الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
61 - كتاب المناقب
1 - باب قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]
وَقَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. وَمَا يُنْهَى عَنْ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ. الشُّعُوبُ: النَّسَبُ البَعِيدُ، وَالْقَبَائِلُ دُونَ ذَلِكَ.
3489 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رضي الله عنهما {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ} قَالَ: الشُّعُوبُ القَبَائِلُ العِظَامُ، وَالْقَبَائِلُ: الْبُطُونُ. [فتح: 6/ 525]
3490 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ:«أَتْقَاهُمْ» . قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ؟. قَالَ: «فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ» . [انظر: 3353 - مسلم: 2378 - فتح: 6/ 525]
3491 -
حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبُ ابْنَةُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: قُلْتُ لَهَا أَرَأَيْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَانَ مِنْ مُضَرَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلاَّ مِنْ مُضَرَ؟ مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ. [3492 - فتح: 6/ 525]
3492 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا كُلَيْبٌ، حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -وَأَظُنُّهَا زَيْنَبَ- قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُقَيَّرِ وَالْمُزَفَّتِ. وَقُلْتُ لَهَا: أَخْبِرِينِي: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ كَانَ؟ مِنْ مُضَرَ؟ كَانَ قَالَتْ فَمِمَّنْ كَانَ إِلاَّ مِنْ مُضَرَ، كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ. [3491 - فتح: 6/ 525]
3493 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِى الإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا، وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً» . [3496، 3588 - مسلم: 2526 - فتح: 6/ 525]
3494 -
«وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَيَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ» . [6058، 7179 - مسلم: 2526 - فتح: 6/ 525]
3495 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ» . [مسلم: 1818 - فتح: 6/ 525]
3496 -
«وَالنَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا، تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ» . [انظر: 3493 - مسلم: 2526 - فتح: 6/ 526]
ثم ساق من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ} قال: الشعوب: القبائل العظام، والقبائل: البطون.
الشرح:
ما ذكره من أن الشعوب: النسب البعيد يريد مثل مضر وربيعة، هذا قول مجاهد
(1)
والضحاك
(2)
، وواحد الشعوب شعب بفتح الشين، مثل كعب -كما قاله في "الموعب"- وعن ابن الكلبي بالكسر، وقال الهجري في "نوادره": لم يسمع ذلك فصيحًا.
وما ذكره عن ابن عباس رضي الله عنهما في القبائل أنها البطون ذُكر عنه أيضًا أنها الأفخاذ
(3)
.
والذي ذكره أهل اللغة أن الشعوب مثل مضر وربيعة، والقبائل دون ذلك مثل قريش، وتميم واحدتها قبيلة، ثم العمائر واحدتها عمارة، ثم البطون واحدتها بطن، ثم الأفخاذ واحدها فخذ -سكن خاءه ابن فارس
(4)
وكسرها غيره- ثم الفصائل واحدتها فصيلة، ثم العشائر واحدتها عشيرة، وليس بعد العشيرة حيٌّ يوصف.
وقد أسلفنا عن الجواني أنه قسم العرب إلى عشر طبقات فبدأ بالجذم ثم الجمهور ثم الشعب ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ ثم العشيوة ثم الفصيلة ثم الرهط. وقال ابن خالويه في كتاب "ليس": الغاز دون الجذم وفوق الشعب. في "الكامل" للمبرد: المغازي بزاي مكسورة.
وذكر بعضهم بعد العشيرة الذرية والعترة والأسرة.
(1)
"تفسير مجاهد" 2/ 608، ورواه الطبري في "تفسيره" 11/ 398.
(2)
رواه ابن جرير في "تفسيره" 11/ 398.
(3)
رواه ابن جرير في "التفسير" 11/ 398.
(4)
"مجمل اللغة" 2/ 714.
قال صاحب "المنتهى": الشعب ما تشعب من قبائل العرب والعجم، والشعوب الأمم المختلفة، فالعرب شعب، وفارس شعب، والروم شعب، والترك شعب.
وفي الحديث: أن رجلاً من الشعوب أسلم
(1)
. يعني: من العجم.
وعن الزبير بن بكار: القبائل، ثم الشعوب، ثم البطون، ثم الأفخاذ، ثم الفصائل.
وفي "المحكم" الشعب: هو القبيلة نفسها
(2)
، وقد غلبت الشعوب بلفظ الجمع على جيل العجم.
وقال الأزهري في "تهذيبه": أخذت القبائل من قبائل الرأس لاجتماعها
(3)
.
وقال الجوهري: قبائل الرأس هي القطع المشعوب بعضها إلى بعض، تصل بها الشعوب
(4)
.
وقال الزجاج: القبيلة من ولد إسماعيل كالسبط من ولد إسحاق، سموا بذلك ليفرق بينهما، ومعنى القبيلة من ولد إسماعيل معنى الجماعة، يقال لكل واحد: قبيلة، ويقال لكل جمع على شيء واحد: قبيل، أخذ من قبائل الشجرة وهو أغصانها
(5)
.
وذكر ابن الهبارية في كتابه "ذلك المعالي" أن القبائل من ولد عدنان مائتان وسبع وأربعون قبيلة، والبطون من ولده مائتان وأربعة وأربعون بطنًا، والأفخاذ خمسة عشر فخذًا غير أولاد أبي طالب.
(1)
رواه البيهقي في "السنن" 9/ 199 عن مسروق من قوله.
(2)
"المحكم" 1/ 235.
(3)
"تهذيب اللغة" 3/ 2876.
(4)
"الصحاح" 5/ 1797.
(5)
انظر: "لسان العرب" 4/ 1923.
فصل:
وقوله: {لِتَعَارَفُوا} قال مجاهد: ليقال: فلان ابن فلان
(1)
، وقرأ ابن عباس:(لتعرفوا أن).
وأنكره بعض أهل اللغة، قال: لأنه
(2)
خلقهم ليتعارفوا في الأنساب، ولم يخلقهم ليعرفوا أن أكرمهم عند الله أتقاهم، وقيل: يجوز أن يكون معناه لأن أكرمكم، وكسر إن أحسن؛ لأن الكلام تم، ثم أعلمهم بأرفعهم منزلة عنده، فقال:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} كما روي: "إذا كان يوم القيامة واستوى الناس في صعيد واحد نادى مناد من قيل العرش ليعلمن اليوم أهل الموقف من أولى بالكرم، ليقم المتقون" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذِه الآية
(3)
.
فصل:
وقوله تعالى: {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} قال عكرمة: المعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
وقال إبراهيم: هو من قولك: أسألك بالله وبالرحم
(4)
، وهذا على قراءة الخفض، وأُنكر؛ لأنه عطف على الخافض من غير إعادة حرف الجر، وقيل: هو قسم. و {رَقِيبًا} حافظًا.
(1)
"تفسير مجاهد" 2/ 608.
(2)
في الأصل: لأنهم، والمثبت من (ص 1).
(3)
روى نحوه الحاكم 2/ 398 - 399 من حديث عقبة بن عامر، عن عمر مرفوعًا، ومن طريقه البيهقي في "الشعب" 3/ 170 (3246). ورواه ابن المبارك في "الزهد" -برواية نعيم بن حماد- ص (101)(353) عن ابن عباس موقوفًا، وعبد الرزاق في "المصنف" 11/ 294 (20578) عن الحسن من قوله. وليس في شيء من الروايات قوله:(ليقم المتقون .. ).
(4)
رواهما الطبري في "تفسيره" 3/ 568، 569.
وقوله: (وما يُنهى عنه من دعوى الجاهلية)، سيأتي قريبًا له باب معقود.
ثم ذكر البخاري في الباب خمسة أحاديث:
أحدها:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ:"أَتْقَاهُمْ). قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذا نَسْأَلُكَ؟. قَالَ: "فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ"، وقد سلف.
والنبي صلى الله عليه وسلم أتقى الناس، ويوسف نبي رسول صديق، وإبراهيم نبي رسول خليل، وإسحاق ويعقوب نبيان، فهم أربعة أنيياء في نسق، لا نعلم أربعة في نسق غيرهم، نبه عليه ابن التين.
الحديث الثاني:
حديث كليب بن وَائِلٍ حَدَّثَتْنِي رَبيبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زينَبُ بنت أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: قُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَانَ مِنْ مُضَرَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلَا مِنْ مُضَرَ؟! مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ.
الحديث الثالث:
حديث كليب أيضًا حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَظُنُّهَا زيْنَبَ- قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُقَيَّرِ وَالْمُزَفَّتِ. وَقُلْتُ لَهَا: أَخْبِرِينِي: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ كَانَ؟ مِنْ مُضَرَ كَانَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا مِنْ مُضَرَ؟ كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ. (النضر أبو قريش في قول الجمهور كما أسلفناه أول الكتاب، وهو النضر بن كنانة)
(1)
بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
(1)
من (ص 1).
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يعلم ما بعد عدنان إلا كاهن أو متخرص"
(1)
، وقال ابن دحية في "مجمعه": أجمع العلماء أنه صلى الله عليه وسلم إنما انتسب إلى عدنان ولم يتجاوزه، وأجمعوا أن عدنان بلا شك من ولد إسماعيل.
فصل:
في النهي عن سب مضر، قال ابن حبيب؛ يعني بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: مات أدد والد عدنان، وعدنان، ومعد، وربيعة، ومضر، وقيس عيلان، وتميم، وأسد، وضبة، على الإسلام، على ملة إبراهيم، فلا تذكروهم إلا بما يذكر به المسلمون. وعن سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لا تسبوا مضر فإنه كان مسلمًا على ملة إبراهيم"
(2)
.
وعند الزبير بن أبي بكر
(3)
من حديث ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين"
(4)
، وقال صلى الله عليه وسلم:"إذا اختلف الناس فالحق مع مضر"
(5)
.
(1)
ذكر السهيلي في "الروض الأنف" 1/ 11 عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ عدنان قال: "كذب النسابون" مرتين أو ثلاثًا. قال: والأصح في هذا الحديث أنه من قول ابن مسعود، وانظر "طبقات ابن سعد" 1/ 58.
(2)
رواه بنحوه أحمد في "فضائل الصحابة"(1524) من طريق عبد الله بن خالد، عن عبد الله بن الحارث مرفوعًا، ورواه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 58 عن عبد الله بن خالد مرفوعًا، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4780).
(3)
هو أبو عبد الله الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام.
انظر "سير أعلام النبلاء" 12/ 311.
(4)
الديلمي في "الفردوس" 5/ 14 (7303) ..
(5)
رواه أبو يعلى 4/ 396 - 397 (2019) من طريق عبد الله بن المؤمل، عن عطاء،
عن ابن عباس مرفوعًا. =
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله -جل وعز- اختار من العرب هذا الحي من مضر"
(1)
، وسمع صلى الله عليه وسلم قائلًا يقول:
إنّي امْرُؤ حِمْيَرِي حينَ تَنْسُبُنِي
…
من رَبِيعَة أجدادي وَلَا مُضَر
فقال: "ذلك أبعد لك من الله ورسوله"
(2)
.
وعند ابن الأثير: "صار أصعر لخدك وأصغر لجدك". ومن حديث عمرو بن عبيد، عن الحسن عند الزبير مرفوعًا:"لا تسبوا مضر فإنه قد أسلم".
فصل: في اشتقاقه:
قال ابن الأنباري: مضر يجوز أن يكون اشتقاقه من قولهم: ذهب دم فلان خضرًا مضرًا أي باطلاً، وعند القزاز: هو إتباع، وعند الرشاطي عن إسماعيل بن القاسم قولهم: خضرًا مضرًا هو بمعنى نضرًا، أبدلوا النون بميم لقرب المخرج.
قال محمد بن عبد الرزاق: أما أنا فلا أراه إلا من البياض إلا أن دمه ذهب خضرًا يعني ناعمًا أي: نعم فيه أصحابه فلم يكدر عليهم، مضرًا أي: أبيض، لم يقتل فيه أحد فيحمر دمه.
= والطبراني 11/ 178 (11418) من طريق عبد الله بن المؤمل به. وزاد فيه (المثنى بن صباح) بين عبد الله وعطاء. وعزاه الهيثمي في "المجمع" 10/ 52 للطبراني وقال: من طريق عبد الله بن المؤمل، عن المثنى بن الصباح، وكلاهما ضعيف وقد وثقا. اهـ. وانظر "الضعيفة"(2203).
(1)
رواه الطبراني في "الكبير" 12/ 455 (13650)، والحاكم 4/ 73 - 74، والبيهقي في "الشعب" 2/ 139 (1393) كلهم من طريق محمد بن ذكران، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عمر مرفوعًا. ورواه الحاكم 4/ 73 من طريق محمد بن ذكران، عن محمد بن المنكدر، عن ابن عمر به.
(2)
انظر: "خزانة الأدب وغاية الأرب" 1/ 86 لتقي الدين أبي بكر الحموي.
وقال ابن سيده: سمي مضرًا؛ لأنه كان مولعًا بشرب اللبن الماضر -أي: الحامض- وقيل: سمي بذلك لبياضه
(1)
، وقال ابن دحية: لأنه كان يضير بالقلوب لحسنه وجماله، وكان على دين إسماعيل، وعند التاريخي عن ابن هرمة: هذا البناء الذي في نقب الروحاء هو قبر مضر بن نزار، وعند القتبي: هو من المضيرة، وهو شيء يصنع من اللبن
(2)
، والعرب تسمي الأبيض أحمر فلذلك قيل: مضر الحمراء، وقيل: بل أوصى له أبوه بقبة حمراء، وعند العسكري: هو أول من سن حداء الإبل، وكان أحسن الناس صوتًا، فلما وقع عن النجيب فانكسرت يده، كان يقول: وا يداه وا يداه.
فصل:
وعلم النسب علم جليل، يتعين الاعتناء به، وقد صح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم" قال الحاكم: صحيح الإسناد
(3)
.
وجعل ابن حزم من فرضه أن يعلم أن سيدنا محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي هو المبعوث إلى الجن والإنس بدين الإسلام الذي كان بمكة، ورحل منها إلى المدينة، فمن شك فيه أهو قرشي أو يماني أو تميمي أو أعجمي فهو كافر إلا أن يكون جاهلاً فيتعلم، ومنه أن يعلم أن الخلافة لا تجوز إلا في ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وأن يعرف كل من يلقاه بنسب في رحم محرمة ليتجنب ما حرم عليه، وأن يعرف كل من يتصل به برحم يوجب ميراثًا أو صلة أو نفقة أو عقدًا أو حكمًا.
(1)
"المحكم" 8/ 136 - 137.
(2)
"أدب الكاتب" ص 63.
(3)
"المستدرك" 1/ 89.
قال: ومن فروض الكفاية معرفة أسماء أمهات المؤمنين وأكابر الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين حبهم فرض، فمن لم يعرف أنساب الأنصار لم يعرف إلى من يحسن، ولا عمن يتجاوز، وهذا حرام، ومعرفة من يجب له حق في الخمس من ذوي القربى، ومعرفة من يحرم عليه الصدقة ممن لا حق له فيه، وكل ذلك جزء من علم النسب، وقد صح بطلان قول من قال: إن علم النسب علم لا ينفع وجهل لا يضر، وقد أقدم قوم فنسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو باطل، وقد كان صلى الله عليه وسلم يتكلم في النسب بقوله:"نحن بنو النضر بن كنانة"
(1)
، وذكر أفخاذ الأنصار إذ فاضل بينهم، فقدم بني النجار، ثم بني عبد الأشهل، ثم بني الحارث، ثم بني ساعدة
(2)
.
وذكر بني تميم، وبني عامر بن صعصعة، وغطفان، وأخبر أن مزينة وجهينة وأسلم وغفار أخير منهم يوم القيامة
(3)
. وأخبر أن بني العنبر بن عمرو بن تميم من ولد إسماعيل. ونسب الحبش إلى أرفدة
(4)
. ونادى قريشًا بطنًا بطنًا
(5)
.
(1)
رواه ابن ماجه (2612)، وأحمد 5/ 211، 212 من حديث الأشعث بن قيس.
(2)
سبق برقم (1481) كتاب: الزكاة، باب: خرص التمر، ورواه مسلم برقم (1392) كتاب: الفضائل، باب: في معجزات النبي، من حديث أبي حميد الساعدي.
(3)
سيأتي برقم (3515) باب: ذكر أسلم وغفار .. ورواه مسلم برقم (2522) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: من فضائل غفار وأسلم، من حديث أبي بكرة.
(4)
سبق برقم (950) كتاب: العيدين، باب: الجراب والدرق يوم العيد، ورواه مسلم (892) كتاب: صلاة العيدين، باب: الرخصة في اللعب. من حديث عائشة.
(5)
سيأتي برقم (3525)، (3526) باب: من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية، ورواه مسلم برقم (208) كتاب: الإيمان، باب: قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] من حديث ابن عباس.
وكل هذا يبطل ما روي عن بعض الفقهاء من كراهية الرفع في الأنساب إلى الآباء من أهل الجاهلية.
ثم أسند عن عمر: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحاكم
(1)
، وأخرجه أبو نعيم من حديث العلاء بن خارجة المدني
(2)
مرفوعًا
(3)
.
وعن سعد بن أبي وقاص: قلت: يا رسول الله، من أنا؟ قال:"أنت سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، من قال غير هذا فعليه لعنة الله"
(4)
.
وكان عمر وعثمان وعلي به علماء.
وقوله صلى الله عليه وسلم لحسان: "اذهب إلى أبي بكر ليخلص لك نسبي"
(5)
يكذب قول من نسب إليه أن علم النسب علم لا ينفع لأنه لا يصح، وكل ما ذكرناه صحيح مشهور، وما فرض عمر وعثمان وعلي الدواوين إذ فرضوه إلا على القبائل ولولا علمهم بالنسب ما أمكنهم ذلك، وكان ابن المسيب وابنه محمد والزهري من أعلم الناس بالأنساب في جماعة من أهل الفضل والفقه والإمامة كالشافعي وأبي عبيد
(6)
.
ولذا قال ابن عبد البر: لعمري ما أنصف القائل: إنه لا ينفع؛ لأنه بين نفعه لأشياء، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "كفر بالله ادعاء نسب لا يعرف، وكفر بالله
(1)
رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 4/ 249 (3202).
(2)
في هامش الأصل: صحابي مدني، له حديث في أبي نعيم وابن منده.
(3)
"معرفة الصحابة" 4/ 2199 (5511).
(4)
رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 1/ 167 (210)، والحاكم 3/ 495.
(5)
رواه مسلم (2490) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: فضائل حسان، من حديث عائشة.
(6)
إلى هنا ينتهي كلام ابن حزم في "جمهرة أنساب العرب" ص 2 - 5.
تبرؤ من نسب وإن دق"
(1)
، وروي عن أبي بكر مثله
(2)
، وقال صلى الله عليه وسلم:"من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلا غير مواليه فعليه لعنة الله"
(3)
، وقد روي من الوجوه الصحاح عن رسول الله ما يدل على معرفته بأنساب العرب.
قلت: وفي الترمذي مصححًا من حديث عبد الله بن عمرو: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده اليمنى كتاب وفي اليسرى كتاب، فقال:"هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم"
(4)
، وأخرجه الرشاطي من حديث ابن عمر بمثله وفيه:"أسماؤهم وأنسابهم".
فصل:
ذكرت في الحديث النهي عن الدباء وغيره لتأتي بالحديث على وجهه، وقد أسلفنا بيان ذلك، ولا بأس بإعادته لبعد العهد به.
فـ (الدباء) جمع دباءة وهي: القرعة وهي ممدودة في أشهر اللغات، وذكر القزاز في "جامعه" أيضًا أنها قصرت في لغة.
و (الحثتم) قال أبو عبيد: جرار خضر كانت تحمل فيها إلى المدينة الخمر
(5)
.
(1)
رواه ابن ماجه (2744)، وأحمد 2/ 215، والطبراني في "الأوسط" 8/ 47 (7919) كلهم من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 9/ 51 (16315)، والدارمي في "السنن" 4/ 1890 (2903) عن أبي بكر موقوفًا.
(3)
سبق برقم (1870) كتاب: فضائل المدينة، باب: حرم المدينة، ورواه مسلم (1370) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة، من حديث علي بن أبي طالب.
(4)
الترمذي (2141) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(5)
"غريب الحديث" 1/ 305.
و (المقير) هو: المزفت وهو ما طلي داخله بالزفت، ولم يذكر هنا النقير وهو خشب كانوا ينقرونه، فيجعلون منه أوعية ينتبذون فيها، وعلة النهي إسراع الإسكار في هذِه الأمور، وقيل: لإضاعة المال ثم نسخ.
الحديث الرابع:
حديث أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا، وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً، وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِى يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَيَأْتِى هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ» .
هذا الحديث أخرجه مسلم بتمامه في الفضائل، وفي الأدب بقصة ذي الوجهين
(1)
. (وقوله: "الناس معادن" يوضحه الحديث الآخر: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة")
(2)
.
الشرح:
(وقوله: ("الناس معادن كمعادن الذهب والفضة")
(3)
وجه التمثيل اشتمال المعادن على جواهر مختلفة من نفيس وخسيس، كذلك الناس من كان شريف الأصل في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شرفًا فإن تفقه وصل إلى غاية الشرف.
(1)
رواه مسلم (2526) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: خيار الناس، وبعد حديث (2604) كتاب: البر والصلة، باب: ذم ذي الوجهين.
(2)
كذا في الأصل وعليها: (كذا .. إلى).
(3)
في الأصل عليها: (كذا .. إلى) ومقابلها في الحاشية: كذا ذكر شيخنا هذا في الشرح، وذكر أنه كتبه لكن كتب عليه (كذا .. إلى) و (كذا .. إلى) يعني أنه كذا وجدت من هذا المكان إلى هذا المكان وأحدهما متكرر فيما يظهر، وهو الأول، والله أعلم.
وكانت لهم أصول في الجاهلية يستنكفون عن كثير من الفواحش، قال الزبير: كنا في الجاهلية في ملك قابط
(1)
تكفينا أحلامنا، فبقيت تلك الأخلاق في إيمانهم مع ما زادهم الإسلام.
وقوله: ("أشدهم له كراهية") يعني: الإمارة، من نالها من غير مسألة أُعين عليها، ومن نالها عن مسألة وكل إلى نفسه، وهذا في الأكثر وربما أخذها من هو أهل لها من غير أن يعطاها، أخذ الراية خالد من غير إمرة. وقال صلى الله عليه وسلم:"أخذها سيف من سيوف الله"
(2)
.
وروي عن عمر أنه قال: لأن أقدم فتضرب عنقي -إلا أن تتغير لي نفسي عند الموت- أحبُّ إليَّ من أَلِيَ على قوم فيهم أبو بكر
(3)
.
وقوله: ("تَجدُونَ خير النَّاسَ") وفي رواية: "من خير الناس" وهو لبيان جنس الخير، كأنه قال: تجدون أكره الناس في هذا الأمر من خيارهم، ويصح على مذهب الكوفيين أنها زائدة، والكراهة بسبب علمه بصعوبة العدل فيها، والمطالبة في الأخرى. وقال الخطابي: معناه إذا وقعوا فيها لم يجز أن يكرهوها؛ لأنهم إذا أقاموا فيها كارهين ضيعوها
(4)
.
وقوله: ("خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلَامِ إِذَا فَقْهُوا") ومثله: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"
(5)
.
(1)
في (ص 1): (قابض).
(2)
سيأتي برقم (3757)، كتاب:"فضائل الصحابة" باب: مناقب خالد بن الوليد رضي الله عنه.
(3)
في هامش الأصل: ما وري عن عمر هو في البخاري نحوه [سيأتي برقم (6830)].
(4)
"أعلام الحديث" 3/ 1579.
(5)
سبق برقم (71) كتاب: العلم، باب: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، من حديث معاوية بن أبي سفيان.
وقال علي: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع يميلون مع كل ناعق
(1)
.
الحديث الخامس:
حديث أَبِى هريرة - رضى الله عنه - أيضًا: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ، وَالنَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا، تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ» .
الشرح:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا.
وقوله: ("النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هذا الشَّأْنِ") يعني في الخلافة؛ لأن الناس في الجاهلية كانت قريش رءوسهم، فكذلك قالوا يوم السقيفة: نحن الأمراء.
فيه: أن من شروط الإمامة الكبرى: أن يكون المتولي قرشيًّا، وهو إجماع ولا عبرة بمن شذ.
وقوله: ("وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ") لما كانت قريش عَنَدَت عن الإسلام أباه أكثر الناس ومالت معهم من قربت داره، وامتنع من بعدت داره، فلما فتح مكة وأسلموا إلا من قتل منهم دخل الناس في دين الله أفواجًا، ثم حورب من سواهم، ففتح الله على رسوله وعلى المؤمنين بعده. وقيل: معناه الإخبار عنهم فيما تقدم من الزمان أنهم لم يزالوا متبوعين وكانت العرب تقدم قريشًا.
(1)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" 1/ 79 - 80.
وقوله: ("وتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهم كَرَاهِيَةً") قيل: أراد إذا وقعوا في الإمارة عن رغبة وحرص زالت عنهم فضيلة حسن الاختيار. وقيل: أراد أن خيار الناس من يكره الولاية حتى إذا وقع فيها زال معنى الكراهة، فلم يجز لهم أن يكرهوها؛ لأنهم إذا قاموا بها على كره ضيعوها.
باب
3497 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ المَلِكِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. [4818 - فتح: 6/ 526]
3498 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مِنْ هَا هُنَا جَاءَتِ الفِتَنُ -نَحْوَ المَشْرِقِ- وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الفَدَّادِينَ أَهْلِ الوَبَرِ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ، وَالْبَقَرِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ» . [انظر: 3302 - مسلم: 51 - فتح: 6/ 526]
3499 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الغَنَمِ، وَالإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ» . سُمِّيَتِ اليَمَنَ؛ لأَنَّهَا عَنْ يَمِينِ الكَعْبَةِ، وَالشَّأْمَ عَنْ يَسَارِ الكَعْبَةِ، وَالْمَشْأَمَةُ: المَيْسَرَةُ، وَالْيَدُ الْيُسْرَى: الشُّؤْمَى، وَالْجَانِبُ الأَيْسَرُ الأَشْأَمُ. [انظر: 3301 - مسلم: 52 - فتح: 6/ 526]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ.
الشرح:
اختلف في ذلك على أقوال:
أحدها: محبة قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أهل بيته من بني هاشم فمن بعدهم من أهل البيت.
ثانيها: مودة قريش، وعبارة ابن التين في حكايته قيل: المراد على وفاطمة وولدهما ذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قال ابن عباس، قال عكرمة: كانت قريش تصل الرحم فلما بعث محمد قطعته، فقال: صلوني كما كنتم تفعلون. فالمعنى: لكن أذكركم قرابتي.
ثالثها: مودة من يتقرب إلا الله وهو رأي الصوفية، ولا بعد في دخول الكل في الآية وهو راجع إلى الاعتقاد، وقال الضحاك نسختها {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} .
قال ابن العربي: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا محرم عليه أن يأخذ (أجرًا على التبليغ)
(1)
قال: وظن بعضهم أنه استثناء منقطع إذ ليس المودة من الأجرة
(2)
.
تم ذكر في الباب حديث أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مِنْ هَا هُنَا جَاءَتِ الفِتَنُ -نَحْوَ المَشْرِقِ- وَالْجَفَاءُ وَغِلَظَ القُلُوبِ فِي الفَدَّادِينَ أَهْلِ الوَبَرِ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ". وسلف في بدء الخلق.
وحديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي الفَدَّادِينَ أَهْلِ الوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الغَنَمِ، وَالإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ".
قال أبو عبد الله: سُمِّيَتِ اليَمَنَ؛ لأَنَّهَا عَنْ يَمِينِ الكَعْبَةِ، وَالشَّأْمَ
(1)
من (ص 1).
(2)
"عارضة الأحوذي" 12/ 131.
لأنها عَنْ يَسَارِ الكَعْبَةِ، وَالْمَشْأَمَةُ: المَيْسَرَةُ، وَالْيَدُ اليُسْرى: الشُّؤْمَى، وَالْجَانِبُ الأَيْسَرُ: الأَشْأَمُ. وقد سلف، وقد أخرجه مسلم في الإيمان أيضًا
(1)
.
ومراده بالسكينة في أهل الغنم أن أهلها أهل مسكنة وخضوع، وأهل الإبل متكبرون مختالون كما ذكر، وكانوا يستحقرون أصحاب الغنم. وقال الداودي: قوله: "والفخر والخيلاء في الفدادين" وهم، وإنما نسب إليهم الجفاء وهما في أصحاب الخيل.
(1)
برقم (52) كتاب: تفاضل أهل الإيمان ورجحان أهل اليمن.
2 - باب مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ
3500 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ -وَهْوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ- أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً مِنْكُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَا تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلاَّ كَبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ» . [7139 - فتح: 6/ 532]
3501 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ، مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ» . [7140 - مسلم: 1820 - فتح: 6/ 533]
3502 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطَيْتَ بَنِي المُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» . [انظر: 3140 - فتح: 6/ 533]
3503 -
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: ذَهَبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ إِلَى عَائِشَةَ، وَكَانَتْ أَرَقَّ شَيْءٍ لِقَرَابَتِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [3505، 6073 - فتح: 6/ 533]
3504 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدٍ ح. قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَأَشْجَعُ وَغِفَارُ مَوَالِيَّ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى، دُونَ اللهِ وَرَسُولِهِ» . [3512 - مسلم: 2520 - فتح: 6/ 533]
3505 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَحَبَّ الْبَشَرِ إِلَى عَائِشَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِهَا، وَكَانَتْ لَا تُمْسِكُ شَيْئًا مِمَّا جَاءَهَا مِنْ رِزْقِ اللهِ إِلاَّ تَصَدَّقَتْ. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهَا. فَقَالَتْ أَيُؤْخَذُ عَلَى يَدَيَّ؟ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ. فَاسْتَشْفَعَ إِلَيْهَا بِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَبِأَخْوَالِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً فَامْتَنَعَتْ، فَقَالَ لَهُ الزُّهْرِيُّونَ -أَخْوَالُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ-: إِذَا اسْتَأْذَنَّا فَاقْتَحِمِ الحِجَابَ. فَفَعَلَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ، فَأَعْتَقَتْهُمْ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تُعْتِقُهُمْ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ. فَقَالَتْ: وَدِدْتُ أَنِّى جَعَلْتُ حِينَ حَلَفْتُ عَمَلاً أَعْمَلُهُ فَأَفْرُغَ مِنْهُ. [انظر: 3503 - فتح: 6/ 533]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ -وَهْوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ- أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِي يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَا تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ التِي تُضِلُّ أَهْلَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِنَّ هذا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ".
الشرح:
هذا الحديث يأتي في الأحكام أيضًا كما ستعلمه، و (قحطان) أبو اليمن، وإنكار معاوية عليه؛ لأنه حمل حديثه على ظاهره، وقد
يخرج قحطاني في ناحية من نواحي الإسلام متغلبًا لا خليفة ويحمل حديث معاوية على الأكثر، ولهذا قال:"الأمر في قريش" يعني: الخلافة.
وقد ذكر البخاري بعد هذا حديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه"
(1)
.
وفي الترمذي مصححًا وقفه: "الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة، والأمانة في الأزد" يعني اليمن
(2)
. ومعنى: (ولا تؤثر) أي لا تروى، و (الأماني) بمعنى التلاوة وأنشدوا:
تَمَنَّى كتابَ الله أوَّلَ ليله
…
وآخِرَهُ لَاقَى حِمَامَ المَقَادِر
نبه عليه ابن الجوزي. وقال ابن التين: معناه: ولا تذكر، كأن المعنى: إياكم وقراءة ما في الصحف التي تؤثر عن أهل الكتاب ما لم يأت به الشارع، فكأن ابن عمرو قرأ التوراة ويحكي. عن أهلها، لا أنه حدث به عن الشارع، إذ لو حدث عنه لما استطاع أحد رده؛ لأنه لم يكن متهمًا.
وقوله: ("إلا كتبه الله") هذا الفعل من الشواذ؛ لأن الفعل تعديه الهمزة وهذا الفعل ثلاثيه متعد ورباعيه لازم قال تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} [الملك: 22].
وقوله: ("ما أقاموا الدين") قيل: يحتمل إن لم يقيموه فلا يسمع لهم. وقيل: يحتمل ألا يقام عليهم وإن كان لا يجوز بقاؤهم. ذكرهما ابن التين، قال: وقد أجمع على أنه إن دعا إلى كفر أو بدعة أنه يقام
(1)
سيأتي برقم (3517).
(2)
الترمذي (3936).
عليه، وإن غصب الأموال وانتهك الحرم، فاختلف هل يقام عليه مع الآمر؟ فقال الأشعري مرة: نعم، ومرة: لا.
قيل: وليس في حديث معاوية ما يرد حديث عبد الله، وإنما أراد صلى الله عليه وسلم أنهم أحق بهذا الأمر، ولم يرد أنه لا يوجد في غيرهم. وظاهر الحديث خلاف هذا؛ لأنه خبر لقوله:"لا يزال .. " إلى آخره، و"إن هذا الأمر في قريش .. " إلا آخره. يريد: لا يسمى غيرهم بالخليفة إلا من غلب وقهر، وإخباره صدق.
فصل في قريش واشتقاقهم:
قال الزبير عن عمه: أما بنو يخلُد بن النضر فهم في بني عمرو بن الحارث بن مالك بن كنانة، ومنهم قريش بن بدر بن يخلُد بن النضر، وكان دليل بني كنانة في تجارتهم، فكان يقال قدمت عير قريش، فسميت قريش به، وأبوه بدر صاحب بدر الموضع.
وعن غيره: قريش بن الحارث بن يخلد وابنه بدر الذي احتفر عين بدر، قال: وقد قالوا: اسم فهر بن مالك: قريش، (وما)
(1)
لم يلد فهو فليس من قريش، وقال عمي: فهو هو قريش اسمه، وفهر لقبه، وكذلك حدثني المؤملي، عن عثمان بن أبي سليمان في اسم فهر بن مالك أنه قريش، وعن ابن شهاب اسم فهو الذي أسمته أمه قريش، وإنما نبذته بهذا كما يسمى الصبي غرارة وشملة، وأشباه ذلك
قال: وقد أجمع النساب من قريش أن ولد فهر بن مالك قريش، وأن من جاوز فهرًا بنسبه فليس بقرشي قال: وقد ذكر هشام الكلبي أن النضر بن كنانة هو: قريش، وقال في موضع آخر: ولد مالك بن
(1)
كذا في الأصل، وفي "نسب قريش" للزبيري، عم الزبير ص 12: من.
النضر فهرًا وهو جماع قريش.
قلت: وهذا هو المذكور في "جمهرته" و"جامعه" قال ابن عبد البر: وهو أصح الأقاويل في النسبة لا في المعنى الذي من أجله سميت قريش قريشًا، والدليل على صحته أنه لا يعلم اليوم قرشي في شيء من كتب أهل النسب ينتسب إلى أب فوق فهر، دون لقاء فهر، فلذلك قال أهل هذا الشأن مصعب والزبير وغيرهما أن فهرًا جماع قريش. وذكر أبو عبد الله العدوي أن جماع قريش كلها فهر والحارث ابنا مالك بن النضر. وعن الشعبي: النضر بن كنانة هو قريش، وهو قول ابن إسحاق وغيره كأنهم تمسكوا بحديث الأشعث بن قيس لما قال للنبي: ألستم منا؟ قال: "لا، نحن بنو النضر بن كنانة لا ننتفي من أبينا"
(1)
ذكره الواقدي.
وعن أبي عبيدة قال: منتهى من وقع عليه اسم قريش النضر فولده قريش دون سائر بني كنانة، فأما من كان من ولد كنانة فلا يقال لهم قريش. وفي تسميتها بذلك أقوال:
أحدها: لأنه كان يقرش عن خلة الناس وحاجتهم فيسدها بماله. والتقريش: التفتيش وكان بنوه يقرشون أهل الموسم عن الحاجة فيرفدونهم بما يبلغهم، فسموا بذلك من فعلهم، وقرشهم قريشًا!
ثانيها: لتجمعهم قال أبو عبيدة: سمي بنو النضر قريشًا لتجمعهم؛ لأن التقرش هو التجمع.
(1)
رواه ابن ماجه (2612)، وأحمد 5/ 211، والطبراني 1/ 235 - 236 (645) من حديث الأشعث بن قيس.
ثالثها: للتجارة يتقارشون يتجرون، وفيه نظر؛ لأن قريشًا لم يجتمعوا حتى جمعهم قصي بن كلاب ولم يجمع إلا ولد فهر. ولما سأل عبد الملك بن مروان محمد بن جبير بن مطعم عن ذلك فأجابه بتجمعهم إلى الحرم بعد تفرقهم، فذلك الجمع التقرش فقال عبد الملك: ما سمعت بهذا، ولكني سمعت قصيًّا كان يقال له: القرشي، ولم يسم أحد قرشيًّا قبله
(1)
. وقيل: جاء النضر يومًا إلى قومه في ثوب له فقالوا قد تقرش في ثوبه، وقيل: بل جاء إلى قومه فقالوا لما رأوه: كأنه جمل قريش. والقرش: الشديد.
وقال صاحب "النجم الثاقب" في فضائلهم عن ابن أبي الجهم: كان النضر يسمى القرشي. وقال أبو اليقظان: سموا بذلك لأنهم كانوا يتقرشون في البياعات، وقال الواقدي: لما جمع قصي قومه قيل له القرشي فهو أول من سمي بذلك
(2)
. وقال محمد بن سلام: لما جمع قصي قبائل النضر وحارب بهم خزاعة وغلب على الحرم سموا قريشًا؛ لاجتماعهم. قال الفضل بن عباس:
نَحن كنِّا خُضَّارَهَا من قريشٍ
…
وبنا سميت قريش قريشًا
وفيه قول آخر، قال ابن الأنباري: التقريش هو التحريش، ورده الزجاجي في "مختصر الزاهر" وقال: إنه ليس بمعروف؛ لأن المعروف في اللغة أن الترقش بتقديم الراء على القاف هو التحريش لا التقريش، قلت: وفي "المحكم" أقرش به، وقرش وشى وحرش
(3)
.
(1)
رواها ابن سعد في "طبقاته" 1/ 71.
(2)
انظر: "الطبقات الكبرى" 1/ 69.
(3)
"المحكم" 6/ 98.
وفيه قول آخر قال أبو عمر المطرز: قريش مأخوذ من القرش وهو رفع الأسنة على بعض؛ لأنهم أحذق الناس بالطعان.
وفيه قول آخر: قال ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي شيبة: سموا بدابة في البحر تسمى قريشًا هى ملكة الدواب وسيدتها وأشدها، إذا وقفت وقفت، وإذا مشت مشت، فكذلك قريش سادات الناس، وأنشد:
وقُرَيشٌ هي التِي تسكُن البحـ
…
ـر به سمِّيَتْ قُرَيشٌ قريشًا
وفيه قول آخر: قال القزاز في "جامعه": إنه من تقرش الرجل إذا تنزه عن رذائل الأمور. وقول آخر قال ابن سيده: القرشية: حنطة صلبة في الطحن خشنة الدقيق
(1)
، فيحتمل أن تكون قريش منها لصلابتها وخشونتها وشدتها، أو من تقرش الشيء إذا أخذه أولاً فأولاً، وكذلك قريش يأخذون من ناوأهم بحسن تدبير ورفق، أو من أقرش الرجل إذا أخبره بعيوبه فكأنهم ينكرون المنكر ويعرفون المعروف.
قال سيبويه: ومما غلب على الحي قريش، وإن جعلت قريشًا اسم قبيلة فعربي
(2)
.
وقال الشاعر:
وَجَاءَتَ مِن أَبَاطِحِهَا قُرَيشٌ
…
كَسَيْلِ أَتِيِّ بِيشَةَ حيِنَ سَالَا
قال ابن سيده: عندي أنه أراد قريش غير مصروف؛ لأنه عنى القبيلة، ألا تراه قال: جاءت، فأنث، ويجوز أن يكون أراد وجاءت من أباطحها جماعة قريش، فأسند الفعل إلى الجماعة، فقريش على هذا مذكر اسم للحي، والنسب إليه قريشي على القياس وقرشي نادر
(3)
.
(1)
"المحكم" 6/ 99.
(2)
انظر: "الكتاب" 3/ 250.
(3)
"المحكم" 6/ 99.
فائدة:
كانت لقريش في الجاهلية مكارم منها: السقاية والعمارة والرفادة والعقاب والحجابة والندوة واللواء والمشورة والأشناق والقبة والأعنة والسفارة والإيسار والحكومة والأموال المحجرة، وكانوا ينتمون إلى الله وجيرانه وفيه يقول عبد المطلب بن هاشم.
نَحنُ إلَى الله في ذِمَّتِهِ
…
لَم نَزَلْ فِيهَا عَلَى عَهدِ إبْرَهَمْ
لم تَزَلْ لله فِينَا حُرمَةٌ
…
يَدفَعُ الله بهَا عنَّا النَّقَمْ
فائدة:
روى التاريخي بإسناده من حديث عبيدة، عن علي أنه قال: من كان سئل عن نسبنا فإنا نبي من أهل كوثَّى ربى، ومن حديث مجاهد عن ابن عباس أنه قال لقوم من تميم: أنتم نبط من أهل كوثى، إن أبا إبراهيم كان منها.
ومن حديث أبي العريان، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنا معاشر قريش حي من النبط من كوثى، وكوثى هذِه مكة. وقال الكلبي: كوثى جد إبراهيم أبو أمه نوبا بن كرنبا بن كوثى من بني أرفخشد وهو أول من جندب بهم كوثى. وعن قتادة قال: هاجر إبراهيم ولوط من كوثى إلى الشام، ومن كوثى إلى برتقبا ستة أميال، ومنها إلى القصر تسعة. يريد قصر ابن هبيرة.
فصل:
لما خرج البخاري الحديث الأول وهو حديث معاوية في الأحكام عن أبي اليمان، قال: تابعه نعيم عن ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري. ومتابعة نعيم هذِه رواها نعيم بن حماد في كتاب "الفتن"،
وفيه أيضًا من حديثه عن أبي اليمان، عن جراح، عن أرطأة قال: بعد المهدي رجل من قحطان مثقوب الأذنين على سيرة المهدي، حياته عشرون سنة، ثم يموت قتيلًا بالسلاح، ثم يخرج رجل من أهل بيت أحمد حسن السيرة يفتح مدينة قيصر، وهو آخر أمير من أمة أحمد، ويخرج في زمانه الدجال، وينزل في زمانه عيسى
(1)
. وفي لفظ: أمير العصب يمان
(2)
.
وفي لفظ: على يدي ذلك الخليفة اليماني الذي تفتح القسطنطينية ورومية (على يديه)
(3)
ويخرج الدجال في زمانه، وعلى يديه يكون غزو الهند
(4)
.
وروى رشدين والوليد، عن ابن لهيعة، نا عبد الرحمن بن قيس بن جناب الصدفي، عن أبيه، عن جده مرفوعًا:"يكون بعد المهدي القحطاني والذي بعثني بالحق ما هو دونه"
(5)
. وعن ابن عباس، وذكر الخلفاء ثم قال: ورجل من قحطان لا يرى مثلهم كلهم (صالح)
(6)
.
وعن عبد الله بن عمرو مثله قال: ورجل من قحطان، منهم من لا يكون إلا يومين
(7)
.
وعن كعب أن اليمن تجتمع لمبايعة رجل (منها)
(8)
لقتال قرشي ظالم
(1)
"الفتن" 1/ 402، 1/ 408 (1234).
(2)
"الفتن" 1/ 401 (1528).
(3)
من (ص 1).
(4)
"الفتن" 1/ 410 (1238).
(5)
"الفتن" 1/ 405 (1221).
(6)
من (ص 1)، والأثر في "الفتن" 455/ 1 (1204) عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(7)
"الفتن" 1/ 400 (1205).
(8)
من (ص 1).
ببيت المقدس فبينا هم يقولون: نبايع فلانًا (ثم فلانًا)
(1)
إذ سمعوا صوتًا ما قاله إنس ولا جان: بايعوا فلانا -باسمه لهم- فإذا هو رجل قد رضوا به وقنعت به الأنفس ليس من ذي ولا ذو، وفي ولايته تقتل قضاعة بحمص وحمير
(2)
.
فصل:
أسلفنا أن قحطان أبو اليمن وهو يقطان بن عابر، ويقال: عيبر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، وهو أبو اليمن كلها وجِذْم نسبها وموئل حسبها ووالد العرب المتعربة إذ العرب ثلاث فرق: عاربة، ومتعربة، ومستعربة، فالأولى تسع قبائل من ولد إرم بن سام: عاد، وثمود، وأميم، وعسل، وطسم، وجديس، وعمليق، وجرهم، ووبار، والثانية بنو قحطان، والثالثة بنو إسماعيل. وزعمت العرب أن قحطان ولد يعرب، وإنما سميت العرب به، وأنه أول من تكلم بالعربية، ونزل أرض اليمن.
وزعم السهيلي أن اسم قحطان مُهَرِّم
(3)
بن عابر، وقيل: هو ابن عبد الله أخو هود، وقيل: هو هود نفسه، فهو على هذا ابن إرم ابن سام. وكانوا أربعة إخوة: قحطان وقاحط ومقحط وفالغ قال: وقحطان أول من قيل له: أبيت اللعن، وأول من قيل له: عم صباحًا
(4)
.
(1)
من (ص 1).
(2)
"الفتن" 1/ 403 - 404 (1218).
(3)
ورد في هامش الأصل: كذا ضبطه ابن ماكولا في "إكماله"["الإكمال" 7/ 305].
(4)
"الروض الأنف" 1/ 19.
وقال ابن دحية: من قال إن قحطان من ولد هود فهو باطل، لقوله تعالى:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 50]، يعني: أخاهم في النسب، ثم قال:{فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)} [الحاقة: 8] وهود من عاد، ولا ترى باقية لعاد، وإنما ادعت اليمن هودًا أبًا حين وقعت العصبية وفخرت مضر بأبيها إسماعيل، فادعت اليمن عند ذلك هودًا أبًا ليكون لهم أب في الأنبياء.
وذكر عبد الدائم القيرواني في كتابه "حُلى العُلى" أن قحطان هو الهميسع بن تيمن بن نبت بن إسماعيل قال: كذا نسبه الكلبي، وسائر اليمن يأبون ذلك وينسبونه إلى عابر.
قلت: الذي في "الجمهرة" و"الجامع" قحطان بن عابر فقط
(1)
.
وفي "التيجان" لابن هشام كان قحطان خليفة أبيه هود ووصيه، وتوفي بمأرب، وأوصى إلى ابنه يعرب.
وفي "جامع" القزاز قال بعض النساب: قحطان بن أرفخشد بن سام بعد ذكر نسبه المذكور أولاً، فقد يقال: تعلقوا بظاهر حديث البخاري الآتي بعد، والسابق في الجهاد:"ارموا بني إسماعيل"
(2)
فإنهم من الأزد ثم من قحطان، ولاشك أن العرب قد اختلطت بالصُّهُورية فالقحطانية أبناء لإسماعيل بالأمهات، والنزارية أبناء لقحطان بهن، كما نسب الله عيسى إلى آباء أمه فقال:{وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ} إلى أن قال: {وَعِيسَى} [الأنعام: 84، 85] وكذلك العلويون لا يقال لأحدهم إلا يا ابن رسول الله، وقد قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا
(1)
انظر: "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم ص 7 - 8.
(2)
سلف برقم (2899) باب: التحريض على الرمي، وسيأتي قريبًا برقم (3507).
أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] على أن ابن عدي روى حديثًا ضعيفًا مرفوعًا: "العرب كلها من ولد إسماعيل إلا (
…
)
(1)
".
وفي "لطائف المعارف" لأبي يوسف: ما على الأرض عربي إلا وهو من ولد إسماعيل إلا الأوزاع وحضرموت وثقيف. وذكر أبو علي بن مسكويه في "تجارب الأمم" عن يونس النحوي: ما ارتكض قحطان في رحم قط ولا جرى له ذكر على لسان أحد إلا بعد أن قصدوا لذلك، وهو غريب.
واشتقاقه من قولهم: شيء قحيط أي: شديد، وقيل: أصله الذي تعرفه العامة الشدة، كأن الأرض اشتدت عليهم فلم تنبت، وكأن السماء اشتدت عليهم فلم تمطر.
قال صاحب "المحكم": والنسبة إليه قحطاني على القياس.
(وقال غيره)
(2)
: القياس أقحاطي وكلاهما عربي فصيح
(3)
.
الحديث الثالث:
حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَأَشْجَعُ وَغِفَارُ مَوَالِيَّ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى، دُونَ اللهِ وَرَسُولِهِ» .
هذا الحديث ذكره أيضًا موقوفًا
(4)
قريبا في باب ذكر أسلم بعد أن
(1)
بياض في الأصل، ورواه ابن عدي في "الكامل" 5/ 347 من طريق ابن لهيعة، عن أبي غسان، عن عقبة بن عامر مرفوعًا بلفظ:"إلا جرهم".
(2)
في "المحكم": وعلى غير.
(3)
"المحكم" 2/ 395.
(4)
ورد في هامش الأصل: صورته صورة موقوف وإنما هو مرفوع، وقد نص الخطيب وغيره على أن ما رواه أبو هريرة، وعنه محمد بن سيرين، وعن محمد أهل البصرة، فقال: قال. فإنه يكون مرفوعًا. وإن لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكره مرفوعًا بلفظ: "أسلم وغفار وشيء من مزينة وجهينة -أو قال: شيء من جهينة أو مزينة- خير عند الله -أو قال: يوم القيامة- من أسد وتميم وهوازن وغطفان"
(1)
. وهو مرفوع عند مسلم وفي لفظ أيضًا عنده: "أسلم وغفار ومزينة ومن كان في جهينة -أو جهينة- خير من بني تميم وبني عامر والحليفين أسد وغطفان"
(2)
.
وللترمذي مصححًا: "والذي نفسي بيده لغفار وأسلم ومزينة ومن كان من جهينة، أو قال: جهينة ومن كان من مزينة -خير عند الله يوم القيامة من أسد وطيء وغطفان"
(3)
، وفي لفظ:"وخير من بني عامر بن صعصعة"
(4)
.
فصل:
قريش قد عرفتها، والأنصار يريد بهم الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن، وهو جماع غسان بن الأزد، واسمه دِراء بالمد والقصر وكسر الدال وقد يفتح، ودرء على وزن درع.
قال ابن سيده في "عويصه": هو مصروف من قولهم أزدي إليَّ دراء يدا، وكان معطاء فكان الرجل يلقى الرجل فيقول: أزدي إليَّ دراء يدا. فكثر استعمالهم إياه حتى جعلوه اسمًا، والأصل أسدي بالسين فقلبوها زايا لتطابق الدال في الجهر. وقال الوزير في "أدب الخواص": يقول النسابون: إنما سمي الأسد أسدًا لكثرة إسدائه المعروف، وهذا اشتقاق لا يصح عند أهل النظر.
(1)
سيأتي برقم (3523).
(2)
مسلم (2521) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: من فضائل غفار وأسلم ..
(3)
الترمذي (3950).
(4)
الترمذي (3952).
والصحيح في اشتقاقه ما أخبرني به أبو أسامة عن رجاله قالوا: العسد والأزد والأسد هذِه الثلاث معناها القتل، قال: والأزد يكون أيضًا بمعنى العزد وهو النكاح.
وروينا في "الحلية" من حديث عبد السلام بن شعيب، عن أبيه، عن أنس مرفوعًا:"الأزد أسد الله في الأرض، يريد الناس أن يضعوهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم، وليأتين على الناس زمان يقول الرجل: يا ليتني كان أبي أزديًّا، يا ليتني كانت أمي أزدية" هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال الترمذي: ووقفه أصح
(1)
.
وقد يجيء في بعض الأنساب فلان الأزدي من أزد شنوءة، فلان الأزدي من أزد الحجرة، وفلان الأزدي من الأزد بن عمران بن عمرو، فيظن من لم يتبحر في علم النسب أن هؤلاء غير الأول لاختلاف العرف في كل اسم من هذِه الأسماء الثلاثة وليس كذلك.
وقد وهم فيه غير واحد من أئمة الحديث منهم السمعاني
(2)
، والصواب أن الكل يرجع إلى المسمى بدراء بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وبعضهم يقول: مالك بن أدد بن زيد.
وفي الرشاطي عن يعقوب وأبي عبيد: بالسين أفصح من الزاي. وذكر ابن أبي خيثمة عن وهب بن جرير أنه قل ما ذكر الأزد إلا قال: الأسد بالسين، وكان فصيحًا. وقال يحيى بن معين: هما سواء وهي
(1)
لم أقف عليه في "الحلية"، ولم يعزه صاحب "كنز العمال" إلا إلى الترمذي. اهـ والحديث في الترمذي (3937). وضعفه الألباني في "الضعيفة"(2467)
(2)
انظر "الأنساب" 1/ 197 - 198.
جرثومة من جراثيم قحطان وبابهم واسع، وفيهم قبائل وعمائر وبطون وأفخاذ كخزاعة وغسان وبارق والعتيك وغامد وشبهها. وأما الأزد بفتح العين ويقال: بفتح الألف وكسر الزاي فبطن في همدان ليسوا من هؤلاء، قال الوزير: منهم أبو روق صاحب التفسير.
وعند الترمذي من حديث عامر بن أبي عامر الأشعري عن أبيه مرفوعًا: "نعم الحي الأسد والأشعريون لا يفرون في القتال ولا يغلون، هم مني وأنا منهم" قال: فحدثت بذلك معاوية فقال: ليس كذا قال رسول الله، إنما قال:"هم مني وإلي" فقلت: ليس هكذا حدثني أبي، ولكنه حدثني قال: سمعت رسول الله: "هم مني وأنا منهم" قال: فأنت أعلم بحديث أبيك، ثم قال: حديث غريب
(1)
.
فصل:
وجهينة ذكر ابن دريد أن الجهن: الغلظ في الوجه والجسم، وبه سمي جهينة
(2)
.
وقال أبو جعفر: قرأت على العباس بن المحتاج في كتاب علي بن قطرب: أما جهينة فإنا سمعنا جارية جهناة شابة. من ذلك كأنه تصغير جهانة مرخمًا.
وقال الأزهري في "تهذيبه" عن أحمد بن يحيى: جهينة تصغير جهنة، وهي مثل جهمة من الليل، أبدلت الميم نونًا، وهي القطعة من سواد نصف الليل
(3)
.
(1)
الترمذي (3947).
(2)
"جمهرة اللغة" 1/ 498.
(3)
"تهذيب اللغة" 1/ 681.
وفي "نوادر" أبي على الهجري: جهن الشيء يجهن جهونًا: إذا قرب من موت وغير ذلك، والجمع أجهان، والجهن الرزية في البحر غير متصلة بالبر مقدار غلوة، وإذا اتصلت الرزية إلى البر فهي شعب بفتح الشين مثل القبيلة، وهو: ابن زيد بن ليث بن سود -بضم السين المهملة وسكون الواو ثم دال مهملة- بن أسلم بضم اللام.
قال ابن حبيب: هذا، وأسلم بن القياتة بن غافوت الشاهد بن عك، وأسلم بن تدول بن تيم اللات بن رفيدة، هذِه الثلاثة مضمومة اللام، وكل ما عداها فهو أسلم بفتح اللام. وأخطأ أبو علي القالي حيث قال: كل ما في العرب أسلم فهو بالفتح إلا أسلم بن الحاف بن قضاعة
(1)
.
قلت: وبالضم أيضًا عبد الله بن سلمة بن أسلم بن عمر، قلت: وأسلم بن الحاف ويقال: الحافي بن قضاعة، واسمه عمرو بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ، وقيل: قضاعة بن مالك بن عمرو بن زيد، وقيل: ابن مالك بن مرة بن عمرو بن زيد بن مرة بن مالك. وقيل: عمرو بن مالك بن ربيعة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ.
وأما قول أبي عبيد البكري في كتابه "فصل المقال في شرح الأمثال": أهل العلم بالنسب مجمعون على أن معد بن عدنان ولد من المعصيين قضاعة وقنصًا ونزارًا وإيادًا.
وقال في كتابه "معجم ما استعجم": قضاعة اسمه عمرو بن معد بن عدنان
(2)
. فغير جيد، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"قضاعة هو ابن مالك بن حمير"
(3)
وقاله علماء النسب كذلك.
(1)
"الأمالي" 2/ 190.
(2)
"معجم ما استعجم" 1/ 17.
(3)
رواه الطبراني 7/ 116 (6554) من حديث سبرة بن معبد الجهني. وقال الهيثمي =
فصل:
ومزينة ينتسب إليها خلق من الصحابة، وأتباعهم وهي بنت كلب بن وبرة
(1)
بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة. وقيل: هي ابنة الحارث بن طابخة. وعلى الأول النسابون وهي أم عثمان وأوس بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وأولادهما ينسبون إلى مزينة، وهي تصغير مزنة، وهي السحابة البيضاء كما قاله ابن دريد، والجمع مزن.
وذكر أبو حاتم عن أبي زيد أن العرب تقول: فلان يتمزن على قومه أي يتفضل عليهم
(2)
.
وفي "المحكم" مزنه مزنًا: مدحه، وابن مزنة: الهلال
(3)
.
فصل:
وأسلم في خزاعة وهو ابن أفصى -وهو خزاعة- بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد.
وفي مذحج أسلم بن أواس الله بن سعد العشيرة بن مذحج، وفي بجيلة أسلم بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث، فالله أعلم من أراد رسوله بقوله.
ولابن أبي شيبة عن خفاف قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة الأخيرة قال: "أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها" ثم
= في "المجمع" 1/ 195: رجاله رجال الصحيح إلا محمد بن أبي عبيد الدراوردي والد عبد العزيز، فإني لم أر من ترجمه.
(1)
انظر: "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم ص 201.
(2)
"الاشتقاق" ص 180.
(3)
"المحكم" 9/ 57.
أقبل فقال: "إني لست أنا أقول هذا، ولكن الله قاله"
(1)
.
فصل:
وأشجع هو: ريث بن غطفان بن سعد بن قيس غيلان بن مضر، وهو من الشجع وهو الطول، يقال: رجل أشجع وامرأة شجعاء، والأشجع: العقد الثاني من الأصابع والجمع أشاجع، والأشجع من الرجال الذي كأن به جنونًا من جرأته. ومن قال: الأشجع الممسوس فقد أخطأ، واللبؤة الشجعاء هي الجريئة والجسور، ذكره ثابت في "دلائله".
فصل:
وغفار من غفر إذا ستر، كما قال ابن دريد
(2)
، وهو ابن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وأما الحكم بن عمرو الغفاري الصحابي فهو من ولد نعيلة بن مليل أخي غفار ينسب إلى أخي جده، وكثيرًا ما تصنع العرب ذلك إذا كان أشهر من جده. وفي كتاب الكلبي وولد العتر بن معاذ بن عمرو بن الحارث بن معاوية بن بكر بن هوازن الغفار أهل بيت بمصر، وغفار غير مصروف؛ لاجتماع التعريف والتأنيث.
فصل:
هذِه القبائل كانوا في الجاهلية خاملين لم يكونوا كبني تميم وعامر وأسد وغطفان، ألا ترى قول الأقرع بن حابس الآتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما بايعك سراق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة. فلما سبقت هذِه القبائل أولئك بالإسلام وحسن بلاؤهم فيه شرفوا بذلك وفضلهم الله
(1)
"المصنف" 6/ 415 (32473).
(2)
"جمهرة اللغة" 2/ 779.
على غيرهم من سادات العرب ممن تأخر إسلامه كما شرف بلالًا وعمارًا وشبههما على صناديد قريش، وكأن هذا التفضيل كان جوابًا لمن احتقر هذِه القبائل مطلقًا.
فصل:
وقوله ("موالي") نقل ابن التين عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: (موالي) بتخفيف الياء وروي بتشديدها كأنه أضافهم إليه، وتحقيق القول فيهم إما أن يكتب موال بغير ياء، أو يضيفهم إلى نفسه فشدد الياء، وأما ياء مخففة، فلعله على نية الوقف، قال الداودي: أراد من أسر منهم لم يجر عليه رق، ولا ولاء.
وقيل: قال لهم موالي؛ لأنهم ممن بادر الإسلام ولم يسبوا فيرقوا كغيرهم من قبائل العرب، وقال يونس: هم أولياء الله مثل: {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] قال: والموالي العصبة ومنه قول زكريا: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] والمولى الناصر وغير ذلك.
فصل:
البخاري روى هذا الحديث فقال: أبو نعيم، ثنا سفيان، عن سعد، قال أبو عبد الله: وقاله يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن أبيه حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال أبو مسعود: كذا أخرجه البخاري وحمل حديث يعقوب، عن أبيه، عن صالح بن كيسان على متن حديث الثوري عن سعد، ورواية يعقوب تخالف رواية سفيان بن سعيد في المتن والإسناد؛ لأن الثوري يرويه عن سعد، عن الأعرج؛ كما ذكره البخاري عنه في باب (ذكر)
(1)
(1)
من (ص 1).
أسلم مفصولًا. ويعقوب إنما يرويه عن أبيه، عن صالح، عن الأعرج باللفظ الذي ذكره من طريقه، ولا يرويه عن أبيه إبراهيم، عن أبيه سعد، عن الأعرج كما ذكره البخاري عقب حديث الثوري. قلت: لكن جد يعقوب معروف (بالرواية)
(1)
عن [صالح]
(2)
والأعرج، فيجوز أن يكون رواه عن هذا تارة كما ذكره البخاري، وعن هذا أخرى كما رواه مسلم
(3)
.
الحديث الرابع:
حديث جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: قَالَ مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إلى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطَيْتَ بَنِي المُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ عليه السلام:«إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو المُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» . وسلف في الخمس واضحًا
(4)
.
قال البخاري: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: ذَهَبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ إلى عَائِشَةَ، وَكَانَتْ أَرَقَّ شَيْءٍ عليهم لِقَرَابَتِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وذكره إثره أطول منه متصلاً، حدثنا عبد الله بن يوسف، نا الليث، فذكره وفيه: أن عبد الله بن الزبير قال: ينبغي أن يؤخذ على يدي عائشة، وأنها قالت: علي نذر إن كلمته. ورواه أبو نعيم، عن أبي أحمد، عن قتيبة بن سعيد ثنا الليث
(1)
من (ص 1).
(2)
في الأصل: (أبي صالح)، والصواب ما أثبتناه.
(3)
إنما رواه مسلم (2521/ 191) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: من فضائل غفار، من طريق يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح، عن الأعرج، به. وليس فيه ذكر جد يعقوب. وانظر:"فتح الباري" 6/ 535.
(4)
برقم (3140) باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام.
فذكره. ورواه البخاري في الأدب أيضًا عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، حدثني عوف بن مالك بن الطفيل -وهو ابن أخي عائشة لأمها- عن عائشة أنها حدثت أن ابن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، فلما بلغها قالت: علي نذر إن كلمته .. الحديث
(1)
.
فصل:
بنو زهرة تقرب من النبي صلى الله عليه وسلم من جهتين، هم أخواله وهم (من)
(2)
قريش، والزهريون هم بنو زهرة، واسمه المغيرة بن كلاب بن مرة، فيما ذكره الكلبي. وقال: كان يقال: صريحًا قريش ابنا كلاب. ووقع في "الصحاح" و"معارف ابن قتيبة" أن زهرة امرأة ينسب إليها ولدها دون الأب
(3)
، وهو غريب.
وقال ابن دريد: وزهرة فعلة من الزهر وهو الأرض وما أشبهه، ويكون من الشيء الزاهر وهو المضيء، من قولهم: أزهر النهار إذا أضاء
(4)
.
فصل:
قال الداودي: وإنما ذكر ها هنا قول عثمان وجبير لذكر قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أن هاشمًا والمطلب وعبد شمس جد عثمان كانوا إخوة أبوهم عبد مناف.
وقوله: ("شيء واحد") كذا في الرواية: وذكره ابن التين بحذف
(1)
سيأتي برقم (6073)، باب: الكبر.
(2)
من هامش الأصل وأعلاها: لعله سقط.
(3)
"الصحاح" 2/ 674، "المعارف" ص 70.
(4)
"الاشتقاق" ص 33.
الواو، وقال: كذا في أكثر الروايات قال: وقيل ما يستعمل (أحد) إلا في النفي تقول: ما جاءني أحد، وتقول في الإثبات: قد جاءني واحد.
وفيه: أن الفيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعه حيث شاء.
فصل:
وقول عائشة رضي الله عنها: (وددت أني جعلت حين حلفت عملًا أعمله فأفرغ منه) تريد أن النذر المبهم يحتمل أن ينطلق على أكثر مما فعلت؛ لأنها نذرت إن كلمت ابن الزبير فاقتحم عليها الحجاب وأرسل إليها بعشر رقاب فأعتقتهم ثم لم تزل تعتقهم حتى بلغت أربعين ثم قالت: (وددت .. ) إلى آخره، فلو كان شيئًا معلومًا كانت متيقنة بأنها أدته وبرئت ذمتها.
ومشهور مذهب مالك أن النذر المجهول ينعقد وتلزمه به كفارة يمين
(1)
. وقال الشافعي مرة: يلزمه أقل ما يقع عليه الاسم، وقال مرة: لا ينعقد
(2)
. وقد صح في مسلم: "كفارة النذر كفارة اليمين"
(3)
وروي: "من نذر نذرًا ولم يسمه فعليه كفارة يمين"
(4)
ولعله لم يبلغها.
فصل:
كيف استجازت عائشة رضي الله عنها هذا مع منع الشارع الهجران فوق ثلاث؟ ولعلها تأولت إن بلغها.
(1)
انظر: "المدونة" 2/ 31.
(2)
"الأم" 2/ 227.
(3)
مسلم (1645) كتاب: النذر، باب: كفارة النذر، من حديث عقبة بن عامر.
(4)
رواه أبو داود (3322)، وابن ماجه (2128)، والدارقطني في "السنن" 4/ 159. كلهم من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج، عن كريب، عن ابن عباس مرفوعًا. وقال أبو داود: روى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، أوقفوه على ابن عباس.
3 - باب نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ
3506 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ العَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي المَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ. [4984، 4987 - فتح: 6/ 537]
ذكر فيه حديث أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ العَاصِي، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي المَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُم وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نزَلَ بِلِسَانِهِمْ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ.
هذا الحديث يأتي في فضائل القرآن في موضعين كما ستعلمه.
قال الداودي: يعني ما اختلفوا فيه من الهجاء ليس الإعراب. وخالف أبو الحسن فقال: أراد الإعراب. ولا يبعد إرادتهما، ألا ترى أن لغة أهل الحجاز:(ما هذا بشرًا) ولغة تميم (بشر).
وكان حفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد وأبو دجانة الأنصاري وأبي بن كعب ومعاذ. قال الداودي: فأرسل عثمان إلى النفر المسمين، وأخذ من حفصة المصحف على أن يعيده إليها، وأمرهم أن يكتبوه على ما ذكر. والذي في البخاري أن الرهط الثلاثة قرشيون، بخلاف ما سلف عن الداودي.
وقوله: (فاكتبوه بلسان قريش) لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] وقيل: إن زيدًا وهؤلاء النفر الثلاثة
سعيد بن العاصي وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن اختلفوا يومئذ في التابوت فقال زيد: التابوه. وقال سعيد وعبد الله: التابوت، فترافعوا إلى عثمان فقال: اكتبوه بلسان قريش
(1)
.
وهذا كما ذكر الداودي أنه أراد الاختلاف في الهجاء، ولا يبعد أن يريدهما جميعًا كما سلف. قال الداودي: وكان لقريش موال من جلة العلماء، منهم سليمان بن يسار مولى ميمونة، قال الحسن بن محمد بن الحنفية: سليمان عندنا أفهم من ابن المسيب. ومنهم أسلم وابناه، ونافع، وعبد الله بن دينار، بنو المنكدر، وربيعة، وأبو الزناد، وآل الماجشون في فريق من العلماء، وأما الإمارة فهي في قريش خاصة دون مواليها.
(1)
رواه الترمذي (3104)، وأبو يعلى 1/ 63 - 64 (63)، وابن حبان 10/ 362 (4506) كلهم من طريق إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب الزهري من قوله. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث الزهري، لا نعرفه إلا من حديثه.
4 - باب نِسْبَةِ اليَمَنِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ
مِنْهُمْ أَسْلَمُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ خُزَاعَةَ.
3507 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ، يَتَنَاضَلُونَ بِالسُّوقِ، فَقَالَ:«ارْمُوا بَنِى إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ» . لأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، فَأَمْسَكُوا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ:«مَا لَهُمْ؟» . قَالُوا وَكَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَ بَنِي فُلَانٍ؟ قَالَ: «ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ» . [انظر: 2899 - فتح: 6/ 537]
ثم ذكر حديث سلمة خَرَجَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ، يَتَنَاضَلُونَ بِالسُّوقِ، فَقَالَ:"ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا .. "
وقد سلف قريبًا مع الكلام عليه
(1)
. قيل: كان عمرو بن عامر بأرض مأرب وكان لهم سد يصعد به الماء من واديهم فيسقي جنتهم، وكانت المرأة منهم تخرج بمكتلها على رأسها ومغزلها في يدها فترجع وهو ملآن تمرًا من غير اجتناء، فبطروا النعمة فقالوا:{رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: 19]، قال الله تعالى:{وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} فبعث الله على سدهم الجرذ فجعل يحفر فيه وكان جرذًا أعمى.
فلما رأى ذلك عمرو قال لبنيه: إذا جلس الناس إلى -وكان الناس يغشون مجلسه ويستشيرونه- فإذا أمرت أصغركم بشيء فلا يلتفت إلى قولي (ثم آمره ثلاثًا فلا يلتفت إلى قولي فأنتهره)
(2)
فإذا فعلت فليرفع
(1)
برقم (2899) كتاب: الجهاد، باب: التحريض على الرمي. وبرقم (3373) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} .
(2)
من (ص 1).
يده ويلطمني ولا ينكر منكم أحد، ففعل فنكس من حضر رءوسهم إذ لم يروا بنيه أنكروا، فقال: يصنع بي هذا أصغر ولدي بحضرتكم فلا تنكرون وحلف ليرحلن، فكان ذلك سبب ما أراد الله للأنصار من خير
(1)
.
فائدة:
معنى يتناضلون: يترامون بالسهام، يقال: فضل فلان فلانًا في المراماة إذا غلبه
(2)
.
(1)
رواه ابن إسحاق في أول "سيره" كما في "تفسير ابن كثير" 11/ 278، وعنه ابن هشام في "السيرة النبوية" 1/ 29 بدون ذكر المرأة، وباختصار في سياق كلام عمرو. لبنيه، وروى الطبري أمر المرأة في "تفسير" 10/ 360 (28785)، من كلام قتادة، دون ذكر المغزل، وروى القصة ابن أبي حاتم في "تفسير" 10/ 3116 عن السدي، وفيه أن اللاطم هو ابن أخي عمرو.
(2)
"تهذيب اللغة" 4/ 3597، "الصحاح" 5/ 1831، مادة (نضل).
5 - باب
3508 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنِ الحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» . [6045 - مسلم: 61 - فتح: 6/ 539]
3509 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا حَرِيزٌ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّصْرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِىَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ، أَوْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ» . [فتح: 6/ 540]
3510 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِى جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا مِنْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَرَامٍ، فَلَوْ أَمَرْتَنَا بِأَمْرٍ، نَأْخُذُهُ عَنْكَ، وَنُبَلِّغُهُ مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ:«آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللهِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَى اللهِ خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ» . [انظر: 53 - مسلم: 17 - فتح: 6/ 540]
3511 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهْوَ عَلَى المِنْبَرِ: «أَلَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا -يُشِيرُ إِلَى المَشْرِقِ- مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» . [انظر: 3104 - مسلم: 2905 - فتح: 6/ 540]
ذكر البخاري فيه أربعة أحاديث:
أحدها:
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنِ الحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» . ويأتي في الأدب.
وأخرجه مسلم أيضًا.
الشرح:
شيخ البخاري أبو معمر اسمه: عبد الله بن عمرو المقعد.
وأبو الأسود اسمه: ظالم بن عمرو بن سفيان بن عمرو بن حَلْبَس بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وقيل: سارق بن ظالم. وقيل عكسه، ولاه ابن عباس قضاء البصرة في خلافة علي رضي الله عنه، قال ابن سعد: خرج ابن عباس من البصرة واستخلفه عليها وأقره عليُّ
(1)
.
ومعنى الكفر هنا: كفر الحق وستره بما ارتكب من الباطل. وقال الداودي: يقارب الكفر من عظم جرمه والنار جزاؤه إن جوزي.
وفي حديث آخر: "من ترك قتل الحيات خشية الثأر فقد كفر"
(2)
.
(1)
انظر ترجمته في "الطبقات الكبرى" 7/ 99، "العلل ومعرفة الرجال" 2/ 419، "الجرح والتعديل" 4/ 503، "الثقات" 5/ 278، "تهذيب الكمال" 33/ 37 (7209).
(2)
وجدناه بلفظ: "مخافة طلبهن فليس منا" رواه أبو داود (5250)، وأحمد 1/ 230، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(2037).
والكفر صنفان، بالله وهو الأصل، وبالفرع كالكفر بالقدر وشبه ذلك، ولا يخرج بهذا عن الإسلام
(1)
.
قال القتبي: كما يقال للمنافق آمن، ولا يقال مؤمن
(2)
.
و [قال الهروي]
(3)
: سمعت الأزهري، وسئل عمن يقول بخلق القرآن أنسميه كافرًا؟ فقال: الذي يقوله كفر، وأعيد عليه السؤال ثلاثًا كل ذلك يقول مثل ما قال، ثم قال آخرها: قد يقول المسلم كفرًا
(4)
.
قلت: فمن اعتقد إباحة ذلك واستحلاله فهو كافر، فإن لم يعتقده فيقاربه كما مر عن الداودي، أو كفر نعمة الله وإحسانه وحق الله، ومنه "ويكفرن العشير"
(5)
وغالبًا إنما يفعل هذا الجاهل لخبثة نسب أبيه، فيرى الانتساب إليه عارًا في حقه، ولاشك أنه محرم.
ومعنى "يتبوأ مقعده من النار": ينزل منزله
(6)
منها، أو فليتخذ منزلة منها وهو دعاء أو خبر بلفظ الأمر، ومعناه هذا جزاؤه إن جوزي كما سلف، وقد يوفق للتوبة فيسقط ذلك عنه بالآخرة. فأما في الدنيا فإن
(1)
هذا القول مختصر من كلام خطيب أهل السنة ابن قتيبة القتبي في "تأويل مختلف الحديث" ص 187 - 188. وذلك يظهر في أن الحديث باللفظ الذي نقله المصنف لم نعثر عليه إلا عنده، والله أعلم.
(2)
"تأويل مختلف الحديث" ص 188.
(3)
ساقطة من الأصل، والمثبت من مصادر التخريج.
(4)
"النهاية في غريب الحديث" 4/ 186، "لسان العرب" 7/ 3898 مادة (كفر).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 12/ 507 - 508: واشتهر عند خواص الأمة وعوامها أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وإطلاق القول أن من قال: إنه مخلوق فقد كفر.
(5)
يأتي برقم (5197) كتاب: النكاح، باب: كفران العشير.
(6)
يجوز فيها أن تكون: منزلهُ بهاء في آخرها، أي مكانه المعد له.
ويجوز أن تكون: منزلة بالتاء المربوطة، أي مكانة ودَرَكًا فيها. والله أعلم.
جماعة قالوا: إذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقبل (توبته)
(1)
، والمختار قبولها
(2)
.
الحديث الثاني:
حديث وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِىَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ، أَوْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ» .
وأخرجه البخاري في التعبير من حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا: "أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه ما لم يريا"
(3)
.
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: صوابه: روايته.
(2)
قال النووي في "شرح مسلم" 1/ 69 - 70: إن من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدًا في حديث واحد فسق، وردت رواياته كلها وبطل الاحتجاج بجميعها.
فلو تاب وحسنت توبته، فقد قال جماعة من العلماء منهم أحمد بن حنبل، وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري وصاحب الشافعي، وأبو بكر الصيرفي من فقهاء أصحابنا الشافعيين وأصحاب الوجوه منهم ومتقدميهم في الأصول والفروع: لا تؤثر توبته في ذلك ولا تقبل روايته أبدًا، بل يحتم جرحه دائمًا، وأطلق الصيرفي وقال: كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر، ومن ضعفنا نقله لم نجعله قويًّا بعد ذلك.
قال: وذلك مما افترقت فيه الرواية والشهادة.
ولم أر دليلًا لمذهب هؤلاء، ويجوز أن يوجه بأن ذلك جعل تغليظًا، وزجرًا بليغًا عن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لعظم مفسدته، فإنه يصير شرعًا مستمرًا إلى يوم القيامة بخلاف الكذب على غيره والشهادة، فإن مفسدتهما قاصرة ليست عامة.
قلت: (النووي) وهذا الذي ذكره الأئمة ضعيف مخالف للقواعد الشرعية. والمختار القطع بصحة توبته في هذا، وقبول رواياته، إذا صحت توبته بشروطها المعروفة .. وقد أجمعوا على صحة رواية من كان كافرًا فأسلم، وأكثر الصحابة بهذِه الصفة، وأجمعوا على قبول شهادته، ولا فرق بين الرواية والشهادة في هذا. والله أعلم.
(3)
يأتي برقم (7043) باب: من كذب في حلمه.
والفرى بكسر الفاء، جمع فرية وهي الكذب والبهتة والدهش، يقال: فرى فلان بكذا إذا خلقه، يفري فريًا بكسر الفاء، وفرى يفري فَرى، وفرى الشيء إذا قطعه لإصلاحه، وأفراه إذا أفسده، وهو هنا الكذب مثل:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا} [الشورى: 24] أي: اختلق
(1)
.
والمعنى: أشد الكذب إخبار الرجل أنه رأى في المنام ما لم يره، وذلك لأن المنام جزء من الوحي، فكأنه يخبر أن الله عز وجل ألقى إليه ما لم يلقه.
ففيه: تحريم دعوى ما ليس له من كل شيء سواء تعلق به حق لغيره أم لا، وأنه لا يحل لأحد أن يأخذ ما حكم له الحاكم إذا كان لا يستحقه
(2)
.
فائدة:
في إسناده حريز -وهو بالحاء المهملة ثم راء مهملة
(3)
ثم مثناة تحت ثم زاي- وهو ابن عثمان رحبي
(4)
حمصي، مات سنة ثلاث وستين ومائة، ومولده سنة ثمانين عام الحجاف، والنصري الراوي عن واثلة -بالنون- عبد الواحد بن عبد الله.
(1)
"تهذيب اللغة" 3/ 2757، "الصحاح" 6/ 2453 - 2454، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 441، "لسان العرب" 1/ 3406 مادة: فرا.
(2)
انظر بسط المسألة في "السياسة الشرعية" لابن تيمية ص 58 - 67 الباب الثاني، والفصل الرابع.
(3)
ورد في هامش الأصل: لا يُحتاج إلى تقييدها بالإهمال؛ لأن كتابتها ليست ككتابة الزاي.
(4)
ورد في هامش الأصل: الرحبية بطن حمير.
الحديث الثالث: حديث أَبِي جَمْرَةَ -بالجيم- قَالَ: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنه .. سلف في الزكاة
(1)
.
الحديث الرابع:
حديث ابن عمر رضي الله عنه "ألَا إِنَّ الفِتْنَةَ هَا هُنَا -يُشِيرُ إِلَى المَشْرِقِ- مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ". سلف أيضًا
(2)
.
(1)
برقم (53) كتاب: الإيمان، باب: أداء الخمس من الإيمان.
(2)
برقم (3104) كتاب: فرض الخمس، باب: ما جاء في بيوتا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
6 - باب ذِكْرِ أَسْلَمَ، وَغِفَارَ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَأَشْجَعَ
3512 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ مَوَالِيَّ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللهِ وَرَسُولِهِ» . [انظر: 3504 - مسلم: 2520 - فتح: 6/ 542]
3513 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَلَى المِنْبَرِ:«غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ» . [مسلم: 2518 - فتح: 6/ 542]
3514 -
حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا» . [مسلم: 2515 - فتح: 6/ 542]
3515 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ جُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِى أَسَدٍ، وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفَانَ وَمِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ؟» . فَقَالَ رَجُلٌ: خَابُوا وَخَسِرُوا. فَقَالَ: «هُمْ خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَمِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفَانَ، وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ» . [3516، 6635 - مسلم: 2522 - فتح: 6/ 542]
3516 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الْحَجِيجِ مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ -وَأَحْسِبُهُ: وَجُهَيْنَةَ
ابْنُ أَبِى يَعْقُوبَ. شَكَّ- قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ - وَأَحْسِبُهُ: وَجُهَيْنَةُ- خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَأَسَدٍ وَغَطَفَانَ، خَابُوا وَخَسِرُوا» . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُمْ لَخَيْرٌ مِنْهُمْ» . [انظر: 3515 - مسلم: 2522 - فتح: 6/ 542]
3523 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَشَيْءٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ -أَوْ قَالَ: شَيْءٌ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ مُزَيْنَةَ- خَيْرٌ عِنْدَ اللهِ -أَوْ قَالَ يَوْمَ القِيَامَةِ- مِنْ أَسَدٍ وَتَمِيمٍ وَهَوَازِنَ وَغَطَفَانَ. [مسلم: 2521 - فتح: 6/ 550]
ذكر فيه ستة أحاديث:
أحدها:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ .. " إلى آخره. سلف في مناقب قريش قريبًا.
الحديث الثاني:
حديث نافع عن عبد الله رضي الله عنه: "غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ الله وَرَسُولَهُ". وأخرجه مسلم أيضًا.
الثالث:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا بمثله ولم يذكر عصية وأخرجه مسلم أيضًا وشيخ البخاري في (الأول)
(1)
محمد بن غرير الزهري هو بضم الغين المعجمة، وهو محمد بن غرير بن الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، سكن صفة سمرقند.
وشيخه في الثاني
(2)
محمد. قيل: هو ابن سلام. وقيل: هو ابن
(1)
ورد بهامش الأصل: صوابه: الثاني.
(2)
ورد بهامش الأصل: صوابه: الثالث.
(أبي)
(1)
يحيى
(2)
.
الرابع:
حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ جُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي أَسَدٍ، وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفَانَ، وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ؟ ". فَقَالَ رَجُلٌ: خَابُوا وَخَسِرُوا.
فَقَالَ: "هُمْ خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَمِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفَانَ، وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ".
الخامس:
حديث محمد بن أبي يعقوب -وهو محمد بن عبد الله بن أبي يَعْقُوبَ الضبي البصري- قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الحَجِيجِ مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ -وَأَحْسِبُهُ: وَجُهَيْنَةَ ابن أَبِي يَعْقُوبَ. شَكَّ- قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ -وَأَحْسِبُهُ: وَجُهَيْنَةُ- خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَأَسَدٍ وَغَطَفَانَ، خَابُوا وَخَسِرُوا". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ لَخَيْرٌ مِنْهُمْ".
(1)
ورد بهامش الأصل: حذف أبي هو الصواب.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: هو محمد بن يحيى الذهلي، وأنا أبو علي الغساني فقال بعد أن ذكر أبوابًا ذكر فيها البخاري محمد بن يحيى عن عبد الوهاب، فقال: نسبه ابن السكن في بعضها ابن سلام، وقد صرح البخاري باسمه في الأضاحي وغير موضع، فقال: حدثنا ابن سلام، ثنا عبد الوهاب. قال: وذكر أبو نصر أن البخاري يروي في "التاريخ" عن محمد بن سلام، وبندار محمد بن بشار، وأبي موسى محمد بن المثنى، ومحمد بن عبد الله بن يوسف عن عبد الوهاب الثقفي انتهى.
ويأتي في النذور، ومسلم في الفضائل، والترمذي في المناقب
(1)
، وقال: حسن صحيح.
السادس:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا أسلم وغفار، وقد سلف الكلام على ذلك، وهذا الموقوف
(2)
أخرجه مسلم من حديث إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة مرفوعًا.
ودعاؤه لأسلم وغفار قيل: لأن دخولهما في الإسلام كان سلمًا من غير حرب، وكانت غفار تزن
(3)
بسرقة الحاج، فأحب صلى الله عليه وسلم أن يمحو عنهم تلك السبة وأن يعلم أن ما قد سلف مغفور لهم، وأما عصية فهم الذين قتلوا القراء ببئر معونة
(4)
، وقيل: إنما ذكر أسلم وغفار ومن ذكر معهم لسابقتهم في الإسلام، وما كان فيهم من رقة القلوب ومكارم الأخلاق، والقوم الذين فضلوا عليهم لم يكونوا كذلك؛ لأنهم كانوا أهلًا له، وقد أريد بهذا أكثر القوم، وكان أسد خزيمة حلفاء بني أمية وشهد منهم بدرًا
(1)
برقم (3952).
(2)
ورد في هامش الأصل: قوله: (الموقوف) فيه نظر وقد قدمت على الهامش فيها أنه ليس بموقوف، وأنه مرفوع، وممن نص عليه الخطيب البغدادي فيما إذا قال بعض أهل البصرة عن محمد -وهو ابن سيرين- عن أبي هريرة قال: قال: ولم يذكره عليه السلام أنه يكون مرفوعًا. والله أعلم.
(3)
أي: تُتَّهم، ومنه قول حضرمي بن عامر:
إن كنت أزننتني بها كذبًا
…
جَزْءٌ فلاقيتَ مثلها عجَلًا
وقول حسان رضي الله عنه:
حصان رزان ما تزن بريبة
انظر: "لسان العرب" 3/ 1875 مادة (زنن).
(4)
تقدمت القصة برقم (3045) كتاب: الجهاد، باب: هل يستأسر، وتأتي برقم (4086) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: غزوة الرجيع.
سبعة عشر رجلاً وقتل عبد الله بن جحش يوم أحد وهو ابن أميمة عمة رسول الله، وأخته زينب بنت جحش التي زوَّجها الله رُسولَه بعد زيد.
فصل:
تميم هو (ابن مرَّ)
(1)
بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر
(2)
، مشتق -كما قال ابن دريد- من الشدة والصلابة
(3)
. وقال المفجع في "منقذه": يربوع وتميم بطنان في عذرة.
قال النابغة ليزيد بن الصعق:
جَمِّعْ مِحَاشَكَ يا يزيد فإنَّنِي
…
أَعْدَدْتُ يَرْبُوعًا لَكُمْ وَتَمِيْمًا
(4)
قال الشيخ أبو بكر عاصم في "شرح الأشعار الستة"
(5)
: لم يرد النابغة تميم بن مر، وإنما أراد تميمة بن (شبة)
(6)
بن عذرة بن سعد
(7)
، فرخم في غير النداء.
وكذا قال الجاحظ في "حيوانه": يريد تميمة فحذف الهاء
(8)
. وعند الكلبي تميم بن حنبة بغير هاء في تميم، وكذا ذكره البلاذري ومن تبعه.
(1)
من (ص 1).
(2)
"نسب قريش" ص 275، "جمهرة أنساب العرب" ص 198.
(3)
"الاشتقاق" ص 201.
(4)
"شرح ديوان النابغة" ص 75، "الحيوان" 4/ 472، "المعاني الكبير" 1/ 124.
(5)
عن الكتاب انظر: "فهرسة ابن خير" ص 388. وأبو بكر هو عاصم بن أيوب البطليوسي (ت 494).
(6)
في "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم ص 447: (ضِنَّة بن سعد هُذَيم)، وانظر:"الإكمال" لابن ماكولا 5/ 215.
(7)
"شرح ديوان النابغة" ص 70.
(8)
"الحيوان" 4/ 472.
7 - باب ذِكْرِ قَحْطَانَ
3517 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ» . [7117 - مسلم: 2910 - فتح: 6/ 545]
ذكر من حديث أبي الغيث -واسمه سالم مولى عبد الله بن مطيع العدوي- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ".
وقد سلف في حديث عبد الله بن عمرو الذي أنكره معاوية
(1)
.
وقوله: ("بعصاه") على المبالغة وأنه يعطى النصر، وسيأتي في الفتن، وأخرجه مسلم أيضًا.
(1)
تقدم قريبًا برقم (3500) باب: مناقب قريش.
8 - باب مَا يُنْهَى مِنْ (دَعْوَةِ)
(1)
الجَاهِلِيَّةِ
3518 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا رضي الله عنه يَقُولُ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا، حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ؟» . ثُمَّ قَالَ: «مَا شَأْنُهُمْ؟» . فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ المُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ» . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا؟ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. فَقَالَ عُمَرُ: أَلَا نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا الخَبِيثَ؟ لِعَبْدِ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» . [4905، 4907 - مسلم: 2584 - فتح: 6/ 546]
3519 -
حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» . [انظر: 1294 - مسلم: 103 - فتح: 6/ 546]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا، حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ؟» . ثُمَّ قَالَ: «مَا شَأْنُهُمْ؟» . فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ
(1)
كذا في الأصل وفي حاشيتها: نسخة: دعوة. وفي (ص 1): دعوة.
المُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ» . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا؟ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. فَقَالَ عُمَرُ: أَلَا نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا الخَبِيثَ؟ لِعَبْدِ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» .
الشرح:
يأتي أيضًا في التفسير وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي
(1)
، ومحمد شيخ البخاري هو ابن سلام فيما قيل
(2)
، وبه جزم الدمياطي، وعند مسلم: قال سفيان: يرون أن هذِه الغزوة غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع.
إذا تقرر ذلك؛ فالكلام عليه من وجوه:
أحدها:
(ثاب) قال الداودي: معناه: خرج. والذي ذكره أهل اللغة أن ثاب يثوب إذا رجع. ومعنى (لعاب): يعلب بالحراب والدرق؛ لما فيه من القوة على التدرب بالحرب.
وقوله: (فكسع أنصاريًّا): أي ضرب دبره قاله الهروي
(3)
، وقال ابن فارس: الكسع بالتخفيف أن تضرب بيدك على دبر شيء أو برجلك
(4)
، وقيل: بقدمك. وقيل: بصدرها، وقال الداودي: كسع ضرب، وقيل: هو ضربك بالسيف على مؤخره، وفي "الموعب" كسعته بما ساءه إذا تكلم فرميته على إثر قوله بكلمة تسوؤه بها.
(1)
الترمذي (3315)، والنسائي في "الكبرى" 5/ 271 (8863).
(2)
جزم به أيضًا المزي في "تهذيب الكمال" 27/ 344 (3 - 584) ترجمة مخلد بن يزيد.
(3)
كما في "النهاية في غريب الحديث" 4/ 173.
(4)
"مجمل اللغة" 2/ 784 مادة: (كسع). وانظر: "مقاييس اللغة" 5/ 177.
ثانيها:
معنى (تداعوا): استعانوا بالقبائل يستنصرون بهم في ذلك.
والدعوى: الانتماء، وكان أهل الجاهلية ينتمون بالاستعانة إلى الآباء، ولا تكاد أكثر هذِه الأمة تنزع عن التداعي بالأنساب ويطعن بعضهم على بعض.
وقوله: (يال الأنصار) كذا هو في معظم نسخ البخاري بلام مفصولة في الموضعين، وفي بعضها بوصلها، وفي بعضها (يا آل) بهمزة ثم لام مفصولة
(1)
، واللام مفتوحة في الجميع وهي لام الاستغاثة
(2)
.
والصحيح -كما قال النووي- بلام موصولة، ومعناه أدعو المهاجرين وأستغيث بهم
(3)
.
وقوله: ("ما بال دعوى أهل الجاهلية؟ ") يقول: لا تداعوا بالقبائل ولا بالأحرار، وتداعوا بدعوة واحدة بالإسلام.
وقوله: ("فإنها خبيثة")، وفي رواية:"منتنة" أي قبيحة منكرة كريهة مؤذية؛ لأنها تثير الغضب على غير الحق والتقاتل على الباطل، وتؤدي إلى النار، كما جاء في الحديث الآخر:"من دعا بدعوى الجاهلية فليس منا وليتبوأ مقعده من النار" وتسميتها دعوى الجاهلية لأنها كانت من شعارهم كما سلف، وكانت تأخذ حقها بالعصبية، فجاء الإسلام
(1)
كتابتها بلام مفصولة، هي رواية أبي ذر الهروي، وبوصلها للباقيين المعتمد روايتهم في "النسخة اليونينية" 4/ 183 ولم نعثر على نسخ فيها (يا آل).
(2)
عن (الاستغاثة) انظر: "شرح ألفية ابن مالك" لابن الناظم ص 587، "أوضح المسالك" ص 206، "ضياء السالك إلى أوضح المسالك" 3/ 277، "همع الهوامع" 3/ 71.
(3)
"شرح مسلم" 16/ 137.
بإبطال ذلك، وفصل القضايا بالأحكام الشرعية، إذا تعدى الإنسان على آخر حكم الحاكم بينهما وألزم كلا ما لزمه. ويتوجه للفقهاء في قوله:"من دعا بدعوى الجاهلية" بثلاثة أقوال -كما قال السهيلي:
أحدها: يجلد من استجاب لها بالسلاح خمسين سوطًا، اقتداء بأبي موسى الأشعري في جلده النابغة الجعدي خمسين سوطًا حين سمع: يال عامر، قال أبو الفرج الأصبهاني: وأخذ عصاه وجاء معينًا.
ثانيها: يجلد دون عشرة أسواط لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يجلد أحد فوق عشرة أسواط
(1)
.
ثالثها: يوكل إلى اجتهاد الإمام على حسب ما يراه من سد الذريعة، وإغلاق باب الشر، إما بالوعيد، وإما بالسجن، وإما بالجلد.
فإن قلت: لم يُعاقبهما الشارع حين دعوا بها؟
قلت: قد قال: ("دعوها فإنها خبيثة أو منتنة") فقد أكد النهي، فمن عاد إليها بعد هذا (النهي)
(2)
وجب أن يؤدب حتى يشم نتنها -كما فعل أبو موسى بالنابغة- إذ لا معنى لنتنها إلا سوء العاقبة، والعقوبة عليها
(3)
.
ثالثها:
عبد الله بن أُبَيٍّ، أكبر المنافقين، وهو الذي قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وكان زيد بن أرقم سمعه فبلغها عنه، فأنكر واحتج عنه أصحابه، وقالوا: لعل الغلام أوهم ففشيت المقالة في زيد فأنزل الله تصديقه، فمشى إليه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ليقر به وفرحا بما قال.
(1)
نهيه صلى الله عليه وسلم يأتي برقم (6848) كتاب: الحدود، باب: كم التعزير والأدب.
(2)
في الأصل: الخبر، والمثبت من (ص 1).
(3)
"الروض الأنف" 4/ 17 - 18.
وعبد الله هو الذي تولى كبره في عائشة رضي الله عنها.
رابعها:
إنما منع (عمر)
(1)
أن يقتل عبد الله بن أبي؛ لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه كما ذكره فيه، وفيه سياسة للدين؛ لأنه يقال لمن يريد أن يسلم: لا تغرر بنفسك لئلا يدعى عليك كفر الباطن، وفيه النظر للعامة على الخاصة.
تنبيه:
مما ورد في النهى عن الافتخار ما أخرجه الترمذي محسنًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "لينتهين أقوام أن يفتخروا بآبائهم الذين ماتوا إنما هم جمر جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب"
(2)
.
خامسها:
قول سفيان: (يرون أن هذِه الغزوة غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع)، يخالفه ما رواه أبو داود والنسائي أنه كان في غزوة تبوك
(3)
،
(1)
من (ص 1).
(2)
الترمذي (3955)، وأحمد 2/ 361، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(5482).
(3)
لم أعثر عليه في أبي داود والنسائي، ووقفت على "سنن الترمذي" (3314) فوجدت ذلك من حديث محمد بن كعب القرظي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال الترمذي: حسن صحيح، وفيه: أن زيد بن أرقم حدَّث أن عبد الله بن أبي قال في غزوة تبوك. فذكره. وقد ذكر ابن كثير في "تفسيره" 14/ 8 هذِه القصة من كتاب =
ويؤيد الأول كثرة المسلمين في غزوة تبوك، فكأن ابن أبي لا يستطيع أن يقول ما قال.
وغزوة المصطلق يأتي عند البخاري أنها كانت في سنة أربع عند ابن عقبة، وست عند ابن إسحاق
(1)
، وعند الواقدي سنة خمس
(2)
.
وقال السدي -فيما حكاه أبو العباس الضرير في "مقامات التنزيل"-: غزا صلى الله عليه وسلم بني المصطلق من خزاعة، وكان مع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له: جعال، وكان مع جعال فرس له يقوده فحوض لعمر حوضًا، فبينا هو قائم على الحوض إذ أقبل رجل من الأنصار يقال له: وبرة بن سنان الجهني -وسماه أبو عمر سنان بن (تيم)
(3)
وكان حليفًا لابن أبي- فقاتله فتداعيا بقبائلهما.
وفي "الأسباب" للواحدي: الغفاري اسمه جهجاه بن [سعيد بن]
(4)
= ابن أبي حاتم بإسناده عن سعيد بن جبير مرسلاً .. فذكره بنحوه. ثم قال رحمه الله: وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن جبير، وقوله: إن ذلك كان في غزوة تبوك. فيه نظر، ليس بجيد، فإن عبد الله بن أبي ابن سلول لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك بل رجع بطائفة من الجيش، وإنما المشهور عند أصحاب المغازي والسير أن ذلك كان في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق.
(1)
قبل رقم (4138) كتاب: المغازي، باب: غزوة بني المصطلق.
(2)
"المغازي" 1/ 404.
(3)
في الأصل: تميم، وفي "الاستيعاب" 2/ 216 ترجمة (1072) سنان بن تيم، وكذا هو في "الإصابة" 2/ 82 (3495).
(4)
في "أسباب النزول" ص 451 جهجاه بن سعيد. وفي (س) جهجاه بن سعد. وبعد مراجعة "الاستيعاب" 1/ 333 (360) وجدت في ترجمته أنه يقال له: جهجاه بن سعيد بن سعد بن حرام بن غفار. اهـ فلعله سقط من "أسباب النزول" بن سعد، وسقط من الأصل بن سعيد هذا هو الوجه الأول لذلك.
وهناك وجه ثان: أنه المصنف عزاه هنا إلى جده على عادة العرب في ذلك. =
سعد، والأنصاري اسمه سنان، فلما تداعيا أعان جهجاهًا رجل من المهاجرين، يقال له: جُعال بعين مهملة
(1)
.
قال ابن الأثير: ومن قالها بالفاء فقد صحف
(2)
.
وذكر البخاري في الباب أيضًا حديث عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منَّا من ضرب الخدود .. " الحديث سلف في الجنائز.
و (سفيان) فيه هو الثوري، و (إبراهيم) هو النخعي، أي: ليس عمله من عملنا، وهذا من النياحة، وما كان ينجو منها امرأة إلا القليل، بايع رسول الله النساء على ذلك فما وفى منهن غير خمس
(3)
.
= ووجه ثالث: أن كلمة (سعد) التي في النسخة الأصل محرفة عن (سعيد) التي هي في "أسباب النزول"، و"الاستيعاب". والوجه الأول أولى -والله أعلم- للجمع بين الترجمة وما في النسخة الأصل.
(1)
"أسباب النزول" ص 451.
(2)
"أسد الغابة" 1/ 338.
(3)
في هامش الأصل: هذا فيمن بايع مع أم عطية وليس المراد أن نساء المسلمات لم يف منهن غير خمس، كذا ذكره والله أعلم.
9 - باب قِصَّةُ خُزَاعَةَ
3520 -
حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ أَبُو خُزَاعَةَ» . [فتح: 6/ 547]
3521 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: البَحِيرَةُ: الَّتِى يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ وَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَالسَّائِبَةُ الَّتِي: كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلِهَتِهِمْ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَيٍّ الخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ» . [4623 - مسلم: 2856 - فتح: 6/ 547]
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ أَبُو خُزَاعَةَ".
وحديث سَعِيد بْنِ المُسَيِّبِ قَالَ: البَحِيرَةُ: التِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ، وَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَالسَّائِبَةُ التِي: كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلِهَتِهِمْ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ الخُزَاعِيِّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَكانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ".
الشرح:
قال الزبير: وخزاعة تقول: كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر من غسان، ويأبون هذا النسب، والله أعلم إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما روي، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم، وما قال فهو الحق. وقيل لهم: خزاعة؛ لأنهم تخزعوا من بني مازن بن الأزد في إقبالهم معهم أيام سيل العرم لما صاروا إلى الحجاز فافترقوا فصار قوم إلى عمان وآخرون إلى الشام.
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
فلما قَطَعنَا بَطنَ مَرِّ تَخَزَّعَت
…
خَزاعَةُ مِنَّا فِي جُمُوعٍ كَرَاكرِ
(1)
وانخزعت أيضًا بنو أفصى
(2)
بن حارثة بن عمرو، وأفصى هو عم عمرو بن لحي. وقال الكلبي: إنما سموا خزاعة لأن بني مازن بن الأزد لما تفرقت الأزد باليمن نزل بنو مازن على ماء عند زبيد يقال له: غسان، فمن شرب منه فهو غساني، وأقبل بنو عمرو بن لحي فانخزعوا من قومهم فنزلوا ثم أقبل بنو أسلم ومالك وملكان بنو (أفصى)
(3)
بن حارثة فانخزعوا أيضًا فسموا خزاعة، وتفرق سائر الأزد، وأول من سماهم هذا الاسم جذع بن سنان الذي يقال فيه: خذ من جذع ما أعطاك
(4)
وذلك أنه لما رآهم قد تفرقوا قال: أيها الناس، إن كنتم كلما أعجبتكم بلدة أقامت منكم طائفة، كما انخزعت خزاعتكم هذِه، أوشكتم أن يأكلكم أقل حي وأذل قبيل.
وقال صاحب "الموعب": خزاعة اسمه عمرو بن لحي، ولحي اسمه ربيعة، سمي خزاعة لأنه انخزع فلم يتبع عمرو بن عامر حين ظعن عن اليمن بولده، وسمي عمرو مزيقيا؛ لأنه مزق الأزد في البلاد، وقيل: لأنه كان يمزق كل يوم حلة. وفي "حلى العلى" لعبد الدائم القيرواني: مزيقيا اسمه عمرو بن عامر لحي.
وقال ابن هشام في "تيجانه": انخزعت خزاعة في أيام ثعلبة العنقاء بن عمرو بعد وفاة عمرو.
(1)
"ديوانه" ص 368، هبطنا بدل: قطعنا، وحلول بدل: جموع.
(2)
في الأصل: (فصى) غير منقوطة، والتصويب من "الاشتقاق" ص 477.
(3)
في الأصل: قصي.
(4)
"جمهرة الأمثال" 1/ 421، "مجمع الأمثال" 1/ 241.
وهذا كما قال الرشاطي مذهب من يرى أن خزاعة من اليمن.
وأما من يراها من مضر يقول: هو عمرو بن لحي بن قمعة، واحتج بحديث الباب وأورده بلفظ:"رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار".
وروى ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله يقول لأكثم: "رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار إنه أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وسيب السائبة وبحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحامي".
قال: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه، قال: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، فسألته عمن بيني وبينه من الناس، فقال: هلكوا". وحدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام، فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق، فرآهم يعبدون الأصنام فقال لهم: ما هذِه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذِه نعبدها ونستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنمًا فأسير به إلا أرض العرب فيعبدونه؟ فأعطوه صنمًا يقال له: هبل، فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه.
قال ابن إسحاق: ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في (بني)
(1)
إسماعيل، أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت
(1)
في الأصل: زمن، وهو تحريف، ولا يستقيم السياق به. والمثبت من "السيرة لابن هشام ".
عليهم والتمسوا الفسح في البلاد إلا حمل معه حجرًا من حجارة الحرم تعظيمًا للحرم فحيثما نزلوا وضعوه، فطافوا به كطوافهم بالكعبة حتى (تنسخ)
(1)
ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبتهم، حتى خلف الخلوف ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلا ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلال، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج (والعمرة)
(2)
وشبه ذلك
(3)
.
وروى ابن منده من حديث محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن أبي الجون الخزاعي: "يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت أشبه برجل منك به، ولا منه بك"، فقال أكثم: عسى يضر بي شبهه! فقال صلى الله عليه وسلم: "لا، إنك مؤمن وهو كافر، إنه كان أول من غير دين إسماعيل، وبحر البحيرة، وسيب السوائب، وحمى الحامي" رواه يونس ومحمد بن سلمة وغيرهما عن ابن إسحاق عن محمد التيمي
(4)
.
وقال ابن سعد: أكثم بن أبي الجون عبد العزى ابن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن ضَبِيس
(5)
بن حرام بن (حُبْشِيَّة)
(6)
بن كعب بن عمرو بن لحي،
(1)
في "سيرة ابن هشام" سلخ.
(2)
من (ص 1).
(3)
"سيرة ابن هشام" 1/ 81 - 82.
(4)
رواية محمد بن مسلمة عند ابن أبي عاصم في "أوائله"(81).
(5)
فَعِيل من قولهم: رجل ضَبِيس، إذا كان سيئ الخُلق "الاشتقاق" ص (279).
(6)
في الأصل: حبشة، والتصويب من "الاشتقاق" ص (276)، وحُبْشِيَّة: ضَرْب من النمل الكبار. والاسم على الصواب في "جمهرة أنساب العرب" ص 237 - 238.
وهو الذي (قال له)
(1)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رفع لي الدجال فإذا رجل آدم جعد وأشبه من رأيت به أكثم بن أبي الجون"، فقال أكثم: يا رسول الله هل يضرني شِبهي إياه؟ قال: "لا، أنت مسلم وهو كافر"
(2)
. وقد سلف أن أقرب الناس شبهًا بالدجال ابن قطن، قال الزهري: رجل من خزاعة هلك في الجاهلية
(3)
.
قلت: هو عبد العزى بن قطن بن عمرو بن حبيب بن سعيد بن عائذ بن مالك بن جَذِيمة -وهو المصطلق- بن سعد بن عمرو بن لحي، أمه هالة بنت خويلد
(4)
.
وذكر الكلبي في كتاب "الأصنام": أن قمعة هي بنت مضاض الجرهمي
(5)
، وفي "الجمهرة": أم عمرو اسمها فهيرة بنت عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي ومنه تفرقت خزاعة، وإنما صارت الحجابة إلى عمرو من قبل فهيرة الجرهمية كان أبوها آخر من حجب من جرهم وقد حجب عمرو.
وفي "تفسير مقاتل": "رأيت عمرو بن لحي رجلاً قصيرًا أشقر له وفرة، وهو أول من نصب الأوثان حول الكعبة وغير دين الحنيفية .. "، الحديث. قال السهيلي: وذكر بعض أهل النسب أن عمرو بن لحي
(1)
في الأصل: (قاله)، وفي هامشها:(لعله قال له) والتصويب منه، ومن مطبوع "الطبقات الكبرى" 4/ 292.
(2)
"الطبقات الكبرى" 4/ 292.
(3)
برقم (3441) كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} .
(4)
قال مصعب الزبيري في "نسب قريش" ص 230 - 231: أما هالة بنت خويلد فولدت أبا العاصي بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس وكان يقال له الأيمن أهـ فلعل فيما ذكره المصنف هنا نظر بين.
(5)
"الأصنام" ص (8).
كان حارثة بن ثعلبة قد خلف على أمه بعد أن [آمت]
(1)
من قمعة، ولحي صغير -واسمه ربيعة- فتبناه حارثة وانتسب إليه، فعلى هذا يكون النسب صحيحًا بالوجهين جميعًا إلى حارثة بالتبني وإلى قمعة بالولادة [وكذلك أسلم بن أفصى بن حارثة، فإنه أخو خزاعة، والقول فيه كالقول في خزاعة]
(2)
وقد قيل في أسلم بن أفصى: إنهم من بني أبي حارثة بن عامر (لا من بني حارثة)
(3)
فعلى هذا لا حجة في الحديث لمن نسب قحطان إلى إسماعيل، ومن حجة من نسب خزاعة إلى قمعة قول المعطل يصف قومًا من خزاعة:
لَعَلَّكم مِن أُسْرَةٍ قَمَعِيَّةٍ
…
إِذَا حَضَرُوا لَا يَشْهدُونَ المُعَرَّفَا
وقد روي أن أول من بحر البحيرة رجل من بني مدلج كانت له ناقتان فجدع آذانهما وحرم ألبانهما، قال صلى الله عليه وسلم:"رأيته في النار تخبطانه بأخفافهما وتعضانه بأفواههما"
(4)
.
وكان عمرو بن لحي حين غلبت خزاعة على البيت، ونفت جرهم عن مكة [قد]
(5)
جعلته العرب ربًّا لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة؛ لأنه كان يطعم الناس ويكسو في الموسم، فربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة وكسا عشرة آلاف حلة، حتى إنه [ليقال]
(6)
اللات الذي يلت السويق للحجيج على صخرة معروفة تسمى صخرة
(1)
في الأصل: حملت، والتصويب من "الروض الأنف"، وبه يستقيم السياق.
(2)
تتمة من "الروض الأنف" لتمام الجملة؛ لأن ذكره (وقد قيل) لابد وأن يكون قبله قول مجزوم به، وهو الذي أثبتناه في الصلب. والله الموفق.
(3)
من (ص 1).
(4)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 7/ 256 (5830).
(5)
زيادة يقتضيها السياق من "الروض الأنف".
(6)
زيادة يقتضيها السياق من "الروض الأنف".
اللات، ويقال: إن اللات كان من ثقيف فلما مات قال لهم عمرو: إنه لم يمت ولكنه دخل في الصخرة، ثم أمرهم بعبادتها وأن يبنوا عليها بيتًا يسمى اللات. ودام أمر عمرو وأمر ولده على هذا بمكة ثلاثمائة سنة
(1)
.
وذكر أبو الوليد الأزرقي في "أخبار مكة": أن عمرًا فقأ أعين عشرين بعيرًا، وكانوا من بلغت إبله ألفًا فقأ عين بعيرها وإذا بلغت ألفين فقأ العين الأخرى
(2)
.
قال الراجز:
وكان شُكرُ القَومِ عِندَ المِنَنِ
…
كَيَّ الصَّحِيحَاتِ وفَقْءَ الأَعيُنِ
وهو الذي زاد في التلبية: إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك، وذلك أن الشيطان تمثل في صورة شيخ يلبي معه فقال عمرو: لبيك لا شريك لك، فقال الشيخ: إلا شريكًا هو لك فأنكر ذلك عمرو بن لحي فقال: ما هذا؟ فقال الشيخ: تملكه وما ملك فإنه لا بأس به، فقالها عمرو فدانت بها العرب
(3)
، قال ابن إسحاق: فيوحدون بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده
(4)
.
قال مقاتل: نزلت هذِه الآية في مشركي العرب من قريش وكنانة وعامر بن صعصعة وبني مدلج والحارث وعامر بن عبد مناة وخزاعة وثقيف، وكان عمرو بن لحي أمرهم بذلك في الجاهلية.
(1)
"الروض الأنف" 1/ 100 - 102.
(2)
"أخبار مكة" 1/ 100، وقد ذكره المصنف من كتاب السهيلي، ونقله السهيلي بنحو ألفاظ أبي الوليد في "تاريخه" فسياق أبي الوليد أتم، فراجعه.
(3)
"الروض الأنف" 1/ 102.
(4)
كما في "السيرة النبوية" لابن هشام 1/ 82.
فصل:
(والسائبة): هي الأنثى من أولاد الأنعام كلها، كان الرجل يسيب لآلهته ما شاء من إبله وبقره (وغنمه ولا يسيب إلا الأنثى وظهورها وأولادها وأصوافها)
(1)
وأوبارها للآلهة، وألبانها ومنافعها للرجال دون النساء قاله مقاتل.
وقيل: هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناثًا لم يركب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف.
فما نتج بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم خلي سبيلها مع أمها في الإبل إلى آخر ما فعل بأمها فهي البحيرة بنت السائبة
(2)
. وقال ابن عباس رضي الله عنه: هي
(3)
أنهم كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن فإن كان الخامس ذكرًا نحروه، وأكله الرجال والنساء جميعًا، وإن كانت أنثى شقوا أذنها
(4)
.
وتلك البحيرة لا يجز لها وبر، ولا يذكر عليها اسم الله إن ركبت ولا إن حمل عليها، وحرمت على النساء، ولبنها للرجال خاصة، فإذا ماتت اشترك الرجال والنساء في أكلها.
وقال الثعلبي: كانوا إذا ولدوا السقب بحروا أذنه، وقالوا: اللهم إن عاش فعيي، وإن مات فذكي، فإذا مات أكلوه، وأما السائبة: فكان الرجل منهم يسيب من ماله شيئًا، فيجيء به إلى السدنة، فيدفعه
(1)
من (ص 1).
(2)
هذا القول ذكره الفراء في "معاني القرآن" 1/ 322، وقد ذكره البغوي في "تفسيره" 3/ 107.
(3)
الضمير هنا يعود لزامًا على البحيرة لا السائبة: فليعلم كما يأتي.
(4)
ذكرها ابن كثير في "تفسيره" 5/ 391.
إليهم، فيعطون أبناء السبيل من ألبانها إلا النساء إلا إذا مات
(1)
.
والوَصِيلة: الشاة إذا ولدت سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكرًا ذبحوه وأهدوه للآلهة، وإن كان أنثى استحيوها، وإن كان ذكرًا وأنثى استحيوا الذكر من أجل الأنثى، وقالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوهما
(2)
. قال مقاتل: وكانت المنفعة للرجال فقط إلا إذا وضعت ميتًا قال تعالى: {وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ (139)}
(3)
[الأنعام: 139].
(1)
زاد ابن الجوزي في "تفسيره" 2/ 438 قولين في السائبة:
أحدهما: أنها البعير، يسَّيب بنذر يكون على الرجل إن سلمه الله تعالى من مرض، أو بلَّغه منزلة أن يفعل كذا، قاله ابن قتيبة.
قال الزجاج: كان الرجل إذا نذر لشيء من هذا، قال: ناقتي سائبة فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها، ولا تمنع من ماء ومرعى.
الآخر: أنها البعير يحج عليه الحجة، فيسيَّب، ولا يستعمل شكرًا لنجحها، حكاه الماوردي عن الشافعي.
(2)
كذا في الأصل بالتثنية، والجادَّة أن يفرد ويذكَّر؛ لأن الذكر هو المعنيُّ عندهم بالذبح والاستحياء وذكره على الجادة البغوي في "تفسيره" 3/ 108.
(3)
وزاد ابن الجوزي أربعة أقوال في "تفسيره" 2/ 439:
الأول: أنها الناقة البكر تلد أول نتاجها بالأنثى، ثم تثني بالأنثى، فكانوا يستبقونها لطواغيتهم، ويدعونها الوصيلة. أي: وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر، رواه الزهري عن ابن المسيب.
الثاني: أنها الشاة تنتج عشر إناثٍ متتابعات في خمسة أبطن، فيدعونها الوصيلة، وما ولدت بعد ذلك فللذكور دون الإناث. قاله ابن إسحاق.
الثالث: أنها الشاة تنتج سبعة أبطن، عناقين عناقين، فإذا ولدت في سابعها عناقًا وجديًا قيل: وصلت أخاها، فجرت مجرى السائبة، قاله الفراء.
الرابع: أنها الشاة كانت إذا ولدت أنثى، فهي لهم، وإذا ولدت ذكرًا، جعلوه لآلهتهم، قاله الزجاج. في أربعة غير السابق.
والحام: الفحل إذا ركب ولده وولد ولده، فبلغ ذلك عشرة أو أقل من ذلك قيل حمى ظهره، فلا يركب، ولا يحمل عليه، ولا يمنع من ماء ولا مرعى ولا ينحر أبدًا إلى أن يموت فيأكله الرجال والنساء
(1)
.
(1)
فصله ابن الجوزي في "تفسيره" 2/ 439 على أقوال هي:
الأول: أنه الفحل يظهر من أولاده عشر إناث من بناته، وبنات بناته، قاله عطاء.
الثاني: أنه الذي ينتج له سبع إناث متواليات، قاله ابن زيد.
الثالث: أنه الذي لصلبه عشرة كلها تضرب في الإبل، قاله أبو روق.
الرابع: أنه الفحل يضرب في إبل الرجل عشر سنين، فيخلَّى، ويقال: قد حمى ظهره، ذكره الماوردي عن الشافعي.
11 - باب قِصَّةِ زَمْزَمَ
3522 -
حَدَّثَنَا زَيْدٌ - هُوَ ابْنُ أَخْزَمَ - قَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ: حَدَّثَنِي مُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ الْقَصِيرُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: لَنَا ابْنُ عَبَّاسِ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِإِسْلَامِ أَبِى ذَرٍّ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ رَجُلاً مِنْ غِفَارٍ، فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلاً قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَقُلْتُ لأَخِي: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ كَلِّمْهُ وَأْتِنِي بِخَبَرِهِ. فَانْطَلَقَ فَلَقِيَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ. فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ تَشْفِنِي مِنَ الْخَبَرِ. فَأَخَذْتُ جِرَابًا وَعَصًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ فَجَعَلْتُ لَا أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَكُونُ فِي المَسْجِدِ. قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ. قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ وَلَا أُخْبِرُهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى المَسْجِدِ لأَسْأَلَ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ. قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ يَعْرِفُ مَنْزِلَهُ بَعْدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: انْطَلِقْ مَعِى. قَالَ: فَقَالَ: مَا أَمْرُكَ؟ وَمَا أَقْدَمَكَ هَذِهِ البَلْدَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ. قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ هَا هُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَشْفِنِي مِنَ الخَبَرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَلْقَاهُ. فَقَالَ لَهُ: أَمَا إِنَّكَ قَدْ رَشَدْتَ، هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ، فَاتَّبِعْنِي، ادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَدًا أَخَافُهُ عَلَيْكَ، قُمْتُ إِلَى الْحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي، وَامْضِ أَنْتَ، فَمَضَى وَمَضَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلَامَ. فَعَرَضَهُ فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي:«يَا أَبَا ذَرٍّ اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ» . فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. فَجَاءَ إِلَى المَسْجِدِ، وَقُرَيْشٌ فِيهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّى أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ. فَقَامُوا فَضُرِبْتُ لأَمُوتَ فَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ، تَقْتُلُونَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ وَمَتْجَرُكُمْ
وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارَ! فَأَقْلَعُوا عَنِّي، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ الْغَدَ رَجَعْتُ فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ، فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ. فَصُنِعَ مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالأَمْسِ، وَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ، وَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالأَمْسِ. قَالَ: فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ رحمه الله. [3522، 3861 - مسلم: 2474 - فتح: 6/ 549]
ذكر فيه حديث أبي جمرة بالجيم، عن ابن عباس رضي الله عنه في إسلام أبي ذر رضي الله عنه، وأنه كان يشرب من ماء زمزم ويكون في المسجد إلى أن أسلم، وقال له عليه السلام:"اكتم هذا الأمر" فلم يكتمه وأعلن به فضرب ثم أعلن به ثالث يوم فضرب.
وسيأتي في المغازي
(1)
، وذكر هناك أنه لما أتى ليسلم أخذ صلى الله عليه وسلم جبهته بأصبعه، وقال:"غفار يهدي الله من يشاء"، كأنه استعظم أن يكون بها مثل أبي ذر
(2)
.
قال الداودي: والصحيح ما ها هنا!
وقوله: (فمر بي علي رضي الله عنه فقال: ما آن للرجل أن يعرف منزله بعد؟
(1)
قلت: يأتي في موضعين، أحدهما: بإسناده موصولاً برقم (3861) كتاب: مناقب الأنصار، باب: إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه. والآخر: معلقًا في كتاب: التوحيد، باب رقم (23).
وبعد مراجعة "تحفة الأشراف"(6528)، وهو من مصادر المؤلف التي يعتمد عليها في تخريجه أطراف الأحاديث، لم نعثر على عزوه هذا، وانظر الهامش الآتي.
(2)
لم أعثر على هذِه الرواية في "الصحيح" كما عزاه المصنف رحمه الله، وإنما وجدتها في مسلم بسياق مقارب وفيه: قال صلى الله عليه وسلم: "من أنت؟ " قال: قلت: من غفار. قال: فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته ..
"صحيح مسلم"(2473) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: من فضائل أبي ذر رضي الله عنه، من طريق حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر.
قال: قلت: لا) أي: ما حان، ومثله حديث الحسن: ما يأني أن يتفقهوا، أي: لم يأن لهم، ومنه قولهم: نولك أن تفعل كذا أي: حقك، وفي بعض النسخ (آنى) يقال: أنى يأني، وآن يئين. أي: حان. وفيه مقام العباس وجلالته عندهم حيث أكب عليه ونزعه منهم، وما أحسن قوله:(ويلكم تقتلون رجلاً من غفار، ومتجركم وممركم على غفار).
وقوله: (فقال: يا معشر) كذا في الأصول، وفي نسخة (يا معاشر)
(1)
.
وقوله: (قوموا إلى هذا الصابئ) أي الذي خرج من دين إلى دين، وبذلك سمي الصابئون: لأنهم خرجوا من النصرانية إلى دين ابتدعوه
(2)
،
(1)
هي نسخة أبي الوقت، انظر:"اليونينية" 4/ 183.
(2)
هذا قول ابن زيد، نبه عليه الماوردي في "تفسيره" 1/ 132 - 133.
وقال الزمخشري في "الكشاف" 1/ 137: هو من صبأ إذا خرج من الدين، وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة.
وفي الصابئة سبعة أقوال جمعها ابن الجوزي في "تفسيره" 1/ 92.
الأول: أنهم صنف من النصارى ألين قولًا منهم.
الثاني: قوم بين اليهود والنصارى ليس لهم دين. قاله مجاهد.
الثالث: أنهم بين اليهود والنصارى. قاله ابن جبير.
الرابع: كالمجوس. قاله الحسن والحكم.
الخامس: فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور. قاله أبو العالية.
السادس: قوم يصلون إلى القبلة، ويعبدون الملائكة، ويقرءون الزبور. قاله قتادة.
السابع: قوم يقولون: لا إلله إلا الله فقط وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي. قاله ابن زيد. ا. هـ زاد ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 128.
ثامنًا: عن ابن أبي الزناد عن أبيه أنهم قوم مما يلي العراق وهم بكوش، يؤمنون بالأنبياء كلهم ويصلون إلى اليمن، ويصومون شهرًا ويصلون خمسًا.
قلت: وقراءتها للجمهور في القرآن بالهمز، إلا نافعًا؛ لأنها عنده مشتقة من صبا يصبو. انظر "تفسير الماوردي" 1/ 132.
ولذلك كان كفار قريش يقولون لرسول الله: صلى الله عليه وسلم صابئ؛ لأنه خرج من دينهم إلى الإسلام، ومنه صبأت النجوم خرجت من مطالعها، وصبأ نابه: خرج.
وقوله: (فأقلعوا عني) أي: كفوا، يقال: أقلع عن الأمر، أي: كف، ومنه أقلعت عنه الحمى. قال قتادة: الصابئون يعبدون الملائكة، ويصلون القبلة ويقرءون الزبور
(1)
.
واعلم أن في حديث ابن عباس في الباب: وحديث (عبد الله)
(2)
بن الصامت في مسلم تباعد واختلاف إذا فيه: أن أبا ذر لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما لقيه ليلاً وهو يطوف بالكعبة فأسلم إذ ذاك بعد أن أقام ثلاثين يوم وليلة ولا زاد له، إنما اغتدى بماء زمزم
(3)
، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان له قربه وزاد وإن عليًّا ضافه ثلاث ليال ثم، أدخله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فأسلم ثم خرج، فصرخ بكلمتي الشهادة، والله أعلم أي الروايتين هو الواقع، نبه على ذلك القرطبي
(4)
.
قال: ويحتمل أن أبا ذر لما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حول الكعبة فأسلم لم يعلم به إذ ذاك علي رضي الله عنه إذ لم يكن معهم، ثم دخل مع علي فجدَّد، فظنه أول إسلامه، وفيه بعد
(5)
.
(1)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 6/ 124 (10206)، وابن جرير في "تفسيره" 1/ 361 (1110)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 146 إلى ابن أبي حاتم ولم أجده في "تفسيره"، وانظر "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 127 - 128، وأقرب شيء ما ذكره أبو جعفر الرازي فيه بلاغًا، به.
(2)
في الأصل: عبادة، والتصويب من مسلم (2473).
(3)
مسلم (2473).
(4)
"المفهم" 6/ 401 - 402.
(5)
"المفهم" 6/ 402.
12 - باب قِصَّةِ زَمْزَمَ وَجَهْلِ العَرَبِ
3524 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام: 140]. [فتح: 6/ 551]
ذكر فيه حديث أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ العَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنْ سُورَةِ الأَنْعَامِ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} إلى قَوْلِهِ: {قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} .
أي: قتلهم البنات، كانوا يدسونهن
(1)
في التراب خشية الفقر، قال أبو رزين: ولم يكونوا مهتدين قبل ذلك وقوله: {سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي: جهلًا.
(1)
في الأصل: (يدسونهم) وعليها: (كذا) وفي الحاشية الصواب: (يدسونهن).
13 - باب مَنِ انْتَسَبَ إِلَى آبَائِهِ فِي الإِسْلَامِ وَالْجَاهِلِيَّةِ
وَقَالَ ابن عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الكَرِيمَ ابن الكَرِيمِ ابن الكَرِيمِ ابن الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ". وَقَالَ البَرَاءُ رضي الله عنه: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا ابن عَبْدِ المُطَّلِبِ".
3525 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ» . [انظر: 1394 - مسلم: 208 - فتح: 6/ 551]
3526 -
وَقَالَ لَنَا قَبِيصَةُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُمْ قَبَائِلَ قَبَائِلَ. [انظر: 1394 - مسلم: 208 - فتح: 6/ 551]
3527 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، يَا أُمَّ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، اشْتَرِيَا أَنْفُسَكُمَا مِنَ اللهِ، لَا أَمْلِكُ لَكُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا، سَلَانِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمَا» . [انظر: 2753 - مسلم: 206 - فتح: 6/ 551]
ثم ساق عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنَادِي: "يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ" لِبُطُونِ قُرَيْشٍ.
وَقَالَ لَنَا قَبِيصَةُ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُمْ قَبَائِلَ قَبَائِلَ.
ثم ساق بسنده إلى أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ .. ". الحديث.
الشرح:
أما حديث أبي هريرة وابن عمر فسلفا مسندين
(1)
.
وحديث البراء تقدم مسندًا في الجهاد
(2)
.
وحديث ابن عباس سلف بعضه في الجنائز
(3)
، ويأتي في التفسير
(4)
.
وأخرجه مسلم
(5)
والترمذي
(6)
وابن ماجه
(7)
.
وقوله: (قال لنا قبيصة) رواه الإسماعيلي عن عبد الله بن زيدان عن قبيصة، وعن الحسن، عن محمود بن غيلان، عن قبيصة، وعن القاسم، عن أبي زرعة وغيره عن قبيصة، ورواه أبو نعيم عن الطبراني، عن
(1)
الأول برقم (3353) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} .
والآخر برقم (3382) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب:{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} .
(2)
برقم (2930) باب: من صفَّ عند الهزيمة.
(3)
برقم (1394) باب: ذكر شرار الموتى.
(4)
برقم (4770) باب: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} .
(5)
برقم (208) كتاب: الإيمان، باب: في قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} .
(6)
برقم (3363).
(7)
كذا رمز له في الأصل، ولم نعثر عليه فيه، وبعد مراجعة "تحفة الأشراف"(5594)، أضاف المزي عزوه إلى النسائي، يعني في "الكبرى"، فلعله تحرف على الناسخ أو غيره. الرمز (س) إلى (ق). والله أعلم.
حفص بن عمر، عن قبيصة. وزعم بعضهم أن البخاري سمعه منه في المذاكرة، وقد سلف في الوقف طرف منه
(1)
.
وقوله: ("أنا ابن عبد المطلب")، فيه النسبة إلى الجد، وأن يقول أنا ابن فلان، للجد والنسبة للكافر، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمسه ولادة حرام في نسبه، وكذلك الأنبياء يدعون إلى آبائهم على حالهم على حكم الدنيا.
وفيه: أن قريشًا كلها من الأقربين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيه: بداءة الشارع بقومه، فإذا قامت حجته عليهم قامت على من سواهم ممن أمر بتبليغه.
وقوله: ("اشتروا أنفسكم من الله") أي أسلموا تسلموا من عذاب الله، فيكون ذلك كالاشتراء، كأنهم جعلوا إيمانهم وطاعتهم ثمنًا لنجاتهم من العذاب.
وفيه: فضل صفية وتكنية المرأة حيث قال: "يا أم الزبير بن العوام عمة رسول الله".
(1)
على نحو هذا في موضعين أحدهما بالإفراد (قال لي)، وتقدم في الوصايا برقم (2780) وبالجمع (قال لنا) برقم (2767).
قال الحافظ في "نكته على ابن الصلاح" 2/ 651: رأيت في "الصحيح"[يعني: البخاري] عدة أحاديث قال فيها (قال لنا فلان) وأوردها في تصانيفه خارج "الجامع" بلفظ حدثنا، ووجدت في "الصحيح" عكس ذلك، وفيه دليل على أنهما مترادفان. أهـ.
قلت: والذي زعم انقطاع ذلك إنما هو مغربي غير معروف -كما قال ابن الصلاح في "مقدمته" ص 75 - 76. والله أعلم.
14 - باب ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ وَمَوْلَى القَوْمِ مِنْهُمْ
3528 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأَنْصَارَ فَقَالَ: «هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟» . قَالُوا: لَا، إِلاَّ ابْنُ أُخْتٍ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«ابْنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ» . [انظر: 3146 - مسلم: 1059 - فتح: 6/ 552]
ذكر فيه حديث أنس رضي الله عنه قال: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأَنْصَارَ خاصة فَقَالَ: "هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ ". قَالُوا: لَا، إِلَّا ابن أُخْتٍ لَنَا. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"ابْنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ".
ويأتي في المغازي
(1)
والفرائض
(2)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(3)
، والنسائي
(4)
والترمذي
(5)
، وقال: حسن صحيح، وهو ظاهر فيما ترجم له.
ويستدل به من يورث الخال وذوي الأرحام إذا لم يكن عصبة ولا صاحب فرض مسمى، وهو أبو حنيفة وأصحابه
(6)
، وأحمد
(7)
، وفيه أحاديث أخر متكلم فيها وإن صحح الحاكم بعضها كحديث عائشة رضي الله عنها:"الخال وارث من لا وارث له"
(8)
.
(1)
برقم (4334) باب: غزوة الطائف.
(2)
برقم (6722) باب: مولى القوم من أنفسهم.
(3)
برقم (1059) كتاب: الزكاة، باب: إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام ..
(4)
"سنن النسائي" 5/ 106.
(5)
برقم (3901).
(6)
"المبسوط" 30/ 3، وأصحاب أبي حنيفة في هذا القول هم: أبو يوسف ومحمد وزفر وعيسى بن أبان.
(7)
"المغني" 9/ 82.
(8)
"المستدرك" 2/ 344.
قال الدارقطني: رفعه وَهَمٌ
(1)
.
ومنها حديث المقدام بن معدي كرب وقد اختلف في إسناده، وخالفهما مالك والشافعي
(2)
وآخرون.
وعلى الأول هل يقدم مولى العتاقة عليه؟ فيه خلاف.
(1)
"علل الدارقطني" 5/ ق 14 أ-ب بمعناه.
(2)
انظر: "روضة الطالبين" 6/ 6.
15 - باب قِصَّةِ الْحَبَشِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«يَا بَنِي أَرْفَدَةَ»
3529 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ:"دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ" وَتِلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى. [انظر: 949 - مسلم: 892 - فتح: 6/ 553]
3530 -
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ فَزَجَرَهُمْ [عُمَرُ] فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«دَعْهُمْ أَمْنًا بَنِي أَرْفَدَةَ» . يَعْنِي مِنَ الأَمْنِ. [انظر: 454 - مسلم: 892 - فتح: 6/ 553]
ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنهما فيه بطوله، وقد سلف في العيدين وغيره
(1)
، وكانتا تذكران من الشعر ما ليس فيه خناء من غير أن يميلا بصوتيهما، ويرفعاه بما يلهي ويطرب.
قال الشيخ أبو الحسن: أيام منى أربعة، وقد سماها الشارع أيام عيد، فالعيد إذن أربعة أيام، قال ابن التين: وهذا يحتمل؛ لأنه يكون
(1)
تقدم برقم (949، 950) كتاب: العيدين، باب: الحراب والدرق يوم العيد وبرقم (454) كتاب: الجمعة، باب: أصحاب الحراب في المسجد.
وبرقم (987، 988) كتاب: العيدين، باب: إذا فاته العيد يصلي ركعتين.
وبرقم (2906، 2907) كتاب: الجهاد والسير، باب: الدرق.
وبرقم (5190) كتاب: النكاح، باب: حسن المعاشرة مع الأهل.
وبرقم (5236) كتاب: النكاح، باب: نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة.
ورواه مسلم برقم (892) كتاب: صلاة العيدين، باب: الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد.
ذلك يوم ثاني العيد أو ثالثه، فإذا كان كذلك وهو من أيام منى سقط ما ذكره، لا يقال إنه على عمومه لأن دعوى العموم في الأفعال غير صحيح عند الأكثر؛ لأنها قضية عين.
قال الداودي: واستجاز قوم من المجان الغناء واحتجوا بهذا الحديث وهو فاسد لأن هؤلاء لم يخرجوا في قولهم إلى ما يوجب الطرب ومع (هذا)
(1)
فإن نية الفريقين مختلفة هؤلاء يريدون (راحة)
(2)
النفس لتقوى على أداء الفرض، وهؤلاء يريدون اللهو، وهذا من حمل الشيء على ضده، وتمثيل النور بالظلمة، ولبس الحق بالباطل
(3)
، وأما لعب الحبشة ففيه دربة للقوة على قتال العدو.
(1)
في الأصل: ذلك، والمثبت من صلى الله عليه وسلم.
(2)
في الأصل أحد، والمثبت من (ص 1).
(3)
قال العلَّامة الألباني في "تحريم آلات الطرب" ص (177): إن حسن النية لا يجعل المحرم حلالاً، فضلاً عن أن يجعل قربة إلا الله. أهـ
قلت: ولا يَرِد على هذا قول المجيز للغناء بدعوى حسن النية مستدلاًّ بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" ومن شأن هذِه الدعوى هدم أركان الدين التي تستبيح حرمات الله، ولو أنصف هذا المجيز لما تكلم في دين الله بغير علم ولما تجرأ على فهم كلام الله وكلام رسوله على مراده وفهمه القاصر، ولله در الشافعي حين قال: نؤمن بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله ونؤمن برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فلو قال لك قائل أنا أشرب الخمر بدعوى تذكر خمر الجنة أو أسرق لأنفق على الفقراء والمساكين أو لأتصدق أليس في هذا استباحة لحرمات الله واستخفافًا بالدين، وفتح باب للمجان والفساق ليستبيحوا ما حرم الله بدعوى حسن النية؟ أما يعلم هذا المريض أن قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات" أي: الأعمال الصالحة وليست الفاسدة، الأعمال التي يراد بها وجه الله، لا وجه الشيطان وصدق ربي حين قال:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} . وقال ربي -جل وعلا-: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)} .
وانظر: "تحريم آلات الطرب" ص (177).
16 - باب مَنْ أَحَبَّ أَنْ لَا يُسَبَّ نَسَبُهُ
3531 -
حَدَّثَنِى عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ:«كَيْفَ بِنَسَبِي؟» . فَقَالَ حَسَّانُ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ.
وَعَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: لَا تَسُبُّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [4145، 6150 - مسلم: 2487، 2489 - فتح: 6/ 553]
ذكر فيه حديث هشام عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي هِجَاءِ المُشْرِكِينَ، فقَالَ:"كيْفَ بِنَسَبِي؟ ". قَالَ حَسَّانُ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ العَجِينِ.
وَعَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقَالَتْ: لَا تَسُبَّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل: إنما كان ذلك بعد أن دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، وقال:"ما من قوم نصروا أحدًا بأسيافهم إلا كان حقًّا عليهم أن ينصروه بألسنتهم" وكان شتم المشركين يشتد عليه ويؤذيه، قال تعالى:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97)} [الحجر: 97] ثم عزاه فقال: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت: 43] ولما قال ذلك أتاه حسان يضرب بلسانه أنفه، وكان طويل اللسان، فقال: والله يا نبي الله لأفرينهم فري الأديم، فقال:"وكيف وإن لي فيهم حسبًا" فقال: والله لأسلنك منهم سل الشعرة من العجين.
ولما هجاهم قال صلى الله عليه وسلم: "والله إنه عليهم لأشد من رشق النبل" ولاشك أن من سب أصله لحقه الأذى، كان عمر إذا لقي عكرمة بن أبي جهل يسب أبا جهل فيذكر ذلك لرسول الله فقال: "لا تسب
الميت لتؤذوا به الحي".
وقول عروة: (ذهبت أسُبُّ حسان عند عائشة رضي الله عنها) فيما كان اتبع به عائشة رضي الله عنها وكانت لا تستحل من أحد شيئًا؛ لأن حسانًا ذهب ما يلحقه ذلك بإقامة الحد عليه
(1)
والحدود كفارة لما جعلت فيه، وكان حسان يجلس عند عائشة وينشدها الشعر فقيل لها: أتدخلينه عليك وقد قال ما قال والله يقول: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)} [النور: 11]؟! فقالت: عذب بذهاب بصره. وأنكر ذلك لأن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي. ومعنى ينافح: يرامي ويدافع.
(1)
في هامش الأصل: هذا على قول، والذي يظهر لي أن الراجح أنهم حدوا، وقد جزم به البخاري في أواخر الصحيح.
17 - باب مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
-
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} وَقَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]
3532 -
حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَنَا المَاحِي الَّذِى يَمْحُو اللهُ بِى الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا العَاقِبُ» . [4896 - مسلم: 2354 - فتح: 6/ 554]
3533 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؟! يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ» . [فتح: 6/ 554]
ثم ساق عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا المَاحِي الذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا العَاقِبُ".
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ألا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؟! يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ".
الشرح:
حديث جبير بن مطعم أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وفي لفظ بعد: و"أنا العاقب الذي ليس بعده أحد".
(1)
برقم (2354) كتاب: الفضائل، باب: أسمائه صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية لمسلم قال معمر: قلت للزهري: وما العاقب قال: الذي ليس بعده نبي
(1)
، فيحتمل -كما قال البيهقي- أن يكون تفسير العاقب من قوله
(2)
.
قلت: والظاهر رفعه وهو صريح رواية الترمذي، "وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي" ثم قال: حسن صحيح
(3)
، وفي رواية لمسلم: وقد سماه الله رءوفًا رحيمًا، وهي من قول الزهري
(4)
، وفي رواية "لي خمسة أسماء" فعدهن، وفي آخرها:"وأنا العاقب" يعني الخاتم
(5)
، وفي رواية:"وأنا الخاتم والعاقب" فعدهن مع الخاتم ستة
(6)
، وفي رواية قال نافع بن جبير بن مطعم: فأما حاشر فبعث مع الساعة نذيرًا لكم بين يدي عذاب شديد، وأما عاقب فإنه عقب الأنبياء، وأما ماحي فإن الله محا به سيئات من اتبعه، ذكرها البيهقي في "دلائله"
(7)
، وفي رواية: وأنا نبي الملحمة بعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة. أفادها ابن دحية في "المستوفى في أسماء المصطفى" من حديث ابن عيينة، عن الزهري، عن محمد بن جبير، عن أبيه وهذا إسناد صحيح
(8)
.
(1)
برقم (2354) كتاب: الفضائل، باب: في أسمائه صلى الله عليه وسلم. وقوله (قال معمر) فيه نظر، فالذي في "صحيح مسلم"(قال عقيل)، وهو من طبقة معمر. فلعله تحريف. والله أعلم.
(2)
"دلائل النبوة" 1/ 154.
(3)
برقم (2840).
(4)
مسلم (2354/ 125)، وجزم البيهقي في "دلائله" 1/ 154، بأنها من قول الزهري.
(5)
"دلائل النبوة" 1/ 154.
(6)
رواه أحمد 4/ 84، والبيهقي في "دلائله" 1/ 155.
(7)
"دلائل النبوة" 1/ 156.
(8)
ما ورواه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 105 من طريق الفضل بن دكين، عن ابن عيينة، به.
قلت: وله شاهد من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى لنا نفسه أسماء فقال: "أنا محمد، وأنا أحمد، والحاشر، والمقفي، ونبي التوبة، والملحمة" أخرجه مسلم
(1)
. والمقفي: الذي ليس بعده نبي كذا جاء مفسرًا، وقيل هو المتبع آثار من قبله من الأنبياء.
وروى الأعمش، عن أبي صالح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة"
(2)
قال البيهقي: هذا إسناد منقطع
(3)
، وروي موصولاً من حديث أبي هريرة فذكره بلفظ:"إنما أنا رحمة مهداة"
(4)
.
وفي لفظ: "يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة"
(5)
، وأخرج البيهقي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما اسمه طه
(6)
.
(1)
مسلم (2355) كتاب: الفضائل، باب: في أسمائه صلى الله عليه وسلم. وفي النسخ المطبوعة منه: الرحمة، بدل الملحمة.
وفي "إكمال المعلم" 7/ 322 للقاضي عياض قال: ووقع في بعض روايات مسلم مكان الرحمة: الملحمة، وهذا أيضًا صحيح المعنى، فقد جاء مفسرًّا في حديث حذيفة:"ونبي الملاحم". أهـ وعدد القرطبي في "المفهم" 6/ 147 ثلاث روايات في هذا الموضع فقال: و"نبي الرحمة"، وفي أخرى:"المرحمة"، وفي أخرى:"الملحمة" .. وأما من روى نبي الملحمة فهذا صحيح نعته ومعلوم في الكتب القديمة من وصفه. ا. هـ واكتفى النووي في "شرحه على مسلم" 15/ 104 - 106 على روايتي: الرحمة والمرحمة. اهـ.
(2)
رواه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 192، وابن الأعرابي "المعجم" 2/ 556 (1088)، والبيهقي في "دلائله" 1/ 159، وصحيح الألباني إسناده مع إرساله في "السلسلة"(490).
(3)
"دلائل النبوة" 1/ 159.
(4)
"دلائل النبوة" 1/ 158.
(5)
رواه الدارمي 1/ 166 (15)، والحاكم 1/ 35، والبيهقي في "دلائل النبوة" 1/ 158، والحديث تفرد به مالك بن سعير عن الأعمش، قال الحاكم: على شرطهما، والتفرد من الثقات مقبول.
(6)
"دلائل النبوة" 1/ 159، وفيه أنها لغة لِعَكٍّ.
أي: طأ الأرض يا محمد، ذكره عبد بن حميد في "تفسيره" من حديث الربيع بن أنس
(1)
.
وقيل: أراد يا طاهر من الذنوب والعيوب حكاه عياض.
قال الخليل بن أحمد: خمسة من الأنبياء (ذوو)
(2)
اسمين محمد وأحمد نبينا، وعيسى والمسيح، وإسرائيل ويعقوب، ويونس وذو النون، وإلياس وذو الكفل - صلى الله عليهم وسلم -
(3)
. قال أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري: ولنبينا خمسة أسماء في القرآن محمد وأحمد وعبد الله وطه وياسين.
وزاد غيره من أهل العلم فقال: سماه الله في القرآن رسولاً نبيًّا أميًّا، وسماه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، ورءوفًا رحيمًا، ونذيرًا مبينا، وسماه مذكرًا، ونعمة وهاديًا وعبدًا. قلت: والمزمل، والمدثر كما قاله النقاش في "تفسيره".
والنور، والشهيد، والحق المبين، والأمين، وقدم الصدق، ونعمة الله، والعروة الوثقى، والصراط المستقيم، والنجم الثاقب، والكريم، وداعي الله. وقال كعب: قال الله تعالى: محمد رسول الله عبدي المتوكل المختار.
وروى البيهقي عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد قال: سمعته يقول: اجتمعوا فتذاكروا أي بيت أحسن فيما قالته العرب؟ قالوا: الذي قال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1)
ورواه أيضًا ابن المنذر كما في "الدر المنثور" 4/ 516.
(2)
في الأصل بواو واحدة، وفي "العين" بواوين.
(3)
"العين" 3/ 189، مادة:(حمد).
وشَقَّ لَهُ من اسمه لِيُجِلَّهُ
…
فذو العرش محمودٌ وهذا مُحَمَّد
(1)
وقال عبد المطلب:
يَا رَبِّ رُدَّ رَاكبي مُحمَّدًا
…
اردُدْهُ يَا رَبِّ وَاصطَنِعْ عِنْدِي يدًا
أنتَ الذي سَمَّيتَهُ مُحَمَّدًا
(2)
وقال بعضهم: إن لنبينا ألف اسم، والظاهر أن أكثرها صفات
(3)
.
وقد ذكر صاحب "الشفا" منها جملة
(4)
، وأجمعها "المستوفى" لابن دحية ذكر منها له فوق المائتين، وقد لخصتها في "مشكاة الأنوار مختصر دلائل النبوة" للبيهقي فراجعه منه. وروى ابن سعد من حديث [عبد الله بن] محمد بن عقيل عن محمد بن علي، سمع علي بن أبي طالب رفعه:"سميت أحمد"
(5)
. ومن حديث أبي جعفر محمد بن علي قال: أُمرت آمنة وهي حامل أن تسميه أحمد
(6)
.
وعن حذيفة مرفوعًا: "أنا المقفى ونبي الرحمة". وذكر في "الشفا" من أسمائه: أنا رسول .. الراحة، ورسول الملاحم .. والمصلح، والظاهر، والمهيمن، والهادي .. والسلطان .. والعلَامة والبرهان، وصاحب الهرواة والنعلين .. ومقيم السنة، والمقدَّس، وروح الحق
(7)
.
(1)
رواه البيهقي في "دلائله" 1/ 161، ومثل هذا البيت لحسان بن ثابت.
(2)
أورده ابن سعد في "الطبقات" 1/ 112.
(3)
هم من الصوفية، كما صرح بذلك ابن العربي في "العارضة" 10/ 281.
(4)
"الشفا" 1/ 238 وما بعدها.
(5)
"الطبقات الكبرى" 1/ 104، عن أبي عامر العقدي، عن زهير بن محمد.
(6)
"الطبقات الكبرى" 1/ 104، عن الواقدي، وهو متروك.
(7)
"الشفا" 1/ 231، 232، 233، 234. من مواضع متفرقة فيه.
وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} هو محمد كما قاله أبو سعيد الخدري وجماعة
(1)
.
وأطلقت البشرى في هذِه الآية، وذكرها في غيرها مع الشرط إعلامًا بأن نجاة الجميع في ذلك اليوم بهذا القدم الصدق فيه يتقدم إلى ربه جميع صفوف المرسلين.
وفي مسلم من حديث أبي بن كعب: "وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى فيه الخلق كلهم حتى إبراهيم"
(2)
.
فإن قلت: كيف يجمع بين ما ذكرت وبين قوله في الحديث السالف: "لي خمسة أسماء".
قلت: لا تنافي فإنها ليست صيغة حصر، أو إنها في الكتب القديمة، أو إن هذا من تصرف الراوي بدليل الزيادة من الراوي الواحد كما سلف في حديث جبير، اجتمع فيه ستة محمد أحمد الماحي الحاشر العاقب الخاتم.
فصل:
(أحمد) علم منقول من صفة لا من فعل، وتلك الصفة أفعل التي يراد بها التفضيل فمعنى أحمد أي أحمد الحامدين لربه، وكذلك هو
(1)
عن أبي سعيد الخدري: رواه ابن مردويه كما في "فتح الباري" 8/ 346، "الدر المنثور" 3/ 536، بإسناد ضعفه الحافظ.
وروي عن علي، عند ابن مردويه، كما في المصادر السابقة، وقد علق البخاري في "صحيحه" قبل حديث (4680) مثله عن زيد بن أسلم، قال الحافظ في "الفتح" 8/ 346: وهو في "تفسير ابن عيينة": أخبرت عن زيد بن أسلم. اهـ. ووصله ابن جرير في "تفسيره" 6/ 529 (17557).
(2)
برقم (820) كتاب: صلاة المسافرين، باب: بيان أن القرآن على سبعة أحرف.
في المعنى لأنه يفتح عليه في المقام المحمود محامد لم تفتح على أحد قبله كما ثبت عنه فيحمد ربه بها، وكذلك يعقد له لواء الحمد يوم القيامة ليتم له كمال الحمد
(1)
ويشتهر في تلك العرصات بصفات الحمد، ويبعثه ربه مقامًا محمودًا يحمده فيه الأولون والآخرون بشفاعته لهم كما وعده.
ومن أسمائه تعالى الحميد، ومعناه المحمود؛ لأنه حمد نفسه وحمده عباده، ويكون أيضًا بمعنى الحامد لنفسه ولأعمال الطاعات وسمي نبينا به وبمحمد فأحمد بمعنى أكثر من حمد، وأجل من حمد، ومحمد بمعنى محمود، وكذا وقع اسمه في زبور داود
(2)
.
وقد أشار إلى نحو هذا البيت السالف. وفي شعر عبد المطلب، ويروى لغيره محمد، وهو في التوراة محمود.
ومحمد منقول من صفة؛ لأنه في معنى محمود، ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار، ودليل الكثرة وبلوغ النهاية في الحمد، هو الذي حمد مرة بعد مرة كما أن المكرم من أكرم مرة بعد مرة، وكذلك الممدوح تقول في الحمد محمد، وهو دليل على كثرة المحامد وبلوغ النهاية في الحمد، ومما يدل على ذلك قول العرب حُماداك أن تفعل كذا أي: قصاراك وغايتك، وفعلك المحمود منك غير المذمم، وتقول: أتيت موضع كذا فأحمدته أي: صادفته محمودًا موافقًا، وذلك إذا رضيت سكناه أو مرعاه، ويقال: هذا رجل محمود فإذا بلغ النهاية في ذلك وتكاملت فيه المحاسن والمناقب فهو محمد، قال الأعشى ميمون:
(1)
من (ص 1).
(2)
"الشفا" 1/ 236.
إِلَيكَ أَبَيتَ اللَّعنَ كَانَ وَجيِفُهَا
(1)
…
إِلَى المَاجِدِ القَرْمِ الجواد المُمَجَّدِ
(2)
أراد الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة، واسم نبينا صادق عليه فهو محمد في الدنيا بما هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة، وهو محمود في الآخرة بالشفاعة، فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضي اللفظ، وقد تفطن العباس بن مرداس السلمي لحكمة نبوته، ومعنى دقيق، وعرض نبيل حيث يقول:
إِنَّ الإِلَهَ ثَنَى عَلَيكَ مَحَبَّةً
…
مِن خَلْقِهِ وَمُحَمَّدًا سَمَّاكَا
لأن الثناء تركب على أس، فأسس له تعالى مقدماته لنبوته، منها تسميته محمدًا قبل أن يولد، ثم لم يزل يدرجه في محامد الأخلاق وما تحبه القلوب من الشيم حتى بلغ إلى أعلى المحامد مرتبة وتكاملت له المحبة من الخالق والخليقة، وظهر معنى اسمه فيه على الحقيقة فهو اللبنة التي استتم بها البناء كما أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه، ثم إنه لم يكن محمدًا حتى كان أحمد، حمد ربه فنبأه وشرفه فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد، فذكره عيسى فقال:{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} فأحمد ذكر قبل أن يذكر محمد؛ لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له فلما وجد وبعث كان محمدًا بالفعل، وكذا في الشفاعة يكون أحمد الناس لربهم ثم يشفع فيحمد على شفاعته، فانظر كيف ترتب هذا الاسم قبل الاسم الآخر في الذكر والوجود، وفي الدنيا والآخرة تلح لك الحكمة الإلهية في تخصيصه بهما، وانظر كيف نزلت عليه سورة الحمد، وخص بلواء الحمد
(1)
ورد في هامش الأصل: كلالها (خ) تعني: نسخة.
(2)
"ديوانه" ص (225). وفيه كلالها بدل وجيفها، والفرع بدل القرم.
وبالمقام المحمود، وكيف شرع لنا سنة ومنهاجًا أن نقول عند اختتام. الأفعال الحمد لله رب العالمين، وقال تعالى:{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} تنبيهًا أن الحمد مشروع لنا عند انقضاء الأمور، وسن الحمد بعد الأكل والشرب، وقال عند انقضاء السفر:"آيبون تائبون لربنا حامدون"
(1)
.
فصل:
قال القاضي عياض في "الشفا": حمى الله تعالى أن يسمى بأحمد ومحمد قبل زمانه، أما أحمد الذي أتى في الكتب وبشرت به الأنبياء فمنع الله بحكمته أن يسمى به أحد غيره، ولا يُدعى به مدعوٌّ قبله حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك، وكذلك محمد أيضًا لم يسم به أحد من العرب ولا غيرهم إلى أن شاع قبل وجوده أن نبيًّا يبعث اسمه محمد فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، وهم محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، ومحمد بن بَرَّاء البكري، ومحمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد بن حمران الجعفي، ومحمد بن خزاعي السلمي، لا سابع لهم.
ويقال: إن أول من سمي بمحمدٍ ابن سفيان، واليَمَن تقول: بل محمد بن اليُحْمَدِ من الأزد، ثم حمى الله عز وجل كل من تسمى به أن يدعي النبوة، أو يدعيها أحد له أو يظهر عليه سبب يشكك أحدًا في أمره حتى تحققت السمتان له، ولم ينازع فيهما
(2)
.
(1)
تقدم برقم (1797) كتاب: العمرة، باب: ما يقول إذا رجع من الحج، من حديث ابن عمر.
(2)
"الشفا" 1/ 229 - 231.
وقوله: (لا سابع لهم) فيه نظر فقد ذكر هو سابعًا بعد كما أسلفناه عنه. وذكر محمد بن سعد أيضًا محمد بن عدي بن ربيعة بن سعد بن سواءة بن جشم بن سعد المنقري، عداده في أهل الكوفة، ومحمد الأسيدي، ومحمد الفُقَيْمِي
(1)
. وعند ابن دريد: ومحمد بن خَولي الهمداني
(2)
، وفي "دلائل النبوة" لأبي نعيم: ومحمد بن يزيد بن ربيعة، ومحمد بن أسامة بن مالك، ومحمد بن عثمان بن ربيعة بن سواءة، وينظر هذا مع ما ذكره ابن سعد، وعند ابن الجميل
(3)
: ومحمد بن عتواره الليثي، ومحمد بن حرماز بن مالك العمري، وفي ذكره محمد بن مسلمة الأنصاري معهم نظر من حيث أن أبا عبد الرحمن العتقي، وأبا نعيم الأصبهاني وغيرهما قالوا: كان مولده سنة ثلاث وعشرين من مولد نبينا صلى الله عليه وسلم.
فصل:
قوله: ("على قدمي")، وفي رواية "على عقبي" هو بتخفيف الياء على الإفراد وبالتشديد على التثنية، يعني: أن الخلق يحشرون يوم القيامة على أثره، أي ليس بينه وبين القيامة نبي آخر ولا أمة أخرى، وقيل:"على قدمي": على سنتي، وقيل: بعدي أي يتبعوني إلا يوم القيامة، وقال ابن التين: معناه أنه يحشر أول الناس ثم يحشرون على أثره لأنه أول من تنشق عنه الأرض، وقيل: العقب ها هنا: الزمن أي: ملته لا تنسخ ويحشر الناس عليها، وقيل: يحشر الناس على قدمه أي
(1)
"الطبقات الكبرى" 1/ 169.
(2)
"الاشتقاق" ص (6)، "الجمهرة" 2/ 125.
(3)
في هامش الأصل: الظاهر أنه أبو الخطاب بن دحية الحافظ؛ لأن جده يقال له: الجميل. والله أعلم.
مشاهدته قائمًا لله وشاهدًا على أمته والأمم قال الله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} [المطففين: 6].
فصل:
والعاقب: الذي ليس بعده نبي كما سلف.
وقال ابن التين: سمي بذلك لأنه عقب من تقدمه من الأنبياء وقد سلف أيضًا، وقال الأعرابي: العاقب والعقوب الذي يخلف في الخير من كان قبله.
فصل:
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه لعله
(1)
من أفراده، واستدل به من أنكر الحد في كناية القذف، قيل: وهو قول أكثر العلماء ومالك يوجب فيه الحد، والحديث لم يخبر أنه لا شيء عليهم بل عوقبوا على ذلك وقتل بعضهم بالسيف، وهم آثمون في ذلك من غير شك ولا مرية.
(1)
في هامش الأصل: لم يعزه المزي في "أطرافه" إلا إلى البخاري .... دون بقية أصحاب الكتب، وسفيان في الحديث هو ابن عيينة، ذكره في ترجمته عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، والله أعلم.
18 - باب خَاتِمِ النَّبِيِّينَ صلى الله عليه وسلم
-
3534 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا سَلِيمٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ كَرَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَكْمَلَهَا وَأَحْسَنَهَا، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ، وَيَقُولُونَ لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ» . [مسلم: 2287 - فتح: 6/ 558]
3535 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ! " قَالَ: "فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ". [مسلم: 2286 - فتح: 6/ 558]
ذكر فيه حديث جابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلِي وَمَثَلُ الأنبِيَاءِ كَرَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَكْمَلَهَا وَأَحْسَنَهَا، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُوَنَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ، وَيَقُولُونَ: لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ".
وحديث أبي هريرة سلف مثله، وفيه:"إلا موضع لبنة من زاوية" وفيه: و"يقولون: هلا وضعت هذِه اللبنة" قال: "فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين".
الشرح:
اللبنة بكسر اللام وسكون الباء، وتقال بكسر الباء وفتح اللام، وذكر القرطبي في "أسمائه" هذا الحديث
(1)
. والزاوية: الركن؛ قاله الداودي.
قال ثعلب: الخاتم: الذي ختم به الأنبياء، والخاتم أحسن الأنبياء خَلقًا وخُلقًا.
(1)
انظر: "المفهم" 6/ 87.
وقوله: ("مثلي")، قال في "الصحاح": مثل كلمة تسوية يقال: هذا مثله ومثله كما يقال: شبهه وشبهه بمعنى. قال: والمثل ما يضرب به من الأمثال، قال: ومثل الشيء أيضًا صفته
(1)
. وفي "الجمهرة": المثل: النظير والمثل السائر معروف
(2)
. قال ابن الجوزي في "غريبه" ومن خطه نقلت: كأن المثل مأخوذ من المثل
(3)
.
(1)
"الصحاح" 5/ 1816 مادة: مثل.
(2)
"الجمهرة" 1/ 432 مادة: مثل.
(3)
"غريب الحديث" 2/ 342.
19 - باب وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
-
3536 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَهْوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ مِثْلَهُ. [4466 - مسلم: 2349 - فتح: 6/ 559]
ذكر فيه من حديث الزهري عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّه صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَهْوَ ابن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وَقَالَ ابن شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ بمِثْلَهُ.
الشرح:
هذا الحديث ذكره البخاري أيضًا في أواخر الغزوات، وترجم عليه هذِه الترجمة أيضًا
(1)
، وهذا هو الأصح في سنه عليه أفضل الصلاة والسلام، وروي أيضًا عن ابن عباس ومعاوية رضي الله عنه
(2)
. قال البيهقي: وهو قول سعيد ابن المسيب والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي وإحدى الروايتين عن أنس
(3)
، وفيه قول ثان: على رأس ستين. رواه أنس وصححه في "الإكليل"، وأسنده ابن سعد من طريقين عنه، وقاله أيضًا عروة ويحيى بن جعدة والنخعي
(4)
، وثالث ابن خمس وستين رواه مسلم من حديث عمار بن أبي عمار عن ابن عباس
(5)
، وصححه أبو حاتم
(1)
برقم (4466).
(2)
أما حديث ابن عباس فسيأتي برقم (3902) كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة. وحديث معاوية رواه مسلم (2352) كتاب: الفضائل باب: كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة.
(3)
"دلائل النبوة" 7/ 241.
(4)
"طبقات ابن سعد" 2/ 308.
(5)
برقم (2353) كتاب: الفضائل، باب: كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة.
الرازي في "تاريخه"، وأما البخاري فذكره في "تاريخه الصغير"
(1)
عن عمار ثم قال: ولا يتابع عليه، وكان شعبة يتكلم في عمار
(2)
.
قلت: وذكره ابن أبي خيثمة أيضًا من حديث علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس، ورواه ابن سعد عن سعيد بن سليمان عن هشيم، أنا علي، فذكره، وذكره البيهقي من حديث عمار عن ابن عباس فيما يحسب
(3)
.
وأخرجه أيضًا -أعني البيهقي- عن دغفل بن حنظلة
(4)
، وفي "تاريخ ابن عساكر": ثنتان وستون سنة ونصف. وفي "كتاب عمر بن شبة": إحدى أو اثنتان -لا أراه بلغ ثلاثا- وستين سنة.
فائدة:
عند البزار من حديث ابن مسعود رضي الله عنه توفي في إحدى وعشرين من رمضان، وكذلك عيسى، ويوشع، وأعلَّ.
أخرى: لما ذكر أبو جعفر الطبري قول الكلبي وأبي مخنف
(5)
: أنه عليه السلام توفي في ثاني ربيع الأول قال: هذا القول وإن كان خلاف الجمهور فإنه لا يبعد إن كانت الثلاثة أشهر التي قبله كلها كانت تسعًا وعشرين يومًا
(6)
.
(1)
من (ص 1).
(2)
"التاريخ الصغير" 1/ 29.
(3)
رواه ابن سعد في "الطبقات" 2/ 310، والبيهقي في "الدلائل" 7/ 240.
(4)
"دلائل النبوة" 7/ 241.
(5)
في هامش الأصل: واسمه لوط بن يحيى، هالك تالف.
(6)
هذا القول فيه نظر، ولا ينسب منه إلى الطبري إلا ما ذكره عن أبي مخنف والكلبي كما في "تاريخه" 2/ 232، والذي قال هذا القول هو السهيلي، في "الروض الأنف" 4/ 270، وأورده المصنف هنا منه، ولم يشر إلى ذلك، فحمله منه ونقله على أنه تتمة كلام الطبري وليس كذلك والله أعلم.
قلت: وهو قول أنس بن مالك، ومحمد بن عمر الأسلمي، والمعتمر بن سليمان عن أبيه، وأبي معشر عن محمد بن قيس، قالوا ذلك أيضًا، حكاه البيهقي
(1)
والقاضي أبو بكر بن كامل في "البرهان".
وقال السهيلي في "روضه": اتفقوا على أنه توفي يوم الإثنين وقالوا كلهم في ربيع الأول، غير أنهم قالوا أو أكثرهم: في الثاني عشر منه، أو الثالث عشر، أو الرابع عشر، أو الخامس عشر. قال: ولا يصح أن تكون وفاته يوم الإثنين لا في الثاني عشر من الشهر، أو الثالث عشر، أو الرابع عشر، أو الخامس عشر؛ لإجماع المسلمين على أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة تاسع ذي الحجة، فدخل ذو الحجة يوم الخميس فكان المحرم إما الجمعة وإما السبت، فإن كان الجمعة فقد
(كان صفر إما السبت وإما الأحد، فإن كان السبت فقد)
(2)
كان ربيع إما الأحد أو الإثنين، وكيفما دارت الحال على هذا الحساب فلم يكن الثاني عشر من ربيع الأول يوم الإثنين بوجه. وعن الخوارزمي: توفي عليه السلام في أول يوم من ربيع الأول. قال: وهذا أقرب إلى القياس
(3)
.
وعن المعتمر بن سليمان عن أبيه أنه عليه السلام مرض يوم السبت لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، بداية وجعه عند وليدته ريحانة، وتوفي في اليوم العاشر. وعند أبي معشر عن محمد بن قيس: اشتكى عليه السلام يوم الأربعاء لإحدى عشر بقيت من صفر في بيت زينب بنت جحش، فمكث ثلاثة عشر يومًا
(4)
. وعند الواقدي عن أم سلمة أم المؤمنين أنه بدئ به
(1)
الذي في "دلائل النبوة" 7/ 234 ليس فيه قول أنس ومحمد بن عمر الأسلمي.
(2)
من (ص 1).
(3)
"الروض الأنف" 4/ 270.
(4)
"دلائل النبوة" 7/ 234.
وجعه في بيت ميمونة أم المؤمنين
(1)
.
وقال ابن دحية: قال أهل الصحيح بإجماع: إنه توفي يوم الإثنين. وقال أهل السير: مثل الوقت الذي دخل فيه المدينة، وذلك حين ارتفع الضحاء. وفي البيهقي عن أنس أن الصديق صلى بالناس العشاء الآخرة ليلة الجمعة، ثم يومها، ثم السبت، ثم الأحد، ثم صح الإثنين، وتوفي عليه السلام ذلك اليوم. وعند الواقدي: كانت مدة مرضه اثني عشر يومًا، وقيل أربعة عشر.
(1)
كما في "دلائل النبوة " 7/ 235.
20 - باب كُنْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
-
3537 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي السُّوقِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ. فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» . [انظر: 2120 - مسلم: 2131 - فتح: 6/ 560]
3538 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» . [انظر: 3114 - مسلم: 2133 - فتح: 6/ 560]
3539 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» . [انظر: 110 - مسلم: 2134 - فتح: 6/ 560]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث: حديث أنس رضي الله عنه: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي السُّوقِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا القَاسِمِ. فَالْتَفَتَ إليه النَّبِيُّ
(1)
صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ)
(2)
: "تسَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي"
ثانيها: حديث جابر: "تسموا باسمي .. " إلا آخره.
ثالثها: حديث أبي هريرة قال: قال أبو القاسم .. فذكره.
الشرح:
حاصل ما ذكره أن كنيته أبو القاسم، وقد سلف الخلاف هل نتكنى به نحن واضحا، فراجعه. وفي رواية:"لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي، أنا أبو القاسم، الله يرزق وأنا أقسم"
(3)
وهو أحد ما قيل في الحديث
(1)
من الأصل وعليها (لا .. إلى).
(2)
ساقطة من الأصل.
(3)
رواه أحمد 2/ 33، وصححه ابن حبان 13/ 134 من حديث أبي هريرة.
لا تجمعوا بينهما، وترجم عليه الترمذي في "جامعه" باب (ما جاء في)
(1)
كراهية الجمع بين اسمه وكنيته، ثم أخرج من حديث أبي هريرة أن النبي رضي الله عنه نهى أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته، ويسمي محمدًا أبا القاسم ثم قال: حسن صحيح
(2)
، ثم روى من حديث جابر مرفوعًا:"إذا سميتم بي فلا تكتنوا بي" ثم قال: حسن غريب، وصححه ابن حبان والبيهقي في "شعب الإيمان"
(3)
وروى الترمذي أيضًا عن محمد ابن الحنفية، عن علي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أرأيت إن وُلد لي بعدك ولد أسميه محمدًا وأكنيه بكنيتك؟ قال:"نعم"، فكانت رخصة لي، ثم قال: صحيح
(4)
.
قال الأستاذ أبو بكر محمد بن خير -فيما حكاه عنه ابن دحية-: كُني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي القاسم لأنه يقسم الجنة بين الخلق يوم القيامة.
قلت: ويكنى أيضًا بأبي إبراهيم باسم ولده كما كني بأبي القاسم باسم ولده القاسم. روى البيهقي من حديث أنس أنه لما ولد إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من مارية جاريته كاد يقع
(5)
في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم منه حتى أتاه جبريل، فقال: السلام عليك أبا إبراهيم. وفي رواية له: يا أبا إبراهيم
(6)
. وذكره ابن سعد أيضًا
(7)
.
(1)
من (ص 1).
(2)
"سنن الترمذي"(2841).
(3)
"سنن الترمذي"(2842)، "صحيح ابن حبان" 13/ 133، "شعب الإيمان" 2/ 146.
(4)
"سنن الترمذي"(2843)، وفي النسخ المطبوعة: حسن صحيح.
(5)
في هامش الأصل تعليق نصه: رأيته في "مسند أحمد" من حديث أنس بلفظ: وقع. من حديث أنس، وكذا عزاه السهيلي في "روضه" إليه.
(6)
"السنن الكبرى" 7/ 678.
(7)
"الطبقات الكبرى" 1/ 135.
قلت: وله ثالثة وهو: أبو الأرامل.
فائدة:
الكنية بضم الكاف، سميت بذلك لأنها تورية عن الاسم، من قولهم: كنيت عن أمر كذا إذا تكلمت بغيره مما يستدل به عليه.
وفي كتاب الخليل: الصواب أنه يقال: يُكنى بأبي عبد الله، ويكنى بعبد الله
(1)
.
(1)
"العين" 5/ 411.
21 - باب
3540 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: رَأَيْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ ابْنَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ جَلْدًا مُعْتَدِلاً فَقَالَ قَدْ عَلِمْتُ مَا مُتِّعْتُ بِهِ سَمْعِي وَبَصَرِي إِلاَّ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِنَّ خَالَتِي ذَهَبَتْ بِى إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي شَاكٍ فَادْعُ اللهَ. قَالَ: فَدَعَا لِي. [انظر: 190 - مسلم: 2345 - فتح: 6/ 560]
ذكر فيه حديث الجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: رَأَيْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ ابن أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ جَلْدًا مُعْتَدِلًا فَقَالَ قَدْ عَلِمْتُ مَا مُتِّعْتُ بِهِ سَمْعِي وَبَصَرِي إِلَّا بِدُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِنَّ خَالَتِي ذَهَبَتْ بِي إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابن أُخْتِي شَاكٍ فَادْعُ اللهَ له. قَالَ: فَدَعَا لِي
(1)
.
هذا
(2)
الحديث سيذكره على الإثر في باب خاتم النبوة مطولاً وذكر طرفا منه في الحج. وظهر لي في وجه إيراده هنا عقب باب الاسم وباب الكنية كيفية ندائه بيا رسول الله لا باسمه كما قال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} فذكر أولاً اسمه، ثم كنيته، ثم ذكر كيفية ندائه.
والسائب بن يزيد هذا هو ابن سعيد أبو يزيد المعروف بابن أخت نمر، قيل: إنه ليثي كناني، وقيل: أزدي، وقيل: كندي حليف بني أمية، ولد في السنة الثانية. وخرج في الصبيان إلى ثنية الوداع يتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم (مقدمه من تبوك)
(3)
وشهد حجة الوداع. وفصل ابن
(1)
في الأصل: له.
(2)
من (ص 1).
(3)
من (ص 1).
منده بينه وبين السائب بن يزيد
(1)
. قال عطاء مولى السائب إنه كان مقدم رأسه أسود لأنه عليه السلام مسحه
(2)
، وهو هو. وأمه علية بنت شريح الحضرمية، ومخرمة بن شريح خاله، والجعيد بن عبد الرحمن، قال فيه جماعة: الجعد مكبرًا.
(1)
"معرفة الصحابة" 2/ 744.
(2)
رواه البيهقي في "دلائل النبوة" 6/ 209.
22 - باب خَاتِمِ النُّبُوَّةِ
3541 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنِ الجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَقَعَ. فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَتَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمٍ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ: الحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِى بَيْنَ عَيْنَيْهِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ: مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ. [انظر: 190 - مسلم: 2345 - فتح: 6/ 561]
ذكر فيه حديث الجعيد أيضًا عن السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابن أُخْتِي وَقَعَ. فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَتَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النبوة بَيْنَ كَتِفَيْهِ. قَالَ ابن عُبَيْدِ اللهِ: الحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الفَرَسِ الذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وقَالَ إِبْرَاهِيمُ: مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ.
الشرح:
قد عرفت ترجمة السائب. وعند ابن سعد: كان السائب من هامته إلى مقدم رأسه أسود، وسائر رأسه ولحيته وعارضه أبيض، فسئل فقال: مرَّ بي رسول الله وأنا ألعب مع الصبيان فقال: "من أنت؟ " فقلت: السائب فمسح يده على رأسي وقال: "بارك الله فيك" فهو لا يشيب أبدًا. وقال أبو مودود: رأيت السائب أبيض الرأس واللحية
(1)
.
وفيه فوائد:
أولها: صحة إسماعه كبيرًا ما سمعه صغيرًا.
ثانيها: كون موضعه لم يبيض؛ لأنه دعا له بالبركة وأصلها دوام
(1)
"الطبقات الكبرى"(القسم المتمم) ص 449.
ما هو حاصل، وهو من البروك أي الثبوت، وقيل في تفسير قوله تعالى:(تبارك) أي الذي دام ملكه وثبت، فلهذا ثبت جمال شبابه، والشيب أيضًا فضيلة ولهذا ابيضت لحيته ليحصل له الأمران.
ثالثها: تتبع آثار الصالحين.
وأما صفة خاتمه الكريم شرفه الله فذكره في باب الدعاء للصبيان من كتاب الدعاء أتم من هذا
(1)
، وفيه: فنظرت إلا خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة، وهي واحدة الحجال وهي الستور، وهذا أولى ما قيل فيه، والزر واحد الأزرار التي تدخل في العربي كأزرار القميص، ومن فسر الزر بالبيض نظر إلى ما ورد في بعض الطرق: مثل بيضة الحمامة، فجعل الزر البيضة.
والحجلة: الطائر الذي يسمى القيح، وبه فسره الترمذي حيث قال: زر الحجلة: بيضها، وأخرج من حديث سمرة رضي الله عنه: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم الذي بين كتفيه غدة حمراء مثل بيضة الحمامة
(2)
، وقاله الخطابي بتقديم الراء على الزاي (أخذه من رزِّ الجراد، وهو بيضها، واستعاره الطائر
(3)
.
واعترض السهيلي على الترمذي وقال: توهم أن الحجلة من القيح، وهو وهم، إنما هو حجلة السرير واحدة الحجال، وزرها الذي يدخل في عروتها
(4)
، وما ذكره إنما يأتي على تقديم الراء على الزاي)
(5)
كما حكاه البخاري عن إبراهيم بن حمزة، من ارتز الشيء إذا دخل في الأرض،
(1)
سيأتي برقم (6352) كتاب: الدعوات.
(2)
"سنن الترمذي"(3644).
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 1590.
(4)
"الروض الأنف" 1/ 206.
(5)
ما بين القوسين ساقط من (ص 1).
ومنه الرزة، قال: لأن الحجلة إذا أرادت أن تبيض رزت ذنبها بالأرض من شدة ما تلاقيه. قال الخطابي: زعم قوم أن زر الحجلة بيض الحجل
(1)
، ورواية إبراهيم بن حمزة تدل عليه قال: وهو من قولك: يقال أزرت الجرادة إذا أناخت ذنبها في الأرض فباضت، فاستعاره للطائر.
وتفسير شيخ البخاري محمد بن عبيد الله الحجلة من حجل الفرس الذي بين عينيه: فيه نظر؛ لأن تحجيل الفرس إنما هو أن يعلو أرساغه الأربعة بقوائمه، والحجلة بفتحهما هي الكلة التي تكون على السرير، وأما التي بين عيني الفرس فهو الغرة وبينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"غرًّا محجلين من آثار الوضوء"
(2)
نبه عليه ابن التين، وقال بعد كلام الخطابي السالف: والذي رويناه إنما خالف في رواية إبراهيم بن حمزة في ضم حاء الحجلة، فرواها بفتح الحاء والجيم، وهي قبل ذلك بضم الحاء وسكون الجيم.
قلت: وقيده بعضهم بضم الحاء وسكون الجيم وفتحها، وبكسر الحاء وفتح الجيم، ذكره ابن دحية واقتصر في "تنويره" على الأول.
وقال النووي: الصحيح المشهور فتحهما واحدة الحجال، وهي بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى إلا الطائر
(3)
، كما أشار إليه الترمذي وأنكره عليه العلماء
(4)
.
وقال البيهقي في "دلائله": المعروف زر بتقديم الزاي على الراء
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 1591.
(2)
سلف برقم (136) كتاب: الوضوء، باب: فضل الوضوء.
(3)
سلف برقم (136) كتاب: الوضوء، باب: فضل الوضوء.
(4)
"شرح مسلم" للنووي 15/ 98.
ورواه بعضهم بالراء قبله
(1)
.
قلت: وروي في صفة الخاتم الكريم غير ذلك والمعنى متقارب، ففي أفراد مسلم من حديث عبد الله بن سرجس قال: نظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى جمعًا عليه خيلان كأنها
(2)
الثآليل
(3)
. وجمعا بضم الجيم وكسرها، وفي رواية: ورأيت العلامة التي فيه وهي إلى أصل نغض كتفه، عليه خيلان كهيئة الثآليل
(4)
.
وفي أفراده أيضًا من حديث جابر بن سمرة: ورأيت خاتم النبوة بين كتفيه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده
(5)
.
وفي "الدلائل" للبيهقي من حديث معاوية بن قرة عن أبيه: فإذا هو على نغض كتفه مثل البيضة. وفي لفظ: مثل السلعة
(6)
. ومن حديث أبي رمثة: مثل السلعة بين كتفيه
(7)
. وفي لفظ: فإذا خلف كتفيه مثل التفاحة
(8)
.
وفي لفظ: فإذا في نغض كتفه مثل بعرة البعير أو بيضة الحمامة.
وقال أبو سعيد: الختم الذي بين كتفيه لحمة ناتئة. ومن حديث سليمان الفارسي: فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمام
(9)
.
(1)
"دلائل النبوة" 1/ 262.
(2)
في (ص 1): كأمثال.
(3)
برقم (2346) كتاب: الفضائل، باب: إثبات خاتم النبوة ووصفه.
(4)
رواها البيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 264.
(5)
مسلم (2344) كتاب: الفضائل، باب: شيبه صلى الله عليه وسلم.
(6)
"دلائل النبوة" 1/ 264 - 265.
(7)
رواه أحمد 2/ 226، والبيهقي في "الدلائل" 1/ 265.
(8)
رواه أحمد 4/ 163.
(9)
"دلائل النبوة" 1/ 265 - 266.
وفي رواية من حديث آخر، قال التنوخي رسول هرقل: فجلت في ظهره، فإذا أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة
(1)
.
وفي "السير" عن ابن هشام: كأثر المحجم
(2)
. يعني: أثر المحجمة القابضة على اللحم حتى يكون ناتئا. ولابن عبد البر: كركبة العنز. ولابن أبي خيثمة: كشامة سوداء تضرب إلى الصفرة حولها شعرات متواليات كأنها عرف الفرس. وقيل: كان بمنكبه الأيمن بأسفل كتفه شامة خضراء منحفرة في اللحم قليلاً، رواه البيهقي في "دلائله" في آخر باب جامع صفته من حديث عائشة رضي الله عنها
(3)
.
والترمذي: كالتفاحة
(4)
. ولابن إسحاق: كبضعة ناشزة من لحم كون بدنه
(5)
. وليحيى بن مالك بن عائذ: كان نورًا يتلألأ. قال: ولما شق صدره ختم بخاتم له شعاع بين كتفيه وثدييه وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم برده زمانًا.
ولأبي عبد الله القضاعي في "تاريخه" كانت ثلاث شعرات مجتمعات، وقيل كان خيلان مجتمعة، وفي "المستدرك" مصححًا: كان شعرًا مجتمعًا
(6)
.
(1)
رواه أحمد 3/ 442.
(2)
"سيرة ابن هشام" 3/ 196.
(3)
"دلائل النبوة" 1/ 304، وليس فيه ذكر عائشة، وإنما أطلق القول.
(4)
"سنن الترمذي"(3620) قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" 1/ 57: وهو منكر جدًّا. قال الألباني: الحديث صحيح وذكر بلال فيه خطأ.
فإنه لم يكن يومئذٍ قد خلق بعد. "مشكاة المصابيح"(5918).
(5)
"سيرة ابن إسحاق" ص (71).
(6)
"المستدرك" 2/ 606.
وفي حديث عمرو بن أخطب عند ابن عساكر: كشيء يختم به مثل إنسان قال بظفره عليه.
وفي "صحيح ابن حبان" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: مثل البندقة من لحم مكتوب فيه: محمد رسول الله
(1)
.
وللترمذي الحكيم: كبيضة حمام مكتوب في باطنها: الله وحده لا شريك له وفي ظاهرها: توجه حيث شئت فإنك منصور.
ولأحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل في السيرة: عذرة كعذرة الحمامة. قال أبو أيوب أحد رواته: يعني قرطمة الحمامة وهي التي بجانب أنفها.
وللحاكم في "تاريخ نيسابور" عن عائشة رضي الله عنها: كتينة صغيرة تضرب إلى الدهمة، وكان مما يلي الفقار، قالت: فلمسته حين توفي فوجدته قد رفع.
وفي "دلائل البيهقي": لما شكوا في موته وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه فوجدت الخاتم قد رفع قالت: قد توفي
(2)
.
وفي "دلائل أبي نعيم": أنه عليه السلام لما ولد ذكرت أمه أن الملك غمسه في الماء الذي أتبعه ثلاث غمسات ثم أخرج سورة من حرير أبيض فإذا فيها خاتم، فضرب على أنفه كالبيضة المكنونة تضيء كالزهرة.
(1)
"صحيح ابن حبان" 14/ 210 (6302) قال الحافظ في "الفتح" 6/ 563: لا يثبت من ذلك شيء.
(2)
"دلائل النبوة" 7/ 219. قال ابن كثير في "البداية والنهاية" 5/ 244: هكذا أورده الحافظ البيهقي في كتابه "دلائل النبوة" من طريق الواقدي وهو ضعيف، وشيوخه لم يسموا، ثم هو منقطع بكل حال ومخالف لما صح، وفيه غرابة شديدة، وهو رفع الخاتم، فالله أعلم بالصواب.
قال ابن عائذ: ولم يدر هل كان خاتم النبوة خلق به أم وضع فيه بعد ما ولد وحين نبئ. وقد أسند عن أبي ذر رضي الله عنه: أن ملكين وضعاه في بطنه ببطحاء مكة
(1)
، ووهم القاضي ثم السهيلي قوله: ببطحاء مكة فإن هذا كان في بني سعد مع حليمة كما ذكره ابن إسحاق
(2)
.
ونقل النووي عن القاضي أنه قال: هذا الخاتم هو أثر شق الملكين بين كتفيه ثم قال: هذا الذي قاله ضعيف أو باطل لأن شق الملكين إنما كان في صدره وبطنه
(3)
، قال تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)} وفي الحديث: كان أثره خطًّا واضحًا في صدره ولم يأت في شيء من الأحاديث أنه بلغ بالشق حتى نفذ إلى ظهره، ولو كان ذلك للزم أن يكون مستطيلًا من بين كتفيه إلا أسفل من ذلك؛ لأنه الذي يحاذي الصدر من سرته إلى مراق بطنه.
فصل:
الحكمة في الخاتم على وجه الاعتبار أن قلبه لما ملئ حكمة وإيمانا -كما في الصحيح
(4)
- ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكا
(5)
أو درًّا، فجمع الله أجزاء النبوة له وتممه وختم عليه بخاتم، فلم يجد عدوه سبيلا إليه من أجل ذلك الختم لحراسته؛ لأن المختوم محروس، وكذا تدبير الله لنا في هذِه الدنيا إذا وجد الشيء بختمه زال الشك،
(1)
رواه الدارمي 1/ 164 (14)، وابن أبي الدنيا في "الهواتف"(3)، والعقيلي في "الضعفاء" 1/ 183، وضعفه العقيلي بجعفر بن عبد الله. أحد رواته.
(2)
"السيرة" لابن إسحاق ص (26)، "الروض الأنف" 1/ 189،
(3)
"شرح مسلم" اللنووي 15/ 99.
(4)
مسلم برقم (164) كتاب: الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات.
(5)
"الروض الأنف" 1/ 191.
وانقطع الخصام فيما بين الآدميين، فكذلك ختم رب العالمين في قلبه ختمًا تضامن له القلب وبقي النور فيه، ونفذت قوة القلب إلى الصلب وظهرت بين الكتفين كالبيضة، ومن أجل ذلك برز بالصدق على أهل الموقف وصارت له الشفاعة من بين الرسل بالمقام المحمود؛ لأن ثناء الصدق هو الذي استحقه إذ خصه ربه بما لم يخص به أحدا.
فصل:
إن قلت: ما الحكمة في كونه عند نغض كتفه؟
قلت: لقيام العصمة به، وذلك الموضع منه يوسوس الشيطان لابن آدم. وذكر ابن عبد البر عن ميمون بن مهران، عن عمر بن عبد العزيز أن رجلاً سأل ربه سنة
(1)
أن يريه موضع الشيطان منه فأري جسدًا ممهى يرى داخله من خارجه ورأى الشيطان في صورة ضفدع عند نغض كتفه حذاء قلبه، له خرطوم كخرطوم البعوضة وقد أدخله في منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس إليه، فإذا ذكر الله العبد خنس
(2)
.
(1)
من (ص 1).
(2)
"الروض الأنف" وقوى سنده الحافظ في "الفتح" 6/ 563.
23 - باب صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
-
3542 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِى حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه العَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَقَالَ: بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ لَا شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ. وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ. [3750 - فتح: 6/ 563]
3543 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ الْحَسَنُ يُشْبِهُهُ. [3544 - مسلم: 2343 - فتح: 6/ 563]
3544 -
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام يُشْبِهُهُ قُلْتُ لأَبِي جُحَيْفَةَ صِفْهُ لِي. قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ قَدْ شَمِطَ. وَأَمَرَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثَ عَشْرَةَ قَلُوصًا قَالَ: فَقُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ نَقْبِضَهَا. [انظر: 3543 - مسلم: 2343 - فتح: 6/ 564]
3545 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبٍ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَرَأَيْتُ بَيَاضًا مِنْ تَحْتِ شَفَتِهِ السُّفْلَى الْعَنْفَقَةَ. [مسلم: 2342 - فتح: 6/ 564]
3546 -
حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ بُسْرٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَرَأَيْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ شَيْخًا قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ. [فتح: 6/ 564]
3547 -
حَدَّثَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ
عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ. قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعَراً مِنْ شَعَرِهِ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ فَسَأَلْتُ فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ. [3548، 5900 - مسلم: 2347 - فتح: 6/ 564]
3548 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَا بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ وَلَيْسَ بِالآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَتَوَفَّاهُ اللهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. [انظر: 2337 - فتح: 6/ 564]
3549 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ. [مسلم: 2337 - فتح: 6/ 564]
3550 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ فِي صُدْغَيْهِ. [5894، 5895 - مسلم: 2341 - فتح: 6/ 564]
3551 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ: إِلَى مَنْكِبَيْهِ. [5848، 5901 - مسلم: 2337 - فتح: 6/ 565]
3552 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سُئِلَ البَرَاءُ: أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ القَمَرِ. [فتح: 6/ 565]
3553 -
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ أَبُو عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ بِالْمَصِّيصَةِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم بِالْهَاجِرَةِ إِلَى البَطْحَاءِ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ. وَزَادَ فِيهِ عَوْنٌ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: كَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا المَرْأَةُ، وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ، فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ. قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ المِسْكِ. [انظر: 187 - مسلم: 503 - فتح: 6/ 565]
3554 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. [انظر: 6 - مسلم: 2308 - فتح: 6/ 565]
3555 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ:«أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ المُدْلِجِيُّ لِزَيْدٍ وَأُسَامَةَ -وَرَأَى أَقْدَامَهُمَا- إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ؟» . [3731، 6770، 6771 - مسلم: 1459 - فتح: 6/ 565]
3556 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ. [انظر: 2757 - مسلم: 2769 - فتح: 6/ 565]
3557 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الذِي كُنْتُ فِيهِ» . 4/ 230 [فتح: 6/ 566]
3558 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، فَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ. [3558، 3944، 5917 - مسلم: 2336 - فتح: 6/ 566]
3559 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ:«إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا» . [3759، 6029، 6035 - مسلم: 2321 - فتح: 6/ 566]
3560 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا. [6126، 6786، 6853 - مسلم: 2327 - فتح: 6/ 566]
3561 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ -أَوْ عَرْفًا قَطُّ- أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ -أَوْ عَرْفِ- النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1973 - مسلم: 2330 - فتح: 6/ 566]
3562 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. [6102، 6119 - مسلم: 2320 - فتح: 6/ 566]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ مَهْدِيٍّ قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ مِثْلَهُ: وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ.
3563 -
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلاَّ تَرَكَهُ.
3564 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ الأَسْدِيِّ 4/ 231 قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى نَرَى إِبْطَيْهِ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ: بَيَاضَ إِبْطَيْهِ. [انظر: 390 - مسلم: 495 - فتح: 6/ 567]
3565 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ، إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. [انظر: 1030 - مسلم: 895 - فتح: 6/ 567]
3566 -
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ أَبِي جُحَيْفَةَ ذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دُفِعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ بِالأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ كَانَ بِالْهَاجِرَةِ، خَرَجَ بِلَالٌ فَنَادَى بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ فَضْلَ وَضُوءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَقَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَأْخُذُونَ مِنْهُ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ العَنَزَةَ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ سَاقَيْهِ، فَرَكَزَ العَنَزَةَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ. [انظر: 187 - مسلم: 503 - فتح: 6/ 567]
3567 -
حَدَّثَنِي الحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثاً لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لأَحْصَاهُ. [3568 - مسلم: 2493 - فتح: 6/ 567]
3568 -
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو فُلَانٍ؟ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يُسْمِعُنِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ. [انظر: 3567 - مسلم: 2493 - فتح: 6/ 567]
ذكر فيه عدة أحاديث:
أحدها:
حديث عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ العَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي، فَرَأى الحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَقَالَ: بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ، لَا شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ. وهو يَضْحَكُ.
وهو دال على فضل الصديق وحفظه لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه من أحب.
وقوله: (بأبي) أي: فداك بأبي.
ثانيها:
حديث أَبِي جُحَيْفَةَ وهب بن عبد الله السوائي: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ الحَسَنُ يُشْبِهُهُ.
وعنه: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الحَسَنُ بن علي يُشْبِهُهُ قُلْتُ لأَبِي جُحَيْفَةَ: صِفْهُ لِي. قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ قَدْ شَمِطَ. وَأَمَرَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثَة عَشْرَ قَلُوصًا قَالَ: فَقُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ نَقْبِضهَا.
وعنه: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَرَأَيْتُ بَيَاضًا مِنْ تَحْتِ شَفَتِهِ السُّفْلَى العَنْفَقَةَ.
ومعنى شمط: خالطه الشيب، والقلوص الأنثى من الإبل، قال ابن التين: وكان حقه أن يقول ثلاث عشرة قلوصًا، وقيل: القلوص الباقية من النوق على السير، وقيل: هي الطويلة القوائم. وقال الداودي: هي الثنية من الإبل.
والعنفقة ما بين الشقة السفلى والذقن، قال في "المخصص": هي ما بينهما كان عليها شعر أو لم يكن
(1)
. وقيل هو ما كان ينبت على
(1)
"المخصص" 1/ 124.
الشفة السفلى والذقن. (وعند القزاز هي تلك الهمزة التي بين الشفة السفلى والذقن)
(1)
. وقال (الخليلي)
(2)
: هي الشعرات بينهما
(3)
، (ولذلك يقولون)
(4)
في التحلية نفي العنفقة إذا لم يكن (بينهما)
(5)
شعر، وقال أبو بكر: العنفق خِفَّةُ الشيء وقلته، ومنه اشتقاق العنفقة، فدلَّ هذا أن العنفقة الشعر، وأنه سمي بذلك لقلته وخفَّته.
الحديث الثالث:
حديث حريز بن عثمان -بالحاء المهملة- أنه سأل عبد الله بن بُسر -بالسين المهملة- صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أَرَأَيْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ شَيْخًا قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ.
قلت: ولعله المراد من حديث أبي جحيفة الذي قبله: ورأيت بياضًا من تحت شفته (السفلى)
(6)
العنفقة.
الحديث الرابع:
حديث رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ، لَيْسَ بجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهْوَ ابن أَرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ،
(1)
من (ص 1).
(2)
كذا بالأصل.
(3)
"العين" 2/ 301.
(4)
من (ص 1).
(5)
في (ص 1).
(6)
في الأصول: العليا. وهو خطأ، والمثبت هو الموافق لما جاء في الحديث كما مر.
وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ. قَالَ رَبيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ فَسَأَلْتُهُ، فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ.
وعن أنس أيضًا مثله بطوله، ويأتي في اللباس أيضًا
(1)
، وأخرجه مسلم والترمذي وقال: حسن صحيح، والنسائي في الزينة مختصرًا
(2)
.
قوله: (ليس بالطويل ولا بالقصير) هو بيان لقوله: (ربعة) فليس بالطويل البائن كما في الرواية الثانية الذاهب طولًا المضطرب القامة، مضطرب من طوله كما قاله الأخفش (قال)
(3)
: وهو عيب في الرجال والنساء. (وأزهر اللون) هو البياض المشرب بحمرة، وقيل: هو أبيض اللون ناصعه.
وقوله: (ليس بأبيض أمهق، ولا آدم)، الأمهق: الشديد البياض الذي لا يخالط بياضه شيء من العمرة، وليس بنير ولكن كون الجصِّ ونحوه، يقول: فليس هو كذلك. وقال الأخفش وغيره: هو الأبيض الذي ليس بمشرب يتوهم أنه مرض من شدة بياضه (وإنما كان بياضه)
(4)
مشربًا بحمرة.
وقال ابن التين: قوله: (ليس بأبيض) يريد أنه ليس بأبيض أمهق، وقال الداودي: إنما ابتدلت اللفظتان في رواية مالك: ليس بالأبيض
(5)
، وقد عرفت أن رواية البخاري: ليس بأبيض أمهق. بالجمع بينهما،
(1)
برقم (5900) باب: الجعد.
(2)
مسلم (2347) كتاب: الفضائل، باب: في صفة النبي صلى الله عليه وسلم والترمذي (9623)، والنسائي في "الكبرى" 5/ 409 (9310).
(3)
من (ص 1).
(4)
من (ص 1).
(5)
"الموطأ" ص 919 برواية يحيى.
وقد (نقله)
(1)
هو بعد.
ونقل عن الداودي أن قوله: (أمهق) وهم، إنما هو ليس بأمهق، وهذا في رواية أبي ذر، وليس في رواية الشيخ أبي الحسن.
وقال القاضي عياض: وقع في رواية المروزي
(2)
: (أزهر اللون أمهق) وهو خطأ. وجاء في أكثر الروايات: (ليس بالأبيض ولا بالآدم) وهو غلط أيضًا وصوابه: (ليس بالأبيض الأمهق)
(3)
.
والآدم قيل: الأسمر، وقيل فوقها يعلوه سواد قليل. وعبارة ابن التين في كتاب اللباس: قوله: (وليس بالآدم) يعني: ليس بأسمر، قال الجوهري: الأُدّمة السُّمرة
(4)
. وكذلك قال ابن فارس
(5)
، وقيل هو الشديد السمرة، وذكر صاحب "الموعب" أن الأمهق: الجصُّ البياض، وقيل: بياض في زُرقَة. وامرأة مهقاء ومقهاء، وقال بعضهم: هما الشديد البياض. وعن ابن دريد هو بياض سمج لا تخالطه حمرة ولا صفرة
(6)
، وفي "التهذيب": بياض ليس بنَيِّرٍ. وفي "الجامع": بياض شديد مفتح، أي مثل بياض البرص. وقيل: المهق مثل المره سواء، وهو ترك الكحل، وقيل: هو شدة الخضرة. والجعد القطط يريد شدة الجعودة، وقال الأخفش: القطط الذي فيه تكسر والتواء لا يسترسل كشعر الحبش.
(1)
في (ص 1): ذكره.
(2)
أي: روايته للبخاري، كما صرح به في "المشارق".
(3)
"مشارق الأنوار" 1/ 390.
(4)
"الصحاح" 5/ 1859.
(5)
"المجمل" 1/ 90.
(6)
"الجمهرة" 2/ 979، مادة:(مهق).
(قال الهروي: الجعد غير السبط محمود لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم)
(1)
(2)
.
وقوله (ولا سبط) أي ليس بمرسل الشعر كشعر الهند، كان بوسط الخلقة، كان فيه جعودة بصقلة، وقيل: المسترسل من الشعر الذي فيه تكسر هو السبط.
وقوله: (رَجِل) أي سرح الشعر (مسترسله)
(3)
.
فصل:
قوله: (أنزل عليه -أي الوحي- وهو ابن أربعين) هو قول الأكثرين، وقيل: وعشرة أيام، وقيل: وشهرين، وذلك يوم الإِثنين لسبع عشرة خلت من رمضان، وقيل: لسبع. وقيل: لأربع وعشرين ليلة منه، فيما ذكره ابن عساكر
(4)
.
وعن أبي قلابة: نزل عليه القرآن لثمان عشرة (ليلة)
(5)
خلت من رمضان
(6)
.
وعند المسعودي: (يوم الإثنين)
(7)
لعشر خلون من ربيع الأول، وعند ابن إسحاق: ابتدأ بالتنزيل يوم الجمعة من رمضان
(8)
.
(1)
من (ص 1).
(2)
كما في "النهاية في غريب الحديث" 1/ 275.
(3)
من (ص 1).
(4)
"تاريخ دمشق" 1/ 55 (السيرة النبوية منه).
(5)
من (ص 1).
(6)
"المصنف" لابن أبي شيبة 6/ 144 (30180).
(7)
من (ص 1).
(8)
كما في "السيرة النبوية" 1/ 239 - 240.
(وفي "تاريخ الجعابي")
(1)
(2)
: بعثه وعمره أربعون سنة وعشرون يومًا، وهو تاسع شباط لتسعمائة وأربعة وعشرين عامًا من سنين ذي القرنين.
وقال ابن عبد البر: يوم الإثنين لثمان خلون من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من الفيل، وقيل: في أول ربيع منه
(3)
وفي "تاريخ يعقوب بن سفيان الفسوي": على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة
(4)
، وعن مكحول: أوحي إليه بعد اثنتين وأربعين سنة.
وقال الواقدي، وابن أبي عاصم، والدولابي في "تاريخ": نزل عليه القرآن وهو ابن ثلاث وأربعين سنة لتسع وعشرين من رجب، قاله الحسين بن علي بن أبي طالب.
وجمع بين هذِه الأقوال والأول بأن ذلك حين حمي الوحي وتتابع، فتحصلنا في السن على أقوال، اثنين وأربعين ونيف، اثنين وأربعين، ثلاث وأربعين.
وفي الشهر على ثلاثة أقوال: ربيع الأول، رمضان، رجب.
وعند الحاكم مصححًا أن إسرافيل وكل به أوَّلًا ثلاث سنين قبل جبريل
(5)
، وأنكر ذلك الواقدي وقال: أهل العلم ببلدنا ينكرون أن يكون وكل به غير جبريل
(6)
.
(1)
اسم تاريخه: "تاريخ الطالبيين"، وهو للقاضي أبي بكر محمد بن عمر الجعابي، صرَّح به المؤلف في "المقنع" 2/ 503.
(2)
من (ص 1).
(3)
"الاستيعاب" 1/ 61.
(4)
"تاريخ دمشق" 1/ 61 (السيرة النبوية).
(5)
رواه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 191.
(6)
"الطبقات الكبرى" 1/ 19.
وزعم السهيلي أن إسرافيل وكل به تدربًا وتدريجًا لجبريل كما كان أول نبوته الرؤيا (الصادقة)
(1)
(2)
.
فصل:
قوله: (فلبث بمكة عشر سنين) هذا على رواية أنس، ومن يقول توفي ابن ثلاث وستين يقول: لبث بها ثلاث عشرة. وكذا يلزم من قال: توفي ابن خمس وستين أن يقول: لبث بها خمس عشرة سنة ومن يقول: اثنين وستين يقول: لبث ثنتي عشرة، إذ لم يختلف في إقامته بالمدينة أنها عشر سنين.
فصل:
وقوله: (فقيل أحمر من الطيب) أي أنه لم يختضب كما صرح به في الصحيح، وقد سلف الاختلاف فيه. واختضب أبو بكر بالحناء والكتم وعمر بالحناء بحتا -بالحاء المهملة ثم مثناة فوق- أي: خالصًا، كما أخرجه مسلم
(3)
.
الحديث الخامس:
حديث البراء: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ البَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ.
(خلقا)
(4)
بضم الخاء كما وصفه الله بقوله {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} .
(1)
من (ص 1).
(2)
"الروض الأنف" 18/ 269.
(3)
برقم (3241) كتاب: الفضائل، باب: شيبة صلى الله عليه وسلم.
(4)
جاء في هامش الأصل: قوله: خلقا بضم الخاء كذا هو في أصلنا الذي سمعنا منه على العراقي بالعلم، وقد قال القاضي عياض: خلقا هنا -أي في حديث البراء- بفتح الخاء، قال: لأن مراده صفات حسنة، انتهى. وما قاله القاضي صحيح.
الحديث السادس:
حديث قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا رضي الله عنه: هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ فِي (صُدْغَيْهِ)
(1)
. قد سلفت الإشارة إلى ذلك قريبًا.
الحديث السابع:
حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِيهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ.
وقَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ: إِلَى مَنْكِبَيْهِ.
وهذا التعليق قد أسنده بعدُ عن أحمد بن سعيد، ثنا إسحاق بن منصور، ثنا إبراهيم بن يوسف ثنا أبي، عن أبي إسحاق، عن البراء. ومن صفاته أنه كان كثير شعر الرأس كما رواه عليٌّ كذلك
(2)
، وقالت أم هانئ: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمة وله أربع غدائر. تعني: ضفائر.
قال الداودي وقوله: شحمة أذنيه والأخرى إلى منكبيه قد نقص عنها، أو أحدهما وهم. قلت: لا وَهَمَ والجمع ممكن.
الحديث الثامن:
حديث أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سُئِلَ البَرَاءُ رضي الله عنه: أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ القَمَرِ.
وفي لفظ: أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حديدًا مثل السيف؟ قال: لا، ولكنه كان مثل القمر
(3)
.
(1)
في الأصل: عنفقته.
(2)
ورد في هامش الأصل: هو في بعض أصولنا الدمشقية قبله في الباب.
(3)
الترمذي (3636)، وأحمد 4/ 281، قال الترمذي: حسن صحيح.
وفي مسلم من حديث جابر بن سمرة قال له رجل: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه مثل السيف قال جابر: لا
(1)
، مثل الشمس والقمر مستديرًا
(2)
، وفي رواية عنه: رأيته في ليلة إضحيان
(3)
وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو كان أحسن في عيني من القمر.
الحديث التاسع:
حديث أبي جحيفة رضي الله عنه: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالْهَاجِرَةِ إِلَى البَطْحَاءِ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ. وَزَادَ فِيهِ عَوْنٌ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: كَانَ تمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا المَرْأَةُ، وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ. قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ من رَائِحَةً المِسْكِ.
وقد سلف
(4)
.
والبطحاء: المكان المتسع ليس فيه ماء
(5)
ولا شجر. والعنزة العكازة أو العصا كان في أعلاه قرن. وفيه أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، (وقال الداودي: فيه أن الإمام سترة لمن خلفه)
(6)
واعترض ابن التين فقال: ليس كما ذكر لما ذكرناه.
(1)
من (ص 1).
(2)
برقم (2344) كتاب: الفضائل، باب: شيبه صلى الله عليه وسلم.
(3)
في الحاشية تعليق عليها: أي: مضيئة.
(4)
سبق برقم (187).
(5)
في (ص 1). بناء
(6)
من (ص 1).
الحديث العاشر:
حديث ابن عباس: كان أجود الناس وقد سلف. أي: أعطاهم للمال.
الحديث الحادي عشر:
حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وهو مَسْرُور تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ:"أَلمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ المُدْلِجِيُّ لِزَيْدٍ وَأُسَامَةَ -وَرَأى أَقْدَامَهُمَا-: إِنَّ بَعْضَ هذِه الأَقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ؟ ".
الأسارير خطوط الجبهة وتكسرها، واحداها: سر وسِرَر، والجمع: أسرار وأساير والأساير جمع الجمع
(1)
، ويظهر ذلك عند الفرج، وفيه العمل بالقافة خلافًا لأبي حنيفة وأكثر أهل العراق، ومالك يقول به في الإماء
(2)
، ومشهور قوله في الحرائر، والشارع لا يظهر الفرح إلا فيما كان حقا، وكان زيد أبيض، وأسامة أسود فارتاب الناس في أمرهما فمر بهما مجزز فأخبر بما أخبر فسر به.
الحديث الثاني عشر:
حديث كعب في تخلفه عن تبوك: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ، وَكَانَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ. وهو وحديث عائشة رضي الله عنها الذي قبله في الدلالة واحد، وهو ظهور السرور على وجهه.
الحديث الثالث عشر:
حديث عمرو -وهو ابن أبي عمرو ميسرة أبو عثمان مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب-، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ
(1)
"لسان العرب" 4/ 1991 مادة: سرر.
(2)
"الاستذكار" 22/ 187.
اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كنْتُ مِنَ القَرْنِ الذِي كنْتُ مِنْهُم"
(1)
. وهو دال على كونه أفضل المخلوقات ولا شك فيه.
الحديث الرابع عشر:
حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّه صلى الله عليه وسلم أكانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ، وَكَانَ المُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، وكَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ.
يسدل بضم الدال أي: يدع شعر ناصيته على جبهته.
وقوله: (ثم فرق رأسه)، أي فرق شعر رأسه كله وألقاه إلى جانبي الرأس، ولم يبق منه شيء على جبهته.
ومنه الحديث: أنه نهى عن السدل، ومعناه بعد ما كان يسدل، وتأوَّلَ قوم ظاهر الحديث فكرهوا سدل الرداء من فوق الثياب في الصلاة.
وقوله: (كان يحب) إلى آخره، يعني فيما لا يخالفه، وإنما ذلك؛ لأنهم كانوا على بقية من دين الرسل فيما تبين أنهم لم يحرفوه ولا بدلوه، أحب موافقتهم فيه بقول الله تعالى:{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]، ويحتمل أن يكون فرق بعدما يسدل لأمر أمر به لأنه لا ينطق عن الهوى.
الحديث الخامس عشر:
حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ:"إِنَّ مِنْ خِيَارِكمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا".
وسببه أن الله تعالى مدح خلقه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}
(1)
في اليونينية: منه.
[القلم: 4]، وفيه أبو حمزة عن الأعمش بالحاء المهملة والزاي
(1)
.
الحديث السادس عشر:
حديث عائشة رضي الله عنها: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلِاَّ اختار أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ فَيَنْتَقِمَ لله بِهَا.
قولها: (ما لم يكن إثما) تريد من أمور الدنيا، إذ لا إثم يكون في الآخرة.
واختلف في قولها: (وما انتقم لنفسه) إلى آخره، فقيل أرادت أكثر أحواله، وذلك لأنه أمر بقتل ابن خطل وقينتين كانتا تكثران من سبه، وقيل: أرادت إذا أوذي بغير السب الذي يخرج إلى الكفر مثل الأذى في المال، والجفاء في رفع الصوت فوق صوته، وجَبْذ الأعرابي لثوبه، وتظاهر عائشة وحفصة عليه
(2)
، وما آذاه بالسب فهو كفر.
وفيه: أن المرءَ ينبغي له ترك ما عسر من أمور الدنيا والآخرة، وترك الإلحاح فيه إذا لم يضطر إليه، والميلُ إلى اليسر، وفيه الأخذ برخص الله ورسوله والعلماء ما لم يكن القول خطأ بينا، وفيه أن للعالم أن يعفو إن أحب أن يتأسى بالشارع، وأن على العالم أن يغضب عند المنكر ويغيره إذا لم يكن لنفسه، وأن الإنسان لا يقضي لنفسه في الأموال، (وقال الداودي: إنما لا ينتقم لنفسه في الأموال)
(3)
.
وأما العرض فما نيل منه فقد اقتص لنفسه، واقتص أيضًا من الذين
(1)
ورد بهامش الأصل: واسمه محمد بن ميمون السُّكري.
(2)
من (ص 1).
(3)
من (ص 1).
آذوه في المرض بعد نهيه عن ذلك مع ما أنهم كانوا متأولين أنه إنما نهاهم عنه كراهية الدوام، وأنه لم يكن نهيه عزمًا، مما يفسدوا في التأويل فاقتصَّ منهم.
الحديث السابع عشر:
حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَلَا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ -أَوْ عَرْفًا قَطُّ- أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ -أَوْ عَرْفِ- النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث سلف في الصوم، ومسستُ بكسر السين أفصح، وكذا شممت بكسر الميم.
والعَرْفُ بفتح العين الأرج وهو رائحة الطيب. قال ابن جرير: وفي صفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف صفة أنس هذِه لأنه قال: شثن الكفين والقدمين أي غليظهما في خشونة، وفيه ضخم الكراديس أي عظيم رءوس عظام المنكبين والمرفقين والوركين والركبتين، يقال لكل واحد من ذلك كردوس.
الحديث الثامن عشر:
حديث عبد الله بن أبي عتبة بضم العين ثم مثناة فوق ثم باء موحدة مولى أنس بن مالك، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: كَانَ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. وفي رواية إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه.
العذراء: البكر في خدرها وسترها، يريد في غير حدود الله وحقوقه، كان لا يمد رجليه بين يدي جليسه، ولا يصافحه أحد فينزع يده من يده، حتى يكون الرجل هو الذي (يرسل)
(1)
يده، ولا يُسأل شيئًا يمكنه إعطاؤه
(1)
في (ص 1): يزيل.
إلا أعطاه، ولا يحتقر أحدًا لضعفه، ويقوم بحقوق الله في التأديب والإغلاظ، قال:"من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا"
(1)
، وقال للمعترف بالزنا:"أفعلت كذا؟ أفعلت كذا؟ حتى كان كالرشاء في البئر كالمرود في المكحلة"، بل قال (له)
(2)
: "أنكتها" لا يكني كما ستعلمه في موضعه
(3)
.
الحديث التاسع عشر:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه. هو من جميل خصاله المشرفة.
الحديث العشرون:
حديث عبد الله بن مالك ابن بحينة الأسدي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد فرج بين يديه حتى يرى (إبطيه وفي لفظ)
(4)
بياض إبطيه.
هذا الحديث سلف في الصلاة غير مرة
(5)
. قال الشيخ أبو الحسن: ليس هو أسدي، إنما هو من أزد شنوءة.
وقد بسطنا الكلام على ذلك في الحديث الثالث من باب مناقب قريش فراجعه.
(1)
رواه أحمد 5/ 133، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(567).
(2)
من (ص 1).
(3)
يأتي (6824) كتاب: الحدود، باب: هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت.
(4)
من (ص 1).
(5)
برقم (390) باب: يبدي ضَبْعيه ويجافي في السجود. وبرقم (807) كتاب: الأذان، باب: يبدي ضبعيه ويجافي في السجود.
ومعنى فرج بين يديه: فتح ولم يضم مرفقيه إليه، وهذِه سنة السجود كما سلف في موضعه.
الحديث الحادي والعشرون:
حديث قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه عليه السلام كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه. (وقال أبو موسى: دعا النبي صلى الله عليه وسلم ورفع يديه ورأيت بياض إبطيه)
(1)
وحديث أنس سلف في الاستسقاء
(2)
، ومراده الرفع البليغ، وإلا فقد رفع يديه في عدة مواضع، سلف التنبيه على بعضها.
الحديث الثاني بعد العشرين:
حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه قال: دُفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح في قبة كان بالهاجرة فخرج بلال فنادى بالصلاة .. الحديث.
وفيه: (كأني انظر إلى وبيص ساقيه). ووبيصهما: لمعهما، وما يظهر تحت الجلد من الدم فيحسن بذلك الجلد، يقال منه: وبص إذا برق يبص وبيصًا، وبص يبص بصيصًا.
الحديث الثالث والعشرون:
حديث عائشة رضي الله عنها: أنه عليه السلام كان يحدث حديثًا لوعده العاد لأحصاه، وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ألا يعجبك أبو فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن
(1)
من (ص 1).
(2)
برقم (1030) باب: رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك، وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم.
ومعنى (لأحصاه) أي: في ترسله وبيانه، ولعل من عابت عليه
(1)
كان لا يستطيع إذا أمهل أن يأتي به على وجهه، والناس في ذلك مختلفون، منهم من يحفظ مع السرعة، ومنهم من يحفظ مع الإمهال.
فائدة:
روى البخاري هذا الحديث عن الحسن بن الصباح البزار، والحديث الذي قبله عن الحسن بن الصباح، وهذا -أعني: البزار- واسطي بغدادي، أحد الأعلام، من أفراد البخاري عن مسلم، مات سنة تسع وأربعين ومائتين، والأول الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني الفقيه أحد رواة القديم عن الشافعي، اختاروه
(2)
لقراءة كتب الشافعي لما قدم بغداد؛ لأنه لم يكن أفصح ولا أحسن لسانًا ولا أبصر باللغة ولا العربية منه، وهو من أفراد البخاري أيضًا دون مسلم، مات سنة ستين ومائتين والله تعالى أعلم.
(1)
ورد بهامش الأصل: والذي عابت عليه هو أبو هريرة، كما في صحيح مسلم فاعلمه.
(2)
في الأصل: اختاره.
24 - باب كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ
رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
3569 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها: كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ:«تَنَامُ عَيْنِي وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» . [انظر: 1147 - مسلم: 738 - فتح: 6/ 579]
3570 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِىَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ: جَاءَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فِي مَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، وَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ. فَكَانَتْ تِلْكَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى جَاءُوا لَيْلَةً أُخْرَى، فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَتَوَلاَّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ. [4964، 5610، 6581، 7517 - مسلم: 162 - فتح: 6/ 579]
سيأتي بعد عن محمد بن عبادة، ثنا يزيد، ثنا سليم بن حيان، ثنا سعيد بن ميناء، عن جابر به
(1)
.
ثم ساق حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد
(1)
برقم (7281) كتاب: الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، الحديث. قلت: يا رسول الله تنام قبل أن توتر؟ قال: "تنام عيني ولا ينام قلبي" وقد سلف
(1)
.
وحديث أنس في الإسراء، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَتَوَلَّاهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ.
وقد سلف الكلام على ذلك والبخاري روى هذا فقال: حدثنا إسماعيل ثنا أخي. وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وأخوه عبد الحميد الأعشى. وحديث عائشة دال على جواز التنفل بأكثر من اثنتين، فإن فيه: فصلى أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن .. إلى آخره. وأبعد من قال: لا ينام قلبه في أكثر الأوقات لحديث الوادي
(2)
.
وقوله في حديث أنس: (جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه) ليس في أكثر الروايات هذا اللفظة، وإن تكن محفوظة فلم يأته في عقب تلك الليلة، بل بعدها بسنين؛ لأنه إنما أسري به قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل لسنتين، وقيل لسنة، ذكره كله ابن التين. قال: وقوله: فيما يرى قلبه: يريد بين النائم واليقظان، قال: وقيل: أسري بجسده، قال: وقيل: بروحه، وقد سلف كل ذلك واضحًا.
(1)
برقم (1147) باب: التهجد، باب: قيام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره.
(2)
يقصد حديث أبي قتادة، السالف برقم (595).
25 - باب عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلَامِ
3571 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ، فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ عَرَّسُوا فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ لَا يُوقَظُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَنَامِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ، فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَ وَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:«يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا» . قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ، ثُمَّ صَلَّى، وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ المَاءُ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ لَا مَاءَ. فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ المَاءِ؟ قَالَتْ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَحَدَّثَتْهُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَتْنَا غَيْرَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ، فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا فَمَسَحَ فِي الْعَزْلَاوَيْنِ، فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلاً حَتَّى رَوِينَا، فَمَلأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا، وَهْيَ تَكَادُ تَنِضُّ مِنَ المِلْءِ ثُمَّ قَالَ:«هَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ» . فَجُمِعَ لَهَا مِنَ الكِسَرِ وَالتَّمْرِ، حَتَّى أَتَتْ أَهْلَهَا، قَالَتْ: لَقِيتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا. فَهَدَى اللهُ ذَاكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا. [انظر: 344 - مسلم: 682 - فتح: 6/ 580]
3572 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِنَاءٍ وَهْوَ بِالزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ. قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلَاثَمِائَةٍ، أَوْ زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ. [انظر: 169 - مسلم: 2279 - فتح: 6/ 580]
3573 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَالْتُمِسَ الْوَضُوءُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ، فَرَأَيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. [انظر: 169 - مسلم: 2279 - فتح: 6/ 580]
3574 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُبَارَكٍ، حَدَّثَنَا حَزْمٌ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَخَارِجِهِ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً يَتَوَضَّئُونَ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَدَّ أَصَابِعَهُ الأَرْبَعَ على الْقَدَحِ، ثُمَّ قَالَ:«قُومُوا فَتَوَضَّئُوا» . فَتَوَضَّأَ، الْقَوْمُ حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ مِنَ الوَضُوءِ، وَكَانُوا سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَهُ. [انظر: 169 - مسلم: 2279 - فتح: 6/ 581]
3575 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ المَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ، وَبَقِيَ قَوْمٌ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ كَفَّهُ، فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَضَمَّ أَصَابِعَهُ فَوَضَعَهَا فِي المِخْضَبِ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا. قُلْتُ: كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: ثَمَانُونَ رَجُلاً. [انظر: 169 - مسلم: 2279 - فتح: 6/ 581]
3576 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، فَتَوَضَّأَ، فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ:«مَا لَكُمْ؟» . قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلاَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ المَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ العُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. [4152، 4153، 4154، 4840، 5639 - مسلم: 1856 - فتح: 6/ 581]
3577 -
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ
- رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي البِئْرِ، فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ -أَوْ صَدَرَتْ- رَكَائِبُنَا. [4150، 4151 - فتح: 6/ 581]
3578 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ، لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَعِيفًا، أَعْرِفُ فِيهِ الجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَلَاثَتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي المَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟» . فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "بِطَعَامٍ؟ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ مَعَهُ: «قُومُوا» . فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتِ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ» . فَأَتَتْ بِذَلِكَ الخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ مَا شَاءَ الله أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ:«ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» . فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ:«ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» . فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ:«ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» . فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ:«ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» . فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ -أَوْ ثَمَانُونَ- رَجُلاً. [انظر: 422 - مسلم: 2040 - فتح: 6/ 586]
3579 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَقَلَّ المَاءُ، فَقَالَ: «اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ
مَاءٍ». فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ قَالَ:«حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ المُبَارَكِ، وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ» فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهْوَ يُؤْكَلُ. [فتح: 6/ 587]
3580 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرٌ قَالَ حَدَّثَنِي جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَلَيْسَ عِنْدِي إِلاَّ مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ، وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ، فَانْطَلِقْ مَعِي لِكَىْ لَا يُفْحِشَ عَلَيَّ الْغُرَمَاءُ. فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ فَدَعَا، ثَمَّ آخَرَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ:«انْزِعُوهُ» . فَأَوْفَاهُمُ الذِي لَهُمْ، وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ. [انظر: 2127 - فتح: 6/ 587]
3581 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَرَّةً:«مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ» . أَوْ كَمَا قَالَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَشَرَةٍ، وَأَبُو بَكْرٍ وَثَلَاثَةً، قَالَ: فَهْوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي -وَلَا أَدْرِي هَلْ قَالَ: امْرَأَتِي وَخَادِمِي- بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّى العِشَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ الله، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ -أَوْ ضَيْفِكَ-؟ قَالَ: أَوَ عَشَّيْتِهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ، فَذَهَبْتُ فَاخْتَبَأْتُ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ. فَجَدَّعَ وَسَبَّ وَقَالَ: كُلُوا وَقَالَ: لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا. قَالَ: وَايْمُ اللهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنَ اللُّقْمَةِ إِلاَّ رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا حَتَّى شَبِعُوا، وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلُ، فَنَظَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَإِذَا شَيْءٌ أَوْ أَكْثَرُ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ. قَالَتْ: لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهْىَ الآنَ أَكْثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ. فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَانُ -يَعْنِي يَمِينَهُ- ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ. وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ،
فَتَفَرَّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ، الله أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، غَيْرَ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ، قَالَ: أَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ. أَوْ كَمَا قَالَ. [انظر: 602 - مسلم: 2057 - فتح: 6/ 587]
3582 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ يُونُسَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَ أَهْلَ المَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الكُرَاعُ، هَلَكَتِ الشَّاءُ، فَادْعُ اللهَ يَسْقِينَا، فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا. قَالَ أَنَسٌ وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ، فَهَاجَتْ رِيحٌ أَنْشَأَتْ سَحَابًا ثُمَّ اجْتَمَعَ، ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا، فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا، فَلَمْ نَزَلْ نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ -أَوْ غَيْرُهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ، فَادْعُ اللهَ يَحْبِسْهُ. فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ:«حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا» . فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ تَصَدَّعَ حَوْلَ المَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ. [انظر: 932 - مسلم: 897 - فتح: 6/ 588]
3583 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ -وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ العَلَاءِ أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ العَلَاءِ- قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ المِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ، فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الحَمِيدِ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ العَلَاءِ، عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا.
وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [فتح: 6/ 601]
3584 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ -أَوْ نَخْلَةٍ- فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ -أَوْ رَجُلٌ- يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ:«إِنْ شِئْتُمْ» . فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى المِنْبَرِ،
فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ، الذِي يُسَكَّنُ، قَالَ:«كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا» . [انظر: 449 - فتح: 6/ 601]
3585 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ المِنْبَرُ، وَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ العِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ. [انظر: 449 - فتح: 6/ 602]
3586 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ.
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الفِتْنَةِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا أَحْفَظُ كَمَا قَالَ. قَالَ هَاتِ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ» . قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ، وَلَكِنِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا بَأْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: يُفْتَحُ الْبَابُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: لَا بَلْ يُكْسَرُ. قَالَ: ذَاكَ أَحْرَى أَنْ لَا يُغْلَقَ. قُلْنَا: عَلِمَ البَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثاً لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ، وَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَنِ البَابُ؟ قَالَ: عُمَرُ. [انظر: 525 - مسلم: 144 - فتح: 6/ 603]
3587 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» . [انظر: 2928 - مسلم: 2912 - فتح: 6/ 604]
3588 -
«وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ
فِيهِ، وَالنَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلَامِ». [انظر: 3493 - مسلم: 2526 - فتح: 6/ 604]
3589 -
«وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ، لأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ» . [فتح: 6/ 604]
3590 -
حَدَّثَنِي يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكَرْمَانَ مِنَ الأَعَاجِمِ، حُمْرَ الوُجُوهِ، فُطْسَ الأُنُوفِ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، وُجُوهُهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ، نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ» . تَابَعَهُ غَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. [انظر: 2928 - مسلم: 2912 - فتح: 6/ 604]
3591 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنِي قَيْسٌ قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ سِنِينَ، لَمْ أَكُنْ فِي سِنِيَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِيَ الحَدِيثَ مِنِّي فِيهِنَّ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ -وَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ-:«بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَهُوَ هَذَا الْبَارِزُ» . وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَهُمْ أَهْلُ البَازَرِ. [انظر: 2912 - مسلم: 2912 - فتح: 6/ 604]
3592 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ، وَتُقَاتِلُونَ قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ» . [انظر: 2927 - فتح: 6/ 604]
3593 -
حَدَّثَنَا الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تُقَاتِلُكُمُ اليَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ» . [انظر: 2925 - مسلم: 2912 - فتح: 6/ 604]
3594 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُونَ، فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ
صَحِبَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَغْزُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ». [انظر: 2897 - مسلم: 2532 - فتح: 6/ 610]
3595 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الحَكَمِ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، أَخْبَرَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ، فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ. فَقَالَ:«يَا عَدِيُّ، هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟» . قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: «فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ، لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ» - قُلْتُ: فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ؟ -وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى». قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: «كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ. فَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولاً فَيُبَلِّغَكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالاً وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ» . قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» . قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ، لَا تَخَافُ إِلاَّ اللهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم:«يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ» . [انظر: 1413 - مسلم: 1016 - فتح: 6/ 610]
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ، حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، سَمِعْتُ عَدِيًّا: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
3596 -
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ
انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ:«إِنِّي فَرَطُكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، إِنِّي وَاللهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ خَزَائِنَ مَفَاتِيحِ الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَخَافُ بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا» . [انظر: 1344 - مسلم: 2296 - فتح: 6/ 611]
3597 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ رضي الله عنه قَالَ أَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُطُمٍ مِنَ الآطَامِ، فَقَالَ:«هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى إِنِّي أَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ» . [انظر: 1878 - مسلم: 2885 - فتح: 6/ 611]
3598 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ حَدَّثَتْهَا، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ:«لَا إِلَهَ إِلاَّ الله، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا» . وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ وَبِالَّتِى تَلِيهَا، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ:«نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ» . [انظر: 3346 - مسلم: 2880 - فتح: 6/ 611]
3599 -
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الحَارِثِ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ؟» . [انظر: 115 - فتح: 6/ 611]
3600 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ المَاجِشُونِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَتَتَّخِذُهَا، فَأَصْلِحْهَا وَأَصْلِحْ رُعَامَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الْغَنَمُ فِيهِ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ -أَوْ سَعَفَ الجِبَالِ- فِي مَوَاقِعِ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ» . [انظر: 19 - فتح: 6/ 611]
3601 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً -أَوْ- مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ» . [انظر: 7081، 7082 - مسلم: 2886 - فتح: 6/ 612]
3602 -
وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، إِلاَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَزِيدُ:«مِنَ الصَّلَاةِ صَلَاةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» . [فتح: 6/ 612]
3603 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ:«تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الذِي لَكُمْ» . [7052 - مسلم: 1843 - فتح: 6/ 612]
3604 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا الحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ» . قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ» .
قَالَ مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ.
3605 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ المَصْدُوقَ يَقُولُ: «هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَىْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ» . فَقَالَ مَرْوَانُ: غِلْمَةٌ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيَهُمْ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ. [انظر: 3604 - مسلم: 2917 - فتح: 6/ 612]
3606 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الخَوْلَانِي، أَنَّهُ سَمِعَ
حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا الله بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ:«نَعَمْ» . قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ» . قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ» . قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا» . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا. فَقَالَ:«هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا» قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ» . قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» . [3607، 7084 - مسلم: 1847 - فتح: 6/ 615]
3607 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الْخَيْرَ وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ. [انظر: 3606 - مسلم: 1847 - فتح: 6/ 616]
3608 -
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ» . [انظر: 85 - مسلم: 157 - فتح: 6/ 616]
3609 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ، فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ» . [انظر: 85 - مسلم: 157 - فتح: 6/ 616]
3610 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَقْسِمُ قَسْمًا أَتَاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ -وَهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ،
اعْدِلْ. فَقَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟! قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ» . فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ:«دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ -وَهْوَ قِدْحُهُ- فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ: رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ» . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ، فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الذِي نَعَتَهُ. [انظر: 3344 - مسلم: 1064 - فتح: 6/ 617]
3611 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الحَرْبَ خَدْعَةٌ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ» . [انظر: 5057، 6903 - مسلم: 1066 - فتح: 6/ 617]
3612 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ
بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلاَّ اللهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ». [3852، 6943 - فتح: 6/ 619]
3613 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ. فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ مُوسَى بْنُ أَنَسٍ: فَرَجَعَ الْمَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ:«اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . [4846 - مسلم: 119 - فتح: 6/ 620]
3614 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما: قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ وَفِي الدَّارِ الدَّابَّةُ، فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَسَلَّمَ، فَإِذَا ضَبَابَةٌ -أَوْ سَحَابَةٌ- غَشِيَتْهُ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"اقْرَأْ فُلَانُ، فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ" أَوْ: "تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ". [4839، 5011 - مسلم: 795 - فتح: 6/ 622]
3615 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبُو الحَسَنِ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلاً فَقَالَ لِعَازِبٍ: ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي. قَالَ: فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ، حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: نَعَمْ، أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا، وَمِنَ الغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلَا الطَّرِيقُ لَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ، لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ، وَسَوَّيْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَكَانًا بِيَدِى يَنَامُ عَلَيْهِ، وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ. فَنَامَ،
وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الذِي أَرَدْنَا، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ -أَوْ مَكَّةَ- قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمُ. قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالْقَذَى -قَالَ: فَرَأَيْتُ البَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ- فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ حَمَلْتُهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْتَوِى مِنْهَا، يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْتُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَشَرِبَ، حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ:«أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟» . قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مَالَتِ الشَّمْسُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أُتِينَا يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: «لَا تَحْزَنْ، إِنَّ اللهَ مَعَنَا» . فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا -أُرَى فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ، شَكَّ زُهَيْرٌ- فَقَالَ: إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا لِي، فَاللهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ. فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَنَجَا فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلاَّ قَالَ: كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا. فَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلاَّ رَدَّهُ. قَالَ: وَوَفَى لَنَا. [انظر: 2439 - مسلم: 2009 (سيأتي بعد رقم: 3014) - فتح: 6/ 622]
3616 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ - قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: "لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله" - فَقَالَ لَهُ: «لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله» . قَالَ: قُلْتَ: طَهُورٌ! كَلاَّ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ -أَوْ تَثُورُ- عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«فَنَعَمْ إِذًا» . [5656، 5662، 7470 - فتح: 6/ 624]
3617 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلاَّ مَا كَتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ الله، فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ
صَاحِبِنَا. فَأَلْقُوهُ. فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ. فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ. [مسلم: 2781 - فتح: 6/ 624]
3618 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ المُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ» . [انظر: 3027 - مسلم: 2918 - فتح: 6/ 625]
3619 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ قَالَ:"إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ". وَذَكَرَ، وَقَالَ:"لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ". [انظر: 3121 - مسلم: 2919 - فتح: 6/ 625]
3620 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ. وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِطْعَةُ جَرِيدٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ:«لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ القِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ الله، وَإِنِّي لأَرَاكَ الذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا رَأَيْتُ» . [4373، 4378، 7033، 7461 - مسلم: 2273 - فتح: 6/ 626]
3621 -
فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَىَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي المَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي» . فَكَانَ أَحَدُهُمَا العَنْسِيَّ وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابَ صَاحِبَ اليَمَامَةِ. [7034، 7037، 4374، 4375، 4379 - مسلم: 2274 - فتح: 6/ 627]
3622 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -أُرَاهُ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ بِأُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ الله بِهِ مِنَ الفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللهُ خَيْرٌ فَإِذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الخَيْرُ مَا جَاءَ الله مِنَ الخَيْرِ، وَثَوَابِ الصِّدْقِ الذِي آتَانَا الله بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ» . [3987، 4081، 7035، 7041 - مسلم: 2272 - فتح: 6/ 627]
3623 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي، كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَرْحَبًا بِابْنَتِي» . ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ -أَوْ عَنْ شِمَالِهِ- ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا، فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا، فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ! فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ.
3624 -
فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهَا.
فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ: «إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي» . فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ -أَوْ "نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟ ". فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ. [3626، 3716، 4434، 6286 - مسلم: 2450 - فتح: 6/ 628]
3625 -
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ فِي شَكْوَاهُ الذِي قُبِضَ فِيهِ، فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا، فَسَارَّهَا فَضَحِكَتْ، قَالَتْ: فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذَلِكَ.
[انظر: 3623 - مسلم: 2450 - فتح: 6/ 628]
3626 -
فَقَالَتْ سَارَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ أَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ. [انظر: 3624 - مسلم: 2450 - فتح: 6/ 628]
3627 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ. فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ. فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1]. فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ. قَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ. [4294، 4430، 4969، 4970 - فتح: 6/ 628]
3628 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الغَسِيلِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الذِي مَاتَ فِيهِ بِمِلْحَفَةٍ قَدْ عَصَّبَ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّ الأَنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ المِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ شَيْئًا يَضُرُّ فِيهِ قَوْمًا، وَيَنْفَعُ فِيهِ آخَرِينَ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ» . فَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 927 - فتح: 6/ 628]
3629 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه: أَخْرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الحَسَنَ فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ:«ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ» . [انظر: 2704 - فتح: 6/ 628]
3630 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَعَى جَعْفَرًا وَزَيْدًا قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ خَبَرُهُمْ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. [انظر: 1246 - فتح: 6/ 628]
3631 -
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ لَكُمْ مِنْ أَنْمَاطٍ؟» . قُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ لَنَا الأَنْمَاطُ؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ» . فَأَنَا أَقُولُ لَهَا -يَعْنِي امْرَأَتَهُ- أَخِّرِى عَنِّي أَنْمَاطَكِ. فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ» . فَأَدَعُهَا.
[5161 - مسلم: 2083 - فتح: 6/ 629]
ذكر فيه عدة أحاديث يخرج منها جملة وذكر بعض أهل العلم فيما ذكره البيهقي فِي "المدخل إلى دلائله" أنها تبلغ ألفًا
(1)
.
فمنها: أن القرآن الذي عجز الفقهاء عن تحديه، وأخذ العلماء منه عَلَى إيجازه من العلوم والمعاني يزيد على ألف مجلدة.
ومنها: ما هو مكتوب فِي التوراة والإنجيل وغيرهما من ذكره ونعته.
ومنها: ما حدث بين يدي أيام مولده ومبعثه إلى الأمور الغريبة كأمر الفيل.
ومنها: خمود نار فارس، وسقوط شرفات إيوان كسرى، وغيض ماء بحيرة ساوَهْ
(2)
، ورؤيا الموبذان، وغير ذلك.
ومنها: ما سمعوه من الهواتف الصارخة بنعوته وأوصافه والرموز المتضمنة لبيان شأنه، وما وجد من الكهنة والجن في تصديقه، وإشارتهم على أوليائهم من الإنس بالإيمان به.
ومنها: انتكاس الأصنام المعبودة وخرورها لوجوهها وغير ذلك، ثم
(1)
"المدخل إلى دلائل النبوة" 1/ 12.
(2)
بعد الألف واو مفتوحة بعدها هاء ساكنة مدينة حسنة بين الري وهَمَذَان في وسط، بينها وبين كل منهما ثلاثون فرسخًا، وكانت معمورة إلى عام 617 هـ ثم خربها التتار الترك، وقتلوا كل من فيها، وفي حديث سطيح في أعلام النبوة أن بئرها غارت. انظر "معجم البلدان" 3/ 179.
إن له من وراء هذِه الآيات: انشقاق القمر، وحنين الجذع، وإجابة الشجرة إياه حين دعاها، وشهادة الذئب والضب والرضيع والميت له بالرسالة، وغير ذلك مما هو مقرر في كتبه
(1)
.
وحاصل ما ذكره البخاري في الباب زيادة على خمسين حديثا.
أحدها:
حديث: سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ، ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ في نومه عليه السلام في الوادي. وقد سلف في التيمم، وأخرجه مسلم أيضًا.
وفيه: أن الذي كبر ورفع صوته عمر لا أبو بكر، كما وقع هنا، وكذا رواه البخاري في التيمم، ومسلم في الصلاة من حديث عوف الأعرابي، عن أبي رجاء عن عمران أن عمر كان رجلاً جليدًا فكبر ورفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتحلوا غير بعيد، ثم نزل.
وأبو رجاء هو العطاردي عمران بن تميم، وقيل: ابن ملحان، أصله من اليمن، أسلم بعد فتح مكة، ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه عاش مائة وعشرين سنة. وسلْم بن زرير بفتح السين والزاي.
وقوله: (فأدلجوا) هو رباعي ساكن الدال، يقال: أدلج إذا قطعوا الليل كله سيرًا وارتجوا -بالتشديد- ساروا من آخره.
وقوله: (حتى إذا كان وجه الصبح عرسوا) قال ابن فارس: التعريس نزول القوم في السفر من آخر الليل يقعون فيه وقعة ثم يرتحلون
(2)
.
وقيل: أكثر ما يكون آخر الليل.
(1)
انظر بعضًا منها في "المدخل إلى دلائل النبوة" 1/ 10 - 19.
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 658.
وقوله: (وكان لا يوقظ من منامه) إنما ذلك؛ لما خشي أن يقطع ما يأتيه من الوحي. وفي رواية: لأن رؤياهم وحي.
وقوله: (فجعل يكبر ويرفع صوته) ظاهره أنه من فعل أبي بكر.
قال الداودي: فيه ما كان عمر عليه من صلابة الدين، وهو ماشٍ على الرواية التي أسلفناها عن باب التيمم.
وقوله: (فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا فأمره أن يتيمم بالصعيد ثم صلى، وجعلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوب
(1)
بين يديه) في حديث سلم بن زرير في مسلم: (عجلني في ركب بين يديه نطلب الماء فعطشنا عطشًا شديدًا) وهو بمعناه، ورُكوب: جمع راكب أي في الإبل التي تحمل الزاد وغيره.
وقوله: (سادلة رجليها) أي مرسلتهما.
وقوله: (بين مزادتين) هما ما يحمل فيهما الماء.
وقوله: (إنها مؤتمة) أي: ذات أيتام، ذكرت ذلك ليعطوها ويواسوها، وكذلك فعل عليه السلام، وقيل: أعطوها ذلك عوضا عن مائها.
وقوله: (فمسح في العزلاوين) مستخرج مائها أو عروة المزاد.
والإداوة: شيء يعمل من جلود يستصحبه المسافر.
وقوله: (غير أنه لم نسق بعيرا واحدا) أي: لأنها تصبر عن الماء.
وفيه: أنه يسار بالمرء كرها لصلاح العامة.
وقوله: (وهي تكاد تنض من الملء) يقال: نص الماء ينصُّ: سال.
(1)
ورد في هامش الأصل: رَكوب بفتح الراء قرأه الأصيلي وعبدوس، قال بعضهم: صوابه رُكوب جمع راكب كشهود، وأركوب؛ لأنه هنا على الجمع لا على الواحد.
ونص بالصاد غير معجمة أيضًا ونض الماء أيضًا جرى قليلاً قليلاً بالنون، وفي مسلم ينضرج وصوب -أي: ينشق، والانضراج: الانشقاق، وضرجة: شقة، وفسر ابن التين ينض: ينشق ليخرج منه الماء، يقال نض الماء من العين إذا نبع وكذلك نص العرق، كذا فسر الخطابي قال: وأما البض بالباء فمعناه المطر
(1)
، وذكر ابن فارس في باب الباء والضاد المعجمة: بض الحجر إذا خرج منه كالعرق
(2)
، قال: وروي يبض بضاد معجمة، وروي: يبص، وحكي عن الشيخ أبي الحسن هو بمعنى ينشق، قال: ومنه: صير الباب: الشق الذي فيه. وهنا فيه نظر؛ لأن سير عينه حرف علة فكان يلزم أن يقول: ينصر أو ينصور، وهذا ليس رواية.
وقوله: (فهدى الله ذلك الصرم بتلك المرأة) الصرم النزول على ماء.
وفيه: أن الأصل في إناء المشرك الطهارة حتى تتحقق نجاسته.
وفيه: أن ضرورة العطش تبيح ما ملك من المياه على عوض، وقيل: وبدونه قاله ابن القاسم، والطعام مثله قياسا، وإنما لم يبين أثر النقصان في الماء من ناحية بركته عليه الصلاة والسلام.
الحديث الثاني: حديث أنس وله طرق أربعة.
أحدها من طريق قتادة عنه: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِنَاءٍ وَهْوَ بِالزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابعِهِ، فَتَوَضَّأَ القَوْمُ. قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلَاثَمِائَةٍ، أَوْ زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ.
ثم ذكر حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس نحوه. ثم ذكر حديث الحسن، عن أنس أيضا نحوه وفيه: وكانوا سبعين أو نحوه.
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 1595.
(2)
"مجمل اللغة" 1/ 113.
ثم ذكر حديث حميد، عن أنس نحوه، وفيه: قلت: كم كانوا؟ قال: ثمانون رجلاً، وسلف في الطهارة أيضًا
(1)
، وأخرجه مسلم في الفضائل والترمذي في المناقب وقال: حسن صحيح والنسائي في الطهارة
(2)
. والحديث من علامات نبوته تكثير القليل.
و (زُهاء) بالضم ممدود، و (الوضوء) بفتح الواو: الماء على الأفصح، وادعى ابن التين أنه لم يختلف في هذا، واختلف في المصدر: فقال الخليل وحده: هو بالفتح
(3)
، وغيره قال: هو بالضم، والمخضب: إناء من حجارة. الإجانة يغسل فيها الثياب.
الحديث الثالث:
حديث سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، فَتَوَضَّأَ، فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، قَالَ:"مَا لَكُمْ؟ ". قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ. فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَفُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ العُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
(الحديبية) -تثقل وتخفف- بئر بقرب مكة وكانت سنة ست، واختلف هل هي من الحرم؟ وقد سلف، والجهش: أن يفزع المرء إلى المرء يريد البكاء كالصبي يفزع إلى أمه. يقال: جهشت وأجهشت بفتح الهاء لغتان بمعنى.
(1)
سلف برقم (195)، باب: الغسل والوضوء في المخضب والقدح.
(2)
الترمذي (3631)، النسائي 1/ 60.
(3)
انظر: "العين" 7/ 76.
وقوله: (كنا خمس عشرة) ذكر هذا لابن المسيب فقال: وهم رحمه الله، يعني أنهم كانوا أربع عشرة مائة وعلى هذا مالك وأكثر الرواة، وقيل: كانوا ثلاث عشرة مائةٍ.
الحديث الرابع:
حديث البَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَفِيرِ البِئْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي البِئْرِ، فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّىَ رَوِينَا وَرَوَيتْ رَكَائِبُنَا.
وقوله: (روينا) هو بكسر الواو. وهو من أعلام نبوته.
الحديث الخامس:
حديث إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ، لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ شَيْء؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَلَاثَتْنِي بِبَعْضِهِ .. الحديث بطوله.
وقد سلف مختصرًا في الصلاة ويأتي في الأطعمة والنذور
(1)
.
وأخرجه مسلم في الأطعمة والترمذي في المناقب وقال: حسن صحيح، والنسائي في الوليمة
(2)
.
واللوث: الطي، يقال: لاث عمامتة على رأسه يلوثها لوثا:
(1)
سيأتي برقمي (5381) باب: من أكل حتى شبع، (6688) باب: إذا حلف أن لا يأتدم.
(2)
الترمذي (3630) النسائي في "الكبرى" 4/ 142 (6617).
عصبها، ولاث الرجل يلوث أي دار، والالتياث: الاختلاط والالتفاف.
وقوله: (ولاثتني) أي: لفت عليّ بعضه، وأدارته عليه يعني: خمارها.
وقوله: (هلم يا أم سليم ما عندك) في لغة الحجاز أن هلمّ لا تؤنث ولا تجمع ولا تثنى، ومنه قوله تعالى {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18] ومعناه هاهنا: هاتِ ما عندك.
وقيل: يثنى ويجمع ويؤنث، وعند أبي ذر:(هلمي ما عندكِ).
وقوله: (فعصرت أم سليم عكة فآدمته) العكة: وعاء السمن لطيف. وآدمته أي: أصلحته بالإدام، يقال آدمت الخبز آدمه، وخبز مأدوم.
وفيه: من أعلام نبوته تكثير الطعام.
وفيه: فأكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلا.
الحديث السادس:
حديث عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَقَلَّ المَاءُ، فَقَالَ:"اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ". فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ قَالَ:"حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ المُبَارَكِ، وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ". فَلَقَدْ رَأَيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهْوَ يُؤْكَلُ.
ومعنى حيّ: هلموا، مثل: حيّ على الصلاة، والطهور -بفتح الطاء- هو الماء الطاهر؛ لأن فعولا للمبالغة.
ومعنى المبارك: الذي أمده الله ببركته منه.
وفيه: من أعلام نبوته: نبع الماء من بين أصابعه وتسبيح الطعام، فأنطق الله تعالى ذلك له؛ ليكون من أعلام براهينه.
فائدة:
في إسناده أبو أحمد الزبيري، وهو محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الكوفي نسبة إلى جده.
الحديث السابع:
حديث جَابِرٍ في وفاء دين والده وبقي مثل ما أعطاهم، سلف غير مرة.
وقوله: (فانطلق معي كيلا يفحش عليّ الغرماء) يقال: أفحش الرجل: قال الفحش.
الحديث الثامن:
حديث أبي عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ مَرَّةً:"مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ .. ". الحديث بطوله في قصة أبي بكر.
وفيه: (كلوا، والله لا أطعمه أبدًا)، قال:(وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر) أي: طلع ونما، وقد سلف الحديث بفوائده، وفي مسلم:(كلوا لا هنيئًا).
وقوله: (حتى تعشى)، وفي مسلم: نعس.
وقوله: (فقال لامرأته: يا أخت بني فراس) في مسلم: (ما هذا؟).
وقوله: (وإنما كان الشيطان) يعنا: يمينه، في مسلم:(إنما كان ذلك من الشيطان).
وقوله: (فتفرقنا اثنا عشر رجلا) كذا هو بالفاء وفي نسخة: (فتعرفنا) بالعين بدلها، وفي مسلم:(فعرفنا).
وفيه: منقبة ظاهرة للصديق. وقوله: (يا غُنثر)
(1)
هو بالغين المعجمة
(1)
ورد في هامش الأصل: في "المطالع" غنثر، بفتح الثاء وضمها، عن أبي الحسين =
المضمومة ثم نون ثم مثلثة، وروي بالعين المهملة ثم نون ثم تاء، ثم إن كان محفوظًا كان بالفتح.
قال أحمد بن يحيى: سمي لغيرته فكان حين صغره. شبهه بالذباب، فأما بالمهملة فمأخوذ من الغثارة، وهي الجهل، وقيل: السفلة. وقوله: (فجدع) أي: خصم وسب.
فائدة:
أبو عثمان هذا هو عبد الرحمن بن مل -بالحركات الثلاث
(1)
- النهدي، أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يره، وعاش مائة وثلاثين سنة، وأدى إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقات، وحج في الجاهلية حجتين، مات سنة مائة أو بعدها، قال سليمان التيمي: إني لأحسبه كان لا يصيب دينًا ليله قائم ونهاره صائم وإن كان ليصلي حتى يغشى عليه.
الحديث التاسع:
حديث أَنَسٍ: أَصَابَ أَهْلَ المَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الكُرَاعُ .. الحديث.
= وغيره قال: وذكره الخطابي أنه عن النسفي فتح العين المهملة وتاء منقوطة باثنتين من فوقها، وفسره بالذباب الأخضر والأزرق، والصحيح: الأول، ومعناه: يا لئيم، يادني تحقيرًا له وتشبيها بالذباب.
والغنثر: ذباب، وقيل: مأخوذ من الغثر وهو السقوط وقيل: هو بمعنى يا جاهل، قال الخطابي: وأحسبه الثقيل الوخيم. وفي "البناية": غنثر هو الثقيل الوخيم، وقيل: الجاهل من الغثارة الجهل والنون زائدة، وروي بالعين المهملة والتاء بنقطتين هكذا جاء في رواية: وهو الذباب شبهه به تصغيرًا له وتحقيرًا، وقيل: هو الذباب الكبير الأزرق شبهه به لشدة أذاه.
(1)
ورد في هامش الأصل: ويقال فيه مَلْء بفتح الميم ثم لام ساكنة ثم همزة.
سلف في الاستسقاء
(1)
. والكراع: اسم جامع للخيل.
وقوله: (ثم أرسلت السماء عَزاليها) هو جمع عزلاء، وهو مستخرج ماء القربة، فشبه السماء بالقربة، إذ هى حاملة للماء.
وقوله: (فهاجت السماء): أنشأت سحابًا فيه مطر، إنما يقال: نشأ السحاب إذا ارتفع وأنشأه الله ومنه: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد: 12]،
أي: يُبدئها.
والإكليل: شبه عصابة مزين بالجوهر وهو التاج.
الحديث العاشر:
حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ المِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ، فَحَنَّ الجِذْعُ، فَأَتَاهُ فَمَسَحَ بيَدَهُ عَلَيْهِ، وقد سلف.
وَقَالَ عَبْدُ الحَمِيدِ: أنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أنَا مُعَاذُ بْنُ الحارث، عَنْ نَافِعٍ بهذا. وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابن أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
عبد الحميد، قيل: هو عبد بن حميد وليس له ولا لمعاذ بن العلاء في البخاري سواه، وأخوه أبو سفيان بن العلاء روى عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل، وأخوه عمر بن العلاء أخرج له البخاري، والأصح معاذ بن العلاء أخوهم أبو عمرو بن العلاء الإمام البصري ابن عمار بن عبد الله بن الحسن بن الحارث بن حكيم بن خزاعي بن مازن بن مالك أخي الحارث، وهو الخيط، وأخي العنبر أيضًا والهجيم وأسد بني عمرو بن تميم.
(1)
سلف برقم (1013) باب: الاستسقاء في المسجد الجامع.
وقد اختلف في اسم أبي عمرو فقيل: اسمه كنيته، وقيل: الزيان، وقيل: يحيى، وقيل: العريان، وقيل: غير ذلك، مات بالكوفة سنة أربع وخمسين ومائة.
فائدة:
ابن أبي رواد هو عبد العزيز.
الحديث الحادي عشر:
حديث جَابِرِ في اتخاذ المنبر، وقد سلف في الجمعة
(1)
، وسياقته هنا أتم. قال فيه: كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَى -شَجَرَةٍ أَوْ- نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ -أَوْ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ:"إِنْ شِئْتُمْ". فَجَعَلُوا لَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى المِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الذِي يُسَكَّنُ، قَالَ:"كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا".
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قبله: (فحن الجزع فأتاه فمسح بيده عليه). ومعنى حن: نزع واشتاق. والأصل في الحنين ترجيع الناقة صوتها في إثر ولدها، قيل: ولا يكون ذلك إلا بأن يخلق فيه حياة، وقيل: لا.
وقوله: (فجاءت امرأة من الأنصار أو رجل) قد سلف هناك مَنْ عَمِلَه، قال مالك: غلام سعد بن عبادة، وقال غيره: غلام لامرأة من الأنصار، أو للعباس، وكان ذلك سنة سبع، وقيل ثمان.
(1)
سلف برقم (918) باب: الخطبة على المنبر.
وذكر بعده حديث جابر فيه أيضًا. وشيخ البخاري فيه: إسماعيل، وهو ابن أبي أويس. وفيه:(سمعنا لذلك الجزع صوتًا كصوت العشار حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكت).
والعشار: النوق الحوامل التي أتى على حملها عشرة أشهر من يوم أرسل عليها الفحل.
الحديث الثاني عشر:
حديث الأعمش عن أبي وَائِلٍ، قال عُمَرُ: أَيكُّمْ يَحْفَظُ حديث رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الفِتْنَةِ؟
وفي لفظ: عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الفِتْنَةِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا أَحْفَظُ. وساق الحديث.
وفي آخره: فأمر لي مسروقا فسأله، فقال: من الباب؟ قال: عمر، وقد سلف في باب: الصدقة تكفر الخطيئة
(1)
.
الحديث الثالث عشر إلى السابع عشر:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لهذا الأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ، وَالنَّاسُ مَعَادِنُ .. " الحديث.
وفي آخره: "وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ، لأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ".
(1)
سلف برقم (1435) كتاب: الزكاة.
ثم ساق من حديث أبي هريرة أيضًا "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزا وَكَرْمَانَ مِنَ الأَعَاجِمِ، حُمْرَ الوُجُوهِ، فُطْسَ الأُنُوفِ .. " الحديث. وزاد: "نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ".
تابعه غيره عن عبد الرزاق -يعني غير يحيى شيخ البخاري-، ثم ساق من حديثه أيضًا: سمعته يقول: وقال هكذا بيده: "بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر وهو هذا البارز". وقال سفيان مرة: وهم أهل البازر، ثم ساق من حديث عمرو بن تغلب الصماخي، وهو من أفراد البخاري. يعني: إخراجه لعمرو: "بين يدي الساعة تقاتلون قوماً ينتعلون الشعر، وتقاتلون قومًا وجوههم المجان المطرقة".
الشرح:
سلف حديث أبي هريرة وعمرو بن تغلب في الجهاد في باب: قتال الترك. وبعده.
ومعنى "ذلف الأنوف": صغارها. وقيل: هو الاستواء في طرف الأنف، ليس بحد غليظ، وقيل: هو عن الشفة السفلى الواصلة، والفطس في الأنف: انفراشه. والمطرقة: التي أطرقت بالعقب، أي: أكسيت حتى غلظت فكأنها ترس على ترس، ومنه طارقة النعل: إذا ركبت جلدًا على جلد وحرزته عليه. وقيل: هي مشتقة من الطراق، وهو الجلد الأحمر التي يغشاه. شبه وجوههم في عرضها ونتوء وجناتها بالترسة المطرقة. ذكر معناه الخطابي
(1)
.
وقال صاحب "المشارق" الصواب فتح الطاء وتشديد الراء
(2)
.
(1)
"معالم السنن" 4/ 319.
(2)
"مشارق الأنوار" 1/ 318 - 319.
وقال ابن دحية عن شيخه أبي إسحاق: صوابه الإسكان.
وقوله: (خوزًا وكرمان) كذا هو بالزاي، وقال ابن دحية: كذا قيدناه في البخاري.
وقيده الجرجاني (خوزكرمان): بالزاي مع الإضافة، وحكاه عن الإمام أحمد. قال غيره: هو تصحيف، وقال الدارقطني: إذا أضفت فبالمهملة لا غير، وإذا عطفته فبالزاي لا غير، وهما جنسان من الترك. والاختلاف في لفظ البارز قيده الأصيلي بتقديم الراء على الزاي، وفتحها في الموضعين، ووافقه ابن السكن وغيره، إلا أنهم ضبطوه بكسر الراء. قال القابسي: البارزين لقتال أهل الإسلام: الظاهرين في برازن من الأرض، وغيره أبو ذر في اللفظ الآخر بتقديم الزاي على الراء وفتحها.
وقوله: (بين يدي الساعة) أي: قبلها، مثل:{مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} [الصف: 6] قيل: ويكون لما بعد، وفي كتاب "الفتن" لنعيم بن حماد، عن أبي هريرة:"أعينهم كالودع، ووجوههم كالحجف، لهم وقعة بين دجلة والفرات ووقعة بمرج حماد، ووقعة بدجلة، حتى يكون الجواز بمائة دينار للعبور للشام" وفي لفظ: "أول من مروا من أقطار الأرض العرب لقوم حمر الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة".
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال (رسول)
(1)
الله: "ليهبطن الدجال خوز وكرمان في ثمانين ألف كأن وجوههم المجان المطرقة، يلبسون الطيالسة، وينتعلون الشعر".
(1)
في الأصل (يا رسول) والصواب ما أثبتناه كما في "الفتن" 2/ 679.
وقال معاوية: اتركوا الرافضة ما تركوكم -يعني: الترك- فإنهم سيخرجون حتى ينتهوا إلى الفرات فيشرب منه أوائلهم، ويجيء اَخرهم فيقولون: قد كان هاهنا ماء، وأمر غلامًا له استنقذ منهم شيئًا فإني سمعت: أخذوه لا يعودون لمثلها ولا يحركهم بشيء ولا يستنقذ منهم شيئًا؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلحقوا بمنابت الشيح.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: للمسلمين عدو وجوههم كالدرق وأعينهم كالودع فاتركوهم ما تركوكم. وعن أبي قبيل قال: حدثني غير واحد من الصحابة قال: تخرج الروم في الملحمة العظمى ومعهم الترك ورجان والصقالبة.
وعن ابن سيرين: كأني بالترك قد أتتكم على براذين مخذمة الآذان حتى يربطوها يشط الفرات
(1)
. وعن الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أشراط الساعة أن تقاتلو قوما وجوههم المجان المطرقة، وأن تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر" قد رأينا الأول وهم الترك، ورأينا هؤلاء وهم الأكراد. قال الحسن: فإذا كنت في أشراط الساعة فكأنك قد عاينت
(2)
، كان أول خروج هذا الجيش في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وستمائة
(3)
فعاثوا في البلاد وأظهروا فيها الفساد، وخربوا جميع المدائن حتى معقل الإسلام بغداد، وربطوا خيولهم إلى السواري، وعبروا الفرات، وملكوا
(1)
رُوي الأثر عن ابن سيرين عن ابن مسعود وليس من قول ابن سيرين انظر "المصنف" لعبد الرزاق 11/ 380 (20798)، "الفتن" 2/ 683 (1928)، "المعجم الكبير" 9/ 173 (8859)، "المستدرك" 4/ 475.
(2)
"الفتن" 2/ 678 - 684 بتصرف.
(3)
ورد بهامش الأصل: جاء هؤلاء إلى بغداد سنة ست وخمسين وستمائة. وأما دخولهم فسنة ثمان وخمسين وستمائة وفيها كسرتهم بعين جالوت من المظفر قطز.
الشام في أيسر مدة على التوالي، وعزموا على دخول مصر فثار إليهم ملكها المظفر، فالتقوا بعين جالوت، فانجلوا عن الشام منهزمين -ورأوا ما لم يشاهدوه منذ زمان- ولاجئين خائبين خاسرين، {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)} [الأنعام: 45].
ثم في سنة ثمان وتسعين ملك عليهم رجل يسمى محمود غازان زعم أنه من أهل الإيمان، ملك جملة من بلاد الشام وعاث جيشه فيها عيث عباد الأصنام، فخرج إليهم الملك الناصر محمد بن قلاوون فكسرهم كسرًا ليس معه انجبار، وتغلل جيش التتار وذهب بعضهم إلى الهاوية وبئس القرار.
الحديث السابع عشر:
حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: "تُقَاتِلُكُمُ اليَهُودُ .. " الحديث سلف في الجهاد في باب قتال اليهود.
الحديث الثامن عشر:
حديث أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُونَ، فَيُقَالُ: هل فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَغْزُونَ، فَيُقَالُ لَهُم: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فيُفْتَحُ لَهُمْ" هذا الحديث سلف في الجهاد في باب من استعان بالضعفاء وسيأتي في باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -كما ستعلمه هناك
(1)
.
الحديث التاسع عشر:
حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا
(1)
سيأتي برقم (3649).
إِلَيْهِ الفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ .. الحديث بطوله. ذكره من طريقين عنه.
و (الظعينة): المرأة. وهو من باب الاستعارة، فأما الظعائن فالهوادج كان فيها نساء أم لا، وقيل: لا تسمى ظعينة إلا إذا [كان]
(1)
فيها امرأة.
و (الكعبة): البيت الحرام، وكل شيء علا وارتفع هو كعب، وبه سميت الكعبة، قاله الهروي وقال ابن فارس والداودي سمي بذلك لتربيعه
(2)
.
و (الدعار) بالدال المهملة جمع داعر وهو الرجل الخبيث المفسد وهي قبيلة من العرب يجعلون لغتهم في ذو بمعنى الذي.
وقوله: (فأين دعار طيئ الذين سعروا البلاد) يعني سعروا: أوقدوا نار الشر والفتنة، واستدل به من يوجب الحج على المرأة وإن لم يكن معها ذو محرم. إذا كانت مع جماعة نساء وهو مذهبنا وبه قال مالك ومنعه غيره
(3)
.
وقوله: (ولو بشق تمرة) أي نصفها، وفيه غير واحد من أعلام نبوته.
فائدة:
عدي بن حاتم بن سعد بن الحشرج
(4)
ولد حاتم الموصوف بالجود، كان نصرانيًّا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما، مات زمن المختار عن مائة وعشرين سنة.
(1)
زيادة يقتضيها السياق.
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 787.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 57.
(4)
ورد بهامش الأصل: هو عدي بن حاتم عبد الله بن سعد بن الحشرج. فلعله سقط من النسخة المنقول منها.
الحديث العشرون:
حديث أَبِي الخَيْرِ -واسمه مرثد بن عبد الله اليزني المصري مات سنة تسعين قاضي إسكندرية- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -وهو ابن عبس بن عمرو الجهني- كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ .. الحديث.
ويأتي في غزوة أحد
(1)
، وفيه: (أعطيت مفاتيح خزائن الأرض".
وفي الرقاق
(2)
، وأخرجه مسلم في الفضائل. وفيه:"مفاتيح خزائن الأرض" أو "مفاتيح الأرض" وهو الوجه.
واختلف في معناه فقيل: ودع الأحياء والأموات، وقيل: صلى عليهم؛ لأنه لم يكن صلى عليهم حين ماتوا وهو ظاهر قوله: (صلاته على الميت)، وقيل دعا لهم.
وقوله: (إني فرطكم) أي سابقكم وكذلك الفارط.
وفيه: الدعاء للصبي الميت: "اللهم فرطا لأبويه" أي أجرًا متقدمًا.
الحادي بعد العشرين:
حديث أُسَامَةَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُطُمٍ مِنَ الآطَامِ، فَقَالَ:"هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرى إِنِّي لأَرى الفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ مَوَاقِعَ القَطرِ". سلف في الحج وفي المظالم ويأتي في الفتن
(3)
.
والأطم: الحصين جمعه آطام، وقال الداودي: الأطم: القصور والمواضع المرتفعة. فكأنه جعل الأُطم جمعا.
(1)
سيأتي برقم (2042).
(2)
سيأتي برقم (6425) باب: ما يُحذر من زهرة الدنيا.
(3)
سلف برقم (2467)، ويأتي برقم (7060).
الحديث الثاني والثالث بعد العشرين:
حديث زينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها: أنه عليه السلام دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: "لَا إلله إِلَّا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هذا". وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ وَبِالَّتِي تَلِيهَا. فَقَالَتْ زينَبُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ:"نَعَمْ، إِذَا كثُرَ الخَبَثُ".
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قال حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الحَارِثِ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ؟ " وقد سلف.
وفزعه عليه السلام خوفا مما أخبر به أنه يصيب أمته.
و (ويل): كلمة تقال لمن وقع في هلكة يترحم عليه، وقد سلف، وقوله:"للعرب" يعني: للمسلمين؛ لأن أكثر المسلمين العرب ومواليهم.
وفيه: قول: لا إلله إلا الله عند أمر ينزل، وقوله:(أنهلك وفينا الصالحون؟) أي: يدعون بصرف الفتن، قال الداودي: قال ابن التين: أرادت: يقع الهلاك بقوم فيهم من لا يستحق ذلك.
وقوله: ("نعم إذا كثر الخبث") أي: الزنا، وقيل: إذا عمَّ الأشرار وقيل الصالحون.
وقوله: ("ماذا أنزل من الخزائن والفتن؟! ") قال الداودي: الخزائن الكنوز، والفتن هاهنا: القتال الذي يكون بين المسلمين، وقيل: خزائن الله: علم غيوبه التي لا يعلمها إلا هو.
الحديث الرابع بعد العشرين:
حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَتَتَّخِذُهَا، فَأَصْلِحْهَا وَأَصْلِحْ رُعَامَهَا، فَإِنّي سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الغَنَمُ (فِيها)
(1)
خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ -أَوْ سَعَفَ الجِبَالِ- فِي مَوَاقِعِ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ".
وقد سلف في الصلاة
(2)
، وعبد الرحمن ومحمد ابنا عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار انفرد بهما البخاري.
والرعام بالعين المهملة والراء المضمومة: المخاط، وشاة رعوم: بها داء يسيل من أنفها، والشعفة بالتحريك والشين المعجمة: رأس الجبل، وبالمهملة: غصن من النخل، قاله الجوهري
(3)
، وقال ابن التين: بالشين المعجمة ثم العين المهملة وقد شك في الحديث في العين من الغين، واللغة ما قدمناه بإعجام ثم إهمال وهو رؤوس الجبال وأعاليها، واحدها: شعفة.
الحديث الخامس والسادس بعد العشرين:
حديث ابن شِهَاب، عَنِ ابن المُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خيرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا
(1)
كذا بالأصل، وفي اليونينية: فيه.
(2)
سلف برقم (609) باب: رفع الصوت بالنداء.
(3)
"الصحاح" 4/ 1381.
(تُشرفه)
(1)
وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً -أَوْ- مُعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ".
وَعَنِ ابن شِهَابٍ قال: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هذا، إِلَّا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَزِيدُ:"مِنَ الصَّلَاةِ صَلَاةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ".
المراد بالفتن: التي لا يعلم المحق فيها من المبطل، ويقاتل فيها على الدنيا.
وقوله: ("من يشرف لها تستشرفه") يريد من طلع لها شخصه طالعته، يقال: استشرفت الشيء إذا رفعت رأسك فنظرت وحقيقته أصابته بعينها.
وقوله: ("ملجأً أو معاذًا") هما واحد، تقول: هو عياذي: أي ملجأي. والصلاة المرادة صلاة العصر، وأتا بعده بهذِه الزيادة ليأتي بالحديث على وجهه.
الحديث السابع بعد العشرين:
حديثِ ابن مَسْعُودٍ: "سَتَكُونُ أثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا". فقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ:"تُؤَدُّونَ الحَقَّ الذِي عَلَيْكُم، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الذِي لَكُمْ".
الظاهر أن المراد بالحق السمع والطاعة، ولا يخرج عليهم.
الحديث الثامن بعد العشرين:
حديث أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي زُرْعَة، وفي رواية: سمعت أبا زرعة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُهْلِكُ النَّاسَ هذا الحَى مِنْ قُرَيْشٍ". قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ".
(1)
كذا بالأصل.
أبو التياح بمثناة فوق ثم من تحت؛ اسمه: يزيد بن حميد الضبعي مات سنة ثمان وعشرين ومائة، كنيته أبو حماد ولقبه أبو التياح.
وأبو زرعة هرِم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي.
وفيه: الإخبار بالمغيبات وهو أحد أعلامه.
الحديث التاسع بعد العشرين:
حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ". فَقَالَ مَرْوَانُ: غِلْمَةٌ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيَهُمْ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ.
(غلمة) بكسر الغين: جمع غلام وكذلك غلمان، والغلام: الطار الشارب
(1)
.
وفي إسناده عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي، عن جده. وعمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أمية، أخو محمد وإسماعيل وموسى وأمية بنو عمرو، اتفقا عليه، وانفرد البخاري بابن ابنه أبي أمية عمرو، وانفراد مسلم بعمه يحيى بن سعيد بن العاصي.
الحديث الثلاثون:
حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي .. الحديث.
يريد مما يكون في الدنيا من الفتن ومن عقوبات ذلك في الآخرة.
وقونه: (فجاءنا الله بهذا الخير) يعني: صلاح حالهم.
وقوله: ("وفيه دخن") أي: دخان. يريد أن الخير الذي يلي الشر لا يكون خالصًا لكن يكون معه شوب وكدورة بمنزلة الدخان في النار.
(1)
انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2691.
وقيل: الدخن: الأمور المكروهة، قاله ابن فارس
(1)
.
ومنه حديثه: "على دخن"
(2)
. وهو بفتح الدال والخاء وقيل: أراد أن النفوس لا تعاود ما كانت عليه قبل ما دخلها بسبب الفتنة. وقال صاحب "العين": الدخن: الحقد، ويوم دخنان: شديد الغيم، وكذا ذكر ابن سيده أن الدخن: الحقد
(3)
.
وقال أبو عبيد بن سلام تفسيره في الآخر، وهو قوله: لا ترجع بقلوب قوم على ما كانت عليه، وأصله أن يكون في لون الدابة كدورة إلى سواد. فوجه الحديث: تكون القلوب هكذا لا يصفو بعضها لبعض ولا ينصع حبها على ما كانت عليه
(4)
.
وعبارة "الصحاح": سكون لعلة لا للصلح
(5)
.
وفي "الجامع": هو فساد في القلب، وهو مثل الدغل.
وقوله: ("هم من جلدتنا") يعني من أنفسنا، أو من قومنا. وقال الداودي: من بني آدم. وذكر عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: أراد أنهم في الظاهر (مثلنا)
(6)
معنا، وهم في باطن الأمور هم مخالفون لنا، وجلدة الشيء ظاهره، قلت: والجلد: غشاء البدن، وإنما أراد به القرب، فظن السمرة غالبة عليهم، واللون إنما يظهر في الجلد.
(1)
"مجمل اللغة" 1/ 349.
(2)
روى هذِه الرواية أبو داود (4246)، أحمد 5/ 386، ابن حبان 13/ 299 (5963).
(3)
"العين" 4/ 233، "المحكم" 5/ 88. مادة: دخن.
(4)
"غريب الحديث" 1/ 351.
(5)
"الصحاح" 5/ 2111.
(6)
في الأصل: (ومثلنا) ولعل الصحيح ما أثبتناه وهو الملائم للسياق.
وقوله: (فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام) أي: لم يجمعهم إمام فاعتزل تلك الفرق كلها.
وقوله: ("ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك") العض بالأسنان، وأصله عضض يعض مثل: مس يمسُّ، ومنه قوله تعالى:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: 27] وفيه لغة أخرى بضم العين مثل شد يشد، حكاها أبو عبد الله القزاز، وسنبسط الكلام عليه في باب الفتن إن شاء الله تعالى.
فائدة:
في إسناده ابن جابر، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر.
وفيه: بُسر بن عبد الله الحضرمي بضم الباء الموحدة وإسكان السين المهملة. وفيه أبو إدريس الخولاني واسمه عابد الله بن عبد الله.
الحديث الحادي بعد الثلاثين:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ (فئتان)
(1)
دعواهما واحدة" يقول: يَكُونُ بَيْنَهُمَا جميعًا قصد الحق والقتال عليه، وهم الصحابة.
الحديث الثاني بعد الثلاثين:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أيضًا: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ (فِئتانِ)، فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاِثينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ".
قد وقع كل ذلك، وهو من أعلامه.
(1)
كذا بالأصل، وفي اليونينية: فتيان.
الحديث الثالث بعد الثلاثين:
حديث أَبَي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَقْسِمُ قَسْمًا أَتَاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ -وَهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَني تَمِيمٍ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اعْدِلْ .. الحديث.
ذكره في الأدب واستتابة المرتدين كما سيأتي
(1)
، وأخرجه مسلم في الزكاة.
ومعنى: "يقرون القرآن لا يجاوز تراقيهم" وفي أخرى: "حناجرهم": لا يرتفع إلى الله منه شيء يعلمه باعتقادهم. والتراقي: جمع ترقوه، وهو فعلوه، وهو عظم واصل بين ثغرة النحر والعنق، والمروق: الخروج أي: سرعة نفوذ السهم من الرمية حتى يخرج من الطرف الآخر. والدين هنا: طاعة الأئمة، ويحتمل أن يكون أراد الإيمان. والرمية: ما يرُمى من الصيد لا يعلق به شيء من دمها، وهي فعيلة بمعنى مفعولة وبهذا سميت الفرقة مارقة، وبقوله:("يخرج فيكم") سموا خوارج.
والنصل: السن، وقال القزاز: عود السهم تقول: نصلت السهم: جعلت له نصلًا وأنصلته إذا نزعت نصله، ولهذا قيل لرجب: منصل الأسنة؛ لأن العرب كانت لا ترى فيه القتال، فكانت تقلع الأسنة من الرماح والنبال.
والرصاف بالصاد المهملة: العقب الذي يلوى فوق مدخل النصل في السهم، واحدها: رصفة، وقيل: هي العقب تشد فوق السهم، وهو الرُّصاف بضم الراء أيضًا.
(1)
سيأتي برقم (6163)، (6933).
وقوله: (ثم ينظر إلى نَضِيّه -وهو قدحه- فلا يوجد فيه شيء).
القدح: السهم بلا قذذ ولا نصل، ونضيّ بفتح النون على وزن فعيل، وروي بضمها. قال القزاز: نضي السهم: عوده قبل أن يراش وينصل، قال: ويسمى بذلك بعد نصله، وقال الخطابي: النضي ما بين النصل والريش من القدح
(1)
، وقال ابن فارس نحوه قال: نضو السهم قدحه، وهو ما جاوز الريش إلى النصل، قال: وسمي بذلك؛ لأنه بُري حتى عاد نضوًا
(2)
وعن أبي عمرو: النضي: النصل، ذكره الجوهري
(3)
. والقذذ: جمع قذه، وهي واحدة الريش الذي على السهم، يقال: هو أشبه به من القذة بالقذة؛ لأنها تجري على مثال واحدة.
والفرث: ما يجتمع في الكرش مما يأكله ذوات الكرش، وقيل إنما يقال له: فرث مادام في الكرش.
والعضد
(4)
: ما بين المرفق إلى الكتف، يقال: عضُد بضم الضاد وسكونها مع ضم العين وفتحها وضمهما، وقيل: إن أهل تهامة يقولون: عضد وعجز ويؤنثون، وتميم يقولون: عضد وعجز ويذكرون فعلى قول أهل الحجاز يكون قوله: (إحدى عضديه) صحيحًا.
و"البضعة" بفتح الباء: القطعة من اللحم، و"تدردر" أصله تتدردر، ومعناه: تتحرك وتجيء وتذهب، ومنه دردور الماء.
قال ابن الأنباري: فالدردرة صوت، إذا اندفع سمعت له صوتًا،
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 1605.
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 871.
(3)
"الصحاح" 6/ 2511.
(4)
ورد بهامش الأصل: وفي "الصحاح" أربع لغات: عَضُد وعَضِد مثل: حَذُر وحَذِر، وعَضْد وعُضد مثال: ضَعْف وضُعْف.
وقيل: يدر ويفتح مثل يدر ضرع الشاة باللبن.
وقوله: (على حين فرقة) هو بالحاء المهملة، وروي:(خير) بالخاء المعجمة والراء، ويجوز أن يكون قالهما جميعًا، وما وقع هنا أن قائل (الكلام)
(1)
السالف ذو الخويصرة هو المعروف ولما ذكره السهيلي عقَّبه بأن قال: ويذكر عن الواقدي، فيما حكاه ابن الطلاع في "أحكامه" وهو في "طبقات" ابن سعد، وهو صاحب الواقدي أنه حرقوص بن زهير السعدي من سعد تميم، وكان لحرقوص هذا مشاهد كثيرة محمودة في حرب العراق مع الفرس أيام عمر ثم كان خارجيًا قال: وليس ذو الخويصرة هذا هو ذو الثدية الذي قتله علي بالنهروان، ذاك اسمه نافع ذكره أبو داود
(2)
. قلت: المعروف أن ذا الثدية اسمه حرقوص، وهو الذي حمل على علي ليقتله فقتله.
وفي "تفسير الثعلبي": بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم هوازن جاءه ذو
الخويصرة التميمي -أصل الخوارج- فقال: اعدل .. الحديث. قلت:
وهذا هو غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد، وسلف في الطهارة
(3)
.
فصل:
هذِه الطائفة حكمت أهواءها وخالفت جماعة المسلمين وتعلقت بظاهر الكتاب بزعمها، ونبذت القول بالرأي الذي أمر الله به، وأجمعت الصحابة على صحته، فقالت: لا حكم إلا لله وللرسول، فقال علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل، وناظرهم في ذلك الحبر
(1)
من (ص 1).
(2)
أبو داود (4770)، وانظر:"الروض الأنف" 4/ 169.
(3)
سلف برقم (220).
ابن عباس فقال: الله حكم بين الزوجين وفي جزاء الصيد، ولأن يحكم بين طائفتين من المسلمين أولى، ووافقهم في هذِه المقالة أهل الظاهر فضللوا السلف، في الرأي بالقول بالرأي والقياس ورجعوا عن الاستقامة إلى الانتكاس.
الحديث الرابع بعد الثلاثين:
حديث سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ، فَإِنَ الحَرْبَ خدْعَةٌ، سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"يَأْتي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْم حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فإذا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ خير لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ".
و (خدعة) بفتح الخاء على أفصح اللغات، أي: مقضي أمرُها بخدعة واحدة. ومعنى: ("يقولون من خير قول البرية") أي: يجيدون القول ويسيئون العمل.
وقوله: ("فإن قتلهم هو لمن قتلهم خير .. ") إلى آخره يريد؛ لأنهم يشغلون عن الجهاد؛ ولفسادهم، وسعيهم في افتراق كلمة المسلمين.
وظاهر قوله: ("لا يجاوز") إلى آخره أنهم غير مؤمنين؛ لأن محل الإيمان القلب، واحتج من نفى ذلك بقوله:("وتتمارى في الفوق")
(1)
يدل على أنهم لم يخرجهم من الإيمان جملة.
(1)
رواه مالك في "الموطأ" ص (144)، ابن حبان 15/ 132 (6737) من حديث أبي سعيد الخدري.
الحديث الخامس بعد الثلاثين:
حديث خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، فقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟ قَالَ: "كانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ كان قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهاِ، فَيُجَاءُ (بالميشَارِ)
(1)
فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".
أخبرهم الشارع بذلك؛ ليقوى صبرهم على الأذى. والمنشار: روي بالنون، من نشرف الخشبة وبالياء مهموز تقول: أنشرت الخشبة بالميشار ومفعال من ذلك، ويصح أن يقرأ بغير همز ذكره كله ابن التين: وصنعاء وحضرموت بلدان بالشام
(2)
وصنعاء باليمن.
الحديث السادس بعد الثلاثين:
حديث مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ: أنه عليه السلام افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ
(3)
: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ. فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَى
(1)
في اليونينية: بالمنشار.
(2)
ورد بهامش الأصل نصه: أما حضرموت بلد لا أعرفها إلا باليمن وأما صنعاء ففي اليمن وفي دمشق أيضًا.
(3)
ورد بهامش الأصل: هذا الرجل هو سعد بن معاذ كما رواه مسلم في "صحيحه"، وقال ابن السكن: هو سعد بن معاذ، ذكره إسماعيل .. في "أحكامه"، وقيل: عاصم بن عدي البخاري ذكره الطبري، وقيل: هو أبو مسعود البدري ذكره الواقدي في "إملائه" انتهى.
الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ مُوسَى بْنُ أَنَسٍ: رَجَعَ المَرَّةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ:"اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، ولكن مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ".
والبشارة بكسر الباء وضمها
(1)
، وفي كتاب ابن فارس والهروي الضبط بالكسر، تقول: بشرت فلاناً أبشره تبشيرًا وهي بالخير والشر
(2)
، قال تعالى:{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 138] فإذا أطلقت فللخير خاصة، النذارة لغيره، وفي غير هؤلاء قال ثابت: أخشى أن أكون قد هلكت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ("وما ذاك؟ ") فقال: نهانا الله أن نرفع صوتنا فوق صوتك وأنا جهير، ونهيت عن الخيلاء وأنا رجل أحب الجمال، ونهيت عن الحسد وما أحب أن يفوقني رجل بشسع نعلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أما ترضى أن تعيش سعيدًا وتموت شهيدا وتدخل الجنة"
(3)
ولعله كان يرفع صوته طبعًا لا يريد الجهر عليه ولا التكبر، ويحب الجمال؛ ليتأهب للوقوف بين يدي الرب ليس يحقر من دونه وما يحب أن يفوقه أحد، وقال الداودي: يذهب إلى ما في الذهن "لا حسد إلا في اثنتين .. " الحديث
(4)
، وقال تعالى {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)} [المطففين: 26].
الحديث السابع بعد الثلاثين:
حديث البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما: قَرَأَ رَجُلٌ الكَهْفَ وَفِي الدَّارِ
(1)
ورد بهامش الأصل: الضم والكسر في "الصحاح" أيضًا.
(2)
"مجمل اللغة" 1/ 126.
(3)
رواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 363 (2243)، والحاكم في "المستدرك" 3/ 234.
(4)
سلف برقم (73) كتاب: العلم، باب: الاغتباط في العلم والحكمة، ورواه مسلم (816) كتاب: الصلاة، باب: فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه.
الدَّابَّةُ، فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَسَلَّمَ، فَإِذَا ضَبَابَةٌ -أَوْ سَحَابَةٌ- غَشِيَتْهُ، فَذَكَرَهُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"اقْرَأْ فُلَانُ، فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ".
هذا الرجل هو أسيد بن الحضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن عبد الأشهل الأشهلي أحد النقباء ليلة العقبة.
الضبابة: قال ابن فارس: كل شيء كالغبار
(1)
، وقال الداودي: قريب من السحاب، وهو الغمام الذي لا يكون فيه نظر، وإنما شك المحدث أي اللفظين قال.
وفيه: أن من سوى بني آدم يسمعون القرآن.
وقوله: ("فإنها السكينة نزلت") قيل: هي ريح لفافة ولها وجه، وقد يريد الملائكة نزلت وعليهم السكينة، ويأتي في التفسير أيضًا.
الحديث الثامن بعد الثلاثين:
حديثه أيضًا قال: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه إِلَى أَبِي في مَنْزِلِهِ، فَاشْتَرى مِنْهُ رَحْلاً، فَقَالَ لِعَازِبٍ: ابْعَثِ ابنكَ .. الحديث.
ومعنا: (أسرينا ليلتنا): سرنا ليلاً، يقال: سرى وأسرى بمعنى، قال:{سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] وقال: (والليل إذا يسري)
(2)
[الفجر: 4].
(1)
"مجمل اللغة" 2/ 560.
(2)
قرأ ابن كثير (يسري) بالياء وصلًا ووقفًا، وقرأها نافع بالياء وصلاً، وبغير ياء في الوقف، وفرأها ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي:(يسر) بغير ياء وصلًا ووقفًا.
انظر: "الحجة للقراء السبعة" للفارسي 6/ 403، "السبعة في القراءات" لابن مجاهد ص 683.
وقوله: (من الغد) أي: سرنا من الغد وقوله: (حتى قام قائم الظهيرة) يعني: نصف النهار. وقوله: (وخلا الطريق) يدل أنه كان في زمن الحر، وقد قيل في قوله:{عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} [القصص: 15] أي نصف النهار، وقوله:(فرفعت لنا صخرة طويلة) أي: ظهر لنا أعلاها، ثم ظهر جميعها، والفروة: التي تلبس من جلود.
وقوله: (وأنا أنفض لك ما حولك) أي: أحرسك وأطوف هل أرى أحداً من الطلب يقال: نفضت المكان واستنفضته ونفضته: نظرت جميع ما فيه، ويقال: إذا تكلمت ليلاً فاخفض وإذا تكلمت نهارًا فانفض، أي: التفت هل ترى من تكره، واستنفض القوم: بعثوا النفيضة وهي الطليعة، والنفضة بالتحريك: الجماعة يبعثون في الأرض لينظروا هل فيها عدو أو خوف.
وقوله: (فقال لرجل من أهل المدينة أو مكة) في غير هذِه الرواية: لرجل من قريش
(1)
.
وقوله: (انفض الضرع من التراب والشعر والقذى) القذى: في العين، يقال: قذيت عينه إذا صار فيها القذى، كأنه شبه ما يصير في الضرع من الأوساخ بالقذى في العين.
وقوله: (فحلب في قعب كثبة من لبن) القعب: القدح الضخم، والكثبة: القليل من اللبن وقال ابن فارس: هى القطعة من اللبن ومن التمر. قال: سميت بذلك؛ لاجتماعها
(2)
.
وقال الداودي (
…
)
(3)
كالقدح ونحوه.
(1)
سلف برقم (2439) كتاب: في اللفطة.
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 779.
(3)
كلمة غير واضحة بالأصل.
وقال أبو زيد في "الصحاح": مثل القدح. وقيل وهي قدر الحلبة
(1)
. وقال الهروي والقزاز: كل ما جمعته من طعام أو لبن أو غيرهما فهي كثبة. قال الهروي بعد أن يكون قليلاً
(2)
. وقال الخطابي في باب الهجرة: قوله: كنفة من لبن هكذا قال في هذا الحديث، وهو غلط إنما هو: كثبة من لبن. يريد القليل منه، وقد ذكرناه قبل
(3)
. والإداوة: تعمل من جلود يستعملها المسافر.
وقوله: (فشرب حتى رضيت) أي: طابت نفسي لكثرة ما شرب.
وقوله: (ألم يأن للرحيل) أي: ألم يحن وقته.
وقوله: (فارتطمت به فرسه إلى بطنها) أي ساخت قوائمها كما تسوخ في الوحل، ورطمت الشيء إذا أدخلته فارتطم بالطاء المهملة. وفي رواية: كان لها في ذلك كالدخان، وأنه عليه السلام أمر الصديق فكتب له في أديم أحمر. وفي البخاري بعد هذا: كتبه له عامر بن فهيرة
(4)
. قال غيره بعثه بها يوم فتح مكة بالجعرانة، فكان في أول النهار يطلبها وفي آخره يكتنف الناس عنها
(5)
. وذكر في آخره هنا نحوه.
وقوله: (أُرى في جلد من الأرض) الجلد: الأرض الصلبة المستوية المتن الغليظة وهي بفتح الجيم واللام.
الحديث التاسع بعد الثلاثين:
حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ
(1)
"الصحاح" 1/ 209.
(2)
"غريب الحديث" 1/ 274.
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 1696.
(4)
سيأتي برقم (3906) كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي.
(5)
انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 103 - 104.
يَعُودُهُ -قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ له: "لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله"-. قَالَ: قُلْتَ: طَهُورٌ! كَلَّا بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ -أَوْ تَثُورُ- عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ القُبُورَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"فَنَعَمْ إِذًا".
قوله: ("لا بأس طهور") فيه "دلالة أن الطهور هو المطهر خلافًا لأبي حنيفة في قوله: الطهور هو الطاهر.
وقوله: ("إن شاء الله") بمعنى الدعاء فأبى الأعرابي وسخطه، فصدقه الشارع أنه يموت من ذلك. ويجوز أن يكون الشارع علم أنه سيموت من مرضه قبل قوله له:"طهور" فدعا له بتغفير ذنوبه. ويحتمل أن يكون أخبر بذلك قبل موته وبعد قوله.
الحديث الأربعون:
حديث عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ ألَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ. فَأَمَاتَهُ اللهُ، فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، ثم عادوا فلفظته الأرض، ثم عادوا وأعمقوا فلفظته فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا من حديث ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. نقل نحوه في كتاب المنافقين.
(لفظته الأرض) -بكسر الفاء وفتحها -أي طرحته ورمته. وقال القزاز في "جامعه": كل ما طرحته من يدك فقد لفظته. لا تقال بكسر الفاء إنما تقال بالفتح.
وإنما فعل بذلك لتقوم الحجة على من قرأه ويدل على صِدْق الشارع.
الحديث الحادي بعد الأربعين:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "إِذَا هَلَكَ كسْرى فَلَا كسْرى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْمَهُ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ".
وقد سلف. والمراد أنه لا يجمع ملك قوم كل واحد منهما لرجل واحد، وذلك أوهن لملكهم لغلبة المسلمين على من يتغلبوا عليه؛ لأن الأمم إذا انتشرت ولم يضبطها ملك وهي أمرُها.
وقوله: ("والذي نفس محمد بيده") خصت بذلك لشرفها، وكذا وأنفس الخلق.
وفيه: الإخبار عما كان بعده وقد وقع لله الحمد.
الحديث الثاني بعد الأربعين:
حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما وهو عامر بن سواءة
(1)
حليف بني زهرة وخاله سعد بن أبي وقاص مات بالكوفة سنة (أربع وسبعين)
(2)
في ولاية بشر وقيل: سنة ست وستين وهو ابن عم أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي.
(1)
ورد بهامش الأصل: لعله سقط منه شيء؛ لأنه جابر بن سمرة بن عمرو بن جندب بن حجر بن رئاب بن حبيب بن سواءة السوائي من بني سواءة بن عامر بن صعصعة.
(2)
ورد بهامش الأصل: في "التهذيب" و"الكاشف" سنة ثلاث وسبعين.
الحديث الثالث بعد الأربعين:
حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ .. الحديث بطوله.
وفيه: أنه كان لا يحارب قومًا إلا بإذنٍ عملًا بقوله: "ولن تعدو أمر الله فيك" يعني أن له عِدَة يبلغها.
وفيه: أن رؤيا الأنبياء حق.
وفيه: إتيان الشارع من يدعوه إلى الإسلام ليبلغ ما أنزل إليه.
والعنسي -بالنون -وهو الأسود الكذاب، وكان تنبأ طليحة، ثم أسلم وأتى عمر رضي الله عنه فقال له عمر: والله ما أحبك. فقال له طليحة: ليس أسألك الود، قد يتعاشر الناس على السباب قال له عمر: صدقت
(1)
. وكان تنبأ الحارث على عهد عبد الملك (
…
)
(2)
طعنه بالحربة.
وإمساكه عليه السلام القطعة من الجريد؛ لأنه كان يستحب ذلك: ويقال إنها المخصرة والقضيب.
وقوله: ("لن تعد و") هكذا هو بالنصب، وهو الصواب لأجل (لن) فإنها تنصب المستقبل. ووقع في بعض النسخ:(تعدُ) وهو جار على لغة أنها تجزم.
وقوله: ("رأيت في يدي سوارين من ذهب") السوار بضم السين، وكسرها ويقال له: أُسوار كما في الحديث الآخر
(3)
.
(1)
رواه بنحوه البيهقي في "السنن" 8/ 334.
(2)
كلمتان غير واضحتين بالأصل.
(3)
رواه مسلم (2274/ 22) كتاب: الرؤيا، باب: في تأويل الرؤيا.
وقوله: "من ذهب" هو للتأكيد؛ لأن السوار لا يكون إلا من ذهب، فإن كان من فضة فهو قُلْبٌ.
وتأويل ("نفختهما") أنهما قتلا برمحه؛ لأنهما لم يغزهما بنفسه. والذهب زخرف يدل على زخرفهما، ودلا بلفظهما على ملكين؛ لأن الأساورة هم الملوك، وبمعناهما على التضيق؛ لكون السوار مضيقا على الذراع.
قوله: ("ولئن أدبرت ليعقرنك الله") أي: ليهلكنك، وأصله: عقرت الفرس بالسيف إذا ضربت قوائمه فعرقبته، وكذلك عقرت النخلة إذا قطعت رأسها فيبست.
ومسيلمة -بكسر اللام- صاحب اليمامة، قتله خالد بن الوليد
(1)
ووحشي في خلافة الصديق وافتتح اليمامة بصلح، واستشهد بها ألف
(2)
ومائة وقيل أربعمائة من المسلمين
(3)
.
الحديث الرابع بعد الأربعين:
حديث بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه -أُرَاهُ - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّى أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ .. ". الحديث.
(1)
ورد بهامش الأصل: قوله: قتله خالد أي: أمره خالد، فنسب القتل إليه، وقد شارك وحشيًّا في قتله جماعة ذكرتهم في تعليقي على هذا الكتاب.
(2)
ورد بهامش الأصل: استشهد بها أربعمائة وخمسون من الصحابة وقيل ستمائة منهم رضي الله عنه.
(3)
رواه البيهقي في "السنن" 8/ 175.
("وَهلي"): بإسكان الهاء وفتحها، وذلك جائز مثل نهْر ونهَر، وشَعْر وشَعَر، وأمثال ذلك نبه عليه ابن التين. ومعنى: وهلت إلى الشيء: ذهب وهمي إليه، قال الهروي: ومنه قول ابن عمر: وهِل أنس. أي: غلط، يقال: وهل يهل: وهم إلى الشيء يهم وهلًا ووهماً.
قال ابن فارس. وهلت إلى الشيء: ذهب وهمي إليه. ضبطه بفتح الهاء
(1)
. وذكر عن أبي زيد وهلت إلى الشيء وعنه (أيهل)
(2)
وهلًا إذا نسيت وغلطت فيه ضبطه بكسر الهاء
(3)
.
واليمامة -بفتح الياء والميم- مدينة بقرب اليمن على أربع مراحل من مكة ومرحلتين من الطائف، قيل: سميت باسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، فقال: هو أبصر من زرقاء اليمامة، فسميت اليمامة لكثرة ما أضيف إليها
(4)
، والنسبة إليها يمامي.
وهجر: مدينة باليمن وهي قاعدة البحرين بفتح الهاء والجيم، ويقال: الهجر بالألف واللام بينها وبين البحرين عشر مراحل
(5)
.
وفيه: تسمية المدينة يثرب، وقد نهي عن التسمية بها حتى قيل: من قالها وهو عالم كتبت عليه خطيئة. وسببه ما فيه من معنى التثريب، والشارع من شأنه تغيير الأسماء القبيحة إلى الحسنة. ويجوز أن يقال: إن هذا قبل النهي. كما قيل: إنه سماها في القرآن به إخبارًا عن تسمية الكفار لها قبل أن ينزل تسميتها دار الإيمان، ووسمها بطابة
(1)
"مجمل اللغة" 2/ 939.
(2)
في الأصل (أهل)، والمثبت من (ص 1)، وهو الصواب.
(3)
"مجمل اللغة" 2/ 939.
(4)
انظر: "معجم البلدان" 5/ 446.
(5)
انظر: "معجم البلدان" 5/ 393.
لتكون داعية لإيطابها للمسلمين واستطابة العيش بها.
وفيه: تأخير البيان إلى وقت الحاجة إذا لم يتبين له من حين رأى أنها المدينة.
قوله: ("فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين") أي بعد أحد.
وفيه: أن البقر يعبر بالرجال، فإنه قال:"ورأيت فيها بقرًا والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد" وعبرها في القرآن بالسنين، فهي تدل على أشياء كلٌّ تأوله ما يليق بها.
وقوله: ("وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر") يريد وقعة أحد، ولا يريد ما كان قبل أحدٍ.
وقوله: "ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان" (
…
)
(1)
.
الحديث الخامس بعد الأربعين:
حديث عَائِشَةَ - رضى الله عنها -: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنه تَمْشِي، كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْية النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«مَرْحَبًا بِابْنَتِي» . ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ -أَوْ عَنْ شِمَالِهِ- ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا، فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا، فَضَحِكَتْ .. الحديث.
وفيه: أن بكاءَها إخباره بحضور أجله "وإنك أول أهل بيتي لحاقًا بي" وضحكها بقوله: "ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة" أو "نساء المؤمنين" ثم ساقه عنها بنحوه وسيأتي أيضًا.
وفيه: أنها بكت لقبضه في وجعه الذي توفي فيه، وأنها ضحكت؛ لإخباره أنها أول أهل بيته يتبعه.
(1)
بياض بالأصل.
قوله: (كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم)، كان عليه السلام إذا مشى كأنه ينحدر من صبب وهو دال على فضلها. قال عليه السلام لجعفر:"أشبهت خَلقي وخُلقي"
(1)
وفي هذِه الرواية أنها ضحكت؛ لإخباره لها أنها سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين، وفي الثانية؛ لأنها أول أهل بيته يتبعه.
وفي الرواية الأولى أنها بكت منه ومن قوله: "ما أراه إلا حضر أجلي". فليتأمل الجمع.
وماتت بعد أبيها بستة أشهر، قالت عائشة: وذلك في رمضان، عن خمس وعشرين سنة، وقيل: ماتت بعده بثلاثة أشهر.
وذكر أبو محمد في آخر "جامع مختصره" أن عمرها حينئذ تسعًا وعشرين سنة.
وفيه: أن المرء لا يحب البقاء بعد محبوبه، قال ابن عمر في عاصم:
فليت المنايا كن خلفن عاصمًا
…
فعشنا جميعًا أو ذهبن بنا معًا
قيل: وما رئيت فاطمة ضاحكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسمًا حتى ماتت، وتبسمت فيما قيل عند قولها لامرأة: ترين ما صنع بي المرض، فأرتها ما تصنع على النعش فتبسمت وقالت: سترتيني سترك الله
(2)
.
(1)
سلف برقم (2699)، كتاب: الصلح، باب: كيف يُكتب: هذا ما صالح فلان بن فلان.
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك" 3/ 162 من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
الحديث السابع بعد الأربعين:
حديث أَبِى بِشْرٍ -واسمه جعفر بن أبي وحشية إياس- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ. فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ. فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1]. فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ. قَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ.
إنما حصل له ذلك بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"
(1)
.
الحديث الثامن بعد الأربعين:
حديث ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الذِي مَاتَ فِيهِ بِمِلْحَفَةٍ قَدْ عَصَّبَ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّ الأَنْصَارُ". الحديث.
والدسماء: السوداء على ما قاله الخطابي
(2)
. وقال الداودي: هي التي أخذ فيها العرق ونحوه.
وفيه: التجاوز عن الهفوة ما لم تكن حدًّا.
(1)
رواه أحمد 1/ 266، والطبراني في "الكبير" 10/ 263، الحاكم 3/ 534. كلهم عن ابن عباس، ورواه البخاري (143) كتاب: الوضوء، باب: وضع الماء عند الخلاء بلفظ: "اللهم فقهه في الدين"، ورواه مسلم (2477) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل عبد الله بن عباس، بلفظ: "اللهم فقهه".
(2)
"أعلام الحديث" 3/ 1615.
الحديث التاسع بعد الأربعين:
حديث أَبِي مُوسَى -وهو إسرائيل بن موسى بصري كان ينزل الهند- عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَخْرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الحَسَنَ، فَصَعِدَ بِهِ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ:«ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ» .
هذا الحديث تقدم في الصلح، وهو دليل على ولاية المفضول بحضرة الفاضل.
الحديث الخمسون:
حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنه عليه السلام نَعَى جَعْفَرًا وَزَيْدًا قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ خَبَرُهُمْ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.
الحديث الحادي بعد الخمسين:
حديث جَابِرٍ رضي الله عنه: «هَلْ لَكُمْ مِنْ أَنْمَاطٍ؟ .. » . الحديث.
وقد سلف أيضًا، فأخبر عليه السلام أنها ستكون، ودلهم على ترك السرف وابتغاء القصد بين الأنماط ليظهر نعمة الله عنده ولا يريد رياء ولا سمعة.
-
باب
3632 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا قَالَ: فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّأْمِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ، فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِى يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَتَلَاحَيَا بَيْنَهُمَا. فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الحَكَمِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الوَادِي. ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: وَاللهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّأْمِ. قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ. وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ، فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ، فَإِنِّى سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ. قَالَ: إِيَّايَ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ. فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي اليَثْرِبِيُّ؟ قَالَتْ: وَمَا؟ قَالَ: قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي. قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ -وَجَاءَ الصَّرِيخُ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَمَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ اليَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: فَأَرَادَ أَنْ لَا يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الوَادِي، فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ مَعَهُمْ فَقَتَلَهُ اللهُ. [3950 - فتح: 6/ 629]
3633 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«رَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ فِي صَعِيدٍ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا -أَوْ ذَنُوبَيْنِ- وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ، فَاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا فِي النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ» . [3676، 3682، 7019، 7020 - مسلم: 2393 - فتح: 6/ 629]
وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبَيْنِ» . [7022 - مسلم: 2392]
3634 -
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّ سَلَمَةَ:«مَنْ هَذَا؟» . أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ايْمُ اللهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلاَّ إِيَّاهُ حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخْبِرُ جِبْرِيلَ، أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقُلْتُ لأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
(باب) أي من أعلام نبوته أيضًا. وذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّأْمِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ، فإِذَا أَبُو جَهْلٍ. وذكر فيه قتله ببدر.
وفيه: أنهم كانوا يعتمرون بالمدينة قبل أن يعتمر رسول صلى الله عليه وسلم.
وفيه: موآخاة المشركين.
وفيه: أمر أمية لسعد لا يرفع صوته على أبي جهل تلطفًا منه؛ لئلا يلحقه مكروه.
وقوله: (فلما خرجوا إلى بدر جاءهم الصريخ) فيه تقديم وتأخير، وهو أن الصريخ جاءهم فخرجوا إلى بدر، أخبرهم أنه عليه السلام وأصحابه خرجوا إلى عير أبي سفيان، فخرجت قريش أشرين بطرين موقنين عند أنفسهم أنهم غالبون فكانوا ينحرون يومًا عشرة من الإبل ويومًا تسعة.
وقوله: (فتلا حيا) أي: تسابا. وقيل: تنازعا، وهو متقارب، ويأتي في غزوة بدر إن شاء الله.
فائدة:
أمية بن خلف هو ابن وهب بن حذافة بن جمح. ولما قال النضر بن الحارث العبدري: إن الملائكة بنات الله. فأنزل الله: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)} [الزخرف: 81] وقال: ألا ترونه قد صدقني؟ قال أمية له- وكان أفصح منه-: لا والله بل كذبك. فقال: ما كان للرحمن ولد
(1)
.
ومظعون بن حبيب بن وهب ابن عم أمية بن خلف بن وهب. وعمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف على نسق مطعم بن مطعم بن مطعام بن مطعام، ليس في بيوت قريش مثلهم. وفي الأنصار قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن ساعدة بصيغة على نسق جواد بن جواد بن جواد، على سبعة ليس في العرب قابلته غيرهم نقلته من خط الدمياطي.
الحديث الثاني:
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«رَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ فِي صَعِيدٍ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا -أَوْ ذَنُوبَيْنِ- وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ، فَاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا فِي النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ» .
(1)
انظر: "الروض الأنف" 3/ 70.
وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبَيْنِ".
الشرح:
عبد الرحمن شيخ البخاري هو عبد الرحمن بن عبد الملك بن محمد بن شيبة، فشيبة جده الأعلى أبو مسلم القرشي الحزامي مولاهم المدني وروى النسائي عن رجل عنه.
وشيخه عبد الرحمن بن المغيرة هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد أبو القاسم الثقة، أخرج له أبو داود أيضا، ووالده عالم بالنسب يسمى قُصيًّا ثقة، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي.
وابنه عبد الرحمن من فقهاء أهل المدينة.
وموسى بن عقبة إمام ثقة، وهذِه رؤيا منام.
والذنوب: الدلو العظيم، قاله ابن فارس
(1)
، وسلف بزيادة.
وقوله ("وفي نزعه ضعف") يريد ما قاله المسلمون في خلافته من أقوال المشركين.
وقوله ("والله يغفر له") أي قد غفر الله له، وقيل: ضعف نزعه اشتغاله بقتال أهل الردة فلم يتفرغ لفتح الأمصار وجباية الأموال وقصر مدته فإنها سنتان وثلاثة أشهر وعشرون يوما.
وقوله: ("ثم أخذها عمر") يعني: الخلافة، وممن صرح به الداودي.
والغَرب: الدلو العظيمة يستقى بها البعير فهي أكبر من الذنوب. وقال الداودي: يعني: أحالت بباطن كفيه فصارت بها حمرة من كثرة
(1)
"مجمل اللغة" 2/ 361.
الاستقاء، وأنكره كثير من أهل العلم وجود نزعه طول أيامه وما فتح الله في عهده وأغنمه المسلمين.
وقوله: ("فلم أر عبقريًّا .. ") إلا آخره قال الخطابي: يقال في الشجاع: ما يفري أحد فريه مخففة الياء، ومن شدد أخطأ قالوا معناه: ما كل أحد يفري على عمله. قال الجوهري: فلان يفري الفرى إذا كان يأتي، بالعجيب
(1)
. والعبقري: الحاذق في عمله، وقيل: سيد القوم ومقدمهم، وقيل: أصل هذا كله: أرض تسكنها الجن، فصار مثلًا إلى كل منسوب إلى شيء رفيع وقيل: هي قرية يعمل فيها النيات الحسنة؛ فنسب إليها كل شيء جيد، وقيل: كل شيء بلغ النهاية في الخير والشر. ذكره الخطابي
(2)
.
وقوله: ("حتى ضرب الناس بعطن") يقول: حتى أتى الإبل الماء يعني: تشربه في منازلها من غير أن تشاق فيه، فتشربه، والعطن: مناخ الإبل إذا صدرت عن الماء.
الحديث الثالث:
حَدَّثَنِى عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، ثَنَا مُعْتَمِرٌ، عن أبيه ثَنَا أَبُو عُثْمَانَ قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ لأُمِّ سَلَمَةَ:«مَنْ هَذَا؟» . أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ايْمُ اللهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلاَّ إِيَّاهُ حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخْبِرُ جِبْرِيلَ، أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقُلْتُ لأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
(1)
"الصحاح" 6/ 2254.
(2)
"غريب الحديث" 1/ 61.
هذا الحديث يأتي في فضائل القرآن أيضًا، وأخرجه مسلم في فضائل أم سلمة
(1)
.
وفيه: تمثله عليه السلام بدحية فظهر ذلك لخبره عليه السلام، وربما لم يره إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها لما أقرأها سلامه: ترى ما لا نرى
(2)
.
ووجه إيراد البخاري هذا الحديث هنا؛ لأنه هو الذي كان يخبره بالمغيبات فكان علمًا من أعلام نبوته. قال ابن التين: وإتيانه إما أن يكون من وراء حجاب أو قبل نزول الحجاب.
فائدة:
شيخ البخاري كنيته أبو الفضل، وجده بصري، روى له مسلم أيضًا والنسائي، وهو صدوق تُكلم فيه، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وابن عمه عبد الأعلى مات قبله سنة سبع وثلاثين. ومعتمر هو ابن سليمان التيمي كان رأسًا في العلم والعبادة كأبيه مات سنة سبع وثمانين ومائة. ووالده سليمان بن طرخان التيمي نزل فيهم بالبصرة من السادة، تابعي مات سنة ثلاث وأربعين ومائة. وأبو عثمان هو النهدي واسمه عبد الرحمن بن مِلّ سلف وكني في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
سيأتي برقم (4980)، باب: كيف نزل الوحي، ورواه مسلم (2451) كتاب: فضائل الصحابة.
(2)
سيأتي برقم (6249) كتاب: الاستئذان، باب: تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال.
بسم الله الرحمن الرحيم
26 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146]
3635
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟» . فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ، إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ. فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ. فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ. فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ. فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى المَرْأَةِ يَقِيهَا الحِجَارَةَ. [انظر: 1329 - مسلم: 1699 - فتح: 6/ 631]
ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ .. ". الحديث.
الرجل لا يحضرني اسمه والمرأة اسمها بسرة
(1)
.
ومعنى (نفضحهم): نكشف مساوئهم، والاسم الفضيحة والفضوح.
وفي رواية: نسود وجوههما ونحممها ونخالف بين وجوههما،
(1)
انظر: "الروض الأنف" 2/ 298. ولم أعثر على اسم الرجل اليهودي المرجوم عند أحد من شارحي هذا الحديث.
ويطاف بهما
(1)
.
وفي رواية للبخاري: نسخم وجوههما ونخزيهما
(2)
. وفي أكثر نسخ مسلم: نحملهما بدل: نحممهما وهو أصوب، وروي بالجيم.
وعبد الله بن سلام مخفف اللام وجده الحارث إسرائيل من بني قينقاع، وهو من ولد يوسف الصديق، وكان اسمه في الجاهلية الحصين فغير، وكان حليف الأنصار، مات سنة ثلاث وأربعين في ولاية معاوية بالمدينة، شهد له الشارع بالجنة
(3)
.
والواضع يده على آية الرجم هو عبد الرحمن بن صوريا الأعور
(4)
. وقال ابن المنذر: إنه ابن صوري. وقيده بعضهم بكسر الصاد.
قوله: (فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة) هو بجيم ثم نون، ثم ألف مهموزة ويروى بياء مثناة تحت بدلها وبضم أوله، وذكرت في "شرح العمدة" فيه سبع روايات، وكلها راجعة إلى الوقاية، منها: الحاء المهملة بضم الياء وفتحها. ومنها الباء الموحدة بدل النون
(5)
، وصوب الدارقطني الإهمال، وكما ذكر ابن التين عن الخطابي أن المحفوظ بالجيم والهمز. أي: يكب عليها، يقال: جنأ يجنؤ جنوءًا
(6)
.
(1)
رواها مالك في "الموطأ" برواية محمد بن الحسن 3/ 59.
(2)
سيأتي برقم (7543) كتاب: التوحيد، باب: ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله، بالعربية وغيرها.
(3)
سيأتي برقم (2812) كتاب: مناقب الأنصار، باب: مناقب عبد الله بن سلام.
(4)
رواه أحمد 2/ 5، الطيالسي 3/ 384 (1967)، ابن حبان 10/ 280 (4435).
(5)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 9/ 188 - 191 وذكر فيه ست روايات: يَجْنَأ، يُجْنِي، يجاني، يَحْنى بالحاء المهملة، يَجْبأ، يُحْنَأ بالحاء المهملة.
(6)
"أعلام الحديث" 3/ 1616.
وعن ابن فارس: حنوت الشيء عطفته
(1)
. عندي أنه ليس من هذين؛ لأن جنا: يجني يكب مستقبله بالألف، وليس هو كذلك في الأصل. قلت بل هو الأصح في الأصول، وحنوت أحنو مستقبله بالواو، وليس هو كذلك في الأمهات. وقال ابن فارس:(انحنى الرجل ينحني)
(2)
ولم يهمزه
(3)
.
وفيه من الفوائد: أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وهو الصحيح، وأنهم إذا تحاكموا إلينا نحكم شرعنا؛ لأنه عليه السلام رجمهما، وأن أنكحتهم صحيحة؛ لأنه لا رجم إلا على المحصن.
وفيه: أن الإسلام ليس شرطًا في الإحصان، وهو قول الشافعي خلافًا لأبي حنيفة ومالك
(4)
. واعتذروا بمعتذرات: منها أن رجمهما لكونهما أهل ذمة، لعله كان قبل النهي عن قتل النساء. ومنها: أنه رجمهما بحكم التواراة، فإنه سألهم ذلك عند قدوم المدينة، وأن آية حد الزنا نزلت بعد ذلك، فبان الحديث منسوخًا ويحتاج إلى تحقيق التاريخ. وكانا من أهل العهد.
ومنها: أن ابن عمر رضي الله عنهما راويه يقول: لا تحصن أنحكة الكفار. وجوابه أن العبرة بما رواه. ومنها: أن يكون رجمهما قبل أن يكون الإحصان من شروط الرجم، وهو دعوى. واحتج به بعض الحنفية على قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض. وجوابه: أنه كان
(1)
"مجمل اللغة" 1/ 253.
(2)
في الأصل (أحنى الرجل يحني) والمثبت من (ص 1) ولعله الصواب.
(3)
"مجمل اللغة" 1/ 253.
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 281، وفيه: قال أصحابنا -أي الكوفيين- والشافعي رضي الله عنهم: يحدان، وقال مالك رضي الله عنه: لا يحدان.
بإقرارهما. واستدل به بعضهم على أنه لا يحفر للمرأة ولا للرجل، على أنه لو حفر لهما لم يجنأ عليها يقيها الحجارة
(1)
.
وسيأتي في موضعه.
(1)
انظر: "الإشراف" 3/ 10.
27 - باب سُؤَالِ المُشْرِكِينَ أَنْ يُرِيَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ القَمَرِ
3636 -
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شِقَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اشْهَدُوا» . [3869، 3870، 4864، 4865 - مسلم: 2800 - فتح: 6/ 631]
3637 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ القَمَرِ. [3868، 4867، 4868 - مسلم: 2802 - فتح: 6/ 631]
3638 -
حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [3870 - مسلم: 2803 - فتح: 6/ 631]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث ابن أَبِي نَجِيحٍ -عبد الله بن يسار المكي- عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ -عبد الله بن سخبره الكوفي مولى الأخفش الثقفي- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شِقَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اشْهَدُوا» .
وستأتي له متابعة في التفسير في سورة القمر.
ثانيها:
حديث أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ القَمَرِ.
ثالثها:
حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ فِي زَمَانِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذِه الثلاثة الأحاديث ذكرها بعد إسلام عمر قريبا، وترجم عليه باب انشقاق القمر، وقال هناك: وقال أبو الضحى - وهو مسلم بن صبيح، عن مسروق عن عبد الله: انشق بمكة.
قال: وتابعه محمد بن مسلم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله، وهذِه المتابعة أخرجها البيهقي من حديث عبد الرزاق، ثنا ابن عيينة، ومحمد بن مسلم، عن ابن أبي نجيح به بلفظ: رأيت القمر منشقا شقتين مرتين
(1)
بمكة، شقة على أبي قبيس، وشقة على السويداء
(2)
، وقد روي حديث انشقاق القمر أيضا من طرق أخر:
منها عن ابن عمر: فلقة من دون الجبل، وفلقة من خلفه، وفي حديث ابن عباس فكانت فلقة على الجبل، وفلقة على أبي قبيس
ومنها: جبير بن مطعم، وفيه: فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، فقال بعضهم: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، وذلك بمنى فرأيت الجبل بين فرقتي القمر.
(1)
في الأصل: مرة، والمثبت من (ص 1).
(2)
"دلائل النبوة" 2/ 265.
وعن الضحاك: فقال أبو جهل: هذا سحرنا فابعثوا إلى الآفاق حتى تنظروا أرأوا ذلك أم لا، فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقا، فقال: الكفار: هذا سحر مستمر.
ومنها: عليّ: انشق ونحن معه، وفي حديث أنس في باب انشقاق القمر، من البخاري: حتى رأوا حراء بينهما، وفي رواية: أنه أراهم القمر مرتين من انشقاقه، فنزلت {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1].
ومنها: حديث حذيفة بن اليمان: ولا شك في ذلك ولا مرية، وفي رواية ابن مسعود: هذا سحر ابن أبي كبشة، فسألوا السفار يقدمون عليكم، فإن كان مثل ما رأيتم فقد صدق، وإلا فهو سحر، فقدم السفار فسألوهم فقالوا: رأيناه قد انشق
(1)
، وسيأتي ذكره في التفسير.
وأيضًا لا شك في عظمها، بل لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء؛ لأنه أمر ظاهر في الأملاك العلوية خارج من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع، فطبع في مثله بحيلة وعلاج وتأليف وتركيب، ونحوها من الأمور التي يتعاطها (المحتالون)
(2)
ويتصنع بها المتكلفون فلذلك صار الخطب فيه أعظم، ولا عبرة بمن أنكر ذلك معللا بأنه لو كان ذلك حقيقة لم يجز أن يخفى أمره على العوام، ولتواترت الأخبار؛ لأنه أمر مصدره عن حس ومشاهدة، والناس فيه شركاء، وهم مطالبون بنقل الغريب، والأمر العجب، فقد قال الله تعالى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} لا يقال: هي الماضي المراد به المستقبل: لأنه لا يرد إليه إلا بدليل.
(1)
انظر: "دلائل النبوة" 2/ 265 - 268.
(2)
غير واضحة في الأصل والمثبت من (ص 1).
وقد قال عقيبه: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا} [القمر: 2] وهذا لا يكون في القيامة وهذا ليس باب قياس، وقد طلبه جماعة خاصة فأراهم ذلك مع كثرة الناس، هذا يطرأ ولا يشعر به كثير من الناس.
وقوله: (إن أهْلَ مكةَ سألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم) يريد: كفار قريش.
28 - باب
3639 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّي، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَمَعَهُمَا مِثْلُ المِصْبَاحَيْنِ، يُضِيآنِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ. [انظر: 465 - فتح: 6/ 632]
3640 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» . [7311، 7459 - مسلم: 1921 - فتح: 6/ 632]
3641 -
حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» . قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّامِ. [انظر: 71 - مسلم: 1037 - فتح: 6/ 632]
3642 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَيَّ يُحَدِّثُونَ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ، وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ. قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ جَاءَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعَهُ شَبِيبٌ مِنْ عُرْوَةَ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ شَبِيبٌ إِنِّى لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَيَّ يُخْبِرُونَهُ عَنْهُ. [فتح: 6/ 632]
3643 -
وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ فِي دَارِهِ سَبْعِينَ فَرَسًا. قَالَ سُفْيَانُ: يَشْتَرِى لَهُ شَاةً كَأَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ. [انظر: 2850 - مسلم: 1873 - فتح: 6/ 632]
3644 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» . [انظر: 2849 - مسلم: 1871 - فتح: 6/ 632]
3645 -
حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ» . [انظر: 2851 - مسلم: 1874 - فتح: 6/ 633]
3646 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ. فَأَمَّا الذِي لَهُ أَجْرٌ: فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَطَالَ لَهَا في مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، وَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا مِنَ المَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا، فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ، كَانَتْ أَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ فَشَرِبَتْ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا، كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَسِتْرًا وَتَعَفُّفًا، لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا، فَهِيَ لَهُ كَذَلِكَ سِتْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً، وَنِوَاءً لأَهْلِ الإِسْلَامِ فَهْيَ وِزْرٌ". وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحُمُرِ، فَقَالَ: «مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7، 8][انظر: 2371 - مسلم: 987 - فتح: 6/ 633]
3647 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: صَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ بُكْرَةً وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. وَأَحَالُوا إِلَى الحِصْنِ يَسْعَوْنَ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ وَقَالَ:«اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ» . [انظر: 371 - مسلم: 1365 - فتح: 6/ 633]
3648 -
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الفُدَيْكِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ،
عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ كَثِيرًا فَأَنْسَاهُ. قَالَ:«ابْسُطْ رِدَاءَكَ» . فَبَسَطْتُ فَغَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ:«ضُمَّهُ» فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ حَدِيثاً بَعْدُ. 4/ 254 [انظر: 118 - مسلم: 2492 - فتح: 6/ 633]
ذكر فيه تسعة أحاديث:
أحدها:
حديث أَنَس رضي الله عنه أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَمَعَهُمَا مِثْلُ المِصْبَاحَيْنِ، يُضِيآنِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ.
هذا الحديث سبق في أحكام المساجد، واتفق إيراد البخاري هناك باتحاد المتن والسند، وهو قليل، وهي كرامة لهما لصحبتهما النبي صلى الله عليه وسلم لخروجهما من عنده.
الحديث الثاني:
حديث المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رضي الله عنه، أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» .
وهذا الحديث يأتي في الاعتصام إن شاء الله تعالى.
الحديث الثالث:
عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» . قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّامِ. ويأتي في التوحيد
(1)
.
(1)
سيأتي برقم (7460)، باب: قول الله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ} .
وشيخ البخاري الأول
(1)
: عبد الله بن أبي الأسود وهو ابن محمد بن أبي الأسود، حميد بن الأسود أبو بكر البصري الحافظ ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي قاضي همدان، مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وهو من أفراد البخاري عن مسلم.
وفي إسناد الثاني
(2)
: ابن جابر، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي، أخو يزيد بن يزيد، وعبد الرحمن الأكبر، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة.
قال الداودي: في قول معاذ لعله ذكر الشام في حديث آخر ثم ذكر هذا ليبين أنه لا تكون الظاهرة إلا بالشام.
وقوله: ("حتى يأتي أمر الله") يعني: القيامة.
وقال البخاري في موضع آخر: هم أهل العلم
(3)
، وقيل: هي ظاهرة بالمغرب، وفي مسلم عن سعد بن أبي وقاص مرفوعًا:"لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة"
(4)
، والشام غير الغرب؛ لأن الشام من المدينة، ومكة ليست من الغرب بين اليمن والشام، وحديث مالك بن يخامر لم يرفعه، وحديث سعد مرفوع.
(1)
في هامش الأصل: صوابه: في الثاني؛ لأن شيخه في الحديث الأول حديث أنس محمد بن المثنى.
(2)
في هامش الأصل: صوابه: الثالث.
(3)
ذكرها قبل حديث (7311)، كتاب: الاعتصام، باب: قول النبي: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين".
(4)
مسلم (1925) كتاب: الإمارة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين".
الحديث الرابع:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ -هو ابن المديني- ثنا سُفْيَانُ -وهو ابن عيينة- ثَنَا شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَيَّ يُحَدِّثُونَ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي بِهِ شَاةً، (فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ)
(1)
، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ، وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ. قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ جَاءَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعَهُ شَبِيبٌ بنْ غرْقدةَ، مِنْ عُرْوَةَ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ شَبِيبٌ: إِنِّى لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَيَّ يُخْبِرُونَهُ عَنْهُ. ولكن سمعته يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . قال: وقد رأيت في داره سبعين فرسًا. قال سفيان: يشترى له شاة كأنها أضحية.
هذا الحديث ذكره البخاري هنا كذلك، وذكر حديث الجبل مقتصرًا عليه في الجهاد وفيه جهالة الحي كما ترى، فهو غير متصل، والشافعي توقف فيه، في بيع الفضولي، فقال: إن صح.
قلت: به كذا في البويطي، وحكى المزني عن الشافعي أنه حديث ليس بثابت عنده، قال البيهقي: وإنما ضعفه؛ لأن شبيب بن غرقدة رواه عن الحي، وهم غير معروفين
(2)
، وقال في موضع آخر: وإنما قال الشافعي: لما في إسناده من الإرسال، وهو أن شبيب بن غرقدة لم يسمعه من عروة البارقي، إنما سمعه من الحي يخبرونه عنه
(3)
، وقال في موضع آخر: الحي الذي أخبر شبيب بن غرقدة عن عروة، لا أعرفهم،
(1)
من (ص 1).
(2)
"معرفة السنن والآثار" 8/ 328.
(3)
"السنن الكبرى" 6/ 113.
وليس هذا من شرط أصحاب الحديث في قول الأخيار، ولهذا قال الخطابي: إنه خبر غير متصل؛ لأن الحي حدثوه عن عروة، وكان سبيله من الرواة لم تقم به الحجة
(1)
.
وقال الشافعي في "الأم": قد روى هذا الحديث (غير)
(2)
سفيان بن عيينة عن شبيب فوصله ويرويه عن عروة بمثل هذِه القصة أو معناها
(3)
.
ولعله يشير إلى رواية سعيد بن زيد
(4)
أخي حماد بن زيد في الدارقطني وهو من رجال مسلم، واستشهد به البخاري، وثقه جماعة، وضعفه يحيى القطان.
وقال المنذري في "اختصاره للسنن": تخريج البخاري لهذا الحديث في صدر حديث: "الخير معقود بنواصي الخيل" يحتمل أن يكون سمعه من علي بن المديني على التمام فحدث به كما سمعه، وذكر فيه إنكار شبيب سماعه من عروة حديث الشاة، وإنما سمعه من الحي عن عروة، وإنما سمع من عروة قوله صلى الله عليه وسلم:"الخير معقود بنواصي الخيل"، ويشبه أن الحديث لو كان على شرطه لأخرجه في البيوع والوكالة كما جرت عادته في الحديث الذي يشتمل على أحكام أن يذكره في
الأبواب التي تصلح له، ولم يخرجه إلا هنا، وذكر بعده حديث الخيل من رواية ابن عمر وأنس وأبي هريرة، فدل ذلك أن مراده حديث الخيل فقط إذ هو على شرطه، وقد أخرج مسلم حديث شبيب بن غرقدة
(1)
"معالم السنن" 3/ 77.
(2)
في الأصل (عن) والصواب ما أثبتناه كما في "الأم".
(3)
"الأم" 3/ 258.
(4)
ورد في هامش الأصل: حديث سعيد بن زيد أخي حماد بن زيد ذكره الذهبي في "ميزانه" مما أنكر من طريق أبي يعلى الموصلي.
مقتصرًا على ذكر الخيل، ولم يذكر حديث الشاة
(1)
.
وذكره ابن حزم في "محلاه" من طريق ابن أبي شيبة عن سفيان عن شبيب عن عروة (ومن طريق أبي داود)
(2)
وأخرجه أيضًا الترمذي وابن ماجه
(3)
، ثم قال: أحد طريقيه سعيد بن زيد، وهو ضعيف وقد أسلفنا من وثقه وفيه
(4)
أيضًا أبو لبيد لُمازة بضم اللام ابن زبار بفتح الراء، وتشديد الباء الموحدة وليس بمعروف العدالة
(5)
.
قلت: بلى ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية، وقال: سمع من علي، وكان ثقة
(6)
، وقال آخر: صالح الحديث، وأثنى عليه ثناءً حسنا.
فائدة:
عروة هذا ابن عياض بن أبي الجعد البارقي نسبة إلى بارق، جبل باليمن نزله بنو سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو مزيقيا فسموا به، ومن قال فيه: عروة بن الجعد كما قاله غندر فقد وهم، قاله ابن المديني، استعمله عمر رضي الله عنه على قضاء الكوفة قبل شريح، وفي الصحابة والتابعين خلق على هذا النمط، فمن الصحابة أوس بن أوس الثقفي، ويقال فيه: ابن أبي أوس، وبشر بن أرطأة، ويقال فيه: ابن أبي أرطأة، وغير ذلك.
(1)
"مختصر سنن أبي داود" 5/ 51.
(2)
في الأصل: (من طريق داود) والمثبت من (ص 1) و"المحلى" ولعله الصواب.
(3)
رواه أبو داود (3384)، الترمذي (1258)، ابن ماجه (2402)، ابن أبي شيبة 7/ 302 (36282)
(4)
ورد في هامش الأصل: أي في حديث الشاة المتصل المذكور فيه سعيد بن زيد.
(5)
"المحلى" 8/ 436 - 437.
(6)
"الطبقات الكبرى" 7/ 213.
فصل:
سلف تفسير حديث: "الخير
(1)
معقود بنواصي الخيل" في الجهاد واضحًا.
وأما فقه حديث عروة فإذا وكل في شراء شاة بدينار فاشترطا شاتين بدينار كل واحدة منهما أو إحداهما مساوية لدينار، فيقع الشراء للموكل، وفي تصرف الفضولي للشافعي قولان: أظهرهما على البطلان، وثانيهما: موقوف إن أجاز مالكه، بعذر وإلا فلا؛ تعلقًا بهذا الحديث، وهو مشهور مذهب مالك وأبي حنيفة وإسحاق، واختلف قول المالكية فيما إذا أمر بشراء سلعة فوجد سلعتين من صفة ما أمر به، وفيهما ما أمر به وأخذ، وقدر على شراء واحدة بحصتها من الثمن، فقال ابن القاسم: الآمر غير إن شاء أخذ واحدة بحصتها من الثمن، ويرجع ببقية الثمن على المأمور، وإن شاء أخذهما جميعًا، وقال أصبغ عند ابن حبيب: يلزمان الآمر جميعًا، وقال عبد الملك في "مبسوطه": إن شاء الآمر أخذهما جميعا أو تركهما جميعا.
الحديث الخامس:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» .
وقد سلف كما قلنا في الجهاد.
الحديث السادس أيضا وفيه أبو التياح واسمه: يزيد بن حميد، وشيخه فيه: قيس بن حفص بن القعقاع أبو محمد البصري الدارمي مولاهم، من أفراده، وقال: مات سنة تسع وعشرين ومائتين،
(1)
في الأصل: الخيل، ولعل المثبت هو الصواب.
أو نحوها، وقال غيره: سنة سبع، وليس في شيوخهم من اسمه قيس سواه، وشيخ قيس خالدُ بن الحارث بن عبيد أبو عثمان الهجيمي البصري، مولده سنة سبع عشرة ومائة، ومات سنة ست وثمانين.
الحديث السابع:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "الخيل لثلاثة رجل" الحديث. سلف في الجهاد أيضًا
(1)
.
الحديث الثامن:
حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه: صَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ بُكْرَةً وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. وَأَحَالُوا إِلَى الحِصْنِ يَسْعَوْنَ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ وَقَالَ:«اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ» .
هذا الحديث سلف في الجهاد، في باب التكبير عند الحرب
(2)
.
ومعنى ("خربت"): ستخرب في توجهنا، هذا وقد وقع ذلك، و (أحالوا): بالحاء المهملة، أقبلوا هاربين إليه، قال أبو عبيد: يقال: أحال الرجل إلى مكان كذا تحول إليه، وقال الخطابي: حلت عن المكان تحولت عنه أيضًا
(3)
.
ورواه بعضهم عن أبي ذر بالجيم، وليس بالشيء، إلا أن يكون من أجال الشيء أطاف به، وجال به أيضا وهو بعيد، وعليه اقتصر ابن التين، حيث قال عن أبي الهيثم: يقال أجال الرجل إذا تحول من
(1)
سلف برقم (2860)، باب: الخيل لثلاثة.
(2)
سلف برقم (2991).
(3)
"غريب الحديث" 1/ 605.
شيء إلى شيء، وقال ابن فارس: حال الرجل إلى مكان آخر إذا تحول
(1)
.
الحديث التاسع:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: يَا رَسُوَلَ اللهِ، إِنِّي أسمع مِنْكَ حديثًا فَأَنْسَاهُ. الحديث.
سلف في باب حفظ العلم بالعلم من كتاب العلم، وفيه: ابن أبي فديك، وهو أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك دينار المدني مولاهم مات سنة مائتين أو سنة تسع وتسعين
(2)
، أو إحدى ومائتين.
وفيه ابن أبي ذئب، وهو أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب هشام العامري مات سنة تسع وخمسين ومائة بالكوفة، وكان مولده عام الجحاف سنة ثمانين أو إحدى وثمانين.
وفيه: من أعلام نبوته إخباره بما يكون.
(1)
"مجمل اللغة" 1/ 258.
(2)
يعني: سنة تسع وتسعين بعد المائة، وهو قول ابن سعد في "الطبقات" 4/ 437.
62
كتاب فضائل الصحابة
[62 - كِتَابُ فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ]
1 - باب فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
-
وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ رَآهُ مِنَ المُسْلِمِينَ فَهْوَ مِنْ أَصْحَابِهِ.
3649 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمَّ يَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ» . [انظر: 2897 - مسلم: 2532 - فتح: 7/ 3]
3650 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ، سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ -قَالَ عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا- ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ،
وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ». [انظر: 2651 - مسلم: 2535 - فتح: 7/ 3]
3651 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» . قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانُوا يَضْرِبُونَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ وَنَحْنُ صِغَارٌ. [انظر: 2652 - مسلم: 2533 - فتح: 7/ 3]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث أبي سعيد الخُدْرِيُّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ .. الحديث.
ثانيها:
حديث عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ - رضى الله عنهما -: «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ .. " الحديث.
ثالثها:
حديث عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه:"خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي" بمثله. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانُوا يَضْرِبُونَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ وَنَحْنُ صِغَارٌ.
والأول سلف في الجهاد، وعلامات النبوة
(1)
، والثاني والثالث في: الشهادات.
(1)
برقم (2897) كتاب الجهاد، باب من استعان بالضعفاء في الحرب، وبرقم (3594) كتاب المناقب، باب علامات النبوة.
وما ذكره البخاري من أن الصحبة ثبتت بالرؤية من المسلم هو المعروف من طريقة أهل الحديث.
وفيه قول بأن الذين طالت صحبتهم على طريقة التبع له والأخذ به وهو طريق أهل الأصول وأهل اللغة، فإن ابن الحاجب رجح الأول، وعبر بقوله: من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل ابن أم مكتوم الأعمى وغيره.
وقول ثالث: من أقام معه سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين قاله سعيد بن المسيب، ونقض عليه بجرير بن (عبد الله)
(1)
البجلي وشبهه.
ورابع: أنه من أدركه وأسلم وعقل أمور الدين، وصحبه ولو ساعة من نهار، قاله الواقدي نقلا عن أهل العلم.
وخامس: وهو أوسع من الكل ذهب إليه أبو عمر في آخرين أنه من رآه وأسلم في حياته أو ولد، وإن لم يره ولو كان ذلك قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بساعة لكونه معه في زمن واحد وجمعه وإياه عصر واحد مخصوص
(2)
.
وقال موسى السيلاغى
(3)
أتيت أنس بن مالك رضي الله عنه، فقلت: هل بقي أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرك قال: قد بقي ناس من الأعراب، قد رأوه، فأما من صحبه فلا، وفي الترمذي من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا، وقال: حسن: "لا تمس النار مسلمًا رآني أو رأى من رآني"
(4)
.
(1)
في الأصل: (عبد) وأثبتنا اسمه على الصواب.
(2)
"الاستيعاب" 1/ 132.
(3)
ورد بهامش الأصل: وهي في النسخ التي قرئت على ابن الصلاح: السبلان بفتح السين المهملة، وبالباء الموحدة. والمعروف إنما هو بسكون الياء المثناة من تحت كذا ضبطه ابن السمعاني في "الأنساب" على ما قاله شيخنا القرافي.
(4)
"سنن الترمذي"(3858)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(6277).
فائدة:
أولهم موتًا على إطلاق فيما يقال: أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم طعنها أبو جهل في قبلها فماتت حكاه الداودي
(1)
، وآخرهم موتًا على الإطلاق أبو الطفيل عامر بن واثلة، مات سنة مائة.
وأما بالإضافة إلى النواحي فقد أوضحتهم في "المقنع في علوم الحديث"
(2)
.
فائدة:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فيه لطيفة وهي: رواية صحابي عن صحابي فإنه حدث جابر بن عبد الله عنه كذا رواه هنا، وفي الموضعين السابقين.
فائدة:
الفئام: بكسر الفاء، الجماعة، مهموز، والعامة لا تهمزه.
وقوله: ("وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ") يعني: يظهر فيهم الزور.
وقوله: ("وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ"). قيل: يطلبونها ثم يخونون فيها، وقيل: ليسوا ممن يؤتمن، وعلى هذا الأكثر.
والسمن إنما يذم ممن استدعاه دون من طبع عليه.
ومعنى ("تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته") قال الداودي: يعني: إن لم تسبق شهادته.
(1)
في هامش الأصل: هذا الكلام فيه نظر، وذلك لأن أم أيمن ذكر الواقدي أنها أدركت خلافة عثمان وفي مسلم عن الزهري أنها توفيت بعده صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر، وهو الصواب، وإنما هذِه الصفة التي ذكرها صفة سمية والدة عمار، وهي أول شهيدة في الإسلام، صرح بها غير واحد؛ فاعلمه.
(2)
"المقنع" 2/ 502 - 505.
فائدة أخر: قوله: ("خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي") يعني: أصحابي.
("ثم الذين يلونهم") يعني: التابع بإحسان فاشتقاقه من الأقران، واختلف في مقداره على أقوال سلفت هناك.
2 - باب مَنَاقِبِ المُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ
مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّيْمِيُّ رضي الله عنه، وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] وَقَالَ: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} ، إِلَى قَوْلِهِ:{إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]. قَالَتْ عَائِشَةُ وَأَبُو سَعِيدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الغَارِ.
3652 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مِنْ عَازِبٍ رَحْلاً بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ البَرَاءَ فَلْيَحْمِلْ إِلَيَّ رَحْلِي. فَقَالَ عَازِبٌ: لَا، حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجْتُمَا مِنْ مَكَّةَ وَالْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمْ؟ قَالَ: ارْتَحَلْنَا مِنْ مَكَّةَ، فَأَحْيَيْنَا -أَوْ سَرَيْنَا- لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ فَآوِيَ إِلَيْهِ، فَإِذَا صَخْرَةٌ أَتَيْتُهَا فَنَظَرْتُ بَقِيَّةَ ظِلٍّ لَهَا فَسَوَّيْتُهُ، ثُمَّ فَرَشْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ اضْطَجِعْ يَا نَبِيَّ اللهِ. فَاضْطَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَنْظُرُ مَا حَوْلِي، هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا الذِي أَرَدْنَا، فَسَأَلْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ. فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَهَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لَبَنًا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرْتُهُ، فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ -فَقَالَ هَكَذَا ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالأُخْرَى- فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ. فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «بَلَى» . فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ
جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا» . [انظر: 2439 - مسلم: 2009 (سيأتي بعد رقم: 3014) - فتح: 7/ 8]
3653 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا فِي الغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» . [3922، 4663 - مسلم: 2381 - فتح: 7/ 8]
ثم ذكر حديث إِسْرَائِيلُ -هو: ابن يونس بنْ أَبِي إِسْحَاقَ عمرو بن عبد الله أخو عيسى- عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هو الهمداني عمرو بن عبد الله السبيعي- عَنِ البَرَاءِ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مِنْ عَازِبٍ رَحْلاً بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ البَرَاءَ فَلْيَحْمِلْ إِلَيَّ رَحْلِي. فَقَالَ عَازِبٌ: لَا، حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجْتُمَا مِنْ مَكَّةَ .. وفي آخره: فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا. فَقَالَ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا» .
وقد سلف قريبًا.
وحديث أنس عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا فِي الغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ (إلى)
(1)
تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا؟!» .
و (عازب) هو بن الحارث، والد البراء. قال الواقدي: لم يسمع له ذكر في المغازي.
(1)
كذا في الأصل: والحديث بدونها في اليونينية 5/ 4، وليس عليها أي تعليق.
الشرح:
أبو بكر الصديق، اسمه: عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي، يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرة، ولقبه: عتيق، وكان اسمه في الجاهلية، عبد الكعبة، قالت له أمه:
يا رب عبد الكعبَهْ
…
اسمع به يا ربَّهْ
فَهْوَ بِصَخْرٍ أشبَهْ
وسمي في الإسلام عبد الله، سمي الصديق لتصديقه برسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم لما أسري به قال لجبريل: إن قومي لا يصدقوني، فقال له جبريل: يصدقك أبو بكر وهو الصديق، وقال علي رضي الله عنه: سماه الله على لسان نبيه صديقًا، وكان يسمى أيضًا: الأواه، فيما قاله إبراهيم النخعي، ولقب: بعتيق لعتاقة وجهه بجماله؛ أو لأنه ليس في نسبه ما يعاب به؛ أو لأنه عتيق من النار، أو لأنه قديم في الخير، وكان له أخوان مُعتَق ومُعتِق، قالته عائشة فيما حكاه الزمخشري في "ربيعه"، وقال أبو طلحة: سمي عتيقًا؛ لأن أمه كان لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، ثم قالت: اللهم هذا عتيقك من الموت فهبه لي قال ابن المعلى: وكانت أمه إذا نقزته، قالت:
عتيق يا عتيق
…
ذو المنظر الأنيق
رشفت منه ريق
…
كالزرنب العتيق
وفي "وشاح ابن دريد"
(1)
كان يلقب ذا الخلال لعباءة كان يخلها على صدره، قال السهيلي: وكان يلقب أمير الشاكرين، فهذِه خمسة له.
(1)
قال الشيخ عبد السلام هارون رحمه الله في مقدمته على "الاشتقاق" لابن دريد ص 41: ذكره النديم وياقوت وابن خلكان والسيوطي، قال ياقوت: على حد المحبر لابن حبيب، وقال ابن خلكان: صغير مفيد. =
أمه: أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم، وعند ابن سعد كما قال: وذكر ابن إسحاق: أن أباه كان يسمى عتيقا، ولم ينقل هذا غيره، وكان أبوه يلقب شارب الذهب لكثرة نفقاته.
وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وادعى ابن خالويه في كتاب:"ليس" أنه خالفته لا خليفته؛ لأن المخالفة الذي يكون بعد الرئيس الأول قالوا له: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لست خليفته، ولكن خالفته، كنت بعده، أي: بقيت بعده، واستخلفت فلانا جعلته خليفتي، وقد سلف الرد عليه.
الحديثان فيهما منقبة ظاهرة للصديق في قوله: ("لا تحزن إن الله معنا") وقوله: ("مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا").
وقول عازب: (لا حتى تحدثنا). استدل به -كما قاله الخطابي- بعض العلماء على جواز ما يأخذه شيوخ السوء من المحدثين على الحديث، وذلك أن عازبًا لم يحمل رحله إلى بيته حتى حدثه الصديق بقصِّ مخرجه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يكن هذا من الصديق، ولا من عازب على مذهب هؤلاء، فإن هؤلاء القوم إنما اتخذوا الحديث بضاعة يبيعونها، ويأخذون عليها أجرًا، فهو كشرط معلوم لهم في أن لا يتحدثوا إلا بِجُعل.
وكان مما التمسه الصديق من حمل الرحل من باب المعروف والعادة المعروفة في فعل الشيء الذي له ثقل أو عظم حجم أن يحمله تلامذة
= وفي معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية [بالقاهرة] ورقتان في الميكروفيلم رقم (1895) في مجموعة الإسكوريال، باسم الوشاح لابن دريد .. ثم ذكر أول الورقتين.
التجار وخدمهم إلا رحل المبتاع، ومن المعروف أيضًا في ذلك أنهم
(1)
يسألون عن ذلك أجرًا، وكل ذلك يجري مجرى العرف الدائر بينهم، والمستحسن في عاداتهم إلا أن عازبًا لحرصه على معرفة القصة في مخرجه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستفادته علمها تعجل الفائدة، وقدَّم المسألة فيها، ولو لم يكن هناك الحمل المذكور؛ لكان الصديق لا يمنعه الفائدة من علم القصة فهل يسمح شيوخ السوء مما عندهم من الأحاديث إذا لم يرشوا، والقدوة في هذا قوله تعالى:{اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)} [يس: 21]، وقوله:{لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ} [هود: 29]، وشبه ذلك من الآي، ولقوله:{وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]. وقوله صلى الله عليه وسلم: "من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار"
(2)
، ثم هو عامة مذهب السلف، والمرضيين من الخلف
(3)
.
قوله: (حَتَّى أَظْهَرْنَا) كذا عند أبي ذر بالألف، وأسقطها غيره، والصواب الأول أي صرنا في وقت الظهر، وقيل: إذا ساروا في وقت الظهر.
وقوله: (قُلْتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا فِي الغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا) أي: لو جلس وقرب وجهه من الأرض عند قدميه لأبصرنا، وفي رواية: أن رجلا كشف عن فرجه، وجلس يبول، فقال أبو بكر: رآنا يا نبي الله، فقال صلى الله عليه وسلم:"لو رآنا لم يكشف عن فرجه"
(4)
.
(1)
في هامش الأصل: لعله سقط: لا. اهـ.
(2)
رواه أبو داود (3658)، والترمذي (2649)، وابن ماجه (261)، وأحمد 2/ 263.
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 1608 - 1610.
(4)
عزاها ابن حجر في "الفتح" 7/ 11 "سير الواقدي".
فصل:
وقيل في قوله: {فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التوبة: 40]: أي: على الصديق، وأما الشارع فلا زالت عليه.
3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «سُدُّوا الأَبْوَابَ إِلاَّ بَابَ أَبِى بَكْرٍ»
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 467]
3654 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ وَقَالَ: «إِنَّ اللهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ذَلِكَ العَبْدُ مَا عِنْدَ اللهِ» . قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ، إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ» . [انظر: 466 - مسلم: 2382 - فتح: 7/ 12]
هذا الحديث سلف مسندًا في أبواب المساجد من كتاب الصلاة.
ثم ذكر حديث أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ وَقَالَ: «إِنَّ اللهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ذَلِكَ العَبْدُ مَا عِنْدَ اللهِ» . قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ. فَكَانَ هُوَ الْمُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ، إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ» .
الشرح:
حديث أبي سعيد رضي الله عنه سلف هناك، وفيه: فضل ظاهر للصديق، وإنما له الخلافة حيث لم يُبق إلا بابه.
ومعنا: ("أمنَّ") أسحَّ بماله، ولم يُرِد به الامتنان؛ لأن المنة تفسد الصنيعة، ولا منة لأحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الداودي: من أمن يعني: بما يجب فيه المن لو كان من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما المن لله ولرسوله.
وقوله: ("لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا") فمنع أن يتخذ خليلا من الناس، وأبو ذر وأبو هريرة رضي الله عنهما، وغير واحد يقولون:(أخبرني خليلي) وجاز لهم ذلك، ولا يقول أحد: أنا خليله، وإبراهيم خليل الرحمن، ولا يقال إن الله خليله، هذا قول الداودي.
والمعنى: لو كنت أخص أحدًا بشيء مِنَ الدين لخصصت به أبا بكر، ففيه رد على الشيعة القائلين أنه خص عليًّا من الدين والقرآن ما لم يخص أحدًا، وذكر قوم أن المانع من اتخاذه خليلا هو أن هذا الحديث نهى عنه وقال فيه:"وصاحبكم خليل الله" يريد نفسه، وإن كان خليل لم يحدد غيره، قال ابن التين: وما تقدم أولى وأبين في الحجة قال: وقوله: ("ولكن أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ")، هذا هو الصحيح في هذا الحرف، وحذف الألف لا وجه له في كلام العرب، والوجه بالألف كما ذكره البخاري.
وقد اختلف في تفسير الخلة واشتقاقها على أقوال، واختار غير واحد أن الخليل: المختص، وقال بعضهم: إنه من لا يتسع قلبه لسواه، وهو معنى قوله:"لو كنت متخذًا خليلا .. " الحديث.
واختلفوا أيضًا أيهما أرفع درجة الخلة أو المحبة، جعلهما بعضهم سواء، وبعضهم قال: درجة الخلة أرفع درجة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي" فلم يتخذه، وقد أطلق المحبة لفاطمة وابنيها وأسامة وغيرهم، وأكثرهم عكس، وكلاهما حاصل لنبينا صلى الله عليه وسلم.
4 - باب فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
-
3655 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنهم. [3698 - فتح: 7/ 16]
ذكر فيه حديث نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نخير أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ.
ورواه البخاري وأبو داود والترمذي بلفظ: كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان
(1)
، وفي لفظ للترمذي: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أبو بكر وعمر وعثمان، حديث صحيح غريب
(2)
، ورواه الطبراني بلفظ: كنا نقول -ورسول الله حي-: أفضل هذِه الأمة أبو بكر وعمر وعثمان، يسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينكره، وهو قال لمذهب الجمهور في تقديم عثمان على علي، نعم ترجم بعده:
(1)
يأتي قريبا برقم (3698) باب مناقب عثمان رضي الله عنه.
وأبو داود (2627، 2628)، والترمذي (3707).
(2)
الترمذي (3707).
5 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً»
قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه. [انظر: 466]
3656 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي» . [انظر: 467 - فتح: 7/ 17]
3657 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى وَمُوسَى قَالَا: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، وَقَالَ:«لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لَاتَّخَذْتُهُ خَلِيلاً، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ» . [انظر: 467 - فتح: 7/ 17]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ مِثْلَهُ.
3658 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَتَبَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْجَدِّ، فَقَالَ: أَمَّا الذِي قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلاً لَاتَّخَذْتُهُ» . أَنْزَلَهُ أَبًا. يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ. [فتح: 7/ 17]
وقد أسلفه واضحًا.
ثم ساق حديث عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي» . وفي لفظ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لَاتَّخَذْتُهُ خَلِيلاً، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ» .
وحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَتَبَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الجَدِّ، فَقَالَ: أَمَّا الذِي قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلاً لَاتَّخَذْتُهُ» . أراه أَبًا. يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ.
الشرح:
قام الإجماع من أهل السنة والجماعة على أن الصديق أفضل الصحابة، ثم عمر وفي "مسند البزار" أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي:"أبو بكر وعمر سيدا [كهول] أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين"
(1)
، وأخرجه الترمذي من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر "هذان سيدا كهول أهل الجنة .. " إلى آخره، ثم قال: حسن
(2)
.
واختُلف في عثمان وعلي فالأشهر عثمان، وقيل: علي، وقيل: لا تفضيل بينهما ذكره مالك في "المدونة"
(3)
.
وبعد علي بقية العشرة، ثم أهل بدر من المهاجرين، ثم من الأنصار، ومن جميع على قدر الهجرة والسابقة والتفضلة وأغرب من قال: العباس أفضل الأمة، وكأنهم قاسوه على الميراث. وحديث ابن عمر في الباب صريح فيما قررناه، فإنه أضاف إلا زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الصحابة فكيف يحمد بعدهم فيه، ويقال: إنها مسألة اجتهادية وأنه لا اعتراض على رجحه. قال النخعي: لو رأيت الصحابة يتوضئون إلى الكوعين، توضأت كذلك، وأنا أقرؤها إلى المرافق، وذلك أنهم لا يتهمون؛ لأنهم أحرص خلق الله على اتباع نبيه، ولا يظن أحد بهم ذلك إلا ذو ريبة من دينه، وهم أعلم بما
(1)
"مسند البزار" 3/ 67 (831)، من طريق الشعبى، عن الحارث الأعور، عنه، به. وقد اختلف في إسناد هذا الحديث، عن علي، كما نبه عليه الدارقطني في "علله" 3/ 142 (323)؛ وصححه الألباني في "الصحيحة"(824).
(2)
"سنن الترمذي"(3664). وفي نسختنا المطبوعة (حسن غريب).
(3)
"المدونة الكبرى" 4/ 509.
خصهم به الشارع، وقد روي من حديث أنس: لما كان صلى الله عليه وسلم في البستان أنه بشر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان بالخلافة والجنة
(1)
.
قال أبو سعيد الهروي في العوالي الصحاح: قيل: تفرد به عبد الصمد بن عبد الرحمن، وكلهم ثقات، وروي من حديث عمران مرفوعًا:"من رأى أبا بكر في المنام فقد رآه، فإن الشيطان لا يتمثل به"
(2)
وهو غريب من حديث أيوب تفرد به ابن أبي يمان عبيد الله بن عمرو، وله خصائص أخر نحو الثلاثين، ذكرتها في كتابي "العدة في معرفة رجال العمدة"، فراجعها منه، وكذا ذكرت فيه خصائص باقي الأربعة.
قوله: ("ولكن أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ"). قال الداودي: لا أراه محفوظا، فإن يكن محفوظا فمعناه أخوة الإسلام دون مخاللة أفضل من المخاللة أخوة الإسلام، وإن يكن قوله:"لو كنت متخذا غير ربي" لم يجز أن يقول: أخوة الإسلام أفضل، وليس يقتضي هذا بأخبار الآحاد.
فصل:
وقوله: (أنزل أبو بكر الجد أبا) أي: بمنزلته يريد أنه يرث وحده دون الإخوة كالأب وهو مذهب أبي حنيفة ( .. )
(3)
.
(1)
رواه أحمد في "فضائل الصحاح" 1/ 496 (628)، بإسناد فيه إبهام الراوي عن أنس.
(2)
رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 8/ 333.
(3)
في الأصل سطر لم يتبين لنا قراءته، وفي "عمدة القاري" 13/ 247: وعند الشافعي، ومالك أنه يقاسم الأخوة ما لم ينقصه ذلك عن الثلث، وهو قول زيد.
فصل:
قول البخاري إثر قول ابن عباس (حدثنا معلى، وموسى) هو ابن أسد، وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي، وعند أبي ذر عن المستملي وحده: التنوخي بدل، التبوذكي، وهو خطأ.
فصل:
روى مسلم من حديث ابن مسعود
(1)
مثل حديث أبي سعيد الذي أورده البخاري، ومن حديث جندب أيضا قال: وقبل موته بخمس
(2)
. ولابن الزبير بيوم، وأخرجه ابن مسدي في "فضائل أبي بكر" من حديث أنس، وفي آخره:"سدوا كل خوخة في القبلة إلا خوخة أبي بكر".
(1)
مسلم (2383) كتاب "فضائل الصحابة" باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
(2)
مسلم (532) كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور ..
باب فِي سابقة أبي بكر وفضله
3659 -
حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ. قَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تَقُولُ: المَوْتَ. قَالَ عليه السلام: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِى أَبَا بَكْرٍ» . [7220، 7360 - مسلم: 2386 - فتح: 7/ 17]
3660 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ. [3857 - فتح: 7/ 18]
3661 -
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَائِذِ اللهِ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ» . فَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي، فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ:«يَغْفِرُ الله لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ» . ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ: أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لَا. فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ. وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟» . مَرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا. [4640 - فتح: 7/ 16]
3662 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ المُخْتَارِ قَالَ: خَالِدٌ الحَذَّاءُ حَدَّثَنَا، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ» . فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: «أَبُوهَا» . قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ» . فَعَدَّ رِجَالاً. [4358 - مسلم: 2384 - فتح: 7/ 18]
3663 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي؟ وَبَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَلَكِنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ» . قَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنهما» . [2324 - مسلم: 2388 - فتح: 7/ 18]
3664 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ المُسَيَّبِ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ الله، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا -أَوْ ذَنُوبَيْنِ- وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَأَخَذَهَا ابْنُ الخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ» . [7021، 7022، 7475 - مسلم: 2392 - فتح: 7/ 18]
3665 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ الله إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي إِلاَّ أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ» قَالَ مُوسَى: فَقُلْتُ لِسَالِمٍ: أَذَكَرَ عَبْدُ اللهِ: مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ؟ قَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ ذَكَرَ إِلاَّ ثَوْبَهُ. [5783، 5784، 5791، 6062 - مسلم: 2085 - 44) - فتح: 7/ 19]
3666 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ -يَعْنِي الجَنَّةَ-: يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ
كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ، وَبَابِ الرَّيَّانِ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى هَذَا الذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ؟ وَقَالَ: هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ» . [انظر: 1897 - مسلم: 1027 - فتح: 7/ 19]
3667 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ -قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ - فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلاَّ ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ الله فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِىَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلَهُ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ الله الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا. ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ، عَلَى رِسْلِكَ. فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ. [انظر: 1241 - فتح: 7/ 19]
3668 -
فَحَمِدَ اللهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. وَقَالَ:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} [الزمر: 30] وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} [آل عمران: 144] قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ. قَالَ: وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلاَّ أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ -فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ- فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ. فَقَالَ حُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ: لَا وَاللهِ لَا نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا، وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ
دَارًا، وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ الله. [انظر: 1242 - فتح: 7/ 19]
3669 -
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ: عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القَاسِمِ: أَخْبَرَنِي القَاسِمُ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: شَخَصَ بَصَرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» . ثَلَاثًا، وَقَصَّ الحَدِيثَ، قَالَتْ: فَمَا كَانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلاَّ نَفَعَ الله بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا، فَرَدَّهُمُ الله بِذَلِكَ. [انظر: 1241 - فتح: 7/ 20]
3670 -
ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ الهُدَى، وَعَرَّفَهُمُ الْحَقَّ الذِي عَلَيْهِمْ، وَخَرَجُوا بِهِ يَتْلُونَ:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إِلَى {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. [انظر: 1242 - فتح: 7/ 20]
3671 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلاَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. [فتح: 7/ 20]
3672 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ -أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ- انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى التِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالنَّاسِ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ قَالَتْ: فَعَاتَبَنِي، وَقَالَ مَا شَاءَ الله أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -
حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ الله آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَتَيَمَّمُوا، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَوَجَدْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ. [انظر: 334 - مسلم: 367 - فتح: 7/ 20]
3673 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» . [مسلم: 2541 - فتح: 7/ 21]
تَابَعَهُ جَرِيرٌ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَمُحَاضِرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ.
3674 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو الحَسَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ، فَقُلْتُ: لأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا. قَالَ: فَجَاءَ المَسْجِدَ، فَسَأَلَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: خَرَجَ وَوَجَّهَ هَا هُنَا، فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ -وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ- حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَتَهُ، فَتَوَضَّأَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ، وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ، فَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم اليَوْمَ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ. فَقَالَ:«ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» . فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ فِي القُفِّ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي البِئْرِ، كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِي، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ الله بِفُلَانٍ خَيْرًا -يُرِيدُ أَخَاهُ- يَأْتِ بِهِ. فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ البَابَ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ. فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» . فَجِئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ. فَدَخَلَ فَجَلَسَ
مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي القُفِّ عَنْ يَسَارِهِ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ إِنْ يُرِدِ الله بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ. فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:«ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ» فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ. فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ، فَجَلَسَ وُجَاهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ. قَالَ شَرِيكٌ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: فَأَوَّلْتُهَا: قُبُورَهُمْ. [3693، 3695، 6216، 7097، 7262 - مسلم: 2403 - فتح: 7/ 21]
3675 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَعِدَ أُحُدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ:«اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» . [3686، 3697 - فتح: 7/ 22]
3676 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا صَخْرٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا جَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ، فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، فَنَزَعَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ» . قَالَ وَهْبٌ: العَطَنُ: مَبْرَكُ الإِبِلِ، يَقُولُ حَتَّى رَوِيَتِ الإِبِلُ فَأَنَاخَتْ. [انظر: 3634 - مسلم: 2393 - فتح: 7/ 22]
3677 -
حَدَّثَنِي الوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ المَكِّيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ، فَدَعَوُا اللهَ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى مَنْكِبِي، يَقُولُ: رَحِمَكَ الله، إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ الله مَعَ صَاحِبَيْكَ، لأَنِّى كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو
أَنْ يَجْعَلَكَ الله مَعَهُمَا. فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. [2685 - مسلم: 2389 - فتح: 7/ 22]
3678 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ، فَقَالَ:{أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28][3856، 4815 - مسلم: 2386 - فتح: 7/ 22]
ذكر فيه سبعة عشر حديثا:
أحدها:
حديث جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ. قَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تَقُولُ: المَوْتَ. قَالَ عليه السلام: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِى أَبَا بَكْرٍ» .
وهو كالصريح فِي استخلافه بعد ولا شك فِي إيمانه، وهو راد لقول الشيعة أنه نص على علي، وقول الرافضة أنه نص على العباس فيما حكاه الباقلاني فِي كتابه "فضائل الأئمة".
الحديث الثاني:
حديث سمعت عمار بن ياسر: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ.
يريد -والله أعلم- عمار نفسه وزيد بن حارثة وبلالًا وعامر بن فهيرة وشقران، والمرأتان خديجة وأم الفضل لبابة الكبرى، بنت الحارث الهلالية، زوج العباس.
وفيه دلالة على قدم إسلام الصديق، وسيأتي، والأكثر على أنه أول
من آمن من الرجال، قال حسان بن ثابت:
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة
…
فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
الثاني التالي المحمود شيمته
…
وأول الناس من قد صدق الرسلا
(1)
والذي قاله عمار هو الذي حفظ، وقد قال سعد: أقمت سبعا وأنا ثلث الإسلام، (
…
)
(2)
من يصدقون من أسلم يعني: من الرجال ولا يتأتى ذلك في حديث عمار هذا.
الحديث الثالث:
حديث أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ عليه السلام:«أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ .. » . الحديث أخرجه من حديث زيد بن واقد، عن بسر بن عبيد الله، عن عائذ الله أبي إدريس الخولاني عنه، وليس له عنده غيره وهو حديث عزيز.
و ("غامَر") بغين معجمة، وبعد الميم راء أي: خاصم غيره، ودخل في غمرة الخصومة، وهي معظمها كغمر الماء وغمر الحرب ونحوهما، والغامر الذي يرمي بنفسه في الأمور والحروب، وقيل: هو من الغمر وهو الحقد أي: حاقد غمرة، وقيل: من المعاجلة أي: تنازع، وقد غاضب، أي: فاعل من الغمر فرجع إلى الذي قبله.
وقوله: (فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَمَعَّرُ) أي: يتغير من الضمير، وأصله من قولهم: أمعر المكان إذا جدب، يريد أنه قد ذهب نضارته ورونقه، فصار كالمكان الأمعر.
(1)
"ديوانه" ص 179 (دار الكتب العلمية 1406/ 1986).
(2)
كلام غير واضح بالأصل.
وفيه: أن الرجل لا يقاوم من هو أفضل منه، ومدح المرء في وجهه إذا أمن عليه الاغترار.
وفيه: أن المرء لا يكاد يعفو عند الغضب، وأن الصالح إذا كانت منه هفوة يذكر لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} [الأعراف: 201] الآية.
وفيه: سؤال الاستغفار والتحلل من الظلم، وفي بعض الحديث أن عمر رضي الله عنه قال: كنت أدارئ منه بعض الحد
(1)
.
وفي حديث آخر بعض الحدة، وفي حديث آخر:"الحدَّةُ تعتري خيار أمتي".
وفيه: منقبة ظاهرة للصديق في قوله: "إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقت. وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ " مرتين. فما أوذي بعدها.
الحديث الرابع:
حديث عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنه عليه السلام بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ» . فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: «أَبُوهَا» . قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ» . فَعَدَّ رِجَالاً.
هذا الحديث يأتي في المغازي
(2)
إن شاء الله.
(1)
(الجد): كتبت بالجيم (أعني تحتها نقطة) ثم وضع علامة الإهمال وهي (ح) صغيرة، وكتب فوق الكلمة لفظَ (معا) فقد تكون إشارة إلى اللفظتين معا (الجد والحد) بالجيم والحاء المهملة، والله أعلم.
(2)
برقم (4358) باب: غزوة ذات السادس، وهي غزوة لخم وجذام.
قال في غير هذِه الرواية: حدثت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظننت أني أحب الناس إليه، فسألته فذكره.
وغزوة ذات السلاسل بفتح السين الأول، واقتصر صاحب "النهاية" على ضمها
(1)
، وكانت سنة سبع كما صححه ابن أبي خالد في "تاريخه".
وقال ابن سعد والحاكم: سنة ثمان في جمادى الآخرة بعد إسلامه بسنة
(2)
.
وهي من قضاعة، وكتب عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده، فأمده بنفر من المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر، وأميرهم أبو عبيدة.
وذكر ابن إسحاق أن أم العاصي بن وائل كانت من بلي، فبعثه صلى الله عليه وسلم على العرب يستنفر الإسلام لذلك حتى إذا كان بماء بأرض جذام
(3)
.
وعند يونس، عن ابن شهاب قال: هي مشارف الشام إلى بلي وسعد الله، ومن يليهم من قضاعة، وكندة وبلقين، وصحنان كفار العرب، ويقال لها: بدر الأخيرة.
قال ابن سعد: وهي وراء وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أيام، بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعًا قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعقد له لواء أبيض وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، وأمره أن يستعين بمن مر به من بلي وعذرة وبلقين، فلما قرب من القوم بلغه جمعهم، فأرسل
(1)
"النهاية في غريب الحديث" 2/ 389.
(2)
"الطبقات الكبرى" 2/ 131.
(3)
ساق الخبرَ ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 2/ 23، وابنُ الأثير في "أسد الغابة" 1/ 856؛ كلاهما بإسنادهما إلى ابن إسحاق.
رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده فبعث أبا عبيدة في مائتين
(1)
.
وفي بعض الحديث أن عمرًا نهى الناس ليلة أن يوقدوا النار، فأرسل أبو بكر إليه عمر، فقال: سله لم يمنع الناس أن يوقدوا النار، وهم في شدة البرد؟ وسله متى يرتحل؟ فذكر ذلك له عمر فقال: ما كان أخرجني إلا الاصطلاء، وإن سمعت رغاء الإبل فشأنك فأخبر عمر أبا بكر فغضب أبو بكر وذهب إليه يسير، فلما سمعه عمرو توارى منه، فلما أصبح قال له: يا أبا بكر، ألستُ أميرك؟ قال: أرسلت إليك لتخبره فلم تفعل. قال: أما مَنْع الناس النار؛ فلئلا يكون علينا من المشركين عين، فيعلموا كيف نحن، وخشيت إن ذكرت متى الرحيل أن يسبق الخبر.
ولما صالحهم عظيم مصر أول مرة شرط عليهم أن يطعم عسكره ثلاثة أيام، فأمر أصحابه أن يلتحفوا بالأكسية على القمص، وأن يملئوا أكفهم بالثريد وينثروه نثرًا، وكانوا فقهوا إليهم في غير ذلك الرأي وقال لهم: إذا سألوكم فقولوا: إنا نحن أهل الحرب، وأولئك أهل الرأي، وهم لا يستحبون طعامكم، فلما بلغوا سأل عمرو الطاغيةَ: ما الذي أنفق عليهم في ذلك اليوم، فذكر مالا وزاد في القول ليتجمل في ذلك، ويستكثر، فقال له: اجعل اليومين الباقيين مالا فإن أصحابي لم يرضوا طعامك.
الحديث الخامس:
حديث أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَمَا رَاعٍ
(1)
"الطبقات الكبرى" 1/ 131.
في غَنَمِهِ عدا عليه الذئب .. " الحديث سلف في المزارعة
(1)
.
وفيه: أن الله لا يأخذ أحدًا بذنب أحد إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسل والأنبياء والآيات، وبالعلماء عند انقطاع الوحي.
وقوله: "فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ" يعني: أنهم أول من يؤمن به إذ جاءهم الرسول من غير أن يتعجبوا كما تعجب غيرهم.
الحديث السادس:
حديث ابْنُ المُسَيَّبِ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ .. " الحديث سلف قريبًا قبل باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ} من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ثم قال: وقال همام عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فنزع أبو بكر ذَنُوبين"
(2)
.
والقليب: البئر قبل أن تطوى يذكر ويؤنث، قاله الجوهري
(3)
، وقال أبو عبيد: هي البئر العادية القديمة، قال القزاز: فإذا طويت فهي الطَّوِيُّ، وجمع القليب: أَقْلِبَة، والكثرة: قُلُب، وفي "المجمل": القليب مذكر فإذا طويت فهي الطَّوِيُّ
(4)
.
والذَّنُوب: الدَّلْوُ العَظمية، ولا يقال لها: ذَنُوب إلا وفيها ماء كما قاله ابن عزيز، وقال الجوهري: هي الدلو المملوءة، قال: عن ابن السكيت أو قريب من الملء، فإن لم يكن فيها ماء، فلا يسمى ذنوبًا
(5)
، وقيدها أبو عبد الملك، فإنها الدلو الكبيرة.
(1)
برقم (2324) باب: استعمال البقر للحراثة.
(2)
سلف برقم (3634) كتاب المناقب، باب علامات النبوة.
(3)
"الصحاح" 1/ 206، مادة:(قلب).
(4)
"المجمل" 2/ 730، مادة:(قلب).
(5)
"الصحاح" 1/ 128 - 129، مادة:(ذنب).
والغَرْب: كل شيء رفيع، وكذا ابن فارس قال: إنها الدلو العظمية
(1)
.
الحديث السابع:
حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ الله إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي إِلاَّ أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ»
فيه: منقبة ظاهرة للصديق بشهادة الشارع له بذلك.
الحديث الثامن:
حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللهِ .. ".
الحديث سلف، وقوله ("في شيء من الأشياء")، يعني: فرسين أو بعيرين، أو دينارين.
الحديث التاسع:
حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنه صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ .. قال إِسْمَاعِيلُ: يعني: بالعالية. الحديث بطوله.
السُّنُح: بضم أوله وثانيه، وقد تسكن النون كما قال الحازمي، وكذا كان يقولها بالإسكان كما حكاه عياض، منازل بني الحارث بالعوالي من الخزرج من عوالي المدينة. قال البكري: بينه وبين منزل النبي صلى الله عليه وسلم ميل، وبه ولد عبد الله بن الزبير كان الصديق نازلا هناك ومعه أسماء ابنته، سكنه لما تزوج ابنة خارجة الأنصاري
(2)
.
(1)
"المجمل" 1/ 361، مادة:(ذنب).
(2)
"معجم ما استعجم" 3/ 760.
وقوله: (لَا يُذِيقُكَ المَوْتَتَيْنِ أَبَدًا)، أي: ليس عليك بعد هذِه الموتة كرب مقبورًا، ولا عند نَشْرِكَ، ولا في الموقف ولا في أحوال يوم القيامة كلها.
وقوله: ("عَلَى رِسْلِكَ") هو بكسر الراء، أي: على هينتك.
وقوله: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} أي: ماتوا وهو ولا بد ميت.
وقوله: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ} الآية، لما صرخ الشيطان يوم أحد: إن محمدًا مات، فكاد يزيغ قلوب فريق، فعاتبهم الله في ذلك، وحذرهم أن ينقلبوا على أعقابهم عند موته.
وقوله: (فنشج الناس يبكون)، قال الخطابي: النشيج: بكاء معه صوت
(1)
. وقيل: ترجيع كما يردد الصبي بكاءه في صدره.
وقال ابن فارس: نشج الباكي: غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب
(2)
.
قال: والنحيب: بكاء مع صوت بِإِعْوَال
(3)
. وكذا قال الجوهري: نَشَجَ الباكي يَنْشِج نَشْجًا إذا غَصَّ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب
(4)
.
وقوله: (فقالوا -يعني: الأنصار-: منا أمير ومنكم أمير) إنما قالوا على عادة العرب أن لا يسود القبيلة إلا رجل منهم، ولم يعلموا حينئذ أن حكم الإسلام بخلاف ذلك، فلما سمعوا أنه صلى الله عليه وسلم قال:"الخلافة في قريش"
(5)
أذعنوا لذلك فبايعوا الصديق.
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 1628.
(2)
"المجمل" 4/ 868.
(3)
"المجمل" 4/ 860.
(4)
"الصحاح" 1/ 344.
(5)
رواه أحمد 4/ 185، قال العراقي في "محجة القرب" ص 196: حديث صحيح. وحسنه الألباني في "الصحيحة"(1851).
وقيل: هي فريضة؛ لأن الفرائض تقوم بها؛ لأنها لم تتأخر عن وقت الحاجة إليها.
قلت: وهو الصواب فنصب الإمام ضروري لا يقوم المعاش إلا به.
وقوله: (ثم أوسط العرب دارًا)، أي: مكة قاله الداودي، وقال الخطابي: أراد به سطة النسب، قال: ومعنى الدار: القبيلة
(1)
، ومنه حديث:"خير دور الأنصار بنو النجار"
(2)
يريد به خير قبائلهم.
وقوله: (وأعرقهم أحسابًا)، هو بالقاف، وفي بعض نسخه: هو بالباء، وعليها مشى ابن التين قال: يريد أنهم أحسن شمائل وأنفالا بالعرب، قال: سمى النسب الآباء، والحسب: الأفعال مأخوذ من الحساب إذا حسبوا مناقبهم، فمن كان يعد لنفسه ولأبيه مناقب أكثر كان أحسب، والمراد بالرفيق الأعلى: الجنة.
الحديث العاشر:
حديث مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: قُلْتُ لأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلاَّ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ.
فيه: فضل ظاهر للصديق وأدب من علي رضي الله عنهما، وهو مثل حديث عبد الله بن مسلمة قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه ينادي على المنبر: ألا إن خير هذِه الأمة أبو بكر ثم عمر ثم الله أعلم، ذكره ابن عبد البر
(3)
، (وعند ابن خير)
(4)
فيما ذكره ابن الجوزي في "مناقب عمر" رضي الله عنه، قلت لعلي:
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 1629.
(2)
سيأتي برقم (3791) كتاب مناقب الأنصار، باب فضل دور الأنصار.
(3)
"الاستيعاب" 3/ 98.
(4)
في هامش الأصل: لعله: (وعبد خير).
من أول الناس دخولا الجنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قال: قلت: يدخلانها قبلك، قال: إي: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنهما ليأكلان من ثمارها ويتكآن على فرشها قبلي، وعن جعفر ابن محمد عن أبيه فيما ذكره أبو سعد إسماعيل بن علي في كتاب "الموافقة بين أهل البيت والصحابة": بينا علي بالكوفة إذ قال له رجل: يا خير الناس، قال: هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا، قال: أما إنك لو قلت: نعم، لضربت عنقك، قال: هل رأيت أبا بكر، وعمر رضي الله عنهما قال: لا قال: أما لو قلت: نعم لأوجعتك ضربًا.
وفيه: من حديث عبد الرحمن بن أخي محمد بن المنكدر -وفيه: ضعف- عن عمه عن جابر رضي الله عنه قال عمر ذات يوم لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أما قد قلت ذاك، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ما طلعت الشمس على خير من عمر"
(1)
.
وذكر عبد الله بن أحمد في "فضائل عثمان" من حديث إبراهيم بن عمر بن أبان حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن ربيعة، عن أبيه، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال يومًا رأى رجل صالح)
(2)
فقال أصحابه: قلنا في أصحابنا يعني: نفسه كأن دلوًا هبط من السماء فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم (غير)
(3)
جرع، ونصف جرعة ثم ناوله عثمان فشرب منه ثنتي عشرة جرعة، ثم رفع الدلو إلى السماء.
(1)
رواه الترمذي (3684)، من حديث جابر، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بذاك.
(2)
كذا العبارة في الأصل، ولا يخفى ما فيها من اضطراب ومخالفة لقواعد اللغة. ولعلها في أصل الشيخ: رأى يومًا رجلاً صالحًا.
(3)
ورد في الأصل فوق الكلمة: (كذا). اهـ. [قلت: لعلها (عشر)؛ لمناسبة ما بعدها].
الحديث الحادي عشر:
حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ .. فذكرت حديث التيمم.
وقد سلف في بابه، وإقامته صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون وهو لا يعلم عدم الماء، ويحتمل أن يكون مع تقدمه لطلب العقد فيكون في ذلك حفظ المال، وإن أدى ذلك إلى عدم الماء والاضطرار، أو إلى أداء الصلاة بالتيمم، ويجوز له أيضًا سلوك طريق يتيقن فيه عدم الماء طلبًا للمال قياسًا على هذا؛ لأن مروره أجوز من مقامه، ونحو هذا في "المبسوط" لمحمد بن سلمة المالكي.
وقولها: (وجعل يَطْعُنُ بيده في خاصرتي)، هو بضم العين، يقال: طعن يطعُن بالضم، وطعن بالقول يطَعَن بالفتح، قاله بعض أهل اللغة.
الحديث الثاني عشر:
حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» .
تَابَعَهُ جَرِيرٌ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَمُحَاضِرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. أي عن ذكوان، عن أبي سعيد.
والبخاري أخرج الأول عن آدم بن أبي إياس، عن شعبة، عن الأعمش.
وقد سلف حقيقة الصحابي.
والنصيف: النصف، مثل: العشْر، والعشِير والثمْن والثمِين، ومعناه: أن المد ونصفه ينفقه الواحد منهم أفضل من الكبير ينفقه أحدكم مع السعة والوجدان، وقيل: النصيف هنا مكيال يكال به، قال
الخطابي: ويروى: مَدَّ أحدكم بفتح الميم يريد الفضل والطول
(1)
، وذكر أنه قال هذا لخالد مع رجل من السابقين الأولين
(2)
، فإذا كان هذا التفاضل في الصحابة كان بعدهم أكبر.
الحديث الثالث عشر:
قال البخاري: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو الحَسَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ، فَقُلْتُ: لأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا. قَالَ: فَجَاءَ المَسْجِدَ، فَسَأَلَ عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: خَرَجَ وَوَجَّهَ هَهُنَا، فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ، فذكر دخول الصديق وعمر وعثمان وبشرهم بالجنة، وفي آخره: قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: فَأَوَّلْتُهَا: قُبُورَهُمْ.
الشرح:
أبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار أمير زبيد والعدن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمير البصرة والكوفة، مات سنة أربع وأربعين، وادعى الواقدي أنه كان حليفًا لبني سعيد بن الغافقي، وأنه أسلم بمكة، وهاجر إلى الحبشة، ثم قدم عام خيبر.
وشريك بن أبي نَمِر: هو أبو عبد الله شريك بن عبد الله بن أبي نمر، مات سنة أربعين ومائة، وقد أُنْكِرَ عليه وعلى مُسْلِم إخراجُ حديثه في الإسراء، وفيه: كان نائما قبل أن يوحى إليه
(3)
.
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 1631.
(2)
"غريب الحديث" 1/ 247 - 248.
(3)
سلف برقم (3570) كتاب المناقب، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قبله. ومسلم (162) كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال النسائي: ليس بالقوي
(1)
.
ويحيى بن حسان، التنيسي مات سنة ثمان ومائتين. وشيخ البخاري نميلة اليمامي بصري.
وفيه من الفوائد:
أن المرء يكون بَوَّابًا للإمام، وإن لم يأمره، وفي رواية له في مناقب عثمان: أنه أمره أن يحفظ الباب
(2)
، وفي هذا مختلف الحديث كما قال الداودي، وقد يقوله أبو موسى في نفسه ثم يستأذنه، فيأمره بحفظ، فلا اختلاف.
وفيه: حركة الباب ودفعه لمن يستأذن، ويحتمل أن يكون هذا قبل الاستئذان.
وفيه: منقبة لهؤلاء الصحابة حيث بشرهم بالجنة، ولعثمان بزيادة الابتلاء، وقد وقع كما أخبر.
وبئر أريس: بفتح أوله وكسر ثانيه، ثم ياء مثناة تحت، ثم سين مهملة بالمدينة، وهو الذي وقع فيه الخاتم من يد عثمان رضي الله عنه.
والقُفُّ: بقاف مضمومة، ثم فاء: الدكة التي جعلت حول البئر، وأصله ما غلظ من الأرض وارتفع، والجمع قفاف، قال أبو موسى المديني: ولم يكن جبلا، والقف: اليابس ويحتمل أن يكون سمي به؛ لأن ما ارتفع حول البئر دون غيره عاليًا
(3)
.
(1)
انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 476 (2737)، "سير أعلام النبلاء" 16/ 159، "ميزان الاعتدال" 2/ 459، "إكمال التهذيب" لعلاء الدين مغلطاي 6/ 253 (2383).
(2)
تأتي (3695) قريبًا.
(3)
"المجموع المغيث" 2/ 737.
وجاء من حديث أنس رضي الله عنه أن عثمان لما دخل غطى فخذه، وقال:"ألا أستحي من رجل استحيت منه الملائكة"
(1)
.
الحديث الرابع عشر:
حديث قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم صَعِدَ أُحُدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ:«اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» .
فيه: فضل ظاهر لهم، وقد وقع كما أخبر.
وقوله: (وأبو بكر) هو مرفوع عطفًا على الضمير الذي في صعد، وهو جائز؛ لأنه عطف على الضمير المرفوع بعد حائل وهو قوله:"أحد".
الحديث الخامس عشر:
حديث صَخْرٌ -وهو ابن جويرية، أبو نافع البصري التميمي وقيل: النميري مولاهم- عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا جَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ .. " وفي آخره: قَالَ وَهْبٌ: العَطَنُ: مَبْرَكُ الإِبِلِ، يَقُولُ: حَتَّى رَوِيَتِ الإِبِلُ فَأَنَاخَتْ.
وقد سلف، وشيخ البخاري أحمد بن سعيد بن إبراهيم، أبو عبد الله المروزي الرباطي الأشقر مات سنة ست، أو ثلاث وأربعين ومائتين، وشيخه: وهب بن جرير، هو أبو العباس مات آخر سنة ست وأول سنة سبع ومائتين.
وقوله: ("يَفْرِي فَرِيَّهُ"): روينا: (فرِيَّه) بكسر الراء وإسكانها،
(1)
رواه مسلم (2401) كتاب "فضائل الصحابة" باب من فضائل عثمان.
وأنكره الخليل وغلط قائله، ومعناه: يعمل عمله، ويَقْوى قوته، يقال: فلان يفري الفَرِيَّ أي: يعمل العمل البالغ، ومنه قوله:{لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم: 27].
وقوله: (فأناخت) كذا هو في الأصل، وعليه علامة ضبة، يقال: أنخت الجمل فاستناخ: أبركته فبرك، وتنوخ الجمل الناقة: أناخها ليضربها.
الحديث السادس عشر:
حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ، قد دَعَوُا اللهَ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى مَنْكِبِي، يَقُولُ: يرحِمَكَ الله، إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ الله مَعَ صَاحِبَيْكَ، لأَنِّي كَثِيرًا ما كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ" فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ الله مَعَهُمَا. فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
قوله: ("كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ")، فيه العطف بدون تأكيد والأحسن خلافه، ومنعه بعضهم، وهذا الحديث يرد عليهم، وكذا قوله:{مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} [الأنعام: 148]
فإن قلت: قد حال (لا) وأجيب: بأنه قد حصل العطف قبل دخول (لا).
الحديث السابع عشر:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ:
سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ، فَقَالَ:{أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} .
قال أبو علي: هكذا هذا الإسناد في رواية أبي زيد، وأبي أحمد عن الفربري، عن محمد بن يزيد قال الكلاباذي والحاكم: ليس هذا بأبي هشام محمد بن يزيد بن رفاعة الرفاعي وعند ابن السكن عن الفربري: محمد بن كثير الكوفي بدل ابن يزيد وأراه وَهَمًا، والقول رواية أبي زيد ومن تابعه
(1)
، وسيأتي الحديث في المبعث والتفسير
(2)
إن شاء الله تعالى.
(1)
"تقييد المهمل" 2/ 662 - 663.
(2)
يأتي في التفسير برقم (3815) وليس هو باب: مبعث النبي إنما هو في الباب الذي بعده باب ما لقي النبي وأصحابه من المشركين بمكة.
6 - باب مَنَاقِبُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَبِي حَفْصٍ القُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ رضي الله عنه
-.
3679 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ الْمَاجِشُونُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ وَسَمِعْتُ خَشَفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ هَذَا بِلَالٌ. وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ» . فَقَالَ عُمَرُ: بِأُمِّي وَأَبِي يَا رَسُولَ اللهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ؟! [5226، 7024 - مسلم: 2394، 2457 - فتح: 7/ 40]
3680 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ. فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا» . فَبَكَى وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللهِ؟! [انظر: 3242 - مسلم: 2395 - فتح: 7/ 40]
3681 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو جَعْفَرٍ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ شَرِبْتُ -يَعْنِي اللَّبَنَ- حَتَّى أَنْظُرُ إِلَى الرِّيِّ يَجْرِي فِي ظُفُرِي -أَوْ في أَظْفَارِي- ثُمَّ نَاوَلْتُ عُمَرَ» . فَقَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ؟ قَالَ: «الْعِلْمَ» . [انظر: 82 - مسلم: 2391 - فتح: 7/ 40]
3682 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أُرِيتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ على قَلِيبٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا -أَوْ ذَنُوبَيْنِ- نَزْعًا ضَعِيفًا، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ حَتَّى رَوِىَ النَّاسُ وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ» .
قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: العَبْقَرِيُّ: عِتَاقُ الزَّرَابِيِّ. وَقَالَ يَحْيَى الزَّرَابِيُّ: الطَّنَافِسُ لَهَا خَمْلٌ رَقِيقٌ. {مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية: 16] كَثِيرَةٌ. [انظر: 3634 - مسلم: 2393 - فتح: 7/ 41]
3683 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الحَمِيدِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ.
حَدَّثَنِي عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ قُمْنَ فَبَادَرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عُمَرُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ الله سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللاَّتِي كُنَّ عِنْدِي فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابِ» . فَقَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللهِ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! فَقُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِيهًا يَا ابْنَ الخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» . [انظر: 3294 - مسلم: 2396 - فتح: 7/ 41]
3684 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ. [3863 - فتح: 7/ 41]
3685 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاَّ رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيٌّ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ الله مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ أَنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ". [انظر: 3677 - مسلم: 2389 - فتح: 7/ 41]
3686 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ.
وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ وَكَهْمَسُ بْنُ المِنْهَالِ قَالَا: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُحُدٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، قَالَ:«اثْبُتْ أُحُدُ فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدَانِ» . [انظر: 3675 - فتح: 7/ 42]
3687 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ -هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ- أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلَنِي ابْنُ عُمَرَ عَنْ بَعْضِ شَأْنِهِ -يَعْنِي عُمَرَ- فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حِينَ قُبِضَ كَانَ أَجَدَّ وَأَجْوَدَ حَتَّى انْتَهَى مِنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ. [فتح: 7/ 42]
3688 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا» . قَالَ: لَا شَيْءَ إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» . قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» . قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ. [6167، 6171، 7153 - مسلم: 2639 - فتح: 7/ 42]
3689 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ» . [انظر: 3294 - مسلم: 2396 - فتح: 7/ 41]
زَادَ زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ» . [انظر: 2469 - فتح: 7/ 42]
3690 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه -
يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهَا حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي؟ ". فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» وَمَا ثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. [انظر: 2324 - مسلم: 2388 - فتح: 7/ 42]
3691 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ اجْتَرَّهُ» . قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الدِّينَ» . [انظر: 23 - مسلم: 2390 - فتح: 7/ 43]
3692 -
حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ-: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ، لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهْوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهْوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ. قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللهِ تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي، فَهْوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ، وَاللهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الأَرْضِ ذَهَبًا لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ عز وجل قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ.
قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بِهَذَا. [فتح: 7/ 43]
3693 -
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي
حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» . فَفَتَحْتُ لَهُ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» . فَفَتَحْتُ لَهُ، فَإِذَا هُوَ عُمَرُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ، فَقَالَ لِي:«افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ» . فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ قَالَ الله الْمُسْتَعَانُ. [انظر: 3674 - مسلم: 2403 - فتح: 7/ 43]
3694 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ. [6264، 6632 - فتح: 7/ 43]
الشرح:
الحَفْصُ في اللغة: الأسد. وهو أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزم ابن رياح بالكسر والمثناة تحت، - وخالف محمد بن حبيب فقال: بالباء الموحدة- ابن عبد الله بن قُراط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي العدوي.
أمه: حَنْتَمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومي أم عمر، ولا عقب لهاشم إلا منها، ومن قال: بنت هشام فقد أخطأ، وإنما هي ابنة عمها، يقال: ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان من أشراف قريش، وإليه كانت السفارة في الجاهلية، وكان إسلامه بعد ست من النبوة، وقيل: خمس، وقد عقد البخاري بابًا في إسلامه، يأتي بعدُ.
وهاجر في أول المهاجرين إلى المدينة وشهد المشاهد، قال هلال بن يساف: أسلم بعد أربعين رجلا، وإحدى عشرة امرأة، وقيل غير ذلك، وذكر العسكري عن ابن عباس قال: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وتسعون رجلا، وثلاثة وعشرون امرأة، ثم أسلم عمر،
ونزل جبريل بهذِه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)} [الأنفال: 64]، وزعم السهيلي أن إسلامه كان والمسلمون إذ ذاك بضعة وأربعون رجلا
(1)
، ولعل ذلك بمكة، وإلا فقد ذكر ابن إسحاق أن في الحبشة كان منهم ثلاثة وثمانين رجلا، وذكر ابن سعد أن إسلامه كان في [ذي]
(2)
الحجة وله ست وعشرون سنة
(3)
. وقال الموصلي: أسلم بعد تسعة وأربعين رجلا، وعليه القصاص، وقال الزهري: أسلم بعد أربعين أو نيف وأربعين من رجال ونساء
(4)
.
لقبه: الفاروق، واختلف هل لقبه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أهل الكتاب أو جبريل. والأول: قالته عائشة رضي الله عنها، والثاني: الزهري، والثالث: حكاه البغوي
(5)
، وإنما تسمى بذلك في السماء، واسمه في "الإنجيل": كافي، وفي "التوارة": منطق الحق، وفي الجنة: سراج، وكان (اسمه)
(6)
عزًّا ظهر به الإسلام بدعوته صلى الله عليه وسلم، ففي "صحيح الحاكم" من حديث مجالد، عن الشعبي، عن عبد الله أنه صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك أبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب" ثم قال: تفرد به مجالد عن عامر.
ثم روى من حديث عائشة مرفوعًا: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب" يعني: خاصة، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ومدار هذا الحديث على حديث الشعبي عن مسروق
(7)
، وسيأتي في
(1)
"الروض الأنف" 4/ 98.
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
(3)
"الطبقات الكبرى" 3/ 269.
(4)
المصدر السابق.
(5)
"تفسير البغوي" 2/ 243.
(6)
كذا في الأصل ولعلها: إسلامه وتصحفت إلى: اسمه.
(7)
"المستدرك" 3/ 83.
باب إسلامه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر
(1)
.
وروى أبو سعيد إسماعيل بن علي في "الموافقة" من حديث علي مرفوعًا: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب". وروى ابن الجوزي في "مناقبه": عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه قال: ركب عمر فرسًا فلما ركضه انكشف فخذه فرأى أهل نجران على فخذه شامة سوداء فقالوا: هذا الذي نجد في كتبنا أنه يخرجنا من أرضنا.
وله أوليات وخصائص ذكرتها في دارجال العمدما)
(2)
فراجعها منه، قتل في سنة ثلاث وعشرين على الصحيح من الهجرة في ذي الحجة ابن ثلاث وستين على الصحيح.
ثم ذكر البخاري في الباب أحاديث مجموعها ستة عشر حديثا:
أحدها:
حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ، وَسَمِعْتُ (خَشَفَةً)
(3)
، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلَالٌ. وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ». فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: بِأُمِّي وَأَبِي يَا رَسُولَ اللهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ؟!
الحديث الثاني:
حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وفيه: ذكر القصر فينظر.
(1)
برقم (3863) كتاب مناقب الأنصار.
(2)
ذكره حاجي خليفة في "كشف الظنون" 2/ 1129 باسم "العدة في معرفة رجال العمدة".
(3)
في مطبوع اليونينية بفتح الشين وبهامشها: كذا في اليونينية بفتح الشين وقد ضبطها المصنف بالسكون كما سيأتي.
وقد سلف في باب صفة الجنة
(1)
.
ضبط ابن التين الرميصاء بضم الراء وكسر الميم، ثم قال: يحتمل أن تكون أم أنس أو غيرها، وهو غريب، والذي نحفظه بفتح الميم، وهي أم أنس، ويقال: لها الغميصاء، وقال أبو داود: الرميصاء، أخت أم سليم من الرضاعة
(2)
.
قلت: ولقبت بالرميصاء لرمص كان في عينها، واسمها سهلة أو رميلة، أو رميثة أو آنية أو مليكة، أقوال.
وقوله: ("سَمِعْتُ خَشْفَةً") هو بفتح الخاء وسكون الشين، وحكى شمر فتحها أيضا قال أبو عبيد: الخشفة، الصوت ليس بالشديد يقال
(3)
: خشف يخشف خشفا إذا سمعت له صوتا أو حركة
(4)
، قيل: وأصله صوت دبيب الحيات، وقال الفراء: الخشفة الصوت الواحد، والخشفة الحركة إذا وقع السيف على اللحم، وفي الحديث:"يا بلال ما عملك؟ فإني لا أراني أدخل الجنة فأسمع الخشفة"
(5)
، وفي حديث آخر أنه قال لبلال:"ما أوثق أعمالك في نفسك فإني سمعت دف نعليك في الجنة" قال: إني لم أتطهر قط إلا صليت ما كتب لي
(6)
.
(1)
برقم (3242) وفي غيرها بسكونها.
(2)
أبو داود (2492).
(3)
هذِه العبارة من قول الكسائي كما في "غريب الحديث" 1/ 92.
(4)
"غريب الحديث" 1/ 92.
(5)
لم أعثر على هذا اللفظ إلا عند أبي عبيد في "غريب الحديث" 1/ 92، وعنه نقلت كتب اللغة المتأخرة، أما في المصادر الحديثية فلفظه:"ثم دخلت الجنة فسمعت خشفة فقلت: ما هذِه؟ فقالوا: هذا بلال". اهـ. من حديث أنس؛ رواه مسلم (2456).
(6)
سلف برقم (1149) كتاب التهجد، باب فضل الطهور بالليل والنهار.
والدَّفُّ: بالفاء الصوت، والفناء ممدود: ما امتد مع القصر من جوانبه من خارج، وقال الداودي: وقد يقال: القصر نفسه فناء.
الحديث الثالث:
حديث الزُّهْرِيِّ عن حَمْزَةُ، عَنْ أَبِيهِ أن صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ شَرِبْتُ -يَعْنِي اللَّبَنَ- حَتَّى أَنْظُرُ إِلَى الرِّيِّ يَجْرِي فِي ظُفُرِي".
الحديث سلف في العلم
(1)
، وحمزة عن أبيه هو ابن عبد الله بن عمر كما سلف هناك.
الحديث الرابع:
حديث سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما فذكر حديث القليب، وقد سلف قريبًا، قال ابن (نمير)
(2)
-يعني شيخ البخاري-: العبقري: عتاق الزرابي وقال يحيى: الزرابي هي الطنافس لها خمل رقيق، {مَبْثُوثَةٌ} كثيرة.
وقوله: ("إني رأِيتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ"). بإسكان الكاف، وحكي فتحها، وقيل: بكر، يقال: بكْرة بكَرة بكرة.
الحديث الخامس:
مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ .. الحديث سلف في باب صفة إبليس وجنوده
(3)
، وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيه نساء المؤمنين ينشطن عنده.
(1)
برقم (82).
(2)
كذا في الأصل، نمير بالنون والميم كما في رواية الأصيلي، وكريمة وأبي ذر. وفي غيرهم: جبير. اليونينية 5/ 10.
(3)
برقم (3294).
قوله: (وَيَسْتَكْثِرْنَهُ): يريد العطاء، وقد أبان في موضع آخر أنهن يردن النفقة، وقال الداودي: أراد يكثرن من الكلام عنده، والأول أظهر؛ لأنه قال:(يكلمنه ويستكثرنه) يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقال لمن أكثر كلامه: استكثر، وقوله:(عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ). لعله كان طبعا، أو كان قبل نزول الآية
(1)
.
قوله: ("إِيهًا يَا ابن الخَطَّابِ")، وفي بعض النسخ:"إيهٍ"، قال ابن التين، وضبط بكسرة واحدة، وصوابه الفتح أي: كف من لومهن وذلك أن إيهٍ بالكسر والتنوين معناه: زدنا حديثا ما، وبغير تنوين: زدنا مما عهدنا، وأَيْها بالفتح والتنوين:
(2)
لا تبدأنا بحديث، وبغير تنوين: كف من حديث عهدناه.
الحديث السادس:
حديث قَيْسٌ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ رضي الله عنه.
أي: لما كان فيه من الجلد والقوة في الله.
وقيس هو ابن أبي حازم، وعبد الله هو ابن مسعود كما سيأتي في باب إسلام عمر رضي الله عنه
(3)
.
الحديث السابع والثامن:
من حديث ابن عباس وأنس رضي الله عنه تقدما في أواخر مناقب الصديق
(4)
.
(1)
يشير إلى آية سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} .
(2)
في هامش الأصل: وفي "الصحاح" بعد أن ذكر الكلام على إيه قال: فإذا سكنته وكففته قلت إيْها عنا، وإن أردت التبعيد قلت: أيْهًا بفتح الهمزة يعني: هيهات.
(3)
برقم (3863).
(4)
حديث ابن عباس برقم (3677)، وحديث أنس برقم (3675).
الحديث التاسع:
حديث زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلَنِي ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه عَنْ بَعْضِ شَأْنِهِ -يَعْنِي عُمَرَ- فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حِينَ قُبِضَ كَانَ أَجَدَّ وَأَجْوَدَ حَتَّى انْتَهَى مِنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه.
معنى (أجد): يعني في الأمور، و (أجود): بالأموال؛ لأنه أجرى الأمور على وجهها.
الحديث العاشر:
حديث أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» . قَالَ: لَا شَيْءَ إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» . قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» . قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ.
هذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب
(1)
، وفيه فضل
(2)
ظاهر للصديق والفاروق.
الحديث الحادي عشر:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ» .
(1)
برقم (2639) كتاب: البر والصلة، باب: المرء مع من أحب.
(2)
مكررة بالأصل.
قيل: يعني الفراسة، كأنه حدث بذلك الشيء، وقيل -عن الشيخ أبي الحسن-: تكلمهم الملائكة، واحتج بقوله:"يكلمون".
الحديث الثاني عشر:
حديثه أيضًا: "من لها يوم السبُع" تقدم قريبًا.
الحديث الثالث عشر:
حديث المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رضي الله عنه جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ-: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ،
فذكر القصة وفيه: والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه.
قال حماد بن زيد: ثنا أيوب، عن ابن أبي مليكة، [عن]
(1)
ابن عباس: دخلت على عمر بهذا.
معنى (يجزعه): يزيل جزعه، كقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23] أي: أزيل عن قلوبهم الروع كما يقال: مرضته، إذا عانى إزالة مرضه، ورواه الجرجاني: وكأنه جزع، وهذا يرجع إلى حال عمر، ويصح به الكلام.
و (طِلاع الأرض) بكسر الطاء المهملة، وقال الهروي: ما يملأ الأرض حتى يطلع ويسيل
(2)
. وقال ابن سيدَهْ: طلاع الأرض ما طلعت عليه الشمس
(3)
، وكذلك قال ابن فارس
(4)
، وقال الخطابي: طلاعها: ملاؤها، أي: ما يطلع عليها، وتشرق فوقها من الذهب
(5)
.
(1)
في الأصل: على.
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" 3/ 133.
(3)
"المحكم" 1/ 431. مادة: طلع.
(4)
"المجمل" 2/ 585.
(5)
"أعلام الحديث" 3/ 1634.
الحديث الخامس عشر:
حديث أبي موسى السالف قريبًا في آخر باب مناقب الصديق في بشارة الثلاثة بالحنة
(1)
.
الحديث السادس عشر:
حديث أبي عَقِيل -بفتح العين- زُهرة بن معبد بن عبدالله بن هشام ابن زهرة بن عثمان، ابن عم طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب سعد بن تيم بن مرة، وعبد الله بن معمر بن عثمان بن عمرو؛ مات سنة اثنتين أو سبع وعشرين ومائة
(2)
، سمع جده عبد الله بن هشام، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فيه منقبة ظاهرة له.
(1)
برقم (3674).
(2)
ورد بهامش الأصل: وقيل: سنة خمس وثلاثين، قال الذهبي في "التهذيب" وهو عندي أصح، وعليه اقتصر في "الكاشف".
7 - باب مَنَاقِبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَبِي عَمْرٍو القُرَشِيِّ رضي الله عنه
-
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ» . فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ. وَقَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ» . فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ. [انظر: 2778]
3695 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الحَائِطِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ:«ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» . فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ:«ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» . فَإِذَا عُمَرُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَسَكَتَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ:«ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ» . فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. [انظر: 3674 - مسلم: 2403 - فتح: 7/ 53]
قَالَ حَمَّادٌ: وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ وَعَلِيُّ بْنُ الحَكَمِ، سَمِعَا أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي مُوسَى بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ عَاصِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَانٍ فِيهِ مَاءٌ، قَدِ انْكَشَفَتْ عَنْ رُكْبَتَيْهِ -أَوْ رُكْبَتِهِ- فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا.
3696 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لأَخِيهِ الوَلِيدِ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ؟ فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ. قَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ -قَالَ مَعْمَرٌ: أُرَاهُ قَالَ:- أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ. فَانْصَرَفْتُ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: مَا نَصِيحَتُكَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَهَاجَرْتَ الهِجْرَتَيْنِ، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الوَلِيدِ. قَالَ: أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ
خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا. قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ، فَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ، وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ كَمَا قُلْتَ، وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ، أَفَلَيْسَ لِي مِنَ الحَقِّ مِثْلُ الذِي لَهُمْ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ التِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الوَلِيدِ، فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ الله، ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ. [3872، 3927 - فتح: 7/ 53]
3697 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا شَاذَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ. تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ. [انظر: 3130، 3655 - فتح: 7/ 53]
3698 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ -هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ. قَالَ: فَمَنِ الشَّيْخُ فِيهِمْ؟ قَالُوا: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ. قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ، إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيءٍ فَحَدِّثْنِي، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: الله أَكْبَرُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ، أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ؛ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ» . وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرُّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ اليُمْنَى «هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ» . فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ، فَقَالَ:«هَذِهِ لِعُثْمَانَ» . فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِهَا الآنَ مَعَكَ. [فتح: 7/ 54]
3699 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه حَدَّثَهُمْ قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُحُدًا، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ وَقَالَ:«اسْكُنْ أُحُدُ -أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ- فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» . [انظر: 3675 - فتح: 7/ 53]
في كنيته قولان آخران: أبو عبد الله، وأبو ليلى، ووالده عفانُ -أبو العاصي- بنُ أمية بن عبد شمس الأموي، ذو النورين، مهاجر الهجرتين، ومن تستحيي منه الملائكة، وجامع القرآن بعد الاختلاف، ومن السابقين الأولين المشهود لهم بالجنة.
أمه: أروى بنت كُريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمها أم حكيم البيضاء عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: ولد بعد الفيل، وفر بدينه إلى الحبشة مع زوجته رقية، ومناقبه جمة موضحة في الكتاب السالف
(1)
.
ثم ذكر البخاري أحاديث مسندة ومعلقة، فقال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يحفر بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ" فحفرها عثمان. وقد سلف في الشرب
(2)
.
وقال: "مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ". فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ.
قلت: هي غزوة تبوك سنة تسع، وقيل: حمل فيها على تسعمائة بعير، ثم بستين فرسًا أتم بها الألف وقيل: كمل له فيها ألف بعير، ومائتا فرس وألف دينار.
وقوله: هنا (فجهزه)، وفي موضع آخر أنه ندبه فأتى بدنانير وأفراس ثم ندبه فأتى بشيء ثم ندبه فأتى بشيء آخر.
(1)
يعني به "العدة في معرفة رجال العمدة"، والله أعلم.
(2)
سلف في الوصايا برقم (2778).
ثم أسند حديث أبي موسى السالف: "بَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوى تصِيبُهُ" وزاد هنا: فسكت هنيهة ثم قال ذلك.
ثم قال البخاري: حَمَّادٌ: وَثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ وَعَلِيُّ بْنُ الحَكَمِ، سَمِعَا أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي مُوسَى بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ عَاصِمٌ أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَانٍ فِيهِ مَاءٌ، قَدِ انْكَشَفَتْ عَنْ رُكْبَتَيْهِ -أَوْ رُكْبَتِهِ- فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا.
وهذا أسنده عبد الله بن أحمد في "فضائل عثمان رضي الله عنه" عن هدبة: ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي موسى، وعلي بن الحكم البناني ثنا أبو عثمان فذكره بزيادة:"بلوى شديدة تصيبه"، ووهّم الداودي هذِه الرواية فقال: هذِه الرواية وَهَمٌ ليس من هذا الحديث.
وقد أدخل بعض الرواة حديثًا في حديث إنما أتى أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فكشف فخذه، فجلس أبو بكر، ثم أتى عمر كذلك، ثم أستأذن عثمان فغطى النبي صلى الله عليه وسلم فخذه، فقيل له في ذلك؛ فقال:"إن عثمان رجل حيي، فإن وجدني على تلك الحالة لم يبلغ حاجته"
(1)
. وأيضًا: فإن عثمان أولى بالاستحياء لكونه ختنه، فزوج البنت أكثر حياء من أبي الزوجة، يوضحه إرسال علي رضي الله عنه ليسأل عن حكم المذي
(2)
.
ثم ذكر حديث يُونُسَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ (عُبَيْدَ)
(3)
اللهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
(1)
رواه مسلم (2402) كتاب "فضائل الصحابة" باب من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(2)
سبق في كتاب: العلم، باب: من استحيا فأمر غيره بالسؤال برقم (132).
(3)
في الأصل: عبد.
الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لأَخِيهِ الوَلِيدِ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ؟ إلى أن قال: ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ، أَفَلَيْسَ لِي مِنَ الحَقِّ مِثْلُ الذِي لَهُمْ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ التِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الوَلِيدِ، فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ الله، ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ.
هذا الحديث مخالف لما رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن المختار عن الداناج عبدِ الله بن فيروز، عن أبي ساسان حصين بن المنذر، عن علي رضي الله عنه أنه جلده عبد الله بن جعفر وعلي رضي الله عنه يَعُدُّ فلما بلغ أربعين قال على: أمسك، جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وعمر ثمانين، وكل سنة
(1)
.
وقد أعاده البخاري في هجرة الحبشة بعدُ، على الصواب من حديث معمر عن الزهري به، وقال فيه: فجلد الوليد أربعين جلدة، وأمر عليًّا أن يجلده، وكان هو يجلده
(2)
.
ورواية: (ثمانين) حجةٌ لمالك، ورواية:(أربعين) حجة للشافعي، والزائد تعزيرات، وفي أبي داود أنه لما أمر عثمان عليًّا أن يضربه قال لابنه الحسن: قم فاضربه، فقال الحسن: وَلِّ حارها من تولى قارها؛ فأمر على عبد الله بن جعفر فضربه، فلما انتهى إلى أربعين، قال: خل عنه
(3)
.
(1)
مسلم (1707) كتاب الحدود، باب حد الخمر. وأبو داود (4480)، وابن ماجه (2571).
(2)
سيأتي برقم (3872).
(3)
"سنن أبي داود"(4480).
وقول عثمان رضي الله عنه: (أعوذ بالله منك) خشي أن ينقم عليه ما هو فيه مظلوم فيضيق بذلك صدره، وفي رواية: أن عبد الله لما أتاه رسول عثمان خشيه، وكان عثمان أتقى لله من ذلك، وما جرأ الناس عليه إلا حلمه.
وقوله: (صَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم -وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ) خشى أن يقول: إنك خالفت هديه؛ لقوله: (وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ).
ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما: كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدًا، ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفضل بين أحد منهم.
تابعه عبد الله بن صالح عن عبد العزيز -يعني: ابن الماجشون- أي: تابع شاذان على روايته عن عبد العزيز؛ هو ظاهر في تفضيل عثمان على علي رضي الله عنهما.
وقوله: (ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم). الظاهر إطلاقه وإقراره عليه، وقد روى ابن زنجويه في "فضائله" بزيادة: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره، ورواه الطبراني في "أكبر معاجمه": من قول ابن عمر أيضًا: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، أفضل هذِه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، وعثمان، ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكره ذلك
(1)
.
وقال ابن التين: لم يذكر أن ذلك كان بعلمه صلى الله عليه وسلم، وقد يكون ذلك من رجلين أو النفر اليسير، وقد قال عثمان رضي الله عنه في الزبير رضي الله عنه إنه لخيرهم ما علمت، ذكره البخاري في مناقبه
(2)
.
(1)
رواه الطبراني في "الكبير" 12/ 285 (3132)، وقال الهيثمي في "المجمع" 9/ 49: رجاله وثقوا، وفيهم خلاف.
(2)
سيأتي برقم (3717).
وقال عبد الرحمن بن عوف: (لينظرن أفضلهم في نفسه)
(1)
، فلم يفضل منهم أحدًا، ولم ينكره عليه أحد.
ثم ذكر حديث عُثْمَانَ -هُوَ ابن مَوْهَبٍ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ البَيْتَ فَرَأى قَوْمًا جُلُوسًا، فذكر قول ابن عمر في عثمان الوجوه التي عابه بها، وسكت عن ذكر مناقبه، ولو أخبر أنه بشر بالجنة كان أغيظ للسائل.
وفيه: أن المبتدع لا يخرج من الملة، وكان عثمان رضي الله عنه عام الحديبية بعثه صلى الله عليه وسلم ليختبر له الأمر بمكة، ثم أشفق عليه، فكانت البيعة من أجله، ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعدلها يد.
ثم ذكر حديث أنس في رجف أُحُد بهم، وقد سلف في مناقب الصديق والفاروق، وفي مسلم كان صلى الله عليه وسلم على حراء هو وهم، وزيادة على وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال صلى الله عليه وسلم:"اهدأ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أو صِدِّيقٌ أو شَهيد"
(2)
.
(1)
يأتي في الباب القادم برقم (3700).
(2)
مسلم (2417) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما من حديث أبي هريرة.
8 - باب قِصَّةُ البَيْعَةِ، وَالاِتِّفَاقُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه
-
وفيه مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
3700 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا؟ أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ؟ قَالَا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ، مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ. قَالَ: انْظُرَا، أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ، قَالَ: قَالَا: لَا. فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ سَلَّمَنِي الله لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ العِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا. قَالَ: فَمَا أَتَت عَلَيْهِ إِلاَّ رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ. قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلاَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَالَ: اسْتَوُوا. حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلاً تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ، أَوِ النَّحْلَ -أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ- فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي -أَوْ أَكَلَنِي- الكَلْبُ. حِينَ طَعَنَهُ، فَطَارَ العِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلَا شِمَالاً إِلاَّ طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَمَنْ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الذِي أَرَى، وَأَمَّا نَوَاحِي المَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ، وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللهِ! سُبْحَانَ اللهِ! فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلَاةً خَفِيفَةً، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي؟ فَجَالَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: غُلَامُ المُغِيرَةِ. قَالَ: الصَّنَعُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قَاتَلَهُ الله لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا، الحَمْدُ لِلَّهِ الذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإِسْلَامَ، قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ العُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا. فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ. أَيْ: إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا. قَالَ: كَذَبْتَ، بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ
وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ وَحَجُّوا حَجَّكُمْ؟ فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: لَا بَأْسَ. وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَخَافُ عَلَيْهِ، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللهِ لَكَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدَمٍ فِي الإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ. قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لَا عَلَيَّ وَلَا لِي. فَلَمَّا أَدْبَرَ، إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ. قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الغُلَامَ. قَالَ: ابْنَ أَخِي، ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ، يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ؟ فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ، قَالَ: إِنْ وَفَي لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ، فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِلاَّ فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ، وَلَا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَأَدِّ عَنِّي هَذَا المَالَ، انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ. وَلَا تَقُلْ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنِّي لَسْتُ اليَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا، وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ السَّلَامَ، وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي. فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ. قَالَ: ارْفَعُونِي، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَذِنَتْ. قَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَيءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي، وَإِنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ. وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا، فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ دَاخِلاً لَهُمْ، فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ. فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ. قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ -أَوِ الرَّهْطِ- الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ عَنْهُمْ رَاضٍ. فَسَمَّى عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدًا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ:
يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ -كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ- فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْدًا فَهْوَ ذَاكَ، وَإِلاَّ فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ وَقَالَ: أُوصِي الخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا، الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الإِسْلَامِ، وَجُبَاةُ المَالِ، وَغَيْظُ العَدُوِّ، وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلاَّ فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ العَرَبِ، وَمَادَّةُ الإِسْلَامِ، أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلَا يُكَلَّفُوا إِلاَّ طَاقَتَهُمْ. فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي، فَسَلَّمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ. قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ. فَأُدْخِلَ، فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ. فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ. وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ، وَاللهُ عَلَيْهِ وَالإِسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ؟ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ، وَاللهُ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُوَ عَنْ أَفْضَلِكُمْ؟ قَالَا: نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقَدَمُ فِي الإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَاللهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ. ثُمَّ خَلَا بِالآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ المِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ. فَبَايَعَهُ، فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ. [انظر: 1392 - فتح: 7/ 95]
ثم ساقه من حديث عمرو بن ميمون بطوله، وقد سلف قطعة منه في الجنائز
(1)
، طعنه أبو لؤلؤة غلام نصراني للمغيرة عند صلاة الصبح بعد
(1)
برقم (1392) باب: ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنه معا.
أن كبر، وقال مالك: قبل أن يدخل في الصلاة، وطعن معه ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة.
وقوله: (فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صلَاةً خَفِيفَةً)، قرأ فيها:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} خوف فوات الوقت؛ لأن لهم جولة، وكانت صلاته بأمر عمر رضي الله عنه، وكان ذلك في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، عن ثلاث وستين، أو خمس وخمسين، وكانت خلافته عشر سنين وخمسة أشهر وتسعة وعشرين يومًا.
وقوله: (الصَّنَعُ) هو بفتح الصاد المهملة والنون، أي: الصانع، قال في "الفصيح": رجل صَنَعُ اليدِ واللسان وامرأة صَنَاع
(1)
، وفي "نوادر أبي زيد": والصناع تقع على الرجل والمرأة، وكذلك الصنع، وكان هذا الغلام نجارًا.
وقول (ابن)
(2)
عباس رضي الله عنهما: (إن شئت فعلت أي: إن شئت قتلنا فقال: كذبت) إلى آخره، إنما قال ذلك لعلمه أن عمر لا يأمر بذلك.
وقول عمر للشاب الذي إزاره يمس الأرض: (ارفع ثوبك فإنه (أتقى)
(3)
لثوبك وأتقى لربك).
فيه: ما كان عليه من الأمر بالمعروف، ولم يشغله حاله عن ذلك، والدين الذي كان عليه للمسلمين إنما ارتزق من بيت مالهم ما كان يغنمه،
(1)
"الفصيح" لثعلب مع شرحه للزمخشري 2/ 687، وقوله: صناع. قال الزمخشري: بغير هاء .. والعامة تقول: رجل صَنِع اليد بكسر النون، والصواب فتحها.
(2)
كذا بالأصل، وهي زائدة؛ إذ القول قول العباس بن عبد المطلب.
(3)
كذا بالأصل وهي رواية الحموي والمستملي في هامش اليونينية 5/ 16، والباقون: أبقى.
ولم يكن عليه غرامة ذلك إلا أنه أراد أن يحتسب عمله لا يتعجل منه شيء في الدنيا.
وقوله: (ولا تَقُل: أمير المؤمنين) لما أيقن بالموت لتعلم هي ذلك، فإن كرهت دفنه هناك منعته، وفي استئذانه لها دليل على أنها تملك البيت والسكن إلى أن توفيت، ولا يلزم منه الإرث؛ لأن أمهات المؤمنين محبوسات بعد وفاته، ولا يتزوجن إلى أن يمتن فهن كالمعتدات في ذلك، وكان الناس يصلون في الجمعة في حُجر أزواجه.
ووصيته أن يستأذن بعد موته عائشة خشية أن تراعيه في حياته، وبكاء حفصة، لغلبة الشفقة، كان قبل الموت أيضًا، ولم يرتفع صوتها به.
وفي قوله: (مَا أَجِدُ أَحَقَّ بهذا الأَمْرِ مِنْ هؤلاء النَّفَرِ -أَوِ الرَّهْطِ- الذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ عَنْهُمْ رَاضٍ. فَسَمَّى عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدًا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ).
فيه: جواز تولية المفضول مع وجود الفاضل؛ لأن عثمان وعليا أفضلهم ولم يذكر أبا عبيدة لأنه توفي قبله سنة ثماني عشرة، ولا سعيد بن زيد؛ لأنه كان غائبًا فيما قيل.
وفي وصاياه دلالة لمن أنفذت مقاتله حكم الحي، وأنه يرث من مات بعد أن أنفذت مقاتله وقبل أن تزهق نفسه، وهو قول ابن القاسم، وقال سحنون: لا يرث من مات قبله إذ لو كان شيء من البهائم أنفذت مقاتله لم يؤكل، والذي أوصى به من أمر سعد نصيحة منه بعد موته.
وقوله في ولده: (يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له) قال هذا مع أهليته، لكنه رأى غيره أولى منه أو خشي أن يقال: هرقلية أو كسروية أن يجعل في الأولاد الخلافة.
وقوله في أهل الذمة: (لا يكلفوا إلا طاقتهم) يريد في الجزية، وقول عبد الرحمن:(اجعلوا أمركم إلى ثلاثة) يعني: في الاختيار ليس أنهم يروا من الأمر.
وقوله: (وقَالَ طَلْحَةُ: جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ). هو صريح في حضوره، وروى مالك: أن طلحة كان غائبا، وأن عمر قال: أَنْظِرُوا طلحة ثلاثًا، فإن قدم وإلا فاقضوا أمركم، وإن عثمان بويع له في اليوم الثالث، ثم قدم طلحة من آخر ذلك اليوم، فمشى إليه عثمان فوجد طلحة يحط عن رواحله فقال له عثمان: قد بقي لك باقي اليوم، فالتفت إلى من بجانبه فقال: هل ثم خلاف؟ قيل: لا، فبايع لعثمان، وكانت خلافته ثنتي عشرة سنة ابن ثمان وثمانين، أو ابن تسعين، أو ابن ست وثمانين، سنة خمس وثلاثين.
9 - باب مَنَاقِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْقُرَشِيِّ أَبِي الحَسَنِ الهَاشِمِيِّ رضي الله عنه
-
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» . [4251] وَقَالَ عُمَرُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ. [انظر: 1392]
3701 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يَفْتَحُ الله عَلَى يَدَيْهِ» قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ:«أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟» . فَقَالُوا: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ» . فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ:«انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ، فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِىَ الله بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» . [انظر: 2942 - مسلم: 2406 - فتح: 7/ 70]
3702 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ التِي فَتَحَهَا الله فِي صَبَاحِهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ -أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ- غَدًا رَجُلاً يُحِبُّهُ الله وَرَسُولُهُ -أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ- يَفْتَحُ الله عَلَيْهِ» . فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ. فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَفَتَحَ الله عَلَيْهِ. [انظر: 2975 - مسلم: 2407 - فتح: 7/ 70]
3703 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ: هَذَا فُلَانٌ -لأَمِيرِ المَدِينَةِ- يَدْعُو عَلِيًّا عِنْدَ
المِنْبَرِ. قَالَ: فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ؟ يَقُولُ لَهُ: أَبُو تُرَابٍ. فَضَحِكَ، قَالَ: وَاللهِ مَا سَمَّاهُ إِلاَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَمَا كَانَ لَهُ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ. فَاسْتَطْعَمْتُ الحَدِيثَ سَهْلاً، وَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ كَيْفَ؟ قَالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى فَاطِمَةَ، ثُمَّ خَرَجَ فَاضْطَجَعَ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟» . قَالَتْ فِي المَسْجِدِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَوَجَدَ رِدَاءَهُ قَدْ سَقَطَ عَنْ ظَهْرِهِ، وَخَلَصَ التُّرَابُ إِلَى ظَهْرِهِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ، فَيَقُولُ:«اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ» . مَرَّتَيْنِ. [انظر: 441 - مسلم: 2409 - فتح: 7/ 70]
3704 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ عُثْمَانَ، فَذَكَرَ عَنْ مَحَاسِنِ عَمَلِهِ، قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوؤُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَرْغَمَ الله بِأَنْفِكَ. ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَ مَحَاسِنَ عَمَلِهِ قَالَ: هُوَ ذَاكَ، بَيْتُهُ أَوْسَطُ بُيُوتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوؤُكَ؟ قَالَ: أَجَلْ. قَالَ: فَأَرْغَمَ الله بِأَنْفِكَ، انْطَلِقْ فَاجْهَدْ عَلَيَّ جَهْدَكَ. [انظر: 3130 - فتح: 7/ 70]
3705 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا، وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لأَقُومَ فَقَالَ:«عَلَى مَكَانِكُمَا» . فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ» . [انظر: 3113 - مسلم: 2727 - فتح: 7/ 71]
3706 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟» . [4416 - مسلم: 2404 - فتح: 7/ 71]
3707 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ
عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ الاِخْتِلَافَ حَتَّى يَكُونَ لِلنَّاسِ جَمَاعَةٌ، أَوْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي. فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَرَى أَنَّ عَامَّةَ مَا يُرْوَى عَلَى عَلِيٍّ الكَذِبُ. [فتح: 7/ 71]
له كنية ثانية وهي: أبو تراب، كناه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآه في المسجد نائما، ووجد رداءه قد سقط على ظهره، وخلص إليه التراب، كما رواه البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه في أبواب المساجد
(1)
، وروى عمار رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال له ذلك في غزوة العشيرة، رواه ابن إسحاق في "السيرة"
(2)
، ورواه البخاري في "تاريخه"
(3)
بالانقطاع، وأما الحاكم فصححه
(4)
.
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم إنما سماه بذلك أنه كان إذا عتب على فاطمة في شيء أخذ ترابا فيضعه على رأسه، فكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى التراب عرف أنه عاتب على فاطمة فيقول:"مالك يا أبا تراب؟ ". والله أعلم أيّ ذلك كان
(5)
.
وروى أبو محمد المنذري في "معجمه" من حديث حفص بن منيع
(6)
ثنا سماك عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما آخى بين الناس "لم أؤاخ بينك وبين أحد؟ " قال: نعم، قال:"أنت أخي، وأنا أخوك".
(1)
سلف برقم (441) كتاب الصلاة، باب نوم الرجال في المسجد
(2)
كما في "السيرة النبوية" لابن هشام 2/ 236، من طريق يزيد بن محمد المحاربي، عن محمد بن كعب القرظي، عن محمد بن خُثَيْم، عنه، به.
(3)
"التاريخ الكبير" 1/ 71، وقال: لا يعرف سماع يزيد من محمد، ولا محمد بن كعب من ابن خثيم، ولا ابن خُثيم من عمار.
(4)
"المستدرك" 3/ 141.
(5)
"سيرة ابن هشام" 2/ 237.
(6)
في هامش الأصل: حفص هذا ضعفه أبو حاتم وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: لا يحتج به.
وأبو طالب اسمه: عبد مناف، وقيل: اسمه كنيته.
أمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت هاشميَّا، من كبار الصحابيات، ولدته بشعب بني هاشم وهو أول من آمن من الصبيان، وكان أخفى إسلامه -فأما الصديق فأظهره- وسنه ثماني سنين، وفيه أقوال أخر إلى عشرين، قال أبو عمر: وأصح ما قيل فيه ابن ثلاث عشرة
(1)
.
بويع يوم مقتل عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
قَتَلُهُ عبد الرحمن بن ملجم الفاتك، وإن ذكر في الصحابة.
وقال ابن يونس: وقرأ
(2)
على معاذ بن جبل، وكان قتله في رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين، أو سبع أو ثمان وخمسين، وهو من المهاجرين الأولين، وخصائصه كثيرة ذكرتها في ترجمته موضحة في الكتاب المشار إليه
(3)
فيما سلف، قال الإمام أحمد: لم يرو في فضائل الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائله مع قدم إسلامه
(4)
.
ثم ذكر البخاري في الباب أحاديث معلقة ومسندة:
أولها:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: "أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ".
(1)
"الاستيعاب" 3/ 200.
(2)
أي: علي رضي الله عنه.
(3)
يعني به "العدة في معرفة رجال العمدة"، والله أعلم.
(4)
ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" 3/ 213، وزاد نسبتها إلى إسماعيل بن إسحاق القاضي، فكلا الإمامين قال تلك المقالة، وكذلك قال الإمام النسائي، كما أشار ابن عبد البر في موضعه.
هذا الحديث أسنده بعد من حديث البراء قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: من مكة فاتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم .. الحديث
(1)
فذكره.
وقد سلف مطولًا في الصلح
(2)
، وأخرجه الترمذي من حديث عمران ابن حصين بلفظ:"إن عليًّا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي"، ثم قال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان
(3)
.
وأخرجه القاسم بن إسماعيل بن إبراهيم البصري في "فضائل الصحابة" من حديث بريدة مطولًا فيه: "لا يقع في علي فإن عليًّا مني وأنا منه"، ومن حديث الحكم بن عطية ثنا محمد أن علي بن أبي طالب وجعفرًا وزيدًا دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أما أنت يا جعفر فأشبه خُلقك خُلقي، وأنت يا علي فأنت مني وأنا منك" الحديث
(4)
، وفي حديث أبي رافع:"فقال جبريل: وأنا منكما يا رسول الله .. " الحديث
(5)
.
فيه: فضيلة ظاهرة له، وأبو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوه شقيقان.
الحديث الثاني:
وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: تُوُفِّيَ النبي صلى الله عليه وسلم وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ.
هذا الحديث سلف في الباب قبله مسندًا.
(1)
يأتي برقم (4251) كتاب: المغازي، باب: عمرة القضاء.
(2)
برقم (2619) باب: كيف يكتب: هذا ما صالح فلان بن فلان.
(3)
"سنن الترمذي"(3712).
(4)
رواه أحمد 5/ 204، وقال الهيثمي في "المجمع" 9/ 275: إسناده حسن.
(5)
رواه الطبراني 1/ 318 (941)، وقال الهيثمي في "المجمع": وفيه حبان بن علي، وهو ضعيف، وثقه ابن معين في رواية، ومحمد بن عبيد الله بن أبي رافع ضعيف عند الجمهور، ووثقه ابن حبان.
الحديث الثالث:
حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يَفْتَحُ الله عَلَى يَدَيْهِ .. » الحديث.
الحديث الرابع:
حديث سَلَمَةَ عن عَلِي مثله، وذلك يوم خيبر قال الحاكم في "إكليله": بعث عليه السلام أبا بكر إلى حصون خيبر فقاتل وجهد، ولم يكن فتح، فبعث عمر رضي الله عنه فلم يكن فتح، فأعطاها علي بن أبي طالب قال: رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير سهل جماعة من الصحابة: أبو هريرة
(1)
، وعلي، وسعد بن أبي وقاص
(2)
، والزبير بن العوام، والحسن بن علي
(3)
، وابن عباس
(4)
، وجابر بن عبد الله
(5)
، وعبد الله بن عمر
(6)
، وعمران بن حصين
(7)
، وأبو ليلى الأنصاري
(8)
، وبريدة
(9)
، وعامر بن أبي وقاص وآخرون يطول ذكرهم.
ولفظه في حديث علي: "لأعطين الراية -أو ليأخذن الراية- غدًا رجل يحب الله ورسوله يفتح الله عليه"، وفي نسخة:"ويحبه الله ورسوله".
(1)
مسلم (2405).
(2)
الترمذي (3724).
(3)
أحمد 1/ 199، وصححه ابن حبان 15/ 383.
(4)
الحاكم 3/ 111، وقال: على شرط الشيخين.
(5)
أحمد 3/ 376.
(6)
أحمد 2/ 26.
(7)
الطبراني 18/ 237.
(8)
أحمد 1/ 99.
(9)
أحمد 5/ 355.
وهو كذلك في رواية أخرى زيادة: "ليس بفرار، يفتح الله له خيبر"
(1)
، قال علي: فوضع رأسي في حجره ثم بسق في إلية راحته ثم دلك بها عيني ثم قال: "اللهم لا يشتكي حرا ولا بردًا" قال علي: فما اشتكيت عيني ولا حرًّا ولا قرًّا حتى الساعة.
وفي لفظ: ودعا له ست دعوات، "اللهم أعنه و (استعن)
(2)
به، وارحمه وارحم به وانصره وانصر به، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"
(3)
، وفي لفظ: قال: علام أقاتلهم؟ قال: "على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا فعلوا فقد حقنوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"
(4)
قال ابن عباس: فكانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في المواطن كلها مع علي رضي الله عنه.
وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من يحمل رايتك يوم القيامة؟ قال:"من عسى أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها، علي بن أبي طالب"
(5)
.
(1)
رواها ابن ماجه (117) وأحمد 1/ 99 وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(95).
(2)
كذا في الأصل، وفي "معجم الطبراني الكبير":(أعزَّ به).
(3)
رواه الطبراني في "الكبير" 12/ 122 (12653).
(4)
رواه الحاكم في "المستدرك" 3/ 38 وقال: قد اتفق الشيخان على إخراج حديث الراية، يعني: ولم يخرجاه بهذِه السياقة.
وقال الهيثمي في "المجمع" 6/ 152: رواه الطبراني في "الصغير" وفيه الخليل بن مرة، قال أبو زرعة: شيخ صالح، وضعفه جماعة.
(5)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 42/ 74.
ونظام الملك في "أماليه" تحقيق أبي إسحاق الحويني 1/ 46 (16) وخيثمة في "حديث خيثمة" 10/ 199.
وروى أبو القاسم البصري في كتابه
(1)
من حديث قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لأعطين الراية رجلا كرارا غير فرار" فقال حسان: يا رسول الله، تأذن لي أن أقول في علي شعرًا قال:"قل" فقال
(2)
:
وكان يبتغي أرمد العين يبتغي
…
دواء فلما لم يخش مداويا
حباه رسول الله منه بتفلة
…
فبورك مرقيًّا وبورك راقيا
وقال سأعطي الراية اليوم صارما
…
فذاك محبًّا للرسول مواتيا
يحب النبي والإله يحبه
…
فيفتح لنا تيك الحصون التواليا
فأمضى بها دون البرية كلها
…
عليًّا وسماه الوزير المؤاخيا
قوله: (فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا)، وهو بدال مهملة ثم واو ثم كاف أي: يخوضون في ذلك ويتداولون الرأي فيه، والدوكة: الاختلاط والخوض يقال: بات القوم يدوكون إذا وقعوا في اختلاط.
وقوله: ("انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ") هو بكسر الراء أي: على هينتك.
الحديث الخامس:
حديث السالف في قوله: ("اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ") مرتين وما كان له اسم أحب إليه منه، قوله:(فَاسْتَطْعَمْتُ الحَدِيثَ سهْلًا)، أي: سألته أن يحدثني.
(1)
هو: "فضائل الصحابة".
(2)
نسبت هذِه الأبيات إلى حسان رضي الله عنه، ولم أعثر عليها في ديوانه، ورأيت أن الصفدي في "الوافي بالوفيات" نسبها إلى الفخر الكنجي محمد بن يوسف بن محمد في ترجمته، فقال: وله شعر يدل على تشيعه ثم ذكر هذِه الأبيات باختلاف يسير في ألفاظها، فانظره هناك، ووافقه في ذلك في اليونيني في "ذيل مرآة الزمان" في ذكر أخبار: السنة الثامنة والخمسين والستمائة.
الحديث السادس:
حديث سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، فَسَأَلَهُ عَنْ عُثْمَانَ، فَذَكَرَ عَنْ مَحَاسِنِ عَمَلِهِ، قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوؤُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَرْغَمَ الله بِأَنْفِكَ. ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَ مَحَاسِنَ عَمَلِهِ قَالَ: هُوَ ذَاكَ، بَيْتُهُ أَوْسَطُ بُيُوتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوؤُكَ؟ قَالَ: أَجَلْ. قَالَ: فَأَرْغَمَ الله بِأَنْفِكَ، انْطَلِقْ فَاجْهَدْ عَلَيَّ جَهْدَكَ.
معنى (أَرْغَمَ الله بِأَنْفِكَ): أوقع الله بك سوءًا، واشتقاقه من السقوط على الوجه فيلصق بالأرض بالرغام، وهو التراب. ومعنى:(بيته أوسط بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أحسنها بناء ومن قال: (وسط) يقول: بينها. قاله الداودي.
الحديث السابع:
حديث عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ، وفي آخره "إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ».
وهي منقبة ظاهرة لهما.
الحديث الثامن:
حديث إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟!» .
هذا قاله لما خرج إلى تبوك ولم يستصحبه فقال: "تخلفني مع الذرية" فضرب له المثل في استخلاف موسى هارون علي بني إسرائيل حين خرج إلى الطور، ولم يرد به الخلافة بعد الموت، وإنما كان خليفته في حياته في وقت خاص، فأمكن الأمر كذلك كمن ضرب به المثل.
الحديث التاسع:
حديث عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ .. إلى آخره.
سبق أنه لما قدم إلى العراق قال: كنت رأيت مع عمر رضي الله عنه أن تعتق أمهات الأولاد، وقد رأيت الآن أن يسترققن، فقال عبيدة
(1)
: رأيك يومئذ في الجماعة أحب إلى من رأيك اليوم في الفرقة، فقال:(اقضوا كما كنتم تقضون)، وخشي ما وقع فيه من تأويل أهل العراق.
وقوله: (فَإِنّي أَكْرَهُ الاخْتِلَافَ) يعني: أن يخالف أبا بكر وعمر.
وقوله: (فكان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروى عن علي الكذبُ) وسببه أن كثيرًا ممن روى عنه أهل الكوفة ليس لهم ذلك.
(1)
ورد بهامش الأصل: هو عبيدة بن عمرو السلماني.
10 - باب مَنَاقِبُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه
-
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي» . [انظر: 4251]
3708 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الجُهَنِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَإِنِّى كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشِبَعِ بَطْنِي، حَتَّى لَا آكُلُ الخَمِيرَ، وَلَا أَلْبَسُ الحَبِيرَ، وَلَا يَخْدُمُنِي فُلَانٌ وَلَا فُلَانَةُ، وَكُنْتُ أُلْصِقُ بَطْنِي بِالْحَصْبَاءِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ هِيَ مَعِي كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي، وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمِسْكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، كَانَ يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا العُكَّةَ التِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشُقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا. [5432 - فتح: 7/ 75]
3709 -
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ. [4264 - فتح: 7/ 75]
هو أبو عبد الله الهاشمي الطيار، أحد السابقين الأولين، والشهداء المبرزين، أسلم قديمًا، وهاجر الهجرتين، مات بمؤتة في جمادى سنة ثمان، ابن إحدى وأربعين أو ثلاث وثلاثين.
قال البخاري: (قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي»).
هذا قطعة من حديث البراء السالف الذي قال فيه لعلي: "أنت مني وأنا منك"
(1)
.
ثم البخاري حديث أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -: كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشِبَعِ بَطْنِي، كَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمِسْكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، كَانَ
(1)
سلف برقم (2619) كتاب: الصلح، باب: كيف يكتب هذا ما صالح فلان بنُ فلان.
يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ التِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشُقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا.
ذكر أبو هريرة بعض أمره وسكت عن لزومه إياه لما يعيش فيه، ويقال: سكت عن ذكر الاقتباس؛ لأنه عمل صالح خشي أن يدخله رياء.
وقوله: ((حين)
(1)
لَا آكُلُ الخَمِيرَ، وَلَا أَلْبَسُ الحَبِيرَ) الخمر: ما يجعل الخمر في عجينة من الخبز الأدم، والحبير -بالحاء المهملة-: الثياب المحبرة، كالبرود اليمانية ونحوها، قاله الخطابي
(2)
، وقال الهروي: الحبير: ثياب يصنع باليمن، قال: وهي تستحب في الكفن، وقال ابن فارس: الثوب الحبير الجديد
(3)
.
وقوله: (كُنْتُ أُلْصِقُ بَطْنِي بِالْحَصبَاءِ مِنَ الجُوعِ). هو كقوله: كنت أخر ما بين البيت والمنبر، حتى يظن من رآني أني مجنون، وما بي جنون، ما بي إلا الجوع
(4)
.
ثم ذكر حديث الشَّعْبِيِّ، أَنَّ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابن جَعْفَرٍ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابن ذِي الجَنَاحَيْنِ.
سببه أن قطعت يداه في القتال؛ فجعلهما الله له جناحين في الجنة في البرزخ. وقول أبي هريرة رضي الله عنه في الحديث قبله: (إنه كان خير الناس للمساكين) أي: لسخائه، ومن أشبه الشارع خَلقًا وخُلقًا، كيف
(1)
كذا في الأصل وهي برواية أبي ذر والأصيلي والمستملي وأبي الوقت مصححة، انظر هامش اليونينية 5/ 19.
(2)
"أعلام الحديث" 3/ 1638.
(3)
"مجمل اللغة" 1/ 260.
(4)
سيأتي برقم (7324) كتاب الاعتصام، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم.
لا يكون ذلك من شيمته، وكان ابنه أيضًا جوادًا حتا قال له الحسن والحسين: إنك مِتلاف. فقال: عودني ربي أن يُفضل على ما أفضل عن الناس.
11 - باب ذِكْرُ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه
-
3710 -
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ: فَيُسْقَوْنَ. [انظر: 1010 - فتح: 7/ 77]
ذكر فيه حديث أَنَس رضي الله عنه في استسقاء عُمَرَ رضي الله عنه، وقد سلف في بابه، وسنده ومتنه سواء
(1)
.
وهو أبو الفضل العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين أو ثلاث، ولد قبل الفيل بثلاث سنين حضر بدرًا مُكرها، فأسر يوم بدر، ثم أسلم بَعْدُ، مات بالبقيع سنة اثنتين وثلاثين بالمدينة، وهو آخر من مات من أعمامه.
(1)
برقم (1010) كتاب: الاستسقاء، باب: سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا.
12 - باب مَنَاقِبُ قَرَابَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْقَبَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
-
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ» .
3711 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، تَطْلُبُ صَدَقَةَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم التِي بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ.
3712 -
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهْوَ صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ -يَعْنِي: مَالَ اللهِ- لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى المَأْكَلِ» . وَإِنِّي وَاللهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، ثُمَّ قَالَ إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ. وَذَكَرَ قَرَابَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَحَقَّهُمْ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي. [انظر: 3093 - مسلم: 1759 - فتح: 7/ 77]
3713 -
أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهم قَالَ: ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي أَهْلِ بَيْتِهِ.
3714 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي» . [انظر: 926 - مسلم: 2449 - فتح: 7/ 78]
3715 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ فِي شَكْوَاهُ الذِي قُبِضَ فِيهَا، فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا فَضَحِكَتْ، قَالَتْ: فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذَلِكَ.
[انظر: 3624 - مسلم: 2450 - فتح: 7/ 78].
3716 -
فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ أَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ. [انظر: 3624 - مسلم: 2450 - فتح: 7/ 78].
ثم ساق أربعة أحاديث
(1)
:
أحدها:
حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ فَاطِمَةَ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي آخره: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتي.
ثانيها:
حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنه، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي أَهْلِ بَيْتِهِ.
ثالثها:
حديث المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فَاطِمَةُ بَضْعَة مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا فَقَدْ أَغْضَبَنِي".
(1)
أحاديث الباب حسب ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي ستة أحاديث، فقد اعتبر الحديث الأول حديثين لوروده بأسانيد مختلفة مواضع عدة رقم (3092) كتاب: فرض الخمس، باب: فرض الخمس فقال، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب أخبرني عروة عن عائشة.
وكذا الحديث الرابع. رقم (3623) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة.
قال: حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء عن فراس عن عامر الشعبي عن مسروق، عن عائشة.
رابعها:
حديث عَائِشَةَ عن فاطمة رضي الله عنها في بكائها ثم ضحكها. وقد سلف.
وتعليقه الأول: أسنده في أواخر باب: علامات النبوة من حديث عائشة رضي الله عنها، وسلف بلفظ:"أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة -أو- نساء المؤمنين"
(1)
.
في إرسال فاطمة طلب ميراثها طلب الكفاف، وترك إضاعة المال، وأنها لم تكن علمت قوله:"لَا نُورَثُ".
وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم كان أبقى رباعه لقوت أهله في حياته ومماته، وما يعرض له من أمور المسلمين.
وفيه: أنه كان له في الخمس حظ.
وفيه: أن صدقة رباعه الوقف ليس أن تسأل للفقراء.
وفيه: أن لبني هاشم حقا في مال الله وهو من الفيء والخمس والجزية وشبه ذلك؛ ليتنزهوا عن الصدقة، (وتشهد)
(2)
علي، إلى آخر الحديث ليس من هذا، إنما كان ذلك بعد موت فاطمة، وقد أتى به في موضع آخر.
وقوله: (لقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي) يعني: أنه لا آلوهم فيما يجب لهم.
وقوله: (ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي أَهْلِ بَيْتِهِ). أوصى بذلك الناس، قال ابن فارس:(أرقبت الحائط والمطر)
(3)
.
(1)
سلف برقم (3624).
(2)
في الأصل: (وشبهة).
(3)
كذا في الأصل، وفي "المجمل": الرقيب: الحافظ والمنتظر.
المرقب: المكان المشرف العالي يقف عليه الرقيب
(1)
.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم أصبح يوما خاثرًا، فقيل له في ذلك: فقال: "رأيت أمتي تقتل حُسينًا"
(2)
.
فائدة:
بنت سيدنا تكنى: أم أبيها؛ أنكحها على بعد وقعة أحد بنت خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف. وكان سن عليٍّ رضي الله عنه يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر، ماتت بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر على الأصح، وقيل: بثلاثة قاله مالك. بنت إحدى وعشرين أو سبع أو ثمان، وقيل: خمس وثلاثين، وترجمتها موضحة في دارجال العمدة".
(1)
"مجمل اللغة" 1/ 393.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 7/ 477 - 478 (37755)، من حديث أم سلمة بلفظ: إن جبريل أتاني بالتربة التي يقتل عليها .. الحديث، ورواه الطبراني 3/ 105 (2811)، من حديث عبد الله بن بني، عن أبيه أنه سافر مع على .. الحديث، والطبراني أيضًا 8/ 258 (8096)، من حديث أبي أمامة بلفظ:"إن أمتي يقتلون هذا". ورواه الحاكم في "المستدرك" 3/ 176 - 177، من حديث أم الفضل بنت الحارث، بلفظ: "أتاني جبريل
…
".
والحديث صححه الحاكم على شرط الشيخين، وتعقبه الذهبي في "التلخيص" بقوله: بل منقطع؛ فإن شدادًا لم يدرك الفضل.
ووثق الهيثمي رجال الطبراني كما في "المجمع" 9/ 187 - 189.
وصححه الألباني في "الصحيحة"(821) لشواهده.
13 - باب مَنَاقِبُ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رضي الله عنه
-
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: هُوَ حَوَارِيُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،
وَسُمِّيَ الحَوَارِيُّونَ؛ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ. [انظر: 4665]
3717 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ بْنُ الحَكَمِ قَالَ: أَصَابَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رُعَافٌ شَدِيدٌ سَنَةَ الرُّعَافِ، حَتَّى حَبَسَهُ عَنِ الْحَجِّ وَأَوْصَى، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ اسْتَخْلِفْ. قَالَ: وَقَالُوهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَمَنْ؟ فَسَكَتَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ -أَحْسِبُهُ الحَارِثَ- فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ. فَقَالَ عُثْمَانُ: وَقَالُوا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَمَنْ هُوَ فَسَكَتَ، قَالَ: فَلَعَلَّهُمْ قَالُوا: الزُّبَيْرَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَخَيْرُهُمْ مَا عَلِمْتُ، وَإِنْ كَانَ لأَحَبَّهُمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [3718 - فتح: 7/ 79]
3718 -
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، سَمِعْتُ مَرْوَانَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ، أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ. قَالَ: وَقِيلَ ذَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، الزُّبَيْرُ. قَالَ: أَمَا وَاللهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَيْرُكُمْ. ثَلَاثًا. [انظر: 3717 - فتح: 7/ 79]
3719 -
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ -هُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ» . [انظر: 2846 - مسلم: 2415 - فتح: 7/ 79]
3720 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ الأَحْزَابِ جُعِلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي النِّسَاءِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِالزُّبَيْرِ عَلَى فَرَسِهِ، يَخْتَلِفُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَلَمَّا رَجَعْتُ قُلْتُ: يَا أَبَتِ، رَأَيْتُكَ تَخْتَلِفُ. قَالَ: أَوَهَلْ رَأَيْتَنِي يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ يَأْتِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَيَأْتِينِي بِخَبَرِهِمْ» . فَانْطَلَقْتُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ، فَقَالَ:«فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» . [مسلم: 2416 - مسلم: 2416 - فتح: 7/ 80]
3721 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ: أَلَا تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ؟ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ، بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ عُرْوَةُ: فَكُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ. [3973، 3975 - فتح: 7/ 80]
هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزم ابن قصي بن كلاب بن مرة القرشي الأسدي ابن عمته صفية، واحد العشرة، واحد أعلام السابقين البدريين، هاجر الهجرتين، وصلى القبلتين، وأسلم وهو ابن ست عشرة، وكان أول من سل سيفًا في سبيل الله، قال أبو الثناء: وأول من استحق الثلث في الإسلام كان صلى الله عليه وسلم يضرب له من المغانم أربعة أسهم سهمان لفرسه، وسهم له، وسهم من سهام ذي القربى، ونزلت الملائكة على زيه يوم بدر، وكان له ألف مملوك يستغل خراجهم كل يوم ويتصدق به، وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاتله بالنار
(1)
، قتله عمر بن جرموز بغيا وظلما، كما أسلفته في الجهاد ابن أربع وستين سنة، وسلف هناك حديث جابر.
("وحواري الزبير")، والكلام على الحواري، ويأتي بعد، قيل: سموا حواريين؛ لأنهم يفضلون عند عيسى، وكذلك الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مختص بفضل، وسمي خير الحواري؛ لأنه أشرف الخيرة، وقيل: كانوا قصارين.
(1)
رواه أحمد 1/ 89، بلفظ: بشر قاتل ابن صفية بالنار. عن علي بن أبي طالب، موقوفا.
ثم ذكر البخاري في الباب أحاديث أربعة:
أحدها:
حديث هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ بْنُ الحَكَمِ قَالَ: أَصَابَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رُعَافٌ شَدِيدٌ سَنَةَ الرُّعَافِ، حَتَّى حَبَسَهُ عَنِ الْحَجِّ وَأَوْصَى، إلى أن قال في الزبير: إِنَّهُ لَخَيْرُهُمْ مَا عَلِمْتُ، وَإِنْ كَانَ لأَحَبَّهُمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية بعده: أما والله لتعلمون أنه خيركم
(1)
.
قال الداودي: يشبه أن يكون أحسنهم خلقا، وظاهره (أنهم)
(2)
أفضلُهم، وهذا يبين قول ابن عمر رضي الله عنهما: ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد عثمان لا نخير بينهم
(3)
، أن ذلك لم يكن قول جميعهم.
ثانيها:
حديث جَابِرٍ رضي الله عنه: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ» . سلف في الجهاد مكررة
(4)
.
ثالثها:
حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ الأَحْزَابِ جُعِلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي النِّسَاءِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِالزُّبَيْرِ عَلَى فَرَسِهِ. الحديث.
(1)
اعتبرها المصنف رواية للحديث الأول مع أن البخاري ساق لها إسنادًا. وأعدها عبد الباقي حديثًا فلذا ترقيم الباب خمسة أحاديث.
(2)
كذا في الأصل، ولعلها: أنه أو أُيْهِمَ.
(3)
سلف برقم (3698) باب مناقب عثمان.
(4)
بأرقام (2846، 2847، 2997).
وفيه: أنه أتى بخبر بني قريظة، وأنه لما رجع جمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه فقال:"فداك أبي وأمي".
يوم الأحزاب كان سنة أربع وهو يوم الخندق
(1)
، وعند انصرافه كانت بنو قريظة. قيل: لم يجمع الشارع بين أبويه إلا له ولسعد
(2)
، وإنما كان يقول:"فداك أبي"، وليس بذلك.
وكان عُمْرُ عبدِ الله بن الزبير يومئذ سنتين وأشهر، ولا يذكر أن أحدًا عَقَل دون هذا السن في الحديث الصحيح؛ لأنه ولد في السنة الثالثة من الهجرة، وقيل: كانت الأحزاب سنة خمس فعمره ثلاثة أعوام وأشهر على هذا.
قال الداودي: وروي أن أسماء هاجرت وهي متم قد قربت ولادتها، فإما أن تكون تأخرت هجرتها، أو هو اختلاف فيكون ابن الزبير يوم بني قريظة ابن أربع سنين إلا أشهرًا. قال: وكان ابن الزبير أول مولود ولد للمسلمين بالمدينة بعد الهجرة، وكان قد أبطأ ذلك عليهم حتى خافوا أن يهودَ سحرتهم، فلما ولد فرحوا بذلك، ثم ولد بعده للأنصار النعمان بن بشير
(3)
، وكان يوم اليرموك في خلافة عمر رضي الله عنه وكان معه يوم بدر فرس، وقيل: فرسان، ولم يكن في المسلمين فارس غير ثلاثة: الزبير والمقداد وأبو مرثد الغنوي.
(1)
ذكر ابن هشام أنها كانت في شوال لسنة خمس. "السيرة النبوية" 3/ 229.
(2)
سلف برقم (2905) كتاب الجهاد، باب المجن ومن يترس بترس صاحبه.
(3)
ورد بهامش الأصل: (
…
) ولد على رأس أربعة عشر شهرًا من الهجرة، وهو أول مولود ولد من الأنصار بعد الهجرة، وقيل في مولده غير ما ذكرت، لكن الذي ذكرت هو الأصح والأشهر، فاعلمه.
الحديث الرابع:
حديث هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ: أَلَا تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ؟ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ، بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ عُرْوَةُ: فَكُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ.
فيه: منقبة ظاهرة له.
14 - باب ذِكْرِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه
-
وَقَالَ عُمَرُ تُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ.
3722، 3723 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّامِ التِي قَاتَلَ فِيهِنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ. عَنْ حَدِيثِهِمَا. [4060، 4061 - مسلم: 2414 - فتح: 7/ 82]
3724 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ التِي وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ شَلَّتْ. [4063 - فتح: 7/ 82]
هذا سلف
(1)
ثم ساق عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّامِ التِي قَاتَلَ فِيهِنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ. عَنْ حَدِيثِهِمَا.
وعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ التِي وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ شَلَّتْ.
الشرح:
هو أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. أحد العشرة، واحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام وأحد الستة أصحاب الشورى، والخمسة الذين أسلموا على يد الصديق.
أمه: الصعبة بنت عبد الله أخت العلاء بن الحضرمي، من المهاجرات ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهم واحد يوم بدر وكان غائبًا بالشام، وأبلى يوم أحد بلاءً عظيمًا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم:"طلحة الجود"، و"طلحة الخير"،
(1)
يعني المعلق أول الباب.
و"طلحة الفياض"
(1)
؛ لكثرة بذله للأموال، وفتى قريش ومن خواصه -كما قال أبو الثناء- أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يره قال:"ما لي لا أرى الصبيح المنبلج الفصيح"
(2)
، ولم يثبت معه يوم أحد غيره
(3)
.
وقال المبرد: حدثني التوزي قال: كان يقال لطلحة بن عبيد الله: طلحة الطلحات
(4)
، قال المبرد: وكان يوسف بالهمام يعني: في إقدامه روى عنه بنوه وغيرهم: كان أول من قتل يوم الجمل، سنة ست وثلاثين، بالبصرة، عن أربع وستين، أو اثنتين أو ثمان وخمسين، أو خمس وسبعين أصابَهُ سهم غريب فقطع من رجله عرق النسا، فشج حتى نزف فمات، وخلف مالاً جزيلًا ثلاثين ألف ألف. وفي الصحابة من اسمه طلحة نحو العشرين.
ومعنى قوله: (لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ما فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّامِ) يريد: يوم أحد.
وشلت: بفتح الشين، تشل ذكره ثعلب
(5)
، وهو كما قال الشَّنْتَمريُّ: بطلان اليد أو الرجل من آفة تعتريها، وليس معناه قطعت كما ذكره ابن
(1)
رواه الطبراني 1/ 112 (197) من حديث طلحة بن عبيد الله، وقال الهيثمي في "المجمع" 9/ 148: فيه من لم أعرفهم.
ورواه الحاكم 3/ 374، من حديث موسى بن طلحة، وصححه.
(2)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 25/ 94 بلفظ (المليح) بدلا من (المنبلج).
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: في هذا الكلام نظر، وقد اختلف في عدد من ثبت معه عليه السلام وقد ذكرتهم في تعليقي على البخاري.
قلت: [المحقق] وقد يحمل كلامه على المبالغة في شدة ثباته رضي الله عنهم.
(4)
"الكامل في اللغة" 1/ 210.
(5)
انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1921، مادة:(شل).
سيده
(1)
، وقال الزمخشري: إذا امترخت، وقال كراع في "مجرده" هو تقبض في الكف، وأصله من شَلِلْتُ على فَعِلْتُ، بكسر العين، قال ابن درستويه: والعامة تقول: شُلت بالضم وهو خطأ، وقال اللحياني: إنه قليل
(2)
، قال ابن الأعرابي: إنها لغة رديئة، وسأل (أبو)
(3)
موسى الحامض ثعلبًا؛ فقال: كيف نرده إلى ما لم يسم فاعله، قال يقول: أشلت.
وفي "أيمان العرب" لثعلب: أشل الله عشرة، وأشلت عشرة، يقال: شَل، وشُل، وعل، وال من الشك وعل، أي: جن، قال الأخفش: أحسب ثعلبا جرى على هذِه المزاوجة الكلام؛ لأن تقدمه وشل، وكذلك الذي يليه، وقال ابن سيده في "عويصه": أشللت يده بالألف، وقيل: إنما قطع إصبعه.
وكان صلى الله عليه وسلم لما انحاز إلى الجبل يوم أحد انحاز معه طلحة واثنا عشر رجلاً من الأنصار، فلحقهم المشركون فاستأذنه طلحة في القتال فلم يأذن له، واستأذنه رجل من الأنصار فأذن له، فقاتل القومَ وأشغلهم بالقتال وقتًا من النهار، والنبي صلى الله عليه وسلم ذاهب بمن معه فقتل الأنصاري، ثم لحقوهم فاستأذنه طلحة فأبى، واستأذنه أنصاري آخر فأذن له، إلى أن قتل اثنا عشر رجلا، ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة بالجبل فاتقى عنه بيده، فقطعت إصبعه، فقال: حس، فقال صلى الله عليه وسلم:"لو ذكرت الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون"
(4)
.
(1)
"المحكم" 7/ 425، مادة: سئل، وفيها: الشلل: يبس اليد.
(2)
انظر قول كراع، وقول اللحياني في "المطلع على المقنع" لشمس الدين البعلي الحنبلي ص 62.
(3)
زيادة يقتضيها السياق، وهو سليمان بن محمد بن أحمد. انظر "تاريخ بغداد" 9/ 61.
(4)
رواه النسائي 6/ 29 - 30.
وقال سعد: رأيت يوم أحد رجلين أحدهما عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر عن يساره، عليهما ثياب بيض يقاتلان قتالا شديدًا، لم أرهما قبل ولا بعد، يعني ملكين.
فائدة:
دعا طلحة يومًا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم إلى طعام، فدعا خادمه فأبطأ عليه، ثم دعاه فقال: لبيك، فقال له طلحة: لا لبيك، فقال أبو بكر: ما سرني أن أقولها، وإن لي نصف الدنيا، وقال عثمان مثله، وإن لي حُمُر النعم.
ومر علي بطلحة قتيلا فنزل إليه، وقال: أضحى أبو محمد معفرًا في التراب، يعز عليَّ، إلى الله أشكو عُجَري وبُجَري غريبًا بهذه البلدة، ثم قال:
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه
…
إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
وجمع له ما كان في ذلك من المال، فجاء ابنه عمران فأجلسه إلى جنبه، ورحب به وسهل، ودفع إليه المال، وقال: إنما حفظته عليكم، وأرجو أن أكون أنا وأبوك على سرر متقابلين.
فائدة:
قوله (عن حديثهما) أي أخبراني ذلك يعني: أبا عثمان، وهو النهدي.
15 - باب مَنَاقِبُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ، وَبَنُو زُهْرَةَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهْوَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه
-
3725 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ 5/ 28 قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: جَمَعَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ. [3727، 3858 - فتح: 7/ 83]
3726 -
حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا ثُلُثُ الإِسْلَامِ. [4055، 4056، 4057 - مسلم: 2412 - فتح: 7/ 83]
3727 -
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلاَّ فِي الْيَوْمِ الذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلَامِ.
تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمٌ. [انظر: 3726 - فتح: 7/ 83]
3728 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا رضي الله عنه يَقُولُ: إِنِّي لأَوَّلُ العَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا يَضَعُ البَعِيرُ أَوِ الشَّاةُ، مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلَامِ، لَقَدْ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي. وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ إِلَى عُمَرَ، قَالُوا: لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي. [5412، 6453 - مسلم: 2966 - فتح: 7/ 83]
هو أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص مالك -كما ذكره البخاري- ابن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة الزهري، أحد العشرة وآخرهم موتًا، أُحُدي شَجَري، من المهاجرين الأولين الذين صلوا القبلتين، وأول من رمى بسهم في سبيل الله -وسيأتي في سرية
عبيدة بن الحارث- وفارس الإسلام -زاد أبو الثناء- وأنه صلى الله عليه وسلم لعن من قدح في نسبه، وأنه لزم بيته في الفتنة، وأمر بأهله أن لا يخبروه بشيء من أخبار الناس، وكان سابع سبعة في الإسلام.
أمه: حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، شهد بدرًا والمشاهدَ، كان أحد الستة أولي الشورى، وكان مجاب الدعوة، مشهورًا بذلك، وأحد الفرسان، مات في قصره بالعقيق، ودفن بالبقيع، سنة خمس وخمسين- على الأصح- أو ست أو سبع، أو ثمان وهو أشهر وأكثر عن بضع وسبعين أو ثمانين، وأوصى أن يكفن في جبة صوف قاتل فيها يوم بدر، قيل: إن تَرِكَتَه مائتا ألف وخمسون ألفًا.
ثم ذكر البخاري في الباب حديث سَعِيدِ بْنَ المُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: جَمَعَ لِي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ.
ثانيها:
حديث عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا ثُلُثُ الإِسْلَامِ.
ثالثها:
حديث سَعِيدِ بْنِ المُسَيبِ، عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلَّا فِي اليَوْمِ الذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلَامِ.
تابعه -يعني: ابن أبي زائدة- أبو أسامة ثنا هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن سعيد.
وهذه المتابعة أسندها يعني: في باب إسلامه.
رابعها:
حديث قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا رضي الله عنه يَقُولُ: إِنِّي لأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا يَضَعُ الْبَعِيرُ أَوِ الشَّاةُ، مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلَامِ، لَقَدْ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي. وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ إِلَى عُمَرَ، قَالُوا: لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي.
وقد أسلفنا في ترجمة الصديق رضي الله عنه حديث عمار: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان، وأبو بكر
(1)
، وفيه منافاة لقوله:(مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنّي لَثُلُثُ الإِسْلَامِ). قال ابن التين: إن تكن الروايتان محفوظتين، فلم يعلم سعد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ولم يعلم سعد بعمار، ويحتمل أن يريد سعد ثلاثة غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أحدهم، أو يريد سعد من الرجال الأحرار.
ومعنا: (تعزرني على الإسلام) أي: تؤذيني، ومنه التعزير الذي هو التأديب على الريبة، والمعنى: تعلمني الصلاة، وتعيرني بأني لا أحسنها.
وقوله: (وَشَوْا بِهِ) قال ابن فارس: وَشى كلامه إذا كذب ونم
(2)
، وقال ابن عرفة: لا يقال لمن نم: واشٍ، حتى يغير الكلام، ويلونه، ويجعله ضروريًّا، ويزين منه ما يشاء.
وجمعه لأبويه له قد سلف مثله في حق الزبير
(3)
.
(1)
سلف برقم (3660).
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 926.
(3)
سلف برقم (3720).
16 - باب ذِكْرُ أَصْهَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ أَبُو العَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ
3729 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ قَالَ: إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، هَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ:«أَمَّا بَعْدُ أَنْكَحْتُ أَبَا العَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَإِنِّى أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا، وَاللهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ» . فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ.
وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مِسْوَرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ فَأَحْسَنَ، قَالَ:«حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي» . [انظر: 926 - مسلم: 2449 - فتح: 7/ 85]
ثم ذكر خِطبة علي رضي الله عنه بنت أبي جهل، وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
أبو العاصي بن الربيع هو ابن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي كان يقال له: جرو البطحاء، وفي اسمه أقوال: لقيط، أو مهشم، أو هشيم، أو مقسم، وهو أثبت، قال الزبير: أو ياسر، أو القاسم.
أمه: هالة بنت خويلد بن أسد أخت خديجة، وكان مؤاخيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مصافيًا وشكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مصاهرته، وأثنى عليه خيرًا -كما ذكره في الباب- مات في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة، ويقال: إنه استشهد في بعض المغازي، ثم أحرق بالنار حتى صار فحمة.
وزوجه هي زينب، أول ولده كما قال الكلبي. وقال السراج: ولدت سنة ثلاثين من مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فصل:
وبنت أبي جهل: جميلة، وقيل: جويرية، ولما قال صلى الله عليه وسلم فيها ما قال.
قال عتاب بن أسيد: أنا أريحكم منها، فتزوجها فولدت له عبد الرحمن المقتول يوم الجمل، وكان لأبي جهل بنت أخرى يقال لها: الحفناء، كانت تحتَ سهيل بن عمرو، وزعم الميداني وابن السكيت، وغيرهما أن التي كانت تحت سهيل بن عمرو اسمها صفية، وسماها الحاكم في "إكليله" جويرية، وسمى ابن طاهر المقدسي مخطوبة عليٍّ: العوراء.
وفي غير هذِه الرواية قال صلى الله عليه وسلم: "ولست أحرم ما أحل الله فلا آذن إلا أن يشاء ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي"
(1)
، وهذا يقال: إنه شرط.
والخطبة: بكسر الخاء، قوله:(وَذَكَرَ صِهْرًا) يدل على أن الصهر يطلق على الزوج، وقد سلف، وترجمة البخاري (أصهار)، ولم يأت إلا باثنين، نظيره:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} والاثنان يحجبانها من الثلث إلى السدس عند الأكثرين.
فصل:
ادعى الشريف الموسوي في "غزواته": أن حديث خِطبة على لابنة أبي جهل موضوع، ولا نرى سماعه؛ لثبوته في "الصحيح" من حديث المسور كما ستعرفه قريبا، وأخرجه الترمذي عن عبد الله بن الزبير وصححه
(2)
.
(1)
يأتي برقم (5230) كتاب: النكاح، باب: ذب الرجل عن ابنته في المغيرة والإنصاف.
(2)
الترمذي (3869)، وقال: حسن صحيح.
فائدة:
قوله: "بَضْعَةٌ مني" بفتح الباء الموحدة، وللحاكم:"مضغة -بالميم- يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها"، ثم قال: صحيح الإسناد
(1)
.
وله على شرط الشيخين: "ولا أحسبها إلا تحزن -أو- تجزع"
(2)
.
وأن المذكور في بني عبد شمس هو أبو العاصي، والله أعلم.
(1)
"المستدرك" 3/ 158، وفيه: بضعة.
(2)
"المستدرك" 3/ 158 - 159، من حديث سويد بن غفلة، بلفظ: مضغة.
17 - باب مَنَاقِبُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
-
وَقَالَ الْبَرَاءُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا» . [انظر: 2699]
3730 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ» . [4250، 4468، 4469، 6627، 7187 - مسلم: 2426 - فتح: 7/ 86]
3731 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ قَائِفٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَاهِدٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. قَالَ: فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْجَبَهُ، فَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ. [انظر: 3555 - مسلم: 1459 - فتح: 7/ 87]
ثم ساق من ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ» .
وحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ قَائِفٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَاهِدٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. قَالت: فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْجَبَهُ، فَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ رضي الله عنه.
و (زيد) هو أبو أسامة زيد بن حارتة بن شراحيل الكلبي، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول من أسلم من الموالي، وأحد من بادر إلى الإسلام، فأسلم من أول يوم، وشهد بدرًا وأُحدًا والمشاهد وكان من الأمراء الشهداء، ومن الرماة المذكورين، له حديثان قال ابن عمر: ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزلت: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]: وذكره الله باسمه في القرآن، مات في غزوة مؤتة.
وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام والجاحظ في "الهاشميات" أن قريشًا كانت لمحبتها في قصي تسمي أولادها باسمه، وأنه صلى الله عليه وسلم لما تبنى مولاه سماه زيدًا، وأما ابن إسحاق وغيره فأنشدوا لأبيه حارثة حين فقده ولم يدر أين مكانه:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل
…
أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل
(1)
وكان البعث الذي بعث فيه أسامة أرسله إلى يُبْنَا فَهَدَم فيها وأحرق، وكان وجّهه قبل مرضه الذي توفي فيه ثم مرض فقال له أسامة: إن بدني لا يقوى أن أمضي على هذِه الحال، فأذن له في التربص فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد الصحابة أن يمسك أبو بكر ذلك الجيش، فقال: ما كنت لأَحُل آخر عقد عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم بأول عقد أعقده أنا، وأمره بالخروج فقال له: ما تأمر. قال: الأمر ما أمرك به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلما استشاره في شيء قال: الأمر ما أمرك به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما ذكر أن بعثه إلى يُبنا هو قول الداودي، وقال الشيخ أبو محمد في "جامعه": كان إلا مؤتة من أرض الشام، ويهريق بها دمًا، وهو غريب.
(1)
انظر: "سيرة ابن هشام" 1/ 266.
وقوله: "إن تطعنوا". قد سلف في قول بعضهم -فيما حكاه ابن فارس-: أنه بفتح العين في طعن القول وبضمها في طعن الرمح
(1)
.
وقوله: "إن كان لخليقًا" أي: هو ممن يقدر ذلك فيه أي: حقيق به، والإمارة بكسر الهمزة: الولاية.
والقائف: الذي يحسن الأشباه في الناس وهو مجزز بالجيم، وتكرار زاي، وأبعد من قاله بالحاء، وحكي فتح الزاي الأولى، والصواب الكسر؛ لأنه جز نواصي العرب.
وهو ابن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج الكناني المدلجي، ودخوله على عائشة رضي الله عنها إما قبل نزول الحجاب أو بعده، وكان من وراء الحجاب.
وقوله: (وأعجبه وأخبر به عائشة) لعله لم يعلم أنها علمت ذلك أو أخبرها، وإن كان علم بعلمها تأكيد الخبر، أو نسي أنها علمت ذلك وشاهدته معه، والرواية الآخرى أنه دخل عليها مسرورا تبرق أسارير وجهه، فقال:"ألم تسمعي ما قال مجزز؟! " فذكره
(2)
.
فصل:
وفيه: العمل بالقائف، والحجة على من منعها.
(1)
"مجمل اللغة" 1/ 583.
(2)
سلف برقم (3555) كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
18 - باب ذِكْرُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
3732 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَخْزُومِيَّةِ، فَقَالُوا: مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2648 - مسلم: 1688 - فتح: 7/ 87]
3733 -
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسْأَلُ الزُّهْرِيَّ عَنْ حَدِيثِ المَخْزُومِيَّةِ فَصَاحَ بِي، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَلَمْ تَحْتَمِلْهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: وَجَدْتُهُ فِي كِتَابٍ كَانَ كَتَبَهُ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ فَلَمْ يَجْتَرِئْ أَحَدٌ أَنْ يُكَلِّمَهُ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ:«إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ، لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» . [انظر: 2648 - مسلم: 1688 - فتح: 7/ 87]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَخْزُومِيَّةِ، فَقَالُوا: مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
ثم ساقه عنها من طريق آخر.
أسامة كنيته أبو زيد، وأبو محمد وأبو حارثة ابن زيد بن شراحيل، الكلبي. الحب بن الحب ومولاه، وابن حاضنته ومولاته أم أيمن.
ومن خصائصه: تأميره على جيش كان فيهم أبو بكر
(1)
وعمر، وكان عمره إذ ذاك عشرين سنة فأقل لما أرسله أبو بكر رضي الله عنه على ناحية البلقاء،
(1)
في هامش الأصل: أنكر كون فيهم أبو بكر رضي الله عنه ابن تيمية أبو العباس في الرد على الرافضي، وصدق وكيف بعثه معه، ويستخلفه في الصلاة، وأما عمر فذكر أنه أرسله معه وقد ذكر فيه قولان، والله أعلم.
وشهد مع أبيه مؤتة، وكان أنجزه مدة ثم تحول إلى المدينة، مات بوادي القرى، وقيل: بالمدينة سنة أربع وخمسين، وقيل: سنة أربعين ابن خمس وخمسين سنة، وهو من الأفراد في الصحابة.
وفيه: فضل ظاهر لأسامة، وأنه يسمى الحب، واهتمام المرء بأهله.
وقوله: "كان بنو إسرائيل إذا سرق فيهم الشريف تركوه" يعني: أحدثوا ذلك بعد إيمانهم.
وفيه: ترك الرحمة بمن وجب عليه الحدود.
فائدة:
السارقة هي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وعمها: أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال.
باب: أي: في مناقب أسامة وذريته والحسن
3734 -
حَدَّثَنِي الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبَّادٍ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا المَاجِشُونُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: نَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا وَهْوَ فِي المَسْجِدِ إِلَى رَجُلٍ يَسْحَبُ ثِيَابَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَقَالَ: انْظُرْ مَنْ هَذَا؟ لَيْتَ هَذَا عِنْدِي. قَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: أَمَا تَعْرِفُ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ، قَالَ: فَطَأْطَأَ ابْنُ عُمَرَ رَأْسَهُ، وَنَقَرَ بِيَدَيْهِ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ رَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَحَبَّهُ. [فتح: 7/ 88]
3735 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما، حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ، فَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا فَإِنِّي أُحِبُّهُمَا» . [3747، 6003 - فتح: 7/ 88]
3736 -
وَقَالَ نُعَيْمٌ: عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي مَوْلًى لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. أَنَّ الحَجَّاجَ بْنَ أَيْمَنَ ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ، وَكَانَ أَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ أَخَا أُسَامَةَ لأُمِّهِ، وَهْوَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَرَآهُ ابْنُ عُمَرَ لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ فَقَالَ: أَعِدْ. [3737 - فتح: 7/ 88]
3737 -
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ -مَوْلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ- أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ إِذْ دَخَلَ الحَجَّاجُ بْنُ أَيْمَنَ فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَقَالَ: أَعِدْ. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: الحَجَّاجُ بْنُ أَيْمَنَ ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ رَأَى هَذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَحَبَّهُ، فَذَكَرَ حُبَّهُ وَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّ أَيْمَنَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي، عَنْ سُلَيْمَانَ: وَكَانَتْ حَاضِنَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3736 - فتح: 7/ 88]
أي: في مناقب أسامة وذريته والحسن
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث المَاجِشُونُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: نَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا وَهْوَ فِي المَسْجِدِ إِلَى رَجُلٍ يَسْحَبُ ثِيَابَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَقَالَ: انْظُرْ مَنْ هَذَا؟ لَيْتَ هَذَا عِنْدِي. قَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: أَمَا تَعْرِفُ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ، قَالَ: فَطَأْطَأَ ابْنُ عُمَرَ رَأْسَهُ، وَنَقَرَ بِيَدَيْهِ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ رَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَحَبَّهُ. يعني: من أجل والده أسامة.
ومحمد هذا روى عن أبيه، وعنه عبد الله بن دينار وجمع، ثقة قليل الحديث، مات في خلافة الوليد بن عبد الملك، روى له الترمذي حديثًا في مرضه
(1)
، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه"
(2)
.
ثانيها:
حديث أبي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما، حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ، فَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا فَإِنِّي أُحِبُّهُمَا» .
ويأتي في فضل الحسن وهو من أفراده، وأخرجه النسائي
(3)
.
وفيه: فضل ظاهر لأسامة والحسن.
ثالثها:
حديث: وَقَالَ نُعَيْمٌ: عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي مَوْلًى لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. أَنَّ الحَجَّاجَ بْنَ أَيْمَنَ ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ، وَكَانَ أَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ أَخَا أُسَامَةَ لأُمِّهِ، وَهْوَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَرَآهُ ابْنُ عُمَرَ لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ فَقَالَ: أَعِدْ.
(1)
رواه الترمذي (3817).
(2)
"خصائص علي رضي الله عنه" ص 123 (135).
(3)
"السنن الكبرى" 5/ 50 (8171).
يعني: لعدم إتمامه إياه.
ففيه: وجوب الإعادة على تارك ذلك، ونعيم هو ابن حماد بن معاوية بن الحارث بن سلمة بن مالك أبو عبد الله الخزاعي المروزي الأعور، الرفاء، الفارض، سكن مصر، ومات بـ (سُرَّ مَنْ رَأى) مسجونا في المحنة، سنة ثمان وعشرين ومائتين، وقيل: سنة تسع
(1)
.
وأم أيمن هي بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، وتعرف بأم الظباء مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمته ورثها عن أبيه، وقيل: عن أمه، وقال:"أم أيمن أمي بعد أمي"
(2)
. وكان رسول الله في صلى الله عليه وسلم يزورها وأبو بكر وعمر من بعده، خلف عليها زيد بن حارثة بعد عبيد فولدت له أسامة.
وعُبيد هو ابن عمرو بن بلال بن أبي الحرباء بن قيس بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم الحبشي، قاله الكلبي، وكان أبو عمر يقول: أيمن بن عبيد الحبشي استشهد يوم حنين، ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينهزم
(3)
.
ثم رواه البخاري فقال: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ إِذْ دَخَلَ الحَجَّاجُ بْنُ أَيْمَنَ فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ .. الحديث.
(1)
انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 463 (2125)، "تهذيب الكمال" 29/ 466 (6451).
(2)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 8/ 51، وانظر:"ضعيف الجامع"(1276).
(3)
انظر: "الاستيعاب" 1/ 216.
19 - باب مَنَاقِبُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنهما
-
3738 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكُنْتُ غُلَامًا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي المَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، فَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ البِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ. فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ. فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ. [4401 - مسلم: 2479 - فتح: 7/ 89]
3739 -
فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ» . قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً. [انظر: 1122 - مسلم: 2479 - فتح: 7/ 89]
3740، 3741 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا:«إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ» . [انظر: 440، 1122 - مسلم: 2478 - فتح: 7/ 90]
ذكر فيه حديث سَالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما في رؤياه، وقوله صلى الله عليه وسلم في حقه:"نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْلِ".
وقد سلف في الصلاة في باب فضل قيام الليل
(1)
.
ثم ذكر عن سَالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا:"إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُل صَالِحٌ".
(1)
برقم (1122).
وهو الفقيه الإمام، أحد الأعلام، أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب، شهد الخندق.
وأمه زينب بنت مظعون، وقال ابن حبان: رائطة بنت مظعون
(1)
، كثير التتبع للآثار، سُمَّ سنة أربع وثلاث وسبعين، وقد نيف على الثمانين.
وقوله: (وكنت غلاما شابًّا، أعزب) ولأبي ذر: (عزبًا)، وهو الذي ذكر أهل اللغة أنه لا أهل له.
وفيه: النوم في المسجد.
وقوله: (المطوية) أي: المبنية، وقرنا البئر اللتان يعمل عليهما الخشبة التي فيها البكرة.
وقوله: (لن ترعْ) هي لغة لبعض العرب تجزم بلن قال القزاز: ولا أحفظ في ذلك شاهدًا.
(1)
"الثقات" 3/ 210، وصوبها المحقق إلى زينب، وقال في الحاشية: وقع في الأصلين: ريطة، خطأ.
20 - باب مَنَاقِبُ عَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ رضي الله عنهما
-
3742 -
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ المُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّأْمَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَأَتَيْتُ قَوْمًا فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ. فَقُلْتُ: إِنِّي دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَيَسَّرَكَ لِي، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ؟ وَفِيكُمُ الَّذِى أَجَارَهُ اللهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم؟ أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الذِي لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ غَيْرُهُ؟ ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللهِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)} ؟ [الليل: 1]، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 1 - 3]. قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ. [انظر: 3287، 1122 - مسلم: 824 - فتح: 7/ 90]
3743 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ذَهَبَ عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا دَخَلَ المَسْجِدَ قَالَ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا. فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ. قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ -أَوْ مِنْكُمْ- صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِى لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ يَعْنِي: حُذَيْفَةَ. قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمُ -أَوْ مِنْكُمُ- الَّذِي أَجَارَهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم؟ يَعْنِي: مِنَ الشَّيْطَانِ، يَعْنِي عَمَّارًا. قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ -أَوْ مِنْكُمْ- صَاحِبُ السِّوَاكِ أَوِ السِّرَارِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: كَيْفَ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَقْرَأُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 1 - 2] قُلْتُ: {وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى} . قَالَ مَا زَالَ بِي هَؤُلَاءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَنْزِلُونِي عَنْ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3287 - مسلم: 824 - فتح: 7/ 90]
ذكر فيه حديث أبي الدرداء، واسمه عويمر في فضلهما، أما عمار فهو ابن ياسر أبو اليقظان، أمه سمية عُذِّبَا في الله.
وأمه أول شهيدة في الإسلام طعنها أبو جهل بحربة في قُبَلها، وقتل عمار بصفين، وقد جاوز.
وحذيفة هو أبو عبد الله حذيفة بن اليمان بن حسيل بن جابر بن عمرو حليف بني عبد الأشهل، صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: اليمان لقب جدهم جروة بن الحارث، قال الكلبي: لأنه أصاب دمًا في قومه فهرب إلى المدينة، وحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان، مات سنة ست وثلاثين على الأصح، وترجم له البخاري ترجمة وحده فيما سيأتي فقال: باب ذكر حذيفة بن اليمان العبسي كما ستعلمه، وفيه فضل أبي الدرداء.
وقوله: (أليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة؟!)، يقول: عندكم من لا تحتاجون معه إلى عالم.
وقوله: (صاحب النعلين .. ) إلى آخره. قال الداودي: أي لم يكن له من إيجاب إلا ذلك لتخليه من الدنيا، وأنكر ذلك عليه من قال: المراد بالمناقب ما كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (الذي أجاره الله من الشيطان، يعني: على لسان نبيه) يعني: قوله صلى الله عليه وسلم: "ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"
(1)
، يعني: والله أعلم- حين أكرهوه على الكفر بسبه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه غيره) يعني: حذيفة، وذلك أنه أسر إليه سبعة عشر رجلاً من المنافقين.
(1)
سلف برقم (447) كتاب الصلاة، باب التعاون في بناء المسجد.
قوله: (صاحب السواك). شك. المحدث، وهو: ابن مسعود صاحب السوار، وهو السرار، ويروى أنه صلى الله عليه وسلم قال له:"إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ يُرْفَعَ الحِجَابُ، وتَسْتَمِع سوادي" كذا عند مسلم
(1)
، وقراءة عبد الله:(والذكر والأنثى)، أنزل كذلك، ثم أنزل {وَمَا خَلَقَ} فلم يسمعه عبد الله ولا أبو الدرداء وسمعه سائر الناس وأثبتوه، وهذا كظن عبد الله أن المعوذتين ليستا من القرآن
(2)
.
(1)
مسلم (2169) كتاب السلام، باب جواز جعل الإذن رفع حجاب أو نحوه من العلامات.
(2)
سيأتي برقم (4977) كتاب التفسير، باب سورة الناس.
وجاء في هامش الأصل: نقل ابن حزم عنه أنه لا يصح عنه ذلك، كذا قال.
21 - باب مَنَاقِبُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ رضي الله عنه
-
3744 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَنَا -أَيَّتُهَا الأُمَّةُ- أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ» . [4382، 7255 - مسلم: 2419 - فتح: 7/ 92]
3745 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَهْلِ نَجْرَانَ: «لأَبْعَثَنَّ - يَعْنِي: عَلَيْكُمْ، يَعْنِي: أَمِينًا - حَقَّ أَمِينٍ» . فَأَشْرَفَ أَصْحَابُهُ، فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ رضي الله عنه. [4380، 4381، 7254 - مسلم: 2420 - فتح: 7/ 93]
ذكر فيه أَنَس رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَنَا -أَيَّتُهَا الأُمَّةُ- أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ» .
وحديث صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لأَهْلِ نَجْرَانَ:«لأَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ، حَقَّ أَمِينٍ» . فَأَشْرَفَ أَصْحَابُهُ، فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ رضي الله عنه.
الشرح:
حديث أنس رضي الله عنه يأتي في المغازي
(1)
، وخبر الواحد
(2)
، وأخرجه مسلم والنسائي
(3)
.
واسم أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن شبة بن الحارث بن فهو، أحد العشرة، مات بالشام سنة ثماني عشرة بالطاعون، عام عمواس قاله الداودي، وكان من زهاد الصحابة، لا يأخذ إلا أدنى ما يقوم بدنه، ولما خرج عمر إلى الشام لقيه أمراء
(1)
برقم (4382) باب: قصة أهل نجران.
(2)
برقم (7255) باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد.
(3)
رواه النسائي في "الكبرى" 5/ 57 (8200).
الأجناد فكلما قرب منه أمير صرفه قبل وصوله، فلما أتاه أبو عبيدة نزلا فسلم بعضهما على بعض، ثم ركبا وتسايرا، فلما قربا من الموضع أراد أبو عبيدة أن ينزل في غير موضعه فقال: مل بنا إلى منزلك فأتاه فإذا بيت ليس فيه إلا وساد من أدم، حشوها ليف، وجونة فيها كسيرات شعير، فطرح الوساد، وقرب الجونة؛ فقال عمر: كل الناس غيرتهم الدنيا غيرك يا أبا عبيدة، عمر وآل عمر في طاعة أبي عبيدة، ودفع إليه عمر مائتي دينار فتصدق
(1)
، ودفع إلى معاذ مثلها فتصدق به، وقال لأبي عبيدة امرأته: أين الذي نلت؟ فقال لها: على ضابط أي: حافظ، فذهبت إلى عمر وقالت له: أجعلت على أبي عبيدة ضابطًا، فقال: لم أجعله، ولكن الحافظ عليه من الله، وقال أبو بكر في سقيفة بني ساعدة: قد رضيت لكم أحد هذين يعني أبا عبيدة وعمر
(2)
.
وقد نجران كان سنة تسع كما ذكره ابن سعد". وكانوا أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، وكانوا نصارى فيهم العاقب وهو عبد المسيح، وأبو الحارث بن علقمة، وأخوه كوز
(3)
والسيد وأوس وزيد (بن)
(4)
قيس وشبَية
(5)
، وخويلد وخالد وعمرو و (عبد)
(6)
(7)
الله فلم يسلموا إذ ذاك، ثم لم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرًا حتى رجعا إلى رسول الله
(1)
في هامش الأصل: لعله سقط بها.
(2)
انظر: "أسد الغابة" 3/ 128 - 130.
(3)
علم سبط فوقها بـ (صح).
قلت: لأن في "الطبقات الكبرى": كرز. براء بعدها زاي.
(4)
ورد بهامش الأصل ما نصه: لعله (وقيس).
(5)
جوَّد سبط رسم هذِه الكلمة، وضبطها بالشكل، وفي "الطبقات": شيبة.
(6)
في "الطبقات": عبيد. مصغر.
(7)
ورد بهامش الأصل: بقي منهم ويحنس.
- صلى الله عليه وسلم فأسلما فذكره
(1)
، وستأتي له ترجمة في آخر المغازي.
فائدة:
لم يذكر البخاري مناقب عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف الزهري تمام العشرة، وكأنه لم ير شيئًا على شرطه، وذكر إسلام سعيد بن زيد فيما سيأتي، وجده عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح القرشي العدوي أبو الأعور، أحد العشرة من السابقين الأولين تزوج أخت عمر، مات بالمدينة بعد الخمسين
(2)
.
صلة بن زفر الراوي عين حذيفة عبسي، كوفي، أبو بكر وأبو العلاء، مات زمن مصعب بن الزبير، قاله الواقدي، وقال خليفة: سنة اثنتين وسبعين
(3)
، قال ابن أبي خيثمة: كان قلبه من ذهب. يعني: منوِّرًا.
(1)
"الطبقات الكبرى" 1/ 357 - 358.
(2)
بين هذِه الكلمة وما بعدها بياض، وبهامشها:(كذا).
(3)
انظر: "الطبقات الكبرى" 6/ 195، "طبقات خليفة" ص 241 (1006)، وقال خليفة: مات في ولاية مصعب.
باب مناقب مُصْعَبِ بْنِ عُمَيرْ
نص له، ولم يذكر شيئًا، وكأنه لم ير شيئًا على شرطه، أو اكتفى بما ذكر عنه في الجنائز، وفي أحد فيما سيأتي أنه لم يجد شيئًا يكفن فيه غير برده
(1)
.
وفيه: تقلله من الدنيا، وقد سلف هناك، وهو أحد السابقين، وهو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي.
(1)
سلف برقم (1274) باب الكفن من جميع المال، وسيأتي برقم (4045) كتاب المغازي، من حديث عبد الرحمن بن عوف.
22 - باب مَنَاقِبُ الحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهما
-
قَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَانَقَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الحَسَنَ. [انظر: 2122]
3746 -
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، عَنِ الحَسَنِ، سَمِعَ أَبَا بَكْرَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبَرِ وَالْحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ:«ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . [انظر: 2704 - فتح: 7/ 94]
3747 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ، وَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ إِنِّى أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا» . أَوْ كَمَا قَالَ. [انظر: 3735 - فتح: 7/ 94]
3748 -
حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أُتِىَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ عليه السلام فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ، وَقَالَ فِي حُسْنِهِ شَيْئًا. فَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ مَخْضُوبًا بِالْوَسْمَةِ. [فتح: 7/ 94]
3749 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ المِنْهَالِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْحَسَنُ عَلَى عَاتِقِهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ» . [مسلم: 2422 - فتح: 7/ 94]
3750 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه وَحَمَلَ الحَسَنَ وَهْوَ يَقُولُ: بِأَبِي، شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ، لَيْسَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ. وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ. [انظر: 3542 - فتح: 7/ 94]
3751 -
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَصَدَقَةُ قَالَا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ،
عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي أَهْلِ بَيْتِهِ. [انظر: 3713 - فتح: 7/ 95]
3752 -
حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسٌ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ. [فتح: 7/ 95]
3753 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى نُعْمٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَسَأَلَهُ عَنِ الْمُحْرِمِ -قَالَ شُعْبَةُ: أَحْسِبُهُ: يَقْتُلُ الذُّبَابَ- فَقَالَ: أَهْلُ العِرَاقِ يَسْأَلُونَ عَنِ الذُّبَابِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ ابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم! وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا» . [5994 - فتح: 7/ 95]
أما السيد الحسن بن علي بن أبي طالب، فهو أبو محمد كان أشبه شيء برسول الله صلى الله عليه وسلم، مات سنة خمسين.
وأما السيد الحسين الشهيد، فهو أبو عبد الله، قتل بكربلاء يوم عاشوراء سنة إحدى وستين عن نيف وخمسين سنة.
ثم ساق البخاري في الباب سبعة أحاديث:
أحدها:
قال نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: عَانَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الحَسَنَ.
وهذا أسنده في البيوع عن علي بن عبد الله ثنا سفيان، عن عبد الله بن أبي يزيد عنه، وأسنده في اللباس أيضًا كما سيأتي
(1)
.
ثانيها:
حديث الحَسَنِ، سَمِعَ أَبَا بَكْرَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبَرِ
(1)
سيأتي برقم (5884) باب السِّخاب للصبيان.
وَالْحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ:«ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» .
هذا الحديث سلف في الصلح، أخرجه هناك عن عبد الله ثنا سفيان، عن أبي موسى عن الحسن، وأخرجه هنا عن صدقة ثنا ابن عيينة ثنا أبو موسى، وأخرجه النسائي في الصلاة عن محمد بن منصور، عن سفيان به
(1)
.
وأبو موسى: هو إسرائيل بن موسى البصري نزل الهند، من أفراد البخاري، وأما إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، أبو يوسف ثقةٌ متفق عليه لا ثالث لهما في "الصحيح".
وفيه: جواز ولاية المفضول مع وجود الفاضل وحضرته كما ذكره ابن التين.
ثالثها:
حديث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ، وَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ إِنِّى أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا» . أَوْ كَمَا قَالَ.
وقد سلف قريبا.
رابعها:
حديث أَنَسِ رضي الله عنه: أُتِىَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ عليه السلام فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ، وَقَالَ فِي حُسْنِهِ شَيْئًا. فَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ مَخْضُوبًا بِالْوَسْمَةِ.
النكت: أي ينكت في الشيء فيؤثر فيه بقضيب أو غيره، وجوزي هذا الناكت بأن رأسه لما جيء به فنصب في رحبة المسجد، جاءت
(1)
النسائي 3/ 107.
حية فدخلت فيه مرتين أو ثلاث كما أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح
(1)
.
خامسها:
حديث البَرَاءَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْحَسَنُ عَلَى عَاتِقِهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ» . وهو فضل ظاهر له.
سادسها:
حديث عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَحَمَلَ الحَسَنَ وَهْوَ يَقُولُ: بِأَبِي، شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ، لَيْسَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ. وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ.
فيه: فضل ظاهر له، وذكر بعده حديث أنس: لم يكن أحدٌ أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم -من الحسن بن علي.
والسر فيه أنه عرق من فاطمة وكان فيها عرق من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والبخاري روى أولا هذا مسندًا من حديث هشام بن يوسف، عن معمر، عن الزهري، عن أنس، ثم قال: وقال عبد الرزاق: أنا معمر، عن الزهري، أخبرني أنس فذكره، وأخرجه الترمذي في المناقب: عن محمد بن يحيى ثنا عبد الرزاق به، ثم قال: حسن صحيح
(2)
.
سابعها:
حديث محمد بن أبي يعقوب، وهو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي البصري، قال: سمعت ابن أبي نعم وهو عبد الرحمن أبو الحكم
(1)
الترمذي (3780).
(2)
الترمذي (3776).
البجلي الكوفي سمعت عبد الله بن عمر، وسأله
(1)
عن المحرم، قال شعبة: أحسبه يقبل الديات، فقال: أهل العراق يسألون عن الديات، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هما ريحانتاي من الدنيا".
وفيه: فضل ظاهر لهما.
(1)
ورد بهامش الأصل: رجل، وفوقها علامة:(ج) وتعني: نسخة، والله أعلم.
23 - باب مَنَاقِبُ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما
-
[وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ»][انظر: 1149]
3754 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا. يَعْنِي بِلَالاً. [فتح: 7/ 99]
3755 -
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، أَنَّ بِلَالاً. قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِنَفْسِكَ فَأَمْسِكْنِي، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِلَّهِ فَدَعْنِي وَعَمَلَ اللهِ. [فتح: 7/ 99]
هو أبو عبد الله بلال بن رباح، وأمه: حمامة مولاة بني جمح مات بدمشق سنة عشرين.
ثم ذكر البخاري حديثا معلقا، فقال:
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ".
وهذا قد أسنده في الصلاة، في باب فضل الطهور بالليل والنهار.
ثم أسند عن جَابِر رضي الله عنه قَالَ: كَانَ عُمَرُ
(1)
رضي الله عنه يَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا. يَعْنِي: بِلَالًا.
وحديث قَيْسٍ، أَنَّ بِلَالًا قَالَ لأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِنَفْسِكَ فَأَمْسِكْنِي، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لله فَدَعْنِي وَعَمَلَ اللهِ.
(1)
وردت في الأصل: أبو بكر خطأ والصواب ما أثبتناه.
الشرح:
(دف): بالفاء الخفق، والبخاري فسره بذلك كما يعني هناك، وإنما رآه بين يديه ليس أنه يفعل ذلك قاله الداودي، وقول عمر رضي الله عنه:(أعتق سيدنا) يعني: أنه من سادة هذِه الأمة ليس أنه أفضل من عمر رضي الله عنه، وقوله:(وأعتق سيدنا). فيه حجة لابن القاسم على أشهب في قوله: إن من اشترى عبدًا مسلمًا من دار الحرب أنه لا ولاية له عليه؛ لأنه عبد عتق بنفس إسلامه، واحتج ابن القاسم بأن ولاء بلال كان لأبي بكر (وهو)
(1)
اشتراه بعد إسلامه، قال محمد: فاضطر أشهب إلى أن قال: لم يكن ولاء بلال لأبي بكر
(2)
.
ويروى أنه لما قال لأبي بكر بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت عتقتني لوجه الله فدعني أذهب حيث شئت، وإن كنت أعتقتني لنفسك فأمسكني، فقال له أبو بكر: اذهب حيث شئت، فذهب إلى الشام، وسكنها مؤثرًا الجهاد على الأذان
(3)
.
(1)
مكررة في الأصل.
(2)
انظر: "النوادر الزيادات" 13/ 263.
(3)
رواه معمر في "جامعه" المطبوع مع "مصنف عبد الرزاق" 11/ 243 (20412)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" 1/ 150 - 151، من حديث بلال.
24 - باب ذِكْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما
-
3756 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ» .
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ: وَقَالَ: «عَلِّمْهُ الكِتَابَ» . حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ مِثْلَهُ. [انظر: 75 - مسلم: 2477 - فتح: 7/ 100]
ذكر فيه حديث عِكْرِمَةَ، عنه رضي الله عنه قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ» .
وفي رواية: "الكتاب" وقد سلف في فضل العلم، وهو الحبر والبحر، أبو العباس ترجمان القرآن، مات بالطائف سنة ثمان وستين، عن إحدى وسبعين سنة، وترجمته موضحة فيما أسلفنا الإشارة إليه
(1)
.
وحديث ابن عباس دال على جواز المعانقة، ومالك كرهها، ومرة أجازها إذا قدم القريب من سفر كذا في رسالته لهارون، ولم تثبت
(2)
.
(1)
يشير المصنف رحمه الله إلى كتاب "العدة في معرفة رجال العمدة"، والله أعلم.
(2)
انظر: "التمهيد" 21/ 17.
وورد بهامش الأصل تعليقا للسبط على ذلك: كأنه أراد بالرسالة (كتاب السير) ولم يثبت عن مالك ذلك والله أعلم، وقد رأيته بالقاهرة في يد بعض الفضلاء، وهو صغير جدًّا، وسمعت من شيخنا [البلقيني] إنكاره، أو أنكر بحضرته.
25 - باب مَنَاقِبُ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رضي الله عنه
-
3757 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ:«أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ - وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ - حَتَّى أَخَذَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ» . [انظر: 1246 - فتح: 7/ 100]
ذكر فيه حديث أَنَسٍ رضي الله عنه: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ .. إلى آخره. حَتَّى أَخَذَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ» .
وقد سلف في الجهاد في باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو
(1)
.
وهو سيف الله أبو سليمان المخزومي أسلم قبل مؤتة بسنتين، وكان النصر على يديه يومها، مات سنة إحدى وعشرين. قال "الصديق"
(2)
حين احتُضر والنسوة يبكين: دعهن تهريق دموعهن على أبي سليمان فهل قامت النساء عن مثله، قال الزبير بن بكار: قد انقرض ولد خالد فلم يبق منهم أحد وورثهم أيوب بن سلمة
(3)
.
(1)
سلف برقم (3063).
(2)
ورد بهامش الأصل: هذا الكلام فيه نظر، والصواب أن يقول: الفاروق مع أن هذا لا يمشي بقية كلامه، إلا أن يكون توفي بالمدينة، والصحيح خلافه، وهو أنه توفي بحِمْصَ، ودفن بقرية منها.
(3)
ورد بهامش الأصل: أيوب بن سلمة مخزومي كنيته أبو سلمة من أهل المدينة، يروي عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، روى عنه عمرو بن عثمان المدني، ذكره ابن حبان في "الثقات".
26 - باب مَنَاقِبُ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ رضي الله عنه
-
3758 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: ذُكِرَ عَبْدُ اللهِ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -فَبَدَأَ بِهِ- وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيٍّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ» . قَالَ: لَا أَدْرِي بَدَأَ بِأُبَيٍّ أَوْ بِمُعَاذٍ. [3760، 3806، 3808، 4999 - فتح: 2464 - فتح: 7/ 101]
ذكر في الصلاة حديث ابن عمر رضي الله عنهما: لما قدم المهاجرون الأولون العصبة -موضع بقباء- قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤمهم
(1)
، وذكر هنا من حديث مسروق قال: ذكر عبد الله عند عبد الله بن عمرو فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود -فبدأ به- وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل" قال: لا أدري بدأ بأُبَيِّ أو بمعاذ.
وفيه: منقبة ظاهرة له، ولمن ذكر معه، وسالم من كبار البدريين مشهور كبير القدر، يقال: سالم بن معقل، وأُبَي أقرأ الأمة، كنيته: أبو المنذر.
وابن مسعود يذكر بعد ومعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدّ بن أخي سلمة ابني سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخرزج، خزرجي سلمي، من نجباء
(1)
سلف برقم (692)، باب: إمامة العبد والمولى.
الصحابة، جمع القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يشبَّه بإبراهيم، كان أمة قانتًا لله حنيفًا، مات سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة بالأردن
(1)
عن ثمان وثلاثين سنة.
(1)
ورد بهامش الأصل: قبره في نيسان، وقد زرته خلف خان السبيل عند التل.
27 - باب مَنَاقِبُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ بن غافل [رضي الله عنه
-]
3759 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَقَالَ:«إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا» . [انظر: 3559 - مسلم: 2321 - فتح: 7/ 102]
3760 -
وَقَالَ «اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ» . [انظر: 3758 - مسلم: 2464 - فتح: 7/ 102]
3761 -
حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: دَخَلْتُ الشَّأْمَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا. فَرَأَيْتُ شَيْخًا مُقْبِلاً، فَلَمَّا دَنَا قُلْتُ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ اسْتَجَابَ. قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ. قَالَ: أَفَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ؟ أَوَلَمْ يَكُنْ فِيكُمُ الَّذِى أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ؟ أَوَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِى لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ كَيْفَ قَرَأَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ {وَاللَّيْلِ} ؟ فَقَرَأْتُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 1 - 3]. قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاهُ إِلَى فِيَّ، فَمَا زَالَ هَؤُلَاءِ حَتَّى كَادُوا يَرُدُّونِي. [انظر: 3758 - مسلم: 824 - فتح: 7/ 102]
3762 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَأَلْنَا حُذَيْفَةَ عَنْ رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالْهَدْيِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَأْخُذَ عَنْهُ فَقَالَ: مَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلاًّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ. [6097 - فتح: 7/ 102]
3763 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه يَقُولُ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ اليَمَنِ، فَمَكُثْنَا حِينًا مَا نُرَى إِلاَّ أَنَّ عَبْدَ
اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِمَا نَرَى مِنْ دُخُولِهِ وَدُخُولِ أُمِّهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [4384 - مسلم: 2460 - فتح: 7/ 102]
هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود الهذلي، حليف بني زهرة أحد السابقين والبدريين والفقهاء، وفي الترمذي من حديث الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه مرفوعًا:"لو كنت مؤمرًا أحدا عن غير مشورة لأمرت عليهم ابن أم عبد"
(1)
، روي أنه خلف تسعين ألف دينار سوى الدقيق والماشية، مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين عن بضع وستين.
ذكر البخاري في الباب:
حديث عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَقَالَ:«إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا» . وَقَالَ "اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ" وذكره كما سلف في الباب قبله إلى قوله: "وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ".
ثانيها:
حديث علقمة السالف في مناقب عمار
(2)
.
وقوله: (أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاه إلى في)، هذا أحد اللغات أن يجعل الفم مثل عصا ورحى فإعرابه مقدر في آخره.
ثالثها:
حديث (عَبْدِ الرَّحْمَنِ)
(3)
بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلْنَا حُذَيْفَةَ عَنْ رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالْهَدْيِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَأْخُذَ عَنْهُ فَقَالَ: مَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلاًّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ.
(1)
الترمذي (3808) وقال: هذا حديث غريب، إنا نعرفه من حديث الحارث عن علي.
(2)
سلف برقم (3742).
(3)
في الأصل: عبد الله.
الدل -بفتح الدال-: (الشكل)
(1)
التي يكون عليها الإنسان من السكينة والوقار، وحسن السيرة والطريقة والمنظر والهيئة. والسمت: الخشوع في الحركة، والهدي: السيرة، والدل قريب منه، كأنه يريد إسكان الحركة في المشي ونحو ذلك من الشمائل.
وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وإنما سألوه عمن عندهم ومن لقوه وكان ذلك بعد وفاة الصديق، والفاروق.
قال مالك: كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه عمر وكان أشبه ولد عمر بعمر عبد الله، وكان أشبه ولد عبد الله به سالم.
الحديث الرابع:
أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ اليَمَنِ، فَمَكُثْنَا حِينًا مَا نُرَى إِلاَّ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِمَا نَرَى مِنْ دُخُولِهِ وَدُخُولِ أُمِّهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
ودخولهما بيته دال على فضلهم وخيرهم، وعبد الله أحد الفقهاء، كما سلف وأحد القراء، وإنما يذكر في بعض الأحوال بأمه؛ لأنها بقيت بعد أبيه، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عبد الله بدريًّا كما سلف، وهو الذي احتز يومئذ رأس أبي جهل.
فائدة: قول البخاري في إسناد هذا الحديث: (حدثني محمد بن العلاء، ثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق، حدثني أبي عن أبي إسحاق) هو إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن جده أبي إسحاق، وهو من رجال مسلم أيضًا كأبيه، وفيه لين قال يحيى: لا يسوي حديثه شيئًا، مات سنة ثمان وتسعين ومائة.
(1)
في الأصل: (والشكل).
28 - باب ذِكْرُ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه
-
3764 -
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا الْمُعَافَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: أَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ العِشَاءِ بِرَكْعَةٍ وَعِنْدَهُ مَوْلًى لاِبْنِ عَبَّاسٍ، فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: دَعْهُ، فَإِنَّهُ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [3765 - فتح: 7/ 103]
3765 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهُ مَا أَوْتَرَ إِلاَّ بِوَاحِدَةٍ؟ قَالَ: إِنَّهُ فَقِيهٌ. [انظر: 3764 - فتح: 7/ 103]
3766 -
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه، قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً، لَقَدْ صَحِبْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا، يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ. [انظر: 587 - فتح: 7/ 103]
هو أبو عبد الرحمن، و (والده)
(1)
صخر وجده حرب، الخليفة الأموي، من مسلمة الفتح، مات في رجب سنة ستين وعاش ثمانيا وسبعين سنة، سلم له الحسن الإمارة، ذكر البخاري فيه ثلاثة أحاديث، وقد روى مائة حديث وثلاثة وستين حديثًا، اتفقا على أربعة وانفرد البخاري بمثلها، ومسلم بخمسة:
أحدها
(2)
:
من المُعَافَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: أَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ العِشَاءِ بِرَكْعَةٍ وَعِنْدَهُ مَوْلًى لاِبْنِ عَبَّاسٍ، فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ،
(1)
في الأصل: (ولده)، والصحيح المثبت، فاسم أبي سفيان صخر. والله أعلم.
(2)
ورد بهامش الأصل: يعني أحد الثلاثة التي ذكرها البخاري.
فَقَالَ: دَعْهُ، فَإِنَّهُ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
والمعافى هذا هو ابن عمران، أبو مسعود الأزدي الموصلي، أحد الأعلام، ياقوتة العلماء وعنه بِشرٌ الحافي، وغيره مات سنة خمس وثمانين ومائة، وهو من أفراد البخاري عن مسلم
(1)
.
أما المعافى بن سليمان الرسعني، فلم يخرج له في الصحيح، وإنما أخرج له النسائي، وهو ثقة مات سنة أربع وثلاثين ومائتين
(2)
.
وعثمان بن الأسود هو ابن موسى بن المكي، مولى أبي جمح مات سنة خميسن ومائة.
وقوله: (أوتر بركعة) في أقله عند الشافعي خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: أقله ثلاث
(3)
، واعترض ابن التين فقال: قوله: بركعة لم يقل به الفقهاء-، ولا يسلم له ذلك.
وقد روى البخاري بعد ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهُ مَا أَوْتَرَ إِلاَّ بِوَاحِدَةٍ؟ قَالَ: إِنَّهُ فَقِيهٌ.
الثالث:
حديث حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً، لَقَدْ صَحِبْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا، يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ. وقد سلف في باب لا يتحرى الصلاة قبل الغروب.
(1)
انظر: "طبقات ابن سعد" 7/ 487، "التاريخ الكبير" 8/ 60، "تهذيب الكمال" 28/ 147 (6041).
(2)
انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 400 (1837)، "ثقات ابن حبان" 9/ 199، "تهذيب الكمال" 28/ 146 (6040).
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 225 (165).
29 - باب مَنَاقِبُ فَاطِمَةَ عليها السلام. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ»
3767 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي» . [انظر: 926 - مسلم: 2449 - فتح: 7/ 105]
ذكرت ترجمتها في "رجال العمدة" فبلغ نحو نصف كراسة، وأفرد الحاكم ترجمتها بالتأليف، وذكر البخاري في الباب حديثًا معلقا وآخر مسندًا فقال:
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ".
وقد سلف في آخر باب علامات النبوة مسندًا من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: "أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين"
(1)
، وفي "المستدرك"، وقال: صحيح الإسناد من حديث حذيفة رضي الله عنه: أتى النبي صلى الله عليه وسلم مَلكٌ من السماء استأذن أن يسلم عليه -لم ينزل قبلها- قال: "فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة"
(2)
، وذكر في كتاب "فضائل فاطمة" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال علي رضي الله عنه: لقد علمتم أني أخو النبي صلى الله عليه وسلم، ووزيره، وزوج ابنته، سيدة ولده، وسيدة نساء أهل الجنة وللعسكري:"أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين" ولا يُعارض هذا حديث ابن عباس مرفوعًا: "أفضل نساء أهل الجنة أربعة: خديجة وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران"
(3)
.
(1)
سلف برقم (3624).
(2)
"المستدرك" 3/ 151.
(3)
رواه أحمد 1/ 322، ابن حبان 15/ 470 (7010)، الحاكم 3/ 160.
وأما الحديث المسند فحديث ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي» .
وهذا الحديث رواه عبد الله بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن المسور.
وأخرجه الترمذي من حديث أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن الزبير به، ثم قال: حسن صحيح. قال: هكذا قال أيوب، وقال غير واحد عن ابن أبي مليكة عن المسور، ويحتمل أن يكون ابن أبي مليكة رواه عنهما جميعًا
(1)
.
وروى حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن علي بن حسين أن فاطمة أرادت حل أبي لبابة من ربطه نفسه لما قال لبني قريظة ما قال: أقسمت أن لا يحلني أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي" وهو دال كما قال السهيلي: أن من سبها فقد كفر، ومن صلى عليها فقد صلى على أبيها
(2)
، وقد ذكر البخاري في الأدب من "صحيحه" أنه صلى الله عليه وسلم قال:"أنت سيدة هذِه الأمة"
(3)
.
(1)
الترمذي (3869).
(2)
"الروض الأنف" 3/ 82.
(3)
سيأتي برقم (6285) كتاب: الاستئذان، باب: من ناجى بين يدي الناس.
30 - باب فَضْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها
-
3768 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا: «يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ» . فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لَا أَرَى. تُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3217 - مسلم: 2447 - فتح: 7/ 106]
3769 -
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ.
وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» . [انظر: 3411 - مسلم: 2431 - فتح: 7/ 106]
3770 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ» . [5419، 5428 - مسلم: 2446 - فتح: 7/ 106]
3771 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَكَتْ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ. [4753، 4754 - فتح: 7/ 106]
3772 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارًا وَالْحَسَنَ إِلَى الْكُوفَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ خَطَبَ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ ابْتَلَاكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا. [7100، 7101 - فتح: 7/ 106]
3773 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلاَّ جَعَلَ اللهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً. [انظر: 334 - مسلم: 367 - فتح: 7/ 106]
3774 -
حَدَّثَنِى عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ، جَعَلَ يَدُورُ فِي نِسَائِهِ وَيَقُولُ:«أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟» . حِرْصًا عَلَى بَيْتِ عَائِشَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي سَكَنَ. [انظر: 890 - مسلم: 2443 - فتح: 7/ 107]
3775 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ، وَاللهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ، فَمُرِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ، قَالَتْ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيٍّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا عَادَ إِلَيَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ:«يَا أُمَّ سَلَمَةَ لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ وَاللهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا» . [انظر: 2574 - مسلم: 2441 - فتح: 7/ 107]
هي أم المؤمنين أم عبد الله بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفقه نساء الأمة، عاشت سبعًا وستين سنة، وماتت بعد الخمسين. لها خصائص ذكرتها في الكتاب المشار إليه، وذكر البخاري في الباب أحاديث.
أحدها:
حديثها في سلام جبريل، وقد سلف وفيه:"يَا عَائِش .. " وقد سلف في باب ذكر الملائكة: "يا عائشة" وهو صريح في فضلها.
ثانيها
(1)
:
حديث أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ .. " الحديث سلف في باب قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ} زاد هنا: "وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» . يأتي في الأطعمة، وأخرجه مسلم والترمذي، وقال: حسن صحيح والنسائي وابن ماجه
(2)
.
رابعها:
حديث القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَكَتْ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ.
الفرط: الأجر المتقدم، وفيه قطع لها بالجنة، ولا يقوله إلا بتوقيف.
خامسها:
أَبَا وَائِلٍ قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارًا وَالْحَسَنَ إِلَى الْكُوفَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ خَطَبَ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ ابْتَلَاكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا. ولا شك فيما ذكره.
سادسها:
حديث عائشة رضي الله عنها أنها استعارت قلادة .. الحديث سلف بطوله في التيمم، يحتمل أن يكون أرسلهم وأقام بالناس كما في الحديث الآخر، ثم لما أتوا وأصبح نزلت آية التيمم، ثم أثاروا البعير فوجدوا العقد تحته، وفي أخرى: أنهم أتوا بالعقد وليست هذِه اللفظة
(1)
أدرج المصنف -رحمه الله تعالى- الحديث الثالث مع الثاني.
(2)
سلف برقم (3433)، وسيأتي برقم (5418)، ورواه الترمذي (1834)، والنسائي 7/ 68، وابن ماجه (3280).
محفوظة، ذكره كله ابن التين
(1)
.
سابعها:
حديث هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ، جَعَلَ يَدُورُ فِي نِسَائِهِ وَيَقُولُ:«أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟» . حِرْصًا عَلَى بَيْتِ عَائِشَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي سَكَنَ. كذا هنا، وقال في رواية أخرى: إنهن لما رأين ذلك أذن له في المقام عندها
(2)
، ويحتمل أن يكون أذن له بعد أن صار إلى يومها فيتفق الحديثان.
(ثامنها)
(3)
:
حديث هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ أيضًا قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ .. الحديث، فيه أنه صلى الله عليه وسلم قال:«يَا أُمَّ سَلَمَةَ لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ وَاللهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا» .
فيه: مكان أم سلمة عنده، وكان لها جمال، ويقال: إن عمر قال لحفصة رضي الله عنهما: ليس لك جمال أم سلمة، ولا ود عائشة، لتقصري عن مناقب عائشة.
وفيه: دلالة أنه ليس على الزوج العدل في النفقة، بل يفضل من شاء إذا قام للأخرى بما يلزمه لها، ويحتمل أن يكون ذلك من خصائصه، كما أنه لم يكن عليه العدل بينهن على خلف فيهن؛ لقوله:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51].
(1)
في هامش الأصل: اللفظة محفوظة والعقد سقط مرتين. فاعلمه.
(2)
سيأتي برقم (4450) كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
(3)
مكررة بالأصل.
63
مناقب الأنصار
63 - [مناقب الأنصار]
1 - باب مَنَاقِبُ الأَنْصَارِ
3776 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: أَرَأَيْتَ اسْمَ الأَنْصَارِ، كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ أَمْ سَمَّاكُمُ اللهُ؟ قَالَ: بَلْ سَمَّانَا اللهُ، كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَنَسٍ فَيُحَدِّثُنَا مَنَاقِبَ الأَنْصَارِ وَمَشَاهِدَهُمْ، وَيُقْبِلُ عَلَيَّ -أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ- فَيَقُولُ: فَعَلَ قَوْمُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا. [3844 - فتح: 7/ 110]
3777 -
حَدَّثَنِى عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ، وَجُرِّحُوا، فَقَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلَامِ. [3846، 3930 - فتح: 7/ 110]
3778 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ - وَأَعْطَى قُرَيْشًا: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ العَجَبُ، إِنَّ
سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا الأَنْصَارَ. قَالَ: فَقَالَ «مَا الَّذِى بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟» . وَكَانُوا لَا يَكْذِبُونَ. فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ. قَالَ: «أَوَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ» . [انظر: 3146 - مسلم: 1059 - فتح: 7/ 110]
ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
حديث غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: أَرَأَيْتَ اسْمَ الأَنْصَارِ، كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ أَمْ سَمَّاكُمُ اللهُ؟ قَالَ: بَلْ سَمَّانَا اللهُ، كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَنَسٍ فَيُحَدِّثُنَا مَنَاقِبَ الأَنْصَارِ وَمَشَاهِدَهُمْ، وَيُقْبِلُ عَلَيَّ -أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ- فَيَقُولُ: فَعَلَ قَوْمُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا.
وحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ، وَجُرِّحُوا، فَقَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلَامِ.
أَنَسًا رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ - وَأَعْطَى قُرَيْشًا: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ العَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا الأَنْصَارَ. قَالَ: فَقَالَ «مَا الَّذِى بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟» . وَكَانُوا لَا يَكْذِبُونَ. فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ. قَالَ: «أَوَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ» .
الشرح:
معنى (تبوءوا): اتخذوا ولزموا، والدار: المدينة، قال محمد بن
الحسن بن زبالة المدني: وكذا الإيمان ثم نعت أنفسهم فقال: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} ، وقوله:{وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} : المهاجرين، قال الحسن: الحاجة: الحسد
(1)
، قال:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} قال الداودي: دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهم بالبحرين، فقالوا: حتى تقطع لإخواننا المهاجرين، فقال:"سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني"
(2)
.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: نزل رجل من الأنصار يقال له: أبو المتوكل ثابت بن قيس ضيف، ولم يكن عنده قوت إلا قوته، وقوت صبيانه، فقال لامرأته: أطفئي السراج، ونومي الصبية، فنزلت {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية، وسيأتي في البخاري قريبًا أتم من هذا
(3)
وكذا الذي قبله.
فصل:
الأنصار اسم إسلامي لنصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كانوا يعرفون بأولاد قيلة وبالأوس والخزرج، ولما وقد النعمان بن بشير مع قومه من الأنصار على معاوية قال للحاجب: استأذن. فقال عمرو بن العاصي: ما هذا اللقب اخرج فناد من كان هنا من ولد عمرو بن عامر فليدخل فدخل ناس قليل، قال: أخرج فناد من كان هنا من ولد قيلة أو من أولاد الأوس والخزرج فليدخل فلم يدخل أحد، فقال معاوية: اخرج
(1)
سيأتي معلقًا قبل حديث (4889) كتاب التفسير، باب قوله:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} ، ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 331 (26587)، من طريق غندر، عن شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، ورواه الطبري في "التفسير" 12/ 41 (33875)، من طريق محمد بن المثنى، عن سليمان بن أبي داود، عن شعبة.
(2)
سلف برقم (3276) كتاب: المساقاة، باب: القطائع.
(3)
سيأتي برقم (4889) كتاب: التفسير، باب: قوله {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} .
فقل: ليدخل الأنصار، فدخلهم يقدمهم النعمان، وهو يقول:
يا عمرو لا تعد الدعاء فما لنا
…
نسب نجيب به سوى الأنصار
نسب تخيره الإله لصحبنا
…
أثقل به نسبًا على الكفار
إن الذين نفروا ببدر منكم
…
يوم القليب هم وفود الأنصار
(1)
ذكره أبو الفرج الأموي
(2)
.
فصل:
وقولها: (كان يوم بعاث يومًا قدمه الله لرسوله) أي: قتل فيه رؤساء الأوس والخزرج؛ لأنهم لو بقوا أنفوا أن يقعوا تحت حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويوم بعاث سلف في العيدين
(3)
، وهو بالعين المهملة -وروي بالغين المعجمة- وبضم الباء وفتحها حكاهما في "الجامع"، والأشهر ترك صرفه، ويجوز صرفه حكاه في "المطالع"، وعند أبي ذر بالمعجمة بلا خلاف، وأنكر غيره، قال العسكري: لم يسمع من غير الخليل، وقال الأزهري: صحفه ابن المظفر، وما كان الخليل ليخفى عليه هذا اليوم؛ لأنه من مشاهير أيام العرب، وإنما صحفه الليث وعزاه إلى خليل نفسه وهو لسانه
(4)
، وأما النووي فعزاها إلى أبي عبيدة معمر بن المثنى
(5)
، وهو يوم من أيام الأوس والخزرج معروف، وذكره الواقدي وابن إسحاق
(6)
، وكان الظهور فيه للأوس.
(1)
كذا بالأصل، وفي "الأغاني":
إن الذين ثووا ببدر منكم
…
يوم القليب هم وقود النار.
(2)
"الأغاني" 16/ 51.
(3)
سلف برقم (949).
(4)
"تهذيب اللغة" 1/ 354.
(5)
"شرح مسلم" 6/ 182.
(6)
كما في "سيرة ابن هشام" 2/ 183.
وقال أبو موسى المديني: بعاث حصن للأوس
(1)
، وقال أبو عبيد البكري: على ليلتين من المدينة
(2)
، وقال العسكري: وهو يوم مذكور كان في الجاهلية، وإلى قبل الإسلام وكان الرئيس فيهم حضير الكتائب أبو أسيد، وكان فارسهم، ويقال: إنه ركز الرمح في قدمه يوم بعاث، وقال: أترون أني أفر فقتل يومئذ، وكان له حصن منيع يقال له: واقم.
قال في "الجامع": سمي بعاث لنهوض القبائل بعضها إلى بعض، قال في "الواعي" بقيت الحرب بينهم قائمة مائة وعشرين سنة حتى جاء الإسلام. وقال صاحب "مائدة الأدباء": فبقيت بينهم أربعين سنة، وقال ابن الأثير: سببه قتل المجذر بن زياد سويد بن الصامت
(3)
.
فصل:
وقول الأنصار يوم فتح مكة: (وأعطى قريشًا) أي: من غنائم حنين بعد فتح مكة؛ لأن أهل مكة لم تقسم أموالهم، ولا أخذت، ولم يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وكان حكمهم وحكم أموالهم خلاف حكم غيرهم لم يسترقوا، ولم يجر على من أسر منهم رق، ولا عتق، ولا ولاء، ولم يقبل منهم جزية.
(1)
"المجموع المغيث" 1/ 173، مادة: بعث.
(2)
"معجم ما استعجم" 1/ 259.
(3)
"أسد الغابة" 1/ 397، وفيه: أن حرب بعاث كانت بسبب قتل المجذر سويدَ بن الصامت.
2 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ مِنَ الأَنْصَارِ»
قَالَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
3779 -
حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ أَنَّ الأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الأَنْصَارِ، وَلَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ» . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا ظَلَمَ بِأَبِي وَأُمِّي، آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ. أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى. [7244 - فتح: 7/ 112]
ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -أَوْ قَالَ:- أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ الأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الأَنْصَارِ، وَلَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ» . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا ظَلَمَ بِأَبِي وَأُمِّي، آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ. أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى.
معنى قوله: "لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأنصَارِ": أي: ليس أحد أفضل منهم إلا المهاجرين الأولين الذين صلوا القبلتين، وأراد بذلك تألف الأنصار واستطابة أنفسهم حين يرضى أن يكون واحدًا منهم، لولا ما يمنعه من سمة الهجرة التي لا يجوز تبديلها، نعم النسب إلى البلاد والصناعة جائز تبديله، وكانت المدينة دارهم وموطن هجرتهم، وقد يحتمل أن يكون أراد بهذا القول لولا أن هذِه النسبة في الهجرة هجرة دينية، لا يسعني تركها لا نفلت عن هذا الاسم، وانتسبت إلى داركم، فإن نزيل بلد قد ينسب إليه إذا طال مقامه فيه.
والشعب: الطريق بين الشجر قاله الداودي، وقيل: هو الفتح في الجبل، والله أعلم.
3 - باب إِخَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ
3780 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالاً، فَأَقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ، فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ، فَسَمِّهَا لِي أُطَلِّقْهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا. قَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، أَيْنَ سُوقُكُمْ؟ فَدَلُّوهُ عَلَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَمَا انْقَلَبَ إِلاَّ وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، ثُمَّ تَابَعَ الغُدُوَّ، ثُمَّ جَاءَ يَوْمًا وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَهْيَمْ» . قَالَ: تَزَوَّجْتُ. قَالَ: «كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا» . قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ. أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، شَكَّ إِبْرَاهِيمُ. [انظر: 2048 - فتح: 7/ 112]
3781 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَآخَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ، فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالاً، سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ، فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا، حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِى أَهْلِكَ. فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ يَسِيرًا، حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَهْيَمْ؟» . قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ: «مَا سُقْتَ فِيهَا» . قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ:«أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» . [انظر: 2049 - مسلم: 1427 - فتح: 7/ 112]
3782 -
حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ المُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ النَّخْلَ. قَالَ: «لَا» . قَالَ: يَكْفُونَا الْمَئُونَةَ وَتُشْرِكُونَا فِي التَّمْرِ. قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. [انظر: 2325 - فتح: 7/ 113]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، الحديث، وقد سلف في أوائل البيوع.
الحديث، وقد سلف في أوائل البيوع.
وبنو قينقاع: مثلث النون، شعب من يهود المدينة، أضيف إليهم السوق، أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أرادوا أن يلقوا عليه رحى.
و (مَهْيَم): أي ما أمرك؟ كلمة يمانية، وقوله:(نواة من ذهب أو وزن نواة. شك إبراهيم) قال الداودي: من روى وزن نواة فهو غلط، وقال أبو عبيد: هي خمسة دراهم تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية، والعشرون نشًّا
(1)
.
وقال الأزهري: لفظ الحديث يدل على أنه تزوجها على ذهب قيمته خمسة دراهم، ألا تراه قال:(نواة من ذهب) ولست أدري لم أنكره أبو عبيد
(2)
.
وفيه: دلالة على أبي حنيفة في قوله: لا يكون الصداق أقل من عشرة دراهم
(3)
، وقال سحنون عن ابن وهب: النواة قيمتها خمسة دراهم، قال ابن وهب: وكذا قال ابن عيينة قال: والنواة خمسة قراريط.
وفيه: المتاجرة مع اليهود.
(1)
"غريب الحديث" 1/ 310.
(2)
"تهذيب اللغة" 4/ 3683.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 252.
الحديث الثاني:
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَآخَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ. وسلف أيضًا هناك، والوضر: لطخ من خلوق أو طيب، وقال الداودي: هو ما يتعلق بالثياب من الطيب.
وفيه: الأمر بالوليمة، والأشهر استحبابها وهي الطعام الذي يصنع عند العرس، وقال الداودي: هي كل شيء يدعى إليه مشتقة من الالتئام؛ لأن بها الوصلة، واجتماع الشمل.
الحديث الثالث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت الأنصار: اقسم بيننا وبينهم النخل، قال:"لا" قال: تكفونا المئونة وتشركونا في التمر، قالوا: سمعنا وأطعنا.
هذا سلف في المزارعة.
4 - باب حُبُّ الأَنْصَارِ
3783 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -أَوْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الأَنْصَارُ لَا يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ» . [مسلم: 75 - فتح: 7/ 113]
3784 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ» . [انظر: 17 - مسلم: 74 - فتح: 7/ 113]
ذكر فيه حديث عدي بن أبان بن ثابت بن قيس بن الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر الأوسي الكوفي قال: سمعت البراء قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، أو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله".
وحديث أَنَسِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"آيةُ الايمَانِ حُبُّ الأنصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنصَارِ".
سلف في الإيمان.
وقوله: ("لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ"). يريد: حب جميعهم، وكذا بغض جميعهم؛ لأن ذلك إنما يكون للدين، ومن أبغض بعضهم لمعنى يقع بين الناس بإمرة، وشبهها فهو مما لا يجوز وهو آثم، وقال الداودي: هو من الكبائر، وليس من النفاق.
5 - باب قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأَنْصَارِ: «أَنْتُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ»
3785 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مُقْبِلِينَ -قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ عُرُسٍ- فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُمْثِلاً، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ» . قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ. [5180 - مسلم: 2508 - فتح: 7/ 113]
3786 -
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَكَلَّمَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ» . مَرَّتَيْنِ. [5234، 6645 - مسلم: 2509 - فتح: 7/ 114]
ذكر فيه حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مُقْبلِينَ -قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ عُرُسٍ - فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُمْثِلاً، فَقَالَ:"الَلَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ". قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ.
وعنه رضي الله عنه جاءت امرأة من الأنصار ومعها صبي لها، فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"والذي نفسي بيده إنكم من أحب الناس إلى"
قوله (ممثلا)، يقال:(تمثل)
(1)
قائمًا يمثل مثولا إذا انتصب، فهو ماثل، وجاء ههنا (ممثلا) أي: مكلفًا نفسه ذلك، وطالبًا ذلك فُعُدِّيَ فِعْلُه، قاله عياض
(2)
.
وقال ابن التين: قوله: (ممثلا) كذا وقع رباعيًّا، والذي ذكره أهل اللغة مثل الرجل مثولا إذا انتصب قائمًا، ثلاثي، والله أعلم.
(1)
كذا في الأصل: تمثل، وفي "إكمال المعلم"(مثل). ولعله الصواب.
(2)
"إكمال المعلم" 7/ 550 - 551.
6 - باب أَتْبَاعُ الأَنْصَارِ
3787 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ اللهِ لِكُلِّ نَبِيٍّ أَتْبَاعٌ، وَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاكَ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ أَتْبَاعَنَا مِنَّا. فَدَعَا بِهِ. فَنَمَيْتُ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى. قَالَ قَدْ زَعَمَ ذَلِكَ زَيْدٌ. [3788 - فتح: 7/ 114]
3788 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ -رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ- قَالَتِ الأَنْصَارُ: إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ أَتْبَاعًا، وَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاكَ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ أَتْبَاعَنَا مِنَّا. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَتْبَاعَهُمْ مِنْهُمْ» . قَالَ عَمْرٌو: فَذَكَرْتُهُ لاِبْنِ أَبِي لَيْلَى. قَالَ: قَدْ زَعَمَ ذَاكَ زَيْدٌ. قَالَ شُعْبَةُ: أَظُنُّهُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ. [انظر: 3787 - فتح: 7/ 114]
ذكر فيه حديث شعبة عن عمرو سمعت أَبَا حَمْزَةَ، عَنْ زيدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قال: قَالَتِ الأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ اللهِ لِكُلِّ قوم أَتْبَاعٌ، وَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاكَ، فَادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَ أَتْبَاعَنَا مِنَّا. فَدَعَا بِهِ، فَنَمَيْتُ ذَلِكَ إِلَى ابن أَبِي لَيْلَى. قَالَ قَدْ زَعَمَ ذَلِكَ زيدٌ.
وبه عن أبي حَمْزَةَ -رَجل مِنَ الأَنْصَارِ- قَالَتِ الأَنْصَارُ: إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ أَتْبَاعًا .. إلى قوله: مِنَّا. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ أتبَاعَهُمْ مِنْهُمْ ". قَالَ عَمْرٌو: فَذَكَرْت ذلك لاِبْنِ أَبِي لَيْلَى. قَالَ: قَدْ زَعَمَ ذَاكَ زَيْدٌ. قَالَ شُعْبَةُ: أَظُنُّهُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ.
الشرح:
(عمرو) هو ابن مرة بن عبد الله أبو عبد الله الجملي أحد الأعلام الكوفي الضرير.
قال أبو حاتم: ثقة يرى الإرجاء مات سنة ست عشرة ومائة
(1)
.
(أبو حمزة) اسمه: طلحة بن يزيد، مولى قرظة بن كعب الأنصاري الكوفي، من أفراد البخاري، روى عن حذيفة مرسلا، وعن زيد بن أرقم، وعنه عمرو بن مرة فقط.
وقوله: (فَنَمَيْتُ) هو بفتح الميم أي: ابتدأته، وقال ابن فارس: نميت الحديث بالتخفيف أسندته، وبالتشديد أشعته
(2)
. وقال الهروي: نميت بالتخفيف إذا بلغته على وجه الإصلاح والخير
(3)
، والتشديد إذا بلغته على وجه النميمة، وإفساد ذات البين.
وفيه: ما ترجم له وهو ظاهر.
(1)
"الجرح والتعديل" 6/ 257 (1421).
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 885.
(3)
"غريب الحديث" 1/ 203.
7 - باب فَضْلُ دُورِ الأَنْصَارِ
3789 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ» . فَقَالَ سَعْدٌ: مَا أَرَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا. فَقِيلَ: قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. [3790، 2807، 6053 - مسلم: 2511 - فتح: 7/ 115]
3790 -
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُسَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «خَيْرُ الأَنْصَارِ -أَوْ قَالَ: خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ- بَنُو النَّجَّارِ، وَبَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَبَنُو الحَارِثِ، وَبَنُو سَاعِدَةَ» . [انظر: 3789 - مسلم: 2511 - فتح: 7/ 115]
3791 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ خَيْرَ دُورِ الأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الحَارِثِ، ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ» . فَلَحِقْنَا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَ: أَبَا أُسَيْدٍ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ الأَنْصَارَ فَجَعَلَنَا أَخِيرًا؟ فَأَدْرَكَ سَعْدٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، خُيِّرَ دُورُ الأَنْصَارِ فَجُعِلْنَا آخِرًا. فَقَالَ:«أَوَلَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الخِيَارِ؟!» . [انظر: 1481 - مسلم: 1392 - فتح: 7/ 115]
ذكر فيه حديث غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ دُورِ الأنصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ
خَيْرٌ". فَقَالَ سَعْدٌ: مَا أَرى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا. فَقِيلَ: قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ. وقال عبد الصمد ثنا شعبة ثنا قتادة سمعت أنسا رضي الله عنه قال: قال أبو أسيد: عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وقال سعد بن عبادة: وحديث أبي أُسَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "خَيْرُ الأَنْصَارِ -أَوْ قَالَ:
خَيْرُ دُورِ الأنصَارِ" فذكره بالواو دون ثم، إلى قوله: "وَبَنُو سَاعِدةَ".
وحديث أَبِي حُمَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ دَارُ بَنِي
النَّجَّارِ، ثُمَّ عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الحَارِثِ، ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ". فَلَحِقْنَا سَعْدَ بْنَ عُبَادةَ فَقَالَ: أَبَا أُسَيْدٍ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم خيَّرَ الأَنْصَارَ فَجَعَلَنَا أَخِيرًا؟ فَأَدْرَكَ سَعْدٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، خُيِّرَ دُورُ الأَنْصَارِ فَجُعِلْنَا آخِرًا. فَقَالَ:"أَوَلَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أَنْ تكُونُوا مِنَ الخِيَارِ؟! ".
الشرح:
وبنو النجار رهط سعد بن معاذ
(1)
وأبي أيوب، وبنو عبد الأشهل
قوم أسيد بن الحضير، ويقال: إنه صلى الله عليه وسلم -أول ما قدم المدينة نزل عند بني عبد الأشهل، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، وقيل: إنما نزل في بني عمرو بن عوف، ثم أتى المدينة، كذا ذكره الداودي، وقال الشيخ أبو محمد: نزل في حرة بني عمرو بن عوف على سعد بن خيثمة، ويقال: على كلثوم بن الهدم، قال: ولم يختلفوا أنه نزل بالمدينة على
(1)
في هامش الأصل: هذا فيه نظر، وابن معاذ من الأوس وأبو أيوب من الخزرج، وبنو النجار من الخزرج وأما سعد بن عبادة فمن بني ساعدة، وأما أسيد بن الحضير فلا شك أنه من بني عبد الأشهل، ولكن لا ذكر له في الحديث، إنما ذكر فيه أبو أسيد الساعدي، وهو من بني ساعدة من الخزرج، وذكر لسعد بن معاذ في هذا الحديث فاعلمه.
أبي أيوب.
وقوله: "خير دور الأنصار" يعني: قبائلهم والدار: القبيلة قاله ابن فارس
(1)
، واحتج بهذا الحديث، قال الداودي: هو مجاز.
وفيه: تفضيل الرجل على غيره، ولا يعد ذلك غيبة.
(1)
"مجمل اللغة" 1/ 343.
8 - باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لِلأَنْصَارِ: «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ»
قَالَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
3792 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا؟ قَالَ:«سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ» .
3793 -
حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلأَنْصَارِ: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، وَمَوْعِدُكُمُ الحَوْضُ» . [انظر: 3146 - مسلم: 1059 - فتح: 7/ 117]
3794 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه حِينَ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الوَلِيدِ قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأَنْصَارَ إِلَى أَنْ يُقْطِعَ لَهُمُ الْبَحْرَيْنِ. فَقَالُوا: لَا، إِلاَّ أَنْ تُقْطِعَ لإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا. قَالَ:«إِمَّا لَا، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ بَعْدِي أُثْرَةٌ» . [انظر: 2376 - فتح: 7/ 117]
ثم أسند من حديث قَتَادةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا؟ قَالَ:"سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أثْرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ".
ومنِ حديث هشام، عن أنس رضي الله عنه قَالَ صلى الله عليه وسلم لِلأَنْصَارِ:"إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، وَمَوْعِدُكمُ الحَوْضُ".
ومن حديث يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عن أَنَسٍ رضي الله عنه دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأَنْصَارَ إِلَى
أَنْ يُقْطِعَ لَهُمُ البَحْرَيْنِ. فَقَالُوا: لَا، إِلَّا أَنْ تُقْطِعَ لإِخْوَانِنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا. قَالَ: "إِمَّا (لا)
(1)
، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ بَعْدِي أُثْرَةٌ".
المراد بالأثرة: ما يرون بعده من التفضيل في العطاء، والأثرة: ما يؤثر به الرجل أي: يفضل به.
و (يقطع لهم) بضم الياء، من أقطع يقطع وهو يكون تمليكًا وغير ذلك.
(1)
في الأصل: لي. والمثبت من اليونينية 5/ 34 وليس عليها تعليق.
9 - باب دُعَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَصْلِحِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ
3795 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِيَاسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ، فَأَصْلِحِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ» . [انظر: 2834 - مسلم: 1805 - فتح: 7/ 118] وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، وَقَالَ:"فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ".
3796 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ الخَنْدَقِ تَقُولُ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا
…
عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا
فَأَجَابَهُمُ:
"اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَهْ
…
فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ"
[انظر: 2834 - مسلم: 1805 - فتح: 7/ 118]
3797 -
حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَحْفِرُ الخَنْدَقَ وَنَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَهْ
…
فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ».
[4098، 6414 - مسلم: 1804 - فتح: 7/ 118]
ذكر فيه حديث أبي إياس -واسمه معاوية بن قرة بن إياس ابن هلال بن رباب بن عبيد البصري، العالم العامل، ولد يوم الجمل، ومات سنة ثلاث عشرة ومائة- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَةِ فَأَصْلِحِ الأنصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ".
وعن قتادة عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وقال: "فاغفر للأنصار والمهاجرة".
وحديث حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ رضي الله عنه كَانَتِ الأَنْصَارُ والمهاجرة يَوْمَ الخَنْدَقِ تَقُولُ .. الحديث.
وسلف هناك في باب: حفر الخندق. ومن حديث عبد العزيز، عن أنس
(1)
.
وحديث مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا ابن أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونحْنُ نَحْفِرُ الخَنْدَقُ وَنَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَهْ
…
فاغفر للمُهَاجِرين وَالأنصَارَ".
ومحمد شيخ البخاري محمد بن عبيد الله بن زيد بن أبي زيد، أبو ثابت المدني مولى عثمان بن عفان. وروى النسائي عن رجلٍ [عنه]
(2)
، صحب ابن القاسم، وأتى بعلمه إلى العراق، فأخذه عنه إسماعيل القاضي.
وقوله: على (أكبادنا)
(3)
يريد على جنوبنا من الظاهر مما يلي الكبد، وما أورده ظاهر على ما ترجم له.
(1)
سلف برقم (2835) كتاب الجهاد والسير.
(2)
زيادة يقتضيها السياق، وسيأتي الكلام عليه في باب: ذبيحة الأعراب من كتاب الذبائح.
(3)
في هامش الأصل: هذا من رواية من روى: (أكبادنا) جمع كبد.
10 - باب: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]
3798
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلاَّ الْمَاءُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَضُمُّ -أَوْ يُضِيفُ- هَذَا» . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ أَنَا. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلاَّ قُوتُ صِبْيَانِي. فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً. فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«ضَحِكَ اللهُ اللَّيْلَةَ - أَوْ عَجِبَ - مِنْ فَعَالِكُمَا» فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]. [4889 - مسلم: 2054 - فتح: 7/ 119]
ذكر فيه حديث أَبِي حَازِمٍ، واسمه سلمان مولى عزة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَضُمُّ -أَوْ يُضِيفُ- هذا؟ " فقال رجل من الأنصار .. الحديث، وقد سلف في أوائل مناقب الأنصار الإشارة إليه.
وفي كتاب الواحدي
(1)
: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أهدي
(1)
في هامش الأصل: لا حاجة إلا عزوه إلى الواحدي فهو في "مستدرك الحاكم" في تفسير الحشر قال الحاكم: صحيح، وتعقبه الذهبي بأن في سنده عبيد الله -يعني: الوليد- ضعفوه. ["المستدرك" 2/ 483 - 484].
لرجل من الصحابة رأس شاة فقال: إن أخي وعياله أحوج منا إلى هذا فبعث به إليه، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها سبعة أبيات، حتى رجعت إلى الأول فنزلت الآية
(1)
.
فائدة:
هذا الرجل من الأنصار هو أبو طلحة زيد بن سهل زوج أم سليم، كما صرح به الحميدي عن رواية ابن فضيل: فقام رجل من الأنصار يقال له: أبو طلحة
(2)
يعني: زيد بن سهل
(3)
. وعند الخطيب: لا أراه أبا طلحة زيد بن سهل بل آخر
(4)
، يكنى أبا طلحة، وقيل: هو ثابت ابن قيس بن الشماس، قاله القاضي إسماعيل في "أحكامه"، قال: وذلك أن رجلاً من المسلمين بقي ثلاثة أيام لا يجد ما يفطر عليه، ويصبح صائمًا حتى فطن له رجل من الأنصار يقال: ثابت بن قيس بن شماس، وهو [الذي]
(5)
أسلفناه في الباب السالف، ولابن بشكوال، قيل: هو عبد الله بن رواحة
(6)
.
وذكر (ابن النحاس)
(7)
في "تفسيره" أن هذِه الآية نزلت في أبي المتوكل، وأن الضيف ثابت بن قيس، وادعى ابن عساكر أنه أبو المتوكل الناجي، وهو عجيب؛ لأنه تابعي، وذكر بعضهم أنه أبو هريرة.
(1)
" أسباب النزول" ص 439 - 440 (810).
(2)
"الجمع بين الصحيحين" 3/ 181.
(3)
في هامش الأصل ما نصه: في "صحيح مسلم" أنه أبو طلحة، ولم يذكر اسمه.
(4)
انظر: "الأسماء المبهمة" ص 398 - 400.
(5)
زيادة يقتضيها السياق.
(6)
"غوامض الأسماء المبهمة" 1/ 457.
(7)
كذا في الأصل وعليها: كذا.
وفيه جواز نفوذ فعل الأب على الابن، وإن كان مطويًّا على ضرر، إذا كان ذلك من طريق التصبر، وأن القول فيه قول الأب، والفعل فعله؛ لأنهم نوموا الصبيان جياعًا؛ إيثارًا لقضاء حق رسول الله صلى الله عليه وسلم في تنفيذ دعوته والقيام، بحق ضيفه.
11 - باب قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ»
3799 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا شَاذَانُ أَخُو عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاجِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْعَبَّاسُ رضي الله عنهما بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمْ؟ قَالُوا: ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَّا. فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ - قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ -قَالَ- فَصَعِدَ المِنْبَرَ وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«أُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ، فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَقَدْ قَضَوُا الَّذِى عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الذِي لَهُمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» . [3801 - مسلم: 2510 - فتح: 7/ 120]
3800 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الغَسِيلِ، سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ، مُتَعَطِّفًا بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الأَنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَمْرًا يَضُرُّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعُهُ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ» . [انظر: 927 - فتح: 7/ 121]
3801 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَالنَّاسُ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» . [انظر: 3799 - مسلم: 2510 - فتح: 7/ 121]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
قال البخاري: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَلِيٍّ، ثَنَا شَاذَانُ أَخُو عَبْدَانَ، أَنَا شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاجِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْعَبَّاسُ بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمْ؟ قَالُوا: ذَكَرْنَا مَجْلِسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنَّا. فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ حَاشِيَةَ بُرْدٍ، فَصَعِدَ المِنْبَرَ وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"أُوصيكُمْ بِالأنصَارِ، قَدْ قَضَوُا الذِي عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الذِي لَهُمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ".
شيخ البخاري أبو علي اليشكري المروزي الصائغ، أحد الحفاظ، روى عنه مسلم والنسائي أيضًا، وقال: ثقة. مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
وشاذان لقب، واسمه عبد العزيز بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد ميمون أبو الفضل، تفرد به البخاري، ولد بعد أخيه عبدان بن عثمان ابن عبد الرحمن بثلاث سنين في المحرم سنة ثمان وأربعين ومائة، بعده بثمان سنين، [ومات]
(1)
سنة تسع وعشرين ومائتين، ومولد عبدان سنة خمس وأربعين ومائة، ومات في شعبان سنة إحدى وعشرين ومائتين. روى عنه البخاري، وروى هو أيضا ومسلم وأبو داود والنسائي عن رجل، عنه، عن أبيه، وأبوهما عثمان بن أخي عثمان بن أبي رواد، وأبو رواد أخو أبي حفصة واسمه ثابت، والد عمارة بن أبي حفصة، قد اتفقا على عثمان بن أبي جبلة.
(1)
زيادة يقتضيها السياق.
فصل:
وقوله: "الأنصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي" أي: بطانتي وخاصتي، قال أبو زيد: الكرش: الجماعة، وقاله ابن فارس، وزاد: كرش الرجل: عياله من صغار ولده
(1)
، وقال الخطابي: الكرش: عيال الرجل وأهله
(2)
. قال القزاز: ضرب المثل بالكرش؛ لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون بها بقاؤه، وقد يكون عيال الرجل وأهله، يقال: لفلان عيال كرش منثورة، أي: عيال كثيرون. والعيبة -بفتح العين المهملة-: ما يخزن الرجل فيها ثيابه، يريد أنهم موضع سره وأمانته، وهو مما ضرب المثل به، وهو من الكلام الوجيز الذي لم يسبق إليه.
وذكر ابن دريد في "مجتباه" عدة من ذلك، منها:"حمي الوطيس"
(3)
، و"مات حتف أنفه"
(4)
، و"لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"
(5)
، و"يا خيل الله اركبي"
(6)
، و"كل الصيد في جوف الفرا"
(7)
، و"الحرب خدعة"
(8)
،
(1)
"مجمل اللغة" 2/ 781.
(2)
"أعلام الحديث" 3/ 1644.
(3)
رواه مسلم (1775) كتاب: الجهاد، باب: غزوة حنين، من حديث العباس بن عبد المطلب.
(4)
رواه أحمد 4/ 36، من حديث عبد الله بن عتيك
(5)
سيأتي برقم (6133) كتاب: الأدب، ورواه مسلم (2998) كتاب: الزهد، من حديث أبي هريرة.
(6)
رواه البيهقي في "الشعب" 7/ 362 (10590) من حديث أنس بلفظ: فنودي يوما في الخيل: يا خيل الله اركبي، وروى أبو داود (2560)، من حديث سمرة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سمى خيلنا خيل الله إذا فزعنا.
(7)
ذكره العجلوني في "كشف الخفاء" 2/ 121 (1977)، وعزاه للرامهرمزي في "الأمثال" عن نصر بن عاصم الليثي، وقال: سنده جيد، لكنه مرسل.
(8)
سلف برقم (3030) كتاب: الجهاد، باب: الحرب خدعة، ورواه مسلم (1739) كتاب: الجهاد، باب: جواز الخداع في الحرب. من حديث جابر بن عبد الله.
و"إياكم وخضراء الدمن"
(1)
، و"إن مما ينبت الربيع لما يقتل حبطا"
(2)
، و"ليس الخبر كالمعاينة "
(3)
، و"المجالس بالأمانة"
(4)
، و"البلاء موكل بالمنطق"
(5)
، و"الأعمال بالنيات"
(6)
، و"اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع"
(7)
و"سيد القوم خادمهم"[ضعيف]
(8)
، و"أعجل الأشياء عقوبة البغي"
(9)
، و"نية المؤمن خير من عمله"[ضعيف]
(10)
.
الحديث الثاني:
حديث أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ، ثَنَا ابن الغَسِيلِ، سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ، مُتَعَطِّفًا
(1)
رواه القضاعي في "مسند الشهاب" 2/ 96 (957) من حديث أبي سعيد الخدري.
(2)
سلف برقم (2842) كتاب: الجهاد، باب: فضل النفقة في سبيل الله، ورواه مسلم (1052) كتاب: الزكاة، باب: تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، من حديث أبي سعيد الخدري.
(3)
رواه أحمد 1/ 215، من حديث ابن عباس.
(4)
رواه أبو داود (4869)، من حديث جابر بن عبد الله.
(5)
رواه ابن الجوزي في "الموضوعات" 3/ 279 (1513)، من حديث ابن مسعود، وانظر:"كشف الخفاء" 1/ 290 (926).
(6)
سلف برقم (1) كتاب: بدء الوحي. من حديث عمر بن الخطاب.
(7)
رواه الطبراني في "الأوسط"(1092)، والبيهقي في "السنن" 10/ 35، من حديث أبي هريرة، وانظر:"الصحيحة"(978).
(8)
رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 10/ 187، من حديث جرير بن عبد الله، وانظر:"الضعيفة"(1502).
(9)
رواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 19 (1092)، من حديث أبي هريرة، وهو قطعة من حديث أبي هريرة السابق.
(10)
رواه الطبراني 6/ 185 - 186 (5942)، من حديث سهل بن سعد، وضعفه العراقي في "تخريج الإحياء" 2/ 1171 (4245)، وانظر:"الضعيفة"(2789، 6044).
بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَعَلَيْهِ عِصَابَة دَسْمَاءُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الأنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ في الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلي مِنْكُمْ أَمْرًا يَضُرُّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعُهُ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ".
وقد سلف في أواخر علامات النبوة.
و (أحمد) شيخ البخاري كنيته أبو يعقوب المسعودي الكوفي، من أفراد البخاري ثقة.
و (ابن) الغسيل، اسمه عبد الرحمن -أبو سليمان- بن سليمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حنظلة -غسيل الملائكة يوم أحد- بن أبي عامر الراهب- وسماه صلى الله عليه وسلم الفاسق
(1)
- ومات بالشام، واسمه عبد عمرو بن ضبعي.
والدسماء: السوداء، وقال الداودي: هي الوسخة من عرق المؤمن والغبارَ.
الحديث الثالث:
حديث قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الأنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَالنَّاسُ سَيَكْتُرُونَ وَيَقِلُّونَ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ".
وقد مر تفسيره قريبًا.
(1)
يقصد أبا عامر الراهب. والله أعلم.
12 - باب مَنَاقِبُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه
-
3802 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ رضي الله عنه يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُلَّةُ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَمَسُّونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا، فَقَالَ:«أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ؟! لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَيْرٌ مِنْهَا» . أَوْ أَلْيَنُ. [انظر: 3249 - مسلم: 2468 - فتح: 7/ 122]
رَوَاهُ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ سَمِعَا أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
3803 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ مُسَاوِرٍ خَتَنُ أَبِى عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» . وَعَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: فَإِنَّ البَرَاءَ: يَقُولُ اهْتَزَّ السَّرِيرُ. فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الحَيَّيْنِ ضَغَائِنُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» . [مسلم: 2466 - فتح: 7/ 122]
3804 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ أُنَاسًا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا بَلَغَ قَرِيبًا مِنَ المَسْجِدِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"قُومُوا إِلَى خَيْرِكُمْ" أَوْ "سَيِّدِكُمْ". فَقَالَ: «يَا سَعْدُ، إِنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ» . قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ. قَالَ: "حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللهِ" أَوْ "بِحُكْمِ المَلِكِ". [انظر: 3043 - مسلم: 1768 - فتح: 7/ 123]
هو أبو عمرو سيد الأوس بدري كبير القدر، ووالده معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل.
ذكر البخاري فيه أحاديث:
أحدها:
حديث البَرَاءِ رضي الله عنه يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُلَّةُ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَمَسّونَهَا وَيعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا، قَالَ:"أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هذِه؟! لَمَنَاديلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَيْرٌ مِنْهَا". أَوْ "أَلْيَنُ".
رَوَاهُ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ، سَمِعَا أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وحديث قتادة سلف في باب: ما جاء في صفة الجنة مسندًا
(1)
، وفي موضع آخر، وقال سعيد عن قتادة، فذكره
(2)
، وأخرجه ابن سعد، عن يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو، عن [واقد بن عمرو بن]
(3)
سعد بن معاذ قال: دخلت على أنس فذكر لنا: "لمناديل سعد في الجنة أحسن ما ترون"
(4)
، وهو منقبة ظاهرة له.
الحديث الثاني:
حديث الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ". وَعَنِ الأَعْمَشِ، ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: فَإِنَّ البَرَاءَ يَقُولُ: "اهْتَزَّ السَّرِيرُ". فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الحَيَّيْنِ ضَغَائِنُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ".
(1)
سلف برقم (3248) كتاب: بدء الخلق.
(2)
سلف برقم (2615) كتاب: الهبة، باب: قبول الهدية من المشركين.
(3)
ساقطة من الأصل، وأثبتناها من "الطبقات الكبرى".
(4)
"الطبقات الكبرى" 3/ 435 - 436.
قد أسلفنا أن مالكا أنكر أن يتحدث بهذا الحديث.
ويتأول على وجهين:
أحدهما: أن العرش السرير الذي حمل عليه، وكان ذلك فضيلة له، كما تحرك حراء وفوقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
والثاني: أن المراد به عرش له، كما بينه في حديث جابر، والمراد به حملة العرش، وإنكار مالك ليس من جهة الإسناد، بل من جهة أنه لم يتعلق به علم شرعي فيخاض فيه.
ومعنى الاهتزاز هنا السرور والاستبشار، ومنه اهتز النبات إذا حسن واخضر، ومنه:{فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} ، ويجوز أن يكون ذلك علامة يعينها لموت ولي من أوليائه، ينبه به ملائكته، يشعرهم بفضله، ويجوز أن يكون ذلك من باب تفخيم الأمر وتعظيمه فنسب إلا أعظم الأشياء؛ تقول: قامت لموت فلان القيامة وأظلمت الأرض، وتأوله الهروي على فرح حملة العرش المحمول عليه
(1)
.
(1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من تأول ذلك -يعني اهتزاز العرش على أن المراد به استبشار حملة العرش وفرحهم فلا بد له من دليل على ما قال .. مع أن سياق الحديث ولفظه ينفي هذا الاحتمال.
انظر: "مجموع الفتاوى" 6/ 554.
وأما قوله: (ويجوز أن يكون ذلك علامة يعينها لموت ولي من أوليائه .. ) إلخ. فيرده قول النبي صلى الله عليه وسلم في "الصحيح": "إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته .. " الحديث.
قال الإمام ابن تيمية: وقوله: "لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته" رد لما توهمه بعض الناس فإن الشمس خسفت يوم مات إبراهيم فاعتقد بعض الناس أنها خسفت من أجل موته، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يخسف لأنه مات أحد ولا لأجل أنه حيى أحد.
وهذا كما في الصحيحين عن ابن عباس قال: حدثني رجال من الأنصار أنهم كانوا =
وقول البراء: (اهتز السرير) أخذه من جهة التأويل، فإن العرش عند العرب السرير.
وقول جابر: (كان بين هذين الحيين) يريد الأوس والخزرج.
وسعد من الأوس، ويبعد على البراء ما حمل عليه جابر، وإنما تأول العرش السرير، كذا قاله ابن التين، وليس كما قال، فإن سعدًا هو ابن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ابن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ابن حارثة، والبراء
(1)
هو ابن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم ابن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك ابن الأوس.
فائدة:
أبو سفيان المذكور في الإسناد هو طلحة بن نافع القرشي المكي، سكن واسطًا، انفرد به مسلم محتجًّا به.
وفيه: فضل بن مساور أبو المساور البصري من أفراد البخاري.
= عند النبي صلى الله عليه وسلم فرمي بنجم فاستنار فقال: "ما كنتم تقولون لهذا في الجاهلية" فقالوا: كنا نقول ولد الليلة عظيم أو مات عظيم فقال: "إنه لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله إذا قضى بالقضاء" سبح حمله العرش .. الحديث، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشهب التي يرجم بها لا يكون عن سبب حدث في الأرض وإنما يكون عن أمر حدث في السماء، وأن الرمي بها لطرد الشياطين المسترقة. اهـ. "مجموع الفتاوى" 25/ 190.
(1)
ورد بهامش الأصل: في ترجمة البراء في كلام أبي عمر قال: في آخر نسبه الخزرجي، وفي كلام غيره الأوسي.
فائدة ثانية:
روى اهتزاز العرش لسعد جماعة غير جابر، منهم: أبو سعيد الخدري
(1)
، وأسيد بن حضير
(2)
، ورميثة
(3)
، وأسماء بنت يزيد بن السكن
(4)
، وعبد الله بن بدر، وابن عمر
(5)
بلفظ: "اهتز العرش فرحًا بسعد" ذكرها الحاكم، وحذيفة بن اليماني، وعائشة ذكرها ابن سعد والحسن ويزيد بن الأصم مرسلا
(6)
، وسعد بن أبي وقاص ذكره أبو عروبة الخزاعي في "طبقاته" وفي "الإكليل" بإسناد جيد: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم حين قبض سعد فقال: "من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واستبشر بموته أهلها؟ ".
وفي الترمذي مصححًا عن أنس: لما حملت جنازة سعد قال المنافقون: ما أخف جنازته، وذلك لِحُكْمِهِ في بني قريظة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن الملائكة كانت تحمله"
(7)
.
زاد أبو عروبة في "طبقاته": "اهتز لها عرش الرحمن". ولابن سعد لما قال المنافقون قال صلى الله عليه وسلم: "لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا جنازة سعد، ما وطئوا الأرض قبل اليوم"
(8)
.
(1)
رواه أحمد 3/ 24، والحاكم 3/ 206، وقال: صحيح على شرط مسلم.
(2)
رواه أحمد 4/ 352، والحاكم 3/ 207، وقال: صحيح الإسناد.
(3)
رواه أحمد 6/ 329، والطبراني 24/ 276 (703).
(4)
رواه أحمد 6/ 456، والحاكم 3/ 206، وقال: صحيح الإسناد.
(5)
"المستدرك" 3/ 206.
(6)
"الطبقات الكبرى" 3/ 434 - 435.
(7)
الترمذي (3849).
(8)
"الطبقات الكبرى" 3/ 429.
وكان رجلاً جسيمًا، وكان يفوح في قبره رائحة المسك، وأخذ إنسان قبضة من تراب قبره فذهب بها ثم نظر إليها بعد ذلك، فإذا هي مسك.
قال الحاكم في "الإكليل": والأحاديث التي تصرح باهتزاز العرش مخرجة في "الصحيح"، والتي تعارضها ليس لها في الصحيح ذكر.
فذكر حديث عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما:"اهتز العرش فرحًا بلقاء الله سعدًا حتى سحب أعواده على عواتقنا". قال ابن عمر: يعني عرش سعد الذي يحمل عليه.
الحديث الثالث:
حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أُنَاسًا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ .. الحديث، سلف في الجهاد في باب: إذا نزل العدو على حكم رجل، ويأتي في المغازي أيضًا
(1)
.
وقوله: ("قوموا إلى خيركم وسيدكم") يعني: سعد بن معاذ كان سيد الأوس، ونقيب بني النجار، وكان أصابه سهم في أكحله يوم الخندق، وكان بينهم رَمْيٌ بالنبل طائفة من النهار؛ فقال: لا تُمِتْنِي حتى تقر عيني في بني قريظة فرقأ الدم، فلما حكم فيهم انفجر عرقه فمات منه.
وقوله: ("سَيِّدِكُمْ") فيه جواز إطلاق ذلك، ويجوز أن يقال: سيد العبد، وكره مالك أن يدعى بيا سيدي. قاله الدوادي. ولعله يريد غير العبد، كما قاله ابن التين، وقيل لمالك: هل كره أحد بالمدينة أن يقول لسيده: يا سيدي؟ قال: لا قال تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}
(1)
سيأتي برقم (4121) باب: مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب.
وقال تعالى {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} وقيل: يقولون: السيد هو الله قال: أين هو في كتاب الله؟ وإنما في القرآن: ربنا ربنا
(1)
.
وقوله: ("حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللهِ" أَوْ "بِحُكْمِ المَلِكِ") يروى بكسر اللام، يريد الله عز وجل وهو الصواب، وبفتحهاَ يريد الملَك الذي نزل بالوحي، وكانت بنو قريظة حلفاء قوم سعد، فرجوا أن يبقيهم فآثر الله ورسوله.
وفيه: من الفقه أن من نزل من أهل الكفر على حكم مسلم نفذ حكمه إذا وافق الحق.
(1)
انظر: "المنتقى" 7/ 306.
13 - باب مَنْقَبَةُ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ رضي الله عنهما
-
3805 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلَيْنِ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَإِذَا نُورٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا حَتَّى تَفَرَّقَا، فَتَفَرَّقَ النُّورُ مَعَهُمَا. وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَرَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ حَمَّادٌ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ: كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 465 - فتح: 7/ 124]
ساق فيه حديث حَبَّانَ، بفتح الحاء عن [همام]
(1)
، عن قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ رَجُلَيْنِ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وإِذَا نُور بَيْنَ أَيْدِيهِمَا حَتَّى تَفَرَّقَا، فَتَفَرَّقَ النُّورُ مَعَهُمَا.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: إِنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَرَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. وَقَالَ حَمَّادٌ: أَنَا ثَابِت عَنْ أَنَسٍ: كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث سلف في أول باب بعد سؤال المشركين أن يريهم آية
(2)
.
و (أسيد بن حضير) بضم أولهما جده سماك أو سمي أنصاري، نقيب أشهلي، كنيته أبو يحيى، وكان كثير النصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه عمر رضي الله عنه حلة فباعها بخمسة أرؤس، فأعتقهم.
و (عباد بن بشر) -ما أعلم أن في الصحابة عباد بن بشر بن قيظي- الأشهلي بدري قتل يوم اليمامة، وصوابه ابن بشر بن وقش بن زغبة بن
(1)
في الأصل: هشام.
(2)
سلف برقم (3639) كتاب: المناقب.
عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأوسي الأشهلي، من كبار الصحابة، له حديث واحد في "معجم الطبراني"
(1)
.
وهو هذا، أما ابن قيظي، فهو من بني حارثة كان يقوم بقومه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، له حديث في الاستدارة إلى الكعبة
(2)
.
(1)
رواه المزي في "تهذيب الكمال" 14/ 104، من طريق الطبراني.
(2)
رواه الطبراني 24/ 207 (530).
14 - باب مَنَاقِبُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه
-
3806 -
حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيٍّ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ» . [انظر: 465 - فتح: 7/ 124]
ذكر فيه حديث عبد الله بن عمرو السالف في مناقب ابن مسعود وغيره.
هو أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي السلمي، من نجباء الصحابة أسلفناه.
15 - باب مَنْقَبَةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه
-
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحًا. [انظر: 4750]
3807 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ» . فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - وَكَانَ ذَا قِدَمٍ فِي الإِسْلَامِ -: أَرَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا. فَقِيلَ لَهُ: قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى نَاسٍ كَثِيرٍ. [انظر: 3789 - مسلم: 2511 - فتح: 7/ 126]
ذكر فيه حديث أنس رضي الله عنه عن أبي أسيد السالف في باب: فضل دور الأنصار بزيادة: أن سعد بنُ عبادة بن دُلَيم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج سيد الخزرج، نقيب بني ساعدة، شهد بدرًا عند ابن الكلبي والواقدي، والمدائني ولم يذكره ابن عقبة، ولا ابن إسحاق، وكان أحد الأجواد، ويقال: كان أسود. مات سنة خمس عشرة وقيل: أربع عشرة.
16 - باب مَنَاقِبُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه
-
3808 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: ذُكِرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -فَبَدَأَ بِهِ- وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ» . [انظر: 3758 - مسلم: 2464 - فتح: 7/ 126]
3809 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأُبَيِّ «إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} " [البينة: 1]. قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَبَكَى. [انظر: 4959، 4960، 4961 - مسلم: 799 - فتح: 7/ 127]
ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، السالف:"خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ" وبدأ بابن مَسْعُودٍ.
قال عبد الله وذكر عنده ابن مسعود فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه، وذكر الحديث.
وحديث أَنَسِ محمد رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأُبَيٍّ "إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} "[البينة: 1]. قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ: "نَعَمْ" فَبَكَى.
كنيته: أبو المنذر، وجده قيس، وهو أقرأ الأمة، وسيد القراء، وكان من الفقهاء أيضًا.
في موته أقوال قيل: مات في خلافة عمر رضي الله عنه فحمل سريره بين العمودين، وقال: مات اليوم سيد المسلمين، وقيل: مات في خلافة عثمان.
وفي رواية: فقرأ: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}
(1)
وللحاكم وقال: صحيح الإسناد - عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه: {لَمْ يَكُنِ} وقرأ فيها: (إن الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية من يعمل خيرا فلن يكفره)
(2)
. ولأحمد من حديث علي بن زيد، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي حبة لما نزلت:{لَمْ يَكُنِ} قال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربك يأمرك أن تقرئها أُبيًّا". فقال له: "إن الله أمرني أن أقرئك هذِه السورة"، فبكى، وقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت ثمة؟ قال: "نعم"
(3)
. ورواه عبد بن حميد أيضًا من حديث مجاهد به
(4)
.
فوائد:
الأول: قال أبو عبيد بن سلام: إنه صلى الله عليه وسلم إنما أراد بذلك العرض على أبي؛ ليعلم أبي منه القراءة، ويستثبت فيها، وليكون عرض القرآن سنة وليس هذا على أن يستذكر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا بذلك العرض
(5)
.
وقد قال ابن التين: قراءته عليه ليثبت أبي ويؤدي إلى غيره؛ ليس أنه صلى الله عليه وسلم تثبت منه، وقال: من ظن ذلك فهو جاهل أو كافر، وقال عمر رضي الله عنه: على أقضانا، وأبي أقرؤنا وإنا ندع من قراءته لقوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] إن كان لا يدع ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يسمع من النسخ.
(1)
رواه الحاكم 3/ 304.
(2)
"المستدرك" 2/ 531.
(3)
أحمد 3/ 489.
(4)
انظر: "الدر المنثور" 6/ 642.
(5)
"فضائل القرآن" لأبي عبيد ص 359.
وقال عياض: عرض عليه؛ ليسن عرض القرآن على حفاظه البارعين فيه، وليسن التواضع في أخذ الإنسان القرآن وغيره من العلوم الشرعية من أهلها وإن كانوا دونه في الشهرة وغيرها وينبه الناس على فضيلة أبي؛ لأنا لا نعلم أحدًا شاركه في ذلك
(1)
.
الثانية: وجه تخصيص هذِه السورة ما تضمنته من ذكر الرسالة والصحف والكتب، وقيل: لاحتوائها على التوحيد والرسالة والقرآن والصلاة والزكاة والمعاد وغير ذلك من وجازتها، وقيل: لأن فيها: {رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2)} وذكرها القرطبي
(2)
.
الثالثة: معنى (وسماني لك) أي: نص على تعييني أو قال: اقرأ على واحد من أصحابك قال: "بل سماك" فتزايدت النعمة وأراد أُبي أن يحقق ذلك في رواية: (آلله سماني لك؟!)
(3)
بهمزة الاستفهام على التعجب منه إذ كان ذلك عنده مستبعدًا؛ لأن تسمية الله تعالى له وتعيينه ليقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تشريف عظيم، ولذلك بكى من شدة الفرح والسرور، وقيل: بكى خوف التقصير عن شكر هذِه النعمة العظيمة.
(1)
انظر: "إكمال المعلم" 3/ 168 - 169.
(2)
"المفهم" 2/ 426.
(3)
ستأتي برقم (4960) كتاب: التفسير.
17 - باب مَنَاقِبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه
-
3810 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيٌّ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. قُلْتُ لأَنَسِ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي. [3996، 5003، 5004 - مسلم: 2465 - فتح: 7/ 127]
ذكر فيه حديث قتادة عن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: جَمَعَ القُرْاَنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصارِ: أُبيٌّ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. قُلْتُ لأَنسِ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي.
قد سلف حديث عبد الله بن عمرو: "استقرئوا القرآن من أربعة من ابن مسعود وسالم مولى حذيفة وأبي ومعاذ" وحديث الباب فيه إسقاط ابن مسعود وسالم، وزيادة ابن ثابت، وأبي زيد.
و (أبو زيد) هذا اسمه قيس بن السكن بن قيس بن زعوراء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، شهد بدرًا وأحدًا، وقتل شهيدًا يوم جسر أبي عبيد الثقفي، وهو يوم قس الناطف في خلافة عمر رضي الله عنه سنة أربع عشرة.
وذكره الذهبي في "معجم الصحابة" في الأسماء فقال: قيس بن السكن بن بني عدي بن النجار، وأبو زيد الذي جمع القرآن بدري.
وقال في "الكنى": أبو زيد أوسي، وقيل: معاذ الأنصاري الذي جمع القرآن، وقال ابن معين: اسمه ثابت بن زيد.
قلت: وزيد بن ثابت جده الضحاك بن زيد بن لوذان، النجاري المالكي، كاتب الوحي استصغر يوم بدر، وقيل: إنه شهد أحدًا، وقد شهد الخندق، وروي أن راية بني مالك بن النجار كانت يوم تبوك مع
عمارة بن حزم فدفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زيد، وقال:"هو أكثر أخذًا للقرآن منك"
(1)
، وكان أفرض الأمة، واستخلفه عمر وعثمان غير مرة على المدينة، وولي بيت المال لعثمان صلى الله عليه وسلم، وكان من أفكه شيء إذا خلا مع أهله.
(1)
ذكره الحاكم 3/ 421 وابن عبد البر في "الاستيعاب" 2/ 11 وقال: وهذا عندي خبر لا يصح.
18 - باب مَنَاقِبُ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنه
-
3811 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُجَوِّبٌ بِهِ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ.
وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِيًا شَدِيدَ القِدِّ، يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا.
وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الْجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ، فَيَقُولُ:"انْشُرْهَا لأَبِي طَلْحَةَ". فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ القَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تُنْقِزَانِ القِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجِيآنِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ، وَإِمَّا ثَلَاثًا. [انظر: 2880 - مسلم: 1811 - فتح: 7/ 128]
ذكر فيه حديث أَنَسٍ رضي الله عنه: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُجَوِّب عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِيًا لقد كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل، فيقول:"انثرها لأبي طلحة" فأشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك. ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما وأم سليم وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما، تنقزان القرب .. الحديث
سلف مختصرا في الجهاد في باب: غزو النساء مع الرجال، وفي آخره هنا:(ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة إما مرتين أو ثلاثا)
ويأتي في أحد أيضًا
(1)
.
وأبو طلحة اسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري النقيب، قال له صلى الله عليه وسلم حين تصدق بحائط:"بخ، ذلك مال رابح"
(2)
.
وقوله: (أرى خدم سوقهما) هو جمع خدمه وهي الخلخال، وقال ابن فارس: جمعها خدام
(3)
، وقال الهروي: يقال: الخدمة سير غليظ، مثل: الحلقة تشد في رسغ البعير، ثم يشد إليه شراج نعلها، وسمي الخلخال خدمة لذلك
(4)
.
ومعنا (مُجَوِّب بحجفة): مترس عليه يقيه بالحجفة، وهي الترس، والجوب: الترس.
وقوله: (وكان أبو طلحة رجلاً راميا شديد النقد كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة) ضبط الدمياطي قوله (شديدًا) بالنصب، وأما الخطابي وتبعه ابن التين فقالا: قوله: (شديد القد) أي النزع، ولذلك أتبعه بقوله:(كسر قوسين أو ثلاثة). قال الخطابي: وتحتمل الرواية أن تكون بكسر القاف يريد وتر القوس
(5)
.
و (النقد) سَيْرٌ يُعَدُّ من جلد غير مدبوغ.
وقوله: (يصيبُك سهم) قال القاضي عياض: كذا لهم وهو الصواب. وعند الأصيلي: يصبْك، وهو خطأ وقلب للمعنى.
(1)
سيأتي برقم (4564) كتاب المغازي، باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ} .
(2)
سلف برقم (1461) كتاب: الزكاة، باب: الزكاة على الأقارب.
(3)
"مجمل اللغة" 1/ 280.
(4)
كما في "النهاية في غريب الحديث" 2/ 15.
(5)
"أعلام الحديث" 3/ 1651 - 1652.
ومعنى تنقزان تثبان بها يقال: نقز الظبي إذا وثب في عدوه، والمرأة تنقز ولدها أي: ترقصه، فأراد أنهما يحملان بنشاط، وقال الخطابي: إنما هو تزفران أي تحملان قال: فأما النقز فهو الوثب البعيد
(1)
.
وقال الداودي: (تنقزان) أي: تنقلان، قال: وروي كذلك.
و (المتون): الظهور.
وفيه: جواز نظر الفجأة؛ لأنها لا تملك. ووقوع السيف من يده كان للنعاس الذي أصابهم قال تعالى {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران: 154] الآية.
وفيه: أن الشجاع يؤخذ له سلاح غيره لقوله: "انثرها لأبي طلحة".
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 1652.
19 - باب مَنَاقِبُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه
-
3812 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ- عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي على الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. إِلاَّ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} الآيَةَ [الأحقاف: 10]. قَالَ: لَا أَدْرِي قَالَ مَالِكٌ: الآيَةَ أَوْ فِي الحَدِيثِ. [مسلم: 2483 - فتح: 7/ 128]
3813 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ المَدِينَةِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ الخُشُوعِ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا ثُمَّ خَرَجَ، وَتَبِعْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ المَسْجِدَ قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. قَالَ: وَاللهِ مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ، رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنِّي في رَوْضَةٍ -ذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا وَخُضْرَتِهَا- وَسْطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ وَأَعْلَاهُ فِي السَّمَاءِ، فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ فَقِيلَ لَهُ: ارْقَهْ. قُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ. فَأَتَانِي مِنْصَفٌ فَرَفَعَ ثِيَابِى مِنْ خَلْفِي، فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَاهَا، فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقِيلَ لَهُ: اسْتَمْسِكْ. فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإِسْلَامُ، وَذَلِكَ العَمُودُ عَمُودُ الإِسْلَامِ، وَتِلْكَ العُرْوَةُ عُرْوَةُ الوُثْقَى، فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ» . وَذَاكَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ.
وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ، عَنِ ابْنِ سَلَامٍ قَالَ: وَصِيفٌ مَكَانَ: مِنْصَفٌ. [7010، 7014 - مسلم: 2484 - فتح: 7/ 129]
3814 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَتَيْتُ المَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَامٍ رضي الله عنه فَقَالَ: أَلَا تَجِيءُ فَأُطْعِمَكَ سَوِيقًا
وَتَمْرًا، وَتَدْخُلَ فِي بَيْتٍ؟ ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَي إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ، أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ، أَوْ حِمْلَ قَتٍّ، فَلَا تَأْخُذْهُ، فَإِنَّهُ رِبًا. وَلَمْ يَذْكُرِ النَّضْرُ وَأَبُو دَاوُدَ وَوَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ البَيْتَ. [7342 - فتح: 7/ 129]
هو عبد الله بن سلام بتخفيف اللام الإسرائيلي من بني قينقاع، وهم من ولد يوسف الصديق، وكان اسمه في الجاهلية الحصين فغير، وكان حليف الأنصار.
ذكر البخاري في الباب ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ: إِنّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ إلا لعبد الله بن سلام قال: وفيه نزلت هذِه الآية {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأحقاف: 10] قال: لا أدري الآية أو في الحديث.
ثانيها:
حديث قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ المَدِينَةِ، فَدَخَلَ رَجُل عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ الخُشُوعِ، فَقَالُوا: هذا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا ثُمَّ خَرَجَ، وَتَبِعْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ المَسْجِدَ قَالُوا: هذا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. قَالَ: والله مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ، وَسَأُحَدّثُكَ لِمَ ذَاكَ، رَأَيْتُ رُؤيَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ أَنَي في رَوْضَةٍ -ذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا وَخُضْرَتِهَا- وَسْطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، وفيه: فَأَتَانِي مِنْصَف فَرَفَعَ ثِيَابِي، وفي آخره "فَأَنْتَ عَلَى الاسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ". وَذَاكَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ ابْنُ سَلَامٍ.
وقال لي خليفة: ثنا معاذ، ثنا ابن عون، عن محمد، عن قيس بن عباد، عن ابن سلام قال: وصيف مكان: منصف.
ثالثها:
حديث سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، قال: أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقًا وتمرًا وتدخل في بيت؟ ثم قال: إنك بأرض الربا بها فاشٍ؛ إذا كان لك على رجل حقٌّ فأهدى لك حمل تبنٍ أو حمل شعيرٍ أو حمل قتًّ فلا تأخذه، فإنه ربا. ولم يذكر النضر وأبو داود ووهب، عن شعبة: البيت.
الشرح:
ما ذكره في نزول الآية قال به الحسن ومجاهد والضحاك، وأنكره مسروق والشعبي وقالا
(1)
: السورة مكية
(2)
. قال الشعبي: وأسلم ابن سلام قبل موته
(3)
بعامين، واختلفا في المراد بالآية، فقال مسروق: موس عليه السلام
(4)
، وقال الشعبي: هو رجل من أهل الكتاب ابن سلام، وانفصل ابن سيرين إلى احتجابه بأن قال: كانت الآية تنزل فقال لهم: ألحقوها في سورة كذا وكذا
(5)
.
(1)
في الأصل: قال.
(2)
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 140، "تفسير الطبري" 11/ 278 - 280.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: يعني: موت النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي إيضاحها في كلام المؤلف. هذا الكلام فيه نظر، وتوفي سنة ثلاث وأربعين في خلافة معاوية وأسلم أول المقدم ومراده: قبل موته أي: موته عليه السلام، وسيأتي إيضاحه قريبا، وفيه نظر كما ذكرته، وشاهده في الصحيح. وينبغي للمؤلف أن يتعقب هذا الكلام.
(4)
رواه الطبري 11/ 278.
(5)
عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 7 إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
وفيه: جواب آخر وهو أنه يجوز أن تكون الآية نزلت بمكة، والمعنى: أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله، ليؤمنوا، وقال ابن عباس، ومقاتل: إن الشاهد ابن يامين، وقال صاحب "مقامات التنزيل": هذِه السورة مكية إلا آيتان مدنيتان منها هذِه الآية، وروى السدي عن ابن عباس: أنها نزلت في ابن سلام وابن يامين، واسمه عمير بن وهب [النضري]
(1)
وقال سعيد بن جبير فيما حكاه عنه عبد بن حميد: اسمه ميمون بن يامين وفيه نزلت هذِه الآية
(2)
.
وقوله: (مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لم يَعْلَم)، قال الداودي: هو من أهل بدر، وإنما قال ذلك خوفا وإشفاقا، ولم يسمع قوله في أهل بدر أنهم مغفور لهم، كذا جعله الداودي من أهل بدر، وهو مخالف لما أسلفناه عن الشعبي أنه أسلم قبل موته صلى الله عليه وسلم بعامين، وقول سعيد ما سمعته يقول .. إلى آخره، كيف قال هذا، قد علم أنه قال ذلك فيه، وفي باقي العشرة.
وأجاب الخطابي بأنه كره التزكية لنفسه، ولزم التواضع، ولم ير لنفسه من الاستحقاق ما رآه لأخيه، وهذا غير بين كما قال ابن التين؛ لأنه بقي باقي العشرة بقوله: وحكي عن سفيان الثوري أنه كان يقول: أنا أحرس الصحابة، وأقدم العشرة، وأروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال: إنهم من أهل الجنة وأرجو لهم ذلك، قال: ولا أشهد لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في الجنة، ومعنى كلامه كما قال: إن التخيير بينهم
(1)
بياض بالأصل، والمثبت من "عمدة القاري".
(2)
انظر: "الدر المنثور" 6/ 7.
مستفاد من باب المعرفة بفضائلهم، وأما القطع بالجنة فهو من علم الغيب لا يتوصل إليه بأخبار الآحاد؛ لأنها إنما تفيد علم الظاهر، والعلم المغيب لا يتوصل إليه إلا بكتاب ناطق أو بخبر متواتر
(1)
.
وقوله: (وأتاني منصف) هو الوصيف، كما قال في الرواية الأخرى، وهو بفتح الميم في رواية الشيخ أبي الحسن، وفي بعض روايات أبي ذر: بكسرها، وكذا هو مضبوط في كتاب ابن فارس
(2)
.
وفيه ما كان عليه عبد الله من الجودة، وانكاره الربا، وأن هدية الغريم ربا، وهو محمول عندنا على ما إذا اشترطها.
و (القَتُّ): نبات.
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 1655 - 1656.
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 869.
20 - باب تَزْوِيجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَدِيجَةَ، وَفَضْلُهَا رضي الله عنها
-
3815 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ.
حَدَّثَنِي صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنهم، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ» . [انظر: 3432 - مسلم: 2430 - فتح: 7/ 133]
3816 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ -هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي- لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَأَمَرَهُ الله أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِى فِي خَلَائِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ. [3817، 3818، 5229، 6004، 7484 - مسلم: 2434، 2435 - فتح: 7/ 133]
3817 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا. قَالَتْ: وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عز وجل أَوْ جِبْرِيلُ عليه السلام أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ. [انظر: 3816 - مسلم: 2434، 2435 - فتح: 7/ 133]
3818 -
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَنٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ، ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلاَّ خَدِيجَةُ! فَيَقُولُ: "إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ". [انظر: 3816 - مسلم: 2434، 2435 - فتح: 7/ 133]
3819 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما: بَشَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَدِيجَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ. [انظر: 1792 - مسلم: 2433 - فتح: 7/ 133]
3820 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَت مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عليها السلام مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ. [7497 - مسلم: 2432 - فتح: 7/ 133]
3821 -
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ على رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ هَالَةَ» . قَالَتْ: فَغِرْتُ فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ، أَبْدَلَكَ الله خَيْرًا مِنْهَا! [مسلم: 2437 - فتح: 7/ 134]
ذكر فيه حديث عَلِيُّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ".
وشيخ البخاري فيه محمد هو ابن سلام.
وحديث: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ -هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي- لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَأَمَرَهُ اللهُ أَنْ يُبَشّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِي فِي خَلَائِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ.
وفي لفظ: من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، وتزوجني بعدها بثلاث سنين وأمره ربه -أو جبريل- أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب.
وفي لفظ: قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول:"إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد".
وشيخه في هذا عمر بن محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي الكوفي المعروف بابن التل من أولاده، قال النسائي: صدوق، مات في شوال سنة خمسين ومائتين.
وحديث إِسْمَاعِيلَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما: بَشَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَدِيجَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ.
وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هذِه خَدِيجَةُ قَدْ أَتَت مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عليها السلام مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: اسْتَأذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خدِيجَةَ رضي الله عنها عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ هَالَة". قَالَتْ: فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا!
الشرح:
خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، أول من أسلم، وأول زوجاته، وأم سائر ولده خلا إبراهيم فمن مارية، وماتت في رمضان سنة عشر.
وقوله: ("خير نسائها خديجة") يعني: خير نساء زمانها، وماتت خديجة وعائشة بنت ثلاث سنين، وقيل: أربع، فيحتمل أن يكون دخلت فيمن خيرت عليه خديجة، ويحتمل أن يريد البوالغ ذكرها ابن التين.
و (القصب) هنا اللؤلؤ المجوف الواسع كالقصر المنيف، وقد جاء في رواية عبد الله بن وهب قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله ك صلى الله عليه وسلم، وما بيت من قصب؟ قال:"من لؤلؤة مجوفة". رواه السمرقندي مجوفة، والخطابي مجوبة
(1)
، أي: قطع داخلها الثقب، فتفرغ وخلا من قولهم: جبت الشيء إذا قطعته، وروى أبو القاسم بن مطير من حديث صفوان بن عمرو، عن مهاجر بن ميمون، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول الله، أين أمي خديجة؟ قال:"في بيت من قصب لا لغو فيه ولا نصب، بين مريم وآسية امرأة فرعون". [قالت: يا رسول الله، أمن هذا القصب؟ قال: "لا بل من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت"]
(2)
ثم قال: لا يروى عن فاطمة إلا بهذا الإسناد تفرد به صفوان
(3)
.
وفي رواية: بشرها بقصر من درة مجوفة.
فإن قلت: كيف بشرها ببيت وأدنى أهل الجنة منزلة من يعطى مسيرة ألف عام في الجنة كما في حديث ابن عمر عند الترمذي
(4)
، وكيف لم ينعت البيت بشيء من أوصاف النعيم أكثر من نفي الصخب، وهو رفع الصوت.
قلت: قال أبو بكر الإسكاف في "فوائده": بشرت ببيت زائد على ما أعد الله لها مما هو ثواب لأعمالها، ولذلك قال: "لَا صَخَبَ فِيهِ
(1)
"غريب الحديث" 1/ 496.
(2)
ما بين المعقوفتين عبارته مضطربة في الأصل، نصها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمن هذا القصر المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت. اهـ.
(3)
"المعجم "الأوسط" 1/ 139 - 140 (440).
(4)
الترمذي (2553).
وَلَا نَصَبَ" أي: لم ينصب فيه، ولم يصخب أي إنما أعطيته زيادة على جميع العمل الذي نصبت فيه، ولا شاهد لما ذكره.
وقال الخطابي: يقال: البيت هنا عبارة عن قصر
(1)
، وقد سلف كذلك في رواية أسلفناها، وقد يقال لمنزل الرجل بيته، وهو كما قال يغالي في القوم: هم أهل بيت شرف وعز، وفي التنزيل:{غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 36]
قال السهيلي: وذكر البيت هنا، ولم يقل بقصر لمعنى لائق بصورة الحال، وذلك أنها كانت ربة بيت في الإسلام لم يكن على الأرض بيت إسلام إلا بيتها حين آمنت، وأيضًا فإنها أول من بني بيتا في الإسلام بتزويجها سيد الأنام، ورغبتها فيه، قال: وجزاء الفعل يذكر بلفظ الفعل، وإن كان أشرف منه كما جاء "من كسا مسلمًا على عري كساه الله من حلل الجنة، ومن سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق"
(2)
، ومن هذا الباب:"من بني لله مسجدا بني الله له مثله في الجنة"
(3)
، ولم يرد مثله في كونه مسجدا، ولا في صفته، ولكنه قابل البنيان بالبنيان أي: كما بني يُبنى له كما قابل الكسوة بالكسوة، والسقيا بالسقيا فها هنا وقعت المماثلة لا في ذات الشيء المكسو، وإذا ثبت هذا فمن هنا اقتضت الفصاحة أن يعبر لها عما بشرت به بلفظ البيت، وإن كان فيه ما لا عين رأت، ومن يسميه الجزاء على الفعل بالفعل في عكس ما ذكرناه قوله تعالى {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ} {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله}
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 911.
(2)
رواه أبو داود (1682)، والترمذي (2449)، من حديث أبي سعيد الخدري.
(3)
سلف برقم (450) كتاب الصلاة، باب من بني مسجدا، من حديث عثمان بن عفان، ورواه مسلم (533) كتاب المساجد، باب فضل بناء المساجد.
فأما قوله: "لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ". فإنه أيضًا من باب ما كنا بسبيله دعاها إلى الإيمان فأجابته عفوا لم تحوجه إلا أن يصخب كما يصخب البعل إذا تعصت عليه حليلته ولا أن ينصب، بل أزالت عنه كل نصب، وآنسته من كل وحشة وهونت عليه كل مكروه، وأزاحت بمالها كل كدر ونصب فوصف منزلها الذي بشرت به بالصفة المقابلة لفعلها وصورة حالها؛ قال ابن دحية: فهي فيه مع سيد الأمة متفردة به كما تفردت بكفالته قبل النبوة وبعدها فلا يصاحبها في هذا البيت أحد من نسائه، ممن تعذر أن تصف ما في ذلك البيت جزاء لكفالته.
قال السهيلي: وأما قوله: "من قصب"، ولم يقل من لؤلؤ، ولكن في أختصاصه هذا اللفظ من المشاكلة المذكورة، والمقابلة بلفظ الجزاء للفظ العمل؛ لأنها كانت قد أحرزت قصب السبق إلى الإيمان دون غيرها من الرجال والنساء، والعرب تسمي السابق محرزا للقصب، واقتضت البلاغة أي يعبر بالعبارة المشاكلة لعملها في جميع ألفاظ الحديث
(1)
.
فصل:
إقراء جبريل عليها السلام من ربها جل جلاله دال على فضل خديجة على عائشة، وقد أقرأ عائشة رضي الله عنها أيضًا الرب جل جلاله السلام كما رواه الطبراني في "أكبر معاجمه" من حديثها
(2)
، وسنده جيد فيما علمت؛ لأنه عليه السلام أقرأها سلام جبريل كذا استنبطه ابن داود وإن كان فيه خلاف عنده، وسئل أيضًا أيما أفضل خديجة أم فاطمة؟
(1)
"الروض الأنف" 1/ 278 - 279.
(2)
"المعجم الكبير" 23/ 34 - 38؛ وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأها السلام من جبريل عليه السلام.
فقال: الشارع قال: "فاطمة بضعة مني"
(1)
، ولا أعدل ببضعة منه أحدا، وتوقف ابن التين فقال: الله أعلم أيهما أفضل خديجة أم عائشة.
فصل:
وقد سلف تفسير: "لا صخب فيه ولا نصب" وقال الداودي: الصخب: العيب، والنصب: المعوج، وقيل: بشرها بقصر من زمردة مجوفة، أو من لؤلؤة مجوفة، وبيت الرجل قصره وداره.
وقوله: (حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ)، يروى بالحاء والراء المهملتين، وبالجيم والزاي
(2)
.
وقوله: (قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا)، في سكوته صلى الله عليه وسلم دلالة على فضل عائشة إلا أن يريد أحسن صورة وأصغر سنا
(3)
.
(1)
سلف برقم (3714) كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
في هامش الأصل: لم أر هذا إلا من كلامه، أعني الضبط الثاني.
(3)
في هامش الأصل: جاء في رواية أنه قال بعد كلامها: "والله ما أبدلني الله خيرا منها .. " فذكر الحديث.
21 - باب ذِكْرُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ رضي الله عنه
-
3822 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلاَّ ضَحِكَ. [انظر: 3035 - مسلم: 2475 - فتح: 7/ 131]
3823 -
وَعَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ بَيْتٌ يُقَالَ لَهُ: ذُو الخَلَصَةِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ اليَمَانِيَةُ، أَوِ الكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ؟» . قَالَ: فَنَفَرْتُ إِلَيْهِ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ. قَالَ: فَكَسَرْنَا، وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْنَاهُ، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَدَعَا لَنَا وَلأَحْمَسَ.
ذكر فيه حديث قَيْسٍ عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قال: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم منْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا ضَحِكَ.
وعنه: كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ بَيْتٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو الخَلَصَةِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الكَعْبَةُ اليَمَانِيَةُ، والْكَعْبَةُ الشَّأمِيَّةُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ؟ ". قَالَ: فَنَفَرْتُ إِلَيْهِ فِي مِائَةِ وخَمْسِينَ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ. قَالَ: فَكَسَرْنَا، وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَدَعَا لَنَا وَلأَحْمَسَ.
الشرح:
(جرير) كثيته أبو عمرو جرير بن عبد الله بن جابر، وهو الشليل
(1)
بشين معجمة، ابن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عوف بن خزيمة بن
(1)
في هامش الأصل: الشليل: بضم الشين المعجمة رأيته في نسخة صحيحة من "الاستيعاب" بالقلم، وقد ذكره الذهبي في "المشتبه" في المفتوح، وذلك لأنه ذكر بعده المضموم.
مالك بن سعد بن نذير بن قسر -بفتح القاف- بن عبقر بن أنمار بن إراش -بهمزة مكسورة- بن عمرو بن الغوث بن نبت بن زيد بن كهلان كذا ساقه الكلبي في جماعة، وقال ابن إسحاق ومصعب: أنمار بن نزار بن معد بن عدنان نسبوا إلى أمهم بجيلة، واختلفوا في بجيلة، فمنهم من جعله من اليمن وهو الأكثر، وقيل: من نزار بن معد كما نقلناه عن ابن إسحاق ومصعب، وكان سيدا مطاعا ملتجأ طوالا بديع الجمال، صحيح الإسلام، كبير القدر قال صلى الله عليه وسلم:"على وجهه مسحة ملك"
(1)
، وعن عمر رضي الله عنه قال: إنه يوسف هذِه الأمة.
ولما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرمه وبسط له رداءه وقال: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" رواه الطبراني في "الأوسط" من حديث قيس عنه قال: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيته فقال لي: "يا جرير ما جاء بك؟ " قلت: لأسلم
(2)
. وسلف في الجهاد، وعنه أيضًا: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم .. الحديث.
أسلم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة عشر، ووفد عليه قبل موته بأربعين يوما فيما قيل: أرسله إلى ذي الخلصة كما سلف، وقال: يا رسول الله، إني لا أثبت على الخيل فصكه في صدره، وقال:"اللهم اجعله هاديا مهديا". وقد سلف في الجهاد ويأتي في المغازي
(3)
.
(1)
في هامش الأصل: أي أثر ظاهر، ولا يقال ذلك إلا في المدح.
[والحديث رواه أحمد 4/ 359 - 360، والبخاري في "الأدب المفرد" (250)، وانظر: "الصحيحة" (3191)].
(2)
"الأوسط" 6/ 240 (6290).
(3)
سلف في الجهاد برقم (3020) باب: حرق الدور والنخيل، وسيأتي برقم (4356) باب: غزوة ذي الخلصة.
وعند أبي زرعة
(1)
-حفيده- وغيره: سكن الكوفة، ثم قَرْقِيسِياء فمات بها بعد الخمسين.
وروى الطبراني من حديث موسى بن عبيدة، عن محمد بن إبراهيم عنه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في أثر العرنيين
(2)
، يعني: سنة ست من الهجرة.
وروى ابن قانع في "معجمه" من حديث شريك، عن أبي إسحاق، عن الشعبي عنه قال: لما مات النجاشي سنة تسع في رجب قال صلى الله عليه وسلم: "إن أخاكم النجاشي لك فاستغفروا له"
(3)
، وفي النسائي أنه صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع:"استنصت الناس"
(4)
، ولابن سعد في "طبقاته"
(5)
كان ذو الخلصة بيتا لخثعم، قال جرير: فنفرت في تسعين ومائة فارس مِنْ أَحْمَسَ، وهو خلاف رواية البخاري السالفة، وفي البخاري: فنازل على خيل أحمس، ورجالها خمس مرات، وبعث جرير أبا أرطأة بشيرا
(6)
، قال السهيلي: وكان من مقبلي الظعن، وكانت نعله طولها ذراع
(7)
، وقال فيه عمر: إن جريرا يخطب إليكم ابنتكم وهو سيد من أهل المشرق، وسيأتي بعثه إلى اليمن.
(1)
هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير. انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 323 (7370).
(2)
"المعجم الكبير" 2/ 358 - 359 (2509) بلفظ: أن ناسا من عرينة أغاروا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع أيديهم وأرجلهم
…
وقال الهيثمي في "المجمع" 6/ 294: وفيه موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف.
(3)
"معجم الصحابة" لابن قانع 1/ 148.
(4)
النسائي 7/ 128.
(5)
"طبقات ابن سعد" 1/ 347 - 348.
(6)
سيأتي برقم (4357) كتاب: المغازي، باب: غزوة ذي الخلصة.
(7)
"الروض الأنف" 1/ 97.
فصل:
(ذو الخلصة) بيت لخثعم كما سلف، والخلصة في اللغة: نبت طيب يتعلق بالشجر له حب كعنب الثعلب، وجمع الخلصة خلص، ذكره أبو حنيفة، وزعم المبرد أن أبا عبيدة قال: موضعه اليوم مسجد جامع لبلدة يقال لها: العبلات من أرض خثعم، وكان بعث جرير إليه قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بشهرين، أو نحوهما.
وادعى السهيلي أنه ليس في البخاري.
و (الكعبة الشامية) وإنما عند مسلم وليس كذلك في بابه في البخاري كما سلف، ثم قال: وهذا مشكل ومعناه كان يقال له: الكعبة اليمانية، والكعبة الشامية بالبيت الحرام، قال: وزيادة (له) في الحديث سهو، وبإسقاطه يصح المعنى كما قاله بعض النحويين، وليس عندي بسهو، وإنما معناه كان يقال له: أي يقال من أجله الكعبة الشامية للكعبة، وهو يريد الكعبة اليمانية، و (له) يعني لأجله لا ينكر في العربية. وهو بضم الخاء المعجمة واللام، وعند ابن إسحاق بفتحهما في قول ابن هشام
(1)
، وهو صنم سيعبد في آخر الزمان؛ ثبت في الحديث:"لا تقوم الساعة حتى تصطفق أليات نساء دوس وخثعم حول ذي الخلصة"
(2)
.
(1)
هكذا في الأصل، وفي "الروض": بضم الخاء واللام في قول ابن إسحاق، وبفتحهما في قول ابن هشام، وانظر:"سيرة ابن هشام" 1/ 91.
(2)
"الروض الأنف" 1/ 109. والحديث سيأتي برقم (7116) كتاب الفتن، باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان، من حديث أبي هريرة، ورواه مسلم (2906) كتاب: الفتن، باب: لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة.
22 - باب ذِكْرُ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ العَبْسِيِّ رضي الله عنه
-
3824 -
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ هُزِمَ المُشْرِكُونَ هَزِيمَةً بَيِّنَةً، فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللهِ، أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ، فَاجْتَلَدَتْ أُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ فَنَادَى: أَيْ عِبَادَ اللهِ، أَبِي أَبِي. فَقَالَتْ: فَوَاللهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ الله لَكُمْ. قَالَ أَبِي: فَوَاللهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهَا بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَقِيَ اللهَ عز وجل. [انظر: 3290 - فتح: 7/ 132]
ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها في قتل والده يوم أحد، وقد ترجم أيضًا لحذيفة فيما مضى مع عمار، وأنه صاحب السر الذي لا يعلمه غيره.
ومعنى: (ما احتجزوا حتى قتلوه) أي: ما افتزعوا.
23 - باب ذِكْرُ هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنها
-
3825 -
وَقَالَ عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَانَ على ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. قَالَتْ: وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ قَالَ:«لَا أُرَاهُ إِلاَّ بِالْمَعْرُوفِ» . [انظر: 2211 - مسلم: 1714 - فتح: 7/ 141]
هي من مسلمة الفتح.
وقال عبدان: أنا عَبْدُ اللهِ، أَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ فقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ، وفي آخره "إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ".
كذا ذكره معلقا عن شيخه، والبيهقي أخرجه من حديث أبي الموجه أنا عبدان فذكره، ثم قال: رواه البخاري عن عبدان ولم يبين كيفية روايته
(1)
.
والبخاري رواه في موضع آخر عن يحيى بن بكير، ثنا الليث، ثنا يونس به
(2)
، وعن أبي اليمان أخبرني شعيب عن الزهري به
(3)
.
(1)
"السنن الكبرى" 10/ 270.
(2)
سيأتي برقم (6641) كتاب: الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
سلف برقم (2460) كتاب: المظالم، باب: قصاص المظلوم ..
وفيه: تسمية الخباء دارا، وقد نفت ما كانت عليه من البغض؛ ليعلم صدقها في الحب.
وقوله عند قولها: (أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ). (قال
(1)
: "وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَده") قاله تصديقا لها.
وقولها: (مِسِّيكٌ) بكسر الميم وتشديد السين المكسورة وهو البخيل.
وفيه: الحكم والفتوى على الغائب، وأن من حكم بشيء يأخذ به من غير علم الظالم مثل قوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]
(1)
هكذا في نسخة أبي ذر الهروي، انظر:"اليونينية" 5/ 40.
24 - باب حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ
3826 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحَ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الوَحْيُ، فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سُفْرَةٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ: إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلَا آكُلُ إِلاَّ مَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ. وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَقُولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا الله، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ المَاءَ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللهِ! إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ. [5499 - فتح: 7/ 142]
3827 -
قَالَ مُوسَى: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَلَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ تُحُدِّثَ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي. فَقَالَ: لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللهِ. قَالَ زَيْدٌ: مَا أَفِرُّ إِلاَّ مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ؟ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا. قَالَ: زَيْدٌ: وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ. فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِىَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ. قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلاَّ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ؟ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا. قَالَ: وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ. فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ. [7/ 142]
3828 -
وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ، يَقُولُ:
يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ، وَاللهِ مَا مِنْكُمْ على دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي، وَكَانَ يُحْيِى المَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: لَا تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا. فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا. [فتح: 7/ 143]
هو ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح العدوي، والد أحد العشرة سعيد بن زيد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يبعث أمة وحده"
(1)
، مات قبل المبعث، قال سعيد بن المسيب: توفي وقريش تبني الكعبة قبل نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين.
وعن زكريا السعدي أنه لما مات دفن بأصل حراء.
ولابن إسحاق أنه لما توسط بلاد لخم عدوا عليه
(2)
.
وعند الزبير قال هشام: بلغنا أن زيدًا كان بالشام فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يريده فقتله أهل ميفعة.
قال البكري: وهي قرية من أرض البلقاء بالشام
(3)
، وهو مذكور في كتب الصحابة
(4)
.
وإيراد البخاري يميل إليه.
ثم ساق البخاري من حديث مُوسَى، ثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوَحْيُ، فَقُدِّمَتْ
(1)
رواه ابن سعد في "الطبقات" 3/ 381، والحاكم 3/ 216 - 217، وقال: صحيح على شرط مسلم.
(2)
"سيرة ابن إسحاق" ص 199.
(3)
"معجم ما استعجم" 4/ 1285.
(4)
انطر: "معجم الصحابة" للبغوي 2/ 441، "الاستيعاب" 2/ 179، "الإصابة" 1/ 569.
إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سُفْرَةٌ، فَأَبَى أَنْ يَأُكُلَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ: إِنّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ .. الحديث.
قَالَ مُوسَى: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَلَا أراه إلا يحدث عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، يسأل عَنِ الدِّينِ ويتبعه، فاجتمع بعَالِمٍ مِنَ اليَهُودِ، وعَالِمٍ مِنَ النَّصَارى، فدلوه عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ، يَقُولُ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ، والله مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي، وَكَانَ يُحْيِي المَوْءُودَةَ .. الحديث.
وتعليق الليث أسنده ابن سعد عن أبي أسامة حماد بن أسامة، ثنا هشام فذكره
(1)
، وابن إسحاق أخرجه عن هشام فقال: ثنا هشام فذكره
(2)
، ويجوز أن يكون من رواية عبد الله بن صالح عنه كغالب عادته. وأخرجه البخاري في الصيد من حديث موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح، وذلك قبل نزول الوحي .. الحديث
(3)
.
إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من وجوه:
أحدها:
(بلدح) بباء موحدة ثم لام ثم قال مهملة ثم حاء مهملة أيضا: واد
(1)
"الطبقات الكبرى" 3/ 380.
(2)
"سيرة ابن إسحاق" ص 96.
(3)
سيأتي برقم (5499) باب: ما ذبح على النصب والأصنام.
قبل مكة من جهة الغرب، قاله عياض
(1)
، وقال البكري: موضع في ديار بني فزارة، وهو واد في طريق التنعيم إلى مكة، وفيه ورد المثل: لكن على بلدح قوم عجفى. قاله مهيس بن صهيب الفزاري، وقال ابن دريد: ابن خلدة
(2)
.
ثانيها:
السفرة التي قدمتها قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأكل منها، وقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد فأبى، ذكره ابن بطال
(3)
.
و (الأنصاب) جمع نصب بضم الصاد وسكونها، وهي حجارة كانت حول الكعبة يذبحون لها. قال الطبري: لم تكن أصنامًا؛ لأن الأصنام كانت تماثيل وصورًا مصورة، والنصب كانت حجارة مجموعة
(4)
.
وقال ابن التين: قوله: (فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ). يريد: أن زيدًا هو الذي أبى، وإباؤه خوفا مما ذكر، وسبب ما أسلفناه أنه يبعث أمة وحده، أنه كان منفردا بدين لا يشركه فيه أحد. قال الخطابي: وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل من ذبائحهم لأصنامهم، فأما ذبحهم لمأكلهم فلم نجد في ذلك شيء من الأخبار أنه كان يتنزه منها، ولا أنه كان لا يرى الذكاة واقعة لفعلهم قبل نزول الوحي بتحريم ذبائح الشرك، فقد كان بين ظهرانيهم، ولم يذكر أنه كان لا يتميز عليهم إلا في أكل الميتة، وكانت قريش وقبائل العرب يتنزهون عن أكل الميتات
(5)
.
(1)
"مشارق الأنوار" 1/ 116.
(2)
"معجم ما استعجم" 1/ 273.
(3)
"شرح ابن بطال" 5/ 408.
(4)
"تفسير الطبري" 4/ 414.
(5)
"أعلام الحديث" 3/ 1658.
قال الداودي: كان صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه لا يدري ما في ذبائحهم، لا يعلم إلا ما علم، وكان زيد علم ذلك فكان يعيب على قريش، والأرض لا تخلو من قائم لله.
وقال السهيلي: إن قلت: كيف وفق الله زيدًا إلا ترك أكل ذلك وسيدنا أولى بالفضيلة في الجاهلية لما بينت من عصمته.
قلت: عنه جوابان:
أحدهما: أنه ليس في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أكل منها، وإنما فيه أن زيدا لما قدمت له أبى أن يأكل.
ثانيها: أن زيدًا إنما فعل ذلك برأي رآه لا بشرع متقدم، وإنما تقدم شرع إبراهيم بتحريم الميتة لا تحريم ما ذبح لغير الله، وإنما نزل بتحريم ذلك الإسلام، وبعض الأصوليين يقول: الأشياء قبل ورود الشرع على الإباحة، وإن قلنا بالوقف، وهو الأصح، فالذبائح لها أصل في كامل الشرع المتقدم كالشاة والبعير ونحو ذلك مما أحله الله في دين من كان قبلنا، ولم يقدح في التحليل المتقدم ما ابتدعوه حتى جاء الإسلام، وأنزل الله:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ألا ترى كيف بقيت ذبائح أهل الكتاب عندنا على أصل التحليل بالشرع المتقدم، ولم يقدح في التحليل ما أحدثوه من الكفر وعبادة الصلبان، فكذلك ما كان ذبحه أهل الأوثان محللا بالشرع المتقدم حتى خصه القرآن بالتحريم
(1)
.
ثالثها:
الموءودة التي كان زيد يمنع من وأدها، وفي مفعوله من وأده إذا
(1)
"الروض الأنف" 1/ 256 - 257.
أثقله وزعم أهل العرب أنهم كانوا يفعلون ذلك؛ غيرة على البنات، وهو الخوف خشية إملاق، وذكر النقاش في "تفسيره": أنهم كانوا يئدون من البنات من كان منهن زرقاء أو برشاء أو شيماء أو كشحاء؟ تشاؤمًا منهم بهذِه الصفات.
رابعها:
أنكر الداودي قوله عن عالم اليهود: (مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا)، وقال: لا أراه بمحفوظ، وإنما قال ذلك النصراني وحده، كذا ادعى.
والحنيف: المسلم، وأصله المائل إلى الإسلام.
قوله: (فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ) أي: صلحت للأزواج.
فائدة تتعلق يزيد بن عمرو بن نفيل:
روى الطبري من حديث فضيل، عن هشام بن سعيد بن زيد، عن أبيه، عن جده، وقال الزبير: ثنا عمر، عن الضحاك بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن سعيد بن زيد قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيد فقال: "غفر الله له ورحمه فإنه مات على دين إبراهيم".
وروى ابن سعد في "طبقاته":
عن عامر بن ربيعة، قال: قال زيد بن عمرو: يا عامر، إني قد خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل، وما كان يعبدانه، وكانوا يصلون إلى هذِه القبلة، وأنا أنتظر نبيًّا من ولد إسماعيل يبعث ولا أراني أدركه، وأنا أؤمن به وأصدقه، وأشهد أنه نبي وإن طالت بك مدة قرابته، فأقرئه مني السلام.
(زاد الطبراني)
(1)
: وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك، هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليس بفارق عليه، وخاتم النبوة بين كتفيه واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره، وإياك أن تخدع عنه، فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم فكل من أسال من اليهود والنصارى والمجوس يقولون: هذا الدين وراءك وينعته مثل نعتي لك، ويقولون: لم يبق نبي غيره. قال عامر: فلما أسلمت أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وأقرأته منه السلام فرد عليه السلام وترحم عليه، قال:"قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا"
(2)
.
(1)
هكذا في الأصل، والفقرة التالية بتمامها عند ابن سعد في "الطبقات".
(2)
"الطبقات الكبرى" 1/ 161، 162 من طريق الواقدي، عن علي بن عيسى الحكمي، عن أبيه، عن عامر، به، ومن طريق ابن سعد رواه الطبري في "التاريخ" 1/ 529.
25 - باب بُنْيَانُ الكَعْبَةِ
3829 -
حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا بُنِيَتِ الكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الحِجَارَةَ، فَقَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ يَقِيكَ مِنَ الحِجَارَةِ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ:«إِزَارِي إِزَارِي» . فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ. [انظر: 364 - مسلم: 340 - فتح: 7/ 145]
3830 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَا: لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ البَيْتِ حَائِطٌ، كَانُوا يُصَلُّونَ حَوْلَ البَيْتِ، حَتَّى كَانَ عُمَرُ، فَبَنَى حَوْلَهُ حَائِطًا. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: جَدْرُهُ قَصِيرٌ، فَبَنَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ. [فتح: 7/ 146]
ذكر فيه حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: لَمَّا بُنِيَتِ الكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الحِجَارَةَ .. الحديث، وقد سلف في باب التعري في الصلاة وغيرها.
وبنيان الكعبة كان عام خمس وعشرين من الفيل، قبل تنبؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر عاما؛ لأنه ولد في ربيع الأول من عام الفيل.
ومعنى (طمحت عيناه): ارتفعتا، وفي هذا العام تزوج خديجة، ولما بنوا الكعبة اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود مكانه، فحكموا أول طالع عليهم، فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أن يجعل في ثوب، وتأخذ كل قبيلة من قريش بناحية من الثوب، ثم أخذ الحجر فوضعه بيده
(1)
.
(1)
رواه أحمد 3/ 425، من طريق هلال بن خباب، عن مجاهد، عن مولاه، وقال الهيثمي في "المجمع" 3/ 292: فيه هلال بن خباب، وهو ثقة، وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح. وانظر:"مصنف عبد الرزاق" 5/ 98 - 100.
وذكر فيه أيضًا: حديث عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَا: لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ البَيْتِ حَائِطٌ، كَانُوا يُصلُّونَ حَوْلَ البَيْتِ حَتَّى كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه، فَبَنَى حَوْلَهُ حَائِطًا. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: جَدْرُهُ قَصِيرٌ، فَبَنَاهُ ابن الزُّبَيْرِ.
قلت: سببه أن النفقة قصرت بهم فتركوا من البيت مما يلي الحجر أذرعًا ورفعوا باب البيت ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، وقصرت نفقاتهم أن يجعلوا السقائف إلى حوله، وأن يردموه حتى يعلو فلا يصيبه السيل، وقاسوا فيما بين وضع المقام والبيت بحنوط جعلوها في الكعبة، وجعلوا المقام في حائط البيت.
26 - باب أَيَّامِ الجَاهِلِيَّةِ
3831 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -قَالَتْ: كَانَ عَاشُورَاءُ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لَا يَصُومُهُ. [انظر: 1592 - مسلم: 1125 - فتح: 7/ 147]
3832 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنَ الفُجُورِ فِي الأَرْضِ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَا الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ. قَالَ: فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ رَابِعَةً مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الحِلِّ؟ قَالَ:«الحِلُّ كُلُّهُ» . [انظر: 1085 - مسلم: 1240 - فتح: 7/ 147]
3833 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ سَيْلٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَكَسَا مَا بَيْنَ الجَبَلَيْنِ. قَالَ سُفْيَانُ: وَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَحَدِيثٌ لَهُ شَأْنٌ. [فتح: 7/ 147]
3834 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ بَيَانٍ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا: زَيْنَبُ، فَرَآهَا لَا تَكَلَّمُ، فَقَالَ: مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ؟ قَالُوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً. قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الجَاهِلِيَّةِ. فَتَكَلَّمَتْ، فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: امْرُؤٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ. قَالَتْ: أَيُّ المُهَاجِرِينَ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَتْ: مِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ؟ قَالَ: إِنَّكِ لَسَئُولٌ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ. قَالَتْ: مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الأَمْرِ الصَّالِحِ الذِي جَاءَ الله بِهِ بَعْدَ الجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ. قَالَتْ: وَمَا الأَئِمَّةُ؟ قَالَ: أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُءُوسٌ وَأَشْرَافٌ يَأْمُرُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَهُمْ أُولَئِكَ عَلَى النَّاسِ. [فتح: 7/ 147]
3835 -
حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي المَغْرَاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ لِبَعْضِ العَرَبِ، وَكَانَ لَهَا حِفْشٌ فِي المَسْجِدِ قَالَتْ: فَكَانَتْ تَأْتِينَا فَتَحَدَّثُ عِنْدَنَا، فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْ حَدِيثِهَا قَالَتْ:
وَيَوْمُ الوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا
…
أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الكُفْرِ أَنْجَانِي
فَلَمَّا أَكْثَرَتْ، قَالَتْ: لَهَا عَائِشَةُ: وَمَا يَوْمُ الوِشَاحِ؟ قَالَتْ: خَرَجَتْ جُوَيْرِيَةٌ لِبَعْضِ أَهْلِي، وَعَلَيْهَا وِشَاحٌ مِنْ أَدَمٍ فَسَقَطَ مِنْهَا، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِ الحُدَيَّا وَهْيَ تَحْسِبُهُ لَحْمًا، فَأَخَذَتْ فَاتَّهَمُونِي بِهِ فَعَذَّبُونِي، حَتَّى بَلَغَ مِنْ أَمْرِي أَنَّهُمْ طَلَبُوا فِي قُبُلِي، فَبَيْنَا هُمْ حَوْلِي وَأَنَا فِي كَرْبِي إِذْ أَقْبَلَتِ الحُدَيَّا حَتَّى وَازَتْ بِرُءُوسِنَا ثُمَّ أَلْقَتْهُ، فَأَخَذُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: هَذَا الذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ. [انظر: 439 - فتح: 7/ 148]
3836 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَلَا مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إِلاَّ بِاللهِ» . فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا، فَقَالَ:«لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» . [انظر: 2679 - مسلم: 1646 - فتح: 7/ 148]
3837 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ القَاسِمِ حَدَّثَهُ، أَنَّ القَاسِمَ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَىِ الجَنَازَةِ وَلَا يَقُومُ لَهَا، وَيُخْبِرُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَقُومُونَ لَهَا، يَقُولُونَ إِذَا رَأَوْهَا: كُنْتِ فِي أَهْلِكِ مَا أَنْتِ. مَرَّتَيْنِ. [فتح: 7/ 148]
3838 -
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ، فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. [انظر: 1684 - فتح: 7/ 148]
3839 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمْ يَحْيَى بْنُ المُهَلَّبِ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ {وَكَأْسًا دِهَاقًا (34)} [النبأ: 34] قَالَ: مَلأَى
مُتَتَابِعَةً. [فتح: 7/ 148]
3840 -
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِي الجَاهِلِيَّةِ: اسْقِنَا كَأْسًا دِهَاقًا. [فتح: 7/ 149]
3841 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلٌ وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ» . [6147، 6489 - مسلم: 2256 - فتح: 7/ 149]
3842 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -قَالَتْ: كَانَ لأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الغُلَامُ: تَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الكِهَانَةَ، إِلاَّ أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي، فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الذِي أَكَلْتَ مِنْهُ. فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيءٍ فِي بَطْنِهِ. [فتح: 7/ 149]
3843 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لُحُومَ الجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الحَبَلَةِ، قَالَ: وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ تَحْمِلَ التِي نُتِجَتْ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ. [انظر: 2143 - مسلم: 1514 - فتح: 7/ 149]
3844 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، قَالَ غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ: كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَيُحَدِّثُنَا عَنِ الأَنْصَارِ، وَكَانَ يَقُولُ لِي: فَعَلَ قَوْمُكَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَفَعَلَ قَوْمُكَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا. [انظر: 3776 - فتح: 7/ 149]
ذكر فيه أحاديث مجموعها ثلاثة عشر حديثا:
أحدها:
حديث عائشة رضي الله عنها في صوم يوم عاشوراء.
وقد سلف في بابه
(1)
.
ثانيها:
حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنَ الفُجُورِ فِي الأَرْضِ.
الحديث سلف في الحج
(2)
.
وقوله: (كَانُوا يُسَمُّونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا)، سلف أنه شق عليهم اجتماع ثلاثة أشهر متوالية حرم، ففصلوا بينها بأن جعلوا المحرم صفر بأن يقوم رجل إذا صدروا عن ميامن كنانة، فيقول: أنا الذي لا يرد قضاؤه، فيقولون: أنسئنا -أي: أخرنا- شهر الحرمة المحرم، واجعلها من صفر؛ لأن معايشهم كانت من الإغارة فيحل لهم في المحرم فأنزل الله تعالى:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37].
وقوله: (بَرَا الدَّبَرْ) يقال: برئت من المرض وبرأت، وهو هنا بفتح الراء كما ضبط، والدبر: جمع دبرة، معناه: إذا انصرفت الإبل عن الحج، وظهورها دبرة.
وقوله: (وَعَفَا الأَثَرْ) أي: درس يعني أثر الدبر، قاله الخطابي
(3)
، وقال الداودي: عما أثر الحجيج، وما ناله في حجه من التعب.
وقوله: (فَأَمَرَهُمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً) هو فسخ للحج،
(1)
سلف برقم (1893) كتاب الصوم.
(2)
سلف برقم (1564) باب: التمتع والإقران والإفراد بالحج.
(3)
"أعلام الحديث" 2/ 857.
وهو خاص بهم كما أسلفناه هناك، وعليه أكثر أهل العلم خلا أحمد وداود فإنهما أجازاه
(1)
.
الحديث الثالث:
حديث سَعِيدٍ بنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ سَيْلٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَكَسَا مَا بَيْنَ الجَبَلَيْنِ. قَالَ سُفْيَانُ: وَيَقُولُ: إِنَّ هذا الحَدِيثَ لَهُ شَأُنٌ.
وقوله: (فَكَسَا مَا بَيْنَ الجَبَلَيْنِ) أراد بالجبلين اللذين بجانب الوادي الذي فيه المسجد.
وقوله: (إِنَّ هذا الحدِيثَ لَهُ شَأْنٌ) هو ما جاء في رواية أخرى أن السيل كان يدخل المسجد فيثبت بموضع البيت قبل أن يبنى وهو ربوة، ولا يعلوه، وسيل الحرم (لا)
(2)
يخرج إلى الحل ولا يدخل سيل الحل الحرم ولما أراد تحديد الحرم دعا شيوخا كانوا يزعمون في الجاهلية فسألهم عن حدود الحرم فأخبروه فنصب تلك الأعلام، وإنما أخبروه بالأماكن التي يخرج إليها السيل.
الحديث الرابع:
حديث قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا: زينَبُ. فَرَآهَا لَا تَكَلَّمُ، [فَقَالَ: مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ؟]
(3)
قَالُوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً.
قوله: (مِنْ أَحْمَسَ) أي: من قوم أحمس.
(1)
انظر: "التمهيد" 23/ 358.
(2)
من هامش الأصل، وعليها: لعله سقط
(3)
ليست في الأصل، والمثبت من اليونينية.
ومعنا (مصمتة) ساكتة، يقال: أصمت إصماتا، وصمت صموتا وصماتا، والاسم: الصمت
(1)
.
وقوله: (أنا أبو بكر). فيه: تكنية المرء نفسه إذا كان لا يعرف إلا بذلك كما نبه عليه الداودي.
وقوله: (ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح) يعني: ما كانوا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم من الهدى وما بسط لهم من الدنيا، قال المغيرة: كنا في بلاء شديد نعبد الشجر والحجر، ونمص الجلد والنوى من الجوع، فبعث إلينا رب السموات رسولا منا من أنفسنا نعرف أباه وأمه، وأمرنا نبينا بعبادة الله وحده وترك ما يعبد آباؤنا، وذكر الحديث
(2)
، وما كانوا عليه في عهد أبي بكر رضي الله عنه من الأمر واجتماع الكلمة وأن لا يظلم أحد أحدا.
الحديث الخامس:
حديث عائشة رضي الله عنها في صاحبة الحفش، وقد سلف في المساجد
(3)
.
و (الحفش) البيت الرديء كما قال مالك
(4)
، أو الصغير كما قاله ابن فارس
(5)
، أو الصغير الخرب كما قاله ابن حبيب، أو البيت الذليل القريب السمك كما قاله الشافعي
(6)
، سمي بذلك لضيقه.
(1)
انظر "تهذيب اللغة" 2/ 2051.
(2)
رواه البيهقي في "السنن" 9/ 191.
(3)
سلف برقم (439).
(4)
"الموطأ" ص 369.
(5)
"مجمل اللغة" 1/ 244، مادة:(حفش).
(6)
"الأم" 5/ 213.
وقال أبو عبيد: الدرج سمي به لضيقه
(1)
.
و (الأدم) بفتح الهمزة والدال، جمع أديم، وهو الجلد.
وقوله: (إِذْ أَقْبَلَتِ الحُدَيَّا). قال ابن التين: صوابه الحدياة؛ لأنه تصغير حدأة
(2)
، قلت: وكذا سلف هناك إذ مرت الحدياة.
وقوله: (حَتَّى وَازَتْ بِرُءُوسِنَا)، أي: قابلتها.
الحديث السادس:
حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: "أَلَا مَنْ كانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إِلَّا بالله". فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا، فَقَالَ:"لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ".
سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في بابه.
الحديث السابع:
حديث القَاسِمِ أنه كَانَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الجَنَازَةِ وَلَا يَقُومُ لَهَا، وَيُخْبِرُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَقُومُونَ لَهَا، ويَقُولُونَ إِذَا رَأَوْهَا: كُنْتِ فِي أَهْلِكِ مَا أَنْتِ. مَرَّتَيْنِ.
أما القيام للجنازة فقد فعله الشارع، واختلف في نسخه، فقال مالك وأصحابه: هو منسوخ بجلوسه صلى الله عليه وسلم والمختار أنه باق، واختاره ابن الماجشون، قال: هو على التوسعة والقيام فيه أجر وحكمه باق.
وقال أبو حنيفة: إذا بعد منها لم يجلس حتى تحضر، يصلى عليها، وكان أبو مسعود البدري وسهل بن حنيف يقومان لها وأبو سعيد
(3)
.
(1)
انظر: "المنتقى" للباجي 4/ 146.
(2)
في الأصل: حدية.
(3)
انظر: "بداية المجتهد" 1/ 447، "النوادر والزيادات" 1/ 580، "التمهيد" 32/ 261 - 268.
وقد سلف أن جيم الجنازة مكسورة ومفتوحة قال ابن الأعرابي: هو بالكسر للميت وبالفتح للسرير، وعكسه غيره.
الحديث الثامن:
حديث عمرو بن مَيْمُونٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْع حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ، فَخَالَفَهُمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ قَبْلَ انْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
وقد سلف في الحج في باب: متى يدفع من جمع
(1)
.
ومعنى: (لا يفيضون): لا يدفعون.
و (جمع) المزدلفة.
و (تشرق) بفتح أوله وضم ثالثه، قال ابن التين: كذا ضبط والمعروف في المثل: أشرق ثبير كيما نغير، وهي إضاءة الشمس على ثبير.
الحديث التاسع:
حديث عِكْرِمَةَ {وَكَأْسًا دِهَاقًا (34)} [النبأ: 34] قَالَ: مَلأى مُتَتَابِعَةً.
قال: وقال ابن عباس: سمعت أبي يقول في الجاهلية: اسقنا كأسًا دهاقا.
فيه: الاحتجاج في التفسير بقولهم؛ لأنه نزل بلغتهم.
الحديث العاشر:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَصْدَقُ كلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شيء مَا خَلَا الله بَاطِلٌ. وَكادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ".
(1)
سلف برقم (1684).
يروكا أن بعض الكفار أنشد هذا البيت، فقال له بعض الصحابة: صدق، ثم قال:
وكل نعيم لا محالة زائل
فلطمه الكافر حتى احمرت عينه، ثم عاد القول فعاد له وقال: عيني الأخرى إلى أن يلطمها أحوج مني التي لطمت، وأراد أن يؤذى في الله
(1)
.
وفي "الصحابة" للذهبي: لبيد بن ربيعة بن عامر المعافري ثم الجعفري أبو عقيل الشاعر المشهور، قدم في بني جعفر بن كلاب فأسلم وحسن إسلامه، ولم يقل سوءا منذ أسلم مات عام الجماعة
(2)
.
الحديث الحادي عشر:
حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ لأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ الصديق، فأخبر أنه من كهانة وأنه لا يحسنها وإنما خدعة، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَكُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ.
فيه: مخارجة العبد، وأكله من كسب عبده؛ لأنه من عمل يده، وقد صح:"أطيب ما أكل المؤمن من عمل يده"
(3)
وقد يكون ثمن العبد من عمل يد أبي بكر رضي الله عنه.
(1)
رواه بمعناه الطبراني في "الكبير" 9/ 34 - 37. وروي أنه كان عثمان بن مظعون رضي الله عنه.
(2)
في هامش الأصل: (تكملة كلامه: بالكوفة وله مائة وخمسون سنة). وورد في هامش الأصل أيضًا: يأتي فائدتان متعلقتان بهذا الحديث قريبا، فانظرهما.
(3)
رواه النسائي 7/ 241، وابن ماجه (2137)، وأحمد 6/ 42، من حديث عائشة، بلفظ:"إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه" ..
وذكر أبو الثناء وغيره أن أبا بكر أول من قاء من الشبهات فإنه لما أخبره بما ذكره استقاءه.
قال ابن التين: والله تعالى قد وضع ما كان في الجاهلية، ولو كان في الإسلام مثل ما أكل أو قيمته إن لم يكن مما يقضى فيه بالمثل، ولا يزيل عنه العادة ما يلزمه من ذلك.
فائدتان متعلقتان بالحديث الذي قبله أخرتهما اتفاقا.
الأولى: اسم أبي الصلت هذا: ربيعة بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن منبه (بن)
(1)
ثقيف، قال المرزباني: ويقال: اسم أبي الصلت عبد الله بن ربيعة، ويقال: هو أمية بن أبي الصلت بن وهب بن علاج بن أبي سلمة، وكنية أمية هو أبو عثمان، ويقال: أبو القاسم.
قال الكلاباذي: كان يهوديا مات في حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف، وقال أبو الفتح في "مبهجه": هو تحقير أمة وهو عندنا فِعْلة؛ لأنها أوقاتا تدل على أنها فعلة فيكسرهم إياهم على أفعل، وهي أم. قال: والصلت البارز المشهور، وذكر الثعلبي أنه كان في ابتداء أمره قد قرأ الكتب يزعم أن الله يرسل رسولا في ذلك الوقت، فرجا أن يكون هو، فلما أُرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم حسده، فلما مات أتت أخته فارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن وفاة أخيها فقالت: بينا هو راقد أتاه اثنان فنشط سقف البيت ونزل فقعد أحدهما عند رجليه والآخر عند رأسه أوعى؟ قال: أوعى، فسألته عن ذلك فقال: خيرا زيدي، ثم صرف عني، ثم غشي عليه فأفاق فقال:
كلُّ عيشٍ وإن تطاول دهرًا
…
سائر مرةً إلى أن يزولا
(1)
في الأصل: هو، والمثبت من مصادر التخريج.
لَيتَني كُنتُ قَبلَ ما بَدا لي
…
في رُءوسِ الجِبالِ أَرعى الوعولا
مع أن يوم الحساب يوم عظيم
…
يشاب فيه الصغير يوما ثقيلا
فقال صلى الله عليه وسلم: "أنشديني من شعره" فقالت:
لك الفضل والنعماء ربنا
…
ولا شيء أعلى منك مجدًا وأمجد
مليك على عرش السماء مهيمن
…
لعزته تعنو الوجوه وتسجد
.. القصيدة.
ثم أنشدته:
عِندَ ذِي العَرضِ يُعرَضونَ عَليهِ
…
يَعلَمُ الجَهرَ وَالسر الخَفِيّا
يَومَ يَأتي الرحمن وَهوَ رَحيمٌ
…
إِنَهُ كانَ وَعدُهُ مَأتِيّا
يَومَ يَأتيهِ مِثلَما قالَ فَردًا
…
لا بد راشِدًا أوْ غَوِيّا
أَسَعيدٌ إسعادة إنا نَرجو
…
أَم مُهانٌ بِما أكسبت شَقيّا
فقال صلى الله عليه وسلم: "آمن في شعره، وكفر قلبه"
(1)
، ونزلت:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} الآية [الأعراف: 175].
الثانية: تصديقه صلى الله عليه وسلم لبيد في قوله: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. كيف يجمع بينه وبين قول صلى الله عليه وسلم في مناجاته "أنت الحق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، ولقاؤك حق"
(2)
، وعنه جوابان ذكرهما السهيلي:
(1)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 9/ 271 - 272، من حديث ابن عباس، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(1546).
(2)
سلف برقم (1120) كتاب: التهجد، باب: التهجد بالليل، من حديث ابن عباس، ورواه مسلم (769) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل ..
أحدهما: أن يريد بقوله (ما خلا الله): ما عداه، وعدا رحمته الذي وعد بها فإن وعده حق، وما عدا عقابه الذي توعد به، والباطل ما سواه، والجنة وما وعد به من رحمته، والنار وما وعد به من عقابه، وما سوى هذا باطل أي: مضمحل.
والثاني: أن الجنة والنار وإن كانتا حقا، فإن الزوال عليهما جائز لذاتهما، فإنهما يبقيان بإبقاء الله لهما، وأنه خلق الدوام لأهلهما على قول من جعل البقاء والدوام معنى زائد على الذات، وهو قول الأشعري.
وإنما الحق على الحقيقة من لا يجوز عليه الزوال، وهو القديم الذي انعدامه محال، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"أنت الحق" معرفًا أي: المستحق لهذا الاسم حقيقة.
"وقولك الحق"؛ لأن قوله قديم وليس بمخلوق فيبيد، "ووعدك الحق" كذلك؛ لأن وعده كلامه وهذا مقتضى الألف واللام.
ثم قال: "الجنة حق، والنار حق" بغير ألف ولام، "ولقاؤك" كذلك؛ لأن هذِه أمور محدثات، والمحدث لا يجب له البقاء من جهة ذاته، وإنما علمنا بقاءهما من جهة استحالة الفناء عليهما، كما يستحيل على القديم سبحانه الذي هو الحق، وما خلاه باطل؛ لأنه إما جوهر أو عرض، وليس في الأعراض إلا ما يجب له الفناء ولا في الجواهر إلا ما يجب عليه الفناء والبطول فإن بقي ولم يبطل فجائز أن يبطل، والحق سبحانه [ليس من]
(1)
قبيل الجواهر والأعراض، فاستحال عليه ما يجب لهما أو يجوز لهما
(2)
.
(1)
غير واضحة في الأصل وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(2)
"الروض الأنف" 2/ 126 - 127. =
الحديث الثاني عشر:
حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لُحُومَ الجَزُورِ إلى حَبَلِ الحَبَلَةِ.
وقد سلف في البيوع بتفسيره
(1)
.
الحديث الثالث عشر:
حديث غَيْلَان بْن جَرِيرٍ: كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَيُحَدِّثُنَا عَنِ الأَنْصَارِ، وَكَانَ يَقُولُ لِي: فَعَلَ قَوْمُكَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَفَعَلَ قَوْمُكَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا.
هذا الحديث سلف في أول مناقب الأنصار
(2)
، وغيلان هو اسم معولي، ومعول وحدان وبجر وزياد أولاد شمس بن عمرو بن غنم بن غالب بن عثمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن الأزد.
قال ابن سعد: وغيلان هذا العتكي عتيق بن الأزد بن عمرو مزيقيا، مات سنة تسع وعشرين ومائة وهو تابعي.
وفيه: التحديث بما وقع في الجاهيلة طبق ما ترجم له.
= وقد تقدم الكلام على أنه لا يصح إطلاق لفظ "القديم" عليه سبحانه، كما مر الكلام على مسألة الجوهر والعرض، وسيأتي أيضاً مع التعليق عليه في كتاب التوحيد، آخر هذا الشرح.
(1)
سلف برقم (2143) باب بيع الغرر وحبل الحبلة.
(2)
سلف برقم (776)
27 - (باب)
(1)
القَسَامَةُ فِي الجَاهِلِيَّةِ
3845 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا قَطَنٌ أَبُو الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ قَسَامَةٍ كَانَتْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ لَفِينَا بَنِى هَاشِمٍ، كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى هَاشِمٍ، اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ فَخِذٍ أُخْرَى، فَانْطَلَقَ مَعَهُ فِى إِبِلِهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ مِنْ بَنِى هَاشِمٍ قَدِ انْقَطَعَتْ عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ، فَقَالَ: أَغِثْنِى بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي، لَا تَنْفِرُ الإِبِلُ. فَأَعْطَاهُ عِقَالاً، فَشَدَّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِهِ، فَلَمَّا نَزَلُوا عُقِلَتِ الإِبِلُ إِلاَّ بَعِيرًا وَاحِدًا، فَقَالَ الَّذِى اسْتَأْجَرَهُ: مَا شَأْنُ هَذَا الْبَعِيرِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَيْنِ الإِبِلِ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ. قَالَ: فَأَيْنَ عِقَالُهُ؟ قَالَ: فَحَذَفَهُ بِعَصًا كَانَ فِيهَا أَجَلُهُ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ الْمَوْسِمَ؟ قَالَ: مَا أَشْهَدُ، وَرُبَّمَا شَهِدْتُهُ. قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُبْلِغٌ عَنِّي رِسَالَةً مَرَّةً مِنَ الدَّهْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكُنْتَ إِذَا أَنْتَ شَهِدْتَ الْمَوْسِمَ، فَنَادِ: يَا آلَ قُرَيْشٍ. فَإِذَا أَجَابُوكَ، فَنَادِ: يَا آلَ بَنِى هَاشِمٍ. فَإِنْ أَجَابُوكَ فَسَلْ عَنْ أَبِى طَالِبٍ، فَأَخْبِرْهُ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي فِى عِقَالٍ، وَمَاتَ الْمُسْتَأْجَرُ، فَلَمَّا قَدِمَ الَّذِى اسْتَأْجَرَهُ أَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ صَاحِبُنَا؟ قَالَ: مَرِضَ، فَأَحْسَنْتُ الْقِيَامَ عَلَيْهِ، فَوَلِيتُ دَفْنَهُ. قَالَ: قَدْ كَانَ أَهْلَ ذَاكَ مِنْكَ. فَمَكُثَ حِينًا، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِى أَوْصَى إِلَيْهِ أَنْ يُبْلِغَ عَنْهُ وَافَى الْمَوْسِمَ، فَقَالَ: يَا آلَ قُرَيْشٍ. قَالُوا: هَذِهِ قُرَيْشٌ. قَالَ: يَا آلَ بَنِي هَاشِمٍ. قَالُوا: هَذِهِ بَنُو هَاشِمٍ. قَالَ: أَيْنَ أَبُو طَالِبٍ؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو طَالِبٍ. قَالَ: أَمَرَنِي فُلَانٌ أَنْ أُبْلِغَكَ رِسَالَةً أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ فِى عِقَالٍ. فَأَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ: اخْتَرْ مِنَّا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَدِّيَ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، فَإِنَّكَ قَتَلْتَ صَاحِبَنَا، وَإِنْ شِئْتَ حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِكَ أَنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ، فَإِنْ أَبَيْتَ قَتَلْنَاكَ بِهِ. فَأَتَى قَوْمَهُ، فَقَالُوا: نَحْلِفُ. فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِى هَاشِمٍ كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا طَالِبٍ أُحِبُّ أَنْ تُجِيزَ ابْنِي هَذَا بِرَجُلٍ مِنَ الْخَمْسِينَ، وَلَا تَصْبُرْ يَمِينَهُ حَيْثُ تُصْبَرُ الأَيْمَانُ. فَفَعَلَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ
(1)
لم تثبت في الأصل، وإنما أثبتها في الهامش، مشيرًا أنها في نسخة.
فَقَالَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَرَدْتَ خَمْسِينَ رَجُلاً أَنْ يَحْلِفُوا مَكَانَ مِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ، يُصِيبُ كُلَّ رَجُلٍ بَعِيرَانِ، هَذَانِ بَعِيرَانِ، فَاقْبَلْهُمَا عَنِّي وَلَا تَصْبُرْ يَمِينِي حَيْثُ تُصْبِرُ الأَيْمَانُ. فَقَبِلَهُمَا، وَجَاءَ ثَمَانِيةٌ وَأَرْبَعُونَ فَحَلَفُوا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنَ الثَّمَانِيَةِ وَأَرْبَعِينَ عَيْنٌ تَطْرِفُ. [فتح: 7/ 155]
3846 -
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وَقُتِّلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا، قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِى دُخُولِهِمْ فِى الإِسْلَامِ. [انظر: 3777 - فتح: 7/ 156]
3847 -
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، أَنَّ كُرَيْبًا - مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَيْسَ السَّعْيُ بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سُنَّةً، إِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْعَوْنَهَا وَيَقُولُونَ: لَا نُجِيزُ الْبَطْحَاءَ إِلاَّ شَدًّا. [فتح: 7/ 156]
3848 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا مُطَرِّفٌ، سَمِعْتُ أَبَا السَّفَرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا مِنِّي مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَأَسْمِعُونِي مَا تَقُولُونَ، وَلَا تَذْهَبُوا فَتَقُولُوا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ، وَلَا تَقُولُوا الْحَطِيمُ. فَإِنَّ الرَّجُلَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَحْلِفُ فَيُلْقِي سَوْطَهُ أَوْ نَعْلَهُ أَوْ قَوْسَهُ. [فتح: 7/ 156]
3849 -
حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ قَدْ زَنَتْ، فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ. [فتح: 7/ 156]
3850 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: خِلَالٌ مِنْ خِلَالِ الْجَاهِلِيَّةِ: الطَّعْنُ فِى الأَنْسَابِ، وَالنِّيَاحَةُ. وَنَسِيَ الثَّالِثَةَ، قَالَ سُفْيَانُ: وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا الاِسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ. [فتح: 7/ 156]
القسامة: بفتح القاف - اسم للأيمان، وقيل: للأولياء، وهي من الأمور التي كانت في الجاهلية وأقرت في الإِسلام. واختلف في أول من سن الدية مائة من الإبل على أقوال:
أحدها: عبد المطلب. ذكره ابن إسحاق
(1)
.
ثانيها: أبو سيارة، قاله أبو الفرج الأصبهاني.
ثالثها: القلمس.
رابعها: ذكر الزبير عن المستهل بن الكميت بن زيد، عن أبيه أنه قال: قتل النضر بن كنانة بن خزيمة أخاه لأبيه فوداه مائة من الإبل من ماله فهو أول من سنها، ذكر عن الكميت الأسدي ليزيد في ذلك شعرا دالا على ذلك.
خامسها: قال الكلبي في "الجمهرة": وثب ابن كنانة على علي بن مسعود فقتله فوداه خزيمة مائة، فهو أول دية كانت في العرب.
سادسها: وقال في كتاب "الجامع لأنساب العرب": قتل معاوية بن بكر بن هوازن أخاه زيدا فوداه عامر بن الضرب مائة من الإبل، فهي أول دية كانت في العرب مائة لعظم الإبل عندهم وليتناهوا عن الدماء.
وفي "الجمهرة" لابن حزم: تقول العرب أن لقمان كان جعل الدية أولاً مائة جدي
(2)
. وجزمت في "شرح المنهاج" بأن أول من قضى بها الوليد بن المغيرة في الجاهلية، وذكر الزبير أن عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف، كان أجيرا لخداش بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، خرج معه إلى الشام، ففقد
(1)
"سيرة ابن إسحاق " ص 15 - 17.
(2)
"جمهرة أنساب العرب" ص 264.
خداش حبلا فذكر أنه أعطاه رجلا يعقل به جمله، فضرب خداش عَمرًا بعصاه (فرقى)
(1)
في ضربته فمرض منها فكتب إلى أبي طالب يخبره، ومات منها وفي ذلك يقول أبو طالب:
أفي فضل حبل لا أبا لك ضربه
…
بمنسأة قدجاء حبل وأحبل
فتحاكموا إلى الوليد بن المغيرة فقضى أن يحلف خمسون رجلا من بني عامر بن لؤي عند البيت ما قتله خداش، حلفوا إلا حويطب بن عبد العزى فإن أمه افتدت يمينه، فيقال: ما حال الحول حتى ماتوا كلهم إلا حويطبا، وأم حويطب: زينب بنت علقمة من بني معيص بن عامر بن لؤي.
ثم ساق البخاري في الباب أحاديث:
أحدها:
عن أبي مَعْمَرٍ، ثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، ثَنَا قَطَنٌ -هو ابن كعب القطعي البصري من أفراده- ثَنَا أَبُو يَزِيدَ المَدَنِيُّ -ولا يعرف اسمه وهو من أفراده، وليس له عنده سواه وأهل البصرة يروون عنه ولا يعرف بالبصرة وهو ثقة- عن عكرمة -وهو من أفراده أيضًا وإن أخرج له مسلم مقرونا- عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ قَسَامَةٍ كَانَتْ في الجَاهِلِيَّةِ لَفِينَا بَنِي هَاشِمٍ، اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ فَخِذٍ أُخْرى، فَانْطَلَقَ مَعَهُ في إِبِلِهِ، فعضد الحبل، وإنه حذفه بعصا، كان فيه أجله وانه أمر رجلا من أهل اليمن بإبلاع ذلك في الموسم أبا طالب فخيره بين ثلاث: من أن يفديه بمائة من الإبل، وبين حلف خمسين من قومه أنه لم يقتله وإلا قتلناك به وحلف ثمانية وأربعون،
(1)
هكذا في الأصل، وفي "نسب قريش" للزبيري ص 424:(فنزي). أي نزف.
وفدا وأخذ يمينه ببعيرين، وجاءت امرأة فقالت له: يا أبا طالب، أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان فقبل، قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية وأربعين عين تطرف.
والكلام عليه من وجوه:
أحدها:
قوله: (لفينا) يعني: الحكم بها، وفيه دلالة كما قال الداودي أنهم كانوا يعرفونها لأنه لم يذكر أنهم تشاوروا ولا تدافعوا.
قلت: وهو ذاك أيضا أن الدية لم تزل مائة من الإبل. وقوله: (لبني هاشم) إنما كانت في بني المطلب كما هو في الحديث لكنهما شيء واحد في الجاهلية والإِسلام، فلذلك قال ذلك.
والفخذ: بكسر الخاء وإسكانها قال ابن فارس: بسكون الخاء دون القبيلة وفوق البطن
(1)
.
ثانيها:
قوله (فقال أبو طالب: اختر منا إحدى ثلاث .. ) إلى آخره.
فيه: البداءة بالمدعى عليه كسائر الحقوق، وهذا مذهب أبي حنيفة، واتفق هو والشافعي على القول بها مع الوقت وإن كانا مختلفين في صفته.
واختلفوا أيضا هل يقتل بها فقال مالك: نعم، وقال الشافعي: لا بل يوجب الدية وقيل: يبدأ المدعون على كل حال.
(1)
"مجمل اللغة" 2/ 714 مادة: [فخذ].
ثالثها:
الجوالق: بضم الجيم وفتح اللام وكسرها فارسي معرب وأصله بالفارسية: كوالة، وجمع جوالق بفتح الجيم كما قال أبو منصور
(1)
، وهو من نادر الجمع.
قلت: الذي في "كتاب سيبويه": جواليق بزيادة ياء قال: ولم يقولوا: جوالقات. استغنوا عنه بجواليق
(2)
.
وقولها: (أحب أن تجيز ابني برجل). أي: تسقط عنه اليمين وتعفو عنه، ومعنى (لا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان) أصل الصبر في اللغة: الحبس، وصبرت الرجل إذا حلفته بأجهد اليمين.
وقيل: الصبر في الأيمان الإيجاب والإلزام حتى لا يسعه إلا بحلف و (حيث تصبر الأيمان): هو بين الركن والمقام، ومن هذا استدل الشافعي على أنه لا يحلف بين الركن والمقام على أقل من عشرين دينارا وهو ما تجب فيه الزكاة.
رابعها:
قوله: (ما حال الحول .. ) إلا آخره لعل ابن عباس أخبره بهذا جماعة، فتصور في نفسه ذلك فحلف عليه، ولأن الظاهر أن عمره لم يبلغ أن يكون حينئذ قد عقل.
وقوله: (عين تطرف) الطرف تحريك الجفن في النظر، وقيل: طرف بعينه إذا نظر بطرفة بعد طرفة، وفيه: الأخذ باليمين الكاذبة وإن اليمين في الحرم تهلك كاذبها.
(1)
"تهذيب اللغة " 1/ 639 مادة [جلق].
(2)
"الكتاب" لسيبويه 3/ 615.
الحديث الثاني:
حديث عائشة رضي الله عنها: كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولِهِ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وَقُتِّلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا، قَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولِهِ فِي دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلَامِ.
تقدم في مناقب الأنصار
(1)
.
الحديث الثالث:
وَقَالَ ابن وَهْبٍ: أنَا عَمْروٌ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، أَنَّ كُرَيْبًا -مَوْلَى ابن عَبَّاس- حدثه: قَالَ: [لَيْسَ]
(2)
السَّعْيُ بِبَطْنِ الوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سُنَّةً، إِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَسْعَوْنَهَا وَيَقُولُونَ: لَا نجِوز البَطْحَاءَ إِلَّا شَدًّا.
خولف فيه من الوجهين كما نبه عليه أيضا ابن التين، ولعله أراد السعي الشديد، وقد سلف أصله من فعل هاجر، وهو أحد أركان الحج والعمرة عند الشافعي
(3)
، ومعنى (لا نجيز البطحاء): لا نخلفها يقال: جزت الموضع: سرت فيه، وأجزته: خلفته، وقطعته، وقيل: بل أجزته بمعنى: جزته.
الحديث الرابع:
حديث أبي السفر سعيد بن محمَّد -وقيل: ابن أحمد- الهمداني الثوري الكوفي: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا مِنِّي مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَأَسْمِعُونِي مَا تَقُولُونَ، وَلَا تَذْهَبُوا
(1)
سلف برقم (3777).
(2)
ساقطة من الأصل، وأثبتناها من "صحيح البخاري".
(3)
انظر "مغني المحتاج" 1/ 513.
فَتَقُولُوا: قَالَ ابن عَبَّاسٍ. مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءِ الحِجْرِ، وَلَا تَقُولُوا: الحَطِيمُ. فَإِنَّ الرَّجُلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَحْلِفُ فَيُلْقِي سَوْطَهُ أَوْ نَعْلَهُ أَوْ قَوْسَهُ.
معنى: (اسمعوا مني) إلى آخره. أي: اعتمدوا على قولي إن كنتم حفظتموه، والطواف من رواء الحجر هو المشروع، فلو تجنب القدر الوارد في الحديث ودخل من إحدى الفتحتين، وخرج من أخرى لم يصح على المختار.
الحديث الخامس:
حديث نعيم بن حماد، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ وقَدْ زَنَتْ، فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ.
حديث عمرو هذا رويناه مطولا من حديث عيسى بن حطان: سمعت قاضي مكة ومرة البكالي يسألان عمرو بن ميمون الأودي: ما أعجب ما رأيت في الجاهلية؟ قال: كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرف فجاء قرد معه قردة فتوسد يدها، فوضع خده فوق يدها فنام، قال: فرأيت قردًا أصغر منه جاء يمشي خفيا حتى غمز القردة بيده، ثم ولا ذاهبا قال: فَسَلَّتْ يدها من تحت خده سَلاًّ رفيقًا، ووضعت خده بالأرض، ثم تبعته قال: فوقع عليها وأنا انظر إليه، ثم رجعت فجعلت تدخل يدها من تحت خده إدخالا رفيقا، فاستيقظ فزعا مذعورا، فأطاف بها يشمها، ثم شم حياها فصاح صيحة شديدة، فجعلت القرود تجيء يمنة ويسرة، ومن بين يديه ومن خلفه قال: فجعل يصيح ويومئ إليها بيده، ثم سكت فذهبت القرود يمنة ويسرة،
ومن بين يديه، ومن خلفه، فما لبثنا أن جاءوا به بعينه أعرفه فحفروا لهما حفرة فرجموهما، ولقد رأيت الرجم في غير بني آدم قبل أن أراه في بني آدم
(1)
.
(1)
فائدة هامة:
اعترض على قصة عمرو هذِه في رجم القردة من وجهين -كما حكاه الحافظ في "الفتح" 7/ 160 - 161: الأول: استنكر ابن عبد البر القصة، وقال: فيها إضافة الزنا إلى غير مكلف وإقامة الحد على البهائم، وهذا منكر عند أهل العلم. هذا شق، أما الشق الآخر: كان ابن عبد البر قد ذكره مطولًا -مشيرًا إلى ضعفه- من حديث عيسى بن حطان -كما ذكر المصنف هنا- ثم قال: إن كانت الطريق صحيحة فلعل هؤلاء كانوا من الجن؛ لأنهم من جملة المكلفين. "الاستيعاب" 3/ 282 (1982).
وأجيب -كما قال ابن حجر: إنه لا يلزم من كون صورة الواقعة صورة الزنا الواقعة والرجم أن يكون ذلك زنا حقيقة ولا حدًّا، وإن أطلق ذلك عليه لشبهه به، فلا يستلزم ذلك إيقاع التكليف على الحيوان.
وقال ابن قتيبة أيضًا: ولعل الشيخ عرف أنها زنت بوجه من الدلائل لا نعلمه، فإن القرود أزنى البهائم، والعرب تضرب بها المثل، فتقول: أزنا من قرد. ولولا أن الزنا منه معروف، ما ضربت به المثل، وليس شيء أشبه بالإنسان في الزواج والغيرة منه. "تأويل مختلف الحديث" ص 372 - 373.
هذا عن الشق الأول، أما الآخر فأجاب ابن حجر قائلاً: والطريق التي أخرجها البخاري -يعني حديث الباب- دافعة لتضعيف ابن عبد البر لطريق عيسى بن حطان، والتي أخرجها الإسماعيلي.
الوجه الثاني: زعم الحميدي في "جمعه" 3/ 490 أن الحديث في بعض النسخ لا في كلها، ولعله من الأحاديث المقحمة في كتاب البخاري
…
إلى آخر كلامه!! وأجاب ابن حجر عن ذلك فقال: قوله مردود فالحديث المذكور في معظم الأصول التي وقفنا عليها. وأخذ يبني ذلك إلا أن قال: أما تجويزه أن يزاد في "صحيح البخاري" ما ليس منه فهذا ينافي ما عليه العلماء من الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخاري
…
وقد أطنبنا في هذا الموضع لئلا يغتر ضعيف بكلام الحميدي فيعتمده، وهو ظاهر الفساد. قال: وقد ذكر ابن المثنى في "كتاب الخيل" أن مهرًا أُنزي على =
قال ابن التين: إنها تعقل إلا أنها لا تكلف، ويحتمل أن هذه من نسل الذين مسخوا، فنقبت فيهم تلك الفترة لعلها شريعة نبي، وقيل: المسوخ لا ينسلون
(1)
.
الحديث السادس:
حديث عبيد الله سَمِعَ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خِلَالٌ مِنْ خِلَالِ الجَاهِلِيَّةِ: الطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالنِّيَاحَةُ. وَنَسِيَ الثَّالِثَةَ، قَالَ سُفْيَانُ -أحد رواته- وَيقُولُونَ: إِنَّهَا الاسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ.
معنى خلال: أي خصال. و (الاستسقاء بالأنواء) هو قولهم: مطرنا بنوءكذا.
= أمه فامتنع، فأدخلت في بيت وجللت بكساء وأنزي عليها فنزى، فلما شم ريح أمه عمد إلا ذكره فقطعه بأسنانه من أصله. فإذا كان هذا الفهم من الخيل مع كونها أبعد في الفطنة من القرد فجوازها في القرد أولى!
(1)
في هامش الأصل: في "صحيح مسلم" من حديث ابن مسعود: "إن الله لم يمسخ شيئاً فيجعل له نسلا". اهـ[قلت: الحديث رواه مسلم برقم (2663)، والقول بأن الممسوخ لا ينسل، حكاه الحافظ في "الفتح" 7/ 160 عن ابن التين أيضًا ثم قال: وهذا هو المعتمد].
28 - باب مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
-
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَىِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَىِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.
3851 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَمَكَثَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَكَثَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ تُوُفِّىَ صلى الله عليه وسلم[3902، 3903، 4456، 4979 - مسلم: 2351 - فتح: 7/ 162]
وهذا النسب سقناه في أول هذا الشرح وتكلمنا على ألفاظه وضبطه هناك فسارع إليه، وأنه لا يصح بعد هذا إلى آدم طريق، وذكرنا أمثل ما فيه وأشهره مبسوطا، وأصحابه العشرة مجتمعون في عبد مناف
(1)
، وعلي ابن عمه، والزبير في قصي، وطلحة في مرة، وعمر وسعيد في كعب، وعثمان في عبد مناف، والزبير في قصي، وسعد في كلاب، وكذا عبد الرحمن وأبو عبيدة في فهر.
أمه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، وذكر الزبير بن بكار وغيره أن كنانة بن خزيمة تزوج مرة بنت مرٍّ فخلف عليها
(1)
ورد في هامش الأصل تعليق بمقدار سطر، لكنه غير مقروء، ثم بعده تعليق آخر نصه: علي في عبد المطلب وعثمان في عبد مناف، وأبو بكر في مرة بن كعب، وعمر في كعب بن لؤي، وطلحة في مرة بن كعب، والزبير في قصي، وسعد في كلاب بن مرة وسعيد في كعب بن لؤي، وعبد الرحمن بن عوف في كلاب بن مرة، وأبو عبيدة في
…
بعد أبيه خزيمة، علا ما كانت العرب تفعله في الجاهلية إذا مات الرجل خلف على زوجته بعده أكبر بنيه من غيرها، وأفاد الجاحظ في كتاب "الأصنام" أنها مرة بنت أد بن طابخة ولم تلد لكنانة ذكرا ولا أنثى، ولكن كانت ابنة أخيها وهي مرة بن مر بن أد بن طابخة عند كنانة بن خزيمة، فولدت له النضر بن كنانة فغلط في ذلك من غلط لاتفاق الاسمين وتقارب النسبين، فاستفد ذلك.
ثم ساق البخاري حديث عكرمة عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:
أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهْوَ ابن أَرْبَعِينَ، فَمَكَثَ [ثلاث عشرة سنة، ثم أمر بالهجرة، فهاجر إلى المدينة، فمكث]
(1)
بِهَا عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم.
أما قدر إقامته بالمدينة فلم يختلف فيه أنها عشر، وإنما اختلف في عمره عندما نزل عليه هل هو أربعون أو اثنان وأربعون؟ وهل أقام بمكة عشرًا أو ثلاث عشرة؟ قال جماعة من العلماء: وابن عباس أخذ ما ذكره من قول صرمة:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة
…
يُذَكِّرُ لو يلقى صديقًا مواتيًا
(2)
وفي حديث أبي سلمة عنه وعن عائشة عند البخاري قالا: لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه
(3)
، وفي رواية جابر وأنس، وجمع ابن عبد البر بين الروايتين بأنه صلى الله عليه وسلم لما أوحي إليه أسر أمره ثلاث سنين من مبعثه ثم أمر بإظهاره
(4)
.
(1)
ما بين المعقوفين لعله سقط من الأصل سهوًا، والمثبت من "اليونينية"؛ ليستقيم السياق.
(2)
انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 133.
(3)
سيأتي برقم (4465) كتاب المغازي، باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
"التمهيد" 3/ 16 - 17.
قيل: إنه ابتدئ بالرؤية الصادقة ستة أشهر، وأن الوحي فتر عنه سنتان ونصف، فصار ثلاث سنين، فمن عَدَّ من المبعث قال: ثلاث عشرة، ومن عَدَّ من حين مجيء الوحي قال: عشرًا.
وقال الشعبي: إن إسرافيل وكل به ثلاث سنين من غير نزول قرآن على لسانه، فمن عد من حين نزول جبريل قال: عشر
(1)
. وفي رواية عمار بن أبي عمار عن ابن عباس- عند ابن سعد- أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة، سبع سنين يرى الضوء ويسمع الصوت، وثمان سنين يوحى إليه
(2)
، وكذا ذكره الحسن.
وعن ابن جبير عن ابن عباس: نزل عليه القرآن بمكة عشرًا أو خمسا -يعني سنين- أو أكثر. وعن الحسن أيضاً أنزل عليه ثمان سنين بمكة قبل الهجرة وعشر سنين بالمدينة، وراجع ما ذكرته في الحديث الرابع من باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
تجد ما يشفي الغليل.
(1)
"الاستيعاب" 1/ 140.
(2)
"الطبقات الكبرى" 1/ 224.
(3)
سلف برقم (3545).
29 - باب مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ
3852 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا بَيَانٌ وَإِسْمَاعِيلُ قَالَا: سَمِعْنَا قَيْسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ خَبَّابًا يَقُولُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، وَهْوَ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلْتُ: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ؟ فَقَعَدَ وَهْوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ، فَقَالَ:«لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ» . زَادَ بَيَانٌ وَ"الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ". [انظر: 3612 - فتح: 7/ 164]
3853 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه قَالَ: قَرَأَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم النَّجْمَ فَسَجَدَ، فَمَا بَقِىَ أَحَدٌ إِلاَّ سَجَدَ، إِلاَّ رَجُلٌ رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًا، فَرَفَعَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا يَكْفِينِي. فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا بِاللَّهِ. [انظر: 1067 - مسلم: 576 - فتح: 7/ 164]
3854 -
حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِى مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام فَأَخَذَتْهُ مِنْ ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ - أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ» . شُعْبَةُ الشَّاكُّ - فَرَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُلْقُوا فِى بِئْرٍ غَيْرَ أُمَيَّةَ - أَوْ أُبَيٍّ - تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ، فَلَمْ يُلْقَ فِى الْبِئْرِ. [انظر: 240 - مسلم: 1794 - فتح: 7/ 165]
3855 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنِي
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - قَالَ أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى قَالَ: سَلِ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مَا أَمْرُهُمَا؟ {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} [الإسراء: 33]{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الَّتِى فِى الْفُرْقَانِ، قَالَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ فَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ،، وَدَعَوْنَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَقَدْ أَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} [الفرقان: 70] الآيَةَ فَهَذِهِ لأُولَئِكَ، وَأَمَّا الَّتِي فِى النِّسَاءِ الرَّجُلُ إِذَا عَرَفَ الإِسْلَامَ وَشَرَائِعَهُ، ثُمَّ قَتَلَ، فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ. فَذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ، فَقَالَ: إِلاَّ مَنْ نَدِمَ. [4590، 4762، 4763، 4764، 4765، 4766 - مسلم: 122، 3023 - فتح: 7/ 165]
3856 -
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى فِى حِجْرِ الْكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِى مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِى عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر: 28] الآيَةَ. تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ، قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
وَقَالَ عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. [انظر: 3678 - فتح: 7/ 165]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث خباب: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُتَوَسّدٌ بُرْدَةً وَهْوَ في ظِلّ الكَعْبَةِ،
وَقَدْ لَقِينَا مِنَ المُشْرِكِينَ شِدَّةً.
سلف في باب: علامات النبوة
(1)
. واحمرَّ وجهه من الغضب. والمشي: واحد الأمشاط التي يمتشط بها. قال الصاغاني في "شوارده"
(2)
: مُشط ومِشَاط، كرمح ورماح، وقرط وقراط، وخف وخفاف. وهؤلاء الذين امتشطوا بأمشاط الحديد يجوز أن يكونوا أنبياء وأتباعهم، وكان في الصحابة من لو فعل به ذلك لصبر قال الصديق حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لم أجد إلا نفسي لقاتلتهم، يعني أهل الردة
(3)
ومن تعرض لمثل هذا لا يقعد عما هو أعظم منه.
قال الفاروق في شيء: والله لأن تضرب عنقي -إلا أن تتغير لي نفسي عند الموت- أحب إلى من كذا
(4)
. واحتسب عثمان نفسه، وكان علي يقاتل أول النهار ثم يخرج آخره في إزار ورداء، فيقال له: أنت تقاتل وتغفل عن هذا، فيقول: والله ما أبالي سقطت على الموت أو سقط علي، يعني: إذا كان في الله. وأعتق الصديق سبعة عذبوا في الله. وقيل لابن عمر: أي بني الزبير أشجع؟ فقال: كلهم شجاع مشى للموت وهو يراه
(5)
. وكان عبد الله يصلي بجانب البيت وحجارة المنجنيق تمر على يمينه وعن شماله ولا يتحرك
(6)
، وما زال من الصحابة فمن بعدهم يؤذون في الله، ولو أخذوا بالرخصة لساغ لهم.
(1)
سلف برقم (3612).
(2)
"شوارد اللغات" ص 63.
(3)
سلف برقم (1400). كتاب الزكاة، باب: وجوب الزكاة.
(4)
سيأتي برقم (6830) كتاب الحدود باب: رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت.
(5)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 58/ 230.
(6)
رواه أحمد في "الزهد" ص 181.
الحديث الثاني:
حديث الأسود عَنْ عَبْدِ اللهِ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّجْمَ .. الحديث سلف في سجود التلاوة
(1)
.
الحديث الثالث:
حديث عمرو بن ميمون عن عبد الله رضي الله عنه في قصة سلا الجزور، وقد سلف في الطهارة وغيرها
(2)
، والمراد بعبد الله: هو ابن مسعود من غير شك ولا مرية.
وعجب من الداودي في قوله: ذكر أنه عن عبد الله، وإنما تصح الرواية عن ابن عمرو ليس ابن عمر
(3)
. وابن التين حيث قال: الظاهر أنه ابن مسعود؛ لأنه في الأكثر يطلقونه كذلك
(4)
.
وقوله: (وأمية بن خلف أو أبي بن خلف). شعبة الشاك، وقد أسلفنا أنه أمية من غير شك، وهو الصحيح؛ لأن أبيَّا قتله عليه السلام بيده يوم أحد، طعنه بالعنزة، فقال: قتلني ابن أبي كبشة.
(1)
سلف برقم (1070) كتاب سجود القرآن، باب: سجدة النجم.
(2)
سلف برقم (240) كتاب الوضوء، باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته. وبرقم (520) كتاب الصلاة، باب المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى، وبرقم (2934) كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، وبرقم (3185) كتاب الجزية والموادعة، باب: طرح جيف المشركين في البئر ولا يؤخذ لهم ثمن.
(3)
قال الحافظ معقبًا - بعد ما حكى ذلك عن المصنف: ولم أر ما نسبه إلى الداودي في كلام غيره، فالله أعلم. اهـ "الفتح" 7/ 168.
(4)
كذا بالأصل، عن ابن التين؛ بينما حكاه الحافظ في "الفتح" 7/ 167 عن ابن التين عن الداودي، ثم قال: وليس ذلك مطردًا، وإنما يعرف ذلك من جهة الرواة، وبسط ذلك مقرر في علوم الحديث.
ولم يقتل منهم يومئذ
(1)
صبرًا إلا عقبة.
الحديث الرابع:
حديث سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزى قَالَ: سَلِ ابن عَبَّاس عَنْ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مَا أَمْرُهُمَا؟ {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33]، {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93]، فَسَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتِ التِي في الفُرْقَانِ، قَالَ مُشْرِكُو [أَهْلِ مَكَّةَ]
(2)
: قَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ، وَدَعَوْنَا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ، وَقَدْ أَتَيْنَا الفَوَاحِشَ. فَأَنْزَلَ اللهُ:{إِلَّا مَنْ تَابَ} الآيَةَ [الفرقان: 70]، فهذِه لأُولَئِكَ، وَأَمَّا التِي فِي النِّسَاءِ: الرَّجُلُ إِذَا عَرَفَ الإِسْلَامَ وَشَرَائِعَهُ، ثُمَّ قَتَلَ، فَجَزَاور جَهَنَّمُ. فَذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ، فَقَالَ: إِلَّا مَنْ نَدِمَ.
كذا وقع في الرواية ({وَلَا تَقْتُلُوا}) والتلاوة {وَلَا يَقتُلُونَ اَلنَّفسَ} [الفرقان: 68].
وذكر البخاري في التفسير أن سعيد بن جبير قال: اختلف أهل الكوفة فرحلت إلى ابن عباس -أي: بالحاء المهملة
(3)
- وعند ابن ماهان في مسلم: (فدخلت) بالخاء المعجمة -أي: بعد رحلتي- وفي رواية: (فسألته)
(4)
، وفي رواية:(أمرني عبد الرحمن بن أبزى)
(5)
، ولعله كما قال القاضي: أمرني ابن عبد الرحمن إما عبد الله
(1)
في هامش الأصل: حاشية: يعني يوم بدر، وقد قتل بعد ذلك بمضيق الصفراء بعرق الظبية مرجعهم من بدر.
(2)
ليست في الأصل والمثبت من "الصحيح".
(3)
سيأتي برقم (4590). باب: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} .
(4)
"صحيح مسلم" رقم (3023/ 16) كتاب التفسير.
(5)
المصدر السابق (3023/ 18).
أو سعيد
(1)
، وإن كنا لا نمنع أن يكون عبد الرحمن سأل، فإن ابن عباس كان يسأله من أقدم منه صحبة وأعلم.
وقوله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} قيل: هي منسوخة بقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107].
وأما قول ابن عباس: (إذا عرف الإِسلام). فلعله ذكره تغليظًا على ظاهر الآية، وقيل: معنى الآية أن يقتله مستحلا لقتله فيكون كافرًا يستوجب الخلود. وقيل: نزل هذا بمكة الذي في الفرقان، وأنزل:{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: 53] ثم أنزلت بالمدينة بعد ثماني سنين {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} مبهمة لا مخرج لها.
وقوله: ({إِلَّا مَنْ تَابَ}) على ما ذكره ابن عباس أي: من تاب من الشرك ودخل الإِسلام
(2)
.
الحديث الخامس:
حديث الأوزاعي حَدَّثَنِي يَحْيَا بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حدثني مُحَمَّد بْن إبرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ عبد الله بن عَمْرِو ابْنِ العَاصِي: أَخْبِرْنِي بأَشَدِّ شَىْءٍ صَنَعَهُ المُشْرِكُونَ برسول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ: بَيْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي في حِجْرِ الكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ في عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ.
سلف آخر مناقب الصديق
(3)
.
(1)
"إكمال المعلم" 8/ 585.
(2)
في هامش الأصل: سيأتي قريبًا فصل يتعلق بحديث ابن عباس.
(3)
سلف برقم (3678).
ثم قال البخاري: تَابَعَهُ ابن إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو.
وَقَالَ عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ العَاصِي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ العَاصِي. متابعة ابن إسحاق رويناها في "سيرته"
(1)
أخرجها البزار عن أبي طلحة موسى بن عبد الله، ثنا بكر بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عنه
(2)
.
وقول عبدة أسنده أبو عبد الرحمن في كتابه عنه به من مسند عمرو بن العاصي في كتاب التفسير
(3)
.
وقول محمد بن عمرو أخرجه أبو القاسم في "معجمه" عن عبد بن عباد، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، عن محمد به
(4)
. وكفى بالفاعل شقاوة، وبالصديق رضي الله عنه رفعة.
فصل: يتعلق بحديث ابن عباس الذي قبله:
روى الواحدي في "أسبابه" عن ابن عباس قال: أتى وحشي بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أشركت وقتلت النفس وزنيت فنزلت {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية [النساء: 48] فقال: لعلي ممن لا يشاء. فنزلت {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} فقال: نعم، الآن لا أرى شرطًا فأسلم
(5)
.
(1)
"سيرة ابن إسحاق" ص 212.
(2)
"مسند البزار" 6/ 456.
(3)
"تفسير النسائي" 2/ 251 - 252.
(4)
رواه أبو القاسم الطبراني كما في "المجمع" 6/ 16.
(5)
"أسباب النزول" ص 346.
وروى الطبري في "تفسيره" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سألته فقالت: إني زنيت وولدت فقتلته، فهل لي من توبة؟ فقال
(1)
: لا، ولا نعمة عين، ثم سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: " [بئس]
(2)
ما قلتَ لها"، ثم قرأ هذا الآية {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} الآية
(3)
.
وحكى النحاس عن بعض العلماء أنه لا توبة لمن يقتل مؤمنًا متعمدًا، وبعض من قاله قال: الآية التي في الفرقان منسوخة بآية النساء، ومن العلماء من قال: له توبة؛ لأن هذا مما لا يقع ناسخ ولا منسوخ؛ لأنه خبر ووعيد، ومنهم من قال: إنه تحت المشيئة، وقيل: جزاؤه إن جازاه. وقيل: قتله مستحلا.
والأول يروى عن زيد بن ثابت وابن عباس
(4)
من طرق صحاح مع ما روى ابن مسعود مرفوعًا: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"
(5)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"
(6)
، و"من أعَان على قتل مسلم جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله"
(7)
.
(1)
في الأصل: فقال: "بئس ما قلت لها". اهـ وورد في الهامش تعليق نصه: لعله بحذف "بئس ما". [قلت: والصواب أن الجملة هذِه مقدمة وحقها التأخير؛ فهي من قول النبي صلى الله عليه وسلم، يرشدك إليه ما بعده].
(2)
ليست في الأصل، والمثبت من الطبري، وأظن أن هذا الاضطراب والذي قبله ينم عن سقط، والله أعلم.
(3)
"تفسير الطبري" 9/ 416 (26515).
(4)
أثر زيد أخرجه النسائي 7/ 87 وأما أثر ابن عباس فأخرجه البخاري (4762) ومسلم (3023).
(5)
سيأتي برقم (6044).
(6)
سيأتي برقم (7077، 7079، 7080) عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم.
(7)
أخرجه ابن ماجه (2620) والبيهقي 8/ 22 من طريق يزيد بن زياد الشامي، عن=
والقول الثاني عليه جماعة من العلماء، وهو مروي عن زيد بن ثابت وابن عباس، وروي عنه أنها نزلت في أهل الشرك، وأن التي في النساء منسوخة نسختها. وحجة القائلين به ظاهرة من قوله تعالى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ} [طه:82]، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25]، وهذِه أخبار لا يقع فيها ناسخ.
والقول الثالث عليه الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه والشافعي، وقول من قال: إن كان مستحلًّا قاله عكرمة؛ لأنه روى أن الآية نزلت في رجل قتل مؤمنًا متعمدًا ثم ارتد، وقول من قال: فهو جزاؤه إن جازاه قاله أبو مجلز. قال النحاس: وغلطه فيه بين
(1)
.
وقال ابن الحصار في "ناسخه": إذا لم تتوارد الآي على حكم واحد فلا تعارض بينهما، وإنما نزلت آية النساء فيمن قتل مؤمنًا متعمدً للتكذيب من غير جهالة، فتكذيبه كتكذيب إبليس، وعلماء اليهود والنصارى المتعمدين بجحد ما أنزل الله، ولذلك قال ابن عباس: لا توبة له، فالآية على هذِه ليست عامة في الكافرين، فكيف
= الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. قال البيهقي: يزيد منكر الحديث. وقال الذهبي في "الميزان" 4/ 425: سئل أبو حاتم عن هذا الحديث فقال باطل موضوع. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية " 5/ 74 من طريق حكيم بن نافع، عن خلف بن حوشب، عن الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن المسيب، عن عمر. وقال أبو نعيم: غريب تفرد به حكيم عن خلف. وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" 9/ 350 من طريق ابن أبي ليلى، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري. وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 104 من حديث أبي هريرة وعمر وأبي سعيد، وأعلها كلها ثم قال: قال أحمد: ليس هذا الحديث بصحيح. والحديث ضعفه الألباني أيضًا، انظر:"الضعيفة"(503).
(1)
حكى ذلك النحاس في "الناسخ والمنسوخ" 2/ 217 - 226.
يدخل فيها المؤمنون، وكيف يشكل حكم هذِه الآية على عالم؟ وآية الفرقان نزلت في الكفار.
وروى أبو صالح عن ابن عباس أنها نزلت -يعني آية النساء- في مقيس بن صبابة قتل أخوه
(1)
هشام في غزوة ذي قرد سنة ست مسلمًا، أصابه رجل من الأنصار، وهو يرى أنه من الكفار
(2)
.
وزعم ابن منده أن ذلك كان ببني المصطلق فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم زهير بن عياض الفهري إلى بني النجار فجمعوا لمقيس بن صبابة الدية، فلما قبضها قتل زهيرًا ورجع إلا مكة مرتدًّا، فقال:
وترت به فهرًا وحملت عقله
…
سراة بني النجار أرباب فارع
وأدركت ثأري واضطجعت موسدًا
…
وكنت إلى الأوثان أول راجع
فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه فقتل يوم الفتح كافرًا، وقال القاضي إسماعيل: وهذِه الآية حكم من أحكام الآخرة، ليس بالناس حاجة أن يبرموا فيه قولا، غير أنا نرجو قبول التوبة من عباده المسلمين أجمعين.
وروي أن رجلاً قال لسفيان: إني أريد أن أقتل رجلاً فهل لي من توبة؟ قال: لا. وقال لمن قتل واستفتاه في ذلك: لك توبة. أراد بالأول تعظيم القتل؛ لئلا يقع فيه، وبالثاني لئلا يقنط.
(1)
في هامش الأصل: قاتل أخيه. [قلت: لعل المراد منه الإشارة إلى أن مقيس قتل قاتل أخيه كما سيأتي].
(2)
رواه أبو نعيم في "معرفة الصحاح" 5/ 2743، والبيهقي في "شعب الإيمان" 1/ 277.
30 - باب إِسْلَامُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه
-
3857 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ، وَأَبُو بَكْرٍ. [انظر: 3660 - فتح: 7/ 170]
ذكر فيه حديث عمار رضي الله عنه: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ، وَامْرَأَتَانِ، وَأَبُو بَكْرٍ.
وقد سلف في مناقب الصديق.
31 - باب إِسْلَامُ سَعْدٍ بن أبي وقاص رضي الله عنه
-
3858 -
حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هَاشِمٌ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ يَقُولُ: مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلاَّ فِى الْيَوْمِ الَّذِى أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلَامِ. [انظر: 3660 - فتح: 7/ 170]
ذكر فيه حديث أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلَّا في اليَوْمِ الذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَإِنَي لَثُلُثُ الإِسْلَامِ.
وقد سلف في مناقبه أيضًا
(1)
، وأنه لا تنافي بينه وبين حديث عمار الذي قبله، وأسلم وهو ابن سبع عشرة، وهاجر إلى المدينة قبل قدومه صلى الله عليه وسلم، وشهد بدرًا والمشاهد.
فائدة:
في إسناده (هاشم) وهو: ابن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص.
(1)
سلف برقم (3727).
32 - باب ذِكْرُ الْجِنِّ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1]
3859 -
حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا: مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ -يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ- أَنَّهُ آذَنَتْ بِهِمْ شَجَرَةٌ. [مسلم: 450 - فتح: 7/ 171]
3860 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِدَاوَةً؛ لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا، فَقَالَ:«مَنْ هَذَا؟» . فَقَالَ: أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ. فَقَالَ: «ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا، وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ» . فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِى طَرَفِ ثَوْبِي، حَتَّى وَضَعْتُ إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ؟ قَالَ: «هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ، وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ -وَنِعْمَ الْجِنُّ-، فَسَأَلُونِي الزَّادَ، فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ إِلاَّ وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا» . [انظر: 155 - فتح: 7/ 171]
ذكر فيه حديث معن بن عبد الرحمن عن أبيه قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا:
مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا القُرْآنَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ -يَعْنِي: عَبْدَ اللهِ- أَنَّهُ آذَنَتْ بِهِمْ شَجَرَةٌ.
وحديث (أبي هريرة)
(1)
أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِدَاوَةً.
الحديث سلف في الطهارة
(2)
.
(1)
في الأصل: ابن مسعود، وهو وهم، والصواب ما أثبتناه؛ ولذا ورد في هامش الأصل: إنما هو حديث أبى هريرة لا خلاف فيه.
(2)
سلف برقم (155).
وزاد هنا: (حتى إذا فرغ مشيت معه فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: "هما من طعام الجن، وإنه أتاني وقد حسن نصيبين -ونعم الجن- فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعامًا". قال ابن عباس: في الآية إنما أوحي إليه قول الجن
(1)
. والنفر: ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل: من ثلاثة إلى عشرة.
ومعن
(2)
هذا هو ابن ابن مسعود، وكذلك عن أبيه -يعني: عبد الرحمن- قال: حدثني أبوك -يعني عبد الله بن مسعود، و (آذن): بالمد أي: أعلمه، ومعنى "ابغني أحجارًا" في حديث (أبي هريرة)
(3)
: اطلب لي، وهو موصول ثلاثي يقال: بغيتك الشيء: طلبته لك، وأبغيتكه -هو رباعي-: أعينك على طلبه، والأول المراد بالحديث. وفيه: الدعاء لهم.
والوفد: القوم يقدمون، وقوله:"إلا وجدوا عليها طعامًا" أي: حقيقة، وقد جاء:"تجدونها أوفر ما كان لحمًا سمينًا"
(4)
.
وقال ابن التين: يحتمل أن يجعل الله ذلك عليها، ويحتمل أن يذيقهم منها طعامًا، ويقل ذلك ويكثر، وفي مسلم أن البعر زاد دوابهم
(5)
، وقال: في الروثة "هذا ركس"، وسلف في الطهارة
(6)
.
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 258.
(2)
قال الحافظ في "الفتح" 7/ 172: هو كوفي ثقة، ما له في البخاري إلا هذا الموضع.
(3)
في الأصل: ابن مسعود، والمثبت الصواب كما تقدم، وكذا جاء في هامش الأصل: تقدم أنه أبو هريرة أعلاه في الهامش.
(4)
لم أره بتمامه، وهو عند مسلم برقم (450) بلفظ:"أوفر ما يكون لحمًا".
(5)
مسلم (450/ 150) كتاب: الصلاة، باب: الجهر بالقراءة في الصبح
…
(6)
سلف برقم (156).
فائدة:
أسلفنا في باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم
(1)
قريبًا أنهم كانوا تسعة فيما ذكره الزجاج، وقيل: سبعة، وكانوا من نصيبين كما في الحديث. وقيل: من اليمن، وكانوا يهود، وقيل: مشركين، وفي "تفسير ابن عباس" أسما ؤهم: سليط، شاصر، وحاصر، وحيفا، ولما، ولحقم، والأرقم، والأدرس، وسلف هناك غير ذلك
(2)
.
(1)
سلف برقم (3296).
(2)
وانظر: "تفسير ابن كثير" 13/ 44، "غرز التبيان" لابن جماعة ص 447، "تفسير مبهمات القرآن" للبلنسي 2/ 501 - 504، "الدر المنثور" 6/ 17.
33 - باب إِسْلَامُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه
-
3861 -
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي، فَاعْلَمْ لِى عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ ائْتِنِي. فَانْطَلَقَ الأَخُ حَتَّى قَدِمَهُ وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِى ذَرٍّ، فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وَكَلَامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ. فَقَالَ مَا شَفَيْتَنِي مِمَّا أَرَدْتُ، فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ فِيهَا مَاءٌ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ، فَالْتَمَسَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَعْرِفُهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ بَعْضُ اللَّيْلِ، فَرَآهُ عَلِيٌّ، فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ. فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ، فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ احْتَمَلَ قِرْبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَظَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا يَرَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَمْسَى، فَعَادَ إِلَى مَضْجَعِهِ، فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ؟ فَأَقَامَهُ، فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ لَا يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ الثَّالِثِ، فَعَادَ عَلِىٌّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَقَامَ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ أَلَا تُحَدِّثُنِى مَا الَّذِى أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي عَهْدًا وَمِيثَاقًا لَتُرْشِدَنَّنِي فَعَلْتُ. فَفَعَلَ، فَأَخْبَرَهُ. قَالَ: فَإِنَّهُ حَقٌّ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتْبَعْنِي، فَإِنِّى إِنْ رَأَيْتُ شَيْئًا أَخَافُ عَلَيْكَ قُمْتُ كَأَنِّى أُرِيقُ الْمَاءَ، فَإِنْ مَضَيْتُ فَاتْبَعْنِي حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي. فَفَعَلَ، فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَخَلَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي» . قَالَ: وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَامَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ، وَأَتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، قَالَ: وَيْلَكُمْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ وَأَنَّ طَرِيقَ تِجَارِكُمْ إِلَى الشَّأْمِ؟! فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ لِمِثْلِهَا، فَضَرَبُوهُ وَثَارُوا إِلَيْهِ، فَأَكَبَّ الْعَبَّاسُ عَلَيْهِ.
واسمه جندب بن جنادة على الأصح، من السابقين، وفيه عدة أقوال أخر، الغفاري، أحد النجباء من الصحابة، ويقال فيه أيضاً: أبو الذر.
أمه: رملة بنت الوقيعة بن حرام بن غفار بن مليل. ولما رآه الشارع لم يذكر اسمه قال: "أنت أبو نمله". مات بالربذة بعد الثلاثين أو قبلها قال ابن التين: وهو بدري. قلت: كذا قال: ولم يشهدها
(1)
.
ذكر فيه حديث أبي جمرة -بالجيم- عن ابن عباس رضي الله عنهما في إسلامه.
وقوله: (اركب إلا هذا الوادي) يعني: وادي مكة الذي به المسجد.
قوله: (وكلامًا ما هو بالشعر). يعني: القرآن. والشنة: القربة البالية.
وكراهة السؤال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون خوفًا على رسول الله وخوفًا من مخالفة إرادته، وخوفًا على نفسه أن يعرض بها الإهانة قبل معرفة الأمر.
وقوله: (أما آن للرجل أن يعلم منزله؟) أي: ما حان، وقال أبو بكر في الهجرة: أما نال الرحيل.
قال الداودي: نال وآن وآل بمعنى واحد. و (يقفوه): يتبعه.
وقوله: (حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلت معه). استنبط منه الداودي الدخول بدخول المتقدم قال: وهذا قبل الاستئذان، وهو
(1)
انظر ترجمته في "الحلية" 1/ 156 - 170، "أسد الغابة 6/ 99، "تهذيب الكمال" 33/ 294، و"السير" للذهبي 2/ 46 - 78.
عجيب منه، فإنه كان حينئذ كافرًا
(1)
وكانوا مختفين، ولا توحد الأحكام في مثل هذا، كما نبه عليه ابن التين.
وقوله: (لأخرجن بها بين ظهرانيهم). أي: في جميعهم.
قال ابن فارس يقال: هو نازل بين ظهرانيهم وظهريهم، ولا يقال: ظهرانِيهم يريد بكسر النون
(2)
.
(1)
في هامش الأصل: فيه نظر لا يخفى.
(2)
"مجمل اللغة" 1/ 603 مادة ظهر.
34 - باب إِسْلَامُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه
-
3862 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِى مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ، وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ لِلَّذِى صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ. [3867، 6942 - فتح: 7/ 176]
ذكر فيه حديث قيس: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ يَقُولُ:
والله لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ، وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ لِلَّذِي صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ.
وذكره في الباب بعده: سمعه يقول للقوم: لو رأيتني موثقي عمر على الإِسلام أنا وأخته وما أسلم، ولو أن أحدًا انقض لما صنعتم بعثمان لكان محقوقًا أن ينقض.
معنى (ارفض): زال من مكانه وتفرقت أجزاؤه، وكذلك (انفض) بالفاء، ومنه قوله:{لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، وفض الجدار
(1)
وفله واحد، قاله الخطابي
(2)
.
قال
(3)
: ولو رواه راوٍ (انقض) -بالقاف- كان معناه تقطع وتكسر، والقضيض ما يكسر من الحجارة ويقطع منها. وعبارة ابن فارس: انقض الحائط: وقع
(4)
، ومنه {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] أي: يتكسر ويهدم، وقوله:(لكان محقوقًا أن ينقض) أي: واجبًا عليه، يقال:
(1)
في الأصل الجدار وما أثبتناه من "إعلام الحديث".
(2)
"أعلام الحديث" 3/ 1676.
(3)
أي: الخطابي في "الأعلام".
(4)
"مجمل اللغة" 3/ 729، مادة (قضض).
حق عليك أن تفعل كذا، وأنت حقيق أن تفعله، ومحقوق أن تفعل ذلك، ومعنى موثقي عمر على الإِسلام أي: ضيق عليه، وأهانه، وهذا تمثيل.
وقال الداودي: يقول: لو تحركت [القبائل]
(1)
وطلبت بثأر عثمان لكان أهلًا لذلك، ولكن سعيدًا ممن تخلف عن القتال، وخشي أن (
…
)
(2)
الأمر إلى ما يريده فكف، وكذلك قال الحسن بن علي: إن عليًّا أراد أمرًا فتتابعت عليه الأمور، فلم يجد منزعًا، ومعنى
(3)
موثقي عمر على الإِسلام: أي: ضيق عليه وأهانه، وقد أسلفنا ترجمة سعيد بن زيد في آخر مناقب أبي عبيدة بن الجراح
(4)
فراجعهُ من ثم.
(1)
زيادة مثبتة من "الفتح" 7/ 176 يستقيم بها السياق.
(2)
كلمة غير مقروءة في الأصل، وكذا عَلَّم عليها الناسخ مستشكلها، ولعل صورتها التقريبية: يراجأ.
(3)
في الهامش من الأصل: تقدم أعلاه قريبًا.
(4)
سلف برقم (3745) كتاب فضائل الصحابة.
35 - باب إِسْلَامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه
-
3863 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ. [انظر: 3684 - فتح: 7/ 177]
3864 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ فَأَخْبَرَنِي جَدِّي زَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ فِى الدَّارِ خَائِفًا، إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ أَبُو عَمْرٍو، عَلَيْهِ حُلَّةُ حِبَرَةٍ، وَقَمِيصٌ مَكْفُوفٌ بِحَرِيرٍ، وَهُوَ مِنْ بَنِى سَهْمٍ، وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي إِنْ أَسْلَمْتُ. قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ. بَعْدَ أَنْ قَالَهَا أَمِنْتُ، فَخَرَجَ الْعَاصِ، فَلَقِىَ النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمُ الْوَادِي، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُرِيدُ هَذَا ابْنَ الْخَطَّابِ الَّذِى صَبَا. قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ. فَكَرَّ النَّاسُ. [3865 - فتح: 7/ 177]
3865 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رضى الله عنهما -: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ، وَقَالُوا: صَبَا عُمَرُ - وَأَنَا غُلَامٌ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِى - فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ، فَقَالَ: قَدْ صَبَا عُمَرُ. فَمَا ذَاكَ؟ فَأَنَا لَهُ جَارٌ. قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عَنْهُ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ. [انظر: 3864 - فتح: 7/ 177]
3866 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ: إِنِّى لأَظُنُّهُ كَذَا. إِلاَّ كَانَ كَمَا يَظُنُّ، بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ، فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَىَّ الرَّجُلَ، فَدُعِىَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، قَالَ: فَإِنِّى أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلاَّ مَا أَخْبَرْتَنِي. قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا
يَوْمًا فِى السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ، فَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا؟ قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ، بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ، لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ. فَوَثَبَ الْقَوْمُ، قُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا. ثُمَّ نَادَى يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ. [فتح: 7/ 177]
3867 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ لِلْقَوْمِ: لَوْ رَأَيْتُنِي مُوثِقِي عُمَرُ عَلَى الإِسْلَامِ أَنَا وَأُخْتُهُ وَمَا أَسْلَمَ، وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا انْقَضَّ لِمَا صَنَعْتُمْ، بِعُثْمَانَ لَكَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ. [انظر: 3862 - فتح: 7/ 187]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها: قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ رضي الله عنه. وقد أسلفناه في مناقبه
(1)
.
ثانيها:
حديث عمر بن محمد قَالَ: فَأَخْبَرَنِي زيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَا هُوَ فِي الدارِ خَائِفًا، إِذْ جَاءَهُ العَاصِي بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ أَبُو عَمْرٍو، عَلَيْهِ حُلَّةُ حِبَرَةٍ، وَقَمِيصٌ مَكْفُوفٌ بِحَرِيرٍ، وَهُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا في الجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ: زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي إِنْ أَسْلَمْتُ. قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ. بَعْدَ أَنْ قَالَهَا أَمِنْتُ، فَخَرَجَ العَاصِي، فَلَقِيَ النَاسَ قَدْ سَالَ بِهِمُ الوَادِي، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُرِيدُ هذا ابن الخَطَّابِ الذِي صَبَأ. قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ. فَكَرَّ النَّاسُ.
(1)
سلف برقم (3684).
الحبرة -بكسر الحاء وفتح الراء-: برد موشى مخطط. وكفة القميص: حاشيته بالضم، وإذا استطال الثوب كف أي: عطف، وعبارة الداودي الحِبر: ثياب تصبغ باليمن وهي مستحبة في الكفن قلت: للتأسي به.
ومعنى (صبأ): خرج من دينه إلى دين آخر ومنه الصابئون، ومعنى (فكرَّ الناس): رجعوا.
ثالثها:
قول ابن عمر رضي الله عنهما: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ، وَقَالُوا: صَبأ عُمَرُ -وَأَنَا غُلَامٌ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِي- فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ، فَقَالَ: صَبأ عُمَرُ. فَمَا ذَاكَ؟ فَأَنَا لَهُ جَارٌ. قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا فَقُلْتُ: مَنْ هذا؟ قَالُوا: العَاصِي بْنُ وَائِلٍ.
القباء: بفتح القاف ممدود من قبوت الشيء إذا جمعته، قاله ابن دريد
(1)
.
وقوله: (وأنا غلام) جاء أنه ابن خمس سنين، وفي رواية: قلت: يا أبة من هذا جزاه الله خيرًا. قال العاصي بن وائل لا جزاه الله خيرًا. قوله: (فوق ظهر بيتي) أنكره الداودي، وقال: المحفوظ: فوق ظهر بيتنا. وتعقبه ابن التين وقال: إنه ليس بصحيح لأنها الآن بيته، وكانت قبل هذا لأبيه، فإنه كان حكى أنه كان على ظهر بيته الذي هو الآن ملكه
(2)
.
(1)
"جمهرة اللغة" 1/ 375.
(2)
قال الحافظ معقبًا: ولا يخفى عدم الاحتياج إلا هذا التأويل، وإنما نسب ابن عمر البيت إلا نفسه مجازًا، أو مراده المكان الذي كان يأوي فيه سواء كان ملكه أم لا. ثم وجَّه قوله رحمه الله بكلام مانع فانظره. انظر "الفتح" 7/ 178.
رابعها:
حديث عبد الله بن عمر: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ: إِنِّي لأَظُنُّهُ كَذَا. إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ، بَيْنَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ، فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هذا عَلَى دِينِهِ في الجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ. فَدُعِيَ بَه، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ استقْبلَ بِهِ رَجُلٌ رجلاً مسلمًا. قَالَ: فَإِنّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي. قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ في الجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَا أَنَا يَوْمًا في السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الفَزَعَ، قَالَتْ:
أَلَمْ تَرَ الجِنَّ وإبْلَاسَهَا
وَيأْسَهَا مِنْ بَعْدِ (إنساكها)
(1)
وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا؟
قَالَ عُمَرُ: صدقت بينا أَنَا عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصرَخِ بِهِ صَارخٌ، لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ، يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لَا إله إِلَّا الله. فَوَثَبَ القَوْمُ، فقلت: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هذا. ثُمَّ نَادى يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لَا إلله إِلَّا اللهُ. فَقُمْتُ فَمَا نَشِبت أَنْ قِيلَ: هذا نَبِيٌّ.
الشرح:
قوله: (ما سمعت عمر .. ) إلا آخره هو من قوله عليه السلام: "إن يكن في أمتي محدثون فإنه عمر رضي الله عنه)
(2)
.
(1)
كذا في الأصل بتقديم السين على الكاف، وهو هكذا في شرح الداودي كما ذكر الحافظ في "الفتح" 7/ 180، بينما الذي في الصحيح: إنكاسها، بتقديم الكاف على السين.
(2)
سلف برقم (3469).
وقوله: (فما أعجب ما جاءتك به جنيتك) هو من استراق الجن السمع إذا قضى الله أمرًا صعق الملائكة حين يسمعون كلامه {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} [سبأ: 23]، فيذكرون ما سمعوا فيسمعه من يليهم فيذكرونه ثم كذلك حتى يتكلم به ملائكة الهواء، فتخطف الجن الخطفة فتلقها إلى جن يليه قبل أن يأخذه الشهاب، فيوحيها إلى الكاهن، فيزيدون فيها أكثر من مائة كذبة.
وقوله: (وإبلاسها) أي: يأسها، قاله ابن فارس، أو إبعادها كما قاله الداودي، احتج ابن فارس بقوله:{فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]، ومنه اشتق إبليس
(1)
.
وقوله: (من بعد إنساكها) يعني: أنها يأست من السمع بعد أن كانت ألفته. قال ابن فارس: النسك المكان الذي يألفه
(2)
، وروى الداودي: من بعد إيناسها، وقال: يعني أنها كانت تأنس إلى ما تسمع
(3)
.
وقوله: (وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا؟) يعني: تفرقهم ونفارهم؛ كراهة الإِسلام.
وقوله: (يا جليح) إما أن يكون نادى اسمًا أو أراد الارتفاع. والنجيح: الظافر بحاجته والمصيب من الآراء نجيح.
فائدة: هذا الرجل الجميل هو سواد بن قارب كما ذكره البيهقي في "دلائله"
(4)
.
(1)
"مجمل اللغة" 1/ 135، مادة [بلس].
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 865، مادة [نسك].
(3)
عَقَّب الحافظ قائلاً: ولم أر ما قاله في شيء من الروايات. "الفتح" 7/ 180.
(4)
"دلائل النبوة" 2/ 248.
أنا ابن الصباح، أنا ابن لاحق، أنا ابن الطباع، أنا أبو الحسن عبد الله بن محمد الثقفي، أنا جدي الحافظ أبو بكر، أنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر، أنا أبو عبد الله الصفار، أنا أبو جعفر أحمد بن موسى، ثنا زياد بن يزيد بن بارويه ثنا محمد بن تراس الكوفي، ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما. في حديث طويل وأنه كان نازلًا بالهند وكان له (رئي)
(1)
من الجن.
قال: بينا أنا نائم إذ جاءني فقال: قم واعقل إن كنت تعقل قد بعث رسول من لؤي بن غالب ثم أنشأ يقول:
عجبت للجن (وأجناسها)
(2)
…
وشدها العيس بأحلاسها
تسعى إلى مكة تبتغي الهدى
…
ما مؤمنوها مثل أرجاسها
فانهض إلى الصفوة من هاشم
…
واسُم بعينيك إلى راسها
قال: ثم انتهى وأفزعني وقال: يا سواد إن الله عز وجل بعث نبيًّا فانهض إليه تهتدِ وترشد.
فلما كان في الليلة الثانية أتاني فأنبهني ثم قال:
عجبت للجن وتطلابها
…
وشدها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى
…
ليس قداماها كأذنابها
فانهض إلى الصفوة من هاشم
…
واسم بعينيك إلى نابها
فلما كان في الليلة الثالثة أتاني فأنبهني فقال:
(1)
الرئي: هو الجني الذي يتبع الإنسي ويأتيه بالأخبار ويظهر له، سمي بذلك؛ لأنه يتراءى لمتبوعه، أو هو من الرأي من قولهم: فلان رَئيُّ قومه، إذا كان صاحب رأي فيهم. "النهاية" 2/ 178.
(2)
كذا في الأصل، وعند البيهقي وغيره: أنجاسها. فلعله تصحيف.
عجبت للجن وتَخْبَارها
…
وشدها العيس بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى
…
ليس ذوو الشرك كأحبارها
فانهض إلى الصفوة من هاشم
…
ما مؤمنو الجن ككفارها
قال فوقع في قلبي الإِسلام، وأتيت المدينة، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مرحبًا بك يا سواد بن قارب قد علمنا ما جاء بك" قال: قد قلت شعرًا
(1)
(2)
.
(1)
رواه البيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 248 - 254، وأورد الذهبي من هذه الطريق ثم قال: هذا حديث منكر بالمرة، ومحمد بن ثراس وزياد مجهولان، لا تقبل روايتهما، وأخاف أن يكون موضوعًا على أبي بكر بن عياش، ولكن أصل الحديث مشهور. "تاريخ الإشرم" 1/ 206 قلت: قد رويت القصة بطولها من أكثر من طريق؛ لكنها لم تخل من ضعف، ذكر الحافظ بعضًا منها ثم قال: وهذه الطرق يقوى بعضها ببعض. "الفتح" 7/ 179.
(2)
تنبيه:
يبدأ من بعد هذه الصفحة طمس بالأصل مقدار حوالي ثلاث لوحات مخطوطة، متضمنة حديث (3867) آخر أحاديث هذا الباب، ثم باب:(انشقاق القمر (3868 - 3871) وباب: هجرة الحبشة (3872 - 3876) باب: موت النجاشي (3877 - 3881).
وباب: تقاسم المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم (3882)، وباب: قصة أبي طالب (3883 - 3885) ثم باب: حديث الإسراء (3886)، وباب: المعراج (3887 - 388)، باب: وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وبيعة العقبة (3889 - 3893) إضافة إلى أول حديث في باب: تزويج النبي عائشة -وهو الآتي- (3894) إلا أن الأخير وضوحه بين كما ستلحظ، كل ذلك بواقع مائتي سطر تقريبًا، لم تنجل لنا قراءتها؛ ضربت عليها الرطوبة فماع الخط، وضاعت الكلمات.
36 - باب انْشِقَاقِ الْقَمَرِ
3868 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا. [انظر: 3637 - مسلم: 2802 - فتح: 7/ 182]
3869 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى، فَقَالَ:«اشْهَدُوا» . وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ نَحْوَ الْجَبَلِ.
وَقَالَ أَبُو الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: انْشَقَّ بِمَكَّةَ.
وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. [انظر: 3636 - مسلم: 2800 - فتح: 7/ 182]
3870 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما أَنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3636 - مسلم: 2800 - فتح: 7/ 182]
3871 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِى مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ. [فتح: 7/ 182]
37 - باب هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ» . فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ.
فِيهِ عَنْ أَبِى مُوسَى وَأَسْمَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم[انظر: 3136]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا لَهُ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ خَالَكَ عُثْمَانَ فِي أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَكَانَ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيمَا فَعَلَ بِهِ؟ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَانْتَصَبْتُ لِعُثْمَانَ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً وَهْيَ نَصِيحَةٌ. فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَرْءُ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَانْصَرَفْتُ، فَلَمَّا قَضَيْتُ الصَّلَاةَ جَلَسْتُ إِلَى الْمِسْوَرِ وَإِلَى ابْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، فَحَدَّثْتُهُمَا بِالَّذِى قُلْتُ لِعُثْمَانَ وَقَالَ لِي. فَقَالَا: قَدْ قَضَيْتَ الَّذِى كَانَ عَلَيْكَ. فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ مَعَهُمَا، إِذْ جَاءَنِي رَسُولُ عُثْمَانَ، فَقَالَا لِي: قَدِ ابْتَلَاكَ اللَّهُ. فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا نَصِيحَتُكَ الَّتِى ذَكَرْتَ آنِفًا؟ قَالَ: فَتَشَهَّدْتُ ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَآمَنْتَ بِهِ، وَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِى شَأْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ. فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ أَخِي، أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ قَدْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا خَلَصَ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِى سِتْرِهَا. قَالَ: فَتَشَهَّدَ عُثْمَانُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ كَمَا قُلْتَ، وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَايَعْتُهُ، وَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ
وَلَا غَشَشْتُهُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ، أَفَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِى كَانَ لَهُمْ عَلَيَّ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟ فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَسَنَأْخُذُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ قَالَ: فَجَلَدَ الْوَلِيدَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَجْلِدَهُ، وَكَانَ هُوَ يَجْلِدُهُ. وَقَالَ يُونُسُ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَفَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِى كَانَ لَهُمْ؟ [قال أَبُو عَبْدِ اللهِ:{بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 49]: مَا ابْتُلِيتُمْ بِهِ مِنْ شِدَّة. وَفِي مَوضِع: البَلَاءُ الابْتِلَاءُ وَالتَّمْحِيصُ، مِن بَلَوتُهُ وَمَحَّصْتُهُ أي: اسْتَخْرَجْتُ مَا عِنْدَهُ. يَبْلُو: يَخْتَبِرُ. {مُبْتَلِيكُمْ} [البقرة: 249]: مُخْتَبِرُكُم وَأَمَّا قولُهُ: {بَلَاءٌ} عَظِيمٌ: النِّعَمُ، وَهِيَ مِنْ أَبْلَيْتُهُ، وَتِلْكَ مِنِ ابْتَلَيْتُهُ]. [انظر: 3696 - فتح: 7/ 187]
3873 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ، فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِيكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . [فتح: 7/ 187]
3874 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ السَّعِيدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ قَالَتْ: قَدِمْتُ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَأَنَا جُوَيْرِيَةٌ، فَكَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمِيصَةً لَهَا أَعْلَامٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ الأَعْلَامَ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ:«سَنَاهْ، سَنَاهْ» . قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: يَعْنِي: حَسَنٌ حَسَنٌ. [انظر: 3071 - فتح: 7/ 187]
3875 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يُصَلِّي فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا. قَالَ:«إِنَّ فِى الصَّلَاةِ شُغْلاً» . فَقُلْتُ لإِبْرَاهِيمَ: كَيْفَ تَصْنَعُ أَنْتَ؟ قَالَ أَرُدُّ فِي نَفْسِي. [انظر: 1199 - مسلم: 538 - فتح: 7/ 187]
3876 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضى الله عنه -: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِى طَالِبٍ، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَكُمْ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ» . [انظر: 3136 - مسلم: 2502 - فتح: 7/ 187]
38 - باب مَوْتُ النَّجَاشِيِّ
3877 -
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه -: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ: «مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ» . [انظر: 1317 - مسلم: 952 - فتح: 7/ 191]
3878 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ عَطَاءً حَدَّثَهُمْ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىِّ - رضى الله عنهما - أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَصَفَّنَا وَرَاءَهُ فَكُنْتُ فِى الصَّفِّ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ. [انظر: 1317 - مسلم: 925 - فتح: 7/ 191]
3879 -
حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. تَابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ. [انظر: 1317 - مسلم: 952 - فتح: 7/ 191]
3880 -
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَخْبَرَهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَى لَهُمُ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ فِى الْيَوْمِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ، وَقَالَ «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ». [انظر: 1245 - مسلم: 951 - فتح: 7/ 191]
3881 -
وَعَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَفَّ بِهِمْ فِى الْمُصَلَّى، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا. [انظر: 1245 - مسلم: 951 - فتح: 7/ 191]
39 - باب تَقَاسُمُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
-
3882 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا: «مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» . [انظر: 1589 - مسلم: 1314 - فتح: 7/ 192]
40 - باب قِصَّةُ أَبِي طَالِبٍ
3883 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رضى الله عنه - قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: «هُوَ فِى ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِى الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» . [6008، 6572 - مسلم: 209 - فتح: 7/ 193]
3884 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ:«أَىْ عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟! فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ» . فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)} [التوبة: 113] وَنَزَلَتْ {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]. [انظر: 1360 - مسلم: 24 - فتح: 7/ 193]
3885 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ فَقَالَ:«لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِى ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ» . [6564 - مسلم: 210 - فتح: 7/ 193]
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بِهَذَا، وَقَالَ:"تَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ".
41 - باب حَدِيثِ الإِسْرَاءِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1]
3886 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِى الْحِجْرِ، فَجَلَا اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ» . [4710 - مسلم: 170 - فتح: 7/ 196]
42 - باب الْمِعْرَاجِ
3887 -
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رضي الله عنهما أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ: «بَيْنَمَا أَنَا فِى الْحَطِيمِ - وَرُبَّمَا قَالَ: فِى الْحِجْرِ - مُضْطَجِعًا، إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَدَّ - قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فَشَقَّ - مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ - فَقُلْتُ: لِلْجَارُودِ وَهْوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِى بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ - فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أُوتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ - فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ، يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ - فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا. فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ:" وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ. قَالَ هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ،
قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ قَالَ هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ قَالَ هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. قَالَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا مُوسَى قَالَ هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيكَ قَالَ أَبْكِي لأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي، يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. قَالَ نَعَمْ. قَالَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. قَالَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ قَالَ مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ قَالَ هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ. فَقُلْتُ مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ، فَنَهَرَانِ فِى الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ. ثُمَّ رُفِعَ لِى الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ هِيَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ
خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ. فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ بِمَا أُمِرْتَ قَالَ أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ بِمَا أُمِرْتَ قُلْتُ أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. قَالَ سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ - قَالَ: - فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي». [انظر: 3207 - مسلم: 164 - فتح: 7/ 201]
3888 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِى قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ، أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ:{وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء: 60] قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. [4716، 6613 - مسلم: 170 - فتح: 7/ 202]
43 - باب وُفُودُ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، وَبَيْعَةُ الْعَقَبَةِ
3889 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ - وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ حِينَ عَمِيَ - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ. بِطُولِهِ.
قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ فِى حَدِيثِهِ: وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِى النَّاسِ مِنْهَا. [انظر: 2757 - مسلم: 2769 - فتح: 7/ 219]
3890 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: شَهِدَ بِي خَالَايَ الْعَقَبَةَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَحَدُهُمَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ. [3891 - فتح: 7/ 219]
3891 -
حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: أَنَا وَأَبِي وَخَالِي مِنْ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ. [انظر: 3890 - فتح: 7/ 219]
3892 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ، أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ - مِنَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْ أَصْحَابِهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «تَعَالَوْا بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُونَ بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُونِي فِى مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِى الدُّنْيَا فَهْوَ لَهُ كَفَّارَةٌ، وَمَنْ
أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ». قَالَ: فَبَايَعْتُهُ عَلَى ذَلِكَ. [انظر: 18 - مسلم: 1709 - فتح: 7/ 219]
3893 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي مِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ:، بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَلَا نَنْتَهِبَ، وَلَا نَعْصِيَ بِالْجَنَّةِ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ. [انظر: 18 - مسلم: 1709 - فتح: 7/ 219]
44 - باب تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ (وقدومه)
(1)
الْمَدِينَةَ وَبِنَاؤُهُ بِهَا
3894 -
حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي فَوَفَى جُمَيْمَةً، فَأَتَتْنِي أُمِّي - أُمُّ رُومَانَ - وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِى صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا لَا أَدْرِى مَا تُرِيدُ بِي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لأَنْهَجُ، حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِى الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ. فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. [3896، 5133، 5134، 5156، 5160، 5158 - مسلم: 1422 - فتح: 7/ 223]
3895 -
حَدَّثَنَا مُعَلًّى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا:«أُرِيتُكِ فِى الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أَرَى أَنَّكِ فِى سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، وَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَاكْشِفْ عَنْهَا. فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ» .
[5078، 5125، 7011، 1012 - مسلم: 2438 - فتح: 7/ 223]
3896 -
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهْيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ.
[انظر: 3894 - مسلم: 1422 - فتح: 7/ 224]
(1)
كذا في الأصل، وفي اليونينية:(وقدومها). ولا تعليق عليها!
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الحَارِثِ بْنِ الخزرج، فَوُعِكْتُ، فَتَمَرَّقَ شَعَرِي فَوَفَى جُمَيْمَةً، فَأَتَتْنِي أُمِّي -أُمُّ رُومَانَ- وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي .. الحديث.
قولها: (بنت ست) ذكر غيره أنه ابنت سبع، ويجمع بينهما أنها كملت ستًّا، ودخلت في السابعة، فمن قال: ست أراد تامة، ومن قال: سبع أراد شرعت فيها.
وقولها: (فنزلنا في بني الحارث) يعني: أهل أبي بكر.
وقولها: (فوعكت) أي: مرضت. قاله الداودي، وعك: أي مرض وحمي (
…
)
(1)
وقال: هو مغث المرض أي: (
…
)
(2)
وقيل: إنه انزعاج المريض الحمى وتحريكها إياها.
وقولها: (فتمرق شعري)، هو بالزاي أي: تقطع وتساقط، وبالراء أي: انتثر وأنتف، يقال: مرقت الإهاب نزعت عنه الصوف كذا عند أبي ذر، وبالزاي عند أبي الحسن.
وقولها: (فوفى جميمة) الجمة من الإنسان مجتمع شعر ناصيته قاله ابن فارس
(3)
، وقال شمر: إنها أكثر من الوفرة. قال: وهي الجمة إذا سقطت عن المنكبين، والوفرة: حتى شحمة الأذنين.
(1)
كلمات غير واضحة بالأصل، وقد أشرنا قريبًا إلى علة ذلك.
(2)
السابق
(3)
"المجمل" 1/ 174 مادة: (جمم).
وقولها: (وإني لفي أرجوحه) أي: العلو، قاله الداودي. وقال الجوهري: ترجحت الإرجوحة بالغلام: مالت
(1)
فأن أراد الداودي بالعلو نقيض (
…
)
(2)
فهي العليا، وإن أراد (
…
)
(3)
السفل، فليست (
…
)
(4)
وجه (
…
)
(5)
.
وقولها: (حتى أوقفتني على باب الدار) كذا وقع، والمشهور في اللغة كما قال ابن التين: وقفت، ثلاثي.
وقولها: (وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي) قال ابن فارس: يقال: أتانا فلان ينهج أي: مبهورًا النفس
(6)
.
وقال الهروي: معنى أنهج: أربو وأتنفس، يقال: نهج وأنهج
(7)
. وقال أبو عبيدة: لا يقال: نهج.
وقال الداودي: معناه أنها خفق فؤادها من الروع، فإنها أحست شيئًا.
وقولهن: (على الخير والبركة) هو تفاؤل ودعاء.
وقولهن (على خير طائر) أي: على خير حظ ونصيب.
وقولها: (فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي يفاجئني، وإنما يقال ذلك في الشيء (لا)
(8)
تتوقعه فيهجم عليك.
(1)
"الصحاح" 1/ 364 مادة: (رجح).
(2)
كلمات غير واضحة بالأصل، وقد أشرنا قريبًا إلى علة ذلك. فانتبه.
(3)
:
(5)
السابق.
(6)
"المجمل" 2/ 845 (مادة: نهج).
(7)
"غريب الحديث" 2/ 42.
(8)
في الأصل: (ألا)، والمثبت الأليق للسياق.
الحديث الثاني:
حديثها أيضًا أنه عليه السلام قَالَ لَهَا: "أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرّتَيْنِ، أَرى أَنَّكِ فِي سرقة مِنْ حَرِيرٍ، وَيَقُولُ: هذه امْرَأتُكَ فَاكْشِفْ عَنْهَا. فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأقولُ: إِنْ يَكُ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ".
الشرح:
قوله (سرقة من حرير) قطعة منه، وكان الأصمعي يقول: السرقة دخيلة في العرب من كلام الفرس (وانتقده)
(1)
في كلامهم، سره
(2)
، جَيِّد، ووصف أعرابي رجلاً فقال: لسانه أرق من ورقة، وألين من سرقة، وقال الداودي: السرقة: الثوب، وسيأتي الكلام عليه في النكاح إن شاء الله تعالى
(3)
.
الحديث الثالث:
حديث عروة قال: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ بثلَاثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنكحَ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَهْيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ.
الشرح:
أما خديجة رضي الله عنها فماتت قبل الهجرة من غير شك، وماتت في رمضان سنة عشر كما مر في ترجمتها.
وأما تزوجه عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست فهو الصواب، وقيل فيه أيضًا بنت سبع كما سلف، وهو ضعيف، وبنى بها بالمدينة
(1)
كذا صورتها التقريبية في الأصل ولعل الأليق للسياق: (وأصلها) أو ما معناه والله أعلم.
(2)
هو الأصل الفارسي لـ (سرق) فَعُرِّبَ. انظر "تهذيب اللغة" 2/ 1676 - 1677.
(3)
سيأتي برقم (5078)، باب نكاح الأبكار.
بعد منصرفه من وقعة بدر في شوال سنة اثنين من الهجرة، وكونها بني بها وهي بنت تسع فهو الصواب.
وقيل: على رأس ثمانية عشر شهرًا من مهاجره، وأغرب منه أنه بعد الهجرة بسبعة أشهر، وهو واهٍ.
وظاهر إيراد عروة أنه تزوجها بعد خديجة، وكأن المعروف خلافه، وإنما تزوج بسودة بعد موت خديجة، وقبل العقد على عائشة.
قال ابن إسحاق: أول نسائه خديجة ثم سودة ثم عائشة
(1)
. ثم عد الباقي، ومنهم من قال: عائشة قبلها.
قال الماوردي: الفقهاء يقولون: تزويج عائشة قبل سودة، والمحدثون يقولون: سودة. وقال الشيخ أبو محمد في "جامع المختصر": (إنه عقد على عائشة ولم يدخل بها، ودخل بسودة)
(2)
بنى على عائشة بعد مقدمه المدينة بثمانية أشهر فعلى هذا يكون عمرها حينئذ خمس سنين وأشهرا.
قال الداودي: قد يكون قوله في البخاري: قبل مخرجه بثلاث سنين أي: وأشهر فسمى الشيء باسم ما يقاربه، وتزوجها بعد ذلك قبل الهجرة بقريب من السنتين، ودخل بها بعد الهجرة بسنة.
قال الدمياطي: والصواب أنه تزوج سودة بعد خديجة في رمضان سنة ماتت خديجة، ثم تزوج عائشة في شوال سنة عشر.
(1)
"سيرة ابن إسحاق " ص 238.
(2)
ذكر على الجملة علامة: لا
…
إلى. اهـ وورد في هامش الأصل تعليق نصه: عرض لي في الأصل: وقد يجمع بينهما بأنه عقد على عائشة ولم يدخل بها ودخل بسودة.
وقوله: (ثم بنا بها) أنكره بعضهم. قال: والصحيح بنى عليها، قال بعض أهل اللغة: وأصله أن يبني على زوجته قبة من أَدمٍ عند أخذه لها
(1)
.
فائدة:
أقامت عنده تسعًا وعاشت بعده ثمانيًا وأربعين سنة وماتت في رمضان سنة ثمان وخمسين أو سنة خمس وخمسين. أو سنة ست أو سبع في رمضان أو شوال، قولان فقاربت سبعًا وستين سنة أو بلغتها، قاله الهيثم بن عدي
(2)
.
(1)
انظر: "الصحاح" 6/ 2286 مادة [بنى].
(2)
هو الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن، الأخباري أبو عبد الرحمن الطائي الكوفي، المؤرخ، قال عنه يحيى بن معين، وأبو داود: كذاب، وقال النسائي: متروك الحديث. ورُوي أن جاريته قالت: كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي، فماذا أصبح جلس يكذب، وقال ابن عدي: ما أقل ماله من المسندات، وإنما هو صاحب أخبار وأسمار ونسب وأشعار. وقال ابن خلكان: كان الهيثم يتعرض لمعرفة أصول الناس ونقل أخبارهم، فأورد معايبهم وأظهرها وكانت مستورة، فكره لذلك. مات سنة سبع ومائتين، وله تصانيف كثيرة، كلها مفقودة عدا كتاب "المثالب". انظر ترجمته في:"الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي 8/ 400، "تاريخ بغداد" 14/ 50، "وفيات الأعيان" لابن خلكان 6/ 106، "سير أعلام النبلاء" 10/ 103، "معجم المؤلفين" 4/ 67.
45 - باب هِجْرَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ» .
وَقَالَ أَبُو مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«رَأَيْتُ فِى الْمَنَامِ أَنِّى أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ» .
3897 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: عُدْنَا خَبَّابًا، فَقَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى، لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنْ إِذْخِرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا. [انظر: 1276 - مسلم: 940، فتح: 7/ 226]
3898 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم» . [انظر: 1 - مسلم: 1907 - فتح: 7/ 226]
3899 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِى لُبَابَةَ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ الْمَكِّيِّ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - كَانَ يَقُولُ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ. [4309، 4310، 4311 - فتح: 7/ 226]
3900 -
وَحَدَّثَنِى الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، فَسَأَلْنَاهَا عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَتْ: لَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّ
أَحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلَامَ، وَالْيَوْمَ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ. [انظر: 3080 - مسلم: 1864، فتح: 7/ 226]
3901 -
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ: مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا نَبِيَّكَ وَأَخْرَجُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ. [انظر: 463 - مسلم: 1769، فتح: 7/ 226]
3902 -
حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. [انظر: 3851 - مسلم: 2351، فتح: 7/ 227]
3903 -
حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ وَهْوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. [انظر: 3851 - مسلم: 2351، فتح: 7/ 227]
3904 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ - مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - عَنْ عُبَيْدٍ - يَعْنِي: ابْنَ حُنَيْنٍ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ» . فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهْوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا! فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِى صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ
مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، إِلاَّ خُلَّةَ الإِسْلَامِ، لَا يَبْقَيَنَّ فِى الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلاَّ خَوْخَةُ أَبِى بَكْرٍ». [انظر: 466 - مسلم: 2382 - فتح: 7/ 227]
3905 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ قَطُّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونُ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ - فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِى الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ، ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ. فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِى أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟! فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقَالُوا: لاِبْنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ؛ فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا. فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِى دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ، وَلَا يَقْرَأُ فِى غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً، لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ، عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِى دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا
مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاِسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِى عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَىَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِى رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عز وجل. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ:«إِنِّى أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ» . وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهْوَ - الْخَبَطُ - أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِى بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِى نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعًا - فِى سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِى هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ:«أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ» . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِى الْخُرُوجِ» . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَعَمْ» . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بِالثَّمَنِ» . قَالَتْ عَائِشَةُ فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجَهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِى جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مَنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ؛ فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ - قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِى جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهْوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلاَّ وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ - مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ - مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا
حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِى رِسْلٍ - وَهْوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا - حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِى الدِّيلِ، وَهْوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا - وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ - قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِى آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ. [انظر: 476 - فتح: 7/ 230]
3906 -
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ - وَهْوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ - أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ. قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا. ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهْيَ - مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ - فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرَّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ، فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا، فَخَرَجَ الَّذِى أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الأَزْلَامَ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الاِلْتِفَاتَ - سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِى الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِى السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلَامِ، فَخَرَجَ الَّذِى أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِى نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ
عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ. وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلَانِي، إِلاَّ أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا. فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِى رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ، وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ، حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ، أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِىُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ، هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِى تَنْتَظِرُونَ. فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِى أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، وَهْوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ:«هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ» . ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغُلَامَيْنِ، فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: لَا، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِى بُنْيَانِهِ، وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ
…
هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ»
وَيَقُولُ:
اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ
…
فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ "
فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِى الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرِ هَذَا الْبَيْتِ. [فتح: 7/ 238]
3907 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ وَفَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها: صَنَعْتُ سُفْرَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَا الْمَدِينَةَ، فَقُلْتُ لأَبِي: مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبُطُهُ إِلاَّ نِطَاقِي. قَالَ فَشُقِّيهِ. فَفَعَلْتُ، فَسُمِّيتُ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ. [انظر: 2979 - فتح: 7/ 240]
3908 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضى الله عنه - قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ تَبِعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ. قَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ. فَدَعَا لَهُ. قَالَ: فَعَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ بِرَاعٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، فَأَتَيْتُهُ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ. [انظر: 2439 - مسلم: 2009 - فتح: 7/ 240]
3909 -
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ، فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ فِى حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ، فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِى الإِسْلَامِ.
تَابَعَهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها أَنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْىَ حُبْلَى. [5469 - مسلم: 2146 - فتح: 7/ 248]
3910 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ أَبِى أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِى الإِسْلَامِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم،
فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَمْرَةً فَلَاكَهَا، ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي فِيهِ، فَأَوَّلُ مَا دَخَلَ بَطْنَهُ رِيقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [مسلم: 2148 - فتح: 7/ 248]
3911 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَهْوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَابٌّ لَا يُعْرَفُ، قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ. قَالَ: فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا. فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ» . فَصَرَعَهُ الْفَرَسُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مُرْنِي بِمَا شِئْتَ. قَالَ: «فَقِفْ مَكَانَكَ، لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا» . قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَانِبَ الْحَرَّةِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَاءُوا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا، وَقَالُوا ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ. فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسِّلَاحِ، فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ. فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ، إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَهْوَ فِى نَخْلٍ لأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ، فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيهَا، فَجَاءَ وَهْيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟». فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَذِهِ دَارِي، وَهَذَا بَابِي. قَالَ:«فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلاً» . قَالَ: قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ. فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّى سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ. فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَيْلَكُمُ اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِى لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنَّكُمْ
لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، فَأَسْلِمُوا». قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ. قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ. قَالَ: «فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟» . قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا. قَالَ:«أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟» . قَالُوا حَاشَا لِلَّهِ، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ.
قَالَ «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟» . قَالُوا: حَاشَا لِلَّهِ، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ. قَالَ:«يَا ابْنَ سَلَامٍ، اخْرُجْ عَلَيْهِمْ» . فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ. فَقَالُوا: كَذَبْتَ. فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3329 - فتح: 7/ 249]
3912 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ - يَعْنِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضى الله عنه قَالَ: كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فِى أَرْبَعَةٍ، وَفَرَضَ لاِبْنِ عُمَرَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَمْسَمِائَةٍ فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ. يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ. [فتح: 7/ 253]
3913 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1276 - مسلم: 940 - فتح: 7/ 253]
3914 -
وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا خَبَّابٌ قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، وَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا نُكَفِّنُهُ فِيهِ، إِلاَّ نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، فَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُغْطِيَ رَأْسَهُ بِهَا، وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ إِذْخِرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا. [انظر: 1276 - مسلم: 940 - فتح: 7/ 253]
3915 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: هَلْ
تَدْرِي مَا قَالَ أَبِي لأَبِيكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَإِنَّ أَبِي قَالَ لأَبِيكَ: يَا أَبَا مُوسَى، هَلْ يَسُرُّكَ إِسْلَامُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِجْرَتُنَا مَعَهُ، وَجِهَادُنَا مَعَهُ، وَعَمَلُنَا كُلُّهُ مَعَهُ، بَرَدَ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ؟ (فَقَالَ أَبِي)
(1)
: لَا وَاللَّهِ، قَدْ جَاهَدْنَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَلَّيْنَا، وَصُمْنَا، وَعَمِلْنَا خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَإِنَّا لَنَرْجُو ذَلِكَ. فَقَالَ أَبِي: لَكِنِّي أَنَا وَالَّذِى نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ بَرَدَ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ. فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَاكَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَبِي. [فتح: 7/ 253]
3916 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ - أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - إِذَا قِيلَ لَهُ: هَاجَرَ قَبْلَ أَبِيهِ. يَغْضَبُ، قَالَ: وَقَدِمْتُ أَنَا وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْنَاهُ قَائِلاً فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ، فَأَرْسَلَنِي عُمَرُ وَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ هَلِ اسْتَيْقَظَ؟ فَأَتَيْتُهُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ نُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ فَبَايَعَهُ ثُمَّ بَايَعْتُهُ. [4186، 4187 - فتح: 7/ 255]
3917 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ قَالَ: ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلاً فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ قَالَ: فَسَأَلَهُ عَازِبٌ عَنْ مَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: أُخِذَ عَلَيْنَا بِالرَّصَدِ، فَخَرَجْنَا لَيْلاً، فَأَحْثَثْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ، فَأَتَيْنَاهَا وَلَهَا شَيْءٌ مِنْ ظِلٍّ قَالَ: فَفَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرْوَةً مَعِي، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ قَدْ أَقْبَلَ فِي غُنَيْمَةٍ يُرِيدُ مِنَ الصَّخْرَةِ مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا فَسَأَلْتُهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ أَنَا لِفُلَانٍ. فَقُلْتُ
(1)
تنبيه: كذا في اليونينية، دون إشارة إلى أي رواية، بينما تعقب ذلك الحافظ في "الفتح" 7/ 254 فقال: كذا وقع فيه، والصواب:(قال أبوك)؛ لأن ابن عمر هو الذي يحكي لأبي بردة ما دار بين عمر وأبي موسى وهذا الكلام الأخير كلام أبي موسى، وقد وقع في رواية النسفي على الصواب. اهـ فليتأمل!!
لَهُ هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ. قَالَ نَعَمْ. فَأَخَذَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ فَقُلْتُ لَهُ: انْفُضِ الضَّرْعَ. قَالَ: فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِى إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ عَلَيْهَا خِرْقَةٌ قَدْ رَوَّأْتُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ ارْتَحَلْنَا وَالطَّلَبُ فِى إِثْرِنَا. [انظر: 2439 - مسلم: 2009 (بعد رقم: 3014) - فتح: 7/ 255]
3918 -
قَالَ الْبَرَاءُ فَدَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا عَائِشَةُ ابْنَتُهُ مُضْطَجِعَةٌ، قَدْ أَصَابَتْهَا حُمَّى، فَرَأَيْتُ أَبَاهَا فَقَبَّلَ خَدَّهَا، وَقَالَ كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ؟ [فتح: 7/ 255]
3919 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ وَسَّاجٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَنَسٍ خَادِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ فِى أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. [3920 - فتح: 7/ 256]
3920 -
وَقَالَ دُحَيْمٌ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ وَسَّاجٍ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَكَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا. [انظر: 3919 - فتح: 7/ 257]
3921 -
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ بَكْرٍ، فَلَمَّا هَاجَرَ أَبُو بَكْرٍ طَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا، هَذَا الشَّاعِرُ الَّذِى قَالَ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ، رَثَى كُفَّارَ قُرَيْشٍ:
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
…
مِنَ الشِّيزَى تُزَيَّنُ بِالسَّنَامِ
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ
…
مِنَ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَامِ
تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمُّ بَكْرٍ
…
وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ
يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا
…
وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ
3922 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رضى الله عنه - قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِى الْغَارِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِأَقْدَامِ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآنَا. قَالَ:«اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ، اثْنَانِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» . [انظر: 3653 - مسلم: 2381 - فتح: 7/ 257]
3923 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: «وَيْحَكَ، إِنَّ الْهِجْرَةَ شَأْنُهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟» . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ «فَتُعْطِي صَدَقَتَهَا» . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا؟» . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَتَحْلُبُهَا يَوْمَ وُرُودِهَا؟» . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا» . [انظر: 1452 - مسلم: 1865 - فتح: 7/ 257]
حديث عبد الله بن زيد وأبي هريرة سلفا في باب: لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار
(1)
. وحديث أبي موسى سلف قريبًا في باب هجرة الحبشة
(2)
، و"وهلي": وهمي.
وقوله: ("فإذا هي يثرب") خاطبهم بما عقلوا حينئذ ولا ينبغي أن تسمى اليوم بذلك، وقد قيل من قاله وهو عالم كتبت عليه خطيئة.
ثم ساق البخاري (أحد عشر)
(3)
حديثًا:
(1)
حديث أبي هريرة سلف برقم (3779)، وحديث عبد الله بن زيد سلف قبله معلقاً.
(2)
سلف معلقاً قبل حديث (3872).
(3)
كذا في الأصل، وهو تحريف؛ فسيأتي أن عددهم أحد وعشرون حديثًا كما ذكر في الأصل خلال الشرح.
قلت: وفي هذا العدِّ الأخير وهم أيضًا؛ فقد تكرر رقم الحديث الثاني عشر مرتين، وعلى ذلك فعددهم الصحيح كما ورد: اثنان وعشرون حديثًا. هذا وقد زاد غيره من الشراح في عدها ففي "الفتح" 7/ 259: ستة وعشرون.
أحدها:
حديث خباب رضي الله عنه: هَاجَرْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم نُرِيدُ وَجْهَ اللهِ .. الحديث، سلف في الكفن من الجنائز
(1)
.
ومعنى: (أينعت له ثمرته): أدركت ونضجت يقال: ينع الثمر وأينع يينع ويونع فهو يانع ومونع
(2)
، وقال الفراء: ينع أكثر من أينع، و (يهدبها) بكسر الدال وضمها: يجتنيها ويقطفها.
وفيه أن الكفن من رأس المال كما سلف هناك، والنمرة: كساء ملون أي: مخطط أو بردة يلبسها الإِمام، والجمع: نمرات ونمار.
الحديث الثاني:
حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنما الأعمال بالنية" سلف في أول الكتاب وغيره
(3)
.
الحديث الثالث:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ) هذا قد سلف مرفوعًا مع تأويله
(4)
، وشيخه فيه إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الدمشقي الفراديسي، مولى عمر بن عبد العزيز مات سنة سبع وعشرين ومائتين. رواه عن يحيى بن حمزة قاضي دمشق مات سنة ثلاث وثمانين ومائة، عن الأوزاعي واسمه: عبد الرحمن بن عمرو مات سنة سبع وخمسين ومائة.
(1)
سلف برقم (1276).
(2)
قاله الأزهري في "تهذيب اللغة" 4/ 3988 مادة ينع.
(3)
سلف برقم (1) كتاب: بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبرقم (2529) كتاب: العتق، باب: الخطأ والنسيان في العتاقة
…
(4)
سلف برقم (2783) عن ابن عباس، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير.
الحديث الرابع:
حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لَا هِجْرَةَ اليَوْمَ .. ) إلى آخره. والفتنة فيه: الكفر، وكان المقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع الخروج كما قاله ابن التين.
وقولها: (وأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام)؛ لأن مكة صارت بعد الفتح دار إيمان.
الحديث الخامس:
حديثها أيضًا أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ: ثنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ: مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا نَبِيَّكَ وَأَخْرَجُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ.
قال الداودي: قوله (من قوم كذبوا رسولك)، يعني: بني قريظة، وكانوا يهود أشد الناس عداوة للمؤمنين كما وصفهم الله.
دعاء سعد لا يميته الله حتى تقر عينه بهلاكهم، فأستجيب له، وكان جرح في أكحله بنبل، فنزلوا علا حكمه فحكم بقتل المقاتلة وسبي الذرية كما سلف في ترجمته، ثم انفجر أكحله فمات.
قال: وقوله ثانيًا: (من قريش) ليس بمحفوظ
(1)
.
وظاهر القول جميعًا أنهم من قريش؛ لأنه قال: (وأخرجوه) ولم يخرجه بنو قريظة، فدعا هنا على قريش، ودعا على قريظة في موضع آخر، وقوله:(وقال أبان .. ) إلى آخره. قال في موضع آخر
(2)
:
(1)
قال الحافظ: وهذا إقدام منه على الروايات الثابتة بالظن الخائب .. "الفتح" 7/ 231.
(2)
ورد في الهامش: هذا قبل قول أبان سواء فاعلمه.
حدثنا زكريا بن يحيى، عن عبد الله بن نمير، عن هشام مطولًا بلفظ: فإن كان من حرب قريش شيء فأبقني حتا أجاهدهم فيك
(1)
.
الحديث السادس:
حديث هشام -هو ابن حسان- عن عكرمة، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، ثم مَاتَ وَهُوَ ابن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
سلف في المبعث
(2)
.
ثم ساقه عن عمرو بن دينار، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: مَكَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ وَهْوَ ابن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
وروى مالك في "موطئه" أنه أقام بمكة عشرًا وبالمدينة عشرًا وتوفي وهو ابن ستين
(3)
، وروي عن ابن عباس أنه توفي ابن خمس وستين
(4)
، وقيل: ابن اثنتين وستين
(5)
.
الحديث السابع:
حديث أبي سعيد الخدري السالف في فضائل أبي بكر رضي الله عنه، وجلوسه على المنبر لضعفه.
وفيه: خير الله نبيه وهو أعلم بما يسره الله إليه كما سبق في علمه.
وفيه: مدح المرء بحضرته إذا أمن عليه الفتنة.
(1)
سيأتي برقم (4122) كتاب: المغازي، باب: مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب.
(2)
سلف برقم (3851) كتاب مناقب الأنصار، باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
"الموطأ" ص 573 (1).
(4)
رواه مسلم برقم (2353) كتاب الفضائل، باب كم سن النبي صلى الله عليه وسلم يوم قبض.
(5)
أخرجه خليفة بن خياط في "تاريخه" ص 13.
وقوله: ("إلا خلة الإسلام") كذا هنا، وقال هناك:"إلا أخوة الإسلام"
(1)
. قال الداودي: وهو المحفوظ؛ لأنه نفى الخلة، وأنكر القزاز (خوة الإسلام)
(2)
بحذف الألف، وقيل: إنه نفى الخلة المختصة فالإنسان مفردًا وأوجب الخلة العامة، التي هي الإسلام في سائر الناس.
والخوخة: باب صغير وكان بعض الصحابة فتحوا أبوابًا في ديارهم إلى المسجد، فأمر الشارع بسدها إلا خوخة الصديق؛ ليتميز بذلك فضله.
وفيه: إيماء إلى الخلافة كما سلف.
الحديث الثامن:
حديث عائشة رضي الله عنها: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ.
فذكر حديث الهجرة بطوله وقد سلف قطعة منه في الكفالة في باب: جوار أبي بكر
(3)
.
معنى (يدينان الدين) تعني: مسلمين، وولدت عائشة رضي الله عنها في الإسلام.
و (برك الغماد): موضع في أقاصي هجر، والأكثر فتح الباء، ومنهم من كسرها. قاله القاضي عياض
(4)
.
(1)
سلف برقم (3654).
(2)
أشار الحافظ إلى أنها رواية للأصيلي وشرع في بيان توجيهها. انظر "المقدمة" ص 76، و"الفتح" 7/ 13 - 14، هذا وقد قال ابن بطال: لا أعرف معنى هذِه الكلمة ولم أجده (خوة) بمعنى (خلة) في كلام العرب .. "شرح ابن بطال" 2/ 115 - 116.
(3)
سلف برقم (2297).
(4)
"مشارق الأنوار" 1/ 115.
و (الغماد): بكسر الغين، وهو عند ابن فارس بضمها قال: وهو أرض
(1)
.
و (الدغنة): بفتح الدال
(2)
وكسر الغين
(3)
، وضم الدال والغين وتشديد النون.
قال الجياني: رويناه بهما ويقال: بفتح الدال وسكون الغين
(4)
. وقوله: (إنك تكسب المعدوم) أي: تعطيه المال، وتملكه إياه، يقال: كسبت الرجل مالاً وأكسبته.
قال الخطابي: وأفصح اللغتين حذف الألف
(5)
، ومنع القزاز إثباتها وجوزها ابن الأعرابي، وقد سلف إيضاح ذلك في أول الكتاب في حديث عائشة رضي الله عنها في بدء الوحي. قال ابن فارس: وهذا الفعل مماجاء على فعَل يفعِل
(6)
.
و (المعدوم) في حديث عائشة في بدء الوحي أي: المعدوم منه. و (تصل الرحم) أي: لا تمنع قرابتك من خيرك. و (تحمل الكَلَّ): أي: المنقطع به، أو العيال أو اليتيم، أو الثقل من كل ما يتكلف، (وتَقْري الضيف) تأتيه بالقرى وهو ما نأثره به، وقيل: لجمعه إليك من قريت الماء في الحوض إذا جمعته.
(وتعين على نوائب الحق) أي: تعين بما تقدر عليه من أصابته
(1)
"مجمل اللغة" 3/ 685 مادة [غمد].
(2)
في هامش الأصل: يعني المهملة.
(3)
ورد في الهامش: يعني المعجمة.
(4)
"تقييد المهمل" 1/ 247.
(5)
"أعلام الحديث" 3/ 1689.
(6)
"مجمل اللغة" 2/ 785 مادة [كسب] وفيه: وهذا مما جاء على فَعَلْتُه فَفَعَل.
نوائب. وقوله: (فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة) أي: لم ترده، وكل من كذب في شيء فقد رده.
وقوله: (فيقرأ القرآن فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم) أي: يتدافعون عند ازدحامهم عليه، وفي رواية: فيتقصف
(1)
. قال الخطابي: وهو المحفوظ أي: يزدحم، والأول تصحيف، قال: وأصل القصف الكسر، وأما ينقذف فلا وجه له إلا أن يجعل من القذف، وهو الدفع، فيقذف بعضهم بعضًا فيتساقطون عليه، قال: وفي هذا بعد
(2)
.
قلت: بل البعد التصحيف لبعد ما بين الدال والصاد.
وقوله: (قد كرهنا أن نخفرك) أي: ننقض عهدك -بضم النون- يقال: أخفرت إذا نقضت العهد، وخفرت إذا وفيت به.
وقوله: (على رسلك) هو بكسر الراء أي: أمهل لا تعجل؛ لأن الرسل بالفتح: الهينة، وبالكسر: التؤدة والحفظ.
وقوله: (ورق السمر، وهو الخبط) قال ابن فارس: يقال: خبط الورق من الشجرة، فإذا سقط فهو خبط
(3)
.
(ونحر الظهيرة): اشتداد الحر، وقال الداودي: هو أول ما يفيء الفيء. (متقنعًا) أي: متغطيًا و (أحب الجهاز): أسرعه، والسفرة من الجلد إما بزود أو غيره (يصنع)
(4)
فيه الطعام.
(1)
سلفت برقم (2297) كتاب الكفالة، باب: جوار أبي بكر
…
(2)
"أعلام الحديث" 3/ 1690.
(3)
"مجمل اللغة" 1/ 311 مادة [خبط].
(4)
في هامش الأصل: لعله: يوضع.
و (الجراب) بكسر الجيم، وربما فتح و (النطاق): إزار به تكة تلبسه النساء، والمنطق: كل شيء شددت به وسطك قاله ابن فارس
(1)
.
وقال الداودي: هو مئزر، والمنطق: الحقوة، وقال الهروي: النطاق: المنطق، وهو أن تأخذ المرأة ثوبًا فتلبسه ثم تشد إزارها وسطها بحبل، ثم ترسل الأعلى على الأسفل قال: وبه سميت أسماء ذات النطاقين؛ لأنها كانت تطارق نطاقًا على نطاق، وقيل: كان لها نطاقان تلبس أحدهما وتحمل في الآخر الزاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الغار
(2)
.
وقوله: (وهو غلام شاب ثقف لقن). قال الخطابي: الثقافة حسن التلقي (للأدب)
(3)
يقال: غلام ثقف، واللقن: الحسن التلقي لما يسمعه ويعلمه
(4)
، وقال ابن فارس: ثقفت الشيء إذا أقمت عوجه، ورجل ثقف، وقال: اللقن: السريع الفهم
(5)
.
فصل:
قوله: (فيدلج من عندهما بسحر) أي: يسير سحرًا من عندهما إلى مكة. يقال: أدلج: سار سحرًا، وادَّلج (رباعِيًّا)
(6)
إذا سار الليل كله، وقد سلف.
وقوله (فلا يسمع أمرًا يكادان به إلا وعاه) هو افتعال من الكيد، وفي رواية غير الشيخ أبي الحسن (يكتادان به) قال ابن التين: وهو أبين؛ لأن
(1)
"مجمل اللغة" 2/ 872 مادة (نطق).
(2)
"غريب الحديث" 2/ 31.
(3)
في الأصل: (للأب)، فلعله تحريف والمثبت كما عند الخطابي.
(4)
"أعلام الحديث" 3/ 1691.
(5)
"المجمل" 1/ 161 مادة (ثقف)، 2/ 811 مادة (لقن).
(6)
كذا في الأصل، والصواب:(خماسيًّا) كما ترى!!
كاد لا يتعدى إلى مفعولين، وإن قيل:(يكادان به) بالياء فتسقط النون بعد عامل. قلت: وعليه اقتصر الخطابي حيث قال: (يكتادان به) هو من الكيد، أخرجه على وجه الافتعال.
والمنحة: الشاة ذات اللبن يمنحها الرجل صاحبه يشرب لبنها، وترد رقبتها
(1)
قال ابن فارس: والمنحة والمنيحة منحة اللبن، والمنحة الناقة أو الشاة يعطي لبنها
(2)
، وقيل: هذا أصل المنحة ثم جعلت كل عطية منحة.
وقوله: (فيبيتان في رسل) هو بكسر الراء اللبن، ولذلك قال:(وهو لين منحتهما ورضيفهما).
والرضيف: أن تحمى الحجارة فتلقى في اللبن الحليب فتذهب وخامته وثقله، والجمع رضف، وشواء مرضوف أي: مشوي على الرضف، وقيل: هو اللبن يحسى به السقاء يعني خاثرًا
(3)
ثم يصب في القدح، وقد سخنت له الرضافة فتوضع الرضفة المحماة فتكسر من برده
(4)
، وروي: صريفها، والصريف اللبن ساعة يحلب
(5)
وقوله: (حتى ينعق بها عامر بن فهيرة) أي: يصيح، و (الغلس): ظلام آخر الليل.
وقوله: (واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل) هو عبد الله بن أريقط، وكان كافرًا، وقال موسى بن عقبة: أريقط وقيل: عبد الله بن أريقد.
(1)
"أعلام الحديث " 3/ 1691.
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 817.
(3)
في "الصحاح" 2/ 642، مادة (خثر): الخثورة نقيض الرقة، يقال خثَر اللبن يخثُر.
(4)
قاله الأزهري في "تهذيب اللغة" 2/ 1419 مادة (رضف).
(5)
"النهاية في غريب الحديث" 3/ 25 مادة (صرف).
قوله: (والخريت الماهر بالهداية) قيل: هو مأخوذ من خرات الإبرة، كأنه يهتدي بمثل خرتها ذكره الخطابي
(1)
، وقال ابن فارس: سمي بذلك لشقه المفازة، وحكى الكسائي خرتنا الأرض: إذا عرفناها، ولم تخف علينا طرقها
(2)
.
وقوله في الرجل من بني الديل: (وهو من بني عبد بن عدي)، ثم قال:(قد غمس حلفًا في آل العاصي ابن وائل السهمي) وفي رواية: غمس يمين حلف
(3)
، يريد أنه كان حليفًا لهم، وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيديهم في دم أو خلوق أو نحوهما من شيء فيه تلوين فيكون تأكيدًا للحلف.
والحلف: بفتح الحاء وكسر اللام مصدر حلفت، وتسكين اللام: العهد بين القوم.
وقوله: (فأمناه) أي: ائتمناه كقوله تعالى {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [البقرة: 283]
فصل:
قوله: (رأيت آنفًا أسودة) أي: شخوصًا. والأكمة: الكدية.
وقوله في فرسه: (فرفعتها تقرب) من التقريب ودون الحُضْر، وفوق سير العادة. قال ابن فارس: وهما تقريبان أدنى وأعلى
(4)
.
وقوله: (ساخت يدا فرسي في الأرض) يعني: دخلت كما يدخل في الماء والطين والتراب غير أن الأرض عليها شديدة.
وقوله: (فلم يرْزآني) أي: لم يأخذا مني شيئًا، ولم ينقصاه.
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 1687.
(2)
"مجمل اللغة" 1/ 286.
(3)
سلفت برقم (2263) كتاب: الإجارة، باب: استئجار المشركين عند الضرورة
…
(4)
"مجمل اللغة" 2/ 751 مادة [قرب].
وقوله: (فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم) وجاء أن أبا بكر كتب له في عظم فلقيه به قوم يوم فتح مكة بالجعرانة.
و (الركب): جمع راكب كتاجر وتجر، (وقافلين): راجعين. وما ذكره ابن شهاب عن عروة بن الزبير من أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة وأنه كساه وكسا الصديق ثياب بياض، غريب.
قال الدمياطي: لم يذكره الزبير بن بكار ولا أهل السير، وإنما هو طلحة بن عبيد الله. قال ابن سعد: لما ارتحل النبي صلى الله عليه وسلم من الخرار في هجرته إلى المدينة لقيه طلحة بن عبيد الله من الغد جاءٍ من الشام فكسا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر من ثياب الشام، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن [من]
(1)
بالمدينة من المسلمين استبطئوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وقوله: (أوفى رجل من يهود على أطم) أي: قام في أعلاه، والأطم: الحصن، وقيل: هو بناء معمول من حجارة كالقصر.
قوله: (مبيضين) أي: مبيضة ثيابهم، ويحتمل أن يريد مستعجلين. قال ابن فارس: حمس بائض: مستعجل، ويدل عليه قولهم:(يزول بهم السراب) ويحتمل أن يريد في وقت الهاجرة، وشدة الحر، وقد ضبط بتشديد الضاد.
و (السراب) أن يرى من شدة الحر شيء كالماء فإذا جئته لم تلق شيئًا كما قال تعالى: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: 39].
وقوله: (هذا جدكم) أي: حظكم ودولتكم التي تتوقعون مجيئه.
(1)
من هامش الأصل وعليها: لعله سقط.
(2)
"الطبقات الكبرى" 3/ 215.
وقوله: (فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي أبا بكر) سببه أن أبا بكر كان يسافر إلى الشام فعرف بالمدينة ولم يأتها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كبر فيعرفه أهلها.
وقوله (فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة) قيل: نزل على كلثوم بن الهدم أو سعد بن خيثمة، وقيل: أقام فيهم ثلاث ليال، حكاه الشيخ أبو محمد ولا خلاف أنه نزل بالمدينة على أبي أيوب.
وقوله (وأسس المسجد الذي أسس على التقوى) هذا صريح أنه مسجده
(1)
، وقد اختلف في ذلك في زمانه، وقال: إنه رواية أبي سعيد الخدري
(2)
، وقيل: إنه مسجد قباء، والأول أثبت، وقال الداودي: إنه ليس باختلاف كلاهما أسس على التقوى.
(المربد): الموضع الذي يجفف فيه التمر، ويسميه أهل العراق: البندر، وأهل الشام: الأندر، وأهل البصرة: الخوخان، وأهل مصر: الجُرين، وبعض أهل اليمامة: المسطح.
وقوله: (ثم دعا الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدًا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله فأبى أن يقبله منهما هدية حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدًا) وسلف في أحكام المساجد من حديث أنس فأرسل إلى ملأ بني النجار فقال: "يا بني النجار ثامنوني بحائطكم" قالوا: لا والله
(1)
ورد في هامش الأصل: والكلام صريح في أنه مسجد قباء، وما أدري من أين لهم أنه مسجده عليه السلام!!
(2)
رواية أبي سعيد الخدري بأن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أخرجها مسلم (1398) كتاب الحج، باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
لا نطلب ثمنه إلا إلا الله
(1)
. لا منافاة بينهما فقد يكلمهما ويستشفع بالملأ، ويتحمله الملأ إن كان الغلامين تحت الحجر.
و (اللبن) من الطين. يقال: بفتح اللام وكسر الباء، وكسر اللام وإسكان الباء.
وقوله: (فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي) هو عبد الله بن رواحة.
وقوله: (قال ابن شهاب: ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات). أنكر عليه هذا من وجهين:
أحدهما: أنه رجز وليس بشعر
(2)
، ولا يطلق على الرجز شعر. قالوا: وإنما هو كالكلام المسجع بدليل أنه يقال لصاحبه: راجز، ويقال: أنشد رجزًا، لا شعرًا.
والثاني: أنه ليس برجز ولا موزون.
واختلف هل يحكي الشاعر الشعر وعلى القول بنفي الحكاية عنه، اختلف هل يحكي بيتًا واحداً، فقال قوم: لا يتمه إلا شعرًا، وقال آخرون: ليس البيت الواحد شعرًا. وفيه بعد.
وقوله:
(هذا الحمال لا حمال خيبر
…
هذا أبرُّ ربَّنَا وأطهر)
أي: هذا الحمل والمحمول من اللبن أبو عند الله وأطهر أي: أنقى ذخرًا، وأدوم منفعة (لا حمال خيبر) من التمر والزبيب والطعام المحمول
(1)
سلف برقم (428).
(2)
جاء في هامش الأصل: الصحيح أن الرجز شعر إذا كان موزونًا لكن للشعر ثلاثة شروط: تثبت هنا وهو أن يكون: موزونًا مقفًّا مقصودًا.
منها الذي يتغبط به حاملوه والذي كنا نحمله ونتغبط به، والحمال والحمل واحد، وقد رواه المستملي بالجيم ضمًّا وله وجه، والأول أظهر.
الحديث التاسع:
حديث أسماء رضي الله عنها صَنَعْتُ سُفْرَةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَا المَدِينَةَ، فَقُلْتُ لأَبِي: مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبُطُهُ إِلَّا نِطَاقِي. قَالَ: فَشُقِّيهِ. فَفَعَلْتُ، فَسُمِّيتُ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ.
قد سلف ذلك في الحديث قبله واضحًا.
الحديث العاشر:
حديث البراء رضي الله عنه: لَمَّا أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى المَدِينَةِ تَبِعَهُ سُرَاقَةُ .. الحديث، وقد سلف في حديث الهجرة قبله، وزاد هنا: فَعَطِشَ النبي صلى الله عليه وسلم، فَمَرَّ بِرَاعٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ كُثبَة لَبَنٍ، فَأَتَيْتُهُ فَشَرِبَ حَتَى رَضِيتُ. وقد سلف الجواب عن ذلك.
الحديث الحادي عشر:
حديث زكريا بن يحيى، عن أبي أسامة، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ المَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ، فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ، ثُمّ أَتَيْتُ بِهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ في حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ، فَمَضَغَهَا، ثمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ هو رِيقُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلدَ في الإِسْلَامِ.
تَابَعَهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهْيَ حُبْلَى.
ثم ساق الثاني عشر:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلَامِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فذكرت تحنيكه.
وشيخ البخاري (زكريا) من أفراده، وهو أبو يحيى، زكريا بن يحيى بن صالح بن سليمان بن مطر اللؤلؤي البلخي الحافظ الفقيه إمام مصنف، مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين حكاه الكلاباذي وقال غيره: سنة ثلاثين
(1)
.
وخالد بن مخلد هو القطواني الكوفي من رجال مسلم أيضًا كنيته أبو الهيثم، نسب إلى التشيع، وقال أحمد وغيره له مناكير. مات سنة ثلاث عشرة ومائتين
(2)
.
وشيخُ خالدٍ عليُّ بنُ مُسْهِر، أبو الحسن، قاضي الموصل الجرمكي الكوفي الحافظ المحدث الفقيه أخو عبد الرحمن مات سنة تسع وثمانين ومائة. ومتابعة خالد أخرجها الإسماعيلي من حديث سويد بن سعيد، ثنا أبو مسهر، عن هشام، ومن حديث عثمان ثنا خالد به.
ومعنى (متم) حانت ولادتها قاله الداودي، وفي "الصحاح" مثله
(3)
، قال ابن فارس: امرأة حبلى متم، وولدت لتمام
(4)
.
وقولها: (وكان أول مولود ولد في الإسلام) أي: بالمدينة من المهاجرين. قال الداودي: المشهور أنها ولدته لسنة ونصف من
(1)
انظر: "الجمع بين الصحيحين" لابن القيسراني 1/ 152.
(2)
انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 3/ 174، و"الجرح والتعديل" 3/ 354، "تهذيب الكمال" 8/ 163، "التقريب" ص 190.
(3)
"الصحاح" 5/ 1877 مادة (تيمم).
(4)
"مجمل اللغة" 1/ 145.
الهجرة؛ لأنهم لما قدموا المدينة تأخرت ولادة نسائهم حتى خافوا أن يكون اليهود سحرتهم، فلما ولد عبد الله فرح المسلمون ثم ولد بعده في ذلك العام النعمان بن بشير ولد للأنصار بعدها. والمشهور في قباء المد والقصر.
ومعنى (تفل في فيه) من ريقه، وهو بالتاء: المجة بثنتين. والتحنيك: أن يمضغ التمرة ثم يدلكها بحنك الصبي، يقال: حنكه وحنكته فالصبي محنك ومحنوك.
ومعنى (برك عليه): دعا له بالثبات على الخير والدوام ومنه: تبارك الله أي: ثبت الخير عنده في [
…
]
(1)
ومنه سميت بركة الماء، بركة لإقامة الماء فيها.
وقوله: (فلاكها، ثم أدخلها في فيه). ظاهرُهُ أن اللوك كان قبل أن يدخلها في فيه، والذي عن أهل اللغة أن التلوك في الفم كما نبه عليه ابن التين
(2)
.
الحديث (الثاني عشر)
(3)
:
حديث أنس رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ .. الحديث بطوله في الهجرة.
قال الداودي: يحتمل أن يردفه على الراحلة التي هو عليها أو على
(1)
كلمة غير واضحة بالأصل ..
(2)
هذا فيهم عجيب، فإن الضمير في قوله:(في فيه) يعود على ابن الزبير أي: لاكها النبي صلى الله عليه وسلم في فمه ثم أدخلها في فِيِّ ابن الزبير، وهو واضح لمن تأملها. قاله الحافظ في "الفتح" 7/ 249.
(3)
كذا في الأصل، وهو تكرار، وعليه جرى في عدِّ ما بعده، لكن صوابه هنا: الحديث الثالث عشر. كما أشرنا أول الباب، فلينتبه.
راحلة أخرى وراءه قال تعالى {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] أي: يتلو بعضهم بعضًا، والتأويل هو الأول، ولا يصح الثاني كما نبه عليه ابن التين؛ لأن الردف على قول الداودي يكون خلف، ولا يصح أن يكون أبو بكر يمشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن في الحديث:(يلقى الرجل أبا بكر فيقول له: من هذا؟) وكان ذلك في انتقالهم من بني عمرو بن عوف، والحديث نص في أنه كان في مسيرهم إلى المدينة.
قال غيره: وكان ركوبهم من بني عمرو يوم الجمعة، فمر ببني سالم فصلى فيهم الجمعة.
قوله: (وأبو بكر شيخ والنبي صلى الله عليه وسلم شابٌّ) كان أبو بكر أسرع الشيب إليه بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مات وليس في لحيته ورأسه عشرون شعرة بيضاء؛ وأبو بكر كان (أسنَّ)
(1)
منه؛ لأنه مات بعده بسنتين ونيف، وماتا وعمرهما واحد
(2)
. قال مالك: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر أبناء ستين سنة، وقيل: ثلاث وستين، وقيل في عُمْرِ عُمَر: ابن خمس وخمسين.
وقوله: (فصرعه الفرس- وفي رواية: (فرسه)
(3)
- ثم قامت تحمحم)
(1)
في هامش الأصل: صوابه: أصغر. اهـ[قلت: انظر التعليق التالي].
(2)
روى ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثنى" 1/ 87 (51) من طريق ميمون بن مهران، عن يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر:"أنا أكبر أو أنت؟ " قال: لا بل أنت أكبر مني وأكرم مني، وخير مني، وأنا أسنُّ منك وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" 4/ 178: وهذا الخبر لا يعرف إلا بهذا الإسناد، وأحسبه وهما؛ لأن جمهور أهل العلم بالأخبار والسير والآثار يقولون: إن أبا بكر استوفى بمدة خلافته سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة. اهـ وانظر "الفتح" 7/ 250 - 251.
(3)
انظر هامش اليونينية حديث رقم (3911).
قال ابن التين: فيه نظر؛ لأنه لا يخلو أن يكون الفرس أنثى فلا يجوز: فصرعه. وإنما يجوز: فصرعته، أو يكون يعني ذكرًا فلا تقول: قامت تحمحم، وإنما يجوز: قام يحمحم
(1)
، وتحمحم: يصيح صياحة إذا رأى العلف.
وقوله: (وكان آخر النهار مسلحَةً له) أي: يدفع عنه الأذى. وقوله: (وحفوا دونهما بالسلاح) قال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] أي: محدقين.
وقوله: (إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم) أي: يجتني لهم الثمار.
وقوله: ("فهيِّئ لنا مقيلًا") أي: مكانًا نقيل فيه. والمقيل: النوم نصف النهار، وقال الأزهري: القيلولة والمقيل: الاستراحة نصف النهار كان معها نوم أم لا بدليل قوله تعالى {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24] والجنة لا نوم فيها: يقال: قِلْتُ، أقيلُ، قيلولة، وقائلة، ومقيلاً
(2)
.
قال الداودي: "فهيئ لنا مقيلًا": يعني دار أبي أيوب. و (سلام) مخفف اللام.
الحديث الثالث عشر:
حديث نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلينَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ في أَرْبَعَةٍ، وَفَرَضَ لاِبْنِ عُمَرَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَمْسَمِائَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِنَ المُهَاجِرِينَ، فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ. يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ.
(1)
يجاب عن ذلك بما قاله أهل اللغة منهم الجوهري: الفرس يقع على الذكر والأنثى. "الصحاح" 3/ 957 مادة (فرس).
(2)
"معجم تهذيب اللغة" 3/ 2862.
اعترض ابن التين حيث قال: رواه نافع عن (عمر)
(1)
: فإن يكن أدركه، أو هو وهم في النقل، أو هو حديث مرسل.
قلت: نافع إنما رواه عن ابن عمر عن عمر فزال الإشكال، فلعل نسخة وقعت له كذلك.
وقوله: (أربع آلاف في أربعة) قيل: معناه أربعة آلاف وأربعة آلاف. وقيل: معناه في أربعة أعوام. قال سعيد بن المسيب: المهاجرون الأولون هم الذين صلوا القبلتين، هم السابقون، ثم سائر من هاجر قبل الفتح
(2)
، وفرض عمر رضي الله عنه لحسن وحسين وأسامة كما فرض لهؤلاء
(3)
، وإنما نقص ابنه لقرابته منه؛ لأنه من بني عدي ويضاهى به قاله الداودي. وقيل: كان نائبًا وأتى أبو بكر بمال كان فيه سيوف، وكان فيه سيف محلى فقال له ابنه عبد الرحمن: أعطنيه، فناوله إياه أبو بكر، فبادر عمر فقال: أنا آخذه فأعطاه إياه فنزع حليته، فردها في المال، وأعطى النصل لعبد الرحمن، وقال: لم أنفسك في السيف إنما خشيت أن يتقول الناس على أبيك. وقال المسور لعبد الرحمن صبيحة بايع لعثمان قبل أن يبايعه: إنك لها لأهل، فقال: أنا آتي بعد عمر! لقد أتعب من بعده.
وقوله: (إنما هاجر به أبواه) يعني: أنه كان في عيال أبيه، وكان عمره حينئذ ثنتى عشرة (سنة وأشهر)
(4)
.
(1)
في الأصل: (ابن عمر) ومقتضى السياق ما أثبتناه، وانظر "الفتح" 7/ 253.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 7/ 346 - 347.
(3)
المصدر السابق 6/ 456.
(4)
تعقب ذلك الحافظ في "الفتح" 7/ 254 فقال: كان لابن عمر حين الهجرة إحدى عشرة سنة، ووهم من قال اثنتا عشرة، وكذا ثلاث عشرة؛ لما ثبت في الصحيحين أنه عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة، وكانت أحد في شوال سنة ثلاث. اهـ
الحديث الرابع عشر:
حديث خباب تقدم قريبًا، وفي الجنائز أيضًا
(1)
.
الحديث الخامس عشر:
حديث أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: هَلْ تَدْرِي مَا قَالَ أَبِي لأَبِيكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَإِنَّ أَبِي قَالَ لأَبِيكَ .. الحديث.
قاله له إشفاقًا وقد كانت أعمالهم حسنة زكية، ولم ينالوا فوق الكفاف، وكان عمر رضي الله عنه من أزهد الناس؛ لأنه قدر فترك.
قوله: (فقال أبي: لكني أنا والذي نفس عمر بيده لوددت أن ذلك برد لنا، وأن كل شيء عملناه بعد نجونا منه كفافًا رأسًا برأس) يقال: برد الشيء إذا ثبت، وبرد لي على الغريم حق إذا وجب، ويقال: ما برد ذلك على فلان فهو علي.
الحديث السادس عشر:
حديث أبي عثمان قال: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا قِيلَ لَهُ: هَاجَرَ قَبْلَ أَبِيهِ. يَغْضَبُ .. الحديث.
سبب غضبه؛ لئلا يرفع فوق قدره، ولئلا ينافس والده.
وقوله (فوجدناه قائلا) أي: في قائلة نصف النهار، وذلك حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرًا، قاله الداودي.
وقوله (فدخلت فبايعته ثم انطلقت إلى عمر) إنما بايع قبله؛ تنافسًا في الخير؛ لأن تأخير ذلك لا ينفع عمر فنقص حظ نفسه بغير نفع أخيه، قاله الداودي.
(1)
سلف برقم (1276) وأول هذا الباب.
قال ابن التين: وفيه تجوز؛ لأنه كان ينفع عمر لو فعل باستعجال بيعته بمقدار تأخره في بيعته إلا أنها منفعة يسيرة، ومنفعة ابن عمر كثيرة. وقوله (نهرول) الهرولة بين المشي والعدو، ففيه المسارعة إلى الخير.
الحديث السابع عشر:
حديث البراء قَالَ: ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلاً .. الحديث. سلف في باب: علامات النبوة
(1)
، وزاد هنا: قال البراء: فدخلت مع أبي بكر على أهله فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابها حمى فرأيت أباها يقبل خدها، وقال: كيف أنت يا بنية؟
قوله (قد روأتها
(2)
لرسول الله صلى الله عليه وسلم) يقال: روأت في الأمر وبه إذا نظرت فيه ولم تعجل بجواب.
وقوله (كثبة من لبن) كذا هي بالثاء المثلثة، وكذا سلف هناك، وقد أسلفنا عن الخطابي (كنفة) بالفاء، وأنه غلط، والكثيف ضد القليل
(3)
، وضبطه في بعض النسخ: كنفة بالنون والكنف: الوعاء.
الحديث الثامن عشر:
حديث عقبة بن وساج عن أَنَسُ رضي الله عنه: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وليس في أصحابه أشمط غير أبي بكر، فَغَلَفَهَا.
وقال دحيم: ثنا الوليد، ثنا الأوزاعي قال: حدثني أبو عبيد عن عقبة به ولفظه: فكان أسن أصحابه أبو بكر، فغلفها بالحناء والكتم حتى قنأ لونها.
(1)
سلف برقم (3615).
(2)
ورد بهامش الأصل: كذا للجميع في البخاري، وصوابه:(روتها) قاله ابن قرقول، وكذا ابن الأثير. أي: شددتها بالرواء، وهو حبل. [انظر:"النهاية" 2/ 280].
(3)
"أعلام الحديث " 3/ 1696.
هذا
(1)
تابعي من أفراد البخاري، وثقه أبو داود، قتل سنة اثنتين وثمانين.
و (أبو عبيد) حيّ -وقيل: حُوَي- حاجب سليمان بن عبد الملك المذحجي روى عن أنس أيضًا وثقه مالك.
والأشمط: الذي يخالط شعره سواد وبياض، رجل أشمط وامرأة شمطاء.
وقوله (فغلَّفها) يعني: لحيته دل على ذلك قوله: (أشمط) ومعنى غلَّفها: خضبها وكل شيء ستر شيئًا فهو غلاف له، وغلَّفها مشدد اللام يقال: غلَّفت لحيته ويغلفها، ومنه تغلفت السكين: جعلت لها غلافًا، وكذلك إذا أدخلتها في الغلاف. (وقنأ
(2)
لونها) اشتدت حمرته حتى ضرب إلى السواد. يقال: قنأ يقنؤ قنوءًا: احْمرَّ، يقال: أحمر قاني، وأبيض ناصع، وأصفر فاقع.
و (الحناء): جمع حناءة ممدود، وأصله الهمز، يقال: حنأت لحيته بها، وبها سمي الرجل حناة، وهو شجر كبار مثل شجر السدر، وهو يُرْزق في كل عام مرتين.
وزعم أبو زيد السهيلي أنه يجمع على حُنَّان -بضم الحاء وتشديد النون- على غير قياس، وأنشد فيه شعرًا، قال: وهو عندي لغة في الحناء لا جمع له
(3)
، وقال في "المحكم": الحنان بكسر الحاء لغة في الحناء عن ثعلب
(4)
.
(1)
يعني عقبة بن وساج.
(2)
ورد بهامش الأصل تعليق نصه: قنأ مهموز هو الأفصح. قاله ابن الأثير. ويقال بتركه لغة أخرى [انظر: "النهاية في غريب الحديث" 4/ 111].
(3)
"الروض الأنف" 4/ 100.
(4)
"المحكم" 2/ 375.
وفي "المعجم" للطبراني أنه صلى الله عليه وسلم سماه طيبًا
(1)
، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه
(2)
، فلا يجوزونه للمحرم، وخالفوه.
و (الكتم): ورق يخضب به، وقيل: إنه يلطخ مع الوسمة، وقيل: إنه الوسمة، وأطال بعضهم في وصفه وهو بالتخفيف خلافًا لأبي عبيدة حيث شدده. ذكره في "ديوان الأدب"، وفيه جواز الصبغ، وقد سلف ذكره، ويشبه أن يريد استعمال الكتم مجردًا عن الحناء، فإن الحناء إذا غسل بالكتم جاء أسود، وعلى قول من كره تغيير الشيب بالسواد لا يجوز، وذكر بعضهم أنه حناء قريش يعني الذي صبغه أصفر. وقال بعضهم: هو النيل.
الحديث التاسع عشر:
حديث عائشة رضي الله عنها، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ بَكْرٍ، فَلَمَّا هَاجَرَ أَبُو بَكْرٍ طَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا ابن عَمِّهَا هذا الشَّاعِرُ الذِي قَالَ هذه القَصيدَةَ، ورَثَى بها كُفَّارَ قُرَيْشٍ:
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
…
مِنَ الشِّيزى تُزَيَّنُ بِالسَّنَامِ
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
…
مِنَ القَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الكِرَامِ
تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمُّ بَكْرٍ
…
فَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ
يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا
…
وَكيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ
(1)
رواه في "المعجم الكبير" 23/ 418 من حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: "لا تطيبي وأنت محرمة ولا تمسي الحناء فإنه طيب". وكذا رواه البيهقي في "المعرفة" 7/ 168 (9689) ضم ضعف إسناده، وضعفه كذلك الحافظ في "التلخيص" 2/ 282.
وانظر: "نصب الراية" 3/ 124.
(2)
"المبسوط " 4/ 15، "بدائع الصنائع" 2/ 415، "الهداية" 1/ 156.
هذا الرجل سماه ابن إسحاق في "السيرة": شداد بن الأسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة -بإسكان العين مع فتح الجيم- بن عورة -بضم العين- بن أشجع بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة يكنى أبا بكر، ويعرف: شعوب، وعن ابن هشام قال أبو عبيدة: كان أسلم ثم ارتد
(1)
.
وقال ابن حبيب: شعوب، أمه من خزاعة، واسمه عمرو بن شمر بن ليث بن عبد شمس بن مالك، له شعر كثير قاله وهو كافر، ثم أسلم بعد. وقال المرزباني: كان شاعرًا رثى قتلى بدر من المشركين، وفي "صحيح الإسماعيلي" أن عائشة رضي الله عنها كانت تدعو على من يقول: إن أبا بكر قال هذا القصيدة.
والقليب: البئر قبل أن تطوى، وقيل البئر العارية، و (الشيزى) مقصور: خشب أسود يتخذ منه قصاع وجفان، وكذا الشيز.
وقال أبو حنيفة: يقال للقصاع والجفان شيزى (
…
)
(2)
الشيز، وربما قالوا: الشزية فنسبوها إليه وكذلك محلات السكر، وذلك لسواد الجفان، وقال الأصمعي: إنما هي من خشب الجوز يسود من الدسم، والشيزى جمع شيز، والشيز يغلظ حتى ينحت منه، وقد أكثر الشعراء ذكر الشيزى والشيزية
(3)
. وقال الخطابي: الشيزى شجر يتخذ منه الجفان، وكانوا يسمون الرجل المطعِم جفنة؛ لأنه يطعم الناس فيها
(4)
، وتبعه ابن التين.
(1)
"سيرة ابن هشام" 2/ 400 - 104.
(2)
كلام غير واضح في الأصل بمقدار ثلاث كلمات.
(3)
انظر: "تاج العروس" للزبيدي 8/ 82 مادة (شيز).
(4)
"أعلام الحديث" 3/ 1699.
والمعنى: ماذا ببدر من أصحاب الجفان وأصحاب القينات كقوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]. وقال الداودي: هي الجمال، قال: ومعنى (تزين بالسنام) يعني: بالأسنمة الإبل؛ لأن الإبل إذا سمنت تعظم أسنمتها، ويعظم جمالها، وهذا غلط منه كما قاله ابن التين، وإنما أراد بالقليب المطعمين في الجفان، وكان العرب تسمي الرجل الكريم جفنة؛ لأنه يطعم الأضياف و (القيْنات): جمع، واحدهن: قينة، وهي المغنية، ويقال ذلك للماشطة وللأمة، قال الخطابي: وللحرة
(1)
.
وقال ابن فارس: القين والقينة: العبد والأمة، قال: والعرب تسمي المغنية القينة
(2)
. و (الشرب) بفتح المعجمة، جمع شارب في قول الأخفش، واسم الجمع في قول سيبويه وجزم الخطابي بأنه جمع شارب يعني: الندماء الذين يجتمعون للشرب
(3)
، وتبعه ابن التين، مثل: تاجر وتجر، وصاحب وصحب.
وقوله: (تُحَيِّي بالسلامة أم بكر) فيه دلالة على أن معنى السلام الذي هو التحية: السلامة، ومصدر قولهم: سلم الرجل سلامًا وسلامة، ألا تراه كيف عطف عليه في المصراع الأخير بالسلام، يريد: وهل لي بعد هلاك قومي من سلام.
والأصداء: جمع صدى، وهو ما كان يزعمه أهل الجاهلية من أن روح الإنسان تصير طائرًا يقال له: الصدى. وقيل: هو الذكر من الهام. وذلك من ترهات الجاهلية وأباطيلهم وإنكاراتهم للبعث. وقال الداودي: الصدى: عظام الميت.
(1)
المصدر السابق 3/ 1700.
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 739 مادة (قين).
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 1699.
والهام: جمع هامة، وهم الموتى، يقال: أصبح فلان هامة: إذا مات. ويحتمل أن يريد الأشراف؛ لأن هامة القوم سيدهم. وذكر الداودي عن (أبي عبيدة)
(1)
في "تفسيره" أن العرب كانت تقول: إذا مات الميت تكون من عظامه [هامة]
(2)
تطير.
قال الهروي: يسمون ذلك الطائر الذي يخرج من هامة الميت: الصدى
(3)
. وذكر ابن فارس أن العرب كانت تقول: إن القتيل إذا لم يدرك بثأره يصير هامة في القبر، (فتزقو)
(4)
فتقول: اسقوني اسقوني. فإذا أُدْرِكَ ثأره طارت
(5)
.
ويحتمل أن يريد بالهام الرئيس
(6)
، قاله الداودي، والظاهر ما سلف؛ لقوله:(وكيف حياة أصداء وهام) فذلك لا يقال للرئيس؛ بلي وصار لا يرجى.
الحديث العشرون:
حديث أبي بكر، رضي الله عنه: كُنْتُ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإذَا أَنَا بِأَقْدَامِ المشركين، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآنَا. قَالَ:"اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ، اثْنَانِ اللهُ ثَالِثُهُمَا".
(1)
في الأصل: (ابن عبدة)، ولعله تحريف، والمثبت من "تهذيب اللغة" 4/ 3698 مادة (هام)، و"اللسان" مادة (هوم) وكذا "عمدة القاري" 14/ 46 وغيرهما؛ فالكلام إنما نسب لأبي عبيدة لا ابن عبدة.
(2)
ساقطة من الأصل، والمثبت من مصادر التخريج كما في التعليق السابق.
(3)
"غريب الحديث" 1/ 26 - 27.
(4)
في الأصل: (فتشربوا)، وهو تحريف، والمثبت من مصدر التخريج وغيره، وتزقو يعني: تصيح.
(5)
"مجمل اللغة" 2/ 897 مادة (هام).
(6)
ورد بهامش الأصل: هذا القول تقدم قريبًا.
فيه: الفضل الباهر لهما.
الحديث الحادي بعد العشرين:
حديث أبي سعيد، رضي الله عنه: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسَأَلَهُ عَنِ الهِجْرَةِ.
الحديث سلف في الزكاة، في باب زكاة الإبل فراجعه
(1)
.
وزاد هنا: "فهل تمنح منها؟ " قال: نعم. قال "فتحلبها يوم وردها؟ " قال: نعم.
ومعنى ("يترك"): ينقصك، وذكر الإسماعيلي أن الفريابي قاله بالتشديد، والله أعلم.
(1)
سلف برقم (1452).
46 - باب مَقْدَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ المَدِينَةَ
3924 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ - رضى الله عنه - قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَبِلَالٌ رضى الله عنهم. [فتح: 7/ 259]
3925 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ، فَقَدِمَ بِلَالٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِى عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى جَعَلَ الإِمَاءُ يَقُلْنَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1] فِى سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ. [فتح: 7/ 259]
3926 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ. قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ، كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلَالُ، كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِى أَهْلِهِ
…
وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أَقْلَعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ وَيَقُولُ:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
…
بِوَادٍ وَحَوْلِى إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ
…
وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِى صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ» . [انظر: 1889 - مسلم: 1376 - فتح: 7/ 262]
3927 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيٍّ أَخْبَرَهُ: دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ.
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ، وَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَآمَنَ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ هَاجَرْتُ هِجْرَتَيْنِ، وَنِلْتُ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ.
تَابَعَهُ إِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ مِثْلَهُ. [انظر: 3696 - فتح: 7/ 263]
3928 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ. وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَهْوَ بِمِنًى فِى آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، فَوَجَدَنِي، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ، وَإِنِّى أَرَى أَنْ تُمْهِلَ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، وَتَخْلُصَ لأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ وَذَوِى رَأْيِهِمْ. قَالَ عُمَرُ لأَقُومَنَّ فِى أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ. [انظر: 2462 - فتح: 7/ 264]
3929 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ - امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُمْ فِى السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ، قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ: فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا، فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، وَجَعَلْنَاهُ فِى أَثْوَابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟» . قَالَتْ: قُلْتُ: لَا أَدْرِى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ؟ قَالَ:«أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّى لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَمَا أَدْرِي وَاللَّهِ - وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ - مَا يُفْعَلُ بِي» . قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ. قَالَتْ: فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَنِمْتُ فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:«ذَلِكَ عَمَلُهُ» . [انظر: 1243 - فتح: 7/ 264]
3930 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ عز وجل لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وَقُتِلَتْ سَرَاتُهُمْ فِى دُخُولِهِمْ فِى الإِسْلَامِ. [انظر: 3777 - فتح: 7/ 264]
3931 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى، وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ {تُغَنِّيَانِ} بِمَا تَقَاذَفَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ. مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ» . [انظر: 949 - مسلم: 892 - فتح: 7/ 264]
3932 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ: حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، نَزَلَ فِى عُلْوِ الْمَدِينَةِ فِى حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. قَالَ: فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي النَّجَّارِ. قَالَ: فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ، قَالَ: وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَكَانَ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّي فِى مَرَابِضِ الْغَنَمِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا فَقَالَ:«يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ هَذَا» . فَقَالُوا: لَا، وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ. قَالَ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ: كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَتْ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَ فِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، قَالَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ - قَالَ: وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً. قَالَ: قَالَ: جَعَلُوا يَنْقُلُونَ ذَاكَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ يَقُولُونَ:
اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ
…
فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
ذكر فيه تسعة أحاديث:
أحدها:
حديث البراء رضي الله عنه: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَبِلَالٌ.
قدومهما وكذا قدوم كل من هاجر إنما كان فرارًا مما لقوه من الأذى، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فرضت الهجرة من مكة، وذكر ابن إسحاق أنه عليه السلام أرسل مصعبًا مع الأنصار لما بايعوه فكان يُسمى المقرئ، وهو أول من سمي به
(1)
، وذكر ابن سعد أن الأنصار أرسلت إليه: ابعث لنا من يقرئنا، فبعثه إليهم
(2)
، وكان أول من هاجر من مكة إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد قبل بيعة العقبة لسنة، وذلك أنه قدم من عند الحبش فآذاه أهل مكة وبلغه إسلام من أسلم
من الأنصار فخرج إليهم.
الحديث الثاني:
حديثه أيضًا بمثله وزيادة سعد مع بلال وعمار، ثم قدم عمر في عشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله، فما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} في سور من المفصل.
قلت: كان الذي علمه مصعب بن عمير، ومن هاجر معه من المسلمين. وسلف الكلام في الصلاة على المفصل، ولم سمي
(1)
انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 42.
(2)
"الطبقات الكبرى" 1/ 220.
مفصلاً، وأعظم بما فرحوا به، وفي أخرى: لما قدم المدينة جعل النساء والصبيان يقلن
(1)
:
طلع البدر علينا
…
من ثنيات الوداع
وجب الشكرعلينا
…
ما دعا لله داع
الحديث الثالث:
حديث عائشة رضي الله عنها في وعك أبي بكر وبلال سلف في آخر الحج، ودخولها على بلال عيادة (له)
(2)
-وهي من القرب- كان قبل نزول الحجاب.
الحديث الرابع:
حديث عثمان سلف في ترجمته، ذكره من حديث معمر عن الزهري به ثم قال: وقال بشر بن شعيب: حدثني أبي عن الزهري بمثله، وسلف هناك من حديث يونس عن الزهري
(3)
، ثم قال: تابعه إسحاق الكلبي: حدثني الزهري بمثله، وسلف هناك من حديث يونس عن الزهري.
الحديث الخامس:
حديث ابن عباس أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ بِمِنًى فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، فَوَجَدَنِي، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وغوغاءهم، وَإِنِّي أَرى أَنْ تُمْهِلَ حَتَّى تَقْدَمَ المَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، وَتَخْلُصَ لأَهْلِ
(1)
في هامش الأصل: فيه نظر، وإنما قلن ذلك في مرجعه من []، وثنيات الوداع من جهة الشام لا من جهة مكة اهـ[قلت: الذي بين المعكوفين بياض، لكن قال الحافظ في "الفتح" 7/ 262: ولعل ذلك كان في قدومه من تبوك].
(2)
تحرفت في الأصل: (لها)، والمثبت الصواب.
(3)
سلف برقم (3696) كتاب فضائل الصحابة. باب مناقب عثمان بن عفان.
الفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ وَذَوِي رَأْيِهِمْ. فقَالَ عُمَرُ لأَقُومَنَّ في أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ
المراد بالرعاع: الدون، وفيه الإشارة على الأمراء بما فيه السداد.
الحديث السادس:
حديث عثمان بن مظعون في تزكيته، سلف في الجنائز
(1)
.
وراويته أم العلاء بنت الحارث بن ثابت بن حارثة بن ثعلبة ابن خلاس بن أمية بن خدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج أخي الأوس، وزاد هنا: فأحزنني ذلك فنمت فأريت لعثمان بن مظعون عينًا تجري، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال:"ذلك عمله".
قولها: (حين قرعت). كذا هو ثلاثي وفي نسخة: (اقترعت). قال ابن فارس: الإقراع والمقارعة في المساهمة، وقارعت فلانًا فقرعته أي: أصابتني القرعة دونه
(2)
.
الحديث السابع:
حديث عائشة رضي الله عنها كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ قَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولِهِ. الحديث وقد سلف
(3)
.
الثامن:
من حديثها أيضًا فيه، وقد سلف في العيد
(4)
.
(1)
سلف برقم (1243) باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه.
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 748 مادة: قرع.
(3)
سلف برقم (3777) كتاب مناقب الأنصار.
(4)
سلف برقم (952) كتاب العيدين، باب: سنة العيدين لأهل الإسلام.
قال الخطابي: (يريد)
(1)
بالقينتين فيه جاريتين لا مغنيتين
(2)
، يريد أن ينزه بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعى له مغنيتان مشهرتان به.
و (يوم بعاث): سلف قريبا أنه كان للأوس على الخزرج، قال الداودي: وكل فريق منهم ما أديل
(3)
له به في ذلك اليوم ففيه جواز الاستراحة في بعض الأحيان بالكلام ونحوه؛ ليقووا عليه.
وقوله: (بما تقاذفت) أي: بما ترامت به ذلك اليوم ويروى: (تعازفت).
قال الخطابي: يحتمل أن يكون من عزف اللهو، وضرب المعازف على تلك الأشعار وإنشادها يتذامرون بذلك على القتال، ويحتمل أن يكون من العزف، وهو أصوات الوغى كعزيف الرياح وهو ما يسمع من دويها ومنه عزيف الجن، وهو جرس أصواتها فيما يقال
(4)
. وفي رواية أبي الحسن بالراء أي: مما تعارفوا ما جرى بينهم.
الحديث التاسع:
حديث أنس رضي الله عنه: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، نَزَلَ في عُلْوِ المَدِينَةِ في حَي يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ .. الحديث.
سلف بطوله في المساجد في باب نبش قبور المشركين
(5)
. وقوله: (عضادتيه حجارة) عضادتا الباب: ما حوله، وهو ما يشد حوله من البناء وغيره.
(1)
مكررة في الأصل، فلعله من باب السهو.
(2)
"أعلام الحديث" 3/ 1700.
(3)
الإدالة: الغلبة، يقال: أديل لنا على عدونا أي: نصرنا عليه، وكانت الدولة لنا.
انظر "النهاية في غريب الحديث" 2/ 141 مادة (دول).
(4)
"أعلام الحديث" 3/ 1700 - 1701.
(5)
سلف برقم (428).