وقال قوم: إن الاستدلال بهذا الحديث في غير العبادات لا يجوز؛ لأنه غير ما قصد به، وحاصله: أن الألف واللام في الأعمال هل هي لاستغراق الجنس فيدخل (فيه)

(1)

جميع الأعمال؟ أو لتعريف العهد؟

(2)

لأن المراد أعمال البر والقربات.

الثالث والأربعون:

وهو ينعطف عَلَى ما مضى: من الأعمال ما تشترط النية فيه لصحته (ولحصول)

(3)

- الثواب بفعله كالصلاة والصيام والحج والاعتكاف والطواف في غير حج ولا عمرة وغيرها، وهذا مجمع عليه.

ومنها مختلف فيه كالوضوء، والغسل، والتيمم، والطواف في الحج والعمرة، وغيرها.

ومنها ما لا يشترط فيه النية لصحته بل لحصول الثواب بفعله كستر العورة، والأذان، والابتداء بالسلام ورده، وبناء المدارس، والوقف، والهبة، والوصية، والأمر بالمعروف، وحضور مجالس العلم، وزيارة

(1)

من (ج).

(2)

(أل) الجنسية قسمان: أحدهما: حقيقي، وهي التي ترد لشمول أفراد الجنس نحو:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} والآخر: مجازي، وهي التي ترد لشمول خصائص الجنس على سبيل المبالغة، نحو: أنت الرجل علما، أي الكامل في هذِه الصفة، ويقال لها: التي للكمال. و (أل) العهدية: هي التي عُهد مصحوبها بتفدم ذكره، نحو: جاءني رجل فأكرمت الرجل، أو بحضوره حسًّا أو علمًا، نحو:{إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40].

(3)

في (ج): (وبحصول).

ص: 201

(الأحياء

(1)

والقبور، والنفقة عَلَى الأهل والضيف، وإكرام ذوي الود، والأرحام، ومذاكرة العلم، والمناظرة به، وتكراره ودرسه، وتعليمه، وتعلمه، وتصنيفه، والفتوى، والنصيحة، وقبول الأمانات، وأدائها، والقضاء، وإماطة الأذى عن الطريق، والإعانة عَلَى البر والتقوى، وشبهها كالأكل والشرب ينوي بها التقوِّي عَلَى الطاعة، والنوم ينوي به راحة البدن لينشط للعبادة، والجماع ينوي به المعاشرة بالمعروف وإيصالها حقها، وحصول ولد صالح يعبد الله، وإعفاف نفسه، وتحصين فرجه، وصيانة زوجه ونفسه من التطلع إلى الحرام، والفكر فيه، ومكابدة المشاق بالصبر عليه. وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"وفي بضع أحدكم صدقة" وكذا ينوي بعمل معيشته منفعة المسلم، وأداء فرض الكفاية وما أشبه ذَلِكَ

(2)

.

(1)

في (ج): الأخيار.

(2)

ورد بهامش (ف): بلغ إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي قراءة على المصنف وسمعه الأئمة: الصفدي والحاضري

وابن بهرام ومحمد بن بحر البرموي والعاملي وآخرون

ص: 202

‌2 - باب

2 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضى الله عنها - أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ - رضى الله عنه - سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "أَحْيَانًا يَأْتِينِى مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ -وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَىَّ- فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِىَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ". قَالَتْ عَائِشَةُ رضى الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْىُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. [3215 - مسلم 2233 - فتح 1/ 18]

الحديث الثاني:

نَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: يَا رَسولَ اللهِ كَيْفَ يأتيك الوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ -وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ- فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ". قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا.

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث رواه البخاري أيضًا في بدء الخلق عن فروة، عن علي بن مسهر، عن هشام

(1)

، ورواه مسلم أيضًا في الفضائل عن أبي بكر، عن ابن عيينة، وعن أبي كريب، عن أبي أسامة، وعن

(1)

سيأتي برقم (3215) كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة.

ص: 203

ابن نمير، واللفظ له عن ابن بشر عنه

(1)

.

ثانيها:

هذا الحديث أدخله الحفاظ في مسند عائشة دون الحارث، وليس للحارث هذا في الصحيحين رواية، وإنما له رواية في سنن ابن ماجه فقط

(2)

، وعده ابن الجوزي فيمن روى من الصحابة حديثين، مراده في غير الصحيحين، وليس في الصحابة في الصحيحين من اسمه الحارث غير الحارث بن ربعي أبي قتادة، على أحد الأقوال في اسمه، والحارث بن عوف أبي واقد الليثي، وهما بكنيتيهما أشهر، وأما خارج الصحيحين فجماعات كثيرون فوق المائة وخمسين.

والحارث الواقع هنا هو الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أخو أبي جهل لأبويه، وابن عم خالد بن الوليد، شهد بدرًا كافرًا وانهزم، وله يقول حسان:

إن كنت كاذبة بما حدثتني

فنجوت منجى الحارث بن هشام

ترك الأحبة أن يقاتل دونهم

ونجا برأسي طمرة ولجام

فاعتذر الحارث عن فراره فقال:

القوم أعلم ما تركت قتالهم

حتَّى حَبَوا مهري بأشقر مزبد

وعرفت أني إن أقاتل واحدًا

أقتل ولا ينكى عدوي مشهدي

فصددت عنهم والأحبة فيهم

طمعًا لهم بعقاب يوم مفسد

(3)

فقال الأصمعي: لم أسمع أحسن من اعتذاره في الفرار.

(1)

مسلم (2333) في الفضائل، باب: عرق النبي صلى الله عليه وسلم في البرد وحين يأتيه الوحي.

(2)

"سنن ابن ماجه"(1991).

(3)

رواه الحاكم في "المستدرك" 3/ 313، وانظر:"الاستيعاب" 3/ 364 - 365.

ص: 204

أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين مائة من الإبل، وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم، خرج هو وسُهيل بن عمرو إلى الشام؛ ليستدركا ما فاتهما من سابقة الإسلام بالجهاد، فقاتل الكفار حتَّى قتل باليرموك سنة خمس عشرة أو بعمواس وهو الذي أجارته أم هانئ يوم الفتح، وقيل: بل هو غيره.

روى عنه ولده عبد الرحمن، وكان شريفًا في قومه، وله اثنان وثلاثون ولدًا، منهم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أحد الفقهاء السبعة عَلَى قول، كان يقال له: الراهب

(1)

.

فائدة:

ليس في الصحابة الحارث بن هشام إلا هذا، وإلا الحارث بن هشام الجهني.

روى عنه المصريون، ذكره ابن عبد البر

(2)

.

الثالث: في التعريف برواته.

أما عائشة

(3)

فهي: الصديقة بنت الصديق، (الحبيبة بنت الحبيب)

(4)

، أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة، عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب،

(1)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 444، "الاستيعاب" 1/ 364 - 367 (452)، "أسد الغابة" 1/ 420، 421 (979).

(2)

"الاستيعاب" 1/ 367 (453).

(3)

انظر ترجمتها في: "الاستيعاب" 4/ 435 - 439 (3463)، "أسد الغابة" 7/ 188 - 192 (7085)، "تهذيب الكمال" 35/ 227 - 236 (7885)، "شذرات الذهب" 1/ 9.

(4)

في (ف): الحسيبة بنت الحسيب.

ص: 205

أم المؤمنين كنيتها أم عبد الله كنيت بابن أختها عبد الله بن الزبير، وأبعد من قَالَ: بسقط لها.

وعائشة مأخوذة من العيش، وحكي عيشة -لغة فصيحة-، وأُمُّها أم رومان -بفتح الراء وضمها- زينب بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة، وهي أم عبد الرحمن، أخي عائشة أيضًا، ماتت سنة ست في قول الواقدي والزبير وهو الأصح. تزوجها صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بسنتين، وقيل: بثلاث، وقيل: سنة ونصف أو نحوها في شوال بنت ست وقيل سبع، وبنى بها في شوال أيضًا بعد وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة، وقال الواقدي: في الأولى بنت تسع. فأقامت في صحبته ثمانية أعوام وخمسة أشهر، وتوفي عنها وهي بنت ثماني عشرة، وعاشت خمسًا وستين سنة. وكانت من أكبر فقهاء الصحابة، وأحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية.

رُوي لها ألفا حديثٍ ومائتا حديث وعشرة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم عَلَى مائة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، ومسلم (بتسعة)

(1)

وستين.

روت عن خلق من الصحابة، وروى عنها جماعات من الصحابة والتابعين قريب من المائتين.

ماتت بعد الخمسين، إما سنة خمس أو ست أو سبع أو ثمان في رمضان، وقيل: في شوال، وأمرت أن تدفن ليلًا بعد الوتر بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة. ولها عدة خصائص ذكرتها في غير هذا

(1)

في (ج): ثمانية، والمثبت من (ف) وهو الصواب كما في "السير" 2/ 139.

ص: 206

الموضع خشية الطول

(1)

، ومناقبها والأحاديث الصحيحة في فضلها كثيرة مشهورة، قَالَ عروة: كانت عائشة أعلم الناس بالقرآن وبالحديث وبالطب وبالشعر

(2)

.

وقال أبو موسى الأشعري: ما أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء

(3)

فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا

(4)

. وقال قبيصة بن ذؤيب: كانت عائشة أعلم الناس يسألها كبار الصحابة

(5)

.

وقال القاسم بن محمد: استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وهلم جرا إلى أن ماتت

(6)

.

فوائد مهمة تتعلق بترجمتها رضي الله عنها:

الأولى: مات صلى الله عليه وسلم عن تسع نسوة، وعائشة أفضلهن قطعًا، وهل هي أفضل من خديجة بنت خويلد؟ فيه وجهان لأصحابنا:

أحدهما: أن خديجة أفضل، وبه قَالَ القاضي والمتولي، وقطع به ابن العربي المالكي

(7)

، وغيره.

(1)

ورد بهامش في (ف): منها أنها ابنة الخليفة.

(2)

رواه أحمد 6/ 67 (24380)، والبزَّار كما في "كشف الأستار"(2662)، والطبراني 22/ 294، وأبو نعيم في "الحلية" 2/ 49. قال الهيثمي في "المجمع" 9/ 242: فيه عبد الله بن معاوية الزبيري. قال أبو حاتم: مستقيم الحديث، وفيه ضعف، وبقية رجال أحمد والطبراني في "الكبير" ثقات إلا أن أحمد قال: عن هثام بن عروة أن عروة كان يقول لعائشة. فظاهره الانقطاع، وقال الطبراني في "الكبير" عن هشام بن عروة، عن أبيه. فهو متصل، والله أعلم. اهـ.

(3)

في (ف): (شيئًا)، والمثبت من (ج).

(4)

رواه الترمذي (3883) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

(5)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 2/ 374.

(6)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 2/ 375.

(7)

"عارضة الأحوذي" 13/ 253.

ص: 207

والثاني: أن عائشة أفضل، وقد بسطت ذَلِكَ في كتابي "غاية السول في خصائص الرسول" مع حكاية خلاف آخر في أن عائشة أفضل من فاطمة أيضًا فراجع ذَلِكَ منه

(1)

.

الثانية: جملة من في الصحابة اسمه عائشة عشرة: عائشة هذِه الجليلة، وبنت سعد

(2)

، وبنت (جرير)

(3)

، وبنت الحارث القرشية

(4)

، وبنت أبي سفيان الأشهلية

(5)

، وبنت عبد الرحمن بن عتيك زوج رفاعة

(6)

، وبنت (عمير)

(7)

الأنصارية

(8)

، وبنت معاوية بن المغيرة أم

(1)

"غاية السول في خصائص الرسول" ص 154 - 156، مطبوع باسم "خصائص الرسول".

(2)

عائشة بنت سعد بن أبي وقاص القرشية الزهرية المدنية روت عن أبيها سعد وبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وروى لها البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي ماتت سنة 117 هـ. انظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" 8/ 467 "تهذيب الكمال" 25/ 236 (7886)"الإصابة" 4/ 361.

(3)

في الأصول: جزء، والمثبت هو الصواب، وهي عائشة بنت جرير بن عمرو بن زارح الأنصارية. انظر ترجمتها في:"أسد الغابة" 7/ 192، "الإصابة" 4/ 361.

(4)

عائشة بنت الحارث بن خالد بن صخر القرشية التيمية، ولدت هي وأختها فاطمة وزينب بأرض الحبشة، وقيل: إنهن متن في إقبالهن من أرض الحبشة من ماء شربنه في الطريق، وقد قيل: إن فاطمة نجت منهن وحدها. انظر ترجمتها رضي الله عنها في: "الاستيعاب" 4/ 439 (3464)، "أسد الغابة" 7/ 193 (7087).

(5)

عائشة بنت أبي سفيان بن الحارث بن زيد الأنصارية من بني عبد الأشهل ذكرها ابن حبيب في المبايِعات. انظر ترجمتها في: "أسد الغابة" 7/ 193، "الإصابة" 4/ 361 (707).

(6)

عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضرية كانت تحت ابن عمها رفاعة بن وهب بن عتيك فطلقها فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي ثم طلقها فأرادت أن ترجع للأول فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر ترجمتها في: "أسد الغابة" 2/ 233، "الإصابة" 1/ 518.

(7)

في (ج): عمر.

(8)

وهي عائشة بنت عمير بن الحارث بن ثعلبة الأنصارية ذكرها ابن حبيب في =

ص: 208

عبد الملك بن مروان، وبنت قدامة بن مظعون

(1)

، وعائشة من الأوهام وإنما هي بنت عجرد

(2)

سمعت ابن عباس. وليس في الصحيحين من اسمه عائشة من الصحابة سوى الصديقة، وفيهما عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، عن خالتها

(3)

عائشة أصدقها مصعب ألف ألف، وكانت بديعة جدًّا (ضخمة)

(4)

، وفي البخاري عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، روت عن أبيها

(5)

. وفي ابن ماجه عائشة بنت مسعود بن

= المبايِعات. انظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" 8/ 398، "أسد الغابة" 7/ 194 (7091)، "الإصابة" 4/ 362.

(1)

هي عاشة بنت قدامة بن مظعون القرشية الجمحية، هي وأمها رائطة بنت سفيان الخزاعية من المبايِعات.

انظر ترجمتها في: "الاستيعاب" 4/ 439، "أسد الغابة" 7/ 194، "الإصابة" 4/ 362.

(2)

عائشة بنت عجرد، روت عن ابن عباس، وروى عنها أبو حنيفة، قال الدارقطني: لا تقوم بها حجة. اهـ. وقال الذهبي: لا تكاد تعرف، ويقال: لها صحبة ولم يثبت ذلك، بلى أرسلت فأوهمت: أنها صحابية. اهـ.

انظر ترجمتها في: "ميزان الاعتدال" 3/ 87، "تعجيل المنفعة" 2/ 657 (1648).

(3)

عائشة بنت طلحة بن عبيد الله القرشية التيمية، أم عمران المدنية، وأمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق. تزوجها ابن خالها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، فمات عنها، ثم خلف عليها مصعب بن الزبير، فقتل عنها فخلف عليها عمر بن عبد الله بن معمر التيمي، وكانت من أجمل نساء قريش، أصدقها مصعب بن الزبير ألف ألف درهم، وثقها ابن معين والعجلي وأبو زرعة وابن حبان روى لها الجماعة.

انظر ترجمتها في: "معرفة الثقات" 2/ 455 (2342)، "تهذيب الكمال" 35/ 237، 238 (7888)، "تقريب التهذيب"(8636).

(4)

في (ف): صحيحة.

(5)

البخاري (1877) كتاب: الحج، باب: إثم من كاد أهل المدينة، (5659) كتاب: المرضى، باب: وضع اليد على المريض.

ص: 209

العجماء العدوية عن أبيها. وعنها ابن أختها محمد بن طلحة

(1)

، وليس في مجموع الكتب الستة غير ذَلِكَ، وثم عائشة بنت سعد

(2)

أخرى بصرية تروي عن الحسن.

الثالثة: قولهم في عائشة وغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن: أم المؤمنين تبعوا فيه قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، وقرأ مجاهد:(وهو أب لهم)

(3)

وقيل: إنها قراءة أُبي بن كعب

(4)

، وهن أمهات في وجوب احترامهن وبِرِّهن وتحريم نكاحهن، لا في جواز الخلوة والمسافرة وتحريم نكاح بناتهن، وكذا النظر في الأصح، وبه جزم الرافعي

(5)

ومقابله حكاه الماوردي

(6)

.

وهل يقال لإخوتهن أخوال المسلمين، ولأخواتهن: خالات المؤمنين، ولبناتهن: أخوات المؤمنين؟ فيه خلاف عندنا وعند غيرنا، والأصح المنع لعدم التوقيف. ووجه مقابله أنه مقتضى ثبوت الأمومة، وهو ظاهر النص، لكنه مؤول

(7)

، قالوا: ولا يقال: آباؤهن وأمهاتهن أجداد المؤمنين وجداتهم

(8)

. وهل يقال فيهن: أمهات المؤمنات؟ فيه

(1)

ابن ماجه (2458).

(2)

عائشة بنت سعد، من أهل البصرة، تروي عن الحسن البصري، وحفصة بنت سيرين، ويروي عنها عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة البصري أحد الضعفاء المتروكين.

انظر ترجمتها في: "تهذيب الكمال" 35/ 237 (7887).

(3)

رواه الطبري في "التفسير" 10/ 258 (28336).

(4)

رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 7/ 69.

(5)

"العزيز" 7/ 457.

(6)

"الحاوي الكبير" 9/ 19.

(7)

انظر: "العزيز" 7/ 457، "روضة الطالبين" 7/ 11، "غاية السول في خصائص الرسول" ص 167 - 168.

(8)

المصادر السابقة.

ص: 210

خلاف عندنا، والأصح أنه لا يقال؛ بناء عَلَى الأصح أنهن لا يدخلن في خطاب الرجال

(1)

، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أنا أم (الرجال)

(2)

لا أم النساء

(3)

. وهل يقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أبو المؤمنين؟ فيه وجهان عندنا، والأصح: الجواز

(4)

، ونص عليه الشافعي أيضا

(5)

، أي: في الحرمة. ومعنى قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40]، لصُلبه، وعن الأستاذ أبي إسحاق أنه لا يقال: أبونا، وإنما يقال: هو كأبينا، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إنما أنا لكم كالوالد"

(6)

.

(1)

انظر: "الحاوي" 7/ 19، "تفسير الماوردي" 4/ 374، "التهذيب" 5/ 227،

"روضة الطالبين" 7/ 11 - 12.

أما مسألة دخول النساء في خطاب الرجال أو عدمه، فقد اتفق العلماء على أن كل واحد من المذكر والمؤنث لا يدخل في الجمع الخاص بالآخر، كالرجال والنساء، وعلى دخولهما في الجمع الذي لم تظهر فيه علامة تذكير ولا تأنيث كالناس، وإنما وقع الخلاف بينهما في الجمع الذي ظهرت فيه علامة التذكير، كالمسلمين والمؤمنين هل هو ظاهر في دخول الإناث فيه أو لا؟ فذهب الجمهور إلى نفيه، وذهب الحنابلة وأبو بكر بن داود وأصحاب أبي حنيفة إلى إثباته.

انظر المسألة بالتفصيل في: "الإحكام" للآمدي 2/ 325 - 329، "إرشاد الفحول" 1/ 563 - 566، "مذكرة الشنقيطي" ص 212، "معالم أصول الفقه" ص 424.

(2)

في (ف): (رجالكم).

(3)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 8/ 200، والبيهقي في "الكبرى" 7/ 70.

(4)

انظر: "التهذيب" 5/ 228، "روضة الطالبين" 7/ 12.

(5)

"الأم" 5/ 126.

(6)

رواه أبو داود (8)، والنسائي 1/ 38، وابن ماجه (313)، وأحمد 2/ 247، وابن خزيمة (80). وهو جزء من حديث أبي هريرة في الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة. والحديث حسن إسناده الألباني في "صحيح سنن أبي داود"(6).

ص: 211

ونقل صاحب "المحكم" عن الزجاج

(1)

في معنى قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] كنى ببناته عن نسائهم، ونساءُ أمةِ كلِّ نبيٍّ بمنزلة بناته، وأزواجه بمنزلة أمهاتهم.

وحكى جماعة من المفسرين في ذَلِكَ قولين:

أحدهما: أنه أراد بنتيه حقيقة؛ لأن الجمع يقع عَلَى الاثنين.

والثاني: أنه أراد نساء أمته؛ لأنه وليُّ أمته

(2)

.

وأما الراوي عن عائشة فهو أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدي المدني التابعي الجليل المجمع عَلَى إمامته وتوثيقه ووفور علمه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، وهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، وفي السابع ثلاثة أقوال:

أحدها: أبو سلمة بن عبد الرحمن.

ثانيها: سالم بن عبد الله بن عمر.

ثالثها: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وقد جمعهم الشاعر على هذا القول الأخير فقال:

ألا إن من لا يقتدي بأئمةٍ

فقسمته ضيزى من الحق خارجة

فخذهم عبيد الله عروة قاسم

سعيد أبو بكر سليمان خارجة

(1)

"المحكم" 4/ 256 [أهل] لكن في معنى قوله: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك} [هود: 46].

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 84، "تفسير القرطبي" 9/ 76، "تفسير الماوردي" 2/ 488، "زاد المسير" 4/ 137 - 138، "الدر المنثور" 3/ 619 - 620.

ص: 212

وأم عروة: أسماء بنت الصديق، وقد جمع الشرف من وجوه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم صهره، وأبو بكر جده، والزبير والده، وأسماء أمه، وعائشة خالته، سمع أباه وأمه وخالته وأخاه عبد الله بن الزبير وخلائق من كبار الصحابة وجماعة من التابعين، وروى عنه جماعة من التابعين وغيرهم.

قَالَ الزهري: كان عروة بحرًا لا تكدره الدلاء

(1)

. وفي رواية: بحرًا لا يُنْزَف

(2)

.

وقال ولده هشام: والله ما (تعلمنا)

(3)

منه جزءًا من ألفي جزء من حديثه

(4)

، وقال: صام أبي الدهر وما مات إلا وهو صائم

(5)

.

وقال سفيان بن عيينة: كان أعلم الناس بحديث عائشة: القاسم بن محمد وعروة وعمرة.

وقال عمر بن عبد العزيز: ما أعلم أحدًا أعلم منه.

ولد سنة عشرين، ومات سنة أربع وتسعين. وقيل: سنة ثلاث.

وقيل: سنة تسع روى له الجماعة، وليس في الستة عروة بن الزبير سواه، ولا في الصحابة أيضا

(6)

.

(1)

رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 6/ 396، أبو نعيم في "الحلية" 3/ 366، وابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 6، ولفظ أبي فعيم:"فأما عروة فبئر لا تكدره الدلاء".

(2)

رواه ابن سعد في "الطبقات" 5/ 181.

(3)

في (ج): (بلغنا).

(4)

انظر: "التاريخ الكبير" 7/ 32.

(5)

رواه ابن سعد في "الطبقات" 5/ 180.

(6)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 178 - 182، "التاريخ الكبير" 7/ 31، 32 (138)، "معرفة الثقات" 2/ 133 (1229)، "الثقات" 5/ 194 - 195، "تهذيب الكمال" 11/ 20 - 25 (3905).

ص: 213

وأما الراوي عنه فهو ولده هشام أبو المنذر. وقيل: أبو عبد الله أحد الأعلام، تابعي مدني، رأى ابن عمر ومسح برأسه ودعا له، وجابرًا وغيرهما، وسمع أباه وعمه عبد الله بن الزبير وخلقًا. وروى عن بكر بن وائل وهو أصغر منه، وعنه شعبة ومالك والقطان.

وكان سيدًا جليلًا ثقة (ثبتًا)

(1)

كثير الحديث، وُلِدَ مقتل الحسين سنة إحدى وستين ومات ببغداد سنة خمس وأربعين ومائة وقيل: سنة ست وقيل: سنة سبع، روى لَهُ الجماعة، ولا يحضرني أحد شاركه في اسمه مع اسم أبيه

(2)

.

وأما الراوي عنه فهو الإمام -إمام دار الهجرة- أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك تابعي -سمع عثمان- بن أبي عامر نافع -وله إدراك- ابن عمرو بن الحارث بن غيمان -بغين معجمة مفتوحة ثم مثناة تحت ساكنة- بن خثيل -بخاء معجمة مضمومة، وقيل بالجيم حكاه أبو نصر عن الدارقطني

(3)

ثمَّ مثلثة مفتوحة، ثمَّ مثناة تحت ساكنة، ثمَّ لام -بن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح، عدادهم بالحلف في تيم -بن مرة من قريش الأصبحي

(4)

المدني، ومناقبه جمة أفردت بالتأليف.

سمع خلقًا من التابعين وغيرهم، قَالَ أبو القاسم الدولعي

(5)

: أخذ

(1)

في (ج): تقيًّا.

(2)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 321، "التاريخ الكبير" 8/ 193، 194 (2673)، "التاريخ الصغير" 1/ 57، 231، "الجرح والتعديل" 9/ 63، 64 (249)، "الثقات" 5/ 502، "تهذيب الكمال" ج 3/ 232 - 242 (6585).

(3)

"الإكمال" 2/ 566.

(4)

قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 90: وأنا أستغرب نسب مالك إلى ذي أصبح، وأعتقد أن فيه نقصانًا كثيرًا؛ لأن ذا أصبح قديم جدًّا. اهـ.

(5)

هو أبو القاسم ضياء الدين عبد الملك بن زيد بن ياسين الأرقمي الموصلي الدولعي =

ص: 214

عن تسعمائة شيخ منهم ثلاثمائة من التابعين وستمائة من تابعيهم ممن اختاره وارتضى دينه وفقهه وقيامه بحق الرواية وشروطها وسكنت النفس إليه، وحصلت الثقة به، وترك الرواية عن أهل دين وصلاح لا يعرفون الرواية

(1)

.

روى عنه جماعة من التابعين منهم: الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وهما من شيوخه، وروى عنه ممن بعد التابعين خلائق من الأعلام منهم الأوزاعي

(2)

والثوري وشعبة والليث والشافعي وآخرون.

وحديث أبي هريرة الحسن في الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يوشك أن يضرب الناس آباط المطي في طلب العلم فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة"

(3)

قيل: إنه ليس المراد رجلًا بعينه، وإنما هذا في آخر الزمان عند ضعف الدين، والمعروف أن المراد به الإمام مالك، هذا هو الذي حمله العلماء عليه، وإن كان سفيان بن عيينة قَالَ مرة: إنه (العمري)

(4)

عبد العزيز بن عبد الله الزاهد

(5)

.

= الشافعي خطيب دمشق، ولد سنة 507 هـ، ومات سنة 598 هـ. والدولعية من قرى الموصل. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء" 21/ 350. "طبقات الشافعيه" 7/ 187، "البداية والنهاية" 13/ 40 - 41.

(1)

انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 78 - 79.

(2)

ستأتي ترجمته في حديث (178).

(3)

رواه الترمذي (2680)، وأحمد 2/ 299، وابن حبان (3736)، والحاكم 1/ 91 من حديث أبي هريرة بلفظ:"أكباد الابل" ورواه الحميدي في "مسنده" 2/ 485 بهذا اللفظ، قال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو حديث سفيان بن عيينة. اهـ.

وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم، والحديث أعله الألباني في "الضعيفة"(4833) بعنعنة ابن جريج وأبي الزبير.

(4)

في (ج): (العمر بن)

(5)

انظر: الترمذي (2680)، "تهذيب الكمال" 27/ 117. وقيل: إنه ابنه عبد الله كما =

ص: 215

مات رضي الله عنه صبيحة أربع عشرة من شهر ربيع الأول من سنة تسع وسبعين ومائة، عن خمس وثمانين سنة، وقيل: غير ذَلِكَ، وقبره بالبقيع معروف في قبة مفردة، وقد زرته غير مرة، ونسأل الله العودة، وكان حمل به البطن ثلاث سنين

(1)

، ولما حضرته الوفاة تشهد ثمَّ قَالَ: لله الأمر من قبل ومن بعد

(2)

، وكان نقش خاتمه: حسبي الله ونعم الوكيل

(3)

. روى لَهُ الجماعة

(4)

.

= في "سير أعلام النبلاء" 8/ 57، "تهذيب التهذيب" 2/ 377 والله أعلم.

(1)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" القسم المتمم (434)، "الثقات" 7/ 459،

"وفيات الأعيان" 4/ 137.

وقد اختلف الفقهاء في أقصى مدة للحمل على أقوال:

القول الأول: أنه أربع سنين. وهو المشهور عن مالك، وبه قال الشافعي، وهو المذهب عند الحنابلة.

القول الثاني: أنه سنتان. وهو مذهب أبي حنيفة، والثوري، وهو رواية عن أحمد، وهو مروي عن عائشة أم المؤمنين.

القول الثالث: أنه سبع سنين. وهو قول ابن وهب وأشهب.

القول الرابع: أنه ست سنين. وهو منقول عن مالك.

القول الخامس: أنه ثلاث سنين. وهو قول الليث.

القول السادس: أنه خمس سنين. وهو قول عبّاد بن العوام.

القول السابع: أنه ليس لأقصاه وقت يوقف عليه. وهو قول أبي عبيد.

انظر: "تبين الحقائق" 3/ 45، "البحر الرائق" 4/ 276، "المنتقى" 4/ 80، "حاشية الدسوقي" 2/ 474، "العزيز" 9/ 451، "روضة الطالبين" 8/ 377، "المغني" 11/ 232 - 233، "الإنصاف" 24/ 23 - 24.

(2)

انظر: "طبقات ابن سعد" القسم المتمم (443)، "صفوة الصفوة" 2/ 121، "تهذيب الكمال" 27/ 119.

(3)

رواه أبو نعيم في "الحلية" 6/ 329، وابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 92، وانظر:"الطبقات" القسم المتمم (434)، "سير أعلام النبلاء" 8/ 113.

(4)

انظر ترجمته في: "الحلية" 6/ 316، "صفة الصفوة" 2/ 120 - 121، "وفيات =

ص: 216

فائدة:

مالك رضي الله عنه أحد المذاهب الستة المتبوعة.

وثانيهم: أبو حنيفة النعمان بن ثابت مات ببغداد سنة خمسين ومائة عن سبعين سنة

(1)

.

وثالثهم: الشافعي محمد بن إدريس، مات بمصر سنة أربع ومائتين عن أربع وخمسين سنة

(2)

.

ورابعهم: أحمد بن حنبل، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين عن ثمانين سنة ببغداد.

= الأعيان" 4/ 135 - 139، "تهذيب الكمال" 27/ 91 - 120، "سير أعلام النبلاء" 8/ 48 - 135.

(1)

الإمام فقيه الملة، عالم العراق، أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي التيمي الكوفي، مولى بني تميم بن ثعلبة يقال: إنه من أبناء الفرس، ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة، ورأى أنس بن مالك لما قدم عليه الكوفة، وقد قال عنه الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة توفي سنة خمسين ومائة.

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 81 (2253)، "الجرح والتعديل" 8/ 449، 450 (2062)، "وفيات الأعيان" 5/ 405 - 415 (766)، "سير أعلام النبلاء" 6/ 390 - 403 (163).

(2)

الشافعي: محمد بن إدريس بن العباس، أبو عبد الله، الشافعي، القرشي، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف بن قصي، أحد المجتهدين الأربعة، ناصر السنة، وسيد الفقهاء في عصره، مناقبه كثيرة شهيرة، أفردها العلماء بتصانيف مستقلة، منها:"آداب الشافعي ومناقبه" لابن أبي حاتم، و"مناقب الشافعي" للبيهقي.

ولد بغزة سنة خمسين ومائة، وقيل: بعسقلان وتوفي بالقاهرة ليلة الجمعة الأخيرة من رجب سنة أربع ومائتين.

من مؤلفاته "الحجة"، "رسالة الأصول"، "المبسوط"، "فضائل قريش" وغيرها كثير.

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 1/ 42 (73)، "حلية الأولياء" 9/ 63، 64، "تاريخ بغداد" 2/ 56 - 73 (454 "سير أعلام النبلاء" 10/ 5 - 99.

ص: 217

وخامسهم: أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، مات بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة عن أربع وستين سنة

(1)

.

وآخرهم: داود بن علي بن خلف أبو سليمان الأصبهاني، مات سنة تسعين ومائتين عن ثمان وثمانين سنة ببغداد، وهو إمام الظاهرية

(2)

أخذ العلم عن إسحاق بن راهويه

(3)

، وأبي ثور

(4)

، وقد جمع الإمام أبو الفضل يحيى بن سلامة الحصكفي

(5)

من أصحابنا الفقهاء

(1)

ستأتي ترجمته أثناء شرح حديث (34).

(2)

انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 8/ 369 - 375، "وفيات الأعيان" 2/ 255 - 257، "تهذيب الأسماء" 1/ 182، "سير أعلام النبلاء" 13/ 97، "لسان الميزان" 2/ 422.

(3)

ستأتى ترجمته في حديث رقم (128).

(4)

أبو ثور: إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي، البغدادي، كان حنفيا من أصحاب محمد، فلما قدم الشافعي بغداد صحبه وأخذ عنه الفقه، وتبعه ونشر مذهبه، ثم استقل بعد ذلك بمذهبٍ، فهو مجتهد مطلق، صاحب مذهب فقهي مستقل، قال ابن حبان: كان أبو ثور أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وورعا وفضلا وخيرا، ممن صنَّف الكتب، وفرَّع على السنن، وقال أحمد: أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة، هو عندي كسفيان الثوري، وقال ابن عبد البر: له مصنفات كثيرة، منها: كتاب ذكر فيه اختلاف مالك والشافعي وذكر مذهبه في ذلك. ولد سنة سبعين ومائة، وتوفي سنة أربعين ومائتين.

انظر ترجمته في: "طبقات الشيرازي" 101، 102، "وفيات الأعيان" 1/ 26 (2)، "تهذيب الكمال" 2/ 80 - 83 (169)، "تاريخ الإسلام" 17/ 63 - 65 (34)"سير أعلام النبلاء" 12/ 72 - 76 (19)، "تذكرة الحفاظ" 2/ 512 - 513 (528).

(5)

يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد المعروف بالخطيب الحصكفي، الشافعي أبو الفضل معين الدين أديب، كاتب، شاعر، خطيب، فقيه، ولد في طنزة سنة 459 هـ، ونشأ بحصن كيفا وقدم بغداد فقرأ الفقه، وأخذ الأدب عن الخطيب التبريزي، وتولى قضاء وخطابة ميافارقين وبها مات سنة 551 هـ. =

ص: 218

(القراء)

(1)

السبعة في بيت وأئمة المذاهب في بيت، فقال:

جمعت لك القراء لما أردتهم

ببيت تراه للأئمة جامعًا

أبو عمرو وعبد الله حمزة عاصم

علي ولا تنس المديني نافعًا

وإن شئت أركان الشريعة فاستمع

لتعرفهم فاحفظ إِذَا كنت سامعًا

محمد والنعمان مالك أحمد

وسفيان واذكر بعد داود تابعا

فائدة ثانية:

ليس في الرواة مالك بن أنس غير هذا الإمام وغير مالك بن أنس الكوفي

(2)

، روي عنه حديث واحد عن هانئ بن حزام وقيل: جزام، ووَهمَ بعضهم فأدخل حديثه في حديث الإمام نبه عليه الخطيب في (كتابه)

(3)

"المتفق والمفترق".

وأما الراوي عن الإمام مالك فهو أبو محمد عبد الله بن يوسف -بتثليث السين مع الهمز ودونه- المصري التنيسي شيخ البخاري، وتنيس -بمثناة فوق مكسورة ثمَّ نون مكسورة ثمَّ ياء مثناة تحت ساكنة ثمَّ سين مهملة- بلدة بمصر سميت بتنيس بن حام بن نوح عليه السلام، أصله من دمشق ثم نزل تنيس، قَالَ البخاري: لقيته بمصر سنة سبع عشرة ومائتين، ومنه سمع البخاري "الموطأ" عن مالك، قَالَ يحيى بن معين: ما بقي عَلَى أديم الأرض أحد أصدق في "الموطأ" منه، سمع

= انظر ترجمته في: "اللباب" 1/ 369، "الكامل في التاريخ" 11/ 239، "وفيات الأعيان" 6/ 205 - 210 (804)، "سير أعلام النبلاء" 20/ 320، 321 (213)، "شذرات الذهب" 4/ 168، 169، "معجم المؤلفين" 4/ 97.

(1)

من (ف).

(2)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 7/ 310، "الجرح والتعديل" 8/ 204، "تهذيب التهذيب" 4/ 8 - 9.

(3)

من (ف).

ص: 219

الأعلام مالكًا والليث وغيرهما، وعنه الأعلام يحيى بن معين والذهلي وغيرهما، وأكثر عنه البخاري في "صحيحه" وقال: كان أثبت الشاميين، وروى أبو داود والترمذي والنسائي عن رجل عنه، ولم يخرج له مسلم، مات بمصر سنة ثمان عشرة ومائتين، وليمس في الكتب الستة عبد الله بن يوسف سواه

(1)

.

فائدة:

هذا الإسناد كلُّه مدنيون، خلا شيخ البخاري وفيه أيضًا طرفة ثانية، وهي رواية تابعي عن تابعي.

الوجه الرابع: في ألفاظه ومعانيه:

وهو بيان لكيفية الوحي لا لكيفية بدوه، فتنبه له:

الأول: قد أسلفنا أول الباب أن الوحي أصله الإعلام في خفاء وسرعة، ثمَّ الوحي في حق الأنبياء عَلَى ثلاثة أضرب، كما نبه عليه القاضي عياض رحمه الله:

أحدها: سماع الكلام القديم

(2)

كسماع موسى عليه أفضل الصلاة والسلام بنص القرآن ونبينا صلى الله عليه وسلم بصحيح الآثار.

ثانيها: وحي رسالة بواسطة الملك.

ثالثها: وحي تلقٍّ بالقلب، وقيل: كان هذا حال داود صلى الله عليه وسلم كقوله:

(1)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 233 (764)، "التاريخ الصغير" 2/ 338، "معرفة الثقات" 67/ 2 (999)، "تهذيب الكمال" 16/ 333 - 336 (3673)، "شذرات الذهب" 2/ 44.

(2)

وصف كلام الله سبحانه وتعالى بأنه قديم من الألفاظ المبتدعة المخترعة، التي لم ينطق بها سلف الأمة وأئمتها كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في أكثر من موضع من "مجموع الفتاوى" فقال في 5/ 532 - 533 ما معناه. =

ص: 220

"إن روح القدس نفث في روعي"

(1)

أي: في نفسي والوحي إلى غير الأنبياء بمعنى الإلهام كالوحي إلى النحل.

= إن أهل السنة متفقون على أنه ليس بمخلوق منفصل، ومتفقون على أن كلام الله قائم بذاته، وكان أئمة السنة كأحمد وأمثاله والبخاري وأمثاله، وداود وابن المبارك وابن خزيمة والدارمي وابن أبي شيبة وغيرهم متفقين على أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، ولم يقل أحد منهم إن القرآن قديم، وأول من شهر عنه أنه قال ذلك هو ابن كلاب. اهـ.

وقال في 7/ 661: ولم يقل أحد منهم إن القرآن قديم، لا معنى قائم بالذات، ولا أنه تكلم به في القديم بحرف وصوت، ولا تكلم به في القديم بحرف قديم، لم يقل أحد منهم لا هذا ولا هذا، وأن الذي اتفقوا عليه أن كلام الله منزل غير مخلوق، والله لم يزل متكلمًا إذا شاء، وكلامه لا نهاية له. اهـ.

وقال في 12/ 54 ما معناه: والسلف يقولون إن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وقالوا لم يزل متكلمًا إذا شاء، فبينوا أن كلام الله قديم أي جنسه قديم لم يزل، ولم يقل أحد منهم أن نفس الكلام المعين قديم، ولا قال أحد منهم القرآن قديم، بل قالوا: إنه كلام الله منزل غير مخلوق، وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن، بمشيئته كان القرآن كلامه، وكان منزلًا غير مخلوق، ولم يكن أزليًّا قديمًا بقدم الله، وإن كان الله لم يزل متكلمًا إذا شاء فجنس كلامه قديم. اهـ.

لكن قال شيخ الإسلام في 12/ 567: فإذا قيل: كلام الله قديم بمعنى أنه لم يصر متكلمًا بعد أن لم يكن متكلمًا، ولا كلامه مخلوق، ولا معنى واحد قديم قائم بذاته، بل لم يزل متكلمًا إذا شاء فهذا كلام صحيح. اهـ.

وقال في "درء التعارض" 1/ 67: إذا قال قائل: القرآن قديم وأراد به أنه نزل من أكثر من سبعمائة سنة وهو القديم في اللغة، أو أراد أنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزول القرآن فإن هذا مما لا نزاع فيه. اهـ.

(1)

رواه الحاكم 2/ 4 من حديث ابن مسعود، وله طريق آخر عن جابر، رواه ابن حبان (3239)، والحاكم 2/ 4 وصححه على شرط الشيخين، وصححه الألباني في "الصحيحة"(2866)، وفي الباب عن حذيفة وأبي أمامة.

ص: 221

وذكر السهيلي

(1)

أن في كيفية نزول الوحي عَلَى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع صور:

الأول: المنام. كما جاء في هذا الحديث

(2)

.

ثانيها: أن يأتيه الوحي في مثل صلصة الجرس كما جاء فيه أيضًا.

ثالثها: أن ينفث في روعه الكلام كما جاء في الحديث السالف، وقال مجاهد وغيره في قوله تعالى:{فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51] هو أن ينفث في روعه بالوحي.

رابعها: أن يتمثل له الملك رجلًا كما جاء في هذا الحديث وقد كان يأتيه في صورة دحية

(3)

.

خامسها: أن يتراءى له جبريل في صورته التي خلقها الله تعالى، له

(1)

"الروض الأنف" 1/ 269 - 270.

(2)

كذا في الأصول: في هذا الحديث، وهو غير صحيح، بل المعنى يكون صحيحًا دون لفظة (هذا)؛ لأن الحديث، لم يأت فيه الوحي في المنام بل قال:"يَأْتِيني مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ" وقال: "وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا"، ففي الحالتين يكون الوحي في اليقظة، وأما دليل كون الوحي يكون في المنام فحديث عائشة التالي وفيه: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم

(3)

دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن امرئ القيس بن الخزج، واسمه زيد مناة، بن عامر بن بكر بن عامر بن عامر الأكبر بن زيد اللات، وقيل: عامر الأكبر بن عوف بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب الكلبي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسوله إلى قيصر ملك الروم، وكان جبريل يأتي رسول الله على صورته، وكان أجمل الناس وجهًا.

أسلم قديمًا، ولم يشهد بدرًا، وشهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر، وبقي إلى خلافة معاوية. انظر ترجمته في:"معرفة الصحابة" 2/ 1012 - 1014 (878)، "الاستيعاب" 2/ 44، 45 (700)، "أسد الغابة" 2/ 158 (1507)، "تهذيب الكمال" 8/ 473 - 475 (1794)، "الإصابة" 1/ 473.

ص: 222

ستمائة جناح ينتثر منها اللؤلؤ والياقوت.

سادسها: أن يكلمه الله من وراء حجاب إما في اليقظة كليلة الإسراء، أو في النوم كما جاء في الترمذي مرفوعًا:"أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ .. " الحديث

(1)

.

وحديث عائشة الآتي: "فجاءه الملك فقال: اقرأ"

(2)

ظاهره أن ذَلِكَ كان يقظة، وفي "السيرة":"فأتاني وأنا نائم"

(3)

ويمكن الجمع بأنه جاءه أولًا منامًا توطئة وتيسيرًا عليه ورفقًا به.

وفي "صحيح مسلم" من حديث ابن عباس مكث صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئًا، وثمان سنين يوحى إليه

(4)

.

سابعها: وَحْيُ إسرافيل كما جاء عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم وكِّل به إسرافيل فكان يتراءى لَهُ ثلاث سنين ويأتيه بالكلمة من الوحي والشيء ثمَّ وكَّل به جبريل

(5)

، وأنكر الواقدي وغيره كونه وكَّل به غير جبريل.

وقال أحمد بن محمد البغدادي: أكثر ما في الشريعة مما أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على لسان جبريل عليه السلام.

قَالَ الغزالي: وسماع النبي صلى الله عليه وسلم والملك الوحي من الله تعالى بغير

(1)

رواه الترمذي (3233، 3234)، وأحمد 1/ 368 عن ابن عباس قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، والحديث صححه الألباني في "الإرواء"(684).

(2)

سيأتي برقم (3) باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(3)

رواه ابن إسحاق في "السيرة" ص 100 - 101.

(4)

مسلم (2353/ 123) كتاب: الفضائل، باب: كم أقام النبي بمكة والمدينة.

(5)

رواه الطبري في "تاريخه" 1/ 573، 574، وابن عبد البر فى "الاستيعاب" 1/ 140، وقال القرطبي في "التفسير" 10/ 177: سنده صحيح.

ص: 223

واسطة يستحيل أن يكون بحرف أو صوت لكن يكون بخلقه تعالى للسامع علمًا ضروريًّا بثلاثة أمور: (بالمتكلم)

(1)

وبأن ما سمعه كلامه وبمراده من كلامه، والقدرة الأزلية لا تقتصر عن اضطرار النبي والملك إلى العلم بذلك. وكما أن كلامه تعالى ليس من جنس كلام البشر فسماعه الذي يخلقه لعبده ليس من جنس سماع الأصوات، ولذلك عسر علينا فهم كيفية سماع موسى عليه السلام لكلامه تعالى الذي ليس بحرف ولا صوت كما يعسر عَلَى الأكمه كيفية إدراك البصر للألوان، أما سماعه صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن يكون بحرف وصوت دال عَلَى معنى كلام الله.

والمسموع الأصوات الحادثة، وهي فعل الملك دون نفس الكلام، ولا يكون هذا سماعًا لكلام الله تعالى من غير واسطة، وإن كان يطلق عليه أنه سماع كلام الله تعالى، وسماع الأمة من الرسول كسماع الرسول من الملك، وطريق الفهم فيه تقديم المعرفة بوضع اللغة التي يقع بها المخاطبة

(2)

.

(1)

في الأصول: للمتكلم، والصواب ما أثبتناه كما في "عمدة القاري" 1/ 45 وهو الموافق للسياق.

(2)

مذهب أهل السنة والجماعة أن الكلام صفة من صفاته تعالى، ليس شيئًا بائنًا منه مخلوقًا، فهو يتكلم بكلام حقيقي، متى شاء، كيف شاء، بما شاء، بحرف وصوت لا يشبه أصوات المخلوقين.

قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" 12/ 243 - 244: والصواب الذي عليه سلف الأمة -كالإمام أحمد والبخاري وغيره وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم- اتباع النصوص الثابتة، وإجماع السلف، وهو أن القرآن جميعه كلام الله، حروفه ومعانيه، ليس شيء من ذلك كلامًا لغيره؛ ولكن أنزله على رسوله، وليس القرآن اسمًا لمجرد المعنى، ولا لمجرد الحرف، بل لمجموعهما، وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط؛ ولا المعاني فقط، كما أن الإنسان المتكلم =

ص: 224

وحكى القرافي خلافًا للعلماء في ابتداء الوحي هل كان جبريل عليه السلام ينقل له ملك عن الله تعالى أو يخلق لَهُ علم ضروريًّا بأن الله تعالى طلب منه أن يأتي محمدًا وغيره من الأنبياء بسور كذا، أو خلق له علمًا ضروريًا بأن يأتي اللوح المحفوظ فينقل منه كذا.

الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: ("أَحْيَانًا يَأْتِيني مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ") الأحيان: الأوقات جمع حين يقع عَلَى القليل والكثير، قَالَ تعالى:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1]، أي مدة من الدهر والصلصلة -بفتح الصادين المهملتين-: الصوت المتدارك الذي لا يفهم أول وهلة، قَالَ الخطابي: يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا ينتبه أول ما يقرع سمعه حتَّى يفهمه من بَعدُ

(1)

.

قيل: الحكمة في ذَلِكَ أن يتفرغ سمعه، ولا يبقى فيه مكان لغير صوت الملك ولا في قلبه

(2)

، وكذلك قَالَ المهلب يعني قوة صوت الملك الوحي ليشغله عن أمور الدنيا، وتفرغ حواسه فلا يبقى في سمعه ولا في قلبه مكان لغير صوت الملك.

= الناطق ليس هو مجرد الروح، ولا مجرد الجسد، بل مجموعهما، وأن الله تعالى يتكلم بصوت. كما جاءت به الأحاديث الصحاح، وليس ذلك كاصوات العباد، لا صوت القارئ ولا غيره. وأن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته فكذلك لا يشبه كلامه كلام المخلوق، ولا معانيه تشبه معانيه، ولا حروفه تشبه حروفه، ولا صوت الرب يشبه صوت العبد، فمن شبه الله بخلقه فقد ألحد في أسمائه وآياته، ومن جحد ما وصف به نفسه فقد ألحد في أسمائه وآياته. اهـ.

(1)

"أعلام الحديث" للخطابي 1/ 121.

(2)

"شرح النووي على مسلم" 15/ 88.

ص: 225

قَالَ أبو الحسن علي بنُ بطال

(1)

: وعلى مثل هذِه الصفة تتلقى الملائكة الوحي من الله تعالى، وقد ذكر البخاري في كتاب التوحيد وغيره عن ابن مسعود: إِذَا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئًا، فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا: ماذا قَالَ ربكم؟ قالوا: الحق

(2)

.

وعن أبي هريرة قَالَ: "إِذَا قضى الله تعالى الأمرَ في السماءِ ضربت الملائكةُ بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة عَلَى صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قَالَ ربكم؟ قالوا: الحق. وهو العلي الكبير فيسمعها مسترقو السمع هكذا بعضه فوق بعض -ووصف سفيان بكفه فحركها وبدد بين أصابعه- فيستمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثمَّ يقليها الآخر إلى من تحته حتَّى يلقيها عَلَى لسان الساحر والكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، وقال: أليس قَدْ كان كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمه التي سمعت من السماء"

(3)

، وقيل: معنى فزع: كشف. وهو دال عَلَى

(1)

هو العلامة أبو الحسن، على بن خلف بن بطال البكري، القرطبي، ثم البلنسي، ويعرف بابن اللّجّام قال ابن بشكوال: كان من أهل العلم والمعرفة، عني بالحديث العناية التامة، شرح "الصحيح" في عدة أسفار، رواه الناس عنه، واستقضى بحصن لُوْرَقَة. اهـ. وقد كان من كبار المالكية. توفي في صفر سنة تسع وأربعين وأربعمائة.

انظر ترجمته في: "الصلة" 2/ 414، "الوافي بالوفيات" 12/ 56، "سير أعلام النبلاء" 18/ 47 - 48، "شذرات الذهب" 3/ 283.

(2)

علقه البخاري عن ابن مسعود قبل الرواية (7481) كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ} . ورواه في "خلق أفعال العباد" ص 139، ورواه مرفوعًا أبو داود (4738)، والحديث صححه الألباني في "الصحيحة"(1293).

(3)

سيأتي في التفسير برقمي (4701، 4800).

ص: 226

أنه يصيبهم فزع شديد من شيء يحدث من أمر الله تعالى، والمراد بالحق: الوحي، وقال ابن جبير: ينزل الأمر من رب العزة فيسمعون مثل وقع الحديد عَلَى الصفا فيفزع أهل السماء حتَّى (يستبين)

(1)

لهم الأمر الذي نزل فيه، فيقول بعضهم لبعض: ماذا قَالَ ربكم؟ فيقول: قَالَ: الحق.

وروي مرفوعًا: "إِذَا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماء منه رجفة -أو قَالَ: رعدة- شديدة خوفًا من الله، فإذا سمع ذَلِكَ أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدًا، فيكون أول ما يرفع رأسه جبريل فيكلمه من وحيه بما (أراد)

(2)

، ثمَّ يمر جبريل عَلَى الملائكة، كلما مر على سماء سأله ملائكتها: ماذا قَالَ ربنا يا جبريل؟ قَالَ: الحق وهو العلي الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قَالَ جبريل، فينتهي جبريل حيث أمره الله"

(3)

.

الوجه الثالث: قَدْ أسلفنا أن الصلصلة الصوت المتدارك، قَالَ أبو علي الهَجَري في "أماليه": الصلصلة للحديد والنحاس والصفر ويابس الطين، وما أشبه ذَلِكَ صوته.

وقال في "المحكم": صل يصل صليلًا، وصلصل صلصلة (وتصلصلًا)

(4)

: صَوَّت

(5)

. فإن توهمت ترجيع صوت قُلْتَ: صلصل وتصلصل

(6)

.

(1)

في (ج): يتبين.

(2)

في (ف): أراه.

(3)

رواه ابن أبي عاصم في "السنة"(515) عن النواس بن سمعان وضعفه الألباني.

(4)

في (ج): وتصليلًا.

(5)

عبارة "المحكم": صلصل صلصلة مصلصلا، ثم قال: وصل اللجام امتد صوته.

(6)

"المحكم" 8/ 176.

ص: 227

وعبارة القاضي: الصلصلة: صوت: الحديد فيما له طنين. وقيل: معنى الحديث هو: قوة صوت حفيف أجنحة الملائكة لشغله عن غير ذَلِكَ، ويؤيده الرواية الأخرى:"كأنه سلسلة عَلَى صفوان"

(1)

أي: حفيف الأجنحة. والجرس هو الجلجل الذي يعلق في رأس الدواب، كره صلى الله عليه وسلم صحبته في السفر؛ لأنه مزمار الشيطان كما أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان

(2)

. وقيل: كرهه لأنه يدل عَلَى أصحابه بصوته، وكان يحب ألا يعلم العدو به حتَّى يأتيهم فجأة، حكاه ابن الأثير

(3)

قَالَ ابن دريد: واشتقاقه من الجرس أي: الصوت والحس

(4)

.

وقال ابن سيده: الجَرْس والجِرْس والجَرَس-الأخير عن كراع- الحركة والصوت من كل ذي صوت، وقيل: الجرس بالفتح إِذَا أفرد، فإذا قالوا: ما سمعت له حسًّا ولا جرسًا كسروا فأتبعوا اللفظ اللفظ

(5)

.

وقال الصغاني: قَالَ ابن السكيت: الجَرَس والجِرْس الصوت ولم يفرق. وقال الليث: الجَرْسُ: مصدر الصوت المجروس، والجِرس بالكسر: الصوت نفسه.

الوجه الرابع: قوله: ("وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا") يحتمل تمثيل جبريل له رجلًا أن الله تعالى أفنى الزائد من خلقه ثمَّ أعاده إليه، ويحتمل أنه يزيله عنه ثمَّ يعيده إليه بعد التبليغ، نبه عَلَى ذَلِكَ

(1)

ستأتى برقم (4800)، كتاب: التفسير، باب:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} .

(2)

رواه مسلم (2114) كتاب: اللباس والزينة، باب: كراهة الكلب والجرس في السفر، وأبو داود (2556)، وابن حبان (4704) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

"النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 261.

(4)

"جمهرة اللغة" 1/ 456.

(5)

"المحكم" 7/ 189.

ص: 228

إمام الحرمين، وأما التداخل فلا يصح عَلَى مذهب أهل الحق، وأبدى الشيخ عِزُّ الدين ابن عبد السلام سؤالًا، فقال: إن قيل: إِذَا لقي جبريل النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية، فأين تكون روحه؟ فإن كان في الجسد الذي له ستمائة جناح، فالذي أتى لا روح جبريل ولا جسده، وإن كانت في هذا الذي هو في صورة دحية فهل يموت الجسد العظيم أم يبقى خاليًا من الروح المنتقلة عنه إلى الجسد المشبه بجسد دحية؟ ثم أجاب بأنه لا يبعد أن لا يكون انتقالها موجب موته فيبقى الجسد حيًّا لا ينقص من معارفه شيء، ويكون انتقال روحه (إلى)

(1)

الجسد الثاني كانتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طير خضر، قَالَ: وموت الأجساد بمفارقة الأرواح ليس بواجب عقلًا، بل بعادة أجراها الله تعالى في بني آدم، فلا تلزم في غيرهم

(2)

.

الوجه الخامس: قوله: ("فَيُفْصَمُ عَنِّي") فيه روايات: أصحها: "يَفْصِم" بفتح الياء المثناة تحت وإسكان الفاء وكسر الصاد، قَالَ الخطابي: معناه: يقطع وينجلي ما يغشاني منه، قَالَ: وأصل الفصم القطع ومنه: {لَا انْفِصَامَ} [البقرة: 256]، وقيل: إنه الصدع بلا إبانة، وبالقاف قطع مع إبانة

(3)

. فمعنى الحديث: أن الملك فارقه ليعود.

الثانية: بضم أوله وفتح ثالثه، وهي رواية أبي ذر الهروي.

والثالثة: بضم أوله وكسر ثالثه من أفصم المطر إِذَا أقلع رباعي، وهي لغة قليلة.

(1)

في (ج): من.

(2)

الأسلم للمرء في دينه ترك الخوض في مثل هذا، والإعراض، واقتضاء طريقة السلف، فإنهم لم يخوضوا في شيء من هذا ولم يبحثوا عنه.

(3)

"أعلام الحديث" 1/ 120 - 121.

ص: 229

السادس: قوله: ("وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ") أي: فهمت وجمعت وحفظت. قَالَ صاحب "الأفعال": وعيت العلم: حفظته، ووعيت الأذان: سمعته، وأوعيت المتاع جمعته في الوعاء.

قَالَ ابن القطاع: وأوعيت العلم مثل وعيته، وقوله تعالى:{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23)} [الانشقاق: 23]، أي: بما يضمرون في قلوبهم من التكذيب

(1)

، وقال الزجاج: بما يحملون في قلوبهم، فهذا من أوعيت المتاع.

السابع: قوله ("يَتَمَثَّلُ") أي: يتصور وانتصب (رَجُلًا) عَلَى التمييز، والملَك هنا بفتح اللام المراد به واحد الملائكة، ويقال للجمع أيضًا.

الثامن: قولها: (وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا) الجبين غير الجبهة وهو فوق الصدغ، والصدغ: ما بين العين إلى الأذن، وللإنسان جبينان يكتنفان الجبهة، ومعنى (يتفصد) بالفاء والصاد المهملة يسيل.

و (عرقًا): منصوب عَلَى التمييز، والمعنى: أن الوحي إِذَا كان ورد عليه يجد لَهُ مشقة ويغشاه كرب لثقل ما يُلقى عليه، قَالَ تعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)} [المزمل: 5] ولذلك كان يعتريه مثل حال المحموم، كما روي أنه كان يأخذه عند الوحي الرحضاء يعني: البُهْر والعرق من الشدة، وأكثر ما يسمى به عرق الحمى، فكان جبينه يتفصد عرقًا كما يتفصد لذلك، وإنما كان ذَلِكَ ليبلو صبره ويحسن تأديبه، ويرتاض لاحتمال ما كُلِّف من أعباء النبوة.

وفي حديث يعلى: ورآه حين نزل عليه الوحي مُحَمرَّ الوجه وهو

(1)

"الأفعال" 3/ 333.

ص: 230

يغطُّ. سيأتي في المناسك حيث ذكره البخاري

(1)

.

ومنه في حديث عبادة بن الصامت أنه صلى الله عليه وسلم كان إِذَا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه

(2)

.

وفي حديث الإفك قالت عائشة: فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتَّى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه

(3)

.

وفي "صحيح مسلم": كان إِذَا نزل عليه الوحي نكس رأسه ونكص أصحابه رءوسهم، فإذا انجلى عنه رفع رأسه

(4)

.

التاسع: ذكر في هذا الحديث حالين من أحوال الوحي وهما: "مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ"، وتمثيل الملك لَهُ رجلًا، ولم يذكر الرؤيا في النوم مع إعلامه لنا أن رؤياه حق لوجهين:

أحدهما: أن الرؤيا الصالحة قَدْ يشركه فيها غيره بخلاف الأولين.

ثانيهما: لعله علم أن قصد السائل بسؤاله ما خص به ولا يعرف إلا من جهته.

(1)

سيأتي برقم (1536) كتاب: الحج، باب: غسل الخلوق ثلاث مراتٍ من الثياب، و (1789) كتاب: العمرة، باب: يفعل في العمرة ما يفعل في الحج، و (1847) كتاب: جزاء الصيد، باب: إذا أحرم جاهلًا وعليه قميص.

(2)

رواه مسلم (1690) كتاب: الحدود، باب: حد الزنا، وأبو داود (4415 - 4417)، والترمذي (1434)، وابن ماجه (2550)، وأحمد 5/ 313.

(3)

سيأتي برقم (4750) كتاب: التفسير، باب: قوله: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ} . ورواه مسلم: (2770) كتاب: التوبة، باب: في حديث الإفك وقبول توبة القاذف.

(4)

مسلم (2335) كتاب: الفضائل، باب: عرق النبي صلى الله عليه وسلم في البرد وحين يأتيه الوحي.

ص: 231

العاشر: في الحديث إثبات الملائكة، والرد عَلَى من أنكرهم من الملحدة والفلاسفة، ذكر ذَلِكَ أبو عبد الله بن المرابط.

الحادي عشر: فيه -كما قَالَ ابن عبد البر- دلالة عَلَى أن الصحابة كانوا يسألونه عن كثير من المعاني، وكان صلى الله عليه وسلم يجمعهم ويعلمهم وكانت طائفة تسأل وأخرى تحفظ وتؤدي وتبلغ، حتَّى أكمل الله دينه (ولله الحمد)

(1)

.

(آخر الجزء الثاني من تجزئة المصنف)

(2)

.

(1)

في (ف): (وله الحمد)، وانظر "التمهيد" 22/ 113.

(2)

من (ف) وورد بهامشها تعليق نصه: بلغ إبراهيم الحلبي قراءة على المصنف وسمعه الأئمة الحاضري (

) وابن بهرام وولد المصنف نور الدين علي والعاملي ومحمد بن أحمد بن عمر البرموي (

) شيخنا الصفدي والنظام الحموي وآخرون.

ص: 232

‌3 - باب

3 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِى النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِىَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِى غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ. قَالَ "مَا أَنَا بِقَارِئٍ". قَالَ "فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ اقْرَأْ. قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ اقْرَأْ. فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)}. فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضى الله عنها فَقَالَ: "زَمِّلُونِى زَمِّلُونِى". فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِى". فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ -وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِىَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِىَ- فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِى مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأَى. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِى نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى. يَا لَيْتَنِى فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِى أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "أَوَمُخْرِجِىَّ هُمْ". قَالَ نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِىَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِى يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّىَ وَفَتَرَ الْوَحْىُ. [3392، 4953، 4955، 4956، 4957، 6982 - مسلم 160 - فتح 22/ 1]

ص: 233

الحديث الثالث:

قَالَ البخاري رحمه الله:

نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الوَحْي الرُّؤْيَا الصالحه فِي النَّوْمِ، وَكَانَ لَا يَرى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحَ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلَاءُ، فكَانَ يَخْلُو بغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزعَ إلى أَهْلِهِ، وَيتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ اقْرَأ. فقَلت:"مَا أَنَا بِقَارِئٍ". قَالَ: "فَأَخَذَنِي فَغَطنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: مَا أَنَا بقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)}. فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ على خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ فَقَالَ: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي". فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي". فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلّاَ والله مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ على نَوَائِبِ الحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أتت بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزى ابن عَمِّ خَدِيجَةَ- وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ -فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابن عَمِّ اسْمَعْ مِنَ ابن أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابن أَخِي مَاذَا تَرى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ

ص: 234

- صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأى. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هذا النَّامُوسُ الذِي نَزلَ اللهُ على مُوسَى.

يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَوَمُخْرِجِىَّ هُمْ". قَالَ نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِىَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفّيَ وَفَتَرَ الوَحْيُ.

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث من مراسيل الصحابة كما نبهنا عليه في الفصول السابقة أول الشرح. فإن عائشة لم تدرك هذِه (القصة)

(1)

فروتها إما سماعًا من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من صحابي آخر.

ثانيها:

هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في التفسير والتعبير، عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرازق، عن معمر

(2)

، وفي: التفسير، عن سعيد بن مروان، عن محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، عن أبي صالح سلمويه، عن ابن المبارك، عن يونس

(3)

، وفي الإيمان عن ابن رافع، عن عبد الرزاق، عن معمر، وعن عبد الملك، عن أبيه، عن جده، عن عقيل، وعن أبي الطاهر، عن ابن وهب، عن يونس كلهم عن الزهري

(4)

.

(1)

في (ف): القضية.

(2)

سيأتي برقم (4956) كتاب: التفسير، باب: قوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)} و (6982) في التعبير، باب: أول ما بدئ به رسول الله- صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة.

(3)

يأتي برقم (4953) باب: (1).

(4)

قلت: عزو المصنف هذا الحديث هنا يوهم أنه في البخاري، إلا أن هذِه الطرق =

ص: 235

وأخرجه مسلم في الإيمان

(1)

، والترمذي

(2)

، والنسائي في التفسير

(3)

.

ثالثها: في التعريف برواته:

أما عائشة وعروة فسلفا في الحديث قبله، وأما ابن شهاب فهو: الإمام أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي الزهري المدني، سكن الشام وهو تابعي صغير، سمع أنسًا وربيعة بن عباد وخلقًا من الصحابة، وسعيد بن المسيب وعطاء وخلقًا من كبار التابعين، ورأى ابن عمر، وروى عنه، ويقال:(سمع منه حديثين)

(4)

، وعنه جماعات من كبار التابعين منهم: عطاء وعمر بن عبد العزيز، ومن صغارهم ومن الأتباع أيضًا، صحَّ عنه أنه قَالَ: ما استودعت حفظي شيئًا فخانني. وصحَّ عنه أنه أخذ القرآن في ثمانين ليلة، وجمع علم التابعين، واتفقوا عَلَى جلالته وبراعته وإمامته وحفظه وإتقانه.

قَالَ الشافعي: لولا الزهري ذهبت السنن من المدينة. مات بالشام وأوصى بأن يدفن عَلَى الطريق بقرية يقال لها: (شَغْب وبدّا)

(5)

في

= الثلاثة في مسلم (160/ 252 - 254) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

مسلم (160) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم.

(2)

الترمذي (3632).

(3)

لم أقف عليه عند النسائي.

(4)

في (ف): إنه روى عنه حديثين.

(5)

الذي وقع في مصادر الترجمة أنه توفى بضيعة يقال: لها أداما، وهي خلف شَغْب وبَدّا، وهما واديان، وقيل: قريتان بين الحجاز والشام في موضع هو آخر عمل الحجاز وأولج عمل فلسطين. انظر: "الثقات" 5/ 249، "وفيات الأعيان" 4/ =

ص: 236

رمضان سنة أربع وعشرين ومائة، ابن اثنتين وسبعين سنة

(1)

.

وأما الراوي عنه فهو أبو خالد، عُقيل -بضم العين كما سلف في الفصول السابقة أول الكتاب- بن خالد بن عقيل -بفتح العين- الأيلي -بالمثناة تحت- (القرشي)

(2)

الأموي مولى عثمان بن عفان، الحافظ، روى عن عكرمة والقاسم وسالم والزهري وخلق، وعنه الليث وضمام بن إسماعيل.

قَالَ يحيى بن معين: أثبت من روى عن الزهري مالك ثم معمر ثمَّ عقيل. وقيل: عقيل أثبت من معمر، مات سنة إحدى وأربعين ومائة، وقيل: سنة أربع بمصر فجأة، وليس في الكتب الستة من اسمه عقيل بضم العين غيره

(3)

.

وأما الراوي عنه فهو الإمام أبو الحارث، الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم المصري، عالم أهل مصر من تابعي التابعين، مولى عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي، وقيل: مولى خالد بن ثابت، وفهم بن قيس غيلان، ولد بقرقشندة -عَلَى نحو أربع فراسخ من بلدنا مصر- سنة ثلاث أو أربع وتسعين، سمع عطاء وابن

= 178، "تهذيب الكمال" 26/ 442، "سير أعلام النبلاء" 5/ 349. وقال النووي في "تهذيبه" 1/ 92: قرية يقال لها: شغبدا أهـ.

(1)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 1/ 220 - 221 (693)، "معرفة الثقات" 2/ 253 (1645)، "الثقات" 5/ 349 - 350، "تهذيب الكمال" 26/ 419 - 443 (5606)، "تهذيب التهذيب" 3/ 696 - 698.

(2)

في (ج): الدمشقي.

(3)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 519، "التاريخ الكبير" 7/ 94 (419)، "الجرح والتعديل" 7/ 43 (243)، "الثقات" 7/ 305، "تهذيب الكمال" 20/ 242 - 245 (4001).

ص: 237

أبي مليكة وخلقًا. وعنه قتيبة ومحمد بن رمح وعيسى زُغْبة

(1)

، وخلائق من التابعين وغيرهم، ومنهم: محمد بن عجلان، وهو من كبار التابعين، ومن شيوخه.

وإمامته وبراعته وجلالته وحفظه وإتقانه وجوده وإفضاله وورعه وعبادته مجمع عليه، وغير ذَلِكَ من المحاسن والمكارم، ووصفه الشافعي بكثرة الفقه، إلا أنه ضيعه أصحابه -يعني: لم يعتنوا بكتبه ونَقْلِها والتعليق عنه- ففات الناس معظم علمه، وكان دَخْلُه في السنة ثمانين ألف دينار وما وجبت عليه زكاة قط، ولمّا قَدِمَ المدينة أهدى لَهُ مالك من طرفها، فبعث إليه ألف دينار.

قَالَ يحيى بن بكير: كان الليث أفقه من مالك، ولكن كانت الحظوة لمالك، ورأيت من رأيت فما رأيت مثل الليث، كان فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن القرآن، ويحفظ الحديث والنحو والشعر، حسن المذاكرة، ومازال يعقد خصالًا جميلة حتَّى عقد عشرة.

وقال ابن وهب: ما كان في كتب مالك: أخبرني من أرضى من أهل العلم فهو الليث.

وقال أيضًا: لولا أن الله أنقذني به وبمالك لضللت.

وقال أحمد: كان كثير العلم، صحيح الحديث، ما في هؤلاء المصريين أثبت منه، ما أصح حديثه!

وقال أحمد بن صالح: الليث إمام أوجب الله تعالى علينا حقه.

(1)

هو عيس بن حماد زُغْبة، وهو آخر من حدث عنه من الثقات. انظر:"تهذيب الكمال" 24/ 260.

ص: 238

وقال شرحبيل بن جميل: أدركت الناس أيام هشام، وكان الليث بن سعد حديث السن، وهم يعرفون له فضله وورعه مع حداثة سنه. وقال ابن سعد: استقل بالفتوى في زمانه بمصر، وكان سريًّا نبيلًا سخيَّا ومناقبه جمة

(1)

.

قَالَ الشافعي: ما ندمت عَلَى أحد ما ندمت عَلَى الليث.

مات في شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، وقبره عندنا بمصر يزار

(2)

، وعليه من الجلالة والبهاء ما هو لائق به، وليس في الكتب

(1)

"الطبقات الكبرى" 7/ 517. وابن سعد: هو محمد بن سعد بن منيع، الحافظ العلامة الحجة، أبو عبد الله البغدادي، كاتب الواقدي، ومصنف "الطبقات الكبير"، و"الطبقات الصغير" وغير ذلك، ولد بعد الستين ومائة، وكان من أوعية العلم، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: صدوق. توفي ببغداد يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة 230 هـ، وهو ابن اثنتين وستين سنة.

انظر ترجمته في:

"الجرح والتعديل" 7/ 262، "تاريخ بغداد" 5/ 321، 322، و"سير أعلام النبلاء" 10/ 664 (242).

(2)

قد أكثر المصنف في كتابه هذا من قوله: وفلان قبره يزار فاعلم أنه لا يجوز شرعًا تخصيص قبر بعينه للزيارة، وإن كان للعبرة والعظة؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها. ولم يحدد قبرًا بعينه، ثم اعلم أن الزيارة الشرعية إنما هي في التفكر والاتعاظ بالموتى والدعاء لهم لا غير، فإن صاحب ذلك نوع من أنواع الشرك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" 400 - 401: غلب في عرف كثير من الناس استعمال لفظ: زرنا، في زيارة قبور الأنبياء والصالحين على استعمال لفظ: زيارة القبور، في الزيارة البدعية الشركية لا في الزيارة الشرعية ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد في زيارة قبر مخصوص، ولا رَوى في ذلك شيئًا لا أهل الصحيح ولا السنن ولا الأئمة المصنفون في المسند كالإمام أحمد وغيره، وإنما روى ذلك مَن جَمَع الموضوع وغيره. ا. هـ.

ص: 239

الستة من اسمه الليث بن سعد سواه

(1)

، نعم في الرواة ثلالة غيره: أحدهم: بصري وكنيته أبو الحارث أيضًا، وهو ابن أخي سعيد بن الحكم.

ثانيهم: يروي عن ابن وهب. ذكرهما ابن يونس

(2)

في "تاريخ مصر".

وثالثهم: تنيسي حدث عن بكر بن سهل نبه عَلَى ذَلِكَ الخطيب

(3)

.

وأما الراوي عنه فهو أبو زكريا، يحيى بن عبد الله بن بكير، نسبه البخاري إلى جده، القرشي المخزومي مولاهم، المصري الحافظ

(1)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 517، "معرفة الثقات" 2/ 230 (1565)"التاريخ الكبير" 7/ 246 - 247 (1053)، "الجرح والتعديل" 7/ 179 (1015)، "سير أعلام النبلاء" 8/ 136 (12)، "تهذيب الكمال" 24/ 255 (5016).

(2)

هو علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري،

أبو الحسن، الفلكي المؤرخ، مصنف "تاريخ أعيان مصر"، توفي في شوال سنة

تسع وتسعين وثلاثمائة، انظر ترجمته في:"الأنساب" 8/ 46، "وفيات الأعيان"

3/ 429 - 431، "تاريخ الإسلام" 4/ 112، "سير أعلام النبلاء" 17/ 109.

(3)

قلت: هذا يسمى: المتفق والمفترق، كما هو مقرر في مصطلح الحديث، وهو أن تتفق أسماء الرواة لفظًا وخطَّا وتختلف أو تفترق أشخاصهم، مثاله: أبو بكر بن عياش ثلاثة، وأحمد بن جعفر بن حمدان أربعة، وأبو عمران الجوني، اثنان، وطالح بن أبي صالح أربعة، والليث بن سعد -كما ذكره المصنف هنا- أربعة.

وللخطيب فيه كتاب "المتفق والمفترق".

انظر: "علوم الحديث" ص 358 - 365، و"المقنع" 2/ 614 - 621، "فتح المغيث" 3/ 269 - 283، و"تدريب الراوي" 2/ 455 - 474.

وما عزاه المصنف هنا للخطيب مظنه كتاب: "المتفق والمفترق"، وذكره الخطيب أيضًا في كتابه "تالي تلخيص المتشابه" 2/ 617 - 618 (436 - 439) وعزاه محققه "للمتفق والمفترق" للخطيب (ق 225/ ب). وذكر المصنف هنا أن الليث بن سعد ابن أخي سعيد بن الحكم، بصري، ووقع في "تالي التلخيص" أنه مصري، وكذا ذكر العيني في "عمدة القاري" 1/ 53 أنه مصري.

ص: 240

المفتي، الثقة الواسع العلم، روى عن مالك والليث وابن الماجشون وغيرهم، وعنه: البخاري ويحيى بن معين والذهلي وأبو زرعة وخلائق، وهو راوي "الموطأ" عن مالك، وقد تكلم أهل الحديث في سماعه منه

(1)

كما نبه عليه الباجي

(2)

، ولد سنة أربع وقيل: خمس وخمسين ومائة، ومات سنة إحدى وثلاثين ومائتين، واعلم أن البخاري روى عن يحيى هذا في مواضع

(3)

، وروى عن محمد بن عبد الله -هو الذهلي- عنه، قاله أبو نصر الكلاباذي. قَالَ المقدسي: نسبه إلى جده يدلسه، وتارة يقول: ثنا محمد ولا يزيد عليه، وتارة: محمد بن عبد الله، وإنما هو محمد بن عبد الله (بن خالد بن فارس)

(4)

(1)

قلت: والعلة في ذلك ما ذكره الحافظ في "تهذيب التهذيب" 4/ 368 قال: قال الساجي: قال ابن معين: سمع يحيى بن بكير "الموطأ" بعرض حبيب كاتب الليث، وكان شر عرض، كان يقرأ على مالك خطوط الناس ويصفح ورقتين ثلاثة أهـ. ولكن قال بقي بن مخلد -كما في "تذكرة الحفاظ" 2/ 420 - : سمع يحيى بن بكير "الموطأ" من مالك سبع عشرة مرة أهـ.

(2)

"التعديل والتجريح" 3/ 1213.

والباجي: هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي، الأندلسي، القرطبي، الباجي، الإمام العلامة الحافظ ذو الفنون، القاضي، صاحب التصانيف ولد في سنة 403 هـ وتفقه به أئمة واشتهر اسمه، وصنف التصانيف النفيسة، قال الأمير أبو نصر: أما الباجي ذو الوزارتين فقيه متكلم، أديب شاعر، سمع بالعراق ودرس الكلام وصنف، إلى أن قال: وكان جليلا رفيع القدر والخطر، قبره بالمرية مات سنة أربع وسبعين وأربعمائة. انظر ترجمته في:"الإكمال" 1/ 468، "وفيات الأعيان" 2/ 408 - 409، "البداية والنهاية" 12/ 122 - 123، "سير أعلام النبلاء" 18/ 537.

(3)

منها ما سيأتي برقم (136، 146، 208، 566، 1890، 2345، 2757، 3174) وغيرها.

(4)

فى الأصل: ابن خالد بن عبد الله بن فارس، والصواب ما أثبتناه كما في مصادر الترجمة.

ص: 241

ابن ذؤيب الذهلي، وتارة ينسبه إلى جده فيقول: محمد بن عبد الله، وتارة محمد بن خالد بن فارس فتنبَّه لذلك

(1)

.

وروى مسلم عن أبي زرعة

(2)

عنه -أعني: عن ابن بكير- حديثًا

(3)

، وروى ابن ماجه عن رجل عنه

(4)

.

(1)

"الجمع بين رجال الصحيحين" لابن طاهر المقدسي 2/ 465 (1787) قلت: أما قول البخاري: ثنا محمد، ولا يزيد عليه فانظر حديث رقم:(1240، 1809، 2071، 3464، 4438، 4545، 4677، 4875، 5930، 6103، 6665). وأما قوله: ثنا محمد بن عبد الله، فانظر حديث رقم:(2693، 2809، 4273، 4729، 4807، 6722، 6785، 6908). وأما قوله: ثنا محمد بن خالد، فانظر حديث رقم:(1952، 5739، 7155، 7511).

وسبب ذلك أن البخاري لما دخل نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى الذهلي في

مسألة خلق اللفظ، وكان قد سمع منه فلم يترك الرواية عنه ولم يصرح باسمه.

ولمزيد بيان ينظر: "سير أعلام النبلاء" 12/ 453 - 463.

(2)

هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ، محدث الري، ولد بعد نيف ومائتين، قال ابن أبي شيبة: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة. وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن أبي زرعة فقال: إمام. توفي سنة ستين ومائتين وهو ابن أربع وستين سنة، وقيل: توفي وهو ابن ست وخمسين سنة، انظر ترجمته في:"الجرح والتعديل" 1/ 328 - 349، "تاريخ بغداد" 10/ 326 - 327، "طبقات الحنابلة" 1/ 199 - 203، "البداية والنهاية" 11/ 37، "سير أعلام النبلاء" 13/ 65 (48).

(3)

مسلم (2739) كتاب: الرقاق، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الكريم -أبو زرعة- حدثنا ابن بكير، حدثني يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك".

قال النووي في "شرح مسلم" 17/ 54: هذا الحديث رواه مسلم عن أبي زرعة الرازي أحد حفاظ الإسلام وأكثرهم حفظًا، ولم يرو مسلم في "صحيحه" عنه غير هذا الحديث، وهو من أقران مسلم، توفي بعد مسلم بثلاث سنين سنة أربع وستين ومائتين ا. هـ.

(4)

قلت: روى له ابن ماجه بواسطة عن ثلاث: =

ص: 242

قَالَ أبو حاتم: كان يفهم هذا الشأن ولا يحتج به، يُكْتب حديثه

(1)

.

وقال النسائي: ليس بثقة. ووثقه غيرهما، وقال الدارقطني: عندي ما به بأس. وأخرج لَهُ مسلم عن الليث

(2)

، وعن يعقوب بن عبد الرحمن

(3)

، والمغيرة

(4)

، ولم يخرج لَهُ عن مالك شيئًا؛ ولعله -والله أعلم- للعلة السالفة عن الباجي قَالَ -أعني الباجي-: وكان ثبتًا في الليث، وكان جاره، وكان عنده ما ليس عند غيره

(5)

، ووثقه الخليلي

(6)

أيضًا في "إرشاده"

(7)

.

فائدة: هذا الإسناد على شرط الستة إلا يحيى هذا، فعلى شرط البخاري ومسلم وابن ماجه، وكلهم ما بين مصري ومدني كما عرفته،

= الأول: سهل بن أبي سهل عنه، حديث رقم (387).

الثاني: محمد بن يحيى عنه، حديث رقم (2081، 2133).

الثالث: حرملة بن يحيى عنه، حديث رقم (3311).

(1)

"الجرح والتعديل" 9/ 165.

(2)

حديث رقم: (1851).

(3)

حديث رقم: (2739).

(4)

حديث رقم: (2785، 2942).

(5)

"التعديل والتجريح" 3/ 1213.

(6)

هو القاضي، العلامة الحافظ أبو يعلى، الخليل بن عبد الله بن أحمد بن الخليل، الخليلي القزويني، مصنف كتاب "الإرشاد في معرفة المحدثين" كان ثقة حافظًا، عارفًا بالرجال والعلل، كبير الشأن، وله غلطات في "إرشاده" توفي بقزوين في آخر سنة ست وأربعين وأربعمائة وكان من أبناء الثمانين. انظر ترجمته في:"الإكمال" 3/ 174، "تذكرة الحفاظ" 3/ 1123 - 1125، "شذرات الذهب" 3/ 274، "سير أعلام النبلاء" 17/ 666.

(7)

"الإرشاد" 1/ 262.

وانظر ترجمة يحيى بن بكير في: "التاريخ الكبير" 8/ 285 (3019)، "الجرح والتعديل" 9/ 165 (682)، "الثقات" 9/ 262، "تهذيب الكمال" 31/ 401 (6858)، "سير أعلام النبلاء" 10/ 612 (210).

ص: 243

وفيه أيضًا من طُرَفِ الإسناد رواية تابعي عن تابعي وهما: الزهري عن عروة.

الوجه الثالث: في الكلام عَلَى مفرداته وفوائده:

الأول: قولها: (مِنَ الوَحْيِ) في (من) هنا قولان:

أحدهما: أنها لبيان الجنس.

وثانيهما: للتبعيض

(1)

، قَالَ القزاز

(2)

بالأول، كانها قالت: من جنس الوحي، وليست الرؤيا من الوحي حتَّى تكون (من) للتبعيض، ورده القاضي

(3)

، وقال: بل يجوز أن تكون للتبعيض، لأنها من

(1)

مجيء (من) لبيان الجنس قال به أكثر النحويين، وجعلوا منه قوله تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30] وقوله: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ} [الكهف: 31] قالوا: وعلامتها أن يحسن مكانها (الذي). وأنكر أكثر المغاربة مجيء (من) لبيان الجنس. أما مجيئها للتبعيض فكثير ومنه قوله تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ} [البقرة: 253]، وعلامتها وقوع (بعض) موقعها.

(2)

هو أبو عبد الله، محمد بن جعفر، التميمي القيرواني النحوي العلامة إمام الأدب، مؤلف كتاب "الجامع" في اللغة وهو من نفائس الكتب وكان مهيبًا عالي المكانة، محببًا إلى العامة، لا يخوض إلا في علم دين أو دنيا، وله نظم جيد، وشُهْرةُ بمصر. عمَّرَ تسعين عاما، قيل: مات بالقيروان سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. انظر ترجمته في: "معجم الأدباء" 18/ 105 - 109، "وفيات الأعيان" 4/ 374 - 376، "سير أعلام النبلاء" 17/ 326.

(3)

هو عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن عياض اليحصبي، الأندلسي، الإمام العلامة الحافظ الأوحد، شيخ الإسلام، القاضي أبو الفضل. ولد سنة 476 هـ، قال عنه ابن بشكوال: هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم، ومن تصانيفه:"إكمال المعلم بفوائد مسلم"، و"مشارق الأنوار" و"التنبيهات". توفي في ليلة الجمعة نصف الليلة التاسعة من جمادى الآخرة، ودفن بمراكش سنة 504 هـ.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 3/ 483، "سير أعلام النبلاء" 20/ 212 (136)، "تذكرة الحفاظ" 4/ 1304، "شذرات الذهب" 4/ 138.

ص: 244

الوحي، كما جاء في الحديث أنها جزء من النبوة

(1)

. والوحي: الإعلام كما سلف، فرؤيا المنام إعلام وإنذار وبشارة، ورؤيا الأنبياء حق وصدق.

الثاني: جاء هنا: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ)، وفي "صحيح مسلم":(الصادقة)

(2)

، وكذا رواه البخاري في كتاب التعبير أيضًا

(3)

، وساقه شيخنا في "شرحه" هنا بلفظ:(الصادقة) وهما بمعنى

(4)

، وكأن ما وقع في "شرح شيخنا" من طغيان القلم، فإنه بعد أن ساقه قَالَ: جاء هنا: (الصالحة) وفي مسلم: (الصادقة) وقد زدنا عليه أن البخاري ساقه في التعبير كما ساقه مسلم، ورأيته أيضًا في تفسير سورة:{اقْرَأْ}

(5)

، [العلق: 1] وذكر ابن المرابط

(6)

أن رواية معمر ويونس: (الصادقة).

(1)

"إكمال المعلم بفوائد مسلم" 1/ 479. والحديث سيأتي برقم (6987) كتاب: التكبير، باب: الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.

(2)

مسلم (160/ 252). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي.

(3)

سيأتي برقم (6982). كتاب التعبير، باب: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة.

(4)

قال الحافظ في "الفتح" 12/ 355: وهما بمعنًى واحد بالنسبة إلى أمور الآخرة في حق الأنبياء، وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل أخص، فرؤيا النبي كلها صادقة وقد تكون صالحة وهي الأكثر، وغير صالحة بالنسبة للدنيا كما وقع في الرؤيا يوم أحد، وأما رؤيا غير الأنبياء فبينهما عموم وخصوص؛ إن فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى تعبير، وأما إن فسرناها بأنها غير الأضغاث فالصالحة أخص مطلقا. وقال الإمام نصر بن يعقوب الدينوري في "التعبير القادري": الرؤية الصادقة ما يقع بعينه، أو ما يعبر في المنام أو يخبر به ما لا يكذب، والصالحة ما يسر أهـ.

(5)

سيأتي برقم (4956). كتاب التفسير، باب: قوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)} .

(6)

هو الإمام مفتي مدينة المرِيَّة وقاضيها، أبو عبد الله محمد بن خلف بن سعيد بن وهب الأندلسي، ابن المرابط، صاحب "شرح صحيح البخاري"، توفي في شوال =

ص: 245

قال المهلب

(1)

: الرؤيا الصالحة هي تباشير النبوة؛ لأنه لم يقع فيها ضغث، قال: وهي التي لم يسلط عليه فيها ضغث ولا تلبيس شيطان (فيتساوى)

(2)

مع الناس في ذَلِكَ بل خص صلى الله عليه وسلم بصدقها كلها، قَالَ ابن عباس: رؤيا الأنبياء وحي، وقرأ:{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}

(3)

[الصافات: 102]، وكان صلى الله عليه وسلم تنام عينه دون قلبه

(4)

، فكان صدق الرؤيا في النوم في ابتداء النبوة مع رؤية الضوء، وسماع الصوت، وسلام

= سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وقد شاخ، من كبار المالكية.

انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 19/ 66 (36)، "الوافي بالوفيات" 3/ 46، "شذرات الذهب" 3/ 375.

(1)

هو المهلب بن أحمد بن أبي صفرة أسيد بن عبد الله، الأسدي الأندلسي المريبي، أبو القاسم، مصنف "شرح صحيح البخاري" وكان أحد الأئمة الفصحاء، الموصوفين بالذكاء، ولي قضاء المرية. توفي في شوال سنة 435 هـ.

انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 17/ 579 (384)، "شذرات الذهب" 3/ 255.

(2)

في (ت): فتساوى.

(3)

رواه ابن أبي عاصم في "السنة"(463)، والطبراني عن 12/ 6 (12302) عن ابن عباس، دون ذكر الآية. قال الهيثمي في "المجمع" 7/ 176: رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف، وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ. قال الألباني في تعليقه على "السنة" (463): إسناده حسن. أهـ.

ورواه ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" 12/ 38 - 49 عن ابن عباس مرفوعًا به. قال ابن كثير: ليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه أهـ. قال الألباني في تعليقه على "السنة": رجاله ثقات غير أبي عبد الملك الكرندي فلم أعرفه، ولا عرفت نسبته أهـ.

وسيأتي برقم (138) كتاب: الوضوء، باب: التخفيف في الوضوء. من قول عبيد بن عمير.

(4)

سيأتي برقم (138)، ورواه مسلم (763/ 186) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه.

ص: 246

الحجر والشجر عليه

(1)

بالنبوة، ثم أكمل الله لَهُ النبوة بإرسال الملك في اليقظة، وكشف لَهُ عن الحقيقة كرامةً لَهُ منه صلى الله عليه وسلم.

قَالَ القاضي وغيره: وإنما ابتدئ صلى الله عليه وسلم بالرؤيا، لئلا يفجأه الملك ويأتيه بصريح النبوة فلا تحتملها قوى البشرية، فبدئ بأوائل خصال النبوة وتباشير الكرامة، من صدق الرؤيا مع سماع الصوت وغيره

(2)

.

الثالث: الرؤيا: قَالَ أهل اللغة: يقال: رأى في منامه رؤيا، بلا تنوين عَلَى وزن فُعلى كحبلى، وجمعها: رؤًى بالتنوين على وزن رُعًى، قاله الجوهري وغيره

(3)

.

(1)

من ذلك ما رواه مسلم (2277) كتاب: الفضائل، باب: فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، وأحمد 5/ 89 من حديث جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أُبْعث، إني لأعرفه الآن".

ومن ذلك ما رواه الترمذي (3626)، والدارمي 1/ 171 (21)، وأبو نعيم في "الدلائل"(289)، والحاكم 2/ 620، والبيهقي في "الدلائل" 2/ 153 - 154 من طريق الوليد بن أبي ثور، عن السدي، عن عباد بن أبي يزيد، عن علي بن أبي طالب قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وقد رواه غير واحد عن الوليد بن أبى ثور، وقالوا: عن عباد أبى يزيد، منهم فروة بن أبى المغراء. اهـ وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "الصحيحة"(2670).

(2)

"إكمال المعلم" 1/ 479.

(3)

"الصحاح" 6/ 2347، مادة (رأى). والجوهري: هو أبو نصر إسماعيل بن حماد التركي، مصنف كتاب "الصحاح" وأحد من يُضرب به المثل في ضبط اللغة، وفي الخط المنسوب، يُعد مع ابن مُقلة، وابن البواب ومهلهل والبريدي.

وللجوهري نظم حسن ومقدمة في النحو، قال جمال الدين القفطي: مات الجوهري مترديا من سطح داره في سنة 393 هـ. انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 17/ 80 - 82، "تاريخ الإسلام" 4/ 91، "شذرات الذهب" 3/ 142.

ص: 247

الرابع: في هذا تصريح من عائشة رضي الله عنها بأن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم من جملة أقسام الوحي، وهو محل وفاق.

الخامس: قولها: (مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ): مثل: منصوب عَلَى الحال أي: جاءت الرؤيا مشبهة فلق الصبح أي: ضياءه إِذَا أنفلق وانماز عن ظلام الليل، وذلك حتَّى يتضح فلا يشك فيه. قَالَ أهل اللغة والغريب: فَلَق الصبح وفَرَقه -بفتح أولهما وثانيهما- ضياؤه. أي: إنارته واضاءته وصحته، وإنما يقال هذا في الشيء الواضح البين، يقال: هو أبين من فلق الصبح، وقال ابن عباس في قوله تعالى:{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} [الأنعام: 96]: ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل، حكاه البخاري في كتاب التعبير عنه

(1)

وإنما عبرت عن صدق الرؤيا بفلق الصبح ولم تعبر بغيره؛ لأن شمس النبوة كان مبادئ أنوارها الرؤيا، إلى أن تم برهانها وظهرت أشعتها.

السادس: قولها: (ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلَاءُ) هو بالمد أي: الخلوة، وهو شأن الصالحين، والحب: الميل. قَالَ الخطابي

(2)

: إنما حبب إليه الخلوة؛ لأن معها فراغ القلب، وهي معينة عَلَى الفكر، والبشر

(1)

سيأتي معلقًا بعد حديث (6982) باب: أول ما بُدِئَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، ووصله الطبري في "تفسيره" 5/ 278 (13603)، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 4/ 1353 (7670).

(2)

هو أبو سليمان، أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي صاحب التصانيف، الإمام العلامة، ولد سنة بضع عشرة وثلاثمائة وله "شرح أسماء الله الحسنى"، "معالم السنن"، "أعلام الحديث"، وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة 388 هـ.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 2/ 214، "سير أعلام النبلاء" 17/ 23 (12)، "تذكرة الحفاظ" 3/ 1018، "شذرات الذهب" 3/ 127.

ص: 248

لا ينتقل عن طبعه إلا بالرياضة البليغة، فحبب إليه الخلوة لينقطع عن مخالطة البشر، فينسى المألوفات من عادته، فيجد الوحي منه مرادًا سهلًا لا حزنًا وعِرًا، ولمثل هذا المعنى كانت مطالبة الملك لَهُ بالقراءة وضغطه

(1)

.

وقال ابن المرابط: تحبيبها لَهُ قيل: إنه من وحي الإلهام (فكان)

(2)

يخلو بغار حراء اعتبارًا وفكرة، كاعتبار إبراهيم لمناجاة ربه، والضراعة إليه، ليريه السبيل إلى عبادته عَلَى صحة إرادته.

السابع: الغار: النقب في الجبل، وهو قريب من معنى الكهف، وجمعه: غيران، وتصغيره غوير، والمغار والمغارة بمعنى الغار.

الثامن: حراء: بكسر المهملة وتخفيف الراء والمد، وهو مصروف عَلَى الصحيح، ومنهم من منع صرفه، مذكر عَلَى الصحيح أيضًا، ومنهم من أنثه، ومنهم من قصره أيضًا فهذِه ست لغات.

قَالَ القاضي عياض: يمد ويقصر، ويذكر ويؤنث، ويصرف ولا يصرف، والتذكير أكثر، فمن ذكره صرفه ومن أنثه لم يصرفه، يعني: عَلَى إرادة البقعة أو الجهة التي فيها الجبل، وضبطه الأصيلي بفتح الحاء والقصر وهو غريب

(3)

، وهو جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال عن يسارك إِذَا سرت إلى منًى

(4)

.

(1)

"أعلام الحديث" 1/ 127.

(2)

في (ج): فكأنه.

(3)

"إكمال المعلم" 1/ 480.

(4)

"معجم البلدان" 2/ 233.

ص: 249

فائدة:

(حراء)

(1)

هو الذي نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قَالَ له ثبير: اهبط عني فإني أخاف أن تقتل عَلَى ظهري فأعذب-: إلىَّ يا رسول الله

(2)

.

فلعل هذا هو السر في تخصيصه التحنث به من بين سائر الجبال، وقال سيدي (أبو عبد الله)

(3)

ابن أبي جمرة

(4)

: لأنه يرى بيت ربه منه، وهو عبادة، وكان منزويًا مجموعًا لتحنثه

(5)

.

فائدة ثانية:

ذكر الكلبي

(6)

أن حراء وثبيرا سميا بابني عم من عاد الأولى.

(1)

ساقطة من (ج).

(2)

انظر "الروض الأنف" 1/ 268.

(3)

كذا في الأصول وهو عبد الله بن أبي جمرة أبو محمد كما في ترجمته.

(4)

هو عبد الله بن سعد بن أبي جمرة، أبو محمد، محدث مقرئ، من مصنفاته:"مختصر صحيح البخاري"، و"شرح بهجة النفوس" انظر:"معجم المؤلفين" 2/ 234 (7865). وذكره المصنف رحمه الله هنا فكناه أبا عبد الله، وفيه نظر؛ لأن كنيته أبو محمد، وسيذكره المصنف بعد ذلك ويكنيه بأبي محمد.

(5)

"بهجة النفوس" لابن أبي جمرة 1/ 9، قال الحافظ في "الفتح" 12/ 355: قال ابن أبي جمرة: الحكمة في تخصيصه بالتخلي فيه أن المقيم فيه كان يمكنه رؤية الكعبة فيجتمع لمن يخلو فيه ثلاث عبادات: الخلوة، والتعبد، والنظر إلى البيت.

قلت: وكأنه مما بقي عندهم من أمور الشرع على سنن الاعتكاف، وقد تقدم أن الزمن الذي كان يخلو فيه كان شهر رمضان وأن قريشا كانت تفعله كما كانت تصوم عاشوراء، ويزاد هنا أنهم إنما لم ينازعوا النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء مع مزيد الفضل فيه على غيره؛ لأن جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش وكانوا يعظمونه لجلالته وكبر سنه، فتبعه على ذلك من كان يتأله، فكان صلى الله عليه وسلم يخلو بمكان جده، وسلم له ذلك أعمامه لكرامته عليهم أهـ.

(6)

هو العلامة الأخباري، أبو النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي المفسر، وكان أيضًا رأسًا في الأنساب، إلا أنه شيعي متروك الحديث، يروي عنه ولده هشام وطائفة. انظر ترجمته في:"طبقات ابن سعد" 6/ 249، "التاريخ الكبير" 1/ 101، =

ص: 250

التاسع: قولها: (وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ). هذا هو الذي نعرفه (هنا)

(1)

في البخاري، وأبدل بعض شيوخنا لفظة:(يخلو) بـ (يجاور) ثمَّ تكلم عَلَى مادة جاور وشَرَعَ ينقل الفرق بينه وبين الاعتكاف، بأن المجاورة قَدْ تكون خارج المسجد بخلاف الآعتكاف ولا حاجة إلى ذَلِكَ كله فتنبه له، نعم لفظ الجوار ورد في حديث جابر الآتي في كتاب: التفسير كما ستعلمه

(2)

، وفي "صحيح مسلم" فيه:"جاورت بحراء شهرًا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي" الحديث

(3)

.

العاشر: قولها: (فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ). هو بحاء مهملة ثمَّ نون ثمَّ مثلثة، وقد فسر في الحديث بأنه التعبد، وهو صحيح، وأصله اجتناب الحنث -وهو: الإثم- وكأنّ المتعبد يلقي بعبادته عن نفسه الإثم، وقال ابن هشام: التحنث: التحنف يبدلون الفاء من الثاء يريدون الحنيفية

(4)

، وقال أبو (أحمد)

(5)

العسكري: رواه بعضهم: يتحنف -بالفاء- ثمَّ نقل عن بعض أهل العلم أنه قَالَ: سألت أبا عمرو الشيباني عن ذَلِكَ فقال: لا أعرف يتحنث، إنما هو يتحنف من الحنيفية أي: يتتبع دين الحنيفية،

= "الجرح والتعديل" 7/ 270، "وفيات الأعيان" 4/ 309، "سير أعلام النبلاء" 6/ 248 (111)، "الوافى بالوفيات" 3/ 83.

(1)

ساقطة من (ج).

(2)

سيأتي برقم (4922). كتاب التفسير، سورة المدثر باب (1).

(3)

مسلم (161/ 257) كتاب: الإيمان، باب: بدء نزول الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4)

"السيرة النبوية" 1/ 254.

(5)

في (ف): محمد، والمثبت هو الصواب، وهو الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، أبو أحمد المحدث الأديب من كتبه:"التصحيف"، "الحكم والأمثال"، "راحة الأرواح"، توفي سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة. انظر ترجمته في:"المنتظم" 7/ 191، "وفيات الأعيان" 2/ 83 - 85، "سير أعلام النبلاء" 16/ 413 - 415.

ص: 251

وهو دين إبراهيم عليه السلام

(1)

. وقال المازري وغيره: يتحنث: يفعل فعلًا يخرج به من الحنث، والحنث: الذنب كما أسلفناه ومثله: تَحَرَّجَ، وَتَأَثَّمَ، وتَحَوَّبَ، إِذَا ألقى ذَلِكَ عن نفسه، وفعل فعلًا يخرج به (عن)

(2)

الحرج والإثم والحوب، ومنه قوله: فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا

(3)

، ومنهم من ألحق بها تهجد إِذَا خرج من الهجود -وهو النوم- بالصلاة، كما يقال: تحنث إِذَا احتنثه وتنجس إِذَا فعل به فعلًا يخرج به من النجاسة.

وهذِه الأفعال التي ذكرت جاءت مخالفة لسائر الأفعال؛ لأن غيرها من الأفعال إنما يكون بفعل فيه بمعنى: تكسب، لا بمعنى ألقى، وكذا قَالَ السهيلي: التحنث: التبرر، تفعُّل من البر، وتفعل يقتضي الدخول في الشيء وهو الأكثر فيها مثل: تَفَقَّه وتَعَبَّد وتَنَسَّك، وقد جاءت ألفاظ يسيرة تعطي الخروج عن الشيء وإطراحه، كالتأثم والتحرج والتحنث بالثاء المثلثة؛ لأنه من الحنث، والحنث: الحمل الثقيل وكذلك التقذر إنما هو تباعد عن القذر، وأما التحنف بالفاء فهو من باب التبرر؛ لأنه من الحنيفية دين إبراهيم، وإن كانت الفاء مبدلة من الثاء فهو من باب التقذر والتأثم، وهو قول ابن هشام

(4)

، كما سلف.

وقال أبو المعالي

(5)

في "المنتهى": تحنث: تعبد مثل: تحنف،

(1)

لم نقف عليه في كتابه "تصحيفات المحدثين".

(2)

في (ج): من.

(3)

سيأتي برقم (128) كتاب: العلم، باب: من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا، ورواه مسلم (32) كتاب: الإيمان، باب: الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا. كلاهما من حديث أنس.

(4)

"الروض الأنف" للسهيلي 1/ 267.

(5)

هو محمد بن تميم البرمكي أبو المعالي اللغوي، له كتاب "المنتهى في الفروع" وهو منقول من "الصحاح" وزاد عليه أشياء قليلة وأغرب في ترتيبه، ذكر أنه صنفه =

ص: 252

وفلان يتحنث من كذا بمعنى: يتأثم فيه، وهذا أحد ما جاء تفعَّل إِذَا تحنث تجنب الحنف والجور، وتحوب: تجنب الحوب، وقال الثعالبي

(1)

: فلان يتهجد: إِذَا كان يخرج من الهجود، وتنجس إِذَا فعل فعلًا يخرج به عن النجاسة.

قُلْتُ: والحاصل من ذَلِكَ ثمانية ألفاظ: تحنث، وتأثم، وتحرج، وتحوب، وتهجد، وتنجس، وتقذر، وتحنف.

الحادي عشر: قولها: (وَهُوَ التَّعَبُّدُ). يحتمل أن يكون من تفسير عائشة وأن يكون من تفسير من دونها

(2)

.

= سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، توفي أبو المعالي سنة إحدى عشرة وأربعمائة. انظر ترجمته في "هدية العارفين" ص (477)"كشف الظنون" 2/ 1858.

ملحوظة: في الأصول الخطية لهذا الشرح: (أبو المعاني) بالنون بدل اللام وذكرناه في مواضعه من الكتاب وفي الترجمة باللام تبعًا للمصادر التي ترجمت له.

(1)

هو العلامة شيخ الأدب، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري، الشاعر، مصنف كتاب "يتيمة الدهر في مجالس أهل العصر" وله كتاب "فقه اللغة" وكتاب "سحر البلاغة" وكان رأسًا في النظم والنثر، مات سنة ثلاثين وأربعمائة، وله ثمانون سنة. انظر ترجمته في:"وفيات الأعيان" 3/ 178، "سير أعلام النبلاء" 17/ 437 (292)، "شذرات الذهب" 3/ 246.

(2)

قلت: هذا يسمى في مصطلح الحديث: المدرج، وهو: ما غير سياق إسناده. أو أضيف وأدخل في متنه ما ليس منه بلا فصل، وهو ينقسم إلى قسمين، الأول: مدرج السند، وهو ما غير سياق إسناده، وله عدة صور منها: أن يروي جماعة الحديث بأسانيد مختلفة، فيرويه عنهم راوٍ، فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد ولا يبين الاختلاف، ومنها: أن يكون عند الراوي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين، فيرويهما راوٍ عنه مختصرًا على أحد الإسنادين.

القسم الثاني: مدرج المتن، وهو أن يقع في المتن كلام ليس منه، مثل دمج موقوف بمرفوع، فتارة يكون في أوله، وتارة في أثنائه، وتارة في آخره وهو الأكثر، فمثال الإدراج في أثناء الحديث، حديثنا هذا، فتفسير التحنث بالتعبد ليس =

ص: 253

الثاني عشر: قولها: (اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ). هو متعلق بيتحنث أي: يتحنث الليالي لا بالتعبد؛ لأنه يفسد المعنى حينئذ: فإن التحنث لا يشترط فيه الليالي بل يطلق عَلَى القليل والكثير، والليالي منصوب عَلَى الظرف، (وذوات)

(1)

: بكسر التاء فيه علامة (على)

(2)

النصب.

الثالث عشر: عبادته عليه السلام قبل البعثة هل كانت بشريعة أحد أم لا؟ فيه قولان لأهل العلم وعزي الثاني إلى الجمهور، وانما كان يتعبد بما يُلقى إليه من نور المعرفة. واختار ابن الحاجب

(3)

والبيضاوي أنه كلف التعبد بشرع.

واختلف القائلون بالثاني: هل ينتفي ذَلِكَ عنه عقلًا أم نقلًا فقيل بالأول؛ لأن في ذَلِكَ تنفيرًا عنه ومن كان تابعًا فبعيد منه أن يكون

= من كلام عائشة، قال الحافظ في "الفتح" 1/ 23: قوله: (وهو التعبد) هذا مدرج في الخبر، وهو من تفسير الزهري كما جزم به الطببي ولم يذكر دليله، نعم في رواية المؤلف من طريق يونس عنه في التفسير ما يدل على الإدراج ا. هـ.

انظر: "علوم الحديث" ص 95 - 98، "المقنع" 1/ 227 - 231، "نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر" ص 65 - 67، "تدريب الراوي" 1/ 340 - 347. وللخطيب البغدادي فيه مصنف، وهو كتاب "الفصل للوصل المدرج في النقل" وهو مطبوع.

(1)

في (ج): ذوات العدد.

(2)

ساقطة من (ج).

(3)

هو الشيخ الإمام العلامة المقرئ الأصولي النحوى جمال الأئمة والملة والدين، أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الكردي، المالكي، صاحب التصانيف، كان من أذكياء العالم، رأسًا في العربية وعلم النظر، توفي في السادس والعشرين من شوال سنة ست وأربعين وستمائة.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 3/ 248 (413)، "سير أعلام النبلاء" 23/ 264 (175)، "شذرات الذهب" 5/ 234.

ص: 254

متبوعًا وهذا خطأ كما قَالَ المازري

(1)

فالعقل لا يحيل ذَلِكَ، وقال حذاق أهل السنة بالثاني؛ لأنه لو فعل لنقل؛ لأنه مما تتوفر الدواعي عَلَى نقله ولا فتخر به أهل تلك الشريعة.

والقائل بالأول اختلف فيه عَلَى ثمانية أقوال:

أحدها: أنه كان يتعبد بشريعة إبراهيم.

ثانيها: بشريعة موسى.

ثالثها: بشريعة عيسى.

رابعها: بشريعة نوح حكاه الآمدي

(2)

.

خامسها: بشريعة آدم كما نقل عن حكايه ابن برهان.

سادسها: أنه كان يتعبد بشريعة من قبله من غير تعيين.

(1)

"إيضاح المحصول من برهان الأصول" للمازري ص 369، والمازري: هو الشيخ الإمام العلَّامة البحر المتفنن، أبو عبد الله، محمد بن علي بن عمر التميمي، المالكي، ولد سنة (453 هـ)، ومات سنة (536 هـ). من تصانيفه:"المعلم بفوائد شرح مسلم"، "إيضاح المحصول في الأصول"، وشرح كتاب "التلقين" لعبد الوهاب المالكي في عشرة أسفار، وهو من أنفس الكتب.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 4/ 285، "سير أعلام النبلاء" 20/ 104 - 107 (64)، "الوافي بالوفيات" 4/ 151 (168)، "معجم المؤلفين" 3/ 525.

(2)

"الإحكام" 4/ 145.

والآمدي: هو العلامة المصنف، فارس الكلام، سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي، الحنبلي ثم الشافعي، ولد سنة (550 هـ)، ومات سنة (631 هـ). من تصانيفه:"الإحكام في أصول الأحكام"، "أبكار الأفهام"، "منتهى السول في الأصول".

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 3/ 293، 294 (432)، "سير أعلام النبلاء" 22/ 364 - 367 (230)، "الوافى بالوفيات" 21/ 340 - 346 (223)، "شذرات الذهب" 5/ 144، 145.

ص: 255

سابعها: أن جميع الشرائع شرع له. حكاه بعض شراح "المحصول" عن المالكية.

ثامنها: الوقف في ذَلِكَ وهو مذهب أبي المعالي الإمام، واختاره الآمدي

(1)

.

وقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]، المراد: في توحيد الله تعالى وصفاته، (أو)

(2)

المراد اتباعه في المناسك، كما علم جبريل إبراهيم، ولا خلاف بين أهل التحقيق كما قَالَ القاضي عياض أنه صلى الله عليه وسلم قبل نبوته وسائر الأنبياء منشرحو الصدر بالتوحيد والإيمان، فإنهم لا يليق بهم الشك في شيء من ذَلِكَ ولا الجهل به، ولا خلاف في عصمتهم من ذَلِكَ

(3)

.

فإن قُلْتَ: ما كان صفة تعبده؟

قُلْتُ: لم أر فيه نقلًا بخصوصه، وسمعت بعض مشيختنا يقول: سمعت الشيخ أبا الصبر أيوب السعودي يقول: سألت سيدي أبا السعود: بم كان صلى الله عليه وسلم يتعبد في حراء؟ فقال: بالتفكر. وقد أسلفنا هذا في الوجه السادس أيضا.

فرع:

اختلف الأصوليون: هل كُلِّف بعد النبوة بشرع أحد من الأنبياء؟

والأكثرون عَلَى المنع، واختاره الإمام والآمدي وغيرهما

(4)

.

وقيل: بل كان مأمورًا بأخذ الأحكام من كتبهم ويعبر عنه بأن شَرْعَ

(1)

"البرهان" للجويني 1/ 334، "الإحكام" 4/ 145.

(2)

في (ف): إذ.

(3)

"إكمال المعلم" 1/ 481.

(4)

"الإحكام" 4/ 123، "منتهى السول" للآمدي 3/ 15.

ص: 256

مَنْ قبلنا شَرْعٌ لنا، واختاره ابن الحاجب

(1)

، وللشافعي في المسألة قولان، أصحهما الأول، واختاره الجمهور

(2)

.

الرابع عثسر: قولها: (قَبْلَ أَنْ يَنْزعَ إِلَى أَهْلِهِ). هو بكسر الزاي أي: يرجع، وقد رواه مسلم كذلك فقال: نزع إلى أهله

(3)

إِذَا حَنّ إليهم فرجع إليهم، ونزعوا إليه: حنوا إليه، وهل نزعك غيره؟ أي: هل جاء بك وجذبك سواه! وناقة نازع: إِذَا حنت إلى أوطانها ومرعاها، ونزع بالفتح ينزع بكسر ثالثه قَالَ صاحب "الأفعال"

(4)

: والأصل في فعل يفعل إِذَا كان صحيحًا وكانت عينه ولامه حرف حلق أن يكون مضارعه مفتوحًا إلا أفعالًا يسيرة جاءت بالفتح والضم مثل: جنح يجنح، ودبغ يدبغ، وإلا ما جاء من قولهم نزع ينزع بالفتح والكسر، وهنأ يهنئ

(5)

.

وقال غيره: (هنَّأني)

(6)

الطعام، يَهْنؤُني وَيهْنِئُني بالفتح والكسر.

الخامس عشر: قولها: (ثمَّ يَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ). قَالَ أهل اللغة: الزاد هو الطعام الذي يستصحبه المسافر ويقال: زودته فتزود.

(1)

"المنتهى" لابن الحاجب ص 153.

(2)

انظر: "التمهيد" للإسنوي ص 441، "الإبهاج" 2/ 276.

(3)

مسلم (161) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي.

(4)

هو العلامة شيخ اللغة، أبو القاسم علي بن جعفر بن علي السعدي الصقلي، ابن القطاع، نزيل مصر، من مصنفاته:"الأفعال"، "أبنية الأسماء"، توفي سنة خمس عشرة وخمسمائة، عن اثنتين وثمانين سنة.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 3/ 322، "سير أعلام النبلاء" 19/ 433 (253)، "الوافي بالوفيات" 12/ 18، "شذرات الذهب" 4/ 45.

(5)

"الأفعال" 1/ 11.

(6)

في (ج): وهناني.

ص: 257

السادس عشر: فيه مشروعية اتخاذ الزاد ولا ينافي التوكل، فقد اتخذه سيد المتوكلين.

السابع عشر: قولها: (ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا) الضمير في مثلها يعود إلى الليالي، وخديجة ذكر البخاري في المناقب قطعة من مناقبها، وسيأتي الكلام عليها هناك إن شاء الله الوصول إليه.

وهي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، تزوجها صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي أم أولاده كلهم، خلا إبراهيم فمن مارية، ولم يتزوج غيرها قبلها ولا عليها حتَّى ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين عَلَى الأصح، وقيل: بخمس وقيل: بأربع فأقامت معه أربعًا وعشرين سنة وأشهرًا، ثمَّ توفيت، وكانت وفاتها بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام

(1)

. وروى البخاري في مناقب خديجة عن عروة، عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة بثلاث سنين

(2)

، وفيه أيضًا في باب: مناقب عائشة، عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم لبث بعد موت خديجة سنتين أو قريبًا منها فنكح عائشه

(3)

، واسم أم خديجة: فاطمة بنت زائدة بن الأصم من بني عامر بن لؤي، وخديجة أول من آمن من النساء باتفاق، بل

(1)

انظر ترجمتها في: "معرفة الصحابة" 6/ 3200 - 3208 (3746)، "الاستيعاب"، 4/ 379 - 386 (3347)، "أسد الغابة" 7/ 78 - 85 (6867)، "الإصابة"، 4/ 281 - 283 (335).

(2)

سيأتي برقم (3817) كتاب: مناقب الأنصار، باب: تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها.

(3)

سيأتي برقم (3896) كتاب: مناقب الأنصار، باب: تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها، ورواه مسلم (1422) كتاب: النكاح، باب: تزويج الأب البكر الصغيرة.

ص: 258

أول من آمن مطلقًا على قولٍ.

وفي "الصحيح" من حديث علي مرفوعًا: "خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ"

(1)

، وفي البخاري في حديث عن جبريل أنه قَالَ للنبي صلى الله عليه وسلم:"هذِه خَدِيجَةُ، فَإِذَا أتَتْكَ فَاقْرَأْ عليها السلام مِنْ رَبِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ"

(2)

. ووقع في كتاب الزبير بن بكار، عن عبد الرحمن بن زيد قَالَ آدم عليه السلام: مما فضل الله به ابني عليَّ أن زوجه كانت عونًا لَهُ على تبليغ أمر الله، وأن زوجي كانت عونًا لي عَلَى المعصية

(3)

.

(1)

سيأتي برقم (3815)، ورواه مسلم (2430) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.

(2)

سيأتي برقم (3820)، ورواه مسلم (2432).

(3)

أورده السيوطي بهذا اللفظ في "الدر المنثور" 1/ 109 عن عبد الرحمن بن زيد من قوله، وعزاه لابن عساكر.

وروى البيهقي في "دلائل النبوة" 5/ 488، والخطيب في "تاريخ بغداد" 3/ 331، وفي "تالي التلخيص" 2/ 411 (248)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(280) من طريق أبي بكر محمد بن حمويه السراج، عن محمد بن الوليد القلانسي، عن إبراهيم بن صرمة، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا: فضلت على آدم بخصلتين: كان شيطاني كافرًا فأعانني الله عليه فأسلم، وكن أزواجي عونًا لي، وكان شيطان آدم كافرًا وكانت زوجته عونًا له على خطيئته.

قال ابن الجوزي: حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عدي: محمد بن الوليد كان يضع الحديث، ويوصله، ويسرق، ويقلب الأسانيد والمتون، وسمعت الحسين بن أبي معشر يقول: هو كذاب اهـ.

وأورده الذهبي في "ميزان الاعتدال" 5/ 184 - 185، والحافظ في "لسان الميزان" 5/ 418 كلاهما في ترجمة: محمد بن الوليد القلانسي، ونقلا قول ابن عدي فيه، وقال المناوي في "فيض القدير" (5885): هذا الحديث من أباطيل محمد بن الوليد. وقال الألباني في "الضعيفة"(1100): موضوع.

ص: 259

الثامن عشر: قولها: (حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ). أي: الأمر الحق وهو الوحي الكريم، (وللبخاري)

(1)

في التفسير، ولمسلم:(حتَّى فجئه الحق)

(2)

. أي: أتاه بغتة، يقول: فجئ يفجأ بكسر الجيم في الأول وفتحها في المضارع، وفَجَأ يفجَأ بالفتح فيهما، وقوله:(فجاءه الملك) يعني: جبريل.

فائدة:

روى ابن سعد بإسناده أن نزول الملك عليه بحراء يوم الاثنين، لسبع عشرة خلت من رمضان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ ابن أربعين سنة

(3)

.

التاسع عشر: قوله صلى الله عليه وسلم: ("مَا أَنَا بِقَارِئٍ") ما هنا نافية، واسمها "أنا" وخبرها:"بِقَارِئٍ" والباء زائدة لتأكيد النفي أي: ما أُحْسِن القراءة، وقد جاء في رواية:"ما أُحْسِن أن أقرأ" وغلط من جعلها استفهامية لدخول الباء في خبرها، وهي لا تدخل عَلَى ما الاستفهامية، واحتج من (قَالَ)

(4)

استفهامية بأنه جاء في رواية لابن إسحاق: "ما أقرأ؟ "

(5)

أي: أيٌّ أقرأ؟ ولا دلالة فيه؛ (لجواز أن تكون ما)

(6)

هنا نافية أيضًا.

وقال السهيلي في "روضه": قوله: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ" أي: أنا أميٌّ، فلا أقرأ الكتب، قالها ثلاثا، فقيل له:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} أي: إنك لا تقرؤه بحولك ولا بصفة نفسك ولا بمعرفتك، ولكن

(1)

في (ج): وفي البخاري.

(2)

سيأتي برقم (4953)، ورواه مسلم 160/ 252.

(3)

"الطبقات الكبرى" 1/ 194 عن أبي جعفر.

(4)

في (ج): جعلها.

(5)

"سيرة ابن إسحاق" ص 100 - 101 (140).

(6)

في (ج): لجواز ما أن تكون.

ص: 260

اقرأه مفتتحًا باسم ربك مستعينًا به، فهو يعلمك كما خلقك، وكما نزع عنك علق الدم، ومغمز الشيطان بعدما خلقه فيك كما خلقه في كل إنسان. فالآيتان المتقدمتان والأخريان لأمته وهما قوله:{الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 4 - 5] لأنها كانت أمة أمية لا تكتب، فصاروا أهل كتاب وأصحاب قلم، فتعلموا القرآن بالقلم، وتعلمه نبيهم تلقيًا (من)

(1)

جبريل نزله عَلَى قلبه (بإذن الله)

(2)

ليكون من المرسلين

(3)

.

العشرون: قوله: ("فَغَطَّنِي") هو بغين معجمة، ثمَّ طاء مهملة مشددة أي: عصرني وضمني، يقال: غطَّني، وغتَّني، وضَغَطَني، وعَصَرَني، وغَمَرَني، وخَنَقَني، كلُّه بمعنًى، قَالَ الخطابي: ومنه الغطُّ في الماء، وغطيط النائم، وهو: ترديد النفس إِذَا لم يجد مساغًا عند انضمام الشفتين

(4)

، وقيل: الغت: حبس النفس مرة وإمساك (اليد أو الثوب)

(5)

عَلَى الفم والأنف. والغط: الخنق وتغييب الرأس في الماء، (قَالَ)

(6)

: والغط في الحديث: الخنق.

قَالَ (الخطابي)

(7)

: وفي غير هذِه الرواية "فسأبني" والسأب: الخنق.

(1)

في (ج): عن.

(2)

ساقطة من (ج).

(3)

"الروض الأنف" 1/ 270 - 271.

(4)

"أعلام الحديث" 1/ 128 - 129.

(5)

في (ج): الثوب أو اليد.

(6)

ساقطة من (ج).

(7)

ساقطة من (ج).

ص: 261

وقال السهيلي: ويروى أيضًا "فسأتني" فهذِه ثلاث روايات، قَالَ: وأحسبه (يروى)

(1)

أيضًا: "فذعتني" وكلها بمعنى واحد وهو: الخنق، والغم، ومن الذعْت حديثه الآخر أن الشيطان عرض لَهُ وهو يصلي "فَذَعتّه حتَّى وجدت برد لسانه ثمَّ ذكرت قول (سليمان أخي)

(2)

: رب هب لي ملكًا .. " الحديث

(3)

، قَالَ: وكان في ذَلِكَ إظهارًا للشدة والجد في الأمر، وأن ياخذ الكتاب بقوة ويترك الأناة، فإنه أمر ليس بالهوينا.

قَالَ: وعلى رواية ابن إسحاق أن هذا الغط كان في النوم

(4)

، يكون في تلك الغطات الثلاث من التأويل ثلاث شدائد يبتلى بها أولًا ثمَّ يأتي الفرج والروح، وكذلك كان، لقي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه شدة من الجوع في الشِّعب حين تعاقدت قريش أن لا يبيعوا منهم (ولا يصلوا إليهم)

(5)

وشدة أخرى من الخوف والإيعاد بالقتل، وشدة أخرى من الإجلاء عن أحب الأوطان إليهم ثمَّ كانت العاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين

(6)

.

الحادي بعد العشرين: فيه المبالغة في التنبيه والحض عَلَى التعليم ثلاثًا، وقد كان صلى الله عليه وسلم إِذَا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا؛ لتفهم عنه

(7)

، وانتزع بعض التابعين، وهو شريح القاضي من هذا الحديث ألا يضرب الصبي إلا ثلاثًا عَلَى القرآن، كما غطَّ جبريل محمدًا صلى الله عليه وسلم ثلاثًا.

(1)

في (ج): روي.

(2)

في (ج): أخي سليمان.

(3)

سيأتي برقم (1210) كتاب: العمل في الصلاة، باب: ما يجوز من العمل في الصلاة، ورواه مسلم (541) كتاب: المساجد، باب: جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة

من حديث أبي هريرة.

(4)

"سيرة ابن إسحاق"101.

(5)

ساقطة من (ج).

(6)

"الروض الأنف" 1/ 271 - 272.

(7)

حديث سيأتي برقم (95) كتاب: العلم، باب: من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه.

ص: 262

الثاني بعد العشرين: قوله: ("حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ") يجوز في الجهد ضم الجيم وفتحها ونصب الدال ورفعها، ومعناه: الغاية والمشقة، فعلى الرفع معناه: بلغ الجهد مبلغه، فحذف مبلغه، وعلى النصب معناه: بلغ الملك مني الجهد، قَالَ في "المحكم"

(1)

: الجَهْدُ والجُهْدُ: الطاقة وقيل: الجَهد: المشقة، والجُهد: الطاقة، وفي "الموعب": الجهد: ما جهد الإنسان من مرض أو من مشاق، والجهد (أيضًا بلوغك)

(2)

غاية الأمر الذي لا يألو عن الجهد فيه (وجهدته: بلغت مشقته وأجهدته)

(3)

عَلَى أن يفعل كذا. وقال ابن دريد

(4)

: (جهدته)

(5)

(حملته)

(6)

عَلَى أن يبلغ مجهوده. وقال

(1)

مصنفه هو إمام اللغة، أبو الحسن علي بن إسماعيل المُرسي الضرير، أحد من يضرب بذكائه المثل، قال الحميدي: هو إمام في اللغة والعربية، حافظ لهما، على أنه كان ضريرًا وقد جمع في ذلك جموعًا، وله مع ذلك حظ في الشعر وتصرف، وهو حجة في نقل اللغة، وله كتاب "العالم في اللغة"، و"المحكم" و"شواذ اللغة".

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 3/ 330، "سير أعلام النبلاء" 18/ 144 (78)، "شذرات الذهب" 3/ 305.

(2)

في (ج): بلوغك أيضًا.

(3)

في (ج): جهدت بلغت مشقًة فأجهده.

(4)

هو العلامة شيخ الأدب، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية، الأزدي البصري، صاحب التصانيف، تنقل يطلب الأداب ولسان العرب، ففاف أهل زمانه، وكان آية من الآيات في قوة الحفظ، توفي في شعبان سنة إحدج وعشرين وثلاثمائة، وله ثمان وتسعون سنة.

انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 2/ 195، "وفيات الأعيان" 4/ 323، "سير أعلام النبلاء" 15/ 96 (56)، "الوافي بالوفيات" 2/ 339.

(5)

في (ج): جهدت.

(6)

في (ج): حملت.

ص: 263

ابن الأعرابي

(1)

: جهد في العمل وأجهد. وقَالَ أبو عمرو: وأجهد في حاجتي وجهد، وقال الأصمعي

(2)

: جهدت لك نفسي، وأجهدت نفسي.

الثالث بعد العشرين: الحكمة في الغط شَغْلُه عن الألتفات إلى شيء من أمور الدنيا، والمبالغة في أمره بإحضار قلبه لما يقوله (له)

(3)

، وقيل: أراد أن يوقفه عَلَى أن القراءة ليست من قدرته، ولو أكره، وكلما أمره بالقراءة فلم يفعل شدد عليه، فلما لم يكن عنده ما يقرأ كان ذَلِكَ (تنبيهًا لَهُ على أن القراءة ليست من قدرته ولا من طاقته ووسعه، فكان الغط)

(4)

تنبيهًا لَهُ كقوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)} [طه: 17]، لئلا يلحقه ريب عند انقلابها حية، فكذلك (أراد جبريل)

(5)

أن يعلمه أن ما ألقي إليه ليس في قدرته إذ قَدْ عجز بعد الثلاث، وهي حَد (للإعذار)

(6)

، (وقد روى)

(7)

ابن سعد

(1)

هو إمام اللغة، محمد بن زياد بن الأعرابي، أبو عبد الله الهاشمي، قال مرة في لفظة رواها الأصمعي: سمعتها من ألف أعرابي بخلاف هذا، له مصنفات كثيرة أدبية، وكان صاحب سنة واتباع، مات بسامرا في سنة إحدى وثلاثين ومائتين. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 5/ 282، "وفيات الأعيان" 4/ 306، "سير أعلام النبلاء" 10/ 687 (254)، "الوافي بالوفيات" 3/ 79، "شذرات الذهب" 2/ 70.

(2)

هو الإمام العلامة الحافظ، حجة الأدب، لسان العرب، أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع، الأصمعي، البصري، اللغوي الإخباري، قال عمر بن شبة: سمعت الأصمعي يقول: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة، وعن ابن معين قال: كان الأصمعي من أعلم الناس في فنه، وقال أبو داود: صدوق، توفي سنة خمس عشرة ومائتين، وقيل: سنة ست عشرة. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 428، "تاريخ بغداد" 10/ 410، "وفيات الأعيان" 3/ 170، "سير أعلام النبلاء" 10/ 175 (32)، "شذرات الذهب" 2/ 36.

(3)

ساقطة في (ج).

(4)

ساقطة من (ج).

(5)

في (ج): جبريل أراد.

(6)

في (ج): الاعتذار.

(7)

في (ج): قال.

ص: 264

بسنده أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: "كان الوحي يأتيني عَلَى نحوين: يأتيني به جبريل فيلقيه عليَّ كما يلقى الرجل عَلَى الرجل، فذاك ينفلت مني، ويأتيني في شيء مثل (صوت)

(1)

الجرس حتَّى يخالط قلبي، فذلك (الذي)

(2)

لا ينفلت مني"

(3)

وقيل: سببه أن التخيل (والوهم)

(4)

والوسوسة إنما تقع بالنفوس لا بالجسم فوقع ذَلِكَ بجسمه؛ ليعلم أنه من الله تعالى.

الرابع بعد العشرين: يؤخذ منه أنه ينبغي للمعلم والواعظ أن يحتاط في تنبيه المتعلم، وأمره بإحضار قلبه.

الخامس بعد العشرين: قوله: ("فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (1)} ") هذا دليل الجمهور أنه أول ما نزل، وقول من قَالَ: إنما نزل {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} [المدثر: 1] بعد {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 5]، عملًا بالرواية الآتية في الباب، فأنزل الله تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} محمول عَلَى أنه أول ما نزل بعد فترة الوحي، كما هو ظاهر إيراد الحديث.

وأَبْعَدَ من قَالَ: إن أول ما نزل الفاتحة. بل هو شاذ

(5)

، وجمع

(1)

في (ج): صلصة.

(2)

ساقطة من (ج).

(3)

"الطبقات الكبرى" 1/ 197 - 198 عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عمه.

(4)

ساقطة من (ج).

(5)

روى البيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 158 - 159 عن عمرو بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة ..... الحديث. وفيه: فلما خلا ناداه: يا محمد قل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، حتى بلغ: ولا الضالين، قل: لا إله إلا الله.

قال البيهقي: هذا منقطع، فإن كان محفوظًا فيحتمل أن يكون خبرًا عن نزولها بعد ما نزلت عليه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ، و {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} ، والله أعلم اهـ. قال ابن كثير في "البداية والنهاية" 3/ 13: هو مرسل وفيه غرابة وهو كون الفاتحة أول ما نزل.

ص: 265

بعضهم بين القولين الأولين بأن قَالَ: يمكن أن يقال: أول ما نزل من التنزيل في تنبيه الله عَلَى صفة خلقه: {اقْرَأْ} ، وأول ما نزل من الأمر بالإنذار:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} .

وذكر ابن العربي عن كريب قَالَ: وجدنا في كتاب ابن عباس: أول ما نزل من القرآن بمكة: اقرأ، والليل، ونون، ويا أيها المزمل، ويا أيها المدثر، وتبت، وإذا الشمس، والأعلى، والضحى، وألم نشرح، والعصر، والعاديات، والكوثر، والتكاثر، والدين، والكافرون، ثم الفلق، ثمَّ الناس، ثمَّ ذكر سورًا كثيرة، ونزل بالمدينة ثمان وعشرون سورة، وسائرها بمكة، وكذلك يروى عن ابن الزبير.

وقال السخاوي

(1)

: ذهبت عائشة (والأكثرون)

(2)

إلى أن أول ما نزل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} إلى قوله: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} ثمَّ: {ن وَالْقَلَمِ} إلى قوله: {ويبصرون} و {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} ، والضحى، ثم نزل باقي سورة اقرأ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} ، و {يَا أَيُّهَا المزمل}

(3)

.

السادس بعد العشرين: (قولها)

(4)

: (فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

هو الشيخ الإمام العلامة شيخ القراء والأدباء، علم الدين، أبو الحسن، علي بن محمد بن عبد الصمد، الهمداني، المصري، السخاوي، كان إمامًا في العربية، بصيرًا باللغة فقيهًا مفتيًا، عالمًا بالقراءات وعللها مجودًا لها، بارعًا في التفسير، من كتبه "شرح الشاطبية"، "جمال القراء"، وبلغ في التفسير إلى الكهف، توفي في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة. انظر ترجمته في:"وفيات الأعيان" 3/ 340، "سير أعلام النبلاء" 23/ 122 (94)، "شذرات الذهب" 5/ 222.

(2)

في (ج): والأكثر.

(3)

"جمال القراء وكمال الإقراء" للسخاوي ص 5 - 7.

(4)

في (ج): قوله.

ص: 266

يَرْجُفُ فُؤَادُهُ). الضمير في (بها) يعود إلى الآيات: قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إلى آخرهن.

ومعنى (يرجف): يخفق. والرَّجَفان: شدة التحرك والاضطراب. قَالَ صاحب "المحكم": رَجَفَ الشيءُ يَرْجُفُ رجفًا ورجُوفًا ورَجَفانًا ورَجِيفًا، وأَرْجَفَ: خَفَقَ واضْطَرَبَ اضْطِرا بًا شديدًا

(1)

.

السابع بعد العشرين: الفؤاد: القلب عَلَى المشهور، وفي قولِ: إنه عين القلب، وفي قولٍ: باطنه. وفي قول: غشاؤه. فهذِه أربعة أقوال فيه.

وقال الليث: القلب مُضغةٌ من الفؤاد مُعَلَّقَةٌ بالنَّياط، سمي قلبًا لتقلبه، وأنشدوا:

مَا سُمّيَ القَلْبُ إلَّا مِنْ تَقَلُّبِهِ

(فاحذر على القلب من قلبٍ وتحويل)

(2)

الثامن بعد العشرين: قوله صلى الله عليه وسلم: ("زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي") هكذا هو في الروايات بالتكرار، والتزمل: الاشتمال والتلفف، و (مثله)

(3)

التدثر، ويقال لكل ما يلقى عَلَى الثوب الذي يلي الجسد: دثار، وأصلهما المتدثر والمتزمل، أدغمت التاء فيما بعدها، وجاء في أثرِ أنهما من أسمائه صلى الله عليه وسلم، وقال ذَلِكَ صلى الله عليه وسلم؛ لشدة ما لحقه من هول الأمر، وشدة (الضغط)

(4)

، ولولا ما جبل عليه صلى الله عليه وسلم من الشجاعة والقوى ما استطاع عَلَى تلقي ذَلِكَ؛ لأن الأمر جليل.

وللبخاري في التفسير من حديث جابر، ومسلم أيضًا:"دثروني وصبوا عليَّ ماءً باردًا فدثروني وصبوا عليَّ ماءً باردًا"، فنزلت:

(1)

"المحكم" 7/ 274.

(2)

من (ج).

(3)

ساقطة من (ج).

(4)

في (ج): والأكثر.

ص: 267

{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)}

(1)

.

التاسع بعد العشرين: ينعطف عَلَى ما مضى. قَالَ السهيلي: وفي قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} : دليل من الفقه (وجوب)

(2)

استفتاح القراءة ببسم الله، غير أنه أمر مبهم لم يبين لَهُ بأي اسم من أسمائه يستفتح حتَّى جاء البيان بعد (بقوله)

(3)

: {بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا} [هود: 41] ثم في قوله: {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30]، ثمَّ بعد ذَلِكَ كان (ينزل جبريل)

(4)

ببسم الله الرحمن الرحيم مع كل سورة، وقد ثبتت في سواد المصحف بإجماع من الصحابة عَلَى ذَلِكَ، وحين نزلت {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)} [الفاتحة: 1] سبحت الجبال، فقالت قريش: سحر محمد الجبال

(5)

، ذكره النقاش

(6)

، وإن

(1)

سيأتي برقم (4922) ورواه مسلم (161/ 257) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

ساقطة من (ج).

(3)

في (ج): (في قوله).

(4)

في (ج): (جبريل ينزل).

(5)

عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 31، والشوكاني في "فتح القدير" 1/ 30 لأبي نعيم والديلمي عن عائشة.

(6)

هو العلامة المفسر، شيخ القراء، أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد، الموصلي ثم البغدادي، النقاش، له كتاب "شفاء الصدور" في التفسير، وكان واسع الرحلة، قديم اللقاء، وهو في القراءات أقوى منه في الروايات، قال طلحة بن محمد الشاهد: كان النقاش يكذب في الحديث والغالب عليه القصص، وقال أبو بكر البرقاني: كل حديث النقاش منكر، وقال الخطيب: في حديثه مناكير بأسانيد مشهورة، قال الذهبي: اعتمد الداني في "التيسير" على رواياته للقراءات، فالله أعلم، فإن قلبي لا يسكن إليه، وهو عندي متهم، عفا الله عنه اهـ. انظر ترجمتة في:"تاريخ بغداد" 2/ 201، "وفيات الأعيان" 4/ 298، "سير أعلام النبلاء" 15/ 573 (348)، "الوافي بالوفيات" 2/ 345، "شذرات الذهب" 3/ 8.

ص: 268

صح ما ذكره (فلذلك)

(1)

معنى وذلك أنها آية أنزلت على آل داود عليه السلام، وقد كانت الجبال تسبح معه بنص القرآن العظيم

(2)

.

الثلاثون: ذكر ابن إسحاق في "السيرة" أن جبريل عليه السلام أتاه بنمط

(3)

من ديباج فيه كتاب

(4)

، وهو دليل -كما قَالَ السهيلي-، وإشارة إلى أن هذا الكتاب به يفتح عَلَى أمته ملك الأعاجم ويسلبونهم الديباج والحرير الذي كان زينتهم (وزَّيهم)

(5)

وبه يُنال أيضًا ملك الآخرة، إذ لباس أهل الجنة فيها الحرير والديباج.

وفي (سير)

(6)

موسى بن عقبة، و (سليمان)

(7)

بن المعتمر

(8)

: وأتاه بدُرْنُوك

(9)

من ديباج منسوج بالدر والياقوت فأجلسه عليه غير أن موسى بن عقبة قَالَ: ببساط. ولم يقل: بدُرْنُوك. وقال ابن المعتمر: فمسح جبريل عليه السلام صدره وقال: اللهم اشرح صدره، وارفع ذكره، وضع عنه وزره. ويصححه قوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)} الآيات، كأنه يشير إلى ذَلِكَ الدعاء الذي كان من جبريل

(10)

.

(1)

في (ج): فذلك.

(2)

"الروض الأنف" 1/ 271.

(3)

النمط: ضرب من البسط لها خمل رقيق. "لسان العرب" 8/ 4549.

(4)

رواه ابن إسحاق كما في "السيرة النبوية" لابن هشام 1/ 254 - 255، ورواه الفاكهي في "أخبار مكة" 4/ 86 - 87 (2420) بسنده عن ابن إسحاق.

(5)

ساقطة من (ج).

(6)

في (ج): سيرة.

(7)

في (ج): سلمان.

(8)

ستأتي ترجمته.

(9)

نوع من البسط لها خمل. انظر "تهذيب اللغة" 2/ 1181، و"اللسان" 3/ 1369.

(10)

"الروض الأنف" 1/ 271.

ص: 269

فائدة:

قَالَ بعض المفسرين في قوله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} [البقرة: 1 - 2]: إنه إشارة إلى الكتاب الذي جاء به جبريل حين قَالَ له: اقرأ.

الحادي بعد الثلانين: قولها: (فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ)(الروع)

(1)

هو بفتح الراء: وهو الفزع: قَالَ صاحب "المحكم": الرَّوْعُ والرُّوَاعُ والتَّرَوُّعُ: الفَزَعُ.

(2)

وقال الهروي: هو بالضم: موضع الفزع من القلب.

(3)

الثاني بعد الثلاثين: كونه لم يخبر بشيء حتَّى ذهب عنه الروع، يؤخذ منه أن الفازع لا ينبغي أن يسأل عن شيء حتَّى يزول عنه فزعه، حتَّى قَالَ مالك: إن المذعور لا يلزمه بيع ولا إقرار ولا غيره

(4)

.

الثالث بعد الثلاثين: قوله صلى الله عليه وسلم: ("لَقَدْ خَشِيتُ على نَفْسِي") ليس معناه الشك في أن ما أتاه من الله تعالى، كما قَالَ القاضي، لكنه خشي (أن)

(5)

لا يقوى عَلَى مقاومة هذا الأمر ولا يطيق حمل أعباء الوحي، فتزهق نفسه وينخلع قلبه؛ لشدة ما لقيه أولًا عند لقاء الملك (أو يكون هذا أول ما رأى التباشير في النوم واليقظة وسمع الصوت قبل لقاء الملك)

(6)

، وتحققه رسالة ربه، فيكون خاف أن يكون من الشيطان،

(1)

من (ج).

(2)

"المحكم" 2/ 250.

(3)

"غريب الحديث" 1/ 180.

(4)

انظر: "التاج والإكليل" 5/ 310، "مواهب الجليل" 6/ 35، 7/ 216، "شرح منح الجليل" 3/ 394.

(5)

في (ف): أنه.

(6)

ساقط من (ج).

ص: 270

فأما بعد أن جاءه الملك برسالة ربه فلا يجوز الشك عليه ولا يخشى تسلط الشيطان عليه. وعلى هذا الطريق يحمل كل ما ورد من مثل هذا في حديث المبعث

(1)

، وضعف النووي هذا الاحتمال؛ لأنه جاء في الحديث مبينًا أنه كان بعد غط الملك وإتيانه بـ:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}

(2)

.

(قَالَ)

(3)

: ويحتمل أن يكون معنى الخشية: الإخبار بما حصل لَهُ أولًا من الخوف لا أنه في الحال خائف، وجزم بما ضعفه النووي ابن الجوزي

(4)

في "كشف مشكل الصحيحين" فقال: كان صلى الله عليه وسلم يخاف في (بداءة)

(5)

الأمر أن يكون ما يراه من قبل الشيطان؛ لأن الباطل قَدْ

(1)

"إكمال المعلم" 1/ 484 - 485.

(2)

"مسلم بشرح النووي" 2/ 200.

(3)

ساقط من (ج).

(4)

هو الشيخ الإمام العلامة، الحافظ المفسر، شيخ الإسلام، فخر العراق، جمال الدين، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله، البغدادي الحنبلي، الواعظ، صاحب التصانيف، كان رأسًا في التذكير بلا مدافعة، يقول النظم الرائق والنثر الفائق بديهًا، ويسهب ويعجب ويطرب ويطنب، لم يأت قبله ولا بعده مثله، فهو حامل لواء الوعظ والقيم بفنونه، مع الشكل الحسن والصوت الطيب، والوقع في النفوس، حسن السيرة، كان بحرًا في التفسير، علامة في السير والتاريخ، موصوفًا بحسن الحديث، ومعرفة فنونه، فقيهًا، عليمًا بالإجماعِ والاختلافِ، جيد المشاركة في الطب، ذا تفنن وفهم وذكاء وحفظ واستحضار، وإكبابٍ على الجمع والتصنيف، مع التصون والتجمل، وحسن الشارة، ورشاقة العباَرة، ولطف الشمائل، والأوصاف الحميدة، والحرمة الوافرة عند الخاص والعام، توفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 3/ 140، "سير أعلام النبلاء" 21/ 365 (192)، "تاريخ الإسلام" 42/ 287 (371)، "الوافي بالوفيات" 18/ 186 (235)، "شذرات الذهب"4/ 329.

(5)

في (ج): بدو.

ص: 271

يلتبس بالحق وما زال يستقريء الدلائل، (ويسبر)

(1)

الآيات إلى أن وضح لَهُ الصواب، وكما يجب عَلَى أحدنا أن يسبر صدق الرسول إليه وينظر في دلائل صدقه من المعجزات، فكذلك الرسل يجب عليها أن تسبر حال المرسل إليها هل هو ملك أو شيطان؟ فاجتهادها في تمييز الحق من الباطل أعظم من اجتهادنا، ولذلك عَلَت منازل الأنبياء لعِظَمِ ما ابتُلوا به من ذَلِكَ.

قَالَ: وكان نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام قَدْ نفر في بدايته من جبريل. ونسب الحال إلى الأمر المخوف، وقال لخديجة:"قَدْ خشيت عَلَى نفسي" إلى أن بان لى أن الأمر حق، ثمَّ استظهر بزيادة الأدلة حتَّى بان لَهُ اليقين، ثمَّ ساق بإسناده من حديث حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمر قَالَ: كان النبي صلى الله عليه وسلم بالحجون فقال: "اللَّهُمَّ أرني آية لا أبالي من كذبني بعدها من قريش" فقيل له: ادع هذِه الشجرة فدعاها، فأقبلت عَلَى عروقها فقطعتها، ثمَّ أقبلت تخد الأرض حتَّى وقفت بين يديه صلى الله عليه وسلم ثمَّ قالت: ما تشاء؟ ما تريد؟ قَالَ: "ارجعي إلى مكانك" فرجعت إلى مكانها، فقَالَ:"والله ما أبالي من كذبني من قريش"

(2)

.

(1)

في (ج): ويتبين.

(2)

رواه الفاكهي في "أخبار مكة" 4/ 30 (2330)، والبزار في "البحر الزخار" 1/ 438 (309 - 310)، وأبو يعلى في "مسنده" 1/ 190 - 191 (215) وأبو نعيم في "دلائل النبوة"(290)، والبيهقي في "الدلائل" 6/ 13، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 4/ 364، من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن عمر به. قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد اهـ.

قلت: بل رواه الفاكهي في "أخبار مكة" 4/ 29 - 30 (2329) من طريق حماد بن =

ص: 272

وقيل: إن الخشية كانت من قومه أن يقتلوه. حكاه السهيلي، ولا غرو أنه بشر يخشى من القتل والأذى، ثمَّ يهون عليه الصبر في ذات الله كل خشية، ويجلب إلى قلبه كل شجاعة وقوة

(1)

، وقيل: إنها كانت (خوف)

(2)

أن لا ينهض بأعباء النبوة ويضعف عنها، ثم أذهب الله خشيته ورزقه الأيد والقوة والثبات، حكاه السهيلي أيضًا، وقال قبل ذَلِكَ: تكلم العلماء في معنى هذِه الخشية بأقوال كثيرة، منها ما ذهب إليه أبو بكر الإسماعيلي أنها كانت منه قبل أن يحصل لَهُ العلم الضروري بأن (الذي)

(3)

جاءه ملك من عند الله تعالى، وكان أشق شيء عليه أن يقال عنه شيء أو أنه خشي عَلَى الناس، -يعني: من وقوعهم فيه- ولم ير الإسماعيلي أن هذا محال في مبدأ الأمر؛ لأن العلم الضروري لا يحصل دفعة واحدة، وضرب مثلًا بالبيت من الشعر تسمع أوله ولا تدرى (أنثر هو أم نظم؟)

(4)

فإذا استمر الإنشاد عَلِمْتَ قطعًا (أنه قُصِدَ به)

(5)

قَصْدُ الشعر، فكذلك لما استمر الوحي واقترنت به القرائن المقتضية للعلم القطعي حصل العلم القطعي، وقد أثنى الله عليه بهذا العلم، فقال:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: 285] إلى قوله: {وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} فإيمانه صلى الله عليه وسلم بالله

= سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع به. وقال الهيثمي في "المجمع" 9/ 10: رواه البزار وأبو يعلى، وإسناد أبي يعلى حسن، وقال التقي الهندي في "الكنز" 12/ 355 (35364): سنده حسن اهـ.

(1)

"الروض الأنف" 1/ 411.

(2)

في (ف): خوف.

(3)

في (ج): إذًا.

(4)

في (ج): أشعر أم نظم.

(5)

في (ج): أنَّ قصده.

ص: 273

وملائكته إيمان كسبي، موعود عليه بالثواب الجزيل كما وعد عَلَى سائر أفعاله المكتسبة، كانت من أفعال القلوب أو من أفعال الجوارح

(1)

.

[وقال سيدي أبو عبد الله بن أبي جمرة: يحتمل أن تكون خشيته من الوعك الذي أصابه من قبل الملك

(2)

. والأظهر أنها من الكهانة لكثرتها في زمنه، ثمَّ ظهر لَهُ الحق بعد ذَلِكَ وأمر بالإنذار

(3)

، وفي "السيرة" من حديث عمرو بن شرحبيل أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لخديجة: "إني إِذَا خلوت وحدي

(1)

"الروض الأنف" 1/ 275.

(2)

"بهجة النفوس" لابن أبي جمرة 1/ 18.

(3)

قال الحافظ في "الفتح" 1/ 24، اختلف العلماء في المراد بها -أي الخشية- على اثني عشر قولًا:

أولها: الجنون وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة، جاء مصرحا به في عدة طرق، وأبطله أبو بكر بن العربي وحق له أن يبطل، لكن حمله الإسماعيلي على أن ذلك حصل له قبل حصول العلم الضروري له أن الذي جاءه ملك، وأنه من عند الله تعالى.

ثانيها: الهاجس، وهو باطل أيضًا لأنه لا يستقر وهذا استقر وحصلت بينهما المراجعة.

ثالثها: الموت من شدة الرعب.

رابعها: المرض، وقد جزم به ابن أبي جمرة.

خامسها: دوام المرض.

سادسها: العجز عن حمل أعباء النبوة.

سابعها: العجز عن النظر إلى الملك من الرعب.

ثامنها: عدم الصبر على أذى قومه.

تاسعها: أن يقتلوه.

عاشرها: مفارقة الوطن.

حادي عشرها: تكذيبهم إياه.

ثاني عشرها: تعييرهم إياه. وأولى هذِه الأقوال بالصواب وأسلمها من الارتياب الثالث، واللذان بعده، وما عداها فهو معترض. والله الموفق. اهـ.

ص: 274

سمعت نداءً، وقد خشيت والله أن يكون هذا أمرًا" فقالت: معاذ الله ما كان الله ليفعل ذَلِكَ، إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث

(1)

]

(2)

.

الرابع بعد الثلاثين

(3)

: قولها: (فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا والله .. ) إلى آخره، معنى كلا (هنا)

(4)

: النفي والإبعاد، وهذا أحد معانيها، وقد تكون بمعنى: حقَّا، وبمعنى: ألا، التي للتنبيه، يستفتح بها الكلام، وقد جاءت في القرآن عَلَى أقسام، جمعها ابن الأنباري في باب من كتاب "الوقف والابتداء" له.

الخامس بعد الثلاثين: قولها: (والله مَا يُخْزِيكَ الله أَبَدًا). هو بضم الياء وبالخاء المعجمة، وكذا رواه مسلم في "صحيحه" من رواية يونس وعقيل، عن الزهري

(5)

، وهو من الخزي، وهو الفضيحة والهوان، وأصل الخزي عَلَى ما ذكره ابن سيده: الوقوع في بلية وشهرة تذله

(6)

.

وأخزى الله فلانًا: أبعده، (قاله)

(7)

في "الجامع".

ورواه مسلم من رواية معمر عن الزهري: يحزنك

(8)

، بالحاء المهملة وبالنون من الحزن، ويجوز عَلَى هذا فتح الياء وضمها.

(1)

"السيرة النبوية" لابن إسحاق ص 112 (157).

(2)

ساقط من (ج).

(3)

في الأصل: الخامس بعد الثلاثين. وورد بالهامش: يكتب الرابع بدل الخامس، وكذا ما بعده.

(4)

ساقط من (ج).

(5)

مسلم (160/ 252، 254).

(6)

"المحكم" 5/ 151.

(7)

في (ج): قال.

(8)

مسلم (160/ 253) كتاب: "الإيمان"، باب: بدء الوحي.

ص: 275

يقال: حزنه وأحزنه لغتان فصيحتان قرئ بهما في السبع. قَالَ اليزيدي

(1)

: أحزنه لغة تميم، وحزنه لغة قريش، قَالَ تعالى:{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103] من حزن، وقال:{لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} [يوسف: 13] من أحزن عَلَى قراءة من قرأ بضم الياء وهو الحزن

(2)

، والحزن وهو خلاف السرور يقال: حزن -بالكسر- يحزن حزنا إِذَا اغتم وحزنه غيره وأحزنه، مثل شكله وأشكله، وحكي عن أبي عمرو أنه قَالَ: إِذَا جاء الحزن في موضع نصب فتحت الحاء، وإذا جاء في موضع رفع وجر ضممت، وقرأ:{وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف: 84]، وقال:{تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا} [التوبة: 92].

قال الخطابي: وأكثر الناس لا يفرقون بين الهم والحزن، وهما عَلَى اختلافهما يتقاربان في المعنى، إلا أن الحزن إنما يكون عَلَى أمر قَدْ وقع، والهم إنما هو فيما يتوقع ولا يكون بعد

(3)

، وقولها:(أبدًا). هو منصوب عَلَى الظرف.

(1)

هو شيخ القراء، أبو محمد، يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي البصري النحوي، عرف باليزيدي لاتصاله بالأمير يزيد بن منصور خال المهدي، يؤدب ولده، وقد أدَّب المأمون، وعظم حاله، وكان ثقة، عالمًا حجة في القراءة، لا يدري ما الحديث، لكنه أخباري نحوي علامة، بصير بلسان العرب، ألف كتاب "النوادر"، وكتاب، "المقصور والممدود"، وكتاب "النحو". توفي ببغداد سنة اثنتين ومائتين، عن أربع وسبعين سنة. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 14/ 146، "وفيات الأعيان" 6/ 183، "سير أعلام النبلاء" 9/ 562 (219)، "شذرات الذهب" 2/ 4.

(2)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 3/ 99.

(3)

"أعلام الحديث" 2/ 1394.

ص: 276

السادس بعد الثلانين: قولها: (إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ) هو بكسر الهمزة من: إنك عَلَى الابتداء، وكذا الرواية وهو الصواب، قَالَ القزاز: يقال: وصل رحمه صلة، وأصله: وصلة، فحذف الواو، وكما قالوا: زنة من وزن، كذا أصل صلة من وصل، ومعنى:(لتصل الرحم): تحسن إلى قراباتك، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان كيفية صلة الرحم في بابها وبيان اختلاف طرقها.

السابع بعد الثلاثين: قولها: (وَتَحْمِلُ الكَلَّ) هو بفتح الكاف وأصله الثقل، ومنه قوله تعالى:{وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} [النحل: 76] وأصله من الكلال وهو الإعياء ويدخل في حمل الكل الإنفاق عَلَى الضعيف واليتيم والعيال وغير ذَلِكَ، والمعنى: إنك تنفق عَلَى هؤلاء وتعينهم، وقال الداودي: الكَلُّ: المنقطع.

الثامن بعد الثلاثين: قولها: (وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ) هو بفتح التاء المثناة فوق عَلَى الصحيح المشهور في الرواية والمعروف في اللغة، وروي بضمها، وفي معنى المضموم قولان: أصحهما: معناه: تكسب غيرك المال المعدوم. أي: تعطيه له تبرعًا. ثانيهما: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من معدومات الفوائد ومكارم الأخلاق، يقال: أكسبت مالًا وأكسبتُ غيري مالًا، وفي معنى المفتوح قولان أصحهما: أن معناه كمعنى المضموم يقال: كسبت الرجل مالًا وأكسبته مالا، والأول أفصح وأشهر، ومنع القزاز الباقي وقال: إنه حرف نادر وأنشد عَلَى الثاني:

وأكسبني مالًا وأكسبته حمدًا

(1)

(1)

القائل ابن الأعرابي كما نسبه إليه في "اللسان" مادة (كسب).

ص: 277

وقول الآخر:

يُعاتِبُني في الدَّيْنِ قَوْمي وإِنما

دُيونيَ في أَشياءَ تَكْسِبُهم حَمْدا

روي بفتح التاء وضمها

(1)

، والثاني: أن معناه تكسب المال وتصيب منه ما يعجز غيرك عن تحصيله ثمَّ تجود به وتنفقه في وجوه المكارم، وكانت العرب تتمادح بذلك وعرفت قريش بالتجارة، وضعف هذا بانه لا معنى لوصف التجارة بالمال في هذا الموطن إلا أن يريد أنه يبذله بعد تحصيله، وأصل الكسب طلب الرزق، يقال: كسب يكسب كسبًا وتكسب واكتسب.

وقال سيبويه

(2)

فيما حكاه ابن سيده:

(كسب)

(3)

: أصاب، و (اكتسب)

(4)

: تصرف واجتهد

(5)

.

(1)

أي: تكسبهم، ويكسبهم، وانظر:"لسان العرب" 7/ 3871 مادة: (كسب). والبيت للمقنع محمد بن ظفر بن عمير الكندي كما نسبه إليه صاحب "الأغاني"، وذكر قبله:

وإن الذي بيني وبين بني أبي

وبين بني عمي لمختلف جدًّا

فما أحمل الحقد القديم عليهم

وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

وليسوا إلى نصري سراعًا وإن هم

دعوني إلى نصر أتيتهم شدا

إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم

وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

(2)

هو إمام النحو، حجة العرب، أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي ثم البصري، طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الذي لا يدرك شأوه فيه، قيل: كان فيه مع فرط ذكائه حُبسة في عبارته. وانطلاق في قلمه، سمي سيبويه؛ لأن وجنتيه كانتا كالتفاحتين بديع الحسن قيل: مات سنة ثمانين ومائة، وقيل: سنة ثمان وثمانين ومائة. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 12/ 195، "وفيات الأعيان" 1/ 487، "سير أعلام النبلاء" 8/ 351، "شذرات الذهب" 1/ 252.

(3)

و

(4)

في الأصل: تكسب، والمثبت من "المحكم".

(5)

"المحكم" 6/ 452.

ص: 278

وقال صاحب "المجمل": يقال: كسبت الرجل مالًا فكسبه، وهذا مما جاء عَلَى فعلته ففعل

(1)

.

التاسع بعد الثلاثين: (الْمَعْدُومَ) كما قاله صاحب "التحرير": عبارة عن الرجل المحتاج العاجز عن الكسب، وسماه معدومًا لكونه كالميت؛ حيث لم يتصرف في المعيشة، وذكر الخطابي أن صوابه (المعدم) بحذف الواو، أي: تعطي العائل وتَرْفُده؛ لأن المعدوم لا يدخل تحت الأفعال

(2)

، وفيه نظر لا جرم. قَالَ النووي: ليس كما قَالَ الخطابي بل ما رواه الرواة صواب

(3)

.

الأربعون: قولها: (وَتَقْرِي الضَّيْفَ) هو بفتح الياء تقول: قريت الضيف أقريه، قرى بكسر القاف والقصر، وقراء بفتح القاف والمد، ويقال للطعام الذي (يضيف)

(4)

به: قرى بالكسر والقصر، وفاعله قارٍ كقضى فهو قاض، وقال ابن سيده: قَرى الضيف قِرى، وقراء: أضافه، واستقراني واقتراني (وأقراني)

(5)

طلب مني القِرى، وإنه لقري للضيف، والأنثى قَرِيّة عن اللحياني، وكذلك إنه لمقرًى للضيف، ومِقراء، والأنثى مقراة، الأخيرة عن اللحياني

(6)

. وفي "أمالي الهجري": ما اقتريت الليلة يعني: لم آكل من القرى شيئًا، أي: لم آكل طعامًا.

الحادي بعد الأربعين: قولها: (وَتُعِينُ على نَوَائِبِ الحَقِّ) أي: تعين بما تقدر عَلَى من أصابته نوائب حق أعنته فيها، والنوائب جمع نائبة: وهي الحادثة والنازلة، ناب الأمر نوبة: نزل، وهي النوائب والنوب،

(1)

"المجمل" 3/ 785.

(2)

"أعلام الحديث" 1/ 129.

(3)

"مسلم بشرح النووي" 2/ 202.

(4)

في (ج): يضيفه.

(5)

ساقطة من (ج).

(6)

"المحكم" 6/ 308.

ص: 279

وإنما قالت: نوائب الحق؛ لأنها تكون في الحق والباطل، قَالَ لبيد صلى الله عليه وسلم:

فلا الخير ممدود ولا الشر لازب

نوائب من خير وشر كلاهما

الثاني بعد الأربعين: معنى كلام خديجة رضي الله عنها: إنك لا يصيبك مكروه لما جعله الله سبحانه وتعالى فيك من مكارم الأخلاق، وجميل الصفات، ومحاسن الشمائل. وذكرت ضروبًا من ذَلِكَ، وفي هذا أن مكارم الأخلاق وخصال الخير سبب للسلامة من مصارع السوء والمكاره، فمن كَثُرَ خيره حسنت عاقبته، ورجي لَهُ سلامة الدين والدنيا، وفيه مدح الإنسان في وجهه لمصلحة، وشرطه في غير الأنبياء انتفاء الفتنة أيضًا.

الثالث بعد الأربعين: ذكر البخاري في كتاب التفسير من "صحيحه" خصلة أخرى، وهي: وتَصْدُقُ الحديث

(1)

وذكرها مسلم هنا

(2)

، وهي من أشرف خصاله وكان يُدْعى بها من صغره، وفي "السيرة" زيادة:(إنك لتؤدي الأمانة) ذكرها من حديث عمر بن شرحبيل

(3)

، وقد سلفت.

الرابع بعد الأربعين: فيه أنه ينبغي تأنيس من حصلت لَهُ مخافة من أمر وتبشيره، وذكر أسباب السلامة له، وأنّ من نزلت به نازلة لَهُ أن يشارك فيها من يثق بنُصْحِهِ ورأيه.

الخامس بعد الأربعين: فيه أيضًا أبلغ دليل وأظهر حجة عَلَى كمال خديجة، وجزالة رأيها، وقوة نفسها، وعظيم فقهها.

السادس بعد الأربعين: قولها: (فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ

(1)

سيأتي برقم (4953). كتاب: التفسير، سورة العلق، باب (1).

(2)

مسلم (160/ 252). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي.

(3)

"سيرة ابن إسحاق" ص 112 - 113 (157).

ص: 280

وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزى ابن عَمِّ خَدِيجَةَ)، إنما كان ابن عمها: لأنها خديجة بنت خويلد بن أسد، وهو ورقة بن نوفل بن أسد، فـ (ابن عم) تابع لورقة لا لعبد العزى، فينصب ابن، ويكتب بالألف لأنه بدل من ورقة. ولا يجوز جر ابن، ولا كتابته بغير ألف؛ لأنه يصير صفة لعبد العزى، فيكون عبد العزى ابن عمها وهو باطل، كما نبه عليه النووي رحمه الله، ومثله عبد الله بن مالك ابن بحينة، ومحمد بن علي ابن الحنفية، والمقداد بن عمرو ابن الأسود، وإسماعيل بن إبراهيم ابن علية، وإسحاق بن إبراهيم (ابن راهويه)

(1)

، وعبد الله بن يزيد ابن ماجه؛ لأن بحينة أم عبد الله، وكذلك الحنفية، والأسود ليس بجده، وراهويه لقب إبراهيم، وعُلية أم إسماعيل، وماجه لقب يزيد، فكل ذَلِكَ يكتب بالألف ونعربه بإعراب الأول، ومثل ذَلِكَ عبد الله بن أُبي ابن سلول ينون اُبي ويكتب ابن سلول بالألف ويعرب إعراب عبد الله؛ لأن سلول أم عبد الله، هذا هو الصحيح، وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى في موضعه، ومقصودهم في كل هذِه الأسماء تعريف الشخص بوصفه جميعًا ليكمل تعريفه، فقد يكون الإنسان معروفًا بأحد وصفيه دون الآخر، فإذا جمعا تم تعريفه لكل أحد.

السابع بعد الأربعين: اسم أم ورقة هند بنت أبي كبير بن عدي بن قصي ولا عقب له، وروينا في "مستدرك الحاكم" من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا تسبوا ورقة فإنه كان لَهُ جنة أو (جنتان)

(2)

"

(1)

جاء في هامش (ف) بعد كلمة ابن راهويه: راهويه لقب إبراهيم. ولعله من سبق القلم، فسوف يأتي بعد قليل.

(2)

في الأصل: (جنتين) والمثبت هو الموافق للسياق والإعراب.

ص: 281

ثمَّ قَالَ: هذا حديث صحيح عَلَى شرط الشيخين

(1)

.

وفي كتاب الزبير من حديث عبد الله بن معاذ، عن الزهري، عن عروة قَالَ: سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عن ورقة بن نوفل، كما بلغنا قَالَ:"لقد رأيته في المنام عليه ثياب بيض، فقد أظن أنه لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض".

ورواه الترمذي في كتاب الرؤيا من "جامعه" من حديث عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ورقة فقالت لَهُ خديجة: إنه كان صدقك ولكنه مات قبل أن تظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيته في المنام وعليه ثياب بيض، ولو

(1)

"المستدرك" 2/ 609، ولفظة:"لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين". ورواه أيضًا البزار كما في "كشف الأستار"(2750) من طريق عبد الله بن سعيد -أبو سعيد الأشج- عن أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا به.

ورواه البزار كما في "كشف الأستار"(2751)، والرافعي في "التدوين في أخبار قزوين" 3/ 198 من طريقين عن هشام بن عروة عن عروة مرسلًا به.

قال البزار: لا نعلم أحدًا رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، إلا أبو معاوية، ولا رواه عن أبي معاوية مسندًا إلا أبو سعيد.

وأورد الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" 3/ 13 حديث عاثشة المرفوع وقال: هذا إسناد جيد، وروي مرسلًا وهو أشبه.

وقال الهيثمي في "المجمع" 9/ 415: رواه البزار متصلًا ومرسلًا، ورجال المسند والمرسل رجال الصحيح اهـ والحديث المرفوع صححه الحاكم على شرط الشيخين -كما ذكر المصنف- ووافقه الذهبي، وقال الألباني في "الصحيحة" 1/ 762 (405): وهو كما قالا اهـ.

قال المناوي: قال الحافظ العراقي: هذا الحديث شاهد لما ذهب إليه جمع من أن ورقة أسلم عند ابتداء الوحي اهـ. "فيض القدير" 6/ 520 (9794).

ص: 282

كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذَلِكَ" ثمَّ قَالَ: حديث غريب، وعثمان بن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقوي

(1)

.

وقال السهيلي: في إسناده ضعف، لأنه يدور عَلَى عثمان هذا، ولكن يقويه قوله صلى الله عليه وسلم:"رأيت القس -يعني: ورقة وعليه ثياب حرير؛ لأنه أول من آمن بي وصدقني"

(2)

ذكره ابن إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل

(3)

.

وقال المرزباني

(4)

: كان ورقة من علماء قريش وشعرائهم، وكان يدعى القس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"رأيته وعليه حلة خضراء يرفل في الجنة"، وكان يذكر الله في شعره في الجاهلية ويسبحه، فمن ذَلِكَ قوله:

(1)

الترمذي (2288)، ومن طريقه رواه الحاكم 4/ 393، وابن الأثير في "أسد الغابة" 5/ 447 - 448.

قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه اهـ وتعقبه الذهبي بقوله: عثمان هو الوقاصي متروك اهـ.

وقال الألباني في "ضعيف الجامع"(792): موضوع.

ورواه أحمد 6/ 65 من طريق ابن لهيعة، عن الأسود، عن عروة، عن عائشة به، قال ابن كثير في "السيرة" كما في "صحيحها" ص 93: إسناده حسن.

(2)

"الروض الأنف" 1/ 217.

(3)

"سيرة ابن إسحاق" ص 112 - 113 (157) ورواه أيضًا البيهقي في "الدلائل" 2/ 158 - 159 وقال: هذا منقطع.

(4)

هو العلامة المتقن الأخباري، أبو عبيد الله، محمد بن عمران بن موسى بن عبيد المرزباني البغدادي الكاتب، صاحب التصانيف، قال الأزهري: كان المرزباني يضع المحبرة وقنية النبيذ، يكتب ويشرب، وكان معتزليًّا، صنف كتابًا في أخبار المعتزلة وما كان ثقة. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 3/ 135، "وفيات الأعيان" 4/ 354، "سير أعلام النبلاء" 16/ 447 (331)، "الوافي بالوفيات" 4/ 235، "شذرات الذهب" 3/ 111.

ص: 283

لقد نصحت لأقوامٍ وقلت لهم

أنا النذير فلا يغرركم أحد

لا تعبدن إلهًا غير خالقكم

فإن دعوكم فقولوا بيننا جدد

سبحان ذي العرش سبحانًا يعود له

وقبله سبح الجودي والجمد

مسخر كل ما تحت السماء له

لا ينبغي أن يناوي ملكه أحد

لا شيء مما ترى تبقى بشاشته

يبقى الإله وبودى المال والولد

لم يغن عن هرمز يومًا خزائنه

والخلد قَدْ حاولت عادٌ فما خلدوا

ولا سليمان إذ تجري الرياح له

والإنس والجن فيما بينها برد

أين الملوك التي كانت لعزتها

من كل أوبٍ إليها وافد يفد

حوض هنالك مورود بلا كذب

لابد من ورده يومًا كما وردوا

نسبه أبو الفرج إلى ورقة، وفيه أجات تنسب إلى أمية بن أي الصلت، ومن قوله أيضًا فيما خبرت به خديجة عن النبي صلى الله عليه وسلم:

يا للرجال لصرف الدهر والقدر

وما لشيء قضاه الله من غِيَرِ

حتَّى خديجة تدعوني لأخبرها

أمرًا أراه سيأتي الناس من أُخر

فخبرتني بأمر قَدْ سمعت به

فيما مضى من قديم الدهر والعُصُر

بأن أحمد يأتيه فيخبره

جبريل: إنك مبعوث إلى البشر

فقلت: عَلَّ الذي ترجين ينجزه

لك الإله فرجِّي الخير وانتظري

وأرسلته إلينا كي نسائله

عن أمره ما يرى في النوم والسهر

فقال حين أتانا منطقًا عجبًا

يَقِفُّ منه أعالي الجلد والشعر

إني رأيت أمين الله واجهني

في صورة أكملت من أهيب الصور

ثمَّ استمر فكان الخوف يذعرني

مما يُسلم ما حولي من الشجر

فقلت ظني وما أدري أيصدقني

أن سوف تبعث تتلو منزل السور

وسوف أبليك إن أعلنت دعوتهم

من الجهاد بلا مُرٍّ ولا كدر

ذكره بطوله الحاكم في "مستدركه"، ذكره عقيب حديث ابن عباس

ص: 284

السالف، وقال: والغرض فيه ما حدثنيه ثمَّ ساقه بإسناده

(1)

.

وقال ابن منده

(2)

: اختلف في إسلامه

(3)

، وظاهر الحديث يدل عَلَى إسلامه من قوله:(يا ليتني كنت فيها جذعًا). وما بعده، وذكر ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لما أخبره قَالَ له ورقة: إنك والذي نفسي بيده لنبي هذِه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، وذكر الحديث، قَالَ: ثمَّ أدنى رأسه منه فقبل يافوخه

(4)

.

الثامن بعد الأربعين: قولها: (وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ). أي: صار نصرانيًا وترك عبادة الأوثان وفارق طرائق الجاهلية، والجاهلية: ما قبل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، سموا بذلك لما كانوا عليه من فاحش الجهالات.

التاسع بعد الأربعين: قولها: (وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ) هكذا وقع هنا العبراني والعبرانية، ووقع في موضع آخر من "صحيح مسلم": العربي، فيكتب بالعربية من

(1)

"المستدرك" 2/ 609 - 610.

(2)

هو الإمام الحافظ الجوال، محدث الإسلام، أبو عبد الله محمد ابن المحدث أبي يحقوب إسحاق ابن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يحيى بن منده، قال الذهبي: لم أعلم أحدًا كان أوسع رحلة منه، ولا أكثر حديثًا منه مع الحفظ والثقة، فبلغنا أن عدة شيوخه ألف وسبعمائة شيخ، من مصنفاته كتاب "الإيمان"، و"التوحيد" و"التاريخ" وهو كتاب كبير جدًا، و"معرفة الصحابة".

قال الحافظ ابن عساكر: لابن منده في كتاب "معرفة الصحابة" أوهام كثيرة، وقيل: إنه اختلط في آخر عمره. انظر ترجمته في: "المنتظم" 7/ 232، "سير أعلام النبلاء" 17/ 28 (13)، "تذكرة الحفاظ" 3/ 1031، "الوافي بالوفيات" 2/ 19، "شذرات الذهب" 3/ 146.

(3)

نقله عنه ابن الأثير في "أسد الغابة" 5/ 447 وقد تقدم.

(4)

"سيرة ابن إسحاق" ص 100 - 103 (140). واليافوخ: وسط الرأس.

ص: 285

الإنجيل

(1)

، وفي كتاب التعبير والتفسير من البخاري: يكتب الكتاب العبراني، فيكتب (بالعربية)

(2)

من الإنجيل. وكله صحيح، أي: كان يكتب من الإنجيل ما شابهها لتمكنه من معرفة دينهم وكتابتهم، وقال الداودي: يكتب من الإنجيل الذي هو بالعبرانية بهذا الكتاب العربي، فنسبه إلى العبرانية إذ بها كان يتكلم عيسى عليه السلام.

وقولها: (وَكَانَ قَدْ عَمِيَ) فيه جواز ذكر العاهة التي بالشخص ولا يكون ذَلِكَ غيبة.

الخمسون: قولها: (يَا ابن عَمِّ) كذا وقع هنا، ووقع في مسلم:(يا عم)

(3)

والأول صحيح؛ لأنه ابن عمها كما سلف، والثاني صحيح أيضًا سمته عمها مجازًا للاحترام وهذِه عادة العرب يخاطب الصغير الكبير بيا عم احترامًا له ورفعًا لمرتبته، ولا يحصل هذا الغرض بقولها: يا ابن عم، فعلى هذا يكون تكلمت باللفظين

(4)

.

الحادي بعد الخمسين: قوله: (هذا النَّامُوسُ الذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى) كذا هو في الصحيحين، وغيرهما، وجاء في غير الصحيح:(نزل الله عَلَى عيسى)

(5)

. وكلاهما صحيح. أما عيسى فلقرب زمنه،

(1)

مسلم (160/ 252). كتاب: الايمان، باب: بدء الوحي.

(2)

ساقطة من (ج).

(3)

مسلم (160/ 252). كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي.

(4)

قال الحافظ في "الفتح"1/ 25؛ ووقع في مسلم: يا عم، وهو وهم، لأنه وإن كان صحيحًا لجواز إرادة التوقير لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد، فلا يحمل على أنها قالت ذلك مرتين فتعين الحمل على الحقيقة أهـ.

(5)

رواه ابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 181 عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن ورقة بن نوفل: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي؟ قال: "يأتيني في ضوء"، قال: هذا الناموس الذي أنزل على عيسى عليه السلام.

ص: 286

وأما موسى فأبدى لَهُ السهيلي معنًى آخر وهو أن ورقة قد تنصر والنصارى لا يقولون في عيسى: إنه نبيٌّ يأتيه جبريل، وإنما يقولون: إن أقنومًا من الأقانيم الثلاثة اللاهوتية حل بناسوت المسيح عَلَى اختلافٍ بينهم في ذَلِكَ الحلول، وهو أقنوم الكلمة، والكلمة عندهم عبارة عن العلم، فلذلك كان المسيح في زعمهم يعلم الغيب ويخبر بما في الغد في زعمهم الكاذب، فلما كان هذا مذهب النصارى عدل عن ذكر عيسى إلى ذكر موسى لعلمه، ولاعتقاده أن جبريل كان ينزل عَلَى موسى، قَالَ: لكن ورقة قَدْ ثبت إيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم ثمَّ ساق حديث الترمذي السالف

(1)

.

الثاني بعد الخمسين: (النَّامُوسُ) بالنون والسين المهملة وهو

(1)

"الروض الأنف" 1/ 273، قال الحافظ في "الفتح" 1/ 26: وقوله (على موسى) ولم يقل: (على عيسى) مع كونه نصرانيًّا؛ لأن كتاب موسى عليه السلام مشتمل على أكثر الأحكام، بخلاف عيسى. وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، أو لأن موسى بعث بالنقمة على فرعون ومن معه، بخلاف عيسى. كذلك وقعت النقمة على يد النبي صلى الله عليه وسلم بفرعون هذِه الأمة وهو أبو جهل بن هشام ومن معه ببدر. أو قاله تحقيقًا للرسالة، لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتاب، بخلاف عيسى فإن كثيرًا من اليهود ينكرون نبوته. وأما ما تمحل له السهيلي من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى ودعواهم أنه أحد الأقانيم فهو محال لا يعرَّج عليه في حق ورقة وأشباهه ممن لم يدخل في التبديل ولم يأخذ عمن بدل. نعم في "دلائل النبوة" لأبي نعيم بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه في هذِه القصة أن خديجة أولًا أتت ابن عمها ورقة فأخبرته الخبر فقال: لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يعلمه بنو إسرائيل أبناءهم. فعلى هذا فكان ورقة يقول تارة ناموس عيسى وتارة ناموس موسى، فعند إخباره خديجة له بالقصة قال لها: ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية، وعند إخبار النبي صلى الله عليه وسلم له قال له: ناموس موسى للمناسبة التي قدمناها، وكل صحيح. والله جل جلاله أعلم أهـ.

ص: 287

صاحب السر كما ذكره البخاري في أحاديث الأنبياء

(1)

، قَالَ صاحب "المحكم" و"المجمل" وأبو عبيد

(2)

في "غريبه": ناموس الرجل: صاحب سره

(3)

، وقال ابن سيده: الناموس: السر

(4)

. وقال صاحب "الغريبين"

(5)

: هو صاحب سر الملك.

وقيل: إن الناموس والجاسوس بمعنى واحد حكاه القزاز في "جامعه" وصاحب "الواعى"، وقال الخشني في "شرح السيرة": أصل الناموس: صاحب سر الرجل في خيره وشره، وقال ابن الأنباري في "زاهره": الجاسوس: الباحث عن أمور الناس وهو بمعنى تحسس سواء.

وقَالَ بعض أهل اللغة: التجسس بالجيم البحث عن عورات الناس، وبالحاء المهملة الاستماع لحديث القوم، وقيل: هما سواء، قَالَ

(1)

سيأتي برقم (3392) باب: {وَاذْكُرْ فِي الكِتَاب مُوسَى .. } .

(2)

هو الإمام الحافظ المجتهد ذو الفنون، أبو عبيد، القاسم بن سلام بن عبد الله، كان أبوه سلام مملوكًا روميًّا لرجل هروي، من مصنفاته:"الأموال" و"الغريب" و"فضائل القرآن" و"الناسخ والمنسوخ" توفي سنة أربعة وعشرين ومائتين.

انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 7/ 355، "التاريخ الكبير" 7/ 172 "وفيات الأعيان" 4/ 60، "سير أعلام النبلاء" 10/ 490 (164)، "شذرات الذهب"2/ 54.

(3)

"مجمل اللغة" 4/ 886، مادة:(نمس)، "غريب الحديث" 1/ 315.

(4)

"المحكم" 8/ 352.

(5)

هو العلامة أبو عبيد، أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الهروي، الشافعي، اللغوي، المؤدب، أخذ علم اللسان عن الأزهري وغيره ويقال له الفاشاني، صاحب كتاب "الغريبين".

قال ابن خلكان: سار كتابه في الآفاق، وهو من الكتب النافعة توفي مشة (401 هـ).

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 1/ 90، 96، "الوافي بالوفيات" 8/ 114، 115، "سير أعلام النبلاء" 17/ 146 - 147، "شذرات الذهب" 3/ 161.

ص: 288

ابن ظفر

(1)

، في "شرح المقامات": صاحب سر الخير: ناموس،

وصاحب سر الشر: جاسوس، وقد سوى بينهما رؤبة وهو الصحيح.

ونقل النووي في "شرحه" عن أهل اللغة والغريب الفرق بينهما وأن الناموس في اللغة صاحب سر الخير، والجاسوس صاحب سر الشر، قَالَ: ويقال: نمست السر -بفتح النون والميم- أنمسه -بكسر الميم- نمسًا أي (كتمته)

(2)

، ونمست الرجل ونامسته أي: ساررته، واتفقوا على أن جبريل يسمى الناموس وعلى أنه المراد في هذا الحديث، قَالَ الهروي: سُمِّي بذلك لأن الله تعالى خصه بالغيب والوحي الذي لا يطلع عليه غيره

(3)

.

قَالَ ابن الأعرابي فيما حكاه القاضي: لم يأت في الكلام فاعول لام الكلمة فيه سين إلا الناموس: صاحب سر الخير، والجاسوس للشر، والجاروس: الكثير الأكل، والفاعوس: الحية، والبابوس: الصبي الرضيع، والداموس: القبر، والقاموس: وسط البحر، والقابوس: الجميل الوجه، والعاطوس: دابة يتشاءم بها، والفانوس: النمام، والجاموس: ضرب من البقر، وقيل: أعجمي تكلمت به العرب،

(1)

هو العلامة البارع، حجة الدين، أبو عبد الله محمد بن أبي محمد بن محمد بن ظفر الصقلي، صاحب كتاب "خير البشر"، وكتاب "سلوان المطاع في عدوان الأتباع" وكتاب "شرح المقامات"، وكان قصيرًا لطيف الشكل، وكان فقيرًا أخذ بنته زوجُها، فباعها في بعض البلاد، مات سنة خمس وستين وخمسمائة بحماة.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 4/ 395، "سير أعلام النبلاء" 20/ 522 (336)، "الوافي بالوفيات" 1/ 141.

(2)

في الأصول: كتمه. والمثبت من "شرح مسلم" للنووي.

(3)

"مسلم بشرح النووي" 2/ 203.

ص: 289

وقيل: الحاسوس بالحاء غير المعجمة (من تجسس بالجيم)

(1)

، وفي "صحيح مسلم": إن كلماتك بلغن ناعوس البحر

(2)

.

الثالث بعد الخمسين: قوله: (يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا)، الضمير فيها يعود إلى أيام النبوة ومدتها، قَالَ ابن مالك

(3)

: وأكثر الناس تظن أن يا التي تليها [ليت]

(4)

حرف نداء. والمنادى (حُذف فتقديره)

(5)

يا محمد، ليتني كنت فيها حيًّا، وهذا الرأي عندي ضعيف؛ لأن القائل: يا ليتني قَدْ يكون وحده ولا يكون معه منادى ثابت ولا محذوف

(6)

، ولأنه لم يقع ملفوظًا به حتَّى يؤنس بالتقدير.

الرابع بعد الخمسين: قوله: (جَذَعًا). يعني: شابًّا قويًّا حتَّى أبالغ في نصرتك ويكون لي كفاية تامة لذلك، والجذع في الأصل للدواب، وهو هنا استعارة، قَالَ ابن سيده: قيل: الجذع الداخل في السنة الثانية، ومن الإبل: فوق الحِقّ، وقيل: الجذع من الإبل لأربع

(1)

كذا بالأصل والذي في "الإكمال" وقيل: الحاسوس بالحاء غير معجمة من تحسس وهو بمضي الجاسوس.

(2)

"إكمال المعلم" 1/ 487 - 488 والحديث في مسلم (868) كتاب: الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة.

(3)

هو العلامة الأوحد جمال الدين، محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك، أبو عبد الله الطائي، الجياني، الشافعي، النحوي، أخذ العربية عن غير واحد، وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية، وحاز قصب السبق، وأربى على المتقدمين، وكان إمامًا في القراءات وعللها، وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرًا لا يجارى، وحبرًا لا يبارى، توفي رحمه الله في ثاني عشر شعبان، وقد نيَّف على السبعين انظر ترجمته في:"تاريخ الإسلام" 50/ 108 (83)، "الوافي بالوفيات" 3/ 359، "شذرات الذهب" 5/ 295.

(4)

زيادة يقتضيها السياق، من "شواهد التوضيح".

(5)

في (ج): حرف تقديره.

(6)

"شواهد التوضيح" لابن مالك ص 4.

ص: 290

سنين، ومن الخيل لسنتين، ومن الغنم لسنة والجمع جُذعان وجِذعان وجِذاع

(1)

.

قَالَ الأزهري

(2)

في "تهذيبه": والدهر يسمى جذعًا؛ لأنه جديد الدهر

(3)

. وقيل معناه: يا ليتني أدرك أمرك، فأكون أول من يقوم بنصرك، كالجذع الذي هو أول الأسنان، قَالَ صاحب "المطالع": والقول الأول أبين.

الخامس بعد الخمسين: قوله: (جَذَعًا). هكذا الرواية المشهورة هنا، وفي "صحيح مسلم" بالنصب

(4)

، ووقع للأصيلي، هنا ولابن ماهان

(5)

في "صحيح مسلم": (جذع)، بالرفع، فعلى الرفع لا إشكال، وفي النصب اختلفوا في وجهه على ثلاثة أوجه:

(1)

"المحكم" 1/ 185.

(2)

هو العلامة، أبو منصور، محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهري الهروي اللغوي الشافعي، كان رأسًا في اللغة والفقه، ثقة ثبتا دينا، من كتبه "تهذيب اللغة" المشهور، و"التفسير" و"علل القراءات" و"الروح"، توفي في ربيع الآخر سنة سبعين وثلاثمائة، عن ثمان وثمانين سنة. انظر ترجمته في:"وفيات الأعيان" 4/ 334، "سير أعلام النبلاء" 16/ 315 (222)، "الوافي بالوفيات" 2/ 45، "شذرات الذهب" 3/ 72.

(3)

"تهذيب اللغة" 1/ 567، مادة:(جذع).

(4)

مسلم (160/ 252). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي.

(5)

هو الإمام المحدث، أبو العلاء، عبد الوهاب بن عيسى بن عبد الرحمن بن عيسى بن ماهان الفارسي، ثم البغدادي، حدث بمصر بـ "صحيح مسلم" عن أبي بكر أحمد بن محمد بن يحيى الأشقر الشافعي، عن أحمد بن علي القلانسي، عن مسلم سوى ثلاثة أجزاء من آخره، فرواها عن الجلودي. وثقه الدارقطني، توفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.

انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 16/ 535 (392)، "تاريخ الإسلام" 27/ 160، "شذرات الذهب" 3/ 128.

ص: 291

أحدها: نصبه عَلَى أنه خبر (كان) المقدرة، تقديره: ليتني أكون جذعًا، قاله الخطابي

(1)

والمازري وابن الجوزي في "مشكله"، وهي تجيء عَلَى مذهب الكوفيين كما قالوا في قوله تعالى:{انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} [النساء: 171]، أي: يكن الانتهاء خيرًا لكم، ومذهب البصريين أن {خَيْرًا} في الآية منصوب بفعل مضمر يدل عليه {انْتَهَوْا} تقديره: انتهوا وافعلوا خيرًا لكم. وقال الفراء: انتهوا انتهاءً خيرًا لكم. وضعف هذا الوجه بأنَّ كان الناصبة لا تضمر إلا إِذَا كان في الكلام لفظ ظاهر يقتضيها كقولهم: إن خيرًا فخير.

ثانيها: أنه منصوب عَلَى الحال وخبر ليت قوله: فيها، والتقدير: ليتني كائن فيها. أي: مدة الحياة في هذا الحال شبيبة وصحة وقوة لنصرتك، إذ (قَدْ كان)

(2)

أسن وعمي عند هذا القول، ورجح هذا القاضي عياض، وقال: إنه الظاهر

(3)

، وقال النووي: إنه الصحيح الذي اختاره المحققون

(4)

.

ثالثها: أن تكون ليت عملت عمل تمنيت فنصبت اسمين كما قَالَ الكوفيون وأنشدوا:

يا لَيْتَ أَيامَ الصِّبا رَواجِعَا

السادس بعد الخمسين: قوله: (إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ). استعمل فيه إذ في المستقبل كإذا وهو استعمال صحيح كما نبه عليه ابن مالك، وقال: غفل عنه أكثر النحويين، ومنه قوله تعالى:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} [مريم: 39]، وقوله:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ} [غافر: 18]

(1)

"أعلام الحديث" 1/ 130 - 131.

(2)

في (ج): كان قد.

(3)

"إكمال المعلم" 1/ 489.

(4)

"مسلم بشرح النووي" 2/ 203 - 204.

ص: 292

وقوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71)} [غافر: 70 - 71] قَالَ: وقد استعمل كل منهما في موضع يعني: إذ وإذا، ومن الثاني قوله تعالى:{إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ} [آل عمران: 156]، {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} [الجمعة: 11]، و {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ}

(1)

[التوبة: 92].

السابع بعد الخمسين: قوله صلى الله عليه وسلم: ("أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ ") هو بفتح الواو وتشديد الياء آخره وهو جمع مخرج، ويجوز تخفيف الياء عَلَى وجه، والصحيح التشديد، وبه جاءت الرواية، ويجوز في الياء المشددة الفتح والكسر وهو نحو قوله تعالى:{بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22]، وقرئ بهما في السبعة

(2)

فالياء الأولى ياء الجمع، والثانية ضمير المتكلم وفتحت للتخفيف لئلا تجتمع الكسرة وياءان بعد كسرتين، وقال ابن مالك: الأصل فيه: أومخرجوني هم

(3)

، سقطت نون الجمع بالإضافة، واجتمعت ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون، فأبدلت الواو ياء وأدغمت، ثمَّ أبدلت الضمة التي كانت قبل الواو كسرة تكميلًا للتخفيف، وفتحت الياء في "مُخْرِجِيَّ" للتخفيف

(4)

. لئلا تجتمع الأمثال الكثيرة وياءان بعد كسرتين، وقال السهيلي: لابد من تشديد الياء في: "مُخْرِجِيَّ" لأنه جمع

(5)

.

(1)

"شواهد التوضيح" لابن مالك ص 9 - 10.

(2)

بكسر الياء الثانية قرأ حمزة وبفتحها قرأ الباقون، وروى إسحاق الأزرق عن حمزة:(بمصرخيَّ) بفتح الياء الثانية. انظر "الحجة للقراء السبعة" 5/ 28.

(3)

الذي في "شواهد التوضيح" ص 13: أومخرجوي هم؟ ولم يذكر شيئًا عن سقوط نون الجمع، والله أعلم.

(4)

"شواهد التوضيح" ص 13.

(5)

"الروض الأنف"1/ 274.

ص: 293

ثمَّ ها هنا أمران:

أحدهما: وهو الثامن بعد الخمسين: الأصل تقديم حرف العطف عَلَى الهمزة كغيرها من أدوات الاستفهام، كما نبه عليه ابن مالك نحو:{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 101]، {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ)} [النساء: 88]، {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} [الأنعام: 81]، {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [الأنعام: 95]، فالأصل أن يجاء بالهمزة بعد العاطف كهذا المثل، وهي معطوفة عَلَى ما قبلها من الجمل ومثله: فأتطمعون لأن همزة الاستفهام جزء من جملة الاستفهام فيقال: (وأمخرجي)

(1)

والعاطف لا يتقدم عليه جزء مما عطف، لكن خصت الهمزة بتقدمها عَلَى حرف العطف؛ تنبيهًا عَلَى أنها أصل أدوات الاستفهام؛ لأن الاستفهام لَهُ صدر الكلام، فقال تعالى:{أَفَتَطْمَعُونَ} [البقرة: 75]، {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا} [البقرة: 100]، {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ} [يونس: 51].

وقال الزمخشري

(2)

: بين الهمزة وحرف العطف جملة محذوفة ومعطوف عليها بالعاطف ما بعده تقديره: أكفروا بالآيات البينات، وكلما عاهدوا؟ وكذلك يقدر بقية المثل ما يحسن فيها، وفيه من التكلف ومخالفة الأصول ما لا يخفى كما نبه عليه ابن مالك

(3)

.

(1)

في الأصل: وأومخرجي، والمثبت هو المناسب للسياق.

(2)

هو العلامة، كبير المعتزلة، أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي النحوي، صاحب "الكشاف" و"المفصل" كان رأسًا في البلاغة والعربية والمعاني والبيان، وله نظم جيد، وكان داعية إلى الاعتزال -الله يسامحه- توفي سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة. انظر ترجمته في:"المنتظم" 10/ 112، "وفيات الأعيان" 5/ 168، "سير أعلام النبلاء" 20/ 151 (91)، "شذرات الذهب" 4/ 118.

(3)

"شواهد التوضيح" ص 10 - 12.

ص: 294

الثاني: وهو التاسع بعد الخمسين: ("مُخْرِجِيَّ") خبر مقدم و"هم" مبتدأ ولا يجوز العكس كما نبه عليه ابن مالك؛ لأن "مُخْرِجِيَّ" نكرة فإن إضافته غير محضة، وهو اسم فاعل بمعنى الاستقبال فيؤدي إلى الإخبار بالمعرفة عن النكرة من غير مصحح

(1)

. ويجوز أن يكون "هم" فاعلًا سد مسد الخبر، و"مُخْرِجِيّ" مبتدأ عَلَى لغة: أكلوني البراغيث. ولو روي "مُخْرِجِيَّ" بسكون الياء أو فتحها مخففة عَلَى أنه مفرد. وقد سلف جوازه؛ لصحَّ جعله مبتدَأ ومَا بعدهَ فاعلًا سد مسد الخبر كما تقول: أومخرجي بنو فلان؟ لاعتماده عَلَى حرف الاستفهام كقوله صلى الله عليه وسلم: "أحيٌّ والداك؟ "

(2)

والمنفصل من الضمائر يجري مجرى الظاهر، ومنه قول الشاعر:

أمنجز أنتم وعدًا وثِقْتُ به

أم اقْتَفَيْتُم جميعًا نهج عُرْقُوب

(3)

وجزم السهيلي بأنه خبر مبتدأ مقدم، قَالَ: ولو كان المبتدأ اسمًا ظاهرًا لجاز تخفيف الياء ويكون الاسم الظاهر فاعلًا لا مبتدأ

(4)

.

الستون: إنما قَالً: "أو مُخْرِجِيَّ هم؟ ")؛ لأنها حرم الله، وجوار بيته وبلدة أبيه إسماعيل، فلذلك تحركت نفسه، فأتى بهمزة الاستفهام على وجه الإنكار والتفجع لذلك والتألم، وقد ذكر ابن إسحاق في "السيرة" عن ورقة أنه قَالَ بعد قوله: ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء

(1)

"شواهد التوضيح" ص 13.

(2)

سيأتي برقم (3004) كتاب: الجهاد والسير، باب: الجهاد بإذن الأبوين، ورواه مسلم (2549) كتاب: البر والصلة، باب: بر الوالدين. من حديث عبد الله بن عمرو.

(3)

"شواهد التوضيح" ص 13 - 14.

(4)

"الروض الأنف" 1/ 274.

ص: 295

موسى: وليكذبنه وليؤذينه وليخرجنه

(1)

. لما قال: ليكذبنه وليؤذينه، ولم يقل شيئًا فلما قَالَ (الثالثة)

(2)

قَالَ ذَلِكَ، فاستبعد صلى الله عليه وسلم إخراجه من غير سبب فإنه لم يكن منه فيما مضى ولا فيما يأتي سبب يقتضي ذَلِكَ، بل كان منه أنواع المحاسن والكرامات المقتضية لإكرامه وإنزاله ما هو لائق بمحله -أنفسنا لَهُ الفداء- لكن العادة أن كلما أتي للنفوس بغير ما تحب وتألف وإن كان ممن تحب وتعتقد تعافه وتطرده، وقد قَالَ تعالى حكاية عنهم:{فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33].

الحادي بعد الستين: قوله: (نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ) يعني: أن أهل الحق لا يخلو من أهل باطل يعادونه، وذكره في التفسير بلفظ: أوذي

(3)

، من الأذى، وقوله:(وإن يدركني يومك) أي: وقت (إخراجك)

(4)

أو وقت انتشار نبوتك (أنصرك نصرًا مؤزرًا) هو بضم الميم ثمَّ بهمزة مفتوحة ثمَّ زاي مفتوحة، أي: قويًّا بالغًا من الأزر وهو: القوة والعون، ومنه قوله تعالى:{فَآزَرَهُ} [الفتح: 29]، أي: قوَّاه، وفي "المحكم": آزره ووازره: أعانه عَلَى الأمر، الأخير عَلَى البدل وهو شاذ

(5)

. وقال ابن قتيبة: مما يقوله العوام بالواو وهو بالهمز آزرته عَلَى الأمر، أي: أعنته فأما وازرته فبمعنى: صرت له وزيرًا

(6)

.

(1)

"سيرة ابن إسحاق" ص 100 - 103 (140).

(2)

في (ج): الثانية.

(3)

سيأتي برقم (4953). كتاب: التفسير، سورة العلق، باب:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} .

(4)

في (ج): إخراجه.

(5)

"المحكم" 9/ 65.

(6)

"أدب الكاتب" ص (284).

ص: 296

الثاني بعد الستين: وقع في "السيرة": إن أدرك ذَلِكَ اليوم أنصرك نصرًا مؤزرًا

(1)

، وما في البخاري هو القياس؛ لأن ورقة سابق بالوجود، والسابق هو الذي يدركه من يأتي بعده كما جاء "أشقى الناس من أدركته الساعة وهو حي"

(2)

نبه عَلَى ذَلِكَ السهيلي قَالَ: ولرواية ابن إسحاق وجه؛ لأن المعنى: إن أر ذَلِكَ اليوم فسمى رؤيته إدراكًا، وفي التنزيل:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] أي: لا تراه عَلَى أحد القولين

(3)

.

الثالث بعد الستين: قولها: (ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الوَحْيُ) أما ينشب فبياء مفتوحة ثمَّ نون ساكنة ثمَّ شين معجمة مفتوحة ثمَّ موحدة، ومعناه: لم يلبث، كأن المعنى فجئه الموت قبل أن ينشب في فعل شيء، وهذِه اللفظة عند العرب عبارة عن السرعة والعجلة. وفتر معناه: احتبس بعد متابعته وتواليه في النزول، قَالَ ابن سيده: فتر الشيء يفتُر ويفتِر فتورًا وفتارًا: سكن بعد حدة ولان بعد شدة و (فتر)

(4)

هو، والفتر الضعف

(5)

، ولعل الحكمة في إبطائه ذهاب ما حصل لَهُ من الروع والتشوف إلى عوده كما سيأتي، ففي "السيرة" أن ورقة كان يمر ببلال وهو يعذب لما أسلم وقال: لئن

(1)

"سيرة ابن اسحاق" ص 100 - 103 (140) بلفظ: لأنصرك نصرًا يعلمه الله.

(2)

رواه القضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 207 (213) من حديث عبد الله بن جراد مرفوعًا، بلفظ:"الشقي كل الشقي من أدركته الساعة حيًّا لم يمت".

قال الألباني في "الضعيفة"(3760): حديث موضوع.

(3)

"الروض الأنف" 1/ 273 - 274.

(4)

كذا بالأصل، وفي "المحكم".

(5)

"المحكم" ج 10/ 170.

ص: 297

قتلتموه لأتّخِذَنّه حنانا

(1)

، وفي هذا مخالفة (لقولها)

(2)

: (فلم ينشب ورقة أن توفي)، فتأمله.

الرابع بعد الستين: لم يذكر هنا مقدار الفترة، وقد جاء في حديث مسند كما أفاده السهيلي أنها كانت سنتين ونصفًا، وبهذا يجمع بين قول أنس أنه أقام بمكة عشرًا

(3)

وقول ابن عباس أنه أقام ثلاث عشرة سنة

(4)

، وكان قَدْ ابتدئ بالرؤيا الصالحة ستة أشهر فمن عد مدة الفترة وأضاف إليها الأشهر الستة كان كما قَالَ ابن عباس، ومن عدها من حين حمي الوحي وتتابع كما في حديث جابر

(5)

كانت عشر سنين، ووجه ثان: وهو أن الشعبي قَالَ: وُكِّلَ إسرافيل بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين ثمَّ جاءه جبريل بالقرآن، وقد أسلفنا ذَلِكَ ورواه أبو عمر في "استيعابه"

(6)

وإذا صح فهو أيضًا وجه (من)

(7)

الجمع بينهما

(8)

.

الخامس بعد الستين: زاد البخاري في هذا الحديث عند ذكره لَهُ في

(1)

"سيرة ابن إسحاق" ص 17 (234).

(2)

في (ج): لقولنا.

(3)

سيأتي برقم (3547) كتاب: المناقب، باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه مسلم (2347) كتاب: الفضائل، باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومبعثه، وسِنِّهِ.

(4)

سيأتي برقم (3851) كتاب: مناقب الأنصار، باب: مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه مسلم (2351) كتاب: الفضائل، باب: كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة.

(5)

الحديث الأتي (4) كتاب: بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه مسلم (161) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(6)

"الاستيعاب" 1/ 140.

ورواه أيضًا: الطبري في "تاريخه" 1/ 573 - 574، وقال القرطبي في "تفسيره" 10/ 177: إسناده صحيح.

(7)

في (ج): مع.

(8)

"الروض الأنف" 1/ 281.

ص: 298

التعبير عن معمر قَالَ: وفتر الوحي فترة حتَّى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا [حزنا]

(1)

غدا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه يتراءى لَهُ جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إنك رسول الله حقًّا، فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه حتَّى يرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذَلِكَ فإذا أوفى بذروة جبل يتراءى لَهُ جبريل فقال لَهُ مثل ذَلِكَ

(2)

. وهذا من بلاغات معمر، ولم يسنده ولا ذكر راويه ولا أنه صلى الله عليه وسلم قاله، ولا يعرف هذا إلا من النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه قَدْ يحمل عَلَى أنه كان في أول الأمر قبل رؤية جبريل كما جاء مبينًا عن ابن إسحاق عن بعضهم

(3)

، أو أنه فعل ذَلِكَ لما أحرجه تكذيب قومه كما قَالَ تعالى:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف: 6]، أو خاف أن الفترة لأمر أو سبب فخشي أن تكون عقوبة من ربه ففعل ذَلِكَ بنفسه، ولم يرد بعد شرع بالنهي عن ذَلِكَ فيُعترض به، ونحو هذا فرار يونس حين تكذيب قومه، نبه عَلَى ذَلِكَ القاضي عياض

(4)

.

السادس بعد الستين: فيه جواز تزكية الرجل بما فيه من الخير للأوصاف السالفة التي ذكرتها خديجة، وليس بمعارض لحديث:"احثوا في وجوه المداحين التراب"

(5)

فإن ذَلِكَ إذا مدح بباطل وبما ليس في الممدوح.

(1)

زيادة يقتضيها السياق من البخاري.

(2)

سيأتي برقم (6982). كتاب: التعبير، باب: أول ما بدى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة.

(3)

"سيرة ابن إسحاق" ص 101.

(4)

"الشفا تعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض 2/ 104 - 105.

(5)

رواه مسلم (3002) كتاب: الزهد والرقائق، باب: المؤمن أمره كله خير. من حديث المقداد.

ص: 299

تتمات:

أحدها: في جبريل تسع لغات جمعها ابن الأنباري قرى ببعضها، أفصحها: جبرئيل، وبها قرأ أهل الكوفة واسمه بالعربية عبد الله، واسم ميكائيل (عبيد)

(1)

الله كذا رواه عبد بن حميد في "تفسيره" عن عكرمة

(2)

، وقال السهيلي: هو سرياني ومعناه: عبد الرحمن أو عبد العزيز كذا جاء عن ابن عباس مرفوعًا وموقوفًا والموقوف أصح، وأكثر الناس عَلَى أنه آخر الاسم منه هو الله تعالى وهو إيل، وذهبت طائفة إلى أن الإضافة في هذِه الأسماء مقلوبة. وإيل هو العبد وأوله اسم من أسمائه تعالى، والجبر عند العجم هو (إصلاح)

(3)

ما وَهَى فوافق معناه من جهة العربية فإن في الوحي إصلاح ما فسد وجبر ما وهَى من الدين، ولم يكن هذا الاسم معروفًا بمكة ولا بأرض العرب؛ ولهذا (أنه)

(4)

صلى الله عليه وسلم لما ذكره لخديجة انطلقت لتسأل من عنده علم من الكتاب كعَدّاس ونسطور الراهب فقالا: قدوس قدوس ومن أين هذا الاسم (بهذِه)

(5)

البلاد

(6)

.

ثانيها: ذكر ابن إسحاق في "السيرة" رؤيته لجبريل عليهما السلام عند قوله: "اقرأ" وهو صاف قدميه

(7)

، وفي حديث جابر أنه رآه عَلَى

(1)

في (ج): عبد.

(2)

أورد السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 176 نحوه عن ابن عباس وعزاه لابن أبي حاتم والبيهقي في "الشعب" والخطيب في "المتفق والمفترق".

(3)

في (ج): الصلاح.

(4)

كذا بالأصل، ولعل الصواب: فإنه.

(5)

في الأصل هذا، والمثبت هو الصواب.

(6)

"الروض الأنف" 1/ 272 - 273.

(7)

"سيرة ابن إسحاق" ص 102 (140).

ص: 300

رفرف بين السماء والأرض، وفي رواية: واقفًا بينهما، وفي رواية: على عرش بين السماء والأرض

(1)

وفي رواية لمسلم: فإذا هو عَلَى العرش في الهواء

(2)

. وفي حديث البخاري الذي ذكره في آخر "الجامع" أنه حين فتر الوحي كان يأتي شواهق الجبال -أي: عاليها- يهم بأن يلقي نفسه منها فكان جبريل يتراءى لَهُ بين السماء والأرض فيقول له: يا محمد أنت رسول الله

(3)

.

ثالثها: نقلنا عن "السيرة" فيما مضى أن ورقة قَالَ: ليكذبنه وليؤذينه، وينبغي أن يعلم أنه لا ينطق بهذِه الهاء إلا ساكنة؛ لأنها هاء السكت وليست بهاء إضمار كما نبه عليه السهيلي

(4)

، وقال الخشني

(5)

: كذا الرواية وقد كان يحتمل أن يكون ضمير انتصب بالفعل.

رابعها: في "السيرة" من حديث عمرو بن شرحبيل أن الصديق دخل عَلَى خديجة وليس رسول الله، ثمَّ ذكرت خديجة لَهُ ما رآه فقالت: يا عتيق، اذهب مع محمد إلى ورقة. فلما دخل صلى الله عليه وسلم أخذ أبو بكر بيده فقال: انطلق بنا إلى ورقة. فقال: "ومش أخبرك؟ "، فقال: خديجة،

(1)

رواه مسلم (161/ 258). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي.

(2)

مسلم (161/ 257). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي.

(3)

سيأتي برقم (6982) كتاب: التعبير، باب: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة.

(4)

"الروض الأنف" 1/ 273.

(5)

هو الإمام الحافظ المتقن اللغوي العلامة، أبو الحسن، محمد بن عبد السلام بن ثعلبة الخشني الأندلسي القرطبي، صاحب التصانيف، أريد على قضاء الجماعة فامتنع، وتصدر لنشر الحديث، وكان أحد الثقات الأعلام، توفي الخشني سنة ست وثمانين ومائتين، وكان من أبناء الثمانين رحمه الله انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء" 13/ 459 (2271)، "تذكرة الحفاظ" 2/ 649.

ص: 301

فانطلقا إليه فقصا عليه، فقال:"إِذَا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد يا محمد، فأنطلق هاربًا في الأرض"، فقال له: لا تفعل إِذَا أتاك فاثبت حتَّى تسمع ما يقول ثمَّ ائتني فأخبرني، فلما خلا ناداه: يا محمد، قل:{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 1 - 2] حتَّى بلغ {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قل: لا إله إلا الله، فأتى ورقة فذكر ذَلِكَ له، فقال لَهُ ورقة: أبشر ثمَّ أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم، إنك عَلَى مثل ناموس موسى وإنك نبي مرسل وإنك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا ولئن أدركني ذَلِكَ لأجاهدن معك، فلما توفي ورقة قَالَ صلى الله عليه وسلم:"لقد رأيتُ القسَّ في الجَنَّةِ عليه ثياب الحرير، لأنه آمَنَ بي وصدَّقني"، يعني: ورقة

(1)

.

وروينا في "سير سليمان بن طرخان التيمي" أنها ركبت إلى بحيرا بالشام فسألته عن جبريل فقال لها: قدوس يا سيدة قريش، أنَّى لك بهذا الاسم؟ فقالت: بعلي وابن عمي أخبرني أنه يأتيه، فقال: ما علم به إلا نبي فإنه السفير بين الله وبين أنبيائه، وإن الشيطان لا يجترئ أن يتمثل به ولا أن يتسمى باسمه.

وفي "الأوائل" لأبي هلال من حديث سويد بن سعيد: حَدَّثَنَا الوليد بن محمد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن خديجة خرجت إلى الراهب وورقة وعداس فقال ورقة: أخشى أن يكون أحد شبه بجبريل فرجعت وقد نزل: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)} [القلم: 1] فلما قرأ صلى الله عليه وسلم هذا على ورقة قَالَ: أشهد أن هذا كلام الله. فيجمع بين هذِه الأخبار بأن خديجة رضي الله عنها ذهبت به مرة، وأرسلته مع

(1)

"سيرة ابن إسحاق" ص 112 - 113 (157).

ص: 302

الصديق أخرى وسافرت إلى بحيرا أو غيره مرة أخرى، وهذا لشدة اعتنائها بسيد المرسلين صلوات الله وسلامه (عليه)

(1)

.

خامسها: روى ابن إسحاق في "السيرة" من حديث عبد الله بن حسن بن حسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين أن خديجة أدخلته بين ثوبيها لتختبر الملك بذلك لنفسها لا لَهُ صلى الله عليه وسلم، وقيل: إن ورقة أمرها أن تختبر الأمر بذلك

(2)

.

سادسها: قوله فيما مضى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]، قَالَ أبو عبيدة المعنى: اقرأ اسم ربك والباء زائدة، قَالَ المفسرون يعني: اذكر اسمه مفتتحًا به قراءتك، وإنما قَالَ:{الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]؛ لأن الكفار كانوا يعلمون أنه الخالق دون أصنامهم، والإنسان ها هنا: ابن آدم، والعلق: جمع علقة وهي دم عبيط جامد، وقيل: إنما سميت علقة لرطوبتها وتعلقها بما تمر به، ولما كان الإنسان في معنى الجماعة ذكر العلق جمعًا، وقوله:{اقْرَأْ} [العلق: 3]، تكرير للتاكيد ثمَّ استأنف فقال:{وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} وهو الذي لا يوازيه كريم {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)} يعنى الكتابة، {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} هو: الخط والصنائع.

(1)

في (ف): عليهما.

(2)

"سيرة ابن إسحاق" ص 114.

ص: 303

‌4 - باب

4 -

قَالَ ابن شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرحمن ان جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأنصَارِيَّ قَالَ- وَهُوَ يحدث عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ فَقَالَ- فِي حَدِيثِهِ: "بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا المَلَكُ الذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ على كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)} إِلَى قَوْلهِ: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} فَحَمِيَ الوَحْيُ وَتَتَابَعَ. تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ وَأبو صَالِحِ. وَتَابَعَهُ هِلَالُ بْنُ رَدَّادٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ يُونُسُ وَمَعْمَر: بَوَادِرُة. [3238، 4922، 2923، 4924، 4925، 4926، 4954، 6214 - مسلم 161 - فتح 1/ 27]

الحديث الرابع:

قَالَ البخاري رحمه الله:

قَالَ ابن شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ -وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ فَقَالَ- فِي حَدِيثِهِ: "بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا المَلَكُ الذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْت: زَمِّلُو نِي. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} فَحَمِيَ الوَحْيُ وَتتابَعَ.

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث اتفقا عليه، أخرجه البخاري هنا وفي الأدب

(1)

، وفي التفسير أتم من هذا، وأوله عن يحيى بن أبي كثير قَالَ: سألت

(1)

سيأتي برقم (6214) باب: رفع البصر إلى السماء.

ص: 304

أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} [المدثر: 1] قُلْتُ: يقولون: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله عن ذَلِكَ قُلْتُ لَهُ مثل الذي قُلْتَ. فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حَدَّثَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"جاورت بحراء شهرًا فلما قضيت جواري" ثمَّ ذكر نحوه

(1)

. وقال في التفسير: حَدَّثَنَا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب ح، و (ثنا)

(2)

عبد الله بن محمد، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري أخبرني فذكره

(3)

، وأخرجه مسلم بالفاظ

(4)

.

ثانيها: في التعريف برجاله:

أما جابر بن عبد الله فهو أبو عبد الله ويقال: أبو محمد ويقال: أبو عبد الرحمن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام -بالحاء المهملة والراء-

(5)

بن عمرو بن شاردة بن تزيد -بالتاء المثناة فوق- بن جُشَم -بضم الجيم وفتح الشين المعجمة- بن الخزرج الأنصاري السلمي -بفتح السين واللام وحكي في لغة كسرها- المدني أحد الستة المكثرين.

رُوي لَهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم ألف حديث وخمسمائة حديث وأربعون حديثًا، أخرجا لَهُ مائتي حديث وعشرة أحاديث، اتفقا منها عَلَى ثمانية وخمسين، وانفرد البخاري بستة وعشرين، ومسلم بمائة وستة وعشرين، وهو من فضلاء الصحابة وكبارهم. روى عنه بنوه محمد

(1)

سيأتي برقم (4922). كتاب التفسير، سورة المدثر، باب (1).

(2)

في (ج): حدثني.

(3)

سيأتي برقم (4925) باب: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} .

(4)

مسلم (161) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(5)

في (ف): ابن حزام -بالحاء المهملة والزاي، وما أثبتناه من (ج)، وهو الصواب.

ص: 305

وعقيل وعبد الرحمن وغيرهم. شهد العقبة مع أبيه -يعني: الثانية- مع السبعين وكان أبوه أحد النقباء الاثني عشر، وكان جابر أصغرهم يومئذ.

وقال عن نفسه: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة لم أشهد بدرًا ولا أحدًا، منعني أبي. أخرجه مسلم

(1)

، واستغفر لَهُ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمسًا وعشرين مرة

(2)

، أمه نُسَيْبة بنت عقبة بن عدي.

مات بعد أن عمي سنة ثمان أو ثلاث أو أربع أو تسع وسبعين وقيل: سنة ثلاث وستين وكان عمره أربعًا وتسعين سنة، وصلى عليه أبان بن عثمان والي المدينة.

وكان أبيض الرأس واللحية يصفرهما بالورس. وكان يحفي شاربه ويؤم قومه وهو أعمى، وهو آخر الصحابة موتًا بالمدينة، وقال أبو نعيم: إنما هو آخر العقبيين موتًا بالمدينة

(3)

، وقال يعقوب بن

(1)

مسلم (1813) كتاب: الجهاد والسير، باب: عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

حديث رواه الترمذي (3852)، والطيالسي 3/ 297 - 298 (1840)، والنسائي في "الكبرى" 5/ 69 (8248)، وابن حبان 16/ 91 (7142)، والحاكم 3/ 565، وابن الأثير في "أسد الغابة" 1/ 308 من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر به.

قال الترمذي: حديث حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الألباني في "المشكاة" (6238): على شرط مسلم، وفيه عنعنة أبي الزبير اهـ. قلت: فلعله لهذِه العلة أشار إلى ضعفه في "ضعيف الترمذي".

ورواه أيضًا الطبراني في "الأوسط" 6/ 92 (5894)، "الصغير" 2/ 87 - 88 (832) من طريق جابر الجعفي عن أبي الزبير عن جابر به.

قلت: جابر ضعيف، قال الحافظ في "التقريب" (878): ضعيف رافضي.

(3)

"معرفة الصحابة" لأبي نعيم 2/ 529، انظر ترجمته في:"معجم الصحابة" للبغوي 1/ 438، و"معجم الصحابة" لابن قانع 1/ 136 (140)، "الاستيعاب" 1/ 292 - 293 (290)، "أسد الغابة" 3/ 307 - 308 (647)، "الإصابة" 1/ 213 (1026).

ص: 306

سفيان الفسوي

(1)

: آخرهم موتًا بالمدينة جابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سناد

(2)

، لا جابر هذا.

فائدة:

جابر بن عبد الله في الصحابة ثلاثة: هذان، وجابر بن عبد الله الراسبي، نزيل البصرة

(3)

، وأما جابر في الصحابة فأربعة وعشرون نفرًا.

فائدة ثانية:

جابر بن عبد الله في غير الصحابة خمسة:

أحدهم: سلمي يروي عن أبيه، عن كعب الأحبار.

ثانيهم: محاربي عنه الأوزاعى.

ثالثهم: غطفاني روى عن عبد الله بن الحسن العلوي.

رابعهم: مصري، عنه يونس بن عبد الأعلى.

(1)

هو الإمام الحافظ الحجة الرحال، محدث إقليم فارس، أبو يوسف، يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي، من أهل مدينة فسا، لهُ تاريخ كبير جم الفوائد، و"مشيخته" في مجلد، قال النسائي: لا بأس به، توفي في سنة سبع وسبعين ومائتين، مات قبل أبي حاتم الرازي بشهر.

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 9/ 208، "تهذيب الكمال" 32/ 324 (7088)، "سير أعلام النبلاء" 13/ 180 (106)، "شذرات الذهب" 2/ 171.

(2)

جابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن

سلمة الأنصاري السلمي. شهد بدرًا وأحدًا والخندق وسائر المشاهد.

انظر ترجمته في: "معجم الصحابة" للبغوي 1/ 449، و"معجم الصحابة" لابن قانع 12/ 139 (144)، و"الاستيعاب" 1/ 292 (289)، و"أسد الغابة" 1/ 306 - 307 (646).

(3)

انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 1/ 293 (291)، "أسد الغابة" 1/ 306 (645)، "الإصابة" 1/ 214 (1028).

ص: 307

خامسهم: يروي عن الحسن البصري وكان كذابًا.

فائدة ثالثة:

جابر يشتبه بجاثر -بالمثلثة بدل الموحدة-، وبخاتر -بخاء معجمة ثمَّ ألف ثمَّ مثناة فوق ثمَّ راء- فالأول: القبيلة التي بعث الله منها صالحًا وهم ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح وأخوه جَديس بن جاثر، والثاني: سابر خاتر مغن لَهُ أخبار وحكايات مشهورة.

وأما أبو سلمة فهو عبد الله أو إسماعيل -أو اسمه كنيته أقوال- بن عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الزهري المدني التابعي الإمام الجليل المتفق عَلَى إمامته وجلالته وثقته، وهو أحد الفقهاء السبعة عَلَى أحد الأقوال كما سلف في ترجمة عروة، سمع جمعًا من الصحابة والتابعين، وعنه خلائق من التابعين منهم الشعبي فمن بعدهم، قَالَ ابن سعد: كان ثقة فقيهًا كثير الحديث

(1)

.

وقال الزهري فيما حكاه ابن أبي خيثمة: كان (أبو سلمة)

(2)

يماري ابن عباس فحُرم من ذَلِكَ علمًا كثيرًا

(3)

.

وقال محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب: قدم علينا أبو سلمة وكان صبيحًا كأن وجهه دينار هرقلي

(4)

، أمه تُماضر -بضم التاء المثناة فوق وكسر المعجمة- بنت الأصبغ الكلبية من أهل دومة الجندل، وهي أول كلبية نكحها قرشي وهي التي طلقها عبد الرحمن بن عوف في

(1)

"الطبقات الكبرى" 5/ 157.

(2)

في (ف): الزهري، وما أثبتناه من (ج)، وهو الصواب.

(3)

"التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة 2/ 138.

(4)

رواه ابن سعد في "طبقاته" 5/ 156.

ص: 308

مرضه فورثها عثمان، وخالفه ابن الزبير.

وروى ابن سعد بإسناده أنه صلى الله عليه وسلم بعث عبد الرحمن بن عوف إلى كلب وقال له: "إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم أو سيدهم" فلما قدم عبد الرحمن دعاهم إلى الإسلام فاستجابوا وأقام من أقام عَلَى إعطاء الجزية، فتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الإصبغ بن عمرو ملكهم

(1)

، ولم تلد لعبد الرحمن غير أبي سلمة. مات بالمدينه سنة أربع وتسعين عن اثنتين وتسعين في خلافة الوليد، قَالَ ابن سعد: وهذا أثبت من قول من قَالَ: إنه توفي سنة أربع ومائة

(2)

. وأما الزهري فسلف في الحديث قبله.

فائدة:

هذا الإسناد كله مدنيون، وفيه أيضًا رواية تابعي عن تابعي.

الوجه الثالث: الأنصاري سلف في الحديث الأول بيان نسبة الأنصار وسبب تسميتهم.

الرابع: في ألفاظه ومعانيه وفوائده:

الأول: فترة الوحي احتباسه بعد متابعته وتواليه في النزول كما سلف في آخر الحديث قبله.

الثاني: قوله: ("بَيْنَا أَنَا أَمْشِي") قَالَ الجوهري: (بينا) فَعْلَى، أشبعت الفتحة فصارت ألفا ويزاد عليها (ما) فيقال: بينما والمعنى

(1)

"الطبقات الكبرى" 8/ 298.

(2)

انظر ترجمه أبي سلمة في: "الطبقات الكبرى" 5/ 157، "التاريخ الكبير" 5/ 130 (385)، "الجرح والتعديل" 5/ 93 (429)، "تهذيب الكمال" 33/ 370 (7409).

ص: 309

واحد تقول: بينا نحن نرقبه أتانا، وكان الأصمعي يخفض بعد بينا إِذَا صلح في موضعه بين، وغيره يرفع ما بعد بينا وبينما عَلَى الابتداء

(1)

.

الثالث: قوله: ("فَرُعِبْتُ مِنْهُ") هو بضم الراء وكسر العين ويجوز فتح الراء وضم العين قَالَ القاضي عياض

(2)

: قيده الأصيلي بهذا وغيره بالأول عَلَى ما لم يسم فاعله وهما صحيحان، حكاهما الجوهري

(3)

.

قالَ يعقوب: رَعُبَ، ورُعِبَ. واقتصر النووي في القطعة التي لَهُ على هذا الكتاب، عَلَى الأول وقال بعضهم: الرواية بضم العين واللغة بفتحها حكاه السفاقسي

(4)

، والرعب: الخوف، تقول: رعبته فهو مرعوب إِذَا أفزعته، ولا يقال: أرعبته، تقول: رَعَبَ الرجل على وزن فعل كضرب بمعنى خوفه، هذا إِذَا عديته فإن ضممت العين قُلْتَ: رَعُبْتُ منه وإن بنيته لما لم يسم فاعله ضممت الراء فقلت: رُعِبْتُ منه، وفي البخاري في التفسير

(5)

ومسلم هنا: "فجُئِثْتُ منه" بالجيم ثمَّ همزة مكسورة بعدها مثلثة

(6)

، قَالَ القاضي: كذا هو للكافة في الصحيحين، ولبعضهم بجيم ثمَّ مثلثتين قَالَ: ومعناها فرعبت

(1)

"الصحاح" 5/ 2084 - 2085، مادة (بين).

(2)

"مشارق الأنوار" للقاضي عياض 1/ 294.

(3)

"الصحاح"1/ 136.

(4)

هو العدل المعمر المسند الفقيه شرف الدين أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد السلام بن عتيق بن محمد التميمي السفاقسي، المالكي، ابن أخت الحافظ علي بن المفضل المقدسي، يقال: إنه ناب في القضاء بالثغر وقتًا، توفي سنة أربع وخمسين وستمائة. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء" 23/ 295 (202)، "الوافى بالوفيات" 2/ 352 (816)، "شذرات الذهب" 5/ 266.

(5)

سيأتي برقم (4925). كتاب: التفسير، سورة المدثر، باب: وثيابك فطهر.

(6)

مسلم (161/ 255). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي.

ص: 310

منه

(1)

، وفي بعض الروايات:("حتَى هويت إلى الأرض") أي: سقطت، أخرجها مسلم

(2)

، وفي بعضها "فأخذتني رجفة"

(3)

وهي كثرة الاضطراب، والمعنى في كلها متقارب.

الرابع: قوله: ("فَقُلْتُ زَمِّلونِي زَمِّلونِي") كذا هو في أكثر الأصول.

وفي بعضها: "زَمِّلُونِي" مرة، وللبخاري في التفسير

(4)

، ولمسلم أيضًا:"دثروني"

(5)

وهو كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الخامس: قوله ("فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} ") وهذا مما اغتر به جماعة فزعموا أن أول ما نزل من القرآن {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} وقد سلف بيان ذَلِكَ في الحديث قبله، وأنه أيضًا مما أنزل من القرآن أول.

قَالَ أبو حاتم ابن حبان في "صحيحه": ليس بين الخبرين تضاد إذ الله أنزل: {اقْرَأْ} [العلق:1] وهو في الغار بحراء، فلما رجع إلى بيته دثرته خديجة وصبت عليه الماء البارد، فأنزل عليه في بيتها:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)}

(6)

.

وكذا قَالَ أبو العباس القرطبي: إن حديث جابر أولى من حديث عائشة؛ إذ حديثها بحراء وحديثه بعد أن رجع إلى خديجة فدثروه

(7)

.

والمدثر والمزمل والمتلفف والمشتمل بمعنى، وسماه تعالى بذلك

(1)

"إكمال المعلم" 1/ 490 - 491.

(2)

مسلم (161/ 256). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي.

(3)

مسلم (161/ 257). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي.

(4)

سيأتي برقم (4922، 4924).

(5)

مسلم (161/ 257). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي.

(6)

"صحيح ابن حبان" 1/ 221.

(7)

"المفهم" 1/ 376 - 377.

ص: 311

إيناسًا وتلطفا، ثمَّ الجمهور عَلَى أن معناه: المدثر بثيابه. وحكى الماوردي عن عكرمة أن معناه: المدثر بالنبوة وأعبائها

(1)

.

ومعنى: {قُمْ فَأَنْذِرْ (2)} : حذر العذاب من لم يؤمن، وفيه دلالة على أنه أمر بالإنذار عقب نزول الوحي؛ للإتيان بفاء التعقيب، وإنما أمر بالإنذار دون البشارة وهو صلى الله عليه وسلم قد أرسل بشيرًا ونذيرًا؛ لأن البشارة إنما تكون لمن دخل في الإسلام ولم يكن إذ ذاك من دخل فيه، {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} [المدثر: 3]، أي: عَظّمه ونَزّهه عما لا يليق به.

{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4]، إما من النجاسة -عَلَى مذهب الفقهاء- وإما تقصيرها، وقيل المراد بالثياب: النفس أي: طهرها من كل نقص أي: اجتنب النقائص.

{وَالرُّجْزَ} بكسر الراء في قراءة الأكثرين، وقرأ حفص عن عاصم بضمها

(2)

، وهي: الأوثان في قول الأكثر، وفي مسلم التصريح به

(3)

، وفي التفسير عن أبي سلمة التصريح به

(4)

، وقيل: الشرك وقيل: الذنب وقيل: الظلم، وأصل الرجز في اللغة: العذاب، وسمي عبادة الأوثان وغيرها من أنواع الكفر رجزًا؛ لأنه سبب العذاب.

السادس: قوله: (فَحَمِيَ الوَحْيُ وَتَتَابَعَ) هما بمعنى فأكد أحدهما بالآخر، وحَمِي -بفتح الحاء وكسر الميم- معناه: كثر نزوله وازداد من قولهم: حميت النار والشمس أي: كثرت حرارتها، ومنه قولهم: حمي الوطيس. والوطيس: التنور، استعير للحرب، وإنما عبرت

(1)

"تفسير الماوردي" 6/ 135. وروى الطبري نحوه مسندًا 12/ 297 (3/ 353).

(2)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 338.

(3)

مسلم 161/ 255. كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي.

(4)

سيأتي (4926). كتاب التفسير، سورة المدثر، باب: قوله: والرجز فاهجر.

ص: 312

بقولها: فحمي تتميمًا منها للتمثيل الذي مثلت به أولًا، وهو كونها جعلت الرؤيا كمثل فلق الصبح؛ فإن الضوء لا يشتد إلا مع قوة الحر وألحقت ذَلِكَ بقولها: وتتابع، لئلا يقع التمثيل بالشمس من كل الجهات؛ لأن الشمس يلحقها الأفول والكسوف ونحوهما وشمس الشريعة باقية عَلَى حالها لا يلحقها نقص.

السابع: قوله: ("فَإِذَا المَلَكُ الذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ") الكرسي معروف، وضَمُّ كافِهِ أفصح، والأشهر من كسرها، وجمعه: كراسي بتشديد الياء وتخفيفها لغتان، وكذا كل ما كان من هذا النحو مفرده مشددًا جاز في جمعه التشديد والتخفيف كسرية وعارية ونظائرهما، كما نبه عليه ابن السكيت

(1)

في "إصلاحه"، ورواية العرش التي أسلفناها في أواخر الحديث الذي قبله يفسرها الكرسي المذكور.

وقال أهل اللغة: العرش: السرير، وقال الماوردي في "تفسيره": أصل الكرسي: العلم، ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم: كراسة

(2)

.

وقيل في قوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} [البقرة: 255]، أي: علمه

(3)

، من

(1)

هو شيخ العربية، أبو يوسف، يعقوب بن إسحاق بن السكيت البغدادي النحوي المؤدب، له كتاب "إصلاح المنطق" ديِّن خَيِّرٍ، حجة في العربية، وله من التصانيف نحو من عشرين كتابًا. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 14/ 273، "وفيات الأعيان" 6/ 395، "سير أعلام النبلاء" 12/ 16 (2)، "شذرات الذهب" 2/ 106.

(2)

"تفسير الماوردي" 1/ 325.

(3)

رواه ابن جرير في "تفسيره" 3/ 11 (5788)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 490 - 491 (2599)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 1/ 308 - 309 (233)، من طريق جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: =

ص: 313

قولهم: كرس الرجل إِذَا ازدحم علمه على قلبه، وقرأ طاوس كرسيه بالكسر

(1)

.

الثامن: قوله: ("جَالِسٌ") كذا الرواية في البخاري، وفي مسلم "جالسًا"

(2)

، قَالَ النووي: كذا هو في الأصول وهو منصوب على الحال

(3)

.

التاسع: قَالَ القاضي: في هذا الحديث تحقيق العلم بتصور الملائكة على صور مختلفة وإقدار الله لهم عَلَى التركيب في أي شكل شاءوا من صور بني آدم وغيرهم، وأن لهم صورًا في أصل خلقهم مخصوصة بهم، كل منهم عَلَى ما خلق عليه

(4)

. وقد جاء في مسلم عن ابن مسعود في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} [النجم: 13] قَالَ: رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح

(5)

. وذكره البخاري في

= {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} [البقرة: 255] قال: كرسيه علمه، قلت: وزاد السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 580 عزوه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(1)

وهي إحدى روايات يعقوب {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} . انظر "مختصر في شعراء القرآن" لابن خالويه ص 22.

(2)

مسلم (161/ 255). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي.

(3)

"مسلم بشرح النووي" 2/ 209.

(4)

"إكمال المعلم" 1/ 493.

(5)

مسلم (174) كتاب: الإيمان، باب: في ذكر سدرة المنتهى. لكن بدون ذكر هذِه الآية، بل ذكر مسلم قول ابن مسعود ثلاث مرات في كل مرة آية غير التي ذكر وهذِه الآيات هي:{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم: 9]، {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)} [النجم: 11]، {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم: 18]، أما ماذكره المصنف من أنها {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} [النجم: 13] فقد جاءت عند أحمد: 1/ 412، 460، 6/ 241، والبزار في "مسنده" 5/ 207 (1809)، وأبي يعلى فى "مسنده" 9/ 243 - 244 (5360)، والشاشى فى "مسنده" 2/ 125 (662)، والطبراني في "الكبير" 9/ 217 (9055) وروى مسلم (175) من حديث أبي هريرة في قوله تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى. قال رأى جبريل.

ص: 314

بدء الخلق أيضًا

(1)

، قَالَ العلماء: رآه على هذِه الصورة مرتين، قَالَ تعالى:{رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1] قَاَل اهل التفسير: أى فى خلق الملائكه فى الأجنحة كجبريل ونحوه من الملائكة، وكذا جاء في إلبخاري في بدء الخلق، عن ابن مسعود أيضًا في قوله تعالى:{قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] قال: رأى جبريل له ستمائة جناح

(2)

. وفي حديث عائشة: رأى جبريل سادًّا ما بين الأفق

(3)

.

العاشر: فيه إظهار لقدرة الله تعالى؛ إذ جعل الهواء للملائكة يتصرفون فيه كيف شاءوا، كما جعل الأرض لبني آدم يتصرفون فيها كيف شاءوا، فهو ممسكهما بقدرته وأراه ذلك بقوته له؛ حتَّى يرجع إلى عين اليقين

(4)

.

قَالَ البخاري رحمه الله: تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو صَالِحٍ.

وَتَابَعَهُ هِلَال بْنُ رَدَّادٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ: بَوَادِرُهُ.

الكلام عليه من وجوه:

الأول:

الضمير في: (تابعه) أولًا، يعود عَلَى يحيى بن بكير شيخ البخارى،

(1)

سيأتي برقم (3232) باب: إذا قال أحدكم: آمين.

(2)

سيأتي برقم (3232). باب: إذا قال أحدكم: آمين.

(3)

سيأتي برقم (3234) كتاب: بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم: آمين، ورواه مسلم (177) كتاب: الإيمان، باب: معنى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليله الإسراء؟

(4)

بهامش (ف): بلغ إبراهيم بن محمد الحلبي قراءة على المصنف بالمدرسة الشافعية وسمعه الحاضري وابن المصنف نور الدين والعاملي وابن رمح والبرموي [

]، علاء الدين الحموي والفخر الرَّازي ومحب الدين ومحمد الميدومي وآخرون.

ص: 315

ومعناه: أن عبد الله وأبا صالح تابعا يحيى بن بكير. فرواه عن الليث ثلاثة يحيى وعبد الله وأبو صالح، والضمير في قوله:(وتابعه) ثانيًا يعود على عقيل أي: تابع هلال عقيلًا، رواه عن الزهري أيضًا، وهو متابعتان (في مرتين)

(1)

، والمتابعة الأولى أقوى كما أسلفناه في الفصول أول هذا الشرج.

وطريقتك في معرفة المتابعة الأولى: أن تنظر طبقة المتابع -بكسر الباء- فتجعله متابعًا لمن هو في طبقته؛ بحيث يكون صالحًا لذلك، ولهذا لم يُسم البخاري هنا المتابع عليه بخلاف الثانية فإنه سماه.

الثاني:

قوله: (وَقَالَ يُونسُ وَمَعْمَرٌ: بَوَادِرُةُ.) مراده: أن أصحاب الزهري اختلفوا في هذِه اللفظة، فروى عقيل، عن الزهري في الحديث: يرجف فؤاده. كما سلف

(2)

، وتابعه عَلَى هذِه اللفظة هلال بن رداد

(3)

، وخالفه يونس ومعمر فرويا عن الزهري: ترجف بوادره

(4)

.

الثالث: في التعريف بأحوال هؤلاء الرواة:

وقد سلف التعريف بالزهري في الحديث الثالث، وبعبد الله بن يوسف في الحديث الثاني.

(1)

سقط من (ج).

(2)

الحديث السالف (3)، وسيأتي أيضًا برقم (3392) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب 2:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا} . وكذا رواه مسلم 160/ 254.

(3)

روى هذِه المتابعة الحافظ في "تغليق التعليق" 2/ 15 بسنده من طريق الذهلي، وقال في "الفتح" 1/ 28: حديث هلال بن رداد في "الزهريات" للذهلي.

(4)

رواية يونس ستأتي برقم (4953) كتاب: التفسير، ورواها مسلم (160/ 253).

ص: 316

وأما أبو صالح فاسمه عبد الغفار بن داود بن مهران بن زياد بن داود بن ربيعة بن سليمان بن عمير البكري الحراني، ولد بإفريقية سنة أربعين ومائة، وخرج به أبوه وهو طفل إلى البصرة، وكانت أمه من أهلها، فنشأ بها وتفقه وسمع الحديث من حماد بن سلمة، ثم رجع إلى مصر مع أبيه فسمع من الليث بن سعد وابن لهيعة وغيرهما، وسمع بالشام إسماعيل بن عياش، و (بالجزيرة)

(1)

موسى بن أعين، واستوطن مصر وحدث بها فروى عنه جماعة من أهلها ومن الغرباء، وكان يكره أن يقال له: الحراني، وإنما قيل له: الحراني؛ لأن أخويه عبد الله وعبد الرحمن ولدا بها ولم يزالا بها، وحران مدينة بالجزيرة من ديار بكر، سميت بحران بن آزر أخي إبراهيم عليه السلام

(2)

. روى عنه يحيى بن معين والبخاري. وروى أبو داود عن رجل عنه وخرج له النسائي، وابن ماجه أيضًا. مات بمصر سنة أربع وعشرين ومائتين

(3)

.

فائدة:

أبو صالح في الرواة في مجموع الكتب الستة بزيادة أربعة عشر، هذا وأبو صالح الأشعري الشامي، وأبو صالح الأشعري أيضا ويقال: الأنصاري، وأبو صالح الجهني المصري -كاتب الليث بن سعد- اسمه عبد الله بن صالح -وأبو صالح الحارثي، وأبو صالح الحنفي اسمه عبد الرحمن بن قيس، ويقال: إنه ماهان، وأبو صالح الخوزي لا نعرف اسمه، وأبو صالح السمان ذكوان، وأبو صالح الغفاري

(1)

في (ج): بالحيرة.

(2)

انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 435، "معجم البلدان" 2/ 235 - 236.

(3)

انظر: ترجمته في "التاريخ الكبير" 6/ 121 (1904)، "الجرح والتعديل" 6/ 54 (289)، "الثقات" 8/ 421، "تهذيب الكمال" 18/ 225 - 228 (3486).

ص: 317

سعيد بن عبد الرحمن، وأبو صالح المكي محمد بن زنبور، روى عن عيسى بن يونس، وأبو صالح مولى طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي، وأبو صالح مولى عثمان بن عفان، وأبو صالح مولى ضباعة اسمه مينا، وأبو صالح مولى أم هانى اسمه باذان، وكلهم تابعيون خلا ابن زنبور وكاتب الليث، وبعضهم عدَّ الأخير صحابيًّا وله حديث رواه الحسن بن سفيان

(1)

في "مسنده"، وليس في الصحابة على تقديرها من يكتني بهذِه الكنية غيره، واحترزت بقولي: في الكتب الستة بزيادة عن أبي صالح الواقع في غيرها فإنهم جماعات فوق العشرة وقد بين ذَلِكَ الرامهرمزي في "فاصله"

(2)

.

وأما هلال بن رداد

(3)

فبراء في أوله وبدالين الأولى مشددة، وهو طائي حمصي الكناني الكاتب، أخرج له البخاري هنا متابعة لعقيل، وليس لَهُ ذكر في البخاري إلا في هذا الموضع ولم يخرج لَهُ باقي الكتب الستة، روى عن الزهري، وعنه ابنه أبو القاسم محمد. قَالَ الذهلي: كان كاتبًا لهشام، ولم يذكره البخاري في "تاريخه"، ولا ابن

(1)

هو الحسن بن سفيان ابن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء، الإمام الحافظ الثبت، أبو العباس الشيباني الخراساني النسوي، صاحب "المسند" ولد سنة بضع وثمانين ومائتين، وهو أسن من بلديه الإمام أبي عبد الرحمن النسائي، وماتا معًا في عام، قال الحاكم: كان الحسن بن سفيان -محدث خراسان في عصره- مقدمًا في الثبت والكثرة والفهم والفقه والأدب، وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الرازي: ليس للحسن في الدنيا نظير. انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 3/ 16، "سير أعلام النبلاء" 14/ 157 (92)، "الوافي بالوفيات" 12/ 32.

(2)

"المحدث الفاصل" ص 287 - 293.

(3)

انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 30/ 333 (6617)، "ميزان الاعتدال" 5/ 438 (9266)، "لسان الميزان" 5/ 416 (8227).

ص: 318

أبي حاتم في كتابه، وإنما ذكر ابن أبي حاتم ولده محمدًا

(1)

، وليس لَهُ ذكر في الكتب الستة، قَالَ ابن أبي حاتم: هلال بن رداد مجهول. ولم يذكره الكلاباذي في رجال الصحيح رأسا.

وأما يونس فهو أبو يزيد يونس بن يزيد، ويقال بعد يزيد: ابن مشكان بن أبي النجاد -بكسر النون- الأيلي -بفتح الهمزة وبالمثناة- القرشي مولى معاوية بن أبي سفيان، وأخو أبي علي بن يزيد، وعم عبسة بن خالد بن يزيد سمع خلقًا من التابعين، منهم: القاسم وعكرمة وسالم ونافع والزهري وغيرهم، وعنه الأعلام جرير بن حازم وهو تابعي فهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، والأوزاعي والليث وخلق، وكان الزهري إِذَا قدم أيلة نزل عليه وإذا سار إلى المدينة زامله يونس، وقال أحمد: ما أجد أعلم بحديث الزهري من معمر إلا ما كان من يونس فإنه كتب كل شيء.

وقال يحيى: يونس أسند من معمر وهما ثقتان وكان معمر أَجَل، وفي رواية عنه: يونس أسند من الأوزاعي -يعني: عن الزهري- وقال يحيى أيضًا: أثبت الناس في الزهري مالك ومعمر ويونس وعقيل وشعيب وابن عيينة، وقال أحمد بن صالح: نحن لا نقدم في الزهري على يونس أحدًا. وأما وكيع فقال: ذاكرت يونس بأحاديث الزهري المعروفة فجهدت أن يقيم لي حديثًا فما أقامه، وفي لفظ: فلم يكن يحفظ. حكاه العجلي

(2)

.

(1)

"الجرح والتعديل" 8/ 116 (515) حيث قال: محمد بن هلال بن رداد الكناني الشامي، سمع أباه، سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو مجهول.

(2)

"معرفة الثقات" للعجلي 2/ 380، والعجلي هو الإمام الحافظ الأوحد الزاهد، أبو الحسن، أحمد بن عبد الله بن صالح بن مسلم، العجلي الكوفي، نزيل مدينة =

ص: 319

وقال خالد بن نزار

(1)

فيما حكاه المنتجالي: كان الأوزاعي يحصي على يونس بن يزيد. مات سنة تسع وخمسين ومائة بمصر، روى له الجماعة

(2)

.

فائدة:

في يونس ستة أوجه بتثليث النون مع الجمزة وعدمه، والضم بلا همز أفصح

(3)

.

وأما معمر فهو أبو عروة معمر بن أبي عمرو، راشد الحداني الأزدي مولاهم عالم اليمن شهد جنازة الحسن البصري، وسمع خلقًا من التابعين منهم: عمرو بن دينار وأيوب وقتادة، وعنه جماعات من التابعين منهم: عمرو بن دينار وأبو إسحاق السبيعي وأيوب ويحيى بن أبي كثير وهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، وعنه أيضا جماعات غيرهم منهم: ابن جريج وشعبة وابن المبارك، قَالَ عبد الرزاق: سمعت منه عشرة آلاف حديث، وآخر من حدث عنه محمد بن كبير

= طرابلس المغرب، قال بعض العلماء: لم يكن له بالمغرب شبيه، ولا نظير في زمانه في معرفة الغريب وإتقانه، وفي زهده وورعه، وسئل ابن معين عنه فقال: هو ثقة ابن ثقة. توفي سنة إحدى وستين ومائتين. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 4/ 214، "سير أعلام النبلاء" 12/ 505 (185)، "الوافي بالوفيات" 7/ 79.

(1)

هو ابن المغيرة بن سليم الغساني مولاهم، أبو يزيد الأيلي، والد طاهر بن خالد بن نزار، روى له أبو داود والنسائي، توفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين. انظر:"تهذيب الكمال" 8/ 184 (1657).

(2)

انظر ترجمة يونس في: "الطبقات الكبرى" 7/ 520، "التاريخ الكبير" 8/ 406 (3496)، "معرفة الثقات" للعجلي 2/ 379 (2068)، "الجرح والتعديل" 9/ 247 (1042)، "تهذيب الكمال" 32/ 551 (7188).

(3)

ذكره النووي في "شرح مسلم" 1/ 74.

ص: 320

الصنعاني. قَالَ معمر: جلست إلى قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة فما سمعت منه حديثًا إلا كأنه ينقش في صدري. ولما دخل معمر اليمن كرهوا أن يخرج من بينهم فقال رجل: قيدوه فزوجوه. مات باليمن سنة أربع أو ثلاث أو اثنتين وخمسين ومائة، عن ثمان وخمسين سنة، وقيل: مات سنة خمسين ومائة.

وقال أبو القاسم الطبراني

(1)

: كان معمر بن راشد وسلم بن أبي الذيال فقدا فلم ير لهما أثر

(2)

، قَالَ الخطيب: حدث عنه عمرو بن دينار المكي وعبد الرزاق بن همام وبين وفاتيهما ست -وقيل: خمس- وثمانون سنة

(3)

، ثم أعلم أن معمرًا له أوهام معروفة احتملت له في سعة ما أتقن، قَالَ أبو حاتم: صالح الحديث وما حدث به بالبصرة ففيه أغاليط

(4)

، وضعفه يحيى بن معين في روايته عن ثابت

(5)

.

(1)

هو الإمام الحافظ الثقة الرحال الجوال، محدث الإسلام، أبو القاسم، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة، كان ممن كتب عمن أقبل وأدبر، وبرع في هذا الشأن، وجمع وصنف وعمر دهرًا طويلًا، وازدحم عليه المحدثون، ورحلوا إليه من الأقطار، من تصانيفه:"السنة" و"الدعاء" و"مسند شعبة" ومسند الشاميين" ولم يزل حديث الطبراني رائجًا نافقًا مرغوبًا فيه. توفي لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ستين وثلاث مائة. انظر ترجمته في: "المنتظم" 7/ 54، "وفيات الأعيان" 2/ 407، "سير أعلام النبلاء" 16/ 119 (86)، "شذرات الذهب" 3/ 30.

(2)

"المعجم الكبير" 11/ 156 عقب حديث (11348).

(3)

"السابق واللاحق" للخطيب البغدادي ص 317 (193) ط. الصميعي.

(4)

"الجرح والتعديل" 8/ 257.

(5)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 546، "التاريخ الكبير" 7/ 378. (1631)، "الجرح والتعديل" 8/ 257 (1165)، "ثقات ابن حبان" 7/ 484، "تهذيب الكمال" 28/ 303 (6104).

ص: 321

فائدة:

ليس في الصحيحين معمر بن راشد غير هذا بل ليس فيهما من اسمه معمر غيره، نعم في "صحيح البخاري" معمر بن يحيى بن سام الضبي وقيل: إنه بتشديد الميم روى له البخاري حديثًا واحدًا في الغسل

(1)

، وفي الصحابة معمر ثلاثة عشر

(2)

، وفي الرواة معمر في الكتب الأربعة ستة

(3)

، وفيها مُعَمَّر بالتشديد يخلف خمسة

(4)

، وفي غيرها خلق: معمر بن بكار شيخ لمُطَيَّن في حديثه وهم

(5)

، ومعمر بن

(1)

سيأتي برقم (256) باب: من أفاض على رأسه ثلاثًا، وستأتي ترجمة معمر بن يحيى هناك- إن شاء الله.

(2)

منهم: معمر الأنصاري، ومعمر بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد، ومعمر بن الحارث بن معمر، ومعمر بن حبيب، ومعمر بن حزم بن زيد النجاري، ومعمر والد أبي جزامة السعدي، ومعمر بن أبي سرح بن ربيعة، ومعمر بن عبد الله بن نضلة، ومعمر بن عثمان، ومعمر بن كلاب، ومعمر غير منسوب، ومعمر بن رباب بن حذيفة الجمحي، ومعمر بن عبد الله بن عامر بن إياس. وانظر تراجمهم مفصلة في:"أسد الغابة" 5/ 234 - 237 (5033 - 5043)، و"الإصابة" 3/ 448 - 449 (8144 - 8155).

(3)

هم: معمر بن أبي حبيبة، ومعمر بن راشد الأزدي، ومعمر بن عبد الله بن حنظلة، ومعمر بن المثنى، ومعمر بن مخلد الجزري، ومعمر بن يحيى بن سام. وانظر تراجمهم في:"تهذيب الكمال" 28/ 302 - 314، 316 - 323 (6103 - 6105، 6107 - 6109).

(4)

هم: مُعَمَّر بن سليمان النخعي، ومُعَمَّر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، ومُعَمَّر بن يعمر الليثي، هؤلاء ثلاثة لا خلاف أنهم مُعَمَّر بالتشديد، أما مُعَمَّر بن مخلد السروجي، ومُعَمَّر بن يحيى بن سام، فاختلف فيهما، فقيل: مَعْمَر، بالتخفيف، وقد مر ذكرهما في مَعْمَر بالتخفيف، وقيل: بالتشديد، وكذا ذكرهما صاحب "تهذيب الكمال" بالتخفيف والتشديد، انظر تراجمهم في:"تهذيب الكمال" 28/ 326 - 331 (6110 - 6112).

(5)

انظره في "ميزان الاعتدال" 5/ 278 (8680)، و"لسان الميزان" 6/ 68 (8565).

ص: 322

الحسن الهذلي مجهول وحديثه منكر

(1)

، ومعمر بن زائدة لا يتابع على حديثه

(2)

، ومعمر بن زيد مجهول

(3)

، ومعمر بن أبي سرح مجهول

(4)

، ومعمر بن عبد الله، عن شعبة لا يتابع عَلَى حديثه

(5)

، وغير ذَلِكَ مما ذكرته في "مشتبه النسبة"

(6)

.

فائدة ثانية:

هاتان المتابعتان اشتملتا على مدني ومصري وحمصي ويمني كما أوضحته لك.

الوجه الرابع:

البوادر بفتح الباء الموحدة جمع بادرة وهي: اللحمة التي بين المنكب والعنق تضطرب عند فزع الإنسان، قَالَ أبو عبيدة: تكون من الإنسان وغيره، وقال الأصمعي: الفريصة: اللحمة التي بين الجنب والكتف، التي لا تزال ترعد من الدابة وجمعها فرائص.

وقال ابن سيده في "المخصص": البادرتان من الإنسان لحمتان فوق

(1)

انظره في: "الكامل" لابن عدي 6/ 427 (1904)، "الميزان" 5/ 278 (8681)، "لسان الميزان" 6/ 68 (8566).

(2)

انظره في: "ميزان الاعتدال" 5/ 279 (2683)، "لسان الميزان" 6/ 68 (8567).

(3)

انظره في: "التاريخ الكبير" 8/ 378 (1630)، "ميزان الاعتدال" 5/ 279 (8684)، "لسان الميزان" 6/ 68 (8568).

(4)

انظره في: "الجرح والتعديل" 8/ 255 (1161)، "ميزان الاعتدال" 5/ 280 (2685)، "اللسان" 6/ 68 (8569).

(5)

انظره في: "ميزان الاعتدال" 5/ 280 (8688)، "لسان الميزان" 6/ 68 (8572).

(6)

في باب (مَعْمَر ومُعَمَّر) انظر: "المؤتلف والمختلف" للدارقطني 4/ 2024 - 2027، "الإكمال" لابن ماكولا 7/ 269 - 270، "توضيح المشتبه" لابن ناصر الدين 8/ 222 - 225.

ص: 323

الرغثاوين وأسفل الثندوة. قَالَ: وقيل: هما جانبا الكركرة، وقيل: هما عرقان يكتنفانها

(1)

، قَالَ: والبادرة من الإنسان وغيره. وقال في "أماليه": ليست للشاة بادرة، ومكانها صردغة للشاة وهما الأوليان تحت صليفي العنق لا عظم فيها، وادعى الداودي أن البوادر والفؤاد واحد، والذي عند أهل اللغة ما سقناه.

وحين انقضى الكلام عَلَى حديث عائشة وجابر في بدء الوحي فلنختمه بدرر التقتطها من بحر سيدي أبي محمد عبد الله بن سعد بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي بلدي، والدي تغمدهما الله برحمته، وهو حديث اشتمل على أحكام وآداب وقواعد من أصول الدين والسلوك والترقي:

والدرة الأولى: أن الهداية منه لا بسبب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جبل عَلَى الخير ابتداء من غير أن يكون معه من يحرضه عليه فحبب إليه الخلاء، لأنها عبادة.

الثانية: مداومة العبادة لتحنثه الليالي.

الثالثة: أن التبتل الكلي والانقطاع الدائم ليس من السنة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينقطع في الغار وترك أهله.

الرابعة: أن العبادة لا تكون إلا مع إعطاء الحقوق الواجبة وتوفيتها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يرجع إلى أهله إلا لإعطاء حقهم، فكذا غيره من الحقوق.

الخامسة: أن الرجل إِذَا كان صالحًا في نفسه تابعًا للسنة يرجى (أن)

(2)

الله تعالى يؤنسه بالمرائي الحميدة إِذَا كان في زمان مخالفة وبدع.

(1)

انظر: "تاج العروس" 6/ 63.

(2)

في (ج): من.

ص: 324

السادسة: أن البداءة ليست كالنهاية؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أول ما بدئ في نبوته بالمرائي ثم ترقى حتَّى جاءه الملك يقظة، ثمَّ ما زال في الترقي حتَّى كان كقاب قوسين أو أدنى. كذلك الأتباع يترقون في مقام الولايات ما عدا مقام النبوة حتَّى ينتهوا إلى مقام المعرفة والرضا، فمن نال مقامًا فدام عليه بأدبه ترقى إلى ما هو أعلى منه، ويشهد لذلك ما حكي عن بعضهم أنه ما زال في الترقي إلى أن سرى سره من سماء إلى سماء إلى قاب قوسين أو أدنى فنودي: هنا سري بذات محمد السنية حيث سري بسرك

(1)

.

(1)

هذا الكلام مردود، وهو من شطحات الصوفية، وما يلبسه الشيطان عليهم، فهم يقولون: إنه ينبغي للمريد أن يختلي بنفسه مدة معينة، كأربعين يومًا مثلما واعد الله موسى عليه السلام، ثم بعد ذلك يحصل الخطاب والتنزل، كما يقولون في غار حراء: حصل بعده نزول الوحي.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 10/ 394 - 395: وهذا غلط فإن هذِه ليست شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، بل شرعت لموسى عليه السلام كما شرع له السبت، والمسلمون لا يسبتون، فهذا تمسك بشرع منسوخ، وكذلك تمسك بما كان قبل النبوة.

وقد جرب أن من سلك هذِه العبادات البدعية أتته الشياطين، وحصل له تنزل شيطاني، وخطاب شيطاني، وبعضهم يطير به شيطانه، وأعرف من هؤلاء عددًا طلبوا أن يحصل لهم من جنس ما حصل للأنبياء من التنزيل فنزلت عليهم الشياطين: لأنهم خرجوا عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم التي أمروا بها أهـ.

وقال أيضا في 10/ 396 - 397: وأما ذكر الاسم المفرد فبدعة لم يشرع، وليس هو بكلام يعقل، ولا فيه إيمان، ولهذا صار بعض من يأمر به من المتأخرين يبين أنه ليس قصدنا ذكر الله تعالى، ولكن جمع القلب على شيء معين حتى تستعد النفس لما يرد عليها، فكان يأمر مريده بأن يقول هذا الاسم مرات، فإذا اجتمع قلبه أُلقي عيه حالًا شيطانيًّا فيلبسه الشيطان، ويخيل إليه أنه قد صار في الملأ الأعلى، وأنه أعطي ما لم يعطه محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ولا موسى عليه السلام يوم الطور، وهذا وأشباهه وقع لبعض من كان في زماننا أهـ.

ص: 325

السابعة: أن المربي أفضل من غيره.

الثامنة: أن الأولى بأهل البداءة الخلوة والاعتزال ولما صار مآله صلى الله عليه وسلم إلى ما صار كان إِذَا سجد غمز أهله فتضم رجلها حيث سجد.

التاسعه: أن الخلوة عون الإنسان عَلَى تعبده وصلاحه

(1)

.

العاشرة: مشروعية التسبب في الزاد لدخول الخلوة أو المعتكف، إظهار لوصف العبودية وفي مخالفته نوع ادعاء، ولهذا كان بعض أهل الطريق إِذَا دخل خلوته أخذ رغيفًا وألقاه تحت وسادته، وواصل

(1)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 10/ 393 - 394: وأما الخلوات فبعضهم يحتج فيها بتحنثه بغار حراء قبل الوحي، وهذا خطأ فإن ما فعله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، إن كان قد شرعه بعد النبوة فنحن مأمورون باتباعه فيه، وإلا فلا.

وهو من حين نبأه الله تعالى لم يصعد بعد ذلك إلى غار حراء، ولا خلفاؤه الراشدون، وقد أقام صلوات الله عليه بمكة قبل الهجرة بضع عشرة سنة، ودخل مكة في عمرة القضاء، وعام الفتح أقام بها قريبًا من عشرين ليلة، وأتاها في حجة الوداع، وأقام بها أربع ليالٍ، وغار حراء قريب منه ولم يقصده، وذلك أن هذا كانوا يأتونه في الجاهلية، لأنه لم تكن لهم هذِه العبادات الشرعية التي جاء بها بعد النبوة صلوات الله عليه، كالصلاة والاعتكاف في المساجد، فهذِه تغني عن إتيان حراء بخلاف ما كانوا عليه قبل نزول الوحي. أهـ.

ثم قال في 10/ 396: وأصحاب الخلوات فيهم من يتمسك بجنس العبادات الشرعية: الصلاة والصيام والقراءة والذكر، وأكثرهم يخرجون إلى أجناس غير مشروعة أهـ.

وقال في 10/ 403: ومما يأمرون به الجوع والسهر والصمت مع الخلوة بلا حدود شرعية، بل سهر مطلق، وجوع مطلق، وصمت مطلق مع الخلوة -كما ذكر ذلك ابن عربي وغيره- وهي تولد لهم أحوالًا شيطانية أهـ.

وقال في 10/ 404: فأما الخلوة والعزلة والانفراد المشروع فهو ما كان مأمورًا به أمر إيجاب أو استحباب، فالأول كاعتزال الأمور المحرمة ومجانبتها، وأما اعتزال الناس في فضول المباحات وما لا ينفع، وذلك بالزهد فيه فهو مستحب أهـ.

ص: 326

أيامًا. ولأن في اتخاذه أيضًا قطع تشوف النفس وقلقها والفيض من الله.

الحادية عشرة: أن المرء إذا خرج لتعبده يُعلِم أهله؛ لأنه معرض هو وهم للآفات، ولأن فيه إدخال السرور عليهم (بإعلامه لهم)

(1)

، وفيه أيضًا الإعلام بموضعه ليرافق في التعبد والانقطاع.

الثانية عشرة: أن الشغل اليسير الضروري لا يكون قاطعًا للعبادة؛ لأنها أخبرت أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحنث الليالي ولم تذكر ذَلِكَ في رجوعه إلى أهله، فدل عَلَى أن ذَلِكَ هو الكثير.

الثالثة عشرة: جواز التورية، وهي إظهار شيء والمراد خلافه إِذَا كان فيه مصلحة؛ لأن جبريل كان يعلم أنه صلى الله عليه وسلم غير قارئ، ولكن قَالَ له ذَلِكَ؛ ليتوصل به إلى ما يريد من الغط كما سلف، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم إِذَا خرج إلى جهة ورى بغيرها، ولو كان غطه له بغير سبب؛ لكان ذَلِكَ زيادة في النفور والوحشة.

الرابعة عشرة: أن أمر السائل إِذَا كان يحتمل وجهين أو وجوهًا فيجاب بأظهرها ويترك ماعداها؛ لأنه لما كان لغط جبريل عليه السلام يحتمل طلب القراءة منه صلى الله عليه وسلم ابتداء وهو الأظهر ويحتمل طلبها منه لما يلقى إليه، وهو المقصود في هذا الموضع لما ظهر بعد، أجاب صلى الله عليه وسلم بالأظهر وهو المعهود من الفصحاء في مخاطباتهم.

الخامسة عشرة: فيه دلالة لمن ذهب من العلماء أن أول الواجبات الإيمان دون النظر، والاستدلال شرط كمال لا شرط صحة؛ لأن قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]، تمت به الفائدة وحصل به الإيمان المجزئ، وقوله بعده {الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} [العلق 1: 2]

(1)

في (ج): بإعلامهم.

ص: 327

هو طلب النظر والاستدلال وهو زيادة كمال الإيمان؛ لأنهم أكمل الناس إيمانًا، ويشهد لذلك الحديث الصحيح:"أمرت أن أقاتل الناس حتَّى يقولوا لا إله إلا الله"

(1)

ولم يشترط نظرًا ولا استدلالًا.

السادسة عشرة: سر نزول هذِه السورة أولًا: أنها دلت منطوقًا ومفهومًا على ما تضمنه القرآن إجمالًا، فإن كل ما في القرآن من آيات الإيمان والتوحيد والتنزيه دل عليه مضمون اسم الربوبية، وما كان فيه من الأمر والنهي، والترغيب والترهيب، والندب والإرشاد، والمحكم والمتشابه دل عليه مضمون مقتضى حكمة الربوبية، وما كان فيه من استدعاء الفكر والنظر والاستدلال وما أشبه ذَلِكَ دل عليه متضمن قوله:{الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} [العلق:1 - 2]، وما كان فيه من المغفرة والرحمة والإيناس والإنعام والترجي والإحسان والإباحة، وما أشبه ذَلِكَ دل عليه متضمن كرم الربوبية، ثمَّ بعد هذا الإجمال نزلت الآيات مفصلة ولما كملت قَالَ الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3].

السابعة عشرة: فيه إشارة إلى التسلي والصبر عند نزول الحوادث والوعد بالنصر كما في خلقه أولًا علقة، ثمَّ طوره وأخرجه إلى الوجود، فالإخراج يقابله الخروج، والتطوير يقابله التغيير.

الثامنة عشرة: جواز تأديب المعلم للمتعلم وقد مضى.

(1)

سيأتي برقم (25) كتاب: الإيمان، باب:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} ، ورواه مسلم (22) كتاب: الإيمان باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا .. من حديث ابن عمر.

وسيأتي أيضًا برقم (1399) كتاب: الزكاة، باب: وجوب الزكاة، ورواه مسلم (20، 21) من حديث أبي هريرة.

ص: 328

التاسعة عشرة: أن كتاب الله تعالى لا يؤخذ إلا بقوة؛ لأن جبريل ضمه صلى الله عليه وسلم إليه ليتلقى الأمر بأهبة، ويأخذه بقوة، وقد قَالَ تعالى ليحيى:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12].

العشرون: أن بالغط يحصل في الباطن قوة تعين عَلَى حمل الملقى إليه.

الحادية بعد العشرين: مذهب أهل السنة أن النوع الإنساني أفضل من الملائكة

(1)

، وإنما حصل لجبريل هذِه القوة؛ لأنه كان حاملًا لكلام الله تعالى في ذَلِكَ الوقت.

(1)

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذِه المسألة فأجاب بأن صالحي البشر أفضل باعتبار كمال النهاية والملائكة أفضل باعتبار البداية، فجن الملائكة الآن في الرفيق الأعلى منزهين عما يلابسه بنو آدم، مستغرقين في عبادة الرب، ولا ريب أن هذِه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر. وأما يوم القيامة بعد دخول الجنة فيصير صالحو البشر أكمل من حال الملائكة أهـ. "مجموع الفتاوى" 4/ 343.

قال ابن القيم رحمه الله معقبًا على كلام شيخه كما في "بدائع الفوائد" 3/ 140: وبهذا التفصيل يتبين سر التفضيل وتتفق أدلة الفريقين، ويصالح كل منهم على حقه أهـ. وقال ابن أبي العز الحنفي في "شرح العقيدة الطحاوية" 281 - 290 وقد تكلم الناس في المفاضلة بين الملائكة وصالحي البشر، وينسب إلى أهل السنة تفضيل صالحي البشر والأنبياء على الملائكة، وإلى المعتزلة تفضيل الملائكة، وأتباع الأشعري على قولين: منهم من يفضل الأنبياء والأولياء، ومنهم من يقف ولا يقطع في ذلك قولًا ......... ثم قال: وكنت ترددت في الكلام على هذِه المسألة، لقلة ثمرتها وأنها قريب مما لا يعني ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أهـ. ثم قال وحاصل الكلام أن هذِه المسالة من فضول المسائل، ولهذا لم يتعرض لها كثير من أهل الأصول أهـ. وكذا قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين كما في "المجموع الثمين" ص 138.

قلت: ولمن أراد زيادة بيان في هذِه المسألة فليراجع "مجموع الفتاوى" 4/ 350 - 392، "شرح العقيدة الطحاوية"ص 281 - 290، "الحبائك في أخبار الملائك" للسيوطي ص 156 - 178، "لوامع الأنوار البهية" للسفاريني 2/ 398 - 409.

ص: 329

الثانية بعد العشرين: فيه دلالة لما تقوله الصوفية أن التحلي لا يكون بعد التخلي فتخلى أولًا بالجهد ثمَّ تحلى بإلقاء الوحي إليه

(1)

.

الثالثة بعد العشرين: حكمة الغط ثلاثًا من غير زيادة ولا نقصان

(1)

هذا الكلام فيه حق وباطل، فالصوفية يقولون إن على المريد أن يختلي، وأن يفرغ قلبه من كل شيء، بل قد يأمر أن يجلس في مكان مظلم ويغطي رأسه، ويقول: الله. الله. الله أو هو. هو. هو .. فإذا فعل ذلك فرغ قلبه واستعد كي ينزل على قلبه من المعرفة ما هو المطلوب، بل قد يقولون: إنه يحصل له من جنس ما يحصل للأنبياء، ومنهم من يزعم أنه حصل له أكثر مما حصل للأنبياء، لذا فهم يقولون: إن النبوة مكتسبة، فإذا تفرغ صفا قلبه، وفاض على قلبه من جنس ما فاض على الأنبياء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 10/ 400 - 401: إن هذِه الطريقة لو كانت حقًّا فإنما تكون في حق من لم يأته رسول، فأما من أتاه رسول وأمر بسلوك طريق فمن خالفه ضل. وخاتم الرسل- صلى الله عليه وسلم قد أمر أمته بعبادات شرعية من صلاة وذكر ودعاء وقراءة، لم يأمرهم قط بتفريغ القلب من كل خاطر وانتظار ما ينزل.

فهذِه الطريقة لو قدر أنها طريق لبعض الأنبياء لكانت منسوخة بشرع محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف وهي طريقة جاهلية لا توجب الوصول إلى المطلوب إلا بطريق الاتفاق، بأن يقذف الله تعالى في قلب العبد إلهامًا ينفعه، وهذا قد يحصل لكل أحد ليس هو من لوازم هذِه الطريق.

ولكن التفريغ والتخلية التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفرغ قلبه مما لا يحبه الله ويملؤه بما يحبه الله، فيفرغه من عبادة غير الله ويملؤه بعبادة الله وكذلك يفرغه عن محبة غير الله ويملؤه بمحبة الله، وكذلك يخرج عنه خوف غير الله ويدخل فيه خوف الله تعالى، وينفي عنه التوكل على غير الله ويثبت فيه التوكل على الله. وهذا هو الإسلام المتضمن للإيمان الذي يمده القرآن ويقويه، لا يناقضه وينافيه، كما قال جندب وابن عمر: تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانًا أهـ.

قلت: أما إذا كان التخلي تخليًا عن الرذائل، والتحلي تحليًا بالفضائل، فهذا لا بأس به بل هو مطلوب شرعًا كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، والله أعلم.

ص: 330

وجهان: أحدهما: أن البشرية فيها عوالم مختلفة منها العقل وموافقة الملك، ومنها النفس والطبع والشيطان وموافقتهم الهوى والغفلة والعادة المذمومة، وهي أشدها لقول الأمم الماضية:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22]. وقد قَالَ الأطباء: إن العادة طبع خامس، فكانت تلك الغطات مذهبة لتلك الخصال الثلاثة وموافقيها، وبقي العقل والملك (اللذين)

(1)

هما قابلان للحق والنور، وإن كان صلى الله عليه وسلم مطهرًا من الشيطان ومثل ذَلِكَ قوله تعالى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4] وثيابه لا شك في طهارتها عَلَى كل تأويل، لكن هذا مقتضى الحكمة في تكليف البشرية وترقيها.

الثاني: أن (الدين)

(2)

عَلَى ثلاث مراتب إيمان وإسلام وإحسان، فكانت تلك الغطات مبالغة في التحلي بكلها؛ لأن إيمانهم أقوى من إيمان أتباعهم لعلو مقامهم.

الرابعة بعد العشرين: فيه دلالة عَلَى أن التحلي مكتسب وفيض من الرب جل جلاله، وقد جمعا له صلى الله عليه وسلم بالتحنث والغط، وقد يجتمعان لأفراد من أمته، وقد ينفرد بعض بالكسب وبعض بالفيض كالفضيل

(3)

(1)

كذا في الأصول و"بهجة النفوس".

(2)

في (ج): الإيمان. وهو الذي في "بهجة النفوس".

(3)

هو الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر، الإمام القدوة الثبت، شيخ الإسلام، أبو علي التميمي، المجاور بحرم الله، قال النضر بن شميل: سمعت الرشيد يقول: ما رأيت في العلماء أهيب من مالك، ولا أورع من الفضيل، روي في زهده وورعه الكثير.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 4/ 47، "تهذيب الكمال"(1104)، "سير أعلام النبلاء" 8/ 421 (114)، "تذكرة الحفاظ" 1/ 245، "شذرات الذهب" 1/ 361.

ص: 331

وابن أدهم

(1)

وكثير ما هم

(2)

.

الخامسة بعد العشرين: أن الإنسان إنما يخاطب أولًا بما يعرف أنه يصل إلى فهمه بسرعة من غير مشقة ولا بحث يحتاج إليه؛ لأن الله تعالى قد أحال نبيه صلى الله عليه وسلم عَلَى أن ينظر أولًا في خلق نفسه بقوله: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} [العلق: 2] ولم يقل له: الذي خلق السموات والأرض والأفلاك وغير ذلك، وإنما قَال له ذَلِكَ بعد ما تقرر له خلق نفسه.

السادسة بعد العشرين: أن الفكرة أفضل الأعمال؛ لأن في ضمن قوله: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} ما يستدعي الفكرة فيما قبل حتى يحصل بذلك القطع. وليس الإيمان به بعد الفكرة كالإيمان به بديهة. ولهذا المعنى أشار صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه: "تفكر ساعة خير من عبادة سنة"

(3)

وفي

(1)

هو إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر، القدوة الإمام العارف، سبد الزهاد، مولده في حدود المائة، وتوفي سنة اثنتين وستين ومائة. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء" 7/ 387 (142)، "الوافي بالوفيات" 5/ 318، "شذرات الذهب" 1/ 255.

(2)

انظر ما سبق في مسألة التخلي قبل التحلي.

(3)

روي هذا الحديث من عدة طرق وبألفاظ مختلفة. فرواه أبو الشيخ في "العظمة"(44)، وابن الجوزي في "الموضوعات"(1627) كلاهما من طريق عثمان بن عبد الله القرشي، قال: ثنا إسحاق بن نجيح الملطي، قال: ثنا عطاء الخراساني عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "فكرة ساعة خير من عبادة ستين سنة".

قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، وفي الإسناد كذابان، فما أفلت وضعه من أحدهما إسحاق بن نجيح، قال أحمد: هو أكذب الناس، وقال يحيى: هو معروف بالكذب ووضع الحديث، وقال الفلاس: كان يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم صُراحًا، والثاني: عثمان، قال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات أهـ.

وقال العراقي في "تخريج الإحياء"(4319): إسناده ضعيف!

وقال الألباني في "ضعيف الجامع"(3988)، و"الضعيفة" (173): موضوع. =

ص: 332

لفظ: "خير من عبادة الدهر"

(1)

؛ لأن المرء إِذَا تفكر قوي إيمانه.

السابعة بعد العشرين: أن المتفكر ينظر بعد العظمة والجلال في العفو والكرم؛ لأنه عَقّب ما مضى بقوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)} [العلق: 3].

= ورواه أبو الشيخ في "العظمة"(43) من طريق عمار بن محمد، عن ليث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، موقوفًا بلفظ: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.

وإسناده ضعيف؛ ليث هو ابن أبي سليم، قال الحافظ في "التقريب" (5685): صدوق اختلط جدًا ولم يتميز حديثه فترك. ورواه ابن سعد 7/ 392، وهناد في "الزهد"(943)، والبيهقي في "الشعب" 1/ 135 - 136 (118) من طريق الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أم الدرداء عن أبي الدرداء، موقوفًا بلفظ: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. وكذا رواه أبو نعيم في "الحلية" 1/ 208 - 209 من طريق إبراهيم بن إسحاق ثنا قيس بن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد عن معدان عن أبي الدرداء به.

ورواه أبو الشيخ (49) عن عمر بن قيس الملائي قال: بلغني أن تفكر ساعة خير من عمل دهر من الدهر.

ورواه ابن أبي شيبة 7/ 197 (35213)، وأبو نعيم في "الحلية" 6/ 271 عن الحسن من قوله، بلفظ حديث أبي الدرداء.

ورواه الديلمي كما في "الفردوس"(3297) عن أنس بلفظ: تفكر ساعة في اختلاف الليل والنهار خير من عبادة ثمانين سنة.

قال العراقي (4319): إسناده ضعيف جدًا.

وقال الألباني: رواه الديلمي بسنده إلى سعيد بن ميسرة سمعت أنس بن مالك يقول: تفكر ساعة .. الحديث وهو موضوع أيضًا؛ سعيد بن ميسرة، قال الذهبي: مظلم الأمر، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات، وقال الحاكم: روى عن أنس موضوعات، وكذبه يحيى القطان. أهـ. "الضعيفة" 1/ 322 بتصرف يسير.

وانظر: "تذكرة الموضوعات" ص 188 - 189، و"كشف الخفاء" 1/ 310 (1004).

(1)

انظر التخريج السابق.

ص: 333

الثامنة بعد العشرين: أن من أصابه أمرٌ له أن يتداوى بحسب ما اعتاد ما لم يكن حرامًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما أن أصابه الرعب رجع إلى ما اعتاد من التدثير وقال: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي".

التاسعة بعد العشرين: طلب الاختصار لقوله، وأخبرها الخبر ولم يأت به الراوي مفصلًا.

الثلاثون: أن الواقع إِذَا وقع لأهل الطريق، وكان يحتمل التخويف والبشارة بحثوا عن الخوف وإن كان ضعيفًا.

الحادية بعد الثلاثين: جواز الحكم بالعادة، وذلك حيث لا خلل؛ لأن خديجة حكمت بما أجرى الله تعالى من عادته فيما ادعته، وورقة أخبر بأنه الناموس عملًا بالعادة.

الثانية بعد الثلاثين: جواز الحلف عَلَى العادة المجراة عَلَى العباد.

الثالثة بعد الثلاثين: أن المرء إذا أصابه أمر مهم له أن يحدث بذلك أهله ومن يعتقد من أصحابه إِذَا كانوا ذَا دين ونظر.

الرابعة بعد الثلاثين: أن من ادعى شيئًا فعليه أن يأتي بالدليل عَلَى صدق دعواه.

الخامسة بعد الثلاثين: أن المرء إذا وقع له واقع أن يسأل عنه أهل العلم والنهي.

السادسة بعد الثلاثين: جواز خروج المرأة مع زوجها.

السابعة بعد الثلاثين: أن من وصف أمرًا لا يزيد عَلَى ما فيه من الصفات الحميدة؛ لأن الراوي أخبر عن ورقة بما فيه من غير زيادة.

الثامنة بعد الثلاثين: أن أهل الفضل إِذَا استشاروا امرأ في شيء بادر المستشار في عونهم ومشاركتهم؛ لأن خديجة بادرت إلى الخروج من

ص: 334

غير أن تقول: امضى إلى فلان.

التاسعة بعد الثلاثين: أن المرء إِذَا عرضت له حاجة عند أهل الفضل فالسنة فيه أن يقدم إليه من يدل عليهم إن وجد ذَلِكَ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يمض وحده لورقة وإنما مضى مع خديجة التي هي من قرابة ورقة.

الأربعون: أن من كان سفيرًا بين أهل الفضل أن يتحرز في كلامه بينهم ويعطي لكل واحد منهم مرتبته ومنزلته؛ لأن خديجة قالت لورقة: (اسمع من ابن أخيك)؛ لأنه أعز وأرفع له صلى الله عليه وسلم، ولهذا لم تعبر بالابن لاقتضائه رفعة الأب عليه، ولا بالأخ؛ لاقتضائه المساواة.

الحادية بعد الأربعين: التقدم في الكلام عن أهل الفضل نيابة عنهم وترفيعًا لهم؛ لأن خديجة بادرت في الكلام لورقة قبله صلى الله عليه وسلم خدمة له وتكريما.

الثانية بعد الأربعين: أن صاحب الواقعة أولى بذكرها من غيره؛ لأن خديجة رضي الله عنها أحالت عليه صلى الله عليه وسلم.

الثالثة بعد الأربعين: تمني الخير لنفسه؛ لأن ورقة تمنى أن يكون جذعًا عند الرسالة.

الرابعة بعد الأربعين: أن العالم بالشيء يعرف مآله عَلَى جري العادة، له أن يحكم بالمآل إِذَا رأى المبادئ؛ لأن ورقة لما أن علم برسالته علم بإخراجه، وفيه أيضًا الحكم بالعادة.

الخامسة بعد الأربعين: أن التجربة تحدث علمًا زائدًا؛ فإنه صلى الله عليه وسلم طرد الحُكْم وقاس عليه، وورقة أخبر بما جرت به العادة وأفادته التجربة، ولهذا قَالَ لقمان لولده: يا بني عليك بذوي التجارب.

ص: 335

السادسة بعد الأربعين: فيه دلالة للصوفية

(1)

في قولهم استصحاب العمل وترك الالتفات ودوام الإقبال؛ لأن النظر إلى (كثرة)

(2)

العمل تورث الكسل، فكيف به إِذَا كان النظر لغير العمل؟ ومنه قولهم للوقت: سيف. المراد: اقطع الوقت بالعمل؛ لئلا يقطعك بالتسويف

(3)

.

(1)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 11/ 605: أما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهورًا في القرون الثلاثة، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك، وقد نُقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ: كالإمام أحمد بن حنبل، وأبي سليمان الداراني، وغيرهما. وقد روي عن سفيان الثوري أنه تكلم به، وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري، وتنازعوا في المعنى الذي أضيف إليه الصوفي، فإنه من أسماء النسب، كالقرشي، والمدني، وأمثال ذلك.

فقيل: إنه نسبة إلى أهل الصفة وهو غلط؛ لأنه لو كان كذلك لقيل: صُفِّي. وقيل: نسبة إلى الصف المقدم بين يدي الله، وهو أيضًا غلط؛ فإنه لو كان كذلك لقيل: صَفِّيّ. وقيل: نسبة إلى الصفوة من خلق الله وهو غلط؛ لأنه لو كان كذلك لقيل: صفوي، وقيل: نسبة إلى صوفة بن بشر بن أدّ بن طابخة، قبيلة من العرب كانوا يجاورون بمكة من الزمن القديم، ينسب إليهم النساك، وهذا إن كان موافقًا للنسب من جهة اللفظ، فإنه ضعيف أيضًا؛ لأن هؤلاء غير مشهورين، ولا معروفين عند أكثر النساك، ولأنه لو نسب النساك إلى هؤلاء لكان هذا النسب في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم أولى، ولأن غالب من تكلم باسم الصوفي لا يعرف هذِه القبيلة، ولا يرضى أن يكون مضافًا إلى قبيلة في الجاهلية لا وجود لها في الإسلام. وقيل: -وهو المعروف- إنه نسبة إلى لبس الصوف أهـ. وقال في 10/ 369: والنسبة في الصوفية إلى الصوف؛ لأنه غالب لباس الزهاد أهـ.

(2)

في (ج): أكثر.

(3)

انتهى كلام ابن أبي جمرة من "بهجة النفوس" 1/ 8 - 25 بتصرف.

ص: 336

‌5 - باب

5 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِى عَائِشَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ -فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحَرِّكُهُمَا. وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا. فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ -فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} قَالَ: جَمْعُهُ لَهُ فِى صَدْرِكَ، وَتَقْرَأَهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} [القيامة: 19] ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَرَأَهُ. [4927، 4928، 4929، 5044، 7524 - مسلم 448 - فتح 1/ 29]

الحديث الخامس:

قال البخاري رحمه الله:

ثنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، ثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، ثنَا سَعِيدُ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} قَالَ: كَانَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّة، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ -قَالَ ابن عَبَّاس: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَك كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحَرِّكُهُمَا. وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كان ابن عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا. فَحَركَ شَفَتَيْهِ -فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} قَالَ: جَمْعُهُ لَك فِي صَدْرِكَ، وَتَقْرَأَهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} [القيامة: 19]، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا كان قَرَأَ.

ص: 337

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري هنا، عن موسى، عن أبي عوانة، وفي التفسير، وفضائل القرآن، عن قتيبة، عن جرير، كلهم عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير

(1)

.

وأخرجه مسلم في الصلاة عن إسحاق بن إبراهيم وقتيبة وغيرهما، عن جرير، وعن قتيبة، عن أبي عوانة كلاهما عن موسى بن أبي عائشة به

(2)

.

ولمسلم: فإذا ذهب قرأه كما وعده الله

(3)

. وللبخاري في التفسير: ووصف سفيان: يريد أن يحفظه

(4)

، وفي أخرى: يخشى أن يتفلت منه

(5)

ولمسلم في الصلاة: (لتعجل به) أخذه {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} [القيامة: 17]، إن علينا أن نجمعه في صدرك آية (وقرآنه) فتقرأه {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)}. قَالَ: أنزلناه فاستمع له {إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أن نبينه بلسانك

(6)

.

ورواه الترمذاي من حديث سفيان بن عيينة، عن موسى، عن سعيد، عن ابن عباس قَالَ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا نزل عليه القرآن يحرك به لسانه

(1)

سيأتي برقم (4929) كتاب: التفسير، باب: قوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} وبرقم (5044) كتاب: فضائل القرآن، باب: الترتيل في القراءة.

(2)

مسلم (448) كتاب: الصلاة، باب: الاستماع للقراءة.

(3)

مسلم (448/ 147) كتاب: الصلاة، باب: الاستماع للقراءة.

(4)

سيأتي برقم (4927) كتاب: التفسير، سورة القيامة، باب: قوله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} .

(5)

سيأتي برقم (4928) كتاب: التفسير، سورة القيامة، باب:{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} .

(6)

مسلم (448/ 147). كتاب: الصلاة، باب: الاستماع للقراءة.

ص: 338

يريد أن يحفظه، فأنزل الله:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} [القيامة: 16]، قَالَ: فكان يحرك به شفتيه، وحرك سفيان شفتيه، ثمَّ قَالَ: حديث حسن صحيح

(1)

.

الوجه الثاني: في التعريف برجاله:

أما ابن عباس فهو أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمه أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث

(2)

، أخت ميمونة أم المؤمنين، كان يقال له: الحبر والبحر؛ لكثرة علمه، وترجمان القرآن، وهو والد الخلفاء، وأحد العبادلة الأربعة، دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة

(3)

، والتفقه في الدين

(4)

وتعلم التأويل

(5)

، أي: تأويل القرآن، فأخذ عنه الصحابة

(1)

الترمذي (3329) كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة القيامة.

(2)

هي لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية، من بني هلال بن عامر بن صعصعة، ينسبونها: لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهرم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة، أم الفضل. انظر ترجمتها في:"معرفة الصحابة" 6/ 3436 (4004)، "الاستيعاب" 4/ 461 (3514)، "أسد الغابة" 7/ 253 (7244)، "الإصابة" 4/ 398 (942).

وهذِه الكبرى تمييزًا لها عن لبابة الصغرى، وهي لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية، أخت لبابة الكبرى، المتقدم ذكرها، ولبابة الصغرى هذِه هي أم خالد بن الوليد، في إسلامها وصحبتها نظر، قاله ابن عبد البر وتبعه ابن الأثير، انظر ترجمتها في:"الاستيعاب" 4/ 462 (3515)، "أسد الغابة" 7/ 254 (7245)، "الإصابة" 4/ 398 (943). وفيه رد للحافظ على ما أدعاه كل من ابن عبد البر وابن الأثير من عدم ثبوت صحبتها وإسلامها.

(3)

سيأتي برقم (3756) في فضائل الصحابة، باب: ذكر ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

سيأتي برقم (143) كتاب: الوضوء، باب: وضع الماء عند الخلاء.

(5)

رواه بتمامه أحمد في "المسند" 1/ 266، 314، 328، 335، و"فضائل الصحابة"(1856، 1858)، وابن سعد 2/ 365، والضياء في "المختارة" 10/ =

ص: 339

ذَلِكَ ودعا له أيضًا فقال: "اللهم بارك فيه وانشر منه واجعله من عبادك الصالحين"

(1)

."اللَّهم زده علمًا وفقهًا"

(2)

وهي أحاديث صحاح كلها كما قاله أبو عمر بن عبد البر

(3)

، وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم ضمه إليه وقال:"اللَّهُمَّ علمه الكتاب"

(4)

. وتعظيم عمر بن الخطاب لَهُ وتقديمه عَلَى الكبار مشهور

(5)

. وهو أحد الستة المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قَالَ الإمام أحمد: ستة من الصحابة أكثروا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمروا: أبو هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وجابر بن عبد الله، وأنس رضي الله عنهم، وأبو هريرة أكثرهم حديثًا. وقال أيضًا: ليس أحد

= 221 - 223 (233 - 235) من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعًا:"اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل".

قال الضياء: أخرج البخاري ومسلم: "اللهم فقهه في الدين"، ولم يخرجا:"وعلمه التأويل" وهذِه زيادة حسنة.

وقال الألباني في "الصحيحة"(2589): الحديث صحيح بهذا التمام.

(1)

رواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 550، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 315 من حديث ابن عمر، دون قوله:"واجعله من عبادك الصالحين". قال أبو نعيم: تفرد ول داود بن عطاء المدني، قال ابن عدي: في حديثه بعض النكرة. وقال الحافظ في "التقريب"(1801): ضعيف.

(2)

رواه أحمد في "المسند" 1/ 330، وكذا في "فضائل الصحابة" 2/ 1212 (1857)، و 2/ 1225 (1889)، و 2/ 1233 (1909)، والطبري في "تهذيب الآثار" في مسند عبد الله بن عباس (السفر الأول / 264) من طريق عمرو بن دينار، عن غريب، عن ابن عباس قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيدني علمًا وفقهًا.

قال الهيثمي في "المجمع" 9/ 284: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

(3)

"الاستيعاب" 3/ 67.

(4)

سيأتي برقم (75) كتاب: العلم، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم علمه الكتاب".

(5)

من ذلك ما سيأتي برقم (3627) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.

ص: 340

من الصحابة أكثر فتيا منه، ومناقبه في "الصحيح" وغيره جمة أفرذت بالتأليف منها: أنه صلى الله عليه وسلم حنكه بريقه

(1)

.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ألف حديث وستمائة وستين حديثًا، اتفقا منها عَلَى خمسة وتسعين، وانفرد البخاري بمائة وعشرين، ومسلم بتسعة وأربعين

(2)

.

ولد بالشعب قبل الهجرة بثلاث سنين وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة. وقال أحمد: خمس عشرة، والأول هو المشهور. وروى مجاهد عنه أنه قَالَ: رأيت جبريل مرتين

(3)

.

(1)

رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 3/ 1701 (4257) عن مجاهد، وذكره ابن الأثير في "أسد الغابة" 3/ 291.

(2)

قال السيوطي: أكثرهم حديثًا أبو هريرة، روى خمسة آلاف وثلائمائة وأربعة وسبعين حديثًا، اتفق الشيخان منها على ثلاثمائة وخمسة وعشرين، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين، ومسلم بمائة وتسعة وثمانين.

ثم ابن عمر روى ألفي حديث وستمائة وثلاثين حديثًا، ثم أنس بن مالك روى ألفين ومائتين وستة وثمانين حديثًا، ثم عائشه روت ألفين ومائتين وعشرة، ثم ابن عباس روى ألفًا وستمائة وستين حديثًا، وجابر بن عبد الله روى ألفًا وخمسمائة وأربعين حديثًا. أهـ "تدربب الراوي" 2/ 310 - 311 بتصرف.

وانظر: "علوم الحديث" ص 296 - 297، و"المقنع" 2/ 494 - 495.

(3)

رواه أحمد في "فضائل الصحابة" 2/ 1233 - 1234 (1911)، والطبري في "تهذيب الآثار"(259)، والطبراني 10/ 264 (10615) من طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس به.

وإسناده ضعيف؛ لضعف ليث بن أبي سليم، قال الحافظ في "التقريب" (5685): صدوق اختلط جدًا ولم يتميز حديثه فترك، ورواه الترمذي (3822)، وابن سعد 2/ 370، وأحمد في "فضائل الصحابة"(2/ 1068 - 1069 (1561)، والطبري في "تهذيب الآثار" مسند ابن عباس (260) من طريق ليث عن أبي الجهضم عن ابن عباس به. =

ص: 341

روى عنه جماعة من الصحابة منهم: أنس وابن عمر وخلق من التابعين. روى عنه أيضًا أخوه كثير بن العباس

(1)

.

مات بالطائف، وقبره بها مشهور يزار. سنة ثمان وستين ابن إحدى وسبعين سنة عَلَى الصحيح في أيام ابن الزبير، وصلى عليه محمد بن الحنفية، وقال: اليوم مات رباني هذِه الأمة. وهو أحد أولاد العباس العشرة، وليس في الصحابة عبد الله بن عباس غيره، فهو إذًا من الأفراد

(2)

.

فائدة:

عبد الله هذا أحد العبادلة، وثانيهم: عبد الله بن الزبير، وثالثهم: عبد الله بن عمر، ورابعهم: عبد الله بن عمرو بن العاص. وحذف الجوهري في "صحاحه"

(3)

ابن الزبير

(4)

.

ووهم النووي في "مبهماته"

(5)

، والقطعة التي لَهُ عَلَى هذا الكتاب

= وإسناده ضعيف أيضًا؛ لضعف ليث، ولأنه مرسل، قال الترمذي: حديث مرسل ولا نعرف لأبي جهضم سماعًا من ابن عباس، وقد روي عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس أهـ. قال الألباني في "ضعيف الترمذي": ضعيف الإسناد.

(1)

ستأتي ترجمته عند شرح حديث (1046).

(2)

انظر ترجمته في: "معجم الصحابة" للبغوي 3/ 482 - 489، و"معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 66 (502)، و"أسد الغابة" 3/ 290 - 294 (3035)، و"الإصابة" 2/ 330 - 334 (4781).

(3)

ورد بهامش (ف): في باب: عبد. وأثبته فيها في باب: الألف اللينة بدل ابن عمرو، ذكره في آخر "الصحاح".

(4)

"الصحاح" 2/ 505.

(5)

"الإشارات إلى بيان الأسماء المبهمات" للنووي ص (609) المطبوع مع كتاب "الأسماء المبهمة" للخطيب.

ص: 342

عليه، حيث زعم أنه أثبت ابن مسعود منهم وحذف ابن عمرو، وهذا غلط عليه، فإنه لم يذكر ابن مسعود وأثبت ابن عمرو، وقد (ذكر) ابن الزبير كما نبهنا عليه.

وأما سعيد بن جبير فهو الإمام المجمع عَلَى جلالته وثقته وعلو مرتبته في العلوم تفسيرًا وحديثًا وفقهًا، أبو محمد سعيد بن جبير بن هشام الكوفي الأسدي الوالبي -بكسر اللام وبالباء الموحدة- نسبة إلى ولاء بني والبة. ووالبة هو ابن الحارث بن ثعلبة بن دودان بدالين مهملتين -بضم الدال الأولى- (بن أسد بن خزيمة)

(1)

، سمع سعيد خلقًا من الصحابة منهم العبادلة غير ابن عمرو.

وعنه خلق من التابعين منهم الزهري، وممن روى عنه ابناه عبد الملك وعبد الله، مات سنة خمس وتسعين عن تسع وأربعين سنة، قتله الحجاج صبرًا.

قَالَ خلف بن خليفة: حَدَّثَنَا بواب الحجاج قَالَ: رأيت رأس سعيد بن جبير بعدما سقط من الأرض يقول: لا إله إلا الله

(2)

، وقال خلف عن رجل: إنه لما نَدَر رأسه هلل ثلاث مرات يفصح بها

(3)

.

وقيل: إن الحجاج قَالَ له: اختر أي قتلة شئت قَالَ: اختر أنت لنفسك، القصاص أمامك. ولم يعش الحجاج بعده إلا أيامًا

(4)

، ولما

(1)

ساقطة: من (ج).

(2)

رواه أسلم بن سهل الواسطي في "تاريخ واسط" ص 91، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" 4/ 291.

(3)

رواه ابن سعد في "طبقاته" 6/ 265، والطبري في "تاريخه" 4/ 24.

(4)

رواه مطولًا أبو نعيم في "الحلية" 4/ 291 - 294، وذكرها الذهبي في "السير" 4/ 323، وقال: هذِه حكاية منكرة، غير صحيحة. اهـ.

ص: 343

قدم أصبهان لم يحدث ثم لما رجع الكوفة حدث، فقيل له في ذَلِكَ، فقال: انشر بزك حيث تعرف

(1)

.

وأما الراوي عن سعيد فهو موسى بن أبي عائشة أبو الحسن الكوفي الهمداني -بالمهملة- مولى آل جعدة بن هبيرة، روى عن كثيرين من التابعين، وعنه الأعلام الثوري وغيره ووثقه السفيانان ويحيى بن معين وذكره ابن حبان في "ثقاته"

(2)

، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: صالح الحديث. قُلْتُ: يحتج بحديثه؟ قَالَ: يكتب حديثه

(3)

، وقال جرير: رأيته لا يخضب وكان إِذَا رأيته ذكرت الله لرؤيته. ولما ساقه البخاري في التفسير عنه قَالَ: وكان ثقة

(4)

.

وأما الراوي عنه فهو أبو عوانة -بفتح العين- واسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري -ويقال: الكندي- الواسطي مولى يزيد بن عطاء وقيل: عطاء بن عبد الله الواسطي، كان من سبي جرجان.

رأى الحسن وابن سيرين، وسمع من محمد بن المنكدر حديثًا واحدًا، وسمع خلقًا بعدهم من التابعين وأتباعهم.

(1)

رواه أبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" 1/ 316، أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" 1/ 324، وانظر ترجمته في:"الطبقات الكبرى" 6/ 256 - 267، و"التاريخ الكبير" 3/ 461 - 462 (1533)، و"معرفة الثقات" 1/ 395 (578)، و"الجرح والتعديل" 4/ 9 - 10 (29)، و"تهذيب الكمال" 358 - 376 (2245).

(2)

"الثقات" 5/ 404.

(3)

"الجرح والتعديل" 8/ 157.

(4)

سيأتي برقم (4927) كتاب: التفسير، باب: قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} .

وانظر ترجمة موسى بن أبي عائشه في: "الطبقات الكبرى" 6/ 326، "التاريخ الكبير" 7/ 289 (1234)، "الجرح والتعديل" 8/ 156 (700)، "ثقات ابن حبان" 5/ 404، "تهذيب الكمال" 29/ 90 (6271).

ص: 344

وروى عنه الأعلام منهم: شعبة ووكيع وابن مهدي.

قَالَ عفان: كان صحيح الكتاب ثبتًا، وهو في جميع حاله أصح حديثًا عندنا من شعبة. وقال أحمد: إِذَا حدث من كتابه فهو أثبت من شريك، وإذا حدث من غير كتابه وهم، وقال أبو زرعة: بصري ثقة إِذَا حدث من كتابه. وقال ابن أبي حاتم: كتبه صحيحة، وإذا حدث من حفظه غلط كثيرًا وهو صدوق ثقة

(1)

.

مات سنة ست وسبعين ومائة، وقيل: سنة خمس وسبعين.

قَالَ الخطيب: حدث عنه شعبة والهيثم بن سهل التستري، وبين وفاتيهما مائة سنة وسنة واحدة أو أكثر

(2)

.

وأما الراوي عنه فهو أبو سلمة موسى بن إسماعيل المنقري -بكسر الميم وإسكان النون وفتح القاف- نسبة إلى منقر بن عبيد بن مقاعس البصري الحافظ المكثر الثقة الثبت، التبوذكي -بفتح التاء المثناة فوق، ثم موحدة مضمومة، ثم واو، ثمَّ ذال معجمة مفتوحة- سمع المبارك بن فضالة وحماد بن سلمة، وسمع من شعبة حديثًا واحدًا وطبقتهم.

روى عنه يحيى بن معين، والبخاري وأبو داود، وغيرهم من الأعلام، وروى لَهُ مسلم والترمذي وأبو داود عن رجل عنه، والذي رواه مسلم حديث واحد: حديث أم زرع رواه عن الحسن الحلواني

(1)

"الجرح والتعديل" 9/ 41.

(2)

"السابق واللاحق" ص 325 (206).

وانظر ترجمة أبي عوانة في: "الطبقات الكبرى" 7/ 287، "التاريخ الكبير" 8/ 181 (2628)، "الجرح والتعديل" 9/ 40 (173)، "ثقات ابن حبان" 7/ 562، "تهذيب الكمال" 30/ 442 (6688).

ص: 345

عنه

(1)

. قَالَ الدوري: كتبنا عنه خمسة وثلاثين ألف حديث. مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين بالبصرة.

واختلف في سبب نسبته التبوذكي عَلَى أقوال:

أحدها: لأنه اشترى دارًا بتبوذك، قاله أبو حاتم الرازي

(2)

.

ثانيها: لأنه نزل داره قوم منها فنسب إليها، قَالَ ابن أبي خيثمة: سمعته يقول: لا جُزِي خيرًا من سماني تبوذكيًّا، أنا مولى بني منقر، إنما نزل داري قوم من أهل تبوذك، سموا تبوذكيًّا.

ثالثها: (أنها)

(3)

نسبة إلى بيع السماد، قاله السمعاني

(4)

، والسماد -بفتح السين-: سرجين يوضع في الأرض ليجود نباته.

رابعها: أنها نسبة إلى بيع ما في بطون الدجاج من الكبد والقلب والقانصة، قاله ابن ناصر، وذكر النووي في "شرحه" هذِه الأقوال ثمَّ قَالَ: الصحيح المعتمد ما قدمناه

(5)

.

فائدة:

هذا الإسناد كله عَلَى شرط الستة، ورواته ما بين مكي وكوفي وبصري وواسطي، وكلهم من الأفراد لا (أعلم)

(6)

من شاركهم في

(1)

مسلم (2448) كتاب: فضائل الصحابة، باب: ذكر حديث أم زرع.

(2)

"الجرح والتعديل" 8/ 136 (615).

(3)

في (ج): أنه.

(4)

انظر: "اللباب في تهذيب الأنساب" لابن الأثير 1/ 207.

(5)

انظر ترجمة أبي سلمة التبوذكي في: "الطبقات الكبرى" 7/ 306، و"التاريخ الكبير" 7/ 280 (1186)، و"معرفة الثقات" 2/ 303 (1180)، و"الثقات" 9/ 160، و"تهذيب الكمال" 29/ 21 - 27 (6235).

(6)

في (ج): أعرف.

ص: 346

اسمهم مع اسم أبيهم، وفيه من طرف الإسناد رواية تابعي عن تابعي، وهما موسى بن أبي عائشة، عن سعيد.

الوجه الثالث:

قيل: كان يتعجل به حتَّى يكتب لئلا ينسى

(1)

، قَالَ تعالى:{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114]،، وقال:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)} [الأعلى: 6]، وعن الشعبي: إنما يعجل بذكره من حبه له وحلاوته في لسانه

(2)

، فنهي عن ذَلِكَ حتَّى يجتمع؛ لأن بعضه مرتبط ببعض و-بإسكان الميم مع فتح العين- قَالَ ابن قرقول

(3)

:

جمعه لك صدرك -بسكون الميم عند الأصيلي مع ضم العين ورفع الصدر- وعند أبي ذر: جمعه لك في صدرك. وعند النسفي: جمعه لك صدرك. وقيل: تحفظه وتقرأه. وقيل: {وقرآنه} : تأليفه

(4)

.

الوجه الرابع: في فوائده:

الأولى: هذا الحديث حصل في إسناده نوع من علوم الحديث وهو

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 339 - 340 عن جماعة، منهم: ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وقتادة.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 339 (35621).

(3)

هو الإمام العلامة، أبو إسحاق، إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن باديس بن القائد، المعروت بابن قرقول، كان رحالًا في العلم نقالًا فقيهًا، نظارًا أديبًا نحويًّا، عارفًا بالحديث ورجاله، بديع الكتابة، وكان من أوعية العلم، له كتاب "المطالع على الصحيح" غزير الفوائد، توفي في شعبان سنة تسع وستين وخمسمائة، وله أربع وستون سنة.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 1/ 62، "سير أعلام النبلاء" 20/ 520، "الوافي بالوفيات" 6/ 171، "شذرات الذهب" 4/ 231.

(4)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 340 (35632، 35633) عن قتادة.

ص: 347

التسلسل بتحريك الشفة لكنه لم يتصل تسلسله، وقَلّ في المسلسل الصحيح

(1)

.

الثانية: المعالجة: المحاولة وسبب حصولها عظم ما يلاقيه من هيبة الوحي الكريم والملك، قَالَ تعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)} [المزمل: 5].

الثالثة: قوله (وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ) معناه: كثيرًا ما كان يفعل ذَلِكَ، وقيل: معناه: هذا من شأنه ودأبه، حكاه القاضي، فجعل (ما) كناية عن ذَلِكَ- ومثله قوله في كتاب الرؤيا: كان مما يقول لأصحابه: "من رأى منكم رؤيا"

(2)

، أي هذا من شأنه- وأدغم النون في ميم (ما)، وقيل: معناها: ربما، وهو قريب من الأول؛ لأن ربما قد تأتي للتكثير

(3)

.

الرابعة: فيه أنه يستحب للمعلم أن يمثل للمتعلم بالفعل، ويريه الصورة بفعله إِذَا كان فيه زيادة بيان على الوصف بالقول؛ لقول ابن عباس:(فأنا أحركهما لك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما).

الخامسة: قوله: فإذا {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} [القيامة: 18]، أي: قراءة جبريل عليك، وفيه كما قَالَ القاضي إضافة ما يقول من أمره تعالى إليه ويحتج به في أمر التنزيل وغيره من الظواهر المشكلة إلى الله تعالى

(4)

.

(1)

قال الحافظ الذهبي في "الموقظة" ص (44): وعامة المسلسلات واهية وأكثرها باطلة لكذب رواتها، وأقواها المسلسل بقراءة سورة الصف، والمسلسل بالدمشقيين، والمسلسل بالمصريين، والمسلسل بالمحمدين إلى ابن شهاب أهـ.

(2)

سيأتي برقم (7047) كتاب: التعبير، باب: تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح. من حديث سمرة بن جندب.

(3)

"إكمال المعلم" 2/ 360.

(4)

"إكمال المعلم" 2/ 359. وفيه: فيحتج به في حديث التنزل. =

ص: 348

وقوله: (فاتبع قرآنه) أي: فاستمع له وأنصت

(1)

، وقيل: اتبع حلاله واجتنب حرامه

(2)

.

وقوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} [القيامة: 19]، أي: أن تقرأه، وفي مسلم: أن نُبَيِّنَهُ بلسانك

(3)

، وقيل: بحفظك إياه، وقيل: ببيان ما فيه من حلال وحرام

(4)

حكاه القاضي قَالَ: وقد اختلف السلف في الهذَّ

(5)

والترتيل، فمن رأى الهذَّ أراد استكثار الأجر بعدد الكلمات، ومن رأى الترتيل ذهب إلى فهم معانيه وتدبره، والوقوف عند حدوده وتحسين تلاوته، وما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قَالَ:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] وهو اختيار الأكثر، ولا خلاف أن الهذَّ الذي ينتهي إلى ترك إقامة حروفه غير جائز.

وقال مالك: من الناس من إِذَا هذَّ كان أخف عليه، وإذا رتل أخطأ، ومنهم من لا يحسن يَهُذُّ، والناس في ذَلِكَ عَلَى قدر حالاتهم وما يَخِفُّ عليهم

(6)

. قَالَ القاضي: وما قاله مالك وغيره من إجازة الهذَّ لمن أراد

= قلت: لعله يقصد حديث: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا

الحديث.

وسيأتي الكلام عليه في حديث (1145).

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 341 (35634، 35635) عن ابن عباس.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 341 (35637، 35638) عن قتادة.

(3)

مسلم (448/ 147).

(4)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 341 (35641) عن ابن عباس، (35642) عن قتادة.

(5)

الهَذُّ: سرد القراءة، ومداركتها في سرعة واستعجال. وقيل: سرعة القطع. انظر: "النهاية" 5/ 255، "المصباح المنير" ص 234، "تهذيب الأسماء واللغات" 3/ 181.

(6)

انظر: "المنتقى" 1/ 34، قال أبو الوليد الباجي رحمه الله: ومعنى ذلك عندي أنه يستحب لكل إنسان ملازمة ما يوافق طبعه ويخف عليه، فربما تكلف ما يخالف طبعه ويشق عليه ويقطعه ذلك عن القراءة والإكثار منها، وليس هذا مما يخالف ما قدمناه من تفضيل الترتيل لمن تساوى في حاله الأمران اهـ.

ص: 349

مجرد التلاوة وفضل القراءة، أما من فتح الله تعالى عليه بعلمه وفهم معاني القرآن (واستنارة)

(1)

حكمه فتلاوته وإن كانت قليلة أفضل من ختمات لغيره هذا

(2)

.

السادسة: همزة (وأنصت) همزة قطع، هذا هو الفصيح الذي جاء به القرآن العظيم، وفيه ثلاث لغات ذكرهن الأزهري: أنصت، ونصت، وانتصت

(3)

.

والإنصات: السكوت. والاستماع: الإصغاء

(4)

.

السابعة: أعاد (كان) في قوله: (وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ) مع تقدمها في قوله: (كَانَ يُعَالِجُ)، وهو جائز إِذَا طال الكلام كما في قوله تعالى:{أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)} الآية [المؤمنون: 35] وغيرها.

الثامنة: في الحديث أن أحدًا لا يحفظ القرآن إلا بعون الله وَمنَّهِ وفَضْلِهِ، قَالَ الله تعالى:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} [القمر: 17].

التاسعة: معنى أمر الله تعالى نبيه أن لا يحرك بالقرآن لسانه ليعجل به، وعدته له أن يجمعه في صدره، لكي يتدبره ويتفهمه وتبدو له عجائب القرآن وحكمته وتقع في قلبه مواعظه فيتذكر بذلك، ولتتأسى به أمته في تلاوته، فينالوا بركته ولا يُحْرموا حكمته، وقد ذكر الله هذا المعنى فقال:

(1)

في (ج): واستبان.

(2)

"إكمال المعلم" 2/ 359 - 360.

(3)

"تهذيب اللغة" مادة: (نصت) 4/ 3582.

(4)

قال الحافظ في "فتح الباري" 8/ 683: ولا شك أن الاستماع أخص من الإنصات؛ لأن الاستماع الإصغاء، والإنصات السكوت، ولا يلزم من السكوت الإصغاء اهـ. =

ص: 350

=وتعقب هذا القول المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 3/ 8 فقال: قلت: الإنصات هو السكوت مع الإصغاء لا السكوت المحض. أهـ.

(1)

آخر الجزء الثالث من تجزئة المصنف.

وورد بهامش (ف) ما نصه: بلغ إبراهيم الحلبي قراءة على المصنف وسمعه ولده نور الدين علي والحاضري

والبرموي وعلاء الدين الحموي والبكري والعاملي

شيخنا شمس الدين الصفدي .... الفخر الرزازي وسراج الدين عمر الحريري، وسمع شيئًا يسيرًا آخرون.

ص: 351

‌6 - باب

6 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، ح وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، نَحْوَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. [1902 - 2220 - 3554 - 4997 - مسلم 2308 - فتح 1/ 30]

الحديث السادس:

قال البخاري رحمه الله:

حَدَّثنَا عَبْدَانُ، أَبْنَا عَبْدُ اللهِ، أنبا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَحَدَّثنَا بشْرُ ابْنُ مُحَمَّد أنَبا عَبْدُ اللهِ، أنا يُونُسُ وَمَعْمَرٌ نحوه، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنبا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ.

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري في خمسة مواضع: أخرجه هنا كما ترى، وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم، عن عبدان أيضًا، عن ابن المبارك، عن يونس

(1)

، وفي الصوم، عن موسى، عن إبراهيم

(2)

، وفي فضائل

(1)

سيأتي برقم (3554) كتاب: المناقب، باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

سيأتي برقم (1902) باب: أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان.

ص: 352

القرآن، عن يحيى بن قزعة، عن إبراهيم

(1)

، وفي بدء الخلق، عن ابن مقاتل، عن عبد الله، عن يونس، عن الزهري

(2)

، وأخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم، عن أربعة، عن منصور بن أبي مزاحم، وأبي عمران محمد بن جعفر، عن إبراهيم، وعن أبي غريب، عن ابن المبارك، عن يونس، وعن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق، عن معمر ثلاثتهم، عن الزهري به

(3)

.

الوجه الثاني: في التعريف بحال رواته:

وقد سلف منهم ابن عباس والزهري ومعمر ويونس. وأما عبيد الله بن عبد الله فهو الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود بن غافل -بالغين المعجمة والفاء- بن حبيب بن شمخ بن فار -بالفاء وتخفيف الراء- بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل -بكسر الهاء- بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر الهذلي المدني الإمام الجليل التابعي، أحد الفقهاء السبعة كما أسلفناه في ترجمة عروة، وكاهل قبائل منها هذِه، ومنها: كاهل بن أسد بن خزيمة بن مدركة، منهم الأعمش، والكاهل في اللغة: الحارك بين الكتفين.

سمع خلقًا من الصحابة، منهم: ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة، وعنه جمع من التابعين، وهو مُعَلِّم عمر بن عبد العزيز، وكان قد ذهب بصره. روي عنه أنه قَالَ: ما سمعت حديثًا قط فأشاء أن أعيه إلا وعيته

(4)

.

(1)

سيأتي برقم (4997) باب: كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

سيأتي برقم (3220) باب: ذكر الملائكة.

(3)

مسلم (2308) في الفضائل، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير من الريح المرسلة.

(4)

رواه يعقوب في "المعرفة والتاريخ" 1/ 560، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 5/ 320 (1517)، وابن عبد البر في "التمهيد" 9/ 9.

ص: 353

وقال الزهري: ما جالست عالمًا إلا رأيت أني أتيت عَلَى ما عنده ما خلا عبيد الله بن عبد الله، فإني لم آته إلا وجدت عنده علمًا طريفًا، وقال العجلي: رجل صالح جامع للعلم تابعي ثقة

(1)

، وقال أبو زرعة: ثقة مأمون

(2)

.

مات قبل علي بن الحسين سنة أربع أو خمس أو ثمان أو تسع وتسعين

(3)

.

فائدة:

روى البيهقي بإسناده، عن عبد الله والد عبيد الله هذا قَالَ: أذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذني وأنا خماسي أو سداسي فأجلسني في حجره، ومسح رأسي، ودعا لي ولذريتي بالبركة

(4)

. وفي هذا منقبة لعبد الله وذريته، وفيه أيضًا فائدة لغوية، وهي صحة إطلاق لفظ سداسي في الآدمي كما في خماسي، وقد منع ذَلِكَ بعضهم.

وأما الراوي عنه فهو الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي، مولاهم المروزي شيخ الإسلام، ذو الفنون، الحجة، الثبت.

روى عن سليمان التيمي وعاصم الأحول وحميد، وعنه ابن مهدي وابن معين وابن عرفة، أبوه تركي مولى (تاجر)

(5)

من همذان من بني

(1)

"معرفة الثقات" 2/ 111 - 112 (1161).

(2)

انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 320 (1517).

(3)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 250، و"التاريخ الكبير" 5/ 385 - 386 (1239)، و"تهذيب الكمال" 19/ 73 - 77 (3653).

(4)

البيهقي في "دلائل النبوة" 6/ 215. ورواه أيضًا: الطبراني في "الأوسط" 1/ 99 (303)، قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 399 (16097): فيه من لا أعرفهم. اهـ.

(5)

في (ج): رجل.

ص: 354

حنظلة وأمه خوارزمية، ولد سنة ثماني عشرة ومائة، ومات في رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة، وقبره بهيت، مدينة على شاطئ الفرات، سميت بذلك؛ لأنها في هوة أي منخفض وقبره يزار

(1)

، قَالَ الخطيب الحافظ: حدث عنه معمر بن راشد والحسين بن داود، وبين وفاتيهما مائة واثنان وثلاثون سنة، وقيل: مائة وثلاثون (سنة)

(2)

وقيل: مائة وتسع وعشرون

(3)

. ولعمار بن (الحسن)

(4)

يمدح عبد الله بن المبارك:

إِذَا سار عبد الله من مرو ليلة

فقد سار منها نورها وجمالها

إِذَا ذكر الأحبار (من)

(5)

كل بلدة

فهم أنجم فيها وأنت هلالها

(6)

وكان كثيرًا ما يتمثل:

وإذا صاحبت فاصحب صاحبًا

ذا حياء وعفاف وكرم

قوله للشيء: لا إن قُلْتَ: لا

وإذا قُلْتَ: نعم قَالَ: نم

فائدة:

عبد الله بن المبارك هذا من أفراد الكتب الستة، ليس فيها من يسمى بهذا الاسم غيره، نعم في الرواة خمسة غيره، ذكرهم الخطيب في "المتفق والمفترق" أحدهم: بغدادي حدث عن همام، ثانيهم: خراساني وليس بالمعروف، ثالثهم شيخ روى عنه الأثرم، رابعهم:

(1)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 372، "التاريخ الكبير" 5/ 212 (679)، "معرفة الثقات" 2/ 54 - 56 (959)، "الجرح والتعديل" 5/ 179 - 181 (838)، "تهذيب الكمال" 16/ 5 - 24 (3520).

(2)

من (ج).

(3)

"السابق واللاحق" ص 252.

(4)

في (ج): (الحسين).

(5)

في (ج): (في).

(6)

رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 10/ 163.

ص: 355

بزار روى عنه سهل البخاري، وخامسهم: جوهري، روى عن أبي الوليد الطيالسي.

وأما الراويان عن ابن المبارك فأحدهما: عبدان وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن. عثمان بن جبلة بن أبي رواد ميمون، وقيل: أيمن العتكي المروزي، وعبدان لقب له وهو مولى المهلب بن أبي صفرة، سمع مالكًا وحماد بن زيد وغيرهما من الأعلام، وعنه الذهلي والبخاري وغيرهما، وروى مسلم وأبو داود والنسائي عن رجل عنه، وأخرج لَهُ الترمذي أيضًا. مات سنة إحدى أو اثنتين وعشرين أو عشرين ومائتين عن ست وسبعين سنة.

قَالَ أحمد بن عبدة (الآملي)

(1)

: تصدق عبدان بن عثمان في حياته بألف ألف درهم، وكَتَبَ كُتُبَ عبد الله بن المبارك بقلم واحدٍ، وقال أحمد: ما بقي الرحلة إلا إلى عبدان خراسان. وقال أحمد السالف عنه: ما سألني أحد حاجة إلا قمت لَهُ بنفسي، فإن تم وإلا قمت له بمالي، فإن تم وإلا استعنت بالإخوان، فإن تم وإلا استعنت بالسلطان

(2)

.

فائدة:

عبدان هذا لَهُ أخ اسمه عبد العزيز بن عثمان المعروف بشاذان

(3)

، وعبدان أيضا هو ابن بنت عبد العزيز بن أبي رواد، وكلهم موالي المهلب كما سلف.

(1)

في (خ): (الأيلي).

(2)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 147 (449)، و"الجرح والتعديل" 5/ 113 (518)، و"الثقات" 8/ 352، و"تهذيب الكمال" 15/ 276 - 279 (3416).

(3)

انظر: "ثقات ابن حبان" 8/ 395، "تهذيب الكمال" 18/ 172 (3463).

ص: 356

فائدة ثانية:

عبدان لقب لجماعة أكبرهم هذا، قَالَ ابن طاهر: إنما قيل لَهُ ذَلِكَ؛ لأن كنيته أبو عبد الرحمن واسمه عبد الله، فاجتمع في اسمه وكنيته العبدان، وهذا لا يصح بل ذَلِكَ من تغيير العامة للأسامي وكسرهم لها في زمن صغر المسمى أو نحو ذَلِكَ، كما قالوا في علي:(عليان)

(1)

، وفي أحمد بن يوسف السلمي وغيره: حمدان، وفي وهب بن بقية الواسطي: وهبان

(2)

.

الراوي الثاني عن ابن المبارك: بشر بن محمد، أبو محمد المروزي السختياني، روى عنه البخاري منفردًا به عن باقي الكتب الستة هنا وفي التوحيد، وفي الصلاة وغيرها. ذكره ابن حبان في "ثقاته"، وقال: كان مرجئًا

(3)

. مات سنة أربع وعشرين ومائتين، وأهمل المزي وفاته

(4)

،

(1)

في (ف): (علان).

(2)

تعقب هذا القول العيني في "عمدة القاري" 1/ 83 حيث قال: قلت: والذي قاله ابن طاهر هو الأوجه؛ لأن عبدان تثنية عبد، ولما كان أول أسمه عبد وأول كنيته عبد قيل: عبدان أهـ.

قلت: وقد ذكر الذهبي في "السير" 20/ 464 - 465 قصة طريفة عن سبب تسمية عبدان، قال: السمعاني: كنت أنسخ بجامع بُرُوجِرد، فقال شيخ رث الهيئة: ما تكتب؟ فكرهت جوابه، وقلت: الحديث.

فقال: كأنك طالب حديث؟ قلت: بلى، قال: من أين أنت؟ قلت: من مرو. قال: عمَّن روى البخاري من أهل مرو؟ قلت: عن عبد الله بن عثمان وصدقة بن الفضل. قال: لم لقب عبد الله بعبدان؟ فتوقفت، فتبسم، فنظرت إليه بعين أخرى، وقلت: يفيد الشيخ. قال: كنيته أبو عبد الرحمن، واسمه عبد الله، فاجتمع فيه العبدان، فقيل: عبدان. فقلت: عمن هذا؟ قال: سمعته من محمد بن طاهر. أهـ.

(3)

"الثقات" 8/ 144.

(4)

"تهذيب الكمال" 4/ 145 - 146.

ص: 357

وذكر ابن أبي حاتم بشر بن محمد الكندي، روى عن ابن أبي رزمة، وعنه علي بن خشرم

(1)

، وجعله غير السختياني هذا ويحتمل أن يكونا واحدًا

(2)

.

فائدة:

هذا الإسناد اجتمع فيه عدة مراوزة: ابن المبارك وراوياه كما علمته.

الوجه الثالث:

قوله: (وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ). هذِه واو التحويل من إسناد إلى آخر، ويعبر عنها غالبًا بصورة ح مهملة مفردة ولها ثلاث فوائد:

الأولى: الانتقال من إسناد إلى آخر.

ثانيها: رفع توهم أن إسناد هذا الحديث سقط

(3)

.

ثالثها: عدم تركيب الإسناد الثاني عَلَى الأول.

وكتب جماعة من الحفاظ موضعها صح، وقيل: إنها رمز إلى قولنا: الحديث، وإن أهل المغرب كلهم يقولون إِذَا وصلوا إليها: الحديث، والمختار (أن يقول)

(4)

: ح ويمر كما سلف في القواعد أول الكتاب

(5)

.

وقوله: (ومعمر نحوه) أي: نحو حديث يونس.

(1)

"الجرح والتعديل" 2/ 365 (1406).

(2)

انظر ترجمته في بشر بن محمد في: "التاريخ الكبير" 2/ 84 (1772)، و"الجرح والتعديل" 2/ 364 - 365 (1402)، و"تهذيب الكمال" 4/ 145 - 146 (705)، و"تهذيب التهذيب" 1/ 231.

(3)

كذا (ف)، وهو خطأ، وصوابه: رفع توهم أن حديث هذا الإسناد سقط. انظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص (203)، وكتبها المصنف على الصواب في "المقنع" 1/ 364.

(4)

في (ف): (أنه يقول).

(5)

انظر: "علوم الحديث" ص 203 - 204، و"المقنع" 1/ 364.

ص: 358

الوجه الرابع: في ضبط ألفاظه ومعانيه:

قوله: (وَكَانَ أَجْوَدُ) رفع الدال من أجود أصح وأشهر، أي: كان أجود أكوانه في رمضان -أي: أحسن أيامه فيها- (فهو)

(1)

مبتدأ مضاف إلى المصدر، وخبره رمضان، والنصب عَلَى أنه خبر كان وفيه بُعْد؛ لأنه يلزم منه أن يكون خبرها هو اسمها ولا يصح إلا بتأويل بعيد.

وقوله: (وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ) هو تكرار يسمى عند أهل البيان التوشيح، والجود: كثرة الإعطاء. وقوله: (فَلَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) بفتح اللام وقوله: (مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ) يعني: إسراعًا وعمومًا، وقيل: عطاؤه عام كالريح. وقوله: (فِي كُلِّ لَيْلَةٍ) وكذا هو لبعض رواة مسلم، وهو المحفوظ، ووقع في مسلم:(في كل سنة في رمضان حتَّى ينسلخ)

(2)

وهو بمعنى الأول، لأن قوله:(حتَّى ينسلخ) بمعنى كل ليلة.

الوجه الخامس: في فوائده:

الأولى: فيه كما قَالَ القاضي: تجديد الإيمان واليقين في قلبه بملاقاة الملك، وزيادة ترقيه في المقامات بمدارسته، وهذا منه صلى الله عليه وسلم امتثال لقوله تعالى في تقديم الصدقة بين يدي نجوى الرسول التي كان أمر الله بها عباده، (فامتثله)

(3)

صلى الله عليه وسلم بين يدي مناجاة الملك، وإن كان الله قد نسخه عن أمته

(4)

. فكان صلى الله عليه وسلم يلتزم أشياء في طاعة ربه كالوصال

(5)

، وخص بذلك رمضان لوجوه:

(1)

في (ج): (فهي).

(2)

مسلم (2308).

(3)

في (ج): فأمسكه.

(4)

"إكمال المعلم" 7/ 273.

(5)

يدل على هذا عدة أحاديث منها ما سيأتي (1961 - 1964) كتاب: الصوم، باب: الوصال، ومن قال: ليس في الليل صيام، و (1965 - 1966) باب: التنكيل لمن أكثر الوصال.

ص: 359

أحدها: أنه شهر فاضل وثواب الصدقة فيه مضاعف، وكذلك العبادات، قَالَ الزهري: تسبيحة في رمضان خير من سبعين في غيره

(1)

.

ثانيها: أنه شهر الصوم، فإعطاء الناس والإحسان إليهم إعانة لهم عَلَى (الفطر)

(2)

والسحور.

ثالثها: أن الإنعام يكثر فيه، فقد جاء في الحديث أنه يزاد فيه في رزق المؤمن

(3)

، وأنه يعتق فيه كل يوم ألف ألف عتيق من النار

(4)

، فأحب الشارع أن يوافق ربه في الكرم.

رابعها: أن كثرة الجود كالشكر لترداد جبريل إليه في كل ليلة.

(1)

رواه الترمذي (3472)، وابن عبد البر في "التمهيد" 16/ 156، والمزي في "تهذيب الكمال" 33/ 78 - 79، من طريق الحسن بن صالح عن أبي بشر عن الزهري، ولفظه: تسبيحة في رمضان، أفضل من ألف تسبيحة في غيره، قال الذهبي في "الميزان" 7/ 169: أبو بشر عن الزهري لا يعرف، تفرد عنه الحسن بن صالح بن حي. أهـ. والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف سنن الترمذي"، ورواه أيضًا ابن أبي شيبة 6/ 107 (29831) من طريق يحيى بن آدم عن حسين بن أبي بشر عن الزهري بنحوه.

(2)

في (ج): الفطور.

(3)

قطعة من حديث رواه الحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث"(318)، والمحاملي في "أماليه"(293)، وابن خزيمة (1887)، والبيهقي في "الشعب" 3/ 305 - 306 (3608)، وفي "فضائل الأوقات" (37) من طرق عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يوم من شعبان فقال: "أيها الناس إنه قد أظلكم شهر عظيم .. " الحديث.

قال أبو حاتم في "العلل" 1/ 249: حديث منكر، وأشار ابن خزيمة إلى ضعفه فقال: إن صح، وقال الألباني في "الضعيفة" (871): منكر.

(4)

قطعة من حديث رواه الفاكهي في "أخبار مكة" 2/ 314 - 317 (1575)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 335 - 337 (3695)، والديلمي كما في "الفردوس"(4960)، وابن الجوزي في "العلل" (880) من حديث الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الجنة لتنجد وتزخرف .. " الحديث. =

ص: 360

خامسها: أنه لما كان يدارسه القرآن زادت معاينته الآخرة فأخرج ما في يده (من)

(1)

الدنيا.

الثانية: استحباب مدارسة القرآن وكذا غيره من العلوم الشرعية، وحكمة المدارسة أن الله تعالى ضمن لنبيه أن لا ينساه فأنجزه بها، وخص بذلك رمضان؛ لأن الله تعالى أنزل القرآن فيه إلى سماء الدنيا جملة من اللوح المحفوظ ثمَّ نزل بعد ذَلِكَ نجومًا عَلَى حسب الأسباب في عشرين سنة، يروى أن الله تعالى أنزله في ليلة (أربعة)

(2)

وعشرين منه

(3)

، وقال الحسن: ذكر لنا أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة نزل عليه بمكة ثماني سنين قبل أن يهاجر، وبالمدينة عشر سنين

(4)

، وقال الشعبي: فرق الله تنزيله، بين أوله وآخره عشرون أو (نحو)

(5)

من عشرين سنة

(6)

.

ويقال: إن الذي نزل بالمدينة ثمان وعشرون سورة، وسائرها بمكة وقد أسلفنا ذَلِكَ في حديث الوحي عن ابن عباس وابن الزبير، ويقال: إن

= قال ابن الجوزي في "العلل": هذا حديث لا يصح، وقال في "الموضوعات" 2/ 552: إسناده لا يثبت، وكذا قال الشوكاني في "الفوائد" ص 89. ورواه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1120) من حديث أبي هريرة، وقال: حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه مجاهيل.

وقال الألباني في "الضعيفة"(299، 5468): موضوع.

(1)

في (ج): في.

(2)

كذا في الأصول. وفي "تفسير الطبري": (أربع).

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 221 (31026) عن قتادة.

(4)

رواه الطبري فى "تفسيره" 8/ 163 (22787، 22789).

(5)

روي نحوه عن قتادة، رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 331 (1636)، والطبري 8/ 162 - 163 (22779 - 22788).

(6)

في (ج): (نحوًا).

ص: 361

في ليلة أربع وعشرين من رمضان نزلت صحف إبراهيم والتوارة والإنجيل. وقيل: نزلت صحف إبراهيم أول ليلة منه، والتوارة لست والإنجيل لثلاث عشرة، والقرآن لأربع وعشرين.

الثالثة: مجالسة الصالحين فإنه ينتفع بهم.

الرابعة: استحباب إكثار قراءة القرآن في رمضان فإنه صلى الله عليه وسلم فعل ذَلِكَ للتأسي.

الخامسة: الحث عَلَى الجود والإفضال في كل الأوقات والزيادة منه في شهر رمضان، ومواطن الخير، وعند الاجتماع بالصالحين، وعقب فراقهم؛ ليتأثر بلقائهم.

السادسة: زيارة الصالحين وأهل الفضل ومجالستهم كما سلف وتكرير زيارتهم وتواصلها إِذَا كان المزور لا يكره ذَلِكَ ولا يتعطل به عن مهم هو عنده أفضل من مجالسة زائره، فإن كان بخلاف ذَلِكَ استحب تقليلها.

السابعة: أنه لا بأس بقول: رمضان من غير ذكر شهر، وهذا هو المذهب الصحيح المختار، وسيأتي في كتاب الصيام إن شاء الله بيان الاختلاف فيه حيث ذكره البخاري، وقد كثرت الأحاديث الصحيحة بإطلاق رمضان

(1)

.

الثامنة: أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح وسائر الأذكار، لأنه تكرر اجتماعهما عليه دون الذكر، لا يقال: المقصود تجويد الحفظ، فإنه كان حاصلًا والزيادة فيه تحصل ببعض هذِه المجالمس.

(1)

سيأتي الكلام على هذِه المسألة مفصلًا في كتاب: الصوم، باب: هل يقال رمضان أو شهر رمضان، ومن رأى كله واسعًا. حديث (1898 - 1900).

ص: 362

‌7 - باب

7 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِى رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ -وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأمِ- فِى الْمُدَّةِ الَّتِى كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ فِى مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا.

فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّى، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ.

ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّى سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِى فَكَذِّبُوهُ.

فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ.

ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِى عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ.

قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ لَا.

قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لَا.

قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ.

قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ.

قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ لَا.

قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا.

قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِى مُدَّةٍ لَا نَدْرِى مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا. قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّى كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ.

قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ.

قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ.

ص: 363

فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِى نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ: هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِى بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، قُلْتُ: فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ. فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّى أَعْلَمُ أَنِّى أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ.

ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِى بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ. سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لأَصْحَابِى حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِى كَبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِى الأَصْفَرِ. فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللهُ عَلَىَّ الإِسْلَامَ. وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ، صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ، سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، يُحَدِّثُ

ص: 364

أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ. قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ: وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِى النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِى النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلاَّ الْيَهُودُ فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِىَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا. فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ. فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ. ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِى الْعِلْمِ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْىَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ نَبِىٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِى دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِى الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَىَّ. وَقَالَ: إِنِّى قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ.

رَوَاة صَالِحُ بْن كَيْسَانَ وُيُونُسُ وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. [51، 2681، 2804، 2141، 2178، 3174، 4553، 5180، 6260، 7116، 7541 - مسلم 1772 - فتح 1/ 31]

الحديث السابع:

قال البخاري رحمه الله:

حَدَّثنَا أَبُو اليَمَانِ الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أبْنَا شعيب، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْب أَخْبَرَهُ، أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ -وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ- فِي المُدَّةِ التِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَادَّ فِيهَا

ص: 365

أَبَا سُفْيَانَ وَكفَّارَ قُرَيْش، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ

(1)

، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِالترجمان، فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بهذا الرَّجُلِ الذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا. فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هذا عَنْ هذا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذّبُوهُ. فَوَاللهِ لَوْلَا الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأثِرُوا على كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هذا القَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ اتبعوه أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا. قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هذِه الكَلِمَةِ. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاة؟ قُلْتُ: الحَرْب بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ. قَالَ مَاذَا يَامُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ، لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ.

فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَهُ فِيكُمْ ذُو نَسَب، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُم هذا القَوْلَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هذا القَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَتَأَسَى بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ

(1)

هنا انتهى الحديث من (ج) وفيها: رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري.

ص: 366

مَلِكٍ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِك قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ على اللهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَألْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الإيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ؟ (فقلت:)

(1)

فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأمرُكُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تعْبُدُوا اللهَ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأمرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ. فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ. ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذِي بَعَثَ بِهِ مع دحِيَةَ إِلَى عَظِيمِ بُصْرى، فَدَفَعَهُ إلى هِرَقْلَ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّوم. سَلَامٌ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدى، أَمَّا بَعْدُ فَإِني أَدْعُوكَ بدِعَايَةِ الإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُوتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنًّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ

(1)

في هامش (ف): فَذَكَرْتَ.

ص: 367

الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ فَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابن أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بني الأَصْفَرِ. فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللهُ عَلَيَّ الإِسْلَامَ. وَكَانَ ابن النَّاطُورِ، صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ، سُقُفًّا عَلَى نَصَارى الشَّامِ، يُحَدثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمَا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ. قَالَ ابن النَّاطُورِ وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءَ يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هذِه الأُمَّةِ؟ قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا اليَهُودُ فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَى مَدَائِنِ مُلْكِكَ، فَليَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ اليَهُودِ. فَبَيْنَمَا هُمْ على أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلِ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا. فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ العَرَبِ فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ. فَقَالَ هِرَقْلُ: هذا مَلِكُ هذِه الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ. ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبِ لَهُ بِرُومِيَةَ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي العِلْمِ، وَسَارَ هِرَقْلُ إلى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأى هِرَقْلَ عَلَى خرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعَاشِرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الفَلَاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هذا النَّبِيَّ؟ فَحَاصوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ. وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ على دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ. رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وُيونُسُ وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

ص: 368

الكلام عليه من عشرة وجوه:

أحدها:

هذا الحديث وجه مناسبته للباب عدم اتهامه بالكذب، وأنه لم يكن ليذر الكذب عَلَى الناس ويكذب عَلَى الله تعالى، وأيضًا فهو مشتمل على ذكر آيات أنزلت عَلَى من تقدم من الأنبياء، وعلى ذى جملة من أوصاف من يوحى إليه، وكرره البخاري في "صحيحه" في مواضع:

أخرجه هنا كما ترى، وفي الجهاد عن إبراهيم بن حمزة، عن إبراهيم بن سعد عن صالح

(1)

.

وفي التفسير عن إبراهيم بن موسى، عن هشام. وفيه: عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرزاق قالا: حَدَّثنَا معمر، كلهم عن الزهري به

(2)

.

وفي الشهادات عن إبراهيم بن حمزة، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن الزهري مختصرًا: سألتك هل يزيدون أو ينقصون

(3)

؟

وفي الجزية عن يحيى بن بكير، عن الليث، عن يونس عن الزهري مختصرًا

(4)

.

وفي الأدب عن ابن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري مختصرًا أيضًا

(5)

، وعن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن يونس عن

(1)

سيأتي برقم (2940) باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

سيأتي برقم (4553) باب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ

}.

(3)

سيأتي برقم (2681) دون هذا اللفظ، أما هذا الَلفظ فقد أخرجه في كتاب الجهاد برقم (2940)، ولعل هذا اللبس سببه أن السند في الحديثين واحد.

(4)

سيأتي برقم (3174) باب: فضل الوفاء بالعهد.

(5)

سيأتي برقم (5980) باب: صلة المرأة أمها ولها زوج.

ص: 369

الزهري مختصرًا

(1)

.

وأخرجه أيضًا في الإيمان

(2)

، والعلم

(3)

، والأحكام

(4)

، والمغازي

(5)

، وخبر الواحد

(6)

، والاستئذان

(7)

. فهذِه أربعة عشر موضعًا

(8)

.

وأخرجه مسلم في المغازي عن خمسة من شيوخه: إسحاق بن إبراهيم، وابن أبي عمر، وابن رافع، وعبد بن حميد، والحلواني عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري به بطوله، وعن الأخيرين عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح، عن الزهري به

(9)

.

(1)

هو في كتاب: الاستئذان (6260)، باب: كيف يكتب الكتاب إلى أهل الكتاب. وسيكرر ذكره.

(2)

سيأتي برقم (51) باب: 38.

(3)

لم يخرجه البخاري في كتاب العلم، بل أخرج في كتاب العلم من حديث ابن عباس في قصة بعث النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى كسرى، رقم (64).

(4)

سيأتي برقم (7196) باب: ترجمة الحكام، هل يجوز ترجمان واحد.

(5)

لم يخرجه البخاري في كتاب المغازي، بل أخرج في كتاب المغازي حديث ابن عباس في قصة بعث النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى كسرى، رقم (4424).

(6)

سيأتي معلقًا قبل حديث (7264) باب: ما كان يبعث النبي صلى الله عليه وسلم من الأمراء والرسل واحدًا بعد واحد.

(7)

تقدم في تخريج سابق (6260)، فهما حديث واحد لكن التبس على المصنف.

(8)

قلت: فات المصنف بعض المواضع إليك بيانها: كتاب الجهاد، باب: قول الله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ .. } ، (2936) كتاب الجهاد، باب: هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب، (2978) كتاب الجهاد، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالرعب مسيرة شهر". ورواه معلقًا قبل حديث (1395) كتاب الزكاة، باب: وجوب الزكاة، (7541) كتاب التوحيد، باب: ما يجوز من تفسير التوارة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها.

(9)

مسلم (1773) باب: كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام.

ص: 370

وأخرجه أبو داود في الأدب

(1)

، والترمذي في الاستئذان

(2)

، والنسائي في التفسير

(3)

، ولم يخرجه ابن ماجه.

ثانيها:

هذا الحديث ليس لأبي سفيان في الصحيحين وهذِه الكتب الثلاثة سواه، ولم يروه عنه إلا ابن عباس.

ثالثها:

لما ساق البخاري الحديث قَالَ في آخره: (رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري، وذكر مسلم رواية صالح وفيها: وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكرًا لما (آتاه)

(4)

الله تعالى

(5)

.

قَالَ الحميدي: اختصر مسلم زيادة صالح. وقد أتمها أبو بكر البرقاني بعد قوله: لما أبلاه الله تعالى. فلما جاء قيصرَ كتابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ حين قرأه: التمسوا ها هنا أحدًا من قومه نسألهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ ابن عباس: فأخبرني أبو سفيان بن حرب أنه كان بالشام (وقته)

(6)

، فوجدنا رسول قيصر، فانطلق بي وبأصحابي حين قدمنا إيليا فأدخلنا عليه، فإذا هرقل جالس عَلَى مجلس ملكه عليه التاج، وإذا حوله عظماء الروم فذكر نحوه.

(1)

أبو داود (5136) باب: كيف يكتب إلى الذمي.

(2)

الترمذي (2717) باب: ما جاء كيف يكتب إلى أهل الشرك.

(3)

النسائي في "السنن الكبرى" 6/ 309 (11064).

(4)

كذا في (ف)، وفي (ج) أبلاه.

(5)

مسلم (1773).

(6)

في (ج) وفيه.

ص: 371

رابعها: في التعريف برواته:

وقد سلف التعريف بابن عباس وعبيد الله والزهري ويونس ومعمر.

وأما أبو سُفيان: فهو صَخْر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي المكي، ويكنى بأبي حنظلة أيضًا، وُلِد قبل الفيل بعشر سنين. وأسلم ليلة الفتح، وشهد الطائف وحنينًا، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين مائة من الإبل وأربعين أوقية، وفقئت عينه الواحدة يوم الطائف والأخرى يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد، (نزل المدينة، ومات بها سنة إحدى وثلاثين، وقيل: أربع، ابن ثمان وثمانين سنة وصلى عليه عثمان بن عفان)

(1)

.

وهو والد معاوية وإخوته، وأمه صفية بنت حزن بن بجير بن الهُزَم بن رويْبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة، وهي عمة ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، روى عنه مع ابن عباس ابنه معاوية وغيره

(2)

.

وقال له صلى الله عليه وسلم لما ذهبت عينه وهي في يده: "أيما أحب إليك عين في الجنة، أو أَدْعُ الله أن يردها عليك؟ "

(3)

قَالَ: بل عين في الجنة.

فائدة:

أبو سفيان في الصحابة جماعة، لكن هذِه الترجمة -أعني: ابن حرب- من الأفراد.

وأما شعيب: (ع) فهو ابن أبي حمزة دينار القرشي الأموي، مولاهم

(1)

ساقط من (ج).

(2)

انظر ترجمته في: "معجم الصحابة" للبغوي 3/ 352 - 361، "معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 19 (460)، "الاستيعاب" 2/ 270 - 271 (1211)، "أسد الغابة" 3/ 10 - 11 (2484)، "الإصابة" 2/ 178 - 180 (4046).

(3)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 23/ 435.

ص: 372

أبو بشر الحمصي. سمع خلقًا من التابعين منهم الزهري، وعنه خلق، وهو ثقة حافظ متقن.

مات سنة اثنتين وقيل: ثلاث وستين ومائة، وقد جاوز السبعين

(1)

، وهذا الاسم مع أبيه من أفراد الكتب الستة ليس فيها سواه.

وأما أبو اليمان: (ع) الحكم بن نافع فهو حمصي أيضًا بهراني، مولى امرأة من بهراء يقال لها: أم سلمة.

روى عن خلق، منهم إسماعيل بن عياش، وعنه أحمد وخلائق، ولد سنة ثمان وثلاثين ومائة، ومات سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائتين

(2)

.

فائدة:

في هذا من لطائف الإسناد: رواية حمصي عن حمصي، والزهري شامي. وأما صالح بن كيسان فهو أبو محمد الغفاري مولاهم المدني، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، سمع ابن عمر وابن الزبير، وغيرهما من التابعين، وعنه من التابعين عمرو بن دينار وغيره، سُئِلَ أحمد عنه فقال: بخ بخ

(3)

، قَالَ الحاكم: توفي وهو ابن مائة سنة ونيف وستين

(1)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 468، "التاريخ الكبير" 4/ 222 (2576)، "معرفة الثقات" 1/ 458 (732)، "الجرح والتعديل" 4/ 344 - 345 (1508)، "تهذيب الكمال" 12/ 516 - 520 (2747).

(2)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 472، "التاريخ الكبير" 2/ 344 (2691)، "معرفة الثقات" 1/ 314 - 315 (341)، "الثقات" 8/ 194، "الجرح والتعديل" 3/ 129 (586)، "تهذيب الكمال" 7/ 146 - 155 (1448).

(3)

انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 194 - 411 (1808).

ص: 373

سنة، وكان لقي جماعة من الصحابة ثمَّ بعد ذَلِكَ تلمذ عَلَى الزهري وتلقن منه العلم وهو ابن تسعين سنة، ابتدأ (بالتعلم)

(1)

وهو ابن (تسعين)

(2)

سنة. قَالَ ابن معين: وصالح أكبر من الزهري يعني: في السن. قَالَ الواقدي: توفي بعد الأربعين ومائة، قَالَ غيره: سنة خمس وأربعين

(3)

، قُلْتُ: فعلى هذا يكون أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وعمره نحو العشرين، وفيما قاله الحاكم نظر.

فائدة:

ليس في الكتب الستة الحكم بن نافع وصالح بن كيسان غير هذين، وفي الرواة الحكم بن نافع آخر، روى عنه الطبراني، وهو قاضي القلزم، ذكره الخطيب في "المتفق والمفترق".

الوجه الخامس: في التعريف بالأسماء الواقعة فيه ممن ليس له رواية فيه.

هِرَقل وهو بكسر الهاء وفتح الراء على المشهور، وحكى جماعة إسكان الراء وكسر القاف منهم: الجوهري

(4)

كخندف، ولم يذكر القزاز غيره. وكذا صاحب "الموعب"، ولما أنشد صاحب "المحكم" بيت لبيد بن ربيعة

(5)

:

غَلبَ اللَّيالِي خَلْفَ آل محرِّق

وكما فعلن بِتُبَّعٍ وبِهِرْقِلِ

(1)

في (ج): العلم.

(2)

في (ف): سبعين. ويوجد بالهامش تعليق نصه: تسعين، كذا بخط النووي.

(3)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 4/ 288 (2848)، "معرفة الثقات" 1/ 465 (752)، "الثقات" 6/ 454 - 455، "تهذيب الكمال" 13/ 79 - 84 (2834).

(4)

"الصحاح" 5/ 1849 مادة (هرقل).

(5)

هو لبيد بن ربيعة بن مالك بن كلاب العامري، كان من شعراء الجاهلية وأدرك =

ص: 374

قال: أراد هرقلًا فاضطر فغير.

والهرقل

(1)

: المنخل

(2)

، ولا ينصرف للعلمية والعجمة، وزعم الجواليقي

(3)

أنه عجمي تكلمت به العرب، وهو اسم علم له ولقبه قيصر، وكذا كل مَنْ مَلَكَ الروم يقال له: قَيْصَر، كما أن كل مَنْ مَلَكَ الفرس يقال له: كِسرى، والترك: خَاقان، والحبشة: النَّجاشي، والقبط: فِرْعَون

(4)

، ومصر: العَزِيز، وحمير: تبع، وا لهند: دُهمى وفَغْفور، والزنج: عانة، واليونان: بطليموس، واليهود:(فِطيون)

(5)

أو مالخ، ورأس جالوت لمن كان ملكًا منهم من بني داود خاصة،

= الإسلام وأسلم، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني كلاب، مات بالكوفة في خلافة معاوية، وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة. انظر ترجمته في:"الشعر والشعراء" ص 167، "طبقات ابن سعد" 6/ 33، "الإصابة" 3/ 326، "الخزانة" 2/ 246.

(1)

في "المحكم": الهرلق.

(2)

"المحكم" 4/ 332.

(3)

هو العلامة الإمام اللغوي، أبو منصور، موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن بن الجواليقي، إمام الخليفة المقتفي، مولده سنة 466 هـ سمع من أبي القاسم بن البُسري، وأبي طاهر بن أبي الصقر، والنقيب طِراد بن محمد الزينبي، وعدة. وطلب بنفسه مدة، ونسخ الكثير.

حدَّث عنه: ابنته خديجة، والسمعاني، وابن الجوزي والتاج الكندي ويوسف بن كامل، قال السمعاني: إمام في النحو واللغة من مفاخر بغداد، قرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي ولازمه وبرع، وهو ثقة ورع غزير الفضل، وافر العقل، مليح الخط، كثير الضبط، صنف التصانيف. مات في المحرم سنة أربعين وخمسمائة.

انظر: "الأنساب" 3/ 337، "المنتظم" 10/ 118، "اللباب" 1/ 301، "وفيات الأعيان" 5/ 342 - 344، "سير أعلام النبلاء" 20/ 89 - 91 (50)، "شذرات الذهب" 4/ 127.

(4)

ورد بهامش (ف) تعليق نصه: فرعون بلغة القبط: التمساح.

(5)

في (ج) فيطون.

ص: 375

ومَنْ مَلَكَ الصائبة يقال له: نمرود، والتبابعة: ملوك اليمن من بني قحطان، وجالوت: لملك البربر. والإخشيد: لمن ملك فرغانة، والنعمان: لمن ملك العرب من قبل العجم، وجرجير: لمن ملك إفريقية، وشهرمان: لمن ملك خلاط، وفور: لمن ملك السند، والأصفر: لمن ملك عَلوى، ورتبيل: لمن ملك الخزر، وكابل: لمن ملك النوبة، وماجد: لمن ملك الصقالبة.

وتنازع ابنا (عبد الحكم)

(1)

في أنه يقال له: هرقل أم قيصر وترافعا إلى الشافعي فقال: هو هرقل، وقيصر الأول علم له والثاني لقب كأمير المؤمنين، وهو أول من ضرب الدنانير وأحدث البيعة.

ومعنى الحديث الصحيح: "إِذَا هَلَكَ كِسْرى فَلَا كِسْرى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ"

(2)

لا قيصر بعده بالشام ولا كسرى بعده بالعراق

(3)

كما قاله الشافعي في "المختصر"، قال: وسبب الحديث أن قريشًا كانت تأتي الشام والعراق كثيرًا للتجارة في الجاهلية فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهما لمخالفتهم أهل الشام والعراق بالإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم:"لا قيصر ولا كسرى" أي: بعدهما في هذين الإقليمين ولا ضرر عليكم فلم يكن قيصر بعده بالشام ولا كسرى بعده بالعراق ولا يكون

(4)

، وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده (لتنفقن

(1)

في (ج): الحكم.

(2)

رواه البخاري (3618) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، ومسلم (2918) كتاب: الفتن، باب: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل

(3)

ورد بهامش (ف) تعليق نصه: للأولاد، كذا في "مرج البحرين".

(4)

"مختصر المزني بهامش الأم" 5/ 195 - 196.

ص: 376

كنوزهما)

(1)

في سبيل الله"

(2)

ففتحت الصحابة الإقليمين في زمن عمر وسيمر بك قريبًا حاله إن شاء الله.

فائدة:

معنى قيصر: البقير والقاف على لغتهم (غير صافية)

(3)

وذلك أن أمه لما أتاها الطلق به ماتت فبقر بطنها عنه فخرج حيًّا، وكان يفخر بذلك؛ لأنه لم يخرج من فرج، واسم قيصر في لغتهم مشتق من القطع؛ لأن أحشاء أمه قُطعت حتى أخرج منها؛ لأنها لما ماتت عندما اشتد بها الطلق بقي الولد يضطرب في جوفها فشقوا جوفها وأخرجوه، وكان شجاعًا جبارًا مقدامًا في الحروب نبه على ذلك ابن دحية في:"مرج البحرين".

وفيه أيضًا: دحية هو بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان اختلف في أرجحهما.

قال المطرز: والدحى: الرؤساء، واحدهم دحية، وهو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزج -بخاء معجمة مفتوحة ثم زاي ساكنة ثم جيم- وهو العظيم -واسمه زيد مناة -سمي بذلك لعظم بطنه- بن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف -وهو زيد اللات- وقيل: ابن عامر الأكبر بن بكر بن زيد اللات، وهو ما ساقه المزي أولًا، قال: وقيل: عامر الأكبر بن عوف بن بكر بن

(1)

في (ف): لتنفق كنوزها.

(2)

سيأتي برقم (3120) كتاب: فرض الخمس، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحلت لكم الغنائم"، ورواه مسلم (2918) كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيتمنى أن يكون مكان الميت، عن أبي هريرة.

(3)

في (ج): عرضًا فيه.

ص: 377

عوف بن عبد بن زيد اللات بن (رُفَيدة)

(1)

-بضم الراء وفتح الفاء- بن ثور بن كلب

(2)

، بن وبَرة -بفتح الباء- بن تغلب -بالغين المعجمة- بن حلوان بن عمران بن إلحاف -بالحاء والفاء- بن قضاعة بن معد بن عدنان، وقيل: قضاعة إنما هو ابن مالك بن حمير بن سبأ، كان من أجمل الصحابة وجهًا ومن كبارهم، وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورته، وذكر السهيلي عن ابن سلام في قوله تعالى:{أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11]، قال: كان اللهو نظرهم إلى وجه دحية لجماله، وروي أنه كان إذا قدم الشام لم يبق (معصرة)

(3)

إلا خرجت تنظر إليه

(4)

.

قال ابن سعد: أسلم قديمًا ولم يشهد بدرًا وشهد المشاهد بعدها وبقي إلى خلافة معاوية

(5)

. وقال غيره: شهد اليرموك وسكن المزة قرية بقرب دمشق

(6)

.

فائدة:

كان بعث الكتاب سنة ست، قاله أبو عمر

(7)

، قال خليفة: سنة

(1)

في (ج): رفيد.

(2)

"تهذيب الكمال" 8/ 473.

(3)

ورد بهامش الأصل: معصبة، والصواب ما أثبتناه كما جاء في التخريج.

(4)

"الروض الأنف" 1/ 269، والقصة أوردها: ابن قتيبة في "غريب الحديث" 2/ 360، والزمخشري في "الفائق" 2/ 440، وابن عساكر في "تاريخه" 17/ 215، والنووي في "تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 184، والمزي في "تهذيب الكمال" 8/ 474، والذهبي في "السير" 2/ 554، والصفدي في "الوافي بالوفيات" 14/ 5، كذا بلا إسناد، ولم يعلق عليها أحد، والله أعلم بصحتها.

(5)

"الطبقات الكبرى" 4/ 249 - 251.

(6)

تقدمت ترجمة دحية الكلبي في شرح حديث رقم (1).

(7)

"الاستيعاب" 4/ 251.

ص: 378

خمس، وقال محمد بن عمر لقيه بحمص فدفع له الكتاب في المحرم سنة سبع

(1)

. وروى الحارث بن أبي أسامة في حديث دحية أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من ينطلق بكتابي هذ إلى قيصر وله الجنة". قالوا: وإن لم يقتل يا رسول الله؟ قال: "وإن لم يقتل". فانطلق به رجل. يعني: دحية. وساق الحديث

(2)

.

وقال السهيلي: لم يذكر ابن إسحاق في غزوة تبوك ما كان من أمر هرقل فإنه صلى الله عليه وسلم كتب إليه من تبوك مع دحية ثم كتب كتابًا وأرسله مع دحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: إني مسلم ولكني مغلوب على أمري، وأرسل إليه بهدية، فلما قرأ الكتاب قال:"كذب عدو الله ليس هو بمسلم بل هو على نصرانيته" وقبل هديته وقسمها بين المسلمين.

قلت: وكانت تبوك في السنة التاسعة كما سيأتي

(3)

.

(1)

انظر: "الطبقات الكبرى" 4/ 251.

(2)

رواه الحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث"(638)، و"إتحاف الخيرة المهرة"، 5/ 133 - 134 (4389)، و"المطالب العالية" 17/ 502 من طريق معاوية بن عمرو ثنا أبو إسحاق، عن حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله به.

قال البوصيري في "الإتحاف" 5/ 134: هذا إسناد مرسل رواته ثقات. اهـ.

ورواه أبو عبيد في "الأموال" من طريق مروان بن معاوية ويزيد بن هارون، عن حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني به.

قال الحافظ في "الفتح" 1/ 37: وإسناده صحيح من مرسل بكر بن عبد الله المزني. اهـ.

وأخرجه أيضًا ابن حبان 10/ 357 (4504)، ومحمد بن عبد الواحد المقدسي في "الأحاديث المختارة" 6/ 98 (2083) من طريق محمد بن عبد الرحيم عن على بن بحر، عن مروان بن معاوية، عن حميد، عن أنس به.

والحديث صححه الألباني في "صحيح موارد الظمآن" 2/ 104 (1351)، وقال في "فقه السيرة" ص 356: إسناده صحيح لكنه مرسل. اهـ.

(3)

"الروض الأنف" 4/ 196.

ص: 379

فائدة:

ليس في الصحابة من اسمه دحية سواه.

فائدة ثالثة:

لم يخرج من الستة حديثه إلَّا السجستاني في "سننه"

(1)

وهو من أصحاب الحديثين قاله ابن البرقي

(2)

.

وقال البزار

(3)

لما ساق حديثه من طريق عبد الله بن شداد بن الهاد عنه: لم يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث

(4)

.

(1)

انظر حديث رقم (2413)، و (4116).

(2)

أحمد بن عبد الله بن البرقي أبو بكر المحدث الحافظ، الصادق. سمع من: عمرو بن أبي سلمة، وأسد السنة، وابن هشام، وأبي صالح، وعدة. حدَّث عنه: أحمد بن علي المدائني، والطحاوي، وخلق. وله كتاب في "معرفة الصحابة وأنسابهم"، وكان من أئمة الأثر. رفسته دابة، فمات في شهر رمضان سنة سبعين ومائتين، وكان من أبناء الثمانين، وهو الذي استمر فيه الوهم على الطبراني، ويقول كثيرًا في كتبه: حدثنا أحمد بن عبد الله البرقي، ولم يلقه أصلًا، وانما وهم الطبراني، ولقي أخاه عبد الرحيم، وأكثر عنه، واعتقد أن اسمه أحمد فغلط في اسمه.

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 2/ 61 (93)، "المنتظم" 5/ 71، "تذكرة الحفاظ" 2/ 570، "سير أعلام النبلاء" 13/ 47، 48 (33)، "الوافي بالوفيات" 7/ 80 (3020)، "شذرات الذهب" 2/ 158.

(3)

البزَّار: أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، البصري، أبو بكر صاحب المسند الكبير، الذي تكلم على أسانيده، ولد سنة نيف عشرة ومائتين.

قال الدراقطني: ثقة، يخطئ ويتكل على حفظه، وقال أبو عبد الله الحاكم: يخطئ في الإسناد والمتن، وجرحه النسائي. أدركه أجله بالرملة فمات في سنة اثنتين وتسعين ومائتين. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 4/ 334، 335، "المنتظم" 6/ 50، "سير أعلام النبلاء" 13/ 554، 557 (281)، "لسان الميزان" 8/ 236 - 239، "شذرات الذهب" 2/ 209.

(4)

الحديث المشار إليه سيورده المصنف قريبًا في شرح هذا الحديث والكلام عليه =

ص: 380

وفيه أيضًا أبو كبشة رجل من خزاعة كان يعبد الشِّعرى العبور ولم يوافقه أحد من العرب على ذلك قاله الخطابي

(1)

، وفي "المختلف والمؤتلف" للدارقطني أن اسمه: وجز بن غالب من بني (غبشان)

(2)

ثم من بني خزاعة.

قال أبو الحسن النَّسَّابة وغيره في معنى نسبة الجاهلية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي كبشة: إنما ذلك عداوة له ودعوة إلى غير نسبه المعلوم المشهور، كان وهب بن عبد مناف بن زهرة جده أبو آمنة يكنى أبا كبشة

(3)

.

وكذلك عمرو بن زيد بن أسد النجاري أبو سلمة أم عبد المطلب كان يدعى أبا كبشة، وكان وجز بن غالب بن حارث أبو قيلة أم وهب بن عبد مناف بن زهرة أبو أم جده لأمه يكنى: أبا كبشة وهو خزاعي، وكان أبوه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي يكنى بذلك أيضًا، وقيل: إنه والد حليمة مرضعته، حكاه ابن ماكولا

(4)

.

وذكر الكلبي في كتاب "الدفائن" أن أبا كبشة هو حاضن النبي صلى الله عليه وسلم زوج حليمة ظئر النبي صلى الله عليه وسلم واسمه الحارث كما سلف، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا.

= يأتي هناك. وأما قول البزار: لم يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث. رده الهيثمي في "كشف الأستار" 3/ 119 فقال: قلت له حديثان آخران.

(1)

"أعلام الحديث" 1/ 138 - 139.

(2)

"المؤتلف والمختلف" 4/ 2291، وفي الأصول: غبسان وهو خطأ والمثبت هو الصواب.

(3)

وهو متعقب بما قاله الحافظ في "الفتح" 1/ 40، حيث قال: وهذا فيه نظر؛ لأن وهبًا جد النبي صلى الله عليه وسلم اسم أمه عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال، ولم يقل أحد من أهل النسب أن الأوقص يكنى أبا كبشة. اهـ.

(4)

"الإكمال" 7/ 156، 157.

ص: 381

ونقل ابن التين في الجهاد عن الشيخ أبي الحسن أن أبا كبشة جد ظئر النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: قيل: إن في أجداده ستة يسمون أبا كبشة. فأنكر ذلك.

الوجه السادس: في بيان الأسماء المبهمة الواقعة فيه:

فابن الناطور هو

(1)

: ..

وملك غسان هو الحارث بن أبي شمر أراد حرب النبي صلى الله عليه وسلم وخرج إليهم في غزاة ونزل قبيل من كندة ماء يقال له: غسان بالمشلل فسموا به.

الوجه السابع: في أسماء الأماكن الواقعة فيه:

أما الشأم فمهموز ويجوز تركه وفيه لغة ثالثة شآم بفتح الشين والمد وهو مذكر ويؤنث أيضًا حكاه الجوهري

(2)

والنسبة إليه شآمي، وشآم بالمد على فَعال، وشآمي بالمد والتشديد حكاها الجوهري عن سيبويه

(3)

، وأنكرها غيره؛ لأن الألف عوض من ياء النسب فلا يجمع بينهما.

وحد الشام: طولًا من العريش إلى الفرات وقيل: إلى بالس.

(1)

بياض في الأصل وورد بهامش (ج): قوله: الناطور، قال القاضي: هو بطاء مهملة، وعند الحموي بالمعجمة. قال أهل اللغة: فلان ناطور بني فلان وناظرهم بالمعجمة: المنظور إليه منهم، والناطور بالمهملة: الحافظ النخل، أعجمي تكلمت به العرب. قال الأصمعي: هو من النظر، والنبط يجعلون الظاء طاء، وفي "العباب" في: باب الطاء المهملة: الناطر والناطور: حافظ الكرم، والجمع: نواطير. عبارة العيني. انتهى. قلت: سيأتي في: الوجه الأربعين. انظر: "عمدة القاري" 1/ 91.

(2)

"الصحاح" 5/ 1957، مادة:(شأم).

(3)

المصدر السابق.

ص: 382

وقال ابن حبان في "صحيحه": أول الشام بالس

(1)

وآخره العريش

(2)

.

وأما حده عرضًا فمن جبل طيء من نحو القبلة إلى بحر الروم وما يسامت ذلك من البلاد نبه (عليه)

(3)

صاحب "التنقيب على المهذب"، وفي اشتقاقه وسبب تسميته خلاف كبير ذكرته في "الإشارات لغة كتاب المنهاج"

(4)

فراجعه منه، ودخله نبينا صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها ودخله أيضًا عشرة آلاف صحابي كما قاله ابن عساكر في "تاريخه"

(5)

.

وأما إيلياء فهو بيت المقدس، وفيه ثلاث لغات أشهرها كسر الهمزة واللام وإسكان الياء بينهما وبالمد، والثانية مثلها إلا أنها بالقصر، والثالثة إلياء بحذف الياء الأولى وإسكان اللام وبالمد حكاهن صاحب "المطالع" قال: قيل: معناه: بيت الله. وفي "الجامع": أحسبه عبرانيا. ويقال: الإيلياء كذا رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" في مسند ابن عباس

(6)

.

(1)

قال ياقوت: بالس: بلدة بالشام بين حلب والرقة، سميت فيما ذكر ببالس بن الروم بن اليقن بن سام بن نوح عليه السلام، وكانت على ضفة الفرات الغربية، فلم يزل الفرات يشرِّق عنها قليلًا قليلًا حتى صار بينهما في أيامنا هذِه أربعة أميال. انظر:"معجم ما استعجم" 1/ 222، "معجم البلدان" 1/ 328.

(2)

"صحيح ابن حبان" 16/ 294.

(3)

في (ج): على ذلك.

(4)

"كتاب الإشارات" للمصنف، انتهى من تحقيق الجزء الأكبر منه أحد الباحثين بدار الفلاح كرسالة ماجستير، ونعمل الآن في الدار على تجهيزه للنشر إن شاء الله.

(5)

"تاريخ ابن عساكر" 1/ 327.

(6)

رواه أبو يعلى 5/ 6 - 7 (2616) وفي إسناده: سويد بن سعيد، قال عنه النسائي: ليس بثقة ولا مأمون، وقال يحيى بن معين: سويد بن سعيد حلال الدم، وقال علي ابن المديني: ليس بشيء. انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 251، 252.

وفيه أيضًا الوليد بن محمد الموقري قال ابن حجر في "التقريب"(7453): متروك.

ص: 383

ويقال: بيت المقدِس وبيت (المقدَّس)

(1)

.

وأما بُصرى فبضم الباء وهي مدينة حوران مشهورة ذات قلعة، وهي قريبة من طرف العمارة والبرية التي بين الشام والحجاز، قال ابن عساكر: فتحت صلحًا في ربيع الأول لخمس بقين سنة ثلاث عشرة، وهي أول مدينة فتحت بالشام

(2)

.

وأما رومية، فبضم الراء وتخفيف الياء مدينة معروفة للروم وكانت مدينة رئاستهم ويقال: إن روماس بناها.

وأما حمص -بكسر الحاء وسكون الميم- بلدة معروفة بالشام، دخلت بها في رحلتي وسمعت بها، سميت باسم رجل من العمالقة اسمه حمص بن (المهر)

(3)

بن جاف كما سميت حلب بحلب بن المهر وكانت حمص في قديم الزمان أشهر من دمشق.

قال الثعلبي: دخلها تسعمائة رجل من الصحابة، افتتحها أبو عييدة بن الجراح سنة ست عشرة، وفي كتاب "من نزل حمص" لأبي القاسم عبد الصمد بن سعيد القاضي: إن حمص فتحت سنة خمس عشرة افتتحها أبو عبيدة ومعه اثنا عشر ألفًا، وفيه عن قتادة: نزل حمص خمسمائة صحابي. قال الجواليقي: وليست عربية، تذكر وتؤنث، قال البكري: ولا يجوز فيها الصرف كما يجوز في هند؛ لأنه اسم أعجمي، سميت برجل من العمالقة يسمى حمص ويقال: رجل من عَامِلَة هو أول من نزلها

(4)

.

(1)

في (ج): القدس.

(2)

"تاريخ دمشق" 2/ 105.

(3)

كذا في الأصل، وورد بهامش الأصل: المهري، والصواب ما أثبتناه كما في "معجم البلدان" 2/ 302 - 303.

(4)

"معجم ما استعجم" 2/ 468.

ص: 384

وقال ابن التين في الجهاد: يجوز الصرف وعدمه لقلة حروفه وسكون وسطه

(1)

.

وأما الدسكرة فهي بفتح الدال والكاف وإسكان السين بينهما، وهو بناء كالقصر حوله بيوت، وليس بعربي وهي بيوت الأعاجم وأنشد ابن سيده للأخطل:

في قباب حول

(2)

دسكرة

حولها الزيتون قد ينعا

والدسكرة: الصومعة عن أبي عمرو

(3)

. وعزا غيره هذا البيت إلى الأحوص وبعضهم إلى يزيد بن معاوية، وصححه الأخفش في كلامه على المبرد، وقال ابن السيد: إنه لأبي دهبل الجمحي (أيضًا)

(4)

.

وفي "جامع القزاز": الدسكرة أيضًا: الأرض المستوية.

وقال يا قوت: إنه أصلها

(5)

، وقال التبريزي: الدسكرة: مجمع البساتين والرياض.

الوجه الثامن: في تبيين ما وقع فيه من القبائل والأنساب:

فيه: قريش

(6)

وهم ولد النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة واسمه عامر، دون سائر ولد كنانة وهم مالك وملكان ومويلك وغزوان وعَمرو

(1)

ورد بهامش (ج): قال العيني: قلت: إذا أنثته تمنعه من الصرف؛ لأن فيه حينئذ ثلاث علل: التأنيث والعجمة والعلمية، فإن كان سكون وسطه يقاوم أحد العلل يبقى سببان أيضًا، ولهما يمنع من الصرف كما في ماه وجور. اهـ. انظر:"عمدة القاري" 1/ 94.

(2)

كذا في الأصل، وفي "المحكم" عند.

(3)

"المحكم" 7/ 119.

(4)

من (ف).

(5)

"معجم البلدان" 2/ 455.

(6)

ورد بهامش (ف) تعليق نصه: لم يذكر الله في القرآن قبيلة باسمها غيرها.

ص: 385

إخوة النضر

(1)

لأبيه وأمه، وأمهم مرة بنت مر أخت تميم بن مر، وهذا ما ذكره الجمهور.

وقيل: إنهم بنو فهر بن مالك وفهر جماع قريش، ولا يقال لمن فوقه: قرشي وإنما يقال له: كناني، ورجحه الزبير بن بكار وهو ما ذكره ابن سعد

(2)

فهو لقب وقريش اسمه، وأَبْعَدَ من قال: إنهم ولد إلياس بن مضر أو ولد مضر بن نزار حكاهما الرافعي

(3)

وهما غريبان جدًّا، وقد أسلفنا ذلك أول الكتاب ولماذا سموا بذلك؟ فيه أقوال:

أصحها عند الجمهور: لتقرشهم أي: لتكسبهم يقال: قرش (يقرش)

(4)

-بكسر الراء- وكانوا أصحاب كسب.

ثانيها: أن قريشًا تصغير القرش وهو حوت سميت به القبيلة أو أبوها لقوتهم.

ثالثها: لتجمعهم بعد التفرق، والتقرش: التجمع.

رابعها: لأنهم كانوا يقرشون عن خلة الناس وحاجتهم. أي: يَسُدُّونَها بما لهم، والتقرش: التفتيش ويصرف ولا يصرف على إرادة الحي أو القبيلة والأَوْجَهُ صرفه، قال تعالى:{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)} [قريش: 1] وقال الزبير بن بكار عن عمه: سميت قريش بقريش بن بدر بن يخلد بن النضر كان دليل بني كنانة في تجاراتهم فكان يقال:

(1)

ورد بهامش (ف) تعليق نصه: بلغ إبراهيم الحلبي قراءة على المصنف وسمعه الصفدي، والحاضري

، وابن المصنف نور الدين والشيخ نور الدين البيجوري والعاملي والبرموي والكرماني

نظام الدين الحموي والفخر الرَّازي وآخرون.

(2)

"طبقات ابن سعد" 1/ 51.

(3)

"الشرح الكبير" 7/ 338.

(4)

في (ج): يفترش.

ص: 386

قدمت عير قريش. وأبوه بدر صاحب بدبى الموضع، قال: وقال غير عمي: قريش بن الحارث بن يخلد اسمه بدر الذي سميت به بدر وهو احتفرها، وينسب إلى قريش: قرشي وقريشي

(1)

.

وفيه الروم: وهم هذا الجيل المعروف، قال الجوهري: هم من ولد الروم بن عيصو، واحدهم رومي كزنجي وزنج، فليس بين الواحد والجمع إلا الياء المشددة، كما قالوا: تمرة وتمر، ولم يكن بين الواحد والجمع إلا الهاء

(2)

.

قال الواحدي: هم جيل من ولد آرم بن عيص بن إسحاق غلب عليهم فصار كالاسم للقبيلة.

وقال الرشاطي: الروم منسوبون إلى رومي بن لنطى بن يونان بن يافث بن نوح. فهؤلاء الروم من اليونانيين، وقوم من الروم يزعمون أنهم من قضاعة من تنوخ وبهراء وسليخ، وكانت تنوخ أكثرها على دين النصارى.

وكل هذِه القبائل خرجوا مع هرقل عند خروجهم من الشام فتفرقوا في بلاد الروم.

وفيه بنو الأصفر وهم الروم، ولم سموا بذلك؟ فيه قولان:

أحدهما: أن جيشًا من الحبشة غلب على ناحيتهم في وقت فوطئ نساءهم فولدن أولادًا صفرًا من سواد الحبشة وبياض الروم قاله ابن الأنباري.

الثاني: أنها نسبة إلى الأصفر بن الروم بن عيصو بن إسحاق بن

(1)

انظر: "اللباب" 3/ 25.

(2)

"الصحاح" 5/ 1939، مادة:(روم).

ص: 387

إبراهيم عليه السلام قاله الحربي، قال القاضي. عياض: وهو الأشبه

(1)

.

وعبارة القزاز: قال قوم: بنو الأصفر من الروم هم ملوكهم ولذلك قال عدي بن زيد:

وبنو الأصفر الكرام ملوك

الروم لم يبق منهم مذكور

قال: ويقال: إنما سموا بذلك؛ لأن عيصو بن إسحاق عليه السلام كان رجلًا أحمر أشعر الجلد، كان عليه خواتيم من شعر، وهو أبو الروم، وكان الروم رجلًا أصفر في بياض شديد الصفرة، فمن أجل ذلك سموا بذلك، وتزوج عيصو ابنة عمه إسماعيل بن إسحاق، فولدت له الروم بن عيصو وخمسة آخرين، فكل من في الروم فهو من نسل هؤلاء الرهط.

وفي "المغيث": تزوج الروم بن عيصو إلى الأصفر ملك الحبشة، فاجتمع في ولده بياض الروم وسواد الحبشة، فأعطوا جمالًا وسموا بني الأصفر

(2)

.

وفي "تاريخ دمشق" لابن عساكر: تزوج مهاطيل الرومي إلى النوبة، فولد له الأصفر

(3)

.

وفي "التيجان" لابن هشام: إنما قيل لعيصو بن إسحاق: الأصفر؛ لأن جدته سارة حلته بالذهب فقيل له ذَلِكَ لصفرة الذهب.

(1)

"إكمال المعلم" 6/ 123.

(2)

"المغيث" 3/ 274 وعزاه لابن قتيبة وليس فيه زواج الروم بن عيصو وإنما ذكر سبب تسمية الروم ببني الأصفر فقال: عيصو بن إسحاق هو أبو الروم وكان الروم أصفر في بياض شديد الصفرة فلذلك يقال للروم. بنو الأصفر وانظر: "المعارف" ص (38).

(3)

"تاريخ دمشق" 1/ 15.

ص: 388

قَالَ: وقال بعض الرواة: إنه كان أصفر. أي: أسمر إلى صفرة، وذلك موجود في ولده إلى اليوم فإنهم سمر كحل الأعين.

الوجه التاسع: في ضبط ألفاظه وتبيين معانيه:

الأول: الركب: جمع راكب، وقيل: اسم يدل على الجمع كقوم وذود، وهو قول سيبويه، وهم أصحاب الإبل في السفر العشرة فما فوقها، قاله ابن السكيت

(1)

وغيره.

وقال ابن سيده: أرى أن الركب قد يكون للخيل والإبل. وفي التنزيل: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأنفال: 42] فقد يجوز أن يكون منهما جميعًا وقول علي: ما كان معنا يومئذٍ فرس إلا فرس عليه المقداد بن الأسود. يصحح أن الركب ها هنا رُكّاب الإبل.

قالوا: والرَّكَبة -بفتح الراء والكاف- أقل منه، والأركوب -بالضم- أكثر منه. وجمع الركب: أركب وركوب، والجمع أراكب، والركاب: الإبل، واحدها: راحلة وجمعها: رُكُب

(2)

.

وفي بعض طرق هذا الحديث أنهم كانوا ثلاثين رجلًا منهم أبو سفيان.

الثاني: التجار بكسر التاء وتخفيف الجيم، ويجوز ضم التاء وتشديد الجيم، وهما لغتان جمع تاجر، ويقال أيضًا: تجر كصاحب وصحب.

الثالث: مادّ بتشديد الدال، وهو من المفاعلة كضارب وحاد وشاد يكون من اثنين، يقال: تماد الغريمان إذا اتفقا على أجل، وهو من المدة، وهي القطعة من الزمان تقع على القليل والكثير، أي اتفقوا على الصلح مدة من الزمان، وهذِه المدة هي صلح الحديبية، الذي

(1)

"المحكم" 7/ 14 - 15.

(2)

"إصلاح المنطق" 1/ 338.

ص: 389

جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار قريش، سنة ست من الهجرة لما خرج صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة معتمرًا، قصدته قريش وصالحوه على أن يدخلها في العام المقبل على وضع الحرب عشر سنين، فدخلت بنو بكر في عهد قريش وبنو خزاعة في عهده صلى الله عليه وسلم ثم نقضت قريش العهد بقتالهم خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر الله تعالى بقتالهم بقوله تعالى:{أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ)} [التوبة: 13].

الرابع: قوله: (وَحَوْلَهُ) هو بفتح اللام يقال: حوله وحواله وحوليه وحواليه أربع لغات واللام مفتوحة فيهن. أي: مطيفون به من جوانبه قَالَ الجوهري: ولا تقل: حواليه بكسر اللام

(1)

.

الخامس: الترجمان: بفتح التاء أفصح من ضمها، والجيم مضمومة فيهما وهو المعبر عن لغة بلغة، والتاء فيه أصلية، وأنكر على الجوهري جعلها زائدة، وتبعه ابن الأثير فقال في "نهايته": والتاء والنون زائدتان

(2)

.

السادس: إنما سأل عن أقربهم نسبًا؛ لأن غيره لا يؤمن أن تحمله العداوة على الكذب في نسبه والقدح فيه بخلاف القريب فإن نَسبه نَسَبُه.

السابع: قوله: (فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ) قيل في معناه: لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب.

الثامن: قوله: (فَإِنْ كَذَبَنِي) هو بالتخفيف، فكذبوه هو بالتشديد، الكذب نقيض الصدق، يقال: كذب يكذب كَذِبًا وكِذْبًا وكِذْبةً وكَذِبةً.

ويقال: كذبته وكذبت له.

(1)

"الصحاح" 4/ 1679، مادة:(حول).

(2)

"النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 186.

ص: 390

التاسع: (يَأْثِرُوا) بكسر الثاء وضمها، ولم يذكر القاضي غيره

(1)

.

أي: يحكوه عني ويتحدثوا به فأُعَاب به؛ لأن الكذب قبيح، وإن كان على عدو يقال: أثرت الحديث -بقصر الهمزة- آثره -بالمد وضم المثلثة وكسرها- أَثْرًا -ساكنة الثاء- حدثت به.

العاشر: قوله: (لَكَذَبْتُ عَنْهُ) أي: لأخبرت عن حاله بكذب لبغضي إياه. وقد قَالَ الفقهاء: إن شهادة العدو على عدوه لا تسمع لمثل هذا المعنى.

وقوله: (عَنْهُ). أي: عليه. وقد جاء كذلك في بعض نسخ البخاري، ولم تقع هذِه اللفظة في مسلم، ووقع فيه لولا مخافة أن يؤثر عليَّ الكذب

(2)

وعليّ بمعنى عني، كما هو في قوله:

إذا رضيت عليَّ بنو قشير

...............

(3)

ووقع أيضًا لفظة: (عليَّ). في البخاري في التفسير

(4)

.

الحادي عشر: قوله: (قَطُّ) فيها لغات أشهرها فتح القاف وتشديد الطاء المضمومة.

قَالَ الجوهري: معناها: الزمان، يقال: ما رأيته قط. قَالَ: ومنهم من يقول: قُطُ بضمتين، وقَطُ بتخفيف الطاء وفتح القاف وضمها مع التخفيف، وهي قليلة

(5)

.

(1)

"مشارق الأنوار" 1/ 18.

(2)

مسلم (1773) كتاب: الجهاد والسير، باب: كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام.

(3)

انظر: "أدب الكاتب" ص (395) وعزاه للقُحَيْف العقيلي، وباقي البيت:

...............

لعَمْرُ الله أعجبني رِضَاها

(4)

سيأتي برقم (4553).

(5)

"الصحاح" 3/ 1153، مادة:(قطط).

ص: 391

الثاني عشر: قوله: (فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ) هذا روي على وجهين:

أحدهما: مِن بكسر الميم ومَلِك بفتح الميم وكسر اللام.

وثانيهما: (مَن) بفتح الميم، وبفتحها أيضًا وفتح اللام على أنه فعل ماض وكلاهما صحيح والأول أصح وأشهر، ويؤيده رواية مسلم: هل كان في آبائه مَلِكٌ؟

(1)

بحذف (من)، وكذا هو في كتاب التفسير من "صحيح البخاري" أيضًا

(2)

. وعلى هذا يحتمل أن تكون من زائدة في الرواية الأخرى؛ لأنها في سياق الاستفهام.

الثالث عشر: (أَشْرَافُ النَّاسِ): كبارهم وأهل الأحساب منهم. وإنما كان أتباع الرسل الضعفاء دون الأشراف؛ لكون الأشراف يأنفون من تقديم مثلهم عليهم، والضعفاء لا يأنفون فيسرعون إلى الانقياد واتباع الحق، وهذا على الغالب، وإلا فقد سبق إلى اتباعه أكابر أشراف دينه كالصديق والفاروق وحمزة وغيرهم، وزيادتهم دليل على صحة النبوة؛ لأنهم يرون الحق كل يوم يتجدد، فيدخل فيه كل يوم طائفة.

الرابع عشر: قوله: (سَخْطَةً)(هو)

(3)

بفتح السين، والسَّخط والسُّخط هو الكراهة للشيء وعدم الرضا به، يقال منه: سخط يسخط سخطًا، ومعناه: أن من دخل في الشيء على بصيرة يمتنع رجوعه بخلاف ضده.

(1)

سبق تخريجه.

(2)

سيأتي برقم (4553).

(3)

من (ج).

ص: 392

الخامس عشر: (يَغْدِرُ) بكسر الدال، وهو ترك الوفاء بالعهد.

وقوله: (وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا) فيها يعني: مدة الهدنة، وهي صلح الحديبية.

وقوله: (وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هذِه الكَلِمَةِ) إنما فعل ذَلِكَ؛ لأنه كان يعلم من أخلاقه الوفاء والصدق، وأنه يفي بما عاهدهم عليه، وأحال الأمر على الزمن المستقبل، وقال ما قَالَ مع علمه أن صدقه ووفاءه ثابت مستمر لا يتغير.

السادس عشر: قوله: (فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟) فيه انفصال ثاني (الضميرين)

(1)

، والاختيار أن لا يجيء المنفصل إذا تأتى مجيء المتصل.

السابع عشر: (سِجَالٌ) بكسر السين، أي: نوب، نوبة لنا ونوبة له. والمساجلة: المفاخرة، بأن تصنع مثل صنعه في جري أو سعي، وأصله من السجل وهو الدلو ملأى، وأصله المستقيان بالسجل حتى يكون لكل واحد منهما سجل.

الثامن عشر: (الْعَفَافِ): الكف عن المحارم وخوارم المروءة.

قَالَ صاحب "المحكم": العفة: الكف عما لا يحل ولا يَجْمُل، يقال: عَفَّ يَعِفّ عِفّة وعفافًا وعَفافة وعفة، وتعفف واستعف، ورجل عَفٌّ وعفيف، والأنثى عفيفة، وجمع العفيف: أعفَّة وأعفّاء

(2)

.

التاسع عشر: الصلة: كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل وذلك بالبر والإكرام وحسن المراعاة، وفي مسلم:(ويأمرنا بالزكاة)

(3)

بدل الصدق

(1)

في (ف): الضمير.

(2)

"المحكم" 1/ 50.

(3)

مسلم (1773).

ص: 393

في رواية البخاري (هنا، وقد أخرجها في الزكاة

(1)

بعلة ما)

(2)

.

العشرون: قوله: (وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا). يعني: أفضله وأشرفه. قيل: الحكمة في ذَلِكَ أن من شرف نسبه كان أبعد من انتحال الباطل، وكان انقياد الناس إليه أقرب.

الحادي بعد العشرين: سؤاله عن الارتداد؛ لأن من دخل على بصيرة في أمر محقق لا يرجع عنه، بخلاف من دخل في أباطيل كما سلف. وسؤاله عن الغدر؛ لأن من طلب حظ الدنيا لا يبالي بالغدر وغيره مما يتوصل به إليها، ومن طلب الآخرة لم يرتكب غدرًا ولا غيره من القبائح. وسؤاله عن حربهم جاء تفسيره له في (غير)

(3)

هذِه الرواية في البخاري في التفسير

(4)

، ومسلم قَالَ: كذلك الرسل تبتلى ثم تكون (لهم)

(5)

العاقبة

(6)

، يبتليهم بذلك ليعظم أجرهم لكثرة صبرهم وبذلهم وُسْعَهم في طاعته، قَالَ تعالى:{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، ولئلا يخرج الأمر عن العادة، ومن تأمل ما استقرأه هرقل من هذِه الأوصاف تبين له حسن ما استوصف من أمره، واستبرأه من حاله، ولله دره من رجل ما كان أعقله لو ساعدته المقادير بتخلية ملكه والأتباع!

الثاني بعد العشرين: قوله: (يَأْتَسِي) هو بهمزة بعد الياء، أي: يتبع

(1)

رواه البخاري معلقًا قبل حديث رقم (1395) باب: وجوب الزكاة.

(2)

من (ف).

(3)

من (ف).

(4)

سيأتي (4553).

(5)

في (ف): لها.

(6)

مسلم (1773).

ص: 394

ويقتدي، والأسوة: القدوة. يقال: أُسوة بكسر الهمزة وضمها، وقد قرئ بهما، قرأ عاصم بالضم، والباقون بالكسر

(1)

.

الثالث بعد العشرين: قوله: (حِينَ يُخَالِطُ) كذا وقع في أكثر النسخ: حين بالنون، وفي بعضها: حتى بالياء، ووقع في "المستخرج" للإسماعيلي حتى أو حين على الشك، والروايتان وقعتا في مسلم أيضًا

(2)

ووقع فيه أيضًا: إذا

(3)

بدل حين.

الرابع بعد العشرين: البشاشة: بفتح الباء يقال: بش به وتبشبش، وروي: بشاشة. كما سقناه. وبشاشته.

قَالَ القاضي: وهذِه أصح

(4)

. يعني: رواية الهاء، والمراد: انشراح الصدر والفرح به والسرور، وأصلها اللطف بالإنسان عند قدومه وإظهار السرور برؤيته وتأنيسه، يقال: بش بالشيء يبش بشاشة إذا أظهر بشرى عند رؤيته. قَالَ الليث: البش: اللطف في المسألة والإقبال على أخيك. وقال ابن الأعرابي: هو فرح الصدر بالصديق. وقال ابن دريد: بش إذا ضحك إليه ولقيه لقاء جميلًا.

الخامس بعد العشرين: قوله: (وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارجٌ) إنما علم ذَلِكَ من التوراة والإنجيل، وفي مسلم: فإن يك ما تقول حقًّا فإنه نبيٌّ

(5)

.

وقوله: (فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ). يعني: الشام، فإنه قَالَه به. وقوله:

(1)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 472، و"الكشف عن وجوه القراءات السبع" 2/ 196، و"حجة القراءات" ص 575.

(2)

ما قاله المصنف فيه نظر، فالروايتان ليستا في مسلم.

(3)

مسلم (1773).

(4)

"إكمال المعلم" 6/ 121.

(5)

مسلم (1773).

ص: 395

(لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ). كأنه استبعد أن يتنبأ من العرب.

السادس بعد العشرين: معنى: (أَخْلُصُ). أصِلُ. ومعنى: (لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ): تكلفت على خطر ومشقة. وهو بالجيم، وفي مسلم: لأحببت لقاءه

(1)

، (مكان تجشمت. قَالَ القاضي: وتجشمت أصح في المعنى، ويحتمل أن يكون أحببت مغيَّرة منه، وكان الإسلام لم يتمكن من قلبه ولم يرد الله هدايته كما أراد هداية النجاشي

(2)

.

وقال ابن بطال: قوله: (لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ) يعني: دون خلع من ملكه ولا اعتراض عليه في شيء، وهذا التجشم هو الهجرة، وكانت فرضًا على كل مسلم قبل الفتح، فإن قُلْتَ: النجاشي لم يهاجر قبل الفتح وهو مؤمن، فكيف سقط عنه فرض الهجرة؟ فالجواب أنه كان ردءًا للإسلام هناك وملجأ لمن أوذي من الصحابة والردء كالمقاتل، وكذا ردء اللصوص والمحاربين عند مالك والكوفيين يقتل بقتلهم ويجب عليه ما يجب عليهم وإن لم يحضروا القتل، ومثله تخلف عثمان وطلحة وسعيد بن زيد عن بدر وضرب لهم الشارع بسهمهم وأجرهم

(3)

.

السابع بعد العشرين: قوله: (وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ). هذا فيه إيماءٌ إلى أنه علم بنبوته لكنه خشي خلع قومه له، على ما جاء مفسرًا في البخاري فأصر على كفره بعد علمه به، فكان أشد في الحجة عليه.

وهذِه عبارة القاضي

(4)

، وكذا قوله آخر الحديث:(هَلْ لَكُمْ فِي الفَلَاحِ وَالرُّشْدِ فَتُبَايِعُوا هذا النَّبِيَّ؟) فيه إعلام بإيمانه.

(1)

السابق.

(2)

"إكمال المعلم" 6/ 121.

(3)

"شرح ابن بطال" 1/ 47.

(4)

"إكمال المعلم" 6/ 121.

ص: 396

وقال ابن بطال: لم يصح عندنا أنه جهر بالإسلام وإنما آثر ملكه على الجهر بكلمة الحق، ولسنا (نقنع)

(1)

بالإسلام دون (الجهر به)

(2)

، ولم يكن مكرهًا حتى يعذر وأمره إلى الله

(3)

.

وقال الخطابي: إذا تأملت معاني ما استقرأه من أوصافه (تبينت)

(4)

حسن ما استوصف من أوصافه واستبرأ من حاله، فلله دره من رجل ما كان أعقله لو صادف معقوله مقدروه

(5)

، وهذا أسلفته فيما مضى قريبًا.

وقد حكى القاضي وغيره خلافًا للعلماء: فيمن اطمأن قلبه بالإيمان ولم يتلفظ وتمكن من الإتيان بكلمتي الشهادة فلم يأتِ بها، هل يحكم بإسلامه أم لا؟ والمشهور المنع.

وروى ابن عبد البر في حديث دحية أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى قيصر في الهدنة سنة ستٍّ، قَالَ: فآمن به قيصر (وأبت)

(6)

بطارقته أن يؤمنوا، فأخبر دحية النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ثبت ملكه"

(7)

، ومما يبعد صحة إيمانه نصبه القتال للمسلمين غزوة مؤتة في جمادى سنة ثمان، وما جرى في الوقعة إذ في "سيرة ابن إسحاق" وغيرها أن المسلمين مضوا حتى نزلوا معان

(8)

من أرض الشام فبلغهم أن هرقل نزل في مائة ألف من الروم فالتقيا،

(1)

في (ج): نتبع.

(2)

في (ف): الجهرية.

(3)

"شرح ابن بطال" 1/ 48.

(4)

في (ج): يتبين.

(5)

"أعلام الحديث" 1/ 135.

(6)

في (ج): فرابت.

(7)

"الاستيعاب" 2/ 45.

(8)

بهامش (ف) تعليق نصه: فائدة: قال السهيلي في "الروض الأنف": قال الشيخ أبو بحر: معان بضم الميم وجدته في الأصلين وأصلحه علينا القاضي حين السماع، ومعان بفتح الميم، وذكره البكري بضم الميم، وقال: هو اسم جبل يجوز أن يكون من أمعنت النظر أو من الماء المعين، فيكون وزنه "فعالا" ويجوز أن يكون من العون فيكون وزنه مفعلًا. وقال الرقشي: الصواب الفتح.

ص: 397

وقتل من قتل إلى آخر القصة

(1)

.

وروى البزار في الحديث الآتي عنه في أثناء الفوائد أنه قَالَ لدحية: أبلغ صاحبك أني أعلم أنه نبي ولكن لا أترك ملكي. وفيه أنه دعا الأسقف فقال له: هذا الذي كنا ننتظر وبشرنا به عيسى. (فقال له قيصر: كيف تأمرني؟ قَالَ الأسقف: أما أنا فمصدقه ومتبعه)

(2)

. قَالَ له قيصر: أما أنا إن فعلت ذهب ملكي. وفيه أن الأسقف تلفظ بالشهادتين وأنه قتل

(3)

.

الثامن بعد العشرين: (عَظِيمِ بُصْرى) أميرها وكذا عظيم الروم، أي: الذي تعظمه الروم وتقدمه، ولم يقل: إلى ملك الروم؛ لما يقتضيه هذا الاسم من المعاني التي لا يستحقها من ليس من أهل الإسلام، فلو فعل لكان فيه التسليم لملكه وهو بحق الدين (معزول، ومع ذَلِكَ فلم يخله من نوع من الإكرام في المخاطبة ليكون آخذًا بأدب)

(4)

الدين في تليين القول لمن (يبتدره)

(5)

بالدعوة إلى دين الحق.

التاسع بعد العشرين: قوله: (بَعَثَ بِهِ). أي: أرسله. ويقال أيضًا: بعثه وابتعثه. بمعنى: أرسله.

الثلاثون: قوله: (مَعَ). هو بفتح العين على اللغة الفصيحة المشهورة وبها جاء القرآن، وفي لغة قليلة بإسكانها.

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 429.

(2)

ساقطة من (ج).

(3)

رواه البزار كما في "كشف الأستار"(2374). قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 236 - 237: رواه البزَّار وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى وهو ضعيف وقد سبق تخريجه.

(4)

ساقطة من (ج).

(5)

في (ج): يعتذره.

ص: 398

قَالَ صاحب "المحكم": مَعَ اسمٌ معناه: الصحبة، وكذلك مَعْ بسكون العين، غير أن: مَعَ المفتوحة تكون اسمًا وحرفًا، ومَعْ المسكنة حرف لا غير وأنشد سيبويه:

وريشي منكم وهواي معكم

وإن كانت زيارتكم (لماما)

(1)

قَالَ اللحياني: وحكى الكسائي أن ربيعة وغنمًا يسكنون العين من مع، ويقولون: مَعْكم ومَعْنا. قَالَ: فإذا جاءت الألف واللام وألف الوصل اختلفوا، فبعضهم يفتح العين، وبعضهم يكسرها، فيقولون: مَعَ القوم، ومَعَ ابنك، ومَعِ القوم ومعِ ابنك، والفتح كلام عامة العرب وبسط الكلام فيها

(2)

.

ومن [في]

(3)

قوله: "مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُول الله" لابتداء

(4)

الغاية وليست من الابتداء في المكان ولا في الزمان فاعلمه.

الحادي بعد الثلاثين: "أما بعد". فهو (بالضم- أي:)

(5)

بضم الدال- وفتحها ورفعها منونة، وكذا نصبها.

وفي المبتدئ بها خمسة أقوال: داود، وقس بن ساعدة، أو كعب بن لؤي، أو يعرب بن قحطان، أو سحبان، ومعناها: أما بعد ما سبق وهو البسملة والسلام، وكان صلى الله عليه وسلم يقولها في خطبه وشبهها، رواه عنه عدة من

(6)

(الصحابة.

(1)

في الأصول: ذماما، والمثبت من "المحكم" 1/ 55.

(2)

"المحكم" 1/ 55.

(3)

زيادة يقتضيها السياق.

(4)

من (ف).

(5)

من (ج).

(6)

بداية سقط من (ف).

ص: 399

وقد ترجم له البخاري بابًا في الجمعة وذكر فيه أحاديث كثيرة في خطبة الكسوف ومرضه وغيرهما

(1)

، وسنوضح الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى.

الثاني بعد الثلاثين: "دِعَايَةِ الإِسْلَامِ" -بكسر الدال- أي: يدعونه، والدعاية بمعنى: الدعوة من دعا، مثل الشكاية من شكو، هو مصدر كالرماية، والمراد: دعوة الإسلام. أي: آمرك بكلمة التوحيد، قَالَ تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية [آل عمران: 64]، وفي البخاري في الجهاد

(2)

، ومسلم هنا: بداعية الإسلام

(3)

. أي: الكلمة الداعية إلى الإسلام، وهو بمعنى الأول، ويجوز أن تكون دعاية هنا بمعنى: دعوة. فيرجع إلى الأول كما في قوله تعالى: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ (58)} [النجم: 58]: كشف.

الثالث بعد الثلاثين: قوله: ("أَسْلِمْ تَسْلَمْ") هذا من محاسن الكلام وبليغه وإيجازه واختصاره كما سيأتي التنبيه عليه، عدد البخاري في الجهاد

(4)

والتفسير

(5)

بعد "أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ" بزيادة: "أسلم خيرًا".

الرابع بعد الثلاثين: يعني: يؤتك أجرك مرتين لإيمانك بعيسى وإيمانك واتباعك لي، بخلاف الجاهلية وأهل الأوثان الذين لم يكونوا على شيء من دين الله ولا كتاب.

(1)

ستأتي بأرقام (922 - 927) كتاب: الجمعة، باب: من قال في الخطبة بعد الثناء، أما بعد.

(2)

سيأتي برقم (2941) باب: دعوة اليهود والنصارى. وفيه: بدعاية الإسلام.

(3)

مسلم (1773).

(4)

سيأتي برقم (2941).

(5)

سيأتي برقم (4553).

ص: 400

الخامس بعد الثلاثين: اختلف في ضبط (الأريسيين) على أوجه:

أحدها: بيائين بعد السين.

وثانيها: بياء واحدة والهمزة مفتوحة والراء مكسورة مخففة في كلا الوجهين.

وثالثها: بهمزة مكسورة وتشديد الراء وياء واحدة بعد السين، ووقع في إحدى روايتي البخاري ومسلم

(1)

، (

)

(2)

وهو ما عزاه النووي وغيره إلى البخاري هنا

(3)

بفتح الياء وكسر الراء وبالسين المهملة، ويجوز أن تكون بدلًا من الهمزة في أدنى وبرئ. قَالَ: والهمزة أكثر استعمالًا عند أهل اللغة وفي روايات أهل الحديث

(4)

.

قَالَ ابن الأعرابي: يقال: أَرَس يَأْرِس أَرْسًا، فهو أَرِيس، وأَرَّس يُؤَرِّس تَأْريسًا، فهو إِريِّس والجمع: أريسيون وأرارسة غيره، وأراريس وأرارس.

قَالَ في "الصحاح": وهي شامية. قَالَ: ويقولون للأريس: أريسي، وفي "الجامع" وزن أريس: فعيل. ولا يمكن أن تكون الهمزة فيه أصلية؛ لأنه كان تبقى عينه وفاؤه من لفظٍ واحدٍ، وهذا لم يأت في كلامهم في أحرف يسيرة نحو كوكب وديدن، وددن، وبابوس. وقال ابن فارس: الهمزة والراء والسين ليست عربية

(5)

.

واختلف في المراد به هنا، والصحيح المشهور أنهم الأكارون. أي:

(1)

مسلم (1773) من طريق صالح، وزاد:"إثم اليريسيين".

(2)

بياض بالمخطوط قدر كلمتين.

(3)

"مسلم بشرح النووي" 12/ 109.

(4)

"مسلم بشرح النووي" 12/ 109.

(5)

"مقاييس اللغة" ص 51، مادة:(أرس).

ص: 401

الفلاحون الزراعون، أي: عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون لأمرك. ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا؛ لأنهم الأغلب في رعاياهم، وأسرع انقيادًا. أي: أكثر تقليدًا، فإذا أسلم أسلموا، وإذا امتنع امتنعوا.

وقد جاء مصرحًا به في "دلائل النبوة" للبيهقي

(1)

والطبري

(2)

؛ "فإن عليك إثم الأكارين". ولأبي عبيد: "وإن لم تدخل في الاسلام فلا تَحُل بين الفلاحين والإسلام"

(3)

.

والبرقاني يعني: الحراثين.

وللإسماعيلي: "فإن عليك إثم الركوسيين"، وهم أهل دين من النصارى والصابئين، يقال لهم: الركوسية.

وكتب معاوية إلى الطاغية ملك الروم لما بلغه أنه يريد قصد بلاد الشام أيام صفين: تالله لئن هممت على ما بلغني، وذكر كلامًا، ثم قَالَ: ولأردنك أريسًا من الأراسة ترعى الدوائل. يعني: ذكور الخنازير.

ويقال: إن الأريسيين الذين كانوا يحرثون أرضهم كانوا مجوسًا، وكان الروم أهل كتاب، فيريد: أن عليك مثل وزر المجوس إن لم تؤمن وتصدق.

وقال أبو عبيد: هم الخدم والخول

(4)

. يعني: بصدهم إياهم عن الدين كما قَالَ تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا} [الأحزاب: 67] أي: عليك مثل إثمهم، حكاه ابن الأثير

(5)

.

(1)

"دلائل النبوة" 4/ 384.

(2)

"تاريخ الطبري" 2/ 130.

(3)

"الأموال"(55).

(4)

"الأموال"(56).

(5)

"النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 38.

ص: 402

وقيل: هم المتخيرون. قَالَ القرطبي: فعلى هذا يكون المراد: عليك إثم من تكبر على الحق

(1)

.

قَالَ ابن سيده: الأريس: الأكار. عند ثعلب، والأرشج: الأمير عند كُراع، والأصل عنده (رئيس)

(2)

فعيل من الرياسة

(3)

، فقلت: وفي "الجامع": الأريس: الزارع، وعند قوم: الأمير، كأنه من الأضداد، وقيل: هم اليهود والنصارى، أتباع عبد الله بن أريس الذي ينسب إليه الأروسية من النصارى رجل كان في الزمن]

(4)

الأول، قَتَلَ هو ومن معه نبيًا بعثه الله إليهم.

قَالَ أبو الزناد: حذره النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان رئيسًا متبوعًا مسموعًا أن يكون عليه إثم الكفر وإثم من عمله واتبعه. قَالَ صلى الله عليه وسلم: "من عمل سيئة كان عليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة"

(5)

.

السادس بعد الثلاثين: قوله: و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} تعالَوا هو بفتح اللام وأصله تعاليوا، لأن الأصل في الماضي تعالى، والياء منقلبة عن واو؛ لأنه من العلو، فأبدلت الواو ياء لوقوعها رابعة، ثم أبدلت الياء ألفًا، فإذا جاءت واو الجمع حذفت

(1)

"المفهم" 3/ 609.

(2)

في الأصل: أريس والمثبت من "المحكم".

(3)

"المحكم" 8/ 359.

(4)

هنا ينتهي السقط والمثبت من (ج).

(5)

رواه مسلم (1017) كتاب: الزكاة، باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، وأنها حجاب من النار. من حديث جرير بن عبد الله. ولفظه:"من سن في الاسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".

ص: 403

لالتقاء الساكنين وبقيت الفتحة تدل عليها، تقول للرجل إذا دعوته: تعال. وللرجلين: تعاليا. وللجماعة: تعالوا. وللمرأة: تعالي. وللمرأتين: تعاليا. وللنسوة: تعالين. بفتح اللام في جميع ذَلِكَ.

وقوله: (و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} هذِه الواو ثبتت في (رواية عبدوس والنسفي والقابسي، وسقطت في)

(1)

رواية الأصيلي وأبي ذر كما نبه عليه القاضي قَالَ: وقد اختلف المحدثون فيما وقع من الأوهام في نص التلاوة فمنهم مَن أوجب إصلاحها؛ لأنه إنما سيقت للدلالة، ولا حجة إلا في الثابت في المصحف.

ومنهم من قَالَ: ننقلها كما وقعت (وننبه)

(2)

عليها؛ لأنه يبعد خفاؤها عن المؤلف والناقل عنه ثم على جميع الرواة حتى وصلت إلينا فلعلها قراءة شاذة، ثم ضُعّفَ بأن الشاذ مروي معلوم لا يُحتج به في حكم، ولا يُقرأ به في صلاة، انتهى.

والحكمة في تخصيص هذِه الآية بالإرسال إلى هرقل دون غيرها من الآي؛ لأنه نصراني، والنصاري (جمعت)

(3)

هذِه الأمور الثلاثة فعبدوا عيسى عليه السلام، وأشركوا بالله فقالوا: إنه ثالث ثلاثة. واتخذوا الأحبار والرهبان أربابًا من دون الله. قَالَ الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ} الآية [التوبة: 31].

وقوله: ({كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} [آل عمران: 64]، هي: لا إله إلا الله. كما رواه عبد بن حميد في "تفسيره" عن مجاهد، وابن أبي حاتم، عن

(1)

سقطت من (ج).

(2)

في (ج): ونبه.

(3)

في (ج): حرمت.

ص: 404

أبي العالية، وعن الحسن قَالَ: دُعُوا إلى الإسلام فأبوا

(1)

. وقال البخاري في التفسير: سواء: قصد

(2)

.

السابع بعد الثلاثين: الصخب بفتح الصاد والخاء، ويقال: بالسين أيضًا بدل الصاد، وضعفه الخليل

(3)

، ومعناها:(اختلاط)

(4)

الأصوات وارتفاعها. يقول: صخب: بكسر الخاء فهو صخب وصخاب وصخبان ويقرب منه اللغط وهو بفتح الغين وإسكانها، وكذا وقع في مسلم، وفي البخاري في الجهاد: وكثر لغطهم. وفي التفسير: وكثر اللغط

(5)

. وهو الأصوات المختلفة. قَالَ أهل اللغة: هو أصوات مبهمة لا تفهم.

الثامن بعد الثلاثين: قوله: (لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابن أَبِي كَبْشَةَ) أما أَمِر فهو بفتح الهمزة وكسر الميم أي: عظم أمره. وأصله من الكثرة، يقال: أَمِر القوم إذا كثروا، وأمرته: كثرته.

قَالَ (ابن سيده)

(6)

: والاسم منه: الإمرة -بالكسر-

(7)

. وقال الزمخشري: الأَمِرَة على وزن بركة: الزيادة، ومنه هذا الحديث.

وفي "الصحاح" عن أبي عبيدة: امرته بالمد وأمرته بمعنى: كثرته، وأمر هو أي: كثر، فخرج على تقدير قولهم: علم فلان ذَلِكَ، وأعلمته أنا ذَلِكَ، قَالَ يعقوب: ولم يقله أحد غيره

(8)

.

(1)

ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 670 (3630).

(2)

سيأتي في كتاب: التفسير، باب:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ .. } قبل حديث (4553).

(3)

"العين" 4/ 203.

(4)

في (ج): اختلاف.

(5)

سيأتي برقم (4553).

(6)

في (ف): ابن أبي سيده، والصواب ما أثبتناه.

(7)

"المحكم" 11/ 264.

(8)

"الصحاح" 2/ 581 مادة (أمر).

ص: 405

وقال الأخفش: يقال: أَمرَ أَمْرٌ يَأمر أَمْرًا: اشتد والاسم الأمر، وفي "أفعال ابن القطاع": أمر الشيء أمرًا، وأمر: كثر

(1)

.

وفي "المجرد" لكراع يقال: زرع أمر وأمر: كثير، وفي "أفعال ابن طريف": أمر الشيء أمرا وإمارة: كثر، ومن أمثال العرب: من قل ذَلَّ ومن أمِر قل.

وفي "الجامع" أمر الشيء إذا كثر والأمرة: الكثرة والبركة والنماء، ومن كلامهم: في وجه ملك تعرف أمرته، وهو الذي يعرف في أوله الخير، وأمرته زيا دته وخيره وكثرته.

وأما قوله: (ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ) فقد أسلفنا أنه كان رجلًا من خزاعة على قول وكان يعبد الشعرى العبور ولم يوافقه أحد من العرب على ذَلِكَ، فشبهوا النبي صلى الله عليه وسلم به لمخالفته إياهم في دينهم كما خالفهم أبو كبشة فأرادوا مجرد التشبيه دون العيب. وقد قَالَ أُبي بن خلف لما طعنه النبي صلى الله عليه وسلم: طعنني ابن أبي كبشة

(2)

.

التاسع بعد الثلاثين: قوله: (إِنَّهُ ليَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ) هو بكسر الهمزة ويجوز على ضعفٍ فتحها على أنه مفعول من أجله.

قَالَ القاضي: ضَعُفَ الفتح لوجود اللام في الخبر لكن جوزه بعض النحاة، وقد قرئ شاذًّا:(إلا أنهم ليأكلون) بالفتح في (أنهم)

(3)

والمعنى

(1)

"الأفعال" ص 25.

(2)

لم أقف عليه بهذا اللفظ ولكن رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 226 (19464) عن عمارة بن أبي حفصة مرسلًا بنحوه وليس فيه الشاهد. وفيه محمد بن مروان بن قدامة العقيلي، قال: يحيى بن معين صالح، وقال أبو زرعة: ليس عندي بذاك، وضعفه أحمد بن حنبل. انظر:"تهذيب الكمال" 389، 390.

(3)

انظر "البحر المحيط" لأبي حيان 6/ 490.

ص: 406

على الفتح في الحديث عظم أمره صلى الله عليه وسلم لأجل أنه يخافه ملك بني الأصفر

(1)

.

الأربعون: قوله: (وَكَانَ ابن النَّاطُورِ، صَاحِبَ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ، سُقُفًّا عَلَى نَصَارى الشَأْمِ، يُحَدِّثُ)، أما ابن الناطور فروي بالطاء المهملة والمعجمة.

قَالَ القاضي: هو بطاء مهملة عند الجماعة وعند الحموي بالمعجمة، قَالَ أهل اللغة: فلان ناظور بني فلان، وناظرهم بالمعجمة المنظور إليه منهم، والناطور بالمهملة حافظ النخل عجمي تكلمت به العرب، قَالَ الأصمعي: هو من النطر، والنبط يجعلون الظاء طاء.

الحادي بعد الأربعين: (صاحب): منصوب على الاختصاص، و (هرقل): بفتح اللام، وهو مجرور معطوف على إيليا أي: صاحب إيليا وصاحب هرقل، وخبر (كان): سُقفٌ، ويجوز أن يكون: يحدِّث أن هرقل وهو أوجه في العربية وأصح في المعنى، كما قَالَ القاضي.

الثاني بعد الأربعين: وقع هنا (سُقُفًّا) بضم السين والقاف وتشديد الفاء، ويروى أُسْقُفا بضم الهمزة مع تخفيف الفاء (وتشديدها ذكرها ابن الجواليقي وغيره، والأشهر ضم الهمزة وتشديد الفاء قاله النووي. وعن غيره أن الرواية فيه تخفيف الفاء)

(2)

، وجمعه أساقفة وأساقف، وللإسماعيلي: أساقفة، وفي بعض الأصول سُقِّف بضم

(1)

في هامش (ف): بلغ إبراهيم الحلبي قراءة على المصنف وسمعه ابنه نور الدين والحاضري [

] والسحوري والشيخ نور الدين وأبو الحسن [

] والصفدي ونظام الدين الحموي وأبو محمد السلاوي والبطائحي والشيخ شمس الدين [ .... ] فخر الدين الرزازي وآخرون.

(2)

من (ف).

ص: 407

السين وكسر القاف المشددة أي: جعل أيضًا أسقفا ويقال أيضًا: سُقْف كقُفْل أعجمي معرب.

ولا نظير لأسقف إلا (أسْرب)

(1)

، وهو للنصارى رئيس دينهم وقاضيهم، قَالَ الخليل: وهو للنصارى رئيس دينهم

(2)

.

وقال الداودي: هو العالم. قيل: سمي به لانحنائه وخضوعه لتدينه عندهم وهو قيم شريعتهم ودون القاضي. والأسقف: الطويل في انحنائه كأنه لطول عبادته وقيامه يعرض له انحناء.

وفي "الصحاح": السُّقَفُ بالتحريك: طول في انحناء، يقال: رجل أسْقَف بيَّن السُّقَفِ، قَالَ ابن السكيت: ومنه اشتق أسقف النصارى؛ لأنه يتخاشع وهو رئيس من رؤسائهم في الدين

(3)

.

الثالث بعد الأربعين: خبثُ النفسِ: كسلها وقلة نشاطها أو سوء خلقها. والبطارقة بفتح الباء قواد الملك وخواص دولته وأهل الرأي والشورى منهم، واحدهم بِطريق -بكسر الباء-، وقيل: هو المختال المتعاظم، ولا يقال ذَلِكَ للنساء.

الرابع بعد الأربعين: قوله: (وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً) هو بفتح الحاء وتشديد الزاي، ويقال فيه: الحازي وهو المتكهن يقال: حزى يحزي ويحزو وتَحَزى. قَالَ الأصمعي: وحزيت الشيء أحزيه حزيًا وحزوًا.

وفي "الصحاح" حزى الشيء يحزيه ويحزوه إذا قدر وخرص، والحازي الذي ينظر في الأعضاء وفي خيلان الوجه يتكهن

(4)

.

(1)

في (ج): أسَرُّب.

(2)

"العين" 5/ 82.

(3)

"الصحاح" 4/ 1375 مادة: سقف.

(4)

"الصحاح" 6/ 2312، مادة:(حزا).

ص: 408

وفي "المحكم": حزى الطير (حَزْيًا)

(1)

: زجرها

(2)

وفُسر في الحديث ذَلِكَ بأنه ينظر في النجوم ويمكن أن يكون أراد بيان جهة حزوه؛ لأن التكهن يكون لوجوه منها ذَلِكَ.

الخامس بعد الأربعين: قوله: (مَلِكَ الخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ) هذا قد ضبط على وجهين:

أحدهما: مَلِك بفتح الميم وكسر اللام.

وثانيهما: ضم الميم وإسكان اللام وكلاهما صحيح، ومعناه: رأيت الملك لطائفة تختتن.

السادس بعد الأربعين: قوله: (فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ) هو بضم الياء يقال: أهمني الأمر: أقلقني وأحزنني والهم: الحزن، وهمني: أذابني (إذا)

(3)

بالغ في ذَلِكَ، وهمني المرض: أذابني، ومنه المهموم.

قَالَ الأصمعي: وهممت بالشيء أهم به إذا أردته وعزمت عليه، وهممت بالأمر أيضًا: قصدته، يهمني، وهَم يَهِمُّ -بالكسر- هَمِيمَا: دبَّ، ومراده أنهم أحقر من أن تهتم لهم أو تبالي بهم، والأمر: الشأن.

السابع بعد الأربعين: قوله: (وابعث إِلَى مَدَائِنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ اليَهُودِ) يعني: وابعث إلى أهل مدائن ملكك فليقتلوا من بين أظهرهم من اليهود، والمدائن بالهمز أفصح من تَرْكِه وأشهر وبه جاء القرآن

(4)

.

(1)

في الأصول: حزوا، والمثبت من "المحكم".

(2)

"المحكم" 3/ 327.

(3)

في (ج): أي.

(4)

قال تعالى: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)} [الشعراء: 36].

ص: 409

قَالَ الجوهري: مدن بالمكان أقام به، ومنه سميت المدينة وهي فعيلة، وتجمع على مدائن بالهمز، وتجمع أيضًا على مدن بإسكان الدال وضمها، وقيل: إنها مفعلة من دنت، أي: ملكت. وقيل: من جعله من الأول همزه أو من الثاني حذفه كما لا تُهمز معايش.

قَالَ الجوهري: والنسبة إلى المدينة النبوية مدني، وإلى مدينة المنصور مديني، وإلى مدائن كسرى مدائني للفرق بين النسب؛ لئلا يختلط

(1)

.

وما ذكره محمول على الغالب وإلا فقد جاء فيه خلاف ذَلِكَ كما ستمر به إن شاء الله تعالى.

الثامن بعد الأربعين: قوله: (فَقَالَ هِرَقْلُ: هذا مَلِكُ هذِه الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ) هو بفتح الميم وكسر اللام ويروى بضم الميم وإسكان اللام وعُزي إلى القاضي أنها رواية الأكثر، لكن الذي عزاه صاحب "المطالع" إلى الأكثر الأولى ومعناها ظاهر، وفيه رواية ثالثة (هذا يَملك) بزيادة ياء مفتوحة على أنه فعل مضارع.

قَالَ القاضي عياض: وأراها ضمة الميم اتصلت بها فَتصحفت ولما حكاها صاحب "المطالع" قَالَ: أظنه تصحيفًا. وأما النووي فقال: كذا ضبطناه عن أهل التحقيق، وكذا هو في أكثر أصول بلادنا. قَالَ: وهي صحيحة أيضًا، ومعناها: هذا المذكور يملك (هذِه)

(2)

الأمة وقد ظهر، والمراد بالأمة هنا أهل العصر

(3)

.

(1)

"الصحاح" 6/ 2201، مادة:(مدن).

(2)

من (ج).

(3)

"مسلم بشرح النووي" 12/ 104، 105.

ص: 410

التاسع بعد الأربعين: قوله (بِرُومِيَةَ) هي بتخفيف الياء كما سلف في أسماء الأماكن.

الخمسون: قوله: (فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ) هو بفتح الياء وكسر الراء أي: لم يفارقها، يقال: ما يريم يفعل أي: ما يبرح. يقال: رامه يريمه ريمًا أي: بَرِحه. ويقال: لا ترمه أي: لا تبرحه، قَالَ ابن طريف: ما رامني ولا يريمني لم يبرح عني، ولا يقال إلا منفيًّا، قَالَ الأعشى يحكي قول بنت له:

أيا أبتا لا ترم عندنا

فإنا بخير إذا لم ترم

وحمص غير مصروفة؛ لأنها عجمية علم مؤنثة كما سلف.

الحادي بعد الخمسين: قوله: (يَا مَعْشَرَ الرُّومِ) قَالَ أهل اللغة: هم الجمع الذين شأنهم واحد فالإنس معشر، والجن معشر، والأنبياء معشر، والفقهاء معشر، والجمع معاشر.

الثاني بعد الخمسين: قوله: (هَلْ لَكُمْ فِي الفَلَاحِ وَالرُّشْدِ) أما الفلاح فهو الفوز والبقاء والنجاة، وأما الرُشد فبضم الراء وإسكان الشين، وبفتحهما أيضًا لغتان وهو خلاف الغي، قَالَ أهل اللغة: هو إصابة الخير.

وقال الهروي: هو الهدى والاستقامة وهو بمعناه يقال: رَشَدَ يَرْشَدُ ورَشِدَ يَرْشُدُ لغتان، والرشَدُ كالرُشْدِ وهما مصدران.

الثالث بعد الخمسين: قوله: (فتتابعوا هذا النَّبِيَّ؟) هو بمثناة فوق، ثم أخرى مثلها كذا هو في أكثر الأصول من المتابعة وهي: الاقتداء، وفي بعضها فنتابع وهو بمعناه، وفي بعضها فتبايعوا بالباء الموحدة من البيعة، وكله صحيح.

ص: 411

الرابع بعد الخمسين: قوله: (فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ) هو بالحاء والصاد المهملتين أي: نفروا وكروا راجعين، حاص يحيص: نفر.

وقال الفارسي في "مجمع الغرائب": هو الروغان والعدول عن طريق القصد.

وقال الخطابي: يقال: حاص وجاض بمعنى واحد بالجيم والضاد المعجمة

(1)

. وكذا قَالَ أبو عبيد

(2)

وغيره، قالوا: ومعناه: عدل عن الطريق. وقال أبو زيد: معناه بالحاء رجع وبالجيم عدل.

الخامس بعد الخمسين: قوله: (إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا) أي: قريبًا أو بعجلة أو في أول وقت كنا فيه أو الساعة، وكله بمعنى، وهو بالمد والقصر، والمد أشهر، وبه قرأ جمهور القراء السبعة، وروى البزي عن ابن كثير القصر، قَالَ المهدي: المد هو المعروف

(3)

.

السادس بعد الخمسين: معنى رواية مسلم التي أسلفناها عن رواية صالح: (مشى يعني: قيصر من حمص إلى إيلياء شكرًا لما أبلاه الله تعالى)

(4)

، أي: شكرًا لما من الله عليه وأنعم. والبلاء لفظ مشترك يقال في الخير والشر؛ لأن أصله الأختبار، قَالَ تعالى {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ} [الأعراف: 168] وأكثر استعماله في الخير مقيدًا وأما في الشر فقد يطلق.

(1)

"غريب الحديث" للخطابي 1/ 332.

(2)

"غريب الحديث" لأبي عبيد 2/ 320.

(3)

"الكوكب الدري" ص 553.

(4)

مسلم (1773).

ص: 412

الوجه العاشر: في فوائده:

الأولى: خبر الجماعة أوقع من خبر الواحد ولاسيما إذا كانوا جمعًا يقع العلم بخبرهم، وهذِه مأخوذة من قوله:(وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ).

الثانية: تقديم صاحب الحسب في أمور المسلمين ومهمات الدين والدنيا، ولذلك جعلت الخلفاء من قريش؛ لأنهم أحوط من أن يدنسوا أحسابهم، وقد قَالَ الحسن البصري: حدثوا عن الأشراف؛ فإنهم لا يرضون أن يدنسوا شرفهم بالكذب ولا بالخيانة.

الثالثة: استدلال هرقل من كونه ذا حسب ليس بدليل قاطع على (النبوة)

(1)

، وإنما القاطع المعجز الخارق للعادة المعدوم فيها المعارضة. قاله المازري، قَالَ: ولعل هرقل كان عنده علم بكونها علامات هذا النبي، وقد قَالَ فيه: وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم

(2)

، وقطع ابن بطال بهذا.

وقال: إخبار هرقل وسؤاله عن كل (فصل)

(3)

إنما كان عن الكتب القديمة وإنما ذَلِكَ كله نعت للنبي صلى الله عليه وسلم مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل

(4)

، وجزم به النووي في "شرحه" فقال: هذا الذي قاله هرقل أخذه من الكتب القديمة، ففي التوراة هذا أو نحوه من أعلام نبوته

(5)

.

(1)

في (ف): النبوءة.

(2)

"المعلم بفوائد مسلم" 2/ 144.

(3)

كررت في الأصول.

(4)

"شرح ابن بطال" 1/ 46.

(5)

"مسلم بشرح النووي" 12/ 107.

ص: 413

الرابعة: جواز مكاتبة الكفار، وقد كاتب النبي صلى الله عليه وسلم سبعة من الملوك فيما قاله الداودي: هرقل، وكسرى، والنجاشي، والمقوقس، وملك غسان، وهوذة بن علي، والمنذر بن ساوى.

وقال ابن هشام: حدثني من أثق به عن أبي بكر الهذلي قَالَ: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم بعد عمرته التي صُدَّ عنها يوم الحديبية فقال: "أيُّها الناسُ، إنَّ الله بعثني رحمةً وكافةً، فلا تختلفوا عليَّ كما اخْتَلَفَ الحواريونَ عَلَى عيسى ابن مريم" فقال أصحابه: وكيف اختلفوا؟ فقال: "دعاهم إلى الذي دعوتُكم إليه، فأمَّا مَنْ بعثه إليه مبعثًا قريبًا فرضي وسلَّم، وأما مَنْ بعثه مبعثًا بعيدًا فكَرِه وجهه وتثاقل؛ فشكا ذَلِكَ عيسى عليه السلام إلى الله سبحانه وتعالى، فأصبح المتثاقلون وكل واحد منهم يتكلم بلغة الأُّمَّة التي بُعِثَ إليها"

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلًا من أصحابه، وبعث معهم كتبًا إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام، بعث دحية إلى قيصر ملك الروم، وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس، وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة، وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية، وبعث عمرو بن العاص السهمي إلى ابني

(1)

الجُلُنْدى الأزديين ملكي عَمَّان، وبعث سليط بن عمرو إلى ثمامة بن أثال وهوذة بن علي ملكي اليمامة، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن سَاوى ملك البحرين، وبعث شجاعًا الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام، وبعث شجاع بن وهب إلى جبلة بن الأيهم، وبعث المهاجر بن

(1)

هما جَيْفَر وعياذ، كما في "سيرة ابن هشام" 4/ 279.

ص: 414

أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحميري ملك اليمن

(1)

.

وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست أرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام فقيل له: إن الملوك لا يقرءون كتابًا إلا مختومًا، وفيه: فاتخذ خاتمًا من فضة، وختم به الكتب، فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد، فكان أول رسول بعثه عمرو بن أمية إلى النجاشي. وفيه: فأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه على عينيه ونزل عن سريره تواضعًا، ثم أسلم وشهد شهادة الحق، وكتب له كتابًا آخر يأمره أن يزوجه أم حبيبة

(2)

.

وفي "صحيح مسلم" أنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله، وليس بالنجاشي الذي صلئ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

. وظاهر هذا أنه نجاشي آخر، فالنجاشي لقب لكل من مَلَكَ الحبشة كما مر.

الخامسة: استحباب تصدير الكتب بالبسملة، وإن كان المبعوث إليه كافرًا، وقد قَالَ الشعبي فيما ذكره ابن سعد: كان صلى الله عليه وسلم يكتب كما تكتب قريش: "باسمك اللهم"، حتى نزلت:{بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا} [هود: 41]، فكتب:"بسم الله". حتى نزلت: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110]: 110]، فكتب:"بسم الله الرحمن". حتى نزلت: {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30] فكتبها

(4)

.

(1)

"سيرة ابن هشام" 4/ 278 - 279.

(2)

"الطبقات الكبرى" 1/ 258 - 259 عن عمرو بن أمية الضمري.

(3)

مسلم (1774) في الجهاد والسير، باب: كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار عن أنس ابن مالك.

(4)

"الطبقات" 1/ 263 - 264.

ص: 415

السادسة: أن المراد بحمد الله في الحديث السابق أول الكتاب: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع"

(1)

كما ورد في تلك الرواية الأخرى السالفة، وروي: بـ "بسم الله" كما سلف أيضًا

(2)

، وهذا الكتاب كان ذا بال، بل من المهمات ولم يبدأ فيه صلى الله عليه وسلم بلفظ الحمد وبدأ بالبسملة.

السابعة: أن السنة في المكاتبات والرسائل بين الناس أن يبدأ الكاتب بنفسه فيقول: مِن فلان إلى فلان. وهو قول الأكثر كما حكاه الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه: "صناعة الكتَّاب".

وروي أن هرقل لما أخرج الكتاب فرأى أخو هرقل أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه أخذ الكتاب ليمزقه، فأخذه هرقل وقال: أنت أحمق صغيرًا، أحمق كبيرًا

(3)

.

وروى البزار من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد عن دحية أنه لما أعطى الكتاب إلى قيصر كان عنده ابن أخ له أحمر أزرق سبط الرأس فلما قرأ الكتاب نخر ابن أخيه نخرة وقال: لا يقرأ اليوم. فقال له قيصر: لم؟ قَالَ: إنه بدأ بنفسه وكتب صاحب الروم ولم يكتب ملك الروم فقال (له)

(4)

قيصر: لنقرأنَّه

(5)

وذكر الحديث.

(1)

سبق في شرح الحديث، رقم (1).

(2)

سبق في شرح الحديث رقم (1).

(3)

أورده السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 224، وعزاه لأبي نعيم في "دلائله".

(4)

زيادة من (ج).

(5)

رواه البزَّار في كما في "كشف الأستار"(2374). وقال الهيثمي في "المجمع" 8/ 236 - 237: رواه البزَّار وفيه: إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى وهو ضعيف، وسبق تخريجه قريبًا.

ص: 416

وروى النحاس فيه أحاديث وآثارًا كثيرة، منها: حديث العلاء بن الحضرمي الذي في أبي داود: وكان عاملًا على البحرين، فكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه. وفي لفظ: بدأ باسمه

(1)

.

(ومنها)

(2)

: أن ابن عمر كان يقول لغلمانه وأولاده: إذا كتبتم إليَّ فلا تبدءوا بي

(3)

. وكان إذا كتب إلى الأمراء بدأ بنفسه

(4)

، وعن الربيع بن أنس قَالَ: ما كان أحد أعظم حرمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أصحابه يكتبون إليه فيبدءون بأنفسهم

(5)

.

وقال حماد بن زيد: كان الناس يكتبون: من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، أما بعد. قَالَ النحاس: وهو إجماع الصحابة. قَالَ: وسواء في هذا تصدير الكتاب والعنوان.

وقال غيره: كره جماعة من السلف خلافه، ورخص جماعة من العلماء في أن يبدأ بالمكتوب إليه فيقول في التصدير والعنوان:(إلى فلان أو إلى فلان بن فلان)

(6)

.

(1)

أبو داود (5134، 5135).

(2)

في (ج): وفيها.

(3)

عبد الرزَّاق في "المصنف" 11/ 429 (20915)، وابن سعد في "الطبقات" 4/ 152.

(4)

رواه عبد الرزاق في "المصنف" 11/ 428 (20913).

(5)

أورده القرطبي في "التفسير" 13/ 192 عن الربيع، عن أنس ولعله تصحيف، ورواه الطبراني 6/ 241 (6108)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 130، عن سلمان الفارسي قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 98: وفيه قيس بن الربيع وثقه الثوري وشعبة وضعفه غيرهما وبقية رجاله ثقات. اهـ.

(6)

كذا في (ج)، وفي (ف)(فلان من فلان).

ص: 417

ثم روى بإسناده أن زيد بن ثابت كَتَب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية.

وعن محمد بن الحنفية أنه لا بأس بذلك.

وعن بكر بن عبد الله وأيوب السختياني مثله.

قَالَ: وأما العنوان فالصواب أن يكتب عليه: إلى فلان. ولا يكتب: لفلان؛ لأنه إليه لا له إلا على مجاز، هذا هو الصواب الذي عليه أكثر العلماء من الصحابة والتابعين. ثم روى بإسناده عن ابن عمر قَالَ: يكتب الرجل: من فلان بن فلان، ولا يكتب: لفلان.

وعن إبراهيم النخعي، قَالَ: كانوا يكرهون أن يكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم لفلان بن فلان. وكانوا يكرهونه في العنوان.

قَالَ النحاس: ولا أعلم أحدًا من المتقدمين رخص في أن يكتب: لأبي فلان. في عنوان ولا غيره.

قُلْتُ: وأغرب بعضهم فقال: يقدم الأب، ولا يبدأ ولدٌ باسمه على والده، والكبير السن كذلك، ويرده حديث العلاء السالف، فإنه بدأ فيه بنفسه وحقه أعظم من حق الوالد وغيره.

الثامنة: التوقي في الكتابة واستعمال الورع فيها فلا يُفَرِّط (ولا يُفْرِط)

(1)

؛ وجه ذَلِكَ أنه صلى الله عليه وسلم (كتب)

(2)

: "إلى هرقل عظيم الروم" فلم يقل: ملك الروم. لأنه لا ملك له ولا لغيره بحكم دين الإسلام، ولا سلطان لأحد إلا لمن ولاه الشارع أو نائبه فيه بشرطه، وإنما ينفذ بأحكامهم ما ينفذه للضرورة، ولم يقل: إلى هرقل فقط، بل أتى بنوع من الملاطفة (فقال:"عظيم الروم" أي: الذي تعظمه

(1)

من (ف).

(2)

في (ف): قال.

ص: 418

الروم وتقدمه، وقد أمر الله تعالى)

(1)

بإِلَانَةِ القول لمن يدعى (إلى)

(2)

الإسلام حيث قَالَ: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، وقال تعالى {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 44] وغير ذلك.

التاسعة: جواز معاملة الكفار بالدراهم المنقوش فيها سام الله للضرورة وإن كان عن مالك الكراهة؛ لأن ما في هذا الكتاب أكثر مما في هذا المنقوش من ذكر الله، نبه عليه القاضي

(3)

، ونقل ابن بطال عن العلماء عدم تمكينهم من الدراهم التي فيها ذكر الله تعالى

(4)

.

العاشرة: وجوب العمل بخبر الواحد، وإلا فلم يكن في بعثه مع دحية فائدة، وهذا إجماع من يعتد به، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- (مبسوطًا حيث ذكره البخاري في أواخر "صحيحه"

(5)

إن شاء الله)

(6)

وقَدَّرَ الوصول إليه، اللهم أعن عليه.

الحادية عشرة: منع ابتداء الكافر من السلام؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سلام على من اتبع الهدى" ولم يسلم عليه

(7)

، وهو مذهب الشافعي وأكثر

(1)

ساقط من (ج).

(2)

ساقطة من (ف).

(3)

"إكمال المعلم" 6/ 123.

(4)

"شرح ابن بطال" 1/ 48.

(5)

سيأتي برقم (7541) كتاب: التوحيد، باب: ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها.

(6)

ساقط من (ج).

(7)

سئل السيوطي رحمه الله عن رجل سلم على جماعة مسلمين وفيهم نصراني فأنكر عليه، وقيل له: من حقك أن تقول: السلام على من اتبع الهدى فهل يجزئ اللفظ الأول، أو يتعين الثاني؟ فقال: لا يجزئ في السلام إلا اللفظ الأول ولا يستحق الرد إلا به، ويجوز السلام =

ص: 419

العلماء

(1)

، وأجازه جماعة مطلقًا

(2)

.

وفيه قول ثالث: جوازه للائتلاف أو لحاجة

(3)

، والصواب الأول؛ فإنه صح النهي عنه، ومنه:"لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام"

(4)

كما سيأتي في موضعه -إن شاء الله- قَالَ البخاري (وغيره)

(5)

: ولا يسلم على المبتدع ولا على من اقترف ذنبًا عظيمًا ولم يتب منه، فلا يرد عليهم السلام

(6)

، واحتج البخاري بحديث كعب بن مالك، وفيه: فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا

(7)

.

= على المسلمين وفيهم نصراني إذا قصد المسلمين فقط، وأما السلام على من اتبع الهدى، فإنما شرع في صدور الكتب إذا كتبت للكافر كما ثبت في الحديث الصحيح. اهـ. "الحاوي للفتاوي" 1/ 252، وانظر:"المجموع الثمين" 1/ 49.

(1)

انظر: "بدائع الصنائع" 5/ 128، "الذخيرة" 13/ 291، "طرح التثريب" 8/ 111، "الآداب الشرعية" 1/ 387.

(2)

انظر: "شرح معاني الآثار" 4/ 342، "الآداب الشرعية" 1/ 387.

(3)

انظر: "طرح التثريب" 8/ 111، "الآداب الشرعية" 1/ 387.

(4)

رواه مسلم (2167) كتاب: السلام، باب: النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يردُّ عليهم، وأبو داود (5205)، والترمذي (1602) من حديث عن أبي هريرة.

(5)

من (ف).

(6)

"صحيح البخاري" كتاب: الاستئذان، قبل حديث (6255).

قلت: وهو ما ذهب إليه الحنفية، والمالكية، وللشافعية وجهان:

أحدهما: يسلم عليه؛ لأنه مسلم. والثاني: لا يستحب، بل يستحب أن لا يسلم عليه وهو الأصح، وعند الحنابلة في تحريم السلام على مبتدع غير مخاصم روايتان. انظر:"الفتاوى الهندية" 5/ 326، "عقد الجواهر الثمينة" 3/ 1301، "الفواكه الدواني" 2/ 422، "المجموع" 4/ 467، "الفروع" 2/ 184.

(7)

سيأتي برقم (4418) كتاب: المغازي، باب: حديث كعب بن ما لك، ورواه مسلم (2769) كتاب: التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه.

ص: 420

الثانية عشرة: استعمال أما بعد في الخطب والمكاتبات.

الثالثة عشرة: دعاء الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم، وهذا مأمور به، فإن لم تكن بلغتهم الدعوة كان الأمر به واجبًا، وإن كانت بلغتهم كان مستحبًّا، فلو قوتل هؤلاء قبل إنذارهم ودعائهم إلى الإسلام جاز لكن فاتت السنة والفضيلة، بخلاف الضرب الأول.

هذا مذهب الشافعي، وفيه خلاف للسلف سيأتي إن شاء الله في موضعه، وحاصله ثلاثة مذاهب حكاها المازري ثم القاضي، أحدها:

يجب الإنذار مطلقًا قاله مالك وغيره.

وثانيها: لا يجب مطلقًا.

وثالثها: التفصيل السالف. وبه قَالَ نافع والحسن والثوري والليث والشافعي وابن المنذر، وهو الصحيح، وبه قَالَ أكثر العلماء.

الرابعة عشرة: جواز المسافرة إلى أرض الكفار

(1)

.

الخامسة عشرة: جواز البعث إليهم بالآية من القرآن ونحوها، والنهي عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو محمول على المسافرة بكله أو جملة منه، وعلى ما إذا خيف وقوعه في أيدي الكفار كما

(1)

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح رياض الصالحين" 1/ 12 - 13:

لا يجوز للإنسان أن يسافر إلى بلاد الكفر إلا بشروط ثلاثة:

الأول: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات.

الثاني: أن يكون عنده دين يحميه من الشهوات.

الثالث: أن يكون محتاجًا إلى ذلك مثل أن يكون مريضًا يحتاج إلى السفر إلى بلاد الكفر للاستشفاء، أو يكون محتاجًا إلى تجارة، فيذهب ويتجر ويرجع، والمهم أن يكون هناك حاجة، ولهذا أرى أن الذين يسافرون إلى بلاد الكفر من أجل السياحة فقط أرى أنهم آثمون، وأن كل قرش دفعوه في هذا السفر فإنه حرام عليهم وإضاعة لمالهم وسيحاسبون عنه يوم القيامة. اهـ.

ص: 421

سيأتي -إن شاء الله تعالى- إيضاحه في موضعه، وأبعد ابن بطال فقال: كان ذَلِكَ في أول الإسلام ولم يكن (بدٌّ)

(1)

من الدعوة العامة

(2)

.

السادسة عشرة: استدل أصحابنا به على جواز مس المحدث والكافر كتابًا فيه آية أو آيات يسيرة من القرآن مع غير القرآن

(3)

.

السابعة عشرة: استحباب البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ الجزلة في المكاتبة؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "أَسْلِمْ تَسْلَمْ" في نهاية الاختصار وغاية الإيجاز والبلاغة وجميع المعاني مع ما فيه من بديع التجنيس كقوله تعالى: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44] فإنه جمع بقوله: "تسلم" نجاة الدنيا من الحرب والخزي بالجزية، وفي الآخرة من العذاب.

ومثله من الكلام المعدود في فصاحته صلى الله عليه وسلم كثير: كقوله: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم"

(4)

.

وقوله: "الناس كأسنان المشط"

(5)

.

(1)

ساقطة من (ج).

(2)

"شرح ابن بطال" 1/ 48.

(3)

انظر: "الشرح الكبير" 1/ 176، "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" 1/ 104، "مغني المحتاج" 1/ 36.

(4)

روي ذلك من حديث علي رضي الله عنه، وهو لفظ لبعض روايات الحديث الآتي برقم (111) كتاب: العلم، باب: كتابه العلم. وهذا اللفظ عند أبي داود وغيره، وسيأتي مفصلا في موضعه إن شاء الله.

(5)

رواه ابن عدي في "الكامل" 4/ 225، وابن الجوزي في "الموضوعات" 3/ 273 (1508)، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 145 (195) من حديث أنس.

قال ابن عدي: هذا الحديث وضعه سليمان بن عمرو على إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. =

ص: 422

و"المرء مع من أحب"

(1)

.

و"الناس معادن"

(2)

.

و"ما هلك أمرؤٌ عرف قدره"

(3)

.

و"المستشار مؤتمن"

(4)

.

و"ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهًا"

(5)

.

ونهيه عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال

(6)

، وشبهه مما لا ينحصر عدًّا.

الثامنة عشرة: أن من أدرك من أهل الكتاب نبينا صلى الله عليه وسلم فآمن به له أجران كما صرح به هنا، وفي الحديث الآخر في "الصحيح" كما سيأتي:"ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين"

(7)

منهم (مؤمن)

(8)

أهل الكتاب

= وقال الألباني في "الضعيفة"(596): ضعيف جدًّا.

(1)

سيأتي برقم (6169) كتاب: الأدب، باب: علامة الحب في الله عز وجل ورواه، ومسلم (2640) كتاب: البر والصلة، باب: الأرواح جنود مجندة.

(2)

سيأتي برقم (3383) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)} ، ورواه ومسلم (2378) كتاب: الفضائل، باب: فضائل يوسف عليه السلام.

(3)

لم أجده.

(4)

رواه أبو داود (5128)، والترمذي (2369)، والنسائي 7/ 158 كلهم عن أبي هريرة وأصله في "مسلم" برقم (2038) كتاب: الأشربة، باب: جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك.

(5)

أورده الثعالبي في "تفسيره" 2/ 310.

(6)

سيأتي برقم (1477).

(7)

سيأتي برقم (3011) كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل من أسلم من أهل الكتاب.

(8)

في (ف): من.

ص: 423

(من)

(1)

آمن بنبيه ونبينا واتبعه وصدق به.

التاسعة عشرة: البيان الواضح أن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلاماته كان معلومًا (لأهل)

(2)

الكتاب علمًا قطعيًا، وإنما تَرَكَ الإيمان من تركه منهم عنادًا وحسدًا وخوفًا على فوات مناصبهم في الدنيا.

العشرون: أن من كان سببًا لضلالةٍ أو مَنْع هداية كان آثمًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين" وفي هذا المعنى قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13].

تتمات:

الأولى: فيه أيضا أن الكذب مهجور وعيب في كل أمة.

الثانية: أن العدو لا يؤمن أن يكذب على عدوه وقد سلف.

الثالثة: أن الرسل لا ترسل إلا من أكرم الأنساب؛ لأن من شَرُفَ نسبه كان أبعد له من الانتحال لغير الحق، ومثله الخليفة ينبغي أن يكون من أشرف قومه.

الرابعة: أن الإمام وكل من حاول مطلبًا عظيمًا إذا لم يتأس بأحد يقدمه من أهله ولا طلب رئاسة سلفه، كان أبعد للظنة وأبرأ للساحة.

الخامسة: أن من أخبر بحديث وهو معروف بالصدق قُبل منه بخلاف ضده.

خاتمة: لا عتب على البخاري في إدخاله أحاديث أهل الكتاب في "صحيحه" كهرقل وغيره ولا في ذكر قوله: (وَكَانَ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ)؛ لأنه إنما أخبر أنه كان في الإنجيل ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وكان من

(1)

زيادة من (ج).

(2)

في (ج): عند أهل.

ص: 424

يتعلق بالنّجامة قبل الإسلام ينذر بنبوته؛ لأن عِلْمَ النجوم كان مباحًا ذَلِكَ الوقت فلما جاء الإسلام منع منه فلا يجوز لأحد اليوم أن يقضي بشيء منه، وكان علم النجوم قبل الإسلام على (التظنين)

(1)

يصيب مرة ويخطئ كثيرًا، فاشتغالهم بما فيه الخطأ الغالب ضلال، فبعث الله نبيه بالوحي الصحيح ونسخ ذَلِكَ العناء الذي كانوا فيه من أمر النجوم.

وقال: "نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"

(2)

، ونصب الله الأهلة مواقيت للناس في (صيامهم)

(3)

وآجال ديونهم (وحجهم ونجوم)

(4)

كتابتهم وأوقات بلوغهم، ونصب أوقات الصلوات ظاهرة لم تحتج إلى حساب وغيره مع أنه لو وقف ذَلِكَ على ظن (وحساب)

(5)

لأدى إلى الصدق مرة وللكذب أخرى ويقبح في الشريعة ذَلِكَ، فإن الذي يشبه الصواب منه إنما هو اتفاقيات ثم لو أمكن فيه الصدق لكان فيه مفاسد جمة فإنه إذا نجَّم وظن أنه يعيش مائة سنة مثلًا لربما سَوَّف بالتوبة وانهمك على المعاصي، أو أنه يعيش أقل، تنكد عليه عيشه وانفسد النظام، فلله الحمد على الهداية إلى الصراط الأقوم.

(1)

في (ج): الظن.

(2)

ذكره الطبري في "تفسيره" 1/ 417 دون إسناد

(3)

في (ج): حسابهم.

(4)

ساقط من (ج).

(5)

في (ف): وحسبان.

ص: 425

(2)

كتاب الإيمان

ص: 427

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

(1)

‌2 - كتاب الإيمان

‌1 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ

"

وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَينْقُصُ. قَالَ الله تَعَالَى:{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]، وقال:{وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، وقال:{وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76]، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)} [محمد: 17]، وقال:{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]، وقال:{أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: 124]، وقال جَلَّ ذِكْرُهُ:{فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].

(1)

من (ف).

ص: 429

وَالْحُبُّ في اللهِ وَالْبُغْضُ في اللهِ مِنَ الإِيمَانِ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيِّ: إِنَّ لِلإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام:{وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]. وَقَالَ مُعَاذٌ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً. وَقَالَ ابن مَسْعُودٍ: اليَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ. وَقَالَ ابن عُمَرَ: لَا يَبْلُغُ العَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13]، أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ:{شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]: سَبِيلًا وَسُنَّةً

(1)

، {دُعَاؤُكُمْ}:[الفرقان: 77] إيمانكم.

(1)

ورد بهامش (ف) تعليق نصه: بلغ إبراهيم الحلبي قراءة على المصنف، وسمعه ولد المصنف نور الدين والجماعة:

والحاضري والصفدي والبيجوري والبطائحي والعاملي .... تاج الدين والبرموي .... النظام الحموي وآخرون.

ص: 430

‌2 - باب دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ

لقوله عز وجل: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77]

(1)

8 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بُنِىَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ". [4515 - مسلم 16 - فتح 1/ 49]

نا عبيد الله بن موسى، أنا حنظلة بن أبي سفيان، عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُنِىَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها: لما فرغ البخاري رحمه الله من ابتداء الوحي عَقَّبَه بذكر الإيمان، ثم بالصلاة بمقدماتها الطهارات ثم بالزكاة ومتعلقاتها، ثم بالحج ومتعلقاته، ثم بالصوم. وقصد الاعتناء بالترتيب المذكور في حديث ابن عمر هذا الذي ساقه، وإن وقع في بعض روايات "الصحيح" تقديم الصوم على الحج.

والكتاب مصدر سمي به المفعول مجازًا، وهو خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا كتاب ولفظة (ك. ت. ب) في جميع تصاريفها راجعة إلى معنى الجمع والضم؛ ومنه الكتاب والكتيبة والمكتوب والكاتب وهو في اصطلاح المصنفين كالجنس الجامع لأبواب أو مسائل.

والإيمان في اللغة: التصديق، وفي الشرع: تصديق خاص، كما ستعلمه.

(1)

من هامش (ف) وبعدها: حدثنا عبيد الله .. إلخ. وانظر كلام المصنف ص 447.

ص: 431

ثانيها: ابتداء كتاب الإيمان بالبسملة وهكذا عادته في كل كتاب من كتبه عملًا بالحديث السالف أول الكتاب: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع"، وفي رواية "ببسم الله الرحمن الرحيم"، وفي رواية "بذكر الله"

(1)

. فإن قُلْتَ: البسملة في أول كتابه تُغني عن ذَلِكَ، فالجواب أن فيه مزيد اعتناء ومحافظة على التمسك بالكتاب والسنة.

ثالثها: هذا الحديث أخرجَهُ البخاري هُنا وفي التفسير، وقال فيه: وَزَادَ عُثْمَانُ بْنُ صَالِح، عَنِ ابن وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي فُلَانٌ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْح، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بن الأشج، عَنْ نَافِعٍ، عن ابن عُمر

(2)

.

وأخرجه مُسْلم في الإيمان عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه، -عن حنظلةَ به، وعن ابن مُعاذ، عن أبيه، عن عاصِم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن جده، وعن ابن نُمير، عن أبي خالد الأحمر، عن سَعْد بن طارق، عن سَعْد بن عبيدة، عن ابن عمر، وعن سهل بن عثمان، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن سعد بن طارق به

(3)

، فوقع لمسلم من جميع طرقه خماسيًّا وللبخاري رباعيًّا، فَعَلَاه برجلٍ.

رابعها: في التعريف (بحال)

(4)

رواته:

أما عبد الله (ع) بن عمر فهو الإمام الصالح أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المكي، وتقدم. تمام نسبه في ترجمة والده.

(1)

سبقت جميعها في أثناء شرح الحديث رقم (1).

(2)

سيأتي برقم (4513) باب: قوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} .

(3)

مسلم (16) باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام.

(4)

في (ج): برجال.

ص: 432

أمه وأم أخته حفصة رضي الله عنهما زينب، وقيل: ريطة بنت مظعون أخت عثمان، أسلم بمكة قديمًا مع أبيه وهو صغير، وهاجر معه كما ذكره البخاري في الهجرة

(1)

، ولا يصح قول من قَالَ: إنه أسلم قبل أبيه وهاجر قبله. واستصغر عن أحد، وشهد الخندق وما بعدها، وهو أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية، وأحد العبادلة الأربعة

(2)

، وثانيهم: ابن عباس، وثالثهم: عبد الله بن عمرو بن العاص، ورابعهم: عبد الله بن الزبير.

ووقع في "مبهمات النووي" وغيرها أن الجوهري أثبت ابن مسعود منهم وحذف (ابن عمرو)

(3)

، وليس كما ذكره عنه (فالذي في "صحاحه"

(4)

إثبات ابن عمرو وحذف ابن الزبير فاعلمه)

(5)

، وقد أسلفنا قريبًا التنبيه عليه.

ووقع في "شرح الرافعي" في الجنايات عَدّ ابن مسعود منهم، وحذف ابن الزبير وابن عمرو بن العاص، وهو غريب منه.

روي له ألفا حديث وستمائة وثلاثون حديثًا، اتفقا منها على مائة وسبعين، وانفرد البخاري بأحد وثماثين، ومسلم بأحد وثلاثين. وهو أكثر الصحابة رواية بعد أبي هريرة.

(1)

سيأتي برقم (3916) كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.

(2)

ورد بهامش (ف): ذكر العبادلة.

(3)

"الإشارات إلى بيان الأسماء المبهمات" للنووي ص (609)، وورد في (ج): ابن الزبير.

(4)

"الصحاح" 2/ 505، مادة: عبد.

(5)

ساقط من (ج).

ص: 433

روى عنه أولاده: سالم وعبد الله وحمزة وبلال، وخلائق من جلة التابعين.

ومناقبه لا تحصى، ونظيره في المتابعة للآثار وإعراضه عن الدنيا ومقاصدها عزيز، وكذا احتياطه في الفتوى، وعلمه بالمناسك، وكرمه، فربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفًا. وهو أحد الساردين للصوم كوالده وعائشة وأبي طلحة وحمزة (بن عمرو الأسلمي، و)

(1)

شهد له الشارع بالصلاح

(2)

، وعاش بعد ذَلِكَ زيادة على ستين سنة يترقى في الخيرات.

قَالَ الزهري: لا يعدل (برأي)

(3)

ابن عمر، فإنه أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة فلم يخف عنه شيء من أمره ولا من أمر الصحابة.

مات بفَخٍّ -بفتح الفاء وتشديد الخاء المعجمة- موضع بقرب مكة، قَالَ الصغاني: وهو وادي الزاهر

(4)

. سنة ثلاث، وقيل: أربع وسبعين بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر وقيل: بسنة، عن أربع، وقيل: ست وثمانين سنة، قَالَ يحيى بن بكير: توفي بمكة بعد الحج، ودفن بالمحصب، وبعض الناس يقول: بفخ، قُلْتُ: وقيل: بسرف، وكلها مواضع بقرب مكة (بعضها أقرب إلى مكة)

(5)

من بعض

(6)

.

(1)

من (ف).

(2)

سيأتي برقم (1122) كتاب: التهجد، باب: فضل قيام الليل، ورواه مسلم (2479) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل ابن عمر.

(3)

في (ج): به أي.

(4)

"معجم البلدان" 4/ 237.

(5)

زيادة من (ج).

(6)

انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 3/ 1707، "الاستيعاب" 3/ 80، "أسد الغابة" 3/ 340.

ص: 434

فائدة:

في الصحابة أيضًا عبد الله بن عمر، جَرْمي، يقال: إن له صحبة، يروى عنه حديث في الوضوء

(1)

.

وأما الراوي عنه فهو الإمام عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المكي الثقة الجليل، سمع ابن عمر وابن عباس وغيرهما، وعنه عمرو بن دينار وغيره من التابعين.

مات بمكة بعد عطاء، ومات عطاء سنة أربع عشرة أو خمس عشرة ومائة. والعاصي جده هو أخو أبي جهل، قَتَلَ العاصي (هذا عمرُ ببدرٍ كافرًا، وهو خال عمر على قول

(2)

(

)

(3)

.

وفي الصحابة عكرمة)

(4)

ثلاثة لا رابع لهم: ابن أبى جهل الخزومي

(5)

،

(1)

انظر ترجمته في: "أسد الغابة" 3/ 340، "الإصابة" 3/ 137.

(2)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 475، "التاريخ الكبير" 7/ 48 (221)، "الجرح والتعديل" 7/ 9 (34)، "الثقات" 5/ 231، "تهذيب الكمال" 20/ 249 - 251 (4004).

(3)

بياض بالأصل بمقدار كلمة.

(4)

ساقطة من (ج).

(5)

عكرمة بن أبي جهل، واسم أبي جهل: عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي المخزومي. كان عكرمة شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية هو وأبوه، وكان فارسًا مشهورًا، هرب حين الفتح، فلحق باليمن، ولحقت به امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام. ولما أسلم عكرمة شكا قولهم عكرمة بن أبي جهل، فنهاهم النبي، وكان مجتهدًا في قتال المشركين مع المسلمين، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على هوازن يُصدقها، قتل في يوم اليرموك. انظر ترجمته في:"معرفة الصحابة" 4/ 2171 - 2172 (2261)، "الاستيعاب" 3/ 190 - 192 (1857)، "أسد الغابة" 4/ 70 - 73 (3735)، "الإصابة" 2/ 496 - 497 (5638).

ص: 435

وابن عامر العبدري

(1)

وابن عبيد الخولاني

(2)

.

فائدة ثانية:

ليس في الصحيحين من اسمه عكرمة إلا هذا، وعكرمة بن عبد الرحمن، وعكرمة مولى ابن عباس، وروى مسلم للأخير مقرونًا وتكلم فيه لرأيه، وسيأتي في كتاب العلم

(3)

.

وعكرمة بن عمار، أخرج له مسلم في الأصول واستشهد به البخاري (ومسلم)

(4)

في (كتاب)

(5)

البر والصلة

(6)

.

وأما الراوي عن عكرمة فهو حنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن (حذافة)

(7)

بن جمح الجمحي المكي القرشي الثقة الحجة، سمع عطاء وغيره من التابعين، وعنه الثوري وغيره من الأعلام. مات سنة إحدى وخمسين ومائة.

(1)

عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، هو الذي باع دار الندوة من معاوية بمائة ألف. وهو معدود في المؤلفة قلوبهم.

انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 3/ 192 (1858)، "أسد الغابة" 4/ 73 (3736)، "الإصابة" 2/ 497 (5639).

(2)

عكرمة بن عبيد الخولاني، ذكره بعض المتأخرين في الصحابة، وقال: لا يعرف له رواية، وحُكي عن أبي سعيد بن عبد الأعلى؛ أنه شهد فتح مصر، وله إدراك.

انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" 4/ 2172 (2262)، "أسد الغابة" 4/ 73 (3737)، "الإصابة" 2/ 497 (5640).

(3)

سيأتي برقم (75) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم علمه الكتاب".

(4)

من (ج).

(5)

في (ج): باب.

(6)

سيأتي شاهدًا لحديث رقم (6103) كتاب: الأدب، باب: من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال.

(7)

في (ج): خزاعة وهو خطأ.

ص: 436

روى له الجماعة

(1)

. واستثنى شيخنا في "شرحه" ابن ماجه وصرح المزي في "تهذيبه"

(2)

بخلافه فاعلمه.

وأما الراوي عن حنظلة فهو السيد الجليل أبو محمد عبيد الله بن موسى بن باذام العبسي -بالموحدة- مولاهم الكوفي الثقة، سمع الأعمش وخلقًا من التابعين، وعنه أحمد والبخاري وغيرهما، وروى مسلم وأصحاب السنن الأربعة عن رجل عنه، وكان عالمًا بالقراءات رأسًا فيها. مات بالإسكندرية سنة ثلاث عشرة ومائتين في ذي القعدة، وقيل: سنة أربع عشرة

(3)

.

فائدة:

هذا الإسناد كلهم مكيون إلا عبيد الله هذا فإنه كوفي، وكله على شرط الستة إلا عكرمة بن خالد فإن ابن ماجه لم يخرج له.

خامسها: في التعريف بجماعة وقع ذكرهم في هذِه الآثار:

أما عمر (ع) بن عبد العزيز فهو: الإمام العادل، خامس الخلفاء (عمر بن عبد العزيز)

(4)

بن مروان بن الحكم بن العاصي بن أمية بن عبد شمس الأموي القرشي، المجمع على جلالته وزهده وعلمه، وترجمته أفردت بالتأليف، سمع عبد الله بن جعفر وأنسًا وغيرهما،

(1)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 493، "التاريخ الكبير" 3/ 44 - 45 (167)، (170)، "الجرح والتعديل" 3/ 241 - 242 (1071)، "تهذيب الكمال" 7/ 443 - 447 (1561).

(2)

"تهذيب الكمال" 7/ 447.

(3)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 6/ 400، "التاريخ الكبير" 5/ 401 (1293)، "معرفة الثقات" 2/ 114 (1171)، "الجرح والتعديل" 5/ 334 - 335 (1582)، "تهذيب الكمال" 19/ 164 - 170 (3689).

(4)

ساقطة من (ج).

ص: 437

وعنه ابناه (وعِدة)

(1)

، وأمه حفصة بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.

ولي بعد ابن عمه سليمان بن عبد الملك، وكانت خلافته مثل خلافة الصديق سواء. ومات بدير سمعان قرية بقرى حمص سنة إحدى ومائة لعشر بقين من رجب، عن تسع وثلاثين سنة وستة أشهر، وكان أشج يقال له: أشج بني أمية، ضربته (دابة)

(2)

في وجهه

(3)

.

فائدة:

ليس له في البخاري سوى حديث واحد رواه في الاستقراض من حديث أبي هريرة في الفلس

(4)

.

فائدة ثانية:

في الراوة أيضًا عمر بن عبد العزيز بن عمران بن مقلاص

(5)

روى له (الترمذي)

(6)

فقط.

وأما عدي فهو السيد الجليل أبو فروة عدي (د. ت. ن) بن عدي بن عميرة -بفتح العين- بن زرارة بن الأرقم بن (عمرو)

(7)

بن وهب بن ربيعة بن الحارث بن عدي الكندي الجَزَرِي التابعي. روى عن أبيه

(1)

في (ج): وغيرهما.

(2)

في (ج): دابته.

(3)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 330، "التاريخ الكبير" 6/ 174 - 175 (2079)، "الجرح والتعديل" 6/ 122 (663)، "الثقات" 5/ 151، "تهذيب الكمال" 21/ 431 - 447 (4277).

(4)

سيأتي برقم (2402) باب: إذا وجد ماله عند مفلس في البيع.

(5)

أبو حفص المصري الخزاعي، ثقة فاضل. انظر ترجمته في:"تهذيب الكمال" 21/ 431 - 432 (4276)، "الكاشف" 2/ 65 (4088)، "تقريب التهذيب" ص 415 (4939).

(6)

في (ف): النسائي وهو خطأ.

(7)

في (ف): عمر، والمثبت من (ج).

ص: 438

وعمه العُرس بن عميرة، وهما صحابيان، وعنه الحكم وغيره من التابعين وغيرهم، قَالَ البخاري: هو سيد أهل الجزيرة

(1)

.

وقال مسلمة بن عبد الملك: في كندة ثلاثة يُنزل الله بهم الغيث، وينصر بهم على الأعداء: رجاء بن حيوة، وعدي بن عدي، وعبادة بن نسيء.

وقال أحمد: عدي لا يسأل عن مثله، ووثقه يحيى وأبو حاتم وغيرهما.

(وقال ابن سعد: كان ناسكًا فقيهًا، ولي لسليمان بن عبد الملك الجزيرة وإرمينية وأذربيجان)

(2)

.

وقال ابن أبي حاتم: كان عامل عمر بن عبد العزيز على الموصل.

مات سنة عشرين ومائة، روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه ولم يخرج له في الصحيحين ولا في الترمذي

(3)

.

فائدة:

إرمينية هذِه بكسر الهمزة كما صرح به البكري

(4)

، ووقع بخط النووي في القطعة التي له على هذا الكتاب فتحها ضبطًا، سميت بذلك؛ لكون الأرمن فيها أو بيرمون من ولد يافث بن نوح.

وأما معاذ فستأتي ترجمته في موضعه اللائق به وكذا غيره مما ذكر، وليس في الصحابة من اسمه معاذ بن جبل غيره.

(1)

"التاريخ الكبير" 7/ 44 (193).

(2)

ساقط من (ج) وانظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 480.

(3)

انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" 7/ 3 (6)"معرفة الثقات" 2/ 132 (1224)، "الثقات" 5/ 270، "تهذيب الكمال" 19/ 534 - 536 (3887).

(4)

"معجم ما استعجم" 1/ 141.

ص: 439

الوجه السادس: في اتصال هذِه الآثار التي ذكرها البخاري رحمه الله.

أما أثر عمر بن عبد العزيز فأخرجه أبو الحسن عبد الرحمن بن عمر بن يزيد (رُسْتَه)

(1)

في كتاب "الإيمان" تأليفه، فقال: حدثنا ابن مهدي، نا جرير بن حازم، عن عيسى بن عاصم قَالَ: كتب عمر .. فذكره

(2)

، وهذا إسنادٌ صحيح.

وأما أثر معاذ فأخرجه أيضًا عن ابن مهدي، نا سفيان، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال عنه

(3)

، وهذا أيضًا إسنادٌ صحيح. (ورويناه

(1)

في (ح): رشد.

ورُسْتة هو الإمام المحدث المتقن، أبو الفرج، وقيل: أبو الحسن، عبد الرحمن ابن عمر بن يزيد بن كثير، الزهري المديني الأصبهاني، ولقبه رُسْته.

سمع يحيى القطان، وعبد الوهاب الثقفي، وعبد الرحمن بن مهدي، وخلقًا سواهم حدث عنه ابن ماجه. توفي سنة خمسين ومائتين.

انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" 5/ 263 (1246)، "الثقات" 8/ 381، "تهذيب الكمال" 17/ 296 - 299 (3914)، "سير أعلام النبلاء" 12/ 242 - 243.

(2)

رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 172 (30435)، وفي كتاب "الإيمان"(135)، والخلال في "السنة"(1162، 1553)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 1/ 78 من طريق جرير بن حازم، عن عيسى بن عاصم، عن عدي بن عدي قال: كتب إليَّ عمر بن عبد العزيز ..

قال الألباني في تحقيقه لكتاب "الإيمان" لابن أبي شيبة (135): والسند إلى عمر صحيح. اهـ.

(3)

رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب "الإيمان"(20)، وعبد الله بن أحمد في "السنة" 1/ 378 - 379 (823)، من طريق سفيان، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 164 (30354)، 7/ 142 (34687)، وفي كتاب "الإيمان"(107)، والخلال في "السنة"(1121)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 235 من طريق الأعمش.

كلاهما أي: سفيان، والأعمش، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن معاذ به. =

ص: 440

في مجالس أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي بإسنادنا إليه عن عبد الجبار بن العلاء، ثنا وكيع، عن مسعر، عن جامع بن شداد به)

(1)

.

وأما أثر ابن مسعود فأخرجه أيضًا عن أبي زهير، حدثنا الأعمش، عن أبي ظبيان، عن علقمة عنه قَالَ: الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله

(2)

. وهذا أيضًا إسنادٌ صحيح.

= قال الحافظ في "الفتح" 1/ 48: التعليق المذكور وصله أحمد وأبو بكر بسند صحيح إلى الأسود بن هلال. اهـ.

وقال الألباني في تحقيقه لكتاب "الإيمان" لأبي عبيد، وكتاب "الإيمان" لابن أبي شيبة: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

(1)

من (ج)، والأثر رواه الخلال في "السنة"(1121) من طريق وكيع، عن مسعر.

(2)

روي هذا الأثر موقوفًا، ومرفوعًا، أما الموقوف فرواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" 3/ 100 (3993) من طريق أبي معاوية، ورواه الحاكم 2/ 446 من طريق جرير، ورواه البيهقي في "الشعب" 7/ 123 من طريق وكيع، كلهم عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن علقمة، عن عبد الله به.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. اهـ. وقال الذهبي: صحيح. اهـ.

وقال البيهقي في "الآداب" ص 307 (932): روي مرفوعًا وموقوفًا عن ابن مسعود والموقوف أصح. اهـ. وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" 4/ 140: رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح، وهو موقوف ورفعه بعضهم. اهـ.

وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 57: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح. اهـ.

وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 48: وصله الطبراني بسند صحيح. اهـ.

وأما المرفوع فرواه ابن الأعرابي في "المعجم"(592)، وأبو القاسم تمام بن محمد في "الفوائد" 2/ 40 (1083)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 34، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 126 - 127، والبيهقي في "الشعب" 7/ 123، والخطيب في "تاريخ بغداد" 13/ 226، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 330 - 331، من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب، عن محمد بن خالد المخزومي، عن سفيان، عن زبيد، ج عن أبي وائل، عن عبد الله مرفوعًا. =

ص: 441

ثم قَالَ: ونا عبد الله، نا سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان بمثله، وروى أحمد في كتاب "الزهد" عن وكيع، عن شريك، عن هلال، عن ابن عكيم قَالَ: سمعت ابن مسعود يقول في دعائه: اللهم زدنا إيمانًا

(1)

(ويقينًا وفقهًا

(2)

.

وأما أثر مجاهد فرواه عبد بن حميد في "تفسيره" عن شبابة، عن ورقاء عنه، وهذا إسناد صحيح ورواه ابن المنذر بإسناده بلفظة: وصاه وأنبياءه كلهم دينًا واحدًا

(3)

.

= قال أبو علي النيسابوري: هذا حديث منكر لا أصل له من حديث زبيد، ولا من حديث الثوري. اهـ.

وقال أبو نعيم والخطيب: تفرد به المخزومي عن الثوري. اهـ.

وقال البيهقي: تفرد به يعقوب عن المخزومي، والمحفوظ عن ابن مسعود. اهـ.

وقال ابن الجوزي: تفرد به محمد بن خالد عن الثوري، ومحمد مجروح، قال يحيى والنسائي: يعقوب ليس بشيء. اهـ. وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 48: ولا يثبت رفعه. اهـ.

وقال الملا عليّ القاري في: "الأسرار المرفوعة"(623): موضوع على ما ذكره الصغاني. اهـ. وقال الألباني في "الضعيفة"(499): منكر. اهـ.

(1)

يبدأ من هنا سقط طويل من (ج) سنشير إلى نهايته.

(2)

لم أجده في "الزهد" للإمام أحمد، ورواه عبد الله في "السنة" 1/ 369 (797). قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 1/ 48 إسناده صحيح.

(3)

عزاه لـ "تفسير عبد بن حميد" السيوطي في "الدر المنثور" 7/ 339. والحديث رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 135 من طريق ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد به. وبه علم أنه قد سقط من الإسناد الذي ساقه المؤلف ابن أبي نجيح، فليعلم.

قال الحافظ في "الفتح" 1/ 48: قال شيخ الإسلام البلقيني: وقع في أصل الصحيح في جميع الروايات في أثر مجاهد هذا تصحيف قلَّ من تعرض لبيانه، وذلك أن لفظه: وقال مجاهد: شرع لكم: أوصيناك يا محمد وإياه دينا واحدًا. والصواب أوصاك يا محمد وأنبياءه. كذا أخرجه عبد بن حميد والفريابي والطبري وابن المنذر في تفاسيرهم. وبه يستقيم الكلام، وكيف يفرد مجاهد الضمير لنوح =

ص: 442

وأما أثر ابن عباس فرواه الأزهري في "تهذيبه" عن ابن ماهك عن حمزة، عن عبد الرزاق، عن أبي إسحاق، عن التميمي -يعني: أربدة- عن ابن عباس

(1)

، وأنا: عن حمزة، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة:

= وحده مع أن في السياق ذكر جماعة. انتهى. ولا مانع من الإفراد في التفسير، وإن كان لفظ الآية بالجمع على إرادة المخاطب والباقون تبع، وإفراد الضمير لا يمتنع؛ لأن نوحًا أفرد في الآية فلم يتعين التصحيف، وغاية ما ذكر من مجيء التفاسير بخلاف لفظه أن يكون مذكورًا عند المصنف بالمعنى. والله أعلم. اهـ.

(1)

لم أجد في "تهذيب اللغة" مادة [نهج]، هذا الأثر، وفي مادة [شرع]، 2/ 1857: قال أبو إسحاق: في قوله: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} قال بعضهم: الشرعة في الدين، والمنهاج: الطريق والأثر.

رواه: سفيان الثوري في "تفسيره" ص 103 ومن طريقه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 187 (721) عن أبي إسحاق عن التميمي، عن ابن عباس في قوله:{شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} . قال: سبيل وسنة.

ومن هذا الطريق علم أنه قد سقط من الإسناد الذي ساقه المصنف سفيان الثوري؛ لأن عبد الرزاق لا يروي عن أبي إسحاق السبيعي مباشرة، فعبد الرزاق ولد سنة ست عشرين ومائة، وأبو إسحاق توفي سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: ست وعشرين ومائة، وقيل: ثمان وعشرين ومائة، وقيل: تسع وعشرين ومائة، وعلى كلٍّ لا يصح سماعه منه.

انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 61، 22/ 112. ورواه الطبري في "تفسيره" 4/ 611 من طرق عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}. قال: سنة وسبيلا.

ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 4/ 1151 (6482) من طريق يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن التميمي، عن ابن عباس في قوله:{شِرْعَةً} . قال: سبيلًا، ورواه أيضًا في 4/ 1152 (6485) من طريق سفيان عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، قوله:{وَمِنْهَاجًا} . قال: سنة.

قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" 2/ 67: وعن ابن عباس ومجاهد وعطاء الخراساني: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} . أي: سنة وسبيلا، والأول أنسب -أي: سبيلا وسنة- فإن الشرعة وهي الشريعة أيضًا هي: ما يبتدأ فيه إلى الشيء، ومنه يقال: =

ص: 443

شرعة ومنهاجًا قال: الدين واحد والشريعة مختلفة

(1)

. وروى ابن المنذر بسنده إليه أنه قال: {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77]،: لولا إيمانكم

(2)

.

الوجه السابع: في بيان ألفاظه ومعانيه:

قوله: "الْبُغْضُ فِي اللهِ وَالْحُبُّ فِي اللهِ مِنَ الإِيمَانِ"(في) هنا للسببية -أي: بسبب طاعة الله ومعصيته- كقوله عليه الصلاة والسلام: "في النفس المؤمنة مائة من الابل"

(3)

وكقوله في التي حبست الهرة فدخلت النار فيها

(4)

، أي: بسببها وأصل (في) للظرفية.

وقوله: (إِنَّ لِلإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَسُنَنًا). قال ابن المرابط: الفرائض: ما فُرِضَ علينا من صلاة وزكاة ونحوهما، والشرائع كالتوجه إلى القبلة، وصفاف الصلاة، وعَدَد شهر رمضان، وعدد جلد القاذف، وعدد الطلاق إلى غير ذلك، والسنن: ما أمر به الشارع من فضائل الأعمال، فمتى أتى بالفرائض والسنن وعرف الشرائع، فهو مؤمن كامل.

= شرع في كذا: ابتدأ فيه، وكذا الشريعة، وهي ما يشرع منها إلى الماء. أما المنهاج، فهو الطريق الواضح السهل، والسنن: الطرائق، فتفسير قوله:{شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} .

بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس، والله أعلم. اهـ.

(1)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 187 (720)، والطبري 4/ 610 (12133)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 4/ 1152 (6487)، ووقع فيه عمر، وهو خطأ، والصواب معمر.

(2)

سيأتي برقم (2365) كتاب: المساقاة، باب: فضل سقي الماء.

(3)

رواه النسائي 8/ 58 - 60، والمروزي في "السنة"(244 - 246)، والحاكم 1/ 395 - 397، وابن حبان 14/ 501 - 510 (6559)، والبيهقي في "الكبرى" 8/ 73 من طرق عن عمرو بن حزم.

(4)

سيأتي برقم (3318).

ص: 444

وقوله: (فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ) أي: أوضحها إيضاحًا يفهمه كل أحد وإنما أخر بيانها؛ لاشتغاله بما هو أهم منها ولم يعلم أنهم يجهلون مقاصدها، ومعنى:{لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] ليزداد

(1)

، وهو المعنى الذي أراده البخاري.

وقيل: بالمشاهدة، كأن نفسه طالبته بالرؤية

(2)

. والشخص قد يعلم الشيء من جهة، ثم يطلبه من أخرى.

وقيل: {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أي: إذا سألتك أجبتني

(3)

.

وقوله: (اجلس بنا نؤمن ساعة) أي: نتذاكر الخير وأحكام الآخرة وأمور الدين، فإن ذلك إيمان.

وقال ابن المرابط: نتذاكر ما يُصدق اليقين في قلوبنا؛ لأن الإيمان هو التصديق بما جاء من عند الله تعالى.

وقوله: (الْيَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ)، قال أهل اللغة: اليقين: هو العلم وزوال الشك، يقال: منه يقنت الأمر -بالكسر- يقنًا، وأيقنت واستيقنت وتيقنت كله بمعنى، وأنا على يقين منه، وذلك عبارة عن التصديق وهو أصل الإيمان فعبر بالأصل عن الجميع كقولهم: الحج عرفة، وفيه دلالة على أن الإيمان يتبعض؛ لأن كُلًّا وأجمعَ لا يؤكد بهما إلا ما يتبعض حسًّا أو حكمًا كما قاله أهل العربية.

(1)

رواه الطبري 3/ 52 عن سعيد بن جبير (5977، 5982)، والضحاك (5978)، وقتادة (5979، 5980)، والربيع (5981)، ومجاهد وإبراهيم (5984)، ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 510 (2698) عن سعيد بن جبير فقط.

(2)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 510 (2701) عن الضحاك.

(3)

رواه الطبري 3/ 53 (5986)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 509 (2695، 2696) عن ابن عباس.

ص: 445

و (حاك) بالحاء المهملة، وفتح الكاف المخففة: ما يقع في القلب، ولا ينشرح له صدره، وخاف الإثم فيه، يقال فيه: حاك يحيك، وحك يحك، وأحاك يحيك، وفي "صحيح مسلم" من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال:"البرُّ حُسْنُ الخُلق، والإثمُ ما حاكَ في نفسِكَ، وكرهتَ أن يطلعَ عليه الناسُ"

(1)

فالذي يبلغ حقيقة التقوى تكون نفسه متيقنة الإيمان سالمة من الشكوك. وعبّر هنا بالصدر عن النفس والخلد.

وقولهم: ({شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13]): أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وإيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا) معناه أن هذا الذي تظاهرت عليه أدلة الكتاب والسنة من زيادة الإيمان ونقصه، هو شرع الأنبياء قبل نبينا كما هو شرع نبينا؛ لأن الله تعالى قال:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الآية. ويقال: جاء نوح بتحريم الحرام وتحليل الحلال

(2)

، وهو أول من جاء من الأنبياء بتحريم الأمهات والبنات والأخوات، ونوح أول نبي جاء بعد إدريس عليه السلام.

وقوله في: ({شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]، سبيلًا وسنة.

{دُعَاؤُكُمْ} إيمانكم): يعني: أن ابن عباس فسر قوله تعالى: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} بسبيل وسنة، وفسر قوله تعالى:{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77]، قال المراد بالدعاء: الإيمان، فمعنى (دعاؤكم): إيمانكم.

قال ابن بطال: {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} الذي هو زيادة في إيمانكم

(3)

.

(1)

مسلم (2553) كتاب البر والصلة والآداب، باب: تفسير البر والإثم.

(2)

رواه الطبري 11/ 135 (30635) عن قتادة.

(3)

"شرح ابن بطال" 1/ 61.

ص: 446

وقال النووي: وهذا الذي قاله حسن، أي: فإن أصل الدعاء النداء والاستغاثة ففي "الجامع": سئل ثعلب عنه، فقال: هو النداء.

ويقال: دعا اللهَ فلانُ بدعوة فاستجاب له، وقال ابن سيده: هو الرغبة إلى الله تعالى، دعاهُ دعاءً ودعوى حكاها سيبويه

(1)

، وفي "الغريبين" الدعاء: الغوث، وقد دعا، أي: استغاث قَالَ تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].

ثم اعلم أنه يقع في كثير من نسخ البخاري هنا باب: دعاؤكم إيمانكم، ثم ساق حديث ابن عمر السالف، وعليه مشى شيخنا في "شرحه"، وليس ذَلِكَ بجيد؛ لأنه ليس مطابقًا للترجمة؛ ولأنه ترجم أولًا لقوله صلى الله عليه وسلم:"بني الإسلام على خمس" ولم يذكره قبل هذا؛ إنما ذكره بعده، والصواب ما أسلفناه، وحكئ أبو إسحاق عن بعضهم أن الشرعة: الدين.

والمنهاج: الطريق. وقيل: هما جميعًا الطريق، والطريق هنا: الدين. لكن اللفظ إذا اختلف أُتي فيه بألفاظ للتأكيد

(2)

.

وقال محمد بن يزيد

(3)

: شرعة معناها: ابتداء الطريق. والمنهاج

(1)

"المحكم" 2/ 234.

(2)

كذا بالأصل، وجاء في "تهذيب اللغة" 2/ 1857 مادة: شرع، ولكن اللفظ إذا اختلف أُتي به بألفاظ تؤكد بها القصة والأمر. اهـ.

(3)

هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي، البصري، أبو العباس، المبرِّد إمام النحو، كان إمامًا، علّامة، جميلا، فصيحًا، مفوّها، موثّقا، صاحب نوادر وطرف.

قال الذهبي: له تصانيف كثيرة، يقال: إن المازني أعجبه جوابه، فقال له: قم فأنت المبرِّد، أي: المثبت للحق، ثم غلب عليه: بفتح الراء. اهـ. مات في أول سنة ست وثمانين ومائتين. =

ص: 447

الطريق المستمر

(1)

.

وقال ابن عرفة: الشرعة والشريعة سواء، وأصل الشريعة: مورد الماء. وذكر الواحدي وغيره في قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} [الجاثية: 18]، قَالَ: الشريعة: الدين والملة والمنهاج والطريقة والسنة والقصد

(2)

، قالوا: وبذلك سميت شريعة النهر؛ لأنه يتوصل منها إلى الانتفاع

(3)

.

والشارع: الطريق الأعظم، وقال مجاهد في معنى الآية السالفة: ما يفعل بكم ربي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه وتطيعوه

(4)

. وقيل: معناه: ما يعبأ بخلقكم لولا توحيدكم إياه.

ومعنى: "بني الاسلام": أسس.

= انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 3/ 380 - 381، "المنتظم" 6/ 9 - 11، "وفيات الأعيان" 4/ 313 - 322، "الوافي بالوفيات"، 5/ 216 - 218، "السير" 13/ 576.

(1)

انظر: "معاني القرآن" لأبي جعفر النحاس 2/ 319، "تهذيب اللغة" 2/ 1857 مادة "شرع".

(2)

"تفسير الواحدي" 4/ 97.

(3)

انظر: "تفسير البغوي" 7/ 243، 244، "زاد المسير" 7/ 360.

(4)

"تفسير مجاهد" 2/ 457 وفيه: لولا دعاؤكم إياه. قال الحافظ ابن رجب في "الفتح" 1/ 21: وأما قوله تعالى: {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] للمفسرين قولان:

أحدهما: أن المراد لولا دعاؤكم إياه، فيكون الدعاء بمعنى الطاعة، كما ذكرنا.

والثاني: لولا دعاؤه إياكم إلى طاعته، كما في قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56] أي: لأدعوهم إلى عبادتي.

وإنما اختلف المفسرون في ذلك لأن المصدر يضاف إلى الفاعل تارة، وإلى المفعول أخرى. اهـ.

ص: 448

وقوله: "على خمس" أي: خمس دعائم أو قواعد، وفي رواية لمسلم:"على خمسة"

(1)

بالهاء وهو صحيح أيضًا، أي: خمسة أشياء أو أركان أو أصول، وتحتمل الرواية السالفة وجهًا آخر وهو أن المراد خمسة أشياء، وإنما حذف الهاء؛ لكون الأشياء لم تذكر كقوله تعالى:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]، والمعنى: عشرة أشياء، وكقوله صلى الله عليه وسلم:"من صام رمضان وأتبعه ستًّا"

(2)

ونحو ذَلِكَ.

وقوله: "وإقام الصلاة": أصله: إقامة الصلاة، حذفت التاء، وقوله:"وإيتاء الزكاة" أي: أهلها، فحذف المفعول، والإيتاء: الإعطاء.

الوجه الثامن:

مقصود الباب بيان زيادة الإيمان ونقصانه، وإطلاقه على الأعمال كالصلاة والصيام والذكر وغيرها، ومذهب السلف والمحدثين وجماعات من المتكلمين أن الإيمان قول وعمل ونية، ويزيد وينقص، ومعنى هذا أنه يطلق على التصديق بالقلب، وعلى النطق باللسان، وعلى الأعمال بالجوارح كالصلاة وغيرها، ويزيد بزيادة هذِه وينقص بنقصها، وأنكر أكثر المتكلمين زيادته ونقصه، وقالوا: متى قَبِل الزيادة والنقص كان شكًّا وكفرًا، قَالَ المحققون منهم: نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته ونقصانها وهي الأعمال، وفي هذا جمع بين ظواهر النصوص الواردة بالزيادة مع أقاويل السلف وبين أصل وضعه في اللغة وما عليه المتكلمون.

(1)

مسلم (16) كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام.

(2)

رواه مسلم (1164) كتاب الصيام، باب: استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعًا لرمضان، من حديث أبي أيوب.

ص: 449

قَالَ النووي: وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهرًا حسنًا فالأظهر المختار خلافه، وهو أن نفس التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر، وتظاهر الأدلة، وانشراح الصدر، واستنارة القلب؛ ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشُّبه، ولا يتزلزل إيمانهم لعارض، بل لا تزال قلوبهم منشرحة مستنيرة وإن اختلفت الأحوال عليهم.

وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك، فهذا مما لا يمكن إنكاره ولا يتشكك عاقل في أن نفسَ تصديقِ الصديق لا يساوي تصديق آحاد الناس، ولهذا ذكر البخاري كما سيأتي في بابه عن ابن أبي مليكة قَالَ: أدركت ثلاثين من الصحابة كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل

(1)

.

ويدل له ظواهر نصوص الكتاب والسنة، فمن الآيات: التي ذكرهن البخاري وغيرهن، ومن السنة: أحاديث كثيرة في "الصحيح" ستأتي في مواضعها كحديث: "يخرج من النار من كان في قلبه وزن شعيرة من إيمان" وكذا: "من كان في قلبه وزن برة من إيمان" وكذا: "من كان في قلبه وزن ذرة"

(2)

فهذا هو الصحيح الموافق لظواهر النصوص القطعية ولما قاله سلف الأمة، ولما يقضي به الحسُّ، وأما إطلاق اسم الإيمان عَلَى الأعمال فمتفق عليه عند أهل الحق، ودلائله لا تحصى من الكتاب والسنة.

(1)

"مسلم بشرح النووي" 1/ 148 - 149، وحديث ابن أبي مليكة سيأتي معلقًا قبل حديث (48) باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر.

(2)

سيأتي برقم (44) كتاب الإيمان، باب: زيادة الإيمان ونقصانه.

ص: 450

قَالَ تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أي: صلاتكم، بإجماع

(1)

.

ومثله الآيات التي ذكرها البخاري في الأحاديث، وأما الأحاديث فَسَتمرُّ بها في مواضعها إن شاء الله تعالى. وهذا المعنى أراد البخاري في "صحيحه" بالأبواب الآتية بعد هذا كقوله: باب أمور الإيمان، الصلاة من الإيمان، الزكاة من الإيمان، الجهاد من الإيمان، وسائر أبوابه.

وأراد الرد على المرجئة في قولهم الفاسد: إن الإيمان قول بلا عمل، وبيّن غلطهم، وسوء اعتقادهم، ومخالفتهم الكتاب والسنة والإجماع.

قَالَ ابن بطَّال: مذهب جميع أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص

(2)

. فالمعنى الذي يستحق به العبد المدح والولاية من المؤمن هو إتيانه بهذِه الأمور الثلاثة: التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح؛ وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أنه لو أقر وعمل بلا اعتقاد، أو اعتقد وعمل وجحد بلسانه لا يكون مؤمنًا، وكذا إِذَا أقر واعتقد ولم يعمل الفرائض لا يسمى مؤمنًا بالإطلاق؛ لقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} إلى قوله: {حَقًّا} [الأنفال: 2 - 4].

فأخبرنا تعالى أن المؤمن لا يكون إلا مَنْ هذِه صفتُه؛ ولهذا قَالَ صلى الله عليه وسلم: "لا يَسْرقُ السَّارقُ حينَ يَسْرقُ وهو مُؤمِنٌ"

(3)

.

(1)

انظر: "مسلم بشرح النووي" 1/ 149.

(2)

"شرح ابن بطال" 1/ 56.

(3)

سيأتي برقم (2475) كتاب المظالم، باب: النُهبى بغير إذن صاحبه.

ص: 451

فالحاصلُ أنَّ الذي عليه أهل السنة أو جمهورهم أن من صدق بقلبه، ونطق بلسانه بالتوحيد ولكنه قصر في الأعمال الواجبة كترك الصلاة، وشرب الخمر لا يكون كافرًا خارجًا من الملة، بل هو عاصٍ فاسق يستحق العذاب، وقد يُعْفَى عنه، وقد يُعَذَّب، فإن عُذب ختم له بالجنة، وسيأتي بيان هذا في بابه -إن شاء الله- وأبعد بعضهم فقال: إِذَا اعتقد بقلبه، ولم ينطق بلسانه من غير عذر يكون فائزًا في الآخرة حكاه في "الشفا"

(1)

.

وقد ساق الحافظ أبو القاسم هبة الله اللالكائي

(2)

في كتاب "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" عن عمر بن الخطاب وخمسةَ عشرَ من الصحابة: أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

وعن خلق من التابعين وأتباعهم فوق الخمسين

(3)

.

وقال سهل بن المتوكل: أدركت ألف أستاذ كلهم يقول: الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص.

وقال يعقوب بن سفيان: أدركت أهل السنة والجماعة على ذَلِكَ بمكة، والمدينة والبصرة والشام والكوفة منهم: عبد الله بن يزيد المقرئ وعددهم فوق الثلاثين

(4)

.

(1)

"الشفا" 2/ 5.

(2)

هو هبة الله بن الحسن بن منصور الرازي الطبري، وكنيته: أبو القاسم صاحب كتاب: "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" طبري الأصل نسبة إلى طبرستان، ثم قدم بغداد واستوطنها، توفي سنة 418 هـ، انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 14/ 70 (7418)، و"سير أعلام النبلاء" 17/ 416.

(3)

"شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" 5/ 962 - 963.

(4)

رواهما اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" 5/ 1035 - 1036.

ص: 452

وذكر أبو الحسن عبد الرحمن بن عمر في كتاب "الإيمان" ذَلِكَ

(1)

عن خلق قَالَ: ولو كان الإيمان قولًا لكان المنافقون مؤمنين؛ لأنهم قد تكلموا بالقول.

وأيضًا فلم يبعث الله نبيًّا قط إلا دعا قومه إلى القول والعمل وأمر بالقول والعمل، أولهم آدم، ثمَّ ساق ذَلِكَ، وأما توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان؛ فخشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج.

فوائد:

الأولى: اتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين -على ما قَالَ النووي- عَلَى أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القِبلة ولا يُخلد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا من الشكوك، ونطق مع ذَلِكَ بالشهادتين، قَالَ: فإن اقتصر عَلَى أحدهما لم يكن من أهل القِبلة أصلًا، بل يخلد في النار، إلا أن يعجز عن النطق بخلل في لسانه أو لعدم التمكن منه لمعالجة المنية، أو لغير ذَلِكَ، فإنه حينئذٍ يكون مؤمنًا بالاعتقاد من غير لفظ، وإذا نطق بهما لم يشترط معهما أن يقول: وأنا بريء من كل دين خالف الإسلام عَلَى الأصح، إلا أن يكون من كفار يعتقدون اختصاص الرسالة بالعرب فلا يحكم بإسلامه حتَّى يتبرأ، ومن أصحابنا من شرط التَبرُّؤ مطلقًا وهو غلط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"أمرتُ أن أقاتل الناس حتَّى يشهدوا أن لا إلة إلا الله وأن محمدًا رسول الله"

(2)

.

ومنهم من استحبه مطلقًا كالاعتراف بالبعث، أما إِذَا اقتصر الكافر

(1)

بهامش (ف) تعليق نصه: قائله هو رسته.

(2)

سيأتي برقم (25) كتاب الإيمان، باب: فإن تابوا وأقاموا الصلاة. عن ابن عمر.

ص: 453

على قوله: لا إله إلا الله ولم يقل: محمد رسول الله. فالمشهور من مذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا يكون مسلمًا، ومن أصحابنا من قَالَ: يصير مسلمًا، ويطالب بالشهادة الأخرى، فإنْ أبى جعل مرتدًا، واحتج له بقوله صلى الله عليه وسلم في روايات:"أمرت أن أقاتل الناس حتَّى يقولوا: لا إلة إلا الله"

(1)

وحجة الجمهور الرواية السالفة وهي مقدمة عَلَى هذِه؛ لأنها زيادة من ثقة، وليس فيها نفي للشهادة الثانية، وأيضًا فإن فيها تنبيهًا عَلَى الأخرى

(2)

.

وأغرب القاضي الحسين فشرط في ارتفاع السيف عنه أن يقر بأحكامها مع النطق بها، فأما مجرد قولها فلا، وهو عجيب منه.

الثانية: اشترط القاضي أبو الطيب من أصحابنا الترتيب بين كلمتي الشهادة في صحة الإسلام فيقدم الإقرار بالله عَلَى الإقرار برسوله، ولم أر من وافقه ولا من خالفه

(3)

.

وذكر الحليمي في "منهاجه" ألفاظًا تقوم مقام لا إله إلا الله، في بعضها نظر؛ لانتفاء ترادفها حقيقة، فقال: ويحصل الإسلام بقوله: لا إله غير الله، ولا إله سوى الله، أو ما عدا الله، ولا إله إلا الرحمن أو البارئ، أو لا رحمن أو لا باري إلا الله، أو لا ملك أو لا رازق إلا الله، وكذا لو قَالَ: لا إله إلا العزيز أو العظيم أو الحليم أو الكريم أو القدير، قَالَ: ولو قَالَ: أحمد أو أبو القاسم رسول الله فهو كقوله: محمد رسول الله

(4)

.

(1)

سيأتي برقم (2946) في الجهاد، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس. عن أبي هريرة.

(2)

"مسلم بشرح النووي" 1/ 149.

(3)

انظر: "المجموع" 1/ 476.

(4)

انظر: "الشرح الكبير" 11/ 118، "روضة الطالبين" 10/ 85.

ص: 454

الثالثة: لو أقرَّ بوجوب الصلاة، أو الصوم أو غيرهما من أركان الإسلام وهو عَلَى خلاف ملته التي كان عليها، فهل يصير بذلك مسلمًا؟

فيه وجهان لأصحابنا: أصحهما: لا؛ لظاهر الحديث. ومن قَالَ: يصير، قَال:(كل ما)

(1)

يَكْفُر المسلم بإنكاره يصير الكافر بالإقرار به مسلمًا

(2)

.

الرابعة: يصح الإسلام بالعجمية مع العجز عن العربية قطعًا، وكذا مع القدرة عَلَى الأصح؛ لوجود الإقرار والاعتقاد

(3)

.

الخامسة: اختلف السلف والخلف في إطلاق الإنسان: أنا مؤمن مقتصرًا عليه. فمنعت طائفة ذَلِكَ وقالوا: يقرنه بالمشيئة، وحكي هذا عن أكثر المتكلمين، وجوزته أخرى وهو المختار، وقول أهل التحقيق.

وذهبت طائفة ثالثة إلى جواز الأمرين وهو حسن، والمقالات الثلاث صحيحة باعتبارات مختلفة. فمن أطلق نظر إلى الحال؛ فإن أحكام الإيمان جارية عليه في الحال، ومن استثنى أراد التبرك أو اعتبار العاقبة، ومن خير نظر إلى الحالين ورفع الاختلاف

(4)

.

(1)

في (ف): كلما، وفي (ج): كما، والمثبت هو الصحيح إن شاء الله.

(2)

انظر: "الوسيط" 6/ 48.

(3)

انظر: "روضة الطالبين" 8/ 282.

(4)

قال ابن أبي العز في "شرح العقيدة الطحاوية" ص 339:

والناس فيه على ثلاثة أقوال: طرفان ووسط، منهم من يوجبه، ومنهم من يحرمه، ومنهم من يجيزه باعتبار ويمنعه باعتبار، وهذا أصح الأقوال. اهـ. ثم ذكر قول من يوجبه ومن يمنعه وأجاب عن حججهم ثم قال: وأما من يُجوّز الاستثناء وتركه، فهم أسعد بالدليل من الفريقين، وخير الأمور أوسطها، فإن أراد المستثني الشك في أصل إيمانه مُنع من الاستثناء، وهذا مما لا خلاف فيه. وإن أراد أنه مؤمن من المؤمنين الذين وصفهم الله في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ =

ص: 455

فرع: الكافر أجرى أصحابنا الخلاف فيه أيضًا، وهو غريب، والمختار الإطلاق ولا نقول: هو كافر إن شاء الله.

السادسة: مذهب أهل الحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب، ولا يكفر أهل البدع والأهواء.

الوجه التاسع:

أدخل البخاري في هذا الباب حديث ابن عمر؛ ليبين أن الإسلام يطلق عَلَى الأفعال، وأن الإسلام والإيمان قَدْ يكونان بمعنًى. وهذِه المسألة فيها خلاف شهير للسلف، فقيل: معناهما واحد، وهو مذهب البخاري وغيره، وقيل: بينهما عموم وخصوص.

قَالَ الخطابي: ما أكثر ما يغلط الناس في هذِه المسألة. فأما الزهري فقال: الإسلام: الكلمة، والإيمان: العمل

(1)

، واحتج بقوله تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} الآية [الحجرات: 14].

وقال غيرهما بمعنًى، واحتج بقوله تعالى:{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)} [الذاريات: 36].

وقد تكلم في هذِه المسألة رجلان من كبراء أهل العلم، وصار كل

= وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال: 2: 4] وفي قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحجرات: 15]. فالاستثناء حينئذ جائز. وكذلك من استثنى وأراد عدم علمه بالعاقبة، وكذلك من استثنى تعليقًا للأمر بمشيئة الله، لا شكّا في إيمانه، وهذا القول في القوة كما ترى. اهـ.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 400 (31776).

ص: 456

واحد إلى قول من هذين القولين، ورد الآخر عَلَى المتقدم، وصنف عليه كتابا يبلغ عدد أوراقه مائتين.

قَالَ الخطابي: والصحيح في هذا أن يقيد الكلام، وذلك أن المسلم قَدْ يكون مؤمنًا في بعض الأحوال، ولا يكون مؤمنًا في بعضها، والمؤمن مسلم في جميع الأحوال، فكل مؤمن مسلم ولا عكس

(1)

.

وإذا تقرر هذا استقام تأويل الآيات واعتدل القول فيها، وأصل الإيمان التصديق، وأصل الإسلام الاستسلام والانقياد، فقد يكون المرء مستسلمًا في الظاهر غير منقاد في الباطن، وقد يكون صادقًا في الباطن غير منقاد في الظاهر.

وقال البغوي في حديث جبريل: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام اسمًا لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد، وليس ذَلِكَ؛ لأن الأعمال ليست من الإيمان، أو التصديق بالقلب ليس من الإسلام، بل ذَلِكَ تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد وجماعها الدين؛ ولهذا قَالَ صلى الله عليه وسلم:"أتاكم جبريل يعلمكم دينكم"

(2)

.

والتصديق، والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعا يدل عليه قوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19] و {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، و {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}

(3)

[آل عمران: 85].

(1)

"أعلام الحديث" 1/ 160 - 161.

(2)

انظر: "شرح السنة" 1/ 10، والحديث رواه مسلم (8) كتاب الإيمان، باب: بيان الإسلام والإيمان.

(3)

انقطع الكلام في (ف) بسبب سوء التصوير وتمام الكلام كما في "شرح السنة" للبغوي: فأخبر أن الدين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام، ولن يكون =

ص: 457

وسيكون لنا عودة إليه إن شاء الله حيث ذكره البخاري رحمه الله قريبًا.

وقال أبو عبد الله محمد بن الإسماعيلي الأصبهاني في "شرح مسلم": الإيمان لغةً: التصديق. فإن عني به ذَلِكَ فلا يزيد ولا ينقص؛ لأن التصديق ليس شيئًا يتجزأ حتَّى يتصور كماله مرة ونقصه أخرى، والإيمان في لسان الشرع هو: التصديق بالقلب، والعمل بالأركان، وإذا فسر بهذا تطرق إليه الزيادة والنقص، وهذا مذهب أهل السنة.

فالخلاف إذًا إنما هو إِذَا صدق بقلبه ولم يضم إليه العمل بموجب الإيمان هل يسمى مؤمنًا مطلقًا أم لا؟

الوجه العاشر:

اختلف في الأسماء الشرعية

(1)

كالصلاة، والصوم، والإيمان هل هي واقعة أم لا؟

فالمشهور وقوعها، وأبعد القاضي وأبو نصر القشيري فصمما عَلَى إنكارها، وأغرب أبو الحسين فحكى عن بعضهم أنه منع من إمكانها وهو واهٍ

(2)

.

= الدين في محل القبول والرضا إلا بانضمام التصديق إلى العمل أهـ.

(1)

قال الزركشي في "البحر المحيط" 3/ 24: من الأصوليين من ترجم هذِه المسألة بأن الحقيقة الشرعية هل هي واقعة أم لا؟ كما في "المحصول"، ومنهم من ترجمها بالأسماء الشرعية كما عبر به ابن الحاجب في "المنتهى" والبيضاوي في "منهاجه" وهو الصواب؛ ليشمل كلا من الحقائق الشرعية، والمجازات الشرعية؛ فإن البحث جارٍ فيهما وفاقًا وخلافًا. اهـ.

والحقيقة الشرعية هي: اللفظة التي استفيد وضعها للمعنى من جهة الشرع.

انظر: "المعتمد" 1/ 18، "البحر المحيط" 3/ 13، "الإبهاج" 1/ 275، "إرشاد الفحول" 1/ 136.

(2)

انظر: "المعتمد" 1/ 18 - 19، "الإبهاج" 1/ 276 - 277، "الإحكام" للآمدي =

ص: 458

واختلف القائلون بالوقوع هل هي حقائق مبتكرة

(1)

أو مأخوذة من الحقائق اللغوية؟ فذهبت المعتزلة إلى الأول، وغيرهم إلى الثاني، وقالوا: إنها مجازات لغوية، حقائق شرعية

(2)

، ومحل الخوض في هذِه المسألة كتب الأصول.

قَالَ الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: هذِه أول مسألة نشأت في الاعتزال؛ لأنه لما قتل عثمان، ونشأت الفتنة، ثمَّ جاءت المعتزلة قدحوا في الصحابة، وقالوا: لا نجعلهم مؤمنين بل منزلة بين منزلتين، قيل لهم: إنهم مؤمنون، لأن الإيمان هو التصديق، قالوا: اسم الإيمان نقل لمن لم يعمل كبيرة. قَالَ الشيخ: يمكننا أن نقول: إن الأسماء منقولة إلا هذِه المسألة فيحترز عنها

(3)

.

الوجه الحادي عشر:

حديث ابن عمر هذا حديث عظيم، أحد قواعد الإسلام وجوامع الأحكام ولم يُذكر فيه الجهاد؛ لأنه لم يكن فرض إذ ذاك، أو لأنه من فروض الكفايات، وتلك فرائض الأعيان.

قَالَ الداودي: لما فتحت مكة سقط فرض الجهاد على من بَعُدَ من

= 1/ 56، "شرح غاية السول" ص 124 - 125، "إرشاد الفحول" 1/ 136 - 137.

(1)

أي وضعها الشارع مبتكره لم يلاحظ فيها المعنى اللغوي أصلا، وليس للعرب فيها تصرف. انظر:"البحر المحيط" 3/ 18.

(2)

انظر: "شرح اللمع" 1/ 183، "الإحكام" للآمدي 1/ 56 - 69، "إرشاد الفحول" 1/ 136 - 137، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 7/ 298: والتحقيق أن الشارع لم ينقلها ولم يغيرها ولكن استعملها مقيدة لا مطلقة كما يستعمل نظائرها. اهـ. ثم استفاض في الكلام عليها كعادته رحمه الله، فليراجع.

ولمزيد بيان أيضًا يراجع كتاب: "شرح العمدة" لابن تيمية 2/ 27 - 32.

(3)

"شرح اللمع" 1/ 172 - 173.

ص: 459

الكفار، وبقي فرضه عَلَى من يليهم، وكان أولًا فرضًا عَلَى الأعيان، وقيل: إنه مذهب ابن عمر، والثوري، وابن شبرمة إلا أن ينزل العدو فيأمر الإمام بالجهاد.

وجاء في البخاري لما أورده في التفسير أن رجلًا قَالَ لابن عمر: ما حملك عَلَى أن تحج عامًا وتعتمر عامًا وتترك الجهاد؟ وفي بعضها في أوله: أن رجلًا قَالَ لابن عمر: ألا تغزو؟! فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الاسلام بني على خمسة"

(1)

الحديث.

فهذا دال عَلَى أن ابن عمر كان لا يرى فرضه إما مطلقًا -كما نقل عنه- أو في ذَلِكَ الوقت، وجاء هنا:"بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ". وجاء في بعض طرقه: "عَلَى أن يوحد الله" وفي أخرى: "على أن يعبد الله، ويكفر بما دونه"

(2)

بدل الشهادة، والظاهر أن ما عدا الأولى من باب الرواية بالمعنى.

وجاء هنا تقديم الحج عَلَى رمضان وفي طريقين لمسلم، وفي بعض الطرق عكسه، وفي بعضها فقال رجل

(3)

: الحج وصيام رمضان. فقال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج. هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم

(4)

. فأبعد بعضهم وَوَهَّمَ رواية تقديم الحج وهو بعيد.

والصواب التأويل، إما بنسيان ابن عمر الرواية الأخرى عند الإنكار، أو كان لا يرى رواية الحديث بالمعنى، أو أن الواو للترتيب،

(1)

سيأتي برقم (4514) في التفسير، باب: قوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} .

(2)

رواه مسلم (16) كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام.

(3)

ورد في بهامش الأصل: هذا الرجل اسمه: يزيد بن بشر السكسكي، نبه عليه الخطيب في "مبهماته".

(4)

روى هذِه الطرق مسلم (16) الموضع السابق.

ص: 460

أو أنه رواه عَلَى الأمرين.

لكنه لما رد عليه الرجل قَالَ: لا ترد ما لا علم لك به، كما رواه في أحدهما. أو أن ابن عمر أرشده إلى التاريخ؛ لأن فرض رمضان في الثانية والحج بعده، إما في سنة خمس أو ستٍّ أو تسع

(1)

.

(1)

بهامش النسخة: (بلغ

قراءة على المصنف،

) وسماع غير واضح.

ص: 461

‌3 - باب أُمُورِ الإِيمَانِ

وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِى الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} [البقرة: 177]. وَقَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} [المؤمنون: 1] الآية.

9 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ الجعفي: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرِ العَقَدِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارِ، عَنْ أَبِي صَالِحِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ". [مسلم 35 - فتح 1/ 51]

حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الجعفي، حَدَّثنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، حَدَّثنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَار، عَنْ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاء شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها: التعريف برواته.

أما أبو هريرة فاختلف في اسمه واسم أبيه عَلَى أقوال كثيرة، أفرد في جزء، وأقربها عبد الله أو عبد الرحمن بن صخر الدوسي.

وهو أول من كُنَّي بهذِه الكنية؛ لهرةٍ كان يلعب بها كناه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وقيل: والده، وكان عريف أهل الصفة، أسلم عام خيبر

ص: 462

بالاتفاق وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي -حيث ذكره البخاري- ما يدل على أنه حضر فتحها

(1)

.

وقيل: إنه خرج معه إليها، رواه البخاري من طريق ثور

(2)

، وقال موسى بن هارون: وَهِمَ ثور، إنما قدم بعد خروجه ثمَّ لزمه وواظب عليه، وحمل عنه علمًا جمَّا، وهو أكثر الصحابة رواية بإجماع.

روي له خمسة آلاف حديث، وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثًا. اتفقا عَلَى ثلاثمائة وخمسة وعشرين، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين ومسلم بمائة وتسعين. روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل من صاحب وتابع منهم: ابن عباس وجابر وأنس. وهو أزدي دوسي يماني ثمَّ مدني، كان ينزل بذي الحليفة بقرب المدينة، لَهُ بها دار تصدَّق بها على مواليه.

ومن الرواة عنه ابنه المحرر -بحاء مهملة ثمَّ راء مكررة- مات بالمدينة سنة تسع وخمسين، وقيل: سبع، وقيل: ثمان. ودفن بالبقيع، وتوفيت عائشة تلك السنة، وصلى عليها أبو هريرة، وتوفي وهو ابن ثمان وسبعين سنة، ومناقبه جَمَّةٌ

(3)

.

فائدة:

ما اشتهر أن قبره بقرب عَسْقلان

(4)

لا أصل لَهُ فاجتنبه، نعم، هناك

(1)

سيأتي برقم (4203 - 4204) كتاب المغازي، باب: غزوة خيبر.

(2)

سيأتي برقم (4234) كتاب المغازي، باب: غزوة خيبر.

(3)

انظر: "معرفة الصحابة" 4/ 1846 (1860)، "الاستيعاب" 4/ 232 - 235 (3241)، "أسد الغابة" 3/ 461 (3328)، "الإصابة" 4/ 202 (1190).

(4)

قال ياقوت: بفتح أوله وسكون ثانيه ثم قاف وآخره نون، وهي مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر بين غزة وبيت جبرين، ويقال لها: عروس الشام. انظر: "معجم البلدان" 4/ 122 بتصرف.

ص: 463

قبر خيْشَنة بن خَنْدَرَة

(1)

الصحابي فاعلمه، وقد نبهت عَلَى ذَلِكَ في "شرح العمدة"

(2)

.

فائدة ثانية:

أبو هريرة من الأفراد، ليس في الصحابة من اكتنى بهذِه الكنية سواه.

وفي الرواة آخر اكتنى بهذِه الكنية، يروي عن مكحول، وعنه أبو المليح الرقي لا يعرف، وآخر اسمه محمد بن فراس الضبعِيُّ روى لَهُ الترمذي، ومات سنة خمس وأربعين ومائتين

(3)

.

وفي أصحابنا الشافعية: آخر اكتنى بهذِه الكنية واسمه: ثابت بن (سنبل)

(4)

، قَالَ (عبد القادر)

(5)

في حقه: شيخ فاضل مناظر، ذكرته عنه في "الطبقات"

(6)

.

وأما الراوي عنه فهو أبو صالح ذكوان السمان الزيات المدني، كان يجلب السمن والزيت إلى الكوفة، مولى جويرية بنت الأحمس الغطفاني، ووقع في شرح شيخنا أنه مولى جويرية بنت الحارث، امرأة من قيس.

سمع جمعًا من الصحابة وخلقًا من التابعين، وعنه جمع من التابعين منهم: عطاء، وسمع الأعمش منه ألف حديث، وروى عنه أيضا بنوه:

(1)

في (ف): خيشنة بن جندرة. وهو خطأ، واختلف في ضبط اسمه وإعجامه، انظر:"معجم الصحابة" للبغوي 1/ 568، و"معجم الصحابة" لابن قانع 1/ 151 (158)، و"معرفة الصحابة" 2/ 644 - 645 (542)، و"أسد الغابة" 1/ 364.

(2)

انظر ترجمته في: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 215.

(3)

"الجرح والتعديل" 8/ 60 (272)، "تهذيب الكمال" 26/ 272 - 274 (5541).

(4)

في (ف): شبل، والمثبت كما في "الذيل".

(5)

كذا في (ف)، وفي "الذيل" عبد الغافر.

(6)

"الذيل على العقد المذهب" لابن الملقن ص (444).

ص: 464

عبد الله وسهيل وصالح، واتفقوا عَلَى توثيقه. مات بالمدينة سنة إحدى ومائة

(1)

.

فائدة:

أبو صالح في الرواة جماعة سلف بيانهم في الحديث الرابع من باب: بدء الوحي.

فائدة:

في الصحيحين أيضًا ذكوان، أبو عمرو مولى عائشة أم المؤمنين

(2)

، وليس في الكتب الستة ذكوان غيرهما.

وأما الراوي عن أبي صالح فهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن دينار، أخو عمرو بن دينار ذكره النووي في "شرحه" القرشي العدوي المدني، مولى ابن عمر سمع مولاه وغيره، وعنه: ابنه عبد الرحمن وغيره، وهو ثقة باتفاق. مات سنة سبع وعشرين ومائة

(3)

.

فائدة:

في الرواة أيضًا عمرو بن دينار (البصري)

(4)

ليس بالقوي، وليس في الكتب الستة عمرو بن دينار غيرهما.

(1)

انظر: "الطبقات الكبرى" 6/ 226، "تاريخ الدارمي"(956)، "التاريخ الكبير" 3/ 260 - 261 (895)، "والأنساب" 6/ 332، "تهذيب الكمال" 8/ 513 - 517 (1814)، "تهذيب التهذيب" 1/ 579، 580.

(2)

انظر: "طبقات ابن سعد" 5/ 295، "التاريخ الكبير" 3/ 261 (896)، "الجرح والتعديل" 3/ 451 (2040).

(3)

انظر: "تاريخ الدارمي"(522)، "التاريخ الكبير" 5/ 81 (221)، "معرفة الثقات" 2/ 27 (875)، "الثقات" لابن شاهين (617)، "تهذيب الكمال" 14/ 471 - 476 (3251)، "سير أعلام النبلاء" 5/ 253 - 255 (117).

(4)

في (ف): الحمصي والصواب ما أثبتناه. =

ص: 465

وأما الراوي عن عبد الله فهو أبو محمد، ويقال: أبو أيوب سليمان ابن بلال القرشي التيمي المدني مولى آل الصديق.

سمع عبد الله بن دينار وجمعًا من التابعين وعنه الأعلام: كابن المبارك وغيره. قَالَ محمد بن سعد: كان بربريًّا جميلًا حسن الهيئة عاقلًا، وكان يفتي بالبلد، وولي خراج المدينة، ومات بها سنة اثنتين وسبعين ومائة، وقال البخاري عن هارون بن محمد: سنة سبع وسبعين ومائة

(1)

.

فائدة:

ليس في الكتب الستة من اسمه سليمان بن بلال سوى هذا.

وأما الراوي عن سليمان فهو أبو عامر عبد الملك بن عمرو بن قيس العَقَدي -بفتح العين والقاف- البصري، سمع مالكًا وغيره، وعنه: أحمد والناس، واتفق الناس عَلَى ثقته وجلالته، مات سنة خمس، وقيل: أربع ومائتين

(2)

.

والعقد: قوم من قيس وهم بطن من الأزد كذا في "التهذيب"

(3)

= انظر: "تاريخ الدارمي"(449)، "التاريخ الكبير" 6/ 329 (2545)، "التاريخ الصغير" 1/ 303، "المجروحين" 2/ 71، "تهذيب الكمال" 22/ 13 - 16 (4361)، "سير أعلام النبلاء" 5/ 307، 308 (145).

(1)

انظر: "طبقات ابن سعد" 5/ 420، "التاريخ الكبير" 4/ 4 (1763)، "الجرح والتعديل" 4/ 103 (460)، "تهذيب الكمال" 11/ 372 (2469)، "سير أعلام النبلاء" 7/ 425 - 427 (159)، "شذرات الذهب" 1/ 280.

(2)

انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 299، "التاريخ الكبير" 5/ 425 (1382)، "الجرح والتعديل" 5/ 359 (1698)، "تهذيب الكمال" 18/ 364 - 369 (3545)، "سير أعلام النبلاء" 9/ 469 - 471 (173)، "شذرات الذهب" 2/ 14.

(3)

"تهذيب اللغة" 3/ 2512 مادة (عقد).

ص: 466

وتبعه النووي في "شرحه" وشيخنا أيضًا. ونقل شيخنا في "تاريخه" عن أهل النسب أن العقد بطن من بجيلة، وقيل: من قيس بالولاء.

قَالَ أبو الشيخ الحافظ: إنما سموا عقدًا؛ لأنهم كانوا لئامًا. وقال الحاكم: العقد مولى الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وقال صاحب "العين": العقد قبيلة من اليمن من بني عبد شمس بن سعد، وجمل عقدي: قوي.

وأما الراوي عن أبي عامر فهو: أبو جعفر (خ ت) عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن اليمان بن أخنس بن خنيس الجعفي البخاري المسنَدي -بفتح النون-. سمي بذلك؛ لأنه كان يطلب المسندات ويرغب عن المرسل والمنقطعات.

قَالَ صاحب "الإرشاد": كان يتحرى المسانيد من الأخبار

(1)

، وقال الحاكم أبو عبد الله: عرف بذلك؛ لأنه أول من جمع مسند الصحابة عَلَى التراجم مما وراء النهر وهو ابن عم عبد الله بن سعيد بن جعفر بن اليمان.

واليمان هذا: هو مولى أحد أجداد البخاري، ولاء إسلام كما سلف أول الكتاب، سمع وكيعًا وخلقًا، وعنه الذهلي وغيره من الحفاظ، مات سنة تسع وعشرين ومائتين، وانفرد البخاري [به]

(2)

عن أصحاب الكتب الستة، وروى الترمذي عن البخاري عنه

(3)

.

(1)

"الإرشاد" 3/ 959.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

(3)

"التاريخ الكبير" 5/ 189 (597)، "الجرح والتعديل" 5/ 163 (745)، "تهذيب الكمال" 16/ 59 (3536)، "سير أعلام النبلاء" 10/ 658، (238)، "شذرات الذهب" 2/ 67.

ص: 467

فائدة:

هذا الإسناد كلهم مدنيون إلا العقدي فبصري، وإلا المسندي وكلهم على شرط الستة إلا المسندي كما بيناه، وفيه رواية تابعي عن تابعي وهو عبد الله بن دينار، عن أبي صالح.

الوجه الثاني:

هذِه الترجمة ساقها البخاري للدلالة عَلَى إطلاق اسم الإيمان عَلَى الأعمال كما أسلفناه في الحديث قبله. وأراد به الرد عَلَى قول المرجئة: إن الإيمان قول بلا عمل فلا تضر المعصية مع الإيمان، ومقابله قول الخوارج أنها تضر ويكفر بها، وغالت المعتزلة فقالت: يخلد بها فاعل الكبيرة ولا يوصف بأنه مؤمن ولا كافر لكن يوصف بأنه فاسق، والحق مذهب الأشعرية أنه مؤمن، وإن عذب فلا بد من دخول الجنة

(1)

.

الوجه الثالث:

هذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله كما سلف، ورواه مسلم في الإيمان عن عبيد الله بن سعيد وعبد بن حميد، عن العقدي به، وقال فيه:"بضع وسبعون"

(2)

، ورواه أيضًا، عن زهير، عن جرير، عن سهيل بن عبد الله، عن ابن دينار عنه، وقال فيه:"بضع وسبعون أو بضع وستون"

(3)

عَلَى الشك.

(1)

وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة لا مذهب الأشاعرة تحديدًا. وانظر: "الحجة في بيان المحجة" 1/ 478 - 480، "شرح العقيدة الواسطية" 2/ 644.

(2)

مسلم (35/ 57) كتاب الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها.

(3)

مسلم (35/ 58) كتاب الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها.

ص: 468

الوجه الرابع: في بيان ألفاظه ومعانيه.

الأول: البرُّ: اسم جامع للخير كله.

قَالَ ابن سيده: إنه الصدق والطاعة

(1)

.

وقال الهروي: هو الاتساع في الإحسان والزيادة منه، ومنه يقال: أبر فلان عَلَى فلان بكذا أي: زاد عليه، ومنه سميت البرية؛ لاتساعها

(2)

.

وقال السدي: في قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ} [آل عمران: 92] يعني: الجنة

(3)

.

والبر أيضًا: الصلة، وهو اسم جامع للخير كله. وفي "الجامع" و"الجمهرة": إنه ضد العقوق

(4)

، وقال ابن السيد في "مثلثه": إنه الخير

(5)

، وكذا ذكره ابن عديس عنه، ونقل صاحب "الواعي" عنه أنه الإكرام.

وفي "الشريعة" للآجري من حديث المسعودي عن القاسم عن أبي ذرٍّ: أن رجلًا سأله عن الإيمان، فقرأ عليه {لَيْسَ الْبِرَّ} الآية، فقال الرجل: ليس عن البر سألتُك، فقال أبو ذر: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله كما سألتني، فقرأ عليه كما قرأتُ عليك، فأبى أن يرضى كما أبيتَ أن ترضى، فقال:"ادن مني" فدنا منه. فقال: "المؤمن الذي يعمل حسنة فتسره، ويرجو ثوابها، وإن عمل سيئة تسوؤه، ويخاف عاقبتها"

(6)

.

(1)

"المحكم" 11/ 213.

(2)

"تهذيب اللغة" 1/ 310 مادة: برر.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 345 (7386).

(4)

"جمهرة اللغة" 1/ 67 مادة: [برر].

(5)

"المثلث" 1/ 357 - 358.

(6)

"الشريعة" 2/ 617.

ص: 469

الثاني: معنى قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ} أي: ليس البر كله أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ} [البقرة: 177] الآية. أي: بِرُّ من آمن

(1)

كذا قدره سيبويه، وقال الزجاج: ولكن ذا البر فحذف المضاف كقوله {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ} [آل عمران: 163]، أي: ذوو درجات.

والأول فيه حذف المضاف كقوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة: 93]، وما قدره سيبويه أولى؛ لأن المنفي هو البر، فيكون هو المستدرك من جنسه. وبقية تفسير الآية محل الخوض فيها كتب التفسير، فلا نطول به، وكذا الآية التي بعدها.

الثالث: قوله: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً" كذا وقع هنا في بعض الأصول "بضع" وفي أكثرها "بضعة" بالهاء، وأكثر الروايات في غير هذا الموضع:"بضع" بلا هاء، وهو الجاري عَلَى اللغة المشهورة، ورواية الهاء صحيحة أيضًا عَلَى التأويل.

الرابع: البضع والبضعة -بكسر الباء عَلَى اللغة المشهورة- وبها جاء القرآن العظيم، ويجوز فتحها في لغة قليلة

(2)

كما في قطعة اللحم

(3)

، وهو مستعمل فيما بين الثلاثة والعشرة.

هذا هو الصحيح المشهور في معناه، وفيه أقوال أخر.

(1)

انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 230.

(2)

البَضْع والبِضْعُ بالفتح والكسر، ولم ينص كثيرٌ على أنها بالفتح قليلة، لكن قال الجوهريُّ: وبعض العرب يفتحها.

(3)

يقال: بَضَعَ اللَّحْمَ يَبْضَعُهُ بَضْعًا وبَضَّعَهُ تَبْضِيعًا: قَطَّعَهُ، والبَضْعَةُ، بالفتح: القطعة منه، تقول: أعطيته بَضْعَةً من اللحم، إذا أعطيته قطعة مجتمعة منه.

ص: 470

قَالَ ابن التياني في "الموعَب"

(1)

عن الأصمعي: يقال: بضعة عشر في جمع المذكر، وبضع عشرة في جمع المؤنث، وقال قطرب: أنا الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: " {فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 4] ما بين خمس إلى سبع" وقالوا: ما بين الثلاث إلى الخمس.

وقال الفراء: البضع: نيف ما بين الثلاثة إلى التسعة، كذلك رأيت العرب تفعل، ولا يقولون: بضع ومائة، ولا بضع وألف، ولا يذكر إلا مع عشر أو مع العشرين إلى التسعين.

وقال الزجاج

(2)

: معناه القطعة من العدد، ويجعل لما دون العشرة من الثلاث إلى التسع وهو الصحيح، وقال أبو عبيدة: هو ما بين الواحد إلى الأربعة

(3)

، وفي "المحكم": البضع ما بين الثلاث إلى العشر وبالهاء من الثلاثة إلى العشرة

(4)

.

وقال قوم في قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42]، يدل على أن البضع سبع؛ لأن يوسف عليه السلام لبث كذلك فيه، وفي "الصحاح": لا تقول: بضع وعشرون

(5)

.

(1)

قال محمد صديق حسن خان في "البلغة" ص (514 - 515: "الموعَب" بفتح العين على صيغة اسم المفعول للإمام ابن التياني أبي غالب، واسمه تمام، المتوفي سنة 436 بالأندلس. كتاب عظيم الفائدة، أتى فيه بما في "العين" من صحيح اللغة مقتصرًا على الشواهد الصحيحة، طارحًا ما فيه من الشواهد المختلفة والأبنية المختلفة والكلمات المصحفة، ثم قال: و"الموعب" قليل الوجود؛ لأن الناس تركوا نقله مع كونه من أصح ما ألف في اللغة على حروف المعجم.

(2)

"معاني القرآن وإعرابه" 3/ 112.

(3)

"مجاز القرآن" 2/ 119.

(4)

"المحكم" 1/ 259.

(5)

"الصحاح" 3/ 1186 مادة (بضع).

ص: 471

وقال المطرز في "شرحه": المختار أنه من أربعة إلى تسعة، والنيف من واحد إلى ثلاثة.

وقال ابن السيد في "مثلثه": البضع بالفتح والكسر: ما بين واحد إلى خمسة في قول أبي عبيدة. وقال غيره: ما بين واحد إلى عشرة. وهو الصحيح

(1)

.

الخامس: الشعبة -بضم الشين-: القطعة والفرقة، وهي واحد الشعب، وهي: أغصان الشجرة.

قَالَ ابن سيده: الشعبة: الفرقة والطائفة من الشيء

(2)

. وكذا قَالَ القاضي: إن أصلها الفرقة والقطعة، ومنه شعب الآباء، وشعوب القبائل، وشعبها الأربع، وواحد شعب القبائل: شعب -بفتح الشين وقيل بكسرها- وهم العظام، وكذا شَعب الإناء: صدعه -بالفتح أيضًا-، ومنه قوله في الحديث: فاتخذ مكان الشعب سلسلة

(3)

وقال الخليل: الشعب: الاجتماع والافتراق

(4)

أي: فهما ضدان. والمراد بالشعبة في الحديث: الخصلة. أي أن الإيمان ذو خصال متعددة.

السادس: قوله: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً". كذا وقع هنا من طريق أبي زيد المروزي، وثبت في "صحيح مسلم" وغيره من حديث سهيل عن عبد الله بن دينار:"بضع وسبعون أو بضع وستون"

(5)

كما سلف. ورواه

(1)

"المثلث" 1/ 355 - 356.

(2)

"المحكم" 1/ 235.

(3)

سيأتي برقم (3109) كتاب: فرض الخمس، باب: ما ذكر في درع النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

"العين" 1/ 263.

(5)

رواه مسلم (35/ 58) كتاب الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء كونه من الإيمان.

ص: 472

أيضًا من حديث العقدي عن سليمان: "بضع وسبعون شعبة"

(1)

.

وكذا وقع في البخاري من طريق أبي ذر الهروي، ورواه أبو داود

(2)

والترمذي

(3)

وغيرهما من رواية سهيل: "بضع وسبعون" بلا شك.

ورجحها القاضي عياض

(4)

وقال: إنها الصواب، وكذا رجحها الحليمي وجماعات منهم النووي

(5)

؛ لأنها زيادة من ثقة فقبلت وقدمت. وليس في رواية الأقل ما يمنعها، وقال ابن الصلاح: الأشبه ترجيح الأقل؛ لأنه المتيقن والشك من سهيل، كما قاله البيهقي

(6)

، وقد روي عن سهيل عن جرير:"وسبعون" من غير شك، وكذا رواية سليمان بن بلال في مسلم وفي البخاري:"بضع وستون"

(7)

.

السابع: قد بين صلى الله عليه وسلم أعلى هذِه الشعب وأدناها كما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: "أعلاها لا إله إلا الله"

(8)

، وفي لفظ أنه "أفضلها"

(9)

وفي

(1)

رواه مسلم (35/ 57) كتاب الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها ..

(2)

أبو داود (4676)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب"(2627).

(3)

الترمذي (2614)، وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(2108).

(4)

"إكمال المعلم" 1/ 272.

(5)

"شرح مسلم" 2/ 503.

(6)

"شعب الإيمان" 1/ 34.

(7)

قال ابن الصلاح في "صيانة صحيح مسلم" ص 196: والأشبه بالإتقان والاحتياط ترجيح رواية الأقل. أهـ. وإلى ذلك ذهب الحافظ ابن حجر في "الفتح" 1/ 52 قائلًا: وترجيح رواية بضع وسبعون لكونها زيادة ثقة كما ذكرهُ الحليمي ثم عياض، لا يستقيم، إذ الذي زادها لم يستمر على الجزم بها، لا سيما مع اتحاد المخرج. وبهذا يتبين شفوف نظر البخاري اهـ.

(8)

رواه ابن حبان (191).

(9)

مسلم (35) كتاب: الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها ..

ص: 473

آخر أنها "أرفعها"

(1)

وآخر "أقصاها"، وآخر "أعظمها"

(2)

. "وأدناها إماطة الأذى عن الطريق". ولفظ اللالكائي

(3)

: "العظم"

(4)

بدل "الأذى" ورواه محمد بن عجلان عن ابن دينار عن أبي صالح: "الإيمان ستون بابًا أو سبعون أو بضع"

(5)

واحد من العددين.

ورواه قتيبة، عن بكر بن مضر، عن عمارة بن غزية، عن أبي صالح:"الإيمان أربع وستون بابًا"

(6)

.

وروى المغيرة بن عبد الرحمن بن عبيد قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عن جدي -وكانت لَهُ صحبة- أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الإيمان ثلاثمائة وثلاثون شريعة، من وافي الله بشريعة منها دخل الجنة"

(7)

.

(1)

رواه الترمذي (2614) وابن ماجه (57)، وأحمد 2/ 379، 2/ 445، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" 1/ 425 (424)، 1/ 426 - 427 (427)، وابن حبان (181)، والطبراني في "الأوسط" 5/ 75 (4712)، والبيهقي في"الشعب" 1/ 33 (2). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(2108).

(2)

ورد في هامش (ف): ذكره ابن شاهين في "خصال الإيمان".

والحديث رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 213، (25330) والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" 1/ 429 (429)، وابن عبد البر في "التمهيد" 9/ 234 - 235.

(3)

ورد في هامش (ف) حاشية: ذكره اللالكائي.

(4)

"شرح أصول اعتقاد أهل السنة" 5/ 978 (1629).

(5)

رواه ابن ماجه (57)، وابن أبي شيبة 5/ 306، (26334)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" 1/ 426 (425)، وابن عبد البر في "التمهيد" 9/ 235 - 236، والشجري في "الأمالي" 1/ 18، وصححه الألبانى "صحيح سنن ابن ماجه"(48).

(6)

رواه الترمذي (2614)، والطبراني في "الأوسط" 5/ 75 (4712)، وقال الألباني: شاذ بهذا اللفظ.

(7)

رواه الطبراني في "الأوسط" 7/ 215 (7310)، والبيهقي في "الشعب" 6/ 366 (8549) وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 36: رواه الطبراني في "الكبير" وفي =

ص: 474

وروى ابن شاهين من حديث الإفريقي، عن عبد الله بن راشد مولى عثمان بن عفان عن أبي سعيد مرفوعًا: "إن بين يدي الرحمن عز وجل لوحًا فيه ثلاثمائة وتسع عشرة شريعة يقول عز وجل: لا يجيئني عبد من عبادي لا يشرك بي شيئا فيه واحد منهن إلا أدخلته الجنة

(1)

".

ومن حديث عبد الواحد بن زيد، عن عبد الله بن راشد، عن مولاه عثمان مرفوعًا:"إن لله تعالى مائة خلق من أتى بخلق منها دخل الجنة"

(2)

.

قَالَ لنا أحمد: سُئِلَ إسحاق: ماذا في الأخلاق؟ قَالَ: يكون في الإنسان حياء، يكون فيه رحمة، يكون فيه سخاء، يكون فيه تسامح، هذا من أخلاق الله تعالى.

وروى أبو الحسن عبد الرحمن بن عمر بن يزيد

(3)

من حديث ابن مهدي، عن إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن صلة، عن حذيفة: الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم، الصلاة سهم، والزكاة سهم،

= إسناده عيسى بن سنان القسملي وثقه ابن حبان وابن خراش، وضعفه الجمهور، وعبد الله بن عبيد لم أر من ذكره.

(1)

رواه أبو يعلى 2/ 484 (1314)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 367 (8551) بلفظ:"خمس عشرة شريعة"، وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 36: في إسناده عبد الله بن راشد وهو ضعيف.

(2)

رواه الطيالسي في "مسنده" 1/ 82 (84)، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" ص 6 (27) والبزار في مسنده 2/ 91 - 92 (446) بلفظ:"لله مائة وسبع عشرة شريعة من وافاه" والبيهقي في "الشعب" 6/ 366 (8550).

قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، وعبد الواحد بن زيد ليس بالقوي، وعبد الله بن راشد لا نعلم حدث عنه إلا عبد الواحد.

وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 36: في إسناده عبد الله بن راشد وهو ضعيف.

(3)

المعروف برُسْته.

ص: 475

وصوم رمضان سهم، والحج سهم، والجهاد سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، وقد خاب من لا سهم له

(1)

.

الثامن: بين صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سقناه أن أَعْلَى الشعب التوحيد المتعين عَلَى كل مكلَّفٍ، والذي لا يصح غيره من الشعب إلا بعد صحته، وأن أدناها ما يتوقع منه ضرر المسلمين، وبقي بينهما تمام العدد، فيجب علينا الإيمان به، وإن لم نعرف أعيان جميع أفراده، كما نؤمن بالأنبياء والملائكة صلوات الله وسلامه عليهم، وإن لم نعرف أعيانهم وأسماءهم.

وقد صنف العلماء في تعيين هذِه الشعب كتبًا كبيرة، من أغزرها فوائد، وأعظمها محلًّا: كتاب "المنهاج" لأبي عبد الله الحليمي

(2)

، ثمَّ كتاب البيهقي

(3)

.

(1)

رواه ابن أبي شيبة 4/ 237 (19554) عن وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق به، موقوفًا، والبزار في "مسنده" 7/ 330 (2927) من طريق يزيد بن عطاء قال: أخبرنا أبو إسحاق به مرفوعًا، ومن طريق شعبة، عن أبي إسحاق به موقوفًا، وقال: هذا الحديث لا نعلم أسنده إلا يزيد بن عطاء عن أبي إسحاق، والبيهقي في "الشعب" 6/ 94 (7589) من طريق شعبة عن أبي إسحاق به، وقال: هذا موقوف، وأورد الهيثمي في "المجمع" 1/ 38 وقال: فيه يزيد بن عطاء، وثقه أحمد وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات.

(2)

الحليمي: هو القاضي العلامة، رئيس المحدِّثين والمتكلمين بما رواء النهر، أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن حليم البخاري الشافعي، ولد سنة (338 هـ)، ومات سنة (403 هـ). من تصانيفه:"المنهاج في أصول الديانة". انظر: "المنتظم" 7/ 264 (416)، "اللباب" 3/ 382 - 383، "وفيات الأعيان" 2/ 137 - 138 (186)، "سير أعلام النبلاء" 17/ 231 - 234، "الأعلام" 2/ 235.

(3)

البيهقي: هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الإمام الحافظ، العلامة، شيخ خراسان، من أكابر فقهاء الشافعية في عصره، ولد في 384 هـ نشأ في بيهق، ورحل =

ص: 476

وصنف عبد الجليل القصري

(1)

فيه أيضًا، وإسحاق بن إبراهيم القرطبي

(2)

في "النصائح".

وقال أبو حاتم ابن حبان

(3)

-بكسر الحاء المهملة- في كتاب "وصف الإيمان وشعبه": تتبعت معنى هذا الحديث مدة، وعددت الطاعات، فإذا هي تزيد عَلَى هذا العدد شيئًا كثيرًا، فرجعت إلى السنن، فعددت كل طاعة عدها الشارع من الإيمان، فإذا هي تنقص

= إلى بغداد، ثم الكوفة، ومكة، وغيرها. صنَّف زُهاء ألف جزء لم يُسبق إليها، منها:"شعب الإيمان" و"السنن الكبرى"، و"السنن الصغرى"، و"دلائل النبوة"، وغيرها. توفي سنة 458 هـ.

انظر ترجمته في: "الأنساب" 2/ 381 - 383، "وفيات الأعيان" 1/ 75، 76 (28)، "سير أعلام النبلاء" 18/ 163 - 170 (860)، "البداية والنهاية" 12/ 556، "معجم المؤلفين" 1/ 129 (967)، "الأعلام" 1/ 116.

(1)

هو العلامة الزاهد أبو محمد عبد الجليل بن عموسى الأنصاري الأندلسي القصري، له "تفسير القرآن"، و"شعب الإيمان". واختلف في سنة وفاته فقال الذهبي مرة سنة 608 هـ، ومرة سنة 601 هـ انظر:"سير أعلام النبلاء" 21/ 420 (215)، "معجم المؤلفين" 2/ 50.

(2)

هو الإمام الزاهد العابد أحد أعلام قرطبة، وكان فقيهًا مهيبًا حافظًا للمسائل صاحب الديوان الشريف المسمى "النصائح". توفي سنة 352 هـ، وقيل: سنة 354 هـ. انظر: "سير أعلام النبلاء" 16/ 107 - 108، "كشف الظنون" 2/ 1467، "شجرة النور الزكية" ص 90 (199).

(3)

هو الإمام الحافظ الفاضل المتقن المحقق الحافظ العلامة محمد بن حبَّان بن أحمد بن حبَّان أبو حاتم التميمي البُستي السجستاني، ونسبته التميمي نسبة إلى تميم جد القبيلة المشهورة، الذي يرتفع نسبهُ إلى عدنان، فهو عربي الأرومة، إلا أنه أفغاني المولد. توفي سنة 354 هـ.

انظر ترجمته في: "الأنساب" 2/ 209، "معجم البلدان" 1/ 415 - 419، "الكامل في التاريخ" 8/ 566، "اللباب" 1/ 151، "سير أعلام النبلاء" 16/ 92 - 104 (70)، "الوافي بالوفيات" 2/ 317، 318 (768)"شذرات الذهب" 3/ 16.

ص: 477

عن البضع والسبعين، فرجعت إلى كتاب الله تعالى، وقرأته بالتدبر، وعددت كل طاعة عدها الله تعالى من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممتُ إلى الكتابِ السنةَ وأسقطت المُعَاد، فإذا كل شيء عده الله ورسوله من الإيمان بضع وسبعون لا يزيد عليها ولا ينقص، فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العدد في الكتاب والسنة.

التاسع: الحديث ناصٌّ على إطلاق اسم الإيمان الشرعي عَلَى الأعمال وقد سلف بيان هذا.

العاشر: قوله صلى الله عليه وسلم: "وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ"، وفي رواية أخرى في "الصحيح":"الحياء من الإيمان"

(1)

، وفي أخرى:"الحياء لا يأتى إلا بخير"

(2)

، وفي أخرى:"الحياء خير كله"

(3)

. فالحياء: ممدود هو الاستحياء

(4)

.

قَالَ الواحدي

(5)

عن أهل اللغة: الاستحياء من الحياء، واستحيا

(1)

ستأتي برقم (24) كتاب الإيمان، باب: الحياء من الإيمان.

(2)

ستأتي برقم (6117) كتاب الأدب، باب: الحياء.

(3)

رواه مسلم (37) كتاب الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان.

(4)

قاله الجوهريُّ في "الصحاح" 6/ 2324.

(5)

هو الإمام العلامة أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن على الواحدي النسابوري، ولد بنيسابور، سمع التفسير من أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، وسمع النحو من أبي الحسن الضرير، وأخذ اللغة عن أبي الفضل أحمد بن محمد بن يوسف العروضي، ومن تلاميذه أحمد بن عمر الأرغياني، وعبد الجبار بن محمد الخواري، وطائفة أخرى. له من المصنفات: في التفسير ثلاثة كتب: "الوجيز"، "الوسيط"، "البسيط" و"أسباب النزول"، وله كتاب "الدعوات"، "المحصول"، "المغازي" وغيرها الكثير، توفي بنيسابور سنة 468 هـ.

انظر: "الكامل في التاريخ" 10/ 101، "وفيات الأعيان" 3/ 303 - 304 (438) و"سير أعلام النبلاء" 18/ 339 - 342 (160)، "مرآة الجنان" 2/ 96 - 97، =

ص: 478

الرجل من قوة الحياء لشدة علمه بمواقع العيب. قَالَ: فالحياء من قوة الجبن ولطفه.

وقال الجنيد: حيي حياء رؤية الآلاء أي: النعم ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء

(1)

. وإنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة؛ لأنه قد يكون تخلقًا واكتسابًا كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة، ولكن استعماله على قوة قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم، فهو من الإيمان لهذا؛ ولكونه باعثًا عَلَى أفعال الخير، ومانعًا من المعاصي، ورب حياء يمنع من الخير، ويجبن عن قول الحق وليس بحياء حقيقة، بل هو عجز وخور، وتسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف، أطلقوه مجازًا؛ لشبهه الحقيقي، وإنما حقيقته خلق يبعث عَلَى اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ونحوه.

فائدة: الحياء أيضًا بالمد والقصر: الفرج من إناث الخف والظلف والسباع، وخصَّ ابن الأعرابي الشاة والبقرة والظبية، وبالقصر: الخصب والمطر، وحكي المد فيها أيضًا

(2)

.

= "شذرات الذهب" 3/ 330.

(1)

أورده ابن القيم في "مدارج السالكين" 2/ 259.

(2)

قال الجوهري: والحياء أيضًا: رحم الناقة، وقال الليث: حَيَا الناقة يُقْصَرُ ويُمَدُّ لغتان. وقال الأزهري: حياء الناقة والشاة وغيرهما ممدود إلا أن يقصره شاعر ضرورة، وما جاء عن العرب إلا ممدودًا، وإنما سُمِّي حياءً باسم الحياء من الاستحياء، لأنه يُستر من الآدمي ويكنى عنه من الحيوان ويُستفحش التصريح بذكره واسمه الموضوع له، وُيستحى من ذلك ويُكنى عنه. وقال الليث: يجوز قَصْرُ الحياء ومدُّه. قيل: وهو غلط لا يجوز قصره لغير الشاعر؛ لأن أصله الحياء من الاستحياء، انظر:"الصحاح" 6/ 2324، "تهذيب اللغة" 1/ 956.

ص: 479

‌4 - باب المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ

10 -

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى السَّفَرِ وَإِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضى الله عنهما -، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ -هو ابن أبي هند- عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ -وهو ابن عمرو- عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. [6484 - مسلم 40 - فتح 1/ 53].

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، نا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ وَإِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ -هو ابن أبي هند- عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ -وهو ابن عمرو- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

الكلام عليه من وجوه بعد أن تعرف أنه يجوز في قوله: (باب: المسلم) التنوين والإضافة. وكذا نظائر هذا الباب مما هو كلام مستقل، وتكون الإضافة إلى الجملة.

أحدها: التعريف برواته غير من سلف.

أما عبد الله (ع) بن عمرو فهو: أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو نُصير -بضم النون- عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سُعَيد -بضم السين وفتح العين- بن سهم بن عمرو بن هُصيص -بضم الهاء وبصادين مهملتين- بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي

ص: 480

السهمي الزاهد العابد الصحابي ابن الصحابي.

أُمُّه: ريطة بنت منبه بن الحجاج، أسلم قبل أبيه وكان بينه وبين أبيه في السن اثنتا عشرة سنة، وقيل: إحدى عشرة، وكان غزير العلم، مجتهدًا في العبادة، وكان أكثر حديثًا من أبي هريرة؛ لأنه كان يكتب وأبو هريرة لا يكتب، كما سيأتي حيث ذكره البخاري

(1)

، ومع ذَلِكَ فالذي روي له قليل بالنسبة إلى ما رواه أبو هريرة، روي له سبعمائة حديث، اتفقا منها عَلَى سبعة عشر، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بعشرين.

مات بمكة أو بالطائف أو بمصر في ذي الحجة بعد الستين، سنة خمس أو ثلاث أو سبع. وقيل: سنة ثلاث وسبعين عن ثنتين وسبعين سنه

(2)

.

فائدة:

في الصحابة عبد الله بن عمرو جماعات أخر عدتهم ثمانية عشر نفسًا

(3)

.

(1)

سيأتي برقم (113) كتاب العلم، باب: كتابة العلم.

(2)

انظر: "معرفة الصحابة" 3/ 1720 - 1725 (1699)، "الاستيعاب" 3/ 86 - 88 (1636)، "أسد الغابة" 3/ 349 - 351 (3090)، "الإصابة" 2/ 351 - 352 (4847).

(3)

هكذا عدهم ابن الأثير في كتابه "أسد الغابة في معرفة الصحابة" وهم: عبد الله بن عمرو الأحوص، عبد الله بن عمرو بن بحيرة، عبد الله بن عمرو الجمحي، وعبد الله بن عمرو بن حرام، وعبد الله بن عمرو بن حزم، وعبد الله بن عمرو بن الحضرمي، وعبد الله بن عمرو بن طلحة، وعبد الله بن عمرو بن الألهاني، وعبد الله بن عمرو بن الطفيل، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمرو ابن عوف، وعبد الله بن عمرو بن قيس، وعبد الله بن عمرو بن الوعيد، وعبد الله بن =

ص: 481

وأما الشعبي هو الإمام العلامة التابعي الجليل الثقة أبو عمرو عامر (ع) بن شراحيل، وقيل: ابن عبد الله بن شراحيل الكوفي.

والشعبي -بفتح الشين- نسبة إلى شعب: بطن من همذان، أُمُّه من سبي جلولاء

(1)

. ولد لست سنين مضت من خلافة عمر. روى عن خلق من الصحابة منهم: عمر وسعد وسعيد، وروينا عنه أنه قَالَ: أدركت خمسمائة صحابي

(2)

.

قال أحمد بن عبد الله

(3)

: ومرسله صحيح

(4)

. روى عنه قتادة، وخلق من التابعين، ومناقبه جَمَّةٌ وَلِي قضاء الكوفة. مات بعد المائة، إما سنة أربع، أو ثلاث، أو خمس، أو ست، ابن نَيِّفٍ وثمانين سنة

(5)

.

فائدة:

إِذَا أطلق الشعبي فالمراد به هذا الإمام، وإن كان جماعة بما وراء النهر يطلق عليهم ذَلِكَ لكنهم متأخرون جدًّا، وقد أسلفنا أن هذِه النسبة إلى شعب بطن من همذان، وكذا قَالَ ابن قتيبة: الشعبي يقال: هو من

= عمرو أبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن هلال، وعبد الله بن عمرو بن وهب، وعبد الله بن عمرو بن وقدان، وعبد الله بن عمرو بن اليشكري. انظر:"أسد الغابة" 3/ 345 - 355.

(1)

جَلولاء: بالمد، ناحية من نواحي السواد في طريق خراسان. انظر:"معجم البلدان" 2/ 156. بتصرف.

(2)

"تهذيب الكمال" 14/ 34.

(3)

هو العجلي صاحب "معرفة الثقات".

(4)

"معرفة الثقات" 2/ 12.

(5)

انظر: "طبقات ابن سعد" 6/ 246 - 256، "التاريخ الكبير" 6/ 450 (2961)، "المعارف" لابن قتيبة ص 449 - 451، "تهذيب الكمال" 14/ 28 (3042)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 294 - 319.

ص: 482

حمير، وعداده في همدان، ونسب إلى جبل باليمن نزله حسان بن عمرو الحميري هو وولده، ودفن به.

وقال الهمداني: الشعب الأصغر: بطن، منهم عامر بن شراحيل.

قَالَ: والشعب الأصغر بن شراحيل بن حسان بن الشعب الأكبر بن عمرو بن شعبان.

وقال الجوهري: شعب: جبل باليمن وهو عَلَى شعبين نزله حسان بن عمرو الحميري وولده فنسبوا إليه، وإن من نزل من أولاده بالكوفة يقال لهم: شعبيون منهم: عامر الشعبي، ومن كان منهم بالشام قيل لهم: شعبانيون، ومن كان منهم باليمن يقال: لهم آل ذي شعبين، ومن كان منهم بمصر والمغرب يقال لهم: الأشعوب

(1)

.

وأما إسماعيل (ع) فهو: ابن أبي خالد هرمز، وقيل: سعد، وقيل: كثير البجلي الأحمسي. مولاهم الكوفي، سمع خلقًا من الصحابة، منهم أنس بن مالك، وجماعة من التابعين، وعنه الثوري وغيره من الأعلام. وكان عالمًا متقنًا صالحًا ثقة، وكان يسمى: الميزان، وكان طحانًا.

قَالَ ابن المديني: له نحو ثلاثمائة حديث، مات سنة خمس وأربعين ومائة

(2)

.

وأما عبد الله (ع) بن أبي السَّفَر -بفتح السين والفاء-، وحكي إسكانها، واسم أبي السفر: سعيد بن يُحمَد -بضم الياء وفتح الميم-

(1)

"الصحاح" 1/ 156، مادة:(شعب).

(2)

انظر: "الطبقات الكبرى" 6/ 240، "طبقات خليفة" ص 167، "التاريخ الكبير" 1/ 351، 352 (1108)، "التاريخ الصغير" 2/ 85، "الكامل في التاريخ" 5/ 572، "تهذيب الكمال" 3/ 69 (439)، "سير أعلام النبلاء" 6/ 176 - 178 (83). "شذرات الذهب" 1/ 216.

ص: 483

كذا ضبطه النووي في "شرحه"

(1)

، وغيره ضبطه بخطه بكسرها، ويقال: أحمد الثوري الهمداني الكوفي.

روى عنه شعبة وغيره، مات في خلافة مروان بن محمد. قَالَ أحمد ويحيى بن معين: ثقة، روى لَهُ الجماعة إلا الترمذي

(2)

.

فائدة:

السفر كله بإسكان الفاء في الاسم وبتحريكها في الكنية، ومنهم من سكن الفاء في عبد الله السالف كما سلف.

وأما شعبة (ع) فهو العلامة الحافظ أمير المؤمنين، أبو بسطام، شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي مولاهم الواسطي البصري مولى عبدة بن الأغر، وعبدة مولى يزيد بن المهلب من تابعي التابعين، رأى الحسن وابن سيرين، سمع أنس بن سيرين وغيره من التابعين.

قَالَ الشافعي: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق. وقال أحمد: كان أمةً وحده في هذا الشأن.

وقال أبو بحر البكراوي

(3)

: ما رأيت أعبد لله تعالى منه، عَبدَ حتَّى جف لحمه عَلَى عظمه.

(1)

قال النووي في "شرحه" على مسلم 11/ 60: بفتح الفاء على المشهور وقيل بإسكانها.

(2)

انظر: "الطبقات الكبرى" 6/ 338، "طبقات خليفة" ص 162، "التاريخ الكبير" 5/ 105 (306)، "الجرح والتعديل" 5/ 71، 72 (337)، "الثقات" 7/ 25، "تهذيب الكمال" 15/ 41، 42 (3308).

(3)

هو عبد الرحمن بن عثمان بن أمية بن عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي، أبو بحر البكراوي البصري.

انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 17/ 271.

ص: 484

مات بالبصرة أول سنة ستين ومائة عن سبع وسبعين سنة، وهو أكبر من الثوري بعشر سنين، والثوري أكبر من ابن عيينة بذلك

(1)

.

فائدة:

ليس في الكتب الستة شعبة بن الحجاج غيره. وفي النسائي: شعبة بن دينار الكوفي

(2)

: صدوق، وفي [أبي]

(3)

داود: شعبة بن دينار عن مولاه ابن عباس ليس بالقوى

(4)

.

وفي الضعفاء: شعبة بن عمرو يروي عن أنس، قَالَ البخاري: أحاديثه مناكير

(5)

.

وفي الصحابة: شعبة بن التوأم

(6)

وهو من الأفراد والظاهر أنه تابعي.

وأما آدم (خ ت س ق) بن أبي إياس فهو أبو الحسن آدم بن عبد الرحمن، وقيل: ناهية بن محمد. أصله من خراسان، نشأ ببغداد، وكتب عن شيوخها، ثمَّ رحل إلى الكوفة وغيرها من الأمصار، واستوطن عسقلان.

(1)

انظر: "طبقات ابن سعد" 7/ 280، "التاريخ الكبير" 4/ 244 - 245 (678)، "تهذيب الكمال" 12/ 479 (2739)، "سير أعلام النبلاء" 7/ 202 - 228 (80)، "شذرات الذهب" 1/ 247.

(2)

انظر: "التاريخ الكبير" 4/ 244 (2676)، "الجرح والتعديل" 4/ 368 (1606)، "تهذيب الكمال" 12/ 465 (2740)، "التقريب" (2792) وقال: لا بأس به.

(3)

زيادة يقتضيها السياق.

(4)

انظر: "التاريخ الكبير" 4/ 244 (2673)، "الثقات" لابن حبان 4/ 362 وقال: في أحاديثه مناكير كثيرة، روى عنه الخليل بن مرة، البلية في أخباره من الخليل بن مرة، وقد ذكرنا الخليل في كتاب "الضعفاء" بأسبابه وما يجب الوقوف على أنبائه.

(5)

انظر: "التاريخ الكبير" 2/ 39 (1613)، "الجرح والتعديل" 2/ 268 (970)، "تهذيب الكمال" 2/ 301 (294).

(6)

انظر: "التاريخ الكبير" 4/ 243 (2672)، "أسد الغابة" 2/ 525 (2441).

ص: 485

سمع شعبة وغيره من الأعلام، وروى عنه البخاري، وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن رجل عنه. وكان ثقة مأمونًا متعبِّدًا.

مات بعسقلان سنة عشرين ومائتين، وقيل: إحدى وعشرين عن ثمان وثمانين سنة، وقيل: عن نيف وتسعين سنة

(1)

.

ولما حضرته الوفاة ختم القرآن وهو مسجى، ثمَّ قَالَ: بحبك لي إلا ما رفقت بي في هذا المصرع، كنت أؤملك لهذا اليوم، كنت أرجوك ثمَّ قَالَ: لا إله إلا الله. ثمَّ قضى

(2)

.

قَالَ الخطيب: حدَّث عنه: بشر بن بكر التنيسي وإسحاق ابن إسماعيل الرملي، وبين وفاتيهما ثمانون، وقيل: ثلاثة وثمانون سنة

(3)

.

(1)

انظر: "التاريخ الكبير" 2/ 39 (1613)، "الجرح والتعديل" 2/ 268 (970)، "تهذيب الكمال" 2/ 301 (294)، "سير أعلام النبلاء" 10/ 335 - 341 (82)، "شذرات الذهب" 2/ 47.

(2)

رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 7/ 29. بلفظ: بحبِّي لك إلا رفقت بي هذا المصرع.

(3)

"السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة راويين عن شيخ واحد" للخطيب البغدادي ص 160 (36).

والسابق واللاحق هو: أن يشترك في الرواية عن شيخ راويان أحدهما متقدم والأخر متأخر، بين وفاتيهما زمن طويل.

من فوائده تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب، ومن أمثلته: ما ذكره المصنف هنا، وكذلك محمد بن إسحاق السراج، روى عنه البخاري في "تاريخه"، وروى عنه أبو الحسين الخفاف النيسابوري، وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر، وذلك أن البخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين، ومات الخفاف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة.

انظر: "علوم الحديث" ص 317 - 318، "المقنع" 2/ 547 - 548، "تدريب الراوي" 2/ 377 - 378.

ص: 486

فائدة:

ليس في هذِه الكتب آدم بن أبي إياس غير هذا، وفي مسلم، والترمذي، والنسائي: آدم بن سليمان الكوفي

(1)

، وفي البخاري، والنسائي آدم بن علي العجلي الكوفي أيضا

(2)

فحسب.

وفي الرواة آدم بن عيينة، أخو سفيان لا يحتج به

(3)

، وآدم بن فائد عن عمرو بن شعيب مجهول

(4)

.

وأما أبو معاوية (ع) فهو: محمد بن خازم -بالخاء المعجمة والزاي- الضرير الكوفي التيمي السعدي مولى سعد بن زيد مناة بن تميم. يقال: عمي وهو ابن أربع سنين أو ثمان.

وروى عن الأعمش وغيره، وعنه: أحمد وإسحاق وهو ثبت في الأعمش، وكان مرجئًا. مات في صفر سنة أربع أو خمس وتسعين ومائة

(5)

.

(1)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 2/ 38 (1610)، "الجرح والتعديل" 2/ 268 (967)، "تهذيب الكمال" 2/ 307 (295).

(2)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 2/ 37 (1609)، "الجرح والتعديل" 2/ 266 (962)، "تهذيب الكمال" 2/ 308 (296).

(3)

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 2/ 267 (964)، "المغني في الضعفاء" 1/ 64 (506)، "ميزان الاعتدال" 1/ 170 (686)، "لسان الميزان" 1/ 336.

(4)

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 2/ 268 (988)، "الضعفاء والمتروكين" للذهبي (90)، "لسان الميزان" 1/ 336.

(5)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 6/ 392، "التاريخ الكبير" 1/ 74 (191)، "الجرح والتعديل" 7/ 246 - 248 (1360)، "الثقات" لابن حبان 7/ 441، "تهذيب الكمال" 25/ 123 - 133 (5173)، "سير أعلام النبلاء" 9/ 73 - 78 (20).

ص: 487

فائدة:

في الرواة أيضًا: أبو معاوية النخعي عمرو

(1)

، وأبو معاوية شيبان

(2)

. وأما داود بن أبي هند فهو: أحد الأعلام الثقات، بصري، واسم أبي هند دينار مولى امرأة من قشير، ويقال: مولى عبيد الله بن عامر ابن كريز، رأى أنسًا، وسمع: الشعبي وغيره من التابعين، وعنه: شعبة والقطان. لَهُ نحو مائتا حديث. وكان حافظا صوامًا دهره قانتًا لله، مات سنة أربعين ومائة بطريق مكة عن خمس وسبعين سنة

(3)

.

فائدة:

داود هذا خرَّج له الستة -كما أعلمت له- والبخاري استشهد به هنا خاصة، وليس لَهُ في "صحيحه" ذكر إلا هنا.

وأما عبد الأعلى (ع) فهو: ابن عبد الأعلى السامى القرشي البصري، من بني سامة بن لؤي بن غالب.

روى عن: الجريري وغيره، وعنه: بندار وغيره. وهو ثقة قدري لكنه

(1)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 349 (2598)، "الجرح والتعديل" 6/ 343 (1349)، "الثقات" 7/ 215، "تهذيب الكمال" 22/ 115 - 117 (4402)، "التقريب"(5067).

(2)

انظر: "الطبقات الكبرى" 6/ 377، "تاريخ الدارمي"(56)، "التاريخ الكبير" 4/ 254 (2709)، "الجرح والتعديل" 4/ 355، 356 (1561)، "تهذيب الكمال" 12/ 592 - 598 (2784)، "شذرات الذهب" 1/ 259.

(3)

انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 255، "تاريخ الدارمي"(298، 213)، "التاريخ الكبير" 3/ 31 (780)، "التاريخ الصغير" 2/ 49، "أسماء التابعين"(291)، "تهذيب الكمال" 8/ 461 - 466 (790)، "سير أعلام النبلاء" 6/ 376 - 379 (156).

ص: 488

غير داعية، كما نبه عليه ابن حبان في "ثقاته"

(1)

، وأطلقه صاحب "الكاشف"

(2)

. مات في شعبان سنة تسع وثمانين ومائة

(3)

.

فائدة:

في الصحيحين عبد الأعلى ثلاثة بهذا

(4)

، وفي ابن ماجه: آخر واهٍ، وآخر كذلك

(5)

، وآخر صدوق

(6)

، وفيه وفي النسائي آخر ثقة

(7)

، وفيه

(1)

"الثقات" 7/ 130 - 131.

(2)

"الكاشف" 1/ 611.

(3)

انظر: "التاريخ الكبير" 6/ 73 (1748)، "الجرح والتعديل" 6/ 28 (147)، "تهذيب الكمال" 16/ 359 - 363 (3687) "سير أعلام النبلاء" 9/ 242: 243 (69)، "شذرات الذهب" 1/ 324.

(4)

أحدهما المذكور. والثاني: عبد الأعلى بن حماد بن نصر، انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" للبخاري 6/ 74 (1752)، "الجرح والتعديل" 6/ 29 (154)، و"تهذيب الكمال" 6/ 74 (1752)، و"سير أعلام النبلاء" 11/ 28 (12).

والآخر: عبد الأعلى بن مسهر الغساني.

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 73 (1751)، و"الجرح والتعديل" 6/ 29 (153)، و"تهذيب الكمال" 16/ 369 (3691)، و"سير أعلام النبلاء" 10/ 228 (60).

(5)

أحدهما: عبد الأعلى بن أبي المساور الزهري، انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" 6/ 74 (1753)، و"الجرح والتعديل" 6/ 26 (153)، و"تهذيب الكمال" 16/ 366 (3690). والآخر: عبد الأعلى بن أعين الكوفي.

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 6/ 28 (148)، و"المجروحين" لابن حبان 2/ 156، "تهذيب الكمال" 16/ 347 (3682).

(6)

هو عبد الأعلى بن القاسم الهمداني، انظر ترجمته في:"الجرح والتعديل" 6/ 30 (155)، و"الثقات" لابن حبان 8/ 409، و"تهذيب الكمال" 16/ 364 (3689).

(7)

هو عبد الأعلى بن عدي البهراني.

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 72 (1747)، و"الجرح والتعديل" 6/ 25 (131)، و"تهذيب الكمال" 16/ 363 (3688).

ص: 489

وفي الترمذي آخر ثقة

(1)

، وفي الأربعة آخر لين

(2)

ضعفه أحمد، فالجملة تسعة، وفي الضعفاء سبعة.

فائدة أخرى:

هذا الإسناد كله عَلَى شرط الستة إلا آدم فليس من شرط مسلم، وأبي داود.

الوجه الثاني:

قوله: (وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى) هذا من تعليقات البخاري، وقد أسلفت لك أول الكتاب حكمها في الفصول

(3)

.

وحديث أبي معاوية أخرجه ابن حبان في "صحيحه" فقال: أنا أحمد بن يحيى بن زهير الحافظ بتُسْتَر

(4)

، نا محمد بن العلاء بن غريب، حَدَّثَنَا أبو معاوية، نا داود بن أبي هند، عن الشعبي قَالَ: سمعت عبد الله بن عمرو -ورب هذِه البنية- يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المهاجر من هاجر السيئات، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"

(5)

.

(1)

هو عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى، انظر ترجمته في:"الجرح والتعديل" 6/ 30 (157)، و"الثقات" لابن حبان 8/ 409، و"تهذيب الكمال" 16/ 379 (3692).

(2)

هو عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" 6/ 71 (1743)، و"الجرح والتعديل" 6/ 25 (134)، و"المجروحين" لابن حبان 2/ 155، و"تهذيب الكمال" 16/ 352 (3684).

(3)

سبق في المقدمة.

(4)

قال الحموي: أعظم مدينة بخوزستان، "معجم البلدان" 2/ 29.

(5)

1/ 424 ابن حبان (196) كتاب الإيمان، باب: فرض الإيمان.

ص: 490

الوجه الثالث في فقهه:

بعد أن تعلم أن هذا الحديث انفرد البخاري عن مسلم بجملته فأخرجه هنا. وفي: الرقاق عن أبي نعيم، عن زكريا، عن عامر

(1)

.

وأخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أيضًا: أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسلام خير؟ قَالَ: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام عَلَى من عرفت ومن لم تعرف"

(2)

.

وأخرج من حديثه أيضًا: أن رجلًا سألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّ المسملين خير؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ المسْلِونَ مِنْ لِسَانهِ وَيده"

(3)

.

ولم يخرِّج البخاريُ هذا اللفظ ولا الذي قبله، وانفردَ مسلم بإخراجهِ من حديثِ جابرٍ رفعه:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"

(4)

.

فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" المسلم الكامل الجامع لخصال الإسلام، من لم يؤذِ مسلمًا بقوْلٍ ولا فعْلٍ، وكذلك المهاجر الكامل، فأَعْلَمَ المهاجرين أن يهجروا ما نهى الله عنه، ولا يتكلوا على هجرتهم.

ويحتمل أنه قَالَ ذَلِكَ لما شق فوات الهجرة عَلَى بعضهم، فأعلمهم أن هذا هو المهاجر المطلوب الكامل.

والهجر لغةً: ضد الوصل

(5)

. ومنه قيل للكلام القبيح: الهُجر -بضم

(1)

سيأتي برقم (6484).

(2)

مسلم (39) كتاب الإيمان، باب: تفاضل الإسلام وأي أموره خير.

(3)

مسلم (40).

(4)

مسلم (41).

(5)

يقال: هَجَرَهُ يَهْجُر هَجْرًا، بالفتح، وهجْرَانًا بالكِسر: صَرَمَهُ وقَطَعَهُ، والهَجْرُ: ضدُّ الوَصْلِ. وهَجَرَ الشيء يَهْجُرهُ هَجْرًا: تركه وأغفله وأعرض عنه.

انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3717 مادة (هجر).

ص: 491

الهاء-؛ لأنه ينبغي أن يهجر. والهاجرة: وقت يهجر فيه العمل، والمهاجر هو الذي فارق عشيرته ووطنه.

وهذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وفصيحه كما يقال: المال الإبل، والناس العرب، عَلَى التفضيل لا عَلَى الحصر.

وقد أورد البخاري عقبه ما بين هذا التأويل وهو قول السائل: أيُّ الإسلام أفضل؟ قَالَ: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"

(1)

ثم أورد عقبه: أيُّ الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام"

(2)

إلى آخره، وخصَّ اليد بالذكر؛ لأن أكثر الأفعال بها، وكذا اللسان؛ لأنه يعبر به عن ما في النفس.

وفي "جامع الترمذي" والنسائي من حديث أبي هريرة: "والمؤمن من أمنه الناس عَلَى دمائهم وأموالهم"

(3)

.

وفيه: الحثُّ عَلَى ترك أذى المسلمين بكل ما يؤذي، وسِرُّ الأمر في ذَلِكَ حسن التخلق مع العالم، كما قَالَ الحسن رحمه الله في تفسير الأبرار: هم الذين لا يؤذون الذَّر

(4)

، ولا يرضون الشَّرَّ. وفيه رد عَلَى المرجئة، فإنه ليس عندهم إسلام ناقص

(5)

.

(1)

سيأتي برقم (11) باب: أي الإسلام أفضل.

(2)

سيأتي برقم (12) باب: إطعام الطعام من الإسلام.

(3)

الترمذي (2627)، والنسائي 8/ 104 - 105، ورواه أحمد 2/ 379، وابن حبان (180)، والحاكم 1/ 10 وقال: لم يخرجا هذِه الزيادة وهي صحيحة على شرط مسلم.

وصححه الألباني في "الصحيحة"(549).

(4)

روى نحوه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 846 (4681).

(5)

آخر الجزء الرابع من تجزئة المصنف، وورد ج بهامش (ف) بلغ الشيخ الإمام برهان الدين الحلبي قراءة على مؤلفه وسمع الصفدي

ص: 492

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10]

‌5 - باب أَىُّ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ

؟

11 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ". [مسلم 43 - فتح 1/ 54]

نَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القُرَشِيِّ نا أَبِي نا أَبُو بُرْدةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ الله أَيُّ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا من هذا الوجه. وعن إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن أبي أسامة، عن أبي بردة، وفيه: أي المسلمين أفضل؟

ثانيها: في التعريف برواته:

أما أبو موسى فهو عبد الله (ع) بن قيس بن سُليم -بضم السين- بن حضار- بفتح الحاء المهملة وتشديد الضاد المعجمة، وقيل: بكسر الحاء وتخفيف الضاد- الأشعري الصحابي الكبير استعمله صلى الله عليه وسلم عَلَى زبيد وعدن، وساحل اليمن، واستعمله عمر عَلَى الكوفة والبصرة، وشهد وفاة أبي عبيدة بالأردن، وخطبة عمر بالجابية، وقدم دمشق عَلَى معاوية.

ص: 493

لَهُ ثلاثمائة وستون حديثًا، اتفقا منها عَلَى خمسين، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة عشر. روى عنه أنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وخلق من التابعين، وبنوه: أبو بردة، وأبو بكر، وإبراهيم، وموسى.

مات بمكة أو بالكوفة سنة خمسين أو إحدى أو أربع وأربعين عن ثلاث وستين، وكان من علماء الصحابة ومفتيهم، قَالَ علي في حقه: صبغ في العلم صبغة ثمَّ أخرخ منه

(1)

.

فائدة:

أبو موسى في الصحابة أربعة: هذا والأنصاري

(2)

والغافقي مالك بن عبادة أو ابن عبد الله

(3)

وأبو موسى الحكمي

(4)

.

وفي الرواة أبو موسى جماعة منهم في "سنن أبي داود" اثنان

(5)

،

(1)

انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" 4/ 1749 - 1754 (1734)، "الاستيعاب" 3/ 103، 104 (1657)، "أسد الغابة" 3/ 367 - 369 (3135)، "الإصابة" 2/ 359، 360 (4898).

(2)

انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" 4/ 1755 (1736)، "الاستيعاب" 3/ 105 (1660)، "أسد الغابة" 3/ 367، 368 (3131)، "الإصابة" 2/ 365 (4900).

(3)

انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" 5/ 2465 (2604)، "الاستيعاب" 3/ 408 (2299)، "أسد الغابة" 6/ 30 (4602)، "الإصابة" 3/ 347 (7641).

(4)

انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" 6/ 3015 (3434)، "الاستيعاب" 4/ 328 (3227)، "أسد الغابة" 6/ 308 (6291)، "الإصابة" 4/ 187 (1102).

(5)

أحدهما: أبو موسى الهلالي، انظر ترجمته في:"الجرح والتعديل" 9/ 438 (2197)، و"الثقات" لابن حبان 7/ 664، و"تهذيب الكمال" 34/ 334 (7659)، وقال ابن حجر في "التقريب" (8403): مقبول.

والآخر: أبو موسى شيخ لمعاوية بن صالح، انظر ترجمته في:"تهذيب الكمال" 34/ 335 (7661)، وقال ابن حجر في "التقريب" (8403): مجهول.

ص: 494

وآخر في "سنن النسائي"

(1)

.

وأما الراوي عنه فهو: أبو بردة عامر (ع)، وقيل: الحارث، وقيل: اسمه كنيته ابن أبي موسى الكوفي التابعي الثقة الجليل، قاضي الكوفة بعد شريح، وبها مات سنة ثلاث أو أربع ومائة، سمع أباه وعليًّا وغيرهما، وعنه خلق من التابعين وغيرهم، قيل: توفي هو والشعبي في جمعة واحدة

(2)

.

فائدة:

في الصحابة أبو بردة سبعة منهم: ابن نيار البلوي هانئ أو الحارث أو مالك

(3)

وفي الرواة: أبو بردة الآتي بريد بن عبد الله.

وأما الراوي عنه فهو أبو بردة (ع) بُريد -بضم أوله- بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الكوفي، يروي عن أبيه وجده والحسن وعطاء، وعنه: ابن المبارك وغيره من الأعلام، وثَّقه ابن معين. وقال أبو حاتم: ليس بالمتقن، يكتب حديثه. وقال النسائي: ليس بذاك القوي. وقال

(1)

هو أبو موسى الحذاء، انظر ترجمته في:"الجرح والتعديل" 9/ 438 (2195)، و"الثقات" لابن حبان 5/ 584، و"تهذيب الكمال" 34/ 332 (7658)، وقال ابن حجر في "التقريب" (8400): مقبول.

(2)

انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 33/ 66 (7220).

(3)

هانى بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذبيان بن هشيم بن كاهل بن ذهل بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة حليف للأنصار، أبو بردة بن نيار، غلبت عليه كنيته

شهد العقبة وبدرًا وسائر المشاهد. وهو خال البراء بن عازب. يقال: إنَّهُ مات سنة خمس وأربعين. وقيل: بل مات سنة إحدى أو اثنتين وأربعين، لا عقب لهُ. روى عنه البراء بن عازب وجماعة من التابعين.

انظر: "معرفة الصحابة" 5/ 2746 - 2747 (2990)، "الاستيعاب" 4/ 96 (2699)، "أسد الغابة" 5/ 382 - 383 (5332)، "الإصابة" 3/ 596 (8926).

ص: 495

أحمد بن عبد الله: كوفي ثقة

(1)

.

وقال ابن عدي: روى عنه الأئمة، وأدخلوه في صحاحهم وهو صدوق، وأرجو أن لا يكون به بأس. وأنكر ما روي عنه ما رواه مرفوعًا عن جده. "إذا أراد الله بأمة خيرًا، قبضر نبيها قبلها" وهذا طريق حسن، رواته ثقات

(2)

.

قُلْتُ: أخرجه مسلم في كتاب الفضائل معلقا

(3)

.

فائدة:

ليس في الكتب الستة بريد غير هذا. وفي الأربعة: بريد بن أبي مريم مالك

(4)

، وفي "مسند علي" للنسائي: بريد بن أصرم

(5)

وهو مجهول، كما قَالَ البخاري. وليس في الصحابة من اسمه بريد، ويشتبه بُرَيد بأربعة أشباه وهم: يزيد، وبَرِيد، وبرند، تزيد وقد أوضحتهم في "مشتبه النسبة".

(1)

"معرفة الثقات" 1/ 244.

(2)

انظر: "الكامل في الضعفاء" 2/ 245.

(3)

رواه مسلم (2288) كتاب الفضائل، باب: إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها. قال النووي في "شرح صحيح مسلم" 15/ 52: قال المازري والقاضي: هذا الحديث من الاْحاديث المنقطعة في مسلم فإنَّهُ لم يُسم الذي حدَّثهُ عن أبي أسامة. قلت: وليس هذا حقيقة انقطاع وإنما رواية مجهول، وقد وقع في حاشية بعض النسخ المعتمدة: قال الجلودي حدثنا محمد بن المسيب الأرغياني قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري بهذا الحديث عن أبي أسامة بإسناده. اهـ.

(4)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 2/ 140 (1975)، "الجرح والتعديل" 2/ 426 (1693)، و"تهذيب الكمال" 4/ 52 (660).

(5)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 2/ 140 (1974)، "الجرح والتعديل" 2/ 425 - 426 (1692)، "تهذيب التهذيب" 4/ 49 (658).

ص: 496

وأما الراوي عنه فهو: أبو أيوب يحيى (ع) بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاصي بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي الكوفي، سكن بغداد، سمع الأعمش وغيره من التابعين فمن بعدهم، وعنه: أحمد والأعلام. وهو ثقة، مات في شعبان سنة أربع وتسعين ومائة، وبلغ الثمانين، وقيل: ابن أربع وسبعين

(1)

.

فائدة:

في الكتب الستة يحيى بن سعيد أربعة: أحدهم هذا، وثانيهم: التيمي الكوفي

(2)

، وثالثهم: القطان

(3)

، ورابعهم: الأنصاري قاضي المدينة

(4)

، وفي مسلم: يحيى بن سعيد بن العاص الأموي تابعي

(5)

، وذكر في الصحابة وهو فرد فيهم إن صحت

(6)

.

وفي الرواة يحيى بن سعيد العطار ضعيف

(7)

، ويحيى بن سعيد

(1)

انظر: "التاريخ الكبير" 8/ 277 (2984)، "ثقات ابن حبان" 5/ 526، "تهذيب الكمال" 31/ 318 (6831)، "سير أعلام النبلاء" 9/ 139 (47).

(2)

ستأتي ترجمته في حديث رقم (50).

(3)

ستأتي ترجمته في حديث رقم (13).

(4)

سبقت ترجمته في حديث رقم (1).

(5)

سبقت ترجمته في حديث رقم (1).

(6)

قال ابن الأثير: وهذا يحيى هو أخو عمرو بن سعيد المعروف بالأشدق، الذي قتلهُ عبد الملك بن مروان وليس له صحبة ولا إدراك فإنَّ أباه سعيد بن العاص، كان مولده سنة إحدى من الهجرة، وهذا يحيى ليس أكبر أولاده، فمن كل وجه لا صحبة له أهـ

وقال مغلطاي: ولا خفاء في عدم صحبته؛ فإنَّ أباه ولد سنة إحدى من الهجرة، وهذا بين واضح. وذكرهُ جماعة في التابعين البخاري فمن بعده. انظر:"أسد الغابة" 5/ 471 - 472 (5506)، و"الإنابة" 2/ 242 (1094).

(7)

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 9/ 152 (628)، "الكامل في ضعفاء الرجال" 9/ 16، وقال ابن حبان في "المجروحين" 3/ 123: كان ممن يروي =

ص: 497

الفارسي قاضي شيراز ضعيف أيضًا

(1)

، قَالَ ابن الجوزي في "ضعفائه" بعد ذكرهما؛ وجملة من يجيء في الحديث يحيى بن سعيد ستة عشر ما عرفنا طعنًا إلا في هذين

(2)

قلت: ويحيى بن سعيد الراوي عن سالم القداح، صالح الحديث له مناكير، ويحيى بن سعيد السعدي. وقيل: ابن سعد. وهَّاه ابن حبان

(3)

.

وأما الراوي عنه فهو أبو عثمان سعيد بن يحيى البغدادي، سمع أباه وغيره، وعنه الأعلام: أبو زرعة وغيره، وروى لَهُ الجماعة إلا ابن ماجه، مات في ذي القعدة سنة تسع وأربعين ومائتين.

وثقوه، وقال علي بن المديني: هو أثبت من أبيه، وقال صالح بن محمد: هو ثقة إلا أنه كان يغلط

(4)

.

فائدة:

في الرواة أيضًا سعيد بن يحيى الواسطي. روى له مسلم وابن

= الموضوعات عن الأثبات والمعضلات عن الثقات، ولايجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار لأهل الصنعة.

(1)

انظر ترجمته في: "الكامل في ضعفاء الرجال" 9/ 17 (2099)، وقال ابن حبان في "المجروحين" 3/ 118: شيخ يروي عن عمرو بن دينار المقلوبات لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.

(2)

"الضعفاء والمتروكين" 3/ 195.

(3)

انظر ترجمته في: "الضعفاء" للعقيلي 4/ 404 (2027)، "الكامل في ضعفاء الرجال" 9/ 106 (2142)، وقال ابن حبان في "المجروحين" 3/ 129: شيخ يروي عن ابن جريح المقلوبات وعن غيره من الثقات الملزقات، لا يحل الاحتجاج به إذا انفرد أهـ.

(4)

انظر: "التاريخ الكبير" 3/ 521 (1745)، "الجرح والتعديل" 4/ 74 (314)، "ثقات ابن حبان" 8/ 270، "تهذيب الكمال" 11/ 104 (2377).

ص: 498

ماجه

(1)

، وسعيد بن يحيى الكوفي روى له البخاري، والنسائي، وابن ماجه

(2)

وسعيد بن يحيى الحميري روى لَهُ البخاري والترمذي

(3)

.

الوجه الثالث:

معنى (أيُّ الإسلام أفضل؟): أيُّ خصاله، وجاء في هذا الحديث أنه:"من سلم المسلمون من لسانه ويده" وفي الحديث الآتي: أيُّ الإسلام خير؟ قَالَ: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام" .. إلى آخره.

والجمع بينهما أنه بحسب اختلاف حال السائل، فظهر من أحدهما قلة المراعاة لليد واللسان. ومن الآخر كبر وإمساك عن الإطعام، أو تخوف صلى الله عليه وسلم عليهما ذَلِكَ، أو الحاجة في وقت سؤال كل واحد منهما أمس بما أجاب به.

قَالَ الخطابي: فجعل أعلاها الإطعام الذي هو قوام الأبدان، ثمَّ جعل خير الأقوال في البر والإكرام إفشاء السلام الذي يعم ولا يخص بمن عرفه حتَّى يكون خالصًا لله تعالى بريئًا من حظ النفس والتصنع؛ لأنه شعار الإسلام، فحق كل مسلم فيه شائع

(4)

، وقد روي في حديث: أن السلام في آخر الزمان يكون للمعرفة

(5)

وإنما أجاب عليه

(1)

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 4/ 75 (315)، "ثقات ابن حبان" 8/ 271، "تهذيب الكمال" 11/ 102 (2376).

(2)

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 4/ 249 (1250)، "تهذيب الكمال" 11/ 106 (2378).

(3)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 3/ 521 (1744)، "تهذيب الكمال" 11/ 108 - 111 (2379)، "سير أعلام النبلاء" 9/ 432 (159).

(4)

"أعلام الحديث" 1/ 148.

(5)

كما جاء عن ابن مسعود "أن يسلم الرجل على الرجل للمعرفة" رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 3/ 155 (5137). وأحمد 1/ 406، والبزار كما في "كشف الأستار" =

ص: 499

- صلى الله عليه وسلم بالذات، والسؤال عن المعنى وهو خصال الإسلام؛ لأن المقصود السؤال عن الذات التي تشرف بالمعنى.

= (3407) والطبراني 9/ 296 - 297. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 329: رواه كله أحمد والبزار ببعضه وزاد: "وأن يجتاز الرجل بالمسجد فلا يصلي فيه" ورجال أحمد والبزَّار رجال الصحيح.

ص: 500

‌6 - باب إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلَامِ

12 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَىُّ الإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ:"تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ". [28، 6236 - مسلم 39 - فتح 1/ 55]

نا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بن أبي حبيب، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ:"تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِف".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري هنا عن عمرو بن خالد، وبعده بأبواب في: الإيمان

(1)

أيضًا في باب: السلام من الإسلام عن قتيبة، وفي: الاستئذان

(2)

في باب: السلام للصرفة وغير المعرفة عن ابن يوسف قالوا كلهم: نا الليث، عن يزيد به، وأخرجه مسلم هنا، عن قتيبة وابن رمح، عن يزيد به

(3)

.

ثانيها: في التعريف برجاله.

أما عبد الله بن عمرو والليث فتقدما.

وأما أبو الخير (ع) فهو: مرثد بن عبد الله اليزني -بفتح المثناة تحت ثمَّ زاي ثمَّ نون- المصري التابعي، ويزن: بطن من حمير. روى عن جمع

(1)

سيأتي برقم (28) باب: إفشاء السلام من الإسلام.

(2)

سيأتي برقم (6236) باب: السلام للمعرفة وغير المعرفة.

(3)

مسلم (39) كتاب الإيمان، باب: بيان تفاضل الإسلام وأي موارده أفضل.

ص: 501

من كبار الصحابة منهم: أبو أيوب، وعبد الله بن عمرو، وعنه خلق من التابعين منهم: يزيد بن أبي حبيب، وابن شُماسة، ضبطه النووي بخطه بضم الشين.

قَالَ ابن يونس: كان مفتي أهل مصر، وكان عبد العزيز بن مروان يحضره، فيجلسه للفتيا. مات سنة سبعين

(1)

.

وأما الراوي عنه فهو: الإمام البارع المتقن أبو رجاء يزيد (ع) بن أبي حبيب. واسم أبي حبيب: سويد المصري التابعي، مولى شريك بن الطفيل من الأزد، وقيل: غيره، وكان نوبيا من أهل دمقلة، سمع عبد الله بن الحارث بن جزء، وأبا الطفيل الصحابيين. وعنه الأعلام: سليمان التيمي وغيره.

قَالَ ابن يونس: كان مفتي أهل مصر في زمانه، وكان حليمًا عاقلًا، وهو أول من أظهر العلم والفقه والكلام بالحلال والحرام، وكانوا قبل ذَلِكَ إنما يتحدثون في الفتن والملاحم، وكان يزيد أحد الثلاثة الذين جعل إليهم عمر بن عبد العزيز الفتوى بمصر.

قَالَ الليث بن سعد: يزيد سيدنا وعالمنا، ولد سنة ثلاث وخمسين، ومات سنة ثمان وعشرين ومائة، وجلالته وإمامته وتوثيقه مجمع عليها

(2)

.

وأما الراوي عنه فهو أبو الحسن (خ ق) عمرو بن خالد بن فروخ بن سعيد بن عبد الرحمن بن واقد بن ثابت بن عبد الله الحرَّاني. سكن مصر،

(1)

انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 299 (1380)، "تهذيب الكمال" 27/ 357 (5850)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 284 (105)، "تذكرة الحفاظ" 1/ 73.

(2)

انظر: "التاريخ الكبير" 8/ 366 (3226)، "الجرح والتعديل" 9/ 267 (1122)، "الثقات" 5/ 546، "تهذيب الكمال" 32/ 102 (6975)، و"السير" 6/ 31 (10).

ص: 502

روى عن الليث وغيره من الأعلام، وعنه البخاري وغيره من الأعلام، وروى ابن ماجه عن رجل عنه. قَالَ: أبو حاتم صدوق.

وقال أحمد بن عبد الله: هو ثبت ثقة، مات بمصر سنة تسع وعشرين ومائتين

(1)

.

وفي الرواة أيضًا عمرو بن خالد القرشي، انفرد عنه بالإخراج ابن ماجه وهو كذاب

(2)

.

الوجه الثالث:

هذا الإسناد كله مصريون أعلام وهو من لطائف الإسناد.

الرابع:

في فقه الحديث، وقد سلف في الباب قبله. "وتطعم" بضم أوله؛ لأن ماضيه رباعي، وفيه: الحث على مكارم الأخلاق والجود، وخفض الجناح للمسلمين والتواضع، ورؤية حرمات المؤمنين، وإفشاء شعار هذِه الأمة وهو السلام، وأما الكافر فلا يبدأ بالسلام؛ للنهي عنه في "الصحيح"، كما ستعمله في موضعه، وقيل: ليس شيء أجلب للمحبة وأثبت للمودة وأسل للسخائم، وأتقى للجرائم من إطعام الطعام، وإفشاء السلام.

(1)

انظر: "التاريخ الكبير" 6/ 327 (2542)، و"الثقات" لابن حبان 8/ 485، "معرفة الثقات" 2/ 175، و"تهذيب الكمال" 21/ 601 (4356)، "سير أعلام النبلاء" 10/ 427 (130).

(2)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 328 (2543)، و"المجروحين" لابن حبان 2/ 76، وقال: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها من غير أن يدلس، كذبه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين.

وقال ابن حجر في "التقريب"(5021): متروك، ورماه وكيع بالكذب.

ص: 503

وأول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وتكلم أن قَالَ:"يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ".

رواه عنه: عبد الله بن سلام، رواه الترمذي وصححه، وزاد ابن ماجه:"وصلوا الأرحام، وهذِه عادة العرب الكرام ينعقد به عليكم العهد والذمام"

(1)

.

فائدة:

معنى "السلام عليكم" أي: لكم، أو اسم الله عليكم أو معكم.

فائدة ثانية:

قَالَ أبو حاتم: تقول: اقرأ عليه السلام، وأقرئه الكتاب، ولا تقول: أقرئه السلام إلا في لغة سوء، إلا أن يكون مكتوبًا، فتقول: أقرئه السلام أي: اجعله يقرؤه. وفي "الصحاح": وفلان قرأ عليك السلام، وأقرأك السلام بمعنًى

(2)

.

(1)

الترمذي (2485)، وابن ماجه (1334)، (3251) وصححه الألباني في "الإرواء"(777).

(2)

"الصحاح" 1/ 65.

ص: 504

‌7 - باب مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ

13 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه -، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. وَعَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". [مسلم 45 - فتح 1/ 56]

نا مُسَدَّدٌ نا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَعَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه مسلم عن ابن المثنى وابن بشار، عن غندر، عن شعبة

(1)

. وعن زهير، عن يحيى القطان، عن حسين المعلم، كلاهما عن قتادة، عن أنس

(2)

ولفظه: "والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبدٌ حتَّى يحبَّ لأخيه أو لجاره ما يحب لنفسه". وأخرجه النسائي في: الإيمان بلفظ: "حتَّى يحب لأخيه من الخير"

(3)

. والترمذي في الزهد، وقال: صحيح

(4)

، وابن ماجه في السنة

(5)

وليس في السماع.

(1)

مسلم (45/ 70) كتاب: الإيمان، باب: الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير.

(2)

مسلم (45/ 72).

(3)

النسائي 8/ 115.

(4)

الترمذي (2515).

(5)

ابن ماجه (66). وانظر: "تحفة الأشراف"(1239).

ص: 505

ثانيها: في التعريف برواته:

أما أنس (ع) فهو السيد الجليل أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم -بفتح المعجمتين- بن زيد بن حرام -بالراء- بن حبيب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري النجاري البصري. خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خدمه عشر سنين، أُمُّه: أُمُّ سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام. روي له ألفا حديث، ومائتا حديث وستة وثمانون حديثًا، اتفقا منها عَلَى مائة وثمانية وستين، وانفرد البخاري بثلاثة وثمانين، ومسلم بأحد وسبعين.

وهو أحد المكثرين، ومناقبه جَمَّة. وسيأتي في كتاب: المناقب -إن شاء الله تعالى وقدره- جملة منها، ودعاؤه لَهُ صلى الله عليه وسلم بكثرة المال والولد وطول العمر والجنة مشهور

(1)

.

مات بالبصرة سنة ثلاث وتسعين، وقيل خمس، وقد جاوز المائة.

ودفن في قصره عَلَى نحو فرسخ ونصف من البصرة. وكني بأبي حمزة -بالحاء المهملة- لبقلة كان يجتنيها

(2)

.

فائدة:

أنس بن مالك في الصحابة اثنان لا ثالث لهما أحدهما هذا وهو الأشهر، والثاني: أبو أمية الكعبي

(3)

لَة حديث: "إن الله وضع عن

(1)

سيأتي برقم (1982)، (6334)، (6344).

(2)

انظر ترجمته في: "معجم الصحابة" لابن قانع 1/ 14 - 15 (10)، "معرفة الصحابة" 1/ 231 - 238 (89)، "الاستيعاب" 1/ 198 - 200 (84)، "أسد الغابة" 1/ 151 - 153 (258)، "الإصابة" 1/ 71 - 72 (277).

(3)

انظر ترجمته في "معرفة الصحابة" 1/ 240، 241 (92)، "الاستيعاب" 1/ 200 (85)، "أسد الغابة" 1/ 150 (257)، "الإصابة" 1/ 72 (278).

ص: 506

المسافر الصوم وشطر الصلاة"

(1)

. وفيهم: أنس بدون ابن مالك فوق العشرين.

وفي الرواة غيرهم: أنس بن مالك ثلاثة ذكرتهم في "شرح العمدة"

(2)

.

فائدة ثانية:

أنس يشتبه بأتش -بالمثناة فوق بدل النون وشين معجمة-، وهو محمد بن الحسن بن أتش الصنعاني المتروك

(3)

وأخوه علي بن الحسن فاعلم ذَلِكَ.

وأما الراوي عنه فهو الإمام أبو الخطاب قتادة (ع) بن دعامة -بكسر الدال- بن قتادة بن عزيز -بعين مهملة مفتوحة وزاي مكررة الأولى مكسورة- بن عمرو بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل -بضم الذال المعجمة- بن ثعلبة بن عكابة -بالباء الموحدة- بن صعب بن بكر بن وائل، السدوسي البصري، التابعي الثقة الجليل، الحافظ البارع. وكان أكمه. روى عن أنس وأبي الطفيل وغيرهما من الصحابة، وخلائق من التابعين.

(1)

رواه أبوداود (2408)، والترمذي (715)، والنسائي 4/ 180 - 181، وابن ماجه (1667)، وأحمد 4/ 47. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(575) حسن صحيح.

(2)

"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 425 - 426.

(3)

وثقه أبو حاتم، وابن حبان، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال مرة: متروك، وتعقبه ابن حجر فقال: كلام النسائي فيه غير مقبول؛ لأن أحمد وعلي بن المديني لا يرويان إلا عن مقبول. انظر ترجمته- في: "الجرح والتعديل" 7/ 226، و"تهذيب الكمال" 25/ 56 - 57، و"تهذيب التهذيب" 3/ 540.

ص: 507

قَالَ الترمذي: لا نعرف لقتادة سماعًا من أحد من الصحابة إلا من أنس وأبي الطفيل

(1)

، وروى عنه خلق من التابعين فمن بعدهم، وثناء الحفَّاظ عليه مشهور، وإن رمي بالتدليس والقدر.

مات كهلًا سنة سبع عشرة ومائة، أو ثماني عشرة عن ستًّ أو سبع وخمسين سنة

(2)

.

قَالَ معمر: جاء رجل إلى ابن سيرين فقال: رأيتُ حمامة التقمت لؤلؤة، فخرجت منها أعظم مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة، فخرجت أصغر مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة، فخرجت كما دخلت سواء. فقال لَهُ ابن سيرين: أما الأولى: فذاك الحسن يسمع الحديث فيجوده بمنطقه ثمَّ يصل فيه من مواعظه، وأما الثاني: فذاك محمد بن سيرين ينقص منه ويشك فيه، وأما الثالث: فقتادة وهو أحفظ الناس

(3)

.

فائدة:

ليس في الكتب الستة من اسمه قتادة بن دعامة سوى هذا.

وأما حسين (ع) المعلم: فهو ابن ذكوان المكتب العوذي نسبة إلى بن سود بطن من الأزد، البصري. سمع قتادة وعطاء وغيرهما،

(1)

"سنن الترمذي" عقب حديث رقم (2941).

(2)

انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 229، "طبقات خليفة" ص 213، "التاريخ الكبير" 7/ 185، 186 (827)، "التاريخ الصغير" 1/ 282، "الجرح والتعديل" 7/ 133 (756)"الثقات" لابن شاهين (1145)"تهذيب الكمال" 23/ 498 - 517 (4848)، "سير أعلام النبلاء" 5/ 269، "شذرات الذهب" 1/ 153.

(3)

رواه أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" 2/ 315 (2395)، وأبو نعيم في "الحلية" 2/ 334 ترجمة: قتادة بن دعامة، والبيهقي في "شعب الإيمان" 4/ 193 - 194 (4777).

ص: 508

وعنه: شعبة ويحيى القطان وغيرهما، وهو ثقة كما قاله يحيى بن معين وغيره

(1)

.

قَالَ أبو داود: ولم يَرْوِ عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا. إنما يروي عن عبد الله بن بريدة، عن غير أبيه، ولعله أراد أن غالب روايته كذلك.

وإلا فقد روى في السير عن عبد الله، عن أبيه مرفوعًا:"من استعملناه عَلَى عمل فرزقناه رزقًا"

(2)

.. الحديث.

وأما شعبة فقد سلف.

وأما يحيى: فهو الإمام الحافظ أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي، أبو سعيد البصري الأحول، يقال: مولى بني تميم وليس لأحد عليه ولاء، سمع الثوري وغيره من الأعلام، وعنه: السفيانان وأحمد وخلق. والإجماع قائم عَلَى جلالته وإمامته وعظم علمه وإتقانه وبراعته. أقام عشرين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة، ولم يَفُتْه الزوال في المسجد أربعين سنة.

رئي في المنام وعلى قميصه مكتوب بين كتفيه: بسم الله الرحمن الرحيم براءة ليحيى بن سعيد من النار، وبُشِّر قبل موته بعشر سنين بأمان من الله يوم القيامة، ولد سنة عشرين ومائة، ومات سنة عشرين ومائتين

(3)

.

(1)

انظر: "طبقات ابن سعد" 7/ 270، "تهذيب الكمال" 6/ 372 (1309)، "سير أعلام النبلاء" 16/ 345 - 346 (147).

(2)

رواه أبوداود (2943) وابن خزيمة (2369) والحاكم 1/ 406 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والبيهقي 6/ 335 (13020)، وصححه الألباني في "غاية المرام"(460).

(3)

تقدم في "المقدمة".

ص: 509

قَالَ إسحاق بن إبراهيم الشهيدي

(1)

: كنت أرى يحيى القطان يصلي العصر ثم يستند إلى أصل منارة مسجده، فيقف بين يديه علي بن المديني وسليمان بن داود وأبو أيوب الشاذكوني وعمرو بن علي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم يسألونه عن الحديث وهم قيام عَلَى أرجلهم إلى أن تحين صلاة المغرب، لا يقول لواحد منهم اجلس، ولا يجلسون هيبةَ لَهُ وإعظامًا.

فائدة:

يحيى بن سعيد جماعة تقدم بيانهم قريبًا في باب: أيُّ الإسلام أفضل.

وأما مسدد: فهو أبو الحسن مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن أرندل بن سرندل بن عرندل بن ماسك بن المستورد بن أسد بن شُرَيك -بضم الشين- بن مالك بن عمرو بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس، الأزدي الدوسي، البصري الحافظ الثقة. وفي نسبه اختلاف كبير، قَالَ ابن الجوزي: مسدد ومسرهد لقبان واسمهما عبد الملك بن عبد العزيز.

روى عن جماعة من الأعلام منهم: حماد ويحيى، وعنه الأعلام:

البخاري، وأبوداود، وأبو حاتم وغيرهم. وروى النسائي عن رجل عنه، وروى لَهُ الترمذي أيضًا، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين

(2)

.

(1)

هو إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد الشهيدي، أبو يعقوب البصري. انظر ترجمته في:"تهذيب الكمال" 2/ 361.

(2)

انظر: "طبقات ابن سعد" 7/ 307، و"التاريخ الكبير" 8/ 72 (2209)، و"تهذيب الكمال" 27/ 443 (5899)، "سير أعلام النبلاء" 10/ 591 - 595 (208)، "شذرات الذهب" 2/ 66.

ص: 510

فائدة: ليس في الكتب الستة مسدد غيره.

وكان أبو نعيم يقول عند سماع نسبه: هذِه رقية عقرب، وقيل: إنه كان يقول: لو كان في هذِه النسبة: بسم الله الرحمن الرحيم، كانت رقية عقرب

(1)

. ومما يقاربه: جخدب بن جرعب أبو الصقعب كوفي يروي عن عطاء بن أبي رباح وعنه: سفيان الثوري

(2)

.

الوجه الثالث:

قوله: (وعن حسين المعلم) يعني: أن يحيى حدث به عن شعبة وعن حسين كلاهما عن قتادة.

الوجه الرابع:

معنى الحديث لا يؤمن الإيمان التام، وإلا فأصل الإيمان حاصل وإن لم يكن بهذِه الصفة. والمراد: يحب لأخيه من الخير كما سلف في رواية النسائي، وهذا قَدْ يُعَدُّ من الصعب الممتنع. وليس كذلك كما نبه عليه ابن الصلاح.

أو معناه: لا يكمل إيمان أحدكم حتَّى يحب لأخيه في الإسلام ما يحب لنفسه. والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذَلِكَ من جهة لا يزاحمه فيها، بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئًا من النعمة عليه. وذلك سهل عَلَى القلب السليم، وإنما يعسر عَلَى القلب الدغل. عافانا الله أجمعين

(3)

، فيحب الخير لأخيه في الجملة دون زيادة الفضل.

(1)

أورده المزي في "تهذيب الكمال" 27/ 447.

(2)

انظر: "المنفردات والوحدان" ص 243 (1279)، "الجرح والتعديل" 2/ 551 (2287).

(3)

"صيانة صحيح مسلم" ص 203.

ص: 511

وقال أبو الزناد والقاضي: ظاهره التسوية وحقيقته التفضيل؛ لأن كل أحد يحب أن يكون أفضل، فإذا أحب لغيره ما يحب لنفسه كان هو من المفضولين

(1)

. ألا ترى أن الإنسان يحب أن ينتصف من حقه ومظلمته، فإذا كمل إيمانه وكانت لأخيه عنده مظلمة، بادر إلى إنصافه من نفسه، وآثر الحق وإن كان عليه فيه بعض مشقة.

وقد أشار إلى هذا المعنى الفضيل بن عياض بقوله لسفيان: إن كنت تريد أن يكون الناس مثلك، فما أديت لله الكريم النصيحة، فكيف وأنت تودُّ أنهم دونك

(2)

.

وعن الأحنف بن قيس: أنه سُئِلَ ممن تعلمت العلم؟ فقال: من نفسي؟ قيل: وكيف ذلك؟ قَالَ: كنت إِذَا كرهتُ شيئًا من غيري، لم أفعل باحد مثله.

(1)

"إكمال المعلم" 1/ 282.

(2)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 303 (2859).

ص: 512

‌8 - باب: حُبُّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الإِيمَانِ

14 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ". [مسلم 44 - فتح 1/ 58]

15 -

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ح، وَحَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ". [مسلم 44 - فتح 1/ 58]

نا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَنَا شُعَيْبٌ نا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ".

نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثنَا ابن عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَثنَا آدَمُ ثنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".

الكلام عليهما من وجوه:

أحدها:

حديث أبي هريرة الأول، هو من أفراد البخاري دون مسلم، وحديث أنس أخرجه مسلم عن ابن المثنى وابن بشار، عن غندر عن شعبة

(1)

، وعن زهير عن ابن علية، وعن شيبان بن فروخ، عن

(1)

مسلم (44/ 70) كتاب الإيمان، باب: وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل.

ص: 513

عبد الوارث كلاهما، عن عبد العزيز، عن أنس

(1)

، وفي لفظ له:"من أهله وماله".

ثانيها: في التعريف برواته غير ما سلف.

أما حديث أبي هريرة فسلفت ترجمته

(2)

، وترجمة أبي اليمان

(3)

وشعيب

(4)

.

وأما الأعرج فهو أبو داود (ع) عبد الرحمن بن هرمز المدني القرشي التابعي الثقة.

والأعرج لقب، مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ويقال: مولى محمد بن ربيعة. سمع أبا هريرة وغيره من الصحابة، وعنه الزهري وغيره من التابعين والأعلام.

مات بالأسكندرية سنة سبع عشرة ومائة، ووهم مَن قَالَ: سنة عشر

(5)

.

فائدة:

ليس في الكتب الستة من اسمه عبد الرحمن بن هرمز سواه.

(1)

مسلم (44/ 69) كتاب الإيمان، باب: وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل.

(2)

في شرح حديث رقم (9).

(3)

في شرح حديث رقم (7).

(4)

في شرح حديث رقم (7).

(5)

انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 360 (1144)، و"الجرح والتعديل" 5/ 297 (1408)، و"ثقات ابن حبان" 5/ 107، و"تهذيب الكمال" 17/ 467 (3983)، و"سير أعلام النبلاء" 5/ 69 - 70 (25)، "شذرات الذهب" 1/ 153.

ص: 514

فائدة:

حيث يذكر مالكٌ ابنَ هرمز أو يحكي عنه فليس هذا إنما هو عبد الله بن يزيد بن هرمز الفقيه، قليل الرواية ترجم لَهُ ابن سعد. ومات سنة ثمان وأربعين ومائة

(1)

.

وأما الأعرج، فإنه روى عنه بواسطة، فاعلم ذَلِكَ، فإنه قَدْ التبس عَلَى بعض الفقهاء ذَلِكَ.

فائدة:

الأعرج لقب لجماعة: هذا أحدهم، وثانيهم: سلمة (ع) بن دينار

(2)

، وثالثهم: ثابت (خ م ت ن) بن عياض، روى عن أبي هريرة

(3)

.

وأما أبو الزناد فهو: الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن ذكوان

(4)

وأبو الزناد لقب لَهُ اشتهر به، وكان يغضب منه، القرشي مولاهم المدني أمير المؤمنين في الحديث، التابعي.

روى عن أنس وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وشهد معه جنازة، وغيرهم. وأرسل عن عبد الله بن عمرو، وعمر بن أبي سلمة، وعنه: هشام وجمع من التابعين وغيرهم. وجلالته وثقته مجمع عليها.

قَالَ عبد ربه بن سعيد: رأيت أبا الزناد دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه

(1)

انظر ترجمته في: "الطبقات" لابن سعد 5/ 284، و"التاريخ الكبير" 5/ 224 (733)، و"الجرح والتعديل" 5/ 199 (924).

(2)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 4/ 78 (2016)، و"الجرح والتعديل" 4/ 159 (2701)، و"تهذيب الكمال" 11/ 272 (2450).

(3)

انظر: "الجرح والتعديل" 2/ 454 (1833)، و"تهذيب الكمال" 4/ 367 (825).

(4)

ورد في هامش (ف): قيل: إن ذكوان كان أخا أبي لؤلؤة قاتل عمر.

ص: 515

من الأتباع مثل ما مع السلطان فمن سائل عن فريضة، ومن سائل عن الحساب، ومن سائل عن الشعر، ومن سائل عن الحديث، ومن سائل عن معضلة

(1)

.

وقال الليث: رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاثمائة طالب، من طالب فقه وعلم وشعر وصنوف، ثمَّ لم يلبث أن بقي وحده، وأقبلوا عَلَى ربيعة

(2)

.

وكان ربيعة يقول: شبر من حظوة خير من ذراع من علم

(3)

.

وقال محمد بن سلام الجمحي: قيل لأبي الزناد: لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ فقال: إنها وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها

(4)

.

مات في رمضان فجأة في مغتسله سنة إحدى وثلاثين ومائة عن ست وستين سنة، وقيل: سنة اثنتين، وقيل: سنة ثلاث

(5)

.

فائدة: لا أعلم في الكتب الستة من اكتنى بهذِه الكنية سواه، ولا من اسمه عبد الله بن ذكوان غيره

(6)

.

(1)

انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 49 - 50، و" تهذيب الكمال" 14/ 480، و"سير أعلام النبلاء" 5/ 446.

(2)

انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 480، و"سير أعلام النبلاء" 5/ 447.

(3)

ذكره المزي في "تهذيب الكمال" 14/ 480، والذهبي في "السير" 5/ 447.

(4)

ذكره المزي في "تهذيب الكمال" 14/ 482، والذهبي في "السير" 5/ 448.

(5)

انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 83 (228)، "الجرح والتعديل" 5/ 49 (277)، "تهذيب الكمال" 14/ 476 (3253)، "سير أعلام النبلاء" 5/ 445 - 451 (199).

(6)

ورد في هامش (ف): قُلْتُ: بلى، عبد الله بن أبي صالح، واسم أبي صالح: ذكوان، روى لَهُ مسلم، هذا المشهور في اسم أبي صالح هذا، ويقال أيضًا عباد.

ص: 516

فائدة ثانية: قَالَ البخاري: أصح أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.

وأما سند حديث أنس الأول فأنس سلف قريبًا

(1)

وأما عبد العزيز (ع) بن صهيب فهو بناني أعمى بصري. كان مولى لبنانة بن سعد بن غالب.

قَالَ محمد بن سعد: كان يقال له: العبد.

وقال ابن الأثير: نسبة إلى سكة بنانة بالبصرة وهو تابعي. سمع أنسًا، وعنه ابن علية وشعبة

(2)

وقال

(3)

: هو عندي في أنس أحب إلي من قتادة. اتفقوا على توثيقه. مات سنة ثلاثين ومائة

(4)

.

وأما الراوي عنه فهو الإمام أبو بشر إسماعيل (ع) بن إبراهيم بن مقسم البصري. مولى عبد الرحمن بن قطبة الأسدي -أسد خزيمة- وأصله كوفي.

وعُلَيَّة أُمُّه وهي بنت حسان، مولاة لبني شيبان، وكانت امرأة نبيلة عاقلة. وكان صالح المرِّي وغيره من وجوه أهل البصرة وقتها يدخلون عليها، فتَبْرُز لهم وتحدثهم وتسائلهم. وزعم علي بن حُجر أن علية جدته أُمُّ أبيه لا أُمُّه

(5)

.

(1)

سبق في شرح حديث رقم (13).

(2)

"اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 178، وفيه: روى عنه شعبة وعبد الوارث.

(3)

أى: شعبة.

(4)

انظر: "طبقات ابن سعد" 7/ 245، "التاريخ الكبير" 6/ 14 (1534)، و"الجرح والتعديل" 5/ 384 (1794)، و"الثقات" لابن حبان 5/ 123، و"تهذيب الكمال" 18/ 147 (3453)، و"التقريب"(4102)، "شذرات الذهب" 1/ 37.

(5)

قال الخطيب في "تاريخه" 6/ 231: قلت: وزعم علي بن حجر أن علية ليست أمَّه وإنما هي جدته أم أمه. وفي "تهذيب الكمال" 3/ 31 عن الخطيب: إنما هي جدته أم أمِّه، وفي "سير أعلام النبلاء" 9/ 115 عن الخطيب أيضًا: انما هي جدته لأمِّه.

ص: 517

روى عن مالك بن أنس وغيره، وعنه أحمد وخلق. قَالَ شعبة: هو ريحانة الفقهاء، سيد المحدثين، وجلالته وثقته متفق عليهما. قَالَ أبو داود: ما أحد من المحدثين إلا قَدْ أخطا إلا إسماعيل ابن علية، وبشر بن المفضل. وقال عمرو بن زرارة: صحبته أربع عشرة سنة فما رأيته ضحك فيها، وصحبته سبع سنين فما رأيته تبسم فيها.

ولي صدقات البصرة، والمظالم ببغداد في آخر خلافة هارون. ونزل هو وولده ببغداد، واشترى بها دارًا، وتوفي بها ودفن في مقابر عبد الله بن مالك، وصلى عليه ابنه إبراهيم. ولد سنة عشر ومائة، ومات سنة ثلاث وتسعين

(1)

.

وأما الراوي عنه فهو أبو يوسف (ع) يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح بن منصور بن مزاحم العبدي القيسي، مولى عبد القيس الدورقي البغدادي الحافظ، أخو أحمد بن إبراهيم. واختلف في نسبته فقيل: أصله من فارس، وقيل: نسب إلى لبس القلانس الدورقية.

قَالَ الكلاباذي: دورق: قلانس كان يلبسها، فنسب إليها، وقيل: كان الإنسان إِذَا نسك في ذَلِكَ الزمن، قيل له: دورقي، وكان أبوه قد تنسَّك. رأى الليث بن سعد، وسمع ابن عيينة وغيره، وعنه أخوه أحمد وأبو زرعة الرازي وغيرهما.

وآخر من روى عنه محمد بن مخلد الدوري، وكان ثقة حافظًا متقنًا، صنف "المسند"، ولد سنة ست وستين ومائة، ومات سنة اثنتين وخمسين

(1)

انظر: "التاريخ الكبير" 1/ 342 (1078)، "الجرح والتعديل" 2/ 153 (513)، "الثقات" 8/ 104، "تاريخ بغداد" 6/ 229 (3277)، "تهذيب الكمال" 3/ 23 (417)، "لسان الميزان" 1/ 602، "التقريب"(419).

ص: 518

ومائتين

(1)

، قَالَ الخطيب: حدث عنه محمد بن سعد ومحمد بن مخلد الدوري وبين وفاتيهما مائة سنة وسنة واحدة

(2)

.

فائدة:

في الكتب الستة يعقوب بن إبراهيم اثنان: أحدهما: هذا، وثانيهما: الزهري

(3)

(ع) الوَرع وسيأتي في العلم، وأما سند حديث أنس الثاني فسلف.

ثالثها: في فوائده:

الأولى: الحب: الوداد، وأحبه فهو محبوب عَلَى غير قياس، ومُحبٌّ على القياس، وكره بعضهم حببته

(4)

. وحكاها سيبويه مع أحببته. والمحبة أيضًا: اسم للحب، والحِبُّ: المحبوب، والأنثى: حِبَّةٌ، وامرأة مُحِبَّةٌ لزوجها ومُحِبٌّ عن الفراء.

الثانية: جواز الحلف من غير استحلاف إِذَا كان لمهم.

الثالثة: معنى الحديث: لا يكمل إيمان أحدكم حتَّى يكون بهذِه الصفة، فمن لم يكن هكذا فهو ناقص الإيمان. قَالَ الخطابي: معناه لا تصدق في [حبي حتى]

(5)

تفني في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي عَلَى هواك وإن كان فيه هلاكك.

(1)

انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 360، و"الجرح والتعديل" 9/ 202 (844)،

و"تهذيب الكمال" 32/ 311 (7083)، "سير أعلام النبلاء" 12/ 141 - 144.

(2)

"السابق واللاحق" ص (375).

(3)

انظر: "التاريخ الكبير" 8/ 396 (3459)، و"الجرح والتعديل" 9/ 202 (843)، و"تهذيب الكمال" 32/ 308 (7082)، "سير أعلام النبلاء" 9/ 491 - 493 (184)، "شذرات الذهب" 2/ 22.

(4)

حكاها الأزهري عن الفراء. "تهذيب اللغة" 1/ 717.

(5)

توجد علامة سقط بالمخطوط وهو مطموس بالهامش والمثبت يقتضيه السياق.

ص: 519

قَالَ أبو الزناد: وهذا الحديث من جوامع الكلم الذي أوتيه عليه أفضل الصلاة والسلام؛ إِذ أقسام المحبة ثلاثة: محبة إجلال إعظام كمحبة الولد للوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الوالد لولده، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس، فجمع صلى الله عليه وسلم أصناف المحبة في محبته.

وقال ابن بطال: معنى الحديث: أن من استكمل الإيمان علم أن حق الرسول آكد عليه من حق ولده ووالده والناس أجمعين؛ لأن به استُنْقِذْنا من النار وهُدِينا من الضلال، والمراد بالحديث: بذل النفس دونه.

وقال الكسائي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)} [الأنفال: 64] أي: حسبك الله ناصرًا وكافيًا، وحسبك من اتبعك من المؤمنين ببذل أنفسهم دونك

(1)

.

قَالَ القاضي عياض: ومن محبته صلى الله عليه وسلم نَصْرُ سنته، والذَّبُّ عن شريعته، وتمني حضور حياته فيبذل ماله ونفسه دونه.

قَالَ: وإذا تبين ما ذكرناه تبين أن حقيقة الإيمان لا تتم إلا بذلك، ولا يصحُّ إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته عَلَى كل والد وولد ومحسن ومفضل، ومن لم يعتقد هذا واعتقد ما سواه فليس بمؤمن

(2)

.

وقال القرطبي: لابد أن تكون محبة النبي صلى الله عليه وسلم راجحة عَلَى كل أحد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قَدْ كمَّله الله على جميع جنسه وفضَّله على سائر نوعه، بما جَبَلَهُ عليه من المحاسن الظاهرة والباطنة

(3)

.

(1)

"شرح ابن بطال" 1/ 65 - 66.

(2)

"إكمال المعلم" 1/ 280 - 281.

(3)

"المفهم" 1/ 225.

ص: 520

ثمَّ قَالَ بعد حكاية كلام القاضي: ظاهره أنه صرف محبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى اعتقاد تعظيمه وإجلاله، ولا شك في كفر من لم يعتقد ذَلِكَ. غير أن تنزيل هذا الحديث عَلَى ذَلِكَ المعنى غير صحيح؛ لأن اعتقاد الأعظمية ليس بالمحبة ولا الأحبية، ولا مستلزمًا لها؛ إذ قَدْ يجد الإنسان من نفسه إعظام شخص ولا يجد محبة؛ ولأن عمر رضي الله عنه لما سمع هذا الحديث قَالَ: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا والذي نفسي بيده حتَّى أكون أحب إليك من نفسك" فقال لَهُ عمر: فإنه الآن، لأنت أحب إلي من نفسي. فقال صلى الله عليه وسلم:"الآن يا عمر" رواه البخاري في الأيمان والنذور منفردًا به

(1)

.

فهذا كله تصريح بأن هذِه المحبة ليست باعتقاد تعظيم، بل ميل إلى المعتقد تعظيمه وتعلق القلب به.

وعلى هذا معنى الحديث -والله أعلم- أن من لم يجد من نفسه ذَلِكَ الميل لم يكمل إيمانه، عَلَى أن كل من صدَّق به صلى الله عليه وسلم وآمن به إيمانًا صحيحًا لم يخل عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة للنبي صلى الله عليه وسلم، غير أنهم في ذَلِكَ متفاوتون، فمنهم من أخذ من تلك الأرجحية بالحظ الأوفر كقضية عمر السالفة.

ومن المؤمنين من يكون مستغرقًا بالشهوات محجوبًا بالغفلات عن ذَلِكَ المعنى في أكثر أوقاته، لكنه إِذَا ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء من فضائله اهتاج لذكره واشتاق لرؤيته بحيث يُؤْثِر رؤيته بل رؤية قبره ومواضع آثاره عَلَى أهله وماله وولده ووالده ونفسه والناس أجمعين، فيخطر له هذا ونحوه وجدانًا لا شك فيه، غير أنه سريع الزوال والذهاب؛ لغلبة

(1)

سيأتي برقم (6632) باب: كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 521

الشهوات وتوالي الغفلات، ويخاف عَلَى من هذا حاله ذهاب أصل تلك المحبة

(1)

.

فرع حسن:

قَالَ القاضي حسين من أصحابنا: يجب عَلَى المرء أن يكون جَزَعُهُ وحزنُه وقلقُه عَلَى فراق النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من حزنه عَلَى فراق أبويه، كما يجب عليه أن يكون عنده أحب إليه من نفسه وأهله وماله.

تنبيه.

قُدِّم في الحديث الوالد عَلَى الولد، ومحبة الإنسان لولده أعظم من والده غالبًا؛ لأن كثيرًا من الناس لا ولد له وكل أحد له والد، فلذلك قدم الأعم ثمَّ خصَّ. عَلَى أن في مسلم تقديم الولد عَلَى الوالد في حديث أنس، وسببه المعنى الآخر، فتنبَّهْ له.

(1)

"المفهم" 1/ 225 - 227.

ص: 522

‌9 - باب حَلَاوَةِ الإِيمَانِ

16 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ". [21، 6041، 6941 - مسلم 43 - فتح 1/ 60]

ثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثنَّى نا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ نا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري قريبًا عن سليمان بن حرب، عن شعبة، عن قتادة عن أنس

(1)

.

وأخرجه أيضًا في الإكراه عن محمد بن عبد الله بن حوشب، عن عبد الوهاب

(2)

.

وأخرجه مسلم هنا عن إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر، وبندار، عن عبد الوهاب

(3)

، وتفرد به عبد الوهاب، عن أيوب.

(1)

سيأتي برقم (21)، باب: من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار.

(2)

سيأتي برقم (6941)، باب: من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر.

(3)

رواه مسلم (43/ 67) باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان.

ص: 523

كما قَالَه خلف في "الأطراف"، لكن ذكر الدارقطني أن وهيب بن خالد الباهلي رواه عن أيوب موقوفًا.

ولفظ مسلم: "وجد بهن" بزيادة: "بهنَّ"، وفي لفظ له وللبخاري:"وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه"

(1)

إلى آخره، وفي رواية له:"من أن يرجع يهوديًّا أو نصرانيًّا"

(2)

.

وأما أنس فسلف.

وأما أبو قلابة -فبكسر القاف، والباء الموحدة- واسمه عبد الله (ع) بن زيد بن عمرو، وقيل: عامر بن ناتل

(3)

-بالمثناة فوق- ابن مالك الجرمي البصري التابعي الجليل المتفق عَلَى جلالته وثقته.

سمع أنسًا وغيره من الصحابة، وعنه أيوب وغيره من التابعين، مات بالشام سنة أربع ومائة. وذكر للقضاء فهرب حتَّى أتى اليمامة، وقال: ما وجدت مثل القاضي العالم إلا مثل رجل وقع في بحر فما عسى أن يسبح حتَّى يغرق

(4)

.

وأما أيوب: (ع) فهو الإمام المجمع على جلالته وإمامته وثقته وثبته، أبو بكر أيوب بن أبي تميمة -بفتح المثناة فوق- واسمه: كيسان السختياني -بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة وكسر

(1)

سيأتي برقم (21) كتاب: الإيمان، باب: من كره أن يعود في الكفر. ومسلم (43/ 67) كتاب الإيمان، باب: بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان.

(2)

رواه مسلم (43/ 68) الموضع السابق.

(3)

ورد في هامش (ف): روجع بخط الدمياطي بالباء الموحدة.

(4)

انظر: "طبقات ابن سعد" 7/ 183، و"التاريخ الكبير" 5/ 92 (255)، و"الجرح والتعديل" 5/ 57 (268)، و"تهذيب الكمال" 14/ 542 (3283)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 468 - 475 (178).

ص: 524

التاء- البصري التابعي، مولى بني عنزة، ويقال: جهينة. ومواليه حلفاء بني الحريش.

وقيل لَهُ: السختياني. لأنه كان يبيع الجلود بالبصرة، وقال السمعاني: هذِه النسبة إلى عمل السختيان وبيعه، وهو الجلود الضائنة ليست بأدم

(1)

.

وقال الصغاني في "عبابه": السختيان: جلد الماعز المدبوغ، فارسي معرب.

وفي "المطالع" بعد أن ضبطه بالفتح

(2)

أن الجوهري قَالَ: سمي بذلك؛ لأنه يبيع الجلود. وقال: ومنهم من يضم السين.

رأى أنسًا، وسمع عمرو بن سلِمة -بكسر اللام- الجرمي، وخلقًا من كبار التابعين.

وعنه: ابن سيرين، وقتادة، وعمرو بن دينار، وهم من شيوخه، وغيرهم من التابعين، وغيرهم كمالك، والثوري، وشعبة.

قَالَ ابن علية: كنا نقول: عنده ألفا حديث. وقال شعبة: ما رأيت مثله، كان سيد الفقهاء. وقال ابن عيينة: لقيت ستة وثمانين تابعيًّا ما لقيت منهم مثل أيوب. ولد سنة ست أو ثمان وستين، ومات سنة إحدى وثلاثين ومائة

(3)

.

وأما عبد الوهّاب: (ع) فهو الإمام الحافظ أبو محمد عبد الوهّاب بن

(1)

"الأنساب" 7/ 53.

(2)

غير مقروءة في (ف).

(3)

انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 246 - 251، "التاريخ الكبير" 1/ 409، 410 (1307)، "الأنساب" 7/ 53، "تهذيب الكمال" 3/ 457 - 464 (607)، "سير أعلام النبلاء" 6/ 15 - 26 (7)، "شذرات الذهب" 1/ 181.

ص: 525

عبد المجيد بن الصلت بن عبيد الله بن (الحكم بن بشر)

(1)

بن عبد الله بن دهمان بن (عبد الله بن همام)

(2)

بن أبان بن يسار بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي، وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان الثقفي البصري.

سمع جمعًا من الأعلام، منهم: يحيى الأنصاري، وأيوب، وخالد الحذاء، وداود بن أبي هند التابعيون. وعنه الأعلام: الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم، وثقه يحيى بن معين، وقال: إنه اختلط بآخره.

وقال عقبة بن مكرم العمي: اختلط قبل موته بثلاث سنين أو أربع.

وقال غيره: إنه لم يحدث بعد الاختلاط، وحجب الناس عنه. ووثقه العجلي أيضًا.

وقال ابن سعد: كان ثقة وفيه ضعف

(3)

. وقال عمرو بن علي: كانت غلة عبد الوهاب في كل سنة ما بين أربعين ألفًا إلى خمسين ألفًا، لا يحول الحول عَلَى شيء منها كان ينفقها عَلَى أصحاب الحديث.

ولد سنة ثمان أو عشر ومائة، ومات سنة أربع وتسعين

(4)

.

وأما محمد (ع) بن المثنئ: فهو أبو موسى محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس بن دينار العنزي البصري الحافظ المعروف بالزمن،

(1)

كذا في (ف)، وفي "التاريخ الكبير" 6/ 97، "التعديل والتجريح" 2/ 919، "تاريخ بغداد" 18/ 11: الحكم بن أبي العاص بن بشر.

(2)

في (ف): عبد الله بن عبد همام، والمثبت من "التاريخ الكبير" 6/ 97، "التجريح والتعديل" 2/ 919.

(3)

"الطبقات الكبرى" 7/ 289.

(4)

انظر: "العلل ومعرفة الرجال" 1/ 155 (65)، "التاريخ الكبير" 6/ 97 (1822)، و"الثقات" للعجلي 2/ 108 (1147)، و"الجرح والتعديل" 6/ 71 (369)، و"تهذيب الكمال" 18/ 503 (3604)، و"سير أعلام النبلاء" 9/ 237 (67).

ص: 526

والعنزي -بفتح العين- نسبة إلى عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان حي من ربيعة، روى عن سفيان بن عيينة وخلق، وعنه: الجماعة وابن خزيمة وخلق.

وهو ثقة ورع، ولد سنة سبع وستين ومائة، وهي السنة التي مات فيها حماد بن سلمة، وولد بندار ومات بالبصرة سنة اثنتين وخمسين ومائتين

(1)

.

فائدة:

رجال هذا الحديث كلهم بصريون خَرّج لهم الشيخان وباقي الستة.

الوجه الثالث في فوائده:

وهو حديث عظيم أصل من أصول الإسلام، وأصله من كتاب الله تعالى قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} .. إلى قوله تعالى: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} ، ثمَّ هدد عَلَى ذَلِكَ وتوعد بقوله:{فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24].

وخص هذِه الثلاثة بالذكر؛ لأنها لا توجد إلا ممن تنور قلبه بنور الإيمان واليقين؛ فانكشف لَهُ الأحوال.

الأولى: حلاوة الإيمان.

استلذاذ الطاعات، وتحمل المشاق في الله تعالى ورسوله، وإيثار ذَلِكَ عَلَى أغراض الدنيا.

وفي رواية أخرى في "الصحيح": "ثلاث من كن فيه وجد طعم

(1)

انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 95 (409)، و"الثقات" لابن حبان 9/ 111، و"تهذيب الكمال" 26/ 359 (5579)، و"سير أعلام النبلاء" 12/ 123 (42)، "شذرات الذهب" 2/ 126.

ص: 527

الإيمان"

(1)

. فذكره، وفي حديث آخر:"ذاق طعم الايمان من رضي بالله رَبًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيًّا"

(2)

، وهو راجع إلى المعنى الذي ذكرناه.

الثانية: محبة العبد لربه سبحانه وتعالى تحصل بفعل طاعته وترك مخالفته، وكذلك محبة رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، وهي التزام شريعته.

قَالَ القاضي عِياض: ولا تصحُّ محبة الله تعالى ورسوله حقيقة، وحب المرء الأذى في الله وكراهة الرجوع إلى الكفر إلا لمن قوي بالإيمان يقينه، واطمأنت به نفسه، وانشرح لَهُ صدره، وخالط لحمه ودمه، وهذا هو الذي وجد حلاوة الإيمان، والحب في الله من ثمرات حب الله تعالى

(3)

.

قَالَ بعضهم: المحبة مواطأة القلب على ما يرضي الرب سبحانه، فنحب ما أحب، ونكره ما يكره. ونظم هذا المعنى محمود الوراق

(4)

فقال:

تعصي الإله وأنت تظهر حُبَّه

هذا محال في القياس بديعُ

لو كان حبُّك صادقًا لأطعته

إن المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ

(1)

رواه مسلم (43/ 68) كتاب الإيمان، باب: بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان.

(2)

رواه مسلم (34) كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا فهو مؤمن وإن ارتكب المعاصي.

(3)

"إكمال المعلم" 1/ 278.

(4)

هو: محمود الوراق بن الحسن البغدادي، شاعر، له نظم بليغ في المواعظ، روى عنه ابن ابى الدنيا، انظر:"تاريخ بغداد" 13/ 87 (8072)، و"سير أعلام النبلاء" 11/ 461 (115).

ص: 528

وبالجملة فأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحبوب، والله سبحانه منزه أن يميل أو يمال إليه

(1)

.

وأما محبة الرسول فيصح فيها الميل إذ يميل الإنسان إلى ما يوافقه، أما الاستحسان كالصورة الجميلة والصوت والمطاعم الشهية ونحوها، أو لما يستلذه بعقله من المعاني والأخلاق كمحبة الصالحين والعلماء، أو لمن يحسن إليه ويدفع الضرر عنه، وهذِه المعاني كلها موجودة في رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال أوصاف الجلال، وأنواع الفضائل، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايتهم]

(2)

إياهم إلى صراط مستقيم ودوام النعيم. وأشار بعضهم إلى أن هذا يتصور في حق الله تعالى. وحب العبد لَهُ عَلَى قدر معرفته بجلاله وكمال صفاته، و (تنزيهه)

(3)

عن النقائص، وفيض إحسانه، ولا استحالة في ذَلِكَ

(4)

.

الثالثة: عبر صلى الله عليه وسلم بقوله: "مما سواهما" دون من سواهما لعموم ما.

(1)

مذهب أهل السنة والجماعة إثبات صفة المحبة دته تعالى كما أثبتها تعالى لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال الطوفي: ذهب طوائف من المتكلمين والفقهاء إلى أن الله لا يُحِب ولا يُحَب، وإنما محبته محبة طاعته وعبادته وقالوا: هو أيضًا لا يُحِب عباده المؤمنين، وإنما محبته إرادته الأحسان إليهم.

قال الطوفي: والذي دل عليه الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها وجميع مشايخ الطريق أن الله تعالى يُحِب ويُحَب لذاته، وأما حُبُّ ثوابه فدرجة نازلة. اهـ. انظر:"أقاويل الثقات" ص 77.

(2)

ينتهي هنا سقط طويل من (ج) أشرنا إلى بدايته.

(3)

من (ج)، وفي (ف):(نقصه).

(4)

"إكمال المعلم" 1/ 278 - 279. بتصرف يسير.

ص: 529

وما سواهما: هو جميع المخلوقات من ملك ونبي وغيرهما.

الرابعة: فيه دلالة عَلَى أنه لا بأ بمثل هذِه النسبة، أعني قوله:"سواهما". وأما قوله صلى الله عليه وسلم للذي خطب وقال: ومن يعصهما فقد غوى-: "بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله". أخرجه مسلم

(1)

من حديث عدي بن حاتم. فجوابه من أوجه: أحسنها: أنه ليس من هذا النوع؛ لأن المراد في (الخطب)

(2)

الإيضاح لا الرموز والإشارات، وأما هنا فالمراد الإيجاز في اللفظ ليحفظ.

ومما يدل عَلَى هذا حديث ابن مسعود في خطبة الحاجة: "من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن بعصهما فلا يضر إلا نفسه". أخرجه أبو داود وغيره بإسناد جيد، لأجل عمران بن داور -بالراء في آخره-، وإن خرج لَهُ البخاري متابعًا، وحكم النووي والقرطبي لإسناده بالصحة

(3)

.

(1)

رواه مسلم (870) كتاب: الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة.

(2)

في (ف): الخطيب، والمثبت من (ج).

(3)

أبوداود (2119)، والشاشي في "مسنده" 2/ 234 (806)، والطبراني في "الكبير" 10/ 211 (10499) وفي "الأوسط" 3/ 74 (2530)، والبيهقي 7/ 146.

قال النووي في "شرح صحيح مسلم" 6/ 160: إسناده صحيح.

وقال الحافظ المنذري في "مختصر سنن أبي داود" 3/ 55: في إسناده عمران بن داور القطان، وفيه مقال.

وقال ابن القيم في نفس الموضع في: "الحاشية": وقد روى النسائي وغيرُه من حديث عدي بن حاتم قال: تشهَّد رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: من يطعِ اللهَ ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بئس الخطيب أنت"، فإن صح حديث عمران بن داور، فلعله رواه بعضهم بالمعنى فظن أن اللفظين سواء، ولم يبلغه حديث "بئس الخطيب أنت" وليس عمران بذاك الحافظ.

وقال الألباني في "تمام المنة" ص 335: فيه أبو عياض، وهو مجهول، وقد أعلهُ المنذري وابن القيم والشوكاني بغيره، والحق ما ذكرتهُ.

ص: 530

ثانيها: إنه إنما أمر الجمع تعظيمًا لله تعالى، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم:"لا يقولن أحدكم: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن: ثمَّ ما شاء فلان"

(1)

؛ لما في ثمَّ من التراخي بخلاف الواو التي تقتضي التسوية.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] فيه اشتراك الضمير أيضًا، لكن قدره آخرون بأن الله يصلي وملائكته يصلون.

ثالثها: أنه إنما أنكر عليه وقوفه عَلَى: ومن يعصهما. لكن قوله: "قل

(2)

: ومن يعص الله ورسوله" يرد ذَلِكَ.

رابعها: أنه صلى الله عليه وسلم لَهُ أن يجمع بخلاف غيره.

خامسها: أن الجمع يوهم التسوية من قصده فلهذا منعه، قَالَه ابن عبد السلام.

سادسها: أن كلامه صلى الله عليه وسلم جملة واحدة، فيكره (لغة)

(3)

إقامة المضمر مقام (الظاهر)

(4)

بخلاف كلام الخطيب؛ فإنه جملتان. قاله ابن رزين، وبعضهم أجاب بأن المتكلم لا يتوجه تحت خطاب نفسه إِذَا وجهه لغيره.

الخامسة: فيه الحث عَلَى المحبة في الله تعالى والإخلاص فيها.

(1)

رواه أبو داد (4980)، وأحمد 5/ 384 (23265)، والطيالسي 1/ 344 (431)، وابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 340 (26681)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 245 (10821)، والبيهقي 3/ 216 كلهم عن حذيفة، وصححه الألباني في "الصحيحة"(137).

(2)

من (ف).

(3)

في (ج): (لغيره).

(4)

في (ج): (المظهر).

ص: 531

وقد قَالَ مالك وغيره: المحبة في الله من واجبات الإسلام. وفيه أحاديث كثيرة، منها:"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" فقال: "ورجلان تحابا في الله"

(1)

. ومنها قوله: "المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي"

(2)

، وهو دأب أولياء الله تعالى.

وقد قَالَ يحيى بن معاذ الرازي: حقيقة المحبة أن لا تزيد بالبر، ولا ينقص بالجفاء، وأما المحبة المشوبة بالأغراض الدنيوية والحظوظ البشرية فغير مطلوبة؛ لأن من أحب لذلك انقطعت عند حصول غرضه أو إياسه منه، بخلاف المحبة (الخالصة)

(3)

؛ فإنه تحصل الألفة الموجبة للتعاون عَلَى البر والتقوى.

السادسة: معنى: "يعود في الكفر": يصير، والعود والرجوع قَدْ استعملا بمعنى الصيرورة، قَالَ تعالى:{وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا} [الأعراف: 89] والمعنى أن هذِه الكراهة إنما توجد عند وجود سببها، وهو ما دخل قلبه من نور الإيمان، وكشف لَهُ عن المحاسن والطغيان، وقيل: المعنى أن من وجد حلاوة الإيمان علم أن الكافر في النار، يكره الكفر ككراهيته لدخول النار.

ومعنى "يقذف في النار": يصير فيها عافانا الله منها ومن كل البلاء.

(1)

سيأتي برقم (660) كتاب الآذان، باب: من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد.

(2)

رواه مسلم (2566) كتاب البر والصلة، باب: فضل الحب في الله.

(3)

في (ج): (الخاصة).

ص: 532

‌10 - باب عَلَامَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ

17 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ". [3784 - مسلم 74 - فتح 1/ 62]

ثنَا أَبُو الوَليدِ ثنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري (رباعيًّا عاليًا هنا)

(1)

، وفي فضائل الأنصار: عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة

(2)

، وأخرجه مسلم خماسيًّا عن ابن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة به. ولفظه:"آية المؤمن""وآية المنافق"

(3)

. وأخرجا من حديث البراء بن عازب في الأنصار: "لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله"

(4)

. وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة: "لا يبغض الأنصار رجل مؤمن بالله واليوم الآخر"

(5)

.

(1)

في (ج): رباعيا كما يأتي هنا.

(2)

سيأتي برقم (3784) كتاب مناقب الأنصار، باب: حب الأنصار من الإيمان.

(3)

مسلم (74) كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان.

(4)

سيأتي برقم (3783) كتاب مناقب الأنصار، باب: حب الأنصار من الإيمان، ورواه مسلم (75) كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان.

(5)

رواه مسلم (76) الموضع السابق.

ص: 533

وأخرجا من حديث أنس: "الأنصار كرشي وعيبتي، وإن الناس يكثرون ويقلون، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم"

(1)

.

الوجه الثاني: في التعريف برواته.

أما أنس وشعبة فسلفا.

وأما عبد الله (ع) بن عبد الله بن جبر بن عتيك فهو أنصاري مدني ثقة. أهل المدينة يقولون: جابر، والعراقيون يقولون: جبر. وقال ابن منجويه: لا يصحُّ، إنما هو جابر، وقيل: هما اثنان، سمع عمر وأنسًا، وعنه مالك ومسعر وشعبة

(2)

.

وأما أبو الوليد فهو هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري مولى باهلة. سمع جمعًا من الأعلام: مالكًا والحمادين وغيرهما، وعنه: البخاري، وأبو داود، والباقون بواسطة، وثقته، وحفظه، وإتقانه، وجلالته، وإمامته مجمع عليها، وكانت الرحلة بعد أبي داود الطيالسي إليه. ولد سنة ست وثلاثين ومائة ومات سنة (سبع)

(3)

وعشرين ومائتين

(4)

.

(1)

سيأتي برقم (3801) كتاب مناقب الأنصار، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم"، ورواه مسلم 4/ 1949 (2510) كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضائل الأنصار.

(2)

انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 126 (374)، "الجرح والتعديل" 5/ 90 (415)، "الثقات" 5/ 29، "تهذيب الكمال" 15/ 171 - 172 (3362)، "تقريب التهذيب"(3413).

(3)

في (ج): (تسع).

(4)

انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 300، "التاريخ الكبير" 8/ 195 (2679)، "التاريخ الصغير" 2/ 355، "الجرح والتعديل" 9/ 65 (253)، "الثقات" 7/ 571، "الثقات" لابن شاهين (1535)، "تهذيب الكمال" 30/ 226 - 232 (6584)، "سير أعلام النبلاء" 10/ 341، "شذرات الذهب" 2/ 62.

ص: 534

وأبو داود الطيالسي سليمان بن داود الحافظ صاحب "المسند". مات سنة أربع ومائتين عن إحدى وتسعين سنة

(1)

.

فائدة:

أبو الوليد جماعة: هذا والمجاشعي

(2)

، والدمشقي

(3)

، والمكي

(4)

عن جابر وآخر عن ابن عمر

(5)

.

(1)

هو سليمان بن داود بن الجارود، يكنى أبا داود ولد سنة 133 هـ، وقد رحل مبكرا في طلب العلم فرحل إلى بغداد وسمع من عبد الرحمن المسعودي، ورحل إلى الكوفة، وسمع من متقدمي الكوفة؛ كالثوري وإسرائيل، ورحل إلى المدينة، وسمع من فليح بن سليمان والإمام مالك بن أنس وغيره.

ومن شيوخه: شعبة، وحماد بن سلمة، والوضاح بن عبد الله، وأبو عوانة، ومحمد ابن عبد الرحمن بن المغيرة، وورقاء بن عمر، ومن تلاميذه: يونس بن حبيب، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن بشار، توفي بالبصرة سنة 203، أو 204 هـ.

انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 298، "تاريخ الدارمي"(107، 110)، "التاريخ الكبير" 4/ 10 (1788)، "التاريخ الصغير" 2/ 299، "الجرح والتعديل" 4/ 111 - 113 (491)، "تهذيب الكمال" 11/ 401 (2507)، "سير أعلام النبلاء" 9/ 378.

(2)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 2/ 47 (2002)، "الجرح والتعديل" 2/ 432 (1718)، "تهذيب الكمال" 4/ 47 (656).

(3)

نسبة لاثنين وهما:

أ- عمير بن هانئ العنسي انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 6/ 535 (3236)، "الجرح والتعديل" 6/ 378 (2097)، "تهذيب الكمال" 22/ 388 (4521).

ب- هشام بن عمار بن نصير انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 199 (2701)، "الجرح والتعديل" 9/ 66 (255)، "تهذيب الكمال" 30/ 242 (6586).

(4)

هو سعيد بن مينا انظر ترجمته: "التاريخ الكبير" 3/ 512 (1701)، "الجرح والتعديل" 4/ 61 (263)، "تهذيب الكمال" 11/ 84 (2365).

(5)

هو عبد الله بن الحارث الأنصاري، انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" 5/ 64 (158)، "الجرح والتعديل" 5/ 31 (138)، "تهذيب الكمال" 14/ 400 (3217)، "تقريب التهذيب"(3266).

ص: 535

الوجه الثالث:

الأنصار لقب إسلامي، سموا بذلك لنصرتهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم

(1)

ولد الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء -لطول عنقه- بن عمرو مزيقيا -الخارج من اليمن أيام سيل العرم- بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول، بن مازن، وهو جماع غسان بن الأزد، واسمه ذراء عَلَى وزن فعال بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد كهلان أخي حمير بن يعرب بن يقطن، وهو قحطان وإلى قحطان جماع اليمن، وهو أبو اليمن كلها، ومنهم من ينسبه إلى إسماعيل فيقول: قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن إسماعيل، هذا قول الكلبي.

ومنهم من نسبه إلى غيره فيقول: قحطان بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح. فعلى الأول العرب كلها من ولد إسماعيل، وعلى الثاني من ولد إسماعيل وقحطان. وقال حسان بن ثابت الأنصاري:

إمّا سألت فإنا معشر نجبٌ

الأزد نسبتنا والماء غسان

وغسان ماء كان شربًا لولد مازن بن الأزد. وكذا أسلفنا هذِه النسبة أيضًا في الحديث الأول في الصحيح بزيادة البعض.

الرابع في فوائده:

"آية الإيمان" علامته ودلالته و"حب الأنصار" من حيث كانوا أنصار الدين ومُظهريه، وباذلي أنفسهم وأموالهم، وقتالهم الناس كافة دونه علامة ودلالة قاطعة عَلَى الإيمان، فمن عرف حق الأنصار ومبادرتهم

(1)

في (ج): وأنصار النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 536

ونصرهم ومحبتهم لَهُ صلى الله عليه وسلم أحبهم ضرورة بحكم صحة إيمانه، ومن كان منافقًا لم يسره ما جاء منهم فيبغضهم.

وهذا جارٍ في أعيان الصحابة كالخلفاء، وبقية العشرة، والمهاجرين، بل في كل الصحابة إذ (كل واحد منهم له)

(1)

سابقة وسالفة، وغناء في الدين وأثر حسن فيه.

فحبهم لذلك المعنى محض الإيمان، وبغضهم محض النفاق، ويدل عليه الحديث الوارد في فضل الصحابة كلهم:"من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم"

(2)

، وأما من أبغض أحدًا منهم من غير تلك الجهة لأمر طارئ من حديث وقع لمخالفة غرض أو لضرر ونحوه لم يصر بذلك منافقًا ولا كافرًا، فقد وقع بينهم حروب ومخالفات، ومع ذَلِكَ لم يحكم بعضهم عَلَى بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذَلِكَ حال المجتهدين في الأحكام.

فإما أن يقال: كلهم مصيب أو المصيب واحد، والمخطئ معذور مع أنه مخاطب بما يراه ويظنه، فمن وقع لَهُ بغض في واحد منهم -والعياذ بالله- لشيء من ذَلِكَ فهو عاص تجب عليه التوبة، ومجاهدة نفسه بذكر سوابقهم وفضائلهم، وما لهم (عَلَى كل)

(3)

من بعدهم من الحقوق؛ إذ لم يصل أحد من بعدهم لشيء من الدين والدنيا إلا بهم، وبسببهم قَالَ تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} الآية [الحشر: 10]، نبه عَلَى ذَلِكَ

(1)

في (ج): لكل واحد منهم.

(2)

رواه الترمذي (3862)، وأحمد 4/ 87، وابن أبي عاصم في "السنة" 992 وابن حبان 16/ 224 (7256) عن عبد الله بن مغفل قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وضعفه الألباني في "ظلال الجنة في تخريج السنة"(992).

(3)

في (ج): على ذلك.

ص: 537

القرطبي

(1)

ففيه: الحث عَلَى حب الأنصار، وبيان فضلهم لما كان منهم من مناصحتهم لله تعالى ولرسوله وللمهاجرين وسائر المسلمين، وإعزازهم للدين، وإيثارهم به على أنفسهم وغير ذَلِكَ.

(1)

"تفسير القرطبي" 18/ 32، والقرطبي هو الإمام العلامة أبو عبد الله الأنصاري. الخزرجي، القرطبي محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح إمام متفنن متبحر في العلم، لهُ تصانيف مفيدة تدلُّ على كثرة اطلاعه ووفور فضله. منها كتاب "الجامع لأحكام القرآن"، وكتاب "الأسنى في الأسماء الحُسنى"، وكتاب "التذكرة"، وأشياء تدل على إمامته وكثرة اطلاعه. توفي في أوائل سنة 671 هـ بمنية بني خصيب من الصعيد الأدنى بمصر. وقد سارت بتفسيره الرُكبان وهو كامل في معناه.

انظر ترجمتهُ في: "تاريخ الأسلام" 50/ 74، 75 (26)، "معجم المؤلفين" 3/ 52، "شذرات الذهب" 5/ 335.

ص: 538

‌11 - باب

18 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ - رضى الله عنه - وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ:"بَايِعُونِى عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِى مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ به فِى الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ، فَهُوَ إِلَى اللهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ". فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ. [3892، 3893، 3999، 4894، 6784،6801، 6873، 7055، 7199، 7213، 7468 - مسلم 1709 - فتح 1/ 64]

نا أَبُو اليَمَانِ أنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامت وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: "بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا باللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ [به]

(1)

فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ، فَهُوَ إلى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ". فَبَايَعْنَاهُ على ذَلِكَ.

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هكذا وقع هذا الباب في البخاري غير مضاف، وهو صحيح،

(1)

من (ج).

ص: 539

وأخرجه البخاري -أعني: هذا الحديث- في خمسة مواضع: هنا والمغازي

(1)

والأحكام عن أبي اليمان عن شعيب

(2)

، وفي وُفود الأنصار، عن إسحاق بن منصور، عن يعقوب عن ابن أخي الزهري

(3)

، وعن عليّ عن ابن عيينة.

قَالَ البخاري عقبه: وتابعه عبد الرزاق عن معمر

(4)

، وفي الحدود عن ابن يوسف، عن معمر

(5)

. وأخرجه مسلم في الحدود عن يحيى بن يحيى، وأبي بكر والناقد وإسحاق وابن نمير عن ابن عيينة، وعن عبد الرزاق عن معمر، كلهم عن الزهري به

(6)

.

الوجه الثاني: في التعريف برواته.

فأما أبو اليمان وشعيب والزهري فسلف ذكرهم.

وأما عبادة (ع) فهو: أبو الوليد عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم -وهو: قوقل- بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، شهد العقبتين الأولى والثانية، وبدرًا وأحدًا، وبيعة الرضوان والمشاهد كلَّها.

روي له مائة حديث وأحد وثمانون حديثًا، اتفقا منها عَلَى ستة، وانفرد كل واحد بحديثين. روى عنه جمع من الصحابة منهم أنس

(1)

سيأتي برقم (3999) باب (12).

(2)

سيأتي برقم (7213) باب: بيعة النساء.

(3)

سيأتي برقم (3892) كتاب: مناقب الأنصار، باب: وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ..

(4)

سيأتي برقم (4894) كتاب: التفسير، باب:{إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} .

(5)

سيأتي برقم (6801) باب: توبة السارق.

(6)

مسلم (1709/ 41 - 42) باب: الحدود كفارات لأهلها.

ص: 540

وغيرهم منهم: بنوه الوليد وعبيد الله وداود، وهو أول من ولي قضاء فلسطين -ولاه عمر- مات بالشام سنة أربع وثلاثين عن ثنتين وسبعين سنة، وقبره ببيت المقدس، وقيل: بالرملة

(1)

.

وكان معاوية قَدْ خالفه في شيء من مسائل الربا، أنكره عليه عبادة فأغلظ لَهُ معاوية في القول. فقال لَهُ عبادة: لا أساكنك بأرض واحدة أبدًا، ورحل إلى المدينة.

فقال لَهُ عمر: ما أقدمك؟ فأخبره، فقال: ارجع إلى مكانك، فقبح الله أرضًا لست فيها ولا أمثالك. وكتب إلى معاوية لا أمر لك عليه

(2)

.

فائدة:

عبادة بن الصامت هذا فرد في الصحابة، وفيهم عبادة بدون ابن الصامت اثنتا عشرة نفسًا

(3)

.

(1)

انظر: "معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 191 - 192 (689)، "معرفة الصحابة" 4/ 1919 - 1923 (1973)، "الاستيعاب" 2/ 355، 356 (1380)، "أسد الغابة" 3/ -161 (2789)، "الإصابة" 2/ 268 - 269 (4497).

(2)

أوردها الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 2/ 7.

(3)

وهم:

1 -

عبادة بن الأشيب العنزي، بسكون النون.

2 -

عبادة بن أبي أوفي بن حنظلة بن عمرو بن رباح بن جعونة بن الحارث بن نمير بن عامر بن صعصعة أبو الوليد النُميري.

3 -

عبادة بن الخشخاش بمعجمات ابن عمرو بن عمارة بن مالك ابن عمرو الدلوي حليف الأنصار.

4 -

عبادة بن رافع الأنصاري.

5 -

عبادة بن سعد ابن عثمان الزُّرقي.

6 -

عبادة بن الشمَّاخ أو عوانة.

7 -

عبادة بن طارق الأنصاري.

8 -

عبادة بن عبد الله بن أبي بن سلول الخزرجي أخو عبد الله بن عبد الله.

9 -

عُبادة ابن عمرو بن محصن الأنصاري.

10 -

عبادة بن قرط أو قرص بن عروة بن بجير بن مالك بن قيس بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الضبي.

11 -

عبادة بن قيس.

12 -

عبادة بن مالك الأنصاري.

13 -

عبادة الزرقي.

انظر: "الإصابة" 2/ 267 - 270.

ص: 541

وأما الراوي عنه فهو أبو إدريس (ع) عائذ الله -بذال معجمة قبلها همزة- بن عبد الله بن عمرو الخولاني الدمشقي، سمع خلقًا من الصحابة منهم: عبادة وأبو ذر، وعنه جمع من التابعين منهم: الزهري ومكحول. وقال: ما أدركت مثله

(1)

، ولد يوم حنين ومات سنة ثمانين. تقضى بدمشق وكان من عبادهم وقرائهم، وهذا من رواية القضاة بعضهم عن بعض: أبو إدريس عن عبادة

(2)

.

الوجه الثالث:

ذكر البخاري هذا الحديث هنا؛ لأن الأنصار لهم من السبق إلى الإسلام بهذِه البيعة التي عقدت عَلَى الإسلام مع أن المهاجرين كانوا أسلموا ولم يبايعوا مثلها، فالأنصار هم المبتدئون بالبيعة عَلَى إعلام توحيد الله وشريعته حتَّى يموتوا، فحبهم علامة الإيمان -كما سلف في الحديث السالف- مجازاة لهم عَلَى حبهم من هاجر إليهم، ومواساتهم لهم في أموالهم، كما وصفهم الله تعالى، واتباعًا لحب الله تعالى لهم. قَالَ تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [آل عمران: 31] وكان الأنصار ممن تبعه أولًا، فوجبت لهم محبة الله، ومن أحبه الله وجب عَلَى العباد حبه.

الرابع: النقباء -واحدهم نقيب- وهو الناظر عَلَى القوم. ونقباء الأنصار هم الذين تقدموا لأخذ البيعة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 26/ 162.

(2)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 7/ 83 (375)، و"الجرح والتعديل" 7/ 37 (200)، و"الثقات" لابن حبان 5/ 277، و"تهذيب الكمال" 14/ 88 (3068)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 272 - 277 (99)، "شذرات الذهب" 1/ 88.

ص: 542

الخامس:

هذِه العقبة هي العقبة التي بمنًى التي تنسب إليها جمرة العقبة. وقد كان بهذِه العقبة بيعتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بايع الأنصار فيهما عَلَى الإسلام، ويقال فيهما: العقبة الأولى والعقبة الثانية. وكانت الأولى أول بيعة عقدت عَلَى الإسلام، وكان المبايعون في الأولى اثني عشر رجلًا من الأنصار كما ذكره النووي- ويأتي (خلافه)

(1)

- ثمَّ كانت العقبة الثانية في السنة التي تليها، وكانوا في الثانية سبعين رجلًا من الأنصار أيضًا، كما ذكره

(2)

.

وإيضاح ذَلِكَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض نفسه عَلَى القبائل، فلقي رهطًا من الخزرج ستة عند العقبة في الموسم فقال:"ألا تجلسون أكلمكم؟ ". فعرض عليهم الإسلام، وكانت يهود أهل كتاب وعلم، وكانوا (هم)

(3)

أهل شرك وأوثان، وكانوا قَدْ غزوهم في بلادهم، فكانوا إِذَا كان بينهم شيء قالوا لهم: إن نبيًّا يبعث الآن قَدْ أطل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر قَالَ بعضهم لبعض: تعلموا والله إنه لَلنبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبِقنَكم إليه. فأجابوه وصدقوه.

وقالوا: إنا تركنا قومنا وبينهم حروب، فننصرف وندعوهم إلى ما دعوتنا إليه، فعسى الله أن يجمعهم بك، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك. فانصرفوا إلى المدينة، ودعوا إلى الإسلام حتَّى فشا فيهم، ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم

(4)

.

(1)

من (ج).

(2)

"شرح مسلم" 17/ 88.

(3)

من (ج).

(4)

انظر "سيرة ابن هشام" 2/ 38.

ص: 543

والستة هم: أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث-وهو ابن عفراء-، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر، وعقبة بن نابي، وجابر بن عبد الله بن رئاب، ومنهم من يسقط جابرًا ويجعل بدله عبادة بن الصامت.

فلما كان العام المقبل قدم مكة من الأنصار اثنا عشر رجلًا منهم خمسة من الستة المذكورين فلم يكن فيهم جابر والسبعة الباقون: معاذ بن الحارث -وهو ابن عفراء أخو عوف-، وذكوان بن قيس -قتل يوم أحد- وعبادة بن الصامت، ويزيد بن ثعلبة، والعباس بن عبادة بن فضلة.

ومن الأوس: أبو الهيثم بن التيهان، وعويم بن ساعدة، فبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة عَلَى بيعة النساء، ولم يكن أمر بالقتال بعد، فلما انصرفوا بعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم، ومصعب بن عمير يعلمانهم ويدعوانهم إلى الإسلام، فكان مصعب -يدعى القارئ- يؤمهم، وجمَّع بهم في حرة بني بياضة، وهم أربعون رجلًا، وهي أول جمعة جمعت في الإسلام.

وكان مصعب نزل عَلَى أسعد بن زرارة، وإنما كان يؤمهم؛ لأن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض. وذكر ابن إسحاق أن أول من جمع بهم أسعد بن زرارة، ورواه عنه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه". وقال: صحيح على شرط مسلم

(1)

، فأسلم على يد مصعب خلق كثير، منهم:

(1)

أبو داود (1069)، ابن ماجه (1082)، ابن حبان (7013)، الحاكم 1/ 281.

والحديث حسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(980)، "صحيح سنن ابن ماجه"(886).

ص: 544

سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير. ثم لقيه ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان في الموسم، وواعدوه العقبة من أوسط أيام التشريق.

فلما فرغوا من الحج، وكانت الليلة، خرجوا من الميعاد فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى أن يمنعوه مما يمنعوا منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم، وأن (يرحل)

(1)

إليهم هو وأصحابه، وحضر العباس ذَلِكَ وهو عَلَى دين قومه، فتكلم العباس، فقالوا: تكلم يا رسول الله، خذ لنفسك ولربك ما أحببت. فتكلم صلى الله عليه وسلم وتلا القرآن، ودعا إلى الله، ثمَّ قَالَ:"أبايعكم عَلَى أن تمنعوني ما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم"

(2)

.

فأخذ البراء بن معرور بيده ثمَّ قَالَ: نعم، فوالذي بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرًا عن كابرٍ.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيبًا" وهم: أسعد بن زرارة، وسعد بن الربيع، وعبد الله بن رواحة، ورافع بن مالك بن العجلان، والبراء بن معرور، وعبد الله بن عمرو بن حرام، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو بن حرام، وعبادة بن الصامت، فهؤلاء من الخزرج.

وثلاثة من الأوس: أسيد بن حضير، وسعد بن خيثمة، ورفاعة بن عبد المنذر. ومن المشهور من السبعين: ابن الهيثم، ورفاعة بن منذر، وأبو بردة هانئ بن نيار، وعويم بن ساعدة، ومن الخزرج: أبو أيوب

(1)

في (ج): (يأتي).

(2)

رواه أحمد 3/ 460 - 462، وابن حبان (7011)، والطبراني 19/ 87 - 90 (174)، والحاكم 3/ 441 عن كعب بن مالك. قال الهيثمي في "المجمع" 6/ 45: رجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرَّح بالسماع.

ص: 545

الأنصاري، ومعوذ، ومعاذ، وعوف بنو الحارث وهم بنو عفراء، وأبو طلحة سهل بن زيد النجاري، وأبو مسعود الأنصاري، وبشر ابن البراء بن معرور، وكعب بن مالك، وجابر بن عبد الله -وكان من أحدثهم سنًّا- والمنذر بن عمرو، وأم عمارة نسيبة، وأم منيع أسماء.

كانت البيعة الثانية عَلَى حرب الأسود والأحمر، وجعل ثوابهم الجنة، وذلك حين أذن لَهُ في الحرب وفي الأولى لم يؤذن لَهُ كما سلف.

ثمَّ بعد هاتين البيعتين بيعة ثالثة -وهي بيعة الرضوان- خرج صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة ست معتمرًا (فصدته)

(1)

قريش، فبعث إليهم عثمان، فبلغه أنهم قتلوه، فقال:"لا نبرح حتَّى نناجز القوم"

(2)

. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، وكانوا ألفًا وخمسمائة، فروي أنه بايعهم عَلَى الموت، وأنكره جابر، وإنما بايع عَلَى أن لا نفر. قَالَ تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} [الفتح: 18] أي: أعطاهم من أجل تلك البيعه: {فَتْحًا قَرِيبًا} يعنى خيبر، ووعدهم {مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 20] أي: مستمرة إلى يوم القيامة، {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} [الفتح: 21]، أي: قتل فارس والروم، وقيل: فتح مكة.

(1)

في (ج): فصدتهم.

(2)

"سيرة ابن هشام" 3/ 364، والطبري في "تفسيره" 11/ 348 (31516) وفي "تاريخه" 2/ 121 عن ابن إسحاق قال: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قتل فذكره، وانظر:"التمهيد" 12/ 148.

ص: 546

الوجه السادس:

قَدْ ساق البخاري صفة هذِه المبايعة. وجاء في رواية أخرى: فتلا علينا آية النساء {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] .. الآية

(1)

.

وفي الأخرى: إني لمن النقباء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه:

فبايعناه عَلَى أن لا نشرك بالله شيئًا. وزاد: ولا ننتهب

(2)

. وفي أخرى في مسلم: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ عَلَى النساء، أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق، ولا نزني ولا نقتل أولادنا، ولا يَعْضَه بَعْضُنا بَعْضًا

(3)

. ومعنى يعضه -بفتح الياء والضاد المعجمة- لا يسخر، وقيل: لا نأتي ببهتان يقال: عضه الرجل، وأعضه إِذَا أفك.

وأخرجه النسائي وقال فيه: بايعت رسول الله ليلة العقبة في رهط، فقال:"أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تشربوا، ولا تقتلوا أولادكم"

(4)

وذكر نحو باقيه، وسيأتي حديث عبادة أيضًا في: المبايعة بطوله في موضعه. وأوله: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى السمع والطاعة في العسر واليسر .. إلى آخره.

وجاء أيضًا في البيعات العامة والخاصة أحاديث كثيرة متفرقة منها:

حديث عوف بن مالك وابن عمر وجرير بن عبد الله وسلمة بن الأكوع.

وذكر البخاري جملة منها في أواخر الكتاب عند قوله: كيف يبايع الإمام الناس. وسيأتي الكلام عليها -إن شاء الله- ولم يرد صلى الله عليه وسلم فيما

(1)

سيأتي برقم (4894) غير أن فيه: وقرأ آية النساء. ولم يذكر الآية.

وعند مسلم (1709/ 42): فتلا علينا آية النساء {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ} .

(2)

سيأتي برقم (3893) في مناقب الأنصار، باب: وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة.

(3)

مسلم (1709/ 43) كتاب الحدود، باب: الحدود كفارات لأهلها.

(4)

"المجتبى" 7/ 148.

ص: 547

بايعهم عليه حصر المعاصي بل ذكر أنواعًا يكثر ارتكاب أهل ذَلِكَ الوقت لها.

الوجه السابع:

قوله: وحوله عصابة -هو بفتح اللام- يقال: حوله أو حواله وحوليه، وحواليه -بفتح اللام- في كلها كما سلف في حديث هرقل أي: يحيطون به، والعصابة: الجماعة.

الثامن:

البهتان: الكذب، يقال: بَهَتَهُ يَبْهَتُهُ بَهْتًا وبُهْتانًا إِذَا كذب عليه؛ لأنه يبهت من شدة فكره، ويبقى مَبْهُوتا منقطعًا. قَالَ الجوهري: بَهِتَ الرجل -بالكسر- إِذَا دَهِشَ وتحيَّرَ وبَهُتَ -بالضم- مثله، وأفصح منهما بُهِتَ؛ (لأنه)

(1)

يقال: رجل مَبْهُوت، ولا يقال: باهتٌ، ولا بَهِيتٌ، قاله الكسائي

(2)

. قُلْتُ: وقرئ بالأولين في الشواذ

(3)

.

وقال القزاز وابن دريد في "الجمهرة": رجل باهت وبهات

(4)

. وقال ابن سيده: عندي أن بهوتًا جمع باهت، لا جمع بهوت

(5)

.

وقال الهروي: البهتان هنا الإتيان بولد ينسب إلى الزوج. ويقال: كانت المرأة تلقط الولد فيَتبناه. وقال الخطابى: معناه هنا قذف المحصنات وهو من الكبائر

(6)

.

(1)

من (ج) وهي توافق ما في "الصحاح" وفي (ف): (لا).

(2)

"الصحاح" 1/ 244، مادة:(بهت).

(3)

قرأ ابن السَّمَيفَع: (فبَهَتَ الذي كفر) وكذا قرأ نعيم بن ميسرة. وقرأ أبو حيوة شريح ابن يزيد: (فَبَهُت). انظر "المحتسب" لابن جني 1/ 134.

(4)

"جمهرة اللغة" 1/ 257 مادة (بهت).

(5)

"المحكم" 4/ 201 مادة (بهت).

(6)

"أعلام الحديث" 1/ 151.

ص: 548

التاسع:

إنما أضيف البهتان إلى الأيدي والأرجل وليس لها صنع في البهت لوجهين:

أحدهما: أن معظم الأفعال تقع بهما، ولهذا أضيفت الأفعال والأكساب إليهما. قَالَ تعالى:{فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30].

وثانيهما: معناه: لا تبهتوا الناس بالعيب كفاح كما يقال: فعلت هذا بين يدي فلانٍ أي: بحضرته.

العاشر:

قوله: "ولا تعصوا في معروف" هو نحو قوله تعالى: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12] أي: في طاعة الله؛ وقيل: في كل بِرٍّ وتقوى.

قَالَ الزجاج: والمعنى: لا يعصينك في جميع ما (تأمرهن)

(1)

به؛ فإنك لا تأمر بغير المعروف.

قَالَ النووي: ويحتمل في معنى الحديث: ولا تعصوني (ولا أحدًا ولي عليكم)

(2)

من تباعي إِذَا أمرتم بمعروف، فيكون المعروف عائدًا إلى التباع. ولهذا قَالَ:"تعصوا" ولم يقل: تعصوني، ويحتمل أنه أراد نفسه فقط، (وقيد)

(3)

بالمعروف تطييبًا لنفوسهم؛ لأنه لا يأمر إلا بالمعروف.

الحادي عشر:

قوله: "فمن وفي منكم" أي ثبت عَلَى ما بايع به، يقال: بتخفيف الفاء وتشديدها، وَفَى بالعهد وأَوْفَى ووفَّي ثلاثي ورباعي. ووَفَى

(1)

في (ج): تأمر.

(2)

في (ج): والأول أولى عليكم.

(3)

في (ج): وقيل.

ص: 549

الشيءُ -ثلاثي- تَمَّ. ووَفَتْ ذمتك أيضًا، وأَوْفَى الشيءَ، ووَفَّى، وأَوْفَى الكيل، ووَفّاه. ولا يقال فيها: وَفِيَ ثلاثي.

الثاني عشر:

قوله: ("ومن أصاب من ذَلِكَ شيئا فعوقب به")

إلى آخره المراد: غير الشرك.

أما الشرك: فلا يسقط عنه عذابه بعقوبته عليه في الدنيا بالقتل وغيره، ولا يعفي عمَّن مات عليه بلا شك.

قَالَ النووي: فعموم (الحديث)

(1)

مخصوص

(2)

، قُلْتُ: أو يؤوَّل قوله: "ومن أصاب من ذَلِكَ شيئًا" أى: غير الشرك المذكور أولًا.

الثالث عشر:

في الحديث دلالة لمذهب أهل الحق أن من ارتكب كبيرة ومات ولم يتب فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه. وحاصله أن من مات صغيرًا أو كبيرًا ولا ذنب لَهُ، بأن مات عقب بلوغه أو توبته أو إسلامه قبل إحداث معصية فهو محكوم له بالجنة بفضل الله ورحمته، ولا يدخل النار ولكن يَرِدُها.

كما قَالَ تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] وفي الورود: الخلاف المشهور. وسيأتي إيضاحه في موضعه -إن شاء الله-. وإن مات مُصِرًّا عَلَى كبيرة فهو إلى الله تعالى، إن شاء عفا عنه فدخل الجنة في أول مرة، وإن شاء عاقبه بالنار، ثمَّ أخرجه فأُدخل الجنة، ولا يخلد أحد في النار مات عَلَى التوحيد، وأخطأ من كَفَّر بالذنب وهم الخوارج، ومن

(1)

من (ج).

(2)

"شرح مسلم" للنووي 11/ 223.

ص: 550

قَالَ: لا بد من عقاب الفاسق وهم المعتزلة.

الرابع عشر:

فيه دلالة لمذهب الأكثرين. كما نقله القاضي عياض

(1)

أن الحدود كفارة لأهلها ومنهم من (وقف)

(2)

لحديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا أدري الحدود كفارات"

(3)

لكن حديث عبادة أصح إسنادًا، ويمكن أن يكون حديث أبي هريرة أولًا، قبل أن يعلم ثمَّ أُعلم، واحتج من وقف بقوله تعالى:{ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]. والجواب عن ذَلِكَ من وجهين:

أحدهما: أن الآية في الكفار على من قَالَ ذَلِكَ.

الثاني: أن حديث عبادة مخصص لها، وحكي عن القاضي إسماعيل: أن قتل القاتل حد وردع لغيره، وأما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم؛ لأنه لم يصل إليه حق، وقيل: يبقى لَهُ حق التشفي.

الخامس عشر:

قَالَ ابن التين في شرح البخاري

(4)

: قوله: "فعوقب في الدنيا" يريد القطع في السرقة والحد في الزنا، وأما قتل الولد فليس له عقوبة معلومة إلا أن يريد قتل النفس، فكنى بالأولاد عنه.

(1)

"إكمال المعلم" 5/ 550.

(2)

في (ج): توقف.

(3)

رواه الحاكم 2/ 14، والبيهقي 8/ 329. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

(4)

من (ف).

ص: 551

‌12 - باب مِنَ الدِّينِ الْفِرَارُ مِنَ الْفِتَنِ

11 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتَّبعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ". [3300،3600، 6495، 7088 - فتح: 1/ 69]

نا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتَّبعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ".

(ولما كان الفرار صيانة للدين أطلق عليه البخاري (دينًا)

(1)

)

(2)

.

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث انفرد به البخاري عن مسلم رواه هنا عن القعنبي، وفي الفتن عن (ابن)

(3)

يوسف

(4)

، وفي أثناء الكتاب عن إسماعيل

(5)

، ثلاثتهم عن مالك به، وفي الرقاق

(6)

وعلامات النبوة

(7)

عن أبي نعيم، عن الماجشون، عن عبد الرحمن به، وهو من أحاديث مالك

(1)

في (ج): الدين.

(2)

في (ف) هذِه الجملة بعد قوله: الكلام عليه من وجوه.

(3)

في (ج): أبي، وهو خطأ.

(4)

سيأتي برقم (7088) باب: التعرب في الفتنة.

(5)

سيأتي برقم (3300) كتاب: بدء الخلق، باب: خير مال المسلم غنم ..

(6)

سيأتي برقم (6495) باب: العزلة راحة من خلاط السوء.

(7)

سيأتي برقم (3600) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.

ص: 552

في "الموطأ"

(1)

.

وزعم الإسماعيلي في "مستخرجه" أن إسحاق بن موسى الأنصاري رواه عن معن، عن مالك فجعله من قول (أبي سعيد)

(2)

لم يجاوزه.

قَالَ الإسماعيلي: قُلْتُ: أسنده ابن وهب والتنيسي وسويد وغيرهم، وأخرج مسلم معناه من حديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أي الناس أفضل؟ قَالَ: "مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله"، قَالَ: ثمَّ من؟ قَالَ: "ثمَّ رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه، وياع الناس من شره"

(3)

.

وفي حديث له: "من خير معاش الناس لهم".

ثمَّ ذكر: "رجلًا في غنيمة في رأس شعفة من هذِه الشعف أو بطن وادٍ من هذِه الأودية يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد ربه حتَّى يأتيه اليقين ليس من الناس إلا في خير"

(4)

.

الوجه الثاني: ذكر الخطيب في كتابه: "رافع الارتياب" أن الصواب: عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة

(5)

.

(1)

"الموطأ" برواية يحيى ص 601.

(2)

بياض في (ف)، والمثبت من (ج).

(3)

مسلم (1888) كتاب الإمارة، باب: فضل الجهاد والرباط.

(4)

مسلم (1889) كتاب: الإمارة، باب: فضل الجهاد الرباط، من حديث أبي هريرة.

(5)

قال ابن عبد البر في "التمهيد" 19/ 223: حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا بكر بن حماد، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى، عن مالك بن أنس، قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أذنت فارفع صوتك، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن شيء إلا شهد له"، وقد وهم ابن عيينة في اسم هذا الشيخ، شيخ مالك، إذ روى عنه هذا الحديث. =

ص: 553

قَالَ ابن المديني: ووهم ابن عيينة حيث قَالَ: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة. وقال الدارقطني: لم يختلف على مالك في اسمه، قُلْتُ: في "الثقات" لابن حبان: خالفهم مالك فقال: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة

(1)

. وفي "طبقات ابن سعد": عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي صعصعة.

واسمه: عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج

(2)

.

الوجه الثالث: في التعريف برواته غير ما سلف.

أما أبو سعيد: فهو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد -وقيل: عبد- بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري، وزعم بعضهم أن خدرة هي أم الأبجر.

استُصغر

(3)

يوم أحد فَرُدَّ، وغزا بعد ذَلِكَ اثنتي عشرة غزوة مع

= ثم روى الحديث من طريق آخر عن الشافعى، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن صعصعة، قال: سمعت أبي .. الحديث. وقال: ثم ذكر الشافعى حديث مالك هذا بإسناده سواء كما ذكرناه عن مالك، ثم قال الشافعى: مالك أصاب اسم الرجل فيما أرى، وقد أخطأ فيه ابن عيينة.

(1)

"الثقات" 7/ 64. وقال في ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة من "مشاهير علماء الأمصار" (1012): هو الذي يخطئ ابن عيينة في اسمه ويقول: عبد الله بن عبد الرحمن، من متقني أهل المدينة.

(2)

"الطبقات الكبرى"(القسم المتمم)(38، 185). قال المزي في "تهذيب الكمال" 17/ 216 (3870): عبد الرحمن بن عبد الله بن الرحمن، بن أبي صعصعة الأنصاري المازني المدني، ومنهم من يقول فيه: عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة فينسب عبد الله إلى جده، ومنهم من يقول فيه: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، فيقلب اسمه، والجميع لرجل واحد.

(3)

ورد بهامش (ف): وكان عمره ثلاث عشرة.

ص: 554

رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشهد أبوه يوم أحد.

روي لَهُ ألف حديث ومائة وسبعون حديثا، اتفقا منها عَلَى ستة وأربعين

(1)

، وانفرد البخاري بستة عشر، ومسلم باثنين وخمسين. روى عن جماعة من الصحابة منهم: الخلفاء الأربعة، ووالده مالك، وأخوه لأمه قتادة بن النعمان، وعنه: جماعة من الصحابة منهم: ابن عمر وابن عباس، وخلق من التابعين. وكان من الحفاظ المكثرين (العلماء)

(2)

الفضلاء، العقلاء، أحد نجباء الأنصار وعلمائهم مع حداثة سنه، وكان يلبس الخز، ويحفي شاربه ولا يخضب، كانت لحيته بيضاء خُصَلًا. وبايع النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى أن لا يأخذه في الله لومة لائم مع جماعة، واستقال غيره. فأقيل

(3)

، ويقال لَهُ: عفيف المسألة؛ لأنه عف فلم يسأل أحدًا، ولما مات والده لم يترك لَهُ مالًا، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليسأله فقال حين رآه:"من يستغن أغناه الله، ومن يستعفف أعفه الله"، فقال: ما يريد غيري، فرجع

(4)

. وكذا والده أيضًا؛ لأنه طوى ثلاثًا فلم يسأل، فقال عليه السلام: "من أراد أن ينظر إلى

(1)

ورد بهامش (ف): قال ابن الجوزي: اتفقا على ثلاثة وأربعين حديثًا.

(2)

من (ف).

(3)

قال الحافظ في "الإصابة" 2/ 35: روى الهيثم بن كليب في "مسنده" من طريق عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأبو ذر وعبيدة بن الصامت ومحمد بن مسلمة وأبو سعيد الخدري وسادس على أن لا تأخذنا في الله لومة لائم، فاستقال السادس فأقاله.

(4)

رواه النسائي 5/ 98، وأحمد 3/ 9، 47، والطيالسي 3/ 618 (2275)، أبو يعلى 3/ 367 - 368 (1129) و 3/ 455 (1267)، والبغوي في "معجم الصحابة" 3/ 19 (927)، وابن حبان 8/ 191 - 192 (3398) من طرق عن أبي سعيد الخدري. والحديث أصله في الصحيحين، وسيأتي برقم (1469) كتاب: الزكاة، باب: الاستعفاف عن المسألة، ورواه مسلم (1053).

ص: 555

(العفيف)

(1)

المسألة فلينظر إلى هذا"

(2)

.

في وفاته ثلاثة أقوال: (أحدها: سنة أربع وسبعين. ثانيها: سنة أربع وستين. ثالثها: سنة خمس

(3)

)

(4)

.

(ذكره العسكري

(5)

بالمدينة يوم جمعة، ودفن والده أيضًا بالبقيع، وفي سنه -أعني: سن أبي سعيد- قولان: أحدهما: ابن أربع وسبعين، والثاني: ابن ثلاث وسبعين،)

(6)

ووهم من قَالَ: سنه أربع وتسعين

(7)

.

(1)

في (ج): الضعيف.

(2)

قال ابن الأثير في "أسد الغابة" في ترجمة مالك بن سنان 5/ 27 (4595): طوى مالك بن سنان ثلاثًا، ولم يسأل أحدًا شيئًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من أراد أن ينظر إلى العفيف المسألة، فلينظر إلى مالك بن سنان". اهـ. وقال الحافظ في "نزهة الألباب"(1989): عفيف المسألة هو مالك بن سنان الخدري، والد أبي سعيد الخدري، الصحابي المشهور، قال الجهيمي: قيل له ذلك؛ لأنه طوى ثلاثًا لم يسأل.

(3)

يعني وستين، كما في "الإصابة" 2/ 35.

(4)

في (ج): أحدها: سنة أربع وسبعين. ثانيها: سنة أربع وتسعين. ثالثها: سنة ثلاث وسبعين.

(5)

هو الإمام المحدث الأديب العلامة، أبو أحمد، الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، صاحب التصانيف. قال الحافظ أبو طاهر السلفي: كان أبو أحمد العسكري من الأئمة المذكورين بالتصرف في أنواع العلوم. والتبحر في فنون الفهوم، ومن المشهورين بجودة التأليف وحسن التصنيف، ألف كتاب "الحكم والأمثال"، "التصحيف" وعاش حتى علا به السن واشتهر في الآفاق، قيل: إنه توفي سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة.

انظر ترجمته في: "المنتظم" 7/ 191، "وفيات الأعيان" 2/ 83، "سير أعلام النبلاء" 16/ 423 (301)، "تاريخ الإسلام" 27/ 49، "الوافي بالوفيات" 12/ 76، "شذرات الذهب" 3/ 102.

(6)

من (ف).

(7)

انظر ترجمة أبي سعيد الخدري في: "معجم الصحابة" للبغوي 3/ 18، "معجم الصحابة" لابن قانع 1/ 258 (297)، "معرفة الصحابة" 3/ 1260 (1110)، =

ص: 556

تنبيهات:

أحدها: (ما)

(1)

ذكرناه من اسم أبي سعيد هو المشهور. وقيل: اسمه سنان، وسنان (والد)

(2)

مالك يقال له: الشهيد، والخزرج: هو (ابن حارثة)

(3)

بن ثعلبة بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس ابن ثعلبة بن مازن بن الأزد، وأسقط أبو عمر عبيدًا الأول

(4)

، وهو الصواب، كما نبه عليه (الرشاطي)

(5)

(6)

، وخالف ابن الكلبي

(7)

،

= "الاستيعاب" 2/ 167 (959) و 4/ 235 (3027)، "أسد الغابة" 2/ 365 (2035) و 6/ 142 (5954)، "الإصابة" 2/ 35 (3196).

وانظر ترجمة أبيه مالك بن سنان في: "معجم الصحابة" للبغوي 5/ 242، "معرفة الصحابة" 5/ 2455 (2593)، "الاستيعاب" 3/ 407 (2297)، "أسد الغابة" 5/ 27 (4595)، "الإصابة" 3/ 345 (7635). وستأتي ترجمته.

(1)

من (ف).

(2)

في (ج): والده.

(3)

في (ج): بن خزيمة.

(4)

ترجم أبو عمر لأبي سعيد الخدري في "الاستيعاب" مرتين، مرة في الأسماء 2/ 167 (959) وفيها أثبت عبيد الأول، ومرة في الكنى 4/ 235 (3027) وفيها أُسقط -كما ذكر المصنف-، وأثبتها أيضًا في ترجمة أبيه مالك بن سنان 3/ 407 (2297)، فأثبتها في موضعين، وأسقطها في موضع واحد.

(5)

في (ج): الواسطي.

(6)

هو الشيخ الإمام الحافظ المتقن النسابة، أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن أحمد اللخمي الأندلسي المَرِيِّي الرشاطي، من مصنفاته:"اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب رواة الآثار" وكتاب "الإعلام بما في كتاب المختلف والمؤتلف للدارقطني من الأوهام" وغير ذلك، وكان ضابطًا محدثًا متقنًا إمامًا، ذاكرًا للرجال حافظًا للتاريخ والأنساب، فقيهًا بارعًا، أحد الجلة المشار إليهم، توفي في جمادي الآخرة سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. انظر ترجمته في:"وفيات الأعيان" 3/ 106، "سير أعلام النبلاء" 20/ 258 (175)، "تذكرة الحفاظ" 4/ 1307، "البداية والنهاية" 12/ 730.

(7)

سلفت ترجمته في المقدمة.

ص: 557

وخليفة بن خياط

(1)

، فأثبتاه.

الثاني: في الصحابة أيضًا سعد بن أبي وقاص مالك

(2)

، وسعد بن مالك العذري قدم في وفد عذرة

(3)

.

الثالث: لا خلاف في إهمال دال الخدري، وهو نسبة إلى خدرة كما أسلفناه، وقال ابن حبان في "ثقاته" في ترجمة أبي سعيد: إن خدرة من اليمن

(4)

، ومراده أن الأنصار من اليمن فهم بطن من الأنصار، وهم نفر قليل بالمدينة. وقال أبو عمر: خدرة وخدارة بطنان من الأنصار، فأبو مسعود الأنصاري من خدارة، وأبو سعيد من خدرة، وهما ابنا عوف بن الحارث

(5)

، كما سلف.

قُلْتُ: وضبط أبو عمر خدارة -بضم الخاء المعجمة-

(6)

وهو خلاف ما قاله الدارقطني من كونه بالجيم، أي: المكسورة

(7)

، وصوبه

(1)

"الطبقات" لخليفة بن خياط (602). وخليفة ابن خياط هو ابن خليفة بن خياط، الإمام الحافظ العلامة الأخباري، أبو عمرو العصفري البصري، ويلقب بشباب، صاحب "التاريخ"، و"الطبقات" وغير ذلك، كان صدوقًا نسابة، عالمًا بالسير والأيام والرجال، وثقه بعضهم، وقال ابن عدي: هو صدوق من متيقظي الرواة.

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 3/ 191، "الجرح والتعديل" 3/ 378، "الكامل" لابن عدي 3/ 517 (614)، "تهذيب الكمال" 8/ 314 (1719)، "سير أعلام النبلاء" 11/ 472 (122)، "شذرات الذهب" 2/ 94.

(2)

ستأتي ترجمته مفصلة في حديث رقم (27).

(3)

انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 2/ 167 (960)، "أسد الغابة" 2/ 366 (2036)، "الإصابة" 2/ 33 (3193).

(4)

"الثقات" 3/ 150.

(5)

"الاستيعاب" 4/ 235.

(6)

المصدر السابق.

(7)

قال الدارقطني: باب: خِدْرَة، وخُدْرَة، وجَدَرَة، وجِذْرَة، وجُذْرَة، وحَدْرَة، وأما =

ص: 558

الرشاطي

(1)

، وكذا نص عليه العسكري في "الصحابة" والحافظ أبو الحسن المقدسي، قُلْتُ: وفي (سلمى)

(2)

خدرة بن كاهل، قاله ابن حبيب.

الرابع: يشتبه (الخُدْري)

(3)

بالخِدْري -بكسر الخاء وسكون الدال- نسبة إلى (خدرة)

(4)

بطن من ذهل بن شيبان، وبالخَدَري -بفتحهما- وهو محمد بن الحسن، متأخر روى عن أبي حاتم

(5)

، وبالجدري -بفتح الجيم والدال- وهو عمير بن سالم، وبكسر وسكون نسبة إلى جدرة بطن من كعب.

الخامس: قَدْ ذكرنا أن خدرة تشتبه بأربعة أشياء: خِدْرة وخَدَرة وجَدَرة (وجِدْرة)

(6)

، وتشتبه أيضًا بثلاثة أشياء أُخَرَ (ذكرتهم)

(7)

في "مشتبه النسبة" فراجعْها منه.

قَالَ ابن دريد: خدرة فعلة، إما من الخَدَر أو من الخُدْرة حكاه

= خِدرَة فذكر ابن حبيب، قال: في ربيعة بن نِزار: خِدْرَة، وهو عمرو بن ذُهْل بن شيبان بن ثعلبة. وأما خُدْرة، فهو قبيل من الأنصار، وهم بنو خُدْرَة بن عون بن الحارث بن الخزرج بن حارثة، منهم: أبو سعيد الخدري، سعد بن مالك. واسم خُدْرَة الأبجر. اهـ. "المؤتلف والمختلف" 2/ 891. قلت: ذكر الدارقطني هنا خُدْرَة، بضم الخاء المعجمة، وهذا بخلاف ما ذكره المصنف عنه!

(1)

مظنه كتابه "الإعلام بما في كتاب المختلف والمؤتلف للدارقطني من الأوهام" وهو غير مطبوع.

(2)

في (ج): سلمان.

(3)

ساقطة من (ج).

(4)

في (ج): خدارة.

(5)

انظر: "المشتبه" للذهبي 1/ 263.

(6)

ساقطة من (ج).

(7)

في (ج): ذكرهم.

ص: 559

الرشاطي عنه

(1)

.

السادس: أبو سعيد هذا صحابي (ابن صحابي)

(2)

أسلم والده، وقتل يوم أحد كما سلف، قتله عرار بن سفيان الكلابي

(3)

. ولم يرْوَ عنه شيء كما نص عليه العسكري فيما زعم، قَالَ:(وذكر)

(4)

بعضهم (أن أبا شيبة أخاه)

(5)

لا يعرف اسمه، وذكره أبو حاتم فيمن لا يعرف اسمه، مات في أيام يزيد بن معاوية غازيًا، ودفن في بلاد الروم.

وروى أبو سعيد الأشج حديثًا قَالَ فيه: عن أبي سلمة الخدري، -ولست أعرفه- وأحسبه: عن أبي سلمة، عن الخدري فوهم

(6)

-فهذِه مهمات في ترجمة أبي سعيد لا يُسأم منها؛ فانه يرحل إليها.

وأما عبد الرحمن ووالده عبد الله فأنصاريَّان مازنيَّان مدنيَّان ثِقتَان، وقد (سقنا نسبهما)

(7)

فيما مضى، وجدُّ عبد الرحمن الأعلى الحارث، شهد أحدًا، وقتل يوم اليمامة شهيدًا مع خالد بن الوليد

(8)

، وكان عمرو

(1)

للمزيد في هذا الباب ينظر "المؤتلف والمختلف" 2/ 891 - 893، "الإكمال" 3/ 127 - 130، "الأنساب" 5/ 58 - 59. "المشتبه" للذهبي 1/ 263، "توضيح المشتبه" لابن ناصر الدين 3/ 405 - 409، "تبصير المنتبه بتحرير المشتبته" للحافظ 2/ 527.

(2)

من (ف)

(3)

كذا في (ف)، (ج)، وفي "معجم الصحابة" 5/ 242، "الاستيعاب" 3/ 480، "أسد الغابة" 5/ 27: عراب بن سفيان الكناني.

(4)

في (ج): وزعم.

(5)

في (ج): أن أباه.

(6)

قال الحافظ في "الإصابة" 4/ 100 (603): أبو سلمة الخدري

ذكره بعضهم في الصحابة، وهو خطأ نشأ عن سقط، والصواب: عن أبي سلمة، وهو ابن عبد الرحمن، عن الخدري وهو أبو سعيد، فسقطت (عن) من السند -فالله أعلم-.

(7)

في (ج): سبق نسبتهما.

(8)

انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 1/ 360 (432)، "أسد الغابة" 1/ 398 (902).

ص: 560

-أبو صعصعة، بفتح الصادين المهملتين- سيد بني مازن بن النجار، قتله برذع بن زيد بن عامر بن سواد بن ظَفَر من الأوس غيلةً بدل قيس بن الخطيم، وكان قتله قوم من بني النجار وبني سلمة، ثمَّ أسلم بردع وشهد أحدًا

(1)

.

قَالَ ابن سعد: أدرك مالك بن أنس أبا عبد الرحمن وروى عنه (

)

(2)

وعن ابنيه عبد الرحمن ومحمد

(3)

البخاري والنسائي وابن ماجه

(4)

، وروى أبو داود لعبد الله، وابنه عبد الرحمن، ولم يرو (مسلم)

(5)

عن أحد منهم شيئًا.

قَالَ النسائي: عبد الله ثقة وكذا ولده. وذكره ابن حبان أيضًا في "ثقاته"

(6)

، مات عبد الرحمن سنة تسع وثلاثين ومائة، وقال مالك: كان (لبني)

(7)

أبي صعصعة حلقة في المسجد بين المنبر والقبر، وفيهم رجال أهل علم ورواية ومعرفة كلهم كان يفتي

(8)

.

(1)

انظر ترجمته في: "الإكمال" 1/ 243، "أسد الغابة" 1/ 208 (395)، "الإصابة" 1/ 145 (626).

(2)

بياض في (ف) وليس في (ج).

(3)

"الطبقات الكبرى"(القسم المتمم)(38) وفيه: أدركه مالك -أي: عبد الله- وروى عنه وعن ابنيه محمد وعبد الرحمن ابني عبد الله.

(4)

هذا من كلام المصنف رحمه الله وكذا ما بعده أيضًا.

(5)

ساقطة من (ج).

(6)

"الثقات" 5/ 13.

(7)

في (ج): لابن.

(8)

انظر ترجمة عبد الرحمن في: "التاريخ الكبير" 5/ 303 (990)، "الجرح والتعديل" 5/ 250 (1196)، "تهذيب الكمال" 17/ 216 (3870).

وانظر ترجمة أبيه عبد الله في: "التاريخ الكبير" 5/ 130 (386)، "الجرح والتعديل" 5/ 94 (430)، "تهذيب الكمال" 15/ 208 (3381).

ص: 561

وأما عبد الله: فهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسلمة بن (قعنب)

(1)

القعنبي الحارثي المدني، سكن البصرة، كان (مجاب)

(2)

الدعوة، سمع مالكًا والليث وحماد بن سلمة، وخلائق لا يحصون من الأعلام، وسمع من شعبة حديثًا واحدًا، وله معه قصة، وهو:"إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إِذَا لم تستحي فاصنع ما شئت"

(3)

.

وإمامته وإتقانه (وثقته)

(4)

وجلالته وحفظه وصلاحه وورعه وزهده مجمع عليه، قَالَ أبو زرعة: ما كتبت عن أحد أجل في عيني منه.

وقال أبو حاتم: لم أر أخشع منه

(5)

وقيل لمالك: إن عبد الله قدم، فقال: قوموا بنا إلى خير أهل الأرض، وقال عبد الله: اختلفت إلى

(1)

في (ج): القعنب.

(2)

ساقطة من (ج).

(3)

قال الذهبي: قال الحافظ أبو عمرو أحمد بن محمد الحيري سمعت أبي يقول: قلت للقعنبي: مالك لا تروي عن شعبة غير هذا الحديث؟ قال: كان شعبة يستثقلني فلا يحدثني. يعني حديث: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت". اهـ. "سير أعلام النبلاء" 10/ 261. وذكر ذلك أيضًا في "تاريخ الإسلام " 16/ 247.

قلت: أظن أن هذِه هي القصة التي أشار إليها المصنف. والحديث من طريق القعنبي، عن شعبة رواه أبو داود (4797)، وعبد الله بن أحمد في "زياداته على المسند" 5/ 273 (22345)، وابن حبان (607)، والطبراني 17/ 651، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1156)، والمزي في "تهذيب الكمال" 16/ 142 - 143، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 10/ 259.

قال ابن حبان: ما سمع القعنبي من شعبة إلا هذا الحديث، وكذا قال المزي.

والحديث سيأتي برقم (8483، 6120) حدثنا أحمد بن يونس: حدثنا زهير، حدثنا منصور، عن ربعي به، وبرقم (3484) حدثنا آدم: حدثنا شعبة، عن منصور به.

(4)

من (ف).

(5)

"الجرح والتعديل" 5/ 181 (839).

ص: 562

مالك ثلاثين سنة، ما من حديث في "الموطأ" إلا لو شئت قُلْتُ: سمعته مرارًا من مالك، ولكني (اقتصرت)

(1)

عَلَى قراءتي عليه؛ لأن مالكًا كان يذهب إلى أن القراءة عَلَى الشيخ أثبت من قراءة العالم

(2)

.

(1)

في (ج): اختصرت.

(2)

رواه الخطيب في "الكفاية" ص 401.

والقراءة على الشيخ وقراءة العالم، هما قسمان من أقسام طرق نقل الحديث وتحمله، وهي ثمانية أقسام:

أما القسم الأول: وهو قراءة العالم ويسمى أيضًا السماع من لفظ الشيخ، وصورته: أن يقرأ الشيخ، والطالب يسمع سواء قرأ الشيخ من حفظه أو من كتابه، وهذا القسم أرفع الأقسام عند الجماهير، وصيغ أداء هذا القسم أن يقول السامع أو الطالب: حدثنا أو حدثني أو سمعت.

وأما القسم الثاني: وهو القراءة على الشيخ، وأكثر المحدثين يسمونها: عرضًا، وصورته: أن يجلس الشيخ ويقوم أحد الطلاب بالقراءة عليه، سواء قرأ هو أو غيره، وسواء تابعه الشيخ من حفظه أو من كتابه.

وصيغ الأداء في هذا القسم أن يقول الطالب: أخبرنا، وهذِه كانت تستعمل في القسم الأول، قبل أن يشيع تخصيص هذِه الألفاظ، فصارت تستخدم فقط مع القراءة على الشيخ، ويجوز أن يقول الطالب أيضًا: قرأت على فلان كذا، أو قرئ على فلان كذا وأنا أسمع، ولا خلاف أنها راوية صحيحة إلا ما حكي عن بعض من لا يعتد بخلافه.

واختلفوا في أن هذا القسم مثل، السماع من لفظ الشيخ في المرتبة أو دونه أو فوقه على ثلاث مراتب: الأولى: أنهما سواء وهذا مروي عن مالك، وقيل: إنه مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة، ومذهب البخاري وغيرهم.

الثانية: أن هذا القسم دون السماع من لفظ الشيخ، وهو الصحيح، وقد قيل: إن هذا مذهب جمهور أهل المشرق.

الثالثة: أن هذا القسم فوق السماع من لفظ الشيخ، وهو مروي عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما، ورواية عن مالك. والأقسام الأخرى وهي الإجازة والمناولة والمكاتبة والإعلام والوصية والوجادة. =

ص: 563

وقال أبو سبرة الحافظ: قُلْتُ للقعنبي: حدثتَ ولم تكن تحدث! قَالَ: رأيتُ كأن القيامة قَدْ قامت فصيح بأهل العلم فقاموا، فقمتُ معهم، فصيح بي: اجلس، فقلتُ: إلهي، ألم أكن معهم أطلب؟ قَالَ: بلى ولكنهم نشروا وأَخْفَيْتَه؛ فحدثتُ.

روى عنه البخاري ومسلم فأكثرا، ومسلم عن عبد بن حميد عنه حديثًا واحدًا في الأطعمة

(1)

، والترمذي (والنسائي)

(2)

عن رجل عنه.

مات سنة إحدى وعشرين ومائتين

(3)

.

فائدة:

هذا الإسناد فيه لطيفة مستطرفة وهي أن رجاله كلهم مدنيون.

الوجه الرابع: في ضبط ألفاظه ومعانيه:

قوله: "يُوشِكُ" هو -بكسر الشين وبضم الياء- أي: يسرع ويقرب، ويقال في ماضيه: أوشك، ومن أنكر استعماله ماضيًا فغلط، فقد كثر استعماله.

قَالَ الجوهري: أَوْشَكَ فلانٌ، يُوشِكُ إيشَاكًا أي: أسرع

(4)

.

قَالَ جرير:

= انظر: "الكفاية في علم الرواية" ص 398 - 403، "علوم الحديث" ص 132 - 181، "المقنع" 1/ 292 - 336، "فتح المغيث" 2/ 18 - 192، "تدريب الراوي" 2/ 15 - 104.

(1)

مسلم (2040/ 143) كتاب: الأشربة، باب: جواز استتباعه غيره ....

(2)

من (ف).

(3)

انظر ترجمة القعنبي في: "التاريخ الكبير" 5/ 212 (680)، "الجرح والتعديل" 5/ 181 (839)، "تهذيب الكمال" 16/ 136 (3571)، "سير أعلام النبلاء" 10/ 257 (68).

(4)

في "الصحاح": أسرع السير.

ص: 564

إِذَا جَهِلَ الشَّقِيُّ ولم يُقَدِّرْ

ببعض الأمر أَوْشَكَ أن يُصَابا

قَالَ: والعامة (تقول)

(1)

: يُوشَكْ -بفتح الشين وهي لغة رديئة- قال أبو يوسف -يعني: ابن السكيت: وَاَشَك يُواشِكُ وِشَاكًا، مثل أَوْشَكَ، ويقال: إنه مُواشِكٌ، أي: مسارع

(2)

.

ويوشك أحد أفعال المقاربة، يطلب اسمًا مرفوعًا وخبرًا (منصوب المحل)

(3)

لا يكون إلا فعلًا مضارعًا مقرونًا بأن، وقد يسند إلى أن والفعل المضارع فيسد ذَلِكَ مسد اسمها وخبرها، كما جاء في هذا الحديث. ومثله قول الشاعر:

يُوشك أن يبلغ منتهى الأجل

فالبر لازم برجاءٍ (ووجل)

(4)

وقوله: ("خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غنَمٌ") يجوز فيه وجهان:

أحدهما: نصب "خير" وهو الأشهر في الرواية، وهو خبر يكون مقدمًا ولا يضر كون الاسم -وهو"غنم"- نكرة؛ لأنها وصفت بـ "يتبع (بها)

(5)

.

وثانيهما: رفعه عَلَى أن (يكون في)

(6)

"يكون" ضمير الشأن؛ لأنه كلام تضمن تحذيرًا وتعظيمًا لما يتوقع. ويكون: "خَيْرُ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ" مبتدأً وخبرًا، وقد روي:"غنمًا"

(7)

بالنصب وهو ظاهر، وقوله:

(1)

في (ب): يقولون.

(2)

"الصحاح" 4/ 1615، مادة:(وشك).

(3)

في (ج): منصوبًا.

(4)

في (ج): ورجل.

(5)

من (ف).

(6)

ساقطه من (ج).

(7)

رواه أبوداود (4267)، ومالك في "الموطأ" ص 601، وأحمد 3/ 30، وابن عبد البر في "التمهيد" 19/ 221 - 222.

ص: 565

"يَتَّبع"

(1)

هو بتشديد التاء، وقوله:"شعف الجبال" هو بشين معجمة مفتوحة ثمَّ عين مهملة، وهي رءوس الجبال، وشَعَفُ كل شيء: أعلاه، والواحدة: شَعَفَة.

وقوله: ("يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ") أي: من (فساد ذاتِ البين)

(2)

وغيرها، وخصت الغنم بذلك؛ لما فيها من السكينة والبركة -وقد رعاها الأنبياء والصالحون صلوات الله عليهم وسلامه- مع أنها سهلة الانقياد، خفيفة المؤنة، كثيرة النفع.

وقال أبو الزناد: إنما خص الغنم حضًّا عَلَى التواضع والخمول وترك الاستعلاء.

وقد قَالَ عليه السلام: "مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ"

(3)

وقال: "السَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الغَنَمِ"

(4)

.

وقال غيره: إنما ذكر شعف الجبال لفراغها من الناس غالبًا، وشبهها مثلها، وقد ذكر في حديث مسلم بطن الوادي معه كما سلف

(5)

.

الوجه الخامس: في فوائده:

وهي كثيرة منها:

فضل العزلة في أيام الفتن؛ لإحراز الدين؛ ولئلا تقع عقوبة فتعم،

(1)

في (ج): "يتبع بها".

(2)

في (ج): قتال ذات الدين.

(3)

سيأتي برقم (2262) في الإجارة، باب رعي الغنم على قراريط. عن أبي هريرة.

(4)

قطعة من حديث سيأتي برقم (3301) كتاب: بدء الخلق، باب: خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ورواه مسلم (52/ 85 - 87، 89) كتاب: الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه. من حديث أبي هريرة.

(5)

مسلم (161/ 257).

ص: 566

إلا أن يكون الإنسان ممن لَهُ قدرة عَلَى إزالة الفتنة، فإنه يجب عليه السعي في إزالتها، إما فرض عين، وإما فرض كفاية

(1)

بحسب (الحال)

(2)

والإمكان.

وأما في غير أيام الفتنة (فاختلف)

(3)

العلماء أيها أفضل: العزلة أم الاختلاط؟

فذهب الشافعي والأكثرون إلى تفضيل الخلطة؛ لما فيها من اكتساب الفوائد، وشهود الشعائر، وتكثير سواد المسلمين، وإيصال الخير إليهم ولو بعيادة (المرضى)

(4)

، وتشييع الجنائز، وإفشاء السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتعاون عَلَى البر والتقوى، وإعانة المحتاج، وحضور (جماعاتهم)

(5)

، وغير ذَلِكَ مما يقدر عليه كل أحد. فإن كان صاحب (علم)

(6)

أو سليك في الزهد ونحو ذَلِكَ تأكد فضل اختلاطه.

وذهب آخرون إلى تفضيل العزلة؛ لما فيها من السلامة المحققة لمن

(1)

فرض العين: هو الأفعال الواجبة على المسلمين المكلفين فردًا فردًا، فإذا قام بها فرد لا تسقط عن الباقين، فهي واجبة على الأعيان، كالصلاة المكتوبة وصوم رمضان والحج. أما فرض الكفاية: فهو ما يجب أن يقوم به من يكفي، فإذا قام به من يكفي سقط وجوبه عن الباقين، وان لم يقم به أحد أثموا جميعًا، وذلك كغسل الميت والصلاة عليه ودفنه.

للاستزادة ينظر: "مجموع الفتاوى" 2/ 80، "شرح الكوكب المنير" 1/ 374 - 384، "إرشاد الفحول" 1/ 73، "المسودة" 1/ 169 - 171.

(2)

في (ف): المآل.

(3)

في (ج): فقد اختلف.

(4)

في (ج): المريض.

(5)

في (ج): جماعتهم.

(6)

ساقطة من (ج).

ص: 567

لا يغلب عَلَى ظنه الوقوع في المعاصي، ومنها الاحتراز من الفتن.

وقد أخرج البخاري في الفتن: حديث سلمة بن الأكوع، أنه لما قتل عثمان خرج سلمة إلى الربذة، فتزوج هناك امرأة وولدت لَهُ أولادًا، فلم يزل بها حتَّى كان قبل أن يموت بليالٍ؛ فنزل المدينة

(1)

.

وفي حديث آخر: أنه دخل عَلَى الحجاج فقال له: يَا ابن الأَكْوَعِ، ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ، وتَعَرَّبْتَ؟ قَالَ: لَا، ولكن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِي فِي البَدْوِ

(2)

.

(1)

سيأتي برقم (7087) باب: التعرب في الفتنة.

(2)

هو الحديث السالف (7087) واعتبر المصنف رحمه الله هذا الحديث حديثين.

ص: 568

‌13 - باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللهِ

"

وَأَنَّ المَعْرِفَةَ فِعلُ القَلْبِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225].

هو بفتح الهمزة من (أن) أي باب كذا، وباب بيان أن المعرفة من فِعل القلب، (فلا يجوز قوله باب على غير الإضافة كما صرَّح به الكرماني، فقال: هذا الباب متعين أن يُقرأ مضافا إلى قول النَّبي صلى الله عليه وسلم لا غير وأنا أعلمهم بالله و"أَنَا أَعْلَمُكُمْ باللهِ" مقول القول)

(1)

.

وأول واجب على المكلف المعرفة ثم القصد ليتوصل به إلى المعارف

كما تقرر في الأصول).

20 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَرَهُمْ، أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِى وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ:"إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللهِ أَنَا". [فتح: 1/ 70]

نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامِ قَالَ: أَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمَرَهُمْ، أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ. فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ:"إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ باللهِ أَنَا".

(1)

ليست في (ج). وانظر: "شرح الكرماني" 1/ 111.

ص: 569

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث (أخرجه البخاري هنا وأخرج .. )

(1)

.

الوجه الثاني: في التعريف (برواته)

(2)

:

أما عائشة وعروة وهشام فسلف ذِكْرهُم في أول الكتاب.

وأما عبدة: فهو أبو محمد عبدة (ع) -بسكون الباء- بن سليمان بن حاجب بن زرارة بن عبد الرحمن بن صرد بن (سُمير)

(3)

بن (مليل)

(4)

بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب الكلابي الكوفي. هكذا نسبه محمد بن سعد في "طبقاته"

(5)

. وقيل: اسمه عبد الرحمن، وعبدة لقب.

سمع جماعة من التابعين منهم: هشام والأعمش، وعنه: الأعلام: أحمد وغيره، قَالَ أحمد: ثقة (ثقة)

(6)

. وزيادة مع صلاح، وقال العجلي: ثقة رجل صالح صاحب قرآن (يقرئ)

(7)

(8)

.

توفي بالكوفة في جمادى، وقيل: رجب، سنة ثمان وثمانين ومائة.

قاله (الترمذي)

(9)

. وقال البخاري: سنة سبع

(10)

.

(1)

هذِه الجملة ساقطة من (ج) ومثبتة من (ف) وفيها بعد كلمة (وأخرج) بياض بمقدار ثلاث كلمات. والحديث ليس له روايات أخرى في البخاري.

(2)

في (ج): برجاله.

(3)

في (خ): تيم.

(4)

في (ج) مليكة، والمثبت من (ف) ومن "طبقات ابن سعد"، وهو الصواب.

(5)

"الطبقات الكبرى" 6/ 390 - 391، وليس فيه: الكلابي الكوفي.

(6)

من (ف).

(7)

من (ف).

(8)

"معرفة الثقات" 2/ 108 (1148).

(9)

في (ج): النسائي.

(10)

"التاريخ الكبير" 6/ 115 (1879). وانظر تمام ترجمته في: "تهذيب الكمال" 18/ 530 - 534 (3613).

ص: 570

وأما محمد (خ) بن سلام: فهو أبو عبد الله محمد بن سلام (بن الفرج)

(1)

السلمي، مولاهم البخاري البيكندي -بباء موحدة مكسورة ثمَّ مثناة تحت ساكنة ثمُّ كاف مفتوحة ثمَّ نون ساكنة- ويقال: الباكندي، ويقال: بالفاء، نسبة إلى بيكند: بلدة من بلاد بخارى عَلَى مرحلة منها خربت

(2)

.

وينسب إليها ثلاثة أنفس، انفرد البخاري بهم عن مسلم هذا أحدهم، وثانيهم: محمد بن يوسف

(3)

، وثالثهم: يحيى بن جعفر

(4)

.

وسلام والد محمد -بالتخفيف- عَلَى الصواب، وبه قطع المحققون، منهم الخطيب وابن ماكولا

(5)

.

وهو ما ذكره غنجار في "تاريخ بخارى"(وهو)

(6)

أعلم ببلاده، وحكاه أيضًا عنه. فقال: قَالَ سهيل بن المتوكل: سمعت محمد بن سلام يقول: (أنا)

(7)

محمد بن سلام -بالتخفيف- ولست بمحمد بن سلَّام، وذكر بعض الحفاظ أن تشديده لحن، وأما صاحب "المطالع" فادعى أن التشديد رواية الأكثرين، ولعله أراد أكثر شيوخه أو نحو ذَلِكَ.

(1)

في (خ): الفرجي.

(2)

انظر: "معجم البلدان" 1/ 533.

(3)

هو: محمد بن يوسف البخاري أبو أحمد البيكندي انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 27/ 63 (5718).

(4)

هو: يحيى بن جعفر بن أعين الأزدي البارقي، أبو زكريا البخاري البيكندي. انظر ترجمته في:"ثقات ابن حبان" 9/ 268، "تهذيب الكمال" 31/ 254 (6802)"سير أعلام النبلاء" 12/ 100 (30).

(5)

"الإكمال" 4/ 405 - 406، "تلخيص المتشابه" 1/ 127 (198).

(6)

في (ج): من هو.

(7)

في (خ): حدثنا.

ص: 571

قَالَ (النووي)

(1)

: لا نوافق عَلَى هذِه الدعوى فإنها مخالفة للمشهور

(2)

، سمع محمدُ بنُ سلام ابنَ عيينة وابن المبارك وغيرهما (من الأعلام)

(3)

، وعنه الأعلام الحفاظ البخاري، وانفرد به من بين سائر الكتب الستة، وآخرون.

أنفق في العلم أربعين ألفًا ومثلها في نشره، ويقال: إن الجن كانت تحضر مجلسه، وقال: أدركت مالكًا ولم أسمع منه، وكان أحمد يعظمه، وعنه: أحفظ أكثر من خمسة آلاف حديث كذب. وله رحلة ومصنفات في أبواب (من)

(4)

العلم، وانكسر قلمه في مجلس (شيخ فأمر أن ينادى)

(5)

: قلم بدينار، فطارت إليه الأقلام، مات سنة خمس وعشرين ومائتين

(6)

.

(1)

في (خ): الثوري.

(2)

المشهور أنه بالتخفيف، وإليه ذهب الخطيب وابن ماكولا وغنجار والذهبي والنووي وابن ناصر الدين والعراقي والحافظ ابن حجر.

وذهب إلى التشديد ابن قرقول وابن أبي حاتم وأبو عليّ الجياني.

انظر: "تلخيص المتشابه" 1/ 127، "علوم الحديث" ص 245، "تقييد المهمل" 2/ 290 - 291، "التقريب" 2/ 429، "الإكمال" 4/ 405 - 406، "المشتبه" 1/ 378، "توضيح المشتبه" 5/ 217 - 221، "فتح الباري" 1/ 71.

وللمعلمي اليماني في هذِه المسألة بحث نفيس رائع في تعليقه على "الإكمال" 4/ 405 - 410 فليراجع.

(3)

في (ج): من الأعيان.

(4)

من (ف).

(5)

في (خ): شيخه فنادى فأمر أن ينادى.

(6)

انظر ترجمة محمد بن سلام في: "التاريخ الكبير" 1/ 110 (314)، "الجرح والتعديل" 7/ 278 (1508)، "الثقات" 9/ 75، "تهذيب الكمال" 25/ 340 (5278)، "تهذيب التهذيب" 9/ 198.

ص: 572

الوجه الثالث: في ألفاظه ومعانيه وأحكامه.

فمعنى قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]: بما قصدتموه، وعزمت عليه قلوبكم، فكَسْبُ القلب عزمه ونيته، فسمي الاعتقاد فعلًا للقلب.

وأخبر تعالى أنه لا يؤاخذ عباده من الأعمال إلا بما اعتقدته

قلوبهم، فثبت أن (العقد)

(1)

من صفات القلوب خلافًا للكرامية

(2)

،

(1)

في (ج): العقل.

(2)

قال فخر الدين الرازي: الكرامية هم أتباع أبي عبد الله محمد بن كرام، كان من زهاد سجستان واغتر جماعة بزهده، ثم أخرج هو وأصحابه من سجستان، فارين حتى انتهوا إلى غرجة، فدعوا أهلها إلى اعتقادهم فقبلوا قولهم، وبقي ذلك المذهب في تلك الناحية، وهم فرق كثيرة: الطرائقية، الإسحاقية، الحماقية، العابدية، اليونانية، السومرية، الهيصمية، وأقربهم الهيصمية، وفي الجملة فهم كلهم يعتقدون أن الله تعالى جسم وجوهر ومحل للحوداث، ويثبتون له جهة ومكانًا، إلا أن العابدية يزعمون أن البعد بينه وبين العرش متناه، ولهم في الفروع أقوال عجبية، ومدار أمرهم على المخرقة والتزوير وإظهار التزهد، ولأبي عبد الله بن كرام تصانيف كثيرة إلا أن كلامه في غاية الركة والسقوط. اهـ. "اعتقادات فرق المسلمين والمشركين" ص 67.

وترجم الذهبي في "السير" 11/ 523 (146) لمحمد بن كرَّام فقال: السجستاني المبتدع، شيخ الكرَّامية، كان زاهدًا عابدًا ربانيًّا، بعيد الصيت، كثير الأصحاب، ولكنه يروي الواهيات كما قال ابن حبان، خذل حتى التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها، ثم جالس الجويباري وابن تميم، ولعلهما قد وضعا مائة ألف حديث، وقد سجن، ثم نفي، كان ناشفًا عابدًا، قليل العلم، قال الحاكم: مكث في سجن نيسابور ثماني سنين، ومات بأرض بيت المقدس سنة خمس وخمسين ومائتين. اهـ.

وترجمه أيضًا في "تاريخ الإسلام" 19/ 310 (482) فقال: محمد بن كرام بن مراق بن حزابة بن البراء، الشيخ الضال المجسم، أبو عبد الله السجستاني، شيخ الكراميين، ثم ساق له ترجمة، قل أن يوجد مثلها. =

ص: 573

وبعض المرجئة

(1)

؛ حيث قالوا: إن الإيمان قول باللسان دون عقده بالقلب، وفي الآية دلالة للمذهب الصحيح المختار الذي عليه الجمهور أن أفعال القلوب إِذَا استقرت (يؤاخذ بها)

(2)

وأما قوله

=وقال الحافظ في "اللسان" 5/ 356: قال أبو بكر محمد بن عبد الله: سمعت جدي العباس بن حمزة وابن خزيمة والحسين بن الفضل البجلي يقولون: الكرامية كفار يستتابون، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم.

(1)

الإرجاء على معنيين:

أحدهما: بمعنى التأخير كما في قوله تعالى: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} [الأعراف: 111].

أي: أمهله وأخره.

والثاني: إعطاء الرجاء.

أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل على النية والعقد.

وأما بالمعنى الثاني فظاهر؛ فإنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة.

وقيل: الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه بحكم. "الفرق بين الفرق" ص 25، "الملل والنحل" ص 139.

وقد رويت عدة أحاديث في ذمهم، منها ما رواه الترمذي (2149)، وابن ماجه (62)، وابن عدي 6/ 332 عن ابن عباس مرفوعًا:"صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية". قال الترمذي: حديث حسن غريب، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(10).

ومنها ما رواه العقيلي في "الضعفاء" 2/ 123، وابن أبي عاصم في "السنة"(949) عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن جده مرفوعًا:"صنفان من أمتي لا يردان على الحوض القدرية والمرجئة". صححه الألباني في "الصحيحة"(2748).

وفي الباب عن سهل بن سعد وابن عمر وأبي سعيد الخدري وجابر وأبي أمامة.

ولكن أغلبها أحاديث ضعاف.

(2)

في (ج): يؤخذ بها.

ص: 574

عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِى مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ به أَوْ تتكَلَّمْ"

(1)

فمحمول عَلَى ما إِذَا لم يستقر، وذلك معفو عنه بلا شك؛ لأنه لا يمكن الانفكاك عنه بخلاف الاستقرار، وستأتي المسألة مبسوطة في موضعها إن شاء الله تعالى.

وقولها: (أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ)، أي: يطيقون الدوام عليه. وقال لهم صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لئلا يتجاوزوا طاقتهم فيعجزوا، وخير العمل ما دام وإن قل

(2)

. وإذا حُمّلوا ما لا يطيقونه تركوه أو بعضه بعد ذَلِكَ، وصاروا في صورة ناقضي العهد، والراجعين عن (عادة جميلة)

(3)

، واللائق بطالب الآخرة الترقي وإلا فالبقاء عَلَى حاله؛ ولأنه إِذَا اعتاد من الطاعة بما يمكنه الدوام عليه دخل فيها بانشراح واستلذاذ لها ونشاط، ولا (يلحقه)

(4)

ملل ولا سآمة. والأحاديث بنحو هذا كثيرة في الصحيح مشهورة

(5)

.

وقد ذم الله تعالى من اعتاد عبادة ثمَّ فرط فيها بقوله: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27].

(1)

سيأتي برقم (5269) كتاب: الطلاق، باب: الطلاق في الإغلاق والكره. من حديث أبي هريرة.

(2)

دل على ذلك حديث سيأتي برقم (5861) كتاب: اللباس، باب: الجلوس على الحصير ونحوه، ورواه مسلم (782) كتاب: صلاة المسافرين، باب: فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره. عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرًا بالليل فيصلي، وفي آخره قال صلى الله عليه وسلم:"وإن أحب الأعمال إلى الله مادام وإن قل".

(3)

في (ج): العادة الجميلة.

(4)

في (ج): تلحقهم.

(5)

منها الحديث السالف، وأيضًا أحاديث ستأتي في كتاب، الرقاق، باب: القصد والمداومة على العمل (6461 - 6467).

ص: 575

وقولهم: (لسنا كهيئتك يا رسول الله)، قالوه رغبة في الزيادة في الأعمال؛ لما علموا من دأبه فيها مع كثرة ذنوبهم، وغفران ما تقدم لَهُ وما تأخر، (فعند ذَلِكَ)

(1)

غضب صلى الله عليه وسلم إذ كان أولى منهم بالعمل؛ لعلمه بما عند الله، (وعظيم)

(2)

خشيته له.

(قَالَ)

(3)

تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ} [فاطر: 28] وقيل: قالوه لما علموا منه من طلب التيسير عليهم وظنهم أنه لا ينجيهم إلا بلوغ الغاية في العبادة.

وفي الحديث جمل من الفوائد والقواعد:

(إحداها)

(4)

: ما قررناه من القصد في العبادة وملازمة ما يمكن الدوام عليه والرفق بالأمة، فالدين يسر.

ثانيها: أن الصالح ينبغي لَهُ أن لا يترك (جده)

(5)

في العمل؛ (اعتمادًا)

(6)

على صلاحه.

ثالثها: لَهُ الإخبار بحاله إِذَا دعت إليه حاجة وينبغي أن يحرص عَلَى كتمانها؛ خوف زوالها من (إشاعتها)

(7)

.

رابعها: الغضب عند ردِّ أمر الشرع ونفوذ الحكم في حال غضبه.

خامسها: بيان ما كانت عليه الصحابة من الرغبة التامة في الطاعة والزيادة في الخيرات.

(1)

في (ج): فحينذٍ.

(2)

في (ج): وعظم.

(3)

ساقطة من (ج).

(4)

في (ج): أحدها.

(5)

في (ب): الجد.

(6)

في (ج): لاعتماده.

(7)

في (ج): إضاعتها.

ص: 576

‌14 - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِى النَّارِ مِنَ الإِيمَانِ

.

21 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه -، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لَا يُحِبُّهُ إِلاَّ لله، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِى النَّارِ". [انظر: 16 - مسلم: 43 - فتح 1/ 72]

نا سُليمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا شُعْبَةُ، عن قَتَادَةَ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ، كمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلقى فِي النَّار".

هذا الحديث تقدم شرحه في باب: حلاوة الإيمان قريبًا

(1)

وكذا رجاله إلا سليمان، وهو أبو أيوب سليمان بن حرب بن بَجِيل -بموحدة مفتوحة، ثمَّ بجيم مكسورة، ثمَّ مثناة تحت، ثمَّ لام- الأزدي الواشِحِي -بكسر الشين المعجمة، ثمَّ حاء مهملة مكسورة- البصري.

وواشح بطن من الأزد، سكن مكة وكان قاضيها، سمع: شعبة والحِمادين وغيرهما، وعنه أحمد والذهلي والحميدي والبخاري، وهؤلاء شيوخه، وقد شاركهم في الرواية عنه، وهذا أحد ضروب علو روايته.

وروى عنه أبو داود أيضًا، وروى مسلم والترمذي وابن ما جه عن رجل عنه، وجلالته وإمامته وحفظه وورعه وصيانته وإتقانه وثقته مجمع عليها.

(1)

سلف برقم (16).

ص: 577

قَالَ أبو حاتم: هو إمام من الأئمة، لا يدلّس، ويتكلم في الرجال والفقه، وظهر من حديثه نحو عشرة آلاف ما رأيت في يده كتابًا قط، وحُزِرَ مجلسه (أربعين) ألفا

(1)

. ولد سنة أربعين ومائة، ومات سنة أربع وعشرين ومائتين، وقيل: سنة ثلاث، وقيل: سبع، والأول أصحُّ.

قَالَ الخطيب: حدث عنه يحيى بن سعيد القطان، وأبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، وبين وفاتيهما مائة وسبع (سنين)

(2)

.

قَالَ أبو الشيخ الحافظ: توفي أبو خليفة سنة خمس وثلاثمائة وتوفي القطان سنة ثمان وتسعين ومائة

(3)

.

(1)

"الجرح والتعديل" 4/ 108 - 109 (481).

(2)

في (ج): وستين. وانظر: "السابق واللاحق" ص 209 (80).

(3)

انظر تمام ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 300، "التاريخ الكبير" 4/ 8 - 9 (1782)، "تاريخ بغداد" 9/ 33، "تهذيب الكمال" 11/ 384 (2502)، "سير أعلام النبلاء" 10/ 330.

ص: 578

‌15 - باب تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِى الأَعْمَالِ

33 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضى الله عنه، - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ. فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَا -أَوِ الْحَيَاةِ، شَكَّ مَالِكٌ- فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟ ". قَالَ وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرٌو "الْحَيَاةِ". وَقَالَ: "خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ". [4581، 4919، 6560، 6574، 7438، 7439 - مسلم: 183، 184 - فتح: 1/ 72]

23 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ". قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الدِّينَ". [3691، 7008، 7009 - مسلم: 2390 - فتح: 1/ 73]

ذكر فيه حديثين من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وإسنادهما جميعًا كلهم مدنيون، وهو من الطرف اقتران إسنادين مدنيين من طريقة راوٍ واحدٍ.

نا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ الخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ. فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الحَيَا- أَوِ الحَيَاةِ، شَكَّ مَالِكٌ- فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي جَانِب السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟ ". قَالَ وُهَيْبٌ: نَا عَمْرو "الحَيَاة". وَقَالَ: "خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ".

ص: 579

هذا الحديث قطعة من حديث طويل أخرجه مسلم أيضًا. وفيه بعد ذِكرِ مَرِّ المؤمنين عَلَى الصراط: "فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فيقول المُؤْمِنِونَ: يا رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا فيَقُولُونَ: مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا فَيَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كثِيرًا، فيَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أحدا، ثم يَقُولُ اللهُ: شَفَعَتْ المَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ المُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا"

(1)

.

وذكر الحديث وسيأتي -إن شاء الله- في كتاب: التوحيد حيث ساقه البخاري

(2)

، وقد أخرجه هنا عن إسماعيل، عن مالك، وفي صفة الجنة والنار عن موسى عن وهيب بن خالد

(3)

، ورواه مسلم في الإيمان أيضًا عن هارون عن ابن وهب، عن مالك، وعن أبي بكر، عن عفان، عن وهيب، وعن حجاج بن الشاعر، عن عمرو بن عوف، عن خالد (بن)

(4)

عبد الله ثلاثتهم عن عمرو بن

(1)

مسلم (183) في الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية. بأطول وأتم من هذا اللفظ.

(2)

سيأتى برقم (7439) باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} .

(3)

سيأتى برقم (6560) كتاب: الرقاق، باب: صفة الجنة والنار.

(4)

في (ج): عن، وهو خطأ.

ص: 580

يحيى به

(1)

، وعلا البخاري في هذا الحديث عَلَى مسلم برجلٍ كما ترى، (وسيأتي إن شاء الله في كتاب التوحيد حيث ساقه البخاري)

(2)

.

الوجه الثاني: في التعريف برجاله:

وقد سلف التعريف بأبي سعيد ومالك.

وأما يحيى فهو ابن (عمارة)

(3)

بن أبي حسن الأنصاري (المازني)

(4)

المدني، سمع أبا سعيد وعبد الله بن زيد، وعنه: ابنه والزهري وغيرهما، وثقه النسائي وابن خراش

(5)

.

وأما ابنه: فهو عمرو بن يحيى بن (عمارة)

(6)

-ووقع بخط النووي في "شرحه": عثمان -وهو تحريف- ابن أبي حسن تميم بن عمرو، وقيل: يحيى بن عمرو -حكاه الذهبي في "الصحابة"- بن قيس بن محرث بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار الأنصاري المازني المدني.

روى عن أبيه وغيره (من)

(7)

التابعين، وعنه: يحيى بن سعيد الأنصاري وغيره من التابعين وغيرهم، والأنصاري من أقرانه، وروى عن يحيى بن أبي كثير وهو من أقرانه أيضًا، وثقه أبو حاتم

(8)

والنسائي. مات سنة أربعين ومائة

(9)

.

(1)

مسلم (184) كتاب: الإيمان، باب: إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين

(2)

من (ف) وقد كررها المصنف مرة أخرى.

(3)

في (ج): عمار.

(4)

في (ج) المازرني.

(5)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 295 (3058)، "الجرح والتعديل" 9/ 175 (725)، "الثقات" 5/ 522، "تهذيب الكمال" 31/ 474 (4889)، "الكاشف" 2/ 175 (725).

(6)

في (ج): عمار.

(7)

في (ج): في.

(8)

"الجرح والتعديل" 6/ 269 (1485).

(9)

"التاريخ الكبير" 6/ 382 (2705)، "ثقات ابن حبان" 7/ 215، "تهذيب الكمال" =

ص: 581

فائدة:

(عمارة)

(1)

صحابي بدري عقبي، ذكره أبو موسى

(2)

، وأبو عمر

(3)

نظر، نعم أبوه صحابي عقبي بدري. قَالَ ابن سعد: وشهد الخندق وما بعدها

(4)

.

= 22/ 295 (4475).

(1)

في (ب): عمار.

(2)

هو الإمام العلامة، الحافظ الكبير، الثقة، شيخ المحدثين أبو موسى، محمد بن أبي بكر عمر بن أبي عيسى أحمد بن عمر بن محمد بن أحمد بن أبي عيسى المديني الأصبهاني الشافعي، صاحب التصانيف، مولده في ذي القعدة سنة إحدى وخمسمائة، عمل لنفسه معجمًا، روى فيه عن أكثر من ثلاثمائة شيخ، صنف كتاب:"الطوالات" في مجلدين، وكتاب "ذيل معرفة الصحابة" جمع فأوعى، وألف كتاب "القنوت" في مجلد. وكان شيخ الإسلام يثني على حفظه ويقدمه على الحافظ ابن عساكر باعتبار تصانيفه ونفعها. توفي في تاسع جمادي الأولى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 4/ 286، "سير أعلام النبلاء" 21/ 152 (78)، "الوافي بالوفيات" 4/ 246، "شذرات الذهب" 4/ 373.

(3)

"الاستيعاب" 3/ 233 (1887).

(4)

قلت: وافق أبا عمر على قوله: أن عمارة بن أبي حسن بدري عقبي، ابن حبان فقال في "الثقات" 3/ 294: عمارة بن أبي حسن الأنصاري، شهد بدرًا. اهـ. وكذا أبو أحمد في "تاريخه" فيما نقله عنه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 4/ 7082 (2175)، وقال ابن الأثير في "أسد الغابة" 4/ 138: وقال أبو أحمد في "تاريخه": له صحبة عقبي بدري، قاله ابن منده، ونقل المزي في "تهذيب الكمال" 21/ 237 - 238 قول أبي عمر، ولم يتعقبه، فكأنما أقره على ما قال.

والقول في صحبته وأنه بدري عقبي، فيه نظر -كما ذكر المصنف-، وهي ثابتة لأبيه بلا خلاف.

روى ابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 248 في ترجمة عمارة (760) قال: حدثنا محمد بن عبد الله مطين، نا عبد الله بن الحكم، نا زيد بن الحباب، عن حسين بن عبد الله الهاشمي، قال: حدثني عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن، عن أبيه، =

ص: 582

فائدة أخرى:

أم عمرو هي: أم النعمان بنت أبي حنة -بالنون- عمرو بن غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن (غنم)

(1)

بن مازن بن النجار

(2)

.

= عن جده، وكان عقبيًا بدريًّا -أن رجلًا كان جالسًا مع رجل فنسي نعليه، فأخذها رجل فوضعها تحته، فجاء الرجل، فقال: أنا أخذتها ألعب معه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كيف بروعة المسلم؟ ".

فقول ابن قانع هنا يعود على جد أبي عمرو، لا على جده هو، فيعود على أبي حسن، وذكر ذلك أيضا الحافظ في "الإصابة" 2/ 514. ويدل على ذلك أن هذا الحديث رواه الطبراني 22/ 394 - 395 (980) وفيه: حدثني عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن جده أبي حسن وكان بدريًا عقبيًا، ثم ساق الحديث، وكذلك أورده المنذري في "الترغيب والترهيب" كما في "ضعيفه" (1662) فقال: وروي عن أبي الحسن وكان عقبيًا بدريًا، ثم ساق الحديث.

وقال أبو نعيم: في صحبته نظر، وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 3/ 208 - 209: ذكر ابنُ منده عمارةَ في "معجم الصحابة" وروى عن أبي أحمد أنه قال: له صحبة، عقبي بدري، وذلك أنه جعل اسم أبي حسن عمارة، وكذا فعله أبو القاسم البغوي وابن حبان، وهو وهم، فأبو الحسن هو الذي شهد العقبة وغيرها، وابنه عمارة يحتمل أن يكون له رؤية. اهـ.

وقال في "التقريب"(4842): عمارة بن أبي حسن الأنصاري، المدني، ثقة، يقال: له رؤية، ووهم من عده صحابيًا، فإن الصحبة لأبيه.

انظر ترجمة عمارة في: "الاستيعاب" 3/ 232 (1887)، "معرفة الصحابة" 4/ 2082 (2175)، "أسد الغابة" 4/ 138 (3804)، "الإصابة" 2/ 514 (5713).

وانظر ترجمة أبي حسن في: "الاستيعاب" 4/ 197 (2945)، "معجم الصحابة" 5/ 2863 (3164)، "أسد الغابة" 6/ 73 (5806)، "الإصابة" 4/ 43 (273).

(1)

في (ف)، (ج): غانم، والمثبت كما في مصادر التخريج.

(2)

وقع في "تهذيب الكمال" 22/ 296 أن عمرو، ابن بنت عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري، وهو خطأ. قال الحافظ في "التهذيب" 3/ 313: قول المصنف -يعني: =

ص: 583

فائدة:

المازني -بالزاي والنون- نسبة إلى مازن قبائل وبطون (منها)

(1)

مازن الأنصار

(2)

.

وأما إسماعيل فهو: (ابن عبد الله بن عبد الله بن أويس)

(3)

بن أبي عامر الأصبحي المدني -عم مالك بن أنس أخي الربيع، وأنس وأبي سهيل نافع، أولاد مالك بن أبي عامر -وإسماعيل هذا ابن أخت الإمام مالك بن أنس

(4)

.

=المزي -إنه ابن بنت عبد الله بن زيد، وهم تبع فيه صاحب "الكمال"، ثم قال: وأما عمرو بن يحيى فأمه فيما ذكر محمد بن سعد في "الطبقات" حميدة بنت محمد بن إياس بن البكير، وقال غيره: أم النعمان بنت أبي حية فالله أعلم. اهـ وقاله أيضًا هكذا في "الفتح" 1/ 290.

قلت: كلام الحافظ الأخير فيه خطأ، وذلك أن الذي ذكره ابن سعد في "الطبقات" (القسم المتمم) (184) قال: وأمه أم النعمان بنت أبي حنة بن غزية بن عمرو بن عطية، فولد عمرو بن يحيى: يحيى ومريم، وأمهما حميدة بنت محمد بن إياس بن أبي البكير. اهـ. فحميدة بنت محمد المذكورة هنا هي زوجة عمرو بن يحيى -كما هو واضح من كلام ابن سعد -لا أمه كما ذكر الحافظ.

وانظر في ذلك: "المؤتلف والمختلف" 2/ 579 - 590. "الإكمال" 2/ 319 - 330، "المشتبه" 1/ 211 - 213، "توضيح المشتبه" 3/ 77 - 88، "تبصير المنتبه" 1/ 401 - 403.

(1)

في (ج): منه.

(2)

انظر: "اللباب" 3/ 145 - 146، "توضيح المشتبه" 8/ 10 - 14، "تبصير المنتبه" 4/ 1337 - 1338.

(3)

في الأصول: ابن عبد الله بن أبي أويس بن عبد الله بن أبي أويس. وهو خطأ، والمثبت من مصادر التخريج.

(4)

هو إسماعيل بن أبي أويس، وأبو أويس اسمه: عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر، فيكون اسمه إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس -وقال البعض: أبي أويس -بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني. =

ص: 584

سمع خاله وأباه وأخاه عبد (الحميد)

(1)

وغيرهم.

وعنه: الدارمى والبخاري ومسلم وغيرهم من الحفاظ.

وروى مسلم أيضًا عن رجل عنه، وأخرج لَهُ أيضًا أبو داود والترمذي وابن ماجه، ولم يخرج لَهُ (النسائي)

(2)

؛ لأنه ضعفه

(3)

.

قَالَ أبو حاتم: محله الصدق، وكان مغفلًا

(4)

، وقال يحيى بن معين: هو ووالده ضعيفان، وعنه: يسرقان الحديث، وعنه: إسماعيل صدوق ضعيف العقل ليس بذاك يعني (أنه)

(5)

لا يحسن الحديث، ولا يعرف أن يؤديه أو يقرأ (من)

(6)

غير كتابه، (وعنه: مخلط)

(7)

يكذب ليس بشيء، وعنه: يساوي فلسين، وعنه: لا بأس به. وكذا قَالَ أحمد.

قَالَ أبو القاسم اللالكائي: بالغ النسائي في الكلام عليه بما يؤدي إلى تركه، ولعله بان لَهُ ما لم يبن لغيره؛ لأن كلام هؤلاء كلهم يئول إلى أنه ضعيف.

= وهذا هو المتفق عليه والمشهور من اسمه.

وبذلك يكون قول المصنف: عم مالك بن أنس، يقصد به أويس بن مالك بن أبي عامر، فبذلك يكون أنس -أبو الإمام مالك- وأويس والربيع وأبو سهيل -نافع- جميعًا إخوة، أولاد مالك بن أبي عامر.

(1)

في (ج): المجيد.

(2)

في (ج): أبو داود، وهو خطأ بين.

(3)

"الضعفاء والمتروكين" للنسائي (42).

(4)

"الجرح والتعديل" 2/ 181.

(5)

من (ف).

(6)

في (ج): في.

(7)

في (ج): ومختلط.

ص: 585

وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح.

وقال ابن عدي: روى عن خاله مالك أحاديث غرائب لا يتابعه أحد عليها.

وأثنى عليه ابن معين وأحمد، والبخاري (يحدث)

(1)

عنه بالكثير، وهو خير من أبيه

(2)

.

وقال الحاكم: عيب عليه وعلى مسلم إخراجهما حديثه، وقد احتجا به معًا، (وغمزه)

(3)

من يحتاج إلى كفيل في تعديل نفسه، وهو النضر بن سلمة، أي: فإنه قَالَ: كذاب، هذا كلامه. وقد علمت أنه (قَدْ)

(4)

غمزه من لا يحتاج إلى كفيل، ومن قوله حجة مقبول كما سلف، وقد أخرجه البخاري عن غيره كما سلف، فاللين الذي فيه يجبر إذن.

مات سنة لست، ويقال: في رجب سنة سبع وعشرين ومائتين

(5)

.

(1)

في (ج): حدث.

(2)

"الكامل في الضعفاء" 1/ 527 (151).

(3)

في (ج): وغمز.

(4)

من (ف).

(5)

ترجم الحافظ لإسماعيل هذا في "هدي الساري" ص 391 في سياق أسماء من طُعن فيه من رجال "صحيح البخاري" وأجاب عن هذِه الاعتراضات فقال: احتج به الشيخان إلا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه ولا أخرج له البخاري مما تفرد به سوى حديثين.

وأما مسلم فأخرج له أقل مما أخرج له البخاري وروى له الباقون سوى النسائي، فإنه أطلق القول بضعفه، وروى عن سلمة بن شبيب ما يوجب طرح روايته.

واختلف فيه قول ابن معين فقال مرة: لا بأس به، وقال مرة: ضعيف، وقال مرة: كان يسرق الحديث هو وأبوه، وقال أبو حاتم: محله الصدق وكان مغفلًا، وقال أحمد بن حنبل: لا بأس به.

وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح. قلت: وروينا في مناقب البخاري بسند =

ص: 586

وأما وهيب: فهو ابن خالد بن عجلان الباهلي، مولاهم البصري أبو بكر صاحب الكرابيس، روى عن هشام وعمرو وغيرهما، وعنه القطان وابن مهدي وأبو داود الطيالسي، وخلق، ثقة بالاتفاق، قَالَ ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث حجة، وكان يملي من حفظه، مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة

(1)

.

وكان قَدْ سجن فذهب بصره، قَالَ البخاري: حَدَّثَنِي أحمد بن أيوب قَالَ: أخبرني غير واحد قالوا: مات وهيب بن خالد سنة خمس وستين ومائة

(2)

.

الوجه الثالث: في ألفاظه ومعانيه:

الأول: المثقال: وزن مقدر، والله أعلم بقدره، وليس المراد المقدر، المعلوم، فقد جاء مبينًا، "وكان في قلبه من الخير ما يزن بُرَّة"

(3)

.

= صحيح أن إسماعيل أخرج له أصوله وأذن له أن ينتقي منها وأن يعلم له على ما يحدث به ليحدث به ويعرض عما سواه، وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه؛ لأنه كتب من أصوله، وعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره، إلا إن شاركه فيه غيره فيعتبر فيه. اهـ. وانظر تمام ترجمته في:"التاريخ الكبير" 1/ 364 (1152)، "الجرح والتعديل" 2/ 180 (613)، "الضعفاء الكبير" 1/ 87 (100)، "تهذيب الكمال" 3/ 124 (459)، "سير أعلام النبلاء" 10/ 391 (108)، "تاريخ الإسلام" 16/ 91 (68)، "ميزان الاعتدال" 1/ 222 (854)، "تهذيب التهذيب" 1/ 157، "شذرات الذهب" 2/ 58.

(1)

"الطبقات الكبرى" 7/ 287.

(2)

"التاريخ الكبير" 8/ 177 (2613)، وانظر تمام ترجمته في:"معرفة الثقات" 2/ 346 (1958)، "الجرح والتعديل" 9/ 34 (158)، "ثقات ابن حبان" 7/ 560، "تهذيب الكمال" 31/ 164 (6769)، "سير أعلام النبلاء" 8/ 223 (40).

(3)

سيأتي برقم (44) باب: زيادة الإيمان ونقصانه، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: =

ص: 587

الثاني: الحبة من الخردل هنا مثل؛ ليكون عيارًا في المعرفة، وليس بعيار في الوزن؛ لأن الإيمان ليس بجسم يحصره الوزن أو الكيل، ولكن ما يشكل من المعقول فإنه يرد إلى عيار المحسوس؛ ليفهم، قاله الخطابي

(1)

.

وقال غيره: يجعل عمل العبد وهو عرض في جسم على مقدار العمل عند الله ثمَّ يوزن، وفيه قوة لاسيما عَلَى من قال: إن المراد بالوزن الأعمال؛ لقوله: "من خير".

وقال إمام الحرمين

(2)

: الوزن: الصحف المشتملة عَلَى الأعمال، والله تعالى يزنها عَلَى قدر أجور الأعمال، وما يتعلق بها من ثوابها وعقابها، وجاء به الشرع وليس في (العقل)

(3)

ما يحيله. وقال غيره: للوزن معنيان:

أحدهما: هذا. والثاني: تمثل الأعراض بجواهر فيجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة، وفي كفة السيئات (سود)

(4)

مظلمة.

= "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إله إِلا اللهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إله إِلَّا اللهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةِ مِنْ خَيْر، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إله إلَّا اللهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ". ورواه مسلم (193/ 325).

(1)

"أعلام الحديث" 1/ 155 - 156.

(2)

هو الإمام الكبير، شيخ الشافعية، إمام الحرمين، أبو المعالي عبد الملك ابن الامام أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني، ثم النيسابوري، ضياء الدين الشافعي، صاحب التصانيف، منها:"نهاية المطلب في المذهب" وكتاب "الإرشاد في أصول الدين"، "البرهان في أصول الفقه". انظر ترجمته في:"الأنساب" 3/ 386، "المنتظم" 9/ 18، "وفيات الأعيان" 3/ 167، "سير أعلام النبلاء" 18/ 468 (240).

(3)

ساقطة من (ج).

(4)

ساقطة من (ج).

ص: 588

وحكى الزجاج

(1)

وغيره من المفسرين من أهل السنة أنه إنما (يوزن خواتيم)

(2)

العمل، فإن كانت خاتمة عمله حسنًا جوزي بخير، ومن كانت خاتمة عمله شرًّا جوزي بشر.

الثالث: المراد بحبة الخردل: زيادة عَلَى أصل التوحيد، وقد جاء في الصحيح بيان ذَلِكَ. ففي رواية فيه: " (فأَخْرِجوا)

(3)

من قالَ: لا إله إلا الله وعمل من الخير ما (يزن)

(4)

كذا" ثمَّّ بعد هذا يخرج منها من لم يعمل خيرًا قط غير التوحيد

(5)

.

قَالَ القاضي: هذا هو الصحيح أن معنى الخير هنا أمر زائد عَلَى الإيمان؛ لأن مجرده لا يتجزأ، إنما يتجزأ الأمر الزائد عليه، وهي الأعمال الصالحة من ذِكْرِ خفي، أو شفقة عَلَى مسكين، أو خوف من الله، ونية صادقة (في)

(6)

عمل وشبهه. بدليل الرواية السالفة. وذكر القاضي عن قوم أن المعنى في قوله: "من إيمان ومن خير" وما جاء معه أي: من اليقين

(7)

.

(1)

هو الإمام النحوي إمام زمانه، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن السري الزجاج البغدادي، مصنف كتاب "معاني القرآن" ومن مصنفاته أيضًا:"الإنسان"، "الفرس"، "العروض"، وكان من أهل الفضل والدين، حسن الاعتقاد، جميل المذهب. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 6/ 89، "المنتظم" 6/ 176، "وفيات الأعيان" 1/ 49، "سير أعلام النبلاء" 14/ 360 (209)، "الوافي بالوفيات" 5/ 347، "شذرات الذهب" 2/ 259.

(2)

ساقطة من (ج).

(3)

في (ج): أخرجوا.

(4)

في (ج): يوزن.

(5)

سيأتي برقم (44، 7410)، ورواه مسلم (193).

(6)

في (ج): من.

(7)

"إكمال المعلم" 1/ 566 - 567 بتصرف.

ص: 589

وذكره غيره إلا أنه قَالَ: المراد ثواب الإيمان الذي هو التصديق، وبه يقع التفاضل فإن (أتبعه بالعمل)

(1)

عظم ثوابه، وإن كان على خلاف ذَلِكَ نقص ثوابه فإن قُلْتَ: كيف يعلمون ما كان في قلوبهم في الدنيا من الإيمان ومقدراه؟ قُلْتُ: لعله بعلامات كما يعلمون أنهم من أهل التوحيد (بدارات السجود)

(2)

.

الرابع: النهر بفتح الهاء، (وسكونها)

(3)

لغتان.

فالمشهور في القراءة: فتحها، وقرأ حميد بن قيس

(4)

(1)

في (ج): أتبعه العمل.

(2)

من (ف) ويشير المصنف- رحمه الله إلى حديث أبي هريرة الآتي (806) كتاب: الأذان، باب: فضل السجود، وهو حديث طويل فيه:"حَتَّى إِذَا أرَادَ اللهُ رَحْمَة مَنْ أرَادَ مِنْ أهْلِ النَّارِ، أمَرَ اللهُ المَلَائِكَةَ أنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ ويعْرِفُونَهُمْ بِآثارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ". وكذا رواه مسلم (182) كتاب: الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية.

(3)

في (ج): وإسكانها.

(4)

هو حميد بن قيس الأعرج المكي، أبو صفوان القارئ الأسدي، وهو قارئ أهل مكة، قرأ على مجاهد ختمات وتصدر للإقراء، وحدث عن مجاهد وعطاء والزهري وغيرهم ولم يكن بمكة بعد ابن كثير أحد أقرأ منه، وحدث عنه مالك ومعمر وابن عيينة وطائفة، وثقه أبو داود وغيره، وهو قليل الحديث، وقال ابن عيينة: كان حميد بن قيس أفرض أهل مكة وأحسبهم، وكانوا لا يجتمعون إلا على قراءته.

سئل عنه أحمد فقال: ثقة، وقال مرة: حميد قارى أهل مكة، ليس هو بالقوي في الحديث، ووثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس روى له الجماعة.

منهم البخاري، فقد روى له حديثًا واحدًا، سيأتى في كتاب: المحصر، باب: قول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} برقم (1814). من حديث كعب بن عجرة.

لكن المصنف لم يتعرض لترجمته مطلقًا، كما سيأتي، وهو من رواة "الصحيح" المطعون فيهم -كما تقدم- لذا ترجم له الحافظ في "هدي الساري" ص 399 =

ص: 590

بإسكانها

(1)

، وأصله: الاتساع والسيلان، ومنه أنهر الدم

(2)

، وجمعه أنهار ونُهُر -بضمتين- وقوله تعالى:{فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر: 54]، المراد به (الأنهار)

(3)

فعبر بالواحد عن الجمع.

الخامس: (الحيا): مقصور ومده الأصيلي، ولا وجه لَهُ كما نبه عليه القاضي

(4)

، والمراد: كل ما يحيا به الناس، والحيا:(المطر، والحيا: الخصب)

(5)

، فيحيون بعد غسلهم فيها فلا يموتون، وتخصب أجسامهم.

السادس: صرح البخاري في روايته هنا بأن الشك من مالك، ولم يفصح به مسلم

(6)

.

وقوله: (قَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثنَا عَمْرٌو: "الْحَيَاة" معناه: قَالَ وهيب بن خالد -وهو في درجة مالك-: نا عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد به. وقال فيه: نهر الحياة -بالهاء ولم يشك كما شك مالك، ويقرأ "الحياة" بالجر عَلَى الحكاية، وهذا التعليق من البخاري قد أسنده في باب: صفة الجنة والنار، لكنه قَالَ:"حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ"

(7)

= 400، فذكر أقوال من عدله ومن جرحه، ثم قال: احتج به الجماعة، وقال في "التقريب" (1556): ليس به بأس.

وانظر تمام ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 5/ 486، "ثقات ابن حبان" 6/ 189، "الكامل في الضعفاء" 3/ 71 (435)، "تهذيب الكمال" 7/ 384 (1535)، "تاريخ الإسلام" 8/ 402.

(1)

هي قراءة شاذة، انظر:"مختصر في شواذ القرآن" ص 22.

(2)

يقال: أنهرت الدم، أي أَسَلْتُهُ.

(3)

في (ج): أنهر.

(4)

"مشارق الأنوار" 1/ 219 - 220.

(5)

في (ج): المطر الخصيب.

(6)

مسلم (184).

(7)

سيأتي برقم (6560) كتاب: الرقاق.

ص: 591

ولم يقل: "من خير" كما ساقها هنا عنه، وسقطت اللفظة بجملتها عند مسلم من طريق وهيب عن عمرو

(1)

، واتفقا عَلَى لفظة:"من إيمان"، عند مالك

(2)

.

السابع: الحِبَّة -بكسر الحاء وتشديد الباء-، والكثير حِبَب -بكسر الحاء وفتح الباء المخففة- وهي: اسم لبذر العشب، هذا هو الصحيح من الأقوال. وعبارة بعضهم: أنه بذر البقول مما ليس بقوت، وعبارة "المحكم" أنها (بذور)

(3)

البقول والرياحين. قَالَ: واحدها حب، قَالَ: وقيل: إِذَا كانت الحبوب مختلفة من كل شيء (شئٌ)

(4)

(فهو)

(5)

حِبَّة، ثمَّ حكى غير ذَلِكَ. ثمَّ قَالَ: وقال أبو حنيفة الدينوري

(6)

: الحبة -بالكسر- جمع بذور النبات، واحدتها حبة -بالفتح-، عن الكسائي

(7)

، قُلْتُ: والحبة بالفتح القطعة من الشيء، وبالضم مع تخفيف الباء اسم للحب الداخل في بطن العنب.

قَالَ الحربي: ما كان من الحب لَهُ حب فاسم ذَلِكَ الحب حبة.

(1)

مسلم (184/ 305).

(2)

مسلم (184/ 304).

(3)

في (ج): بذر.

(4)

من (ف).

(5)

في (ج): فهي.

(6)

وهو العلامة، ذو الفنون، أبو حنيفة، أحمد بن داود الدينوري النحوي، تلميذ ابن السكيت. صدوق، كبير الدائرة، طويل الباع، ألف في النحو واللغة والهندسة والهيئة والوقت، وأشياء. له كتاب "النبات"، وكتاب:"الأنواء" وغير ذلك، وقيل: كان من كبار الحنفية. مات في جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين ومائتين.

انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" 13/ 422 (208)، "الوافي بالوفيات" 6/ 377، "البداية والنهاية" 11/ 85.

(7)

هناك كسائيان نحويان: =

ص: 592

فإن قُلْتَ: لم شبههم في الحديث بالحبة؟ قُلْتُ: (لأوجه)

(1)

: بياضها، وسرعة نباتها لأنها تنبت في يوم وليلة، وهو أسرع النبات، ومن حيث ضعف النبات.

الثامن: قوله: ("فِي جَانِبِ السَّيْلِ")، كذا هنا، وجاء:"حميل" بدل "جانب "

(2)

، وفي رواية وهيب:"حمأة السيل"

(3)

، (والحميل بمعنى: المحمول)

(4)

، وهو ما جاء به من طين أو غئاء، والحمأة: ما تغير لونه من الطين، وكلُّه بمعنًى، فإذا اتفق فيه حبة عَلَى شط مجراه فإنها تنبت سريعًا، فأخبر بذلك عن سرعة نباتهم كما سلف.

= الأول: المقرئ المشهور، الإمام: شيخ القراءة والعريية، أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بَهمَن بن فيروز الأسدي، مولاهم الكوفي، الملقب بالكسائي؛ لكساءٍ أحرم فيه، تلا على ابن أبي ليلى عرضًا، وعلى حمزة الزيات، وتلا أيضًا على عيسى بن عمر المقرئ، واختار قراءة اشتهرت وصارت إحدى السبع، وجالس في النحو الخليل، توفي سنة تسع وثمانين ومائة.

انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 11/ 403، "وفيات الأعيان" 3/ 295، "سير أعلام النبلاء" 9/ 131 (44)، "شذرات الذهب" 1/ 321.

والثاني: هو الشيخ النحوي البارع، أبو بكر، محمد بن إبراهيم بن يحيى النيسابوري الكسائي، تخرج به جماعة في العربية، وروى "صحيح مسلم" عن ابن سفيان، رواه عنه أبو مسعود أحمد بن محمد البجلي، وذلك إسناد ضعيف.

انظر ترجمته في: "الأنساب" 10/ 422، "سير أعلام النبلاء" 16/ 465 (339)، "شذرات الذهب" 3/ 117.

(1)

في (ج): وجه.

(2)

سيأتي برقم (6560) كتاب: الرقاق، باب: صفة الجنة والنار، ورواه مسلم (185/ 307).

(3)

الذي في رواية وهيب (6560) هي: حميل السيل أو حمية السيل، كما ذكره المصنف، وعند مسلم (184/ 305): حمئة أو حميلة السيل.

(4)

في (ج): والحميم بمعنى: الحموم.

ص: 593

التاسع: أتى البخاري بتعليق وهيب هنا؛ لفائدتين:

الأولى: أن فيها الحياة من غير شك بخلاف رواية مالك.

والثانية: (أنه)

(1)

أتى (بالتحديث)

(2)

عن عمرو، ورواية مالك أتى فيها بـ (عن) تنبئ عن التدليس، وقد سلف الخلاف فيها في أول الكتاب، أنها هل تحمل عَلَى السماع؟

وفائدة ثالثة: أن فيها: "من خير" بدل "إيمان" لكن أسلفنا أنه أتى بها في: صفة الجنة مسندة بلفظ: "إيمان"

(3)

.

العاشر: في الحديث أنواع من العلم منها ما ترجم له، وهو تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، فإنه المراد من:"خير" كما سلف.

ومنها إثبات دخول طائفة من عصاة الموحدين النار، وقد تظاهرت عليه النصوص، وأجمع عليه من يعتد به. ومنها إخراجهم من النار، ومنها أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار، وهو مذهب أهل السنة خلافًا للخوارج والمعتزلة

(4)

.

وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة على

(1)

من (ف).

(2)

في (ج): بالحديث، والمثبت من (ف) وهو الصواب.

(3)

برقم (6560).

(4)

الخوارج هي أول بدعة ظهرت في هذِه الأمة؛ لأن زعيمهم خرج على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ذو الخويصرة من -بني تميم- حين قسم النبي صلى الله عليه وسلم ذهيبة جاءت فقسمها بين الناس، فقال له هذ الرجل: يا محمد اعدل

الحديث. فكان هذا أول خروج على الشريعة، ثم صارت بدعتهم في عهد الصحابة، وما زالوا يتوالون.

وهم متفقون على أن العبد يصير كافرًا بالذنب، وهم يكفرون عثمان وعليًّا وطلحة والزبير وعائشة، ويعظمون أبا بكر وعمر. انظر:"اعتقادات المسملين والمشركين" ص 46 - 47، "شرح العقيدة الواسطية" 1/ 12. =

ص: 594

ما ذكرناه عن أهل السنة، ومنها أن الأعمال من الإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم:"خردل من إيمان". والمراد: ما زاد عَلَى أصل التوحيد كما أسلفناه.

الحديث الثاني:

نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ". قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الدِّينَ".

= أما المعتزلة، فهم أتباع واصل بن عطاء، وسموا بذلك الاسم لما طرده الحسن من مجلسه -لما قال واصل: الفاسق لا مؤمن ولا كافر، فانضم إليه عمرو بن عبيد، واعتزلا حلقة الحسن فسموا المعتزلة. وهم متفقون على نفي الصفات لله تعالى، وعلى أن القرآن محدث ومخلوق، وأن الله تعالى ليس خالقًا لأفعال العبد، وهم سبعة عشرة فرقة.

انظر: "اعتقادات المسلمين والمشركين" ص 38 - 45. والمسألة التي أشار إليها المصنف رحمه الله هي أن أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرًا ينقل عن الملة بالكلية كما قالت الخوارج، إذ لو كفر كفرًا ينقل عن الملة، لكان مرتدًا يقتل على كل حال.

ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام، ولا يدخل في الكفر ولا يستحق الخلود في النار مع الكافرين، كما قالت المعتزلة، فإن قولهم باطل أيضًا.

والمعتزلة موافقون للخوارج في حكم الآخرة، فإنهم وافقوهم على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، لكن قالت الخوارج: نسميه كافرًا، وقال المعتزلة: نسميه فاسقًا، فالخلاف بينهم لفظي فقط. انظر:"شرح العقيدة الطحاوية" 2/ 442، 444 ط. الرسالة.

وللاستزادة ينظر: "شرح العقيدة الواسطية" 2/ 644 - 651.

ص: 595

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري هنا عن محمد، وفي التعبير عن يعقوب، عن صالح

(1)

، وفي فضل عمر، عن يحيى بن بكير، عن الليث، عن عقيل

(2)

، وفي التيمم عن سعيد بن عفير، عن الليث عن ابن شهاب به

(3)

.

ورواه مسلم في الفضائل عن منصور، عن إبراهيم، عن صالح، وعن زهير والحلواني، وعبد بن حميد، عن يعقوب، عن أبيه، عن صالح

(4)

.

الثاني: في التعريف برواته.

وقد سلف التعريف بأبي سعيد وابن شهاب وصالح

(5)

.

(1)

سيأتي برقم (7008) باب: القميص في المنام.

لكنه عن علي بن عبد الله، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثني أبي، عن صالح.

(2)

سيأتي برقم (3691) كلتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر بن الخطاب.

(3)

لم يخرج البخاري هذا الحديث في التيمم، وإنما أخرجه بالسند المذكور في التعبير أيضًا (7009)، باب: جر القميص، عن سعيد بن عفير، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب.

(4)

مسلم (2390) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر رضي الله عنه.

(5)

ورد في هامش (ف): (قُلْتُ: لم يتقدم صالح، ولم يذكره ها هنا، وهو صالح بن كيسان أبو محمد، ويقال: أبو الحارث مولى بني غفار، ويقال: عامري، قَالَ مصعب: مولى الدوسيين، مؤدب عمر بن عبد العزيز.

رأى ابن عمر وابن الزبير، ولم يصح لَهُ منهما سماع، وروى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعروة بن الزبير، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، والزهري، ونافع، وروى عنه عمرو بن دينار، وموسى بن عقبة، ومحمد بن عجلان، ومالك، ومعمر، وابن عيينة، وعبد العزيز الماجشون، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز =

ص: 596

وأما أبو أمامة فهو أسعد بن سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن (حنش)

(1)

بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، أخي الخزرج (ابني حارثة)

(2)

-وقد سلف باقي نسبهم في الأنصار- الأنصاري الأوسي المدني الصحابي (ابن الصحابي)

(3)

.

أمه: حبيبة بنت أبي أمامة أسعد بن زرارة النقيب. سمي باسمه، وكني بكنيته، فعل ذَلِكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإن أبا أمامة أوصى ببناته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوج حبيبة سهل بن حنيف فولدت لَهُ أسعد هذا، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكناه بكنية جده لأمه واسمه وبرَّك عليه.

روى لَهُ الجماعة عن الصحابة والنسائي وابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات سنة مائة عن نيف وتسعين سنة

(4)

.

= الدراوردي، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني، وإبراهيم بن سعد الزهري، وأخرج لَهُ مسلم أيضًا، قَالَ الواقدي: مات بعد الأربعين ومائة رحمه الله تعالى). اهـ.

وفيه نظر، فقد تقدمت ترجمة المصنف لصالح بن جيسان في حديث (7).

(1)

هذِه الكلمة مكانها في (ج) بياض، وفي (ف): حنيس، والمثبت من "طبقات ابن سعد" 5/ 82 وهو الصواب.

(2)

في (ج) ابن الحارث.

(3)

من (ف).

(4)

اختلف سماع أبي أمامة من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن عده في الصحابة عده لأنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه.

قال البغوي في "معجم الصحابة" 1/ 93 (19): ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (18): ليست له صحبة، ولأبيه صحبة. =

ص: 597

وأما إبراهيم: فهو أبو إسحاق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (بن عبد عوف)

(1)

بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري المدني، سكن بغداد، سمع أباه والزهري وغيرهما من التابعين وغيرهم، وعنه شعبة وابن مهدي، وابناه يعقوب ومحمد، وخلق.

وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم وأبو زرعة، وكان كثير الحديث، وربما أخطأ في أحاديث، ولي بيت المال ببغداد، مات سنة ثلاث (وثمانين)

(2)

ومائة عن خمس وسبعين سنة، وأبوه قاضي المدينة من جلة التابعين.

= وقال أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 283 (150): اختلف فيه فقيل: صحب النبي صلى الله عليه وسلم وبايعه، وقيل: أدركه ولم يسمع منه، وهذا أصح.

وقال أبو عمر في "الاستيعاب" 1/ 176 (33): ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بعامين، وقال: لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ولا صحبه، وإنما ذكرناه لإدراكه النبي صلى الله عليه وسلم بمولده، وقال الذهبي في "السير" 3/ 517 - 518: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ورآه فيما قيل. وقال: قال أبو معشر السندي: رأيت أبا أمامة وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال العلائي في "جامع التحصيل"(30): ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وليست له صحبة، وما روى عنه فهو مرسل، وذكره مغلطاي في "الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة" 1/ 64 (25) وقال: قال العسكري: له رؤية ويدخلونه في الصحابة، ولا تصح صحبته، وقال ابن أبي داود: له صحبة، ورد قوله جماعة من الأئمة، وذكره في جملة الصحابة جماعة منهم: أبو عمر، أبو نعيم، وابن منده.

ورجح عدم صحة سماعه أيضًا الحافظ في "الفتح" 1/ 73، وفي "التهذيب" 1/ 134 - 135.

وانظر تمام ترجمته في المصادر المذكورة آنفًا، وكذا في:"أسد الغابة" 1/ 87 (100)، "تهذيب الكمال" 2/ 525 (403)، "الإصابة" 1/ 97 (414).

(1)

من (ف).

(2)

في (ج): وثلاثين، وما أثبتناه من (ف) وهو الصواب.

ص: 598

قال الخطيب: حدث عنه يزيد بن عبد الله بن الهاد، والحسين بن سيار الحراني وبين وفاتيهما مائة واثنتا عشرة سنة

(1)

.

فائدة:

في البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه إبراهيم بن سعد خال هذا

(2)

.

وأما محمد: فهو أبو ثابت محمد بن عبيد الله بن محمد بن زيد بن أبي زيد القرشي الأموي، مولى عثمان بن عفان المدني، سمع جمعًا من الكبار، وعنه (البخاري)

(3)

، والنسائي عن رجل عنه، وغيرهما من الأعلام، قال أبو حاتم: صدوق

(4)

.

الوجه الثالث: في ألفاظه ولغاته.

قوله: ("بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ")، قال الجوهري: بَيْنَا: فَعْلَى، أشبعت

(1)

"السابق واللاحق" ص 90 - 91 (12).

وانظر تمام ترجمته في: "التاريخ الكبير" 1/ 288 (928)، "معرفة الثقات" 1/ 201 (24)، "الجرح والتعديل" 2/ 101 (283)، "تهذيب الكمال" 2/ 88 (174).

(2)

هو إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري المدني. وهو خال سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، أي: أنه خال والد إبراهيم المترجم له؛ لأن قول المصنف يوهم أنه خال إبراهيم المترجم له.

روى عن: أسامة بن زيد، وأبيه سعد بن أبي وقاص. وروى عنه: ابن أخته سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث.

انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 5/ 169، "التاريخ الكبير" 1/ 288 (927)، "الجرح والتعديل" 2/ 101 (282)، "تهذيب الكمال" 2/ 94 (175).

(3)

في (ج): في البخاري.

(4)

"الجرح والتعديل" 8/ 3 (10)، وانظر تمام ترجمته في:"طبقات ابن سعد" 5/ 441، "التاريخ الكبير" 1/ 170 (506)، "تهذيب الكمال" 26/ 46 (5436).

ص: 599

الفتحة فصارت ألفًا، وأصله: بين، وبينما بمعناه زيدت فيه ما، تقول: بينا نحن نرقبه أتانا

(1)

، أي: أتانا بين أوقات رقبتنا إياه. ثم حذف المضاف الذي هو أوقات، وولى الظرفُ -الذي هو بين- الجملةَ التي أقيمت مقام المضاف إليه.

وكان الأصمعي يخفض ما بعد بَينَا إِذَا صلح في موضعه بَيْنَ. وغيره يرفع ما بعد بَيْنَا وبَيْنَمَا عَلَى الابتداء والخبر

(2)

.

والقُمُص: جمع قميص (ويجمع)

(3)

أيضًا عَلَى قُمْصَانٍ وأقمِصَةٍ. والثُّدي -بضم الثاء، ويجوز كسرها وكسر الدال وتشديد الياء- جمع ثدي -بفتح الثاء- وفيه لغتان التذكير والتأنيث، والتذكير (أفصح)

(4)

وأشهر، ولم يذكر جماعة من أهل اللغة غيره، ويجمع أيضًا عَلَى (أثدٍ)

(5)

ويطلق عَلَى الرجل والمرأة، ومنهم من منع إطلاقه في الرجل وليس بشيء، والأحاديث تردُّه

(6)

.

(1)

هذا صدر بيت أنشده سيبويه، والبيت بتمامه: فَبَيْنَا نحن نَرْقُبُهَ أَتَانَا مُعَلَّقَ وَفْضَةٍ وزنادَ راعِ.

(2)

انتهى كلام الجوهري، "الصحاح" 5/ 2084 - 2085 بتصرف.

(3)

من (ف).

(4)

في (ج): أصح.

(5)

في (ج): أثدى.

(6)

قلت: من هذِه الأحاديث، حديث الباب، ومنها ما سيأتي برقم (1407)، ورواه مسلم (992) من حديث الأحنف بن قيس قال: جلست إلى ملأ من قريش .... ، وفيه: ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج

الحديث.

ومنها ما سيأتي برقم (2898)، ورواه مسلم (112) من حديث سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا .. وفيه: فجرح الرجل جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض، وذبابه بين ثدييه .. ومنها ما سيأتي برقم (4072) حديث قتل حمزة بن عبد المطلب، وفيه: فرميته =

ص: 600

قَالَ ابن فارس

(1)

: ويقال لذلك من الرجل: ثندوة. بفتح الثاء بلا همز، وبالضم والهمز والأول هو المشهور

(2)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ("وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ") أي: أقصر، فيكون فرق الثدي لم ينزل إليه، ولم يصله لقلته.

قَالَ ابن بطال: معلوم أن عمل عمر في إيمانه أفضل (من عمل من)

(3)

بلغ قميصه ثديه، وتأويله صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ بالدين يدل عَلَى أن الإيمان الواقع عَلَى العمل يسمى دينًا كالإيمان الواقع عَلَى القول

(4)

.

وقال أهل التعبير: القميص في النوم: الدين، وجره يدل عَلَى بقاء آثاره الجميلة، وسننه الحسنة في المسلمين بعد وفاته ليُقتَدى به. قَالَ القاضي:(أخذوه)

(5)

من قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4] يريد نفسك، وإصلاح عملك ودينك، عَلَى تأويل بعضهم؛ لأن العرب تعبِّر عن العفة بنقاء الثوب والمئزر، وجَرُّه عبارة عما فَضُل عنه وانتفع الناس به، بخلاف جَرِّه في الدنيا للخُيلاء فإنه مذموم

(6)

.

= بحربتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه .. الحديث، مطولًا.

ومنها ما سيأتي برقم (6933) من حديث أبي سعيد قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم -حديث ذي الخويصرة- وفيه: قد سبق الفرث والدم، آيَتُهُم رجل إحدى يديه، أو قال: ثدييه، مثل ثدي المرأة، أو قال: مثل البضعة تدردر .. الحديث.

(1)

وقال ثعلب: الثَّنْدَوَةُ، بفتح أولها غير مهموز، مثال الرَّقوة والعَرقوة على فَعلُوة فإذا ضممت همزت.

(2)

"مجمل اللغة" 1/ 157 بتصرف.

(3)

في (ج): ممن.

(4)

"شرح ابن بطال" 1/ 74.

(5)

في (ج): أخذه.

(6)

"إكمال المعلم" 7/ 395.

ص: 601

الوجه الرابع: في الإشارة إلى بعض فوائده:

الأولى: أن الأعمال من الإيمان؛ فإن الإيمان والدين بمعنًى.

الثانية: تفاضل أهل الإيمان.

الثالثة: بيان عظم فضل عمر رضي الله عنه.

الرابعة: تعبير الرؤيا وسؤال العالم بها عنها.

الخامسة: إشاعة العالم الثناء عَلَى الفاضل من أصحابه إِذَا لم يخش فتنة بإعجاب ونحوه، ويكون الغرض التنبيه عَلَى فضله؛ لتعلم منزلته، ويعامل بمقتضاها، ويرغب في الاقتداء به، والتخلُّق بأخلاقه

(1)

.

(1)

ورد بهامش (ف): بلغ الشيخ برهان الدين الحلبي قراءة على مؤلفه وسمعه ابن المصنف والصفدي

والبستاني والبيجوري والعاملي والبطائحي

الحموي والبرموي وعلي بن الباسطي ....

ص: 602

‌16 - باب الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ

24 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِك بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الَحيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"دَعْهُ، فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ". [6118 - مسلم: 36 - فتح: 1/ 74]

نا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ أنا مَالِك، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"دَعْهُ، فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري هنا عن عبد الله، عن مالك، وأخرجه أيضًا في موضع آخر عن أحمد بن يونس، عن عبد العزيز بن أبي سلمة

(1)

. وأخرجه مسلم هنا أيضًا عن الناقد، وزهير، عن سفيان، وعن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، ولم يقع لمسلم لفظة:"دعه"

(2)

.

الوجه الثاني: في التعريف برواته:

وقد سلف خلا سالمًا.

وهو أبو عمر، ويقال: أبو عبد الله سالم (ع) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني التابعي الجليل الفقيه الصالح الزاهد الورع المتفق عَلَى جلالته. وهو أحد الفقهاء السبعة -فقهاء المدينة-

(1)

سيأتي برقم (6118) كتاب: الأدب، باب: الحياء.

(2)

مسلم (36) كتاب: الإيمان، باب: بيان حَد شعب الإيمان.

ص: 603

عَلَى أحد الأقوال

(1)

سمع أباه وأبا هريرة وغيرهما من الصحابة وخلقًا من غيرهم، وعنه: جمع من التابعين منهم الزهري.

قَالَ إسحاق بن راهويه: أصح الأسانيد كلها: الزهري، عن سالم، عن أبيه

(2)

، وكان أشبه ولده به، وكان والده أشبه ولد عمر به.

قَالَ مالك: ولم يكن في زمن سالم أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد (والقصد)

(3)

والعيش منه، كان يلبس الثوب بدرهمين.

وقال ابن سعد: كان كثير الحديث عاليًا من الرجال.

مات سنة ست ومائة، وقيل: خمس، وقيل: ثمان

(4)

.

فائدة: لسالم إخوة: عبد الله وعاصم وحمزة وبلال وواقد وزيد،

(1)

تقدم عدهم وتسميتهم.

(2)

ما انتهى إليه التحقيق هو الإمساك عن الحكم لإسناد بأنه الأصح على الإطلاق، بل يقيد بالصحابي أو البلد.

فأصح أسانيد عائشة مثلًا: هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

وأصح أسانيد عن أبي هريرة: الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.

وخاض جماعة من أئمة الحديث في ذلك فاضطربت أقوالهم: فقال الفلاس: أصح الأسانيد: محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي، وقال ابن معين: أصحها: الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، وقال إسحاق: أصحها: الزهري، عن سالم، عن أبيه -وهو ما ذكره المصنف- وروي نحوه عن الإمام أحمد، وقال البخاري: أصحها: مالك، عن نافع، عن ابن عمر.

انظر: "علوم الحديث" ص 15 - 16، "المقنع" 1/ 45 - 53، "تدريب الراوي" 1/ 93 - 107، "شرح ألفية السيوطي" للعلامة أحمد شاكر ص 6 - 10.

(3)

في (ج): الفضل.

(4)

"الطبقات الكبرى" 5/ 195. وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 4/ 115 (2155)، "معرفة الثقات" 1/ 383 (541)، "الجرح والتعديل" 4/ 184 (797)، "تهذيب الكمال" 10/ 145 (2149).

ص: 604

وأخوات، وكان عبد الله وصي أبيه منهم، روى عنه منهم أربعة: عبد الله وسالم وحمزة وبلال.

الوجه الثالث:

هذا الرجل لم أقف عَلَى اسمه، وكذا الأخ فليطلب

(1)

.

الوجه الرابع: في ألفاظه ومعانيه:

قوله: (مَرَّ عَلَى رَجُلٍ) قَالَ أهل اللغة: مَرَّ عليه، ومَرَّ به يَمُّر مرًّا، أي: اجتاز.

وقوله: (يعظ أخاه) قَالَ أهل اللغة: الوَعْظُ: النُصْحُ، والتذكير بالعواقب، وقال ابن فارس: هو التخويف، قَالَ: والعِظَةُ: الاسم منه. قَالَ الخليل: وهو التذكير بالخير (فيما)

(2)

يرق لَهُ قلبه

(3)

.

(1)

قال الحافظ في "الفتح" 1/ 74: لم أعرف اسم هذين الرجلين، الواعظ وأخيه.

وقال الكرماني في "شرحه" 1/ 120: الظاهر أنه أراد الأخ في القرابة، فهو حقيقة، ويحتمل أن يراد الأخ في الإسلام، على ما هو عرف الشارع فهو مجاز لغوي أو حقيقة عرفية. وكذا قال العيني في "عمدة القاري" 1/ 201، فكأنما نقله عنه.

وهذا يسمى في مصطلح الحديث: المبهم وهو: من لم يسم في المتن أو الإسناد، فهو قسمان: مبهم السند، وصورته أن يقول أحد رواة السند: عن رجل، وهذا القسم متعلق بالحكم على الحديث صحة وضعفًا؛ لأن الراوي المبهم قد يكون ثقة وقد يكون ضعيفًا.

والقسم الثاني: مبهم المتن، وصورته أن يكون هناك اسم مبهم في المتن، فقد يكون رجلًا أو امرأة أو ابنًا أو بنتًا أو عمًّا أو خالًا، وغير ذلك. وهذا القسم لا تعلق له بصحة أو ضعف الحديث، وفائدة معرفته أن يكون المبهم له منقبة فنعرفها له، أو أن يكون متهمًا بشيء، فنعرفه حتى لا نتهم غيره. انظر:"علوم الحديث" ص 375 - 379، "المقنع" 2/ 632 - 643، "تدريب الراوي" 2/ 492 - 501.

(2)

ساقطة من (ج).

(3)

"العين" 2/ 228، "مجمل اللغة" 4/ 931.

ص: 605

قَالَ الزبيدي

(1)

في "مختصر العين"

(2)

: الوَعْظُ والَمْوعِظَةُ والعِظَةُ سواء. تقول: وَعَظَهُ يَعِظُه وَعْظًا ومَوْعِظَةَ فاتَّعَظَ، أي: قبل المَوعِظَةُ.

ومعنى: (يَعِظُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ) أي: ينهاه عنه، ويقبح له فعله، ويخوفه منه. فإنّ كثرته عجز، فزجره صلى الله عليه وسلم عن وعظه، وقال:"دعه" أي: عَلَى فعل الحياء، وكُفّ عن نهيه؛ "فإن الحياء من الإيمان".

وفي رواية أخرى في الصحيح: "الحياء خير كله"

(3)

. وفي رواية: "الحياء لا يأتي إلا بخير"

(4)

.

وقد سلف تحقيق كونه من الإيمان، وبيان معناه في باب: أمور

الإيمان واضحًا فراجعه منه

(5)

.

وقال ابن قتيبة: معنى الحديث أن الحياء يمنع صاحبه من ركوب المعاصي كما يمنع منه الإيمان، فسمي إيمانًا كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه، وفي الحديث التنبيه عَلَى الامتناع من قبائح الأمور ورذائلها، وكل ما يستحيا من فعله.

(1)

هو إمام النحو، أبو بكر، محمد بن الحسن بن عبيد الله بن مذحج، الزبيدي الشامي الحمصي ثم الأندلسي الإشبيلي، صاحب التصانيف.

طلب المستنصر صاحب الأندلس أبا بكر الزبيدي من أشبيليه إلى قرطبة للاستفادة منه، فأدب جماعة، واختصر كتاب "العين" وألف "الواضح" في العربية. توفي سنة تسع وسبعين وثلاثمائة.

انظر ترجمته في: "الأنساب" 6/ 249، "وفيات الأعيان" 4/ 372، "سير أعلام النبلاء" 16/ 417 (305)، "الوافي بالوفيات" 2/ 351، "شذرات الذهب" 3/ 94.

(2)

في (خ): في مختصره.

(3)

رواه مسلم (37/ 61) كتاب: الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان

(4)

سيأتي برقم (6117) كتاب: الأدب، باب: الحياء.

(5)

راجع شرح حديث (9).

ص: 606

‌17 - باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}

[التوبة: 5]

25 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِىُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ". [مسلم: 22 - فتح: 1/ 75]

نا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ المُسْنَدِيُّ، نا أَبُو رَوْحٍ الحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ نا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاس حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ، وَأَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ".

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا من هذا الوجه، ولم يقل:"إلا بحق الإسلام"

(1)

. وأخرجاه من حديث أبي هريرة أيضًا

(2)

، وفيه:"ويؤمنوا بي وبما جئت به"

(3)

. وأخرجه البخاري من حديث أنس كما سيأتي في الصلاة

(4)

، وأخرجه مسلم من حديث جابر

(5)

.

(1)

مسلم (22) كتاب: الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس.

(2)

سيأتي برقم (2946) كتاب: الجهاد، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، في مسلم (21) كتاب: الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس

(3)

مسلم (21/ 34).

(4)

سيأتي برقم (392) كتاب: الصلاة، باب: فضل استقبال القبلة.

(5)

برقم (21/ 35) كتاب: الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس.

ص: 607

ثمَّ الكلام عليه من وجوه:

أحدها: في التعريف برجاله:

وقد سلف التعريف بابن عمر، وشعبة، وعبد الله المسندي، بفتح النون.

وأما محمد -والد واقد- فهو محمد (ع) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني، سمع جده، وابن عباس، وابن الزبير، وعنه بنوه الخمسة: أبو بكر وعمر وعاصم وواقد وزيد. قَالَ أبو حاتم وأبو زرعة: ثقة

(1)

.

وأما واقد ابنه فهو -بالقاف-، وليس في "الصحيحين" وافد بالفاء.

كما قدمته في الفصول أول هذا الشرح، وهو قرشي كلما ذكرته، مدني، وهو والد عثمان بن واقد أيضًا، روى عن والده ونافع وغيرهما، وعنه: شعبة وغيره، وثقه أحمد وغيره. روى لَهُ مع البخاري ومسلم، أبو داود والنسائي

(2)

.

وأما أبو روح فهو حرمي -بفتح الحاء والراء- بن عمارة بن أبي حفصة نابت -بالنون وقيل: (بالثاء)

(3)

وقيل: عبيدة العتكي مولاهم البصري، سمع شعبة وغيره، وعنه: القواريري وغيره، مات سنة إحدى ومائتين.

(1)

"الجرح والتعديل" 7/ 256 (1402)، وانظر تمام ترجمته في:"التاريخ الكبير" 1/ 84 (230)، "الثقات" لابن حبان 5/ 365، "تهذيب الكمال" 25/ 226 (5225).

(2)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 173 (2599)، "الجرح والتعديل" 9/ 32 - 33 (150)، "الثقات" 7/ 560، "تهذيب الكمال" 30/ 414 (6670).

(3)

في (ف): بالمثلثة.

ص: 608

قَالَ يحيى: صدوق، روى لَهُ الجماعة سوى (الترمذي)

(1)

.

فائدة:

حرمي أيضًا اثنان: ابن حفص العتكي روى لَهُ البخاري وأبو داود والنسائي

(2)

. وابن يونس (المؤدب)

(3)

، روى لَهُ النسائي واسمه إبراهيم

(4)

.

ثانيها: في ألفاظه ومعانيه:

معنى ("تَابُوا"): خلعوا الأوثان، وأقبلوا عَلَى عبادة الله تعالى، ومنه قوله تعالى في الآية الأخرى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} .. إلى قوله: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]، وهذِه الآية التي ذكرها البخاري حُكي عن أنس أنها آخر ما (نزل)

(5)

من القرآن

(6)

، ومعنى:{وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} المداومة عليها بحدودها.

(1)

في (ج): مسلم، ما أثبتناه من (ف) وهو الصواب، وانظر ترجمته في:"الطبقات" لابن سعد 7/ 303، "التاريخ الكبير" 3/ 122 (410)، "الجرح والتعديل" 3/ 37 (1368)، "تهذيب الكمال" 5/ 556 (1169).

(2)

في (ج): (د، ت)، والمثبت من (ف) وهو الصواب.

(3)

ستأتي ترجمته مفصلة في حديث رقم (36).

(4)

هو إبراهيم بن يونس بن محمد البغدادي، يعرف بحرمي روى عن: الضحاك بن مخلد، ومالك بن إسماعيل النهدي، وأبيه يونس بن محمد المؤدب. وروى عنه: النسائي، ومحمد بن جميع الأسواني، قال النسائي: صدوق. وانظر ترجمته في: "الثقات" لابن حبان 8/ 82، "تهذيب الكمال" 2/ 256 (273)، "إكمال تهذيب الكمال" 1/ 328 (323)، "تهذيب التهذيب" 1/ 96، تنبيه: وقع في "ثقات ابن حبان" 8/ 82: ابن يوسف، وهو خطأ أو تصحيف.

(5)

في (ج): نزلت.

(6)

رواه ابن ماجه (70)، الضياء في "المختارة" 6/ 126 - 127 (2122 - 2123) من طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس قال البوصيري في "المصباح" 1/ 12: إسناده ضعيف، الربيع بن أنس ضعيف، وكذا ضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(112).

ص: 609

ومعنى: ("عَصَمُوا": منعوا)

(1)

، والعصم: المنع، والعصام: الخيط الذي يشد فم القربة، سمي به؛ لمنعه الماء من السيلان.

ومعنى قوله: "إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلَامِ" أنه إن صدر منهم شيء يقتضي حكم الإسلام مؤاخذتهم به من قَصاص أو حَدٍّ أوغرامة متلف أو نحو ذَلِكَ استوفيناه، وإلا فهم معصومون.

ومعنى "وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ": أن أمر سرائرهم إليه، وأما نحن فنحكم بالظاهر، فنعاملهم بمقتضى ظاهر أفعالهم وأقوالهم.

ثالثها: في فوائده:

الأولى: وجوب قتال الكفار إِذَا طاقه المسلمون حتَّى يسلموا، أو يبذلوا الجزية إن كانوا ممن تُقبل منهم.

الثانية: وجوب قتال تاركي الصلاة أو الزكاة، وفيه رد على قول المرجئة: إن الإيمان غير مفتقر إلى الأعمال

(2)

.

(1)

في (ج): (عصموا مني دماءهم): منعوا.

(2)

قال شيخ الإسلام: والمرجئة الذين قالوا: الإيمان تصديق القلب، وقول اللسان، والأعمال ليست منه. كان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها، ولم يكن قولهم مثل قول جهم، فعرفوا أن الإنسان لا يكون مؤمنًا إن لم يتكلم بالإيمان مع قدرته عليه. وعرفوا أن إبليس وفرعون وغيرهما كفار مع تصديق قلوبهم، لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضًا فإنها لازمة لها، ولكن هؤلاء لهم حجج شرعية بسببها اشتبه الأمر عليهم، فإنهم رأوا أن الله قد فرق في كتابه بين الإيمان والعمل: فقال في غير موضع: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الكهف: 107] ورأوا أن الله خاطب الإنسان بالإيمان قبل وجود الأعمال فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9].

وقالوا: لو أن رجلًا آمن بالله ورسوله ضحوة ومات قبل أن يجب عليه شيء من =

ص: 610

الثالثة: قتل تارك الصلاة عمدًا مع اعتقاده وجوبها -وهو مذهب الجمهور-. والصحيح عندنا أنه يقتل بترك صلاة واحدة بشرط إخراجها عن وقت الضرورة، وقال أحمد بن حنبل في رواية أكثر أصحابه عنه: تارك الصلاة عمدًا يكفر ويخرج من الملة

(1)

، وبه قَالَ

= الأعمال مات مؤمنًا، وكان من أهل الجنة، فدل على أن الأعمال ليست من الإيمان. وقالوا: نحن نسلم أن الإيمان يزيد، بمعنى أنه كان كلما أنزل الله آية وجب التصديق بها، فانضم هذا التصديق إلى التصديق الذي كان قبله؛ لكن بعد كمال ما أنزل الله ما بقي الإيمان يتفاضل عندهم، بل إيمان الناس كلهم سواء؛ إيمان السابقين الأولين كأبي بكر وعمر، وإيمان أفجر الناس كالحجاج وأبي مسلم الخراساني وغيرهما.

والمرجئة المتكلمون منهم والفقهاء منهم يقولون: إن الأعمال قد تسمى إيمانًا مجازًا؛ لأن العمل ثمرة الإيمان ومقتضاه، ولأنها دليل عليه، ويقولون: قوله: "الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق": مجاز.

والمرجئة ثلاثة أصناف: الذي يقولون: الإيمان مجرد ما في القلب، ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب وهم أكثر فرق المرجئة كما قد ذكر أبو الحسن الأشعري أقوالهم في كتابه، وذكر فرقًا كثيرة يطول ذكرهم، لكن ذكرنا جمل أقوالهم. ومنهم من لا يدخلها في الإيمان كجهم ومن اتبعه كالصالحي، وهذا الذي نصره هو وأكثر أصحابه.

والقول الثاني: من يقول: هو مجرد قول اللسان، وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية.

والثالث: تصديق القلب وقول اللسان، وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم، وهؤلاء غلطوا من وجوه:

ساقها مطولة، فليرجع إليها من أراد الاستزادة والتفصيل.

"مجموع الفتاوى" 7/ 194 - 210. وانظر: "الشريعة" ص 102 - 114، "شرح العقيدة الطحاوية" 2/ 459 - 466.

(1)

انظر: "الانتصار" 2/ 603، "المغني" 3/ 354، "الإنصاف" 3/ 35.

ص: 611

بعض أصحابنا

(1)

، فعلى هذا لَهُ حكم المرتدين فلا يُورث، ولا يُغسل، ولا يُصلى عليه، وتبين منه امرأته، وقال أبو حنيفة والمزني: يحبس ولا يقتل

(2)

، والصحيح ما سلف عن الجمهور.

فرع: لو ترك صوم رمضان حبس، ومنع الطعام والشراب نهارًا؛ لأن الظاهر أنه ينويه؛ لأنه معتقد لوجوبه.

فرع: لو منع الزكاة أخذت منه قهرًا، ويعزر على تركها.

الرابعة: أن من أظهر الإسلام، وفعل الأركان كففنا عنه، ولا نتعرض إليه إلا لقرينة تظهر منه.

الخامسة: قبول توبة الزنديق، وإن تكرر منه الارتداد والإسلام، وهذا هو الصحيح، وقول الجمهور، ولأصحابنا فيه خمسة أوجه، وهو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام، ويعلم ذَلِكَ (منه)

(3)

إما باطلاع الشهود عَلَى كفرِ كان يخفيه، وإما بإقراره، أصحُّها ما ذكرناه، وهو ما نص عليه الشافعي، والأحاديث دالة عليه. ومنها حديث أسامة:"أفلا شَققت عن قلبه"

(4)

ومنها حديث: "ما أمرت أن أشق عن قلوب الناس ولا عن بطونهم"

(5)

.

(1)

انظر: "حلية العلماء" 2/ 12، "المجموع" 3/ 17 - 19.

(2)

انظر: "مجمع الأنهر" 1/ 146 - 147، "الفتاوى الهندية" 1/ 50، 51، "الحاوي الكبير" 2/ 525، "حلية العلماء" 2/ 11، "المجموع" 3/ 17.

(3)

من (ج).

(4)

رواه مسلم (96) في الإيمان، باب: تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله مطولًا.

(5)

سيأتي برقم (4351) كتاب: المغازي، باب: بعث علي بن أبي طالب عليه السلام. من حدبث أبي سعيد الخدري.

ص: 612

وثانيها: وبه قَالَ مالك: لا تقبل، نعم إن كان صادقًا في ذَلِكَ نفعه عند الله تعالى، وعن أبي حنيفة روايتان كالوجهين.

والثالث: إن كان من الدعاة (إلى الصلاة)

(1)

لم تقبل توبته، وتقبل توبة عوامهم.

والرابع: إن أخذ ليقتل فتاب لم تقبل، وإن جاء تائبًا ابتداءً، وظهرت مخايل الصدق عليه قبلت، وحكاه ابن التين عن مالك أيضًا.

وخامسها: أن (من)

(2)

تاب مرة قبلت، وإن تكررت منه فلا

(3)

.

(1)

وكذا في (ف)، وساقطة من (ج)، والمعنى يستقيم بدونها.

(2)

من (ج).

(3)

قال شيخ الإسلام: ولهذا تنازع الفقهاء في استتابة الزنديق، فقيل: يستتاب.

واستدل من قال ذلك بالمنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم، ويكل أمرهم إلى الله، فيقال له: هذا كان في أول الأمر وبعد هذا أنزل الله: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)} [الأحزاب: 61]، فعلموا أنهم إن أظهروه كما كانوا يظهرونه قتلوا. فكتموه.

والزنديق: هو المنافق، وإنما يقتله من يقتله إذا ظهر منه أنه يكتم النفاق، قالوا: ولا تعلم توبته؛ لأن غاية ما عنده أنه يظهر ما كان يظهر، وقد كان يظهر الإيمان وهو منافق؛ ولو قبلت توبة الزنادقه لم يكن سبيل إلى تقتيلهم. والقرآن قد توعدهم بالتقتيل. اهـ. "مجموع الفتاوى" 7/ 215.

وروى البيهقي بسنده عن علي قال: أما الزنادقة فيعرضون على الإسلام فإن أسلموا وإلا قتلوا. وروى عن ابن شهاب قال: الزنديق إن هو جحد وقامت عليه البينة فإنه يقتل، وإن جاء هو معترفًا تائبًا فإنه يترك من القتل.

وروى عن ربيعة قال: الزنديق يقتل ولا يستتاب، وروى ذلك أيضًا عن مالك ثم قال البيهقي: قول من قال: يستتاب فإن تاب قبلت توبته. وحقق دمه، والله ولي ما غاب أولى، والله أعلم. "سنن البيهقي" 8/ 201.

وانظر هذِه المسألة في: "التمهيد" 10/ 155 - 157، "صحيح مسلم بشرح النووي" 1/ 206 - 207، "المغني" 6/ 298.

ص: 613

السادسة: اشتراط النطق بكلمتي الشهادة في الحكم بإسلام الكافر، وأنه لا يكَفُّ عن قتالهم إلا بالنطق بهما، قَالَ القاضي حسين: وإنما يندفع السيف بهما مع الإقرار بأحكامهما لا بمجردهما. وفيما قاله نظر كما تقدم.

السابعة: هذا الحديث مبين ومقيد لما جاء (من)

(1)

الأحاديث المطلقة، ومنها مناظرة عمر للصديق في شأن (قتال)

(2)

مانعي الزكاة، إذ فيه: فقال عمر لأبي بكر: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:"أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إله إِلَّا اللهُ. فَمَنْ قَالَ: لَا إله إِلَّا اللهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي دمه ومَالَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهمُ عَلَى اللهِ؟ " فقال الصديق: والله لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ

(3)

. فانتقاله إلى القياس واعتراض الفاروق عليه أولًا دليل على أنه خفي عليهما وعلى من حضرهما حديث ابن عمر

(4)

وأبي هريرة

(5)

، كما خفي عليهم حديث جزية المجوس

(6)

، وشأن الطاعون

(7)

، وهذا وأمثاله مما يرجح به مأخذ

(1)

في (ج): في.

(2)

من (ف).

(3)

سيأتي هذا الحديث برقمي (1399 - 1400) كتاب: الزكاة، باب: وجوب الزكاة، ووراه مسلم (20) كتاب: الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا

من حديث أبي هريرة.

(4)

هو حديث الباب (25)، ورواه مسلم (22).

(5)

سيأتي برقم (1399 - 1400)، ورواه مسلم (20).

(6)

سيأتي برقم (3156 - 3157) كتاب: الجزية والموادعة، باب: الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب.

(7)

سيأتي هذا الحديث برقم (5729) كتاب: الطب، باب: ما يذكر في الطب، ورواه مسلم (2219) كتاب: السلام، باب: الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها.

قال النووي: اجتمع في هذِه القضية الاحتجاج من عمر بالعموم ومن أبي بكر =

ص: 614

الشافعي في أنه إِذَا صح الحديث لا يعدل عنه؛ لجواز خفائه عَلَى البعض

(1)

.

الثامنة: الحكم بالظاهر كما سلف.

التاسعة: أن الاعتقاد الجازم كافٍ في النجاة، وأبعد من أوجب تعلم الأدلة وجعله شرطًا للإسلام، والأحاديث الصحيحة متظاهرة عَلَى ذَلِكَ، ويحصل من عمومها العلم القطعي بأن التصديق الجازم كاف.

العاشرة: عدم تكفير أهل البدع.

= بالقياس، ودل ذلك على أن العموم يُخص بالقياس

"صحيح مسلم بشرح النووي" 1/ 203.

وسيأتي مزيد تفصيل في هذِه المسألة -إن شاء الله تعالى- في الحديث الآتي برقم (1399 - 1400).

(1)

دخول (ال) على (بعض) مما اعترض عليه كثير من النحاة واللُغويين.

ص: 615

‌18 - باب مَنْ قَالَ إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ

لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)} [الزخرف: 72]. وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر: 92، 93]: عَنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. وَقَالَ: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)} .

26 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن شِهَابِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الُمسَيَّبِ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ:"إِيمَانٌ باللهِ وَرَسُولِهِ". قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ". قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌ مَبْرُورٌ". [1519 - مسلم: 83 - فتح: 1/ 77]

نا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ نا ابن شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ:"إِيمَانٌ باللهِ وَرَسُولِهِ". قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ". قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا هنا

(1)

. ويأتي في الحج إن شاء الله

(2)

.

ثانيها: (في)

(3)

التعريف برواته:

وقد سلف التعريف بهم خلا ابن المسيب، وأحمد بن يونس.

(1)

مسلم (83) كتاب: الإيمان، باب: بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال.

(2)

سيأتي برقم (1519) باب: فضل الحج المبرور.

(3)

من (ج).

ص: 616

أما الأول: فهو أبو محمد سعيد (ع) بن المسيب بن حزن بن (أبي وهب)

(1)

بن (عمرو بن)

(2)

عايذ -بالذال المعجمة- بن عمران بن مخزوم بن يقظة -بفتح الياء المثناة تحت، وبالقاف والظاء المعجمة- ابن مرة القرشي المخزومي المدني. إمام التابعين، وفقيه الفقهاء، ووالده وجده صحابيان أسلما يوم الفتح

(3)

.

(1)

في (ف): وهب، والمثبت من مصادر الترجمة.

(2)

من (ف).

(3)

أما والده المسيب بن حزن، فهاجر مع أبيه حزن، وكان المسيب ممن بايع تحت الشجرة. رواه سفيان عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: شهدت بيعة الرضوان تحت الشجرة معهم، ثم أنسوها من العام المقبل.

انظر: "الاستيعاب" 3/ 457 (2436). وانظر تمام ترجمته في: "معجم الصحابة" 3/ 126 (1099)، "معرفة الصحابة" 5/ 2598 (2776)، "أسد الغابة" 5/ 177 (14921)، "الإصابة" 3/ 420 (7996). وترجمنا للمسيب هنا؛ لأن المصنف رحمه الله لم يترجم له في أول حديث ذكر في سنده المسيب، وهو الحديث الآتي برقم (1360) كتاب: الجنائز، باب: إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله.

وأما جده حزن بن أبي وهب، فكان من المهاجرين، ومن أشراف قريش في الجاهلية، وهو الذي أخذ الحجر الأسود من الكعبة حين أرادت قريش أن تبني الكعبة، وقيل: الذي رفع الحجر، أبو وهب والد حزن. "أسد الغابة" 2/ 4 (1152)، وانظر تمام ترجمته في "معجم الصحابة" للبغوي (1152)، "معجم الصحابة" لابن قانع 1/ 196 (224)، "معرفة الصحابة" 2/ 869 (736)، "الإصابة" 1/ 325 (1701).

أما قول المصنف: أسلما يوم الفتح. قاله مصعب الزبيري، وقد رده غير واحد ممن ترجم لهما، منهم الحافظ في "الإصابة".

وقال النووي: المسيب وأبوه صحابيان هاجرا إلى المدينة، وكان المسيب ممن بايع تحت الشجرة في قول، وقال مصعب: لا يختلف أصحابنا أن المسيب وأباه من مسلمة الفتح، قال أبو أحمد العسكري: أحسب مصعبًا وهم؛ لأن المسيب حضر في بيعة الرضوان، وشهد اليرموك. اهـ. "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 95.

ص: 617

والمسيِّب: بفتح الياء عَلَى (الصحيح)

(1)

المشهور، وقاله أهل المدينة بكسرها، وحُكي عنه كراهة الفتح

(2)

، ولا خلاف في فتح الياء من المسيب بن رافع

(3)

. وولده العلاء بن المسيب

(4)

.

(1)

من (ج).

(2)

قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار" 1/ 399: سعيد بن المسيَّب كذا اشتهر اسمه بفتح الياء وذكر لنا شيخنا القاضي أبو علي، عن ابن المديني، ووجدته بخط مكي بن عبد الرحمن القرشي كاتب أبي الحسن القابسي، وهو لنا عنه رواية بسنده عن ابن المديني أن هذا قول أهل العراق وأما أهل المدينة فيقولون: المسيِّب بكسر الياء، قال القاضي أبو علي: وذكر لنا أنه يكره من يفتح اسم أبيه، وغيره بفتح الياء بغير خلاف. اهـ.

وانظر: "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 95.

(3)

قاله القاضي في "المشارق" 1/ 399، وانظر:"مسلم بشرح النووي" 1/ 77.

والمسيب بن رافع هو الأسدي الكاهلي، أبو العلاء الكوفي الأعمى، روى عن البراء بن عازب، وجابر بن سمرة، وسعد بن أبي وقاص.

روى عنه الأعمش، وابنه العلاء، وأبو إسحاق السبيعي.

قال يحيى بن معين: لم يسمع المسيب من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا من البراء ابن عازب، وأبي إياس عامر بن عبدة.

قال الحافظ في "التقريب"(6675): ثقة.

انظر تمام ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 6/ 293، "ثقات ابن حبان" 5/ 437، "تهذيب الكمال" 27/ 586 (5970)، "سير أعلام النبلاء" 2/ 102.

(4)

روى العلاء، عن إبراهيم النخعي، وعكرمة مولى ابن عباس.

وروى عنه: جرير بن عبد الحميد وحفص بن غياث وحمزة الزيات.

قال ابن معين: ثقة مأمون.

وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي: ثقة يحتج بحديثه. وقال أبو حاتم: صالح الحديث.

انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 6/ 348، "ثقات ابن حبان" 7/ 263، "تهذيب الكمال" 22/ 541 (4588)، "سير أعلام النبلاء" 6/ 339.

ص: 618

ولد لسنتين (مضتا)

(1)

من خلافة عمر، وقيل: لأربع.

سمع عمر وعثمان وعليًّا وسعد بن أبي وقاص وأبا هريرة، وهو زوج ابنته، وأعلم الناس بحديثه، وخلقًا من الصحابة. وعنه خلائق من التابعين وغيرهم، واتفقوا عَلَى جلالته وإمامته وتقدمه على أهل عصره في العلم والفتوى.

قَالَ ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه، وإذا قَالَ:

(مضت السنة) فحسبك به، وهو عندي أجل التابعين، قَالَ أبو عبد الله بن خفيف

(2)

: أهل البصرة يقولون: أفضل التابعين أويس القرني

(3)

، قُلْتُ: أي: في الزهد. ففي مسلم من حديث عمر مرفوعًا: "إن خير التابعين رجل يقال لَهُ: أويس، وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم"

(4)

.

(1)

في (ج): بقيتا.

(2)

أبو عبد الله هذا هو: الشيخ الإمام العارف الفقيه القدوة، ذو الفنون، أبو عبد الله محمد بن خفيف بن إسكفشار الضبي الفارسي الشيرازي، شيخ الصوفية، قال أبو العباس الفسوي: صنف شيخنا ابن خفيف من الكتب ما لم يصنفه أحد، وانتفع به جماعة صاروا أئمة يقتدى بهم، وعمَّر حتى عم نفعه البلدان.

انظر: تمام ترجمته في: "حلية الأولياء" 10/ 385، "الأنساب" 7/ 451، "المنتظم" 7/ 112، "سير أعلام النبلاء" 16/ 342 (249)، "الوافي بالوفيات" 3/ 42، "شذرات الذهب" 3/ 76.

(3)

خلاصة الأمر أن أفضل التابعين ثلاثة، أهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيب، وأهل الكوفة يقولون: أويس القرني، وأهل البصرة يقولون: الحسن البصري، وقيل: إن أفضل التابعين على الإطلاق هو سعيد.

وقال أبو بكر بن أبي داود: سيدتا التابعين من النساء: حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن، وثالثتهما وليست مثلهما -أم الدرداء.

انظر: "علوم الحديث" ص 302 - 307، "المقنع" 2/ 506 - 517، "تدريب الراوي" 2/ 335 - 352.

(4)

مسلم (2542) في فضائل الصحابة، باب: من فضائل أويس القرني. =

ص: 619

أما سعيد فأفضل في العلم، وكان لا يأخذ العطاء، كانت لَهُ أربعمائة دينار يتجر فيها في الزيت، وقد سلف الكلام في الفصول أول الكتاب في مرسله، وأن بعضهم قَالَ: إن مرسله حجة مطلقًا؛ لأنها فتشت فوجدت مسندة، وليس كما قَالَ؛ فإنه وجد فيها ما ليس بمسند بحال، كما ذكره البيهقي والخطيب وغيرهما

(1)

.

مات سنة أربع، وقيل: ثلاث وتسعين، سنة الفقهاء؛ لكثرة من مات فيها منهم. وأراد صلى الله عليه وسلم تغيير اسم جده فقال:"أنت سهل" فقال: لا أغير اسمي فما زالت الحزونة في ولده

(2)

، ففيهم سوء خلق

(3)

.

= وأويس هو: ابن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني، أبو عمرو، الإمام القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، وأويس أدرك النبي صلى الله عليه وسلم لكنه لم يره، قال أصبغ بن زيد: إنما منع أويسًا أن يقدم على النبي صلى الله عليه وسلم بره بأمه، وحكي عنه أنه كان يتصدق بثيابه حتى يجلس عريانًا لا يجد ما يروح فيه إلى الجمعة.

وروى هشام بن حسان، عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة أويس أكثر من ربيعة ومضر.

وانظر: "طبقات ابن سعد" 6/ 161، "حلية الأولياء" 2/ 79، "أسد الغابة" 1/ 179 (331)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 19 (5)، "الإصابة" 1/ 115 (500).

(1)

قاله الخطيب في "الكفاية" ص 571 - 572، وانظر:"معرفة السنن والآثار" للبيهقي 1/ 164، 167، "علوم الحديث" ص 51 - 56، "المقنع" 1/ 129 - 140، "تدريب الراوي" 1/ 241 - 259.

(2)

سيأتي برقم (6190) كتاب: الأدب، باب: أسم الحزن.

(3)

انظر تمام ترجمة سعيد في: "طبقات ابن سعد" 2/ 379، 5/ 119، "حلية الأولياء" 2/ 161، "وفيات الأعيان" 2/ 375، "تهذيب الكمال" 11/ 66 (2358)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 217 (88)، "تاريخ الإسلام" 6/ 371 (279)، "شذرات الذهب" 1/ 102.

ص: 620

فائدة:

عايذ جده -قَدْ سلف أنه بالمثناة تحت وبالذال المعجمة- بن عمران بن مخزوم، وفي بني مخزوم أيضًا عابد -بالموحدة وبالدال المهملة- بن عبد الله بن (عمر)

(1)

بن مخزوم

(2)

، ومن ولد هذا السائب والمسيب ابنا أبي السائب صيفي بن (عابد)

(3)

بن عبد الله، (وولده)

(4)

عبد الله بن السائب

(5)

شريك النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ صلى الله عليه وسلم في حقه: "نعم الشريك"

(6)

. وقيل: الشريك والده

(7)

.

(1)

في (ف)، (ج): عمرو، والصواب ما أثبتناه، كما سيأتي.

(2)

روى الدراقطني في "المؤتلف والمختلف" 3/ 1540 عن الزبير بن بكار قال: كل من كان من ولد عمر بن مخزوم فهو عابد، ومن كان من ولد عمران بن مخزوم فهو عائذ.

(3)

في (ج): عايذ.

(4)

في (ف)، (ج): وولد، والصواب ما أثبتناه، كما في مصادر الترجمة، ونقله على الصواب العيني في "عمدة القاري" 1/ 213، وهو المناسب للسياق.

(5)

انظر ترجمته في: "معجم الصحابة" 2/ 130 (595)، "معرفة الصحابة" 3/ 1674 (1660)، "الاستيعاب" 3/ 47 (1561)، "أسد الغابة" 3/ 254 (2964)، "تهذيب الكمال" 14/ 553 (3287)، "الإصابة" 2/ 314 (4698).

(6)

رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" 1/ 94، والطبراني في "الأوسط" 1/ 268 (871)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 3/ 1675، والضياء في "المختارة" 9/ 395 - 397 (368 - 371) من طريق الأعمش عن مجاهد، عن عبد الله بن السائب قال: كنت شريكًا للنبي صلى الله عليه وسلم فلما قدمت المدينة، قال: أتعرفني، قلت: كنت شريكًا لي فنعم الثريك كنت لا تماري ولا تداري. الحديث، وفيه: أن القائل هو عبد الله بن السائب.

قال الهيثمي في "المجمع" 9/ 409: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، غير منصور بن أبي الأسود وهو ثقة. اهـ. وقال الحافظ في "الإصابة" 2/ 314: والمحفوظ أن هذا لأبيه السائب. اهـ. وسيأتي مزيد كلام على هذا الحديث في التخريج الآتي.

(7)

رواه أبو داود (4836)، وابن ماجه (2287)، وأحمد 3/ 425، والطبراني 7/ 140 (6619 - 6620)، والبيهقي 6/ 78، والضياء في "المختارة" 3/ 328 =

ص: 621

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (2155)، من طريق سفيان عن إبراهيم بن المهاجر، عن مجاهد، عن قائد السائب، عن السائب بن أبي السائب قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يثنون علي ويذكروني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنا أعلمكم" يعني به. قلت: صدقت بأبي أنت وأمي كنت شريكي فنعم الشريك، كنت لا تداري ولا تماري.

والحديث صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1853).

ورواه كذلك أحمد 3/ 425، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 22 - 23 (692)، والطبري في "تفسيره" 1/ 356 من طريق إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن السائب قال: جاء عثمان بن عفان وزهير بن أمية رضي الله عنهما فاستأذنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنيا عليّ عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحديث. وفيه: أن القائل السائب.

ورواه كذلك أحمد 3/ 425، والنسائي في "الكبرى" 6/ 86 (10144)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 301، والطبراني 7/ 139 (6618)، والحاكم 2/ 61، والبيهقي 6/ 78 من طريق وهيب، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن السائب بن أبي السائب أنه كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام .. الحديث. وفيه: أن القائل النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

ورواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" 1/ 196، والبغوي في "معجم الصحابة" 5/ 9، والطبراني في "الأوسط" 2/ 144 - 145 (1522)، وأبو نعيم في "الحلية" 9/ 48 من طريق إبراهيم بن ميسرة، عن مجاهد، عن قيس بن السائب قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شريكي في الجاهلية

الحديث.

قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 164: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

ورواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" 1/ 197 من طريق الزبير بن بكار، حدثني أبو جمرة، عن أبي السائب عبد الله بن السائب قال: كان جدي يكنى أبا السائب، وبه اكتنيت، وكان خليطًا للنبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية. فكان إذا ذكره قال: نعم الخليط، ومن قال: السائب بن أبي السائب فكأنه أراد والد عبد الله بن السائب.

قلت: اختلف -كما ترى- فيمن كان شريكًا للنبي صلى الله عليه وسلم، هل هو عبد الله بن السائب، أو أبوه السائب، أو قيس بن السائب؟ =

ص: 622

(و)

(1)

عتيق بن (عابد)

(2)

بن عبد الله كان عَلَى خديجة أم المؤمنين قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

، ومن الأول -وهو عائذ- غير سعيد بن المسيب فاطمة أم عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت عمرو بن عائذ بن عمران

(4)

، وهبيرة بن أبي وهيب بن عمرو بن عائذ بن عمران، وهبيرة

= قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه أصحاب مجاهد عنه، قال: كان

شريك للنبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، فحكى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يماري، ولا يداري،

فمن هذا الشريك؟ قال أبي: من قال: عن عبد الله بن السائب، فهو ابن السائب بن

أبي السائب، ومن قال: عن قيس بن السائب، فكأنه يعني أخا عبد الله بن السائب

ومن قال: السائب بن أبي السائب فكأنه أراد والد عبد الله بن السائب. وهؤلاء

الثلاثة موالي مجاهد من فوق. قلت لأبي: فحديث الشركة ما الصحيح منها؟ قال

أبي: عبد الله بن السائب ليس بالقديم وكان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حدثا، والشركة

بأبيه أشبه. والله أعلم. اهـ. "علل ابن أبي حاتم" 1/ 126 - 127 بتصرف.

قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" 2/ 141: الحديث فيمن كان شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطرب جدًّا، منهم من يجعل الشركة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائب بن أبي السائب، ومنهم من يجعلها لأبي السائب ومنهم من يجعلها لقيس، وهذا اضطراب لا يثبت به شيء ولا تقوم به حجة.

وانظر: "البدر المنير" 6/ 723 - 725. وانظر ترجمة السائب في: "معجم الصحابة" 1/ 300 (366)، "معرفة الصحابة" 3/ 1369 (1260)، "الاستيعاب" 2/ 140 (897)، "أسد الغابة" 2/ 315 (1911)، "الإصابة" 2/ 10 (3065).

(1)

من (ف).

(2)

من (ف).

(3)

انظر: "طبقات ابن سعد" 8/ 15، 216، "أنساب الأشراف" للبلاذري ص 406 - 407، "الإكمال" 6/ 1، 109، "سير أعلام النبلاء" 2/ 111، ووقع في جميعها: عتيق بن عابد -كما ذكرنا- وكذا وقع في "عمدة القاري" 1/ 213.

(4)

انظر: "حذف من نسب قريش" ص 5، 40 - 41، قال مؤلفه: هذا كتاب حذف من النسب: والحذف القطع من الطرف، أراد أنه تكلم على نسب قريش من أطرافه ولم يستوعبه كله مفصلًا. "أنساب الأشراف" ص 533، "جمهرة أنساب العرب" ص 141، "التبيين في أنساب القرشيين" ص 76.

ص: 623

هذا هو زوج أم هانئ بنت أبي طالب

(1)

(فزَ عن)

(2)

الإسلام

(3)

، يوم فتح مكة، مات كافرًا بنجران

(4)

.

وأما أحمد (ع) بن عبد الله بن يونس بن عبد الله بن قيس اليربوعي التميمي أبو عبد الله الكوفي، يقال: إنه مولى الفضيل بن عياض، سمع مالكًا وخلقًا، وعنه أبو زرعة وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وروى البخاري عن يوسف بن موسى عنه، والترمذي (والنسائي)

(5)

وابن ماجه عن رجل عنه، قال أحمد: هو شيخ الإسلام، قَالَ أبو حاتم: كان ثقة متقنًا، مات في ربيع الآخر سنة سبع وعشرين (ومائتين)

(6)

عن أربع وتسعين سنة

(7)

.

الوجه الثالث: في ألفاظه ومعانيه:

معنى الإرث في الآية: صيرورتها لهم، وفيها وفي نظائرها وجهان: أحدهما: أنها مصدرية أي: بعملكم، وثانيهما: موصولة أي:

(1)

ستأتي ترجمة أم هانئ في أول حديث لها في الكتاب (280).

(2)

في (ج): من غير.

(3)

في (ج) زيادة: مات. وهو خطأ.

(4)

انظر: "حذف من نسب قريش" ص 74 - 75، "نسب قريش" ص 344، "أنساب الأشراف" ص 156، "جمهرة أنساب العرب" ص 141، "التبيين في أنساب القريشيين" ص 114 - 115.

وانظر في باب: عابد وعائذ: "المؤتلف والمختلف" 3/ 1540 - 1541، "الإكمال" 6/ 1 - 13، "توضيح المشتبه" 6/ 55 - 64، "تبصير المنتبه" 3/ 886 - 888.

(5)

من (ف).

(6)

من (ف).

(7)

"الجرح والتعديل" 2/ 57 (79)، وانظر ترجمته في:"معرفة الثقات" 1/ 193 (7)، "الثقات" 8/ 9، "تهذيب الكمال" 1/ 375 (64).

ص: 624

بالذي كنتم تعملون، والوجهان أيضًا في قوله تعالى:{عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 93]، قَالَ النووي: والظاهر المختار أن معناه: لنسألنهم عن

أعمالهم كلها. أي: الأعمال التي يتعلق بها التكليف، وقول هؤلاء الذين نقل عنهم البخاري (أن المراد)

(1)

عن قول: لا إله إلا الله، مجرد دعوى للتخصيص بذلك، فلا تقبل. نعم، هو داخل في عموم الأعمال، وقد روينا في "مسند أبي يعلى" من حديث أنس مرفوعًا ما يوافق ما نقله عنهم

(2)

لكن في إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف

(3)

.

(1)

في (ج): إن أراد.

(2)

"مسند أبي يعلى"، 7/ 111 - 112 (4058) من طريق ليث بن أبي سليم، عن بشر، عن أنس بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 93،92] قال عن: لا إله الا الله.

ومن هذا الطريق رواه أيضًا الترمذي (3126)، والطبري 14/ 67، والطبراني في "الدعاء" 3/ 1493 - 1494 (1491 - 1492) ووقع في سند الطبري:(بشير) بدل (بشر)، وفي سند الطبراني الثاني قال: عن بشر أو بشير، هكذا على الشك، فهذا يوضح أن بشير في سند الطبري ليست تصحيفًا، إنما هو شك من الراوي وأن بشرًا وبشيرًا اثنان، ويدل لذلك مارواه الطبري أيضًا 14/ 67 عن ليث، عن بشير بن نهيك، عن أنس مرفوعًا.

ورواه الطبراني في "الدعاء"(1493) من طريق ليث، عن أبوداود، عن أنس مرفوعًا.

قال الترمذي: حديث غريب إنما نعرفه من حديث ليث بن أبي سليم، وقد روى عبد الله بن إدريس، عن ليث بن أبي سليم، عن بشر، عن أنس نحوه ولم يرفعه. اهـ.

وقال الألباني في "ضعيف الترمذي"(3126): ضعيف الإسناد.

والحديث رواه الطبراني (1494) من طريق حفص بن غياث، عن ليث، عن بشر، عن أنس موقوفًا.

(3)

ليث بن أبي سليم، هو ابن زنيم القرشي، أبو بكر، ويقال: أبو بكر الكوفي، مولى عتبة بن أبي سفيان، ويقال: مولى معاوية بن أبي سفيان. قال أحمد: مضطرب =

ص: 625

وقوله: (وقال: عدة) أي: كما عة، قَالَ أهل اللغة: العدة: الجماعة قلَّت أم كثرت

(1)

، والمبرور: هو الذي لا يخالطه إثم، وقيل: المقبول، وقيل: فعل الجميل، وقيل: الخالص، والبر: الطاعة، يقال: بَرَّ حجُّك بفتح الباء وضمها لغتان حكاهما ابن سيده

(2)

، واقتصر الحربي وثعلب

(3)

على الضم وأقره القاضي

(4)

ونسب ابن درستويه

(5)

الفتح إلى العامة.

= الحديث، ولكن حدث الناس عنه، وقال ابن معين: ضعيف إلا أنه يكتب حديثه، وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه. وقال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان: ليث لا يشتغل به، هو مضطرب الحديث.

استشهد به البخاري في "الصحيح"، فذكر له متابعة تأتي بعد حديث (1838) لكن لم يتعرض المصنف لترجمته، وروى له في كتاب:"رفع اليدين في الصلاة"، وروى له مسلم مقرونًا بأبي إسحاق الشيباني، وروى له الباقون.

قال الحافظ في "التقريب"(5685): صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه فترك.

انظر تمام ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 6/ 349، "التاريخ الكبير" 7/ 246 (1051)، "الجرح والتعديل" 7/ 177 (1014)، "الكامل في الضعفاء" 7/ 233 (1617)، "تهذيب الكمال" 24/ 279 (5017).

(1)

تقول: رأيت عِدَّة رجالٍ، وعِدَّة نساءٍ، وأَنْفَذتُ عِدَّةَ كُتب، أي: جماعة كتب.

(2)

"المحكم" 11/ 214.

(3)

هو العلامة المحدث، إمام النحو، أبو العباس، أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني، مولاهم البغدادي، صاحب "الفصيح" والتصانيف، وكان يقول: ابتدأت بالنظر وأنا ابن ثماني عشرة سنة، ولما بلغت خمسًا وعشرين سنة، ما بقي علي مسألة للفراء، وسمعت من القواريري مائة ألف حديث، وقال الخطيب: ثقة حجة، دين صالح، مشهور بالحفظ، مات في جمادي الأولى، سنة إحدى وتسعين ومائتين.

انظر: "تاريخ بغداد" 5/ 204، "المنتظم" 6/ 44، "وفيات الأعيان" 1/ 102، "سير أعلام النبلاء" 14/ 5 (1)، "تذكرة الحفاظ" 2/ 666، "شذرات الذهب" 2/ 207.

(4)

"إكمال المعلم" 1/ 347.

(5)

هو الامام العلامة، شيخ النحو، أبو محمد، عبد الله بن جعفر بن درستويه بن المرزبان، الفارسي النحوي. قدم من مدينة فسا في صباه إلى بغداد، واستوطنها، =

ص: 626

الوجه الرابع: في فوائده:

الأولى: إن قُلْت: كيف يجمع بين الآية السالفة في السؤال. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحد الجنة بعمله"

(1)

؟ فالجواب: أن دخول الجنة بسبب العمل، والعمل برحمة الله.

الثانية: كيف نجمع بين الآية السالفة في السؤال والآية الأخرى وهي: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)} [الرحمن: 39].

فالجواب: أن في القيامة مواطن -أعاننا الله الكريم عَلَى أهوالها- ففي موطن يسألون، وفي الآخر لا يسألون، كما سيأتي في تفسير حم السجدة عن ابن عباس

(2)

، وجواب آخر أنهم لا يسألون سؤال الاستخبار.

الثالثة: بدأ في هذا الحديث بالإيمان ثمَّ الجهاد ثمَّ الحج. وفي حديث ابن مسعود بدأ بالصلاة لميقاتها ثمَّ بر الوالدين ثمَّ الحج

(3)

،

= وبرع في العربية، وصنف التصانيف ورزق الإسناد العالي، وكان ثقة، وله كتاب "الإرشاد" في النحو، و"شرح الفصيح"، و"غريب الحديث"، وثقه ابن منده وغيره.

توفي في صفر سنة سبع وأربعين وثلاثمائة.

انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 9/ 428، "المنتظم" 7/ 388، "وفيات الأعيان" 3/ 44، "سير أعلام النبلاء" 15/ 531 (309)، "شذرات الذهب" 2/ 375.

(1)

سيأتي برقم (5673) كتاب: المرضى، باب: نهي تمني المريض الموت، ورواه مسلم (2816/ 75) كتاب: صفة الجنة والنار، باب: لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى، من حديث أبي هريرة.

(2)

يأتي قبل حديث (4816) كتاب: التفسير.

(3)

حديث ابن مسعود سيأتي برقم (527) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال. وفيه بدأ بالصلاة لميقاتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد، لا الحج كما ذكر المصنف.

ص: 627

وفي حديث أبي ذر لم يذكر الحج

(1)

، وفي حديث أبي موسى (السالف: أي الإسلام أفضل؟ قَالَ: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"

(2)

وفي حديث ابن عمرو)

(3)

السالف: أي الإسلام خير؟ قَالَ: " (تطعم)

(4)

الطعام" إلى آخره

(5)

. وقد جمع العلماء بينها وبين ما أشبهها بوجوه، ذكر الحليمي

(6)

منها وجهين: أحدهما: أنه جرى عَلَى اختلاف الأحوال والأشخاص، كما روي أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "حجة لمن لم يحج أفضل من (أربعين)

(7)

غزوة، وغزوة لمن حج أفضل من أربعين حجة"

(8)

. فاعلم أن كل قوم بما تدعو الحاجة إليه دون ما لم تدع

(1)

سيأتي برقم (2518) كتاب: العتق، باب: أي الرقاب أفضل، ورواه مسلم (84).

(2)

سلف برقم (11) باب: أي السلام أفضل؟ ورواه مسلم (42).

(3)

ساقط من (ج).

(4)

في (ج): إطعام.

(5)

سلف برقم (12)، ورواه مسلم (39).

(6)

هو القاضي العلامة، رئيس المحدثين والمتكلمين بما رواء النهر، أبو عبد الله، الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الشافعى، أحد الأذكياء الموصوفين، ومن أصحاب الوجوه في المذهب، وكان متفننًا، سيال الذهن مناظرًا، طويل الباع في الأدب والبيان، وله مصنفات نفيسة، توفي سنة ثلاث وأربعمائة.

انظر ترجمته في: "الأنساب" 4/ 198، "المنتظم" 7/ 264، "وفيات الأعيان" 2/ 137، "سير أعلام النبلاء" 17/ 231 (138)، "الوافي بالوفيات" 12/ 351.

(7)

في (ج): (سبعين).

(8)

رواه البزار كما في "كشف الأستار"(1651) عن ابن عباس مرفوعًا: "حجة خير من أربعين غزوة، وغزوة خير من أربعين حجة". يقول: إذا حج الرجل حجة الإسلام، فغزوة خير له من أربعين حجة، وحجة الإسلام خير من أربعين غزوة.

قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 279: رواه البزار ورجاله ثقات، وعنبسة بن هبيرة، وثقة ابن حبان، وجهله الذهبي. اهـ.

وقال المنذري كما في "ضعيف الترغيب" 1/ 412: رواه البزار، ورواته ثقات معروفون، وعنبسة بن هبيرة وثقه ابن حبان، ولم أقف فيه على جرح، وضعفه =

ص: 628

حاجتهم إليه، وذكر ما لم يعلمه السائل وأهل المجلس من دعائم الإسلام (ولم يبلغه)

(1)

علمه، وترك ما علموه. ولهذا أسقط ذكر الصلاة والزكاة والصيام في حديث الباب، وأثبت فيه الجهاد والحج.

ولا شك أن الصلاة والزكاة والصوم مقدمات عَلَى الحج والجهاد، فقد يكون الجهاد في حق شخص أولى من غيره، وهو من تأهل لَهُ أو عند التعين، والعياذ بالله

(2)

. وكذا نقول في بر الوالدين، وقد قَالَ

= الألباني كما في "ضعيف الترغيب"(832)، وكذا في "ضعيف الجامع"(2690).

وروى الطبراني في "مسند الشاميين" 4/ 327 - 328 (3457)، وعنه أبو نعيم في "الحلية" 5/ 188 عن مكحول عن ابن عمر مرفوعًا:"حجة قبل غزوة أفضل من خمسين غزوة، وحجة بعد غزوة أفضل من خمسين حجة، ولموقف ساعة في سبيل الله أفضل من خمسين حجة".

قال الألباني في "الضعيفة"(3481): ضعيف جدًّا.

وروى الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط" 3/ 280 (3144)، كما في "المجمع" 5/ 281، والبيهقي في "سننه" 4/ 335، وفي "شعب الإيمان" 4/ 11 - 12 (4221)، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا:"حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات، وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج، وغزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر .. " الحديث.

قال الهيثمي: فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، قال عبد الملك بن شعيب بن الليث: ثقة مأمون. وضعفه غيره.

وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب"(833).

وروى أبو داود في "المراسيل"(304) من طريق إسماعيل بن عياش، عن هشام بن الغاز، عن مكحول قال: أكثر المستأذنون إلى الحج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غزوة تبوك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"غزوة لمن قد حج أفضل من أربعين حجة". وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب"(831).

(1)

في (ف) ولا بلغه.

(2)

قال القرطبي: إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار، أو بحلوله =

ص: 629

- صلى الله عليه وسلم: "ففيهما فجاهد"

(1)

.

الجواب الثاني: أن لفظة "من": مراده، والمراد: من أفضل الأعمال كما يقال: فلان أعقل الناس، والمراد: من أعقلهم، ومنه الحديث:"خيركلم خيركم لأهله"

(2)

ومعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس، وكقولهم: أزهد الناس في العَالِم جيرانه

(3)

.

= بالعقر، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافًا وثقالًا، شبابًا وشيوخًا، كل على قدر طاقته، من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر. اهـ. "الجامع لأحكام القرآن" 8/ 151 وأما قول المصنف رحمه الله والعياذ بالله، يستعيذ بالله مما يتعين به الجهاد، ألا وهو هجوم عدو أو فرض عدو سيطرته على بلد من البلاد، وذلك أيضًا من باب حديث عبد الله بن أبي أوفي الآتي (2965 - 2966) والذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية

" الحديث.

(1)

سيأتي برقم (3004) كتاب: الجهاد والسير، باب: الجهاد بإذن الأبوين، ورواه مسلم (2549) كتاب: البر، باب: بر الوالدين وأنهما أحق به. من حديث عبد الله ابن عمرو.

(2)

رواه الترمذي (3895)، والدارمي 3/ 1451 (2306)، وابن حبان 9/ 484 (4177)، والقزويني في "التدوين" 3/ 413 - 414 من حديث عائشة، وصححه الألباني في "الصحيحة"(285).

وفي الباب من حديث ابن عباس وأبي كبشة الأنماري والزبير بن العوام وأبي هريرة ومعاوية وعبد الرحمن بن عوف.

انظر: "مجمع الزوائد" 4/ 303، "السلسلة الصحيحة"(1174، 2678).

(3)

حديث موضوع، رواه عن جابر ابن عدي في "الكامل" 8/ 94، ورواه عن أبي

هريرة أبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 83 - 84، 171.

وفي الباب عن أبي الدرداء، وهو موضوع من طرقه الثلاثة كذا قال الألباني في "الضعيفة" (2750) فانظره. ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 204 (7909) عن الحسن قال: أزهد الناس في عالم جيرانه، وشر الناس لميت أهله يبكون عليه ولا يقضون دينه.

ص: 630

الرابعة: قدَّم الجهاد في (هذا الحديث عَلَى الحج)

(1)

، مع أن الحج أحد الأركان والجهاد فرض كفاية؛ (لأنه قد يتعين كما في سائر فروض الكفايات، وإذا لم يتعين لا يقع إلا فرض كفاية)

(2)

، وأما الحج فالواجب منه مرة فقط، فإن قابلت واجب الحج بمتعين الجهاد كان الجهاد أفضل لهذا الحديث؛ ولأنه شارك الحج في الفرضية، وزاد (فيه)

(3)

بتعدي نفعه إلى سائر الأمة؛ ولكونه ذبًّا عن بيضة الإسلام، ولكونه بذلًا للنفس والمال وغير ذَلِكَ. وإن قابلت نفل الحج بغير متعين الجهاد كان الجهاد أفضل لما ذكرناه؛ ولأنه يقع فرض كفاية، وهو أفضل من النفل بلا شك. بل قَالَ إمام الحرمين في كتابه "الغياثي"

(4)

: فرض الكفاية عندي أفضل من فرض العين، من حيث أنه يقع فعله مسقطًا للحرج عن الأمة بأسرها، وبتركه يعصي المتمكنون منه كلهم، ولاشك في عظم موقع ما هذِه صفته

(5)

. كذا قرره النووي في "شرحه" وقيل: إنما قدم؛ لشدة الحاجة إليه أول الإسلام.

الخامسة: الآية دالة عَلَى نيل الدرجات بالأعمال، (وأن الإيمان قول وعمل، ويشهد لَهُ الحديث المذكور، وهو مذهب أهل السنة كما سلف في أول الإيمان)

(6)

، وهو مراد البخاري بالتبويب، وأراد به

(1)

ساقط من (ج).

(2)

ساقط من (ج).

(3)

من (ج).

(4)

صنفه إمام الحرمين للوزير غياث الدين نظام الملك، سلك فيه غالبًا مسلك "الأحكام السلطانية" للماوردي.

انظر: "هداية العارفين" ص 333، "كشف الظنون" 2/ 1213.

(5)

تقدم التعريف بفرضي الكفاية والعين، بما يغني عن الإعادة هنا.

(6)

ساقط من (ج).

ص: 631

الرد عَلَى المرجئة كما سلف، وغَلِطَ غلاتُهم فقالوا: إن مظهر الشهادتين يدخل الجنة وإن لم يعتقدها بقلبه، حكاه القاضي عنهم

(1)

، وما أوهاه وأظهر زيفه، ثمَّ إن في هذا الحديث: جعل الإيمان من العمل، وفَرّق في أحاديثَ أُخر بين الإيمان والأعمال، وأطلق اسم الإيمان مجردًا عَلَى التوحيد، وعمل القلب، والإسلام عَلَى النطق، وعمل الجوارح، وحقيقة الإيمان مجرد التصديق المطابق للقول والعقد، وتمامه بعمل الجوارح. فلهذا لا يكون ناجيًا مؤمنًا إلا بذلك، فإطلاق الإيمان إذًا عَلَى كلها وعلى بعضها صحيح، فالتصديق أفضل الأعمال (عَلَى هذا إذ هو شرط فيها.

قَالَ القاضي عياض: ويحتمل أن يشير بأنه أفضل الأعمال)

(2)

إلى الذكر الخفي، وتعظيم حق الله ورسوله، وفهم (كتابه)

(3)

وغير ذَلِكَ من أعمال القلب ومحض الإيمان، كما جاء:"خير الذكر الخفي"

(4)

.

(1)

انظر: "إكمال المعلم" 1/ 253.

(2)

ليست في (ج).

(3)

في (ج): كلامه.

(4)

"إكمال المعلم" 1/ 346.

والحديث وواه أحمد 1/ 172، 180، 187، وابن أبي شيبة 6/ 86، وأبو يعلى 2/ 82 - 83 (731)، وابن حبان 3/ 91 (809)، والبيهقي في "الشعب" 1/ 406 (552) عن سعد بن مالك مرفوعًا:"خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي".

والحديث، ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(2887).

جاء في (ف) بعد هذا الموضع: (آخر الجزء الخامس من تجزئة المصنف)

ص: 632

‌19 - باب إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَكَانَ عَلَى الاِسْتِسْلَامِ أَوِ الْخَوْفِ مِنَ الْقَتْلِ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]. فَإِذَا كَانَ عَلَى الحَقِيقَةِ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]. {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].

27 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَىَّ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ:"أَوْ مُسْلِمًا". فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِى مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ: "أَوْ مُسْلِمًا". ثُمَّ غَلَبَنِى مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:"يَا سَعْدُ، إِنِّي لأُعْطِى الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللهُ فِي النَّارِ". وَرَوَاهُ يُونُسُ، وَصَالِحٌ، وَمَعْمَرٌ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِىِّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ. [1478 - مسلم: 150 - فتح: 1/ 79]

نَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ:"أَوْ مُسْلِمًا". فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُم غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ: "أَوْ مُسْلِمًا". ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:"يَا سَعْدُ، إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ الله فِي النَّارِ". وَرَوَاهُ يُونُسُ،

ص: 633

وَصَالِحٌ، وَمَعْمَرٌ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْريِّ.

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الزكاة عن محمد بن غُرير، (ثنا)

(1)

يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح، كلاهما عن الزهري، عن عامر

(2)

. قَالَ: ورواه يونس إلى آخر ما سلف، وزاد فيه هو ومسلم: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فجمع بين عنقي وكتفي، ثمَّ قَالَ:"أقبل أي سعد"، وفي مسلم:"أقتالًا؟ أي سعد". وأخرجه مسلم أيضًا هنا

(3)

، وفي الزكاة

(4)

عن ابن (أبي)

(5)

عمر عن سفيان، عن الزهري، (وعن زهير عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح كلهم عن الزهري به

(6)

، وفي الزكاة عن إسحاق بن إبراهيم، وعبد بن حميد، أنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري

(7)

. وقد اعترض عَلَى مسلم في بعض طرق هذا الحديث في قوله: عن سفيان، عن الزهري)

(8)

.

(1)

في (ف): نا.

(2)

سيأتي برقم (1478) كتاب: الزكاة، باب: قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} .

(3)

"مسلم"(150) في الإيمان، باب: تألف قلب من يخاف على إيمانه؛ لضعفه ..

(4)

انظر: "مسلم"(150/ 131) في الزكاة، باب: إعطاء من يخاف على إيمانه.

(5)

ساقطة من (ج).

(6)

أدرج المصنف رحمه الله إسنادين لمسلم في بعضهما، فإسناد زهير هو عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، والثاني: عن الحسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح، عن ابن شهاب.

(7)

"صحيح مسلم"(150/ 131) كتاب: الزكاة، باب: إعطاء من يخاف على إيمانه.

(8)

ساقطة من (ج).

ص: 634

ورواه الحميدي وسعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن الصباح (الَجْرجَرائي)

(1)

كلهم عن سفيان، عن معمر، عن الزهري به، وهذا هو المحفوظ عن سفيان

(2)

.

ذكره الدارقطني في "استدراكاته" عَلَى مسلم

(3)

، وأجاب النووي بأنه يحتمل أن سفيان سمعه من الزهري مرة، ومن معمر (مرة)

(4)

عن الزهري فرواه عَلَى الوجهين

(5)

، وفيما ذكره نظر حديثي

(6)

.

(1)

غير واضحة في (ف)، وفي (ج) الجرجاني، وهو خطأ.

والجرجرائي: بالراء الساكنة بين الجيمين المفتوحتين، وفي آخرها ياء مثناة من تحت، هذِه النسبة إلى جَرْ جرايا بلدة قريبة من دجلة بين بغداد وواسط، ومحمد بن الصباح هو ابن سفيان، أبو جعفر مولى عمر بن عبد العزيز، روى عن الدراوردي وهشيم، وروى عنه أبو داود، وابن ماجه.

انظر: "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 270، وانظر ترجمته في:"الثقات" 9/ 103، "تاريخ بغداد" 5/ 367 - 368، "تهذيب الكمال" 25/ 384 - 388.

(2)

حديث الحميدي رواه في "مسنده" 1/ 188 (68).

(3)

"الإلزامات والتتبع" ص 190 (60).

(4)

(ج).

(5)

"مسلم بشرح النووي" 2/ 182.

(6)

قال الحافظ: رواه مسلم عن محمد بن يحيى بن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، ووقع في إسناده وهم منه أو من شيخه، لأن معظم الروايات في الجوامع والمسانيد عن ابن عيينة، عن معمر، عن الزهري، بزيادة معمر بينهما، وكذا حدث به ابن أبي عمر شيخ مسلم في "مسنده" عن ابن عيينة، وزعم أبو مسعود في "الأطراف" أن الوهم من ابن أبي عمر، وهو محتمل لأن يكون الوهم صدر منه لما حدث به مسلمًا، لكن لم يتعين الوهم في جهته، وحمله الشيخ محي الدين -يعني: النووي- على أن ابن عيينة حدث به مرة بإساقط معمر ومرة بإثباته، وفيه بعد؛ لأن الروايات قد تضافرت عن ابن عيينة بإثبات معمر ولم يوجد بإسقاطه إلا عند مسلم. اهـ. "فتح الباري" 1/ 81.

وقال في "تغليق التعليق" 2/ 35: ما أظن الوهم فيه إلا من مسلم.

ص: 635

ثانيها: في التعريف برجاله:

وقد سلف التعريف بهم خلا ثلاثة: سعد بن أبي وقاص، (وولده وابن أخي الزهري.

فأما سعد (ع) فهو أبو إسحاق بن أبي وقاص)

(1)

، مالك بن وهيب، ويقال: أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الزهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى.

أمَّه: (حمنة)

(2)

بنت سفيان أخي حرب وإخوته، بني أمية بن عبد شمس، أسلم قديمًا وهو ابن أربع عشرة سنة بعد أربعة، وقيل: بعد ستة.

وشهد بدرًا وما بعدها من المشاهد، وكان مجاب الدعوة؛ لدعائه صلى الله عليه وسلم لَهُ بذلك

(3)

، وأول من رمى بسهم في سبيل الله

(4)

، وكان يقال

(1)

ساقطة من (ج).

(2)

ورد بهامش (ج): بفتح الحاء والنون بينهما ميم ساكنة.

(3)

روى ابن أبي عاصم في "السنة"(1408)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 93، والحاكم 3/ 500 من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن سعد قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم سدد رميته، وأجب دعوته".

ورواه الضياء في "المختارة" 3/ 206 (1007) عن عامر بن سعد، عن أبيه.

وروى الترمذي (3751) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم استجب لسعد إذا دعاك".

قال الترمذي: وقد روي هذا الحديث عن إسماعيل، عن قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم استجب لسعد إذا دعاك"، وهذا أصح. وصححه الألباني.

(4)

سيأتي برقم (3728) كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب سعد بن أبي وقاص، وروى مسلم (2966) كتاب: الزهد والرقائق، عن سعد، قال: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله .. الحديث. =

ص: 636

لَهُ: فارس الإسلام، وكان من المهاجرين الأولين، هاجر إلى المدينة قبل قدومه صلى الله عليه وسلم إليها.

روي لَهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتا حديث، وسبعون حديثا، اتفقا منها عَلَى خمسة عشر، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بثمانية عشرة، روى جابر بن عبد الله قَالَ: أقبل سعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقال: "هذا خالي فليرني امرؤ خاله"، رواه ابن سعد

(1)

؛ وسببه أن أمه صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف، وسعد هو ابن مالك بن وهيب أخي وهب ابني عبد مناف.

روى عنه جمع من الصحابة منهم: ابن عمر وابن عباس، وعائشة، ومن التابعين أولاده الخمسة: محمد وإبراهيم وعامر ومصعب وعائشة، وخلائق. وهو الذي فتح مدائن كسرى في زمن عمر، وولاه عمر العراق، وفي الصحيحين عن علي قَالَ: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك، فإني سمعته يوم أحد يقول:"ارم فداك أبي وأمي"

(2)

، ولما قتل عثمان اعتزل سعد الفتن، ومات بقصره

= وسيأتي نحوه أيضًا برقم (4326 - 4327).

(1)

"الطبقات الكبرى" 3/ 137. ورواه أيضًا الترمذي (3752)، وأحمد في "فضائل الصحابة" 2/ 940 (1312)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 1/ 168 - 169 (211، 213)، وأبو يعلى 4/ 42 (2049)، 4/ 78 (2101)، والطبراني 1/ 144 - 145 (323)، والحاكم 3/ 498، وابن الأثير في "أسد الغابة" 2/ 366 - 367. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(6994).

(2)

سيأتي برقم (2905) كتاب: الجهاد والسير، باب: المجن ومن يترس بترس صاحبه، ورواه مسلم (2411) كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

ص: 637

(بالعقيق)

(1)

عَلَى عشرة أميال من المدينة، وحمل عَلَى أعناق الرجال إليها، ودفن بالبقيع سنة خمس و (خمسين)

(2)

أو إحدى أو ست أو سبع أو ثمان، عن ثلاث وسبعين سنة أو أربع أو عن نيف وثمانين.

قيل: سنة اثنتين، وقيل: ثلاث، وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذٍ والي المدينة، وصفته عَلَى ما قالت ابنته عائشة، أنه كان قصيرًا جدًا دَحْدَاحًا

(3)

غليظًا ذا هامة شَثْن الأصابع

(4)

أسمر يخضب بالسواد.

وروى ابن سعد عن سفيان، عن حكيم بن الديلمي: أنه كان يسبح بالحصا

(5)

.

فائدة:

في الصحابة من اسمه سعد فوق المائة كما هو معروف في موضعه.

وأما ولده عامر (بن سعد)

(6)

فهو مدني قرشي زهري، سمع أباه وعثمان وجابر بن سمرة وجماعة من الصحابة، وعنه: سعيد بن المسيب وغيره من التابعين، وكان ثقة كثير الحديث، مات سنة أربع ومائة، وقيل: ثلاث

(7)

.

(1)

في (ف): بالعتيق، وهي ساقطة من (ج) والمثبت من مصادر التخريج.

(2)

ساقط من (ج).

(3)

الدَّحْدَاح: القصير، انظر:"الصحاح" 1/ 361 مادة [دحح].

(4)

أي: غليظ الأصابع، انظر:"الصحاح" 5/ 2142 مادة: [شثن].

(5)

انظر ترجمة سعد بن أبي وقاص في: "الطبقات الكبرى" 3/ 137، "معجم الصحابة" للبغوي 3/ 3، "الاستيعاب" 2/ 171 (968)، "أسد الغابة" 2/ 366 (2037).

(6)

ساقطة من (ج).

(7)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 167، "التاريخ الكبير" 6/ 449 (2956)، "معرفة الثقات" 2/ 11 (822)، "الجرح والتعديل" 6/ 321 (1794)، "الثقات" 5/ 186، "تهذيب الكمال" 14/ 21 (3038).

ص: 638

وأما ابن أخي الزهري: فهو محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله ابن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب الزهري، روى عن عمه محمد (وأبيه)

(1)

، وعنه جماعات منهم: القعنبي، روى عنه البخاري في الصلاة، والأضاحي، ومسلم في الإيمان والصلاة والزكاة، قَالَ الحاكم في "مدخله": عيب عَلَى البخاري ومسلم إخراجهما حديثه، أخرج لَهُ البخاري في الأصول، ومسلم في الشواهد

(2)

.

وقال ابن أبي حاتم: ليس بالقوي يكتب حديثه

(3)

، وقال ابن معين: ضعيف، وقال ابن عدي: لم أَرَ بحديثه بأسًا، ولا رأيت لَهُ حديثًا منكرًا

(4)

، وقال عباس

(5)

، عن يحيى (يعني)

(6)

: ابن معين: ابن أخي الزهري أمثل من أبي أويس، وقال مرة فيه: ليس بذاك القوي. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث صالحًا. وقال الواقدي: قتله غلمانه بأمر ابنه، وكان ابنه سفيهًا شاطرًا قتله للميراث في آخر خلافة أبي جعفر المنصور، ومات أبو جعفر سنة ثمان وخمسين ومائة، ثمَّ وثب غلمانه

(1)

في (ف): وابنيه، وما أثبتناه من (ج) وهو الصواب.

(2)

"المدخل إلى الصحيح" 4/ 160 - 161.

(3)

"الجرح والتعديل" 7/ 304 (1653).

(4)

"الكامل" 7/ 363 (1652).

(5)

هو عباس بن محمد بن حاتم بن واقد، الدوري، ثم البغدادي، الإمام الحافظ الثقة الناقد، أبو الفضل.

لازم يحيى بن معين وتخرج به، وسأله عن الرجال، وهو في مجلد كبير، قال الأصم: لم أر في مشايخي أحسن حديثًا منه، توفي سنة إحدى وسبعين ومائتين.

انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 1/ 144، "الأنساب" 5/ 400، "تهذيب الكمال" 14/ 245 (3141)، "سير أعلام النبلاء" 12/ 522 (199).

(6)

ساقطة من (ج).

ص: 639

عَلَى ابنه بعد سنين فقتلوه

(1)

، وجزم النووي في "شرحه" بأن محمدًا هذا مات سنة اثنتين وخمسين ومائة

(2)

.

ثالثها:

في هذا الإسناد لطيفتان:

الأولى: أنه جمع ثلاثة زهريين مدنيين.

الثانية: أنه جمع ثلاثة تابعيين يروي بعضهم عن بعض، صالح وابن شهاب وعامر، وصالح أكبر من الزهري؛ لأنه أدرك ابن عمر فهو (من)

(3)

رواية الأكابر عن الأصاغر، وهذِه لطيفة ثالثة.

رابعها:

معنى قوله: (رواه يونس .. ) إلى آخره، أن هؤلاء الأربعة تابعوا شعيبًا في رواية هذا الحديث عن الزهري فيزداد قوة بكثرة طرقه، وفي

(1)

"الطبقات الكبرى" القسم المتمم ص 453 - 454 (385).

(2)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 1/ 131 (394)، "الجرح والتعديل" 7/ 304 (1653)، "تهذيب الكمال" 25/ 554 (5375).

ولأن هذا الراوي من رواة البخاري المتكلم فيهم؛ أورده الحافظ في "هدي الساري" ص 440 وقال: ذكره محمد بن يحيى الذهلي في الطبقة الثانية من أصحاب الزهري مع محمد بن إسحاق وفليح وقال: إنه وجد له ثلائة أحاديث لا أصل لها. أحدها: حديثه عن عمه، عن سالم، عن أبي هريرة مرفوعًا:"كل أمتي معافًى إلا المجاهرين"، ثانيها: بهذا الإسناد كان إذا خطب قال: كل ما هو آت قريب، موقوف. ثالثها: عن امرأته أم الحجاج بنت الزهري عن أبيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل بكفه كلها، مرسل. والذهلي أعرت بحديث الزهري، وقد بين ما أنكر عليه، فالظاهر أن تضعيف من ضعفه بسبب تلك الأحاديث التي أخطأ فيها، ولم أجد له في البخاري سوى أحاديث قليلة. اهـ. بتصرف. وقال في "التقريب" (6049): صدودق له أوهام.

(3)

من (ج).

ص: 640

هذا وشبهه من قول الترمذي: وفي الباب عن فلان وفلان إلى آخره فوائد: هذِه إحداها.

وثانيها: أن تعلم رواته؛ ليتبع رواياتهم ومسانيدهم من يرغب في شيء من جمع الطرق أو غيره لمعرفة متابعة أو استشهاد أو غيرهما.

الثالثة: ليعرف أن هؤلاء المذكورين رووه، فقد يتوهم من لا خبرة لَهُ أنه لم يروه غير ذَلِكَ المذكور في الإسناد، فربما رآه في كتاب آخر عن غيره فتوهمه غلطًا، وزعم أن الحديث إنما هو من جهة فلان. فإذا قيل في الباب: عن فلان، وفلان ونحو ذَلِكَ زال الوهم المذكور، فتنبه لذلك.

خامسها:

هذا الرجل لم أقف (عَلَى اسمه)

(1)

فليتتبع

(2)

.

(1)

في (ب): قوله على اسم.

(2)

سماه الحافظ، فقال في "هدي الساري" ص 249 فقال: قوله: فترك رجلًا هو أعجبهم إليَّ، هو جعيل بن سراقة الضمري، ذكره الواقدي. وذكر ذلك أيضًا في "الفتح" 1/ 80، وزاد أن الواقدي سماه في "المغازي"، وبهذا سماه أيضًا العيني في "عمدة القاري" 1/ 221، وكذا السيوطي في "الديباج" 1/ 171.

ومما يشهد لذلك ما رواه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" 4/ 143 - 144، ومن طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 2/ 625 - 626 (512)، وفي "الحلية" 1/ 353، وابن الأثير في "أسد الغابة" 1/ 338 عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، أن قائلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه-: يا رسول الله، أعطيت عيينة ابن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة، وتركت جعيل بن سراقة الضمري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض، كلهم مثل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس، ولكني تألفتهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه". قال الحافظ في "الإصابة" 1/ 239: مرسل حسن.

ص: 641

سادسها: في ألفاظه ومعانيه:

الأول: قوله: (أَعْطَى رَهْطًا)، أي جماعة، وأصله الجماعة دون العشرة، قَالَ ابن التياني

(1)

: قَالَ أبو زيد: الرهْطُ ما دون العشرة من الرجال.

وقال صاحب "العين": الرَّهْطُ عدد جمع من ثلاثة إلى عشرة، وبعض يقول: من سبعة إلى عشرة، وما دون السبعة إلى الثلاثة نَفَرٌ، وتخفيف الرَّهْطِ أحسن

(2)

، تقول: هؤلاء رَهْطُكَ، وأَرْهَطُكَ، وهم رجال عشيرتك.

وعن ثعلب: الرَّهْطُ: الأب الأدنى.

وعن النضر

(3)

: جاءنا أَرْهُوُط منهم مثل أركوب، والجمع أَرَاهطٌ، وأرهيط.

(1)

هو تمام بن غالب بن عمر، أبو غالب القرطبي، حامل لواء اللغة، ابن التياني، نزيل مرسية، قال الحميدي: كان إمامًا في اللغة، ثقة ورعًا خيرًا، له كتاب في اللغة لم يؤلف مثله اختصارًا وإكثارًا. وكان مقدمًا في علم اللسان أجمعه، مسلمًا له اللغة، توفي سنة ست وثلاثين وأربعمائة. انظر تمام ترجمته في:"الإكمال" 1/ 443، "وفيات الأعيان" 1/ 300، "سير أعلام النبلاء" 17/ 584 (390)، "تاريخ الإسلام" 29/ 424 (160)، "الوافي بالوفيات" 10/ 398.

(2)

"العين" 4/ 19.

(3)

هو النضر بن شميل بن خرشة، أبو الحسن المازني البصري النحوي اللغوي الحافظ، نزيل مرو حدث عن هشام بن عروة، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وبهز بن حكيم، وعنه يحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه. وثقه يحيى بن معين وابن المديني، والنسائي، وأبو حاتم، مات في أول سنة أربع ومائتين. انظر ترجمته في "الطبقات الكبرى" 7/ 373، "التاريخ الكبير" 8/ 90 (2296)، "تهذيب الكمال" 29/ 379 - 384 (6419)، "سير أعلام النبلاء" 9/ 328 - 332 (108)، وستأتي ترجمته مفصلة عند حديث (152).

ص: 642

وفي "المحكم": لا واحد لَهُ من لفظه، وقد يكون الرَّهْطُ من العشيرة

(1)

، وفي "الجامع" و"الجمهرة": الرَّهْطُ من القوم: وهو ما بين الثلاثة إلى العشرة، وربما (جاوزوا)

(2)

ذَلِكَ قليلًا وَرْهطُ الرجل: بنو أبيه، ويجمع عَلَى أَرْهُطٍ، ويجمع الجمع عَلَى أَرَاهِطٍ

(3)

. وفي "الصحاح"، رَهْطُ الرجل: قومه وقبيلته.

والرَّهْطُ: ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة، والجمع أَرْهُطٌ وأَرْهَاطٌ كأنه جمع أراهط

(4)

وأراهيط

(5)

، وفي "مجمع الغرائب": الرَّهْطُ: جماعة غير كثيري العدد.

الثاني: قوله: (هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ). أي: أفضلهم وأصلحهم في اعتقادي.

الثالث: قوله: (مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟) أي: (أيُّ سبب لِعُدُولك عن فلان)

(6)

؟ قاله الجوهري عن ابن السراج

(7)

، و (فلان) كناية عن اسم سمي به المحدث عنه، قَالَ: ويقال في غير الناس: الفلان والفلانة بالألف واللام.

(1)

"المحكم" 4/ 176، 177.

(2)

في (ج): جاوز.

(3)

"جمهرة اللغة" لابن دريد 2/ 761.

(4)

كذا في (ج) و (ف) وفي "الصحاح": أرهط.

(5)

"الصحاح" 3/ 1128 مادة: (رهط).

(6)

في (ج) أي: لأى سبب تعدل عن فلان؟.

(7)

هو محمد بن السري البغدادي النحوي، أبو بكر، ابن السراج، إمام النحو، انتهى إليه علم اللسان، له كتاب "أصول العربية" وما أحسنه، وكتاب:"شرح سيبويه".

انظر تمام ترجمته في: "تاريخ بغداد" 5/ 319، "المنتظم" 6/ 220، "وفيات الأعيان" 4/ 339، "سير أعلام النبلاء" 14/ 483 (268)، "تاريخ الإسلام" 23/ 523 (271).

ص: 643

الرابع: قوله: (فَوَاللهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُومِنًا)، هو بفتح الهمزة، قَالَ النووي: ولا يجوز ضمها عَلَى أن تجعل بمعنى أظنه لأنه قَالَ: ثمَّ غلبني ما أعلم منه؛ ولأنه راجع النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا، ولو لم يكن جازمًا باعتقاده لما كرر المراجعة

(1)

.

وأما أبو العباس القرطبي فقال: الرواية بضم الهمزة بمعنى: أظنه، وهو منه حلف عَلَى ما ظنه، ولم ينكر عليه، فهو دليل عَلَى جواز الحلف عَلَى الظن، وهو يمين اللغو، وهو قول مالك والجمهور

(2)

.

قُلْتُ: (وهي)

(3)

عند الشافعي أن يسبق لسانه إلى اليمين من غير أن يقصدها: كلا والله، وبلى والله

(4)

.

الخامس: قوله: ("أَوْ مُسْلِمًا")، هو بإسكان الواو، وهي (أو) التي للتقسيم والتنويع، أو للشك والتشريك، ومن فتحها أخطأ وأحال المعنى، ومعنى الإسكان: أن لفظة الإسلام أولى أن نقولها؛ لأنها معلومة بحكم الظاهر، وأما الإيمان فباطن لا يعلمه إلا الله، وليس فيه إنكار كونه مؤمنًا، بل معناه النهي عن القطع بالإيمان.

وقد غلط من توهم كونه حكم بأنه غير مؤمن، بل في الحديث إشارة إلى إيمانه، وهو قوله:"أُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ"، وأغرب بعضهم فادعى أن قوله:"أو مسلمًا" أمره أن لا يقطع بإيمانه بل يقولهما؛ لأنه أحوط، وروى ابن أبي شيبة من حديث أنس رفعه:"الإسلام علانية والإيمان في القلب" ثمَّ يشير بيده إلى صدره، "التقوى ها هنا التقوى ها هنا"

(5)

.

(1)

"صحيح مسلم بشرح النووي" 2/ 181.

(2)

"المفهم" 1/ 367.

(3)

ساقطة من (ج).

(4)

"الأم" 7/ 57.

(5)

"المصنف" 6/ 159 (30310)، "الإيمان" (6) قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن =

ص: 644

قَالَ ابن عدي: حديث غير محفوظ

(1)

.

السادس: قوله: (فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي)، قَالَ أهل اللغة: يقال: عاد لكذا، أي: رجع إليه بعد ما كان أعرض عنه، والمقالة والمقال والقول والقولة بمعنًى.

السابع: قوله: ("خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللهُ فِي النَّارِ")، هو بفتح أول يَكُبّه وضم الكاف، يقال: أَكَبَ الرجل وكَبَّهُ غيره، وهذا بناء غريب، فإن المعروف أن يكون الفعل اللازم بغير همزة فُيعدى بها، وهنا عكسه، ومعنى كَبَّه: ألقاه، ويقال: كَبْكَبَهُ بمعنى: كبَّه.

وذكر البخاري في كتاب: الزكاة عقب ذَلِكَ: قَالَ أبو عبد الله: {فَكُبْكِبُوا} (فكَبوا)

(2)

{مُكِبًّا} ، أَكَبَّ الرجل إِذَا كان فعله غير واقع عَلَى أحد، فإذا وقع الفعل قُلْت: كَبَّه الله لوجهه وكببته أنا

(3)

.

= علي بن مسعدة، قال: حدثنا قتادة، قال: حدثنا أنس بن مالك، مرفوعًا به.

ورواه عنه أبو يعلى 5/ 301 - 302 (2923)، ومن طريقه ابن حبان في "المجروحين" 2/ 111، وابن عدي في "الكامل" 6/ 353.

ورواه أحمد 3/ 134 - 135، والبزار كما في "كشف الأستار"(20)، والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 250، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" 2/ 276 من طرق عن علي بن مسعدة به. وقال البزار: تفرد به علي بن مسعدة.

قال عبد الحق في "أحكامه" 1/ 76: حديث غير محفوظ؛ تفرد به علي بن مسعدة، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(2280).

وأما قوله: "التقوى ها هنا"، فهذِه القطعة شاهدها في "صحيح مسلم"(2564/ 32) من حديث أبي هريرة.

(1)

"الكامل في الضعفاء" 6/ 354.

(2)

كذا في (ف) و (ج) وهي رواية أبي ذر، وفي باقي النسخ: فقلبوا.

(3)

سيأتي برقم (1478) كتاب: الزكاة، باب: قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} .

ص: 645

قَالَ أبو المعالي في "المنتهى": أُكِبَّ الرجل، أي: قُلب لوجهه، وهو من النوادر، وأَكَب عليه إِذَا انحنى عليه. وقال ابن سيده: كَبَّ الشيء يَكُبُّه كَبًّا، وكَبْكَبَهُ: قلبه، وحكى ابن الأعرابي: أَكَبَّهُ

(1)

. وفي "الجامع": يتعدى إِذَا كان عَلَى فَعَل، ولا يتعدى إِذَا كان عَلَى أفعل.

وقال القاضي: الرواية الصحيحة يكبه، بفتح أوله -أي كما أسلفناه- فحل ثلاثي من كَبَّ، ولم يأت في لسان العرب فعل ثلاثيه يتعدى، وفعل رباعيه لا يتعدى عَلَى نقيض المتعارف إلا كلمات قليلة، منها أَكَبَّ الرجل، وكببته أنا.

قَالَ تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} [الملك: 22]،، وقال:{فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النمل: 90]، ومثله أقْشَعَ الغيم، وقَشَعَتْهُ الريح، وأنْسَلَ ريش الطائر، ونَسَلْتُهُ أنا، وأنزفتِ البئر: قل ماؤها، ونزفتها أنا، وأَمْرَتِ الناقة درَّ لبنها، ومريتها أنا، وأَشنَق البعير: رفع رأسه، (وشنقته)

(2)

أنا

(3)

.

الثامن: الضمير في (يكبه) يعود إلى المعطى، أي: أتألف قلبه بالإعطاء مخافة من كفره ونحوه إِذَا لم يعط، والتقدير: أعطي من في إيمانه ضعف؛ لأني أخشى عليه لو لم أعطه أن يعرض لَهُ اعتقاد (يكفر به فيكبه الله في النار. وأما من قوي إيمانه فهو أحب إليَّ فأَكِلهُ إلى إيمانه ولا أخشى عليه رجوعًا عن دينه ولا سوء اعتقاد)

(4)

ولا ضرر عليه فيما لا يحصل لَهُ من الدنيا.

(1)

"المحكم" 6/ 416.

(2)

في (ج): وأشنقته.

(3)

"إكمال المعلم" 1/ 462.

(4)

ساقطة من (ج).

ص: 646

سابعها: في فقهه وفوائده:

الأولى: الشفاعة إلى ولاة (الأمر)

(1)

وغيرهم فيما ليس بحرام.

الثانية: مراجعة المشفوع إليه في الأمر الواحد مرارًا إِذَا لم يؤد إلى مفسدة.

الثالثة: الأمر بالتثبت، وترك القطع بما لا يعلم القطع فيه.

الرابعة: أن الإمام يصرف الأموال في المصالح الأهم فالأهم.

الخامسة: أن المشفوع إليه لا (عتب)

(2)

عليه إِذَا رد الشفاعة إِذَا كانت خلاف المصلحة، فإن كان ولي أمر المسلمين، أو ناظر يتيم ونحوه لم يجز لَهُ قبول شفاعة تخالف مصلحة ما هو ولي أمره.

السادسة: أن المشفوع إليه إِذَا ردَّ الشفاعة، ينبغي أن يعتذر إلى الشافع ويبين لَهُ عذره في ردها.

السابعة: أن المفضول ينبه الفاضل عَلَى ما يرَاه مصلحة لينظر فيه الفاضل.

الثامنة: أن المشار عليه يتأمل ما يشار به عليه فإذا لم تظهر مصلحته لايعمل به.

التاسعة: أنه لا يقطع لأحد عَلَى التعيين بالجنة إلا من ثبت فيه نص كالعشرة من الصحابة وأشباههم، بل يرجي للطائع ويخاف عَلَى العاصي، ويقطع من حيث الجملة أن من مات عَلَى التوحيد دخل الجنة، وهذا كله إجماع أهل السنة.

العاشرة: استدل به جماعة من العلماء عَلَى جواز قول المسلم: أنا

(1)

في (ج): الأمور.

(2)

في (ف): عتب.

ص: 647

مؤمن مطلقًا من غير تقييد بقوله: إن شاء الله، وهذِه المسألة فيها خلاف للصحابة فمن بعدهم، وقد سلف بيانها في أول كتاب الإيمان مبسوطة.

الحادية عشرة: فيه دلالة لمذهب أهل الحق في قولهم: إن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إِذَا اقترن به اعتقاد بالقلب، خلافًا للكرامية وغلاة المرجئة في قولهم: يكفي الإقرار، وهذا ظاهر الخطأ يردُّه إجماع الأمة والنصوص المتظاهرة في تكفير المنافقين وهذِه صفتهم.

قَالَ الإمام أبو بكر بن الطيب المعروف بابن الباقلاني

(1)

وغيره من الأئمة رحمهم الله: هذِه الآية وهي قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} [الحجرات: 14] حجة لأهل الحق في الرد عَلَى الكرامية وغلاة المرجئة قالوا: وقد أبطل الله تعالى مذهبهم في مواضع من كتابه، منها قوله:{أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22]، ولم يقل: في ألسنتهم، ومن أقوى ما يبطل به قولهم إجماع الأمة عَلَى تكفير المنافقين، وكانوا يظهرون الشهادتين.

الثانية عشرة: الفرق بين الإيمان والإسلام، وقد سلف الكلام عليه في أول كتاب: الإيمان، وسيكون لنا عودة إليه -إن شاء الله تعالى- في

(1)

هو الإمام العلامة، أوحد المتكلمين، مقدم الأصوليين، القاضي أبو بكر، محمد ابن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم، البصري، ثم البغدادي، ابن الباقلاني، صاحب التصانيف، كان يضرب المثل بفهمه وذكائه، وكان ثقة إمامًا بارعًا، صنف في الرد على الرافضة والمعتزلة والخوارج والجهمية والكرامية، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق، توفي سنة ثلاث وأربعمائة.

انظر تمام ترجمته في: "تاريخ بغداد" 5/ 379، "المنتظم" 7/ 265، "سير أعلام النبلاء" 17/ 190 (110)، "تاريخ الإسلام" 28/ 88 (114)، "الوافي بالوفيات" 3/ 177.

ص: 648

حديث جبريل

(1)

.

قَالَ المهلب: الإسلام عَلَى الحقيقة هو الإيمان الذي هو عقد القلب المصدق لإقرار اللسان الذي لا ينفع عند الله غيره، ألا ترى قوله تعالى لقوم:{قَالُوا آمَنَّا} [البقرة: 14]، أي: بألسنتهم دون تصديق قلوبهم: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} وقال تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14].

وقال القاضي عياض: هذا الحديث أصح دليل عَلَى الفرق بين الإسلام والإيمان، وأن الإيمان باطن ومن عمل القلب، والإسلام ظاهر ومن عمل الجوارح، لكن لا يكون مؤمنًا إلا مسلمًا، وقد يكون مسلمًا غير مؤمن، ولفظ هذا الحديث يدل عليه

(2)

.

وكذا قَالَ الخطابي: هذا الحديث ظاهره يوجب الفرق بين الإيمان والإسلام، فيقال له: مسلم، أي: مستسلم، ولا يقال له: مؤمن، وهو معنى الحديث، قَالَ تعالى:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي: استسلمنا. وقد يتفقان في استواء الظاهر والباطن، فيقال للمسلم: مؤمن وللمؤمن مسلم

(3)

.

خاتمة:

سبب نزول الآية السالفة {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} ما ذكره الواحدي: أن أعرابًا من أسد بن خزيمة قدموا عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة جدبة، وأظهروا الشهادتين، ولم يكونوا مؤمنين في السر، وأفسدوا

(1)

سيأتي برقم (50) باب: سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة.

(2)

"إكمال المعلم" 1/ 461.

(3)

"أعلام الحديث" 1/ 160 - 161.

ص: 649

طرق المدينة بالعذرات، وأغلوا أسعارها، وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك حين قاتلك بنو فلان فأعطنا من الصدقة، وجعلوا يمنون عليه فأنزلها الله تعالى

(1)

.

(1)

"أسباب النزول" ص 412 (767) عن ابن عباس، وورد بهامش (ف): بلغ الشيخ الإمام برهان الدين الحلبي قراءة على مؤلفه وسمعه الصفدي

والعاملي وابن المصنف والشيخ علاء الدين

وكاتبه محمد بن

الحاجري والواسطي وآخرون ....

ص: 650

‌20 - باب إِفْشَاءُ السَّلَامِ مِنَ الإِسْلَامِ

وَقَالَ عَمَّارٌ: ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ:

الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلامِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ.

28 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ:"تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ". [انظر 12 - مسلم: 39 - فتح: 1/ 82]

نا قُتَيْبَةُ نا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ:"تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث تقدم الكلام عَلَى من خرجه قريبًا حيث ذكره، ونبَّهنا عليه هناك

(1)

.

ثانيها:

تقدم أيضًا التعريف برواته إلا قتيبة، وهو أبو رجاء قتيبة بن سعيد ابن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي، مولاهم البغلاني، منسوب إلى بغلان -بفتح الموحدة وإسكان الغين المعجمة- قرية من قرى بلخ

(2)

.

(1)

سلف برقم (12).

(2)

انظر: "الأنساب" 2/ 257.

ص: 651

قيل: إن جده جميلًا كان مولًى للحجاج بن يوسف، وقال ابن عدي: اسمه يحيى، وقتيبة لقب، وقال ابن منده: اسمه علي، سمع مالكًا وغيره من الأئمة، وعنه أحمد وغيره من الأعلام الحفاظ، وهو ثقة، صاحب سنة.

روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وروى هو وابن ماجه عن رجل عنه، ولد سنة خمسين ومائة، ومات في (شعبان)

(1)

سنة أربعين ومائتين، وقال الحاكم في "تاريخ نيسابور": مات في ثاني رمضان

(2)

.

ثالثها:

عمار: هو أبو اليقظان بن ياسر بن (عامر بن)

(3)

مالك بن الحصين بن قيس بن ثعلبة بن عوف بن يام بن عنس -بالنون- بن زيد بن مالك بن أدد العنسي.

وقال ابن سعد: عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام الأكبر بن عنس -بالنون- وهو زيد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان

(4)

.

(1)

في (ج): سبعين، وهو خطأ بين.

(2)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 7/ 195 (870)، "الجرح والتعديل" 7/ 140 (784)، "فتح الباب" لابن منده (2748)، "تهذيب الكمال" 23/ 523 (4852)، "سير أعلام النبلاء" 11/ 13 (8).

(3)

من (ج).

(4)

"الطبقات الكبرى" 3/ 246.

ص: 652

أمه سمية أسلمت، وكذا ياسر مع عمار قديمًا، وقَتَل أبو جهل سميةَ وكانت أول شهيدة في الإسلام

(1)

، وكانت مع ياسر وعمار يعذبون بمكة في الله تعالى فيمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون فيقول:"صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة"

(2)

، وكانوا من المستضعفين

(3)

.

قَالَ الواقدي: وهم قوم لا عشائر لهم بمكة، ولا منعة ولا قوة، كانت قريش تعذبهم في الرمضاء، فكان عمار يعذب حتَّى لا يدري

(1)

رواه ابن سعد 3/ 233، 4/ 268 - 265، وابن أبي شيبة 7/ 337 - 338 (36575)، وابن عبد البر في "الاستيعاب" 4/ 420، كلهم عن مجاهد.

(2)

رواه من حديث جابر الطبراني في "الأوسط" 2/ 141 (1508)، والحاكم 3/ 388 - 389 كتاب: معرفة الصحابة، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وابن سعد مرسلًا عن أبي الزبير في "الطبقات الكبرى" 3/ 249، وذكره الهيثمي 9/ 293، وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن عبد العزيز المقوّم، وهو ثقة. وصححه الألباني في "صحيح السيرة النبوية" ص 154 - 155 فقال بعد ذكره لتصحيح الحاكم والذهبي له، قال: هو كما قالا.

ورواه من حديث يوسف المكي، ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 4/ 137، ورواه من حديث عثمان بن عفان الطبرانيُّ 24/ 303 (769)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 140، والخطيب في "تاريخ بغداد" 11/ 343، وذكره الدارقطني في "العلل" 3/ 39 (272)، وقال: رواه إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن حسين بن محمد المروذي، عن سليمان بن قرم، عن الأعمش، عن عبد الرحمن بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن عثمان. والصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وقال الهيثمي 9/ 293: رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم.

وذكره الهيثمي من حديث عمار 9/ 293، وعزاه للطبراني، وقال: رجاله ثقات.

(3)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 3/ 246، 6/ 14، "الاستيعاب" 3/ 227 - 231 (1883)، و"أسد الغابة" 4/ 129 - 135 (3798)، و"تهذيب الكمال" 21/ 215 - 227 (4174)، و"سير أعلام النبلاء" 1/ 406 - 428 (84)، و"الإصابة" 2/ 512 - 513 (5704).

ص: 653

ما يقول، وصهيب كذلك

(1)

، و [أبو]

(2)

فكيهة كذلك وبلال

(3)

وعامر بن

فهيرة

(4)

، وفيهم نزل قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن

(1)

هو صهيب بن سنان بن خالد بن عمرو، وقيل غير ذلك في نسبه. سبته الروم عندما أغارت على بلدته صغيرًا، فابتاعته كلب منهم، فقدمت به مكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان، فأعتقه، وأسلم، فلما أراد الهجرة قال له أهل مكة: أتيتنا ها هنا صعلوكًا حقيرًا، فكثر مالك عندنا وبلغت ما بلغت ثم تنطلق بنفسك ومالك؟ والله لا يكون ذلك. فقال: أرأيتم إن تركت مالي تخلون سبيلي؟ قالوا: نعم. فجعل لهم ماله أجمع، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع". ونزلت: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)} . [البقرة: 207] انظر: "الطبقات الكبرى" 3/ 226 - 230، "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 2/ 282 - 287 (1231)، "أسد الغابة" 3/ 36 - 39 (2536)، "تهذيب الكمال" 13/ 237 - 240 (2904).

(2)

ساقطة من (ف) و (ج)، والمثبت من "الطبقات" 3/ 248، "البداية والنهاية" 3/ 113، "الدر المنثور" 4/ 249.

(3)

هو بلال بن رباح القرشي التيمي المؤذن، يكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا عبد الكريم، وقيل: غير ذلك، وهو مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

شهد بدرًا والمشاهد كلها، وكان من السابقين إلى الإسلام، وممن يعذب في الله عز وجل فيصبر على العذاب، وكان أبو جهل يبطحه على وجهه في الشمس ويضع الرحى عليه حتى تصهره الشمس، ويقول: اكفر برب محمد، فيقول: أحد أحد.

انظر: "الطبقات الكبرى" 3/ 232 - 239، 7/ 385 - 386، "الاستيعاب" لابن عبد البر 1/ 258 - 259، "أسد الغابة" 1/ 243.

(4)

هو عامر بن فهيرة، مولى أبي بكر الصديق، يكنى أبا عمرو، وكان مولَّدًا من مولدي الأزد، أسود اللون، مملوكًا للطفيل بن عبد الله بن سخبرة، أخي عائشة لأمها.

وكان من السابقين إلى الإسلام، أسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، أسلم وهو مملوك، وكان حسن الإسلام، وعذب في الله، فاشتراه أبو بكر، فأعتقه، شهد بدرًا وأحدًا، وقتل يوم بئر معونة سنة أربع من الهجرة وهو ابن أربعين سنة.

انظر: "الطبقات الكبرى" 3/ 230 - 231، "معرفة الصحابة" 4/ 2051 - 2053 (2131)، "أسد الغابة" 3/ 136 - 137 (2722).

ص: 654

بَعْدِ مَا فُتِنُوا}

(1)

[النحل: 110]، ومن قرأ "فَتنوا" بالفتح وهو ابن عامر

(2)

، فالمعنى: فتنوا أنفسهم. وعن عمرو بن ميمون قَالَ: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار فكان صلى الله عليه وسلم يمر به، ويمر بيده عَلَى رأسه فيقول:"يا نارُ كوني بردًا وسلامًا عَلَى عمار كما كنت عَلَى إبراهيم، تقتُلك الفئةُ الباغية"

(3)

.

وعن ابن ابنه قَالَ: أخذ المشركون عمارًا فلم يتركوه حتَّى نال من رسول الله وذكر آلهتهم بخير. فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ما وراءك؟ " قَالَ: شر يا رسول الله، والله ما تُركِتُ حتَّى نِلْتُ منك، وذَكَرْتُ آلهتهم بخير، فقال:"فكيف تجد قلبك؟ " قَالَ: مطمئنًا بالإيمان، قَالَ:"فإن عادوا فعد"

(4)

.

(1)

انظر: "طبقات ابن سعد" 3/ 248 عن عمرو بن ميمون، وفيه: وفيهم نزلت هذِه الآية: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} . [النحل: 41] وهو خطأ، وصواب الآية:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} [النحل: 110].

وقد عزا السيوطي في "الدر" 4/ 249 آثار عمار وصهيب وبلال .. لابن سعد وذكر الآية كما عند المصنف.

(2)

انظر: "الحجة للقراءات السبعة" 5/ 79، "حجة القراءات" ص 395، "الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها" 2/ 41.

(3)

رواه ابن سعد في "الطبقات" 3/ 248، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 43/ 372. والجزء الأخير من الحديث رواه مسلم من حديث أم سلمة (2916).

(4)

رواه ابن سعد 3/ 249، والطبري في "التفسير" 7/ 651 (21946) والحاكم 2/ 357. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 140، والبيهقي 8/ 208 - 209، عند الحاكم والبيهقي: عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه

قال الألباني في "فقه السيرة" ص 122: في ثبوت هذا السياق نظر، وعلته الإرسال.

ص: 655

شهد عمار بدرًا، والمشاهد كلها، وهاجر إلى أرض الحبشة ثمَّ المدينة، وفيه نزل قوله تعالى:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} .. الآية. وكان إسلامه بعد بضعة وثلاثين رجلًا هو وصهيب.

روى عن علي وغيره من الصحابة، ومناقبه جمة، روي لَهُ اثنان وستون حديثًا اتفقا منها عَلَى حديثين، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بحديث، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين حذيفة، وكان رجلًا آدم، طوالا، أشهل العينين، بعيدما بين المنكبين، لا يغير شيبه، قتل بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين مع علي عن ثلاث، وقيل: أربع وتسعين (سنة)

(1)

، ودفن هناك بصفين، وقتل وهو مجتمع العقل، وسأل عمر عمارًا فقال له: أساءك عزلنا إياك؟ قَالَ: لئن قُلْتُ ذَلِكَ لقد ساءني حين استعملتني، وساءني حين عزلتني

(2)

.

رابعها: هذا الحديث سلف شرحه في الباب السالف المشار إليه.

خامسها: قول عمار رضي الله عنه رواه أبو القاسم اللالكائي عن علي بن أحمد بن جعفر، (نا)

(3)

أبو العباس أحمد بن علي المرْهِبِي، (نا)

(4)

أبو محمد الحسن بن علي بن جعفر الصيرفي، (نا)

(5)

أبو نعيم،

(1)

من (ج).

(2)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 3/ 256. وانظر تمام ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 3/ 246، "معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 249 (763)، "معرفة الصحابة" 4/ 2070 (2160)، "الاستيعاب" 3/ 227 (1883)، "الجمع بين رجال الصحيحين" لابن القيسراني 1/ 399، "تهذيب الكمال" 21/ 215 (4174)، "تاريخ الإسلام" 3/ 569، "الإصابة" 2/ 512 (5704).

(3)

في (ج): ثنا.

(4)

في (ج): حدثنا.

(5)

في (ج): ثنا.

ص: 656

(نا)

(1)

فطر عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عنه

(2)

. ورواه رسته أيضًا عن سفيان، (نا)

(3)

أبو إسحاق، فذكره، ورواه البغوي في "شرح السنة" عن عمار مرفوعًا

(4)

، قَالَ جماعات منهم أبو الزناد: هذِه الثلاث عليها مدار الإسلام، وهي جامعة للخير كله؛ لأن من أنصف من نفسه فيما بينه وبين الله وبين الخلق، ولم يضيِّع شيئًا مما لله تعالى عليه، وللناس عليه، ولنفسه بلغ الغاية في الطاعة.

وأما بذل السلام للعالم فمعناه: للناس كلهم، لقوله صلى الله عليه وسلم:"وتقرأ السلام عَلَى من عرفت ومن لم تعرف". وهذا من أعظم مكارم الأخلاق، ويتضمن التواضع وهو أن لا ترتفع عَلَى أحد، ولا تحتقر أحدًا، وإصلاح ما بينه وبين الناس بحيث لا يكون بينه وبين أحد شحناء، ولا أمر يمتنع من السلام عليه بسببه.

كما يقع لكثير من الناس، ففيه الحث عَلَى إفشاء السلام وإشاعته، وأما الإنفاق من الإقتار فهو الغاية في الكرم، وقد مدح الله تعالى

(1)

في (ج): ثنا.

(2)

"شرح أعتقاد أهل السنة والجماعة"(1713).

(3)

في (ف): نا.

(4)

"شرح السنة" 12/ 261 موقوفًا وليس مرفوعًا، ورواه مرفوعًا البزار كما في "كشف الأستار"(30)، وقال: هذا رواه غير واحد موقوفًا على عمار.

والقضاعي في "مسند الشهاب" 2/ 65 (892)، واللالكائي (1698).

وذكره الهيثمي في "المجمع" 1/ 56، وقال: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن شيخ البزار لم أر من ذكره، وهو الحسن بن عبد الله الكوفي. اهـ.

وقال أيضًا 1/ 57: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه: القاسم أبو عبد الرحمن، وهو ضعيف. اهـ.

قال الألباني في "الإيمان" لأبي عبيد ص 17: روي مرفوعًا وموقوفًا، والراجح الوقف على أن في سنده من كان اختلط.

ص: 657

(فاعله)

(1)

بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وهذا عام في نفقة الرجل عَلَى عياله وضيفه والسائل منه، وفي كل نفقة في الطاعات، وهو متضمن للوثوق بالئه تعالى، والزهادة في الدنيا، (وقصر الأمل)

(2)

وهذا كله من مهمات طرق الآخرة.

(1)

في (خ): فاعليه.

(2)

ساقطة من (ج).

ص: 658

‌21 - باب كُفْرَانِ الْعَشِيرِ وَكُفْرٍ (دُونَ)

(1)

كُفْرٍ

فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [304]

29 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ". قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: "يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ". [431، 748، 1052، 3202، 5197 - مسلم: 907 - فتح: 1/ 83].

نا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ". قِيلَ أَيَكْفُرْنَ باللهِ؟ قَالَ: "يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

حديث أبي سعيد هذا أخرجه البخاري في الحيض مسندًا كما ستعلمه

(2)

، وأخرجه مسلم أيضًا

(3)

وحديث ابن عباس أخرجه في كتاب العلم، عن سليمان بن حرب، نا شعبة، عن أيوب، عن ابن عباس

(4)

.

(1)

كذا للأصيلي وأبي ذر وابن عساكر وأبي الوقت، وللباقين: بَعْد. وسوف يشير المصنف إلى ذلك بعد قليل.

(2)

سيأتي برقم (304) كتاب: الحيض، باب: ترك الحائض الصوم.

(3)

مسلم (907).

(4)

سيأتي برقم (98) باب: عظة الإمام النساء وتعليمهن.

ص: 659

وأخرجه مسلم في العيدين، عن أبي بكر، وابن أبي عمر، عن سفيان، عن أيوب، وعن ابن أبي رافع، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج كلاهما عن عطاء

(1)

.

وأخرجه البخاري في: بدء الخلق

(2)

، والنكاح

(3)

والكسوف

(4)

مطولًا كما ستعلمه -إن شاء الله-.

وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة

(5)

، وابن عمر أيضًا

(6)

، وأخرجاه من حديث جابر أيضًا

(7)

.

ثانيها: في التعريف برواته:

وقد سلف التعريف بهم خلا عطاء، وزيد بن أسلم. أما عطاء (ع) فهو أبو محمد عطاء بن يسار المدني الهلالي، مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أخو سليمان وعبد الملك وعبد الله. سمع خلقًا من كبار الصحابة، وعنه جمع من التابعين، وهو ثقة كثير الحديث، مات سنة ثلاث أو أربع ومائة، وقيل: سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة سبع وتسعين

(8)

.

(1)

مسلم (884) كتاب: صلاة العيدين.

(2)

سيأتى برقم (3202) باب: صفه الشمس والقمر.

(3)

سيأتى برقم (5197) باب: كفران العشير.

(4)

سيأتى برقم (1052) باب: صلاه الكسوف جماعة.

(5)

مسلم (80) كتاب: الإيمان، باب: بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات.

(6)

مسلم (79) كتاب الإيمان، باب: بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات.

(7)

سيأتى برقم (961) كتاب: العيدين، باب: المشى والركوب إلى العيد، ورواه مسلم (885) كتاب: صلاة العيدين.

(8)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 173، "التاريخ الكبير" 6/ 461 (2992)، "معرفة الثقات" 2/ 138 (1245)، "الجرح والتعديل" 6/ 338 (1867)، "الثقات" 5/ 199، "تهذيب الكمال" 125/ 20 - 128 (3946).

ص: 660

فائدة:

قول مسلم في "صحيحه" في كتاب التيمم عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة، وذكر الحديث

(1)

كذا وقع فيه عبد الرحمن بن يسار، وهو خطأ وصوابه: عبد الله بن يسار، هكذا رواه البخاري وأبو داود والنسائي

(2)

وغيرهم، فتنبه لذلك

(3)

.

(1)

مسلم (369) كتاب: الحيض، باب: التيمم.

(2)

البخاري (337) كتاب: التيمم، باب: التيمم في الحضر، وأبو داود (329)، والنسائي 1/ 165.

(3)

قال أبو علي الغساني الجياني: هكذا وقع في النسخ عن أبي أحمد الجلودي والكسائي وابن ماهان: أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار وهو خطأ، والمحفوظ: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار، وكذلك رواه البخاري عن ابن بكير، عن الليث: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار.

وهذا الحديث ذكره مسلم مقطوعًا، وقد حدثناه حكم بن محمد، قال

فرواه بسنده عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة

الحديث.

ثم قال: فقد أورد مسلم في كتابه أحاديث يسيرة مقطوعة، منها هذا الحديث. اهـ.

"تقييد المهمل" 35/ 798 - 799.

قلت: قول الجياني: أحاديث مقطوعة، يقصد بها أنها منقطعة، وهي التي سقط من إسنادها راو أو أكثر والتي منها المعلق وهي التي سقط من مبدأ إسنادها راوٍ أو أكثر على التوالي، كحديث مسلم هذا، أما الأحاديث المقطوعة فقد شاع إطلاقها على ما أضيف أو أسند إلى التابعي من قول أو فعل. والله أعلم.

وقال المازري: هكذا وقع عند الجلودي والكسائي وابن ماهان: عبد الرحمن بن يسار -وهو خطأ- والمحفوظ: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار. اهـ. "المعلم بفوائد مسلم" 1/ 149 - 150.

وأورد القاضي عياض في "إكمال المعلم" 2/ 223 - 224 كلام المازري وقال: روايتنا فيه من طريق السمرقندي، عن الفارسي، عن الجلودي فيما حدثنا به أبو بحر =

ص: 661

وأما زيد (ع) بن أسلم: فهو أبو أسامة القرشي العدوي المدني التابعي الجليل، مولى عمر بن الخطاب، روى عن جماعات من الصحابة والتابعين، وعنه جمع من التابعين منهم الزهري وغيرهم منهم مالك، وجلالته مجمع عليها.

قَالَ ابن سعد: كانت لَهُ حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ثقة كثير الحديث، ومناقبه جمة، مات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو ست وثلاثين ومائة، وقيل: نحو ثلاث وأربعين

(1)

.

فائدة:

هذا الإسناد كله مدنيون خلا ابن عباس لكنه أقام بالمدينة.

ثالثها:

أردف البخاري هذا الباب بالذي قبله؛ لينبه عَلَى أن المعاصي تنقص الإيمان، ولا تخرج إلى الكفر الموجب للخلود في النار؛ لأنهم ظنوا أنه الكفر بالله. فأجابهم صلى الله عليه وسلم أنه أراد كفرهن حق أزواجهن، وذلك لا محالة نقص من إيمانهن؛ لأنه يزيد بشكرهن العشير وبأفعال البر.

فظهر بهذا أن الأعمال من الإيمان، وأنه قول وعمل كما أسلفناه، فإخراجه لَهُ هنا أيضًا؛ لينبه عَلَى أن الكفر قد يطلق عَلَى كفر النعمة، وجحد الحق، وهو أصله في اللغة ككفران العشير والإحسان إذ لم يرد الكفر بالله، فيفسر به كل ما أطلق عليه الكفر من المعاصي فيما

= عنه: عبد الله بن يسار على ما ذكره. اهـ. وانظر: "مسلم بشرح النووي" 4/ 63.

(1)

انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" الجزء المتمم ص 314 - 316 (219)، و"التاريخ الكبير" 3/ 387 (1287)، و"الجرح والتعديل" 3/ 555 (2511)، و"تهذيب الكمال" 10/ 12 (2088).

ص: 662

علم من الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم "لا ترجعوا بعدي كفارا"

(1)

و"أيما عبد أبق من مواليه فقد كلفر حتَّى يرجع إليهم"

(2)

و"أَمَّا مَنْ قَالَ مطرنا بِنَوْءِ كَذَا فَذَاكَ كَافِرٌ بِي، مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ"

(3)

و"بين الشرك والكفر ترك الصلاة"

(4)

.

رابعها:

أصل الكفر: الستر والتغطية، يقال لليل كافر؛ لستره بالظلمة، وللابس الدرع وفوقها ثوب كافر للتغطية، وفلان كفر النعمة، أي: سترها فلم يشكرها، ويطلق عَلَى الكفر بالله تعالى، ويطلق عَلَى الحقوق والمال. ثمَّ الكفر بالله أنواع، حكاها الأزهري: إنكار، وجحود، وعناد، ونفاق، وهذِه الأربعة من لقي الله بواحدِ منها لم يغفر له.

فالأول: أن يكفر بقلبه ولسانه، ولا يَعْرفُ ما يُذكر له من التوحيد، كما قَالَ تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6] الآية أي: كفروا بالتوحيد، وأنكروا معرفته.

والثاني: أن يعرف بقلبه ولا يقرُّ بلسانه، وهذا ككفر إبليس وبلعم وأمية بن أبي الصلت.

والثالث: أن يعرف بقلبه ويقر بلسانه ويأبى أن يقبل الإيمان بالتوحيد، ككفر أبي طالب.

والرابع: أن يقر بلسانه، ويكفر بقلبه، ككفر المنافقين.

(1)

سيأتي برقم (4403) كتاب: المغازي، باب: حجة الوداع.

(2)

رواه مسلم (68) كتاب: الإيمان، باب: تسمية العبد الآبق كافرا، من حديث جرير بن عبد الله.

(3)

سيأتي برقم (846) كتاب: الأذان، باب: يستقبل الإمام الناس إذا سلم، ورواه مسلم (71) كتاب: الإيمان، باب: بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء.

(4)

رواه مسلم (82) باب: بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، من حديث جابر رضي الله عنه.

ص: 663

قَالَ الأزهري: ويكون الكفر بمعنى البراءة. كقوله تعالى حكاية عن الشيطان: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 22] أي: تبرأتُ.

قَالَ: وأما الكفر الذي هو دون ما ذكرنا فالرجل يقر بالوحدانية والنبوة بلسانه، ويعتقد ذَلِكَ بقلبه، لكنه يرتكب الكبائر من القتل، والسعي في الأرض بالفساد، ومنازعة الأمر أهله، وشق عصا المسلمين ونحو ذَلِكَ

(1)

.

هذا كلامه، وقد أطلق الشرع الكفر عَلَى ما سوى الأنواع الأربعة، وهو كفران الحقوق والنعم، كهذا الحديث وغيره مما قدمته، وهذا مراد البخاري بقوله، وكفر دون كفر. وفي بعض الأصول: وكفر بعد كفر، وهي بمعنى الأول.

وقوله: ("يكفرن") التقدير: هن يكفرن، (فقيل: لما يا رسول الله؟ قال: "يكفرن")

(2)

كما جاء في صلاة الكسوف.

خامسها:

("العشير"): المعاشر. قالوا: والمراد هنا: الزوج يسمى بذلك الذكر والأنثى؛ لأن كل واحد منهما يعاشر صاحبه، ولا يمتنع كما قَالَ النووي حمله عَلَى عمومه، والعشير أيضًا: الخليط والصاحب.

سادسها:

("قط") لتأكيد نفي الماضي، وفيها لغات: فتح القاف وضمها مع تشديد الطاء المضمومة فيهما، وبضمها مع التخفيف، وكسرها مع التخفيف، وبفتحها مع تشديد الطاء المكسورة، وبالفتح مع الإسكان ومع الضم، ومع الكسر بالتخفيف، وقد سلف بعضها.

(1)

"تهذيب اللغة" 4/ 3160 - 3161.

(2)

من (ج).

ص: 664

قَالَ الجوهري عن الكسائي: كان أصلها قَطَط، فسكن الأول وحرك الآخر؛ بإعرابه هذا إِذَا كانت معناها: الزمان، إما إِذَا كانت بمعنى:"حَسْب" وهو الإكتفاء، فهي مفتوحة ساكنة الطاء. تقول: رأيته مرة واحدة فقط

(1)

، قَالَ القاضي: وقد تكون هذِه للتقليل أيضًا.

سابعها: في فوائده:

الأولى: ما ترجم لَهُ، وهو أن الكفر قد يطلق عَلَى غير الكفر بالله تعالى ويؤخذ منه صحة تأويل الكفر في الأحاديث السالفة ونحوها عَلَى كفر النعمة والحقوق.

الثانية: وعظ الإمام، وأصحاب الولايات، وكبار الناس رعاياهم وتباعهم وتحذيرهم المخالفات، وتحريضهم عَلَى الطاعات. كما جاء في رواية أخرى في "الصحيح":"يا معشر النساء تصدقن"

(2)

.

الثالثة: مراجعة المتعلِّمِ العالِمَ، والتابعِ المتبوعَ فيما قاله إِذَا لم يظهر لَهُ معناه.

الرابعة: تحريم كفران الحقوق والنعم؛ إذ لا يدخل النار إلا بارتكاب حرام، قَالَ النووي: توعده عليهما بالنار يدل عَلَى أنهما من الكبائر.

الخامسة: التعذيب عَلَى جحد الإحسان، والفضل، (وشكر النعم)

(3)

، وشكر المنعم واجب.

(1)

"الصحاح" 3/ 1153 مادة: (قطط).

(2)

ستأتي برقم (304) كتاب: الحيض، باب: ترك الحائض الصوم.

(3)

ساقطة من (ج).

ص: 665